تسمية أولاد الأئمة بأسماء الخلفاء الشبهة الواهیة

هوية الکتاب

العتبة العباسية المقدسة

المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية

قسم الکلام والعقیدة

تسمية أولاد الأئمة بأسماء الخلفاء

الشبهة الواهیة

تأليف

السيد على الشهرستاني

تلخيص

سمير الكرماني

العتبة العباسية المقدسة

المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية

تسمیة أولاد الأئمة بأسماء الخلفاء

الطبعة : الأولى 1436 ه / 2014م

ص: 1

اشارة

تسمیة أولاد الأئمة

بأسماء الخلفاء

ص: 2

بسم الله الحمد الرحيم

ص: 3

العتبة العباسية المقدسة

المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية

تسمیة أولاد الأئمة بأسماء الخلفاء

تأليف :السيد على الشهرستاني

تلخيص :سمير كرماني

الإخراج الفني: نصير شكر

المطبعة: دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع

الطبعة : الأولى 1436 ه / 2014م

ص: 4

كلمة الملخص

على أثر التساؤلات المتكررة على الفضائيات وشبكات الانترنت حول سبب تسمية بعض أولاد أئمة أهل البيت بأسماء الخلفاء، كتب سماحة العلامة المحقق السيد علي الشهرستاني كتاباً باسم «التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي»أجاب فيه عن الشبهات المطروحة حول التسميات، وقد لاقى كتابه هذا استقبالاً حسناً من قبل المؤمنين، وطبع عدة مرات في مدة عامين،وذلك لافتقار المكتبة الاسلامية لمثله من البحوث العلمية التحليلية.

منوّهين الى أنّ الدراسات العلمية، وخصوصاً الخلافية منها تستوجب الشمولية والاستقراء والبسط والتحليل في البحث وهذا مما يتعب المطالع ومما لا يستسيغه إلا المتخصص.

فأردت بتلخيصي هذا أن أخدم المجتمع الإسلامي وخاصة

ص: 5

الشباب منهم ، وأن أُعمم الفائدة للجميع، فتركت بعض المواضيع غير الرئيسية في الكتاب وفهرس المصادر محيلاً القارئ العزيز إلى أصل الكتاب إن أرادها، وما توفيقي إلا باللّه العلي العظيم.

سمير الكرماني

ص: 6

مقدّمة المؤلّف

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:

الدافع الذي بعثني لتصنيف هذا الكتاب هو سؤال وردني،مفاده:هل حقّاً أنّ الإمام علي والأئمة(علیهم السلام) من بعده سمّوا بعض أبنائهم بأسماء الخلفاء : أبي بكر، وعمر، وعثمان؟ أم إنّ الآخرين - كامهات الأولاد والأجداد الأميين أو أحد الخلفاء والحكام - قد وضعوا تلك الأسماء عليهم، والإمام أقرّها لسبب وآخر؟ أو أنّها كانت كنى لأولاد الأئمة ثمّ حرفت إلى أسماء لهم من قبل المؤرخين والنسابين.

وإذا ثبتت التسمية بهذه الأسماء، فهل انّهم عنوا حين التسمية أحداً من الناس، أم انّهم سمّوا بها لكونها أسماء عربية رائجة ؟

بل ما مدى دلالة وضع هذه الأسماء على العلاقة والارتباط بين أهل البيت والصحابة ؟ وهل أنّها تدل على عدالة المسمى بهم أم لا؟ وما هي دوافع ومبررات التسميات؟

ص: 7

بل كيف وضعت أسماء أولاد الإمام علي(علیه السلام)؟ هل كانت بترتيب وتدرج الخلفاء؟ أم انّ ترتيب الأسماء كان من أغلاط المؤرخين؟

هذه الأسئلة وغيرها طرحت وقد أجبت عليها إجمالاً بالقول: إنّ بعض تلك الأسماء وضعت من قبل الإمام على بن أبي طالب حقيقة وواقعاً،نظير وضع اسم عثمان على إبنه من أم البنين بنت حزام الكلابية، لمكانة الصحابي

الجليل عثمان بن مظعون عنده.

وبعضها الآخر كانت من وضع الآخرين، كوضع عمر بن الخطاب اسمه على أحد ولد علي(علیه السلام)بعد أن طلب من الإمام أن أن يهب له تسميته فاستجاب لطلبه(1).

وهناك قسم ثالث هو من تحريفات وتصحيفات الحكّام والمؤرّخين. كما هو في ما قالوه من وجود اسم«أبي بكر»بين ولد الإمام علي(علیه السلام)وهو أمر لا صحة له، فقد يكون هو كنية لمن سمّي بمحمد أو عبداللّه من أولاد علي بن أبي طالب وليلى النهشلية، فأبدلوا الإسم بالكنية فقالوا: أبو بكر بن علي بن أبي طالب.

أو هو كنية لابن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب فسقط اسم الحسن -أو أسقط - وقالوا أبوبكر بن علي.

إنّ جميع هذه الاحتمالات واردة في تسمية أولاد المعصومين ولا يمكن

ص: 8


1- تاريخ المدينة لابن شبة1 :455 ، وأنساب الأشراف للبلاذري2 :413، وراجع : الأغاني 9 : 322 ، وتهذيب الكمال 21: 469 ، وسير أعلام النبلاء 4 : 134 ، وتاريخ الإسلام6 :164 ، وتهذيب التهذيب 7: 426 .

حصرها في مفردة واحدة. ومما يؤسف له أن نجد التهريج حول موضوع التسمية يأخذ مساحات واسعة على شبكات الإنترنيت والفضائيات ويستغل استغلالاً سيئاً بتصور أنّ إثارة هكذا شبهات تربك الشيعي وتؤثر على عقيدته سلباً، فألف أحدهم كراساً أسماه (أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحقّ) جاء فيه:

أما من سمّى ابنه باسم عمر، فمنهم علي(علیه السلام)سمّى ابنه عمر الأكبر، وأمّه : أم حبيب بنت ربيعة، وقد قتل بالطف مع أخيه الحسين(علیه السلام)، والآخر عمر الأصغر وأمّه الصهباء التغلبية، وهذا الأخير عُمِّرَ بعد إخوته فورثهم.

وكذلك الحسن بن علي سمى ابنيه أبابكر وعمر.

وكذلك علي بن الحسين بن علي.

وكذلك علي زين العابدين

وكذلك موسى الكاظم، وكذلك ...(1).

فشبهات كهذه لا تؤثر على صبيان الشيعة فضلاً عن شبابهم ومثقفيهم لأنهم يعلمون جميعاً بأنّ عقب الإمام الحسين بن علي الشهيد منحصر في الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،المعروف بالإمام علي زين العابدين السجاد، فهذان الاسمان ليسا لشخصين - كما تصوّره الجامع والمعدّ لهذه الرسالة - بل هما لشخص واحد.

وكذا ما ذكره عن عمر بن علي وأنّ هناك عمران:

1 - عمر الأكبر وأمه أم حبيب بنت ربيعة.

ص: 9


1- أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحقّ،لجامعه:سليمان بن صالح الخراش : 15 .

2 - عمر الأصغر وأمّه الصهباء التغلبية، وهذا الأخير عمّر بعد إخوته فورثهم ..

فكلا الاسمين والأمين هما لشخص واحد ولامرأة واحدة وهي الصهباء التغلبية المكنّاة بأم حبيب بنت ربيعة لا غير .

ولو أراد البعض من المؤرخين والنسابة الذهاب إلى التعدّد لقال : إنّ عمر الأصغر هو الذي قتل في كربلاء لا الأكبر، وذلك لعدم وجود خلاف في حياة عمر الأكبر بعد واقعة الطف واختلافه مع أبناء إخوته. أما الأصغر فهو الموجود فقط في زيادات شيخ الشرف في الذكور :«عبدالرحمن، عمر الأصغر، عثمان الأصغر، عون، جعفر الأصغر، محسن»،في حين أنّ شيخ الشرف لم يذكر من هي أم عمر الأصغر.

ولا أدري كيف وَفَّقَ واعتبر ابن الصهباء التغلبية هو عمر الأصغر - لا الأكبر - في حين أطبق النسّابة على أنّها كانت من سبي اليمامة أو عين التمر.

وإذا كان عمر بن الخطاب سمّى ابن الإمام علي من الصهباء التغلبية باسمه في أوائل خلافته، فهو يعني ولادته بعد السنة الثانية عشر للهجرة، فكيف يكون من كان عمره 35 سنة يوم الطف - أي سنة 61 للهجرة - أكبر من الذي ولد في أوائل خلافة عمر بن الخطاب؟!

في حين أنّ صبيان الشيعة يعلمون بأنّ من وُلِدَ في السنة الثانية أو الثالثة عشر للهجرة مثلاً يكون عمره عند واقعة الطف 48 سنة، أي أنه أكبر من الذي استشهد بالطف وعمره 35 سنة حسب الأخبار .

فكيف يكون المستشهد بكربلاء هو الأكبر حسب زعم جامع الرسالة؟

ص: 10

هذا وقد أخطأ الجامع أيضاً فيما قاله في تلك الرسالة عن زوجات الإمام علي(عليه السلام) وما لهن من ولد، حيث قال:

لقد تزوج علي (رض) بعد وفاة فاطمة عدّة نساء، أنجبن له عدداً من الأبناء،منهم:عباس بن علي بن أبي طالب، عبداللّه بن علي بن أبي طالب، جعفر بن علي بن أبي طالب،عثمان بن علي بن أبي طالب.

أمهم هي«أم البنين بنت حزام(1)بن دارم».

وأيضاً: عبيداللّه بن علي بن أبي طالب،أبو بكر بن علي بن أبي طالب.أمهما هي: «ليلى بنت مسعود الدارمية».

وأيضاً: يحيى بن علي بن أبي طالب، محمّد الأصغر بن علي بن أبي طالب، عون بن علي بن أبي طالب.أمهم هي:«أسماء بنت عميس».

وأيضاً:رقية بنت علي بن أبي طالب،عمر بن علي بن أبي طالب-الذي توفّي في الخامسة والثلاثين من عمره-. وأمّهما هي: «أم حبيب بنت ربيعة».

وأيضاً:أم الحسن بنت علي بن أبي طالب، رملة الكبرى بنت علي بن أبي طالب . وأمهما هي: «أم مسعود بنت عروة ابن مسعود الثقفي»(2).

وقد أحال - الجامع - في جميع هذه الأمور إلى كتاب «كشف الغمة في معرفة الأئمة»للإربلي، في حين أنّ الإربلي براء من كل هذه المعلومات الخاطئة.

ص: 11


1- الصواب أنه «حرام» كما حقق في محلّه.
2- أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحق: 11.

فهو(رحمة اللّه)لم يعدَّ محمّداً الأصغر ابناً لأسماء بنت عميس - كما قال الجامع والمعدّ - بل نقل عن الشيخ المفيد قوله: (ومحمّد الأصغر المكنّى أبا بكر وعبيداللّه الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطف، أمها: ليلى بنت مسعود الدارمية [النهشلية] ويحيى وعون أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية رضي اللّه عنها)(1).

وعليه، فمثل هذه المعلومات الخاطئة لا يمكنها التأثير على شبابنا الواعي؛ إذ أنّ العقل الإنساني اليوم في نموّ وتطوّر، والمثقّف لا يتأثّر بمثل هذه التحريفات، لأنه ينظر إلى الأُمور بواقعية وتعقّل لا بعاطفة وانفعال.

و إنّي وإن كنت لا أرى قيمة لهكذا إثارات ولا أراها تستحقّ الجواب والردّ، وبنظري أنّ ترك علمائنا لها يرجع لسخفها وضحالة قيمتها العلمية، ولكونها أسئلة ركيكة غير مدروسة .

لكن ماذا نفعل لو نزل الأمر بنا للإجابة على مثلها، فهم يريدون أن يثيروا العواطف ويهيّجوا الأحاسيس لكي يضفوا طابع المحبة بين الخلفاء والآل، وأن يقولوا بأنّ هذه التسميات والمصاهرات بين الآل والصحابة لها الدلالة الكاملة على المحبة - أو قل على عدم وجود الخلاف بينهم - في حين أنّ الخلاف بين الآل والخلفاء عميق بعمق التاريخ الإسلامي.

وكفى مدعي المحبّة أن يراجع (باب قول النبي صلی اللّه علیه وآله وسلّم) : «لا نورّث ما تركناه صدقة» من صحيح مسلم(2)ليرى قول الإمام عليّ في أبي بكر وعمر

ص: 12


1- كشف الغمة67:2،عن إرشاد المفيد 1 : 354.
2- صحيح مسلم1377:3/ ح 1757 ،كتاب الجهاد باب حكم الفيء، مسند أبي عوانة 4 : 245 ح 6666 .

مع التأكيد، بأنّ أئمة أهل البيت(عليهم السلام)رغم خلافهم الجوهري مع أبي بكر وعمر وعثمان لم يكونوا حسّاسين بهذا القدر مع التسمية بأسمائهم،حتى أثار معاوية،ومروان،والحجّاج روح الضغينة والمضادة والمعاندة

مع التسمية بعلیّ.

فتركت التسمية بعمر - بعد الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين - في أولاد المعصومين، بعد أن كانت قد تركت التسمية بعثمان من بعد الإمام علي وحتى في ولده من غير المعصومين.

وهكذا كان حال شيعة علي(عليه السلام)- إلى القرن السادس الهجري، وحتّى قليل من بعده - فهم كانوا يسمّون بتلك الأسماء رغم وقوفهم على إجحاف الآخرين بأسماء أئمّتهم وطمسها، وقتلهم لمن تسمّوا بها ولو راجعت كتب الرجال والتراجم لوقفت على وجود أسماء الثلاثة في رجال الشيعة حتّى ترى أسمائهم في مشايخ النجاشي والصدوق رحمهما اللّه تعالى وفي أسماء غيرهما من أساطين المذهب.

فالإمام المعصوم لم ينهى فيه أصحابه أو أولاده أو أحفاده من التسمية بأبي بكر أو عمر أو عثمان ؟ مع معرفة الكلّ بأنّ أئمة أهل البيت كانوا على خلاف مع الخلفاء ومع عائشة على وجه الخصوص؟ فلا تَدْعُهُمْ هذه المخالفة لمحاربة هذه الأسماء بما هي أسماء ؛ لأنهم كانوا ينظرون إلى المواقف والأعمال لا الأسماء، وعلى المؤمن أن يتبرأ من الأعمال لا الأسماء؟

إذن أئمّة أهل البيت هم أسمى من أن يتأثّروا بالهوى، وأن يؤطّروا مواقفهم بأُطر ضيقة، فلا يسقطون خلافاتهم الجوهريّة على الأسماء الظاهريّة،

ص: 13

ولم يحاربوا الأشخاص على الهوية كما فعله معاوية (1)ومروان (2)وعبدالملك بن مروان(3)والحجاج(4)مع محبّي الإمام علي ، وقتل من تسمّى به(5)أو قطع لسانه(6)أو حذف اسمه من الديوان(7)؛ لأنّ فعل النبي والإمام جاء لتحقيق ؛ الأمر الإلهي وليس اتباعاً للهوى.

وفي اعتقادي أن ما قاله رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)في خالد بن الوليد يوم فتح مكّة:«اللهم إني أبرأُ إليك مما صنع خالد»(8)،فيه إشارة إلى لزوم التبري من أفعال الناس الخبيثة لا أسمائهم، وأن سيرة النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) جاءت لتكون قاعدة في التسميات.

إذن المعادلة أخذت تتغيّر شيئاً فشيئاً بعد معاوية ويزيد حتّى انقلبت منذ أواسط القرن السادس الهجري من التسمية إلى عدم التسمية، فأخذت العامة

ص: 14


1- تهذيب الكمال20 :429 ،تهذيب التهذيب7 :280 ، الاكمال6 :250 ،تاریخ الإسلام7 :427 .
2- الكافي 6: 19 / 7 وعنه في وسائل الشيعة 21: 395 / 1، وبحار الأنوار 211:44 / 8،شرح نهج البلاغة 13: 220.
3- تاريخ الطبري4 :165 الكامل في التاريخ 4 :432 ، وفيات الأعيان 3: 275 ت 425.
4- تهذيب التهذيب7: 201 ، الاشتقاق لابن دريد : 165 ، الوافي بالوفيات 19 : 128 .
5- الإرشاد 1 : 328 ، مستدرك وسائل الشيعة 12: 273 / 11 .
6- الصراط المستقيم 1 : 152 .
7- کتاب سلیم بن قيس: 318 ،شرح ابن أبي الحديد 11: 45، مختصر بصائر الدرجات: 14.
8- صحيح البخاري 4 : 1577 ح 4084 و 5 : 2335 من باب رفع الأيدي في الدعاء،2628:6 و ح 6766 ، سنن النسائي (المجتبى) 8: 236 ح 2405.

تسمّي أبناءها بعلي والحسن والحسين - بعد طول الإجحاف ومداراة للحكام - والشيعة تركت التسمية بأسماء الثلاثة،وذلك لفتاوى صدرت من فقهاء البلاط كان آخرها ما صدر عن أحد وعاظ السلاطين في الرّي في عهد بركيارق بن ملك شاه بن ألب أرسلان السلجوقي(1)أساء فيها إلى الصدّيقة البتول فاطمة الزهراء(علیها السلام)، واتّهم الشيعة بسوء النيّة في التسميات، ممّا أثار سخطهم، وهو اتهام يشبه ما صدر عن معاوية في حقّ الإمام عليّ (2).

أجل إنّ الشيعة أخذت تحدّ من التسمية بأسماء الخلفاء الثلاثة جرّاء سياسات الأمويين، والمروانيين، والعباسيين، والسلجوقيين، والعثمانيين، وما فعله صلاح الدين الأيوبي بهم.

وقبل ذلك لاحق واضطهد معاوية والحجّاج كل من تسمّى باسم الإمام علي، كلّ هذه الأمور مجتمعة دعت الشيعة إلى أن تقلّل من التسمية بأسماء الثلاثة.

وعليه فقد ظهرت المضادة مع هذه الأسماء علناً في أواسط القرن السادس الهجري وأوائل السابع مما أغضب ابن تيمية ودعاه أن يتهم الشيعة مدعياً بأنّ أهل السنة والجماعة يسمّون بأسماء أئمة أهل البيت، فلماذا لا تسمّون أنتم بأسماء الثلاثة (3)؟! في حين هو يعلم بأنّ الخلفاء والحكّام أمويين كانوا أم عباسيين - كانوا يتحسّسون من التسمية بهذه الأسماء، وكان

ص: 15


1- الذي ولّي سنة 487ه ومات في سنة 498 ه،الكامل في التاريخ 8: 493 ، 9 : 77 .
2- انظر سليم بن قيس : 301 ونهج البلاغة : 385 الكتاب 28 .
3- انظر منهاج السنة 1: 41 - 44 .

الرواة في العصور التي سبقته لا يمكنهم الرواية عن «عليّ» فكيف التسمية باسمه؟! وأنّهم كانوا لا يمكنهم الرواية عنه إلا بالكناية فيقولون: «عن أبي زينب»(1).

وعليه، فالتسمية بأسماء الثلاثة مرّت بمراحل وتطوّرت بتطوّر الزمن حتى وصل الأمر إلى ما نحن فيه، وإنّ ترك الشيعة في العصور الأخيرة لأسماء الثلاثة لم يكن تعصباً واعتباطاً كما يقال. بل كان نتيجة طبيعية للممارسات

الغير صحيحة من قبل الآخرين.

هذه الإثارات المتكرّرة جعلتنا نهتم بهذا الأمر ونجعله ضمن برنامجنا العلمي، مفردين لذلك رسالة مستقلة، وخصوصاً حينما لم نجد رسالة مستقلة توضّح هذه الإشكالية بشكل يلائم عقلية الشباب المسلم اليوم وإن كان علماؤنا الأجلاء قد تعرّضوا لهذه الشبهة في كتبهم الكلامية على نحو الاستطراد لا الاستقراء والشمولية، وسيكون كلامنا معقوداً في ضمن بحثين أساسيين :

الأوّل: التسمية بين منهج أهل البيت وسياسة الخلفاء.

الثاني: في التكنية بأبي بكر.

وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم

ص: 16


1- شرح النهج 4 :73 ، وانظر الاختصاص: 128 وكلام الحسن البصري في تهذيب الكمال 6 : 124 ، تدريب الراوي 1 : 204 ، السيرة الحلبية 2: 289 .

البحث الأول التسمية بعمر وعثمان وعائشة بين منهج أهل البيت(علیهم السلام)وسياسة الخلفاء

ثلاث مقدمات

ص: 17

ص: 18

قبل البدء في البحث لابدّ من التمهيد له بثلاث مقدمات:

الأولى:وضع التسميات عند العرب.

الثانية: هل إنّ التسمية هي من وظائف الأب،أم الأمّ،أم الجدّ،أم كبير القوم كالنبي والإمام والخليفة، أم من غيرهم؟

الثالثة: بيان الأسباب التي دعت أئمة أهل البيت(علیهم السلام)لوضع أسماء الخلفاء على أولادهم - إن ثبت - أو قبولهم بها .

المقدمة الأولى: وضع الأسماء عند العرب:

من المعلوم أنّ غالب أسماء العرب كانت توضع على الفال، وقد اشتهر عن العربي أنّه إذا ولد له ولد فأول شيء يستقبله سمّاه به (1)فقد يسمي يسمي العربي

ص: 19


1- تهذيب الكمال 21: 65 ، أنظر الحيوان للجاحظ 1 : 178.

ابنه بأسماء الوحوش أو الحشرات أو النبات، وقد تكون بعض الأسماء مبهمة أو قبيحة، لأنّ الأسماء منقولة عمّا يدور في خزائن مخيلتهم مما يألفونه ويجاورونه ويخالطونه.

فالأسماء الحسنة الجميلة تبعث على التفاؤل، أما الخبيثة الرديئة فإنّها تولي التشاؤم، والإسلام حبّذ التفاؤل بالخير دون الشرّ ولم ينه عنه، وحذّر من التشاؤم والتسمية بالأسماء القبيحة فقيل إنّ رسول اللّه إذا أعجبته كلمة قال:أخذنا فالك من فيك، وأنه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كان يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: يا راشد یا نجيح وإنّه قال: لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل(1).

فمن الطبيعي أن يكون للأسماء تأثير على سلوك الفرد سلباً أو إيجاباً، فلو تسمّى شخص مثلاً باسم «عالم» و «مخترع» فإن هذا سيؤثر على سلوكه العلمي فيسعى للتعلّم أكثر كي يكون مبدعاً ومخترعاً، ومن هذا الباب جاء التأكيد على التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين، ليقُتدى بهم والنهي عن التسمية بأسماء أعداء الدين لكي لا يغترّ أحد بالتشبّه بهم أو يتأثر بسلوكهم ومشاربهم.

لكن لا يعني ذلك بأنّ للأسماء تأثيراً كونياً على الأشخاص بحيث لو سُمّي شخص بإسم حسن سيكون حسناً إلى آخر عمره، ومن تسمى بالاسم

ص: 20


1- انظر المفصل في تاريخ العرب 12 : 379 ، وانظر حديث«أخذنا فألك من فيك» في سنن أبي داود 4: 18 ح 3917، وحديث«لا عدوى ولا طيرة...» في صحيح البخاري 217165 ح 5424 ، صحيح مسلم 4: 1746 ح 2224، وعن علي بن أبي طالب:العين حقّ،والرُّقَى حقّ، والسحر حقّ،والفال حقّ،والطيرة ليست بحقّ، والعدوى ليست بحقّ. نهج البلاغة: 546 رقم 400 تحقيق صبحي الصالح.

السيء سيكون سيئاً إلى آخر العمر، بل إنّ الأمر الشرعي كان لبيان المعايير الأخلاقية المرجوة في التسميات.

فقد ورد عن الحسن البصري أنه قال:

إنّ اللّه ليوقف العبد بين يديه يوم القيامة اسمه أحمد أو محمّد، قال: فيقول اللّه تعالى له: عبدي أما استحييت منّي وأنت تعصيني واسمك اسم محمّد؟ فينكس العبد رأسه حياءً ويقول: اللهم إنّي قد فعلت[وندمت]، فيقول اللّه عزّ وجلّ : يا جبرئيل خذ بيد عبدي وأدخله الجنّة فإنّي أستحي أن أعذب بالنار من اسمه اسم حبيبي(1).

وفي مستدرك وسائل الشيعة: إنّ رجلا يؤتى به في القيامة واسمه محمّد، فيقول اللّه له: ما استحيت أن عصيتني وأنت سَمِيُّ حبيبي! وأنا أستحي أن أعذّبك وأنت سميُّ حبيبي(2).

وعليه فأسماء الرموز الدينية تأخذ طابعاً مقدساً فتكون كماهيّاتهم، فلا يجيز الفقهاء - على خلاف بينهم في الحاق الأنبياء والأوصياء الذين لم يذكروا في الكتاب-مسّ الأسماء المقدَّسة كأسماء البارئ تعالى وأسماء الأنبياء و الأوصياء إلا على طهر، أي أنّ منزلتهم ومكانتهم تكون كالقرآن الذي(لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ)(3).

وكذلك هي الحال في الطرف المقابل بالنسبة إلى النهي عن التسمية

ص: 21


1- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل : 129.
2- مستدرك 15: 130 ح 4 .
3- الواقعة: 79.

بأسماء الأعداء، فقد جاء النهي عنها، كي لا يطمع أحد أن يكون مَثَلاً مميزاً في الشَّر ، ولا يكون كيزيد وشمر والحجاج المخلَّدَيْن بأعمالهما الإجرامية.

وعليه فأسماء الأوصياء هي أسماء مشتقة من اسم الباري، أو قل أنها أسماء محبوبة عنده جلّ وعلا.

أمّا الأسماء التي يضعها المعصومون على أولادهم غير المعصومين، أو يقبلون بها - كالتي وضعت من قبل الأمهات أو الخلفاء مثلاً - فلا يلزم فيها أكثر من أن تكون أسماء حسنة عند العرب، أي أنّ الإمام يكتفي في التسميات لحاظ المعنى اللّغوي للاسم فقط بحيث لا يكون قبيحاً.

نعم، إنّ الإسلام أهمل بعض الألفاظ لا لعدم إقراره بمعانيها فحسب، بل لكونها غريبة وحشية أو خشنة جافة، أو متنافرة الأصوات، أو عديمة الظَّلال، أو متعثّرة المعنى، فهو ينظر إلى انسيابية الكلمة مع لحاظ معناها اللغوي، فلا يرضى بالمعنى اللغوي مع وحشية الكلمة.

لكنّ المشركين والجاهليين من العرب كانوا يتعاملون مع الألفاظ والأسماء على أنها علائم للتمييز فقط، ومن هنا اختلف النحاة في أصل اشتقاق الاسم، فذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من «وَسَمَ يَسِمُ»، والوسم : هو العلامةُ، والعلامة عندهم تغلب على السُّمُو والرفعة في المعنى.

وذهب البصريون إلى أنه مشتق من«سما يسمو»، والسموّ : هو العلوّ والرفعة.

وبذلك يكون أصل الاسم على رأي الكوفيين «وَسْماً» حذفت فاؤه التي هی الواو - وعوّض عنها الهمزة، وإنّما سُمّي اسماً؛ لأنه سمة وعلامة توضع على الشيء، يعرف بها.

ص: 22

وأمّا البصريون فأخذوه من السُّمُو على وزن العُلُوّ والغُلُوّ، ثم حذفت لامه - التي هي الواو - وعوّض عنها الهمزة في أوله، وسمي اسماً؛لأنه سما بمسمّاه فرفعه وكشف معناه،وقيل:سمّي بذلك لعلوّه على قسيميه-الفعل والحرف-.

وعليه،فإنّ أمر رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بتحسين الأسماء ونهيه من التسمية بالأسماء القبيحة وتغييره لبعض الأسماء، كلها تشير إلى أنّ المعاني ملحوظة في التسميات عند المسلمين وأنها لم تكن ارتجالية بحتة، وأنّ الإسلام لا ينظر إلى الاسم على أنه علامة فقط، بل إنّ الاسم عنده مشتق من «سما يسمو»، أي يلحظ فيه العلو والرفعة مع لحاظ العلمية، أو من «وسم يَسِمُ» لكن يلحظ فيه العلامة الصالحة والسّمة المعبّرة عن الشخص بما لها من دلالة إيجابيّة، ولذلك دعا الإسلام إلى تحسين التسمية.

وهو الآخر يشير إلى وجود الرابطة بين المعتقد والتسمية، لأنّ ربّ العالمين أنكر على المشركين تسميتهم آلهتهم بالعزّى وأمثالها بقوله:﴿إِنْ هِيَ إلا أسماء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَان )(1)،وهو ليؤكّد بأنّ الإسلام جاء ليهذّب اللغة، ويربّي الإنسان على الأخلاق الفاضلة والكلمات الجميلة الحسنة،وأن يبتعد عن التنابز بالألقاب، والتسمية بالأسماء القبيحة،كما أنه جاء ليغيّر المفاهيم الجاهلية إلى مفاهيم توحيدية.

فسعى إلى تغيير الأسماء الجاهلية كعبد الكعبة، وعبد العزّى، وعبد الحارث، إلى عبد اللّه، وعبد الخالق، وعبد الرحمن، ففي كتاب (المنتخب)

ص: 23


1- النجم: 23 .

للطريحي،- في خبر - في دخول نصراني من ملك الروم على رسول اللّه إلى أن قال :فقال(صلی اللّه علیه وآله وسلّم):ما اسمك ؟ فقلت: اسمي عبدالشمس، فقال لي : بَدِّل اِسمَكَ فإنّي أُسمِّيك عبد الوهاب(1).

فالتسمية إذن ترتبط بالمعتقد كما هي علامة كذلك، وإنّ علماء الاجتماع والتاريخ واللغة يدرسون هذه الروابط في بحوثهم، لأنهم لو أرادوا التعرّف على قناعات مجتمع ما لابد لهم من دراسة عقائدهم وأعرافهم، وقد لا يحصل لهم ذلك إلا من خلال وقوفهم على التسميات، لأن الأسماء لها ارتباط بالمسمى ويلمح إلى الاتجاه الفكري للطرف الآخر وما يحمله من فكر وعقائد،وإنك اليوم ترى أوّل ما تقوم به الثورات هو تغيير وتبديل أسماء المراكز والساحات والمدن للدلالة على أنّ الوضع قد تغيّر في غالب معاييره.

فرسول اللّه حينما غيّر اسم عاصية إلى جميلة(2)،أو حزن إلى سهل(3)،وغاوي بن ظالم إلى راشد بن عبداللّه(4)أراد أن لا يظن من يسمع باسم العاصي أنّ ذلك صفة له، أو أنه إنّما سُمّي بذلك لمعصيته ربّه، فحوّل ذلك إلى ما إذا دُعي به كان صدقاً مثل عبد الله .

وأمّا تحويله «برَّة» إلى زينب، فلأنَّ ذلك كان تزكية ومدحاً لها، فحوّله إلى

ص: 24


1- مستدرك وسائل الشيعة 15 : 128 ح 7 ، بحار الانوار 45: 189 ح 36.
2- صحیح مسلم 3: 1686 / 2139 ، مشكاة المصابيح 3: 1345 .
3- صحيح البخاري 5 : 2288 و 2289 ، رقم 5836 ، عمدة القاري 16 : 290.
4- الجرح والتعديل 3: 482 ت 2177 وأنظر سبل الهدى والرشاد 9 : 360 في الأسماء التي بدلها رسول الله .

ما لا تزكية فيه بل فيه نوع من المدح والتفاؤل بالبرِّ. وعلى هذا النحو سائر الأسماء التي غيّرها رسول اللّه.

فأولى الأسماء أن يتسمّى الإنسان بها أقربها إلى الصدق وأَحراها أن لا يُشْكَلَ على سامعها،لأنّ الأسماء إنّما هى للدلالة والتعريف(1).

وكذا الحال بالنسبة إلى الأسماء المنهيّ عنها مثل:حكم،وحكيم،وخالد،ومالك،وحارث،فقد نهى(صلی اللّه علیه و آله وسلم)عنها لدلالة بعضها على الصفات الإلهية، أو لكونها اسماً للشيطان، ومن الثابت بأنّ التسمية بهذا اللحاظ منهيُّ عنها، أما لو أريد من اسم مالك أنه مالك لأَرْبِهِ، أو مالك لنفسه، فلا نهي عنه .

كما لا يخفى عليك أنّ جاهلية العرب كانوا يسعون للوقوف أمام المدّ الإسلامي الأصيل بنقائضهم الشعرية،حتى قيل بأنّ شعر النقائض أخذ طابعه بعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة، فصار الشعر إسلامياً وقيميّاً عند البعض، بعد أن كان فخراً وهجاءً جاهلياً في سبيل السيادة القبلية والمطالب المادية، في حين بقي البعض الآخر يشيد بأيّام العرب والقيم الجاهلية بعد الإسلام.

فمدرسة المدينة دافعت عن فكر الرسول وتعاليمه العالية.

ومدرسة مكة وقفت مع المشركين تارة علناً وتارة خفية ونفاقاً، وهذا ما يعرفه اللبيب العالم.

إذن المثّقفون من العرب كانوا يلحظون المعاني حين تسميتهم للأشياء،

ص: 25


1- شرح ابن بطال17: 433 .

ولأجل ذلك خاطبهم البارئ تعالى في محكم كتابه مبيناً خطأ تسميتهم للأصنام بعزّى وأمثالها في قوله تعالى: ﴿إِنْ هِيَ إِلا أَسماء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَان)(1)،لأنّ تلك الأصنام ليست بعزيزة، ولا توصل من تعبَّد بها إلى العزة، فمن الخطأ البين أن يقال لها: عُزَّى.

ومن هذا القبيل الأسماء التي جاءت في القرآن أو جاء بها النبي،حيث إنّها أسماء ملحوظ فيها المعاني لا محالة، بل إنّ إحدى أهداف الرسالة هی تغيير الوضع الجاهلي في لغته وأفكاره وقيمه،وإنّ الرسول الأكرم(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)جدّ لتغيير الأسماء القبيحة وتهذيبها،وخصوصاً التي تحمل مفاهيم خاطئة،كعبدالعزّى،وعبد الكعبة،وعبد الحارث،وعبد شمس؛لأنّ الرّسول محمّد بَدَأَ دعوته بمفاهيم وقيم لم يعرفها الجاهليون،مع أنهم كانوا يتصوّرون بأنّ ما أتى به الرسول ما هو إلا تحكيم لسلطانه،في حين أنّ الأمر لم يكن كذلك،بل كان يتعلّق بربّ العالمين والمقررات الإلهية.

المقدمة الثانية: تسمية الأولاد في الإسلام، لمن؟

أ - إنها للآباء :

في الأحاديث النبوية أخبار دالة على أنّ التسمية هي من حقّ الآباء مع عدم الممانعة من تسمية الأمهات لابناء هنّ وخصوصاً لو كان الأب غائباً؟

فجاء في الحديث النبويّ: إنّ من حقّ الولد على والده أن يحسن اسمه،

ص: 26


1- النجم: 23 .

ويحسن مرضعه، ويحسن أدبه(1).

وجاء في حديث آخر عن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم): «إِنَّكُم تُدْعَوْنَ يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم»(2).وفيه إشعار بأنّ الانسان لو كان له اسم سيّئ يستحب له أن يغيّر اسمه.

وجاء في أمالي الصدوق أنّ الإمام علي سأل فاطمة الزهراء - عند ولادة الحسن والحسين - : ما سمّيتيه؟ فقالت: ما كنت لاسبقك باسمه، ثمّ سأل النبي عليّاً عن اسمه، فقال(علیه السلام):«ما كنت لا سبقك باسمه، فقال النبيّ : ما

كنت لأسبق باسمه ربّي»(3).

فالمرأة الحرة كانت تسمّي أولادها بعكس الأَمة المغلوبة على أمرها ففاطمة بنت أسد سمّت الإمام حيدراً مع وجود أبي طالب الذي أبدل اسمه، ولأجل ذلك ترى الإمام يفتخر بما سمّته به(4)أمّه، وهو دليل على احترامه لتسميتها وقبوله بها بعد استقرار اسم عليٍّ عليه من قبل أبيه .

أمّا الأَمة التي لا يحق لها التسمية ويحق للآخرين التجاوز على قراراتها،

ص: 27


1- شعب الإيمان 6: 401 ح 8667 ، وانظر معجم الشيوخ للصيداوي: 320، وفيه: ويحسن موضعه الجامع الصغير 1: 579 ح 3746 ، التيسير بشرح الجامع الصغير 1 : 500 ، قال : ( ويحسن موضعه)في نسخ بالواو وفي بعضها بالراء أي رضاعه.
2- سنن أبي داود 4: 287 ح 4948 ، سنن الدارمي 2: 380 ح 2694، وتحفة المولود: 111 ، 148 ، قال : رواه أبو داود بإسناد حسن.
3- انظر الأمالي، للصدوق: 197.
4- وذلك في قوله(علیه السلام): أنا الذي سمتني أمي حيدرة***ضرغام آجام وليتٌ قَسْوَرَه

ومن هنا جاء سؤال عمر عن مولود علي وأنه من أي نسائه؟

ففي تاريخ المدينة لابن شبة النميري:

حدّثنا عیسی بن عبداللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب،قال:حدّثني أبي،عن أبيه،عن علي بن أبي طالب(علیه السلام)،قال:ولد لي غلام يوم قام عمر، فغدوت عليه،فقلت له : ولد لي غلام هذه الليلة.

قال: ممن؟

قلت:من التغلبية.

قال:فهب لي اسمه.

قلت : نعم.

قال: فقد سميته باسمي، ونحلته غلامي موركاً. قال : وكان نوبياً.

قال : فأعتقه عمر بن علي بعد ذلك، فولده اليوم مواليه(1).

لأنّ المولود لو كان لحرّة لما أمكن لعمر بن الخطاب أن يطلب من الإمام

أن يهبه اسمه ؛ لأنّ ذلك هو تجاوز على العرف آنذاك.

ولا يخفى عليك بأنّ هناك فرق بين أن يطلب إنسان من شخص أن يسمي ابنه أو يُطْلَبْ منه أن يسمي مولوده، فروي أنّ عبد اللّه بن عباس ولد له مولود فقال له علي بن أبي طالب:ما سمَّيته؟ قال: يا أمير المؤمنين أو يجوز لي

ص: 28


1- تاريخ المدينة لابن شبة 1: 400 ، وراجع الأغاني9 :302 وفيه: يوم قام عمر بن عبد العزيز. وهو خطأ يقيناً لأن ابن عبدالعزيز لم يدرك علياً. وتهذيب الكمال 21: 469 ،وسير أعلام النبلاء 4: 134،وتاريخ الإسلام 6: 164،وتهذيب التهذيب 7: 426،وأنساب الأشراف للبلاذري 2: 413.

أن أسمِّيه حتّى تسمِّيَهُ ! فأمر به وأخرج إليه فحنّكه ودعا له، ثمّ رده إليه وقال: خذ إليك أبا الأملاك، وقد سمّيته : عليّاً، وكنيته:أبا الحسن(1).

ومن هذا الباب أراد البعض أن يستفيد من تسمية عمر بن الخطّاب لابن الإمام علي ب«عمر»على أنّه كان للدلالة على الصداقة والمحبّة بينهما، في حين أنّ الاستشهاد بمثل هذا على المحبة يحتاج إلى دليل - كما في تصريح ابن عبّاس بأنه لا يسبق بتسميته عليّاً(علیه السلام)- وهو مفقود في نص ابن شبة الآنف، بل العكس هو الصحيح.

لأنّ الإمام علي بن أبي طالب - في هذا النص - يعترف بحقّ التسمية للأب، ولا يريد مزايدة ابن عباس عليه،فيقول له:ما سمّيته؟ وهنا يأتي دور ابن عباس المحبّ ليقول للإمام: «أَوَ يجوز لي أن أسمِّيه حتّى تسمِّيه»؟!

وهذا النص يختلف تماماً عن نص ابن شبّة النميري، والذي فيه طلب عمر من علي تسمية ولده ابتداءً ودون سابق سؤال، بقوله:«هب لي اسمه،قلت : نعم، فقال: قد سمّيته باسمي ونحلته غلامي موركاً»(2).

إنّ سكوت الإمام، وعدم مخالفته مع طلب عمر يرجع للظروف التي كان يعيشها آنذاك، فهو(علیه السلام)أخبر عُمَرَ عَرَضاً بما ولد له، ولم يطلب منه التسمية ؛ إذ لا نراه يقول : أنا جئتك لتسمِّيه ، وأمثال ذلك، بل إنّ قبوله بتسمية ابنه ب«عمر» ليوحي بأنه لم يكن للمحبة ؛ لأنّ دلالات المحبة غير ذلك.

ص: 29


1- انظر شرح النهج7 :148. وهناك نصوص آخر ترد عليك لاحقاً فانتظر.
2- تاريخ المدينة 1: 400 .

فلو أُريد الاستدلال بنص ابن شبة على المحبّة، فلابدّ من التأكيد على المؤشّرات الظاهرة والخفية فيه، إذ النصّ يشير إلى غير ذلك، لأنّ الإمام كان يريد أن يحكي ولادة مولود له من زوجته صهباء التغلبية المسبية من اليمامة أو عين التمر، وليس فيه أكثر من هذا، وإنّ استجابته بقوله: «نعم»، لا يعني قبول الإمام بهذا الاسم وأنه كان عن رضى وطيب خاطر، بل قد يكون مُحرَجاً حينما سمع بطلب عمر أن يهبه تسمية الغلام، كما هو ظاهر الخبر.

و إنّ قوله : (نعم)، يختلف عن قوله : كيف لي أن أسميه وأنت فينا، أو : أو يجوز لي أن أسمّيه حتّى تسمِّيه ، ألم يكن على الإمام أن يقول كما قال ذلك الرجل لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلّم)، إذ حكى ابن كثير في تفسيره: ان رجلاً قال : يا رسول اللّه ولد لي الليلة ولد فما أُسمّيه ؟ قال : سَمِّ ابنك عبدالرحمن(1).

و ممّا يمكن احتماله بهذا الصدد:أنّ الإمام(علیه السلام)جاء بخبر المولود إلى عمر بن الخطاب - كغيره من المسلمين - كي يفرض له العطاء، إذ المسلمون كان لهم ديوان،وهو بمثابة دائرة النفوس اليوم،وكان يثبت فيه اسم من ولد منهم،فقد يكون شأن الإمام - في هذا الموضوع - شأن سعد بن جنادة الذي جاء إلى الإمام عليّ أيام خلافته لكي يسجّل اسم ابنه في دائرة الأحوال المدنية، المسمّى آنذاك بالديوان، لكن بفارق أنّ سعد بن جنادة حين الإخبار طلب من الإمام أن يسمِّي ابنه ، بخلاف الإمام علي الذي لم يطلب التسمية من عمر بن الخطاب.

فقد جاء في الطبقات الكبرى أنّ سعد بن جنادة جاء إلى علي بن أبي

ص: 30


1- تفسير ابن كثير 1: 360 .

طالب وهو بالكوفة فقال:

يا أمير المؤمنين، إنّه ولد لي غلام فَسَمِّهِ.

قال: هذا عطية اللّه، فَسُمِّيَ عطيّة، وكانت أمه أم ولد رومية.

وعن فضيل، عن عطية، قال: لما وُلِدْتُ أتى بي أبي عليّاً فأخبره، ففرض لي مائة، ثمّ أعطى أبي عطائي، فاشترى أبي منها سمنا وعسلًا(1).

تأمَّل في فقرات هذين النَّصَّين وقارنها مع ما جاء في (تاريخ المدينة) من انّ عمر بن الخطاب طلب بِسَماجَة من الإمام علي أن يسمِّي ولده باسمه، لترى في هذين النصين هذه الجمل:

1 - ما وُلِدْتُ أتى بي أبي علياً فأخبره ففرض لي في مائة.

2 - ثمّ أعطى أبي عطائي.

3 - فاشترى أبي منها [ أي من المائة ] سمناً وعسلاً.

4 - طلب سعد من الإمام، وهذا ما لا نلاحظه في نص ابن شبة. في حين الموجود في نص (تاريخ المدينة) لابن شبة الأمور التالية:

1 - أنّ الإمام عليّاً لم يأت بولده إلى عمر بن الخطاب بل أخبره عَرَضاً.

2 - لم نقف على زيادة من الإمام عليّ لعطية على ما فرض له من حقّ كأحد المسلمين،لكنّا وقفنا على هذه الزيادة عند عمر إذ قال :«وهبته غلامي موركا » .

3 - طلب عمر من الإمام أن يسمّي ابنه، بعكس سعد بن جنادة الذي طلب من الإمام أن يسمي ابنه .

ص: 31


1- انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 6 :304.

وعليه فليس في نص ابن شبة أكثر من أن يكون الإمام قد أخبر عمر بحال سبيّة اليمامة وأنّ اللّه رزقه منها ولداً.

لكنّه لما رأى إرادة عمر أن ينحله اسمه، لم يخالفه لكون اسم عمر اسماً عربياً رائجاً وأنّ الإمام أسمى من أنّ يختلف مع الآخرين على الأسماء.

وفي هذه القضية بَيَّنَ الإمام(علیه السلام)أمراً لشيعته، وهو جواز التسمية بأسماء المخالفين لو مَرّوا بظروف قاسية، أي أنه(علیه السلام)فعل مثل ما فعل النبي حين تزوج زوجة زيد بن حارثه - زينب بنت جحش - كي يبين عدم حرمة تزوج أبناء التبني والذي كان محرماً في الجاهلية.

فالنبي بزواجه من زينب أراد أن ينفي الحرمة المعهودة من هذا الزواج في الجاهلية، والإمام(علیه السلام)بفعله هنا أراد بيان جواز التسمية بأسماء المخالفين في ظروف خاصة تقية وتسهيلاً، فلا ضير لشيعي بعد ذلك ؛ لو مرّ بظروف حرجة أن يمتنع من التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان وأمثالها، لأنه ليس بأولى من الإمام على بن أبي طالب وأولاده المعصومين الذين سكتوا على تسمية أولادهم بأسماء الثلاثة.

على أنني لا أبعد أن يكون الإمام الحظ بعمله هذا الوقوفَ أمام حرب الأسماء الباردة التي شنت في عهده ثم استمرت من بعده وهي غالباً ما تتستر بالشيخين، فالإمام وبإمضائه لاسم عمر على ولده أراد الوقوف أمام استغلال أرباب النهج الآخر لهذه الأسماء في صراعهم مع الإمام علي، والذي تبيّن جليّاً واضحاً من بعد في زمان معاوية بن أبي سفيان.

إذن مخالفة الإمام لطلب عمر - لو وقعت - تعني مخالفته مع أصل

ص: 32

التسمية بهذا الاسم أو ذاك، وهو ما لا یریده(علیه السلام)،خصوصاً مع عدم وجود قبح ذاتي في أصل التسمية باسم عمر لغة.

إنّ المخالفة تعني خروجاً عن أصل الضوابط العرفية المرسومة في التسميات، والدخول في حرج مع الأشخاص والأسماء، وتشديد الأزمة بينه وبين النهج الحاكم، والدخول في أمور جزئية هو في غنى عنها، لأنّ عمر بن الخطاب كان يمكنه أن يقول للإمام علي - عند عدم ارتضائه التسمية - : هل القبح فيَّ، أم في اسمي؟ فإن كان القبح فيَّ، فلماذا تخالف التسمية باسمي؟ وما هو جرم مَن سُمّي بعمر قبلي وبعدي؟ و إن كان الخلاف في معنى اسمي فادعاؤك خلاف اللغة، لأنّ معنى اسمي غير قبيح.

وعليه فالمخالفة من الإمام علي مع التسمية بعمر أو عائشة تكون انفعالية لا أصولية.والإمام علي - بل كل عظيم - لا يرتضي ذلك، بل يرى نفسه جزءً من الكلّ ، وإن اهتماماته بالقيم ترجّح على الأنانية والشخصنة.

بعكس الضعيف الذي يرى نفسه الكلّ في الكلّ وأنّ كل شيء يتجسم فيه وهو الكلّ في الكل، فلا يرتضي النقد، ويريد أن يحمد بما لم يفعله .

فالإمام علي(علیه السلام)لم ينفعل حينما أصدر أوامره ضدّ قاتله ابن ملجم،فقال للحسن(علیه السلام):ضربة بضربة(1)، ولم يجز الإمام علي للحسن(علیه السلام)التنكيل والتمثيل بقاتله، ومثله كان حال غيره من أئمة أهل البيت كالحسن والحسين مع مخالفيهم.

ص: 33


1- تاريخ الطبري 3 :158، نهج البلاغة: 422 الرقم 47 من وصية له(علیه السلام)للحسن والحسين(علیهما السلام).

نعم الأئمة يخالفون هذه الأسماء لو صارت علماً للنهج غير الصحيح، وأنّ مخالفتهم تأتي لمخالفة أولئك الناس للقيم واعتراضهم على الرسول لا لأسمائهم . وبذلك لا ترى إسقاطات النزاع القيمي بين الإمام علي وعمر يؤثر على الأسماء.

وعليه فالإمام لا يريد الخروج عن الضوابط العرفيّة بصرف النظر عن الشرعية، لأنّ شخصية عمر بن الخطاب واسمه لم يعرفا بعد كشاخص بارز في المضادة مع رسول اللّه وأنّه من المخالفين للسنة النبوية والناهين عن تدوين حديثه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)والمعترضين على رسول اللّه في قضايا كثيرة(1)، بل المتأمل في مواقفه(علیه السلام)يرى جليّاً أنه كان يسعى للتأكيد على التعايش السِّلمي الإسلامي، ولزوم الوقوف أمام الفتن.

إنّ الاستدلال بنص ابن شبة على المحبّة يحتاج إلى دليل، لأنّ الدعاوي لو لم توثّق لبقيت على عواهنها دعاوي بلا أدلّة.

نعم،هناك نصّ يدل على لحاظ المحبة في خصوص تسمية ابن الإمام علي بعثمان، لكنّا لم نقف على نصّ صريح مثله في سبب التسمية بأبي بكر أو عمر، وهذا النص صدر عن الإمام في أواخر عهد عثمان بن عفان، أي في وقت تحكم فيه بنو أمية.

فالإمام أراد أن لا يستغل الأمويون هذه التسمية والقول بأنّ هناك محبة بين علي وعثمان بن عفان، وهو الآخر يؤكّد بأنّ التسمية بأبي بكر وعمر لم توضعا من باب المحبة وإلا لذكر الإمام السبب كما ذكره في سبب تسميته ابنه

ص: 34


1- انظر في ذلك كتاب المؤلف (منع تدوين الحديث).

بعثمان. وبذلك يكون استغلال النص الصادر الدال على محبة عثمان بن مظعون وتعميمه على الآخرين باطل، بل فيه تلميح وإشارة إلى شيء آخر.

وخصوصاً مجيء كلام الإمام علي متأخراً - أي بعد تسمية ابنيه بعمر وأبي بكر(1)- فقد يكون(علیه السلام)عنى بكلامه التعريض بمن يدَّعي بأنّه سمی ابنيه الأوّلين احتراماً للشيخين؛ لأنه هنا يقول: «إنّما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون»(2)،فكأنه(علیه السلام)قال:إنّي أريد أن أدفع بهذه التسمية ما يتصوّره بعض الناس بأني سمّيته حبّاً بعثمان بن عفان.

كما أنّي لم أسمِّ ابنَىَّ الأولين حبّاً بالشيخين، أي أن الإمام(علیه السلام)بذكره هذا التعليل عرَّض بالآخرين كنائياً.

وعليه، فعلى المدّعي بأنَّ وضع إسمي أبي بكر وعمر كان للمحبّة أن يأتي بدليل صريح في ذلك، مثلما جاء عن مسروق أنّه قال:

*دخلت عليها [أي على عائشة ] فاستدعت غلاماً باسم عبدالرحمن، فسألتها عنه:فقالت:عبدي،فقلت:كيف سمّيته بعبد الرحمن؟

قالت:حبّاً بعبد الرحمن بن ملجم قاتل علي(3).

*وما جاء عن عبدالملك بن مروان أنّه سمّى ابنه بالحجّاج لحبّه

ص: 35


1- نقول بذلك مسامحة، وذلك لعدم اعتقادنا بوجود ولد للإمام اسمه أبوبكر فهو كنية لمن اسمه عبد اللّه أو محمّد الأصغر، وقد وضّحنا ذلك قبل قليل وسنشرحه أكثر عند الكلام في«زوجات الإمام وأمهات أولاده»في ليلى النهشليّة.
2- مقاتل الطالبيين:55 ، تقريب المعارف:294 .
3- الشافي في الإمامة4 :356 ، الجمل للمفيد : 84 .

للحجاج بن يوسف الثقفي، وقال:

سمّيته الحجّاج بالحجاجِ***الناصحِ المكاشفِ المداجي(1)

وهذان نصان صريحان بأنّ التسمية جاءت لحبّ فلان وفلان، أمّا فيما نحن فيه فهو مفقود، إذ أنّ استجابة الإمام لطلب عمر لا تعني المحبة قطعاً، فقد يكون تقية، وقد تكون مجاملة، وقد يكون لشيء آخر، لأنّ الإمام لم يصرّح بما في نفسه ولا يحقّ لنا أن نُقَوِّلَهُ ما لم يقله، وليس لنا علم بمكنون نفسه، ومثل ذلك موضوع التسمية أو التكنية بأبي بكر فلم يرد نصّ بوضعها من قبله(علیه السلام)، بل كلّ ما رأيناه هو ادعاء معاوية ذلك على الإمام، وتناقل المؤرخين ذلك في كتبهم. ونحن لو أردنا حصر سبب التسمية على المحبة للزمنا القول بأن عثمان بن عفان سمی ابنه ب«عمرو» حباً بأبي جهل «عمرو بن هشام»رأس المشركين والكافرين آنذاك،كما أن عمر بن الخطاب سمى ابنه بعبداللّه حباً برئيس المنافقين عبداللّه بن أبي بن سلول أو عبداللّه بن أبي سرح الذي أمر رسول اللّه بقتله يوم دخل مكة،وهذا ما لا يقبله الآخرون، فنقول لهؤلاء:كيف تلزمونا بما لا تلتزمون به أيّها المسلمون.

أجل، إنّ التضاد بين الفكرين موجود ومتجذر ولا أُريد أن آتي بالنصوص الواحد تلو الأخرى(2)للدلالة على ذلك فلا يمكن للآخر أن يثبت دعوى المحبة بين علي وعمر وفق الحدس والتخمين، فالتسمية أما

ص: 36


1- شرح نهج البلاغة 19 :369، الوافي بالوفيات 11: 243 الترجمة 3.
2- أنظر على سبيل المثال تفسير علي بن إبراهيم القمي 1: 140 و بحار الأنوار 42: 188، 30: 379 - 380 عن تقريب المعارف : 243 .

كانت خوفاً أو مداراة، وقد لا يدخل في هذين السياقين لكون الأسماء توضع للعلمية ولا ينظر فيها الحب والبغض ، وقد تكون ناظرة إلى أشياء أخر.

ومن الطريف هنا أن أنقل ما حكاه ابن كثير في البداية والنهاية،عن محمّد بن زيد العلوي - أمير طبرستان والديلم - أنّه تقدّم إليه يوماً خصمان، اسم أحدهما معاوية، واسم الآخر عليّ، فقال محمّد بن زيد: إن الحكم بينكما ظاهر، فقال معاوية: أيها الأمير، لا تغترنّ بنا، فإن أبي كان من كبار الشيعة، وإنّما سمّاني معاوية مداراة لمن ببلدنا من أهل السنّة، وهذا كان أبوه من كبار النواصب فسمّاه عليّاً تقاة لكم، فتبسّم محمّد بن زيد، وأحسن إليهما(1).

وفي ذيل تاريخ بغداد لابن النجار: أنه ولد لبعض الكتاب ولد، فسماه عليّاً وكناه أبا حفص، فقال له بعضهم: لم كنيته بأبي حفص؟

قال:أردت أن أنغصه على الرافضة(2).

انظر إلى هذين النصين فهما صريحان بوجود التناقض والتضاد بين اسم (علي) وكنية(أبي حفص) وأن كل واحد يدل على اتجاه معين.

فالشيعي يسمي معاوية مداراة لأهل السنة،وفي المقابل أهل السنة كانوا يسمون في ولاية العلوي على طبرستان بعلي تقاة، وكذا قد وقفت على جواب ذاك السني الانفعالي وأنه أراد نغص الشيعة بتكنية ذلك الولد بأبي حفص،كل ذلك يؤكد بوجود التناقض بين الاتجاحين والاسمين قبل ابن تيمية.

ص: 37


1- البداية والنهاية 11 : 83 حوادث سنة 287 ه.
2- ذیل تاریخ بغداد 4: 72.

ب - التسمية للأُمهات :

جاء في مقاتل الطالبيين : إنّ فاطمة بنت أسد سمت ولدها حيدرة، فغيّر أبو طالب اسمه وسمّاه علياً(1).و مع ذلك كان الإمام يفتخر بما سمته به أمه وهو دليل على احترامه لتسميتها وقبوله بها(2)بعد استقرار اسم علي عليه من قبل أبيه وجدّه .

وقال ابن عنبة في عمدة الطالب عند ذكره عقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام)مثل ذلك، والنص هو :

وأُمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف(رض)، وكان قد ولد وأبوه غائب فسمّته فاطمة بنت أسد:حيدرة، لأنّ حيدرة من أسماء الأسد، وقد ذكر ذلك في شعره يوم خيبر فقال(علیه السلام): أنا الذي سمتني أمي حيدرة(3).

وانّما غَيّر أبو طالب اسمه ؛ لأنه كان قد ناجى ربّه في تسمية وليده، بقوله:

يا ربَّ هذا الغسقِ الدَّجِيِّ ***والقمرِ المنبلجِ الُمضِيِّ

بِيِّن لنا من حكمك المقضيِّ***ماذا ترى في اسمِ ذا الصبيِّ

ص: 38


1- مقاتل الطالبيين : 14 ، خزانة الأدب 6: 63 .
2- وذلك في قوله(علیه السلام) : أنا الذي سمتني أمّي حيدرة***ضرغامُ آجام وليثُ قَسْوَرَة
3- عمدة الطالب: 59 .

فجاءه الجواب:

خُصصتها بالولد الزَّكيِّ***والطاهرِ المنتجبِ الرضيِّ

فإِسْمُهُ من شامخ عَلِيٌّ***عَلِىٌّ اشتُقَّ من العَلِىِّ (1)

وهذان البيتان يوحيان إلى أنّ اسم الإمام علي(علیه السلام)كان بإلهام من اللّه إلى أبي طالب،وهو يشبه ما رآه عبدالمطلب في المنام وأنّ رجلاً أمره أن يسمّى حفيده بمحمّد(2)،وهو مثل انتظار الرسول أمر البارئ في تسمية الحسن والحسين (علیهما السلام)(3)،وهو يؤكد بأن تسميات أسماء المعصومين إلهية.

*ومن الذين سمّتهم الأمهات هو مرحب اليهودي ؛ لأنه قال في رجزه:

أنا الذي سمتني أمي مرحب***شاكي السلاح بطل مجرّب

إذا الليوث أقبلت تَلَهَّب***وأحجمت عن صولة المغلَّب(4)

ص: 39


1- مناقب ابن شهر آشوب2 :23 ،ألقاب الرسول وعترته : 18، وانظر الفضائل لابن شاذان: 57 ، باختلاف يسير .
2- إمتاع الأسماع للمقريزي 2 : 1240 - 141 .
3- شرح الأخبار 3 :110 ، مناقب آل أبي طالب 3: 166، و كشف الغمة 2: 148، الفردوس 1 :1602/397 ، مسند أحمد 1 : 159 / 159، مسند أبي يعلى 1: 384 /498.
4- إمتاع الأسماع 11: 291، وفيه: شاکٌ سلاحي، زاد المعاد 3: 321، وانظر الخصال: 561 .

فأجابه الإمام علي :

أنا الذي سمتني أمي حيدرَة***کلیث غابات كريه المنظرة(1)

ویروی:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة***أضرب بالسيف رؤوس الكفرة

أكيلهم بالصاع كيل السندرة(2)

*وممّن سمتهم الأمهات كذلك، عمر بن عبدالعزيز، وقيل: إنّ ذلك هو في : عمر بن الخطاب لا ابن عبدالعزيز.

قال رجل لعمر بن عبدالعزيز:يا خليفة اللّه،فقال : ويلك لقد تناولت تناولاً بعيداً، إنّ أمي سمتني عمر ، فلو دعوتني بهذا الاسم قَبِلتُ، ثمّ كبرت فكنّيت أبا حفص، فلو دعوتني به قبلت،ثمّ وليتموني أموركم فسميتوني أمير المؤمنين فلو دعوتني بذاك كفاك(3).

ص: 40


1- مصنف ابن أبي شيبة7 :393، طبقات ابن سعد2: 112، وإمتاع الأسماع 11 : 291 ، وفيه : كليث غابات غليظ القسورة ، كما ورد تسميته حيدرة في مناقب ابن شهر آشوب 2: 305 ، 319، بحار الأنوار 21 :18 ، عن الديوان المنسوب إلى الإمام علي(علیه السلام)، فتح الباري 7: 478 ، و 13 : 370، الاستیعاب 2 : 787 ، الروض الأُنف4: 80، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2: 643 ، المجالسة وجواهر العلم: 156، مشارق الأنوار: 184.
2- إمتاع الأسماع للمقريزي 11 : 291 ، الروض الأنف 4 : 80 .
3- الأذكار النووية : 286 ، صبح الأعشى 5: 418 ، مرقاة المفاتيح 10: 22 وقد نسب الشيخ محمّد صالح المنجد في موقع الإسلام على الانترنت في الفتوى رقم 31900، تحت عنوان: لا يقال عن أحد إنّه خليفة الله، نسبه إلى عمر بن الخطاب.

*وما جاء عن الإمام الحسين(علیه السلام)أنّه قال للحر بن يزيد الرياحي لمّا وضعوه بين يديه(علیه السلام)و به رمق ، فجعل(علیه السلام)يمسح التراب عن وجهه ويقول:أنت الحر كما سمّتك أمك حراً، أنت الحرّ في الدنيا والآخرة(1).

*وذكر أنه لما أدخل سعيد بن جبير على الحجاج بن يوسف الثقفي قال له الحجاج:أنت شقيّ ابن كسير، قال: لا، أمّي أعرف باسمي حيث سمتني بسعيد بن جبير(2).

وسعيد بن جبير بقوله (لا، أمّي أعرف)أراد أن يقول للحجّاج بأنه ابن حُرّة وليس له الحقّ في نبزه بكلام سيّئ .

وفي الكامل في التاريخ: استخلف هشام بن عبدالملك ليالي بقين من شعبان، وكان عمره يوم استخلف أربعاً وثلاثين سنة وأشهراً، وكانت ولادته عام قتل مصعب بن الزبير سنة اثنين وسبعين، فسماه عبدالملك منصوراً، وسمّته أمّه باسم أبيها هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي فلم ينكر عبدالملك ذلك ...(3).

وقد مر عليك أن عبد المطلب جدّ الرسول الأكرم سمَّى حفيده النبي

ص: 41


1- تاريخ الطبري3: 320 ، الفتوح 5 : 102 والمتن منه، اللهوف في قتلى الطفوف: 62،مقتل الحسين لأبي مخنف: 122 ، أعيان الشيعة 1 :604، 4: 614.
2- تهذيب الكمال 10: 374 ،روضة الواعظين: 290 ،اختصاص المفيد : 205 ،رجال الكشي 1 :335 ،المحن: 233،أخبار المدينة 2: 199، 283، أخبار القضاة 411:2.
3- الكامل في التاريخ 4: 375.

محمداً(علیه السلام)(1)، وعمّه أبو طالب أطلق عليه اسمه الآخر: أحمد(2).

وهذان النصان يشيران إلى إمكان أن يحمل العربي إسمان :

أحدهما وضع من قبل الأم، والآخر من قبل الأب، أو أحدهما وضع من قبل الجد الأمي والآخر من قبل الجد الأبوي.

ج - إنّها للوالدين معاً، لأنّ العرب كانت تعدّد الأسماء:

إنّ حمل الإنسان العربي اسمين أو أكثر قد يعود للوضع القبلي الذي كان يعيشه، وقد قيل بأنّ الشخص كلّما عظم في عيون الناس كثرت أسماؤه وتوالت على الألسن صفاته، ومن هذا المنطلق ذهبوا إلى أنّ الله تسعة وتسعين اسماً(3)، وأنّ للرسول عشرة أسماء خمسة منها في القرآن وخمسة ليست في القرآن.

فأما التي في القرآن:محمّد، وأحمد، وعبداللّه،ويس،ون،وأما التي ليست في القرآن:فالفاتح،والخاتم،والكافي، والمقفي، والحاشر(4)وقيل بأكثر من ذلك.

ص: 42


1- الاشتقاق لابن درید:8.
2- الكافي 6: 34 / 1 ، من لا يحضره الفقيه 3: 485 / 4816 ، وسائل الشيعة 21: 431/ 5.
3- الكافي 1:87 ح 2، 144 ح 2، صحيح البخاري 2354 : 5 ح 6047، و 6: 2691 ح 6957 .
4- الخصال 2: 48 ، بحار الأنوار 16: 96 ح 31 ، تفسير مجمع البيان 8 : 255 .

وإنّ الأئمة وأبناءهم وأتباعهم لا يخرجون من هذه القاعدة(1)، فترى الفاطمة الزهراء تسعة أسماء، ومن هذا المنطلق ترى لبعض ولد الأئمة اسمين،فمثلاً قيل بأنّ الاسم الآخر للسيّدة سكينة بنت الحسين هو آمنة بنت الحسين، أو أن اسم السيدة رقية كان فاطمة كذلك، ولميثم التمار اسمان.

وهذه الحالة كانت متعارفة عند العرب، فلو راجعت تاريخ الإسلام للذهبي في ترجمة مالك بن أحمد بن علي، أبي عبداللّه البانياسيّ الأصل البغدادي، لرأيته يصرّح بهذا الأمر ويقول: سمّانی أبي مالكاً وكنانّي بأبي عبداللّه، وسمّتني أمّي علياً وكنتّني أبا الحسن، فأنا أُعرف بهما(2).

نعم، إنّ هذا كان وما زال متداولاً في بلداننا العربية كالعراق ولبنان والجزيرة، فقد يكون وضع أحد هذين الاسمين كان من قبل عائلة الأب والآخر من قبل عائلة الأم.

وقد يكون وضع بعض تلك الأسماء آتياً من المحبة الزائدة، وقد يكون من قبل الآخرين للتوصيف أو للتنقيص.وقد يكون اسماً يُلَعب به الطفل ويُرَقَّص فيبقى عليه بل يكون أعرَفُ به كما هو الحال في (بَبَّه)(3).

ص: 43


1- قال الطبرسي في إعلام الورى 1: 303 عن أمير المؤمنين:وأسماؤه في كتب اللّه تعالى المنزلة كثيرة، أوردها أصحابنا رضي اللّه عنهم في كتبهم.
2- تاريخ الإسلام 33 :161 ، وفي البداية والنهاية 12 : 142 إنّ اسم الأب وكنيته غلب على تسمية الأم.
3- قال ابن الأعرابي : يقال للشاب الممتليء البدن نعمة وشباباً «ببّه»، وأنشد لامرأة ترقص ابنها لأنكحَنَّ بَيَّه جارية خِدَبَّة ... وهو قول هند بنت أبي سفيان لأبنها عبداللّه بن الحارث. تهذيب اللغة 15: 425، سر صناعة الأعراب 2: 412 .

وحكي عن أبي خالد الكابلي أنّه كان يخدم محمّد بن الحنفية دهراً وما كان يشك في أنّه الإمام المفترض طاعته، ثم سأله عمّن يجب طاعته فأخبره أنه الإمام السجاد، فأقبل أبو خالد إلى الإمام السجاد(علیه السلام)فاستأذن عليه، فلمّا دخل عليه قال له الإمام:مرحباً بك يا كنكر،ما كنت لنا بزائر، ما بدا لك فينا؟

فخر أبو خالد ساجداً فقال : الحمد للّه الذي لم يمتني حتى عرفت...

فقال له الإمام زين العابدين:وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟

قال: إنك دعوتني باسمي الذي سمّتني به أمي التي ولدتني، وكنت في عمياء من أمري - إلى أن قال - : ثمّ أذنت لي فجئت فدنوت منك فسمّيتني باسمي الذي سمتّني أمي،فعلمت أنك الإمام الذي فرض اللّه طاعته عليَّ وعلى كل مسلم(1).

وهذه النصوص تؤكد عدم استبعاد أن يُسَمَّى الإنسان باسمين وخصوصاً في ذلك الزمن العصيب،فقد يكون أحد الاسمين هو ما يشتهر به،والآخر يبقى مخفياً عند المقرّبين ولا يعرفه إلا الأوصياء من ربّ العالمين، فينادون به ذلك الشخص عند الضرورة أو لإثبات الحقّ وتقديم آية له.

عن أبان بن تغلب أنه قال : كنت عند أبي عبداللّه(علیه السلام)إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن،فسلّم عليه فردّ عليه أبو عبداللّه ، وقال له : مرحباً بك يا سعد!

ص: 44


1- اختيار معرفة الرجال 1 : 337 ،قاموس الرجال 10 : 430 ، بحار الأنوار 42: 95 و 46: 46 ، والخرائج و الجرائح 1: 261 ، ومدينة المعاجز 4: 288، 403.

فقال له الرجل:بهذا الاسم سمّتني أميّ، وما أقلّ من يعرفني به(1).

وفي (الثاقب في المناقب) : إن أمير المؤمنين خاطب الراهب في طريقه إلى صفين:شمعون؟ قال الراهب : نعم شمعون، هذا اسم سمّتني به أمّي، ما اطّلع عليه أحد إلا اللّه ثم أنت، فكيف عرفته(2)؟!

وفي ترجمة محمّد بن الحسين المعروف بقطيط من تاريخ بغداد: ولمّا ولدت سمّيت قطيطاً على أسماء أهل البادية فكان اسمي إلى أن كبرت، ثمّ إنّ بعض أهلي سمّاني محمّداً، فاسمي الآن قطيط ولقبي محمّد وهو الغالب علىَّ(3).

وبعد هذا نقول: إذا وقفت على اسم أبي بكر أو عمر أو عثمان بين أولاد الأئمة المعصومين فقد يكون موضوعاً من قبل الأمّهات، أو الجد الأمّي للعائلة،والإمام لم يعترض على ما سمّته الأمهات أو الأجداد لأنّه اسم عربي غير قبيح لغة.

ولو أراد تغييره لأثار حساسية بينه وبين عائلة زوجته الذين سمّوا المولود، بل لاستلزام ذلك تبديل معظم أسماء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، لأن كثيراً من هؤلاء الصحابة والتابعين كانوا قد تعاونوا مع السلطة لغصب خلافة الإمام علي، فإنّ تغير هذه الأسماء تدعو إلى تبديل أسماء الأقرباء والأصدقاء وكلّ من يَمُتُّ إليهم بصلة، وذلك غير معقول، لأنّ كثيراً من الصحابة كان الإمام على(علیه السلام)لا يرتضى سلوكهم، فلو اَلغَى

ص: 45


1- الخصال للصدوق: 489 ، وفي فرج المهموم للسيّد ابن طاوس: 98 سعيد.
2- الثاقب في المناقب لأبي حمزة الطوسي: 259 - 260 .
3- تاریخ بغداد 2 :253 - 254 ، اللباب في تهذيب الأنساب 3: 48 .

أسماءهم لأصبحت شحّة الأسماء معركة ذلك العصر.

وكذا وجود كثير من التابعين وتابعي التابعين على غير وفاق مع أئمّة أهل البيت، والأئمة لو أرادوا حذف هذه الأسماء أو تلك لكانوا البادئين بشنّ الحرب على الآخرين، في حين أنّهم اكتفوا بإعطاء الضابطة في التسميات من لزوم تحسين الأسماء،وعدم التسمية بأسماء الأعداء(1)،وأنّ التسمية بمحمد وعلي فيه فضل وأنّه يبقى الولد، وما الدِّينُ إلا الحب والبغض، إلى غيرها من العمومات، وتركوا لكل ذوقه في اللغة والمجتمع.

ومن المعلوم أن زوجات الأئمة (علیهم السلام)- غير أمهات المعصومين - كنّ من النساء العاديات،وكان بينهنّ من سعين إلى قتل الإمام كما فعلته جعدة بالإمام الحسن، وأم الفضل بالإمام الجواد، وغيرهنّ بغيرهم، فلا يستبعد أن تكون بعض هذه التسميات قد جاءت من قبل أولئك، والإمام أقرها كما شاهدناه في إقرار الإمام علي في تسمية عمر بن الخطاب لابنه من الصهباء التغلبية.

فإنّ وجود نساء كهؤلاء في بيوت الأئمة، ومرور الأئمة بظروف عصيبة خاصة من قبل الحكّام والاتجاهات الفكرية الفاسدة، كلّها جعلت قبول الأئمة بهذه التسميات أمراً طبيعياً، وعليه فوضع الأسماء قد يكون تحاشياً من المشكلات، وقد تكون طمعاً في النوال والحصول على المكاسب والامتيازات، وقد تكون لأمور أخرى، وبما أنّ الاحتمالين الأخيرين بعيدان عن الأئمة فيبقى قبول الإمام بتلك الأسماء هو التحاشي من المشاكل، وبهذا

ص: 46


1- مع عدم تحديد من هو ذلك العدو.

فحصر كل تلك الأمور في شيء واحد وهو المحبة بعيد ولا يقبله العقل والمنطق.

المقدمة الثالثة:بيان بعض الأسباب التي دعت إلى تطابق بعض أسماء ولد الأئمة مع أسماء الخلفاء

عمر من الأسماء الرائجة عند العرب :

قلنا سابقاً بأنّ التسمية بعثمان انقرض - في أولاد المعصومين - بعد تسمية الإمام علي ابنه من أم البنين الكلابية، وكذا انقرض أيضاً في أولاد غير المعصومين من الطالبيين.

ولا يخدش هذا العموم وجود اسم أو اسمين في ولد عقيل وجعفر إلى زمن النسابة ابن عنبة (ت 828 ه)، وهذا خير مؤشّر على عدم محبوبية هذا الاسم عندهم وإن كان هذا الاسم عربياً رائجاً آنذاك، لكنه متروك عند الطالبيين.

وقد يعود عدم ارتياحهم لهذا الاسم هو احتماء الأمويين باسمه، وقد يكون لعدم محبوبية سيرة الخليفة الثالث عندهم، أو لعدم جمالية هذا الإسم، وقد تكون لأمور أخرى .

وأمّا اسم عمر وعائشة فهما ليسا بقبيحان في لغة العرب:

ففي التاج:«عامر: اسم للقبيلة... وعُمَر معدول عنه - أي معدول عن عامر - وفي حال التسمية لأنه لو عدل عنه في حال الصفة لقيل العُمَر يراد : العامر»(1).

ص: 47


1- تاج العروس7 : 263 ، مادة عمر.

وأمّا عائشة : فهي من العيش في الحياة، فيقال للمرأة: عائشة، تفاؤلاً بطول العمر والعيش السعيد(1).

وهذان الاسمان مع غيرهما من الأسامي التي قد تأتي تبعاً واستطراداً وقد سعى البعض استغلالها والاستفادة منها إعلامياً للقول بأنّ أئمة أهل البيت قد سمّوا أولادهم بها حبّاً لأصحاب رسول اللّه وأمّهات المؤمنين، ثمّ أضافوا بالقول: على أقلّ تقدير أنّ هذه التسميات تشير إلى عدم وجود خلاف بينهم.

لكنّا نقول في جواب هكذا إثارات:بأنّ التسميات قد تكون حبّاً لشخص معيّن، كأن يسمّي الإنسان ابنه باسم أبيه أو أخيه أو أيّ عزيز آخر عليه .

وقد تكون لعلاقته وتناغمه مع ذلك الاسم لغة بغضّ النظر عمّن تسمّى به حتى ولو كان عدوّاً له، ومن هذا القبيل تسمية بعض الشيعة أولادهم بخالد وزياد مع معرفتها بمواقف خالد بن الوليد وزياد بن أبيه،لاعتقادهم بعدم جواز محاربة الأسماء بما هي أسماء، فهم لا يمتنعون من التسمية بها، لوجود رجال يخالفونهم ولا يحبّونهم قد تسمّوا بها، وإلا لو فُتح هذا الباب لشحّت الأسماء وصارت أندر من الكبريت الأحمر.

وقد تأتي التسميات تذكيراً بواقعة مفرحة أو مؤلمة، كتسمية الحاجّ ابنه ب«مكّي» تذكيراً بسفره إلى بيت اللّه، وقد أخبرني أحد المؤمنين بأنّ أحد

ص: 48


1- لسان العرب 6 : 321 مادة ( عيش ) ؛ وانظر الاشتقاق لابن دريد : 354.

الطغاة سجن ابناً له وتزامناً مع نجاة ابنه رزقه اللّه بنتاً سماها «نجاة»، فإنّ ابنته نجاة تذكّره وتذكّر جميع العائلة بما جرى على ابنهم من ظلم وعَسْفِ ذلك الطاغية.

فالتسمية إذن بما هي تسمية لا تدل على شيء، فقد يسمّي الإنسان ابنه «أَنور» أو «حسني» لاستلطافه لذلك الاسم، لا حبّاً بأنور السادات أو حسني مبارك، بل لعشقه وارتباطه باسم (أنور) و (حسني) مع كراهته لأحد الأفراد المُسَمَّيْن به، أي أنّ الوَقع الموسيقيّ للكلمة هو الذي دعاه إلى تسمية ابنه أو بنته بهذا الاسم أو ذاك .

والآن لنتكلّم عما نحن فيه، فنقول: إنّ من يدّعي أنّ وضع الإمام علي لهذه الأسماء على أبنائه كان لمحبته للخلفاء الثلاثة عليه أن يأتينا بدليل على ما يقول به،وحيث لا ،دلیل فسيبقى مجرّد احتمال لا يمكن إثباته بهكذا تخرّصات.

وباعتقادي أنّ الإمام علي بن أبي طالب وبذكره سبب تسمية ابنه عثمان بعثمان بن مظعون، وخصوصاً بعد مقتل عثمان بن عفان كان يريد أن يدفع ما أشاعته الجهات الحاكمة وأتباعهم عن سبب تسميته أولاده(علیه السلام)بأسماء الخلفاء سابقاً، فقال صريحاً:«سمّيته بعثمان لأخي عثمان بن مظعون»(1)، ومن خلال هذا النص نفهم تعريضه بمن أشاع عنه بأنه وضع

الاسمين الأوّلين حبّاً بعمر بن الخطاب واحتراماً لأبي بكر بن أبي قحافة.

ص: 49


1- أنظر تقريب المعارف للحلبي : 294 .

لأنه(علیه السلام)- وكما عرفت - لم يضع اسم عمر على ابنه بل أنّه أقرّ ما وضعه عمر بن الخطاب(1)، وكذا كنية أبي بكر على ولده - عبداللّه أو محمّد - لم تثبت وضعها من قبل الإمام ، بل هناك قرائن تدلّ على أنّ القوم وضعوها عليه، وأنّ اشتهار هكذا أمور دعت الإمام أن يصرّح في سبب تسمية ابنه الأخير - أو ما قبل الأخير - بأنه لم يكن لأجل عثمان بن عفان دفعاً لكل تلك الشائعات.

وعليه فالتسمية باسم ما لا يكشف عن حبّه لشخص ما إلا أن يأتي صريحاً في كلامه كما في«عثمان بن مظعون»، وكما مرّ في تسمية عائشة خادمها ب«عبدالرحمان» حبّاً لعبدالرحمن بن ملجم(2)،وكما مرّ أيضاً في تسمية عبدالملك بن مروان ابنه ب«الحجاج» حبّاً للحجاج بن يوسف الثقفي(3).

أو أن يُطْلِعَ اللّه أنبياءَهُ وأوصياءه على سرّ التسمية - كما وقفت على كلام الإمام السجاد لأبي خالد الكابلي (كنكر) والإمام الصادق لسعد - ، أو أن يلهم اللّه الناس بما يقصده المسمِّي حين التسمية، وذلك لوجود احتمالات أخرى كالخوف، والطمع، والتذكر بالأفراح والمآسي، إلى غيرها من الأُمور المحتملة في هكذا أمور.

ص: 50


1- تاريخ المدينة لابن شبة 1 : 400 ، وراجع الأغاني 9: 302 وفيه: يوم قام عمر بن عبدالعزيز. وهو خطأ يقيناً لأن ابن عبدالعزيز لم يدرك علياً. وتهذيب الكمال 21: 469، وسير أعلام النبلاء 4 :134 ، وتاريخ الإسلام 6: 164، وتهذيب التهذيب 7: 426، وأنساب الأشراف للبلاذري 2: 413 .
2- الجمل للمفيد : 84 الشافي في الإمامة 4: 356.
3- أنساب الأشراف :7 196 ، شرح النهج 19: 369، الوافي بالوفيات 11: 243.

ولعلّ التسمية ب«عمر» كانت لحبّه(علیه السلام)لعمر بن أبي سلمة ربیب الرسول، الذي كان عامله على البحرين وفارس،والذي شهد معه حرب الجمل، والذي كان قد كتب له:«فلقد أحسنت الولاية، وأدّيت الأمانة، فأقبل غير ظنين ولا ملوم ولا متّهم ولا مأثوم، فقد أردتُ المسير إلى ظَلَمة أهل الشام، وأحببت أن تشهد معي، فإنّك ممن أَسْتَظهُر به على جهاد العدوّ وإقامة عمود الدين إن شاء اللّه»(1).

وعُمر هذا كنيته أبو حفص، وهو ابن أمّ سلمة زوج النبيّ، فهو ربيب النبيّ، وكانت ولادته في أرض الحبشة، فيبدو أنّ التسمية ب«عمر» والتكنية ب«أبي حفص» و «أبي حفصة»كانت شائعة ذائعة، غير مختصة بعمر بن الخطاب الثاني. فلماذا لا يحتمل القائل بوضعها عن محبة أن يكون المسمّى به هو هذا الشخص لا عمر بن الخطاب، لأنك قد وقفت في النص السابق على أنّ الإمام قد أحبّ هذا الشخص ومَدَحه، وأحبّ أن يشهد معه المسير إلى القاسطين، وكان ممن يستظهر به على جهاد العدوّ وإقامة عمود الدين، فلا يستبعد أن تكون التسمية لو أريد لحاظ المحبة فيها أن يكون لهذا لا لابن أبي الخطاب الذي يختلف معه.

فعمر بن أبي سلمة هو من أصحاب رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وأصحاب الإمام علیّ(علیه السلام)،وهو من رواة الحديث عن رسول اللّه، وكان ممن شهد لعبد اللّه بن جعفر عند معاوية على وجود النص على الأئمة الاثني عشر، حيث سمّى

ص: 51


1- نهج البلاغة: 414 / الكتاب 42 .

الأئمة واحداً واحداً، وهو من جملة شهود حديث الغدير أيضاً(1).

فمن كانت هذه صفاته، وهو بهذه المنزلة عند الإمام علي، فهو أولى بأن يكون هو المراد حين التسمية، لا عمر بن الخطاب المختلف معه في الفكر والحكم.هذا إذا اعتبرنا لزوم لحاظ المحبّة في التسميات، أي إذا أردنا أن نقول بأنّ التسميات بوضعها الأوّلي تدل على المحبة، فعلينا التشكيك في المسمّى وما قالوه بأنه وضع الخصوص عمر بن الخطاب، لأنّ التاريخ يؤكّد لنا بأن لا محبة بين عمر بن الخطاب والإمام علي، فيجب أن نبحث عن عمر المحبِّ لعلي، ومن هو ؟ فليس لنا إلا أن نرشح اسم عمر بن أبي سلمة، ومثله الحال في أبي بكر فهو أبو بكر بن حزم الأنصاري، الذي ذكره أبو داود في رجاله(2)، ومثله جاء صريحاً عن علي في عثمان بن مظعون.

أما نحن فلا نقول بذلك، ونؤكّد بأنّ التسميات في الصدر الأوّل لم يلحظ فيها إلا المعاني اللغوية، ومعنى التوحيد ونفي الشرك والشيطان فقط، أي أنّ الأمر لم يصل بعد إلى التسمية بأسماء الرموز، إذ أنّ التسمية بالرموز صارت منهجاً في العهدين الأموي والعباسي ، ولأجله ترى النصوص الناهية من التسمية بأسماء أعداء اللّه تصدر في هذه المرحلة، وهو يؤكد بأنّ التسمية في العصر الأول مقتصر على أن لا يحمل الاسم معنى شركيّاً أو باطلاً، ثم تطور

ص: 52


1- الخصال: 477 ، أبواب الاثنى عشر ح 41 ،عيون أخبار الرضا باب النصوص على الرضا في جملة الاثني عشر :2 52 ح 8 وانظر معجم رجال الحديث للخوئي 14: 16 ت 8704 لعمر بن أبي سلمة.
2- الرجال لابن داود الحلي: 215 القسم الأول (باب الكني).

إلى النهي عن التسمية بأسماء أعداء اللّه دون تحديد من هم أولئك؟!

نعم، إن الشارع المقدّس أكد على بعض الأسماء لكونها أسماء إلهية لرموز دينية،كاسم محمّد وأحمد(1)وعلي والحسن والحسين(2)،لكنّ هذا لا يعني أنّ كل الصحابة رموزٌ دينية.فلا نرى الشارع(3)يدعو إلى استحباب التسمية بعمر وعثمان وطلحة والزبير وأمثالها من أسماء الصحابة لا عند السنة ولا عند الشيعة، في حين-على أقل تقدير - توجد عندنا روايات دالة على استحباب التسمية بأسماء المعصومين(علیهم السلام)،أما غيرها فليس عندنا ما يدل عليها .

كما أنّ النهي.في الشريعة عن التسمية بخالد لم تأتِ لقبح اسم خالد بن الوليد،بل لكونه بمعنى الخلود الذي هو صفة للّه لا لغيره.وهو مثل مالك وحكم وحكيم التي هي صفات للّه وحده،فلذلك جاء النهي عن أن يَتَسَمَّى ويَتَّصِفُ بها أحد.

وعليه فالنهي تارة يرتبط بأمر الهي وصفات الخالق أو الشرك به مثل التسمية بخالد ومالك وعبد الكعبة وعبد شمس، وأخرى مجاراة للنبي، كأن يسمّي ابنه باسم محمّد ويكنّيه بأبي القاسم، أو أن يسمّي باسم من ادعى النبوّة كذباً كسجاح و مسيلمة وأمثالهما، وثالثة أن تكون عداوة للولي والإمام فيقتل

ص: 53


1- وسائل الشيعة 21: 392 باب استحباب التسمية باسم محمّد وإكرام من اسمه محمّد أو أحمد وعلي.
2- وسائل الشيعة 21 :396 باب استحباب التسمية بعلي والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبد الله وحمزة وفاطمة.
3- بالطبع في كتب أهل السنة والجماعة.

من اسمه علي أو يصغره، وأن يسمى ب(شمر) اعتزازاً بقاتل الحسين.

إذن التسمية والتكنية في منهج أهل البيت هي من الأمور القلبية غالباً ما يتأطر بأطار قيمي ورسالي، فلو سمى ابنه بعثمان فهو لمكانة عثمان بن مظعون عند رسول اللّه وتسميته(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بالأخ عند وفاة ابنه إبراهيم إذ قال(صلی اللّه علیه وآله وسلّم): ادفنوه عند أخي عثمان بن مظعون، ولكونه أخ الإمام علي أيضاً ومثله الحال لو رضى الإمام بالتسمية بعمر لابنه من الصهباء التغلبية فقد تكون لأمور حرجية كان يمر بها.

فإذن التسمية بالعبودية للّه،وباسم محمّد خاتم الأنبياء والمرسلين،وبأسماء أنبياء اللّه(1)،وما عُبّد وحمّد فيه اللّه،وكذا التسمية بأسماء أوصياء رسول اللّه واسم حمزة وفاطمة وغيرها،من الأمور المستحبّة، لأنّها تحمل مفاهیم توحيدية تركّز على الرمزية للّه، ولأنبيائه، وأوصيائه.

وما التسمية بعمّه حمزة إلا لكونه مظهراً من مظاهر الشهادة والإخلاص للّه، فهي لا تخرج عن العبودية العمليّة للّه، لأنّ حمزة هو أيضاً عبداللّه وعبدالرحمان عملاً حيث كان في القمة من الإيمان والإخلاص.

نعم،إنّ اليهود والنصارى لا يسمّون أولادهم بمحمد،وكذا المسلمون لا يسمّون أولادهم باللات والعزّى،وذلك للحساسية من الرمز وما يحمل معه من أفكار، لأنّ الأفكار - حسنة كانت أو سيئة - تطرح من خلال مسمّياتها .

ص: 54


1- وسائل الشيعة 12 :391 باب استحباب التسمية بأسماء الأنبياء والأئمة وبما دل على العبودية حتى عبد الرحمن .

فالنصارى والمسلمون يمتنعون من التسمية بما يضرّهم عقائدياً، كي لا يتأثر أتباعهم بمفاهيم وأفكار الطرف الآخر، ومن هنا جاء التأكيد على استحباب التسمية باسم محمّد،وعلي،والحسن،والحسين،وفاطمة،وحمزة،وطالب عندنا .

وعليه، فالمنع من التسمية ببعض الأسماء تارة يكون عقائدياً وهو الذي يرتبط باللّه ورسوله وأوصيائه،كما هو المشاهد في المنع من التسمية بعبد الكعبة وحَكَم،وحكيم،وخالد،ومالك،وغيرها لكونها من صفات اللّه.

وأخرى لكونها أسماء قبيحة ك حَزْن، وغراب، وعاصية، وظالم،وقد وقفت على دور رسول اللّه في تغييرها.

وقد تكون أسماء صارت رمزاً، وأن اسم عمر وأبي بكر لم يصيرا رمزاً في الجاهلية ولا في صدر الإسلام، بل إنّ هذه الحساسية ظهرت في الأزمنة المتأخرة خصوصاً مع تأكيد الحكومتين الأموية والعباسية بالأخذ بسيرة الشيخين والمخالفة مع الإمام علي ونهجه وقتل شيعته والإجحاف بهم، وقد تنامت هذه الحساسية في العهد السلجوقي والعثماني حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن من شدة الخلاف والتباعد بين النهجين.

إنّ اسم«عمر»لم يحمل معه فكراً شِرْكيّاً كعبد الكعبة،وكذا ليس فيه قبح لغويّ لكونه اسماً عربياً رائجاً في صدر الإسلام، وقد تسمّى به حدود 35 شخصاً، مذكورة أسماؤهم في كتاب (الإصابة في تمييز الصحابة).

ص: 55

فإذن اسم عمر اسم عربي رائج، وهو مثل اسم علقمة وأَنَس اللَّذَين سمّي بكلّ واحد منهما (35) شخصاً في كتاب الإصابة، وثعلبة الذي سُمّي به (39) شخصاً، وعثمان الذي سُمّي به (37) شخصاً، وحكيم الذي سُمّى به (35) شخصاً، وصفوان الذي سُمّي به (31) شخصاً، وطلحة الذي سُمّي به (31) شخصاً، وتميم الذي سُمّى به (30) شخصاً.

ولا خلاف بأن اسم«عمر»ورد في كتاب (الإصابة) أكثر من اسم: أويس العربي الرائج الذي ورد 3 مرات. وشعيب الذي ورد 3 مرات. وعكرمة الذي ورد 4 مرات. وسمير الذي ورد 5 مرات. وأفلح الذي ورد 5 مرات. وأشعث الذي ورد 6 مرات . و إسماعيل الذي ورد 7 مرات . وأرقم الذي ورد 7 مرات. وأزهر الذي ورد 9 مرات.وأنيس الذي ورد 9 مرات. وسويد الذي ورد 9 مرات. أسامة الذي ورد 11 مرة. وشهاب الذي ورد 12 مرة. وأسعد الذي ورد 13 مرة. وأبي الذي ورد 13 مرة. وعباس الذي ورد 14 مرة وحرملة الذي ورد 15 .مرة. وزرارة الذي ورد 15 مرة.وحسان الذي ورد 16 مرة. وخزيمة الذي ورد 16 مرة.وطارق الذي ورد 17 مرة . وعمار الذي ورد 17 مرة. وسهل الذي ورد 17 مرة.وأمية الذي

ورد 20 مرة. و إبراهيم الذي ورد 23 مرة. وهذا يؤكّد بأنّ اسم عمر کان أكثر تداولاً من الأسماء المذكورة آنفاً، وأنّ اسم «عمر» ليس حكراً على عمر بن الخطاب حتى يقال بأنّ كلّ من سُمِّي أو تسمَّى بعمر من الصحابة والتابعين فقد كان حبّاً لعمر بن الخطاب.

نعم، إنّ ورود اسم عمر عند العرب لم يكن بكثرة اسم عبداللّه،أو

ص: 56

عبدالرحمن، أو سعد، أو حارث، أو مالك، أو خالد، أو زيد، أو عامر، أو سلمة، أو سعد، أو ثابت، أو ربيعة، أو عبيد ، أو أوس إلى غيرها من الأسماء المشهورة، لكنه يبقى اسماً رائجاً آنذاك، وإن وجود اسم 35 شخصاً قد سُمّي كل منهم بعمر في كتاب (الإصابة) ليس بقليل وهو يؤكد عدم اختصاص هذا الاسم به حتى ينتزع منه المحبة كما يقولون.

فلو كان اسم عمر من الأسماء الحديثة في الإسلام - مثل الحسن والحسين - والتي لم يُسَمَّ أو يتسمَّ بهما أحد قبلهما لأمكن تصحيح ما قالوه عن تسمية الإمام علي وأنه كان عن حُبٍّ، لكنّا لم نر ذلك.

وبعد كلّ هذا فلا تصح دعوى المحبّة من خلال التسميات فقط بل يجب لحاظ تطابق الأفكار والأهداف مع تلك الأسماء كذلك.

هذا،وقد أوضح المرحوم القاضي نور الله التستري المتوفى سنة 1099 في كتابه (مصائب النواصب في الردّ على نواقض الروافض)هذا الموضوع مجيباً معين الدين بن محمّد بن السيّد الشريفي المتوفّى 988 ه بقوله :

أمّا أوّلاً:فلأنّ حُسنَ الأسماء وقبحَها إما بحسب حُسْنِ نفس الاسم وقبحِهِ-بأن يكون مشتقّاً من معنى حَسَن أو قبيح،كعليّ من العلو، ومعاوية من عَوَى الكلب-وإما أن يكون بحسب حُسنِ المسمّى وشهرته بمحاسن الآثار وكرائم الأطوار، أو بحسب قبحه واتّصافه بأضداد ما ذكر، وها هنا قسم ثالث، وهو أن لا يكون الاسم مشتقّاً من معنى حَسن أو قبيح، بل لا يفهم منه شيء أصلاً سوى المعنى العَلَمِيّ كالأَعلام المرتجلة، ولا شك أنّ اسم عمرَ - مثلاً - ليس فيه قباحة ناشئة من نفس الاسم، وإنّما طرأ قبحه

ص: 57

ونفرة الطباع عنه بمجاورة مسمّاه المخصوص بعد الدهر الطويل، وإنما وضع أمير المؤمنين(علیه السلام)لذلك الاسم ونحوَه لأولاده قبل تنفّر الناس - كلاًّ أو بعضاً-عن الاسم والمسمّى.

وأيضاً، من أين علم أنّ التسمية بعمر وأبي بكر وعثمان - في ذلك الزمان - كانت موافقةً لأسماء الخلفاء الثلاثة من حيث هي أسماؤهم؟ ولِمَ لا يجوز أن تكون التسمية بالأوّل موافقةً لاسم جماعة أخرى من الصحابة - المذكورين في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة للشيخ ابن الحجر العسقلاني - كعمر بن أبي سلمة ربيب ربيب النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ابن أم المؤمنين أم سلمة (رض)، وكعمر بن أبي سفيان بن عبد الأسد زوج أم سلمة (رض) ، وكعمر بن مالك بن عتبة القرشي الزهري، وعمر بن يزيد الكعبي،وعمر بن وهب الثقفي، وعمر بن عوف النخعي، وعمر بن عمرو اللّيثي، وعمر بن معاوية الغاضري، إلى غير ذلك ممّا ذكر فيه ؟!

وأن تكون التسمية بالثاني موافقةً لاسم جماعة أخرى أيضاً من الصحابة، كأبي بكر العنسي،وأبي بكر بن شعوب اللّيثي، وأبي بكر بن حفص، إلى غير ذلك من الصحابة المذكورين في كتاب الإصابة أيضاً؟!

وأن تكون التسمية باسم الثالث موافقة لاسم عثمان بن مظعون، وعثمان بن حنيف،وعثمان والد أبي بكر الغاصب للخلافة - فإنّ اسمه كان عثمان وكنيتُهُ أبا قحافة - إلى غير ذلك من الصحابة المذكورين بهذا الاسم في ذلك الكتاب أيضاً؟! لابدّ لنفي ذلك من دليل(1).

ص: 58


1- مصائب النواصب 1 : 359 - 361 .

وعليه فأئمّة أهل البيت لا يتعاملون مع الأُمور بانفعالية وتعصّب مقيت كالآخرين ؛ لأنهم أعلى شأناً وأَسمى درجة من أن يتعاملوا مع هذه الأُمور بنظرة ضيّقة، لأنهم يعلمون بأنّ الأسماء ليست مختصّة بأحد ولا صراع معها،وإذا كان ثمة اعتراض فإنّما هو على أفعال أولئك الحكّام لا على أسمائهم، والخلاف مع الآخرين لا يدعو أئمّة أهل البيت(علیهم السلام)إلى محو أسماء مخالفيهم من قاموس التسميات، فإنّهم لو أرادوا أن يتعاملوا مع الأُمور مور من منظار ضيق لهجرهم الناس ولما التفُّوا حولهم.

ولا يستبعد أن تكون مواقفهم هذه المُسالمة هي التي دعت الآخرين بقبولهم والانضمام تحت لوائهم وأن يكونوا من شيعتهم ومواليهم، وذلك لسعة صدرهم وتجاوزهم النزاعات الفردية والأنانية، فلا ترى إماماً من أئمّة أهل البيت قد منع أصحابه من التسمية بأبي بكر وعمر مع وجود الخلاف الشديد بين أهل البيت وبين الشيخين(1).

ص: 59


1- اذكّر المطالع بمقطع من كتاب لأمير المؤمنين(علیه السلام)إلى أهل مصر من خلاله تتضح بعض معالم الخلاف: فلمَّا مَضى(علیه السلام)تَنَازَعَ المُسلِمُونَ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ. فَوَاللّه مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِي، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)عن أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَا أَنَّهُمْ مُنَحُوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ ! فَمَا رَاعَنِي إِلا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلان يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلامِ، يَدْعُونَ إِلَى يَحْقِ دِينِ مُحَمَّد(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً، أو هَدْماً تكُونُ المُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ ولاَ يَنكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلائِلَ،يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَما يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الأحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهنَهُ.ومنه: إِنِّي وَآللّه لَوْ لَقِيتُهُم وَاحِداً وَهُمْ طِلاَعُ الأرض كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلَا اسْتَوْحَشْتُ، وَإِنِّي مِنْ ضَلالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَة مِنْ نَفْسِي وَيَقِين مِنْ رَبِّی.وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ آللّهِ لَمُشْتَاقُ، وَحُسْنِ ثَوَابِهِ مُنتَظِرُ رَاج...(نهج البلاغة: 451 - 452،الكتاب62).

وهناك العشرات من الرواة من أصحاب الأئمة(علیهم السلام)قد سُمُّوا بأبي بكر وعمر وعثمان، وحتى بمعاوية ويزيد(1)، وكثير من هؤلاء الرواة ثقات ومن أجلّاء الطائفة كأبي بكر الحضرمي، وعمر بن أذينة، وعمر بن أبي شعبة الحلبي، وعمر بن أبان الكلبي، وعمر بن أبي زياد، وعمر بن يزيد بياع السابري، وعمر بن حنظلة، ومعاوية بن عمار، ومعاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الدهني الكوفي، ويزيد بن سليط، ويزيد أبي خالد القماط، وعثمان بن سعيد العمري نائب الإمام الحجّة وغيرهم .

فالأئمة لا يمنعون أصحابهم من التسمية بهذه الأسماء، لاعتقادهم بلزوم التعالي والتسامي عن الخلافات الشخصية والحسابات الضيّقة، وعدم التدنّي والنزول بالقضايا القيميّة إلى أمور شخصية، لأنّ المنع لو أَخَذ طابعاً شخصيّاً لخرج من روحه القيمية ودخل في حيّز الأنانيات الفردية التي يجب أن يبتعد عنها كلّ إنسان صاحب هدف،فكيف بالإمام المعصوم.

وأنّ النزول بالخلاف إلى هذا المستوى سيدعو إلى الإساءة إلى الأسماء المحمودة كذلك،كالتسمية بعبدالرحمن؛ بدعوى أنّ قاتل الإمام علي كان يسمى بعبدالرحمن بن ملجم، أو المخالفة مع التسمية بعبيد اللّه، لدور عبيداللّه بن زياد في قتل الإمام الحسين.

ص: 60


1- ستقف على أسمائهم في السير التاريخي للمسألة .

فالإمام السجّاد وابنه الحسين الأصغر كانا يعلمان بأنّ عبيداللّه هو قاتل الحسين(علیه السلام)، لكنّ هذا لا يمنع الحسين الأصغر أن يسمّي أحد أبنائه بعبيداللّه المعروف بالأعرج.

وكذا الحال بالنسبة للإمام الكاظم، فقد كان على خلاف مع هارون الرشيد، لكن هذا لا يمنعه من أن يسمى أحد أبنائه بهارون، لأنّ اسم هارون ليس حكراً على هارون الرشيد، فقد يكون الإمام سماه لمكانة هارون من موسى بن عمران.

إنّ إدخال التسميات في معترك الصراع السياسي والمذهبي من أنكر المنكرات، وإنّ أئمّة أهل البيت(علیهم السلام)كانوا لا يرتضون هذا الأسلوب من التعامل كما نراه في سيرة بعض ضعفاء النفوس المثيرين لهكذا شبهات ضحلة وسخيفة.

فلو طالعت سيرة الإمام الحسن مثلاً لرأيته قد سمّى بعض ولده ب«عمرو»،وهو يعلم بأنّ فارس المشركين الذي بارز والده اسمه عمرو بن عبد ود العامري، وأنّ عدو والده اسمه عمرو بن العاص، وأنّ اسم أبي جهل هو عمرو بن هشام،وأنّ جدّه رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كان يلعن عمرو بن هشام، في قنوته(1)،لكنه مع كل ذلك سمى أبنه بعمرو تعالياً عن هكذا أفكار وإثارات.

فإذن أئمة أهل البيت(علیهم السلام)هم أسمى من هذه الأنانيات، فلا ضيرَ لو سمَّوا أبناءهم بطلحة أو عائشة أو عمر أو عثمان، فهم يريدون القول بأنّ هذه

ص: 61


1- صحيح البخاري 1: 94، باب 69 ح 237 ،صحیح مسلم 3 :1418 ، باب 39 ح1794.

الأسماء عربية لا مانع من التسمية بها.

نعم، سمى الإمام الحسن المجتبى ابنه طلحة، كما سمّى حفيدُهُ الحسنُ المثلث ابنه طلحة أيضاً، في حين لم نر اسم خالد أو مالك بين أولاد الأئمة المعصومين وغير المعصومين لأنها أسماء منهي عنها عقائدياً.

وكذا الحال بالنسبة إلى تسمية بعض الأئمة بناتهم بعائشة، فليس هو محبةً لعائشة بنت أبي بكر بل لكونها اسماً عربياً رائجاً، حيث إنّ دعوى المحبة - وكما قلنا - تحتاج إلى نص وهو مفقود في هكذا أُمور.

فقد يكون لجمالية الاسم،أو لتفاؤلهم بالعيش وطول العمر لابنتهم، وقد يكون لوجود نساء كثيرات من المبايعات لرسول اللّه قد تسمّين بعائشة وهو اسم حسن مثل : عائشة بنت جرير(1)، وعائشة بنت عمير الأنصارية(2)، وعائشة بنت قدامة(3)،أُخت عثمان بن مظعون الذي سمّى الإمام علي ابنه باسمه،وقد يكون لظروف التقية التي كانوا يمرون بها،على أقل تقدير.

ولو ألقيت نظرةً سريعة على أسمائهم فلا تراهم يتبرّؤون من التسمية بعبداللّه،لمواقف عبداللّه بن الزبير من أهل بيت رسول اللّه أو عبداللّه بن عمر

ص: 62


1- عائشة بنت جرير بن عمرو بن رازح الانصارية من بني سلمة ذكرها ابن حبيب في المبايعات وقال: كانت زوج المنذر يؤيد بن عامر بن حديدة.(الإصابة 8: 21 ت 11458).
2- عائشة بنت عمير بن الحارث بن ثعلبة الانصارية من بني حرام ذكرها ابن حبيب في المبايعات.(الإصابة 8: 21 ت 11463).
3- عائشة بنت قدامة بن مظعون القرشية الجمحية من المبايعات.(الاستيعاب 4 : 1886 ت 4031 ، الإصابة 8: 22 ت 11464.

أو عبداللّه بن أُبي بن سلول فكانوا يسمون بعبداللّه ويحمدون المسمين بهذا الاسم.

إذن المشكلة من الآخرين، فهم يريدون أن يشغلونا بالشكليات والأُمور السطحية حتى ننسى القضايا الهامة، فأئمتنا هم(علیهم السلام)أعلى وأسمى من هكذا أفكار، ولو أرادوا التعامل مع الأسماء كتعامل معاوية مع اسم علي بن أبي طالب للزمهم المنع من كثير من الأسماء العربية والإسلامية ؛ لأنّ فلاناً حاربه، والآخر غصب خلافته، وثالثاً اتّهمه، ورابعاً وخامساً.

نحن لا نحبّذ للإنسان العادي أن ينزل إلى هذا المستوى ويتعامل مع الأمور بنظرة ضيقة، فكيف لنا تصّور ذلك في سيرة شخصيات مهمّة كرسول اللّه، أو الإمام علي بن أبي طالب، أو بقية أهل البيت، الّذين يَسْمُونَ بروحهم عن الفردية وعن أن يتعاملوا مع هذه الأُمور بنظرة أحادية ضيّقة مبتنية على الأنانية لا على القيم.

فنحن كبشر عاديين لا يسعنا أن نمنع أولادنا وأحفادنا من التسمية بسعيد ويوسف لو تخالفنا مع شخصين يحملان هذين الاسمين، لأنّ الأسماء ليست حكراً على هذا أو ذاك حتى نُسقط غضبنا على هذا الشخص من خلال منعنا أولادنا من التسمية بهذه الأسماء، لكن الآخرين لا يتعاملون مع الأُمور هكذا.

وقد ذكر لي الشيخ قيس العطار ما جرى على أخيه الأكبر أيام حكم الطاغية المجرم صدام حسين على العراق، وهو يؤكد الروح العدوانية التي كان يحملها صدام ضد الشيعة،فقال : ذات يوم دخلت المخابرات العراقية

ص: 63

إعدادية الكاظمية وأخذوا يسألون الاساتذة عن شهادة جنسيّاتهم، فإذا كان هناك من اسمه: کاظم،صادق ،رضا، جواد، عبدعلي، عبدالحسين، عرفوا أنه شيعي واتّهموه بأنه إيراني،فيسحبون شهادة الجنسية منه ويَنْفُونَهُ إلى إيران، أمّا لو كان اسمه عمر،عثمان،خالد،بكر،زياد،وأمثال ذلك فكانوا يتركونه،وجاءوا إلى أخي وسألوه عن اسمه الثلاثي وعن شهادة جنسيّته، فأجابهم عن اسمه واسم أبيه وجدّه ولقبه: فاروق بهجت رضا العطار، وقال بأنّه لم يصحب معه شهادة الجنسية، فشَكَّوا فيه هل هو سنّي أم شيعي؟ لوجود اسم (فاروق) من جهة و (رضا) من جهة أُخرى فعزلوه جانباً ليتأكّدوا من أمره،

وكان اسم أحد أولاده«عمار»فقال أحد أصدقائه لموظف المخابرات:هذا فاروق أبو عمر،فتركوه

وقفة مع ابن تيمية (ت 728 ه) في التسميات:

ومن الطريف أن نرى شخصيّات من مدرسة معاوية ومحبيّه أمثال ابن تيمية يتهجّمون على الشيعة بدعوى أنّهم لا يسمّون بأبي بكر وعمر وعثمان،مع أنّك قد وقفت على تسمية أئمّة أهل البيت بهذه الأسماء، أو قبولهم لها، وعدم ممانعتهم لأولادهم ورواة حديثهم من التَّسَمِّي بهذه الأسماء وتعاليهم عن هذه الأمور، كما أنك ستقف لاحقاً - في السير التاريخيّ للمسألة - على أسماء هؤلاء الرواة وغيرهم من علماء ومشايخ الشيعة والطالبيين قبل عهد ابن تيمية ممن سُمُّوا بهذه الأسماء، وكذا في القرون التي تلتهم إلى القرن الثامن الهجري. كلّ ذلك يؤكّد بأنّ الحساسية مع هذه الأسماء لم تكن من قِبَلِهِم إلى ذلك التاريخ. بل إنّ الآخرين وبتصرفاتهم وأعمالهم الشنيعة جعلوا الشيعة

ص: 64

يتحسسون من بعض الأسماء، أي أنّ الحرب التي شنّها معاوية ضدّ كلّ من سمّي بعليّ، هو الذي دعا الشيعة أن يبتعدوا شيئاً فشيئاً عن التسمية بعمر،لاعتقادهم بأنّه مهد لمعاوية ظلم الشيعة.

وعليه فسياسة معاوية هي التي أضرت بالخلفاء، فانعكست آثارها عليهم ، فانقلبت الحالة عند الشيعة من التسمية إلى عدم التسمية.

نعم، هَجرت الشيعة هذه الأسماء بعد القرن السادس الهجري - أو أخذت تتدرج حتّى هُجرت - لحادثة حدثت لهم في الرَّيِّ(1)، وقد يكون حدث ما يماثلها في بلدان أخرى، فهذه الظروف - التي مرّوا بها - هي التي دعتهم للابتعاد عن التسمية بهذه الأسماء لاحقاً.

إذن فثقافة مدرسة أهل البيت في أصلها الأوّلي كانت تمانع ربط المسائل المذهبية والخلافية بالمسائل العرفية والاجتماعية، فكانت لا ترضى بما تفعله بعض الجهات الرسمية في عملية خلطها للأوراق.

فلا ترى شيعياً اليوم رغم كل الاجحاف والظلم الذي حل به من قبل الحكام، يمتنع من تسمية ابنه بسعد أو خالد أو عبدالرحمن، لأنّه يعلم بأن الأسماء هي أسماء، فلا يجوز التبري منها بسبب الأدوار السلبيّة لسعد بن أبي وقاص، أو خالد بن الوليد، أو عبدالرحمن بن ملجم أو عمر بن سعد بعد الإسلام.

نعم، إنّهم يمتنعون من التسمية بأسماء الخلفاء الثلاثة وعائشة لما جرى عليهم في مدينة الري وغيرها في القرون السابقة، وخصوصاً: السادس،

ص: 65


1- ستقف على كلام المفتي السلجوقي ضمن بياننا للسير التاريخي للمسألة .

والسابع،والثامن الهجري وما قبلها، أي أنّهم علموا بأنّ النهج الحاكم يسعى للمساس برموزهم، وانّ ذلك سيستمر حتّى مجيء السفياني الذي يقتل على الهويّة كلّ من اسمه:عليّ، الحسن،الحسين، جعفر، حمزة، فاطمة(1). فتحسسوا من التسمية بأسماء الأغيار في القرون الأخيرة، لأنهم كانوا يرون هؤلاء الثلاثة هم الذين مهّدوا لأمثال معاوية، ومن يفتي لهم من وعّاظ السلاطين ما يعجبهم.

وعليه فالنهي لم يأت من قبل أهل البيت،بل كان انزجاراً عفوياً وردّة فعل للشيعة عَمَّا كانوا يسمعونه ويرونه من الآخرين في مصر والعراق وإيران والمغرب و...

بلى، إنّ أهل البيت هم أعلى شأناً من إثارة هكذا أمور، فهم لا يكرهون اِسماً من الأسماء لكون فلان الكافر قد تسمّى به، أو أنّه اسم لفلان المنافق.

إنّ مخالفتهم لم تكن مع المفاهيم والأسماء بما هي أسماء ما لم تحمل معاني الشرك والمعاني القبيحة، بل كانت مع المفاهيم والأفعال، وقد ثبت لك بأنّهم لا يصرحون بالمنع من التسمية باسم أبي بكر وعمر وعثمان. مثلما جاءت النصوص الناهية من قبلهم(علیهم السلام)عن التسمية بخالد ومالك و... وحتى أنّ نهيهم عن تلك الأسماء لم تأتِ لخالد بن الوليد أو مالك، بل جاءت لكونها من صفات البارئ فلا يحقّ لأحد أن يسمّي ولده بها، والأفضل اجتنابها، إذ

ص: 66


1- عقد الدرر: 130، 131، مجمع النورين: 329، إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب 2 : 173.

النهي هنا إمّا إرشادي، فهو مما لا يجب الأخذ به، ولو كان مولوياً فهو محمول على الكراهة .

ولا يخفى عليك أنّ رسول اللّه وأمير المؤمنين لم يبدّلا ويغيّرا اسم مالك الأشتر أو خالد بن سعيد الأموي أو غيرهما ؛ لأنّهما عرفا بأنّ تسميتهما لم يُقصد بها صفات البارئ،كبعض المشركين المسمّين بعبد شمس، وعبد الكعبة، وعبد العزّى حتى يأمراهما بتغيير اسميهما.

و إليك الآن كلام ابن تيمية في منهاج السنة وما ادعاه على الشيعة ؛ إذ قال :

وكذلك هجرهم [الشيعة] لاسم أبي بكر وعمر وعثمان ولمن يتسمّى أكفر بذلك، حتّى انّهم يكرهون معاملته، ومعلوم أن هؤلاء لو كانوا من اکفر الناس لم يشرع أن لا يتسمّى الرجل بمثل أسمائهم، فقد كان في الصحابة من اسمه الوليد وكان النبي يقنت له في الصلاة ويقول: اللهم أنّجِ الوليد بن الوليد(1)، وأبوه الوليد بن المغيرة كان من أعظم الناس كفراً، وهو الوحيد

ص: 67


1- جاء في فتح الباري لابن حجر 10: 580 قوله : عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : ولد لأخي أم سلمة ولد فسماه الوليد، فقال رسول الله: سميتموه بأسماء فراعنتكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له:الوليد،هو أشرّ على هذه الأمة من فرعون لقومه. وفي إمتاع الأسماع: 280 - 281 خرجه البيهقي من حديث بشر بن بكر وفيه: غيّروا اسمه فسموه عبد اللّه ... وكان الناس يرون أنّه الوليد بن عبدالملك بن مروان، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه، ففتحت الفتن على الأمة والهرج، قال كاتبه: كان الوليد بن عبدالملك بن مروان جبّاراً عنيداً قال: كنتم تسمّون الخلفاء ومن سمّاني خليفة قتلته،قال:فكفّ الناس عن تسمية الخلفاء.

المذكور في قوله تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً )(1)،وفي الصحابة من اسمه عمرو، وفي المشركين من اسمه عمرو، مثل عمرو بن عبدود، وأبو جهل اسمه عمرو بن هشام، وفي الصحابة خالد بن سعيد بن العاص من السابقين الأولين،وفي المشركين خالد بن سفيان الهذلي، وفي الصحابة من اسمه هشام،مثل:هشام ابن حكيم، وأبو جهل كان اسم أبيه هشاماً، وفي الصحابة من اسمه عقبة مثل أبي مسعود: عقبة ابن عمرو البدري، وعقبة بن عامر الجهني، وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط، وفي الصحابة علي وعثمان، وكان في المشركين من اسمه علي مثل علي بن أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرا، ومثل عثمان بن أبي طلحة قتل قبل أن يسلم، ومثل هذا كثير .

فلم يكن النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)والمؤمنون يكرهون اسماً من الأسماء لكونه قد تسمى به كافر من الكفار ، فلو قُدّر أنّ المسمَّين بهذه الأسماء كفّار لم يوجب ذلك كراهة هذه الأسماء، مع العلم لكلّ أحد بأن النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)كان يدعوهم بها ويقرّ الناس على دعائهم بها، وكثير منهم يزعم أنهم كانوا منافقين، وكان النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) يعلم أنهم منافقون، وهو مع هذا يدعوهم بها ، وعلي بن أبي طالب(رض) قد سمّى أولاده بها، فعُلِمَ أنّ جواز الدعاء بهذه الأسماء - سواء كان ذلك المسمّى بها مسلماً أو كافراً - أمر معلوم من دين الإسلام، فمن كره أن يدعو أحداً بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين الإسلام.

ثم مع هذا إذا تسمّى الرجل عندهم باسم علي أو جعفر أو حسن أو حسين أو نحو ذلك عاملوه وأكرموه ولا دليل لهم في ذلك على أنه منهم، بل

ص: 68


1- المدثّر: 11 .

أهل السنة يتسمون بهذه الأسماء(1) ، فليس في التسمية بها ما يدلّ على أنهم منهم، والتسمية بتلك الأسماء قد تكون فيهم ، فلا يدلّ على أنّ المسمّى بها من أهل السنّة، لكنّ القوم في غاية الجهل والهوى.

و ينبغي أيضاً أن يعلم أنه ليس كلّ ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلاً، بل من أقوالهم أقوالٌ خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعض، والصواب مع من وافقهم، لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها، فمن الناس من يعدّ من بدعهم الجهر بالبسملة، وترك المسح على الخفين إما مطلقاً وإما في الحضر، والقنوت في الفجر، ومتعة الحجّ، ومنع لزوم الطلاق البدعي، وتسطيح القبور،و إسبال اليدين في الصلاة، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة، وقد يكون الصواب فيها القول الذي يوافقهم،كما يكون الصواب هو القول الذي يخالفهم، لكنّ المسألة اجتهادية فلا تنكر إلا إذا صارت شعاراً لأمر لا يسوغ فتكون دليلاً على ما يجب إنكاره وإن كانت نفسها يسوغ فيها الاجتهاد، ومن هذا وضع الجريد على القبر فإنه منقول عن بعض الصحابة وغير ذلك من المسائل(2).

تمعن في هذه الكلمات:«وينبغي أن يعلم أنه ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلاً، بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل

ص: 69


1- أخبرني من أثق به بأنّ جهات حكومية في دول الخليج يتعرّفون على الأشخاص من خلال أسمائهم مثل:باقر،صادق، جعفر ،کاظم،رضا،طاهر، على أنه شيعي فلا يعينّونه في الحكومة أو يسعون في عرقلة معاملته.
2- منهاج السنة 1 : 41 - 44 .

السنّة ووافقهم بعض والصواب مع من وافقهم».

ثم يأتي ابن تيمية ليخرج ما تفرّد به الإمامية ليجعله بدعياً، لكنّه في الوقت نفسه يقبل قولهم فيما لو كانت المسألة من المتنازع فيه عند علماء السنة، أي أنّه يدري بأنّ قولهم هو الحقّ لكنّه يقول ذلك بحيطة وحذر، لأنّ البوح بذلك يفنّد مذهبه ويضعّف من يؤمن ويعتقد به،فيواصل كلامه بالقول:«فمن الناس من يعدّ من بدعهم الجهر بالبسملة، وترك المسح على الخفين إما مطلقاً وإما في الحضر، والقنوت في الفجر، ومتعة الحج، ومنع لزوم الطلاق البدعي، وتسطيح القبور،وإسبال اليدين في الصلاة، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنة ، وقد يكون الصواب ... ».

أسْأَلُ ابن تيمية : لماذا تصرّون على المخالفة مع فقه علي بن أبي طالب؟! أَلَم يكن هو أفقه الناس وأعلمهم بإجماع المسلمين؟

قال الإمام الرازي في تفسيره: إنّ علياً كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلمّا وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سعياً في إبطال آثار على(1).

وقد حلّ الرازي التعارض بين قول أنس وابن المغفل وبين قول علي [في البسملة] والذي بقي عليه(علیه السلام)طول عمره، بقوله: «فإنّ الأخذ بقول عليّ أولى، فهذا جواب قاطع في المسألة».

أخَفِيَ على ابن تيمية أنّ بعض الصحابة مثل ابن عباس وعائشة وابن

ص: 70


1- التفسير الكبير 1 : 169 .

عمر كانوا لا يقبلون المسح على الخفين؟! فقد جاء في التفسير الكبير قولهما[أي ابن عباس وعائشة]: لَئِنْ تقطع قدماي أحبّ إليَّ من أن أمسح على الخفّين و:لَئِن أمسح على جلد حمار أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفين(1).

وعليه فابن تيمية يرى وجهاً لما تقوله الشيعة في مشروعية القنوت في الصبح، ومتعة الحج، وموضوع الطلاق، وتسطيح القبور، وإسبال اليدين،لكنّه يُدخل هذه المسألة ضمن المسائل التي تنازع فيها علماء الإسلام، لأنّك لا ترى فتوىً لشيعي إلا ودليلها موجود في كتب أهل السنة وعلى لسان كبار الصحابة. لكنّهم ومع الأسف جعلوا السنة بدعة، والبدعة سنة ؛ بغضاً لعلى، أو خوفاً من أتباعهم، أو التنحي عن مناصبهم.

فعن الإمام الصادق(علیه السلام)أنّه قال: أتدري لم أُمِرتُم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة؟ فقلت:لا أدري.فقال:إنّ علياً لم يكن يدين اللّه بدين إلا خالفت عليه الأمّة إلى غيره إرادةً لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيءِ الذي لا يعلمونه،فإذا أفتاهم جعلوا له ضدّاً من عندهم ليلبسوا على الناس(2).

وعن سعيد بن جبير، قال: كنت مع ابن عباس بعرفات فقال: مالي لا أسمع الناس يلبّون؟ قلت:يخافون من معاوية، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبيك اللّهمّ لبّيك، فانهم تركوا السنّة من بغض علي(3).

ص: 71


1- المصدر السابق .
2- علل الشرائع : 531 ح 1 وعنه في وسائل الشيعة 27: 116.
3- سنن النسائي (المجتبى)5: 253 ح 3006 ، صحیح ابن خزيمة 4: 260 ح 2830،مستدرك الحاكم 1: 636 ح 1706 .

وعن ابن أبي هريرة قال : الأفضل الآن العدول من التسطيح - في القبور - إلى التسنيم، لأنّ التسطيح صار شعاراً للروافض، فالأولى مخالفتهم وصيانة الميّت وأهله عن الاتهام بالبدعة(1).

ولا يخفى عليك بأنّ النهج الحاكم - أمويّاً كان أم عباسياً - كان يسعى لترسيخ فقه الشيخين ونشر فضائل عثمان والصحابة الأوليّن، ويمنع من التحدث بفضائل علي. وهذا النهج القاسي اللامتوازن أثر سلبيّاً على الأحكام لا محالَة، قال الشيخ أبو زهرة عن الحكم الأموي:

لابد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والإفتاء؛ لأنّه ليس من المعقول أن يلعنوا علياً فوق المنابر وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه، وينقلون فتاواه وأقواله وخصوصاً ما يتصل بأساس الحكم الإسلامي(2).

أعتذر من القارئ في خروجي بعض الشيء عن الموضوع، وذلك لأنّي رأيت ابن تيميّة يسعى إلى تشويه الحقيقة وتحريف كلّ شيء، وأن عمله التحريفي لا يختصّ في التسميات، وأنّ ما قاله في التسميات هو قولنا وقول كلّ شيعيّ على مرّ التاريخ، إذ عرفت بأنّ التسمية بأسماء الثلاثة كانت موجودة عند الطالبيّين ورواة أهل البيت وعلمائهم(3)،وأنهم كانوا لا يتحسّسون من

ص: 72


1- فتح العزيز 5: 231 - 232 . وللمزيد يمكنك مراجعة كتاب المؤلف (منع تدوين الحديث).
2- تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة: 285 - 286 .
3- قام المؤلف بجرد احصائي لأسماء رواة وعلماء الشيعة المسلمين بأسماء الثلاثة في آخر السير التاريخي فانتظر.

التسمية خلافاً للآخرين الذين أهانوا وضربوا وقتلوا من سمّي بعلي والحسن والحسين، فهناك فارق حقيقيّ بين ثقافة الطرفين ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى.والآن لنرجع إلى صلب الموضوع،موضّحين ملابسات هذه المسألة أكثر ممّا مضى.

الحرب الصامتة والحساسية من اسم علي والحسن والحسين!

بعدما بدأ الإسلام بثورته الثقافية، وتغييره لأسماء الجاهليين، وأمره بتحسين الأسماء، ووضع النبي بعض الأسماء الإلهية: كالحسن والحسين، وبعد اهتمام الآيات والأحاديث بالرمز والإشارة إلى الأسوة والقدوة (كمحمد صلی اللّه علیه وآله وسلّم) ، وابتناء الإسلام على الشهادتين=(أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول اللّه)، بدأت قريش حربها الصامتة على أسماء أهل البيت وعترة رسول اللّه، لأنّ قريشاً أصبحت عاجزة عن مقاومة الرسول وثقافة الإسلام وتعاليم الرسول من جهة، ومن جهة أخرى كان لا يمكنها القبول بكلّ ما أتى به النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، وخصوصاً فيما يرتبط بشخصه الكريم وأهل بيته، فسعت إلى الانضمام تحت لواء الإسلام ثم الكيد له.

روى عمر بن شبّة عن سعيد بن عن سعيد بن جبير:أنّ محمّد بن الحنفيّة سمع بأنّ عبداللّه بن الزبير قد نال من عليّ، فجاء إليه وهو يخطب فوضع له كرسيّ فقطع عليه خطبته، فكان ممّا قاله:وإنّه واللّه ما يشتم عليّاً إلا كافر يُسِرّ شتمَ

رسول اللّه، يخاف أن يبوح به فيكنّي بشتم عليّ(1).

ص: 73


1- رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 : 63.

أجل إنّ قريشاً كانت تتصوّر بأنّ النبي هو الذي قرن اسمه مع اسم البارئ(1)،أو أنّه هو الذي منع الصلاة البتراء عليه(2)،أو أنّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) هو نفسه الذي نصّب عليّاً إماماً على الناس دون قرار من ربّ العالمين(3).

وبعبارة أخرى: إنّ قريشاً كانت لا تريد الخضوع المطلق للرسول لكي لا يقوى سلطانه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،فليس من المستغرب أن يكون ما فعلته في التسميات جاء في هذا السياق؛إذ نراهم يسمّون أولادهم بمحمّد وفاطمة ظاهراً، ولا نراهم يسمّون بعليّ،والحسن والحسين، وحمزة، وجعفر وغيرها من أسماء أهل البيت، مع علمهم بأنّ الرسول سمّى سبطيه بالحسن والحسين باسم ابني هارون شبر وشبير وبأمر من الله وعَقَّ عنهما(4).

ص: 74


1- مروج الذهب 3 :454 ، شرح نهج البلاغة 5 : 130 ، الموفقيات لابن بكار: 576-577.
2- انظر سنن الدار قطني1: 355 ،الصواعق المحرقة 2: 430 ، مقدّمة مسند زيد بن علي: 33، صحيح البخاري 4 : 1802 ح 4519، 5: 2338 ح 996، 5997 ، صحیح مسلم 1 : 305 ح 405 عن أبي مسعود الأنصاري وفي 1: 306 ح 407 عن أبي حميد الساعدي، سنن أبي داود 1 : 257 ح 976 إلى 982.
3- انظر كلام الحرث بن النعمان الفهري واعتراضه على رسول اللّه، وطلبه من اللّه أن يمطر عليه حجارة من السماء إن كان محمّداً صادقاً في استخلافه علياً فما لبث حتّى رماه اللّه بحجر فوقع على دماغه فخرج من أسفله فهلك من ساعته. تفسير الثعلبي 10: 35، وتفسير أبي السعود 9 :29، وروح المعاني 29: 55 .
4- أنظر الكافي 6: 34 ح 6، وفيه بأن جبرئيل هبط على رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بالتهنئة في اليوم السابع وأمره أن يسمّي الحسن ويكنّيه وأن يعقّ عنه وكذلك حين ولد الحسين، وسائل الشيعة 21: 431 ح 4، مناقب الكوفي 2: 221.

قال أبو أحمد العسكري عن الإمام الحسن(صلی اللّه علیه وآله وسلّم): سمّاه النبيّ الحسن وكنّاه أبا محمّد، ولم يكن يعرف هذا الاسم في الجاهلية...(1).

وروى عن ابن الأعرابي عن الفضل قال:إنّ اللّه حجب اسم الحسن والحسين حتّى سمّى بهما النبي ابنيه الحسن والحسين (2).

ارتباط التسمية مع المحبّة حقيقةٌ أو وَهمٌ:

إنّ أسماء محمّد وعلي والحسن والحسين إن لم تكن أسماء إلهية فهي أسماء عربية لا محالة، تحمل معاني المحمدة والحسن وهي حسنة لا غبار عليها، مع التأكيد على أنّ مدرسة أهل البيت تذهب إلى أنّ هذه الأسماء مشتّقة من أسماء الباري، كما جاء عن المعصومين ورواه بعض العامّة أيضاً في تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا)(3)، وقوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَات )(4).. وقوله تعالى: ﴿وَ إذ ابتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ)(5).

فلو كان الخلفاء الثلاثة محبين حقاً لرسول اللّه - وكانت التسمية لها دلالة على الحبّ والبغض كما يفرضه المستدلّ في تسميات أولاد الأئمة - لسمّوا أولادهم وأحفادهم وأسباطهم باسم سبطي رسول اللّه كرامة لرسول اللّه

ص: 75


1- أسد الغابة 2 :9 ، سمط النجوم العوالي 3: 85، تهذيب الأسماء للنووي 1: 162 .
2- توضيح المشتبه 3: 233 تهذيب الأسماء للنووي 1: 162 ، تاريخ الخلفاء : 188 ، سمط النجوم العوالي 3: 85.
3- البقرة: 31 .
4- البقرة : 37 .
5- البقرة : 124 .

واتِّباعاً لسنّته في التسمية.

والأنكى من ذلك لا نراهم يسمّون أولادهم بأسماء أجداد وأعمام رسول اللّه كحمزة وأبي طالب،وهاشم ،وعدنان، ومضر، مع كون تلك الأسماء أسماء عربية أصيلة وجميلة المعنى، وكانت توضع في الجاهلية على الأولاد، فكيف لا توضع بعد الإسلام؟.

فعلى أيّ شيء يمكن حمل هذه التصرفات والاجحاف بأعمام رسول اللّه، خصوصاً بعد وقوفنا على تأكيد الرسول على عشيرته وعترته؟

فإمّا أن نقول بنصبهم العداء للرسول ولأهل بيته وعشيرته.

و إمّا أن نقول بعدم لحاظ المحبّة والبغض في التسميات، وهو ما نريد التأكيد عليه في هذه المقدمة ؛ لأنّ التسمية باسمٍ ما قد لا يدلّ على المحبة، وكذا عدم التسمية لا يدلّ على البغض،فالاسم لا يدل على البغض، فالاسم هو العلامة حسبما يعتقده البعض، لكن الإسلام جاء ليؤكد على لزوم تحسين الأسماء لا غير، فلو أراد شخص أن يستدلَّ على المحبّة يجب عليه أن يأتينا بدليل واضح على ذلك، لأنّ دلالة الأفعال صامتة، وقد أكدنا في بحوثنا السابقة(1)بأنّ فعل المعصوم أو تركه لشيء لا يدلّ على الوجوب أو الحرمة إلا أن يصرّح كقوله : اشربوا اللبن أو لا تركبوا الدواب.

والأمر هنا كذلك، فقد لا تشاهد في أسماء محبّي الإمام عليّ - كعمار وسلمان والمقداد وأبي ذرّ - ولا في أسماء أولادهم وأحفادهم قد لا تشاهد

ص: 76


1- راجع كتاب المؤلف (أشهد أن علياً ولي اللّه في الأذان بين الشرعية والابتداع) على سبيل المثال.

اسم علي والحسن والحسين، وهذا لايدل على عدم حبّهم للإمام علي والحسنين وفاطمة وآمنة وزينب،والمتأمل في مواقف الأقدمين يراهم لا يستدلون على المحبّة من خلال التسميات فقط .

فعمار وسلمان والمقداد من المحبين للإمام علي بلا خلاف سواء سموا بأسماء أهل البيت أم لم يسموا،وعليه فنحن لا نستدل على العلقة والمحبة بينهما على التسميات وإن كان عمار بن ياسر قد سمى حفيده علي بن محمّد بن عمار بن ياسر(1)«بعلي»، لكن هذا ليس الدليل الأول والأخير.

وعليه فكل ما في الأمر هو دلالة الأسماء - في غير المعصومين - على العلمية فقط مع لحاظ المعاني الحسنة فيها، وليس فيها أكثر من ذلك ولا يمكن تحميلها ما لا تحتمل.

وكذا لو تصفّحت مشجَّرات الطالبيين لعلّك لا ترى اسم آمنة أو خديجة أو صفية أو حليمة بين أسماء بنات المعصومين، مع إقرار الكلّ بأنّهم من هذه الشجرة المطهرة وهم أبناء آمنة وخديجة والكل يعتقد بحبِّ علي والحسن والحسين وآمنة بنت وهب - أمّ رسول اللّه - وخديجة بنت خويلد - زوجته(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)-أو حليمة السعدية - مرضعته - أو صفية - عمته(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)- فعدم التسمية بهذه الأسماء لا يدل على التنافر والمباغضة.

ومثل هذا يمكن قوله في سبب عدم تسمية الخلفاء الأمويين والعباسيّين أبناءَهم باسم عليّ، لأنهم أيضاً لم يسمّوا أولادهم وأحفادهم باسم أبي بكر

ص: 77


1- الاكمال لابن ماكولا 1: 266 .

وعمر وعثمان،إلا عمر بن عبدالعزيز وآخر ، وهذا لا يعني أنّهم كانوا أعداءً للخلفاء الثلاثة على وجه القطع واليقين، إذ انّهم هم الذين أكّدوا على سيرة الشيخين وحكّموا فقههم ومن خلال أعمالهم اثيرت هذه الحساسية في الأسماء.

إذن المعيار في هكذا أمور هو الأعمال لا الأقوال، ولا ينكر أحد أنّ الخلفاء الأمويين والعباسيين اتبعوا سيرة الشيخين وجعلوها منهجاً في الحياة بخلاف فقه عليّ وحديثه الذي كان محارباً من قبلهم، فكان لا يمكن لأحد أن يحدّث عن عليّ إلا بالتكنية ؛ كقوله : (عن أبي زينب)، وسنوضح لاحقاً ما لاقته الشيعة من هاتين الحكومتين من القتل على الهوية وقتل وتشريد كلَّ من تسمّى بعليّ، والحسن،والحسين(1). فكيف لا يسمون بأسماء الخلفاء الثلاث. وإليك الآن جرداً لأسماء الخلفاء الأمويين والعبّاسيين بأسمائهم وكناهم وسني حكمهم كي تقف على صحّة ما قلناه بعدم تسميتهم بأسماء الخلفاء الثلاثة:

أسماء الخلفاء الأمويين والمروانيين (41 - 132 ه):

وهي خالية من اسم أحد الثلاثة:

1 - معاوية بن أبي سفيان أبو عبد الرحمن ( 41 - 60 ه)

2 - يزيد بن معاوية ، أبو خالد (60 - 64 ه)

3 - معاوية بن يزيد،أبو عبدالرحمن وقيل:أبو يزيد، وقيل: أبو ليلى

ص: 78


1- انظر الصفحات: 174 ، 188، 202 - 222.

(حَكَمَ ثلاثة أشهر، وقيل: أربعين يوماً بعد أبيه).

4 - مروان بن الحكم، أبو عبدالملك ، وقيل : أبو القاسم وقيل أبو الحكم المدني (64 _ 65 ه).

5 - عبد الملك بن مروان أبو الوليد (65 - 86 ه).

6 - الوليد بن عبدالملك، أبو العباس (86 - 96 ه).

7 - سليمان بن عبد الملك، أبو العباس (96 - 99 ه).

8 - عمر بن عبدالعزيز ، أبو حفص (99 - 101 ه ) .

9 - يزيد بن عبدالملك، أبو خالد (101 - 105 ه).

10 - هشام بن عبدالملك، أبو الوليد (105 - 125 ه).

11 - الوليد بن يزيد أبو العباس ( 125 - 126 ه) .

12 - يزيد - الناقص - أبو خالد(ستة أشهر).

13 - إبراهيم بن الوليد، أبو إسحاق (حَكَمَ سبعين ليلة).

14 - مروان الحمار ، أبو عبدالملك (127 - 132).

أسماء الخلفاء العباسيّن (132 - 656 ه):

1 - السفاح،عبد اللّه بن محمد أبو العباس (132 - 136 ه).

2 - المنصور، عبد اللّه بن محمد أبو جعفر (136 - 158 ه).

3 - المهدى،محمّد بن المنصور، أبو عبد اللّه (158 - 169 ه).

4 - الهادي، موسى بن المهدي، أبو محمّد (169 - 170 ه).

5- الرشيد،هارون بن المهدي، أبو جعفر (170 - 193 ه) .

6 - الامين، محمّد بن هارون، أبو عبد اللّه (193 - 198 ه) .

ص: 79

7 - المأمون، عبداللّه بن هارون، أبو العباس (198 - 218 ه).

8 - المعتصم،محمّد بن الرشيد،أبو إسحاق (218 - 227 ه).

9 - الواثق بن المعتصم،أبو جعفر وقيل : أبو القاسم (227 - 232 ه) .

10 - المتوكل، جعفر بن المعتصم،أبو الفضل (232 - 247 ه).

11 - المنتصر، محمّد بن المتوكل، أبو جعفر، وقيل أبو عبد اللّه (247 - 248ه).

12 - المستعين،أحمد بن المعتصم، أبو العباس (248 - 252 ه).

13 - المعتز، محمّد بن المتوكل، أبو عبداللّه (252 - 255 ه).

14 - المهتدي، محمّد بن الواثق،أبو إسحاق ، وقيل : أبو عبداللّه (255 - 256 ه ) .

15 - المعتمد،أحمد بن المتوكل، أبو العباس وقيل : أبوجعفر (256 - 279ه).

16 - المعتضد أحمد بن طلحة،أبو العباس (279 - 289 ه).

17 - المكتفي، علي بن المعتضد،أبو محمد (289 - 295 ه).

18 - المقتدر، جعفر بن المعتضد،أبو الفضل (295 - 320 ه).

19 - القاهر، محمد بن المعتضد،أبو منصور (320 - 322 ه).

20 - الراضي،محمد بن المقتدر ، أبوالعباس (322 - 329 ه).

21 - المتقي، إبراهيم بن المقتدر ، أبو إسحاق (329 - 333 ه).

22 - المستكفي، عبداللّه بن المكتفي، أبو القاسم (333 - 338 ه) .

23 - المطيع،الفضل بن المقتدر ، أبو القاسم (338 - 363 ه).

24 - الطائع، عبدالكريم بن المطيع، أبوبكر (363 - 293 ه).

ص: 80

25 - القادر،أحمد بن إسحاق، أبو العباس (293 - 422 ه).

26 - القائم، عبدالله بن القادر،أبو جعفر (422 - 467 ه).

27 - المقتدي،عبدالله بن محمد،أبو القاسم (467 - 487 ه)

28 - المستظهر،أحمد بن المقتدي،أبو العباس (487 - 512 ه).

29 - المسترشد،الفضل بن المستظهر ، أبو منصور (512 - 529 ه).

30 - الراشد،منصور بن المسترشد،أبو جعفر (529 - 530 ه).

31 - المقتفي، محمّد بن المستظهر،أبو عبد الله ( 530 - 555 ه) .

32 - المستنجد، يوسف بن المقتفي،أبو المظفر (555 - 566 ه).

33 - المستضيء، الحسن بن المستنجد ، أبو محمد (566 - 575 ه).

34 - الناصر، أحمد بن المستضيء، أبو العباس ( 575 - 622 ه).

35 - الظاهر،أحمد بن الناصر ، أبو نصر (622 - 623 ه).

36 - المستنصر، منصور بن الظاهر، أبو جعفر (623 - 640 ه).

37 - المستعصم،عبد الله بن المستنصر، أبو احمد (640 - 656 ه).

هذه هي أسماء وألقاب وكُنى الخلفاء الأمويين والعبّاسيّين، فلا نرى بينها اسماً للخلفاء الثلاثة، أو كنية لهم،مثل:أبوبكر، أبو حفص، أبو عمرو، أبو ليلى، إلا لشخص واحد في العهد الأموي وهو: عمر بن عبدالعزيز الذي تسمّى باسم عمر وتكنّى بكنيته.

أو كنية لشخص واحد في العهد العبّاسي الثاني وهو الطائع العبّاسي، مع أنّ اسم هذا الأخير كان عبدالكريم ولم يكن عتيقاً أو عبد العزى أو عبد الكعبة أو عبد اللّه حتّى يدلّ على المحبّة فيما بينه وبين أبي بكر كما يقولون.

ص: 81

في حين أن أغلب كُنى العبّاسيّين وأسمائهم كانت تدور في فلك الأسماء المحبوبة عند أهل البيت مثل:(محمّد،أحمد، جعفر، عبداللّه،عبدالكريم، إبراهيم، يوسف) وهي نفس الأسماء التي كانوا يتسمّون بها.

أ مّا كناهم فهي : أبو العبّاس، أبو جعفر ، أبو عبداللّه، أبو محمّد، أبوالقاسم، أبو إسحاق، أبو الفضل، فهي كُنى الطالبييّن أيضاً. وكذا ألقابهم، فهي مأخوذة من ألقاب أئمّة أهل البيت(علیهم السلام)، مثل : المهدي،الهادي،القائم و ...(1)،فهل يمكن لأحد أن يدّعي محبّة هؤلاء الخلفاء لأهل البيت وكونهم من شيعتهم؟! وهم الذين أجرموا بحقّهم أكثر من الأمويين.إنّ هذا يهدم مقولتهم السابقة من أنّ الأسماء وضعت للمحبة أو أنّ عدم التسمية يدل على المباغضة والمعاداة.

فهل أنّ وجود اسم واحد أو اسمين بين هذا الكمّ الهائل من الأسماء إلى القرن السابع الهجري يدلّ على محبّة الخلفاء للخلفاء الراشدين!!أم أنّ محبّتهم للخلفاء تُنتَزَعُ من مواقف وأمور أخرى،إذن الأعمال هي الدالة على المحبة لا الأسماء.

الحكومتان الأموية والعباسية واتباعهما السيرة الشيخين:

إنّ الأمويين والعباسيين كانوا يسيرون على خُطى الشيخين ولا غبار على ذلك، وقد أشار مؤسس الدولة الأموية إلى هذه الحقيقة في جواب رسالة

ص: 82


1- ستقف لاحقاً في السير التاريخي في المسألة على نهي أئمّة أهل البيت شيعتهم من تلقّب أعدائهم بألقابهم وتكنّيهم بكناهم إلا عند الضرورة.

محمّد ابن أبي بكر؛ إذ قال معاوية لمحمّد :

فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزه [علي(علیه السلام)]وخالفه أنفسهم، على ذلك اتّفقا واتّسقا، ثمّ دعواه إلى أنفسهم، فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما، فهمّا به الهموم،وأرادا به العظيم.إلى أن يقول:

فخذ حذرك يابن أبي بكر ! فسترى وبال أمرك وقس شبرك بفترك، تقصر عن أن تساوي أو توازي من يزن الجبال حلمه، [و] لا تلين قسر قناته، ولا يدرك ذو أناته، أبوك مهّد مهاده،و بنى ملكه وشاده، فإن يكن ما نحن فيه صواباً، فأبوك أوله وإن يك جوراً فأبوك أسسه ونحن شركاؤه، وبهديه أخذنا، وبفعله اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب، وأسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله، واقتدينا بفعاله. فعِب أباك بما بدا لك أو دَعْ، والسلام على من أناب...(1).

وروى البلاذري ما كتبه يزيد بن معاوية في جواب عبداللّه بن عمر، لمّا اعترض عليه بقتل الحسين:

أمّا بعد، يا أحمق! فإنّا جئنا إلى بيوت مجدّدة، وفُرش ممهّدة، ووسائد منضّدة، فقاتلنا عنها، فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا، وإن يكن الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا وآثر واستأثر بالحقّ على أهله(2).

ص: 83


1- كتاب صفين للمنقري : 120 ، وانظر أنساب الأشراف 3: 167،ومروج الذهب 3 : 12 - 13 ، والاختصاص للشيخ المفيد: 127، وشرح النهج 3: 190.
2- الطرائف لابن طاوس: 247 ، نهج الحق: 356 ، احقاق الحق: 297، والجميع عن البلاذري.

فالأمويون اتّبعوا سياسة الشيخين في كلّ شيء، في الحديث(1)والفقه(2)والسياسة(3).

وجاء في رسالة معاوية إلى زياد بن أبيه :

وانظر إلى الموالي ممَّن أسلم من الأعاجم، فخذهم بسُنّة عمر بن الخطّاب، فإنّ ذلك خزيهم وذلّهم، أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحونهم...(4).

وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن أرطاة أن سَلِ الحسن البصري:ما بال نصارى العرب لا يؤخذ منهم الجزية؟ فسأله، فقال: اكتب إليه«إنّك متّبعٌ ولست بمبتدع، إنّ عمر بن الخطّاب رأى في ذلك صلاحاً »(5).

وقال مروان لمعاوية بعد خطبته المعروفة التي اعتزل فيها : يا أبا ليلى لقد سنّ لها عمر بن الخطّاب سنة فاتَّبِعها، فقال معاوية: أتريد أن تفتنّي عن ديني يا مروان(6).

ص: 84


1- إذ حدّد عثمان التحديث عن رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)«في ما عُمل به على عهد عمر». انظر : الطبقات الكبرى2: 336 ،كنز العمّال 10: 131 ح 29490، تاریخ دمشق 180:39.
2- فمثلا جاء عن مروان بن الحكم قوله : إنّ عمر بن الخطّاب لمّا طُعن استشارهم في الجدّ، فقال: إنّي رأيت في الجدّ رأياً، فإن رأيتم أن تتّبعوه فاتّبعوه، فقال عثمان: إن نتّبع رأيك فهو رشد،وإن نتّبع رأي الشيخ من قبلك فنعم ذو الرأي كان. انظر: المستدرك على الصحيحين 4: 377 ح8983.
3- كما مرّ قبل قليل في كلام معاوية لمحمّد بن أبي بكر، ويزيد لعبد اللّه بن عمر.
4- الغارات 2: 824.
5- أنساب الأشراف 8: 159.
6- مقتل الحسين للخوارزمي: 211.

وعن الشعبيّ أنّه دخل على الحجّاج فسأله عن الفريضة في الأُخت،وأُمّ الجدِّ؟ فأجابه الشعبي باختلاف خمسة من أصحاب الرسول فيها : عثمان، زيد،ابن مسعود،عليّ ،ابن عبّاس. ثمّ بدأ بشرح كلام ابن عبّاس. فقال له الحجاج: فما قال فيها أمير المؤمنين - يعني عثمان -؟ فذكرها له. فقال الحجاج:مُرِ القاضي فليُمْضِها على ما أمضاها عليه أمير المؤمنين عثمان(1). فانظر إلى أولاد هؤلاء هل ترى اسم احد من الثلاثة بينهم.

هذه النصوص تدلّ وبكلّ وضوح على اتّباع الأمويين سيرة الشيخين مع سيرة عثمان بن عفّان وجعلها منهاجاً في الحياة.

وهناك نصوص كثيرة أخرى دالّة على اتّباع التّالين لمِا أسّسه الأوّلون. فكيف بأمثال هؤلاء لا يسمّون أولادهم بأسماء الخلفاء الثلاثة، وعلى أيّ شيء يدلّ هذا؟

بل لماذا لا نرى بين فقهاء المدينة السبعة من اسمه : أبوبكر، عمر، عثمان، وهل يدلّ هذا على نصبهم العداء للثلاثة؟ لا، ليس الأمر كذلك، فالجميع يسيرون على نهج الشيخين وعثمانً،وأنّ هذه النصوص الآنفة خير دليل على التباغض والعداوة بين عليّ وعُمر وعدم الصداقة بين أبي بكر وعليّ، إذ مرّ عليك كلام معاوية لمحمّد بن أبي بكر(فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّ حقّه... وأرادوا به العظيم [ أي القتل])وكلام يزيد لعبداللّه بن عمر: (فأبوك أوّل من سنّ هذ).

ص: 85


1- حلية الأولياء 4 : 325 ، سير أعلام النبلاء 4: 314.

قال المسعودي:وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبداللّه في حصره بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم، ويقول:

إنّما أراد بذلك أن لا تنتشر الكلمة ولا يختلف المسلمون،وأن يدخلوا في الطاعة فتكون واحدة كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لمّا تأخروا عن بيعة أبي بكر، فإنّه أحضر الحطب ليحرّق عليهم الدار(1).

من هنا تعرف عمق مغزى كلام السيّدة فاطمة الزهراء(علیهما السلام):«ويعرف التالون غِبَّ ما أسّسه الأوّلون»(2).

وعليه، فإن ما قلته وأثرته هنا من جواب نقضي للشبهة - من أن الشيخين وأتباعهما، لو كانا محبين للنبي فلماذا لا يُسمّون أولادهم بأسماء أجداد الرسول وأعمامه - وكذا ما عنونته من عنوان، لم يكن اعتقاداً منّي بصحّة ما قلته، بل جاء إلزاماً للآخرين ؛ الذين يسوقون الكلام على عواهنه.

ولا يخفى عليك بأنّ هذا الكلام لا يمنعنا من القول بوجود خلاف وتعارض بين ثقافة قريش وثقافة الإسلام، فقريش كانت في صراع دائم مع الإسلام وقيمه، ولم تستسلم إلا بعد فتح مكة وتحت وطأة السيف، وهي التي دعت إلى المنع من تدوين حديث رسول اللّه، وفي المقابل دعت إلى تعلّم الأنساب وأيام العرب.

ص: 86


1- مروج الذهب 3 :86 ط الميمنية، وانظر: شرح نهج البلاغة 20: 147 وفيه زيادة: وأن يدخلوا في الطاعة كما فعل عمر ...
2- معاني الأخبار 354 - 355،دلائل الإمامة 125 - 128، أمالي الطوسي: 374 - 376.

فمن الطبيعي - ولأجل الخلاف الملحوظ بين المدرستين - أن لا تسمّي قريش أبناءها بأسماء مناوئيها؛لأنها لم تستعدّ فكرياً ولم تؤهل أخلاقياً بعد للثورة على المطامع الشخصية والأنانية،فاستسلمت لها وأنّ حالها مشابه لحال المناوئين للإمام علي من أمثال الخوارج الذين لم يعجبهم أسماء أهل البيت.

لكنّ هذا الأمر لا يمكن تصوّره في أئمة أهل البيت، لأنهم أسمى من هذه الأنانيات التي تتعكّز عليها شخصيّة الإنسان العادي، لأنهم(علیهم السلام)ينظرون إلى الأُمور بنظرة عالية ويسعون دوماً للحفاظ على وحدة الصف الإسلامي، واقفين أمام الفتن وجادين إلى تحجيم زاوية الخلاف بينهم وبين الجهاز الحاكم في الظاهر كي لا يستغله الأعداء.

لكنّ هذا لا يعني بأنّ أهل البيت كانوا بهذه السياسة يجاملون ويداهنون ويُعتّمون على وجود خلاف جوهريّ بينهم وبين الحكام، بل الفارق بينهم وبين غيرهم أنّهم لا يخلطون الأوراق،ويتعاملون مع كلّ شيء على حسبه، فلا يرون التسمية بأبي بكر وعمر - في ظروف مّا - مخلّة بموازينهم، أو أنّها ستزلزل مواقفهم،أو أنّها تبعدهم عن أهدافهم قيدَ أنملة، كلاً فالأمر لم يكن كما يتخيّله الآخرون، فهم لا يجيزون ربط موضوع التسميات مع المسائل الخلافية المذهبيّة، لأنّ مجال كلّ واحد يختلف عن الآخر. فهم من جهة يسمون ومن جهة أخرى يعترضون .

فالتسمية بأبي بكر وعمر وعثمان لا تعطي الشرعية للخلفاء،ولا تدلّل على عدالتهم ووثاقتهم ولزوم الأخذ عنهم، بل هي حالة اجتماعية طبيعية ليس إلا،فالذين يريدون الاستفادة من هذه التسميات لتثبيت خلافة

ص: 87

الشيخين، أو رفع العداوة والخلاف بين الآل والخلفاء،هُم واهمون، لأنّ الخلاف بينهم أكبر من أن يرتفع بتسمية واحدة أو اثنتين أو ثلاث، أو زواج مفتعل(1)،أو مصاهرة بين هذا أو ذاك، ويكفينا للتدليل على وجود الخلاف، ما جاء في الخطبة الشقشقية(2)،وخطب السيدة فاطمة الزهراء،ووصيّتها بأن لا يشهد جنازتها أبوبكر وعمر وموتها وهي واجدة عليهما(3)،وتهديد عمر بإحراق بيت فاطمة(4)،وإسقاطه جنينها محسناً(5)، وعدم تولية عمر أحداً من بني هاشم السرايا والولايات(6)، وقول عمر لابن عباس: أما زال في نفس علي شيء(7) ، إلى غيرها من عشرات النصوص بل مئات النصوص الدالة على التخالف في السياسة والمنهج.

فأهل البيت رغم خلافهم مع أبي بكر وعمر وعائشة وطلحة والزبير،

ص: 88


1- أنظر كتابنا (زواج أم كلثوم الزواج اللغز ) .
2- نهج البلاغة: 48 الخطبة 3.
3- عيون أخبار الرضا 2: 201 وعنه في بحار الأنوار 31: 621 ح 104 ، وانظر صحيح : البخاري 4: 1549 ح 3998 وصحیح مسلم 3: 1380 ح 1759 .
4- تاريخ الطبري 2: 233 ،الإمامة والسياسة 1: 30 ،المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: 91 .
5- الملل والنحل 1 : 57 الترجمة 3 / الفرقة النظامية، الوافي بالوفيات 6: 15 الترجمة 3 للنظام المعتزلي،لسان الميزان 1 : 268 الترجمة 824 لأحمد بن محمّد بن السري، مناقب ابن شهر آشوب 3: 133 ، عن المعارف للقتيبي قال: محسناً فسد من زخم قنفذ.
6- الاحتجاج 1 : 109 وعنه في بحار الأنوار 28 :283، الاختصاص: 185 .
7- شرح نهج البلاغة 12: 20 عن أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً وعنه في بحار الأنوار 30: 555 بتصرف.

لا يمنعون التسمية بهذه الأسماء، بل(علیهم السلام)يترفعون عن هكذا أمور ، ولو راجعت كتب أنساب الطالبيّين لرأيت الإمام السجاد،والكاظم،والرضا،والهادي قد سمّوا بناتهم عائشة،لأنّ عائشة هو اسم فاعل من عاش يعيش، فلا ضير من التسمية بهذا الإسم لو لوحظ فيه المعنى اللغوي فقط.

أمّا لو أريد بالتسمية الأخذ بنظر الاعتبار مواقف عائشة بنت أبي بكر في يوم الجمل قِبال إمام زمانها علي بن أبي طالب،والإشادة بدورها في شقّ الصف الإسلامي، فهو منهيٌّ عنه؛ لأنّ هذا العمل يوجب التثقيف الباطل للمسلم، وإشاعة ثقافة العداء لأهل بيت الرسول، الذين أمرنا اللّه ورسوله بمودتهم وطاعتهم.

وعليه فنحن لا نريد أن ننكر وجود اسم عمر وعثمان أو كنية أبي بكر بين ولد الإمام على، أو ولد الإمام الحسن، أو ولد الإمام الحسين - وإن لم يثبت ذلك بدليل عن الأخير - أو الإمام علي بن الحسين، لكننا ننكر أن يكون

(1) في الوقت نفسه نهى الإمام الكاظم يعقوب السراج من التسمية ب«حميراء»، لأنه كاد أن يكون علماً مخصوصاً بعائشة، ومختلقاً لها قبال أمهات المؤمنين،أمثال : خديجة وأم سلمة و...، ويحتوي على مؤامرة سياسية أموية ضد علي، بخلاف اسم عائشة فإنه اسم عام لألف امرأة تسمو بها قبل الإسلام وبعده.

وقد يكون أمر الإمام ليعقوب السراج جاء من باب الكرامة والإعجاز، لأنّ النص الذي سيأتي عليك لاحقاً،فيه أنه(علیه السلام)قالها (وهو في المهد... وبلسان فصيح). وهو النصّ الوحيد الصريح الآتي من قبل الأئمة في المنع من التسمية بأحد أسماء المخالفين بخصوصه.

وعليه فالتسمية ب(حميرا)يختلف عن التسمية ب(عائشة)فينهى عن الأولى و یسمی بالثانية ولا ضير،قبل أن يصير رمزاً للمخالفة مع علي ويرمز إلى حالة تاريخية.

ص: 89

ذلك دالاً على المحبة.

مؤكدين على أنّ التسمية بعثمان قد توقّفت بعد تسمية الإمام على وأخيه عقيل ابنيهما بهذا الاسم، فلا نرى اسم عثمان بعد ذلك في ولد جعفر بن أبي طالب، أو في ولد عقيل، وحتى في ولد علي في العصور اللاحقة - إلا ما ذكرنا وبذلك فقد انقطع اسم عثمان في ولد الإمام علي من بعد الإمام الحسن بن علي(علیه السلام)إلى الإمام الحجة.

ومثل ذلك كان الأمر بالنسبة إلى التسمية أو التكنية بأبي بكر، فقد توقف الطالبيون عنه بعد الإمام علي والإمام الحسن وعبد اللّه بن جعفر،فلم يكن في الطالبيين من سمّي أو كنى بأبي بكر، إلا ابن واحد للإمام الحسن(1)-وقيل بأنه كان للإمام الحسين مثله وهو لم يثبت - وولد لعبد اللّه بن جعفر(2).

مؤكدين بأنّا لم نقف على من سمّي بأبي بكر في ولد الأئمة المعصومين بعد الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)أي من بعد سنة خمسين للهجرة إلى زمان ابن عنبة المتوفى 828 صاحب (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب)، أي أنّ التسمية بأبي بكر وعثمان قد انقرضت أيضاً عند الأئمة التسع المعصومين الباقين.

وأيضاً انقرض هذان الاسمان عند غالب الطالبيّين - من بني عقيل وبني جعفر - فلم أقف في مشجّراتهم عليهما، أي أنّ التسمية ب -«عثمان»،

ص: 90


1- قال الموضح النسابة بأنّ أبو بكر هو كنية لعبد اللّه بن الحسن. وأنا احتمل ذلك أيضاً في ولد الإمام علي وعبد اللّه بن جعفر.
2- قيل إنّه كنية لمحمد بن جعفر بن أبي طالب وإنّه ليس باسم.

«أبوبكر» - وضعت لفترة قليلة وانتهت بانتهاء العهد الأموي، فلا نرى لها وجوداً في العصر العباسي.

أمّا اسم عمر فقد بقي متداولاً لمدّة أطول، لكنه هو الآخر انحسر وجوده بين ولد الأئمة المعصومين من بعد الإمام زين العابدين.

فلم يسمِّ الإمام الباقر، ولا الإمام الصادق،ولا الإمام الكاظم، ولا الإمام الرضا، ولا الإمام الجواد ولا الإمام الهادي، ولا الإمام العسكري(علیه السلام)بأسماء الخلفاء الثلاثة.وذلك لاتضاح أصول النهجين للناس في عهد الصادِقَيْن(علیهما السلام)ثم من بعدهم،غير منكرين وجود حالات استثنائية تدعوهم إلى التقية.

نعم، قد تشاهدون التسمية بعمر في نسل الإمام علي(علیه السلام)من غير المعصومين، وعند بعض الطالبيين من بني عقيل أو جعفر، وغالب من تسمّى بعمر في تلك الأزمان كانوا إمّا من ولد عمر الأطرف ابن أمير المؤمنين، أو من ولد عمر الأشرف ابن علي زين العابدين،أو من ولد الإمام الحسن المجتبى، أو من ولد زيد الشهيد، فلا ترى ذلك في ولد الإمام الباقر، أو عبداللّه الباهر، أو الحسين الأصغر، أو على الأصغر إلا نادراً.

وحتّى أن المسمَّين باسم عمر في ولد الإمام الحسن، أو زيد، أو العمرين-الأطرف والأشرف - لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد، وهذا العدد كاف للحد من تطرف المتشددين، وأيضاً هو خير دليل على كذب مدّعيات ابن تيمية الذي يقول بأن الشيعة لا تسمّي بأسماء الثلاثة، فإنّ هذه التسميات وإن كانت

ص: 91

لا شيءَ إذا ما قورنت بالنسبة إلى عشرات الأسماء المتداولة الأخرى مثل:علی،الحسن،الحسين،إبراهيم،سليمان،زيد، يحيى،فإنّها كافية للدلالة على وجود التسمية عندهم في القرون الأولى، وإنّ الحساسية مع الأسماء تنامت مع تنامي الظلم ضد الشيعة والمضادة مع نهج علي وآله، ولو راجعت (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب)لابن عنبة المتوفى 828 ه لوافقتنا فيهما قلناه خصوصاً إلى ذلك الزمان. فإن أسماء المخالفين موجودة في نسل علي لكن ليس بالقدر الموجود عندهم من الأسماء الجميلة للأنبياء وأهل بيت رسول اللّه،مؤكدين بأن تسميات الطالبيين وفي العصور المتأخرة - وبعد عصر الأئمة، وحتى في ولد غير الأئمة - ليست بحجّة شرعيّة .

إذن نحن لا نريد أن نقول بأنّ التسمية بعمر وعثمان وعائشة لم تكن موجودة بتاتاً، أو أنها جميعاً قد زُجّت ووضعت في كتب الرجال والأنساب والتاريخ من قبل الآخرين أمويين كانوا أم عباسيين، لكنّ كلامنا هذا لا يمانع من القول بتحريفهم كنية بعض الأشخاص وجعلها اسماً لهم، أو إبدالهم كلمة (عمرو) إلى ( عُمَر ) أو إطلاق كنية ( أبي حفص) على مُطلق من اسمه عمر كما هو المشاهد في إحدى كُنى عمر الأطرف(1).

فأبو بكر انقلب من كونه كنية لابن الإمام علي من ليلى النهشلية إلى اسم له.

وكذا بالنسبة إلى ابن الإمام الحسن المجتبى،قال الموضح النسابة:

ص: 92


1- في المجدي: 197 قال الموضح: وعمر المكنى ابا القاسم وقال ابن خداع:بل يكنى أبا حفص.

وعبداللّه بن الحسن هو أبو بكر(1).

فالأمويون غيّروا هذه الكنية وجعلوها اسماً له، وقد فات ذلك على بعض النسّابة الشيعة، فنقلوا تلك الأقوال وحكوها على أنّها أسماء لهؤلاء لا كُنى.

وعليه فالتسمية بتلك الأسماء لا تضرّ بفكرنا وعقيدتنا كما يتصوّره الخصم، فلا نرى ضيراً من الإيمان بوجودها والتسمية بها، فإنّ أئمّتنا أمرونا بالصلاة خلف العامة(2)حفاظاً على الصف الإسلامي، فكيف يمنعوننا من التسمية باسم عمر وأبي بكر وعثمان إن دعتنا الضرورة لذلك وهي أقلُّ شأناً بأضعاف مضاعفة من الصلاة، التي إن قبلت قبل ما سواها وإن رُدّتُ ردّ ما سواها.

على أنّ هناك أمراً آخر يجب الإشارة إليه، وهو أنه ليس هناك ولا دليل واحد على أنّ هذه التسميات قد وضعت من قبل الأئمة، فقد تكون الأمهات وضعن تلك الأسماء لكونها من أسماء آبائهنّ أو أجدادهنّ أو غيرهم من أقربائهنّ، والأئمة قبلوا بها.

ص: 93


1- المجدي: 198 ، وفي عمدة الطالب: 68 قال الموضح النسابة: عبداللّه هو أبوبكر.
2- الكافي 3: 380 ح 6 وفيه عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)،قال:من صلى معهم في الصف الأول كان كمّن صلى خلف رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، و قال البحراني في الحدائق الناظرة 11: 71 رواه الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد اللّه(علیه السلام)،ورواه الصدوق بسنده عن حماد بن عثمان عنه(علیه السلام)في من عن لا يحضره الفقيه 1: 382 ح 1125، والشيخ الطوسي بسنده عن إسحاق بن عمار عنه(علیه السلام)في التهذيب 3: 277 ح 129، إلا أنّ فيه: فإن المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل اللّه.

وقد يكُنَّ سمّينَ أبناءهنّ بلحاظ اللغة وحسن معناها اللغوي، وسكت الأئمة.

وقد يَكُنَّ سمّين بتلك الأسماء دون لحاظ خصوص أسماء الظالمين لآل البيت ثم سكوت الأئمة عما وضعته الأُمهات، وليس هناك ولا نصّ واحد يثبت أنّ تلك الأسماء كانت ملحوظاً فيها أسماء الثلاثة بعينهم وسكت عليها الأئمة(علیهم السلام).

ولو فرضنا ذلك جَدَلاً فالقبول بها ممكن أيضاً إخماداً للفتنة، أو لعدم توسيع رقعة الخلاف، أو قل احتراماً لعائلة زوجته الموالية للخلفاء.

وعليه فالتسمية بنظرهم(علیهم السلام)ليست من المسائل التعبدية التوقيفية التي لا يجوز الزيادة والنقصان فيها - بالطبع في غير المعصومين - بل هي من الأمور الجائزة التي يمكن تجاوزها، وخصوصاً لو لوحظ في الأمر مصلحة أهمّ كما نحن فيه.

فقبول الإمام بتسمية ابنه بعمر أو أبي بكر أو عثمان أو عائشة دليل واضح على أنّ الأئمة(علیهم السلام)فوق الميول والاتّجاهات من حيث إنّ الأهم عندهم هو اللّبّ دون القشور،وإنّ الخلاف لا يدعوهم إلى محاربة الأسماء بما هي أسماء، فالمعصوم يعنيه عمل الأشخاص لا أسماؤهم - كما كانت تفعله بنو أمية مع مخالفيهم - وقتلهم لكل من تسمّى بعلي، وخصوصاً المكنّى بأبي الحسن منهم. أي أنّ الأئمة أثبتوا حسن نياتهم، ولكن الآخرين قتلوا المؤمنين

على الهوية.

وعليه فما يدّعونه على المعصوم في وضع الأسماء يجب إثباته بنص وإلا

ص: 94

فستبقى الدعاوي دعاوي بلا أدلّة ليست لها قيمة حتى بمقدار عواء ابن آوي .

نعم، إنّ الناس أحرار في التسميات شريطةَ أن لا يكون ما يسمّون به اسماً قبيحاً ينافي المفاهيم الدينية، فالناس لا يجب عليهم أن يلحظوا حين التسمية من تسمّى به إلا أن يصير ذلك الاسم رمزاً غالباً أو منحصراً(1)للشر والباطل ، إذ أنّ الرمز تارة يكون رمزاً للخير وأخرى رمزاً للشر، فإذا كان رمزاً للخير والعمل الصالح فيستحبّ التسمية باسمه كمحمد وعلي والحسن والحسين، أما لو كان رمزاً - غالباً أو منحصراً - للشرّ والقتل والظلم والإبادة فلا يجوز التسمية باسمه.

وعليه فالتسمية بيزيد لغةً جائزة، بشرط أن لا تكون حبّاً بيزيد بن معاوية، أما لو سمّى ابنه«يزيدَ»إيماناً به وتخليداً لذكره وقبولاً بفعله في قتل الحسين وسبي المدينة واستباحته للأعراض وهدم الكعبة فهو منهيٌّ عنه شرعاً.

وكذا الحال بالنسبة إلى التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة، فإن كان حبّاً لأعمالهم وأفعالهم ورضاهم بالهجوم على بيت الزهراء وغصب فدك فهو منهيٌّ عنه، أمّا لو سمّي بها لكونها أسماء عربيّة فلا مانع من ذلك. إذن دواعي

التسميات من الأمور القلبيّة والتي لا يطّلع عليها إلا علام الغيوب.

وبعد هذا العرض السريع نقول - وعلى نحو الاحتمال والتخمين

ص: 95


1- الرمز الغالب كفرعون، فإنه اسم لكل ملك من ملوك مصر، لكنّه غلب على فرعون الظالم المعهود،والرمز المنحصر كإبليس فإنه اسم يرمز للشيطان الرجيم حَصْراً.

والالزام - : إنّ هدف عمر بن الخطاب من تسمية ابن الإمام علي من الصهباء التغلبية (بعمر) هو محاولة منه لمحو صفحات الماضي من أذهان الناس وما جرى بينه وبين آل البيت(علیهم السلام)، فهو نوع مداجاة أراد بها غَسل دَرَن هجومه على بيت الزهراء(1)وإسقاطه ولدها محسناً(2)، فإنّه بهذه التسمية أراد محو هذه الأمور، وفي الوقت نفسه جعل نفسه الرمز والأسطورة والقائد الضرورة،لأنّ قبول الإمام علي تسمية ابنه باسم (عمر) يعني الخضوع والتسليم والقبول بالأمر الواقع.

بلى، إنّ فكرة جعل عمر رمزاً كانت تخامر ابن الخطاب منذ عهد رسول اللّه، ولنا شواهد عديدة عليه، وإنّ عملية طلب تسمية ابن الإمام علي هي إحدى تلك المفردات في هذا الإطار ؛ إذ ليس من المعتاد - لا في الجاهلية ولا في الإسلام - أن يطلب شخص من آخر أن يجعل أمر تسمية ابنه إليه إلا أن يكون هناك هدف مهمٌ يرجوه ؟ فما هو ذلك الهدف إذن؟ هل هو التعتيم على صفحات الماضي؟

أم للدلالة على الصداقة والمحبة بين الآل والصحابة؟

بل كيف يصير رمزاً عند أنصاره وأعدائه معاً، هل بهذه الطريقة؟! أم ...

بل ماذا يعني أن يهب يهب عمر بن الخطاب غلامه (موركاً) لهذا الطفل؟ وهل أن الطفل الجديد بحاجة إلى مورك، أم أن والده الإمام علي بحاجة إليه؟ بل لماذا تخفى شخصية مورك في تاريخ الإسلام بعد التسمية من قبل عمر و

ص: 96


1- کتاب سليم بن قيس: 149 ، الاختصاص : 185 .
2- الهداية الكبرى:178 ،دلائل الإمامة : 134 ، الاحتجاج 1: 109.

اهداءه لابن علي، فلماذا لا نرى موركاً حاضراً بجنب عمر بن علي في مواقفه، بل يُكتَفى عنه بالقول:(أعتقه عمر بن علي ) ؟

بل لماذا لا نشاهد عمر بن علي موجوداً مع إخوانه: الحسن، الحسين، العباس، محمّد بن الحنفية في واقعة الجمل وصفين والنهروان؟مع علمنا-حسب النصوص التاريخية-بأنّه كان أكبر من أبي الفضل العباس(علیه السلام)سنّاً.

فلماذا كان أبو الفضل موجوداً في تلك المعارك ولم يكن هو موجوداً(1).

ولا أدري هل إنّ هديّة عمر لِسَميِّه - أو بالأحرى والد سَميِّه: عليّ بن أبي طالب - أتت ضمن سياسة الترغيب والترهيب والجزرة والعصا؟ أم إنّها كانت هدية بريئة؟ وهل حقاً أنّ الإمام قبل هديته؟ أم لم يقبلها .

بل لماذا يتكرّر المشهد نفسه بين معاوية وعبداللّه بن جعفر بن أبي طالب في تسمية ابنه بمعاوية؟

ونحوه بين يزيد وبين معاوية بن عبد اللّه بن جعفر، وإعطاءه مبلغاً على تسمية ولده بيزيد؟

وهل إنّ معاوية ويزيد اقتفيا أثر عمر بن الخطاب في التسميات؟ أم إنّ الأمر جاء عفويّاً؟ وهل الصلة القلبية بين الأشخاص توجد بالصلة المادية فقط أم يجب دمجها مع عوامل أخرى؟

إذن إنّ الرمزية الدينية هي الملحوظة في الإسلام، وقد مرّ عليك استحباب تسمية الطفل باسم محمّد وأحمد، علماً بأنّ الرمزية الدينية تنحصر في اسم النبي وأهل بيته المعصومين،وليس لكلّ أحد أن يجعل من اسمه

ص: 97


1- وضّح ذلك المؤلف في كتابه التسميات: 348 فراجع.

ونفسه رمزاً للمسلمين، والرمزية الدينية كانت عند النبيّ وأهل البيت مقرونة بالدعاء للمسمّى بالخير والبركة وحسن العاقبة،لا بالهبات والهدايا على التسميات، كما رأيناه في التسمية بأمثال : اسم معاوية ويزيد.

ولو ألقيت نظرة عابرة إلى ما قُرر يوم الشورى وجعل ابن عوف سيرة الشيخين أصلاً ثالثاً في التشريع الإسلامي بعد أن كان التشريع منحصراً بالكتاب العزيز والسنّة المطهرة ، لعلمت أنّ هناك اتجاهاً يريد جعل الشيخين رمزاً دينياً بجنب اللّه ورسوله، وفي المقابل ترى صحابة آخرين لا يرتضون هذه الفكرة ويخالفونها، جاعلين التشريع منحصراً في الكتاب والسنة، فقال ابن عباس: اراهم سیهلکون أقول نهى عنها رسول اللّه ويقولون قال أبو بكر وعمر(1)،أو قول الآخر: لا أترك سنة أبي القاسم لقول أحد(2)[و يعني به عمر].

ولا يخفى عليك بأنّ الرمزية -خيراً كانت أم شراً-تتنامى مع مرور الزمن، فالقداسة الملحوظة اليوم للشيخين لم نكن نشاهدها على عهد الصحابة والتابعين أو تابعي التابعين، وكذا الحال بالنسبة للظُّلامات التي واجهت أهل البيت فهي أخذَتْ تتضح للناس شيئاً فشيئاً، مع فارق أنّ رمزية الشيخين لأتباعهم تأطّرت وتكوّنت بسرعة ؛ لأنّ الحكومات رَمَّزَتهما بالقوّة

ص: 98


1- المغني 3: 125، الفروع 3: 227، شرح العمدة 2: 534، الفقيه والمتفقهة 1: 377، مسند أحمد 1: 337 ح 3121 ، الأحاديث المختارة 10 : 331 ح 357، وانظر موطأ مالك 2: 634 ح 1302 ، مسند الشافعي: 242 ، التمهيد لأبن عبدالبر 4: 70.
2- أنظر صحيح البخاري 2 : 567 ح 1488، مسند أحمد 1: 135 ح 1139،الجمع بين الصحيحين 1 :159 ح 122.

والتبليغ والترغيب والترهيب .

وأ مّا رمزية ظلامة أهل البيت وغصب الغاصبين فلم تتحقق إلا بعد جهد جهيد وبعد آلآف الضحايا والقرابين،لانه ليس من السهل أن تثبت الأيام لعموم الناس ما فعله الشيخان وأتباعهما بأهل البيت إلا بمرور یّاموالليالي.

وبهذا فالتسميات خاضعة لما يهدف إليه المُسَمِّي من وراء تسمية ابنه، وأن التسمية من الأُمور القلبية، فلو وَضَعَ شخص اسم عمر على ابنه مثلاً تأييداً لهجومه عمر على بيت الزهراء وغيرها من الأُمور التي فعلها ضد أهل البيت فهو غير جائز، أما لو وضعَهُ الجمالية اسم عمر وكونه معدولاً عن عامر، ولاستلطافه هذه الكلمة دون أن يلحظ فيها شخصاً معيناً أساء إلى العترة بل ينظر إلى الإسم كإسم فقط فلا مانع من ذلك.

ولعلّ في حديث العيون خير شاهد على أنّ الملاك في الأمور هو أفعال المسمّى لا نفس الاسم، إذ اشترك اسم المظلوم أمير المؤمنين «علي» مع أسماء ظالميه في حرف العين،وهم:عتيق،وعمر،وعثمان، وعبدالرحمان بن عوف، وعائشة، ومعاوية(1)،وعبد الرحمان بن ملجم.

فعن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم):إذا ظلمت العيونَ العينَ،كان قتل العين على يد الرابع من العيون،فإذا كان ذلك استحقّ الخاذل له لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين،فقيل له:يا رسول اللّه ما العين والعيون؟

ص: 99


1- لأنّ معاوية مأخوذ من عوى . انظر لسان العرب 15: 108، تاج العروس 19: 714.

فقال: أمّا العين فأخي عليّ بن أبي طالب،وأمّا العيون فأعداؤه،رابعهم قاتله ظلماً وعدواناً(1).

وقد أخبر أمير المؤمنين(علیه السلام)حذيفة - وهو من أصحاب سرّ رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)-بالأمر على وجهه بعد أن لم يكن فهم مغزاه ولم يسأل عنه رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)،قال حذيفة بن اليمان لعليّ بعد الشورى وبيعة عثمان :

إنّي واللّه ما فهمت قولك ولا عرفت تأويله حتى بلغت ليلتي أتذكر ما قلت لي بالحرة وإنّي مقيل:كيف أنت يا حذيفة إذا ظلمت العيونُ العينَ،عمر والنبيّ(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بين أظهرنا، ولم أعرف تأويل كلامك إلا البارحة، رأيت عتيقاً ثمّ تقدما عليك وأوّل اسمهما عين،فقال:يا حذيفة نسيت عبدالرحمان بن عوف حيث مال بها إلى عثمان، وسيضمّ إليهم عمرو بن العاص مع معاوية(2).

وفي رواية : ثمّ أخوهم عبدالرحمن بن ملجم(3).

وفي رواية البرسي أنه(علیه السلام)كان يقول لابن عبّاس : كيف أنت يابن عم إذا ظلمت العيونُ العينَ، فقال له:يا مولاي كلّمتني بهذا مراراً ولا أعلم معناه،فقال(علیه السلام): عينُ عتيق، وعمر،وعبدالرحمان بن عوف، وعينُ عثمان، وستضمّ إليها عينُ عائشة، وعينُ معاوية، وعينُ عمرو بن العاص، وعينُعبدالرحمان بن ملجم، وعينُ عمر بن سعد(4).

فهذه الأسماء كلّها تشترك بحرف العين، لكنّ البون شاسع بين المظلوم

ص: 100


1- معاني الأخبار : 387 ح 22 .
2- مناقب ابن شهر آشوب 2 :103.
3- الصراط المستقيم 3 : 12 .
4- مشارق أنوار اليقين: 123 (في حقائق أسرار أمير المؤمنين).

والظالم، فلا يمكن أن نمنع من التسمية بهذه الأسماء الظالم أصحابها لأنّها مشتركة في حرف العين(1).بل أفعالُ المسمَّين هي الملاك، لذلك قال بعضهم:بأنّ في هذه العيون الظالمة إلماحاً إلى عين الحسد وعين التجسّس، وفي عين عليّ المظلوم إلماحاً إلى أنه عين اللّه، وعينُ الرجال، وعين الحقيقة، كما يقال: فلانٌ عينُ قومه، أي خيارهم وسيّدهم، والذين لا نظير له فيهم،ويقال:فلان عين من عيون اللّه، أي خاصّة من خواصّ أوليائه.

وعليه فما يدّعيه القوم - من أنّ وضع الإمام عليّ لهذه الأسماء كان للمحبة - هو مما يجب إثباته،ودونه خرط القتاد، بل إنّ في ترك أئمّة أهل البيت لهذه الأسماء في العصور اللاحقة لها دلالة على عدم محبوبيّتها عندهم، لكنّهم لا يثيرون الحساسيّة مع الأسماء، ويتركونها للّبيب العاقل الذي يشخّص مدى رمزيّتها في كلّ عصر من العصور وآن من الآونة.

فالتسمية بمجرّدها لا تضرّنا وليس فيها ما يدلّ على حقّانيّة الثلاثة أو عدالتهم، وكذا لا تنفي عنهم ما عملوه مع آل البيت، فذاك شيء وهذا شيء آخر.

ص: 101


1- من الطريف ان ننقل ما حكاه الجاحظ عن الآخرين كي تعلم بأن الشيعة لا تتعامل مع الأسماء والكنى وحتى الحروف كما تعامل الآخرون معها، فالشيعة أعلى شاناً وأكرم منزلة مما حكاه الجاحظ عن رجل من رؤساء التجار: أنّه لقى شيخاً شرساً سيء الاخلاق يكره الشيعة فقال له: ما الذي تكرهه من الشيعة؟ فقال: ما اكره منهم إلا هذه الشين في أول اسمهم فاني لم اجدها قط إلا في كل شر وشوم وشيطان وشغب وشقاء وشنار وشرك وشَوك وشكوى وشهوة وشتم وشُح، قال أبو عثمان [الجاحظ ]:فما ثبت لشيعي بعدها قائمة !!! (العقد الفريد 2: 251 قولهم في الشيعة).

وكذلك تسمية أعداء أهل البيت أبناءهم باسم محمّد ، علي، حسن، حسين، فاطمة، جعفر،... الخ، لا يدلّ على محبّتهم لأهل البيت وعدالتهم ووثاقتهم وحسبك جعفر المتوكّل العباسي الناصبي، وعلي بن الجهم الخارجي، وصدام حسين المجرم، وعلي حسن المجيد القومي، وغيرها من الأسماء المقدّسة التي تسمّى بها النواصب والأراذل.

نحن لو أردنا أن ندرس ظاهرة التسمية بأسماء الثلاثة طبقاً للاحتمالات والادعاءات فهناك العشرات من هذه الاحتمالات يمكن افتراضها في هكذا أمر، وباعتقادي أنه لا يمكن البتّ والقطع بقصد الإمام علي إلا بنصّ منه(علیه السلام)، ولا نصّ في المقام، بل الشواهد والقرائن والأدلّة التاريخية لا تدل إلا على العداء المستحكم بينهما وتخالف النهجين.

عمر وأسماء الأنبياء:

وهنا نقطة لابدّ من الإشارة إليها، وهي تعامل عمر بن الخطاب مع تسمية بعض الصحابة أولادهم بأسماء الأنبياء، فعن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم عن أبيه، ان عمر بن الخطاب جمع كل غلام اسمه اسم نبي فأدخلهم الدار ليغير أسمائهم، فجاء آباؤهم فأقاموا بينة أن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)سمى عامتهم فخلى عنهم، قال أبو بكر: وكان أبي فيهم. (ابن سعد وابن راهويه،وحسن)(1).

ص: 102


1- كنز العمال 16 : 588 ح 45966 .

وعن سالم بن أبي جعد:إنّ عمر بن الخطاب كتب: لا تسّموا باسم نبيّ، فكان رجل يسمّى هارون فغيّر اسمه(1).

وفي الطبقات:دخل عبدالرحمن بن سعيد العدوي على عمر بن الخطاب، وكان اسمه موسى فسماه عبدالرحمن،فثبت اسمه إلى اليوم، وذلك حين أراد عمر أن يغيّر اسم من تسمّى بأسماء الأنبياء(2).

وفي كنز العمال: إنّ عبدالرحمن بن الحارث كان اسمه إبراهيم، فدخل على عمر في ولايته حين أراد أن يغيّر اسم من تسمّى بأسماء الأنبياء،فغيّر اسمه وسمّاه عبدالرحمن، فثبت اسمه إلى اليوم(3).

وفي شرح النووي على مسلم وعمدة القاري: كتب عمر إلى أهل الكوفة: لا تسمّوا أحداً باسم نبيّ،وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمّين بمحمّد، حتّى ذكر له جماعة أنّ النبي أذن لهم في ذلك وسمّاهم به، فتركهم، قال القاضي:والأشبه أنّ فعل عمر هذا إعظام لاسم النبي(4).

وفي فتح الباري : يقال : إنّ طلحة قال للزبير : أسماء بَنِيَّ أسماء الأنبياء، وأسماء بنيك أسماء الشهداء، فقال [ الزبير] : أنا أرجو أن يكون بَنِيَّ شهداء وأنت لا ترجو أن يكون بنوك أنبياء !! فأشار إلى أنَّ الذي فعله أولى من الذي

ص: 103


1- جزء حنبل التاسع(من فوائد ابن السماك): 76، الفتن الحنبل بن إسحاق: 219 وأنظر عمدة القاري22 :206.
2- طبقات ابن سعد 5 : 51 وعنه في كنز العمال 16: 248 ح 45969 .
3- كنز العمال 16 : 248 ح 45968 عن ابن سعد 5 : 6 ، تاريخ دمشق 274:34 .
4- أنظر شرح النووي على مسلم 14: 113، وعمدة القاري 15: 39.

فعله طلحة(1).

فسؤال هو: ألم يكن الأولى بعمر بن الخطاب أن يسمح بالتسمية بأسماء الأنبياء، وأن يشجّع ويحثّ عليه، مع تأكيده على رعاية احترامهم؟! وهو ما فعله النبي والأئمة الأطهار.

فعن أبي رافع، قال: سمعت رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)قول : إذا سمّيتم محمّداً فلا تقبّحوه ولا تجبهوه ولا تضربوه، بورك لبيت فيه محمّد، ومجلس فيه محمّد، ورفقة فيها محمّد(2).

وعن أبي هارون مولى أبي جعدة، قال كنت جليساً لأبي عبداللّه [الصادق ](علیه السلام)بالمدينة ففقدني أيّاماً ، ثمّ إنّي جئت إليه فقال: لم أرك منذ أيام يا أبا هارون؟ فقلت : ولد لي غلام فقال : بارك اللّه لك، فما سمّيته؟ قلت: سمّيته محمّداً، فأقبل بخده نحو الأرض وهو يقول : محمّد، محمّد، محمّد، حتّى كاد يلصق خدّه بالأرض، ثمّ قال: بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويَّ وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول اللّه(علیه السلام)، لا تسبّه ولا تضربه ولا تُسِئ إليه،

واعلم أنّه ليس في الأرض دار فيها اسم محمّد إلا وهي تُقَدَّس كلّ يوم(3).

تأمل في انحناءات الإمام الصادق تعظيماً لاسم محمّد، وقوله: (بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويّ وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول اللّه).

ص: 104


1- فتح الباري 10: 580 .
2- مكارم الأخلاق :25 ، وعنه في مستدرك وسائل الشيعة 15: 130 ح 2، وفيه: بورك بيت فيه محمّد.
3- الكافي 6: 39 ح2 ، وسائل الشيعة 21 :393 ح 4 .

متى قالها(علیه السلام)؟ ألم يكن قالها بعد أكثر من نصف قرن من وفاة عمر وبعد رسوخ فكره عند أتباعه ؟ أي بعد استقرار ثقافة النهي عن التسمية بأسماء الأنبياء والمرسلين، وعلى رأسهم النهي عن ذكر اسم محمّد الصادق الأمين؟!

وقد روى الصادق(علیه السلام)عن رسول اللّه(صلی الله علیه وآله وسلّم)قوله:من ولد له أربعة أولاد لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني(1).

وعن النبي(صلی الله علیه وآله وسلّم):إذا سمّيتم الولد محمّداً فأكرموه، وأوسعوا له في المجلس،ولا تقبحوا له وجهاً(2).

وعنه(صلی الله علیه وآله وسلّم): ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر من اسمه محمّد أو أحمد فأدخلوه في مشورتهم إلا كان خيراً لهم(3).

وبالإسناد عن النبي:ما من مائدة وضعت فقعد عليها من اسمه محمّد أو أحمد إلا قدّس ذلك المنزل في كلّ يوم مرّتين(4).

هذه ثقافة أهل البيت وتراهم يقولون بفضيلة التسمية بأسماء الأنبياء خصوصاً اسم النبي الخاتم محمد بن عبداللّه .

ص: 105


1- الكافي 6 :19 ح 6 ، التهذيب 7 :438 ح 11 ، وفي أمالي الطوسي: 682 ح 6 ثلاث بنين.
2- وعيون أخبار الرضا 2: 29 ، وعنه في وسائل الشيعة 21 :394 ح7، الجامع الصغير 109:1ح706.
3- عيون أخبار الرضا 2: 32 ح 30 ،مكارم الأخلاق: 220، فضائل التسمية بأحمد ومحمّد : 19 .
4- وسائل الشيعة 21: 394 ح 9 ، عن عيون أخبار الرضا 2: 32 ح 31.

ألم تكن ثقافة الدعوة للتسمية باسم النبيّ الخاتم والنصح للمسلمين خيراً من ثقافة التغيير الماحي لاسم النبيّ محمّد الماحي؟!بل ماذا يمكننا أن نقول عن هدف عمر في تغييره لأسماء الأنبياء؟

وهل يمكننا - بعد اتضاح سياسته - أن نعزو عدم وجود روايات دالّة على استحباب التسمية بأسماء الأنبياء في كتب أبناء العامّة إلى أنها خضعت لمنع عمر من التسمية بأسماء الأنبياء ؟ أم إنّ الأمر غير ذلك؟

الكلّ يعلم بأنّ الأسماء ضرورة لابدّ منها، وأنّ التسمية بالأسماء المحمودة كأسماء الأنبياء والمرسلين هي من الأُمور المحبوبة والحسنة عقلاً وشرعاً، لأن بها تثبت الرمزية للخير والدعوة إليه.

وكذا لا محيص من تلقّي الهجاء والمدح جراء التسمية بأي اسم، وقد تستدعي التربية في بعض الحالات - من قبل الأب أو الجد - الضرب والشتم للمسمى بالإسم المحمود،وهي حقيقة طبيعية لا مناص عنها وليست بأمور طارئة.

ألم يكن لعمر بن الخطاب أن يتعامل مع التسمية بأسماء الأنبياء مثل تعامل النبي والأئمة الأطهار من حيث الدعوة إلى التسمية المباركة مع احترام المسمَّين بأسماء الأنبياء وإدخالهم في المشورة، وتوسيع المجالس لهم،وعدم التقبيح لوجوههم، وإكرامهم ، والجلوس معهم على المائدة و... لا أن يمنع

(1) في البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال قال رسول اللّه لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو اللّه بي الكفر وان الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه وأنا العاقب.

ص: 106

من التسمية ويسعى لتغيير الأسماء الإيجابيّة الإلهيّة.

صحيح أنّ الأمر يجب التنبيه عليه كي لا يهان النبيّ، لكن لا بهذه الصورة، إذ أنّ عمل عمر الرَّدْعي هو الأشدّ ضرراً وتطرُّفاً في مثل هذا الأمر، وهو أقرب إلى الإبادة من الإصلاح،وهو يشابه ما عمله في منع حديث رسول اللّه بدعوى اختلاطه مع القرآن(1)،فكان عليه أن يدعو الى الحيطة في نقل الحديث عن رسول اللّه(صلی الله علیه وآله وسلّم)وأن لا يجمع حديث رسول اللّه مع آيات القرآن الكريم في مصحف واحد، لا أن يمنع من تدوين حديث رسول اللّه(صلی الله علیه وآله وسلّم)ويأمر بحرق الأحاديث النبوية، فعمله في هذين الأمرين سيِّانِ.

ومما يجب التأكيد عليه أنّ رسول اللّه كان يعلم بأنّ التسمية باسمه قد يسبّب شتم وضرب المسمى باسمه، ولأجل ذلك دعا المؤمنين إلى رعاية ذلك، بل لزوم أن يوسعوا لمن اسمه محمّد في المجلس، أي أنّ التسمية بمحمّد فيه دعوة الآباء والمؤمنين إلى التربية الصحيحة والتخاطب السليم بين الناس،والابتعاد عن منهج الضرب والشتم، أي تثقيف الأمّة بالثقافة الصحيحة من خلال التسمية بأسماء الأنبياء وخصوصا النبيَّ محمّداً(صلی الله علیه وآله وسلّم).

ومن الطريف أن عمر كان ينهى من التكنية بأبي كان ينهى من التكنية بأبي عيسى(2)وأبي يحيى(3)،

ص: 107


1- أنظر كتاب المؤلف منع تدوين الحديث.
2- انظر سنن أبي داود 4: 291 ح 4963، كنز العمال 16: 250 ح 4598 .
3- انظر تاریخ دمشق 24 :240 ، وفيه قال عمر لصهيب ما وجدت عليك في الإسلام إلا ثلاثاً اكتنيت بأبي يحيى وقال اللّه تعالى: ﴿ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً)،والاستيعاب 2: 731، المحلى 8: 297 ، الروض الأنف 2 :69 ، المعجم الكبير 8: 32 ح 7297 وفيه قال عمر لصهيب: أراك تبذر مالك وتكتني باسم نبي...

ويتكنّى هو بالمقابل بأبي مرّة(1)وهو الاسم المنهي عنه عند رسول اللّه(2)، على أنّ أبا مرّة كنية إبليس كما في المعاجم اللغوية(3)، وقيل: كانت له ابنة اسمها مرّة ولأجل ذلك تكنّى بها(4).

السير التاريخي للمسألة:

المرحلة الثالثة: الحرب المعلنة :

بعد انتهاء المرحلتين السابقتين جاءت المرحلة الثالثة، وهي مر حلة أعداء الإمام علي - المحاربين له عَلَناً - ودورهم التخريبي لشخصه وشخصيته من خلال إبهامهم للنصوص(5)أو اختلاقها ثم استمرارها من خلال الافتراء والاتّهام،والظلم،والتعسف،في العهد الأموي،وقد بدأت هذه المرحلة من بعد استلام الإمام علي الخلافة في سنة 35 ه واختلافه مع عائشة ومعاوية والخوارج واستمرت إلى آخر العهد الأموي.

والأمويون جاؤوا ليغيّروا الضوابط الشرعية والعرفية الحاكمة في المجتمع الإسلامي وإبدالها من العقلنة والمنطق السليم إلى العداوة الباعثة على الحمق، وتهيج العاطفة، ومن الحقيقة إلى التمويه، كل ذلك بغضاً لعليّ، فأخذوا يثيرون الحساسيّات ويهيّجون العواطف، ولذلك انقسم المسلمون بعد رسول اللّه إلى نهجين:مسلم أمويّ، ومسلم نبويّ، وقد رسم كلّ واحد منهما ضوابطه ومعاييره،وإن كان الغالب عليهم آنذاك هو اتباع النهج الأموي، لأنّهم الحكام، وكانوا يتظاهرون بأنّهم دعاة السنة.مؤكدين بأن النهج النبوي الأصيل كان يقاوم النهج الأموي بفكره.

ص: 108


1- الغدير 6: 313.
2- انظر الموطأ 2 : 973، باب ما يكره من الأسماء ح 24 والسيرة الحلبية 1: 129 .
3- لسان العرب 2: 552 ، تهذيب الأسماء 1 : 119 وغيره.
4- الغدير 6: 313.
5- كما سيأتي بعد قليل في كلام عائشة وعدم ذكرها اسم الإمام علي.

أجل، أخذت ظاهرة التسمية في هذا العصر تخرج من إطارها العام،وكونها ظاهرة اجتماعيّة لتدخل في معترك الصراع السياسي وموازنة القوى، وأخذ هذا العمل يؤثّر شيئاً فشيئاً على من يسمّى بعليّ ومعاوية.

فقد كان يُقْتَلُ كل من تسمى بالاسم الأول، والثاني توهب له العطايا وتهدى له الهدايا، وقد وضحنا بأن الاستعانة بالأسماء أو المتاجرة بها هو سلاح الضعيف ومنهجه غالباً،أمّا القويّ في فكره وسلوكه وشخصيّته فهو يتعالى عن مثل هكذا أعمال ويستحقرها، لكنّه لمّا يرى المخَّطط عامّاً وشاملاً يهدم كلَّ المقدّسات ولا يختصّ بالتسميات، يدخل بكلّ قوّة للتعريف بمخطّطهم الإجرامي ضدّ الإسلام والمسلمين في التسمية وفي غيرها،وكان هذا هو منهج أهل البيت(علیهم السلام).

إنّ شيعة عليّ كانوا يعلمون بأنّ ولاية معاوية على الشام - بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان - كانت بأمر عمر ، وأنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قوّى سلطان بني أمية، وأنّ كلّ ما لاقته الشيعة في عهد معاوية، ومروان، والحجّاج يرجع وزره على عمر وعثمان اللذان نصباه حاكماً على رقاب المسلمين.

فالشيعي لم يكن حسّاساً أمام التسمية باسم الثلاثة واسم الحجاج ومروان قبل هذا التاريخ، لكونها أسماء عربيّة، ولكونها ظاهرة اجتماعيّة لا تعني شخصاً معيناً، لكن لمّا جعل الأمويون هذه التسميات معياراً للموالاة والبراءة وتحسّسوا من التسمية باسم عليّ والحسن والحسين - وخصوصاً بعد تتبّع زياد بن أبيه، والحجّاج بن يوسف الشيعة تحت كلّ حجر ومدَر، حتّى صار الرجل ليقال عنه : كافر أو زنديق أحبّ إليه من أن يقال له: إنّه من

ص: 109

شيعة عليّ (1).

فلما وصلت المباغضة في الأسماء إلى هذا الحد انعكس ذلك سلباً على جميع شرائح المجتمع الشيعي فاشمازُّوا من تلك الأسماء شيئاً فشيئاً.

و إنّي لا أستبعد أن يكون ترك أئمة أهل البيت(علیهم السلام)لأسماء الثلاثة - من بعد الإمام السجّاد(علیه السلام)- يعود للأعمال التي اقترفها الخلفاء وأمرائهم قبل عهده(علیه السلام)مثل : معاوية، يزيد،الحجّاج، وقتلهم على الهوية كلّ من سُمِّيَ بعليّ، لأنّ ولاياتهم لم تكن إلا امتداداً لحكومات الثلاثة الأوائل.

فأئمة أهل البيت كانوا على خلاف فكري مع أولئك لكن ذلك لا يدعهم للمخالفة مع أسمائهم، لكن لما وصل الأمر إلى هذا الحد تركو التسمية بأسماء الثلاثة.

فالأئمة أكّدوا على محبوبيّة التسمية باسم عليّ، وسمّوا بالفعل أولادهم بهذا الاسم المبارك كثيراً، وتركوا التسمية بغيرها كي لا يظنّ أحدٌ بأنّ التسميات بأسماء الأغيار لها دلالات خاصّة.

أي أنّهم تركوا التسمية بأسماء الثلاثة من بعد الإمام السجّاد متعمّدين قاصدين كي لا يختلط الأمر على المتأخّرين كما اختلط على المتقدّمين، فيتصوّروا بأنّ التسمية بعائشة أو عمر هي لمكانة زوجة النبيّ أو محبةً بعمر بن الخطّاب، غير منكرين إمكان وضع هذه الأسماء على بعض الطالبيين وأولاد الأئمة تقيّة.

ص: 110


1- شرح نهج البلاغة 11: 44 .

وكذا الحال بالنسبة إلى تركهم لأسماء الآخرين من الصحابة، فقد يكونوا تركوها كي لا ينتزع منها ما انتزع من غيرها.

نعم اشتدت المخالفة مع أسماء أهل البيت بعد شهادة الإمام علي، وشدة مواقف عائشة، ومعاوية، والخوارج مع الإمام، وحدوث واقعة الجمل وصفين والنهروان، وهذه الخلافات والصراعات جعلت الآخرين يتعاملون مع الأمور بانفعالية، بعكس أهل البيت الذين كانوا يتعاملون مع الأمور بمصداقية

وعقلانية، وقد كان لهذه المرحلة رجال وشخصيات مهمة،نشير إلى دور شخصيّتين منها :

1 - دور عائشة بنت أبي بكر (ت 58 ه).

2 - دور معاوية بن أبي سفيان (ت 60 ه).

دور عائشة في التسمية:

إنّ قضية تسمية بعض أولاد الأئمة بأسماء بعض الخلفاء مرّت بعدّة مراحل:

المرحلة الأولى:طلب عمر بن الخطاب من الإمام علي أن يسمّي ابنه ب(عمر)، ذلك حينما«قام عمر»بالخلافة أي بعد السنة الثالثة عشرة للهجرة.

المرحلة الثانية: استغلال أتباع الخليفة هذه التسمية للتدليل على وجود محبّة بين الإمام علي وعمر بن الخطاب، أو نفي وجود العداوة بينهما(1)في حين أنّ الإمام كان ينظر إلى التسميات كظاهرة اجتماعية ليس لها ارتباط بموضوع الخلافات العقائدية والفقهية والسياسية والاجتماعية.

وكلامي هذا لا يعني بأنه(علیه السلام)لم يكن يعلم باستغلال الآخرين لموضوع التسمية لاحقاً، لكن كان عليه أن يتعامل مع الأُمور طبق الظواهر لا البواطن .

ص: 111


1- وذلك بين سنة 13 الى 37 ه أي إلى سنة ولادة عثمان بن علي بن أبي طالب.

لأنّ الإمام لما رأى خروج موضوع التسمية من سياقه الطبيعي المرسوم له في الفترة اللّاحقة،واتضح أهداف عمر مر وأتباعه من هذه التسمية، وقد أخذ الموضوع طابعاً تدليسياً وتلبيسياً وإعلامياً للآخرين، كل هذه الأُمور دعت الإمام - في أواخر عهد عثمان بن عفان، أو أوائل خلافته - أن يصرّح بأنه قد سمّى ولده الثالث من أمّ البنين الكلابية ب (عثمان)حبّاً بأخيه في الإيمان عثمان بن مظعون،أي أنّ الإمام أراد أن يقول للناس:إنّ التسمية بعثمان لو دلت على المحبة فهي لابن مظعون لا لابن عفّان.

وبمعنى آخر أنه(علیه السلام)أراد مع فلعه هذا توضيح أمرين آخرين للناس في هذه المرحلة :

الأول: صحيح أنّ العادة قد تدعو بعضاً من الناس لِأَن يسمّوا أولادهم بأسماء من يحبّونهم - وهذا ما صرح به الإمام في سبب تسميته ابنه بعثمان - لكن لا يمكن تعميمه على الأسماء الأخرى الموضوعة على أبنائه(علیه السلام)قبل هذا التاريخ، وأنها كانت حباً بعمر بن الخطاب أو ابن أبي قحافة بل في كلامه تعريض بتلك التسميات.

الثاني: خَرَّجَ الإمام بجملة (حبّاً لأخي عثمان بن مظعون) عثمانَ بن عفان مع من سبقه من الخلفاء من دائرة التسمية للمحبّة، أي أنه(علیه السلام)أراد أن يقول للآخرين: لا تتصوّروا أنّي سمّيت ابني بعثمان حُباً به - وخصوصاً أنه قال بهذا بعد مقتل عثمان - لأنّ اسم عثمان ليس حِكراً على عثمان بن عفان، فإنّي قد سمّيت ابني باسم غيره وهو عثمان بن مظعون!مع العلم بأنّ التسمية بعثمان قد تركت عند أولاد المعصومين بعد هذا التاريخ وهذا له مؤشّره الخاص.

ص: 112

وبعبارة أوضح: إنّه كان يريد القول: إنّي حينما قبلت تسمية ابني بعمر أو تكنية ابني الآخر بأبي بكر لم يكن حبّاً بعمر بن الخطاب وأبي بكر، بل لكونها ظاهرة إجتماعيه ولوجود إخوان آخرين لي مسمَّين بعمر وأبو بكر، منهم: عمر بن أبي سلمة وأبو بكر بن حزم، وهما من عمالي على الأمصار.

أمّا دور عائشة في التسمية، فكان انفعالياً يحمل بين جوانبه الحقد والضغينة، فقد جاء في كتاب«الشافي في الإمامة» وغيره والنص منه :

عن مسروق، قال: دخلت على عائشة فجلست إليها تحدّثني، فاستدعت غلاماً لها أسود يقال له عبدالرحمن،حتّى وقف،فقالت: يا مسروق أتدري لِمَ سمّيته عبدالرحمن؟ فقلت: لا، فقالت : حبّاً منِي لعبد الرحمن بن ملجم(1).

ص: 113


1- الشافي في الإمامة 4 :356 ؛ الجمل، للشيخ المفيد: 84 .

انظر إلى كلام عائشة لترى البغض والضغينة يطفحان على كلامها، وهو نص قد صدر عنها بعد سنة أربعين للهجرة يقيناً، أي بعد شهادة الإمام علىّ(علیه السلام).وأنها سمت غلاماً لها بهذا الإسم تكريماً لقاتل الإمام علي: عبدالرحمن بن ملجم

وفي هذا النصّ نقلةٌ نوعيّة لموضوع التسميات، حيث أنّ الإمام عليّاً - وطبقَ النصوص السابقة - لم يجرح ولم يتعرّض لأحد كما فعلته عائشة في النصّ الأنف، بل إنّه(علیه السلام)- كما في(تاريخ المدينة) لابن شبّه - أخبر عن ولادة

مولود له ثم قبوله طلب عمر في تسمية ابنه بعمر .

لكنّه لمّا رأى استغلال الجهاز الحاكم لهذا الأمر، أراد أن يوضّح تسميات أبنائه الآخرين وأنه لم يكن حبّاً بالخلفاء من خلال توضيحه سبب تسمية ابنه الثالث بعثمان،مصرحاً بأنه سمّاه حبّاً بأخيه عثمان بن مظعون لا غير، وفي كلامه(علیه السلام)إشارة إلى جانب إيجابي، وهو بيان الأخوة بينه وبين عثمان بن مظعون، ثمّ توضيحي لحقيقة بقيت خافية على المسلمين لذلك اليوم في سبب تسمية ابنه بعمر، لأنّه خاف أن تستغل من قِبلَ الآخرين في عثمان كما استغلت في الأولين إن لم يوضح السبب، ولأجله قال: (إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون)، فلا ترى في كلامه شيء سلبيِ كالّذي رأيناه في كلام عائشة .

أي أنّه(علیه السلام)أراد تصحيح التصوُّرات الخاطئة التي كان يحملها بعض الناس عن سبب تسمية بعض أولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان وأنّها جاءت حباً بالخلفاء، قال بذلك مع عدم التجريح بأحد أو التصريح بشتم أو كراهة أحد .

ص: 114

لكن في المقابل نرى إبهام عائشة لاسم من اتكأ عليه رسول اللّه حينما خرج إلى الصلاة في حديث آخر ؛ فعن عبيد اللّه بن عبداللّه بن عتبة : أنّ عائشة قالت:

لمّا ثقل النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)واشتدّ به وجعه، استأذن أزواجَه في أن يُمَرَّضَ في بيتي، فَأَذِنَّ له، فخرج النبيّ بين رجلين، تخطّ رجلاه في الأرض، بين عبّاس ورجل آخر .

قال عبيد اللّه : فأخبرت عبداللّه بن عباس،فقال: أتدري من الرجل الآخر؟

قلت: لا.

قال: هو علي(1).

وفي نصّ آخر :أتدري من الرجل الذي لم تُسَمَّ عائشة؟ هو : علىّ(2).

نعم، إنّ عائشة لم تكن على وفاق مع الإمام على والزهراء(علیهما السلام)لكن هذا لا يجيز لها أن تكتم الحقيقة لأنّها العالمة باسم الذي اتكأ عليه رسول اللّه .

فقد ذكر أبو الفرج الإصفهاني : أنّ عائشة سجدت شكراً للّه لمّا سمعت بمقتل علي بن أبي طالب(3).

ص: 115


1- صحيح البخاري 1: 83 ح 195 من كتاب الوضوء باب الغسل والوضوء في المخصب والقدح والخشب.
2- صحيح البخاري 1614:4 ح4178 من كتاب المغازي، باب مرض النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ووفاته، و 1 : 236 ح 634 من كتاب الجماعة الإمامة، باب حد المريض ان يشهد الجماعة، و 914:2ح2448،و 5 : 216، صحیح مسلم 2: 312 ح 418 من كتاب الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر.
3- أنظر مقاتل الطالبيين: 27.

وحكى أصحاب المعاجم أنها لم تأت إلى بني هاشم لتعزّيهم بوفاة فاطمة،بل نقل لعليّ عنها كلام يدل على سرورها(1).

وقد قالت ذات مرة لرسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم): واللّه لقد عرفت أنّ علياً أحبُّ إليك من أبي ومنّى، قالتها مرتين(2).

وحكي عنها أنّها روت عن رسول اللّه زوراً وكذباً قوله في علي: إنه يموت على غير ديني(3)!!

وقولها عنه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم): من أراد أن ينظر إلى رجلين من أهل النار فلينظر إلى هذين، فنظرت عائشة ... فإذا بعلي والعبَّاس قد أقبلا(4).

وقد أشار الإمام علي إلى هذه الضغينة في كتاب له:... وأمّا فلانة فأدركها رأي النساء، وضِغنٌ غلا في صدرها كمرجل القين، ولو دُعيت لتنال من غيري ما أتت إلىَّ لم تفعل(5).

هذا بعض الشيء عن عائشة ودورها في حرب الأسماء وتشديدها للخلاف بين الآل والصحابة، لا تمويع الجليد كما يقال.فلو كانت أماً بارة بأولادها لسعت إلى تمويع الجليد لا تشديد الخلاف وبث روح البغض والضغينة بين المسلمين وخصوصاً بين الصحابة الأوائل .

ص: 116


1- شرح نهج البلاغة 9 : 198.
2- مسند أحمد 4: 275 ح18444، مسند البزار 8: 233 ح3275،مجمع الزوائد 9: 127 ، قال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
3- شرح نهج البلاغة 64:4.
4- المصدر السابق .
5- نهج البلاغة : 218 ، الخطبة 156، شرح نهج البلاغة 189:9.

دور معاوية في حرب الأسماء:

قريب من موقف عائشة كان موقف معاوية بن أبي سفيان لكن بشكل آخر يغلب عليه الكذب والدجل، وقد تصدى لهذا الأمر مع كونه من الطلقاء ومسلمة الفتح وليس له منزلة كمنزلة عائشة عند المسلمين، فقد كتب إلى أمير المؤمنين علي(علیه السلام)بقوله :

لئن كان ما قلتَ وادّعيتَ واستشهدت عليه أصحابك حقاً لقد هلك أبو بكر وعمر وعثمان وجميع المهاجرين والأنصار غيرك و غیرَ أهل بیتک وشعيتك. وقد بَلَغني ترحمّك عليهم واستغفارك لهم، وإنّه لَعلى وجهين ما لها ثالث: إمّا تقيّة إن أنت تبرّأتَ منهم خِفتَ أن يتفرّق عنك أهل عسكرك الّذين تُقاتلني بهم.أو إنَّ الذي ادّعيت باطل وكذب. وقد بلغني وجائني بذلك بعض من تثق به من خاصّتك بأنّك تقول لشيعتك [الضالّة ] وبطانتك بطانة السوء:«إنّي قد سمّيتُ ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان،فإذا سمعتموني أترحّم على أحد من أئمة الضلالة فإنّى أعنى بذلك بَنِىَّ»(1).

فأجابه أمير المؤمنين بكتاب طويل، فيه :

ولعمري يا معاوية، لو ترحّمتُ عليك وعلى طلحة والزبير ما كان ترحّمي عليكم واستغفاري لكم ليحقّ باطلاً، بل يجعل اللّه ترحّمي عليكم واستغفاري لكم لعنة وعذاباً. وما أنت وطلحة والزبير بأحقر جرماً ولا أصغر ذنباً ولا

ص: 117


1- کتاب سليم بن قيس : 301 . وفي نسخة (ج) من الكتاب المزبور «إنك قد سميت ثلاثة بنين لك،كنيت أحدهم أبا بكر، وسميت الاثنين عمر وعثمان .

أهون بدعة وضلالة ممّن استّنا لك(1)ولصاحبك الذي تطلب بدمه، ووطّئا لكم ظُلمنا أهل البيت،وحَملاكم على رقابنا، فإِنَّ اللّه يقول:﴿أَلَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ أُوتُو نَصيباً مِنَ الكِتاب يُؤْمِنُونَ بالجبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَروا هؤلاءِ أهْدِى مِنَ الَّذِينَ آمَنوا سَبيلاً * أولئك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَنْ يَلْعَن الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصيراً * أَمْ لَهُمْ نصيبٌ مِن المُلْكِ فَإذا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقيراً * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على ما آتَاهُم اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)(2)،فنحن الناس ونحن المحسودون؛قال اللّه عزّوجل: ﴿فَقَدْ آتَيْنا آل إبراهيم الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُلْكَاً عَظيماً * فَمِنْهُم مَنْ آمَنَ به وَمِنْهُمْ مَنْ صَلَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً )(3)،(4).

فالإمام(علیه السلام)بكلامه هذا كان يريد الإشارة إلى أنّ الدخول في مثل هذه الأمور ليست من مهامّ الطلقاء، والذين قاوموا الإسلام حتى الساعات الأخيرة،بل هذا الأمر يرتبط به وبالسابقين إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار، وقد جاء هذا الأمر صريحاً في كتاب له(علیه السلام)إلى معاوية مجيباً في ذلك مدعياته فقال:

وَزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الْأَسْلَامِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؛ فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَك كُلُّهُ، وَ إِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ . وَمَا أَنْتَ وَالْفَاضِلَ وَالْمُفْضُولَ ، وَالسَّائِسَ وَالمَسُوسَ! وَمَا لِلطَّلقَاءِ وَأَبْنَاءِ الطَّلَقَاءِ، وَالتَّمْيِيزَ بَيْنَ المُهَاجِرِينَ، وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ،

ص: 118


1- يعني بذلك أبا بكر وعمر.
2- النساء : 51 - 54 .
3- النساء : 54 - 55 .
4- كتاب سليم بن قيس 305 ، بحار الأنوار 33: 154 باختلاف يسير.

وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ ! هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قَدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا، وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الحُكْمُ لَهَا : أَلاَ تَرْبَعُ أَيُّهَا الأَنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ، وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ، وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَرَكَ الْقَدَرُ ! فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمُغْلُوبِ، وَلَا ظَفَرُ الظَّافِرِ(1)!

ثمّ جاء(علیه السلام)يذكره بالأقدمين إسلاماً ممن بنى هاشم وغيرهم فقال:

أنَّ قَوْماً أَسْتُشْهِدُوا فِي سَبيلِ اللّه تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَلِكُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ : سَيْدُ الشُّهَدَاءِ، وَخَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ ! أَوَ لاَ تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه-وَلِكُلِّ فَضْلٌ-حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ،قِيلَ:«الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجُنَاحَيْنِ!»وَلَوْلاَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ،لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً،تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ،وَلَا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ. فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ؛ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبَّنَا، وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا . لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزْنَا وَلا عَادِي طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا؛ فَنَكَحْنَا وأَنكَحْنَا فِعْلَ الْأَكْفَاءِ، وَلَسْتُمْ هُنَاكَ! وَأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ، وَمِنَّا أسَدُ الله وَمِنْكُمْ أَسَدُ الأخلافِ، وَمِنا سَيِّدا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ، وَمِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينِ، وَمِنْكُمْ حَمَّالَةٌ الْحَطَبِ، فِي كَثِير مِمَّا لَنَا وَعَلَيْكُمْ!

إلى أن يقول :

وَزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ، وَعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ، فَإِنْ يَكُنْ ذلِكَ كَذلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ،فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ.(وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرُ عَنْكَ عَارُهَا).

ص: 119


1- نهج البلاغة : 385 - 386 . الكتاب 28 .

وَقُلْتَ: إِنِّي كُنْتُ أَقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايَعَ، وَلَعَمْرُ الله لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ، وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ!وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَة فِي أنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكَاً في دِينِهِ، وَلاَ مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ! وَهَذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا ، وَلكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا(1).

بهذه الكلمات والآهات وضّح الإمام ما كان يعيش فيه، والمتأمّل في كلماته في نهج البلاغة وغيره يعرف هذه الحقيقة بكل وضوح، فمما قاله(علیه السلام)أيضاً:

كنت في أيّام رسول اللّه كجزء من رسول اللّه، ينظر إليّ الناس كما يُنظر إلى الكواكب في أفق السماء، ثم غضَّ الدهر منّي فقُرن بي فلان وفلان، ثمّ قُرِنْتُ بخمسة أمثلُهم عثمان فقلت : وا ذفراه(2)، ثمّ لم يرض الدهر لي بذلك حتى أرذلني، فجعلني نظيراً لابن هند وابن النابغة، لقد استنت الفِصال حتى القَرْعى(3).

و في رسالته(علیه السلام)إلى معاوية بن أبي سفيان:

فياعجبا للدهر، إذ صرت يُقرنُ بي من لم يسع بَقدمي، ولم تكن له كسابقتي التي لا يُدلي أحد بمثلها إلا أن يدّعي مُدَّع ما لا أعرفه ولا أظن اللّه يعرفه، والحمد للّه على كلّ حال(4).

ص: 120


1- نهج البلاغة : 387 - 388 الكتاب 28 .
2- والذفر:الرائحة الكريهة.
3- شرح نهج البلاغة 20: 326 ،في الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين(علیه السلام)الرقم 733.
4- نهج البلاغة: 368 ، الكتاب 9 وشرح النهج 14: 47 .

هذا،وقد يمكن أن ترى فيما رواه المدائني جوانب أخرى،إذ طلب معاوية من عمّاله والخطباء لعن أبي تراب،وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضمّ إليه البصرة، فكان يتَتَبَّع الشيعة-وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي(علیه السلام)-فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر،وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل،وسمل العيون،وصلبهم على جذوع النخل،وطردهم وشرّدهم من العراق،فلم يبق بها معروف منهم .

وجاء في كتاب معاوية إلى عماله في الأمصار: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة(1).

فمعاوية كان يريد دائماً تهييج الخلاف العُمَري العلوي، والخلاف الموجود بين علي وعائشة،وبينه(عليه السلام) وبين طلحة والزبير، واستغلال كل ذلك لمآربه الخاصة.

وكذا كان حال أبنائه وأتباع مدرسته أيضاً، فالأمويون كانوا يريدون أن يثيروا الخلاف بين الطالبيين وغيرهم ليصفو لهم مشربهم، ويسهل عليهم كسر شوكتهم، فلو قرأت في حوادث سنة 121 من تاريخ الطبري فترى فيها مخاصمة زيد بن علي بن الحسين الشهيد مع عبد اللّه بن الحسن بن الحسن السبط وإرادة الوالي الأموي استغلال ذلك وتفطن عبداللّه بن الحسن وزيد لشماتة الوالي بهما، فذهب عبد اللّه يتكلّم فطلب إليه زيد فسكت،وقال زيد للوالي:أما واللّه لقد جمعتنا لأمر ما كان أبو بكر ولا عمر ليجمعنا على مثله،

ص: 121


1- شرح ابن أبي الحديد 11: 44 - 45 .

وإنِّي أُشْهِدُ اللّه أَن لا أنازعه إليك مُحِقّاً ولا مبطلاً ما كنتُ حياً،ثمّ قال لعبد اللّه:انهض يا بن عم،فنهض وتفرّق الناس...

ثمّ ولّى هشامُ بن عبد الملك خالدَ بن عبد الملك المدينة... فقال خالد لهما : اغدوا علينا غداً فلست لعبد الملك إن لم أفصل بينكما.

فباتت المدينة تغلي كالمِرجَل،يقول قائل كذا وقائل كذا،قائل يقول:قال زيد كذا،وقائل يقول:قال عبد اللّه،كذا فلمّا كان الغد جلس في المسجد واجتمع الناس،فمن شامت ومن مهموم، فدعا بهما خالد وهو يحبّ أن يتشاتما، فذهب عبد اللّه يتكلّم فقال:زيد لا تعجل يا أبا محمّد،أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبداً.

ثم أقبل على خالد،فقال له:يا خالد لقد جمعت ذرّيّة رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلمّ)لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر.

قال خالد:أما لهذا السفيه أحد؟!فتكلّم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم،فقال:يابن أبي تراب وابن حسين السفيه،ما ترى لوال عليك حقّاً ولا طاعة، فقال زيد:اسكت أيها القحطاني فإنا لا نجيب مثلك(1).

هذا غيض من فيض جرائم الأمويين وأسيادهم الخلفاء.

والإمام كان عالماً بهذا الأمر ، فلذا لم يقدّم أمثال أبي سفيان ومعاوية على أبي بكر وعمر وحتى على عثمان، لأنّ الشيخين وعثمان كانوا يراعون بنِسَب الحذر متفاوتة ظواهر الإسلام،وإذا ارتكبوا مخالفة ارتكبوها بشيء من الحَذَر

ص: 122


1- تاريخ الطبري 5 : 484 - 485 .

والدهاء وعدم المجاهرة بالخلاف، بعكس معاوية ويزيد وأبي سفيان الذين ابتنت حياتهم على المجاهرة بالكسروية والقيصرية والسعي لمحو الإسلام، نفاقاً وزوراً.

فمعاوية ثبت عنه أنه قال حينما سمع الأذان : (إلا دفناً دفناً)(1)،أو:للّه أبوك يا بن عبداللّه لقد كنت عالي الهمة،ما رضيت لنفسك إلا أن يقرن اسمك باسم ربّ العالمين)(2)،أو قوله:(لم أقاتلكم لتصلّوا وتصوموا بل قاتلتكم لأَتَأَمَّرَ عليكم)(3).

وجاء عن أبي سفيان قوله:للّه درّ أخي بني هاشم انظروا أين وضع اسمه(4).

وعن يزيد أنّه قال:

لعبت هاشم بالملك فلا***خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل(5)

وهذا ما لا نسمعه من أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة و ...

ص: 123


1- مروج الذهب 3: 454 ، شرح النهج 5 : 130 ، وأنظر الأخبار الموقفيات للزبير بن بكار: 576.
2- شرح النهج 10: 101 .
3- مقاتل الطالبيين : 45 ، شرح النهج 16 : 15، 46 ،شرح الأخبار 2: 157 ح 483 .
4- قصص الأنبياء: 293 ، وعنه في بحار الأنوار 18 : 108 ح 31: 523 ح 22 .
5- مناقب ابن شهرآشوب 3: 261، اللهوف في قتلى الطفوف: 105، كشف الغمة 2: 230 ،شذرات الذهب 69:1، رواه عن ابن عساكر، البداية والنهاية 8: 224، تاريخ الطبري 8: 187 ،«في الطبعة التي قوبلت على النسخة المطبوعة بمطبعة بريل» -لندن 1879م.

إذن الحرب ضدّ أهل البيت كانت آخذة طابعَ التلبيس والمداهنة في كلّ شيء حتّى التسميات، ثمّ أخذت طابع المجاهرة بالعداوة في كل شيء حتّى في الأسماء، وقد كان أهل البيت(علیهم السلام)وأتباعهم يعرفون تلك الأُمور أدقّ المعرفة وأتمّها، فكانوا يقاومون التيّار الانتهازي الأموي، فاصلين بين الشيخين وبين الأمويين الذين كانوا يتّخذون من الشيخين وعثمان ترساً وغطاء يحتمون به وذريعة لمحاربة أهل البيت،كل ذلك لتثبيت أركان حكومتهم الجائرة. فشيعة على - تبعاً لمولاهم - كانوا أدرى بهذه الألاعيب.

فقد جاء في كتاب (الفتوح ) أنّ عبيد اللّه بن زياد قال لعبد اللّه بن عفيف الأزدي : يا عدوَّ اللّه ما تقول في عثمان بن عفان رضي اللّه عنه؟

قال [ عبد اللّه بن عفيف ]: يابن عبد بني علاج ! يابن مرجانة وسمية ! ما أنت وعثمان بن عفان؟ عثمان أساء أم أحسن،وأصلح أم أفسد،اللّهُ تبارك وتعالى وليّ خلقه،يقضي بين خلقه وبين عثمان بن عفان بالعدل والحقّ،ولكن سلني عنكَ وعن أبيك، وعن يزيد وأبيه.

فقال ابن زياد:واللّه لا سألتُكَ عن شيء أو تذوقَ الموت، فقال عبد اللّه بن عفيف: الحمد للّه ربّ العالمين ! أما إنّي كنت أسأل ربي عزّوجل أن يرزقني الشهادة والآن فالحمد للّه الذي رزقني إيَّاها بعد الإياس منها، وعرّفني الإجابة منه لي في قديم دعائي ! فقال ابن زياد:اضربوا عنقه ! فضربت رقبته وصلب رحمة اللّه عليه(1) .

ص: 124


1- الفتوح 5 : 125 - 126 ، اللهوف في قتلى الطفوف : 95 - 98 .

بهذا المنطق وهذه السياسة وقف أهل البيت وأصحابهم أمام من يريد أن يحتمي بأبي بكر وعمر وعثمان،فلذلك أكّد أهل البيت قولاً وفعلاً على ضرورة سحب البساط من تحت أرجل الأمويين الذين كانوا يريدون الصعود على أكتاف الآخرين لتحقيق مآربهم، وأن التسمية بأسماء الثلاثة في العصور الأولى أتت أُكلها فلا يمكن لمعاوية ولا لغيره المزايدة على الإمام علي وتضليل الناس بعدم التسمية كما أن أهل البيت(علیهم السلام)أصروا على التسمية بعلي أيضاً لأنّ الآخرين كانوا يريدون إماتة هذا الإسم الطاهر وهذا الشخص الكريم.

التسمية بعلي(علیه السلام)في عهد معاوية:

إنّ التسمية بعليّ كانت من الأمور المحظورة في عهد معاوية إلا للطالبيين، وقد كان البعض يصر على الاشهار باسمه رغم العقبات، ويقبل بكل ما يصيبه .

والآخر كان يخاف ويصغّر اسمه فيقول : انا عُلَىّ ولست بعلي.

وهناك من كان يُصغّر اسمه من قبل أعدائه أو أعداء الإمام علي إهانة له ولعلي، وهناك من كان يداهن أو يجامل، فتارة يسمى بعلي واخرى بعُلى .

إذن هناك حالات كثيرة في التسمية بعلي،وإن كان الغالب عليها هو الخوف والترك.

قال قتيبة بن سعيد:سمعت الليث بن سعد يقول:قال عليُّ بن رباح: لا أجعل في حلٍّ من سمّاني عُلَيّاً فإن اسمي عَليّ.

وقال سلمة بن شبيب : سمعت أبا عبد الرحمن المقرىء يقول : كانت بنو

ص: 125

أُمية إذا سمعوا بمولود اسمه عِليِ قتلوه، فبلغ ذلك رباحاً فقال: هو عُلَیّ،وكان يغضب من (عَلِيٍّ) ويُحرّج على من سمّاه به(1).

وفي تدريب الراوي: وروي عن موسى[بن علي اللخمي المصري أمير مصر ](2)أنه قال : اسم أبي:عَلي، ولكنّ بنو أُمية قالوا:عُلي، وفي حرج من قال عُلي.

وعنه أيضاً :من قال:موسى بن عُلي، لم أجعله في حِلّ، وعن أبيه: لا أجعل في حلّ أحد يصغر اسمي.

قال أبو عبد الرحمن المقرئ : كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه عَلِىّ قتلوه، فبلغ ذلك رباحاً فقال: هو عُلَي.

ص: 126


1- تهذيب الكمال ج 20: 429، تهذيب التهذيب 7: 280 ، الترجمة 541، تاريخ دمشق 41: 480 ،61 : 7 ، الغاية في شرح الهداية في علم الرواية 1 : 280 ،تاريخ الإسلام 7 :427 ، الاكمال 6 :250 ، قال الدارقطني : كان يكره أن ينسب عُلي، وغلب عليه ذلك. (تاریخ دمشق 58: 47 - 50 النكت على مقدمة ابن الصلاح 3: 656 وفي الإكمال لابن ماكولا 6: 250 - 251). وأ مّا علي بضم العين وفتح اللام فهو سلمة بن علي الخشني كان يكره تصغير اسم أبيه أيضاً. وفي توضيح المشتبه 6 : 336 وسلمة بن علي الخشني كان يكره تصغير اسم أبيه کموسی بن علي و إنما صغر في أيّام بني أمية مراغمة من الجهلة.
2- وموسى هذا قُتِل ابن له في حجره كان يسمّى عليّاً، قال صاحب المصالت، قيل: «الزم السُنّة تدخل الجنة»قال : وما السنة ؟ قال : حبّ أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ولعن أبي تراب، قال: هو الذي كان يقاتل مع رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)؟ قال: صار اليوم خارجياً. ونهى معاوية عن تسميته، فسمّى موسى بن رباح ابنه عليا فُذِبَح في حجره. (الصراط المستقيم 1 : 151 - 152 ) .

وقال ابن حبان في الثقات:كان أهل الشام يجعلون كلّ عَلِىٍّ عندهم عُلَيّاً، لبغضهم عليا رضي اللّه تعالى عنه، ومن أجله قيل لوالد مسلمة ولابن رباح:«عُلَىّ»(1).

كل هذه النصوص ترشدنا إلى وجود حالة استثنائية في التسميات سواء كان الشخص يصغّر اسمه خوفاً، أو أنّ الآخرين يصغّرونه تنقيصاً، المهمّ عندنا بيان هذه الحالة ووجودها آنذاك لا غير،وليس هدفنا ضبط الاسم،هل هو علي أم عُلي.

أجل إنّ معاوية كتب إلى عماله نسخة واحدة: انظروا من قامت عليه البينة أنّه يحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه(2).

وفي نص آخر:«من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوه به واهدموا داره »، قال ابن أبي الحديد:فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ولاسيما بالكوفة، حتّى أنّ الرجل من شيعة على(علیه السلام)ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه، ويخاف من خادمه ومملوكه،ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتُمنَّ عليه(3).

كما جاء في كتاب(الكافي)،عن عبدالرحمن بن محمّد العزرمي، قال:

استعمل معاوية مروانَ بن الحكم على المدينة، وأمره أن يفرض الشباب

ص: 127


1- تدريب الراوي2 :331 ،الشذا الفياح 2: 688 ، تهذيب الكمال 20: 427، الثقات لابن حبان 7: 454 ت 10895، قاله عن أبي حاتم.
2- شرح النهج 11 :45،كتاب سليم بن قيس: 318.
3- شرح النهج 11: 45 .

قريش، ففرض لهم، فقال علي بن الحسين(علیه السلام): فأتيته، فقال : ما اسمك؟

فقلت : علي بن الحسين.

فقال: ما اسم أخيك؟

فقلت : علي .

قال: علي وعلي ؟! ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلا سمّاه علياً؟

ثمّ فرض لي، فرجعت إلى أبي فأخبرته،فقال : ويلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأَدَم،لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّى أحداً منهم إلا علياً(1).

وهذا النصّ يرشدنا إلى أنّ الحساسيّة مع اسم عليّ صُرَّحَ بها علانيةً منذ أن وَليَ المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية، أي بين سنة 41 ه وسنة 49 ه، وأنّ التسمية بعليّ لم تكن ردة فعل من قبل الطالبيين فحسب، بل كانت لجمالية هذا الإسم المبارك ومحبوبيّته عند اللّه ورسوله وأئمة أهل البيت وتأكيد اللّه ورسوله عليه.

التسمية بعلي عند أهل البيت:

نعم، جاء التأكيد على التسمية بمحمد وعلي والحسن والحسين وحمزة وفاطمة(2)من قبل أئمّة أهل البيت رغم أنف معاوية ومروان والنواصب، وتأكيداً لرمزية أهل البيت الممنوحة من قبل اللّه ورسوله لهم وفي ذلك

ص: 128


1- الكافي 6 : 19 ح 7 وعنه في وسائل الشيعة 21 :395 ح 1 .
2- مستدرك وسائل الشيعة 15: 131 باب 17 في استحباب التسميه أحمد والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبد الله وفاطمة .

روايات كثيرة(1):

إنّ محبوبيّة التسمية باسم عليّ لم يكن مختصّاً بالعهد الأموي أو العباسيّ أو من بعدهما لأنّ التسمية بعليّ كان محبوباً ومنذ ولادة الإمام عليّ - لأنّه اسم جميل ومشتقّ من اسم اللّه العلي - وسيبقى محبوباً حتّى يوم القيامة، وهو اسم رائج عند المؤمنين قد يغلب على الأسماء الأخرى عندهم، وهذا كان يؤذي أعداء أهل البيت وخصوصاً الأمويين منهم،الذين كانوا يحاولون جادين لطمس رمزية هذا الاسم واستبداله برمزية أسمائهم.

فقد كان معاوية يحبّ أن يُخلّد اسمه، وأن يصبح رمزاً كعمر بن الخطاب وأن يكون اسمه مثل اسم:محمّد،يحيى،داود إبراهيم، موسى، عيسى ،وغيرهم، فقد قال ابن أبي الحديد:

ولد لعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ولد ذكر فبُشِّرَ به وهو عند معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية : سَمِّه باسمي ولك خمسمائة ألف درهم، فسمّاه:معاويةَ، فدفعها إليه ، وقال : اشتر بها لسميّي ضيعة(2).

وحكي عن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر هذا أنّه كان صديقاً ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان خاصّاً به، والأخير سمّى ابن معاوية بن عبداللّه بن

ص: 129


1- أنظر الكافي 6: 10 / 11 و 11 / 2 ، وعنه في وسائل الشيعة 21: 376 / 1 و 377 ح 6 ، الخرائج والجرائح للراوندي 1 : 362 ح 17 ، الثاقب في المناقب: 214 ح 17.
2- شرح نهج البلاغة 19 :369،الأعلام للزركلي 7: 262 ، وانظر الغارات 2: 695، وفيه قال: سمه باسمي ولك مائة ألف درهم، ففعل لحاجته وأعطاه معاوية المال فوهبه عبد اللّه للذي بشره به.

جعفر باسمه(1).

وهذان النصّان ونص تسمية عمر تشيران إلى أن عمر ومعاوية وابنه يزيد كانوا يحبون أن يسمّي الناس أولادهم بأسمائهم، واهبين الهدايا لمن يسمي بأسمائهم، وفي المقابل كان معاوية وأتباعه يقتلون كل من تسمّى بعلي والحسن والحسين(2)،أي أنّهم يحبّون أن يسمّي الناس أولادهم بخالد،ويزيد، ومعاوية ويعطون على ذلك جعلاً وبدلاً ويخالفون التسمية بعلي والحسن والحسين(3)ويقتلون من تسموا به.

من هنا بدأت حرب الأسماء تستعر شيئاً فشيئاً، لأنّ الطلقاء جنّدوا بعض الأسماء لصالحهم ومنعوا من التسمية بأسماء أخرى.

حتّى قيل بأنّ عبداللّه بن جعفر وابنه معاوية بعده كانا الوحيدَين من الهاشميين اللَّذين تعاطفا مع معاوية ويزيد وسمَّيا أولادهما بمعاوية ويزيد، مضافاً إلى تسمية عبداللّه بن جعفر ابناً آخر له باسم أبي بكر، وقيل بأن هذا كان كنية لابنه محمّد الأصغر وليس هو باسم لابنه،لكن الأمويين والعباسين حرفوه وجعلوه اسماً له،كلّ هذه الأُمور دعت الهاشميين إلى أن يهجروا عبداللّه بن جعفر .

قال ابن إسحاق : لم يسمّ أحد من بني هاشم ولده بمعاوية إلا عبداللّه بن جعفر، ولمّا سمّاه هجره بنو هاشم، فلم يكلّموه حتى توفّي(4).

ص: 130


1- انظر تاریخ دمشق 59 :246 ، الأغاني 12 : 261 .
2- من قبل معاوية على وجه الخصوص.
3- انظر دراسات عن المورخين العرب لمارجليوت وتاريخ المسعودي حوادث 212 ه.
4- تذكرة الخواص: 175 .

ولا يخفى عليك انّ هجر الطالبيين لعبد اللّه بن جعفر كان لهيجان عاطفي أصابهم، وهو أمر وجداني يصيب كل أحد، لأنّهم كانوا يرون أنفسهم مظلومين،فمن جهة يرون الأمويين يشعلون نار الفتنة بين الناس ويثيرون الحساسيات بين الهاشميين وبين الأنصار.

ومن جهة أخرى كان الجهاز الحاكم يستغل أبناء الصحابة واخوانهم في حروبهم وفي مواقفهم ضد الطالبيين، فأبناء أبي طالب لم يرتضوا التسمية بمعاوية ويزيد في ظروفهم العادية،وإن كانوا قد سمو أولادهم بأسماء الثلاثة-في ظروف خاصة - .

وقد يمكننا أن نعذر عبداللّه بن جعفر، لأن الطالبيين عموماً والعلويين بوجه خاص كانوا يمرون بضغوط مالية ومعنوية عالية، فالبعض منهم كان يصبر، والآخر كان لا يطيق الصبر. مثل عبداللّه بن جعفر وعمر عمر الأطرف.

فإنّ عبداللّه بن جعفر كان في ركاب عمّه أمير المؤمنين في خلافته وبيعته وحروبه. لكنّ الحقد الأموي وأَخذَ الخمس والفيء وفدك وغيرها من آل البيت، جعلهم يرزحون تحت وطأة الضغوطات اللئيمة، ومثل هذا ستراه في مواقف عمر الأطرف ابن أمير المؤمنين أيضاً.

فغصب فدك وأخذ الخمس والفيء من قبل الشيخين، هو نفسه نهج معاوية والأمويين، بزيادةِ قطع عطاء الشيعة وخصوصاً لمن سُمّي ب«عليِ»، وإنّ هذه الضغوط تخرج الإنسان من نصابه وخصوصاً حينما نراهم يذبحون ويسجنون كلّ من ينتمي لأهل البيت ولو بالاسم، بل الأمويون كانوا يودِون أن لا يبقى من بني هاشم نافخ ضرمة، وهذا هو ما قاله أمير المؤمنين للعباس

ص: 131

بن ربيعة حينما بارز رجلاً من أهل الشام، فقال أمير المؤمنين علي لعباس:

يا عبّاس ألم أنهك،وابنَ عبّاس [وحسناً وحسيناً وعبد اللّه بن جعفر ](1)أن تُخِلاً بمركز كما، أو تباشرا حرباً؟...

فقال عليّ(علیه السلام)، واللّه لودّ معاوية أنّه ما بقِيَ من بني هاشم نافخ ضَرمة إلا طُعِنَ في نيطه(2)،إطفاءً لنور اللّه (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(3).

وفي كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي : إنّ معاوية أقبل على عبيد اللّه بن عمر - وقد كان في جيشه - محرّضاً إياه على مبارزة الإمام علي أو مبارزه أحد ولده، فقال له :

يا بن أخ ! هذا يوم من أيامك، فلا عليك أن يكون منك اليوم بما يسرّ به أهل الشام ، فخرج عبیداللّه بن عمر وعليه درعان سابغان... فذهب محمّد بن الحنفية ليخرج إليه، فصاح به علي : مكانك يا بني ! لا تخرج إليه(4).

إنّ الإمام علىّ بن أبي طالب كان قد أخبر عن قلّة أنصاره يوم السقيفة - وهو العالم اليوم بمخطط قريش المشؤوم وسعيهم لإبادة أهل بيته - فقال :

ص: 132


1- الزيادة من تفسير العياشي 2 : 81 سورة براءة قوله تعالى:(وَيَشْفِ صُدُورَ قومٍ مُؤْمِنِينَ).
2- وفي نسخة بطنه.
3- عيون الأخبار 1: 274 ، وعنه في شرح نهج البلاغة 5: 219 - 221، الآية في: التوبة: 32 وتفسير العياشي 2 : 81 سورة براءة قوله تعالى: ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ).
4- الفتوح لابن الأعثم 3: 128 - 129 .

«فَنَظِرتُ فَإِذا لَيسَ لي رَافِدٌ ولا ذَابٌ وَلا مُساعِدٌ إِلا أَهْلَ بَيني فَضَتْتُ بِهِم عَنِ المَنيّةِ فأَعْضَيتُ عَلى القَذَى ...»(1).

قالها(علیه السلام)ليس خوفاً من القتل بما هو قتل، ولا بما أنّهم أهل بيته وعشيرته،بل لكونهم المحامين الرساليين للرسالة المحمدية، ولولاهم لما اخضر للدين عود، مع وجود هؤلاء الأعداء الألداء للإسلام، فجاء في كتاب

له إلى معاوية :

«وكان رسول الله(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)إذا احمَرَّ البَاسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ والأَسِنَّةِ »(2).

فالإمام عليّ بهذه الكلمات كان يريد أن يُعلم معاوية بأنّ ليس له المزايدة عليه في اهتمامه بأصحاب رسول اللّه، وأنه لا يريد برازهم، لأنه عرف مخططهم.

إنّ نهي الإمام عليّ لابن عمّه العباس وكذا لابنه محمّد بن الحنفية لم يكن خوفاً من البراز والشهادة، لأنّ الشهادة هي الطريق الأمثل لكلّ مسلم، فكيف بأهل بيت الرسول الذين هم أسّ الدين وأساسه.

بل لعلمه بأنّ معاوية كان يريد الإحتماء بأبناء الخلفاء وزجهم في هكذا أمور تسعيراً للفتنة والأحقاد القديمة وللخلاص منهم، في حين يدّخر ولده يزيد للحكم القادم...

ص: 133


1- نهج البلاغة : 336 ، من كلام له(علیه السلام)217.
2- نهج البلاغة: 368 ،من كتاب له(علیه السلام)إلى معاوية 9.

كانت هذه صورة إجمالية عن المخطط الأموي وهدف معاوية ويزيد في القضاء على الإمام عليّ وأولاده وأهله وعشيرته، وأنّ الممانعة من التسمية بأسمائهم كانت على رأس المخطط، إذ أنّ الأمويون كانوا يتعرّفون على

الاتجاهات الفكرية عند المسلمين من خلال التسميات ثم يقضوا عليهم .

وفي المقابل كان الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام زين العابدين يسمون - أو قل يقبلون التسمية - لكي يجوزوا هذه التسميات لشيعتهم ، لو ضاق بهم الأمر، خصوصاً إذا كان في تلك التسميات إفشال للمخطط الأموي الرامي لتسعير الفتنة وحرب الأسماء وعزل الشيعة عن الآخرين للتعرف عليهم من خلال الأسماء وأمثالها.

الأمويون والتسمية بمعاوية والوليد وخالد والمنع من التسمية بعلي والحسن والحسين:

إنّ الأمويين كانوا يستغلّون عواطف الأمة والخلافات الموجودة بين الصحابة أبشع استغلال،ترسيخاً لحكمهم وتثقيفاً للأمة على بغض آل البيت، وأنّهم بتقديسهم للخلفاء، أخذوا يُكرِّهون أهل البيت للناس، وذلك بنقلهم بعض النصوص عن الأئمة في الخلفاء، بهذه السياسة أَخذوا يحوّلون الناس عن التسمية بهذه الأسماء المباركة.

روى أبو الحسن المدائني[عن أبي سلمة الأنصاري أنه] قال: حدّثني رجل، قال: كنت بالشّام فجعلت لا أسمع أحداً يسمّي أحداً أو يناديه: يا علي، أو يا حسن، أو يا حسين، وإنّما أسمع يا معاوية، والوليد، ويزيد، حتّى

ص: 134

مررت برجل فاستسقيته ماء فجعل ينادي:يا علي،يا حسن،يا حسين، فقلت : يا هذا إنّ أهل الشام لا يسمّون بهذه الأسماء !

قال: صدقت، إنّهم يسمّون أبناءهم بأسماء الخلفاء، فإذا لعن أحدهم ولده أو شتمه فقد لعن اسم بعض الخلفاء، وإنّما سمّيت أولادي بأسماء أعداء اللّه[و يعنى بذلك آل البيت الأطهار]فإذا شتمتُ أحدهم أو لعنته فإنّما ألعن أعداء اللّه(1).

وهذا النص يذكرنا بعدة نقاط :

أحدها: عدم وجود اسم علي والحسن والحسين في الشام إلا نادراً جداً جدّاً.

الثانية : شيوع أسماء أمثال الوليد، ومعاوية، ويزيد فيها.

الثالثة : إنّ الرجل المحبّ لآل البيت فرح واسترّ لمّا سمع شخصاً ينادي أولاده بأسماء أئمّة أهل البيت، لكنّه سرعان ما خاب ظنّه وعلم أنّه إنمّا سمّاهم بهذه الأسماء تنكيلاً بهم ولكي يلعنهم.

الرابعة:إنّ ظاهرة اللّعن ليست مختصة بالشيعة كما يقولون،بل كانت متفشية وشائعة بشكل عدائي مبرمج عند الأمويين، بل إنّهم هم الذين سنّوا لعن عليٍّ من على المنابر .

ص: 135


1- شرح نهج البلاغة 7 :159.وانظر تاريخ الإسلام للذهبي 16: 290 - 291 (حوادث ووفيات 221 - 230) وفيه إضافة : فقلت: حسبك خير أهل الشام وإذا ليس في جهنم شرٌ منكم، فقال المأمون: لا جرم قد جعل اللّه من يلعن أحياءهم وأمواتهم ومن في الأصلاب، يعني لعن الشيعة للناصبة.

الخامسة : إنّ هذا الزاهد من أهل الشام !! كان يتحرّج من لعن أهل الشام أسماء الخلفاء، فاستبدل أسماءهم بأسماء أهل البيت !!!

كما يمكننا أن نقف على مبغوضية اسم علي والحسن والحسين في الحكومة الأموية في ما رواه الصدوق بسنده عن الأعمش أيضاً إذ أنه قال :

بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أَجِبْ، قال: فبقيت متفكّراً فيما بيني وبين نفسي وقلت: ما بعث إليّ أميرالمؤمنين في هذه الساعة إلا ليسألني عن فضائل علي(علیه السلام)، ولعليّ إن أخبرته قتلني.

قال:فكتبت وصيّتي ولبست كفني ودخلت عليه،فقال: أُدنُ، فدنوت منه وعنده عمرو بن عبيد، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً، ثمّ قال: أُدْنُ،فدنوتُ حتّى كادت تمسّ ركبتي ركبته،قال:فوجد منّي رائحة الحنوط فقال:واللّه لتصدقني أو لأصلبتك.

قلت: ما حاجتك يا أمير المؤمنين؟

قال : ما شأنك متحنّطاً؟

قلت:أتاني رسولك في جوف الليل أن أجِب، فقلت: عسى أن يكون أمير المؤمنين بعث إليّ في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي(علیه السلام)، فلعلّي إن أخبرته قتلني، فكتبت وصيّتي ولبست كفني.

قال: وكان متّكئاً فاستوى قاعداً فقال : لا حول ولا قوّة إلا باللّه، سألتك باللّه يا سليمان كم حديثاً ترويه في فضائل عليّ(علیه السلام)؟

قال: فقلت:يسيراً يا أمير المؤمنين.

قال : كم.

ص: 136

قلت:عشرة آلاف حديث وما زاد.

فقال: يا سليمان واللّه لأحدّثنّك بحديث في فضائل عليّ(علیه السلام)تنسى كلّ حديث سمعته.

قال:قلت: حدّثني يا أمير المؤمنين.

قال:نعم،كنت هارباً من بني أميّة وكنت أتردّد في البلدان فأتقرّب إلى الناس بفضائل عليّ، وكانوا يطعموني ويزودوني، حتّى وردت بلاد الشام وإنّي لفي كساء خَلِق ما عليّ غيره، فسمعت الإقامة وأنا جائع، فدخلت المسجد لأصلّي وفي نفسي أن أُكلّم الناس في عشاء يعشّوني.

فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صَبِيّانِ، فالتفتَ الإمام إليهما، وقال: مرحباً بكما ومرحباً بمن اسمكما على اسمهما ، فكان إلى جنبي شابّ، فقلت: یا شابّ ما الصَّبِيَّان من الشيخ؟

قال: هو جدّهما، وليس بالمدينة أحدٌ يحبّ عليّاً غير هذا الشيخ، فلذلك سمّى أحدهما الحسن والآخر الحسين.

فقمت فرحاً ، فقلت للشيخ : هل لك في حديث أقرّ به عينك، فقال: إن أقررتَ عينى أقررتُ عينك.

قال: فقلت: حدّثني والدي، عن أبيه،عن جدّه، قال: كنّا قعوداً عند رسول اللّه إذ جاءت فاطمة تبكي، فقال لها النبيّ (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت: يا أبه خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا... - والخبر طويل وفي آخره - قال : - فلمّا قلت ذلك للشيخ قال: من أنت يا فتى؟

قلت : من أهل الكوفة.

ص: 137

قال: أعربيّ أنت،أم مولى؟

قلت : بل عربي.

قال:فأنت تحدث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء ! فكساني خلعته،وحملني على بغلته . فتبعها بمائة دينار ... إلى آخره(1).

وهذا الخبر كان قد صدر أيّام اشتداد ثورة الهاشميين على الأمويين، أي في أواخر الحكم الأموي، وهو يدلّ على مدى ترسّخ العداء الأموي لأسماء آل محمّد في الشام معقل الأمويين، كما يدلّ على وجود بعض ضئيل جدّاً ممن لم تَنْطَلِ عليهم ألاعيب ومخططات الأمويين، كالشيخ الكبير جَدِّ الصبيَّينِ.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه يدلّ على مدى لؤم المنصور العباسي الذي كان يعيش تحت ظل فضائل أمير المؤمنين على(علیه السلام)وعلى فتات موائدهم، ثمّ لمّا تسلّم أمور السلطة غرز أنيابه وأنشب مخالبه في أولاد أمير المؤمنين(علیه السلام).

تغيير الأمويين لبعض المفاهيم والأسماء:

إنّ الأمويين لم يكونوا صادقين في إسلامهم، بل كانوا يريدون الوقيعة بمحمد وآل بيته،والاستخفاف بالمقدّسات، ولم يكن حربهم مع الإمام علي فقط، بل إنّهم حاربوا الإسلام في المفاهيم والأفكار وحتّى الأسماء، فمما فعلوه أنّهم شبّهوا رسول اللّه برجل من خزاعة لم يوافقه أحد من العرب كان

ص: 138


1- أمالي الصدوق : 521 - 523(المجلس السابع والستون) ، ح 2.

يعبد الشِّعرى، يعرف ب«أبي كبشة»(1).

وغيروا اسم مدينة رسول اللّه من (طيبة) الى (نتنة)(2)أو (خبيثة)(3)،وسمّوا بئر نبي اللّه إبراهيم زمزم ب(أم الخنافس)(4)أو(أمّ الجعلان)(5)،وقالوا عن الخليفة أنه أهم من رسول اللّه(6)،وركّزوا على التنقيص بآل البيت وخصوصاً الإمام علي وكنية أبي تراب إلى غيرها من عشرات الكلمات البذيئة والأسماء القبيحة. كل ذلك ضمن سياستهم وتعاملهم مع الأسماء

ص: 139


1- المعجم الكبير 4: 195 / 4119و 10: 301 / 10731، مجمع الزوائد 6: 19 و 9: 318 ، طبقات ابن سعد 4 :95 ،تاریخ دمشق 16 : 76 ، المستدرك على الصحيحين 324:2 / 3163 ، البداية والنهاية 3: 246 ، صحيح البخاري 1074:3 - 1076 / 2782، مسند أحمد 1: 262 / 2370، مسند أبي عوانة 4 : 268 / 6727 .
2- جاء ذلك في كلام مسلم بن عقبة الذي استباح المدينة بعد واقعة الطف أنظر مروج الذهب 3 :69.
3- تاریخ دمشق 55 :13 ،الكامل في التاريخ 3: 461 ، أنساب الأشراف2: 305، الإمامة والسياسة : 184، شرح الاخبار 2 : 165.
4- وهو ما قاله خالد القسري الذي كان يدعوا إلى حوضه وترك زمزم بقوله هلموا إلى الماء العذب واتركوا أم الخنافس. الروض المعطار : 293.
5- الأغاني 22 : 22.وفيه إنّ عاملاً لهشام يقال له خالد بن أمي وكان يقول: واللّه لخالد بن أمي أفضل أمانة من علي بن أبي طالب، وقال له يوماً: أيّما أعظم، ركيّتنا أم زمزم؟ فقال له: أيّها الأمير من يجعل الماء العذب النقاخ مثل الملح الأجاج؟! وكان يسمّى زمزم أم الجعلان؟
6- أنظر شرح نهج البلاغة 4 : 72و 15 : 242،العقد الفريد 5: 310،تاریخ الطبری5: 222،جمهرة خطب العرب 2: 322، سنن ابن ماجة 1 :345 / 1085 و 524:1 / 1636 ، سنن الدارمي 1: 445 / 1572 ، أنساب الأشراف 13: 380 و 7: 342، والمحن 1 : 246.

نعم، إنّ معاوية استغلّ قميص عثمان لإثارة المشاعر وتهييج الأمة ضدّ عليّ، معتبراً شيعة أمير المؤمنين علي(علیه السلام)فرقة نَبَزَها باسم الترابية(1).

كما أنّه كتب في عهده إلى ابنه يزيد:أن يبعد قاتلي الأحبّة، وأن يقدّم بني أمية وآل عبد شمس على بني هاشم، وأن يقدّم آل المظلوم المقتول أمير المؤمنين عثمان بن عفان على آل أبي تراب وذرّيّته(2).

وقد اشتهر عن معاوية أيضاً قوله في آخر خطبة الجمعة: اللّهمّ إنّ أباتراب ألحَدَ في دينك، وصدَّ عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلاً، وعذّبه عذاباً أليماً، وكتب بذلك إلى الآفاق(3).

ولقد كان الإمام عليّ(علیه السلام)يعلم ما سيلاقيه هو وشيعته ومحبّوه من معاوية ومن آل أبي سفيان، لذلك قال(علیه السلام)قوله : ألا سيأمركم بسبي والبراءة منّي، فإنه لي زكاة ولكم نجاة، فأما السّبّ فسبّوني، وأما البراءة فلا تتبرّؤوا منّي، فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة(4).

وقال المعتمر بن سليمان: سمعت أبي يقول: كان في أيّام بني أمية ما أحد يذكر عليّاً إلا قطع لسانه(5).

ص: 140


1- المحاسن،للبرقي 1 : 156 ح 86، وعنه في بحار الأنوار 65 :90 ح 22، خزانة الأدب 4 : 290.
2- الفتوح 4 : 347 - 348.
3- شرح نهج البلاغة 4 :56 - 57.
4- نهج البلاغة : 92 ،الكلمة 57 ، وانظر أنساب الأشراف 11962 ح 7.
5- الصراط المستقيم 1: 152.

وجاء في تاريخ الطبري أنّ زياداً بعث إلى صيفيّ بن فسيل - من رؤوس أصحاب حجر وأشدّ الناس على زياد - فقال له زياد: يا عدّو اللّه ما تقول في أبي تراب؟

قال: ما أعرف أبا تراب.

قال: ما أعرفك به.

قال: ما أعرفه.

قال:أما تعرف علىّ بن أبي طالب؟

قال: بلى.

قال: فذاك أبو تراب.

قال:كلا ذاك أبو الحسن والحسين.

فقال له صاحب شرطته : يقول لك الأمير : هو أبو تراب، وتقول أنت : لا !!

قال: وإن كذب الأمير،أتريد أن أكذب وأشهد له على باطل كما شهد(1).

وجاء في البداية والنهاية : وقد كان بعض بني أميّة يعيب عليّاً بتسميته أباتراب(2).

وفي نثر الدرّ: جلس معاوية بالكوفة يبايع على البراءة من علىّ(علیه السلام)،

ص: 141


1- تاريخ الطبري 3: 225 ،الكامل لابن الأثير 3: 330 ،تاريخ مدينة دمشق 258:24.
2- البداية والنهاية 7: 336.

فجاء رجل من بني تميم فأراده على ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين نطيع أحياءكم ولا نتبرأ من موتاكم. فالتفت إلى المغيرة، فقال: إنّ هذا رجل فاستوصِ به خيراً(1).قال الشعبي : ما لقينا من عليّ بن أبي طالب ؛ إن أحببناه قتلنا، وإن أبغضناه هلكنا(2).

أجل،إنّ بني أمية كانوا يرون قوام حكومتهم في سبّ الإمام علي والبراءة منه، والتنقيص به والمنع من التسمية باسمه، بل إنّهم حذفوا بالفعل أسماء شيعته من الديوان خوفاً من استحكام فكر الإمام ونهجه - كما مرّ عليك في النصوص السابقة - فعن عمرو بن علي بن الحسين، عن أبيه، قال: قال لي مروان:ما كان في القوم أدفعَ عن صاحبنا من صاحبكم؟ قلت : فما بالكم تسبّونه على المنابر ؟ قال مروان: لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك(3).

الحجّاج والتسمية بعليّ :

بلى،اشتدّت الوطأة على شيعة عليّ في أيّام الحجّاج بن يوسف الثقفي (ت 95 ه)، قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث فكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم أن يعرضه على سبّ عليّ ، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته، فاستدعاه، فأبى أن يسبّ عليا(علیه السلام)فأمضى حكم الحجّاج فيه،

ص: 142


1- نثر الدر 5: 137 ، البيان والتبيين 1 : 266 .
2- ربیع الأبرار 1 : 494 ، الأمالي في لغة العرب 3 : 177.
3- العثمانية للجاحظ : 283 ، تاریخ دمشق42 :438 ، تاريخ الإسلام 3: 460 ، شرح النهج 13 : 220 .

ثمّ خرج إلى خراسان فلم يزل بها حتّى ولي عمر بن هبيرة العراق فقدمها فلم يزل بها إلى أن توفّي(1).

وفي الاشتقاق لابن دريد : كان عليّ بن أصمع على البارجاه(2)ولاه علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، فظهرت له منه خيانة فقطع أصابع يده، ثمّ عاش حتّى أدرك الحجّاج، فاعترضه يوماً فقال: أيّها الأمير،إنّ أهلي عقّوني.قال: وبم ذاك؟

قال: سمّوني علياً.

قال:ما أحسن ما لطفت،فولاه ولاية ثمّ قال : واللّه لئن بلغني عنك خيانة لأقطعنّ ما أبقى عَلِىٌّ من يدك(3).

وفي الوافي بالوفيات: وكان جدّ الأصمعي عليّ بن أصمع سرق بسفوان، فأتوا به عليّ بن أبي طالب، فقال: جيئوني بمن يشهد أنه أخرجها من الرحل، فشهد عليه بذلك، فقطع من أشاجعه،فقيل له : يا أمير المؤمنين ألا قطعته من زنده؟

فقال : يا سبحان اللّه ! كيف يتوكأ؟ كيف يصلّي؟ كيف يأكل؟

فلمّا قدم الحجاج البصرة أتاه عليّ بن أصمع، فقال: أيّها الأمير إنّ أبويّ عقَّاني، فسَمَّياني عليّاً، فسمِّني أنت.

ص: 143


1- تهذيب التهذيب 7: 201 (ترجمة عطية بن سعيد بن جنادة العوفي)الغدير 8: 327 .
2- البارجاه:موضع بالبصرة، وفيات الأعيان3: 175 ، وقد يكون معرب (بارگاه)، أي مرفأ السفن أو محلّ تحميل السلع.
3- الاشتقاق: 272 .

فقال : ما أحسن ما توسّلت به ، قد ولَّيتك سَمَكَ البارجاه، وأجريت لك كلّ يوم دانقين فلوساً، وواللّه لئن تعدّيتهما لأقطعنّ ما أبقاه عليّ عليك(1).

وقال هشام بن الكلبي: إنّي أدركت بنى أَود وهم يعلّمون أولادهم وحرمهم سبّ عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، وفيهم رجل [من رهط عبداللّه بن إدريس بن هاني]، دخل على الحجّاج فكلّمه بكلام فأغلظ عليه الحجاج في الجواب، فقال: لا تقل هذا أيّها الأمير،فما لقريش ولا لثقيف منقبة يعتدُّون بها إلا ونحن نعتدُّ بمثلها.

قال: وما مناقبكم ؟ قال : ما ينتقص عثمان ولا يُذكَرُ بسوء في نادينا قطّ. قال : هذه منقبة. قال : ولا رؤي منّا خارجيٌّ قطّ . قال: منقبة. قال: وما شهد منّا مع أبي تراب مشاهده إلا رجل فأسقطه ذلك عندنا. قال: منقبة. قال: وما أراد رجل منّا قطّ أن يتزوّج امرأة إلا سأل عنها:هل تحبّ أبا تراب أو تذكره بخير؟فإن قيل:إنها تفعل اجتنبها.قال:منقبة.قال:ولا ولد فينا ذكر فسمّي عليّاً ولا حسناً ولا حسيناً، ولا ولدت فينا جارية فسمّيت فاطمة . قال : منقبة. قال: ونذرت امرأة منّا إن قتل الحسين أن تنحر عشرة جُزُر، فلمّا قتل وفت بنذرها. قال: منقبة . قال : ودعي رجلٌ منّا إلى البراءة من عليّ ولعنه، فقال : نعم وأزيدكم حسناً وحسيناً. قال: منقبة واللّه.

وقد كان معاوية يسبّ عليّاً ويتتبّع أصحابه مثل: ميثم التمار، وعمرو بن الحمق، وجويرية بن مسهر، وقيس بن سعد، ورشيد الهجري، ويقنت بسبّه في الصلاة، ويسبّ ابن عباس،وقيس بن سعد، والحسن،والحسين(علیهما السلام)،

ص: 144


1- الوافي بالوفيات19: 128 ،وفيات الأعيان 3: 175 .

ولم ينكر ذلك عليه أحد(1).

وقال الشعبي : كنت بواسط، وكان يوم أضحى، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج فخطب خطبة بليغة، فلمّا انصرف جاءني رسوله، فأتيته فوجدته جالساً مُسْتَوْفِراً، قال: يا شعبي،هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحّي برجل من أهل العراق!وأحببت أن تسمع قوله فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به!فقلت:أيّها الأمير،لو ترى أن تستنَّ بسنة رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وتضحّي بما أمر أن يضحى به وتفعل مثل فعله، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره...(2).

وروى الكشّي في رجاله عن العامّة بطرق مختلفة: أنّ الحجاج بن يوسف قال ذات يوم: أحبّ أن أُصيب رجلاً من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلى اللّه بدمه ! فقيل له: ما نعلم أحداً أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه، فبعث في طلبه فأتي به(3).

وعن الحسن بن صالح، عن جعفر بن محمد(علیه السلام)قال : قال علىّ(علیه السلام): واللّه لتذبحنّ على سبّي - وأشار بيده إلى حلقه - ثمّ قال: فإن أمروكم بسبّي فسبّوني؛ وإن أمروكم أن تبرءوا منّي فإنّي على دين محمّد(صلی اللّه علیه وآله وسلّم).ولم ينههم عن إظهار البراءة(4).

ص: 145


1- الغارات،للثقفي 2 : 842 - 843 ، فرحة الغري للسيّد أحمد بن طاوس: 49 - 50 .
2- كنز الفوائد : 167 .
3- مستدرك الوسائل للنوري 12: 273 ، الإرشاد للمفيد 1 3286، كشف الغمة 281:1.
4- شرح نهج البلاغة 4 : 106 ، مستدرك الوسائل 12: 271 ح 5 .

وكان أمير المؤمنين(علیه السلام)قد أخبر خاصة أصحابه بما سيؤول إليه الأمر من بعده وما سيصنعه بنو أميّة بهم، فعن قيس بن الربيع، عن يحيى بن هانئ المراديّ، عن رجل من قومه يقال له: زياد بن فلان، قال: كنّا في بيت مع عليّ (علیه السلام)نحن شيعته وخواصّه، فالتفت فلم ينكر منّا أحداً، فقال : إنّ هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم ويسملون أعينكم.

فقال رجل منّا : وأنت حيّ يا أمير المؤمنين؟

قال:أعاذني اللّه من ذلك؛ فالتفتَ فإذا واحد يبكي، فقال له: يابن الحمقاء، أتريد اللَّذّات في الدنيا؟ والدرجاتُ في الآخرة ! إنّما وعد اللّه الصابرين(1).

بهذا الشكل تعاملوا مع أئمة أهل البيت والذوات الطاهرة، والمطهرين بنصّ الذكر الحكيم، فتفننوا في تسمية قبائلهم ببني النعل،وبني السرج،وبني السنان، وبني الطشت، وبني القضيب(2)،وصار عدم التسمية بعلي والحسن والحسين منقبة ليس في قريش ما يماثلها - حسب تعبير الرجل الاودي - بل صارت التسمية بعلي والحسن والحسين من عقوق الأهل للولد.

وكان هذا المنهج قد بَدَأَ بصراحة ووضوح من زمان عائشة ومعاوية ثم استمر إلى حكومة العثمانيّين،وسيبقى إلى زمان السفياني حيث يقتل كل من

ص: 146


1- شرح نهج البلاغة 4 : 109 وعنه في بحار الأنوار 34: 334.
2- أنظر ذلك في كلام عماد الدين الطبري في أسرار الإمامة: 378 و خاتمة مستدرك وسائل الشيعة 3 : 137 و التعجب للكراجكي : 116 وأنساب الأشراف 4: 204 والاشتقاق : 410 واللباب في تهذيب الأسماء: 287 .

تسمى بتلك الأسماء.

وبهذا فقد عرفت أنّ حرب الأسماء حَمِيَ وطيسها وظهرت علناً في عهد معاوية، الذي كان يتفنن ويتلذّذ في محاربة الأسماء، فكان يُرغّب في التسمية بمعاوية ويمانع ويقتل من سمي بعلي،ومن ثمّ حذا حذوه باقي الأمويين والمروانيّين وحتّى العباسيّون حين استلامهم أُمور الحكم، فكانوا يتنابزون بالألقاب والأسماء، فجاء في كتاب«المستطرف في كل فن مستظرف»:إنّ معاوية قال يوماً الجارية بن قدامة:ما كان أهونك على قومك إذ سمّوك جارية !!.

فقال: ما كان أهونك على قومك إذ سمّوك معاوية، وهي الأنثى من الكلاب.

قال:اسكت لا أمَّ لك.

قال : أمٌّ لي ولدتني، أما واللّه إنّ القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا، وإنّك لم تهلكنا قسوة، ولم تملكنا عنوة، ولكنّك أعطيتنا عهداً وميثاقاً، وأعطيناك سمعاً وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن نزعت إلى غير ذلك فإنّا تركنا وراءنا رجالاً شداداً وأسنة حداداً .

فقال معاوية : لا أكثر اللّه في الناس مثلك يا جارية.

فقال له: قل معروفاً فإن شر الدعاء محيط بأهله(1).

نعم، إنّ الخلفاء الثلاثة - ومتبعيهم - لم يكونوا على وفاق مع عليّ وآله،

ص: 147


1- المستطرف في كل فن مستظرف 1 : 134 .

وقد جرى على نهجهم الحكّام الآخرون - أمويين كانوا أم عباسيين - فإنّهم كانوا مخالفين لمنهج عليّ بن أبي طالب، فلا أخوّة بين علي وعمر ولا محبّة بين الخلفاء وأهل البيت،وليس في التسميات أو المصاهرات ما يدل على ذلك، وهو ليس كما يحاول أن يصوّره بعض الكتّاب وبعض الجمعيّات في البلدان العربيّة والإسلاميّة من وجود المودة بين الآل والصحابة.

فعن حنّان بن سدير الصيرفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما قبض أمير المؤمنين وأفضت الخلافة إلى بني أميّة سفكوا الدماء ولعنوا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه على المنابر،وتبرَّؤوا منه،واغتالوا الشيعة في كلّ بلدة

وقتلوهم، وما يليهم من الشيعة بحطام الدنيا، فجعلوا يمتحنون الناس في البلدان ؛ كلّ من لم يلعن أمير المؤمنين ويتبرأ منه قتلوه، فشكت الشيعة إلى زين العابدين وسيّد الرهبان من المؤمنين وإمامهم عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما، فقالوا:يا ابن رسول اللّه قد قتلونا تحت كلّ حجر ومدر، واستأصلوا شأفتنا، وأعلنوا لعن أمير المؤمنين على المنابر والطرق والسكك، وتبرَّؤوا منه، حتّى أنهم ليجتمعون في مسجد رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وعند منبره فيطلقون على أمير المؤمنين(علیه السلام)اللعنة علانية، لا ينكر ذلك عليهم ولا يغير، فإن أنكر ذلك أحد منّا حملوا عليه بأجمعهم،قالوا: ذكرتَ أبا تراب بخير، فيضربونه ويحبسونه .

فلمّا سمع ذلك نظر إلى السماء، وقال: سبحانك ما أحلمك، وأعظم شأنك ، ومِنْ حلمك أنَّك أمهلت عبادك حتّى ظنّوا أنّك أغفلتهم، وهذا كلّه لا يغالب قضاؤك ولا يرد حكمك، تدبيرك كيف شئت وما أنت أعلم به

ص: 148

منّي(1).

و في العثمانية للجاحظ:عن ابن اليقظان قال : قام رجل من ولد عثمان إلى هشام بن عبد الملك يوم عرفة،فقال : إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب(2).

بلى إنّ الخلفاء - الأمويين والعباسيين - كانوا يحاربون الشيعة لاتباعهم أئمتهم فلم يرتضوا التسمية باسم عليّ ، لكنّ التسمية بعلي أخذت تعود شيئاً فشيئاً إلى واجهة الساحة السياسة والإجتماعية رغم كلّ هذا الإجحاف من الحكام .

قال الذهبي في تاريخ الإسلام في حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين: وقام بعده ابنه المكتفي باللّه،أبو محمّد علي، وليس في الخلفاء من اسمه عليّ إلا هو وعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، ولد سنة أربع وستّين ومائتين، وأمّه تركية، وكان من أحسن الناس(3) .

وفي البداية والنهاية : ... خلافة المكتفي باللّه أبي محمّد،علیّ بن المعتضد باللّه، أمير المؤمنين، بويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الأوّل من هذه السنة، وليس في الخلفاء من اسمه عليّ سوى هذا وعليّ بن أبي طالب، وليس فيهم من يكنّى بأبي محمّد إلا هو والحسن بن عليّ بن أبي طالب والهادي

ص: 149


1- الهداية الكبرى: 226 - 227 ، وهذا ما نشاهده اليوم من الوهابية وطريقة تعاملهم مع شيعة الإمام علي خصوصاً في بلد يسمى بالسعودية.
2- العثمانية : 284 وعنه في شرح نهج البلاغة 13 : 221 .
3- تاريخ الإسلام 21 :35 ،تاریخ بغداد 11 : 316، تاريخ الخلفاء: 376 .

والمستضيء باللّه(1).

وهذا النصّ صريح في عدم وجود من اسمه عليّ بين الخلفاء إلى زمان المكتفي باللّه إلا هو والإمام عليّ، فلا نعلم سبب تسمية المكتفي بعليّ؟ وهل أنّها جاءت لمحبّة والده المعتضد للإمام عليّ، أو لمحبوبيّة هذا الإسم عنده وتناغمه مع روحيّاته وطبعه؟ أو إنّه وضع هذا الاسم على ابنه سياسةً کی يستميل قلوب العلويين اليه؟ أو أنّ هناك دواعي أخرى؟

المهمّ إن التسمية بعليّ عادت إلى قاموس الخلفاء، ثمّ من بعده إلى جمهور الناس، وأخذ الوضع يتوازن بين التسمية وعدمها بعد أكثر من قرنين من الزمن، وصارت أعمال بني أميّة من الماضي البغيض.

بلى، إنّ البعض كان يغير اسمه، أو إنّ أقرباءه كانوا يطلقون اسماً آخر عليه خوفاً من أن يرمى أو يُرْمَوا بالتشيع أو أي سبب آخر، ومن ذلك ما جاء في(الطبقات الكبرى)للشعراني بأنّ عليّ بن شهاب - جدّ مصنّف الطبقات الكبرى - كان يكره من يقول له:يا نور الدين،ويقول : نادوني باسمي عليّ كما سمّاني بذلك والدي(2).

وعليه فالحسّاسيّة مع اسم عليّ كانت موجودة في العهدين الأموي والعبّاسي الأوّل، لكنّها أخذت تقلّ شيئاً فشيئاً في العهد العباسي الأول، مؤكّدين بأنّ الحساسية مع اسمه(علیه السلام)لم تكن كالحساسيّة مع الأسماء الأخرى، فإنّ التارك لإسم الإمام عليّ كان يتركه للخوف، بخلاف التارك للأسماء

ص: 150


1- البداية والنهاية لابن كثير 11: 94 ، 104 .
2- الطبقات الكبرى للشعراني 1 : 340 .

الأخرى مثل عمار، وغيرها من الأسماء العربية فكان يتركها من جهة عدم المبالاة لا من جهة الخوف والتقية، قال الشيخ الأميني عند كلامه عن ابن الرومي - المسمّى بعليّ- :

وقد اتّفق لبعض الخلفاء وولاة العهد [ في العهد العبّاسي الأوّل] أنفسهم أنّهم كانوا يكرمون عليّاً وأبناءه، كما كان مشهوراً عند (المعتضد) الخليفة الذي أكثر ابن الرومي من مدحه، وكما كان مشهوراً عن (المنتصر) - وليّ العهد - الذي قيل : إنّه قتل أباه (المتوكّل) جريرةَ مُلاحاة وقعت بينهما في الذَّبِّ عن حرمة عليّ وآله(1).

المضادّة مع الأسماء المشتقّة من اسم الباري من ابن أبي سفيان إلى السفياني ضمن سياسة المحاربة مع الأسماء:

وبهذا، فمعاداة آل البيت مع بني أميّة كانت اللّه وفي اللّه، وأنّ عليّاً كان يعرف معاصريه حقّ المعرفة، وقد وضح ذلك للناس بقوله: (أيّها الناس! انّي أحقّ من أجاب إلى كتاب اللّه، ولكنّ معاوية، وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وابن أبي سرح،وابن سلمة، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن....! إنّي أَعْرَفُ بهم منكم،صحبتهم صغاراً ورجالاً، فكانوا شَرَّ صغار وشرّ رجال ...)(2).

ص: 151


1- الغدير 3: 41 .
2- شرح النهج 2 : 216 .

وجاء عن الإمام الصادق قوله : إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في اللّه، قلنا :صدق اللّه وقالوا: كذب اللّه ! قاتل أبو سفيان رسول اللّه، وقاتل معاوية عليّ بن أبي طالب، وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن عليّ، والسفياني يقاتل القائم(1).

وفي كنز العمّال عن عليّ ، قال : يُقْتَلُ في آخر الزمان كُلُّ عليّ، وأبي عليّ، وكلّ حسن، وأبي حسن، وذلك إذا أفرطوا فِيَّ كما أفرطت النصارى في عيسى بن مريم، فانثالوا على ولدي فأطاعوهم طلباً للدنيا(2).

فإن ذيل هذا الحديث وضعته بنو أمية مقابل ما جاء في روايات أهل البيت عن الأمويين وأنّهم يقتلون كل من سمي بعلي والحسن والحسين، وهو يؤكد ما قلناه من حرب الأسماء.

فقد نقل الشيخ أبو الحسن المرندي في (مجمع النورين) بعض علائم خروج السفياني قبل ظهور القائم، ثم قال:

قال أمير المؤمنين: لم يزل السفياني يقتل مَنْ اسمه محمّد وعليّ والحسن والحسين وجعفر وموسى وفاطمة وزينب ومريم وخديجة وسكينة ورقية حَنَقاً وبغضاً لآل محمّد، ثم يبعث في سائر البلد فيجمع له الأطفال، فيغلي لهم الزيت فيقولون : إِن كان آباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا ؟ فيأخذ كلّ من اسمه ما ذكرته فيغليهم، ثمّ يسير إلى كوفانكم هذه فيدور فيه كما تدور الدوّامة، يفعل

ص: 152


1- معاني الأخبار : 346، بحار الأنوار 33: 165 و 52 : 190 ، وفي شرح النهج 4: 79 - 80 قريب منه عن عليّ.
2- كنز العمال 11 : 333 .

بهم كما فعل بالأطفال، فيصلب على بابها كلّ من اسمه حسن وحسين، ثمّ يسير إلى المدينة فينهبها ثلاثة، ويقتل فيها خلق كثير، ويصلب على بابها كلّ من اسمه الحسن والحسين،فعند ذلك تغلى دماؤهم كما غلي دم يحيى بن زكريا، فإذا رأى السفياني ذلك الأمر أيقن بالهلاك، فيولي هارباً فيرجع منهزماً إلى الشام فلا يرى...(1).

وفي عقد الدرر في أخبار المنتظر:عن أمير المؤمنين قال: ... ويقتل من كان اسمه محمداً، وأحمدَ، وعليّاً، وجعفراً، وحمزةَ، وحسناً، وحسيناً، وفاطمة، وزينباً، ورقية، وأمّ كلثوم، وخديجة، وعاتكة، حنقاً وبغضاً لبيت آل رسول اللّه(صلی الله علیه وآله وسلّم).

ثمّ يبعث فيجمع الأطفال ويغلي الزيت لهم، فيقولون: إن كان آباؤنا عصوك فنحن ما ذنبنا ؟ ! فيأخذ منهم اثنين اسمهما حسناً وحسيناً، فيصلبهما... فتَغلي دماؤهما كما على دم يحيى بن زكريّا(علیهما السلام)،فإذا رأى ذلك أيقن بالهلاك والبلاء، فيخرج هارباً متوجهاً منها إلى الشام، فلا يرى في طريقه أحداً يخالفه(2).

ولا يخفى عليك بأنّ سبب قتل السفياني لمن اسمه عليّ، حسن، حسين، جعفر، حمزة إنّما هو لكونهم من شيعة أمير المؤمنين(علیه السلام)، ومن المخالفين لمنهج السفياني فهو ينكل بكل من ليس على منهجه المشؤوم.

وعليه، فإنّ أتباع وأنصار معاوية كانوا قساةً شرسين يستهزؤون بكلّ

ص: 153


1- مجمع النورين : 329 - 330 .
2- عقد الدرر : 130 - 131 ، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب 2 : 171 - 173 .

شيء، ويسحقون كلّ القيم، ويعادون ويحاربون كلّ من خالفهم وحتّى أنهم يحاربون الأسماء بما هي أسماء، وقد كانوا يبغضون عليّاً وأولاده وشيعته ويعدون من أهل النار ؛ روى الأعمش أنّ جريراً والأشعث خرجا إلى جبّان(1)الكوفة، فمر بهما ضبّ يعدو وهما في ذمّ عليّ، فنادياه: يا أبا حِسْل«وهى كنية للضب»، هلمَّ يدك نبايعك بالخلافة. فبلغ عليّاً قولهما فقال: أما إنّهما يحشران يوم القيامة وإمامهما ضبّ(2).

نعم، إنّ بني أمية كانوا يستغلون عطف ولين بني هاشم، لأنهم عرفوا أنّ أهل البيت مأمورون بالسكوت - من قبل اللّه ورسوله - فقال معاوية ذات يوم لعقيل : إنّ فيكم يا بني هاشم ليناً، قال [ عقيل]: أجل إنّ فينا ليناً من غير ضعف، وعزّاً من غير عنف، وإنّ لينكم يا معاوية غدر، وسلمكم كفر(3).

وجاء عن رسول اللّه قوله مروّتنا أهل البيت العفو عمّن ظلمنا وإعطاء من حرمنا(4).

وعليه فالإمام(علیه السلام)لا يتعامل مع أعدائه ومخالفيه ومخالفيه من منطلق الحقد والكراهية، بل يتعامل معهم بمنتهى اللين والوداعة، فيجادلهم بالتي هي أحسن، وهذا لا يضاد دعائه عليهم وأن يطلب من اللّه أن يبعدهم عن رحمته.

فعليّ كان يقنت عليهم في صلاة الفجرِ وفي صلاة المغرب، ويلعن

ص: 154


1- أي الصحراء وأهل الكوفة يسمون المقبرة جبانة.
2- شرح النهج 4 : 75-76 .
3- شرح النهج 4 : 92 - 93 .
4- بحار الأنوار 74 :145.

معاوية، وعمراً، والمغيرة، والوليد بن عقبة، وأبا الأعور ، والضحاك بن قيس،وبسر بن أرطاة، وحبيب بن سلمة ، وأبا موسى الأشعري، ومروان بن الحكم، وكان هؤلاء يقنتون عليه ويلعنونه(1).فاللعنة غير السب كما هو معلوم عند أهل العلم.

ومع كلّ ذلك فلا نراه(علیه السلام)- كالأمويين - يمنع من التسمية بتلك الأسماء وغيرها مع أن المسمَّون بها في بعض الأحيان في غاية القبح، اللّهمّ إلا أن تكون بعض تلك الأسماء ممنوعة ومنهيّ عنها قرآناً وروائياً من حيث دخولها تحت الأسماء الشركية عبد الشمس وعبد الكعبة، أو أنها صارت رمزاً لأعداء اللّه فتدخل ضمن العمومات الناهية من التسمية بأسماء الأعداء، فالإمام(علیه السلام)لا يستهزئ بأحد ولا يستنقص إنساناً من خلال اسمه كائناً من كان،ولا ينحو منحى الأمويين في محاربة الأسماء مع ما فعله أولئك بأهل البيت.

قال دعبل الخزاعي مصوّراً حال آل محمّد بقوله:

إنّ اليهود بحبّها لنبيّها***أمِنَتْ بوائقَ دهرها الخوّانِ

وكذا النصارى حُبّهم لنبيِّهم***يمشون زهواً في قرى نجرانِ

والمسلمونَ بحبّ آل نبيِّهم***يُرمونَ في الآفاق بالنيرانِ(2)

إن الأمويين لم يكونوا هم الوحيدين الجادّين في تغيير ثقافة الأسماء، فقد

ص: 155


1- شرح النهج 4 : 79.
2- ديوان دعبل الخزاعي: 172 ،وانظر روضة الواعظين: 251 باختلاف يسير .

كان هناك مَن يساندهم من الصحابة والتابعين وزوجات النبي، والكلّ يريد إبعاد النهج العلويّ المدافع عن النهج النبويّ بالطرق التي يرونها، ثم ترسيخ ما يلائم أذواق النهج الحاكم وأهدافهم.

فقد مرّ عليك كلام مروان لعليّ بن الحسين(علیه السلام)واعتراضه على الإمام الحسين في تكرار اسم علي بين أولاده(علیهم السلام)، وقوله : ( علي وعلي ؟ ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلا سمّاه عليّاً).

وقول الإمام الحسين(علیه السلام)في جواب هذا المنحى المعوَجِّ:«و يلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأدم، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أُسمّي أحداً منهم إلا عليّاً».

وهؤلاء الحكّام وإن فعلوا ما فعلوا فهم لا يقدرون على إخماد هذا النور الوهّاج الذي اشتق من نور الباري جلّ وعلا.

إنّ الخط العلوي أخذ يتنامى شيئاً فشيئاً بفضل قوّة حججه وأصالة انتمائه، وكذا من خلال الوداعة ، واللين، وكظم الغيظ والصبر على الأذى من قتل قادته وأئمته.

فالإمام عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)لم يكن له يوم السقيفة أربعون رجلاً ينصرونه ويدافعون عن حقّه، وحين جاءته الخلافة الفعليّة ونهض بالأمر نكثت طائفة، وقسطت أخرى ومرقت ثالثة، لكنّ نهجه رغم كلّ تلك العقبات أخذ يتنامى شيئاً فشيئاً بلينه وسماحته، حتى ترى اليوم خمس المسلمين - أو سدسهم أو سبعهم - من شيعته وشيعة أهل بيته، وإن كان(علیه السلام)في زمانه قد عانى الأمرّين من أصحابه وأعدائه.

ص: 156

صحيح أن منهج أهل البيت يسير بخُطًى وئيدة - لكونهم المستضعفين في الأرض - لكنّ العقبى له لا محالة، لأنه منهج قويم مبنيٌّ على العدل والمسامحة، وأن هذا المنهج السليم أخذ يكثر ويكثر ويزداد أتباعه يوماً بعد يوم حتّى نراه سيشمل العالم بأسره إن شاء اللّه تعالى لأنه منهج مبنيٌّ على أصول إنسانيّة يقبلها الجميع.

فعلي بن أبي طالب - وكما قال محمّد بن سليمان -«دحضه الأوّلان وأسقطاه، وكُسر ناموسه بين الناس، فصار نسياً منسيّاً، ومات الأكثر ممن يعرف خصائصه التي كانت في أيّام النبوّة وفضله، ونشأ قوم لا يعرفونه ولا يرونه إلا رجلاً من عرض المسلمين، ولم يبق ممّا يمتّ به إلا أنّه ابن عمّ الرسول، وزوج ابنته، وأبو سبطيه ، ونُسِي ما وراء ذلك كلّه، واتّفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتّفق لأحد»(1).

لكنه(علیه السلام)بسياسته الحكيمة وسياسة أبناءه أعادوا الأمر إلى نصابه رغم الحملات المسعورة المترامية الأطراف ضدهم، وقاموا بإصلاح الواقع الفاسد آنذاك ؛ تارة بالإشارة والكناية، وأخرى ببيان الصحيح فقط دون المساس بالآخر ، وثالثة بالتحذير من أئمة الباطل ، ورابعة وخامسة ... فكانوا لا يرتضون الصراع المباشر مع أسماء الثلاثة، لكي لا يحقق الأمويون أهدافهم التي كانوا يرجون بثها بين المسلمين.

إنّ الناس المرتبطين بأئمة أهل البيت(علیهم السلام)كانوا يعرفون بأنّ تسلّط الأمويين على رقاب المسلمين كان بِفِعل عمر بن الخطّاب، وأنّ مردود كلّ

ص: 157


1- شرح نهج البلاغة 9: 28.

هذه الأعمال الإجرامية من قبل الأمويين يرجع وزرها إلى الأول والثاني لأنها المسؤولان عن كلّ ذلك.

فعمر - الذي جاء إلى الحكم بوصية من أبي بكر - هو الذي ثبّت حكم معاوية بن أبي سفيان وقوّى سلطانه، وقد أخبرت السيّدة فاطمة الزهراء(علیها السلام)عنه بقولها وأنّ التالين سيعرفون غبّ ما أسّسه الأوّلون(1).

فقد اخرج الكليني في الكافي عن الكميت بن زيد الأسدي قال: دخلت على أبي جعفر(علیه السلام)فقال: واللّه يا كميت لو كان عندنا مال لأعطيناك منه ولكن لك ما قال رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)لحسّان بن ثابت لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا.

قال:قلت : خبرني عن الرَّجلين؟

قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثمَّ قال: واللّه يا کميت ما اهريق محجمة من دم ولا أُخذ مال من غير حلّة ولا قُلب حجر عن حجر حجر عن حجر إلا ذاك في أعناقهما(2).

وأيضاً روى بإسناده عن أبي العبّاس المكّي قال : سمعت أبا جعفر(علیه السلام)يقول : إنَّ عمر لقي عليّاً صلوات اللّه عليه فقال له : أنت الّذي تقرأ هذه الآية(بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(3)وتعرّض بي وبصاحبي؟ قال: فقال له: أفلا أخبرك

ص: 158


1- جواهر المطالب 1 : 168 .
2- الكافي 8: 102 ح 75 .
3- المفتون بمعنى الفتنة كما تقول : ليس له معقول أي عقل وقوله تعالى:(بِأَتِيَكُمُ الْمَفْتُونُ)أي بأي الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين أو الكافرين، وقد أتى الإمام بهذه الآية تعريضاً بهما حيث نسبا الجنون إلى النبي كما ذكر في نزول الآية.

بآية نزلت في بني أمية: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ)فقال: كذبت،بنو أميّة أوصل للرَّحم منك ولكنك أبيت إلا عداوة لبني تيم وبني عدي وبني امية أُميّة(1).

وقال(علیه السلام)لأبي الفضل:

يا أبا الفضل!ما تسألني عنهما، فواللّه ما مات منّا بيت قطّ إلا ساخطاً عليهما، وما منّا اليوم إلا ساخط عليهما، يوصي بذلك الكبير منّا الصغير، إنّهما ظلمانا حقّنا، ومنعانا فيئنا، وكانا أوّل من ركب أعناقنا، واللّه ما أسست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلا هما أسّسا أوّلها ، ...(2).

وقال أيضاً(علیه السلام): هما واللّه أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب اللّه، وأوّل من حمل الناس على رقابنا، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت(3).

وعن بشير قال سألت أبا جعفر [ الباقر ] عن أبي بكر وعمر فلم يجبني، ثم سألته فلم يجبني،فلما كان في الثالثة قلت: جعلت فداك أخبرني عنهما؟ فقال ما قطرت من دمائنا ولا دماء أحد من المسلمين إلا وهي في أعناقهما إلى يوم القيامة (4).

وفي خبر آخر عن بشير عن الباقر : أنتم تقتلون على دم عثمان بن عفان،

ص: 159


1- الكافي 8: 103 ح 76 .
2- الكافي 8: 245 ح 340 وعنه في بحار الأنوار 30: 269 ح 138 .
3- تهذيب الأحكام 4: 145 ح 405 .
4- بحار الأنوار 30: 281.

فكيف لو أظهرتم البراءة منهما(1)إذا لما ناظر وكم طرفة عين(2).

وسئل زيد بن علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر فلم يجب فيهما، فلمّا أصابته الرميّة فنزع الرمح من وجهه استقبل الدم بيده حتّى صار كأنّه كبد.فقال:أين السائل عن أبي بكر وعمر؟هما واللّه شركاء في هذا الدم،ثم رمى به وراء ظهره.

وعن نافع الثقفي - وكان قد أدرك زيد بن عليّ - ، قال : فسأله رجل عن أبي بكر وعمر، فسكت فلم يجبه، فلمّا رمي قال: أين السائل عن أبي بكر وعمر ؟ هما أوقفاني هذا الموقف.

وفي نص آخر سئل زيد بن علي وقد أصابه سهم في جبينه: من رماك به؟ قال : هما رمياني...هما قتلاني(3).

وبهذا فقد عرفنا أنّ الإمام علي بن أبي طالب(علیه السلام)وهو أوّل من بدأ بالمنهج التصحيحي والوقوف أمام استغلال الآخرين لموضوع التسميات، وذلك بتصحيحه لفكرة تسمية ابنه بعثمان، ثمّ جاءت النصوص بعد ذلك من قبل أئمّة أهل البيت الواحدة تلو الأخرى لتؤكّد على استحباب التسمية بمحمّد وعليّ والحسن والحسين وقوفاً أمام التيّار الذي أحدثه أتباع عمر بن الخطاب الذي يقضي بالمنع من التسمية بمحمّد وبأسماء غيره من الأنبياء،مع علمنا بأن التسمية

بهم والتكنية بكناهم هي من خير الأسماء وخير الكنى، إلا ما

ص: 160


1- أي من أبي بكر وعمر.
2- بحار الأنوار 30: 282 - 283.
3- المصدر السابق 85: 264.

استثني من التسمية بمحمّد والتكنية بأبي القاسم والذي ورد نهى فيه لأمر خاص.

فعن جابر ، عن أبي جعفر - في حديث - أنّه قال لابن صغير: ما اسمك؟قال: محمّد.قال: بم تُكنّى؟ قال: بعلي.فقال أبو جعفر: لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً(1)شديداً، إنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي: يا محمّد، يا علي، ذاب كما يذوب الرصاص، حتّى إذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتزّ واختال(2).

وهذا الحديث صادرٌ عن الإمام الباقر بعد فُشُوّ المخطّط الأموي الرامي إلى محو كلّ ما يمتّ إلى محمّد وعليّ بصلة، ونشر كلّ ما يرتبط بالجاهليّة والسفيانيّة، لذلك جاء هذا النصّ بعد تبلوُر الأُمور - وقطعها شوطاً واتضاح الخُطى الأموية - ليعالج الموضوع، ويضع الخطى المحمدية العلوية على الدرب، في مقابل المخطّط المشؤوم المحاول لمحو كل شيء عن أهل البيت حتّى الأسماء.

إنّ أئمّة أهل البيت كانوا يذّكرون الشيعة بمقاماتهم المعنوية وما ورد فيهم عن رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) من الفضائل ، لا لأنفسهم، بل لما يعود بذلك على الناس وهو السر في قوله تعالى: ﴿قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)ولم يقل«للقربي»وكانوا نعم يكنّون في الكلام عن أسماء أعدائهم.

ص: 161


1- أي احتميت بحمى عظيم من الشيطان.أُنظر النهاية 1 : 404، لسان العرب 4 : 204.
2- الكافي 6: 20 ح 12 وعنه في وسائل الشيعة 21 : 393 ح ، ومرآة العقول 21: 35 ح 12 .

كان هذا منهج أهل البيت، وفى المقابل كان الحكام يسعون لتهييج التنابز والسباب،وذكر الأسماء صراحة من خلال عدة أساليب لئيمة.

منها وضع أخبار حسنة في ظاهرها ومشينة في باطنها في مدح أهل البيت،ذاكرين فضائلهم ومقاماتهم المعنوية، حتى وصل الأمر بهم في بعض الأحيان أن يدعوا إلى دعوى الغلو فيهم.

وقد استغل النهج الحاكم بالفعل بعض من دَسُّوا أنفسهم في أصحاب الأئمة لوضع تلك الأخبار على لسانهم(علیهم السلام)، لكن حيطة الأئمة وورعهم دعاهم أن يخبروا الشيعة بأنّ المغيرة بن سعيد، وبنان بن سمعان، وأبا الخطاب، دسّوا أحاديث على لسان آبائهم، وأنهم(علیهم السلام)براءٌ من بعض تلك الأخبار، وما يذكرونه من مقامات لهم وفي بعض الأحيان على لسانهم هي من الغلو البين.

وممّا فعله القوم أيضاً هو التصريحُ بأسماء الذين ورد فيهم الذمّ، وقد نشروا ذلك كي يثيروا الفتنه بين المسلمين، خلافاً لمنهج الأئمة الذين يذكرون الأُمور على نحو الكناية والتعريض لا بالإِشهار والتصريح، وأنّ معاني تلك الكلمات كان لا يعرفها إلا الخواص، وأنهم(علیهم السلام)أمروا شيعتهم بكتمان ما قالوا في أعداء اللّه كي لا تستغلّها السلطات الجائرة في سياساتها المريضة، ولكي لا يعرفوا مغزاها فيتّخذوها سلاحاً ضدّ أهل البيت، لكنّ مجموعة من الجهلة أو ممّن تعاونوا مع السلطات أفشوا مقصود الأئمة من تلك الأسماء والكنى ونشروها بعينها ورسمها وحروفها.

أجل، إنّ أهل البيت وقفوا أمام خطط الحكّام، مذكّرين شيعتهم بمحبوبية التسمية بأسمائهم(علیهم السلام)والتكنية بكناهم، ولزوم تناقل ما جرى

ص: 162

عليهم من مظالم في العصور السابقة ،كي تبقى تلك الأسماء حيّة عند المسلمين، فجاء في الزيارة الجامعة الكبيرة لأئمة أهل البيت (وأسماؤكم في الأسماء)،هذا من جهة، ومن جهة أخرى نهوا خُلَّص أصحابهم عن التكنية بأسماء أعدائهم ومخالفيهم، لأنّ تلك الأسماء صارت رمزاً للشّر والأمور السلبية، ولأنّ عرش اللّه يهتزّ بذكر تلك الأسماء واليك رواية في محبوبية التسمية بالأسماء المحبوبة.

فعن سليمان الجعفري،قال : سمعت أبا الحسن(علیه السلام)يقول : لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد اللّه، أو فاطمة من النساء(1).

التسميات في العصر العباسي :

النص الأوّل:

قبل أن نواصل ما نقل عن الأئمة - السجاد، الباقر، الصادق، الكاظم - فی التسمية لابد من الإشارة إلى ملابسات بعض الأخبار، فقد سُئل حفيد عمر الأطرف - في أوائل العصر العباسي - عن سبب تسمية الإمام علي جدّه بعمر، فجاء عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر الأطرف ليوضح خلفية ملابسات هذه التسمية لجدّه ، وأنّها لم توضع من قبل الإمام علي بل وضعت من قِبَلِ عمر بن الخطاب.

أخرج ابن عساكر بسنده ،عن الزبير، عن محمد بن سلام، قال: قلت

ص: 163


1- الكافي 6 : 19 ح 8 والتهذيب 7 :438 ح 1348 وعنه في وسائل الشيعة 21: 396 ح1.

لعيسى بن عبداللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب:كيف سَمَّى جدُّكَ علىٌّ عُمَرَ ؟

فقال: سألتُ أبي عن ذلك، فأخبرني عن أبيه، عن عمر عن عليّ، بن أبي طالب،قال:ولدتُ لأبي بعد ما استُخلِفَ عمر بن الخطّاب، فقال له: يا أمير المؤمنين ولد لي غلام .

فقال[عمر] :هبه لي .

فقلت: هو لك.

قال:قد سمّيته عمر ونحلته غلامي مورق.

قال: فله الآن ولد كثير . قال الزبير : فلقيت عيسى بن عبداللّه فسألته فخبّرني بمثل ما قاله محمّد بن سلام(1).

فأنت تلاحظ استغراب محمّد بن سلام«كيف سمى جدك علي عمر ؟»واستغراب الزبير، وتقبّل عيسى بن عبداللّه لهذا الاستغراب، وسؤاله أباه عنه، تلاحظ كلّ ذلك وفيها دلالة بوضوح على أنّ هناك نزاعاً قويّاً بين أمير المؤمنين علي وعمر، بحيث إنّ هذا النزاع والصراع زَرَع في أذهان الجميع فكان من العجيب أن يسمّي عليّ ابنه باسم خصمه اللدود عمر، فجاء الردُّ واضحاً بأنّ عمر كان هو المبادر لهذه التسمية لا الإمام علي.

ولا يخفى عليك بأنّ الحكّام على طول فترة الحكمين الأموي والعباسي كانوا يسعون لترسيخ فكرة وضع الإمام علي لأسماء الثلاثة، ويستغلونها أيّما استغلال للقول بوضعها عن محبّة لهم، لكنّ علامات الوضع ظاهرة على تلك

ص: 164


1- تاریخ دمشق لابن عساكر 304:45.

الأخبار وإليك نصين منها.

أحدهما ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، قال: أخبرنا أبو عبداللّه محمّد بن إبراهيم النشابي، أنا أبو الفضل أحمد بن عبدالمنعم بن أحمد بن بندار، نا أبو الحسن العتقي، أنا أبو الحسن الدارقطني، نا أبوبكر الشافعي، نا عبداللّه بن ناحية، نا عباد بن أحمد العرزمي، نا عمّي، عن أبيه، عن عمرو بن قيس، عن عطيّة، عن أبي سعيد، قال:

مررتُ بغلام له ذؤابة وجُمَّة إلى جنب عليّ بن أبي طالب، فقلت: ما هذا الصبيّ إلى جانبك ؟ قال : هذا عثمان بن عليّ سمّيته بعثمان بن عفان، وقد سمّيته(1)بعمر بن الخطاب، وسمّيت بعبّاس عمّ النبيّ، وسمّيت بخير البريّة محمّد، فأما حسن وحسين ومحسن فإنّما سمّاهم رسول اللّه وعقّ عنهم، وحلق رؤوسهم وتصدّق بوزنها وأمر بهم فَسُرُّوا وخُتِنُوا(2).

أنا لا أريد أن أدخل في مناقشة سندية لهذا الخبر ، بل أريد أن ألفت نظر القارئ إلى بعض النقاط فيه :

1 - ألم يكن من الأولى للإمام عليّ أن يقول : (هذا ابني عثمان) بدل أن يقول : هذا عثمان بن عليّ على نحو الإخبار عن الغائب !

2 - ماذا يعني كلام الإمام (وقد سمّيته بعمر ) ؟ وهل لهذا الغلام اسمان

ص: 165


1- الصحيح أن يقول : ( وقد سميت بعمر).
2- تاريخ مدينة دمشق 45: 303 - 304 وكلمة (فسرّوا): قطعت سِرّتهم.

أو ثلاثة عثمان ،عمر،عباس، أم إنّ الإمام كان يريد أن يذكر للسائل أولاده واحداً بعد آخر، فيقول: إنّ لي ابناً آخر سمّيته بعمر بن الخطّاب، وثالث بعباس، ورابع ... فالنص مُرتبكٌ اذن.

3 - ماذا يعني الإمام بكلامه (بعبّاس عمّ النبيّ) ألم يكن عمّه أيضاً ؟!

4 - ماذا يعني ذكره لأسماء أولاده الآخرين : محمّد، والحسن، والحسين، ومحسن؟ وما هو ربط أسماء أولئك بالغلام والصبي. ولماذا لا يسمّي - أبو سعيد راوي الخبر - أبناء عليٍّ الآخرين ومنهم ابن آخر لعلي كان مكنى أو

مسمى بأبي بكر ؟!

وهل يمكننا أن ندّعي بأنّ هذا الخبر المفتعل وضع من قبل النافين لوجود ابن لعليّ اسمه أبو بكر؟ لذكرهم أسماء أولاد الإمام دون أبي بكر إلى غيرها من التساؤلات التي يمكن طرحها في نص كهذا.

إنّ أتباع الخلفاء وضعوا أخباراً كثيرة في هذا السياق، وكلّ واحد من أولئك الرواة ينقل الحادثة بالشكل الذي يرتضيه، فمرّة تكون الواقعة في عهد الإمام، وأخرى بعد وفاته(علیه السلام)، وثالثة، ورابعة، وقد انتقلت حكايات هؤلاء الرواة إلى المجاميع الحديثيّة والتاريخيّة عن طريق إخراج الحفّاظ لها.

فاختلاف النقل في الأخبار شيء قد يحدث ولا غبار في ذلك، لكنه في المواضع الخلافية الحساسة يكون مقصوداً، وينبئ عن حسّاسيّة الأمويين مع هذا الاسم.

إذن تارة الحادثة ترتبط مع تسمية عبداللّه بن جعفر ابنه باسم معاوية، وأخرى مع تغيير عبداللّه بن جعفر اسم ابنه من عليّ إلى معاوية، كما تراه في

ص: 166

الخبر الآتي، وهو يتقاطع مع تسميته ابنه بمعاوية ابتداءً كما جاءت في نصوص أخرى.

النص الثاني:

أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق، عن أبي الفضل الربعي أنه قال:

حدّثني أبي وسمعته يقول : ولد أبو محمّد، عليّ بن عبد اللّه - سنة أربعين - بعد قتل عليّ بن أبي طالب، فسمّاه عبداللّه بن العباس (علياً) وكنّاه بأبي الحسن، وولد معه في تلك السنة لعبداللّه بن جعفر غلام فسمّاه (عليّاً) وكنّاه بأبي الحسن، فبلغ ذلك معاوية فوجّه إليهما أن انقلا اسم أبي تراب وكنيته عن ابنيكما، وسمّياهما باسمي وكنّياهما بكنيتي، ولكلّ واحد منكما ألف ألف درهم.

فلمّا قدم الرسول عليهما بهذه الرسالة سارع في ذلك عبداللّه بن جعفر فسمّى عبداللّه بن جعفر ابنه معاوية وأخذ ألف ألف درهم، وأمّا عبداللّه بن عبّاس فإنّه أبى ذلك، وقال : حدّثني عليّ بن أبي طالب عن النبيّ (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)أنّه قال : ما من قوم يكون فيهم رجل صالح فيموت فيخلف فيهم بمولود فيسمونه باسمه إلا خلفهم اللّه بالحسنى، وما كنت لأفعل ذلك أبداً.

فأتى الرسول معاوية فأخبره بخبر ابن عباس، فردّ الرسول، وقال: فانقل الكنية عن كنيته ولك خمس مائة ألف ألف.

فلمّا رجع الرسول إلى ابن عباس بهذه الرسالة، قال: أما هذا فنعم، فكنّاه بأبي محمّد(1).

ص: 167


1- تاريخ مدينة دمشق 44:43 - 45 .

وهذا النص يختلف عما نقلناه سابقاً عن ابن عبّاس، وأنّه أتى عليّاً أيّام خلافته وطلب منه أن يسمّي ابنه ، فسمّاه علياً وكنّاه بأبي الحسن(1).

فإن طلب ابن عباس من الإمام علي في أن يسمي ولده - أيّام خلافته(علیه السلام)- لا يتفق مع تسمية ابن عباس مولوده بعد وفاة الإمام علي ؛ لما سمعه من خبر عن رسول اللّه .

وكذا هو الآخر يخالف ما أخرجه ابن عساكر، عن عيسى بن موسى،قال:

لمّا قدم علي بن عبداللّه بن عباس على عبد الملك بن مروان من عند أبيه، قال له عبد الملك : ما اسمك؟

قال:علي . قال : أبو من؟ قال: أبو الحسن. قال : أَتَجمَعُهُمَا عَلَيَّ ؟!حوّل كنيتك ولك مائة ألف.قال:أمّا وأبي حيّ فلا ، فلمّا مات عبداللّه بن عبّاس كناه عبد الملك أبا محمّد(2).

وفي تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير والنصّ عن الأخير :

وقيل انّه ولد في الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب فسماه أبوه عليّاً، وقال: سمّيته باسم أحبّ الناس إليّ وكنّاه أبا الحسن، فلما قدم على عبدالملك

ص: 168


1- شرح نهج البلاغة 7: 148 وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب 7: 312 - 313 وقد حكى المبرد وغيره أنّه لمّا ولد جاء به أبوه إلى عليّ بن أبي طالب فقال : ما سمّيته، فقال: أو يجوز لي أن أسميه قبلك فقال(علیه السلام): قد سمّيته باسمي وكنّيته بكنيتي وهو أبو الأملاك، وذكر بعد ذلك تغيير عبد الملك لكنيته واللّه أعلم.
2- تاريخ دمشق 43: 45 ، فقال : أمّا الاسم فلا، وأمّا الكنية فتكنّى بأبي محمد، فغيّر كنيته.

بن مروان أكرمه وأجلسه معه على سريره،وسأله عن كنيته فأخبره ، فقال : لا يجتمع في عسكري هذا الاسم والكنية لأحد، وسأله هل ولد لك من ولد؟قال:نعم،وقد سمّيته محمّداً، قال: فأنت أبو محمّد(1).

وفي حلية الأولياء:كان عليّ بن عبداللّه بن عبّاس يكنّى ابا الحسن،فلما قدم على عبدالملك بن مروان قال له:غيّر اسمك وكنيتك فلا صبر لي على اسمك وكنيتك.فقال:أما الاسم فلا،وأ ما الكنية فأُكنَّى بأبي محمد، فغيّر كنيته.

قال اليافعي:قيل:وإنما قال عبدالملك هذه المقالة لبغضه في عليّ بن أبي طالب إذ اسمه وكنيته كذلك(2).

أنا لا أريد أن أرجح خبراً على آخر في هذه القضية،بل أريد أن أُذكّر القارئ الكريم بأنّ بين الأخبار المذكورة في وقائع كهذه،ما هو صحيح وما هو باطل؟والواقعة إمّا أن تكون قد وقعت في عهد الإمام علي،أو من بعد وفاته في عهد معاوية؟ أو أنها كانت في عهد عبدالملك؟ في حياة عبدالله بن عباس أو بعده؟

وسواء كان تبديل الكنية من قبل ابن عباس بعوض،أم لم يكن بعوض، فإنّ المهمّ هو أنّهم كانوا حسّاسين مع اسم عليّ وخصوصاً لو قرن هذا الاسم مع كنية أبي الحسن، لأنه سيكون دليلاً على المحبّة لعلي لا محالة - بالطبع طبق نظريّتهم !! - وبالتالي فإنّه سيقوّض أطراف حكومتهم وسياساتهم المبتنية على

ص: 169


1- تاريخ الطبري 4: 165 ، الكامل في التاريخ 4 : 422.
2- حلية الأولياء 3: 207 ، مرآة الجنان 1: 245 .

بغض أهل البيت وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي(علیه السلام).

وقد قال الدكتور داود سلوم عن البحتري وأنّه بدّل كنيته من أبي الحسن إلى أبي عبادة أرضاءً للمتوكل العباسي، كما أنه قال عن الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري(ت 69)بأنه ولكي ينفذ في المجتمع الجديد فقد تكنى بأبي عثمان واتصل بالأمويين واولاد عثمان(1).

إنّ أنصار النهج الحاكم سرقوا لقب الصديق، والفاروق، وجامع القرآن، وسيف اللّه المسلول وأعطوها جُزافاً لأبي بكر، وعمر،وعثمان،وخالد بن الوليد.

كما أنّهم لقّبوا عثمان ب(ذي النورين)كي ينتقصوا من أهميّة لقب«الزهراء»الممنوح لفاطمة سلام اللّه عليها على وجه الخصوص.

وأيضاً شرّعوا الاختلاف بين الصدّيقة فاطمة(عيلها السلام)والمسمَّى بالصّدّيق أبي بكر للقول بأنّهما في مرتبة واحدة لا يكذبان أصلا، في حين يعلم الكُلُّ بأنّ الاختلاف معناه وجود صادق وكاذب في القضيّة، بصرف النظر عن كون أيهما الصِّديق والكِذَّيب، فالزهراء(عيلها السلام)تقول صريحاً لأبي بكر: ﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْئَاً فَرِيّاً)، لكنّه لا يجرؤ على تكذيبها وعمد إلى القول بأنّ شهودها لم يكتملوا، فهو بهذا أراد تكذيب الزهراء عَملاً ، فإذن كلّ واحد منهما يكذب الأخر، فكيف يعد كلّ منهما صدِّيقاً إذن(2)؟!

ص: 170


1- ديوان يزيد بن مفرغ الحميري: 80 تحقيق دكتور داود سلوم وفيه: وقد تحولت قبائل كثيرة عن نسبها إلى النسب اليماني في سبيل المال أو السلطة.
2- هذا ما وضحه المؤلف في كتابه (من هو الصديق ومن هي الصديقة).

وفي هذا الإطار لقّبوا أبا بكر وعمر بسيّدي كهول أهل الجنّة، قِبالاً لما ورد في - الصحيح - عن الحسن والحسين بأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة.

وأخذوا لقب (الشهيد) من حمزة عمّ الرسول وأطلقوه على عثمان، ولقب (أمير المؤمنين) من الإمام علي وأطلقوه على عمر ومن جَرَّ جَرَّه، إلى غيرها من عشرات الألقاب والأسماء المنحولة لهذا وذاك.

وقد استمرّت ظاهرة وضع الألقاب والنعوت على الخلفاء في العهدين الأموي والعباسي، فنسبوا إلى معاوية أنه كان كاتباً للوحي، ولأبي مسلم الخراساني أنّه (وزير آل محمّد) و (سيف آل محمّد).

وقد لقّب إبراهيم بن محمّد في أوّل الدولة العبّاسيّة بلقب (الإمام)، وهناك ألقاب كثيرة أخرى سرقوها من آل محمّد وأطلقوها على خلفائهم مثل : ( الهادي) و (المهدي) و (المهتدي ) و (المرتضى) و (القائم).

فإذن الأسماء والكنى والألقاب مرت بمحنة قاسية وأنّ سياسة التحريف والتصحيف كانت عند الأمويين والعباسيين كل بحسبه وسياسته، فالأمويون عارضوا التسمية بعلي والحسن والحسين أيّام قوّة حكمهم، لكنّهم ومن منطق السياسة اتّخذوا عند ضعفهم اسم الإمام علي سلاحاً في وجه العباسيين، لأنّهم وبسقوط حكمهم لم يبق لهم إلا التسلّح بسلاح الآخرين والاحتماء بالرموز، وقد استغل بالفعل أحد أحفاد معاوية بن أبي سفيان اسم الإمام علي كغطاء في عمله السياسي، فأراد إعادة الخلافة الأموية بطريقة ذكية، وذلك بالاستفادة من اسم الإمام عليّ ومعاوية معاً، واستغلال رموزهم في العملية السياسية المرجوّ تطبيقها، كلّ ذلك من خلال الأسماء

ص: 171

والكنى والمؤهّلات فجاء في الكامل(حوادث سنة خمس وتسعين ومائة) وسير أعلام النبلاء، ترجمة السفياني:

هو الأمير، أبو الحسن،عليّ بن عبداللّه،بن خالد،بن يزيد،بن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي، ويعرف بأبي العميطر، كان سيّد قومه وشيخهم في زمانه،بويع بالخلافة بدمشق زمن الأمين،وغلب على دمشق في أوّل سنة ست وتسعين،[وكان من أبناء الثمانين ](1)، وكان يقول: أنا من شيخَي صفّين، يعني عليّاً ومعاوية(2)، وكان شعار أنصاره:

يا عليُّ يا مُختار، يا من اختاره الجبّار، على بني العبّاس الأشرار(3).

انظر إلى قول هذا الأموي الخارج على بني العباس، كيف يريد أن يلفّق بين عليّ ومعاوية - جامعاً في أطروحته القَوّتين المعارضتين للعباسيين - فيقول: أنا من شيخي صفّين يعني عليّاً ومعاوية، وهو يجمع أيضاً بين اسم علي وكنية ( أبو الحسن،عليّ)، وبين عشيرته وقومه (القرشي الأموي) وبين ما ثبت لأهل البيت وانّ اللّه اختارهم،فجعله شعاراً له ضدّ العباسيين، فكان أنصاره يقولون:

يا عليّ يا مختار يا من اختاره الجبّار، على بني العباس الأشرار.

نعم بهذه الطرق التمويهية الملتوية كانوا يسعون إلى تحريف الحقائق وتوظيفها لصالحهم، لكن الأئمة كانوا حذرين من مخططاتهم ودورهم في

ص: 172


1- سير أعلام النبلاء 9: 284 .
2- الكامل في التاريخ 5: 377 ( حوادث سنة 195 ه).
3- سير أعلام النبلاء 9: 286 .

استغلال الأسماء والكنى موضحين لشيعتهم تلك الطرق الملتوية.

فعن عليّ بن الحسين زين العابدين(علیه السلام)أنّه قال :.... هذه أحوال من كتم فضائلنا، وجحد حقوقنا، وسُمّي بأسمائنا، ولُقّب بألقابنا، وأعان ظالمنا على غصب حقوقنا، ومالاً علينا أعداءنا(1).

وفي عيون أخبار الرضا(علیه السلام)أنّه قال لابن أبي محمود: إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام:

أحدها: الغلوّ.

ثانيها: التقصير في أمرنا.

وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا .

فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا ؛ وقد قال اللّه عزّ وجلّ(وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم)(2).

وروي عن الإمام الباقر(علیه السلام)قوله :

من سمّانا بأسمائنا، ولقبنا بألقابنا، ولم يسمّ أضدادنا بأسمائنا، ولم يلقّبهم بألقابنا - إلا عند الضرورة التي عند مثلها نسمّي نحن ونلقّب أعداءنا بأسمائنا وألقابنا-فانّ اللّه عزّوجلّ يقول لنا يوم القيامة:اقترحوا لأوليائكم هؤلاء ما تعينونهم به...(3).

ص: 173


1- تفسير الإمام العسكري: 589 ، وعنه في بحار الأنوار 26: 236 .
2- عيون أخبار الرضا 2: 272 وعنه في بحار الأنوار 26: 239.
3- بحار الأنوار 24: 391 .

وعن الإمام موسى بن جعفر الكاظم(علیه السلام)،قال :

من أعان محبّاً لنا على عدوّ لنا، فقوّاه وشجّعه حتى يخرج الحقّ الدالّ على فضلنا بأحسن صورته،ويخرج الباطل - الذي يروم به أعداؤنا دفع حقّنا - في أقبح صورة، حتّى يتنبّه الغافلون، ويستبصر المتعلمون، ويزداد في بصائرهم العاملون، بعثه اللّه تعالى يوم القيامة في أعلى منازل الجنان، ويقول: يا عبدي الكاسر لأعدائي، الناصر لأوليائي، المصرِّح بتفضيل محمّد خير أنبيائي،وبتشريف عليٍّ أفضل أوليائي،والمناوي إلى من ناوأُهما،وتسمَّى بأسمائها،وأسماء خلفائهما،وتلقب بألقابهما، فيقول ذلك، ويبلغ اللّه جميع أهل العرصات،فلا يبقى ملكٌ ولا جبّار ولا شيطان إلا صلّى على هذا الكاسر لأعداء محمّد(صلی الله علیه وآله وسلّم)،ولعن الذين كانوا يناصبونه في الدنيا من النواصب لمحمّد وعلي صلوات اللّه عليهما (1).

وعليه، فالتسميات في أواخر العهد العباسي الأوّل وأوائل الثاني أخذت وضعها الصحيح ببركة أهل البيت، وأنّ التأكيد على أسمائهم جاء في روايات متعددة عن أهل البيت(علیهم السلام)، كان من أواخرها ما علّمه الإمام علي الهادي (علیه السلام)(ت 254ه) لموسى بن عبداللّه النخعي من الزيارة التي يزور بها أئمّة أهل البيت، وهي المعروفة اليوم بالزيارة الجامعة الكبيرة، والتي تحتوي على المعارف الحقّة وفيها الموالاة الكاملة لآل البيت والبراءة من أعدائهم، جاء في بعض فقراتها الأخيرة منها : (وأسماؤكم في الأسماء.... فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم).

ص: 174


1- تفسير الإمام العسكري(علیه السلام): 209 ، وعنه في بحار الأنوار 24 : 391 .

وهاتان الفقرتان - كغيرهما من الفقرات - تحتوي على معارف قيّمة لا يمكننا بهذه العجالة شرحها، لكنّنا نشير إلى أنّهما يشيران إلى أهمية أسماء أهل البيت وأَبعادها الإلهية.

أجل إنّ القوم مضافاً إلى سرقتِهم أسماء الأئمة وكناهم كانوا يسعون إلى تغيير معاني بعض تلك الأسماء والألقاب لصالحهم، فعن أحمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني(علیهما السلام): إنّ قوماً من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك صلوات اللّه عليه إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده.

فقال: كذبوا واللّه وفجروا بل اللّه تعالى سمّاه الرضا لأنه كان(علیه السلام)رضىً للّهِ تعالى ذكره في سمائه، ورضى لرسوله والأئمة بعده(علیهم السلام)في أرضه.

قال: فقلت له : ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين(علیهم السلام)رضىً للّه تعالى ولرسوله والأئمة من بعده؟ فقال: بلى، فقلت له: فلم سَمَّي(علیه السلام)من بينهم الرضا ؟

قال:لأَنه رَضِيَ به المخالفون من أعدائه،كما رضيَ به الموافقون من أوليائه،ولم يكن ذلك لأحد من آبائه(علیهم السلام)، فلذلك سمي من بينهم الرضا(علیه السلام)(1).

وهذا الكلام من الإمام يرشدنا إلى أنّهم(علیهم السلام)مع اهتمامهم ببيان القواعد العامّة في التسميات والكنى والألقاب، كانوا يشيرون إلى بعض التطبيقات الخاطئة المرسومة من قبل الحكّام، مصحّحين بفعلهم وقولهم تحريفات

ص: 175


1- علل الشرايع ، للصدوق 1: 236 - 237 ح 1 .

المغرضين ودجل المدلسين ؛ إذ مرّ عليك ما قاله الإمام الجواد في سبب تلقّب الإمام الرضا بالرضا، وسيأتي أيضاً في خبر يعقوب السراج أنّ الإمام الكاظم نهاه عن التسمية بحميراء، لأنّ «حميراء» صارت علماً مُبْتَدَعاً لأعداء أمير المؤمنين من النساء، فلو لوحظت معاداة أمير المؤمنين في التسمية بحميراء صار الاسم مبغوضاً عند اللّه، مشيرين إلى أنّ زوجات النبي لا يعرفن بكنية أو لقب خاص إلا عائشة.

وهذا اللقب أُطلق على عائشة حينما أخبر رسول اللّه زوجاته بأن منهن من تخرج على إمام زمانها، فقال(صلی الله علیه وآله وسلّم)مخاطباً عائشة :(إيَّاك أن تكونيها یا حميراء). فنهي الامام الكاظم لم يكن معاداة للأسماء والألقاب والكنى بما هي أسماء وألقاب وكُنى، بل بياناً لما أمر اللّه به في كتابه وأكّد عليه نبيّه.

فالأئمة لا يعادون اسماً أو كنية أو لقباً كما أنهم لا يعادون أحداً بما هو شخص وذات، حتّى أنّهم لم يعادوا الخلفاء السابقين إلا لتعديهم حدود اللّه وتجاوزهم قول ربّ العالمين وتأكيدات الرسول الأمين في الإمامة الإلهية.

فعن يعقوب السراج،قال:دخلت على أبي عبد اللّه[الصادق]وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد ،... فقال لي : ادنُ من مو مولاك فسلّم، فدنوتُ فسلّمت عليه،فردَّ عَلَيّ السلام بلسان فصيح،ثمّ قال لي: اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سمّيتها أمسِ، فإنّه اسم يبغضه اللّه، وكان ولدت لي ابنة سمّيتها بالحميراء(1).

ص: 176


1- الكافي 1 : 310 ح 11 وانظر الإرشاد للمفيد 2: 219 ، ومستدرك وسائل الشيعة 15 : 128 ، ووسائل الشيعة 21: 389 ح3 ، وإعلام الورى 14:2، والثاقب في المناقب: 433 ح 1 .

فالإمام الكاظم قال بهذا وهو الذي سمى ابنته بعائشة، لأنه اسم عربي رائج وليس فيه قبح ذاتي، لأنه ليس حكراً على أحد، وقد يكون(علیه السلام)سمی ابنته بعائشة للوقوف أمام استغلال الآخرين اسمها في صراعهم مع الإمام الكاظم (علیه السلام).

أمّا التسمية ب «الحميراء» فلا يرتضيه - لمن يدّعي محبّة آل البيت - لأنّه صار علماً لمن يخالف الوصي أمير المؤمنين علي،وهو عَلَمٌ يختص بعائشة ؛ لأنه لم يعرف بهذا اللقب غيرها، وقد أخبر رسول اللّه بأنّ كلاب الحوأب تنبح إحدى نسائه الخارجات على الوصي، ثم قال مخاطباً عائشة «إياك أن تكوني أنت يا حميراء»، فهو اسم مختصّ بها ، بخلاف اسم عائشة فانّه مشاع للجميع ويتسمى به كثير من الناس قبل وحين وبعد أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر .

وعليه فالولاء والبراءة يلحظان في التسميات أيضاً، لكن بشروط وتحت ظروف محدّدة معيّنة.

ففي تفسير العيّاشي: عن ربعي بن عبداللّه،قال : قيل لأبي عبد اللّه(علیه السلام):جعلت فداك، إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك؟

فقال:إي واللّه،وهل الدين إلا الحبّ والبغض،قال اللّه:﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)(1).

بهذا النصّ وضح الإمام(علیه السلام)بأنّ التولّي والتبرّي من أركان الدين، وأنّ

ص: 177


1- تفسير العياشي : 168 ، مستدرك وسائل الشيعة 15 : 129 ح 2 ، والسورة آل عمران: 31.

التسمية إن قصد بها الحبّ لأهل البيت(علیهم السلام)فهي تنفع، وكذا التسمية بأسماء الأعداء بما هم أعداء اللّه ولرسوله ولأوليائه فهي مضرّة؛ لقوله تعالى: ﴿ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُجيبكُمُ اللهُ)فإنّ اللّه أَناطَ محبّته باتّباع النبي، وهو يفهم بأنّ الحب والبغض يجب أن يكون اللّه وفي اللّه،فمن آذى الرسول في عترته، واعترض عليهم وكتم الشهادة لوليّه فهو ممن أبغضه اللّه لا محالة.

كما أكّد لنا البحث أيضاً وجود المنافرة بين أهل البيت وبعض الصحابة،لتخالف مواقفهم مع الذكر الحكيم والسنة المطهرة، فلا يعقل أن يحب أهل البيت من أبغضه اللّه، لأنّ اللّه لا يجمع فى قلب مؤمن حبّ وليه وحبّ عدّوه.

إذن التسميات قد تكون جاءت للعوامل التي ذكرناها،وقد تكون جاءت لوصيّة رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) للإمام علي بأنه سيواجه هكذا أمور فإن ابتُلي فَلْيُسَمٌ.

وقد تكون جاءت لتطييب نفوس الآخرين ، لكي الآخرين ، لكي لا يصير الناس نواصبَ، وقد أخبرني أحد المستبصرين أيّام كان على منهج الخلفاء بأنّه لمّا وقف على مطابقة اسم أحد أولاد الإمام علي لاسم أحد الثلاثة ازداد حبّاً وإعجاباً بالإمام عليّ - واعتبره صحابيّاً مسالماً ليناً حسب قوله - وهذا التصور السلمى عند الإمام أَثَرٌ في تشيُّعه واستبصاره واهتدائه للحقّ لاحقاً، وبكلامه هذا كان يريد القول بأنّ هذه التسميات لها عامل إيجابي في بعض الأحيان وليست هي سلبية في جميع الحالات.

التسمية بعلي في أولاد الأئمة:

وعليه فالتسميات فى مدرسة أهل البيت تأتى من خلال مجالين:

ص: 178

أوّلهما تسمية أولادهم بعلي.

والثاني عدم المخالفة مع التسمية بأسماء الثلاثة.

وقد مرّ عليك ما يدل على المجال الأوّل،في كلام الإمام الحسين(علیه السلام)وقوله:«لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلا عليّاً»(1).

ولو تأملت في أسماء أولاد الإمام علي من بعد الإمام الحسين لرأيت أنّ اسم«علي»موجود عندهم بكثرة كاثرة.

فأحد أولاد الإمام عليّ بن الحسين بن على بن أبي طالب السجّاد الذين اعقبوا سُمّي بعلي الأصغر.

وكذا أحد أبناء أخيه(2)(الحسين الأصغر) المعقبين سمى بعلي أيضاً.

وابن أخيه الآخر (زيد الشهيد)كان له ولد اسمه الحسين ذي الدمعة،ولهذا ابن اسمه علي.

وللإمام الصادق ولدٌ باسم علي العريضي وكنيته (أبو الحسن) صاحب کتاب(مسائل علي بن جعفر).

ولعمر الأشرف بن علي بن الحسين ابنٌ واحد أعقبه، اسمه عليّ لأصغر.

ص: 179


1- الكافي 6 : 19 ح 7 ، وسائل الشيعة 21: 395 ح 1 ، بحار الأنوار 44: 211 ح 8 عن الكافي. وفي مناقب آل أبي طالب3: 309 عن كتاب النسب عن يحيى بن الحسن قال يزيد لعليّ بن الحسين:واعجباً لأبيك سمّى عليّاً وعليّاً ! فقال(علیه السلام): إنّ أبي أحبّ أباه فسمّى باسمه مراراً.
2- أي أخ على الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

وقد خلّف الإمام موسى بن جعفر للإمامة ابناً إسمه عليَّ بن موسى الرضا. وهو الإمام الثامن من أئمة الشيعة.وللإمام الرضا ولد واحد وهو محمّد الجواد، وقد خلّف هذا ابنه عليّ بن محمّد الهادي.

فانظر إلى كثرة وجود اسم «محمّد» و «علي» بين أئمة أهل البيت وأولادهم ؛ فأوّلنا محمد وأوسطنا محمد و آخرنا محمد، كلّ ذلك إصراراً منهم على إبقاء هذه الأسماء عالية منتشرة، مقابلةً لمخطّط آل أبي سفيان الداعى الى قتلهم وابادتهم ومحو ذكرهم.

هذا عن التسمية بعليّ .

أمّا الكلام عن المجال الثاني، وهو التسمية بأسماء الثلاثة فالأئمة كانوا لا يخالفون ذلك للضرورة، وقد تراهم يأمرون أصحابهم بهذه في بعض الظروف.

روى ابن حمزة الطوسي في الثاقب، عن أحمد بن عمر، قال: خرجت إلى الرضا(علیه السلام)وامرأتي بها حَبَلٌ، فقلت له: إنّي قد خلّفت أهلي وهي حامل،فادعُ اللّه أن يجعله ذكراً .

فقال لي: وهو ذكر، فسمِّه عمر !!

فقلت : نويتُ أن أسمّيه عليّاً، وأمرتُ الأهلَ به.

قال(علیه السلام): سمَّه عمر .

فوردت الكوفة وقد ولد ابن لي وسُمي عليّاً، فسمّيته عمر ، فقال لي جيراني: لا نصدّق بعدها بشيء ممّا كان يُحكى عنك، فعلمت أنّه(علیه السلام) كان أَنْظَرَ لي من نفسي(1).

ص: 180


1- الثاقب في المناقب: 214 ح 16 ، الخرائج و الجرائح 1 :362 ح 16 وعنه في بحار الأنوار 49: 52 ح 55 ، وفيه: أحمد بن عمرة.

وحكي عن أبي حنيفة أنه استأذن على الصادق فلم يَأْذن له، ثمّ جاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم، فدخل معهم، قال أبو حنيفة: فلمّا صرت عنده قلت له: يا بن رسول اللّه لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمّد (صلی اللّه علیه وآله وسلّم) فإنّي تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم.

فقال(علیه السلام): لا يقبلون منّي.

فقال أبو حنيفة:ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول اللّه .

فقال: أنت ممّن لم تقبل منّي، دخلتَ داري بغير إذني، وجلست بغير أمري، وتكلّمت بغير رأيي، وقد بلغني أنّك تقول بالقياس... الى آخر الخبر(1).

ولا يخفى عليك بأنّ أبا حنيفة كان في الكوفة أيّام الغَلَيان الشيعي، وذلك بعد شهادة الإمام الحسين،وثورة التوابين،وحركة المختار الثقفي،وطلائع الزيدية. فلا أستبعد أن يثار غضب بعض الشيعة هناك فيلعنوا الأصحاب الظالمين المنحرفين، لأنّ مساوءهم التي كان يغطيها الأمويون شاعت وذاعت بين الناس شيئاً فشيئاً في العصر الأموي وفي أوائل العصر العباسي، فكان لذكرها ولعن أصحابها مجال، لأنّ الناس كانوا قد علموا الواقع الفاسد وما جرى على العترة بعد رسول اللّه في العصور السابقة.

وهذه المعرفة من الشيعة بأئمتهم والدعوة إلى البراءة من الشيخين جعلت الجهاز الحاكم يطاردهم ويضطهدهم، وجعلت العيون عليهم تحصي أنفاسهم ودقات قلوبهم، وهذا هو الذي دعا الإمام الرضا أن يأمر أحمد بن

ص: 181


1- بحار الأنوار 10 : 220 ح 20 .

عمرة بالتقية وأن يسمّي ابنه بعمر، مع أنّه علويّ المذهب، لأنّ التقية ديني ودين آبائي، وهي جارية إلى قيام يوم القيامة - حسب تعبير الإمام المعصوم-.

إذن قضيّة أحمد بن عمر تشبه قضيّة علي بن يقطين حين سأل الإمام الكاظم عن مسح الرجلين أهو من الأصابع إلى الكعبين،أم من الكعبين إلى الأصابع؟ فكتب إليه أبو الحسن الكاظم(علیه السلام)أن يتوضّأ وضوء العامة.فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجّب ممّا رسم له الإمام خلافاً لإجماع الطائفة، وبعد مدّة ورد عليه كتاب آخر من الإمام فيه : ابتِدئ من الآن يا عليّ بن يقطين وتوضّأ كما أمرك اللّه ... فقد زال ما كنّا نخاف منه عليك(1).

وهذه النصوص تشير إلى ما كان يمرّ به أئمة أهل البيت وشيعتهم من ظروف قاهرة تدعوهم في بعض الأحيان،للأمر بالتسمية بأسماء الأعداء - فضلا عن تجويزه لهم - وكل ذلك حفاظاً على دماء الشيعة وأموالهم وأعراضهم، فالتسمية شيء ووجود العداوة والبغضاء والتخالف الفكرى بين المنهجين شيء آخر، فلا يشك أحد في وجود العداوة بين هارون العبّاسي والإمام الكاظم، لكنّ ذلك لا يمنع الإمام من أن يسمّي ابنه ب «هارون»، لأنّ اسم هارون ليس حِكْراً على هارون الرشيد العباسي، بل لأنّ في ذلك فتح باب للسلامة والتنفّس للشيعة، وذلك ما حصل بالفعل للشاعر الشيعي المشهور منصور النَّمِري ؛ حيث كان يذكر مدائح هارون في قصائده ويقصد به أمير المؤمنين عليّاً(علیه السلام)لأنه بمنزلة هارون من موسى ، وهارون العباسي

ص: 182


1- الإرشاد 2: 227 ، الخرائج و الجرائح 1: 335 ح 26 ،اعلام الوری 2: 21، بحار ، الأنوار 77 :27 ح 25 عن خرائج الراوندي، وسائل الشيعة 1: 444 ح 3.

لم يلتفت إلى ذلك، فكان يغدق عليه الأموال والعطايا والهدايا، فلمّا علم بمقصد منصور النمري جنّ جنونه وأمر بِسَلِّ لسانه وقطع يديه ورجليه ثمّ ضرب عنقه وحمل رأسه إليه وصلب بدنه، فلمّا ذهبوا لينفذوا ذلك وجدوه قد مات ودفن، فرجعوا إلى هارون العباسي فأخبروه فقال: هلّا أحرقتموه بالنار، وفي رواية أخرى : انّهم نبشوا قبره(1).

إذَنْ لولا تشابه الأسماء واختلاطها لما استطاع منصور النمري - أو غيره من الشعراء أو الرواة أو الفقهاء - أن يبثّ قصائده وأفكاره بعيداً عن عيون الدولة وجواسيسها ، لكنّ تشابه الأسماء وعدم إظهار الحساسيّة منها كان له المردود الخيّر على شيعة آل محمّد بفضل علم وسياسة أئمتهم(علیهم السلام).

وبهذا قد انتهينا من بيان مسيرة الأسماء في القرون الأولى، وموقف أهل البيت والخلفاء منها، والآن،نأتي بجرد إحصائي لمن سُمّى بأسماء الثلاثة في العصور اللّاحقة كي نبيّن بأنّ الأئمة وشيعتهم لم يخالفوا الأسماء، ومن خلال ذلك سنفند دعوى ابن تيمية وأتباعه القائلين بعدم وجود هذه الأسماء عند الشيعة:

وجود أسماء الثلاثة عند الشيعة في القرنين الثاني والثالث:

تبيّن ممّا سبق أنّ أسماء الثلاثة كانت موجودة بين الناس، وبين أصحاب الأئمة ورواة الحديث عنهم(علیهم السلام)، كما أكّدنا أيضاً بأنّ وجود تلك الأسماء

ص: 183


1- انظر مقدمة ديوانه: 24 ،وقاموس الرجال للتستري 526:11 وتاريخ بغداد 13: 67 ، أمالي المرتضى 4 : 186 .

ليس لها دلالة على محبّتهم للخلفاء، مؤكدين بأنّ أئمّة أهل البيت لم ينهوا أصحابهم عن التسمية بتلك الأسماء، رغم ما لاقوه منهم ومن أتباعهم الخلفاء أمويين كانوا أم عباسيين، حتّى إنّنا نرى اسم معاوية ويزيد ومروان موجوداً بين أصحاب الأئمة.

*فمثلاً ترى اسم عمر (عمرو)(1)وعثمان ويزيد والحجاج وأمثالها بين المستشهدين بين يدي الحسين بن علي في واقعة الطف، وقد وقع التسليم في الزيارة الرجبية على عمر (عمرو) بن كناد، وعمر بن أبي كعب.

وكذا وقع التسليم على عمر (عمرو) بن خالد الصيداوي، وعمر بن الأُحدوث في زيارة الناحية المقدّسة.

وقد وقع التسليم أيضاً على عمر (عمرو) بن عبد اللّه الأنصاري الصائدي في زيارَتَي الناحية المقدَّسة والرجبيّة معاً.

وكذا وقع السلام في الزيارة الرجبية - الذي ذكرها المفيد والسيد ابن طاوس - على من اسمه عثمان:«السلام على عثمان بن فروة القاري».

وأيضاً وقع السلام على من اسمه:يزيد،والحجاج في زيارة الناحية المقدّسة:«السلام على يزيد بن حصين الهمداني المشرفي القاري... السلام على الحجاج بن مسروق الجعفي... السلام على يزيد بن زياد بن مهاجر الكندي».

وهذا يشير إلى أنّ الإمام الحسين(علیه السلام)كان يسمو بروحه وفكره على

ص: 184


1- هناك احتمال طرحناه في أسماء للطالبيين مفاده ان إسم عمرو أقرب للطالبيين من إسم عمر، وذلك لأنّ جدهم اسمه عمر و العلى فلا يستبعد أن يكون المسمى بعمر عندهم هو مصحف عن عمرو.

تصرفات الأمويين، فلم يكن يخالف اسم عمر أو عثمان أو يزيد أو الحجاج أو أيّ اسم آخر بما هو اسم، وإن كان على طرفي نقيض مع عمر بن الخطّاب،وعثمان بن عفان، ويزيد بن معاوية، فالإمام(علیه السلام)كان يعلم بأنّ ما جرى عليه

وما سيجري على شيعته إنّما هو نتيجة طبيعية لسياسة الشيخين ومن لفّ لفّهما، قال القاضي أبو بكر بن قُرَيعة:

وأَريتُكُم أنّ الحسي***نَ أُصيبَ من يوم السقيفة(1)

*وكذلك تقف على اسم عمر في أصحاب الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(علیه السلام)، مثل : عمر (عمرو) بن أبي المقدام، وعمر بن جبلة، وعمر (عمرو) بن ثابت.

*وكذا يوجد هذا الاسم في أصحاب الإمام الباقر والرواة عنه مثل:عمر بن أبان،وعمر بن أبي شيبة،وعمر بن قيس الماصر، وعمر(عمرو)بن هلال،وعمر بن حنظلة،وعمر بن عبد اللّه الثقفي،وعمر(عمرو)بن معمر بن وشيكة،وعمر بن ثابت وغيرهم.

*وفي (الفائق في أصحاب الإمام الصادق) للحاج عبد الحسين الشبستري تقف على أسماء خمسة أشخاص سمّوا بأبي بكر، وهم: أبو بكر بن أبي سماك (أبي سمال) الأسدي، وأبو بكر بن عبد اللّه بن سعد الأشعري القمّي، وأبو بكر بن عيّاش الأسدي الكوفي(2)، وأبو بكر بن محمّد، وأبو بكر المرادي، وعلى أكثر من سبعين شخصاً قد سُمُّوا ب«عمر»، و 32 شخصاً

ص: 185


1- كشف الغمة للإربلي 2: 127 .
2- هذا من علماء ومحدّثي العامة الذين يثقون بهم، وكان له محبة وميل إلى أهل البيت.

سمّوا ب«عثمان»، و 18 شخصاً سموا ب«سفیان»،و 11 شخصاً سموا ب«معاوية»، و 39 شخصاً سموا ب«خالد»، و 16 شخصاً سموا ب«يزيد»، و 18 شخصاً سموا ب«الوليد»، و 7 أشخاص سمّوا ب«الضحاك» و «المغيرة».

*وذكر الشيخ الطوسي وغيره - في أصحاب أبي الحسن موسى بن جعفر - الذين سُمّوا بعمر، وهم: عمر بن يزيد بيّاع السابري، وعمر بن أذينة، وعمر بن رياح، وعمر بن محمّد بن يزيد الثقفي، وعمر بن حفص - ذكره النجاشي في ترجمة حفص بن غياث - وعمر بن محمّد الأسدي، وفيهم أيضاً : عثمان بن عيسى الرواسي، وفيهم أيضاً : يزيد بن سليط الزيدي، ويزيد بن خليفة، ويزيد بن الحسن ، و ( أبو بكر ) عيسى بن عبد اللّه بن سعد بن مالك الأشعري.

* وفي أصحاب الإمام الرضا تقف على من سُمُّوا بعمر وعثمان ومروان ومعاوية ويزيد، مثل: عمر بن زهير الجزري، وعمر بن فرات البغدادي - كان بواباً للرضا(علیه السلام)- وعمر بن فرات، وعمر الجعابي، وعثمان بن عيسى الكلابي، وعثمان بن رشيد،ومروان بن يحيى،ومعاوية بن يحيى، ومعاوية بن سعيد الكندي، ويزيد بن عمر بن بنت عثمان، وأبو يزيد المكي.

*وفي أصحاب الإمام الجواد يوجد اسم: معاوية بن حكيم.

*وفي أصحاب الإمام الهادي اسم:أبو بكر الفهفكي، وعمر بن توبة الصنعاني، وعثمان بن سعيد العمري، ومعاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار .

*وفي أصحاب الإمام العسكري اسم : يشبه اسم عمر بن أبي مسلم، وعثمان ابن سعيد العمري الزيّات، وعمر بن أبي مسلم .

ص: 186

فوجود هذه الأسماء بين أصحاب الأئمة يؤكّد بأن الأئمة(علیهم السلام)كانوا أسمى من أعدائهم، حيث انّهم(علیهم السلام)لم يتعاملوا مع الأشخاص على الهوية، ولم يكشّروا وجهاً بوجه من المسمى باسم مخالفهم، ولم يغضّوا سمعاً من

أسماء:عمر وأبي بكر وعثمان،إذ هم بعلمهم الربانيّ وعملهم الحكيم الإلهي لا يريدون أن يخرجوا عمّا اعتاد عليه الناس في التسميات، بدعوى أنّ فلاناً يخالفني ويعاديني.

بل الأكثر من ذلك تراهم لا يمنعون أتباع السلطة من أن يكنّوهم بأبي بكر، إذ حكى بعض أصحاب كتب التراجم والرجال بأنّ الأئمة: السجاد والرضا والهادي والحجة(علیهم السلام)كانوا يُكَنَّون من قِبَلِ أَهلِ المدينة وأهل الشام بهذه الكنى(1)، ولم نرهم(علیهم السلام)يمنعونهم منها .

وحتّى إنّ بعض أصحابهم - الذين لهم أصول عامية - كانوا يطلقون كنية أبي بكر عليهم، والأئمة كانوا يسكتون، فممّا جاء في هذا السياق قول أبي الصلت الهروي أنه قال: سألني المأمون عن مسألة، فقلت: قال فيها أبو بكر كذا وكذا.

قال:من هو أبو بكر:أبو بكرنا أو أبو بكر العامّة، قلت: أبو بكرنا ، قال عيسى : قلت لأبي الصلت:من أبو بكركم؟ فقال: عليّ بن موسى الرضا(2)، ووجود هذه الكنية للإمام الرضا وعدمه هو ما سنوضّحه في البحث الثاني من هذه الدراسة (الكني) إن شاء اللّه تعالى.

ص: 187


1- انظر ذلك في البحث الثاني في التكنية بأبي بكر آخر الكتاب.
2- مقاتل الطالبيين : 374 .

القرن الرابع الهجري :

ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه (نوابغ الرواة في رابعة المئات) ثلاثة أشخاص من علماء الشيعة - أو ممّن روى عنهم الشيعة - قد كنّوا بأبي بكر في هذا العهد وهم:

1 - أبو بكر الخوارزمي:محمّد بن العباس(1).

2 - أبو بكر الدوري:أحمد بن عبد اللّه بن جلين.

3 - أبو بكر بن همام:محمّد بن همام بن سهيل(2).

وفي حرف الباء يوجد اسم بكر بن أحمد بن مخلّد من مشايخ الطوسي والنجاشي؛ ذكره ابن النّجار في(ذيل تاريخ بغداد) كما نقله تلميذه ابن طاوس في كتاب(الأمان من أخطار الأسفار والأزمان).

وبكر بن علي بن محمّد بن الفضل الحاكم الحنفي الشاشي من مشايخ الصدوق، قال آغا بزرك: (إنّما ذكرته ليعلم أنّ الصدوق يتعرّض لمذهب شيخه لو كان من العامّة )(3).

وفي حرف (العين) قال آغا بزرك : عمر بن أحمد بن حمدان القشيري في طبقة عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفّى 332 من مشايخ الصدوق.

ص: 188


1- أعيان الشيعة 9 : 377 ت 837 ، الطليعة من شعراء الشيعة 2: 248 / ت 270، معجم البلدان 1 : 57 ، قاموس الرجال للتستري : 348 /ت 6865 .
2- طبقات أعلام الشيعة (القرن الرابع): صفحة 10.
3- طبقات أعلام الشيعة (القرن الرابع): صفحة 66.

وعمر بن سهل الدينوري من مشايخ الصدوق في(الأمالي).

وعمر بن أبي عسلان الثقفي من مشايخ الصدوق كما في (الأمالي).

وعمر بن الفضل المطيري الراوي عن محمّد بن الحسن الفرغاني ( حديث تنصيص زيد الشهيد بالاثني عشر) ويرويه عنه التلعكبري المتوفى 385 كما في (كفاية الأثر).

وعمر بن الفضل الورّاق الطبري الذي روى عنه أبو غالب الزراري - المتوفى 368 - بعض خطب أمير المؤمنين في رسالته.

عمر بن محمّد بن سالم بن البراء المعروف بابن الجعابي، ترجمه في الفهرست وذكر أنه يروي عن المفيد.

و عمر بن محمّد بن علي المعروف بابن الزيّات الصيرفي، يروي عنه المفيد في (الإرشاد)، وهو يروي عن ابن أبي الثلج المتوفّى 325، ويروي عنه المفيد في الأمالي كثيراً.

وعثمان بن أحمد،أبو عمرو الدّقّاق من مشايخ المفيد المتوفّى 413 .

وعثمان بن أحمد الواسطي من مشايخ النجاشي، فالواسطي والدعلجي والتلعكبري في طبقة واحدة أدركهم النجاشي.

وعثمان بن جني النحوي الشهير المتوفّى 392 كان من خواصّ تلاميذ أبي علي الفارسي النحوي، وقرأ عليه الشريفان الرضي والمرتضى.

إذن أسماء الثلاثة موجودة عند الشيعة في هذا القرن، وهو ما يفنّد مزاعم ابن تيمية وغيره القائلين بأنّ الشيعة هجروا هذه الأسماء في العصور الأولى.

ص: 189

القرن الخامس الهجري:

لم أقف على اسم أبي بكر، وبكر في كتاب(النابس في القرن الخامس) للشيخ آغا بزرك الطهراني، بل وقفت على اسم واحد قد سُمّي بعمر، وهو: عمر بن محمّد بن عمر بن يحيى من أحفاد زيد الشهيد، وثلاثة أشخاص سُمّوا بعثمان هم:

1 - عثمان بن أحمد الواسطي من مشايخ النجاشي (وهو نفس الذي تقدّم اسمه في القرن الرابع الهجري).

2 - عثمان بن إسماعيل بن أحمد المكنّى بأبي بكر، قال آغا بزرك: (أقول: ظاهر الاسم والكنية أنّ المترجَم له عاميّ، إلا أنّ القراءة عليه مبعّدة له، ثمّ إنّ في أوّل (مهج الدعوات) نقل أحرازاً عن كتاب (منية الداعي).

3 - عثمان بن حاتم بن المنتاب التغلبي،من مشايخ النجاشي (372 - 450) ، قال النجاشي في ترجمة سعدان بن مسلم ما لفظه : فقال أستاذنا عثمان بن حاتم بن منتاب التغلبي.

وأنت ترى أنّ أسماء الثلاثة أخذت تقلّ منذ هذا القرن عند الشيعة، شيئاً فشيئاً، وذلك لما فعلته الحكومات السنيّة بهم في العصور السابقة، ولوقوفهم على روايات أهل البيت في كتب المحمّدين الثلاث - الكليني، الصدوق، الطوسي - في ظلامات الظالمين للعترة، وما سيجري عليهم لاحقاً من مصائب وفتن في عهد السفياني، وقتل من يسمى بعلي ومحمد والحسن والحسين وفاطمة في آخر الزمان.

ص: 190

القرن السادس الهجري:

إساءة المفتي السلجوقي للصديقة البتول(علیها السلام):

ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني في (الثقات العيون في سادس القرون) ثلاث أسماء قد سموا بعمر وهم :

عمر بن إبراهيم الخيامي النيشابوري(1)، صاحب«رباعيات الخيّام»المتوفّى 515 أو 517 أو 525 .

وعمر بن إبراهيم بن محمّد، من أحفاد الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد، ولد 442 وتوفي 539 ،ترجم له ياقوت في معجم الأدباء ونقل ، ولادته ووفاته عن تلميذه السمعاني وأنّه رأى له جزءً في الحديث مترجماً : (تصحيح الأذان بحيّ على خير العمل)، امتنع من قراءته عليه وقال: هذا لا يصلح لك، له طالب غيرك.

وعمر بن إسكندر، ذكره منتجب الدين بن بابويه .

ولم يذكر الشيخ آغا بزرك من اسمه:أبوبكر، أو بكر، أو عثمان فيما كتبه عن أعلام الشيعة في (القرن السادس الهجري).

وهنا نكتة يجب الإشارة إليها، وهي: إنّ التعصّب الطائفي قد طغى في هذه الفترة، وإنّ الصراعات احتدمت بين الطائفتين، وقد كان للدولة السلجوقية في العراق وإيران، ولِطَوامٌ صلاح الدين الأيوبي في مصر والشام،

ص: 191


1- لم يثبت تشيّعه لكنّا أتينا باسمه رعاية للأمانة العلميّة ودقّة لما أتى به الشيخ الطهراني.

الدور الأكبر في تشديد الخلاف والأزمة بين الطرفين، وقد كُتِبَتْ آنذاك مؤلّفات في نقد عقائد الشيعة،وبيدنا اليوم وثائق كثيرة موجودة عن ذلك العصر، بعضها باللغة العربية(1)والأخرى باللغة الفارسية أو اللغة التركية، أنقل لكم نصّاً واحداً منها، أورده عن كتاب قديم فارسي، أُلّف رداً على ما كُتب من قِبَل أتباع الحكومة السلجوقية ضدّ الشيعة، وهو يرتبط بموضوع الإمامة والولاية اسمه (النقض ) ، وقد كانت مسألة تطابق أسماء أولاد الأئمة مع أسماء الخلفاء من المسائل التي بحثت في ذلك الكتاب.

فكتاب «النقض» هو للقزويني الرازي - الذي أٌلِّف في حدود سنة 560 ه-وفي هذا الكتاب مقطع مهم يشير إلى مسألة تاريخية عقائدية حدثت في ذلك التاريخ ، وقد صارت حدّاً فاصلاً وفَيصلاً قاطعاً لترك الشيعة التسمية بأسماء الخلفاء في أواخر القرن الخامس الهجري وأوائل القرن السادس، ثمّ ازدادت هذه الحساسية شيئاً فشيئاً بين الشيعة والسنة إلى أن

انعدمت التسمية بعمر في أواخر القرن الثامن الهجري عند الشيعة، حتّى صار هذا الاسم غير مألوف عند أولادهم، لأنّهم أحسّوا بالإجحاف وعدم المبالاة والسطو عليهم من قبل الحكّام،في حين أنّ الشيعة كانوا قبل هذا التاريخ يريدون العيش المشترك بينهم وبين الجمهور جادين في التأكيد على المشتركات ودرء بعض الخلافات،لكنّ الآخرين كانوا يستغلّون هذا اللين وهذه السماحة منهم ويعتبرونها ضعفاً، وهذا دعاهم إلى أن يتركوا التسمية بأسماء الثلاثة في العصور اللّاحقة لأنّ ظلم ابن أبي سفيان، والحجاج، والعباسيين،

ص: 192


1- منها كتب ابن تيمية.

والسلجوقيين، وصلاح الدين الأيوبي لم تنتهي حتّى أعقبتها فتاوى لعلمائهم تمس رموزهم وخصوصاً بنت الرسول السيدة فاطمة الزهراء، وأنا أذكر النص بعينة لترى فيه الظلامة والإجحاف من الطرف الآخر بحقّ بضعة الرسول الزهراء البتول، وأراه كافياً لتصوير ظلم الحكّام ومساسهم بالمقدّسات والقيم، وهو نصّ مترجَم من اللغة الفارسية القديمة إلى العربية:

قال عبد الجليل القزويني الرازي الشيعي صاحب كتاب «النقض» مجيباً دعاوی صاحب كتاب«بعض فضائح الروافض» إذ قال فيه:

«... ونقول في جواب ما ادّعيتموه من أنكم(1)تسمّون أبناءكم بالحسن والحسين، والشيعة لا تسمي بأبي بكر وعمر، فهو كذب محض وبهتان لا أصل له، فكثير من الشيعة يسمّون أولادهم بأبي بكر وعمر وعثمان، وخصوصاً في العراق وخوزستان . والأهمّ من ذلك نرى اسم يزيد ومعاوية بين الرواة عن أئمة أهل البيت مثل : يزيد الجعفي ومعاوية بن عمار وغيرهما.

وفوق كلّ ذلك قد سمّى الإمام أمير المؤمنين أولاده بأبي بكر وعثمان،وهما اللَّذان قُتِلا مع أخيهما الحسين بالطّفٌ، ولعمر بن علي أولاد وذرّيّة كثيرة.

أمّا سبب كثرة اسم الحسين، ومحمّد، وعلي، والحسن، وموسى، وجعفر، ومهدي، وحيدر، وأبو طالب، وحمزة وأمثالها عند الشيعة فهو أمر طبيعي،

ص: 193


1- إشارة إلى قول العامة وأنهم يسمون باسم الحسن والحسين والشيعة لا تسمي بأبي بكر وعمر.

لأنّ الإنسان يحقّ له أن يأكل ويشرب ممّا يحبّه، وبما أنّ التسمية من الأُمور المباحة فلكلّ إنسان أن يسمّي بما يحبّ ويترك ما لا يحبّ، فلو كان لشخص زوجتان مثلاً، إحداهما تحبّ الحلوى والأخرى السكباج، فلا يحقّ لمن تحبّ الحلوى أن تعترض على الأخرى بقولها: لماذا لا تحبين الحلوى، والعكس بالعكس، وذلك لاختلاف الطبائع ، فلو قالها شخص لضحك عليه الناس، فهو يشبه حال بعض الناس اليوم من الذين يحبّون ملك اليمين ولا يحبون الزواج.

وعليه فالتسمية من الأُمور المباحة التي تخضع لمتطّلبات النفس، وليس فيها إلزامٌ وتعبُّدٌ، إلا اسم محمّد وعلي والحسن والحسين ؛ حيث ورد فيه النص في أنّ التسمية بها من السُّنَّة، فلو سمّى الشيعي ابنه بهذه الأسماء وباسم حمزة وجعفر وعقيل وحيدر وموسى ومهدي فقد عمل بالسنة، وسَمَّى بالأسماء المحبوبة عند أئمّة أهل البيت،فلا يحقّ للمشبّهة والمجبّرة أن يعترضوا على الشيعي لتسمية أولادهم بهذه التسميات، ومثال الشيعة هو مثال غيرهم من أتباع المذاهب، فالأحناف يسمّون باسم إمامهم فلا يحقّ للشخص الشافعي الاعتراض عليهم بدعوى أن التسمية بأبي حنفية أو التسمية بالنعمان هو مساس بالشافعي ، وهكذا العكس فلا يجوز للحنفي يعترض أن على الشافعي لو سمى باسم إمامه - أو من يحب - .

إذن اختيار اسم علي والحسن والحسين ليس لها الدلالة على العداوة مع أبي بكر وعمر وعثمان، ولا غبار عند الجميع بأنّ الشيعة تحبّ هؤلاء الأئمة أكثر من أبي بكر وعمر وعثمان ، لكنّ هذا لا يدعوهم لسبّهم ...

كما أنّا لا ننكر بأنّ التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان في الريّ وقم

ص: 194

وقاسان(1)هي أقلّ من غيرها من المحافظات في إيران، ولهذه القلّة سبب يعلمه مصنّف كتاب (بعض فضائح الروافض)، لكنّ بغضه لأمير المؤمنين يجعله يتجاهل هذا الأمر، والحادثة هي:

إنّ أحد وعّاظ السلاطين [ في أواخر عهد ملكشاه السلجوقي (المتوفى 485 ه) وأوائل عهد ابنه بركيارق(الذي ولد 471 وتوفي سنة 498)] أفتى بأمر تقشعرّ له الأبدان، وهو أنه كان لفاطمة الزهراء عليها السلام عيبٌ وعلّة لا يمكن معها إلا أن تُزَوَّجَ لابن عمِّها -( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِباً)(2).

نعم، إنَّ العلّة والعيب هو عصمتها وعدم وجود كُفو لها إلا ابن عمّها، لأنّ المعصومة لا يتزوّجها إلا المعصوم.

وأضاف هذا المفتى السنّي بأنّ الروافض تسمّي أبناءَها بأبي بكر وعمر وعثمان بغضاً للصحابة(3)،وتنسب إليهم الكفر والإلحاد والولادة من الزنا، كلّ ذلك كي يمكنهم سبّ الصحابه، بدعوى أنهم يسبّون أولادهم، في حين أنّ مقصودهم الخلفاء الثلاثة، وهنا ثارت ثائرة الشيعة فجاؤوا الى علمائهم، مثل عليّ بن محمّد الرازي - والد أبي الفتوح الرازي المتوفّى 535 ه(4)-

ص: 195


1- يعني كاشان.
2- الكهف 5 .
3- هذه الدعوى تشبه دعوى معاوية ضد الإمام علي والتي ذكرناها في أوّل (السير التاريخي للمسألة).
4- هذا ما استظهرناه. انظر إيضاح المكنون 1 : 585 والذريعة 4: 126 وأعيان الشيعة 125:6.

والشيخ أبي المعالي سعد بن الحسن بن الحسين بن بابويه(1)، وشمس الإسلام الحسن بن الحسين بن بابويه القمّي نزيل الرّيّ المدعو«حسكا»(2)- جد الشيخ منتجب الدين صاحب الفهرست - كان حياً سنة 510 ه، وأبي طالب:إسحاق بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن بابويه القمّي(3)-من مشاهير تلامذة الشيخ الطوسي-، والسيد محمّد بن الحسين الكيسكي(4)، والسيد رضي الدين مانكديم بن إسماعيل بن عقيل من أحفاد الحسين الأصغر بن علي بن الحسين(5)، وطلبوا منهم حلاًّ لمِا يمرّون به من أزمة نفسية وروحية، فمن جهة يسمّون بتلك الأسماء تبعاً لتسمية الإمام علي، ومن جهة أخرى يواجهون مثل هذا الاتّهام من قبل العامة، فقال لهم بعض أولئك الأعلام :

اتركوا التسمية بأسماء الثلاثة حتّى لا يشنّعوا عليكم هذا الأمر؛ لأنّ

ص: 196


1- الفهرست لمنتجب الدين: 69 ت 187 ،طرائف المقال للسيد علي البروجردي 1: 127 ت 556 ، مرآة الكتب للتبريزي: 273.
2- فهرست منتجب الدين: 46 ت 72 ،أمل الآمل 2: 64 ت 171 ، أعيان الشيعة 624:4.
3- فهرست منتجب الدين : 33 ت 4 ، مرآة الكتب: 338 - 339 أعيان الشيعة 3: 279 ،أمل الآمل 2: 32 ت 85، معجم رجال الحديث 3 :232 ت 1180، مستدرکات علم رجال الحديث للنمازي 1: 580 .
4- فهرست منتجب الدين: 44 ت 63 أمل الآمل 2: 45 ت 677، ، معجم رجال الحديث 4 : 281 - 282 ت 1915 ، الذريعة 7: 185، 24: 210 .
5- فهرست منتجب الدين: 102 ت 362 ،امل الآمل 2: 226 - 227 ت 677 ، معجم رجال الحديث15 : 180 ت 9848.

هؤلاء أبعدوا المرمى وتجاوزوا الحدّ، وبذلك تركت التسمية بأسماء الثلاثة، ويعود وِزْرُ ترك هذا العمل إلى فتوى ذلك العالم السنّيّ المتعصّب الذي افترى كذباً على شيعة آل محمّد .

ومن المؤسف أنّ مصنّف كتاب « بعض فضائح الروافض » يعلم خلفية هذه الأمور ، ومع ذلك يشنّع على الشيعة لتركهم هذه الأسامي فكان الأحرى به أن لا يتّهمهم ، حتّى لا يكون مأثوماً كغيره من المفترين»(1)انتهى كلام عبد الجليل القزويني الرازي.

وهذا النصّ يفسِّر لنا تماماً الحرب الأسمائية الشعواء التي كان يقودها الحكّام وأتباعهم ضدّ أهل البيت وشيعتهم، واستمرارها إلى القرن السادس الهجري، وهذه الحرب صار وَبالاً عليهم في نهاية المطاف، فانقرضت - أو كادت أن تنقرض - أسماء خلفائهم الثلاثة في العصور اللاحقة من قاموس الشيعة.

القرن السابع الهجري :

قال الشيخ آغا بزرك في(الأنوار الساطعة في المائة السابعة) في حرف (العين):

عمر بن الحسن بن خاقان، تلميذ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد

ص: 197


1- النقض، للقزويني الرازي: 402 - 405 ، وأيضا ذكر الدكتور السيد جلال الدين المحدث الأرموي هذا الأمر عن كتاب (النقض ) في ترجمته لكتاب الفهرست لمنتجب الدين: 416 ت 362 هامش ترجمة رضي الدين مانكديم فراجع.

الحلي، قرأ عليه المبسوط وأجاز له سنة 674 ، حكاه في البحار عن مجموعة الجبعي عن خطّ الشهيد .

وعمر بن الحسن بن علي بن محمّد الكلبي، ترجمه ابن خلّكان وقال: كانت أمّه بنت ابن بسّام من أولاد جعفر بن علي (الهادي)بن محمّد(الجواد)بن علي(الرضا)بن موسى بن جعفر،وكان يكتب عن نفسه:ذو النسبين،ويقصد به دحية والحسين.

وعمر بن صالح من العلماء المجازين عن ابن طاوس في سنة 658 .

وعمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل المصريّ المولد،من أكابر الصوفية، والمعروف بابن الفارض(1)،ولد في 4 ذي القعدة 576 بالقاهرة، وتوفّي بها في 632 .

ولم يذكر الشيخ آغا بزرك من سُمّي بأبي بكر أو بكر أو عثمان في حرفي (الباء) و (العين).

القرن الثامن الهجري:

أقف في كتاب (الحقائق الراهنة في المائة الثامنة) للشيخ آغا بزرك الطهراني على من سُمّي بأبي بكر، أو بكر، أو عمر، أو عثمان، إلا على وجود كنية أبي بكر لبعض المسمّين بأسماء خاصة.

وعليه فالتكنّى بأبي بكر كان موجوداً لا غير.

ص: 198


1- لم أسمع أنّه شيعي إماميّ، وإن ذكره الأمين في أعيانه 2: 275 ت 823 دون بیان شرح حاله، وقال عنه القمّي في الكنى والألقاب 1 : 274 صرّح جمع بتشيّعه ونسبوا إليه هذه الأشعار وأظنّها للناشئ الأصغر: بآل محمّد عُرِف الصواب....

القرن التاسع الهجري :

لم يذكر الشيخ آغا بزرك في كتابه (الضياء اللامع في القرن التاسع)من سُمِّي بأبي بكر، أو بكر، أو عمر، أو عثمان، إلا وجود توقيع على وقفية البقعة الحسينية الواقعة في محلة شهشهان بإصبهان في حدود سنة 886 (حرّره أبو بكر بن أحمد بن مسعود الطهراني)لا نعلم أنه كان شيعياً، أم مستبصراً، أم سنياً.

القرن العاشر إلى الثالث عشر الهجري :

لم أقف في (إحياء الدائر من القرن العاشر ) و (الروضة النضرة في علماء المائة الحادية عشرة)و(الكواكب المنثرة في القرن الثاني بعد العشرة)و (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة)للشيخ آغا بزرك الطهراني، لم أقف على من سُمِّي بأبي بكر ، أو بكر، أو عمر، أو عثمان، وهذا يؤكد ما قلناه بأنّ التسمية بأسماء الثلاثة أخذ يقل شيئاً فشيئاً حتى انعدمت في العصور المتأخرة.

***

وتلخّص من كلّ ما سبق أُمور:

1 - إنّ عمر بن الخطاب طلب من الإمام علي أن يسمّي ابنه بعمر، وأهدى غلامه موركاً للطفل، في حين أنّ الإمام عليّاً (علیه السلام)لم يفعل ذلك مع من أسمّاه مثل علي بن عبداللّه بن عباس.

2 - استغلال الآخرين هذه التسمية لإحراج الإمام علي، لكنّ الإمام تجاوز هذه المشكلة عند ولادة ابنه الثالث من أم البنين فسمّاه بعثمان مؤكّداً بأن

ص: 199

هذه التسمية جاءت لمكانه أخيه عثمان بن مظعون عنده، لا لعثمان بن عفان ؛ قالها دَرْءًا لتلك التُّهَم، أي أنه عرّض بالآخرين كناية.

3 - تسمية عائشة غلامها بعبدالرحمن بن ملجم بعد مقتل الإمام علي، وفي المقابل عدم رغبتها في أن تسمّي الإمام باسمه الشريف في بعض الروايات مكتفية بقولها(ورجل آخر).

4 - اتّهام معاوية الإمام بأنه إنّما سَمَّى أولاده بأسماء الثلاثه كي يبرر نفسه لو ترحَّم عليهم، و إذا سئل قال: أعني بذلك بَنِيَّ.

5 - تأكيد الإمام الحسين على تسمية أولاده بعلي رغم قول مروان بن الحكم - وإلي معاوية على المدينة - لعليّ بن الحسين: «ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلا سماه علياً ؟! حيث قال الإمام(علیه السلام): ويلي على ابن الزرقاء

دبَّاغَة الأَدَم، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمىّ أحداً منهم إلا علياً.

6 - إن قبول الإمام علي بتسمية أو تكنية الآخرين لابنيه بأبي بكر وعمر رجا فيه فوائد كثيرة ، منها : سحب البساط من تحت رجل معاوية الذي يريد الاحتماء بالشيخين وعثمان.

7- بدء النهج الأموي في المضادة مع اسم علي وكنية أبي تراب وقتل من سُمّي أو كني بهما وحذف اسمه من الديوان بل حذف اسم كل شيعي.

8 - اتّباع معاوية وابنه يزيد سياسة عمر بن الخطاب في التسميات فكانوا يعطون هدايا لمن يسمي باسمهما، فجاء عن معاوية أنه قال لعبداللّه بن جعفر سَمٌ ولدك باسمي ولك خمسمائة ألف درهم، اشتر بها لِسَمِيِّي ضيعة، وهكذا فعل يزيد بمعاوية بن عبد اللّه بن جعفر إذ طلب منه أن يسمي ابنه يزيد.

ص: 200

9 - لمّا رأى أهل البيت مضادّة النهج الحاكم مع اسم علي ونهجه، والدعوة إلى التسمية بأسماء خلفائهم - في حين أنّ التسمية بأسماء أهل البيت كانت محبوبة عند رب العالمين ومشتقة من اسمه جل وعلا، وهي من أحسن الأسماء - تركوا التسمية بأسماء الثلاثة من بعد الإمام زين العابدين.

10 - تقعيد الأئمة قواعد عامة في التسميات دون التعريض بأسماء الأشخاص، منها أنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي يا محمّد يا علي ذاب كما يذوب الرصاص، حتى إذا سمع منادياً ينادي باسمِ عدوٍّ من أعدائنا اهتز وصال .

وقولهم في نص آخر:وما الدين إلا الحب والبغض.

11 - إنّ الإمامين الباقر والصادق أكّدا على محبوبية التسمية بعلى ومحمد والحسن والحسين، كما أنّ الإمام الكاظم نهى من التسمية بحميراء مع انه سمى بعائشة.

12 - وجود اسم علي عند غالب الأئمة، فقد مر عليك كلام الإمام الحسين قبل قليل، كما أنّه كان بين أولاد الإمام السجاد المعقبين من اسمه علي الأصغر.

وكذا كان اسم أحد أبناء أخيه (الحسن الأصغر) هو علي.

وأيضاً أحد أبناء أخيه الأخر(زيد الشهيد)اسمه الحسين ذي الدمعة، وابنه كان اسمه علي.

وأحد أبناء الإمام الصادق علي العريضي.

ولعمر بن علي بن الحسين ابن واحد أعقبه اسمه علي.

ص: 201

وقد خلف الإمام الكاظم ابنه علي بن موسى

وللإمام الرضا محمّد الجواد، وللأخير الإمام علي الهادي(علیه السلام).

وعليه فإنّ اسم عليّ محبوب عند اللّه ورسوله وأهل البيت خصوصاً بعد وقوفنا على أهداف الآخرين وإصرارهم على طمسه .

13 - هَجْرُ بني هاشم لعبد اللّه بن جعفر لأنه سمى ابنه باسم معاوية.

14 - انتشار سياسة الخوف من التسمية بعليّ،حتى أنّ علي بن رياح قال : لا تسمّوني علياً فأنا عُلَي، وقال الآخر : عقّني والدي حيث سمّاني عليّاً، وعن الحسن البصري أنّه قال : لو قلت عن أبي زينب عن رسول اللّه، أعني علياً.

15 - الواقف على سياسة معاوية والأمويين يعلم بأنهم كانوا يريدون إبادة بني هاشم، فجاء عن علي(علیه السلام)قوله : واللّه لَوَدَّ معاوية أنّه ما بقي من بني هاشم نافح ضرمة إلا طعن في نيطِهِ إخفاءً لنور اللّه ﴿ وَيَأْبَى اللّهُ إلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، والأئمة كانوا يريدون أن يبقوا اسم علي ونهجه قائماً رغم كل الإرهاصات.

16 - شيوع ظاهرة التسمية بخالد والوليد ومعاوية، والخوف من التسمية بعلي والحسن والحسين في العصر الأموي والعباسي، أي أنّهم رسموا البديل في التسميات.

17- تغيير الأمويين والعباسيين للمفاهيم والأسماء، بل سعى العباسيون لمنح أنفسهم ألقاب أهل البيت مثل (الهادي) و(المهدي) و(القائم) و (المهتدي)، والإمام الباقر نهى عن تسمية وتلقيب أعدائهم بالقابهم إلا عند

ص: 202

الضرورة.

18 - عدم حساسية الشيعة في العصور السابقة مع أسماء الثلاثة، بل إنّهم كانوا يسمّون بهذه الأسماء على عهد الأئمة ثم من بعدهم، إذ يوجد هناك كثير من رواة الشيعة ومشايح الإجازة قد سموا بأبي بكر وعمر وعثمان، لكنّ وعّاظ السلاطين والحكّام الظلمة - بأفعالهم - شوهوا هذه الأسماء عند الشيعه،غير منكرين بأنّ الشيعة قد وقفوا على أعمال الخلفاء المشينة بمرور التاريخ.

19- لا يجوز تحميل الحكومات الشيعية مثل الصفوية مسؤولية ترك التسمية بعمر وأبي بكر وعثمان، بل إنّها كانت نتيجة طبيعية لما فعله الآخرون بالشيعة، لأن قضية التسميات لا تحدث فجأة بل حدثت نتيجة للصراعات الدامية بين الطرفين، ولعدم الثقة المتبادلة بينهم وبين الشيعة، حتّى قبل أن يعرفَ التاريخُ الصفويين وقبل أن يولد جدّهم «صفي الدين».

***

والآن بعد هذه المسيرة الطويلة الشاقّة ندخل إلى صلب الموضوع لنرى:هل حقّاً أنّ هذه الأسماء كانت لأبناء المعصومين؟ أم أنّها تحريفات وتصحيفات المتأخّرين ؟ وهل أنّ هذه الظاهرة هي ظاهرة بارزة في أسمائهم كظهور اسم: محمّد، وأحمد ،وعلي،والحسن،والحسين، وجعفر، و إبراهيم، أم أنّها أسماء نادرة وضعت تحت ظروف خاصّة وليس لها دلالة على شيوع هذه الأسماء عندهم حتّى يقال بأنّها دليل على الصداقة والمحبة بين الآل والخلفاء؟

ص: 203

وكذا الحال بالنسبة إلى التكنية بأبي بكر ، فهل أنّها كانت رائجة عندهم، أم أنّ هذه الكنية وضعها الآخرون لهم؟

التسميات عند الطالبيين بين النظرية والتطبيق :

«التسميات عند الطالبيين بين النظرية والتطبيق »عنوان كبير، يحتاج إلى عدة مجلدات لبيانه، لأنّه يرتبط بعلم الأنساب واختلاف أقوال النسابة في المسمين، وهو بحث استقرائي وثائقي وقد بحثناه إجمالا في كتابنا التسميات ذاكرين أسماء ولد الإمام علي(علیه السلام)في الطبقات الثلاث الأُولى معتمدين على كتاب«عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب» لكونه أشهر كتب المتأخرين في أنساب الطالبيين.

كما كانت لنا وقفة عند زوجات الإمام علي وأمهات أولاده، لكي نعرف تاريخ الزواج من هؤلاء النسوة، ومن خلاله نتعرف على المتقدم والمتأخر من الأولاد، ومدى صحة ما قالوه عن الإمام علي، وأنه وضع أسماء ولده بترتيب الخلفاء الثلاثة حباً بهم أم لا؟ وإليك الآن خلاصة ما قدمناه هناك.

أولاد الإمام علي(علیه السلام):

1 - فاطمة الزهراء(علیها السلام):

لها من الولد ثلاث،ومن البنات اثنتان:

1 - الإمام الحسن المجتبى السبط(علیه السلام): المكنّى بأبي محمد.

2 - الإمام الحسين الشهيد السبط(علیه السلام): المكنّى بأبي عبد اللّه .

3 - زينب الكبرى : عقيلة بني هاشم.

ص: 204

4 - أُمّ كلثوم: المسمّاة رقيّة(1).

5- المحسن: وهو الذي قُتِل - أو أُسقط - في الهجوم على بيت الزهراء(علیها السلام).

2 - خولة بنت قيس الحنفية :

لها من الولد:

6 - محمّد [ الأكبر]بن الحنفيّة: المكنّى بأبي القاسم.

7 - محمّد الأصغر.

8- أُمّ الحسن.

9 - رملة(2).

3 - الصهباء التغلبيّة المكناة بأُمّ حبيب:

ولدت لعلي(علیه السلام)تَوأماً هما :

10 - عمر الأطرف(3): المكنّى بأبي القاسم، وقيل: بأبي حفص .

11 - رقيّة : وقد تزوّجها مسلم بن عقيل(4).

ص: 205


1- حكى صاحب المجدي : 199 ذلك عن النسّابة العمري الموضح الكوفي.
2- المجدي: 193 .
3- وقد مرّ وجه تسميته وأنّه كان بطلب من عمر، في صفحة 9 و 93.
4- المجدي: 197، 200. وفيه بأنّ له ولداً آخر منها اسمه: العباس الأصغر، ولم يثبت وهذا ما نوضّحه لاحقاً - عند الكلام عن زوجاته في صفحة 379 - وإنّ هذا هو من زيادات شيخ الشرف ولم يوافقه عليه أحد.

4 - أُمّ البنين الكلابيّة:

لها من الأولاد:

12 - العبّاس: ويُكنّى بأبي الفضل، ويُلقّب بالسَّقّاء وب«أبي قِرْبَة»، استشهد مع أخيه الحسين(علیه السلام)وله أربع وثلاثون سنة.

13 - عبداللّه الأكبر:ويُكنّى بأبي محمّد، استشهد بالطف وهو ابن خمس وعشرين سنة، لا عقب له.

14 - عثمان : يكنّى بأبي عمرو، استشهد مع أخيه الحسين(علیه السلام)بالطفّ وهو ابن واحد وعشرين سنة، لا عقب له.

15 - جعفر : يُكنّى أبا عبداللّه، قُتِل مع أخيه الحسين(علیه السلام)، لا عقب له.

5- ليلى النهشليّة الدارميّة التميميّة :

ولدت لعليّ(علیه السلام)ابنين، هما:

16-عبيد اللّه: (أبو علي) كان مع أخواله بني تميم بالبصرة، حتّى حضر وقائع المختار فأصابته جراح وهو مع مصعب، فمات وقبره مشهور بالمَذار(1).

17-عبداللّه:وهو المكنّى بأبي بكر، وقيل بأنّ المكنّى بأبي بكر اسمه محمّد(2)،وقیل:عبدالرحمن(3)؛وقيل أنّ اسمه عتيق وهو قول ضعيف،

ص: 206


1- تاریخ الطبری 118:4،الطبقات الکبری 19:3،الکامل فی التاریخ 397:3.
2- الارشاد 354:1.
3- حكي ذلك عن الحافظ المقريزي.

سنذكره لاحقاً،استشهد مع أخيه الحسين(علیه السلام)، لا عقب له.

وممّا أحتمله هنا وجمعاً بين الأقوال هو:إنّ اسم محمّد كان من وضع أبيه الإمام عليّ أمير المؤمنين.

أما اسم عبداللّه أو عبدالرحمن فهو الموضوع من قبل أمّه وأخواله، وذلك لأنّه كان من السنة تسمية الطفل بمحمّد إلى سبعة أيّام، والإمام أولى من غيره بتطبيق هذه السنة على ابنه، ويتأكد احتمالنا هو وقوع السلام عليه باسم محمّد في الزيارة الرجبية :«السلام على محمّد بن أمير المؤمنين».

فبهذه القرائن يمكننا أن نرجّح أن يكون ابن ليلى النهشلية اسمه محمّداً عند الإمام عليّ، أما الاسم الثاني : عبد اللّه أو عبدالرحمن فهو الموضوع من قبل أمّه أو جدّه الأمى أو أخواله، وأنّ اشتهار هذا الوالد باسم أو كنية أبي بكر يعود إلى أنّ أُمه أو عائلة أُمه كانوا من أتباع الآخرين أو أنّ كتابة التاريخ كتبت بريشة الحكّام ولأجله سموه بأبي بكر، وعليه فالاسم هو لشخص واحد لا لشخصين أو ثلاث.

6 - أسماء بنت عميس:

لها من الولد:

18 - يحيى.

19 - عون(1)، وقد نُسب إليها ابن آخر وهو غير صحيح(2).

ص: 207


1- الطبقات الكبرى 3: 20 وقال الواقدي: ولدت له يحيى وعوناً فأما محمّد الأصغر فمن أمّ ولد. البداية والنهاية7 : 332 .
2- وهو محمّد الأصغر وقيل قتل هذا مع أخيه الحسين في كربلاء، انظر تاريخ الطبري 3: 162 وعنه في الكامل في التاريخ 3: 262 البداية والنهاية 7: 332. وفي الشرح الكبير لابن قدامة 11 : 139 (إنّ لأسماء ابنَيْن سُمِّيا بمحمّد أحدهما ابن لجعفر بن أبي طالب والآخر ابن لأبي بكر). ولم يذكر ابناً لها من عليّ اسمه محمّد.

ولا يخفى عليك بأنّ بعض النسّابة أضافوا ابناً آخر للإمام علي(علیه السلام)من أٌمامة بنت أبي العاص،اسمه محمّد الأوسط، ولم يثبت.

وقيل بأنّ له ابناً آخر من غير هذه النسوة، من أُمّ ولد اسمه: محمّد الأصغر(1). وجاء في زيادة شيخ الشرف(رحمةاللّه)في الذكور أسماء عدة من الأولاد الذكور هم:عبدالرحمن،عمر الأصغر، عثمان الأصغر، عون، جعفر الأصغر، محسن(2).

وباعتقادي أنّ زيادات شيخ الشرف هنا مختصّة به، وذلك لعدم موافقة الآخرين له ؛ لأنّه لو وافقه الآخرون لما سمّيت بزيادة. نعم إنّ اسم عبدالرحمن وعون موجودان ضمن الأسماء المتّفق عليها، لكنّ الأسماء الأُخرى لا يوافقه عليها الآخرون، فهناك قول بأن لأمّ البنين ابناً اسمه محمّد الأصغر ولم يثبت، وقيل بأن لأسماء بنت عميس ابناً باسم محمّد الأصغر.

وهذه الاقوال تشير إلى وجود عدّة أولاد لعلي بن أبي طالب قد سمّوا بمحمد، وهكذا وجود أسماء أخرى في ولد علي لا يتّفق عليها النّسابة والمؤرّخون، تركنا الإشارة إليها مكتفين بما اتّفق عليه النسّابة فقط .

ص: 208


1- مقاتل الطالبيين : 56 ، وفي الطبقات الكبرى 3: 20 ومحمّد الأصغر بن علي قتل مع الحسين(علیه السلام)وأُمه أم ولد، وعن الكاتب البغدادي: اسمها أُم زيد (تاريخ الأئمة: 17).
2- المجدي: 193 .

قال العمري في(المجدی):وجدت بخطّ شيخ الشرف: قال محمّد بن محمّد - يعني نفسه -:مات من جملة أولاد أمير المؤمنين(علیه السلام)من الذكور - وعدّتهم تسعة عشر ذكراً - في حياته: ستّة نفر، وورثه منهم : ثلاثة عشر نفساً،

وقُتِل منهم في الطفّ : ستّة رضوان اللّه عليهم(1).

المعقبون من ولد علي :

اختلف النسّابة في عدد أولاد الإمام عليّ بعد الاتّفاق على أنّ ذكورهم أكثر من إناثهم.

فقالوا بأن أولاده تسعة وثلاثون(2) ، وقيل : خمسة وثلاثون(3)، وقيل:

ص: 209


1- المجدي: 193.
2- تهذیب الکمال 479:20،الوافی بالوفیات 185:21.قال صاحب المجدی :192 و فی نسخة لا أثق بها تسعة و ثلاثون.
3- ينابيع المودة 3: 147، عمدة الطالب: 63.

أربعة وثلاثون(1)،وقيل:ثلاثة وثلاثون(2)،وقيل : ثمانية وعشرون(3)،وقيل: سبعة وعشرون(4).

ومن جملة أسباب هذا الاختلاف هو اختلاط الألقاب والكنى بالأسماء، وكذا وجود عدّة أسماء للشخص الواحد.

ومن جملتها موت الشخص وهو صغير أو دون عقب أو دون دَوْر سياسي أو اجتماعي ملحوظ، مما يدعو بعضهم لذكره، في حين يغفله بعض آخر، هذا إلى أسباب أخرى ليس ها هنا محل ذكرها.

وكيفما كان فإليك الآن أسماءهم حسب ترتيب الزواج بالأمهات؛ سواء الحرائر أم أمهات الأولاد:

والمعقبون من ولد الإمام أمير المؤمنين على بن أبي طالب(علیه السلام)، هم:

1 - الحسن السبط :ويُسمّى أولاده بالسادة الحسنيّة

2 - الحسين الشهيد: ويسمّى أولاده بالسادة الحسينيّة

3 - محمّد بن الحنفيّة: ويسمّى أولاده بالحنفيّة

4 - عمر بن على:ويسمّى أولاده بالعمريّة

5 - العبّاس: ويسمّى أولاده بالعبّاسيّة

وقد فصلت في دراستي أسماء أولاد وأحفاد هؤلاء المعقبين من ولد الإمام إلى زمان ابن عنبة كي أتأكد هل بينهم من سمي بأبي بكر وعمر وعثمان أم لا؟وإنّي أنقل لكم هنا خلاصة ما قلته هناك وعلى الباحث الرجوع على أصل الكتاب.

1 - الإمام الحسن السبط:

قلنا بأنّ عقب الإمام الحسن بن علي انحصر في رجلين لا ثالث لهما:

ص: 210


1- الطبقات 20:3.
2- تاج المواليد للطبرسي: 18 ، تذكرة الخواص: 57 .
3- تاريخ المواليد : 18 الإرشاد 1 : 354 وفيه : على قول بعض الشيعة ومثله في أعلام الورى 1 :396.
4- الإرشاد1: 354 ، أعلام الورى 1: 396، كشف الغمة 2: 67، العمدة لابن البطريق : 29 ، المجدي: 192، بحار الأنوار 42: 74ح 1 عن العدد القوية: 242.

1- زيد بن الحسن .

2- الحسن بن الحسن السبط .

*فلم أقف في ولد زيد بن الحسن السبط وأحفاده السبعة على من سمي بأسماء الثلاثة واسم طلحة والزبير وعائشة، بل كان غالب أسمائهم أسماء الأنبياءوالطالبيين،مثل:إبراهيم،إسماعيل،إسحاق،يحيى،داود،هارون،أحمد،ومحمّد،وعلی، ومحمّد، وحمزة، وطاهر، والحسن، والحسين، وعبد الرحمن،وعبداللّه،وعبد العظيم،وناصر،ومهدي، وزيد، وجعفر، والعبّاس.

وأسماء النساء كانت من قبيل:نفيسة،ميمونة، أسماء، حمدانة، فاطمة، صفيّة،زينب،خديجة . وأمثالها، وليس بينها اسم عائشة.

*أمّا الابن الثاني المعقّب للإمام الحسن المجتبى السبط(علیه السلام)فهو الحسن المثنّى، والمعقّبون له، هم:

1 - عبداللّه المحض،يقال له : ديباجة بني هاشم

2 - إبراهيم الغمر (أبو إسماعيل)

3 - الحسن المثلّث (أبو علي)

4 - داود (أبو سليمان)

5- جعفر أبو الحسن .

فلم أقف بين أولاد وأحفاد الحسن المثنى من سمي بأبي بكر وعمر وعثمان إلا اسم واحد في ولد إدريس بن عبداللّه المحض بن الحسن المثنى، وهو عمر بن إدريس الثاني، فقد يكون إدريس الثاني سمى ابنه بعمر لظروف

ص: 211

كان يعيشها، ولكونه كان حاكماً على المغرب العربي آنذاك، فقد يكون سمى ابنه كي لا يستغل العباسيون عدم التسمية باسم عمر سلاحاً ضده، وهو ما كان يتخوف منه هو وأجداده:علي بن أبي طالب والحسن السبط من استغلاله.

وهناك ولد آخر في أبناء محمد البربري بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ، وبذلك تنحصر التسمية بعمر في أولاد الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)في شخصين لا ثالث لهما، أو ثلاثة لا رابع لهم إلى زمان ابن عنبة-أي إلى أواسط القرن التاسع الهجري - ولا يستبعد أن تكون هذه الأسماء أيضاً مصحفة من عمرو، لأنّ تنقيط الحروف والحركات جاءت متأخرة، فإنّ كتابة عُمر يشبه كتابة عمرو، وهذا ما نوضحه لاحقاً تحت عنوان إحتمال آخر.

مؤكّدين بأنّ التسميات لو كانت فهي لا تدل على المحبة إلا بنص، لأنّ الإنسان لا يعرف ضمائر الآخرين، وليس له أن يقوّل الناس ما لا يقولونه.

وحتى لو كانت هناك تسمية في الأزمنة المتأخرة وفي أولاد غير المعصومين فهي ليست بحجّة علينا لأنّهم أناس عادين ولا حجة لعملهم علينا، ومع ذلك فالأمانة العلميّة دعتنا إلى استقراء الأسماء في كل عمود من الطالبيين كي لا يرمنا أحد بالتحيّز إلى جهة أو كتمان الحقائق كما يقولون، وإليك الأسماء الثلاثة الموجودة في ولد الإمام الحسن المجتبى - بكلا عموديه زيد والحسن المثنى - إلى زمان ابن عِنَبَة (828ه)،هم:

1 - عمر = عمرو بن الحسن السبط المجتبى .

ص: 212

2 - عمر بن إدريس بن إدريس بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى .

3 - عمر بن أحمد بن علي بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن الطاوس بن الحسن بن محمّد البربري بن سليمان بن داود بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن عليّ بن أبي طالب.

وإني لا أستبعد استمرار هذه التسميات في ولد الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)بعد هذا التاريخ، وأنها لا تدل بنظري على شيء، وإن لم تكن في المشجّرات الموجودة عندي اليوم.

غير منكرين بأنّ السادة الحسنية كانت لهم ظروفهم الخاصّة، لأنهم كانوا على اتصال بأهل السنّة والجماعة،ومنهم من يحكم المغرب والأردن الآن، فلا أستبعد أن تكون أسماء الثلاثة موجودة عندهم لأيّ علّة كانت، لكنها ليست بحجّة علينا، لأنها تسميات وضعت في العصور المتأخرة، وليس فيها ولا نصّ واحد يصرّح بأنّ التسمية كانت لحبّ فلان أو فلان.

ولنقرر الموضوع بشكل آخر كي نؤكّد على إمكان وقوع تصحيف أو تحريف في اسم عمرو بن الحسن إلى عمر بن الحسن أو تبديل كنية عبداللّه بن الحسن إلى اسم له.

ابن الإمام الحسن(علیه السلام)هو عمر أم عمرو؟

أبو بكر بن الحسن كنية أم اسم؟

اختلف في اسمه، هل هو عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب أم عمر بن الحسن؟

فقد ذهب مصعب الزبيري وابن حزم من النسابة إلى أن اسمه عمرو بن

ص: 213

الحسن وحذا حذوهما رعيل من المحدّثين كالبخاري ومسلم وابن شيبة وأحمد والدارمي وابن حبان وابن خزيمة ... وغيرهم.

وأيضاً ضبطه بعض الرجاليين وأصحاب التراجم ب«عمرو»، مثل ابن سعد والبلاذري والرازي والباجي والمزّي وابن حجر، وكذا غيرهم من المؤرخين وأصحاب السير كأبي مخنف والطبري وابن عساكر وابن الجوزي.

ومن الشيعة:الشيخ المفيد في الإرشاد، وعنه أخذ الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال، وغيرهما.

وأمّا من ذهب إلى أنّ اسمه«عمر بن الحسن»فهم الأقل، مثل البيهقي في لباب الأنساب، وابن الصباغ في الفصول المهمة، وأبي الصلاح الحلبي في تقريب المعارف، والطبري كما في بعض نسخ تاريخه، والعلوي صاحب كتاب

المجدي، وابن عنبة في عمدة الطالب، وذلك عند ذكرهم خبر المصارعة بين عمر(= عمرو) بن الحسن بن علي بن أبي طالب وخالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وعليه فالمشهور هو أسم «عمرو» ولا يستبعد وقوع التصحيف في هكذا موارد،فستبدل (عمرو) ب(عمر) خصوصاً بعدما وقفنا على دور السياسة في هذا الأمر، عرفنا ملابسات الأمور في العصرين الأموي والعباسي.

يستفاد من كلام أبي مخنف في مقتل الحسين(1)- والبلاذري في

ص: 214


1- مقتل الحسين لابي مخنف الأزدي: 174، 237.

الأنساب(1)،والدينوري في الأخبار الطوال(2)،والمسعودي في مروج الذهب(3)،وابن العديم في بغية الطلب(4)،وابن الصباغ في الفصول المهمة(5)، والمفيد في الإرشاد (6)،وأبو الفرج في المقاتل(7)، والطبري في تاريخه(8)،وغيرهم - إلى أنّه اسم، وقد استشهد مع عمه الحسين في كربلاء.

وقد مر عليك ما نقله العلوي في الَمجدي عن الُموضِح النسابة من أنّ أبابكر المقتول في الطف هو كنية لعبد اللّه بن الحسن (9)وليس هو اسم له، وهو ما نقله ابن عنبه عن الموضح النسابة أيضاً(10).

وقد استفاد التستري جمعاً بين كلامي الشيخ المفيد في الإرشاد للقول بأنّ اسمه عمرو، وكنيته أبو بكر، حيث قال المفيد في (فصل ذكر أولاد الإمام الحسن بن علي وأخبارهم): أولاد الحسن بن علي(علیه السلام)خمسة عشر ولداً ذكراً وأنثى: زيد بن الحسن،وأختاه أُم الحسن وأُم الحسين أمهم أُم بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية، والحسن بن الحسن أُمه خولة بنت

ص: 215


1- أنساب الأشراف للبلاذري 3 :201 .
2- الأخبار الطوال للدينوري: 257 .
3- مروج الذهب 1: 375.
4- بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 2628 .
5- الفصول المهمة في معرفة الأئمة 2: 845 - 846.
6- الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 2 : 109 و 125 .
7- مقاتل الطالبيين.
8- تاريخ الطبري 4: 359
9- المجدي: 201.
10- عمدة الطالب: 68 .

منصور الفزارية، وعمرو بن الحسن وأخواه القاسم وعبداللّه ابنا الحسن أمهم أُم ولد ... (1)

ثم قال المفيد أيضاً في(فصل في ذكر أسماء من استشهد مع الإمام الحسين يوم عاشوراء) .... والقاسم وأبو بكر وعبداللّه بنو الحسن بن علي(2)...

قال التستري في ترجمة (أبو بكر بن الحسن):والمفهوم من الإرشاد كون اسمه عمر حيث عَدَّ في مقتولي الطف أبا بكر بن الحسن(علیه السلام)، وقال في ولد الحسن: عمر بن الحسن من أُمّ القاسمِ، استشهد مع عمه(3)،و[بذلك يكون أبوبكر بن الحسن هو عمرو بن الحسن عند الشيخ المفيد].

ثم أضاف في رسالته في تواريخ النبي والآل قائلاً:

قلت: قد ذكر [المفيد] في مقتولي الطف(أبا بكر بن الحسن)من أُم القاسم، وهنا بدّله بعمرو بن الحسن، فلعلّ الأصل واحد،عَبَّرَ هنا بالاسم وثَمَّةَ بالكنية، إلا أنّ السروي جعلهما اثنين وقال: أنّ عمراً من أُم (القاسم)، وأبا بكر من أم إسحاق بنت طلحة، لكنّ الظاهر وهمه، فصَرَّح أبو الفرج بأنّ أبا بكر أُمه أمّ ولد،وأبو بكر وعمرو هنا نظير أبي بكر ومحمّد في أولاد أمير

ص: 216


1- الإرشاد 2 : 20 .
2- المصدر السابق 2 :125 .
3- قاموس الرجال 11: 232 - 233، الموجود في الإرشاد في (ولد الحسن) 2 : 20 «وعمرو بن الحسن وأخواه القاسم وعبداللّه ابنا الحسن أُمهم ام ولد» وفي (فصل أسماء من قتل مع الحسين بن علي من أهل بيته بطف كربلاء): والقاسم وأبو بكر وعبد اللّه بنو الحسن بن علي. وعليه ( فعمرو) هو الصحيح لا عمر كما حكاه التستري عن المفيد.

المؤمنين في الاختلاف والاتّحاد والتعدد، وقد عرفت أنّ المفيد جعل عبداللّه وعمر من أُم (القاسم)، وجعل أبو الفرج عبداللّه من بنت الشليل البجلي، وابن قتيبة عمر من الثقفية، وتقدّم قول المفيد أن الحسين الأثرم من أُم إسحاق، وجعله ابن قتيبة من أُم ولد، وكيف كان فلا ريب أنّ القاسم من أُم ولد(1).

وبهذا فقد عرفت أنّ ما قالوه من وجود ابنين للإمام الحسن المجتبى باسم الشيخين لم يثبت عند المؤرخين والنسابة،أو قل هو مشكوك عندهم على أحسن التقادير، فقد يكون هذا التشكيك هو أحد أسباب عدم ذكر خطباء المنبر الحسيني لاسمهما حينما يذكرون وقائع الطف .

وقد يعود سبب عدم ذكرهما أسماء أولئك لعدم وجود أدوار مهمّة لهما، أو عدم وجود حرارة في قتلهما تضاهي فجاعة وحرارة قتل القاسم بن الحسن،وأبي الفضل العباس بن علي، ومسلم بن عقيل،والطفل الرضيع (عبداللّه بن الحسين بن علي)،وأنّ ترك اسمهما من قبل الخطباء على المنابر لا يأتي لتشابه اسميهما وكنيتيهما مع اسم وكنية أبي بكر وعمر حسبما يشيعه الآخرون عنابل للتشكيك في وجودهما وأدوارهما.

و مما يمكن احتماله هنا أيضاً هو : أنّ ما قيل عن وجود ابن للإمام علي بن أبي طالب باسم عمر أو أبي بكر وقتلهما في الطف، يرجع إلى تشابه ذلك مع أولاد الإمام الحسن المجتبى، واختلاطه على المؤرخين والنسابين لاحقاً، إذ قد يكون المقصود من عمر بن علي هو عمر = عمرو بن الحسن بن علي بن

ص: 217


1- رسالة في تواريخ النبي والآل : 81 .

أبي طالب، فسقط اسم الحسن فقالوا: قتل أو جرح عمر بن علي بن أبي طالب، ومثله الحال بالنسبة إلى أبي بكر بن علي بن أبي طالب المسمى بعبداللّه . فتأمل.

2 - الإمام الحسين بن علي(علیه السلام):

ولد الإمام(علیه السلام)سنة أربع من الهجرة، واستشهد في سنة إحدى وستّين، وكان بين الحمل به(علیه السلام)و ولادة أخيه الحسن(علیه السلام)خمسون يوماً، وقيل طهر واحد. أولاده:

1 - عليّ الأكبر(1).

2 - جعفر(2).

3 - عليٌّ الأصغر(3).

4 - عبداللّه(4).

ص: 218


1- أمّه ليلى بنت أبي مرّة، لم يعقب(الفصول المهمة 2 : 844 ، ينابيع المودة 3: 152) وقد أخطأ الشيخ المفيد في الإرشاد 2: 135 حينما قال بأن أُمه شاه زنان بنت كسرى یزدجرد، وكذا أخطأ هو وابن شهر آشوب في مناقبه 3: 309 حيث قالا بأن المقتول في كربلاء هو علي الأصغر لا الأكبر.
2- أمه قضاعية الإرشاد 2 :135.
3- وهو الإمام السجاد(علیه السلام)،وأمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد، كشف الغمة 2 :249 ، الفصول المهمة 2: 851.
4- أمّه الرباب بنت امرئ القيس، مقاتل الطالبيين: 59 ، الإرشاد 2 :135.

5- فاطمة(1).

6 - سكينة(2).

ولا يخفى عليك بأن الإمام الحسين(علیه السلام)استشهد ولم يكن بين ولده من سُمّي بأبي بكر ولا عمر ولا عثمان، نعم حكى السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث(3)والشيخ محمّد تقي التستري في قاموس الرجال(4)عن المناقب لابن شهر آشوب 4 : 113[3: 359] بأنّ للإمام ولداً كان يقال له عمر:«قُتِل مع أبيه»، لكنّ التستري قال معلّقاً على كلام ابن شهر آشوب:«أصل وجوده غير معلوم».

ص: 219


1- خرجت إلى ابن عمّها الحسن المثنّى فأولدها ثلاثة ذكرنا أسماءهم في أصل الكتاب، انظر المجدي: 281، ينابيع المودة.
2- خرجت إلى مصعب وقتل عنها، أنساب الأشراف 2: 415 .
3- معجم رجال الحديث 14: 30 رقم 8721 .
4- قاموس الرجال 8: 166 الرقم 5592 ، وحكى التستري أيضاً في(تواريخ النبي والآل): 83، عن الدينوري وأعثم الكوفي أنّهما ذكرا للحسين ابناً باسم عمر. إذ جاء في الأخبار الطوال : 259 ولم ينج من أصحاب الحسين وولده وولد أخيه إلا ابناه علي الأصغر - وكان قد راهق - وإلا عمر وقد كان بلغ أربع سنين، وفيه أيضاً: 261 وكان يزيد إذا حضر غداؤه دعا علي بن الحسين وأخاه عمر فيأكلان معه، فقال ذات يوم لعمر بن الحسين: هل تصارع ابني هذا؟ يعني خالد، وكان من أقرانه؟ فقال عمر : بل أعطني سيفاً وأعطه سيفاً حتى أقاتله فتنظر أينا أصبر. لكني لم اقف في الفتوح لابن أعثم على ما يؤيد كلام التستري، فإن ابن الصباغ المالكي مع أنّه حكى جواب عمر بن الحسين ليزيد في ص 838 من الفصول المهمة لكنه لم يعده ضمن أولاد الإمام الحسين في ج 2 ص 851 فتدبر.

والظاهر أنّ هذا هو ابن الإمام الحسن لا الحسين - وذلك لمن يعتقد بوجود ابن للإمام الحسن في كربلاء باسم عمر كالشيخ المفيد - وبذلك يكون ما نقله صاحب المناقب هو تصحيف عن الحسن لا غير.

هل كان للحسين(علیه السلام)ابنان باسم أبي بكر وعمر أم أنّهما كانا لأخيه الحسن(علیه السلام)وصُحّفا ؟

عمرو = عمر بن الحسن أم ابن الحسين ؟

هناك نصوص توحي بأن للإمام الحسين(علیه السلام)ابناً باسم أبي بكر، وكذا له ابن آخر باسم عمر، لكن لا يمكن البتّ في ذلك، لأنّ التشكيك فيهما ظاهر حسب تلك النصوص ؛ لأنّ الذي يأتي باسم أبي بكر بن الحسين يأتي غالباً باسمه ضمن الذين قتلوا مع الحسين(علیه السلام)، في حين لا يأتي باسم أبي بكر بن الحسن هناك، وهو يشير إلى وقوع تصحيف بين اسم الحسن والحسين فهما إما أبناء الحسن أو أبناء الحسين؟

قال ابن سعد في الطبقات:وقتل مع الحسين بن علي رضي اللّه عنهما ... 10 - 11 - جعفر بن الحسين وأبو بكر بن الحسين قتلهما عبداللّه بن عقبة الغنوي. 12 - وعبد اللّه بن الحسن قتله ابن حرملة الكاهلي من بني أسد. 13 - والقاسم بن الحسن قتله سعيد بن عمرو الأزدي(1).

فبقرينة اشتهار قتل عبد اللّه بن عقبة الغنوي لأبي بكر بن الحسن لا لأبي بكر بن الحسين، وكون عبداللّه المكنّى بأبي بكر، وعمرو، والقاسم هما أبناء الإمام الحسن، وقد شهدوا كربلاء وقتلوا في المعركة حسب النصوص الآنفة

ص: 220


1- الطبقات الكبرى لابن سعد 10: 475 .

قبل قليل،فلا يستبعد وقوع التصحيف بين ابن الحسن وابن الحسين.

وكذا ذكر الطبراني في المعجم الكبير أسماء شهداء الطف فقال: وأبو بكر بن الحسين لأم ولد، والقاسم بن الحسن لأم ولد، وعون بن عبداللّه بن جعفر ...(1).

وفي تاريخ الطبري: قال أبو مخنف:قال عقبة بن بشر الأسدي، قال لي أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين... ورمى عبداللّه بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي بسهم فقتله، فلذلك يقول الشاعر وهو ابن أبي عقب:

وعند غنيٍّ قطرةٌ من دمائنا***وفي أَسَد أُخرى تُعَدُّ وتُذكَرُ(2)

وفي مقاتل الطالبيين:وأبو بكر بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأُمه أُمولد ولا نعرف أُمه، ذكر المدائني في إسنادنا عنه، عن أبي مخنف، عن ابن أبي راشد:أنّ عبداللّه بن عقبة الغنوي قتله(3).

وقال ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسين:ورمى عبدُ اللّه بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي فقتله، فقال سليمان بن قته:

وعند غنيٍّ قطرةٌ من دمائنا***وفي أَسَد أُخرى تُعَدُّ وتُذكَرُ(4)

ص: 221


1- المعجم الكبير 3: 103 .
2- تاريخ الطبري 4: 342.
3- مقاتل الطالبيين : 57 - 58 ، وعنه في بحار الأنوار 45: 36 وهو أيضاً موجود في تاريخ الطبري 3 :332 ، 343 عن ابي مخنف،والكامل في التاريخ 3: 430، البداية والنهاية8 : 203 طبعة دار إحياء التراث العربي 1988م، وترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد: 73، 76 .
4- ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر 73 / 7.

إذ لا يعقل أن يكون القاتل واحد، والأشعار التي قيلت من قبل سليمان بن قته جاءت فيهما جميعاً.

وهل أن عبداللّه بن عقبه - أو عقبه الغنوي - اختصا فقط بقتل من اسمه أبوبكر من ولد علي؟ ولماذا لا نراهما يقتلان آخرين من ولد علي، وعقيل، وجعفر.

وبذلك لا يستبعد وقوع التصحيف بين أبي بكر بن علي،وأبي بكر بن الحسن، وأبي بكر بن الحسين، وبتصوري أن التصحيف واضح من ابن الحسن إلى ابن الحسين.

ولا أستبعد أن يكون عبداللّه بن عقبة الغنوي قد قتل أبا بكر بن الحسن وأبا بكر بن الحسين معاً، لكن السؤال لماذا لا يقع السلام على أبي بكر بن الحسين في الزيارة الرجبية وزيارة الناحية كما وقع السلام على(أبي بكر بن الحسن الزكي الولي، المرميّ بالسهم الردي،لعن اللّه قاتله عبداللّه بن عقبة الغنوي)(1)،وهذا يشككنا في وجود ابن للإمام الحسين باسم أبي بكر ويؤكّده ارتباك المؤرخين في نقولاتهم،فقد نقل البلاذري في أنساب الأشراف عن المدائني قوله: قُتِلَ الحسين والعباس وعثمان ومحمّد بنو علي،وعلي بن الحسين وعبداللّه وأبو بكر والقاسم بنو حسين(2)،وعون ومحمّد ابنا عبداللّه

ص: 222


1- انظر إقبال الأعمال 3 :75 ، والمزار للمشهدي: 489 - 490 ، و إعلام الورى 466:1 .
2- قال محقق كتاب الأنساب الأستاذ زكار:«كذا في الأصل، ولعل الصواب: بنو حسن وحسين كذلك».أقول:إنّ الثابت أنّ القاسم وأبي بكر هما ابنا الحسن لا الحسين.

بن جعفر ... (1)

هذا عن أبي بكر بن الحسين - أو الحسن - وإليك الآن الكلام عن :

وقع التصحيف كثيراً بين الأسماء المتشابهة في الرسم والصورة، مثل عبداللّه وعبيد اللّه،وعمرو وعمر،والحسن والحسين، فلا يستبعد أن يكون عمر بن الحسين هذا هو نفس عمرو«عمر»بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

أجل، لم يذكر ابن عنبة المتوفى 828 ه هذا الاسم ضمن أولاد الإمام الحسين بن علي، وكذلك الشيخ المفيد لم يذكره في الإرشاد(2)وغيرهما، وفي المقابل ترى هذا الاسم جاء ضمن أولاد الإمام السبط أبي محمّد الحسن بن أمير المؤمنين، ومنشأ ذلك هو ما قيل عن يزيد وأنه طلب من عمر بن الحسين أن يصارع ابنه خالد،فقال عمر بن الحسين:أعطه سكيناً وأعطني سكيناً(3).

فاحتملوا وجود ابن للإمام الحسين باسم عمر، في حين كان عليهم أن يحتملوا أيضاً وقوع التصحيف بين الحسن والحسين.

الخبر كما أراه أمويٌّ يريد تبييض الوجه البغيض ليزيد وبيان ندمه من قتله الحسين بن علي فأبدلوا الواقعة من ابن الحسن إلى ابن الحسين.

ومثله ما جاء عن الدينوري في الأخبار الطوال:«ولم ينج من أصحاب

ص: 223


1- أنساب الأشراف 3 :421 ، وانظر كلام الصالحي في سبل الهدى والرشاد 11: 81.
2- الإرشاد 2: 135 ، إعلام الورى 1: 471 ، تعريب منتهى الآمال 1: 817، أنساب الأشراف 3: 146 ، تاریخ الخميس :2 300 تاريخ اليعقوبي 2 :246 .
3- الأخبار الطوال: 261 ، الفصول المهمة لابن الصباغ 2 : 838 .

الحسين وولده وولد أخيه إلا ابناه علي الأصغر وكان قد راهق، وعمر وقد كان بلغ أربع سنين»(1).

وهذا النص ليس له دلالة على كون عمر هذا هو ابن الإمام الحسين، فقد يكون هو عمرو بن الحسن، خصوصاً لو جمعناه مع قوله في أول النص «ولم ينج من أصحاب الحسين وولده وولد أخيه إلا ابناه».

وبذلك يحتمل أن يكون عمر هذا هو ابن الإمام الحسن السبط لا الحسين الشهيد، ويؤيده النصوص الأخرى الصادرة بهذا الصدد.

وعليه فالغرض من هذا التحقيق وهذه الدراسة ليس نفي وجود اسم عمر أو أبي بكر بين ولد الإمام علي،أو عدم وجودهما بين الطالبيين، لأنّ التسمية حسبما فصلناه سابقاً موجودة، وأن التسمية بأسماء هؤلاء لا تضرنا، وخصوصاً بعد وقوفنا على تصريحات الأئمة بكون أبي بكر وعمر غصبا حقّ الإمام عليّ وتعدَّيا وتسلَّطَا على ما ليس لهما.

فالغاية من التفصيل في هكذا أُمور هو إثبات عدم وجود ابنين للإمام الحسين باسم أبي بكر وعمر حتى يُتَّهم ويفترى على خطباء المنبر الحسيني بالتمويه والتستّر على الحقائق،أو أنّهم تركوا ذكر بعض شهداء كربلاء،وهم من نسل علي بن أبي طالب بعضاً للشيخين.

فالخطباء تركوا ذكر أسماء هؤلاء لا لتطابق اسميهما مع اسم أبي بكر وعمر،بل لعدم ثبوت مشاركتهما في المعركة أو شهادتها فيها، أو لعدم وجود أدوار مهمّة لهما، أو لتصحيف المؤرخين والنسابة بين تلك الأسماء، فسموا من

ص: 224


1- الأخبار الطوال : 259 .

هو عمرو بعمر، أو أنهم ذكروا من هو ابن للحسن بابن الحسين، أو لتحريفهم كنية بعض هؤلاء وجعلها اسماً لهم.

انحصار عقب الحسين(علیه السلام)من السجاد فقط :

ذكرنا سابقاً ستة من ولد الإمام الحسين وقلنا بأن عقبه انحصر بالإمام علي بن الحسين(علیه السلام)وكان لهذا أحد عشر ذكراً،هم:محمّد الباقر(1)،والحسن(2)،وعبدالله(3)،والحسين الأكبر(4)،والقاسم،والحسين الأصغر(5)،وزيد(6)،وعمر(7)،وسليمان(8)،وعبد الرحمن(9)،وعلي(10).

والمعقّبون من هؤلاء ستّة،هم:

1 - الإمام الباقر(علیه السلام): أمّه وأُمّ عبد اللّه فاطمة بنت الإمام الحسن السبط (علیه السلام).

ص: 225


1- أمّه وأمّ عبداللّه الباهر فاطمةُ بنت الحسن بن علي(علیه السلام)، المجدي: 339،سر السلسلة العلوية: 31 ،تاج المواليد : 45 ، الإرشاد للمفيد 155 : 2 ، المستجاد للعلامة الحلّي : 167.
2- لا بقيّة له.
3- وهو الباهر.
4- لا عقب له، قال المفيد:أمه أُمّ ولد.
5- أمّه أُمّ ولد ، الإرشاد 2 : 155 ، وقال ابن عنبه اسمها ساعدة، عمدة الطالب: 311.
6- أمّه وأُمّ عمر الأشرف وعلي الأصغر جيداء ؛ جارية اشتراها المختار بمائة ألف درهم وبعثها إلى الإمام علي بن الحسين،سر السلسلة العلوية: 32، المجدي: 344.
7- انظر الهامش السابق.
8- قال المفيد: أُمّه أُمّ ولد.
9- قال المفيد: أمه أم ولد.
10- المجدي: 283 .

2 - عبداللّه الباهر.

3 - زيد الشهيد: أمّه أُمّ ولد يقال لها جيداء.

4 - عمر الأشرف : هو أخو زيد لأُمّه وأبيه(1).

5 - الحسين الأصغر : أمّه أُمّ ولد.

6 - علي الأصغر:وهو أخو زيد وعمر لأمها وأبيهما(2).

*والمعقب من ولد الإمام الباقر(علیه السلام)هو الإمام جعفر الصادق(علیه السلام)فقط . وللإمام الصادق(علیه السلام)من الأولاد: الإمام الكاظم(علیه السلام)، وإسماعيل(3)، وعلي العريضي(4)، ومحمد الديباج(5)، وإسحاق المؤتمن(6).

ص: 226


1- المجدي: 344 .
2- المصدر السابق.
3- أعقب إسماعيلَ ابناه: محمّد وعلي، ولمحمّد : جعفر الشاعر و إسماعيل الثاني، ولعليّ: محمّد والحسين وأحمد وعليّ، عمدة الطالب: 233 - 334، 240. ولم أقف في عقبه إلى زمان ابن عنبة على من سمّي بأسماء الثلاثة، وغالب أسمائهم هي أسماء الأنبياء مثل: الأئمة و يحيى وزيد وحمزة وأمثالها.
4- أعقبه: جعفر الأصغر، الحسن، أحمد، محمّد. ولجعفر: علي. وللحسن: عبداللّه . ولأحمد: محمّد وعليّ وعبيد اللّه. ولمحمّد:عيسى،عمدة الطالب: 242 - 245. ولم أقف في ولده إلى زمن ابن عنبة على من سمّي باسم أحد الثلاثة.
5- أعقبه:علي الخارصي، القاسم الشبيه،الحسين. ولعليّ :الحسن والحسين.وللقاسم:عبداللّه وعليّ ويحيى،وللحسين: محمّد وعليّ ،عمدة الطالب: 245 - 247 . ولم أقف في عقبه إلى زمان ابن عنبة على من سمّى باسم الثلاثة.
6- أعقبه:محمّد ،والحسين،والحسن.ولمحمّد:حمزة. وللحسين:محمّد .وللحسن:عليّ ومحمّد،المجدي: 290 عمدة الطالب: 249 - 250 ، ولم أقف في ولد هذا إلى زمان ابن عنبة على من سمّي باسم أحد الثلاثة.

وللإمام الكاظم(علیه السلام)سبع وثلاثون بنتاً واثنان وعشرون ذكراً غير الأطفال(1)،وأسماء الرجال: الإمام الرضاع(علیه السلام)سليمان،عبدالرحمن،الفضل،أحمد،عقيل،القاسم،يحيى،داود،الحسن،هارون،إبراهيم، إسماعيل، الحسن ،محمّد،زيد، إسحاق، حمزة،عبد اللّه،العبّاس،عبيد اللّه، جعفر.

ولم أقف في ولد الإمام الكاظم(علیه السلام)أو في ولد أحد إخوته الأربعة - إسماعيل،علي العريضي،محمّد الديباج، إسحاق المؤتمن - على من تسمّى أو أبي بكر أو عثمان، وهذا الكلام يُخَطَّىُ ما حكاه الشيخ محمّد تقي التستري في (تواريخ النبي والآل)عن زيادات ابن الخشّاب بأنّه كان لموسى الكاظم (عشرون ابناً، زاد فيهم عَمراً وعقيلاً وثماني عشرة بنتاً)(2)،فإنّك لو راجعت كتب الأنساب - مثل : (المجدي) ، و (عمدة الطالب) ، و (الأصيلي)، و (سرّ السلسلة العلوية)المنسوب لأبي نصر البخاري، و (الشجرة المباركة في أنساب الطالبيّين)للفخر الرازي ، و(تهذيب الأنساب) للعبيدلي، و(التذكرة في أنساب المطهّرة)، و (الفخري في أنساب الطالبيين)، وغيرها لم تَرَ فيها ولداً للإمام الكاظم(علیه السلام)باسم عمر أو عمرو، فلو وجد في بعض الزيادات كزيادات ابن الخشاب فهي (عمرو)، وهي تؤكد رؤيتنا السابقة بأنّ بعض من سُموا (عُمر) كانوا في الأصل (عَمُرو)، وعليه فلم تكن هذه الأسماء موجودة

ص: 227


1- المجدي: 298.
2- رسالة في تواريخ النبي والآل للتستري(المطبوعة آخر ج 12 من قاموس الرجال): 85 .

في - عمود الإمام الباقر - في جميع ولد جعفر بن محمّد الصادق المعقبين الستة.

*وأيضاً ترى الأمر نفسه بالنسبة إلى أولاد عبداللّه الباهر (أخو الإمام الباقر علیه السلام) ، فقد أعقبه ابنه محمّد الأرقط (أبو عبداللّه)، ومحمّد الأرقط أعقبه ابنه إسماعيل، ولإسماعيل: الحسين البنفسج،ومحمّد(1)، ولم أقف في ولد عبد اللّه الباهر إلى زمان ابن عِنَبَة صاحب (عمدة الطالب) على من سُمِّي بعمر أو عثمان أو سُمِّيَ أو كُنّي بأبي بكر ، بل كانت غالب أسمائهم وكناهم هي الأسماء المعروفة والرائجة عند الطالبيّين، والتي تدور مدار أسماء الأنبياء وكبار الطالبيين كعليّ ،والحسن،والحسين، وحمزة، وجعفر، وعقيل، والفضل، والعبّاس و ...

*وكذا الحال بالنسبة إلى ولد أخيه زيد الشهيد، فالمعقبون من ولد زيد بن عليّ بن الحسين الشهيد،هم:

1 - الحسين ذو الدمعة (أبو عبد اللّه ) .

2 - عيسى مؤتم الأشبال.

3 - محمد( أبو جعفر).

4 - يحيى :لا عقب له. قال الشيخ البخاري : كانت له بنت ترضع(2).

فلم أقف في ولدها هؤلاء الأربعة إلى زمان ابن عنبة على من سمي باسم أحد الثلاثة إلا شخص واحد، وهو:عمر بن يحيى بن الحسين - ذو الدمعة - وقد يكون هذا الاسم مصحف عن عمرو، وقد يكون وضعها تقية ومداراة

ص: 228


1- سر السلسلة العلوية: 50 - 52 ، عمدة الطالب: 252 - 253.
2- سر السلسلة العلوية: 61 .

مع الآخرين وذلك للظروف التي كان يعيشها الطالبيون آنذاك.

*أمّا عمر الأشرف بن عليّ بن الحسين فكان له من الولد: عبداللّه، وموسى، والحسين، وعلي الأصغر(1)، ولم يعقّب الثلاثة الأوائل من أولاد عمر الأشرف، وانحصر نسله في على الأصغر، والأخير له ثلاثة أولاد، هم:

1 - القاسم (صاحب الطالقان) وهو من أم ولد، وقد انقرض نسله حسبما نصّ عليه الشيخ جلال الدين بن عبد الحميد (2).

2 - عمر الشجري، وأُمّه أُمّ ولد ، وقد سُمّي حفيد هذا بعمر أيضاً، وابن هذا الحفيد (أي عمر الشجري الثاني)قد سُمّي بعمر كذلك(3). أي وجود ثلاثة أشخاص سموا بعمر في هذا العمود لا غير.

3 - الحسن، وهو من أجداد الناصر الكبير الأطروش - الجد الأمّي للسيّد المرتضى(4)- ولم أقف في هذا العمود على من سُمّي بأسماء الخلفاء الثلاثة(5).

إنّ التسمية في عمود فيه من الأجداد من سُمّي بعمر يدعونا للقول بأنّ هذه التسميات جاءت تكريماً واعتزازاً بالجدّ الأعلى المسمّى بعمر عندهم لا

ص: 229


1- عمدة الطالب : 305 ، وأضاف البخاري في سر السلسلة العلوية : 53 ، اسمي جعفر،محمّد. وكذا في المجدي: 344 - 345.
2- عمدة الطالب: 305 - 306.
3- المصدر السابق والمجدي: 346 .
4- المجدي: 349 - 352 ، عمدة الطالب 310
5- للتأكد مما قلناه راجع أسماء أبنائه في عمدة الطالب : 307 وغيرها.

يعمر بن الخطّاب، لأنّ الإنسان غالباً ما يتغنّى بأمجاده ومآثر أجداده، فالظاهر أنّ هذه التسميات جاءت اعتزازاً بأجدادهم والتذكير بمآثرهم، إذ أنّ العلويّ الواقف على مجريات الأحداث بعد رسول اللّه وما جرى على أمه الزهراء يعلم بالتضادّ الموجود بين جدّه الإمام عليّ وعمر بن الخطاب وعدم ارتياحه(علیه السلام)من الأخير، فلا يسمّي شخص علوي ابنه بعمر حباً بعمر بن الخطاب، فمن الراجح أن تكون التسمية حباً بجده عمر الأشرف.

* أمّا الحسين الأصغر بن علي بن الحسين فله من الولد كثير، الذين أعقبوه خمسة، هم:

1 - عبيد اللّه الأعرج.

2 - عبداللّه العقيقي .

3- علي.

4 - جدّنا الحسن المحدّث.

5- سلیمان(1).

فلم أقف في أولاد وأحوال هؤلاء الخمسة على إسم أحد الثلاثة إلا أشخاص في أعقاب عبيداللّه الأعرج، عاشوا في الأزمنة المتأخرة عن عهد المعصومين، وأن تسمية المتأخرين منهم ليس بحجّة علينا، بل إنّ هذه التسميات كانت في كثير من الأحيان تسمّى باسم الجدّ الأعلى، أو بلحاظ المعنى العربي وأن اسم عمر معدول عن «عامر»، وهي تؤكد بأنّ الطالبيين لم

ص: 230


1- عمدة الطالب: 311 - 312. وزاد صاحب المجدي: 396 زيداً، ومحمّداً، و إبراهيم وعيسى، ثم ذكر أولاد هؤلاء الثلاثة في الطبقة الأولى ثم انقراضهم.

يكونوا حسّاسين من هذه الأسماء لمجّرد كون بعض المسمَّين بها من الأشخاص المخالفين لنهج الرسول والعترة،غير مستبعدين وضع بعض تلك التسميات تحت ظروف استثنائية، أو أنّ ظروف التقية الحاكمة على المجتمع الإسلامي دعت إلى وضع اسم عمر على أبنائهم، أما اسم أبي بكر أو عثمان فلا يوجد بين أبنائهم بتاتاً.

*أما علي الأصغر بن علي بن الحسين، فلم يسمى في أولاده وأحفاده إلا حفيده وحفيد حفيده اللذان سُمِّيا ب«عمر»و لا غير،ثم انقرضت التسمية في عموده إلى زمان ابن عنبة (828 ه )وإسم الحفيد هو : عمر بن علي بن عمر بن الحسن بن علي الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،ولا أرى غير هذين الاسمين في هذا العمود، أي أنّ التسمية في ولد علي الأصغر بعمر قد انتهت في العصور الأولى، أي في أواسط العصر العباسي الأوّل.

كان هذا عرضاً سريعاً لولد الإمامين السبطين الحسن والحسين(علیهما السلام)وقد أتيت بكلّ ما هو موجود في الطبقات الأولى والثانية والثالثة كي أنفي ما شدّة العلاقة بين الآل والخلفاء ؛ لأنّ ندرة هذه الأسماء بالنسبة الى يقال عن مئات الأسماء الأخرى الموجودة عندهم - مثل اسم:عليّ والحسن والحسين و إبراهيم وإسماعيل ويحيى وداود وسليمان وجعفر وزيد - تدلّ على أنّ التسمية ب«عمر» أو غيره لا تعني شيئاً بالنسبة إلى الأسماء الأُخرى الموجودة عندهم،و وأنّ التسمية بهذه الأسماء مع تأكيد أئمة أهل البيت على ظلم الثلاثة لهم لا يعطي مفهوم المحبة.

أجل، نحن لو أردنا أن نقارن وجود اسم الثلاثة مع الأسماء الأخرى

ص: 231

الموجودة عند الطالبيين، لعرفنا سقم كلام من يدعي أن الأسماء وضعت للمحبّة، وأن كلامهم عار عن الصحة.

3 - محمد بن علي(ابن الحنفية):

وهو الولد الأكبر للإمام عليّ بن أبي طالب بعد الإمامين الحسن والحسين - على الأشهر - وقد كان أشبه الناس بأمير المؤمنين له ستّة عشر رجلاً.

فلم أقف بين ولده وأحفاده وأحفاد أحفاده إلا على شخص واحد مشكوك التسمية بعمر(1)أو عمرو، بل الأسماء الغالبة على ولده هي أسماء الأنبياء وأسماء كبار الطالبيين كما هو المشهود في أنسابهم.

4 - عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب:

انحصر عقب عمر الأطرف في ولده محمّد، والمحمّد أربعة أولاد،هم:

1 - عبد اللّه:له من الأولاد:أحمد، ومحمد، وعيسى، ويحيى.

ولأحمد:عبدالرحمن وحمزة (أبو يعلى السماكي) له عقب.

ولمحمّد:القاسم وصالح وعليّ وعمر وجعفر. وللقاسم: يحيى وأحمد، ولصالح:القاسم، ولعلي: محمد المشلل والقاسم والحسن وعلي وجعفر والحسين. ولعمر المنجوراني: محمد الأكبر، ومحمد الأصغر، وأحمد الأكبر

ص: 232


1- لم يذكر صاحب المجدي: 428 - 231 ( عمر ) عند تسمية ولد ابن الحنفية، و إنما ذكر ذلك في ولد عبد الله بن جعفر الأصغر.

وأحمد الأصغر.ولجعفر:إسحاق.

ولعيسى : أحمد وله عيسى وللأخير محمد..

وليحيى:محمّد والحسن، ولمحمد الصوفي: علي الضرير والحسن والحسين وعبداللّه، وللحسن : محمد.

فتسمية بعض الطالبيين بأسماء أحد الثلاثة يخطّئ ما ادعاه ابن تيمية والمفتي السلجوقي واتهامهما الشيعة بأنّهم لا يسمّون بأسماء الثلاثة،وهو الأخر يخطّئ ما قيل من أنّ الشيعة يسمّون بهذه الأسماء كي يلعنوهم كما أنه يخالف ما قاله معاوية بن أبي سفيان من أنّهم يسمون بهذه الأسماء لكي يعذروا أنفسهم لو اضطروا للترحّم على الثلاثة فيترحّمون عليهم ويعنون بذلك أولادهم، إلى غيرها من التهم الموجهة مدرسة أهل البيت.

إنّ تسمية شخص أو شخصين أو ثلاثة - وحتى لو قيل عشرة - بعمر في عمود يتصدّره عمر الأطرف لا يعني شيئاً، بل إنّه ليؤكد بأنّ الشيعة لا تخالف الأسماء بما هي أسماء، ولا تقتل الناس على الهوية كما يفعله الآخرون، بل إنّ الظروف المتتالية دعتهم إلى ترك التسمية بأسماء الثلاثة شيئاً فشيئاً.

2 - عبيد اللّه بن محمّد بن عمر الأطرف:وهو الابن الثاني المعقب من ولد عمر الأطرف،له ثلاثة عشر ولداً، منهم ثلاث نساء، والرجال: محمّد الأكبر، محمّد الأصغر ، العباس، والعباس الأصغر ، و إلياس، يحيى، الحسن، الحسين، عيسى، علي، وقد انحصر نسله في علي الطبيب، ولهذا: إبراهيم وأحمد والحسن وعبيد اللّه، ولم يذكر صاحب عمدة الطالب في ولد عبيد اللّه من اسمه عمر أو أبو بكر أو عثمان.

ص: 233

نعم ذكر صاحب المجدي شخصاً واحداً من ولد علي الطبيب اسمه عمر(1).

3 - عمر بن محمّد بن عمر الأطرف:وهو الابن الثالث المعقّب من ولد عمر الأطرف، والمعقبون عنه هما: إسماعيل، و إبراهيم، ولم يذكر صاحب الأطرف من عمدة الطالب في ولد إسماعيل و إبراهيم ابنَي محمّد بن عمر سُمِّي باسم أحد الثلاثة.

لكن صاحب المجدي قال: وأمّا إسماعيل ... فمن ولده عمر بن إسماعيل بن عمر بن محمّد بن عمر الأطرف، كان صديقاً للمنصور، أعقب ولم يطل ذيله(2).

وقال أيضاً:وولد إبراهيم بن عمر بن محمّد بن عمر الأطرف:ستة وهم:محمّد، ومحمّد الأصغر ،وعلي ،وعمر، وفاطمة، وخديجة، والمعقب منهم علي وحده(3).

وهذا ما لم أقف عليه في عمدة الطالب وغيره من كتب الأنساب، بل إنها من منفردات صاحب المجدي.

4 - جعفر بن محمّد بن عمر الأطرف،المشهور بالأَبله، ويقال لولده (بنو الأَبله)، ولم أقف في عمدة الطالب على من سُمّي من ولده باسم أحد الثلاثة، لكن صاحب المجدي قال:وولد جعفر ابن محمد بن عمر بن علي يعرف

ص: 234


1- انظر المجدي: 459 .
2- المصدر السابق : 451 .
3- المصدر السابق : 453 .

بالأَبله، وأُمه مخزومية جليلة، له سبعة أولاد منهم البنات ثلاث... والرجال محمّد والحسين والحسن وعمر الملقب بالأَبله(1).

إنّ وجود اسم عمر في عمود في رأسه عمر الأطرف بن الإمام علي لا يمكن حمله على عمر بن الخطاب، إذ ظاهر السياق أنهم سَمَّوا بهذا الاسم إحياءً لذكر جدهم عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب، لأنّ من أخلاق العرب أن يسمي الأحفاد بأسماء الأجداد لا الغرباء.

احتمال آخر :

وهنا احتمال آخر لابد لنا من ذكره، وهو احتمال وقوع التصحيف - إن لم نقل التحريف - في بعض أسماء الطالبيين، وهو ما يقع في الحديث والتاريخ كثيراً،وجاء في كتب القراءة بأن بعض المغرضين قراء قوله تعالى:﴿الْجَوَارِح مُكَذِّبِينَ) (الخوارج مكلبين)(2).

إذن التصحيف ممكن وليس ببعيد، وذلك لتقارب الكلمات العربية في الرسم.

فلا يستبعد بعد كل هذا أن يكون بعض المسمَّين بعمر من الطالبيين، إنّما كان اسمه عمرو، وقد يكون العكس، وذلك لتقارب الكتابة بينهما،فكتابة عُمَر في صورته الأولية تشبه كتابة عَمْر،قال العيني في(عمدة القارئ شرح صحيح البخاري ):«ليس في الصحابة من اسمه عمر بن الخطاب غيره، وفي

ص: 235


1- المصدر السابق : 454 - 455 .
2- انظر أخبار المصحفين للعسكري: 56 ،وميزان الاعتدال 5: 50 وأخبار الحمقى والمغفلين: 72.

الصحابة عمر ثلاثة وعشرون نفساً على خلاف في بعضهم، وربما يلتبس بعمرو بزيادة واو في آخره وهم خلق فوق المائتين بزيادة أربعة وعشرين على خلاف في بعضهم»(1).

ولو ألقيت نظرة عابرة على أسماء شهداء كربلاء وقاتليهم في زيارة الناحية والرجبية في المصادر الحديثية مثلاً لرأيتها مختلفة، ففي بعضها «عمرو بن خالد» وفي الأخرى«عمر بن خالد»، أو «عمرو بن قرظه» وفي أخرى«عمر بن قرظه أو قرطه»، أو«عمرو بن ضبعة الضبيعي» أو «عمر بن ضبيعه»، و «عمرو بن الأحدوث الحضرمي» أو «عمر بن الأحدوث الحضرمي»، أو «عمرو بن صبيح الصيداوي» أو «عمر بن صبيح الصيداوي»، و «عبداللّه بن عمير الكلبي» أو «عبدالله بن عمر الكلبي»أو«عمران بن كعب الأنصاري»أو«عمر بن كعب الأنصاري»وأمثالها، وهذا يشير إلى إمكان وقوع التصحيف في أمثال هكذا أسماء، فقد يكون المشهور بعمر - من الطالبيين - اسمه عمرو، وقد يُرَبِّحُ الثاني عندهم أكثر من عمر في الظروف الطبيعية والمستقرة لهم عدَّةُ نقاط :

الأولى:للنصوص التي مرت في عمرو بن الحسن بن علي، وأن اسمه في غالب النصوص (عمرو) وليس بعمر، ثم قولهم بوجود ابن للإمام الحسين باسم عمر = عمرو، وهذا لم يثبت.

الثانية: لكون جدّ الطالبيين الأعلى اسمه (عمرو العلى)، وهذا يرجّح زيادة وجود اسم عمرو عندهم أكثر من عمر .

ص: 236


1- عمدة القارئ 1 : 18.

الثالثة : لشيوع اسم عمرو عند العرب أكثر من عُمر، وبذلك ترتفع نسبة تسمية الطالبيين أولادهم باسم عمرو أكثر من عُمر .

على أنّ هذا لا يعني بأنا نريد نفي وجود اسم عمر في عمود على رأسه عمر الأطرف، لكنّنا نريد أن نرجح إمكان وجود اسم «عمرو» على «عمر» في سائر الموارد الأخرى عند الطالبيين.

5 - العبّاس بن الإمام علي(علیه السلام):

أعقب العبّاس بن علي بن أبي طالب ستّة أولاد، خمسة منهم ذكور ، هم

1 - أوّلهم الفضل : مات طفلاً.

2 - ثمّ القاسم، الذي استشهد في واقعة الطف، وله من العمر 16 عاماً على قول .

3 - ثمّ محمّد، الذي استشهد في واقعة الطف، وله من العمر 14 سنة على قول.

4 - والحسن من أمّ ولد، وله عقب وانقرض.

5- عبيداللّه، بقي بعد أبيه وبعد جدّته أمّ البنين وورث أباه وجدّته أمّ البنين، أمّه لبابة بنت عبيد اللّه بن العبّاس بن عبد المطلب.

فلم أقف بين ولد العبّاس بن علي بن أبى طالب على من سُمّي باسم أحد الخلفاء الثلاثة أو عائشة وطلحة وأمثالها، وكانت غالب أسمائهم هي أسماء الأنبياء وأسماء أهل بيت الرسالة ومما تعارف عليه الطالبيون.

كان هذا مجمل الكلام عن ولد الإمام علي بن أبي طالب المعقبين، ذكرته

ص: 237

كي يقف القارئ على الصفة الغالبة على أسمائهم وكناهم، وأنّه ليس كما يقولونه من وجود الوحدة والوئام بينهم وبين النهج الحاكم، وكما إنّ تلك الأسماء لم تكن بالمتروكة أصلا عندهم ، فهم قد سمّوا بعمر في القرون الأولى إمّا مداراة للآخرين، أو خوفاً منهم، أو لكونها كانت أسماء رائجة عند العرب، وإن كنّا نرجّح غلبة طابع الخوف والتقية في مثل تلك الظروف، وكلامي هذا لا يعني ورود نهي خاصّ من أئمة أهل البيت بحرمة التسمية بتلك الأسماء(1).

وعليه،فنلخص القول بأنّ التسمية بأسماء الثلاثة وغيرها كانت موجودة عند الطالبيين، لكنّها لم تكن صفة غالبة عليهم وسجية مستمرة لجميعهم - وهي لم تكن كالتسمية بعلي والحسن والحسين ويحيى وزيد وأمثالها -حتى يقال أنها وضعت للمحبة.

وما أقوله لا يختص في ولد علي بن أبي طالب بل يشمل أسماء أولاد إخوانه مثل عقيل وجعفر، فإنّك لا ترى اسم عمر وأبا بكر وعثمان بينهم إلا نادراً.

وعليه فالتسمية بأسماء الأعداء لا يضر خصوصاً لو قرن بالتثقيف والتذكير بأفعال أولئك الناس مع الرسول والرسالة وأهل البيت.

فإنّ التسمية مع التذكير بأفعال القوم يقلل من اعتبار وضع الأسماء عن

ص: 238


1- نعم،هناك عمومات قد تفيد ذلك، لكن تسميتهم(علیهم السلام)هم لأولادهم أو رضائهم بتسميات الأمهات هو خير دليل على جوازه شريطه أن لا تصير تلك التسميات رمزاً للتبجيل والتجليل من الظالمين.

محبة، وإنّ تحريفهم وتصحيفهم للأسماء والكنى شيء يعرفه المحققون وإن كان قد يخفى على عموم الناس، لكنه بمرور الأيام يتضح للناس.

والآن لندرس الأمر مسألة التسميات من زاوية أخرى، وهي ترتيب زوجات الإمام علي كي نقف على صحة الاشكالية المطروحة - بأنّ الإمام علي وضع الأسماء عن محبة لترتيبها بأسماء الخلفاء الثلاثة - أو سقمها؟ أى أنّ الإمام سمى ابنه الأول بأبي بكر، ثم الثاني بعمر ثم الثالث بعثمان.

زوجات الإمام علي وأمهات أولاده :

أبو بكر اسم لابن الإمام علي أم كنية ؟

مرّ عليك أسماء زوجات الإمام علي، فأمامة بنت أبي العاص هي أول من تزوجها الإمام بعد فاطمة الزهراء لوصيتها وقولها: إنها تكون لولده مثلي(1)وهذه ماتت بلا عقب، ثم تزوج معها أو بعدها نساء أخريات.

1 - منها خولة بنت جعفر = أم محمد بن الحنفية: فولدت له محمد الأكبر المعروف بابن الحنفية، ومحمد الأصغر، وأم الحسن ورملة.

2 - صهباء التغلبية=أم عمر بن علي ورقية بنت علي: وقيل عن هذه بأنها سبية من عين التمر،ومعناه أنّ عمر الأطرف كان هو أول من تسمى بأسماء الخلفاء، وقد تزوج عمر الأطرف بابنة عمّه أسماء بنت عقيل بن أبي طالب، وتزوجت رقية بابن عمّها مسلم بن عقيل، وقد انحصر أولاد عمر الأطرف في ولده محمد(2)من أسماء بنت عقيل.

ص: 239


1- مستدرك الوسائل 2 : 360 / 4 .
2- المجدي: 450 .

وقد تزوج محمد هذا خديجة ابنة على بن الحسين بن علي(1)وأولدها: عبداللّه وعبيداللّه وعمر وكان له ابن رابع من ولد اسمه جعفر الأبله.

وقد نوهنا سابقاً إلى قلة وجود اسم عمر بالنسبة الى الأسماء الأخرى عند الطالبيين، وحتى في هذا العمود الذى يتصدره عمر الأطرف فلا نرى اسم عمر كثيراً عندهم حتى زمان ابن عنبة 828 ه إلا لأربعة أشخاص هم:1.عمر الأطرف 2 . عمر بن محمد بن عمر الأطرف 3 .عمر المنجوراني بن محمد بن عبداللّه الأطرف 4. عمر الموضح النسابة بن على بن الحسين بن عبداللّه بن محمد الصوفى بن يحيى بن صالح بن عبداللّه بن محمد بن عمر الأطرف.

وهذه الأسماء الأربعة - وحتى لو قلنا بأنها عشرة - هي لا شيء بالنسبة إلى مئات الأسماء الأخرى الموجودة عند الطالبيين وفى عمود يتصدره عمر الأطرف، أما اسم أبوبكر أو عثمان فلم أقف عليهما عندهم بتاتاً.

3 - أسماء بنت عميس: وهذه كان قد تزوجها أولاً جعفر بن أبي طالب فولدت له عبداللّه و محمد وعوناً، ولما قتل جعفر يوم موته تزوجها أبوبكر فولدت له محمداً ثم تزوجها الإمام علي واتفق الكل على أنها ولدت له يحيى واختلفوا في محمد وعون هل هما ولداه أم من ربائبه؟ أو أن أحدهما هو ولد الإمام على والآخر ولد غيره أو أنهما ولدا أخيه جعفر لوجود هذين الاسمين في ولد جعفر فسميا باسمه.

ص: 240


1- مناقب آل أبي طالب3: 208، المجدي: 451 .

وهل أنّ محمداً وعوناً هما اسمان لشخص واحد، أم غير ذلك من الاحتمالات؟ أنا لا أستبعد أحد أمرين:

1 - أن يكونا اسمين لشخصين أحدهما ابن جعفر الطيار، والآخر ابن علي بن أبي طالب(1)، وقد يكونا - محمد وعون - اسمان لشخص واحد، سمّت أحدهما الأم والآخر هو تسمية الأب، وهذا جائز عند العرب حسبما فصلناه سابقاً.

2 - أن يكونا ابني زوجها الأول جعفر بن أبي طالب، فنسبا إلى الإمام علي لانهما ربيباه وابنا أخيه، وأنّ الإمام كان بمنزلة الأب لهما.

وعلى هذا التفسير يكون محمد اسم لثلاثة أولاد لأسماء بنت عميس، أحدهما : محمد بن أبى بكر ، والآخر : محمد بن جعفر بن أبي طالب، والثالث : محمد بن علي بن أبي طالب، لانّ اسم محمد هو المحبوب عند المسلمين، وكان

من السنة التسمية به.

وقد انفرد اليعقوبي في تاريخه بالقول: وعثمان الأصغر وعون أبناء أسماء بنت عميس(2)وهو خطأ لاشتهار اسم عثمان لابن أم البنين الذي وضعه الإمام علي على ابنه بعد مقتل عثمان، فلو ثبت ذلك يجب أن يكون ابن أسماء بنت عميس هو الأكبر لا الأصغر لزواجه بها قبل أم البنين.

4 - أم البنين الكلابية - أم العباس وعبداللّه وعثمان وجعفر .

ص: 241


1- محمّد بن جعفر بن أبي طالب ومحمد بن علي بن أبي طالب.
2- تاريخ اليعقوبي 2 : 213 .

1 - فالعباس هو أكبر ولدها وقد ولد سنة 26 ه وكان عمره الشريف أيام الطف 34 أو 35 سنة وهو الوحيد الذي أعقب من ولد أم البنين.

2 - عبد اللّه وهذا ولد بعد أخيه العباس بثمان سنين، وكان عمره وقت الشهادة خمساً وعشرين سنة(1)وقد كان لهذا أخ من ليلى النهشلية سميه وكان يكنى بأبي بكر وكان أصغر منه، استشهد في كربلاء وقد وقع الخلط والالتباس بين هذين كثيرة وسنتكلم عنه تحت عنوان (أبوبكر اسم أم كنية).

3 - عثمان وهو الثالث من ولد أم البنين وقد ولد بعد أخيه عبداللّه بسنتين وكان عمره وقت الشهادة ثلاث وعشرين سنة .

4 - جعفر ولد بعد عثمان بسنتين وكان عمره الشريف وقت الشهادة إحدى وعشرين سنة .

ولم يعقب أحد هؤلاء الأربعة إلا العباس،وليس في أبنائه وأحفاده وأحفاد أحفاده إلى زمن ابن عنبة 828 ه من سمى بعمر وعثمان وأبو بكر.

وأنّ عثمان ابن أم البنين هو الابن الثاني الذي قالوا بأنه تسمى بأسماء الثلاثة وهو اكبر من عبداللّه بن ليلى النهشلية المكنى بأبي بكر، وبهذا التوضيح يفند ما قالوه بأن الإمام وضع أسماء أولاده بترتيب الخلفاء حباً بهم .

5- ليلى النهشلية = أم عبيد اللّه (المكنى بأبي علي) وعبداللّه أو محمد (المكنى بأبي بكر).

فعبيد اللّه قيل أنه أقدم على المختار بالكوفة وطلب مساعدته وبما أنه لم

ص: 242


1- مقاتل الطالبيين : 53 .

يكن معه كتاب من محمد بن الحنفية فشك المختار فيه فحبسه ثم خلى سبيله، فخرج هارباً إلى مصعب بن الزبير فأكرمه لمكانة خاله عنده، ثم تخلف عنه في بعض حروبه، فعتب مصعب على خاله نعيم بن مسعود التميمي النهشلي ... (1)فعبيد اللّه قتل فى المذار وقبره مشهور هناك،أما عبداللّه أو محمد (المكنى بأبي بكر)، فقد اختلفوا في أنّ«أبو بكر» هل هو اسم له أو كنية؟

أراد البعض الاستدلال على كونه اسماً بما جاء في بعض النصوص التاريخية، إذ جعلوه قسيماً لعبيد اللّه فقالوا: أبو بكر وعبيد اللّه .

وذهب آخرون إلى أنّ تلك النصوص لا دلالة لها على كونه اسماً له، فقد تكون كنية اشتهر بها. وإنّي أرجّح أن يكون النهج الحاكم قد استفاد من هذه الشهرة لتمييزه عن غيره من أبناء علي، وذلك لوجود إخوة له يسّمون بعبداللّه ومحمّد من أمهات أخرى، مثل عبداللّه ابن أمّ البنين المكنّى بأبي بكر أيضاً عند بعض المؤرخين والمقتول مع أخيه العباس في كربلاء،ومحمّد الأصغر الذي هو ابن لام ولد(2)،وقيل إنّ هناك ابن ثالث لعلي اسمه محمّد الأصغر هو ابن أسماء بنت عميس.

ص: 243


1- الطبقات 5 : 117 .
2- مقتل الحسين لابي مخنف الأزدى: 186 ، 235 الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 20، الجمهرة 1 :4 ، تاريخ الطبري 3: 343 ،معرفة الصحابة 1: 88 الرقم 89، الاختصاص: 82 ، المنتظم 5: 69 ، صفة الصفوة 1: 309 ، الامالي الشجرية 224:1 / 807 ،الكامل في التاريخ 3: 443 ، ذخائر العقبی : 116 - 117، البداية والنهاية 7: 332 ،الفصول المهمة في معرفة الأئمة 2 : 843 - 844.

فقد يكون المكنى بأبي بكر له اسمان:أحدهما قد سُمّي من قبل أمّه بعبداللّه، والآخر من قبل أبيه بمحمد،وهذان الاسمان عبداللّه ومحمّد يشترك فيهما مع أسماء إخوته الآخرين، سواء الذين سمتهم الأمهات كعبداللّه،أو الذين سُمُّوا من قبل أبيهم مثل اسم محمّد، لكي يميزّوه عن أخويه.

فوجود هذه الأسماء (محمد وعبد اللّه) بين إخوته، وأيضاً تسميته بأكثر من اسم دعت المؤرّخين وأصحاب المقاتل أن يكنّوه بكنية أبي بكر تمييزاً عن إخوانه ثم اشتهرت هذه الكنية فيه حتى صارت اسماً له.

ومعنى هذا أنّ كنية«أبي بكر»قد أُطلقت على ابن ليلى النهشلية بعد مقتل الحسين، ولم يكن يعرف بها في الصدر الأوّل، وهذه الرؤية تخالف نصوص أخرى توحي بأنّ هذه الكنية كانت موضوعة عليه منذ زمن الإمام علي بن أبي طالب(علیه السلام)وعلى لسان معاوية.

نعم هناك عبداللّه آخر غير ابن ليلى النهشلية وهو أخو العباس وجعفر وعثمان أبناء أمير المؤمنين من أم البنين بنت حزام الكلابية، والذي استشهد في الطف مع أخيه الحسين.

ومحمّد الأصغر هو من ابن أم ولد، وهذا أيضاً استشهد مع أخيه الحسين في كربلاء.

وبما أنّ أبا بكر بن علي المسمى بعبد اللّه أو محمّد من ليلى النهشلية قيل عنه أنّه كان من المستشهدين في كربلاء فلا يستبعد أن يكون النسابة والمؤرخون وأصحاب المقاتل ميّزوه عن أخويه بكنية أبي بكر ثم صارت هذه الكنية في

الزمان المتأخر اسماً له.

ص: 244

وهناك احتمال ثالث وهو أن تكون هذه الكنية أخذت له من محمّد بن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب المكنّى بأبي بكر والمستشهد في كربلاء، لأنّ أباه عبداللّه بن جعفر هو ابن أسماء بنت عميس - والتي تزوّجها الإمام علي بعد جعفر وأبي بكر - ، وكذا هو(1)زوج ليلى النهشلية - أم عبداللّه بن علي المكنّى بأبي بكر - فقد تكون هذه الكنية جاءته من ابن ربيبه عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب.

وهناك احتمال رابع وهو أنّ المكنى بأبي بكر هو ابن الإمام الحسن المجتبى لا الإمام عليّ المباشر،لورود اسمه في الزيارة وأنّ قاتله هو عبد اللّه الغنوي أو عقبة الغنوي،والذي قيل عنه بأنّه وجد في ساقه مقتولاً، أو أنّ رجلاً من همدان قد قتله، وأن اتحاد الاشعار التي قيلت في حقهما يدعونا لهذا القول، وهذه الأقوال يشترك فيها مع ما قيل في أبي بكر بن علىّ بن أبي طالب،فقد يكون اسم الإمام الحسن قد سقط - أو أسقط - لعلل سنشير إلى بعضها في آخر هذا القسم إن شاء اللّه تعالى فقالوا أبو بكر بن على بن أبي طالب بدل أن يقولوا أبوبكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

وعليه فهذا الاشتهار لا دلالة له على كونه اسماً لابن الإمام علي.ولا يخفى عليك بأنّ العرب كانت تسمي أولادها بعدّة أسماء، فلا يستبعد أن يكون للمكنّى بأبي بكر ثلاثة أسماء : عبداللّه،وعبدالرحمن، ومحمّد الأصغر، لأنّا احتملنا بأن تكون عائلة الأُم - من الأخوال والجد - قد سموه بعبداللّه أو عبدالرحمن مثلاً، والأب سماه محمداً.

ص: 245


1- أي عبد اللّه بن جعفر.

بهذا التقريب يمكن الجمع بين الأقوال المطروحة فيه، مع الحفاظ على كنية أبي بكر له، وبذلك يكون المسمّى في بعض المصادر عبداللّه، وفي البعض الآخر محمدُ الاصغر، وفي ثالث بأبي بكر، كلّها أسماء لشخص واحد، فأحدها هو ما سمّته به أمّه، والآخر ما سمّاه به أبوه، وثالث خاله، ورابع هي كنية أطلقوها عليه في قبيلته للتمييز عن إخوته. وإليك الآن الأقوال التي قيلت في أنّ اسمه هو أبو بكر:

أبو بكر اسماً :

حكي عن ابن هشام (ت 213 ه) أنه قال في«السيرة النبوية»: وقد قيل إنّ أبا بكر بن علي قتل في ذلك اليوم، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي(1).

وقال ابن سعد (ت 230 ه) في«الطبقات الكبرى»: وعبيد اللّه بن علي قتله المختار بن أبي عبيدة بالمذار، وأبو بكر بن علي قتل مع الحسين ولا عقب لهما، وأ مّهما ليلى بنت مسعود بن خالد(2).

وقال ابن قتيبة (ت 276ه) في «المعارف»: ولد علي(رضي اللّه عنه): فولد علي... عبيد اللّه وأبو بكر ، أمّهما ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي(3).

وقال البلاذري (ت 279 ه) في«أنساب الأشراف»: وكانت ليلى بنت مسعود بن خالد عند علي بن أبي طالب فولدت له:عبيد اللّه وأبا بكر، ثم

ص: 246


1- السيرة النبوية لابن هشام 1 : 370 .
2- الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 19 - 20.
3- المعارف، لابن قتيبة: 210 .

خلف عليها عبد اللّه بن جعفر(1).

وقال أيضاً في ولد عبد اللّه بن جعفر .... ومحمّداً وعبداللّه وأبا بكر قتل مع الحسين، وأُ مُّهُم الخوصاء من ربيعة.

وصالحاً وموسى وهارون ويحيى وأم أبيها، أمهم ليلى بنت مسعود النهشلية، خلف عليها [ أي عبد اللّه بن جعفر ] بعد علي(2).

وقال في مكان آخر : وولد(علیه السلام):[ عبيد اللّه ] وأبا بكر، وأمّهما ليلى بنت مسعود من بني تميم، لا بقية لهما(3).

وقال اليعقوبي (ت 284ه) في«تاريخه»: وعبيد اللّه وأبو بكر لا عقب لهما، أمّهما ليلى بنت مسعود الحنظلية من بني تميم (4).

وقال الطبري (ت 310ه) في«تاريخه»وعنه أخذ ابن الأثير (ت 630 ه) في الكامل :وتزوج ليلى ابنة مسعود بن خالد... فولدت له عبيداللّه وأبا بكر، فزعم هشام بن محمّد أنّهما قتلا مع الحسين بالطف، وأمّا محمّد بن عمر [الواقدي] فإنه زعم أنّ عبيد اللّه بن علي قتله المختار بن أبي عبيدة بالمذار،وزعم أن لا بقيّة لعبيد اللّه ولا لأبي بكر ابني علي(5).

ص: 247


1- أنساب الأشراف، للبلاذري 12 : 124 .
2- أنساب الأشراف، للبلاذري: 325
3- أنساب الأشراف 2: 412 .
4- تاريخ اليعقوبي 2: 213.
5- تاريخ الطبري 3: 162 ، الكامل في التاريخ 3: 262 وفيه : قتلا مع الحسين ولم يذكر أنّ ذلك هو زعم هشام بن محمد.

وقال الخصيبي (ت 334 ه) في «الهداية الكبرى»: وكان له أبو بكر وعبيد اللّه وأمّهما ليلى ابنة مسعود النهشلية(1).

وقال ابن حبان (ت 354 ه) في«الثقات» : وقد قيل إنّ أبا بكر بن علي بن أبي طالب قتل في ذلك اليوم، وأُمّه ليلى بنت مسعود(2).

وروى الطبراني (ت 360 ه) في«المعجم الكبير»بإسناده عن الليث بن سعد أنّه قال : توفي معاوية ... واستخلف يزيد وفي سنة إحدى وستين قتل الحسين وقتل العباس... وجعفر ... وعبد اللّه ... وأبو بكر بن على وأُمُّه ليلى بنت مسعود (3).

وقال المقدسي (المتوفّى أواخر القرن الرابع الهجري) في «البدء والتاريخ»كان له(علیه السلام)أحد عشر ذكراً، وسبع عشرة أُنثى، منهم... أبو بكر وعبيد اللّه من ليلى بنت مسعود النهشلية(4).

وقال ابن حزم (ت 456 ه) في«جمهرة أنساب العرب»: (ولد نهشل بن دارم)،منهم:خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نشهل بن دارم،كان سيداً، وابن ابنه عباد بن مسعود بن خالد، كان سيداً، وأُخته ليلى بنت مسعود، كانت تحت علي بن أبي طالب (رض) فولدت له أبا بكر وعبيد اللّه، قتل عبيد اللّه يوم هزيمة أصحاب المختار، وكان عبيداللّه مع

ص: 248


1- الهداية الكبرى: 95 .
2- الثقات لابن حبان 2: 311.
3- المعجم الكبير للطبراني 3: 103 ح 2803.
4- البدء والتاريخ 5: 73 - 74.

مصعب بن الزبير على المختار، وقتل أبو بكر مع الحسين (رض)(1).

وقد كان قد قال قبله في أولاد علي:ولعلي من الولد: أبو بكر وعثمان وجعفر وعبداللّه وعبيد اللّه ومحمّد الأصغر ويحيى...

وأم عبيد اللّه : ليلى بنت مسعود بن خالد... وعبيداللّه قتل في جيش مصعب بن الزبير يوم لقوا المختار بن أبي عبيد مع محمّد بن الأشعث، وقتل أبو بكر وجعفر وعثمان والعباس مع أخيهم الحسين رضي اللّه عنهم(2).

وقال الشيخ الطوسي (ت 460 ه) في «رجاله» باب الكنى من أصحاب الحسين بن علي: أبو بكر بن علي(علیه السلام)، أخوه، قتل معه(علیه السلام)، أمّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمة بن جندل بن نهشل من بنی دارم(3).

وقال ابن ماكولا (ت 475 ه) في «التهذيب مستمر الأوهام»: وليلى هي بنت مسعود بن خالد... أُخت عباد بن مسعود، ولدت لعلي بن أبي طالب عبيد اللّه وأبا بكر، دَرَجا، قال ذلك ابن الكلبي(4).

وقال أيضاً: وإخوة عبيد اللّه وأبي بكر لأُ مِّهما: صالح وأمّ أبيها وأمّ محمّد بنو عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب، خلف عليها [ أي على أمّهما] عبداللّه بن

ص: 249


1- جمهرة أنساب العرب :230 والموجود في تحقيق محمّد عبد السلام هارون: 230( وابن ابنه عباد ابن مسعود).
2- جمهرة أنساب العرب لابن حزم: 37 - 38.
3- رجال الشيخ الطوسي : 106 ت 1055 . وعنه في رجال ابن داود، القسم الأول باب الكني: 215 الرقم 11 .
4- تهذيب مستمر الأوهام 1: 69 .

جعفر بعد علي بن أبي طالب، جمع بين ابنته وزوجته(1).

وقد يستفاد من كلام الشيخ المفيد (ت 478 ه) في «الإرشاد»(2)والاختصاص(3)بأنّ أبا بكر هو اسم لقوله:وعبداللّه وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين أمهما ليلى بنت مسعود الثقفية، لكنه(رحمة اللّه)صرح - في باب أولاد أمير المؤمنين - بأنّ اسم أبي بكر بن علي هو محمّد الأصغر، فقال «محمّد الأصغر المكنى أبا بكر وعبداللّه الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطفّ، أمهما ليلى بنت مسعود»(4).

وقال الطبرسي (ت 548 ه) في«إعلام الورى»:فجميع من قتل مع الحسين(علیه السلام)من أهل بيته بطف كربلاء ثمانية عشر نفساً، هو صلوات اللّه عليه تاسع عشرهم، منهم العباس... وعبيد اللّه(5)وأبو بكر(6)ابنا أمير المؤمنين، وأمّهما ليلى بنت مسعود الثقفي(7).

وروى ابن عساکر (ت 571 ه) في«تاريخ دمشق»: بسنده إلى الزبير بن بكار، قال في تسمية ولد علي بن أبي طالب:وولد علي بن أبي طالب... فذكر جماعة ثم قال : وعبيد اللّه وأبا بكر ابني علي لا بقيّة لهما، وكان عبيد اللّه بن

ص: 250


1- المصدر السابق 1 : 70 .
2- الإرشاد 2 : 125 ، في أسماء من قتل مع الحسين.
3- الاختصاص : 82 ، تسمية من شهد مع الحسين بن علي بكربلاء.
4- الإرشاد 1 : 354 .
5- قتل مع مصعب بن الزبير وقبره بالمذار.
6- هناك قول بذلك لكنه لم يثبت.
7- إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 476 .

علي قدم على المختار بن أبي عبيد الثقفي، وأمّ عبيد اللّه وأبي بكر ابني علي ليلى بنت مسعود بن خالد... وكان قتلهما في سنة سبع وستين(1).

وقال الكاتب البغدادي (ت 567 ه) في«تاريخ الأئمة» : ووُلِد له من ليلى بنت مسعود: أبو بكر وعبيد اللّه(2).

وقال محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652 ه) في «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول»نقلاً عن كتاب صفوة الصفوة وغيره:

إن أولاده(علیه السلام)الذكور أربعة عشر ذكراً، والإناث تسع عشرة أُنثى، وهذا تفصيل الذكور:الحسن،الحسين،محمّد الأكبر، عبيداللّه، أبو بكر، العباس ،عثمان ،جعفر،عبداللّه ،محمّد الأصغر، يحيى، عون، عمر، محمّد الأوسط ...

وعبيد اللّه وأبو بكر أمهما ليلى بنت مسعود(3).

وقال ابن أبي الحديد (ت 656 ه) في «شرح النهج»: أولاده:.... وأما أبو بكر وعبد اللّه(4)، فأ مّهما ليلى بنت مسعود النهشلية من تميم(5).

وقال المحبّ الطبري (ت 694 ه):وعبيد اللّه قتله المختار، وأبو بكر قتل مع الحسين، أمّهما ليلى بنت مسعود(6) بن خالد النهشلي، وهي التي

ص: 251


1- تاریخ دمشق 52: 131.
2- تاريخ الأئمة (المجموعة): 17 .
3- مطالب السؤول: 313 .
4- الصحيح عبيد الله وهو الموافق للمصادر.
5- شرح نهج البلاغة 9 : 242 .
6- الصحيح مسعود.

تزوّجها عبداللّه بن جعفر وخلف عليها بعد عمه، جمع بين زوجة علي وابنته،فولدت له: صالحاً وغيره،فهم أخوة عبداللّه [ الصحيح عبيداللّه] وأبي بكر ابني علي لأمّهما ؛ ذكره الدارقطني(1).

وقال العمري العلوي من أعلام القرن الخامس في «المجدي»:... وأبا بكر وعبداللّه(2)بني بني النهشلية(3).

وفي «الجوهرة في نسب الإمام علي وآله»للبري : وأم عبيداللّه وأبي بكر ابني علي: ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي(4).

وقال أبو الفداء (ت732 ه) في«تاريخه»:وتزوّج علي ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي التميمي وولد له منها عبيداللّه وأبو بكر ؛ قتلا مع الحسين أيضاً(5).

وقال النويري (ت 733 ه) في«نهاية الأرب»: وتزوّج ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلية التميمية، فولدت عبيداللّه وأبا بكر قتلا مع الحسين، وقيل إنّ عبيد اللّه قتله المختار بن أبي عبيد(6).

وقال المرتضى الزبيدي (ت 740 ه) في«البحر الزخّار»: عبداللّه

ص: 252


1- ذخائر العقبى: 117 .
2- الصحيح عبيد الله وهو الموافق للمصادر.
3- المجدي: 198.
4- الجوهرة: 58 .
5- تاريخ أبي الفداء 1: 252 .
6- نهاية الأرب 20: 136 .

[ = عبيد اللّه ] وأبو بكر أمهما ليلى بنت مسعود النهشلية ولا عقب لهما(1).

و قال ابن كثير (ت 774 ه) في«البداية والنهاية»:

ومنهن ليلى بنت مسعود بن خالد... فولدت له عبيد اللّه وأبا بكر،قال هشام بن الكلبي: وقد قتلا بكربلاء أيضاً، وزعم الواقدي : أنّ عبيد اللّه قتله المختار بن أبي عبيدة يوم المذار(2) .

وقال الهيثمي (ت 807 ه) في«مجمع الزوائد»: قتل الحسين بن علي وأصحابه لعشر ليال خلون من محرم... وأبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه ليلى بنت مسعود النهشلية(3).

وقال ابن الدمشقي (ت 871 ه) في «جواهر المطالب»: وتزوّج أيضاً ليلى بنت مسعود بن خالد... فولدت له عبداللّه [ =عبيد اللّه ] وأبا بكر،قتلا مع الحسين بالطف(4).

وقال العصامي (ت 1111 ه) في «سمط النجوم العوالي»: وعبداللّه[= عبيداللّه ] قتله المختار، وأبو بكر قتل بالطف مع الحسين، أمهما ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي، وهي التي تزوّجها عبد اللّه بن جعفر، خلف عليها بعد عمّه[علي بن أبي طالب]، جمع بين زوجةِ عليٍّ وابنته، فولدت له: صالحاً و... إلى آخر ما جاء في الرياض النضرة للمحب الطبري.

ص: 253


1- البحر الزخار 2 :384، باب فيه ذكر العشرة المشهورين من أصحابه.
2- البداية والنهاية 7: 332 وفيه : يوم الدار بدل يوم المذار.
3- مجمع الزوائد 9: 197 عن الليث بن سعد.
4- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب 2: 121 - 122 .

هذه النصوص توقفنا على عدة أمور:

1 - إنّ لليلى النهشلية ابنين من الإمام علي اسم أحدهما : عبيداللّه وكان - يكنّى بأبي علي، والآخر أبو بكر واسمه عبداللّه أو محمّد ، وقد وقع التصحيف كثيراً عند المؤرخين والنسابة بين اسم عبداللّه وعبيداللّه فنسبوا مواقف هذا الى ذلك وبالعكس، وهو كثيراً ما يقع في التاريخ.

2 - اختلافهم في مقتل عبيد اللّه بن علي، فمنهم من قال انه استشهد مع أخيه الحسين في كربلاء، والآخر قال انّه قتل بالمذار مع مصعب بن الزبير، قتله المختار بن أبي عبيد .

وكذا الحال بالنسبة إلى أبي بكر بن علي فالغالب أنّهم قالوا بشهادته في الطف، وهناك من شك في شهادته في كربلاء.

وقد شكك الطبري في كلام هشام بن محمّد بأنها قتلا مع الحسين بالطف، وكذا قتل المختار لعبيد اللّه بن علي بالمذار.

3 - إنّ عبيد اللّه وأبا بكر لا عقب لهما، وشكّك الطبري وغيره في هذا الكلام.

4 - إنّ ليلى النهشلية تزوّجها عبداللّه بن جعفر بعد الإمام علي، وبذلك يكون عبداللّه بن جعفر قد جمع بين بنت الإمام علي،(زينب المكناة بأم كلثوم) وزوجته(علیه السلام)(ليلى).

وقد أولد عبداللّه بن جعفر ليلى النهشلية: صالحاً، وأمَّ أبيها، وأمَّ محمّد. ولا يخفى عليك أنّ أُمَّ عبداللّه بن جعفر كانت أسماء بنت عميس، وأسماء بنت

ص: 254

عميس كان لها ابناً كان لها ابناً من الإمام علي باسم محمّد الأصغر -وهو الذي شُك في قتله مع ابن عمه الحسين في كربلاء - كما كان لعبد اللّه بن جعفر ابناً باسم محمّد الأصغر، وكان يكنّى بأبي بكر، وقد قتل هذا في الطف فلا يستبعد أن يختلط اسم ابن أسماء من الإمام علي مع اسم ابنها من جعفر بن أبي طالب.

وكذا كان للإمام الحسن ابن باسم عبداللّه وقد كان يكنّى هذا بأبي بكر أيضاً فلا يستبعد أن يقع الخلط في المصادر فيمن اسمه محمّد الأصغر أو عبداللّه من الطالبيين وخصوصاً بين المقرّبين من أولاد الإمام عليّ بن أبي طالب وأولاد أخيه جعفر .

ولا تنسى بأنّ القوم كانوا يطلقون كنية أبي بكر على من تسمى بعبداللّه حفظاً للتجانس بين اسم وكنية ابن أبي قحافة.

وقد يكونوا راعوا هذا التجانس في التسميات لبيان الصلة والمحبة بين الصحابة والآل، وهذا ما سنوضحه لاحقاً في المبحث الثاني من هذه الدراسة (التكنية بأبي بكر)فراجع.

5 - ظاهر النصوص السابقة تشير إلى أنّ أبا بكر بن على هو اسمٌ لابن ليلى النهشلية، لكنّا لا نستبعد أن تكون كنية له - لكونها تشابه ما قاله الموضح النسابة في أبي بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأن اسمه عبداللّه - وخصوصاً لو أردنا أن نعطي رؤية توفيقية بينهما، فكنية أبي بكر إما أن تكون لمن اسمه عبداللّه ، أو لمن اسمه محمّد الأصغر، أو لمن اسمه عبدالرحمن، وإليك الآن الأقوال في ذلك.

ص: 255

أبو بكر اسمه عبداللّه :

قال أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314 ه) في كتاب (الفتوح): ثمّ تقدم إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا من دونه، فأوّل من تقدم أبو بكر بن علي واسمه عبد اللّه وأمه ليلى بنت مسعود... فحمل عليه رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له زجر بن بدر النخعي فقتله...(1)

وقال التوحيدي (ت 380 ه) في«البصائر والذخائر»: ولد لعلي بن أبي طالب (رض) لصلبه:.... ومن ليلى بنت مسعود الدارمية : عبيد اللّه [ = عبد اللّه ] وهو أبو بكر ... ومن أم ولد محمّد الأصغر(2).

وفي«المجدي في أنساب الطالبيين»للعمري العلوي من أعلام القرن الخامس الهجري:قال الموضح:وأبو بكر واسمه عبداللّه، قتل بالطف، وأبو علي عبيد اللّه أمهما النهشلية، فأمّا عبيد اللّه فكان مع أخواله بني تميم بالبصرة حتى حضر وقائع المختار فأصابه جراح وهو مع مصعب، فمات وقبره بالمذار من سواد البصرة يزار إلى اليوم، وكان مصعب شنع على المختارية ويقول: قَتَلَ ابنَ إِمامه(3).

وقال أبو العباس أحمد بن إبراهيم (المتوفّى أواسط القرن الرابع الهجري)في«المصابيح»:وعبيد اللّه وأبو بكر،وقيل:إن أبا بكر هذا هو عبداللّه الذي قدمنا ذكره، وأمهما ليلى بنت مسعود(4).

ص: 256


1- الفتوح 5 : 112 .
2- البصائر والذخائر 1: 214 ، أي له(علیه السلام)ولد آخر من آم ولد اسمه محمّد الأصغر.
3- المجدي: 198 - 199.
4- المصابيح 1 : 173 باب أولاد علي(علیه السلام).

وروى المجلسي (ت 1111 ه) خبراً عن المقاتل فيه : قالوا: ثمّ تقدّمت إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا دونه، فأوّل من خرج منهم أبو بكر بن علي واسمه عبيداللّه [ الصحيح عبداللّه ] وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي التميمية فتقدم وهو يرتجز :

شيخي علىٌّ ذُو الفَخارِ الأَطْوَلِ***من هاشم الخيرِ الكريمِ الْمُفْضِلِ

فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر النخعي وقيل : عبداللّه بن عقبة الغنوي، قال أبو الفرج: لا يعرف اسمه، وذكر أبو جعفر الباقر(علیه السلام)في الإسناد المتقدم أنّ رجلاً من همدان قتله، وذكر المدائني أنه وجد في ساقية مقتولاً لا يُدرَى من قتله...(1).

وفي(أنصار الحسين)للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ترى اسم سبعة عشر من بني هاشم الثابت شهادتهم في كربلاء، ثم وعشرة أشخاص مشكوك في شهادتهم في كربلاء،كان أول هؤلاء:أبو بكر بن علي بن أبي طالب....:في الخوارزمي: اسمه عبداللّه أمه ليلى بنت مسعود(2).

وفي تاريخ مواليد الأئمة:وكان له أبو بكر وعبداللّه - من الميلاء بنت مسعود(3).

ص: 257


1- بحار الأنوار 45 :36 .
2- أنصار الحسين: 135 .
3- مواليد الأئمة : 15 والصحيح«ليلا بنت مسعود»و بما أن (ليلا) هي كتابة قديمة ل«لیلی» فصحفت (ليلا) إلى (الميلاء).

والذي أحتمله أنّ «الميلاء» و «الهملاء»(1)كما جاء في خبر آخر هو تصحيف لليلاء = ليلى.

وكذا ما جاء في اسم أبيها«معوذ» و «مسروق» هما تصحيف لمسعود كما جاء في نصوص أخرى، وعبداللّه تصحيف لعبيد اللّه، لأنّ من يقابل أبا بكر هو «عبیداللّه» لا «عبداللّه».

ومثل هذا التصحيف وقع في كتاب (الأمالي الشجرية) وفيه:... وعبد اللّه بن علي بن أبي طالب وأمه أيضاً أمّ البنين... وأبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه ليلى بنت مسعود النهشلية(2).فالصحيح هو عبيد اللّه.

إنّ النسابة والمؤرخين كثيراً ما كانوا يصحّفون اسم عبيداللّه إلى عبداللّه، في حين الكل يعلم بأنّ المقتول في كربلاء - على فرض وجوده في كربلاء - هو عبداللّه لا عبيداللّه، فكيف يجعلون عبداللّه قسيماً لأبي بكر في حين أن عبيداللّه هو الذي يقابل«أبا بكر» لا«عبد اللّه».

موضحين بأنّ هذا المكنى بأبي بكر قد لا يكون ابناً للإمام عليّ،فهو ابن للإمام الحسن المجتبى فنسب إلى الإمام عليّ لكون الإمام عليّ جدّه أو لحذف اسم أبيه الحسن من النصوص.

وقد يكون هو محمّد الأصغر بن عبداللّه بن جعفر زوج ليلى النهشلية - زوجة الإمام عليّ سابقاً - فنسب إلى الإمام علي لأنّه حفيد أسماء بنت عميس زوجة الإمام علي.

ص: 258


1- هو ما جاء في مناقب آل أبي طالب (ت588) 89:33 وفيه:ومن الهملاء بنت مسروق [الصحيح مسعود] النهشلية : أبو بكر وعبد اللّه [ الصحيح عبيد اللّه ] .
2- الأمالي الشجرية 1: 224 ح 807 .

أبو بكر اسمه محمد الأصغر:

وهناك نصوص أُخرى تقول إنّ المكنّى بأبي بكر - من ولد علي - اسمه محمّد الأصغر لا «عبداللّه»، وإليك تلك النصوص.

قال المسعودي (ت345) في«التنبية والإشراف »:ومحمّد الأصغر يكنّى أبا بكر وعبيد اللّه و ...(1).

وقال الطبرسي (ت 548 ه) في«إعلام الورى»نقلاً عن المفيد(ت 478 ه): ومحمّد الأصغر المكنى بأبي بكر وعبيداللّه الشهيدان مع أخيهما الحسين بطف كربلاء ، وأمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(2).

وقال الطبرسي في تاج المواليد:ومحمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيد اللّه الشهيدان مع أخيهم الحسين بالطف رضي اللّه عنهم، أمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(3).

وقال ابن البطريق (ت 600 ه)في «العمدة»: محمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيداللّه الشهيدان مع أخيهما الحسين بطف كربلاء، أمّهما ليلى ابنة

ص: 259


1- التنبيه والأشرف : 258 .
2- إعلام الورى 1 :396، والإرشاد 1 :354 ، وهذا الكلام لا ينافي ما قاله الطبرسي في مكان آخر من إعلام الورى: 476 : وعبيد اللّه وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين وأمهما ليلى بنت مسعود. فإن النص الثاني اكتفى بكنيته دون ذكر اسمه، وهذا يوضّح بأن المؤرخين والنسابة كانوا يكتفون بالكنية في بعض الأحيان لاشتهار الشخص بها، فلا يمكن بعد هذا القول بأن أبا بكر كان اسماً .
3- تاج المواليد : 9 .

مسعود الدارمية(1).

وقال علي بن يوسف الحلي - أخو العلّامة الحلي (ت 705 ه) - في«العدد القوية»: وكان له من ليلى ابنة مسعود الدارمية [محمّد] الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيد اللّه(2).

وقال العلامة الحلي (ت 726 )في «المستجاد من الإرشاد»:

ومحمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيد اللّه الشهيدان مع أخيها الحسين بالطف، أمّهما ليلى بنت مسعود الدارمية(3).

و قال ابن حاتم العاملي (ت 664 ه) في«الدر النظيم»:

وكان له من ليلى بنت مسعود الدارمية: محمّد الأصغر المكنّى أبا بكر وعبيد اللّه(4).

وحكى الأربي (ت 693 ه) في«كشف الغمة»قول الشيخ المفيد دون زيادة:

«ومحمّد الأصغر المكنّى أبا بكر وعبيداللّه الشهيدان مع أخيهما الحسين بالطف، أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية(5).

وقال ابن الصباغ المالكي ( ت 855 ه) في (الفصول المهمة في معرفة

ص: 260


1- العمدة: 30.
2- العدد القوية : 242 - 243 .
3- المستجاد من الإرشاد: 139.
4- الدر النظيم : 430 والصحيح عبيد اللّه .
5- كشف الغمة 2 :67.

الأئمة):ومحمّد الأصغر المكنى بأبي بكر وعبداللّه(1)الشهيدان أيضاً مع أخيهما الحسين بكربلاء أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية(2).

أبو بكر كنية لمن اسمه عبدالرحمن أو عتيق :

انفرد المقريزي (ت 845 ه) في«اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء»بالقول: وعبدالرحمن الذي يكنّى أبا بكر، وعبيداللّه، أمّهما ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي(3).

كما انفرد المزي (ت742 ه) في«تهذيب الكمال»وتبعه الصفدي في الوافي بالوفيات بالقول بأنّ عتيقاً هو اسم لمن يكنّى بأبي بكر من ولد علي بن أبي طالب ؛ إذ قال:«وعبيد اللّه يكنّى أبا علي يقال أنّه قتل بكربلاء، وعبدالرحمن درج، وحمزة درج ، وأبو بكر : عتيق يقال أنّه قتل بالطف(4)...».

وذكر ابن حزم (ت 456 ه) في«جمهرة أنساب العرب»أبو بكر ضمن اخوة العباس بن علي بن أبي طالب السّقاء، وهو كلام لا يوافقه عليه أحد، وقد يفهم من كلامه بأنّ أبا بكر هو كنية لعبداللّه بن علي من أمّ البنين

ص: 261


1- الصحيح عبيد اللّه والأخير لم يستشهد في كربلاء بل قتل في وقعة المذار الزبير قتله المختار حسبما اشتهر في كتب التاريخ.
2- الفصول المهمة 1 : 644 .
3- اتعاظ الحنفاء، الجزء الأول في ذكر أولاد أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه.
4- تهذيب الكمال 20: 479 ، الوافي بالوفيات 21: 185 ، سبل الهدى والرشاد 288:11.

الكلابية ؛ إذ أنّه لم يذكر عبد اللّه ضمن أولاد أم البنين، بل اكتفى بأبي بكر ، فقال ابن حزم: «وقتل أبو بكر وجعفر وعثمان والعباس مع أخيهم الحسين رضي اللّه عنهم»(1).

بهذا فقد عرفت أنّ أبا بكر لم يكن اسماً كما يتصوّره المطالع ابتداءً، بل هو كنية،لمن اسمه عبداللّه،أو محمّد الأصغر ، وأ مّا دعوى أنها كنية لمن اسمه عبدالرحمن أو عتيق، فهي دعوى بعيدة عن الصحة، وهي من منفردات المزي وتبعه الصفدي، وتلوح على دعوى كون اسم«عتيق» هو لمن كنيته بأبي بكر ملامح الوضع،حيث أنهم بهذا القول جمعوا بين «عتيق» و «أبي بكر» في ابناء الإمام على(علیه السلام).

قال الشيخ السماوي (ت 1370 ه) في (إبصار العين في أنصار الحسين):وأبو بكر بن علي بن أبي طالب اسمه محمّد أو عبداللّه وأمه ليلى بنت مسعود... قيل قتله زجر بن بدر النخعي، وقيل: بل عقبة الغنوي، وقيل: بل رجل من همدان ، وقيل : وجد في ساقية مقتولاً لا يُدرَى من قتله،وذكر بعض الرواة أنّه تقدّم إلى الحرب وهو يقول:

شيخي علىٌّ ذو الفَخارِ الأَطولِ***مِن هاشم وهاشِمٌ لا تُعْدَلُ (2)

ولم يزل يقاتل حتى اشترك في قتله جماعة منهم عقبة الغنوي(3).

ص: 262


1- جمهرة أنساب العرب : 38 .
2- تقدمت روايته بنحو آخر من هاشم الخير الكريم المفصل .
3- ابصار العين: 71.

والذي أَحتمله هو وقوع خلط للنسابة والمؤرّخين، ولو تأملت في هذا النص لرأيت الخلط واضحاً مشهوداً، لأنّ المشهور بأنّ عقبة الغنوي- أو عبداللّه بن عقبة الغنوي(1)- هو قاتل أبي بكر بن الحسن بن علي - المسمى بعبد اللّه، حسب قول الموضح النسابة(2)-..

وكذا ما قيل بأنّ قاتله رجل من همدان إذ وجد في ساقية مقتولاً لا يُدْرَى من قتله، فإن هذا ورد أيضاً في عبيداللّه بن علي ابن ليلى النهشلية المقتول في جيش مصعب بن الزبير والذي قبره بالمذار في البصرة مشهور.

نعم، نسب بعض المؤرّخين هذا الأمر إلى أخيه عبداللّه بن علي ابن ليلى النهشلية، لكنّه غير صحيح حسب التحقيق العلمي.

وبهذا فقد اتّضح لك بأنّ محمّد الأصغر الذي قتله رجل من بني دارم هو من أم ولد، وليس ابن ليلى النهشلية الدارمية الشهير بأبي بكر بن على، لأنّ قتل

ص: 263


1- مقتل الحسين لأبي مخنف: 174 ، الإرشاد 2 : 109 ، معجم رجال الحديث 22: 70 رقم 14000، الأخبار الطوال : 257 ، بغية الطلب 6: 2628 ، وذكر الطبري في تاريخه 3 :332 ،343 ان عبد اللّه بن عقبة الغنوي قتل أبو بكر بن الحسين بن علي(علیه السلام)وكذلك ابن الأثير في الكامل في التاريخ 3: 430 والبداية والنهاية 8: 187، وانظر المعجم الكبير 3: 103 وباعتقادي أن الحسين هو تصحيف للحسن.
2- في الزيارة المنسوبة إلى الناحية المقدسة ما يخالف كلام الموضح النسابة إذ فرّق بين أبي بكر وعبد اللّه ففيه:السلام على أبي بكر بن الحسن الزكي الولي،المرمي بالسهم الردي،لعن اللّه قاتله عبداللّه بن عقبه الغنوي، والسلام على عبد اللّه بن الحسن بن علي الزكي،لعن اللّه قاتله وراميه حرملة بن كاهل الأسدي،(انظر بحار الأنوار 364:45 و 98: 27 و 339 و 101 : 341 ، إقبال الأعمال 3: 75 و 74).

رجل من بني دارم لمحمد الأصغر بن ليلى الدارمية بعيد طبقاً للأعراف القبليّة.

وبعبارة أخرى: إنّ كون القاتل من بني دارم مُبَعِّداً لأن يكون المقتول ابن ليلى الدارمية، لأنّ القاتل من عشيرتها وقبيلتها فلا يقدم على قتل من كان منها بالنظر البدوي، وبهذا يكون قتله لمن هو ابن أمّ ولد أقرب إلى الواقع.

وبذلك نحتمل وجود ولدين أو ثلاثة أولاد للإمام علي بن أبي طالب قد تَسمَّوا بمحمد الأصغر وقتلوا في الطف مع أخيهم الحسين(علیه السلام).

أحدهم:أمه أم ولد وهو قتيل الأباني الدارمي.

والآخر:هو الشهير بأبي بكر بن علي وأمه ليلى الدارمية النهشلية.

وثالثهم: يمكن أن نقول إنّه ابن أسماء بنت عميس، وهو ليس ببعيدطبق بعض النصوص.

وقد يكون المسمى بمحمد الأصغر هو ابن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب والذي تكون جدته أسماء - زوجة الإمام علي - وبذلك يكون محمّد هذا هو حفيد أخ الإمام علي بن أبي طالب (جعفر)، وكذا حفيد زوجته أسماء، فاختلط الأمر على النسّابة إذ عدّوه ابناً لعلى بن أبي طالب(علیه السلام).

لكن قد يقال في جواب ما احتملناه:لماذا لا يقع السلام - في زيارة الناحية والرجبية - على أبي بكر بن النهشلية،أو ابن أسماء بنت عميس كما وقع على محمّد الأصغر قتيل الأباني الدارمي؟

الجواب: إنّ السلام الواقع في الزيارات كان على العِيِّنة من أهل البيت وأصحاب الإمام الحسين لا على جميع المستشهدين بين يديه، فقد يكون لمحمّد الأصغر ابن أمير المؤمنين قتيل الأباني خصوصيّة لم تكن عند الآخرين، وقد تكون هناك أجوبة أخرى لم نقف عليها.

ص: 264

الخلاصة :

فتلخّص مما سبق : أنّ للإمام علي من ليلى الدارمية النهشلية ابنين : اسم أحدهما عبيد اللّه المكنّى بأبي علي.

والآخر عبد اللّه أو محمّد الأصغر المكنّى بأبي بكر.

وبما أنّ لعلي بن أبي طالب ابنين آخرين يشتركان مع الابن الثاني لليلى النهشلية في الاسم:

أحدهما:ابن أم البنين الكلابية والذي اسمه عبداللّه - أخو العباس وعثمان وجعفر - .

والثاني: محمّد الأصغر ابن أمّ ولد،واللَّذان استُشهدا في كربلاء، فلا يستبعد أن يكون المؤرّخون والنّسابة وأصحاب المقاتل كنّوا المسمى بعبد اللّه أو محمّد بن ليلى النهشلية بأبي بكر كي يميّزوه عن أخويه من قبل الأَب.

وقد يكون أبا بكر هذا هو ابن الإمام الحسن المجتبى ابن الإمام عليّ فنسب إلى الإمام عليّ لعلل رجوها.

وقد لا يكون (أبو بكر) كنية لابن ليلى النهشلية بل هو اسم، خصوصاً إن صحَّ كتاب معاوية المروّي في كتاب سليم بن قيس إلى الإمام علي، والذي فيه: «وقد بلغني وجاءني بذلك بعض من تثق به من خاصّتك بأنك تقول الشيعتك [الضالة] وبطانتك بطانة السوء: «إنّي قد سميت ثلاثة بنين لي أبا بكر وعمر وعثمان، فإذا سمعتموني أترحَّم على أحد من أئّمة الضلالة فإنّي أعني بذلك بَنِيَّ ».

فلو صح خبر كتاب سليم بن قيس وادعاء معاوية بن أبي سفيان

ص: 265

فيُتَصَوَّرُ بدواً بأنّ أبا بكر هو اسم لأحد ولد علي بن أبي طالب، والأرجح أن يكون ابن ليلى النهشلية، لأنه ليس بين ولد الإمام علي من سُمِّي أو كُنّي بأبي بكر غير هذا.

وهذا الخبر سيدعونا إلى القول بأنّ اسم أبي بكر قد أطلق على ابن ليلى النهشلية منذ زمان معاوية بن أبي سفيان لا بعد واقعة كربلاء كما يستفاد من تحليلنا السابق.

لكن هذا الكلام هو الآخر غير صحيح، لأن التسمية هو أعّم من الاسم والكنية واللقب، وأنّ رسول اللّه حينما أمرنا بتحسين الأسماء عنى أيضاً تحسين الكنى والألقاب أيضاً، ومثله قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ) فهو لا يعني عدم التنابز بالألقاب بما هي ألقاب، بل يعني عدم التنابز بالأسماء والكنى والألقاب معاً.

مضافاً إلى ذلك وجود هذه الجملة في نسخة (ج)من كتاب سليم بن قيس: «إنك قد سميت ثلاثة بنين لك، كنيت أحدهم أبا بكر، وسميت الاثنين عمر وعثمان» وهو مُبَعِّدٌ أن يكون أبو بكر اسماً لابن ليلى النهشلية.

ويضاف إلى ذلك أنّ لفظة الاسم تطلق على الكنية أيضاً، إذ أخرج مسلم والبخاري بسنديهما عن سهل بن سعد الساعدي أنّه قال في علي:واللّه،إنّ رسول اللّه (صلی اللّه علیه وآله وسلّم)سماه بأبي تراب، ولم يكن له اسم أحبّ إليه منه(1).

ص: 266


1- صحيح البخاري 3: 1358 ح3500، 2316:5 ح 5924،صحیح مسلم 1874:4 ح 2409.

ومما يمكن احتماله في أبي بكر بن علي أيضاً هو وقوع الالتباس على المؤرخين والنسابة وأصحاب المقاتل وخلطهم بين ولد عبداللّه بن جعفر وبين ولد الإمام علي بن أبي طالب، أو بين أبي بكر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب وبين المكنّى بأبي بكر : أعني عبد اللّه بن عليّ ابن ليلى النهشلية - زوجة عبداللّه بن جعفر بعد الإمام عليّ - .

لأنّ المعروف بأنّ عبد اللّه بن جعفر قد تزوّج ليلى النهشلية بعد الإمام علي، فقد جمع بين زوجة الإمام علي (ليلى) وبنته (زينب)، وأنّ أولاد ليلى النهشلية وزينب بنت علي بن أبي طالب وأولاد غيرهم من نساء عبداللّه بن جعفر كانوا مع الحسين بن علي في كربلاء، لأنّ عبداللّه بن جعفر كان قد سمح لولده بأن يخرجوا مع الحسين، فليس من البعيد أن يخلط النسابة والمؤرّخون بين أبي بكر بن عبداللّه بن جعفر وبين أحد ولد علي من ليلى النهشلية،المسمى بعبد اللّه ويطلقوا عليه لقب أبي بكر لمكانة أسماء بنت عميس.

وقد يكون هذا الأمر مقصوداً من قبل بعض المؤرّخين والنّسابة لكى يكملوا وجود أسماء الثلاثة في ولد علي.

ولعلّ المسمّى بعبد اللّه أو محمّد ابن ليلى النهشلية لم يكن ابناً لعلي بل هو ابن عبداللّه بن جعفر .

وقد يكون هذا هو أخو عبداللّه بن جعفر لا ابنه، لأنّ أمّهم أسماء بنت عميس قد تزوّجها الإمام علي بعد أبي بكر، وكان لها ولدان من جعفر بن أبي طالب باسم محمّد:

ص: 267

محمّد الأكبر الذي قتل مع عمه علي في صفين وقيل بتستر.

والآخر محمّد الأصغر المقتول مع ابن عمه الحسين في كربلاء.

وقد يقال أيضاً بأنّ ما حكوه عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب وأنّه سَمَّى أحد ولده بأبي بكر، أنّها كانت كنية لمن اسمه محمّد الأصغر من ولده المقتول في كربلاء.

وعليه فلا يستبعد أن يختلط ولد ليلى الدارمية النهشلية من علي،مع ولدها من عبد اللّه بن جعفر، وقد يمكن أن ينسب ولد عبداللّه بن جعفر ألآخرين إلى جدّتهم أسماء بنت عميس، وقد ينسب ولد أسماء من غير علي إلى الإمام علي، وبالعكس.

وقد يكون أبو بكر بن علي هذا هو عبد اللّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب المكنّى بأبي بكر والمستشهد في كربلاء، وذلك لاتحاد ما قيل فيهما.

وعلى أيّ حال فحياة أبي بكر بن علي بن أبي طالب لم تكن واضحة المعالم-كأخيه عمر الاطرف - ولم يكن له دورٌ مهمّ كالعباس أو مسلم بن عقيل أو زهير بن القين أو غيرهم من أصحاب الحسين، ولم يكن قتله مفجعاً كقتل عبداللّه الرضيع بن الحسين بن علي، فهذه العلل وأمثالها، واختلاط اسمه وكنيته مع اسم وكنية الآخرين،كلّ هذه الأُمور لا تجعل حياته واضحة تماماً كحياة غيره من أبطال كربلاء، ولأجله لم يسلّط خطباء المنبر الحسيني الضوءَ على شخصيته كما يسلّطون الضوء على كبار رجالات كربلاء.

فأبو بكر بن علي لم يثبت قتله في كربلاء، بل إنّ شهادته مشكوك فيها، حتى أنّ الشيخ شمس الدين ذكره كما ذكر عمر بن علي الأطرف ضمن

ص: 268

العشرة المشكوك في قتلهم فى الطف(1).

وعليه فعدم ذكرهم جاء لهذه العلل والأسباب، لا لتكنيِّه بأبي بكر - كما يريد البعض أن يصور ذلك - وأنّ الخطباء يتعرضون إلى الشخصيات البارزة والمهمة في واقعة كربلاء مثل موقف زينب، وخطبة علي بن الحسين في مجلس يزيد، ودخول مسلم إلى الكوفة، وأخبار ساقي عطاشى كربلاء العباس(علیه السلام)وأمثالها، فإنّ تلك المواقف لم تكن كمواقف أبي بكر بن علي، أو عمر بن علي، أو عثمان بن علي، وهؤلاء - على فرض شهادتهم - فهم شهداء وهم حرمة كغيرهم من الشهداء.

هذا، مع أنّ الخطباء لا يذكرون جميع الشهداء ؛ إذ ترى بين الشهداء من هم من أولاد جعفر بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب وغيرهم، وأسمائهم غير أسماء الثلاثة ومع ذلك لا يُذكَرونهم بأجمعهم، فالخطباء لا يذكرون إلا العِبينة من الشهداء، وهذا لا يعني عدم احترامهم وتجليلهم للشهداء غير المذكورين على المنابر ، فكيف بمن شُك في قتله في كربلاء مثل : أبي بكر بن علي، وعمر بن علي.

فعمر بن علي بن الصهباء التغلبية لم يثبت مشاركته في الطف فضلاً عن شهادته، بل إنّ أمر شهادته لا يختلف عما قيل في أخيه أبي بكر بن علي ووقوع التصحيف فيه، فلا يستبعد أن يصحفوا عمرو بن الحسن بن علي إلى عمر ثم يسقطو اسم الحسن فيقولوا بوجود عمر بن علي بن أبي طالب في كربلاء، في

ص: 269


1- انظر أنصار الحسين: 136 .

حين لوصح لكان المستشهد هو ابن أخ أبو بكر:عمرو = عمر بن الحسن بن علي ابن أبي طالب لا عمر بن علي بن أبي طالب.

وهذا ما قالوه أيضاً في أبناء الإمام الحسين وأنّ له ابنان باسم أبي بكر وعمر، في حين لم يثبت هذا الأمر، ولو كان فهما للإمام الحسن لا للإمام الحسين حسبما مر الكلام عنه قبل قليل.

وبهذا فقد عرفت حال أبي بكر بن علي بن ليلى النهشلية، وأنّه لم يكن له دور كغيره من أبطال كربلاء، كما أنه قد شكّ في قتله، وعلى فرض كونه من شهداء كربلاء، فدوره ليس بأكبر من أدوار عبداللّه وجعفر وعثمان أبناء أمّ البنين الذين لم يُسَلَّط الضوء عليهم حينما ننقل وقائع كربلاء كما يُسلَّط على أخيهم العباس السقّاء. كل ذلك بعد التشكيك في مقتله في الطف.

إذن الحساسية لم تكن مع أسمائهم - بما أنّها أسماء تطابق لأسماء الثلاثة - بل لعدم وجود أدوار رئيسة لهم، كغيرهم من رجالات كربلاء.

نعم، إنّ خطباء المنبر الحسيني يذكرون الوقائع التفصيلة المأساة كربلاء في السنة مرة، أى في يوم عاشوراء، وعند قراءتهم للمقتل الحسيني في اليوم العاشر، أمّا في غير تلك المناسبة فيقتصرون على نقل المشاهد الهامة من واقعة

كربلاء كمواقف العباس وزينب ومسلم بن عقيل والرضيع...

بهذا أختم جوابي عن السؤالين المطروحين سابقاً، وأقول لمن يثير هكذا شبهات:

1 - عرفت على ضوء الصفحات السابقة بأنّ الإمام عليّاً لم يُسّمِ ابنه بعمر، بل إنّ عمر بن الخطاب هو الذي طلب من الإمام علي أن يهبه تسمية

ص: 270

ولده، بعمر، وبذلك يكون اسم عمر هو الاسم الأول من أسماء الثلاثة في أولاد الإمام علي.

ثم يأتي اسم عثمان، وقد وضع هذا الاسم من قبل الإمام بعد مقتل عثمان لا لعثمان بن عفان بل لعثمان بن مظعون.

ثم يأتي الاسم الثالث وهو المشتهر بأبي بكر، وهذا آخر من تسمى وتكنى بأسماء الثلاثة .وإنّ معرفتنا بولادة هؤلاء الثلاثة من ولد الإمام علي يدلّنا على عدم وجود الترتيب في أسماء الثلاثة،بل يثبت كذب من قال إنّ الإمام(علیه السلام)سمّاهم بالترتيب مستدّلاً على وجود المحبّة بين الإمام علي والثلاثة.

2 - لم يثبت وجود ولدين للإمام علي باسم عمر أو عثمان أو جعفر، ومَن أراد التأكُّد من صحّة كلامنا فليراجع كتاب (الجريدة في أصول أنساب العلويين) للسيّد حسين الزرباطي فإنه(رحمة اللّه)سعى أن أن يحصل على أكبر عدد ممكن من ولد الإمام علي، فجمع بين روايتي المفيد في (الإرشاد) والشبلنجي في ( نور الأبصار) فذكر خمسة عشر ابناً وإحدى وعشرين بنتاً، فصاروا 36 شخصاً.

فلم أقف بين تلك الأسامي على اسم عمر الأصغر، وعمر الأكبر، أو جعفر الأصغر، وجعفر الأكبر.

مع أنّه ذكر ثلاثة أولاد سمّوا بمحمد:

1 - محمّد بن الحنفية.

2 - محمّد الأصغر.

ص: 271

3-محمّد الأوسط، وبنتان سمّيتا بزينب:زينب الكبرى وزينب الصغرى، وأم كلثوم الكبرى، وأم كلثوم الصغرى، ورملة، ورملة الصغرى، ورقية ورقية الصغرى.

فلو كان للإمام عُمَران أو عثمانان أو جعفران أو أي شي آخر لذكره الزرباطي كما شاهدناه في محمّد، وزينب، وأم كلثوم، ورملة، ورقية.

إنّ ما جاء به الزرباطي كان أقصى ما يمكن أن يقال في ولد الإمام علي،لأنّه جمع بين الثابت والمنسوب من ولد علي، إذ لم نقف على ولد للإمام علي أكثر مما جاء في هذا الجمع بين روايتي المفيد والشبلنجي، وهو يؤكّد بأنّ زيادة شيخ الشرف هي زيادة منه لم يوافقه عليها الآخرون، وكلامنا هذا يؤيده ما جاء في كتب الزيدية وخصوصاً ما جاء في كتاب (الأحكام) ليحيى بن الحسين الزيدي والذي مر سابقاً حين الكلام عن عمر الأطرف، قال يحيى بن الحسين : بلغنا عن علي بن أبي طالب أنّه دعا بنيه وهم أحد عشر رجلاً أولهم:الحسن بن علي،والحسين، ومحمّد الأكبر، وعمر، ومحمّد الأصغر،وعباس،وعبداللّه، وجعفر ،وعثمان،وعبيد اللّه وأبو بكر بنوا علي بن أبي طالب ...(1).

إنّ من أراد القول بأن للإمام عمَرين أو عثمانين أو جعفرين أراد أن يجمع بين شتى الأقوال؛لأنّه رأى عند الذهبي السني مثلا كلمة عمر الأكبر، وعند الآخر عمر الأصغر ، فأراد الجَمْعَ بينهما والقول بأن هناك عمرين،

ص: 272


1- الأحكام 2: 524 .

وازداد عزماً على هذا الجمع حينما وقف على أنّ أحدهما عاش إلى سنة ثمانين أو خمسة وثمانين والآخر قتل في الطف، ومن هؤلاء كان الشيخ النمازي الذي قال في (مستدركات علم الرجال)وبعد أن ذكر قول ابن الجوزي في (تذكرة الخواص):

أقول: يستفاد من تصريحه بعمر الأكبر وأنّه عاش خمساً وثمانين: أنّه لم يكن من شهداء الطفّ، وأنّ له(علیه السلام)عمر الأصغر وهو من الشهداء.

فله ابنان يسميان بعمر:الأصغر والأكبر.

فالأصغر أمه الصهباء كان من شهداء الطف.

والأكبر بقي إلى خمس وثمانين سنة، فيكون له عُمَران، كما أنّ له محمَّدين : أحدهما من شهداء الطف، والثاني محمّد بن الحنفية - بل له ثلاثة أولاد تسمى بمحمد - وكما أنّ له عباسين وعثمانين وجعفرين...، ولمولانا علي بن الحسين : الحسين، والحسين الأصغر، وكذلك غيرهم(1).

والعجيب من الشيخ النمازي أنّه لا يفطن إلى أنّ الصهباء كانت - في إحدى الاقوال - من سبي اليمامة أي في سنة 11 - 12 للهجرة، وأن عمر الأطرف ولد حينما قام عمر بين سنة 12 إلى 24.

فكيف يكون من ولد في سنة 14 للهجرة هو الأصغر عند واقعة الطف الواقعة في سنة 61 .

بل من هي أم عمر الأكبر وما اسمها، ومتى تزوجها الإمام؟! فلو أراد القائل إثبات كونه أكبر من ابن الصهباء كان عليه أن يذهب إلى ولادته قبل

ص: 273


1- مستدركات علم رجال الحديث 6: 102 .

أخذ أسرى عين التمر أو اليمامة إلى المدينة، أي أن تكون ولادته قبل زمن أبي بكر، وفي زمن رسول اللّه ، وللزم عليه أن يكون أكبر من محمّد بن الحنفية،مع أنّا لم نقف على اسم عمر بين ولد فاطمة، أو أُمامة، أو خولة، أو أسماء، وكذا الحال لم نقف على اسمه بين من هي من أم ولد من إماء الإمام علي.

وكذا ليس من الثابت أنّ للإمام(علیه السلام)عثمانين وجعفرين وعباسين، بل هي من زيادات شيخ الشرف انفرد بها ولم يوافقه عليها أحد.

وعليه فالاختلاف في اسمه وأنه هل هو محمّد الأصغر، أو عبداللّه، وكذا الشك في مقتله(1)،وأيضاً الشك في مقتل محمّد الأصغر الذي هو من أم ولد أو من ليلى النهشلية(2)، وعدم وجود دور بارز مشهود لأبي بكر بن علي أو عمر بن علي كدور أبي الفضل العباس وغيرها من الأُمور، كلها جعلت الخطباء لا يأتون باسم عمر وأبي بكر ابني علي بن أبي طالب في المجالس الحسينية إلا قليلاً.

ونحن بهذا الكلام قد فنّدنا ما أثاره بعض المغرضين من شبهات في موضوع التسمية، وإليك الآن الكلام عن المبحث الثاني وهو موضوع التكنّي بأبي بكر.

ص: 274


1- أعيان الشيعة 1 : 610 .
2- قاموس الرجال 9: 125، عن مصعب الزبيري، قال: محمد الأصغر درج، وأُمه أم ولد.

البحث الثاني في التكنية ب(أبي بكر )

وهو يقع في ثلاثة محاور:

ص: 275

ص: 276

المحور الأول: وفيه نبحث عن معنى«بكر» و «أبي بكر»عند العرب، وهل أنّ هذه الكنية تأتي للمدح أم للذم،أم لهما معاً، أم لا هذا ولا ذاك؟

المحور الثاني: وفيه نتكلم عن تاريخ إطلاق هذه الكلمة على«ابن أبي قحافة»، وهل أنّها كانت له في الجاهلية، أم أُطلقت عليه في الإسلام؟ وهل أنها كنية خاصة به أم كُنِّى بها آخرون أيضاً؟

المحور الثالث:وفيه نشير إلى المسمّين أو المكنَّين بأبي بكر من ولد أئمّة أهل البيت،أو المكنين من الأئمة(علیهم السلام)،وهل أنّ هذه الكنية هي من وضعهم(علیهم السلام)أم من وضع غيرهم؟ وبيان دور المتأخرين في إبدال كنية بعض الطالبيين وجعلها اسماً لهم.

المحور الأوّل: في معنى «بكر» و«أبي بكر»:

ممّا لا شك فيه أنّ الحياة في الجزيرة العربية تختلف عن غيرها ؛ وذلك لطبيعتها الصحراوية، ولكون الساكنين فيها بَدواً رحّلاً يتنقلون بين

ص: 277

الصحارى والأودية والجبال بحثاً عن الكلأ والماء.

ونظراً لهذه الحالة الاجتماعية والطبيعية كانوا يهتمون بالنبات والحيوان كثيراً وقد صنف العرب كتباً في الزرع والكرم والبقول والأشجار والرياح والسحاب والأمطار والحيوان وأسماء الخيل ونسب الخيل والإبل وغيرها.

وكانت الخيل والإبل رأس تلك الحيوانات، وخصوصاً الإبل منها، وذلك لمعرفتها بالطرق، وصبرها على الأذى والبلاء، وحملها للإنسان والاستفادة منها في مأكوله وملبوسه ومتاعه، وقدرتها على تحمّل العطش لمدّة عشرة أيام، وعيشها في الصحراء وعشقها للشمس، وقدرتها في التعرف على النبات المسموم بالشم.

فالإبل عزٌّ لأهلها، والغنم بركة كما جاء في الحديث النبوي الشريف(1)،وقد كانت لرسول اللّه ناقة سميت بالقصواء أو العصباء أو الجدعاء.

كل هذه الأُمور جعلت العرب تعتزّ بالإبل وتهتمّ وتتفاخر بها، وتؤلّف كتباً في صفاتها وخصائصها وأسمائها، وتنظم الأشعار فيها، وقد سمت العرب لكل فترة من فترات عمرها أسماء، كالفصيل وابن مخاض وابن لبون و.... ولو راجعت (كتاب الإفصاح في فقه اللغة)مثلاً لوقفت على أسماء كثيرة موضوعة لرأس البعير، وعنقه،وصدره،وبطنه،وكرشه،وذنبه، وضرعه، وقوائمه، وأنواع رضاعه.

ص: 278


1- مسند البزار 7 :345 ،زوائد الهيثمي 1 : 487 عن ابن عمر،والمعجم الكبير 24: 426 ، ومسند أحمد6: 424 عن أم هاني عن رسول اللّه.

كما أنّهم ميّزوا بين الذكر والأنثى منها،فوضعوا اسم الجمل على الذكر من الإبل،والناقة للأنثى منها، والبعير لهما معاً.

وقد أكد سبحانه وتعالى على خصائص هذه الأنعام للناس في قوله(وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَد لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤوفٌ رَّحِيمٌ * وَالخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)(1).

وقوله تعالى (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ)(2).

وقوله تعالى ( أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونِ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ)(3).

ومن تلك الألفاظ الموضوعة«البكر»و «البكرة» وهي أسماء للفتيّ من الإبل، ذلك الحيوان المحبوب والمهم في الجزيرة العربية.

وعليه فكنية«أبي بكر»لم تكن كنية بذيئة عند العرب، وليس في إطلاقها على أحد عيبٌ ذاتي، ولم تكن مختصة بابن أبي قحافة، فقد تكنى به آخرون من قبله ومن بعده.

ص: 279


1- النحل : 5 - 7 .
2- الغاشية: 17 .
3- يس: 71 - 73 .

أجل، قد يؤتى ب«أبي الفصيل» استنقاصاً للطرف، وتصغيراً له، وذلك حسب الاستعمال، ومثلها في ذلك مثل الرّقاع قَبالِ الحذّاء، والكنّاس مقابل المنظّف، والنجار مقابل مهندس الديكور، إلى غيرها من عشرات الكلمات.

والآن لنتسائل : ما وجه تكنية ابن أبي قحافة بأبي بكر؟

ولماذا هذه الكنية له بالخصوص لا غير؟ وهل أنّها كانت كنيته في الجاهلية أم أنّها أُطلقت عليه في صدر الإسلام؟

بل ماذا يعني ما حكوه عن رسول اللّه من أنّه غيّر اسم ابن أبي قحافة من عتيق أو عبد الكعبة إلى عبد اللّه،كما أنّه(صلی اللّه علیه وآله و سلّم) غير كنيته إلى أبي بكر؟

فماذا كانت كنيته في الجاهلية حتّى يغيّرها رسول اللّه؟ ولماذا لا يشيرون إلى تلك الكنية ؟

بل لماذا لا يكنّيه رسول اللّه بأبي عبدالرحمن وأبي محمّد وأمثال ذلك؟ مع أنّه(صلی اللّه علیه وآله و سلّم)شخص رساليّ هادف في أعماله يدعو إلى توحيد الله والتسمية بما عُبِّد وحُمِّد، وأفضل الأسماء والكنى والألقاب عنده هو ما حمد و عبد .

هذه الأُمور يجب توضيحها، كي نقف من خلالها على دواعي وضع الآخرين هذه الكنية على المعصومين من أهل البيت(علیهم السلام)أو على بعض أولادهم.

المحور الثاني: متى كُنّي أبو بكر بأبي بكر؟ ولم؟ وما هي كنيته السابقة؟

أبو الفصيل كنية ابن أبي قحافة في الجاهلية

من المعلوم أنّ الكنية تأتي غالباً لاشتهار خصلة أو انتساب إلى جهة أو صفة، أو لتلازم وتقارب، فبعضها تأتي صريحة وأخرى مضمرة.

ص: 280

قال الأهدل:والمقتضي للتكنية أمور:

الأوّل: الإخبار عن نفس، كأبي طالب، كُنّي بابنه طالب، وهذا هو الأغلب.

الثاني : التفاؤل والرجاء، كأبي الفَضل ؛ لمن يرجو ولداً جامعاً للفضائل.

الثالث: الإيماء إلى الضدِّ ؛ كأبي يحيى لملك الموت.

الرابع:اشتهار الشخص بخصلة فيكنى بها، إمّا بسبب اتّصافه بها في نفسه أو انتسابه إليها بوجه قريب أو بعيد، كأبي الوفاء لمن اسمه إبراهيم، وأبي الذبيح لمن اسمه إسماعيل أو إسحاق(1).

أمّا الاحتمال الأوّل: فلا يمكن تصوّره في التكنية بأبي بكر لابن أبي قحافة، لأنه ليس له ولد بهذا الاسم(2).

أمّا الاحتمال الثاني: فقد يمكن تصوره إذا أُريد منه الدلالة على السخاء والكرم، وهذا ما أراده الآخرون بأخَرة(3)، ساعين للتدليل عليه من خلال أخبار أثبتنا عدم صحتها(4).

أمّا الاحتمال الثالث: فيعني وضع هذه الكنية تعريضاً بأبي بكر، كأن يقال للأسود: (أبو البيضاء)، أو للأعمى: (أبو بصير)، وللأقرع: (أبو الجعد)، وللأعرج: (ابن ذي الرجل)، وهذا بعيد لو قلنا بوضع هذه الكنية عليه من قِبَل رسول اللّه.

ص: 281


1- الكواكب الدرية للأهدل 1 : 52 .
2- انظر تحفة المولود 1 : 134 مثلاً .
3- أى في زمان متأخر.
4- انظر أصل الكتاب في الصفحات 434 - 440 .

أمّا الاحتمال الرابع: فقد يكون وارداً ؛ لكن بعناية ما، وهو الذي دعا رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)أنّ يبدل كنيته من أبي الفصيل إلى أبي بكر، وهو سبب في عدم تكنيته بأبي عبدالرحمن أو أبي محمّد، كلّ ذلك مجاراة لكنيته الأُولى في الجاهلية، كما رأيناه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)قد بدل كلمة (حزن) ب(سهل) ، و (عاصية) إلى (جميلة)، لأنّ من المعروف بأن أبا قحافة وابنه كانا يناديان على مائدة ابن جدعان، فكأنّ التكنية بذلك جاءت لكونه يرعى إبل ابن جدعان أو غيره، فصارت كنية «أبي الفصيل»ملازمة له.

بلى أنّ المناوئين لابن أبي قحافة كانوا يسمّونه في الجاهلية وصدر الإسلام ب«أبي الفصيل»و«ذي الخلال»تعريضاً به.

والفصيل:ولد الناقة إذا فصل عن أُمه(1)، واصله من القطع(2)، بخلاف البَكْر - بالفتح - وهو الفَتِيّ من الإبل(3)، وقيل: البكر الناقة التي ولدت بطناً واحداً والجمع أبكار(4)، وهو أكبر من الفصيل(5).

فأعداء أبي بكر كانوا يريدون أن يستنقصونه فيقولوا له : من أنت حتّى

ص: 282


1- المحكم والمحيط الأعظم 8: 329 .
2- كشف المشكل 3: 406 ، تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي 1: 314 وانظر أدب الكاتب للصولي 54:1.
3- المغرب في ترتيب المعرب 1 : 84 ، المحكم والمحيط الأعظم 7: 20، شرح النووي على صحیح مسلم 8: 77.
4- المحكم والمحيط الاعظم 7 :19، تهذيب اللغة 10: 127.
5- البكر والبكرة بمنزلة الغلام والجارية اللذين لم يدركا تهذيب اللغة 1: 34 ولسان العرب 3: 360 .

تُكَنَّى بأبي بكر ؟!،إذ كُلُّ ما عرفناه عنك أنك ووالدك كنتما من الذين تدعون على مائدة عبد اللّه بن جدعان(1)،فإِنَّكَ أبا الفصيل لا أبا بكر.

كما إنّهم كانوا يدعونه أيضاً(بذي الخلال) تشبيهاً بالفصيل الذي يراد فطمه من الرضاع، فيغرزون في أنفه خِلالة ، فإذا لهج الفصيل بالرضاع نخس الخلال ضرع الناقة فمنعته الناقة فمنعته من الرضاع(2).

و إليك الآن بعض النصوص الدالّة على تكنيته بأبي فصيل قبل إطلاق كنية أبي بكر عليه :

منها: ما جاء في كتب التفسير والتاريخ أنّ المشركين في مكّة فرحوا وشمتوا بالمسلمين لمّا غلبت فارسُ الرومَ، لأنّ أهل الروم كانوا نصارى ومن أهل الكتاب، أما فارس فكانت مجوسيّة وليس لها كتاب،فنزلت الآية:(الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينِ للّه الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )(3)،لتسكين قلوب المؤمنين.

وجاء عن أبي بكر أنه قال للمشركين: لا يقرَّنَّ اللّه أعينكم، فواللّه لتظهرنَّ الرومُ على فارسَ بعد بضع سنين

فقال له أبي بن خلف[ من المشركين]: كذبتَ يا أبا فصيل، اجعل بيننا أجلاً أُنا حِبُكَ عليه ، والمُناحَبَةُ المُراهنة(4).

ص: 283


1- أنظر التفسير الكبير 3: 206، وتاريخ دمشق 1: 436 .
2- انظر خزانة الأدب 2: 392 ،غريب الحديث للخطابي 1: 388.
3- سورة الروم 1 - 4 .
4- تفسير مقاتل 3:3 ،الكشاف3 : 472 تاريخ الطبري 1: 468 .

وهذا النص ليشير إلى أنّ ابن أبي قحافة كان يكنّى في الجاهلية ب«أبي الفصيل»،وقد يكون قالها استنقاصاً وتحقيراً له.

وقريب من الخبر الأنف ما جاء في المحرّر الوجيز:أنّ أبا بكر خرج إلى المسجد فقال لهم : أَسَرَّكُم أن غُلِبَتِ الروم، فإنّ نبينا أخبرنا عن اللّه تعالى أنّهم سَيَغْلِبُونَ في بعض سنين .

فقال له أبيُّ بن خلف،وأمية أَخوه ، وقيل:أبو سفيان بن حرب: تعال يا أَبا فصيل - يعرِّضون بكنيته بالبكر - فلنتناحب، أي نتراهن في ذلك، فراهنهم أبو بكر ...(1).

ومن المعلوم أنّ الكنية لا تظهر فجأة بين عشيّة وضحاها للأشخاص،بل هي ظاهرة ملازمة لصاحبها منذ نشوئه وبلوغه ، والمشركون كانوا يعرفونه بهذه الكنية ولأجله خاطبوه بها.

والنصُّ السابق يحدِّد لنا تاريخ إطلاق كنية أبي الفصيل على ابن أبي قحافة عند عرب الجزيرة، وأنّهم كانوا لا يقبلون بإطلاق كنية أبي بكر عليه في الجاهلية، لأنّه أصغر من أن يحملها، وصدور هذا النص كان في بداية الدعوة الإسلامية وحين نزول آية(الم غُلِبَتِ الرُّومُ).

ولا أستبعد أن يكون المشركون كنوه بهذه الكنية استنقاصاً منه، وهو يؤكّد لنا أنّ كنية أبي الفصيل كانت للاستنقاص لا المدح.

وعلى كلا التقديرين، فإنّ كنية أبي الفصيل هي إحدى كُنى أبي بكر قبل الإسلام سواء وُضعت من قبل أصدقائه أو من قبل أعدائه.

ص: 284


1- المحرر الوجيز 4: 328.

قال التبريزي في اللمعة البيضاء:و«أبو قحافة» كنية عثمان بن عامر كما في القاموس، وعثمان أبو أبي بكر.

واسم أبي بكر هو عبداللّه، فأبو بكر هو عبداللّه بن عثمان بن عامر، وكانت كنية أبي بكر في الجاهلية أبا الفصيل،فلمّا أسلم كنّاه رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلّم)بأبي بكر .

وتكنية أبيه بأبي قحافة، لأن القحف - بالكسر - نصف القدح من الخشب على مثال قحف الرأس، وهو العظم الذي فوق الدماغ، ثم يقال : اقتحف الرجل إذا شرب ما في الإناء، والقحافة - بالضم - ما يقتحف من الإناء، سُمِّي عثمان المذكور بأبي قحافة، إمّا لكونه مضيفاً للناس، أو لكونه داعياً لضيافة الناس، أو لكونه طبّاخاً ونحو ذلك. والمشهور المأثور أنه كان داعياً لضيافة عبداللّه بن جدعان في الجاهلية(1).

وفي مرآة العقول في شرح أخبار الرسول وقيل إنه [أي التكنّي بأبي الفصيل ] كان كنيته قبل إظهار الإسلام، وبعده كنّاه النبي بأبي بكر، وروي أنّ أبا سفيان قال يوم غصب الخلافة : لأملأنّها على أبي فصيل خيلاً ورجلاً.

وذكر السيّد الشريف في بعض حواشيه:وقد يعتبر في الكنى المعاني الأصلية، كما روي أنّ في بعض المفردات نادى بعضُ المشركين أبا بكر: أبا الفصيل(2).

ص: 285


1- اللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري: 651 .
2- مرآة العقول 26: 118 . وانظر شرح أصول الكافي للمازندراني 12: 270.

قال الشيخ محمّد العربي التباني الجزائري: والناس كَنّوا أبا بكر بأبي الفصيل احتقاراً له، وقالت قبيلة أسد وفزارة : لا واللّه لا نبايع أبا الفصيل أبداً، فتقول لهم خيل طيّ: أشهد ليقاتلنكم حتى تكنّوه أبا الفحل الأكبر(1).

أبو فصيل كنية ابن أبي قحافة بعد وفاة رسول اللّه أيضاً :

روى المدائني عن مسلمة،قال : قُبض رسول اللّه وأبو سفيان على صدقة نجران،فقال:من قام بالأمر ؟ قالوا : أبو بكر، قال: أبو الفصيل؟! إنّي لأرى أمراً لا يُسكّنه إلا الدم(2).

وفي نص الطبري وابن الأثير والنص عن الثاني: لمّا اجتمع الناس على بيعة أبي بكر أقبل أبو سفيان وهو يقول : إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم، يا آل عبدمناف،فيمَ أبو بكر من أموركم؟! أين المستضعفان،أين الأذلان علي والعباس؟! ما بال هذا الأمر في أقلّ حيّ من قريش؟! ثم قال لعلي : ابسط يَدَك أبايعك، فواللّه لئن شئت لأملأنّها عليه خيلاً ورجلاً، فأبى علي(علیه السلام)، فتمثل [أبو سفيان] بشعر المتلمس .

ولن يقيمَ على خسف يُرادُ به***إلا الأذلان عَيْرُ الحَيِّ والوَتِدُ

هذا على الخسفِ مربوطٌ برُمَّتِهِ***وذا يُشَجُّ فلا يبكي له أحدُ

ص: 286


1- انظر تحذير العبقري 2: 140 ، والنص موجود في تاريخ الطبري 2: 261، البداية والنهاية 6 :317.
2- أنساب الأشراف 5 :12 ، وفي طبعة زكار 5: 18 .

فزجره علي وقال : واللّه إنّك ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنّك طالما بغيت للإسلام شرّاً، لا حاجة لنا في نصيحتك(1).

وعن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: إنّ أبا سفيان كان حين قبض النبي غائباً ؛ بَعَثَ به مُصَدِّقاً(2).

فلمّا بلغته وفاة النبي قال:من قام بالأمر بعده؟ قيل : أبو بكر، قال: أبو الفصيل؟!أني لأَرى فتقاً لا يرتقه إلا الدم(3).

وروى أحمد بن عمر بن عبدالعزيز،عن عمر بن شبّة، عن محمّد بن منصور، عن جعفر بن سليمان،عن مالك بن دينار، قال : كان النبيّ قد بعث أبا سفيان ساعياً فرجع من سعايته، وقد مات رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فلقيه قوم

فسألهم، فقالوا: مات رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، فقال : من ولي بعده؟ قيل: أبو بكر،قال:أبو فصيل؟ قالوا: نعم، قال: فما فعل المستضعفان علي والعباس ! أمّا والذي نفسي بيده لأرفعنّ لهما من أعضادهما(4).

ومقولة أبي سفيان تشير إلى مرتكز فكريّ كان يحمله عن ابن أبي قحافة،وأنّه كان يعرفه في الجاهلية بأبي الفصيل لا بأبي بكر ، أي أنه أراد أن يقول: تعنون أبا فصيل أبا بكر ؟! ما كنّا نعرفه في الجاهلية إلا بأبي الفصيل.

فقد يكون كلامه هو إخبار عمّا عرفه في الجاهلية، وقد يكون تعريضاً به،

ص: 287


1- تاريخ الطبري 2 :237 ،الكامل في التاريخ 2: 189 و النص منه.
2- أي جامعاً آخِذاً للصدقات عاملاً عليها.
3- أنساب الأشراف 1: 589 وفي طبعة زكار 2: 271.
4- شرح نهج البلاغة 2 :44 ، مرآة العقول 26: 346 .

و على كلا التقديرين نفهم من إطلاق كلمة أبي فصيل عليه أنّها كانت كنية معروفة له عند غالب قريش، وأنّها لم تكن من وضع بني هاشم وأعدائه ممن نعتوا بأصحاب الردّة كما قد يُدِّعى.

وجاء عن أبي سفيان أيضاً أنه نادى الناس بقوله:يا بني هاشم،يا بني عبدمناف،أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل....(1)

وجاء في تاريخ الطبري بسنده عن حماد بن سلمة بن ثابت،قال:لما استخلف أبو بكر،قال أبو سفيان:ما لنا ولأبي فصيل....(2)

أجل، إنّ أئمة أهل البيت ذكرو ابن أبي قحافة أيضاً بهذه الكنية.

فجاء في بصائر الدرجات مسنداً عن أبي جعفر الباقر أنّه قال: لما كان رسول اللّه في الغار ومعه أبو الفصيل، قال رسول اللّه : إنّي لأنظر الآن إلى جعفر وأصحابه الساعة تعوم بهم سفينتهم في البحر، فقال أبو الفصيل : أتراهم يا رسول اللّه ! الساعة ؟!... وأسر في نفسه أنه ساحر(3).

وفي الكافي أنّ الإمام الصادق سُئل عن قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرِّ دَعَا رَبَّهُ مُنِياً)،قال:نزلت في أبي الفصيل (4).

ص: 288


1- الإرشاد 1 : 190 ، اعلام الوری 1 : 271.
2- تاريخ الطبري 2: 237 حوادث سنة احدى عشر.
3- بصائر الدرجات: 125 الجزء التاسع : 442 باب 1 ح 13 وعلق المجلسي في الفتن من بحاره 30: 193 عليه بالقول : ويكنّى عن أبي بكر بأبي الفصيل لقرب معنى البكر وهو الفتي من الإبل، وذكره في خاتمة المطاعن مستدركاً 31: 607 ح 62.
4- الكافي 8: 204 ح 246 وانظر شرح الكافي للمازندراني 1: 140 و 12: 270 وبحار الأنوار 24: 121، 30: 268، 35: 375 عن الكافي.

وفي تفسير العياشي أيضاً أنه(علیه السلام)سُئل عن أعداء اللّه؟ فقال: الأوثان الأربعة.

فقيل : من هم؟

فقال أبو الفصيل،ورمع،ونعثل، ومعاوية، ومن دان بدينهم، فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء اللّه(1).

كلّ هذه النصوص تشير إلى أنّ كنية ابن أبي قحافة الأصلية هي (أبو فصيل) عند أهل البيت ومناوئي ابن أبي قحافة، وتتأكد صحّة دعوانا حينما نرى الآخرين لا يذكرون كنيته السابقة مع تأكيدهم على تغيير رسول اللّه لاسمه وكنيته من عبدالكعبة أو عتيق إلى عبداللّه، فما هي الكنية السابقة له حتى تغير إذن؟ إن كانت غير ما قلناه ؟!

ذو الخلال مدح لأبي بكر أم ذمّ؟

ذكرت كتب السيرة والتاريخ وجود لقب«ذي الخلال»لأبي بكر، فقد جاء في«موضح أوهام الجمع والتفريق»عن رافع بن عمرو - رجل من طي-:أنّ رسول اللّه بعث عمرو بن العاص على جيش في ذات السلاسل،وبعث في ذلك الجيش أبا بكر وعمر وسراة أصحابه رضي اللّه عنهم، فانطلقوا حتى انتهوا إلى جبل طي، فقالوا:انظروا لنا رجلاً يدلّنا على الطريق يأخذ بنا المفاوز، فقالوا: لا نعلمه إلا رافع بن عمرو، فإنّه كان رجلاً ربيلاً في الجاهلية،قال،فقلنا : ما الربيل؟ قال:اللص الذي يأخذ القوم وحده ثم يأخذ في المفاوز.

ص: 289


1- تفسير العياشي 2 : 116 ح 155 وعنه في بحار الأنوار 27: 58 ، 31 :607 .

قال:فانطلقت معهم حتى إذا رجعوا من المكان الذي حاجتهم فيه، قال : أتيتُ أبا بكر فقلت: ياذا الخلال توسَّمتك من بين أصحابك، قال: ولِمَ؟ قال : لتعلمني، قال: قد اجتهدت،قال،فقلت: أردتُ أن تخبرَني بشيء يسير إذا فعلتُهُ كنت معكم ومنكم، قال: تحفظ أصابعك الخمس، قال: قلت: نعم، قال : فذكر شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه(1).

وقد اعتبره بعض مدحاً له واعتبره بعض آخر ذماً له، ولكلِّ من الطرفين نصوص في ذلك تؤيدهم، وبما أن الأمر مختَلَف فيه، فعلينا نقل تلك النصوص لنتعرف هل أنه مكرمة له أو منقصة ؟ فقبيلة هوازن كانت تعيّره بهذا اللقب وتعتبره منقصة لمن اشتهر بأبي بكر(2)، لكن هناك من يقول أنّها دالة على زهده وتقشّفه، لأنه تصدّق بجميع ماله قبل الفتح وبعده.

ففي القاموس وتاج العروس والنص للأول - قال : وذو الخلال أبو بكر الصديق لأنه تصدَّق بجميع ماله وخَلَّ كساءَهُ بخِلال، انتهى(3).

وروى البغوي،في هذا الإطار:أن جبرئيل(علیه السلام)نزل على النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)فقال:مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خَلَّها في صدره بخلال. فقال: أنفق ماله علىَّ قبل الفتح.

قال: فإن اللّه تعالى يقول : إقرأ عليه السلام وقل له: اراض أنت عنّي في فقرك هذا أم ساخط . فقال : رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)يا أبا بكر إن اللّه عزّوجلّ يقرأ

ص: 290


1- موضح أوهام الجمع والتفريق 2 :86 ،وانظر تاریخ دمشق 18: 10.
2- مصنف ابن أبي شيبة 7: 92 ح 34434، تاریخ دمشق 30: 300.
3- القاموس المحيط 1: 1285، وانظر تاج العروس 28: 426.

عليك السلام ويقول لك أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟

فقال أبو بكر : أأسخط على ربي، إنّي عن ربي راض، إنّي عن ربي راض ،ولهذا قدّمه الصحابة على أنفسهم وأقرُّوا له بالتقدّم والسبق(1).

وفي الوشاح لابن دريد:كان [ أبو بكر ] يلقّب «ذو الخلال» لعباءة كان يخلّها على صدره(2).

وفي مصنف ابن أبي شيبة، عن رافع بن أبي رافع، قال: رأيت أبا بكر كان له كساء فدكي يخلّه عليه إذا ركب،ونلبسه أنا وهو إذا نزلنا، وهو الذي عيرته به هوازن(3).

كل هذه النصوص تؤكد بأنّ لقب«ذو الخلال» جاء مدحاً لأبي بكر لا ذماً له، فلو كان كذلك فكيف تجرؤ هوازن على تعييره به؟ وأي عيب أو منقصة في العباءة حتى تعيّره بها هوازن؟!!

ألم يكن التعيير عند العرب هو إظهار عيب الطرف أو ما فيه مسبة له؟

فما هو العيب الكامن في هذا اللقب إذن؟ فكل ما قرأناه كان مدحاً لابن أبي قحافة لا ذماً، فهل أنّ النهج الحاكم حرَّفوا هذا اللقب من الدّم إلى المدح، أم حقاً أنّ هذا اللقب وضع للمدح ؟ فقد افتخر النبي بالفقر، ونزلت آيات تمدح الفقراء والمستضعفين، مؤكّدة بأنّ غالب أتباع الأنبياء هم من

ص: 291


1- تفسير البغوي 4 : 295 وعنه ابن كثير في تفسيره 4 : 295 .
2- عمدة القارى 16 : 172 وانظر الإكمال 3: 184.
3- مصنف ابن أبي شيبة 5 :173 و 7 :92 ،المطالب العالية 9 :580، وانظر تاريخ دمشق 30 :332، 333.

المستضعفين، وبتعبير القرآن الكريم - حكاية لقول الكافرين - الأرذلون بقوله تعالى: (وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ).

وكذا كنية أبي تراب كانت مدحاً لعلي لكنّهم جعلوها ذماً له، وكما أنّ زمزم وطيبة-المدينة - هما من الأسماء الحسنة والممدوحة، لكنّهم أبدلوها بأمّ جعلان والخبيثة(1).

والآن نسأل: هل أنّ هوازن عيّرت ابن أبي قحافة قبل إسلامه ظاهراً أم بعده؟ فلو تأملت النصوص لرأيتها تؤكّد الثاني، لأنّهم قالوا:أذا الخلال نبايع بعد رسول اللّه(2)؟!!

ونحن لا يمكننا أن نفهم مقصود هوازن وسبب تعييرها لابن أبي قحافة إلا بعد أن نتعرَّف على معنى كلمة الخلال في لغة العرب، وكيفية ربطها بنزاعات ما يسمى بالردّة، وهل أنّ هذا يرتبط بنحو وآخر بما قاله أبو بكر لمخالفيه وأنه لا يتركهم حتى وإن منعوه عقال بعير ؟!

معنى الخلال في لغة العرب:

الخلال:عود يجعل في لسان الفصيل لئلا يرضع ولا يقدر على المص، قال امرؤ القيس :

فكَرَّ إليه بمِبْراتِهِ***كما خَلَّ ظَهْرَ اللسان المُجرّ

ص: 292


1- انظر الصفحات: 193 إلى 212 من أصل الكتاب.
2- مصنف ابن أبي شيبة7: 92 لسان العرب 11: 214 .

وقيل : خَلَّهُ شَقَّ لسانه ثم جعل فيه ذلك العود.

وفصيل محلول : إذا غرز خلال على أنفه لئلّا أُمه، وذلك أنّها تزجيه إذا أوجع ضرعَها الخلالُ ...(1)

وفي غريب القرآن للأصفهاني:

والخلال لما تخلّل به الأسنان وغيرها، يقال: خَلَّ سِنَّهُ، وخلَّ ثوبه بالخلال يخلها، ولسانَ الفصيل بالخلال ليمنعه من الرضاع(2).

وعن الأصمعي قال: إذا أرادوا أن يمنعوا الفصيل من الرضاع خلّوه: أدخلوا في أنفه من داخل خلالاً محدَّد الرأس بأسفله حجنة(3).

وفي خزانة الأدب للبغدادي: إنّ الفصيل إذا لهج بالرضاع جعلوا في أنفه خلالة محددة، فإذا جاء يرضع أمّه نخستها تلك الخلالة فمنعته من الرضاع(4).

والآن بعد كلّ هذا التفصيل هل يمكننا ربط مقولتى«أبي الفصيل» و «ذي الخلال» من قبل مناوئيه أثناءَ الأحداث التي تلت وفاة النبي(صلی اللّه علیه وآله وسلّم) بقول ابن أبي قحافة (لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه )(5)، والقول بأنّ هناك ارتباطاً

ص: 293


1- لسان العرب 214:11.
2- المفردات في غريب القرآن للاصفهاني 1: 153.
3- غريب الحديث للحربي 1: 263 .
4- خزانة الأدب 2 :392.
5- موطأ مالك 1: 269 ح 605 ، مصنف ابن أبي شيبة 6: 438 ح 32735، تاریخ الطبري 2: 255 ،البداية والنهاية 6: 312 شرح النهج 17 : 209 . والعقال : الحبل الذي يعقل به البعير الذي كان يؤخذ في الصدقة.

بين الفصيل والخلال والعقال، وأنّ لابن أبي قحافة ارتباطاً نفسياً بالناقة،أم أنّ ذلك يشير إلى اهتمامه بأُمور الصدقات فقط؟

وإذا كان يشير إلى اهتمامه بالصدقات، فلماذا لا يشير إلى الغلّات الأربع أو النقدين، أو البقر والغنم ؟!

ألم يكن قوله : لو منعوني حبّة حنطة، أو تمرة واحدة؟ أبلغ وأوفى لإيصال المطلوب، وهو مما يبين اهتمامه وحرصه على الزكوات أكثر؟

وأيّهما هو الأبلغ للدلالة على حرص الخليفة على حقوق المسلمين، أهي مقولته تلك، أو ما قاله الإمام علي ممتنعاً من قبول ملفوفة الأشعث بن قيس، والتي اعتبرها كأنّها عجنت بريق الحية،قائلاً:وأعجبُ من ذلك طارقٌ طرقنا بملفوفة في وعائها،ومعجونة شنئتها كانّها عجنت بريق حية أو قيئها . فقلت: أصلة، أم زكاة، أم صدقة؟ فذلك محرَّم علينا أهل البيت. فقال: لاذا ولا ذاك ولكنها هدية .

فقلت : هبلتك الهبول ! أعن دين اللّه أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أنت أم ذو جنة، أم تهجر، واللّه لو أُعطيتُ الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها...(1).

وعليه فالقبائل العربية مثل هوازن وقريش وغيرها كانت تعيّر ابن أبي قحافة بأبي الفصيل وذي الخلال، وإنّ تأكيدهم على هاتين الكلمتين تحمل

ص: 294


1- نهج البلاغة : 346 الخطبة 224 ، شرح النهج 11 :245 ، خلاصة الأثر 1 :206 .

معاني كثيرة واضحة للبصير العالم .

وهي تؤكّد أيضاً بأنّ كنية«أبي بكر»لم تكن لابن أبي قحافة في الجاهلية، بل وضعت له لاحقاً.

وأنّه لما صار «خليفة» أراد أن يسد ما كان يحسه من عوز، فراح يجرّد خصومه من الإبل، وكانت الحروب المسمّاة ب«حروب الردة» حرب أموال مدارها الإبل، إذ لم نعهد ولم نقرأ ولم نَرَ أبا بكر يحارب أحداً على منعه زكاة النقدين، أو الغلات الأربع، أو حتى البقر والأغنام، بل انحصرت حروبه ب«دعاوي إبليّة» أو قل «فصيلية» أو «خلالية»، ولذلك راح مناوؤه يشيرون إلى ذلك ويصرّحون بكل وضوح بأنّ الحرب معهم ليست دينية زكويّة، وإنما هي من أجل الإبل، تجريداً لهم عن مصادر القوّة آنذاك، وإشباعاً لنهمه.

و إذا أردت التأكّد من ذلك فانظر إلى تأكيد أبي بكر على«عقال بعير»دون البواقي، واقرأ معي ما فعله زياد بن لبيد عامل أبي بكر على صدقات حضرموت:

فقد أخذ يوماً من الأيام ناقة من إبل الصدقة فوسمها وسرّحها مع الإبل التي يريد أن يوجّه بها إلى أبي بكر، وكانت هذه الناقة لفتىً من كندة يقال له زيد بن معاوية القشيري، فأقبل إلى رجل من سادات كندة يقال له حارثة بن سراقة، فقال له : يابن عم، إنّ زياد بن لبيد قد أخذ ناقة لي فوسمها وجعلها في إبل الصدقة، وأنا مشغوف بها، فإن رايت أن تكلمه فيها فلعله أن يطلقها ويأخذ غيرها من إبلي، فإني لست أمنع عليه.

فأقبل حارثة بن سراقة إلى زياد بن لبيد ... فكلمه وأبي زياد وشبّت

ص: 295

الحرب واستعرت وكان فيما قاله حارثة بن سراقة : نحن إنّما أطعنا رسول اللّه إذ كان حياً، ولو قام رجل من أهل بيته لأطعناه ، وأ ما ابن أبي قحافة فماله طاعة في رقابنا ولا بيعة(1).

فهؤلاء لم يكونوا مانعين للزكاة،بل استاءُوا من أبي بكر وعماله، وطمعهم في إبلِهم، خصوصاً وأنّهم كانوا قد رأوا كيف كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)يأخذ منهم الصدقات والزكوات بكلّ رقة ولطف، بحيث كان المسلمون يعطون ذلك عن طيب خاطر .

و إذا أردت المزيد فقارن ما فعله أبو بكر وعمّاله في كيفية أخذ الزكوات بما كتبه أمير المؤمنين(علیه السلام)لعماله على الصدقات حيث كتب لهم:

انْطلِقْ عَلَى تَقْوَى اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَلاَ تُرَوْعَنَّ مُسْلِماً وَلاَ تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً، ولا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقٌّ أَبْيَاءَهُمْ، مَالِهِ.

فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيَّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاءَهُمْ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَار؛ حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ تُخْدِج بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ، ثُمَّ تَقُولَ: عِبَادَ اللّه، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلي اللّه وَخَلِيفَتُهُ، لأخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللّه فِي أَمْوَلِكُمْ، فَهَلْ اللّه فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٌّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيّهِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : لا فَلاَ تُرَاجِعْهُ.

وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ، فَانْطَلِقُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَب أَوْ فِضَّة.

فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ نَدْخُلْهَا إِلا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ، فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلَّط عَلَيْهِ وَلاَ عَنيف بهِ. وَلا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلاَ تُفْزِعَنَّهَا، وَلاَ

ص: 296


1- انظر تفصيل القضية في كتاب الردة للواقدي: 169 - 171 .

تَسُوءَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا .

وَاصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيْرُهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ. فَلَا تَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لَحِقٌّ اللّه فِي مَالِهِ،فَاقْبِضْ حَقَّ اللَّهُ مِنْهُ فَإِن اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ، ثُمَّ اخْلِطْهُمَا ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّ لَا حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللَّهِ فِي مَالِهِ.

وَلاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَلاَ هَرِمَةً وَلاَ مَكْسُورَةٌ وَلاَ مَهْلُوسَةً، وَلَا ذَاتَ عَوَار،وَلا تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلا مَنْ تَشِقُ بِدِينِهِ،رَافِقاً بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيْهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَينَهُم .

وَلَا تُوَكَّلْ بِهَا إِلا نَاصِحاً شَفِيقاً وَأَمِيناً حَفِيظاً، غَيْرَ مُعْنِفَ وَلَا مُجْحِف، وَلَا مُلعِب وَلاَ مُنْعِب.

ثُمَّ احْدُرُ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ نُصَبْرُهُ حَيْثُ أَمَرَ اللّهُ بِهِ، فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ إِلا يَحُولَ بَيْنَ نَاقَة وَبَيْنَ فَصِيلِهَا، وَلا يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذلِكَ بِوَلَدِهَا ؛ وَلاَ يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً، وَلْيَعْدِلُ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذلِكَ وَبَيْنَهَا، وَلْيُرَفّه عَلَى اللأَّغِبِ، وَلْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَالظَّالِعِ، وَلْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ.

وَلَا يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الأَرضِ إِلَى جَوَادَّ الطُّرُقِ، وَلْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ، وَلْيُمْهِلْهَا عِندَ النَّطَافِ وَالأعْشَابِ، حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللهِ بُدْنا مُنْقِيَاتٍ، غَيْرَ مُتْعَبَات وَلَا مَجْهُودَات، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - فَإِنَّ ذلِكَ أَعْظَمُ لأَجْرِكَ، وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فالفرق إذن بعيد بعد الأرض عن السماء بين كيفية أخذ الزكاة عند النبي والوصي، وكيفيتها عند أبي بكر وعمّاله .

وهذا بنظرنا هو السبب الواقعي الذي جعل مناوئي أبي بكر يذكّرونه

ص: 297

بكنيته القديمة ولقبه القديم «أبو الفصيل» «أبو الخلال»، وذلك أَنه لَهَج ولَجٌ بأخذ الإبل، بل أخذ خصوص الإبل الجيّدة منها بالقَسر،فامتنع عليه بعض من امتنع لسيرته وسيرة عمّاله وراحوا يذكّرونه بماضيه القديم دون الكنى والألقاب والمدائح المتأخرة التي كالها عليه أصحابه وأتباعه كيلاً جزافاً لا يتفق مع حقائق التاريخ.

والذي يعزز ما قلناه أنّهم لم ينعتوه ب- «أبي الدوانيق لأن النزاع لم يكن حول النقدين - وإن كانت هي أعظم واشرف عند الناس من الإبل - ولا وصفوه ب«أبي حبة» أو «أبي شعيرة» أو «أبي حنطة»أو أو،بل وصفوه بما كان عليه في الجاهلية.

والنبي-كما حكي عنه_جاراه بكنية توافق كنيته السابقة، لكنّها أشرف وأحسن من تلك، ولم يكنه بأبي عبدالرحمن وأبي محمّد وأمثال ذلك، وفي هذه التفاتة يجب الوقوف عندها، والتأمل فيها، والكتابة عنها، فهي من المواضيع الجديدة التي لم يتطرق اليها أحد قبلي.

المحور الثالث: هل الأئمة(علیهم السلام)كنوا أنفسهم أو أولادهم بأبي بكر؟

1 - الإمام علي بن الحسين السجاد وتكنيهم إيّاه بأبي بكر !!

بعد أن انتهينا من بيان عدم دلالة التسميات على المحبة، أشرنا إلى اختلاف النصوص في وجود ابن للإمام علي(علیه السلام) مسمى بأبي بكر، فذهب البعض إلى وجوده، والآخر إلى إنكاره معتقداً بأنّ المولود من ليلى النهشلية -زوجة الإمام علي - اسمه محمّد أو عبداللّه ويكنى بأبي بكر.

وهذا ما قالوه أيضاً في ولد الإمام الحسن المجتبي السبط، إذ صرح

ص: 298

الموضح النسابة بأنّ أبا بكر بن الحسن: اسمه عبداللّه(1)وإن كان هناك من بتّ بأنّ اسمه أبو بكر.

أما الإمام الحسين فلم يثبت أن يكون له ولد قد سمى أو كنّي بأبي بكر، وكل ما في الأمر هو تصحيفهم اسم الأب من (الحسن) إلى (الحسين)، لأنّ ما قالوه في ابن الحسين هو موجود لابن الحسن(علیه السلام)ايضاً بحذافيره، ولا أنكر إمكان التعدد فيه، لكنه بعيدٌ بنظرنا ، ولنا شواهدنا وأدلتنا.

وكذا الحال بالنسبة إلى الأئمة من ولد الحسين(علیه السلام)بدءاً من الإمام علي بن الحسين السجاد إلى الإمام الحجة، فلم نجد فيهم أو في أولادهم من سمي بأبي بكر.

ونحوه القول بالنسبة إلى ما قيل من وجود ولد لعبد اللّه بن جعفر باسم أبي بكر، فبتصوّري أنّه كنية لابنه محمّد الأصغر وليس باسم له.

ولا يخفى عليك أنّ الأمر يعود لتعدّد الأسماء للشخص الواحد، فقد يضع الأب لولده اسماً، والاسم الآخر هو من وضع الأم. وقد يكنّى ذلك المسمى بكنية واحدة أو كنيتين.

والإمام علي سمى ابنه من ليلى النهشلية بمحمد عملاً بالسنة النبوية القاضية برجحان تسمية الطفل بمحمد لسبعة أيام، أمّا الأم أو الجد لأمه من بني دارم فقد سمّاه بعبد اللّه .

فكأنّ القومَ سعوا إلى تكنية المسمى بعبداللّه بأبي بكر، تجانساً بين اسم ابن أبي قحافة وكنيته، ثم أطلقوا هذه الكنية أيضاً على المسمّى من قبل أبيه

ص: 299


1- المجدي: 201.

ب«محمّد»،فقالوا : محمّد الأصغر بن علي بن أبي طالب من ليلى النهشلية، المكنّى بأبي بكر.

ثمّ تطوّر الأمر فكنّوا الابن الآخر للإمام - من أمّ ولد - المسمى بمحمد الأصغر بأبي بكر أيضاً.

وهناك قول شاذّ انفرد به المزّي - وتبعه على ذلك الصفدي - بأنّ اسم المكنّى بأبي بكر بن علي هو عتيق،فقالوا بأن عتيقاً استشهد في كربلاء(1)، وهذا يؤكّد محاولات التبديل في الأسماء والكنى لصالح أبي بكر.

قالوا بكل ذلك كي يدلّلوا على وجود المحبة بين علي وابي بكر، وذلك لتقارب الاسم والكنية بين ولد علي وأبي بكر.

حيث إنّ المشهور عندهم أنّ كنية أبي بكر هو لمن شغل منصب الخلافة بعد رسول اللّه، فارادوا أن يقولوا بأنّ من يسمى بعبد اللّه ويكنى بأبي بكر هو ممن يحب الخليفة ويتولاه !!

في حين أنك عرفت أن المسمى من قبل الإمام هو محمّد وليس بعبداللّه، وقد يكون عبداللّه أُطلق عليه من قبل أُمه، لكن هذا لا يسمح بإطلاق كنية أبي بكر أيضاً عليه،ولم تكن هناك نصوص ظاهرة واضحة تدل على أنّ الإمام كناه بتلك الكنية.

و إذا كانت تلك الكنية ثابته له،لما اختلفوا في إطلاقها على ابن ليلى النهشلية وابن أم ولد معاً، كما أنّهم لم يختلفوا في أنها اسم له أم كنية.

ص: 300


1- سير أعلام النبلاء3: 216 ،مرآة الجنان 1: 131 - 132 وعنه الديار بكري في تاريخ الخميس 2: 333

وهذا ما أجروه على عمر الأطرف أيضاً، فقالوا بأن كنيته أبو حفص، في حين أطبق النسّابة على أنّ كنيته أبو القاسم، وهناك قول مذكور على سبيل التمريض : أبو حفص لا يؤخذ به عند النسابة.

ولا يخفى عليك بأنّ ما يتصدر بأبي وابن وأُم وأخت فهو في سياقه الطبيعي موضوع للكنية لا للاسم، فلا نرى بين أولاد الأئمة من سُمّى بأبي عبداللّه، أو أبي محمّد، أو أبي القاسم، أو أبي الحسين،فلو جاءت هذه الكلمات فهي كنية للشخص لا اسماً له، وهو يخطّئ ما قالوه بأن أبا بكر هو اسم لابن النهشلية أو لغيره.

والآن لنناقش النصوص المتمسّك بها للدلالة على أنّ «أبا بكر» هي كنية موضوعة للأئمة المعصومين من أهل البيت كالسجاد والرضا والهادي(علیهم السلام)،وقيل للإمام الحجة(علیه السلام)وهل أنها صحيحة أم منتحلة؟.

قال الحسين بن حمدان الخصيبي ( ت 334 ه)في الهداية الكبرى :

«وكنيته أبو الحسن،والخاص أبو محمّد، وروي أنه كُنّي بأبي بكر ولم تصح هذه الكنية»(1).

وقال محمّد بن جرير الطبري الشيعي المتوفّى في أوائل القرن الرابع الهجري في دلائل الإمامة:«علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم... يكنّى: أبا محمّد وأبا الحسن وأبا بكر، والأول أشهر

ص: 301


1- الهداية الكبرى: 213 .

وأثبت»(1).

وقال العلوي(من أعلام القرن الخامس)في الَمجدي:«وجدت بخطّ شيخنا أبي الحسين أنَّ زين العابدين كان يكنّى أبا محمّد، وكان يكنّى أبا بكر، والأوّل الصحيح»(2).

وقال منتجب الدين الرازي من أعلام القرن الخامس الهجري في (فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفاتهم)ضمن خطبة الكتاب وذكره نسب أبي القاسم يحيى قال: «... بن عبداللّه الباهر بن الإمام زين العابدين، أبي محمّد، ويقال : أبي القاسم، ويقال أبي الحسن، ويقال: أبي بكر بن الحسين بن علي ...»(3)

وقال ابن شهر آشوب (ت 588 ه) في مناقب آل أبي طالب :«وكنيته : أبو الحسن، والخاص أبو محمّد، ويقال أبو القاسم، وروى أنه كنّي بأبي بكر»(4).

وقال الأربلي (ت 693) في كشف الغمة«فأ مّا كنيته، فالمشهور أبو الحسن، ويقال: أبو محمّد، وقيل : أبو بكر»(5).

ص: 302


1- دلائل الإمامة : 192 .
2- المجدي: 283 .
3- فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفاتهم:4 ، ط - المكتبة الرضوية - طهران، وفي صفحة : 372 من المترجم إلى الفارسية.
4- مناقب آل أبي طالب 3: 310 ، وانظر تاريخ الأئمة للكاتب البغدادي : 29 أيضاً.
5- كشف الغمة 2 :285.

وقال ابن الصباغ المالكي (ت 855 ه) في الفصول المهمة:نسبه : هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد تقدم بسط ذلك. كنيته المشهورة أبو الحسن، وقيل: أبو محمد، وقيل : أبو بكر(1).

هذه هي الأقوال التي قيلت في هذا الباب، وهي تؤكّد بوضوح على أنّ كنية«أبي بكر»لم تكن ثابتة للإمام السجاد ؛ لإطباقهم ذكرها على سبيل التمريض - بل ذكروها آخِرَ الكنّى المُمَرَّضة - مثل: و «روي» و «قيل» و«يقال»مع تصريح الخصيبي بقوله :«ولم تصح هذه الكنية»أو قول ابن جرير الطبري الشيعي«والأوّل أشهر وأثبت»،أو قول ابن شهرآشوب

«والخاص أبو محمّد»أو قول صاحب المجدي«الأوّل الصحيح»وغيرهم، هذا أولاً .

وثانياً: لم يعرف أنَّ للإمام ولداً باسم (بكر) حتى يكنّى به،وكلامنا هذا لا يعني لزوم التكنية باسم الولد في جميع الحالات، لأنّ الكنى توضع على الاشخاص من الصغر وهو أمر مستحب، لكن بما أنّ التسمية بمحمد مستحبة، فالتكنّي بأبي محمّد تكون أقرب إلى الإمام واقعاً، والأئمة سمّوا أولادهم بمحمد وتكنّوا به، والإمام السجّاد كُنّي بأبي محمّد - وهو المشهور عنه - لولده الأكبر المسمّى بمحمد الباقر .

أ مّا كنية«أبي الحسن» فهي الأُخرى أقرب إلى الإمام من كنية أبي بكر، لأنّها موضوعة لكل من سُمِّي بعليّ على مر التاريخ ولحدِّ هذا اليوم، ولذلك عدّها الخصيبي وابن شهر آشوب من الكنى العامة لكل من اسمه علي - مقابل

ص: 303


1- الفصول المهمة لابن الصباغ 2 : 855.

الكنية الخاصة به وهي «أبو محمد»، وأ مّا كنية«أبي بكر»فهى ليست بكنية خاصة ولا عامة للسجاد، فيبقى أنّها كنية مُلصقة ألصقها به أبناء العامّة.

وعليه فمن غير البعيد أن يكنّى الإمام السجاد بأبي الحسن، لأنّها كنية جده الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو المشتهر عنه في كتب الحديث والتراجم والرجال الشيعية.

أمّا كنية أبي بكر فهي أجنبية عنه، ولا يمكن لحاظها إلا من خلال إحدى الاحتمالات المطروحة لاحقاً.

وثالثاً: من المعلوم أن كنية الإمام لا تنحصر بأبي بكر، فقد كُنى(علیه السلام)بأبي الحسن(1)، وأبي الحسين(2)، وأبي القاسم(3)، ...

ص: 304


1- المناقب 3: 310 ، إعلام الورى 1: 480 ، كشف الغمة 2 :286 ، المجدي: 282، ألقاب الرسول وعترته (المجموعة): 50 ، العدد القوية : 58 ، دلائل الإمامة: 192، جامع المقال : 184 ، طبقات الحفّاظ للسيوطي: 37 برقم 69، منتهى المقال 1: 25، (الطبعة المحققه)، تاريخ الأئمة للبغدادي: 29، شرح الأخبار 3: 275، (في نسخة بدل) تاج المواليد للطبرسي: 35 ،فهرست منتجب الدين: 30، المقتنى في سرد الكنى 1 : 186 برقم 1584، تهذيب التهذيب 7: 268 ت 521، تاريخ دمشق 41: 360 ت 4875 .
2- تاريخ أهل البيت:78، شرح الأخبار 3: 275 ، أعيان الشيعة 1: 629، عن طبقات ابن سعد 5 : 211 ، تاريخ الأئمة للبغدادي: 29 ،المقتنى في سرد الكنى 1: 186 برقم 1584 ، رجال صحيح البخاري 2: 527 ت 817، تاريخ دمشق 41: 630 ت 4875.
3- المناقب3 :310 ، إعلام الورى 1 : 480 ،فهرست منتجب الدين: 30 جامع المقال : 184.

وأبي محمّد(1)، وأبي عبد اللّه(2)،وأبي عبداللّه المدني(3)،وأبي الحسين المدني،وأبي الأئمة(4)،وابن الخيرتين(5)،ووجود هذه الكنى الكثيرة له، واشتهاره ببعضها في كتب الحديث والأنساب مع نَفْي الناقل الأوّل لخبر الكنية وهو الخصيبي (ت 334) بقوله : ( ولم تصح هذه الكنية) وتأكيد ابن جرير الطبري الشيعي، وصاحب المجدي بأن الأول هو الصحيح والأثبت والأشهر. كل هذه الأُمور تشير الى عدم إمكانية تقبّل كون هذه الكنية موضوعة عليه من قبل أهل البيت أو الطالبيين، لأنّا لا نرى تكنية الإمام السجاد بهذه الكنية في كتب الحديث والأنساب، وبذلك فالقول بأنها من وضع الآخرين

ص: 305


1- دلائل الإمامة: 192 ، تاريخ الأئمة للبغدادي: 29 ،ألقاب الرسول وعترته: 50، المقنعة للمفيد : 472 ، تاج الموالید: 35 ،فهرست منتجب الدين: 30، جامع المقال : 184 ، المناقب لابن شهر آشوب 3: 310 ، إعلام الورى 1: 480، العدد القوية : 58 ، كشف الغمة 2 :286 ، أعيان الشيعة 1: 629 ، التعديل والتجريح 3: 956 ، تهذيب التهذيب 7: 268 ت 521 ، رجال صحيح البخاري 2 :527 ت 817 ،تاریخ دمشق 41: 360 ت 8475 ، الطبقات الكبرى 5: 213 .
2- تاریخ دمشق 41 :360 ت 8475 ،سير أعلام النبلاء 4 : 386، تاريخ الإسلام 436:6.
3- السيوطي في طبقات الحفاظ : 37 برقم 69 ، تهذيب التهذيب 7: 268 ت 521، تهذيب الكمال 6: 395 ت 1323.
4- المناقب 3 :310، شرح الأخبار 3: 253 .
5- المناقب لابن شهر آشوب 3 :304 ،الوافي بالوفيات 20 :231 ت 321،وفيات الأعيان 3: 267 (ت 422 )،نثر الدر232:1،كشف الغمة 2: 318 الكامل للمبرد 2 : 91 ، الكافي 1 : 467 ، تاريخ الأئمة للبغداديّ: 24، الهداية الكبرى: 214.

هو الأقرب.

ورابعاً: إنّ التكنّي عند العرب تارة تكون من قبل الأب، وأخرى من قبل الأم أو الجد، وقد تكون من قبل أهل البلد أو السلطان أيضاً،فقد يكون أتباع النهج الحاكم أطلقوا على الإمام كنية مَن يحبّونه،بزعم تشابههما في بعض الصفات والسمات !!

وقد رأينا كثيراً من الناس يطلقون اسم عمر على بعض الأشخاص لتشبيههم سلوكه بسلوك عمر .

فكأنَّ أهل الشام أو بعض أهل المدينة - من أتباع أبي بكر - أطلقوا هذه الكنية على الإمام حبّاً به، ولتقارب سماته مع سمات من يحبونه - بالطبع حسب زعمهم - وهذا ليس بعزيز في كتب التاريخ والرجال.

فأهل العراق كنّوا عثمان بن عفان بأبي عمرو القرشي، في حين أنّ كنيته كانت عند أهل المدينة (أبو عبداللّه)؛ كُنّي باسم ابنه من رقية ربيبة رسول اللّه(1).

وجاء في كتاب (الثقات) بأنّ عطاء بن يسار قدم الشام وكان أهلها يكتونه بأبي عبد اللّه،وقدم مصر وكان أهلها يكنّونه بأبي يسار(2).

وفي العلل للدارقطني وتهذيب الكمال أن أبا محمّد الهذلي الكوفي كان يكنّى من قبل أهل البصرة بأبي المورع(3).

ص: 306


1- تاریخ دمشق 39: 12 .
2- الثقات 5 : 199 .
3- علل الدارقطني 4 : 197 ، تهذيب الكمال 34: 263 .

وفي تاريخ بغداد أن أحمد بن الحسين بن عيسى كان يكنّى بأبي بكر، ثمّ كناه الناس بأبي الحسن وغلبت عليه(1).

وفي تاريخ الإسلام : أنّ نصر بن الحسين بن القاسم كان يكنّى بأبي ليث فلما قدم مصر كنّي بأبي الفتح .فلا يستبعد أن يكون بعض أهل المدينة أو أهل الكوفة أو أهل الشام كنوه بهذه الكنيه.

وخامساً : أنّ إطلاق كنية«أبي بكر»على الإمام السجاد لا تّتفق مع ما قدّمناه من كون أسمائهم(علیهم السلام)وكناهم إلهيّة، فإنّك لو ألقيت نظرةً فاحصةً على أسماء المصطفين من الأنبياء والأوصياء لَمَا رأيت بين أسمائهم وكناهم من كُني أو سُمّي باسم أحد الحيوانات و إن كانت من خيار الحيوان؛لأنّ ذلك لا يتطابق مع اشتقاقها من المفاهيم الربانية الإلهية. (2).

وسادساً: إنّ التكنية بأبي بكر هي أولى بالإمامين الباقر والصادق لا الإمام السجاد، لأنّ كتب التراجم ذكرت بأنّ الإمام الباقر قد تزوّج أُم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، وأُمها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر.

فأبو بكر هو جدّ الإمام الصادق وجدّ زوجة الإمام الباقر (أُم فروة) حسبما ما يقال(3).

ص: 307


1- تاريخ بغداد 4: 93.
2- هذا بحث فصل فيه المؤلف في كتابه الام (التسميات) فراجع.
3- بحث المؤلف مسألة انتساب الإمام الصادق الى أبي بكر في كتاب التسميات: 472 فراجع.

وبذلك تكون هذه الكنية أقرب إلى الصادِقَيْن من غيرهما، لكنّ القوم لم يقولوا بذلك بل حصروا الأمر بكلّ من اسمه علي من المعصومين، وفي هذه الملازمة التفاتة يجب الوقوف عندها والتأمل في معانيها(1).

وسابعاً: لماذا وضعت كنية (أبي بكر ) لمن اسمه (علي) بين ولد الإمام علي ابن أبي طالب المعصومين فقط ؟!

فلماذا لا يكنّى الحسن أو الحسين أو الباقر أو الصادق أو الكاظم أو الجواد أو العسكري(علیهم السلام)بهذه الكنية؟

فهل جاءت هذه الكنية على من اسمه علياً عفويّة أُم هي كُنى مزوّرة مقصودة؟ كل ذلك مع الأخذ بنظر الاعتبار التشكيك بوجود هذه الكنية لهم(علیهم السلام)في كتب الحديث الشيعية؟

ألا يؤكّد ذلك أنهم أرادوا بهذا العمل أن يقاربوا بين أبي بكر وعلي؟! وهذا تساؤل ندعو القارئ للتأمل فيه ، وشحذ فكره للحصول على جوابه !!

ص: 308


1- وبهذا فلا يستهجن ما جاء عن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر في تأويل قوله تعالى:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّه اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا)قال(علیه السلام): يا جابر أما السنة فهي جدي رسول اللّه، وشهورها اثنا عشر شهراً... اثنا عشر إماماً حجج اللّه في خلقه وأمناؤه على وحيه وعلمه، والأربعة الحرم الذين هم الدين القيم،أربعة يخرجون باسم واحد:علي أمير المؤمنين، وأبي عليُّ بن الحسين، وعليُّ بن موسى، وعلي بن محمّد...) الغيبة للطوسي: 149 / ح 110 ، والهداية الكبرى: 377 ، وروى مثله النعماني في كتاب الغيبة : 90 ، والجوهري في مقتضب الأثر : 30 بسندهما عن داود بن كثير الرقي قال: دخلت على جعفر بن محمّد ... عن صحيفة ورثها عن آبائه(علیهم السلام).

2 - الإمام علي بن موسى الرضا وتكنيتهم إيّاه بأبي بكر؟

إنّ مستند هذه التكنية نص واحد ذكره أبو الفرج الإصفهاني (ت 356ه) حسبما وقفت عليه ؛ إذ قال في ترجمة الإمام علي بن موسى الرضا: «ويكنّى أبا الحسن وقيل : يكنّى أبا بكر.

قال أبو الفرج: حدثني الحسن بن علي الخفّاف، قال: حدثنا عيسى بن مهران،قال،حدّثنا أبو الصلت الهروي، قال: سألني المأمون يوماً عن مسألة،فقلت : قال فيها أبو بكر كذا وكذا .قال:[المأمون]من[هو]أبو بكر ! أبو بكرنا أو أبو بكر العامّة ؟ قلت : أبو بكرنا . قال عيسى : قلت لأبي الصلت:من أَبُو بكركم؟ فقال: علي بن موسى الرضا(1)».

وهذا النص يؤكد مدّعانا بأنّ إطلاق كنية«أبي بكر»على الأئمة كانت من قبل المستبصرين أو من لَهُ اختلاط معهم لا من قبل الطالبيين.

فقد قال الشيخ في رجاله عن أبي الصلت:أنّه عاميّ (2)،وتبعه على ذلك العلّامة في الخلاصة(3)،ويستفاد من أحد خَبَرَي الكشي أنّه كان مخالطاً للعامة وراوياً لأخبارهم(4).

وقال التفرشي في نقد الرجال:... ثقة إلا أنّه مختلط بالعامة وراو لأخبارهم كما يظهر من كلام الكشي،وكلام الشهيد الثاني في حاشيته على

ص: 309


1- مقاتل الطالبيين : 374 .
2- رجال الطوسي: 360 / ت 14 في أصحاب أبي الحسن الثاني(علیه السلام).
3- خلاصة الأقوال: 420 ت 6.
4- رجال الكشي 2 : 872، ح 1148، 1149.

الخلاصة ...(1)

إذن هذه الكنية هي من إطلاق الآخرين عليه ولا تصح بنظرنا لعدة أُمور:

أولاً : إنّ المشهور في كتب الحديث وتراجم الرجال الشيعية هو تكنيته بأبي الحسن الثاني(2)، أو أبي الحسن(3)، أو أبي الحسن الخراساني(4)، أو أبي علي(5) ، أو أبي القاسم(6)، أو أبي محمّد(7)، وأبي إسماعيل (8)وليس فيها أنّه

ص: 310


1- نقد الرجال3 : 60 /ت 2912 .
2- جامع المقال : 184 - 185، مجمع الرجال 7: 193 ،منتهى المقال : 6 حجرية، و 1 : 25 المحققه، تاج المواليد : 48 ،رجال الطوسي: 339 ت 5040، الرسائل الرجالية للكلباسي 2 :15 ، 177 ،معجم رجال الحديث 13 : 204 ت 8547 ، ألقاب الرسول وعترته: 63.
3- الهداية الكبرى: 277 ،ألقاب الرسول وعترته : 66 ،تاج المواليد: 48، عمدة الطالب: 198 ،سر السلسلة العلوية: 38، المجدي: 322 ،الإمامة والتبصرة : 114، تهذيب الأحكام 6 :83،تاريخ الأئمة: 12، الفصول المهمة 2: 969 - 970 ، المناقب3 : 475 ، دلائل الإمامة 359،كشف الغمة 3: 53، المقنعة للمفيد : 476 ، جامع المقال : 184 ، مجمع الرجال 7: 193، منتهى المطلب 2 :894، معجم رجال الحديث 204:13 ت 8547 ، الوافي بالوفيات 22: 154 ت 4 ، اللباب في تهذيب الأنساب 2 30.
4- رجال الكشي 1 : 357 برقم 229، 2: 730 برقم 809 ، الرسائل الرجالية للكلباسي 2: 187 ، تفسير العياشي 1: 330، 356.
5- المناقب 3: 475 .
6- منتهى المطلب 2 :894 ،تحرير الأحكام 2: 124.
7- دلائل الإمامة : 359 ، الهداية الكبرى :279.
8- تاريخ مواليد الأئمة لابن الخشاب البغدادي: 36.

كُنِّى بهذه الكنية ولو لمرّة واحدة.

وثانياً: إنّ كنية«أبي بكر»لا تتفق مع ما جاء في الكافي(1)وعيون أخبار الرضا(2)، عن الإمام الكاظم أنه قال: إنّي قد نحلته كنيتي، ولا يخفى عليك بأنّ كنية الإمام الكاظم هي«أبو الحسن».

وثالثاً: إنّ كنية«أبي بكر»لا تتجانس مع كُنى المعصومين الإلهيّة حسبما قلناه قبل قليل.

ورابعاً: إنّ قول أبي الفرج الاصفهاني ومن أخذ عنه جاءت على سبيل التمريض لقوله (و يُكنَّى أبا الحسن،وقيل:يكنّى أبا بكر)، ثم ذكر مستند كلامه.

وخامساً: قد يكون أبا الصلت كنّاه بذلك تقية،أو استمالة لقلوب الآخرين أو لاعتقاده بوجود الشبه بينه وبين أبي بكر !

سادساً: قد يكون المأمون العباسي - وهو المعروف بالدهاء - كنّاه بذلك ليجمع بين الشيعة والعامّة بعد البيعة بولاية العهد للرضاع(علیه السلام)وسخط كثير من العباسيين على تلك البيعة، فكأنّ المأمون أراد تقريب وجهات النظر بين

الطرفين، فكنّى المكنّى ب«أبي الحسن»ب«أبي بكر» جمعاً بين رمزَي الخلافة الظالمة والإمامة المظلومة، وتقريباً لأطراف النزاع، وحفاظاً على ملكه، وتنفيذاً لخططه ومآربه .

ص: 311


1- الكافي 1 : 311 و 313 / ح 1 و 10 .
2- عيون أخبار الرضا 2: 31/ ح 2.

3 - الإمام علي بن محمد الهادي وتكنيتهم إيّاه بأبي بكر؟

لم أقف في كتب الرجال والتراجم على وجود هذه الكنية(علیه السلام)، بل هي معلومة خاطئة ادّعاها بعض الجاهلين أو المغرضين من أعداء الشيعة،محيلاً إلى بعض المصادر التاريخية والحديثية، لكنّي بمراجعة تلك الكتب وقفت على سقم كلامه، وأن ليس هناك من ادّعى هذا القول قبله، فقد يكون الأمر اختلط عليه فنسب ما هو محكي عن الإمام السجاد إلى الإمام الهادي، وقد يكون مغرضاً في احالاته للمصادر، والثاني هو الأقرب إلى نفسيّة أمثال هؤلاء.

ولو كان حقاً فهو يخالف المتواتر عند فقهاء ومحدّثي أهل البيت بأنّ كنيته(علیه السلام)هي : أبو الحسن(1)،وأبو الحسن الأخير(2)، وأبو الحسن الثالث(3)،

ص: 312


1- المناقب 3 :505 ،دلائل الإمامة: 411 ،جامع المقال : 184، منتهى المقال 1: 25 (المحققة)،ملخّص المقال : 5 ،مجمع الرجال 7: 193، الهداية الكبرى للخصيبي : 313 ، المقنعة للمفيد : 485 ، منتهى المطلب 2: 895، تاج المواليد: 54، الوافي بالوفيات 22: 48 ت 3، اللباب في تهذيب الأنساب 2: 340، التدوين في أخبار قزوين 3 :425 ، المنتظم 12 :74 ت 1562 ، تاريخ الإسلام 18: 199 ،19: 218 ، أنساب السمعاني 1: 85.
2- نوادر المعجزات : 57 ، الرسائل الرجالية 2 : 190 ، مجمع النورين: 181.
3- المناقب 3: 505 ، إعلام الورى: 109 ، كشف الغمة 3: 190 ، جامع المقال : 185، تاج المواليد : 54 ، مجمع الرجال 7: 193 ،منتهى المقال 1 : 25 (المحققة)، الرسائل الرجالية للكلباسي 2: 177، مصباح المتهجد: 367، ألقاب الرسول : وعترته: 63 ، 73 ، رجال الطوسي : 381 ، خلاصة الأقوال: 62 ، 100، 142، 241.

وأبو الحسن صاحب العسكر(1)، وأبو الحسن العسكري(2)، وابن الرضا(3)، في حين أكّد الخصيبي في الهداية الكبرى(4)، وابن شهر آشوب في المناقب(5)، وابن الصبّاغ في الفصول المهمة(6)،وغيرهم بأنّ كنية الإمام الهادي أبو الحسن لا غير.ونحن لو أضفنا إلى هذا ما قلناه سابقاً من استبعاد وجود هذه الكنية للإمامين السجاد والرضا لثبت كذب مدعيات القائل،وأنّها لا تتطابق مع نظرية الاصطفاء الإلهي للأئمّة،بل لزوم السموّ بهم عن وضع أسماء الحيوانات عليهم .

*وهناك قول ضعيف واستنتاج غير صحيح للمحدّث النوري أراد أن ينتزعه من كلام وقف عليه في كتاب قديم اصطلح عليه ب(المناقب القديمة)؛ حيث قال عن ذلك الكتاب :«يشتمل على مجمل أحوال الأئمة، ولم يعلم لحد الآن مؤلفه، وقد نقل هذه الرواية أيضاً(7)،وذكر ألقاباً كثيرة له، ونحن نعبّر

ص: 313


1- مصباح المتهجد : 805 ،كفاية الأثر : 289 ،رجال الكشي: 290، رجال النجاشي: 44، 161 ، نقد الرجال 2 :221 ،إعلام الورى 2 :247 ،عوالي اللئالي 3: 285 خاتمة المستدرك 404:4 .
2- الإمامة والتبصرة: 118 ، فقه الرضا لابن بابويه :29 ، الكافي 1: 326 ،332، علل الشرايع 1 :245 ، عيون أخبار الرضا 2: 282 ، الغيبة للطوسي: 82، وغيرها.
3- إعلام الوری: 121 ، دلائل الإمامة : 419 ، الكافي 1: 502 ح 8.
4- الهداية الكبرى: 313.
5- مناقب ابن شهر آشوب 3: 505.
6- الفصول المهمة، لابن الصباغ 2: 1064 .
7- قد يعني المحدث النوري بكلامه ما ذكره الخصيبي وغيره«بأنّ للإمام الحجة كنية أحد عشر إماماً من آبائه ومن عمه الحسن بن علي السبط أيضاً». ومن خلال نقله لهذه الرواية أراد أن يثبت ما قيل في كنية الإمامين السجاد والرضا ثم تطبيق ذلك على الإمام الحجة، وهذا استنتاج باطل منه ؛ إذ لم تثبت هذه الكنية للإمام السجّاد أو الرضا حتى يجعلها للإمام الحجة.

عنه (بالمناقب القديمة) ، وطبق هذا الخبر سوف تكون من ألقابه:الثاني عشر : أبو الحسن،الثالث عشر: أبو تراب، والكنيتان لأمير المؤمنين...،الرابع عشر: أبو بكر، وهي إحدى كُنى الإمام الرضا كما ذكرها أبو الفرج في مقاتل الطالبيين، الخامس عشر : أبو صالح ... »(1).

وهذا الكلام غير صحيح أيضاً، لأنّ مسألة التسميات أخذت طابعها الخاص من بعد شهادة الإمام الحسين(علیه السلام)، ثمّ نضجت في عهد الإمام الحجة، لكن بالكناية والتأويل، لا بالتصريح ؛ لأن الخلفاء الأمويين ومن بعدهم العباسيين كانوا لا يرتضون الجمع بين الاسم والكنية معاً، فلا يجيزون لمسلم أن يُسَمَّى بعلي ويكنّى بأبي الحسن،لاعتقادهم بأنّه دالٌّ على المحبة، وقد مر عليك نهي عبدالملك بن مروان،علي بن عبداللّه بن عباس عن ذلك، وألزمه أن يغيّر أحدهما (الاسم أو الكنية)،فغيَّر الكنية دون الاسم،وقد غير البحتري كنيته من أبي الحسن إلى أبي عبادة إرضاءً للمتوكل العباسي.

وعلى ضوء هذه المجريات والأحداث، ووقوفنا على تجريح الأئمة للخلفاء الثلاثة كنائياً، فلا نقبل تكنية الهاشميين لأئمة أهل البيت بهذه الكنية، وخصوصاً حينما نقف على المحكيّ عن أبي محمّد العسكري أنّه قال لعثمان بن سعيد العَمري - بفتح العين - : لا يجتمع على امرئ بين عثمان وأبي

ص: 314


1- النجم الثاقب : 172، أعيان الشيعة 2: 13.

عمرو، وأمر بكسر كنيته فقيل العمروي(1)،ويضاف إلى هذا أنّ الثابت عند الجميع أنّ رسول اللّه قال عن الإمام الحجة بأنّ اسمه اسم رسول اللّه وكنيته كنية رسول اللّه(2).

فلو كانت كنيته هي كنية رسول اللّه وكنية عمه الحسن السبط والأحد عشر من آبائه بَدءاً من رسول اللّه إلى الإمام العسكري، فهل هو بحاجة إلى كنية أخرى؟ إلا أن يكون الآخرون قد احتاجوا إليها فوضعوها عليه طبقاً لأهوائهم.

أجل، نحن أكّدنا أكثر من مرة على أنّ القوم كانوا يسعون لتحريف الأُمور ومنها سرقة الألقاب، فقد منحوا ابن أبي قحافة لقبَ الصدّيق جزافاً(3)،كما أنّهم رووا حديثاً عن مشاهدات النبي في المعراج وأنّه رأى على العرش مكتوباً«لا إله إلا اللّه،محمّد رسول اللّه ، أبو بكر الصديق»، وحين سمع الإمام الصادق هذا الخبر استاء وقال:سبحان اللّه غيَّروا كل شيء حتى هذا(4)!!

ومن هذا الباب جاء تغييرهم للأسماء وإطلاقهم للكنى على أهل البيت وأولادهم جزافاً، فقد غيروا اسم عمرو بن الحسن إلى عمر بن الحسن، ثم

ص: 315


1- الغيبة للشيخ الطوسي : 354 ، خلاصة الأقوال: 220 - 221 .
2- دعائم الإسلام 2 :188 ،كمال الدين: 286 ، كفاية الأثر : 67 ، 83 ، مستدرك الوسائل 15: 133.
3- هذا ما وضحناه في رسالتنا (من هو الصديق ومن هي الصديقة).
4- الاحتجاج 1: 230 ، وعنه في مدينة المعاجز 2: 376.

قالوا بوجود عمر بن الحسين ، وكنّوا عمر الأطرف - خلافاً للمشهور في كنيته (أبو القاسم) - بأبي حفص، وجعلو المكنّى بأبي بكر من ولد الإمام علي اسمه عتيقاً مقارنةً بين الاسم والكنية، وادعوا أيضاً بأن أبا بكر هو اسم لولد علي

والحسن والحسين فقالوا:

1 - أبو بكر بن علي بن أبي طالب .

2 - أبو بكر بن الحسن السبط .

3 - أبو بكر بن الحسين الشهيد.

كل ذلك لتوثيق الصلة بين الآل والخلفاء، في حين ليس بأيدينا نصٌّ واحد ولو كان من ضعاف الأخبار يشير إلى هذه المحبة والوئام بين الآل والصحابة أو أنّ الأئمة أطلقوا هذه الكنية على أنفسهم أو على أولادهم.

ص: 316

خلاصة البحث

1 - إنّ اسم عمر ، عثمان،أبي بكر، عائشة وأمثالها هي من الأسماء العربية الرائجة في الجاهلية وصدر الإسلام، وليست مختصّة بعبد الكعبة أو عتيق بن أبي قحافة أو بعمر بن الخطاب أو بعثمان بن عفان أو غيرهم، فلا مانع من التسمية بها، وقد سمى أئمة أهل البيت ببعضها، وأَقرَّ الآخر منها، كلُّ ذلك قبل أن تصير تلك الأسماء رمزاً لأشخاص معهودين.

2 - الإسلام نهى عن التسمية بالأسماء القبيحة لغة، وما تحمل معنى الشرك والوثنية، كعبد شمس وعبد الكعبة، وما يتضمن صفات الباري كخالد وحكم وحكيم، وما يدلل على ترك أوامر الرسول ونواهيه كأن يكنّى من اسمه محمّد بأبي القاسم، أو أن يُسمّي أحدٌ ابنته ب«حميراء» عداوة لعلي بن أبي طالب؛ لأنّ اسم حميراء صار علماً لعائشة، بعكس اسمها الذي كان يسمّى به نساء كثيرات منها ابنة الإمام الكاظم.

فالتسمية بعمر وعثمان وأبي بكر لو لم تحمل في مطاويها المخالفة مع

ص: 317

رسول اللّه والمضادة مع الوصى فهى جائزة، أمّا لو أريد بها التجليل والتبجيل للمواقف الاعتراضية لعمر على رسول اللّه كما في قضية أسرى بدر، أو مخالفته لرسول اللّه في صلاته على المنافق، أو تأييداً لموقفه ضد الرسول في رزيّة يوم الخميس، أو تصحيحاً وترجيحاً لموقف أبي بكر في أخذه خمس آل البيت وأرض فدك وغصبه الخلافة من آل البيت، فهي غير جائزة.

فالتسميات من الأُمور القلبية التي قد يجوز فعلها أو يستحب كتعظيم النبي والآل، وقد يحرم الاتيان بها إن كان فيها تعريض أو مساس بصفات اللّه أو تعريض بالرسول والولي.

3 - إنّ الإسلام أمر بتحسين الأسماء، وإن اسم الحسن والحسين - الموضوعَين من قبل اللّه ورسوله - هما من أحسن الأسماء، فلو كان الخلفاءُ الثلاثة محبِّين لرسول اللّه حقَاً، وكانت الأسماء لها دلالة على المحبة، وعدمها على المباغضة فلِمَ لم يُسَمُّوا أولادهم وأحفادهم وأسباطهم باسم الحسن والحسين كرامةً لرسول اللّه واتّباعاً لسنته، بل لماذا لا يسمّون بأسماء أجداد وأعمام رسول اللّه مع كونها أسماء عربية رائجة.

4 - إِنَّ وضع الأسماء لا يَدل على المحبَّة في جميع الحالات، وكذا عدم التسمية لا يدل على المباغضة، وإنّ ما قلته فيما سبق جاء من باب الإلزام، فقد لا يسمي الطالبيون بناتهم ب«أمنه» و «خديجة»، و «صفية» و «حليمة»، لكنّ هذا لا يدلّ على المنافرة والمضادّة أو عدم المحبة فيما بين الطالبيين وأمهاتهم.

كما أن عدم تسمية الخلفاء الأمويين والعباسيين باسم أبي بكر وعمر - إلا في النادر - لا يدلّ على التضاد فيما بينهم.

ص: 318

وبذلك فالأسماء قد توضع الجمالية الاسم، أو لتفاؤلهم بالعيش وطول العمر كالتسمية بعائشة وعمر، وقد يسمّي الإنسان ابنه بأنور أو حُسْني وأمثال ذلك لتناغمه مع معنى هذين الاسمين، مع عدم ارتياحه لأنور السادات وحسني مبارك.

وقد توضع الأسماء خوفاً أو طمعاً أو مداراةً أو مجاملةً، وقد تكون هناك احتمالات أُخرى، فلا يمكن حصر سبب التسمية بسبب واحد هو وضعه للمحبة وتركه للبغض، وعليه فلا يجوز أن يُقَوَّل الإمام ما لا يقوله إلا بدليل ونصّ صريح غير قابل للتأويل ؛ كما جاء صريحاً في كلام الإمام عليّ وأنه سمَّى ابنه بعثمان لمكانة عثمان بن مظعون،أو قول عائشة في سبب تسمية خادمها بعبدالرحمن : أنّ التسمية كانت حباً لعبدالرحمن بن ملجم، أو ما جاء عن عبدالملك بن مروان من أنّه سمّى ابنه بالحجاج حبّاً للحجاج بن يوسف الثقفي.

فنحن لو قلنا بأنّ عثمان بن عفان سمّى ابنه ب(عمرو) لصلته بأبي جهل -عمرو بن هشام - أو أنّ عمر بن الخطاب سمّى ابنه بعبد اللّه،لحبه لعبد اللّه بن أُبي بن سلول رئيس المنافقين فلا يقبله الرجل العامى منا، فكيف يقولون ويرمون الآخرين بما لا يقبلون القول به لأنفسهم وأتباعهم؟!

5 - لو قبلنا وضع الإمام علي اسم«عمر»على ابنه للمحبة، فيجب أن نبحث عن «عمر» المحب لعلي، لأن عمر بن الخطاب هو المناوئ له ومن أعدائه حسبما عرفناه من التاريخ، فلا يمكن ترشيح أحد إلا أحد إلا عمر بن أبي سلمة عامل الإمام علي على البحرين وفارس،وربيب رسول اللّه، والراوي لحديث الأئمة الاثني عشر بمحضر معاوية، كما أنّه المدعوّ من قبل الإمام

ص: 319

للمسير معه إلى قتال القاسطين، فلا يمكن تصوّر غير هذا ، وكذا الحال في أبي بكر فإن أريد تصوره فهو أبو بكر بن حزم الأنصاري أو من يشابهه.

6 - مَرَّ عليك أن عمر بن الخطاب طلب من الإمام تسمية ابنه من الصهباء التغلبية باسمه، والإمام أقرّ تلك التسمية منه، لأنّ المولود لو كان لحرَّة لما أمكن لعمر أن يطلب من الإمام أن يهبه اسمه، لأنّ ذلك تجاوز على العرف آنذاك، وقد رَجَا الإمام في إمضائه هذه التمسية فوائد كثيرة، منها:

أ. الدلالة على التجويز والتسهيل على الأمة في التسمية بهذه الأسماء إذا مَرُّوا بظروف صعبة، وأنّ ما فعله الإمام يشبه فعل رسول اللّه حينما تزوّج زينب بنت جحش زوجة زيد بن حارثة - ابن رسول اللّه بالتبني - فأراد النبيّ بفعله هذا بيان جواز الزواج بنساء أبناء التبنّي الذي كان محرماً في الجاهلية.

ب. أراد الإمام-بإقراره هذا-سحب البساط من تحت أرجل الأمويين،والوقوف أمام استغلالهم اسم الشيخين، واحتمائهم بهما في الصراع بين الأمويين والهاشميين.

ج. بإقرار(علیه السلام)هذه التسمية أراد بيان سُمُوَّه وتعاليه عن الخلافات البسيطة، فإنّه وإن كان مخالفاً لأبي بكر وعمر ويراهما غاصبين، كاذبين، آثمين، غادرين - كما في نص صحيح مسلم - لكنه لا يعكس تلك الخلافات على الأسماء اللّهمّ إلا أن تترمَّز وتتمحض تلك الأسماء للشر بمرور الزمان.

فقبول الأئمة(علیهم السلام)بهذه الأسماء دليل على تساميهم، وأنّ الخلاف لا يدعوهم إلى محاربة الأسماء بما هي أسماء، لأنّ المعصوم يعنيه عمل الأشخاص لا أسمائهم، فالتسمية ببعض الأسماء مع التأكيد على أعمالهم

ص: 320

المشينة، له دلالته الخاصة.

د. أنه(علیه السلام)كان يجاملهم ويداريهم ويتّقيهم، فجاء عن سفيان عن فضيل بن الزبير عن نقيع عن أبي كديبة الأزدي أنّه قال : قام رجل إلى أمير المؤمنين فسأله عن قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي الله وَرَسُولِهِ ...) فيمن نزلت؟ قال(علیه السلام): ما تريد؟ أتريد أن تغري بي الناس؟

قال: يا أمير المؤمنين، ولكن أحب أن أعلم.

قال : أجلس،فجلس فقال:اكتب عامراً، معمّراً، أكتب عمر، أكتب عمّاراً، أكتب معتمراً، في أحد الخمسة نزلت،قال سفيان : قلت لفضيل: أتراه عمر ؟ قال : فمن هو غيره، وهذا يؤكد بأن التسمية قد تكون تقية.

7 - إنّ اسم عثمان انقرض في نسل علي من بعده(علیه السلام)، كما أنّ التسمية أو التكنية بأبي بكر لا تُعرف في المعصومين أو في أولادهم بعد السجاد(علیه السلام)(1)بل وحتى الإمام زين العابدين(علیه السلام)، نعم التسمية بعمر أو عمرو استمرّت عند الطالبيين، خصوصاً في ولد العُمَرَين الأطرف والأشرف، وولد زيد بن علي بن الحسين،وولد الحسن المثنى بن الحسن السبط إلى عهود لاحقة لظروف كانوا يعيشونها وبقلة قليلة.

أمّا بقية الشيعة فكانوا يسمّون بأسماء الثلاثة حتّى أواخر القرن السادس الهجري، برغم الظلم والاجحاف الذي كان يصبّه الظالمون على كلّ من

ص: 321


1- وأمّا ما انفرد به أبو الفرج الإصفهاني على لسان أبي الصلت الهروي في تكنية الإمام الرضا(علیه السلام)فقد تقدم الجواب عنه وأنه لا يستبعد أن يكون من وضع المأمون نفسه أو المستبصرين، وأمّا ما لصق بالإمام الهادي(علیه السلام)من التكني بأبي بكر فهو محض افتراء.

سُمّي بأسماء الأئمة، فلم يقابلوا العدوّ بالمثل، ولو راجعت كتب رجال الحديث والتراجم لوقفت على تلك الأسماء بين الرواة عن الأئمة ومشايخ النجاشي والصدوق، والأئمة لم يكونوا يمنعونهم من التسمية بتلك الأسماء بل يخاطبونهم بها، فلا نشاهد إماماً من أئمة أهل البيت غيّر اسم أحد أصحابه من أبي بكر أو عمر أو عثمان إلى اسم آخر .

نعم، إنّ هذه الأسماء أخذت تنقرض عند الشيعة في العصور اللّاحقة شيئاً فشيئاً جرّاء السياسات التعسفية للأمويين والمروانيّين والعباسييّن والسلجوقيّين والعثمانيّين والأيوبيّين وغيرهم.

8 - إنّ تصريح الإمام علي بسبب تسمية ابنه بعثمان كان للوقوف أمام استغلال الآخرين للأسمين الآخرين من ولده، فكأنه يريد أن يقول: لا تتصوّروا إنّي سمّيت ابني بعثمان حبّاً بعثمان بن عفان، بل بتصريحي أُريد أن أنفي ما قد يُدَّعى من أنّي قد سمَّيت أولادي بأسماء الثلاثة حباً بهم وقد يكون الإمام قال بهذا الكلام فى أواخر عمره الشريف .

9 - صرحت عائشة بانفعال شديد - بعد مقتل الإمام علي(علیه السلام)- أنّها سمّت غلامها بعبدالرحمن حبّاً بعبدالرحمن بن ملجم، وهذا ما لا نشاهده عند الأئمة، فالإمام علي(علیه السلام)حينما صرّح بتسمية ابنه بعثمان لا يجرح بالآخرين، أي أنّه(علیه السلام)وقف أمام التصوّرات الخاطئة التي يحملها بعض الناس عن سبب التسمية، وليس فيه تجريح للآخرين من الثلاثة.

10 - اتَّهم معاويةُ الإمام علي بن أبي طالب(علیه السلام)بأنّه سمَّى أولاده بأسماء الثلاثة بدعوى أنّه لو ترحم عليهم فقد عنى أولاده، والإمام يجيبه بأن الطلقاء

ص: 322

هم أقلّ شأناً من أن يدخلوا بين المهاجرين والأنصار والسابقين إلى الإسلام.

في حين أنّ أهل الشام كان يسمّون بأسماء أهل البيت كي يشتموهم ويلعنوهم، وهذا ما رواه المدائني عن أبي سلمة الأنصاري(1)،وجاء في كلام المنصور العباسي أيّام كان مختفياً في زمن الأمويين، بأن الشاميين كانوا لا يطيقون التسمية بعلي والحسن والحسين، وقد مر تفصيله في الحديث الذي ذكره الصدوق بسنده عن الأعمش(2).

11 - إنّ التصحيف في الأسماء والكُنى أمر ممكن بل واقع، لكنا نراه في اسم «عمر» - في ولد الإمام الحسن والحسين - تحريفاً وليس بتصحيف، فهم أبدلوا اسم ابن السبط بعمر .

وكذلك كنَّوا عبداللّه بن الحسن السبط بأبي بكر، ثمّ اعتبروه في الزمن المتأخر اسماً له، فقالوا : أبو بكر بن الحسن، في حين صرح الموضح النسابة بأن المكنى بأبي بكر اسمه عبداللّه.

وبعد هذا لا يستبعد وقوع الاشتباه في عبداللّه بن علي بن أبي طالب المكنى بأبي بكر،بن ليلى النهشلية، والقول بأنّه كان لابن الحسن السبط فسقط اسم «الحسن» فقالوا: عبداللّه أو أبو بكر بن علي الشهيد بكربلاء، وذلك لاتّحاد اسم القاتل، وطريقة القتل، ووحدة الأشعار المنشودة فيهما.

ولا يخفى عليك بأنّ اسم (عمرو) أقرب إلى أولاد الأئمة من (عمر)،وذلك لشيوع اسم (عمرو) عند العرب أكثر من (عمر) ، ولكون اسم جدهم

ص: 323


1- مر في صفحة :188 .
2- مر في صفحة: 190 من أصل الكتاب.

هاشم هو عمرو العلى .

وأنّ التسمية بعمرو كانت لا تزعج الإمام الحسن ولا غيره، مع علمه بأنّ فارس المشركين الذي بارز والده كان اسمه عمرو بن عبدالود العامري ،وأنّ عدوّ والده اسمه عمرو بن العاص، وأن اسم أبي جهل كان عمرو بن هشام، وأنّ جده رسول اللّه كان يلعنه في القنوت.

فالأئمة وأولادهم كانوا يتسامون من هكذا حساسيات،فقد سمى الحسين الأصغر ابن الإمام السجاد ابنه بعبيد اللّه المعروف بالأعرج مع علمه بدور عبيد اللّه بن زياد في مقتل جده الحسين(علیه السلام).

وقد سمى الإمام الكاظم ابنه بهارون وابنته بعائشة، لأنّ اسم هارون ليس حكراً على هارون الرشيد، بل الأَولى أن يكون لمكانة هارون من موسى، وعائشة ليست حكراً على ابنة أبي قحافة فقد تسمّت بها نساء كثيرات بايعن رسول اللّه .

وأنّهم(علیه السلام)كانوا يسمّون ويأمرون بالتسمية بعبداللّه مع تخالفهم مع عبداللّه ابن أبي سرح، وعبداللّه بن أُبي بن سلول، وعبداللّه بن الزبير، وعبداللّه بن عمر، وعبداللّه بن عمرو بن العاص وغيرهم.

12 - إنّ أسماء المعصومين وكناهم مشتقّة من الأسماء الإلهية، وهي تختلف عن بقية الأسماء، ولأجل ذلك ترى المحاربة مع تلك الأسماء حينما يجيء السفياني فيقتل كل من اسمه محمّد،علي،الحسن،الحسين، فاطمة، رقية وجعفر وطالب.

13 - إنّ اقتناص الأسماء سلباً أو إيجاباً بدأه عمر بن الخطاب، ثم بَدَأ معاوية بحرب الأسماء، واستمرّت في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي، حتى

ص: 324

قال بعضهم (عقَّني والدي حيث سمّاني عليّا ) ؛ لأنّهم كانوا يقتلون كُلَّ من كان اسمه علياً، أو يصغرون اسمه فيقولون (عُلَي) بدل (عَلِي)، أو كان الشخص هو يصغر اسمه فيقول (أنا عُلي) ولست ب(علي) خوفاً من سطوة الحاكم.

14 - احتملنا سابقاً أن تكون أسماء أولاد الأئمة المطابقة لأسماء الثلاثة هي من وضع الأمهات أو الجدّ للأمّ، وهذا ليس بعزيز عند العرب، فالإمام علي خاطب مرحباً بقوله : أنا الذي سمتني أمي حيدره، وقال الإمام الحسين للحر بن يزيد الرياحي:أنت حرّ كما سمّتك أمّك حرّاً .

وهؤلاء الأمّهات - غير أمهات المعصومين - كنّ من النساء العاديّات، وقد سعت بعضهن إلى قتل الإمام المعصوم مثل جعدة بنت الأشعث التي دسّت السمّ إلى الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)، وكذلك أُمّ الفضل التي سمّت الإمام الجواد، فأمثال هؤلاء النسوة لا يستبعد أن يسمين أولادهن بأسماء الثلاثة، والإمام لم يخالفهن لظروف خاصة كان يمر بها ولبعض الوجوه المتقدمة.

15 - المشاهَد في تسميات الخلفاء يقف على مفارقة فيها، فعمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ويزيد يجعلان بدلاً وهدية لمن يتسمّى بأسمائهم، بعكس الإمام علي الذي لم يمنح عطية بن سعد بن جنادة، وعليّ بن عبداللّه بن عباس، أو غيرهما، غير عطائهما من بيت المال، فعلى أيِّ شيء تدل هذه المفارقة - الاهداء من قبل معاوية وعمر وعدم الاهداء من قبل علي-؟

من الواضح أنّ الخلفاء كانوا يريدون أن يجعلوا أنفسهم في مصافّ الرموز الدينية الواجب اتّباعها فعملوا هذا العمل.

ص: 325

16 - احتمل الشيخ المجلسي بعد أن نقل كلام الإمام الصادق من أنَّ رسول اللّه أراد حين موته أن ينهى عن بعض الأسماء، فقُبِض(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ولم يُسَمِّها ، ثم عد منها الحَكَم وحكيم وخالد ومالك، وذكر أنّها كانت ستة أو سبعة واحتمل بعدها:«بأن تكون الأسماء الثلاثة المتروكة هي عتيق وعمر وعثمان،وأنّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)ترك ذكرهم تقية».

17 - إن المسمَّين بأسماء الثلاثة من ولد علي لم يثبت وضعها من قبل الإمام(علیه السلام)،إلا اسم عثمان، فقد كان حبّاً لعثمان بن مظعون، كما أنّ وضعها لم يكن بالترتيب الذي ادّعاه بعضهم زوراً وبُهتاناً، فلو أريد منها الدلالة على المحبّة لكان وضعها بترتيب الخلفاء أوضح وأجلى، لكنّا نرى عمر هو الأكبر بين الأولاد ثم عثمان ثم عبداللّه المكنى بأبي بكر.

كما لا يخفى بأنّه ليس للإمام عُمَران أو عباسان أو جعفران أو عثمانان، نعم كان له محمّدان أو ثلاثة محمّدين، أو اثنان يسميان بعبداللّه أو ثلاثة،أو له زينب الكبرى وزينب الصغرى،وأم كلثوم الكبرى وأم كلثوم الصغرى،ورملة ورملةالصغرى. ورقية ورقية الصغرى.

18 - من المعلوم أنّ مدرسة أهل البيت تجيز بل تُحَبِّذ التسمية بأسماء الأنبياء وخصوصاً اسم النبي محمّد(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)وترى فضيلة في ذلك، أمّا عمر فقد نهى عن التسمية بأسماء الأنبياء والتكنّي بأبي عيسى وأبي يحيى، بدعوى أنْ ليس لعيسى أب،ويحيى لم يولد له ولد،وقد منع ذلك متذرّعاً بالخوف من أن يُسَبَّ الأنبياء بهؤلاء الأشخاص، لكنَّ المجلسيَّ ذهب بعيداً وقال بأنّ منعه كان لكي لا يبقى على وجه الأرض من يُسمّى بمحمّد(صلی اللّه علیه وآله وسلّم).

ص: 326

19 - قد يكون هدف عمر من تسمية ابن الإمام علي(علیه السلام)باسمه هو محو صفحات الماضي وما جرى بينه وبين الآل، فهو نوع مداجاة أراد بها غسل درن هجومه على بيت الزهراء وإسقاطه محسناً ووو...

20 - إنّ الطالبيين هجروا عبداللّه بن جعفر ولم يكلّموه حتّى توفي، لتسمية ولده بمعاوية، وإن لم يرد في النصوص عن الأئمة نهي صريح عن التسمية بأسماء الثلاثة وحتى معاوية ويزيد، وذلك لترسَّخ البغض عندهم لمعاوية.

21 - إنّ عمر نصب معاوية، ومعاوية نصب يزيد، والأمويون غيَّروا - المفاهيم والأسماء، منها: نبزهم الرسول ب«أبي كبشة»، وتسميتهم مدينة الرسول بالخبيثة أو النتنة، وتسميتهم بئر زمزم بأمّ الخنافس أو أم الجُعلان أو أم الجُرذان، ومن ذلك تسمية بعض المجاميع والقبائل العربية بأعمال قتلة الحسين، منهم بنو سنان:أولاد من رفع الرمح الذي كان عليه رأس

الحسين(علیه السلام)، ومنهم: بنو الطشت وهم أولاد اللعين الذي وضع رأس الحسين(علیه السلام)في الطشت،ومنهم بنو النعل وهم أولاد من أركض الخيل على جسد الحسين(علیه السلام)في كربلاء و ...

22 - استغلال حفيد يزيد،وهو:علي بن عبداللّه بن خالد بن يزيد بن معاوية - أيّام خلافه مع العباسيين - اسم الإمام علي وكنيته وشعارات الطالبيين،حتى قال ابنه(علي):أنا من شَيْخَي صفّين،يعني علياً ومعاوية،كي يجمع المخالفين للعباسيين - علويين كانوا أم أمويين - في محور واحد. وقد دعا أئمّة أهل البيت إلى الوقوف أمام استغلال الآخرين لأسمائهم وكناهم

وألقابهم.

ص: 327

22 - إنّ الإمام الرضا(علیه السلام)أمر أحمد بن عمر أن يسمّي ابنه ب«عمر»حفاظاً عليه،من العامّة الذين كانوا يتربصون به الدوائر .

23 - تقعيد الأئمة قواعد في التسميات دون التجريح بأحد، مثل: «ما الدين إلا الحب والبغض» و «الشيطان إذا سمع منادياً ينادي يا محمد يا علي ذاب كما يذوب الرصاص، وإذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتزّ وصال».

24 - إنّ الاختلاف في عمر الأطرف (مدة حياته، موته، حضوره كربلاء وعدم حضوره)وفي المتنازع معه(الإمام السجاد، عبداللّه بن الحسن،عبیداللّه بن العباس)وفي الشيء المتنازع عليه (الصدقات، فدك و...)، وفي الخليفة المتنازع عنده (مروان،عبدالملك،الوليد)، يشير إلى وجود أصابع أموية في هذه المسألة، كما هي في زواج أم كلثوم وغِناء سكينة «أعوذ باللّه»،غير منكرين عدم ارتضاء الطالبيين والأئمة لسيرته.

25 - لم يُطبِق الأعلام على وجود ابن للإمام علي باسم أبي بكر، بل اختلفوا هل هو كنية لمن اسمه عبد اللّه أو محمد أو عبدالرحمن، أو هو اسم له.

26 - التكنية بأبي بكر لم تكن بذيئة عند العرب، وليس في إطلاقها على أحد عيب ذاتي، لأنّها تعني الفتيّ من الإبل، ذلك الحيوان المهمّ في الجزيرة العربية، لكنّها لم تطلق على ابن أبي قحافة في الجاهلية وصدر الإسلام وحتى بعد وفاة رسول اللّه ، بل كان يكنّى بأبي الفصيل، وقد عرفه بذلك معاصروه كأبي سفيان وغيره، كما أنّه قد عيّرته هوازن ورجال قريش والهاشميين بذلك.

27 - إنّ ابن أبي قحافة لم يُعرف كتاجر من تجّار قريش، مثل أبي سفيان

ص: 328

وأبي جهل وعبداللّه بن جدعان - الذي كان هو و وأبو قحافة من الدعاة إلى مائدته-بل ذكر ابن سعد عن عمر أنّه لقي ابنَ أبي قحافة لما استخلف وعلى رقبته أثواب يتّجر بها، فقال: تصنع ماذا وقد وليتَ أمر المسلمين؟! قال: فمِن أين أُطعم عيالي ؟ ! لكنّ القوم اخترعوا له نصوصاً تدلّ على ماله وسخائه لمحو نقيصة الحسب والنسب.

28- هذه الألقاب : ( أبو الفصيل ) أو ( أبو بكر) أو (ذو الخلال)ترتبط بالأحداث التي تلت وفاة رسول اللّه(صلی اللّه علیه وآله وسلّم)، وإصرار أَبي بكر على استلاب الإبل من معارضيه، وقول أبي بكر : (لا أترككم لو منعتموني عقال بعير) دون البواقي تؤكد حقيقة فقره ومحاولته سدّ عقدة نقصه، ولو كان مدافعاً عن الصدقات جميعها لقال ( لا أترككم لو منعتموني حبّة حنطة)ولذلك كان مناوئُو أبي بكر يذكّرونه بكنيته السابقة استنقاصاً له وتذكيراً لحالته السابقة.

29 - التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة لا تعطي الشرعيّة لهم، ولا تدلّ على عدالتهم ووثاقتهم ولزوم طاعتهم، بل هي أسماء فقط، فلا ضير من الاعتقاد بوجودها.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين..

***

ص: 329

ص: 330

الفهرس

كلمة الملخص ...5

مقدمة المؤلف ...7

البحث الأول التسمية بعمر وعثمان وعائشة بين منهج أهل البيت(علیهم السلام)وسياسة الخلفاء

ثلاث مقدمات ...19

المقدمة الأولى وضع الأسماء عند العرب ...19

المقدمة الثانية تسمية الأولاد في الإسلام ، لمن؟ ...26

أ - إنها للآباء ...26

ب - التسمية للأمهات ...38

ج - إنّها للوالدين معاً ، لأنّ العرب كانت تعدّد الأسماء ...42

المقدمة الثالثة بيان بعض الأسباب التي دعت إلى تطابق بعض أسماء ولد الأئمة مع أسماء الخلفاء ...47

ص: 331

عمر من الأسماء الرائجة عند العرب ...55

وقفة مع ابن تيمية (ت 728 ه) في التسميات ...64

الحرب الصامتة والحساسية من اسم علي والحسن والحسين ! ...73

ارتباط التسمية مع المحبة حقيقةٌ أو وَهُمُ ...75

أسماء الخلفاء الأمويين والمروانيين (41 - 132 ه) ...78

أسماء الخلفاء العباسيين (132 - 656 ه) ...79

الحكومتان الأموية والعباسية واتباعهما السيرة الشيخين ...82

عمر وأسماء الأنبياء ...102

السير التاريخي للمسألة ...108

المرحلة الثالثة الحرب المعلنة ...110

دور عائشة في التسمية ...113

دور معاوية في حرب الأسماء ...117

التسمية بعلي(علیه السلام)في عهد معاوية...125

التسمية بعلي عند أهل البيت ...128

الأمويون والتسمية بمعاوية والوليد وخالد والمنع من التسمية بعلي والحسن والحسين ...134

تغيير الأمويين لبعض المفاهيم والأسماء ...138

الحجاج والتسمية بعلي ...142

المضادة مع الأسماء المشتقة من اسم الباري من ابن أبي سفيان ...151

التسميات في العصر العباسي ...163

النص الأوّل ...165

النص الثانى ...167

ص: 332

التسمية بعلي في أولاد الأئمة ...178

وجود أسماء الثلاثة عند الشيعة في القرنين الثاني والثالث ...183

القرن الرابع الهجري ...188

القرن الخامس الهجري ...190

القرن السادس الهجري ....191

إساءة المفتي السلجوقي للصّدّيقة البتول(علیها السلام)...191

القرن السابع الهجري ...197

القرن الثامن الهجري ...198

القرن التاسع الهجري ...199

القرن العاشر إلى الثالث عشر الهجري ...199

التسميات عند الطالبيين بين النظرية والتطبيق ...204

أولاد الإمام علي(علیه السلام)...204

1 - فاطمة الزهراء على (علیها السلام)...205

2 - خولة بنت قيس الحنفيّة ...206

3- الصهباء التغلبية المكناة بأُمّ حبيب ...206

4 - أُمّ البنين الكلابيّة ...207

5 - ليلى النهشليّة الدارميّة التميميّة ...207

المعقبون من ولد علي ...207

1 - الإمام الحسن السبط ...210

ابن الإمام الحسن(علیه السلام)هو عمر أم عمرو ؟ ...213

أبو بكر بن الحسن كنية أم اسم؟ ...214

2 - الإمام الحسين بن علي (علیه السلام)...218

ص: 333

هل كان للحسين(علیه السلام)ابنان باسم أبي بكر وعمر أم أنهما كانا لأخيه الحسن(علیه السلام) وصُحفا؟ ... 220

عمرو = عمر بن الحسن أم ابن الحسين ؟ ...223

انحصار عقب الحسين(علیه السلام)من السجاد فقط ...225

3 - محمد بن علي (ابن الحنفيّة) ...232

4 - عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب ...232

5 - العبّاس بن الإمام علي...237

زوجات الإمام علي وأمهات أولاده ...239

أبو بكر اسم لابن الإمام علي أم كنية ؟ ...243

أبو بكر اسماً...246

أبو بكر اسمه عبداللّه ...256

أبو بكر اسمه محمّد الأصغر ...259

أبو بكر كنية لمن اسمه عبد الرحمن أو عتيق ...261

الخلاصة ...265

البحث الثاني في التكنية ب(أبي بكر)

المحور الأوّل في معنى «بكر» و«أبي بكر»...277

المحور الثاني متى كُنّي أبو بكر بأبي بكر؟ ولم؟ ...280

أبو الفصيل كنية ابن أبي قحافة في الجاهلية ...285

أبو فصيل كنية ابن أبي قحافة بعد وفاة رسول اللّه أيضاً ...286

ص: 334

ذو الخلال مدح لأبي بكر أم ذم؟ ...289

معنى الخلال في لغة العرب ...292

المحور الثالث هل الأئمة(علیهم السلام)كنوا أنفسهم أو أولادهم بأبي بكر؟ ...298

1 - الإمام علي بن الحسين السجاد وتكنيهم إياه بأبي بكر !! ...301

2 - الإمام علي بن موسى الرضا وتكنيتهم إياه بأبي بكر؟ ...309

3 - الإمام علي بن محمد الهادي وتكنيتهم إياه بأبي بكر؟ ...312

خلاصة البحث ...317

الفهرس ...331

ص: 335

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.