البراهين القاطعة

هوية الكتاب

المؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي

المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية

الناشر: مؤسسة بوستان كتاب

المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي

الطبعة: 0

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1424 ه.ق

ISBN (ردمك): 964-371-377-6

المكتبة الإسلامية

آثار مركز مطالعات وتحقيقات اسلامی 182

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

لمحمد جعفر الأسترآبادي المعروف ب«شريعتمدار»

الجزءالأوّل

مركزالأبحاث والدراسات الإسلامية

قسم إحياء التراث الإسلامي

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الكتاب

تصدير... 7

مقدّمة التحقيق... 9

التمهيد... 11

المبحث الأوّل : حول الطوسي ومتن التجريد... 13

المبحث الثاني : حول الأسترآبادي و « البراهين القاطعة »... 23

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

المقصد الأوّل : في الأمور العامّة... 77

الفصل الأوّل : في الوجود والعدم... 81

الفصل الثاني : في الماهيّة ولواحقها... 183

الفصل الثالث : في العلّة والمعلول... 227

المقصد الثاني : في الجواهر والأعراض... 259

الفصل الأوّل : في الجواهر... 261

الفصل الثاني : في الأجسام... 293

الفصل الثالث : في بقيّة أحكام الأجسام... 319

الفصل الرابع : في الجواهر المجرّدة... 333

الفصل الخامس : في الأعراض... 377

ص: 5

ص: 6

بسم اللّه الرحمن الرحيم

تصدير

الحمد لله والحمد حقّه كما يستحقّه حمدا كثيرا ، وصلاته على نبيّه المصطفى ورسوله المجتبى محمّد ، وعلى آله الهداة الميامين وصحبه المنتجبين.

وبعد فإنّ الفكر الكلامي - الذي هو ثمرة لجهود ثلّة من العلماء - يمثّل أعظم ثروة تشهد بعظمة هؤلاء العلماء ، الذين دافعوا عن العقيدة بأقلامهم ، ودحضوا شبه المبطلين والمغرضين.

وقد كثرت الدعوات لإنشاء علم كلام في أسلوب حديث يتناغم وظروف العصر الحاضر ويكشف الحقيقة ويدفع الشبهات عن العقيدة الإسلامية ، الأمر الذي تشتدّ معه حاجة الباحثين إلى أن يتّجهوا صوب الذخائر الإسلامية « المخطوطات » ليستمدّوا منها ما يحقّق انطلاقتهم المباركة في هذا المجال.

وهذه الموسوعة الكلاميّة في شرح تجريد العقائد تمثّل كنزا من كنوز تراثنا الخالد ، وإخراجها وجعلها بين أيدي العلماء والباحثين يفتح آفاقا رحبة للبحث العلمي ، ويملأ فراغا في المكتبة الكلاميّة.

كلمة شكر وثناء :

وختاما فإنّنا نقدّم جزيل الشكر وجميل الثناء لكافّة الإخوة الأفاضل الذين ساهموا في تحقيق وإخراج هذا الكتاب ، ونخصّ بالذكر :

1. الإخوة الأفاضل : السيّد حسين بني هاشمي ، والسيّد خليل العابديني ، وطه نجفي ،

ص: 7

وحسان فرادى ، وإسماعيل بيك المندلاوي ، والشيخ محمّد ربّاني ، والشيخ ولي قرباني والأخ جواد فاضل بخشايشي على مقابلتهم النسخ الخطّية وتخريج مصادر الكتاب.

2. فضيلة الشيخ محمّد حسين مولوي الذي تصدّى لمسئوليّة تحقيق الكتاب وتقويم نصّ بعض المجلّدات وكتابة مقدّمة التحقيق.

وكذا فضيلة الشيخ غلامرضا نقي ، والشيخ غلام حسين قيصري ها اللذين ساهما في تقويم نصّ الكتاب.

3. الاستاذ الأديب أسعد الطيّب ، والشيخ نعمت اللّه جليلي ، والشيخ محمّد باقري ، والسيّد عبد الرسول حامدي ، والشيخ علي أوسط ناطقي ، الذين قاموا بمراجعة الكتاب علميّا وأدبيّا وفنّيا.

4. الإخوة في مركز النشر ونخصّ بالذكر الشيخ عبد الهادي أشرفي والأخ رمضان علي قرباني والأخ عبد الوهاب درواژ.

اللّهمّ تباركت أن توصف إلاّ بالإحسان ، وكرمت أن يخاف منك إلاّ العدل ، صلّ على محمّد سيّدنا ونبيّنا وعلى الهداة الطاهرين من آله والمنتجبين من صحبه ، إنّك أنت المنّان.

قسم إحياء التراث الإسلامي

مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية

ص: 8

مقدّمة التحقيق

اشارة

وفيها تمهيد ومبحثان :

الأوّل : حول الطوسي ومتن التجريد

الثاني : حول الأسترآبادي و « البراهين القاطعة »

ص: 9

ص: 10

التمهيد

اشارة

إنّ علم الكلام من العلوم الإسلاميّة التي يبحث فيها عن العقيدة الإسلاميّة وما ينبغي الاعتقاد به والاستدلال على ذلك والدفاع عنه.

وقد صنّفت التعاليم الإسلامية إلى أصناف ثلاثة :

1. الأحكام ، وهي أمور تتعلّق بالأفعال وترتبط بعمل الإنسان ، ومن خلالها يعرف كيف يؤدّي الواجبات المناطة به من الناحية الشرعية ، كالصلاة والصوم والحجّ والجهاد والبيع والزواج ... والعلم الذي يعنى بذلك هو « علم الفقه ».

2. الأخلاق ، وهي عبارة عن الصفات الروحية التي ينبغي أن يتّصف بها المسلم ، كالصدق والاستقامة والأمانة والإخلاص والورع ... والعلم الذي يبحث في ذلك يسمّى ب- « علم الأخلاق ».

3. العقائد ، وهي عبارة عن أمور يجب معرفتها والإيمان بها ، مثل التوحيد والعدل وصفات اللّه تعالى والنبوّة والإمامة ... وهي التي يعبّر عنها ب- « أصول الدين ».

والعلم الذي يبحث في ذلك يسمّى ب- « علم أصول الدين » أو « علم الكلام ».

وبما أنّ هذا العلم يتولّى مهمّة الدفاع عن العقيدة الإسلامية ، لذلك أولاه علماء المسلمين أهمّية خاصّة ، وكتبوا وصنّفوا كثيرا في هذا المجال ؛ فللعقيدة دور كبير في تحديد مسيرة الفرد والمجتمع ، وهي التي توصلهم إلى السعادة أو الشقاء.

والمصنّفات الكلامية كثيرة جدّا ، والمكتبة الإسلامية زاخرة بها عبر العصور الإسلامية المتتالية ، ولا زالت المنهل الذي ينتهل منه الباحثون والمحقّقون ، وكفانا فخرا أنّنا نمتلك هذا التراث الضخم الذي يدلّ على جلالة قدر أسلافنا ودورهم المتميّز في إثراء الفكر الإنساني.

أمّا من يدّعي الحداثة والتجديد ويذمّ كلّ قديم لمجرّد قدمه فهو ليس على صواب ؛ لأنّ

ص: 11

من لا قديم له لا جديد له وأنّ أيّ أمّة تنكّرت لماضيها فليس لها حاضر ولا مستقبل ، ويكفينا ما حصل لأمّتنا الإسلامية عند ما تخلّت عن ذلك الماضي المشرق الذي بناه أسلافنا بجهودهم وتضحياتهم ، فصرنا نقتات على موائد غيرنا ونستورد أفكارهم.

إنّ التطوّر العلمي الهائل الذي وصلت إليه أوربّا إنّما كان بفضل علماء المسلمين ومفكّريهم ، فقد قام علماؤهم وكتّابهم بالاهتمام بآثارنا وتدوين تراثنا ، فالذي يراجع فهارس المكتبات العامّة في أوربّا يجد أسماء لامعة لشخصيّات شرقية من قبيل ابن سينا والكندي ونصير الدين الطوسي والفخر الرازي والعلاّمة الحلّي والغزالي وغيرهم.

ولم يكتف الأوربيّون بجمع مخطوطاتنا ، بل عملوا على تحقيق بعضها وطباعتها طباعة حديثة سهّلت على باحثيهم الاستزادة من أغنى وأغلى الأفكار الإنسانية.

إنّ الحضارة الإسلامية التي برزت إلى الوجود منذ أربعة عشر قرنا كانت حضارة العلم والعقل والتفكير ولم تكن حضارة الحروب. وإنّ تلك المدنيّة التي انتشرت في معظم أرجاء العالم ووصلت إلى أقصى الصين شرقا وأقصى أوربّا غربا لم تكن مدنيّة السيف والرمح أو السلاح النووي ، بل كانت مدنيّة القلم والقرطاس والكتاب والدرس والبحث عن الحقيقة.

لذا أرى لزاما علينا أن نعمل جاهدين على إحياء آثار أسلافنا والإشادة بفضلهم ، ونشر كتبهم وشرحها وتحليل مضامينها ؛ فإنّ الفضل في الحياة العقلية المعاصرة يعود إليهم.

أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع

وكتاب « البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة » هو لواحد من أولئك الأعلام ، الذين عاشوا في القرن الثالث عشر ، وهو المولى محمّد جعفر بن سيف الدين الأسترآبادي.

ويضمّ هذا الكتاب أربعة أجزاء ، والذي بين يدي القارئ العزيز هو الجزء الأوّل منه ، على أمل أن يتمّ إكمال تحقيق الأجزاء الباقية بعونه تعالى.

وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب.

ص: 12

المبحث الأوّل : حول الطوسي ومتن التجريد
ميلاده

ولد أبو جعفر محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي ، المعروف ب- « المحقّق الطوسي » في مدينة طوس ، واختلف في سنة ولادته ، والأغلب - كما في أعيان الشيعة (1) - على أنّه ولد سنة 597 ، وتوفّي ببغداد في يوم الغدير سنة 672 ، ودفن في مدينة الكاظمين علیهماالسلام .

والده

هو محمّد بن الحسن ، الذي يعدّ من الفقهاء والمحدّثين ، حيث تربّى أبو جعفر في حجره ونشأ على يديه.

قالوا عنه :

« وكان هذا الشيخ أفضل أهل زمانه في العلوم العقليّة والنقليّة » (2).

« كان رأسا في علم الأوائل لا سيّما في الأرصاد والمجسطي » (3).

« هو أستاذ البشر والعقل الحادي عشر » (4).

« حكيم عظيم الشأن في جميع فنون الحكمة ، كان يقوّي آراء المتقدّمين ويحلّ شكوك

ص: 13


1- « أعيان الشيعة » 9 : 414.
2- انظر : « الأسرار الخفيّة في العلوم العقلية » : 20 ، هامش 2.
3- « الوافي بالوفيات » 1 : 179.
4- ذكره في « أعيان الشيعة » 9 : 415 ونسبه إلى العلاّمة الحلّي قدس سره .

المتأخّرين والمؤاخذات التي وردت في مصنّفاتهم » (1).

« المولى الأعظم والحبر المعظّم ، قدوة العلماء الراسخين ، أسوة الحكماء المتألّهين ، نصير الحقّ والدين محمّد بن محمّد الطوسي قدّس اللّه نفسه وروّح رمسه » (2).

دراسته

درس علوم اللغة في صغره ، ثمّ علوم القرآن الكريم ، وأمره والده بعد ذلك بدراسة الرياضيات على كمال الدين الحاسب ، ثمّ درس على والده الحديث والأخبار والفقه ، ودرس المنطق والحكمة على خاله ، وقد أتقن العلوم الرياضيّة وهو ما زال في عنفوان شبابه.

انتقل بعد وفاة والده إلى نيسابور - التي كانت من الحواضر العلمية آنذاك - فلقي فيها سراج الدين القمري وقطب الدين السرخسي وفريد الدين الداماد وأبا السعادات الأصفهاني وفريد الدين العطّار ، وفي نيسابور تفجّرت طاقته وظهرت قدرته على الإبداع وبان نبوغه وتفوّقه ، فكان ممّن يشار إليه بالبنان.

الطوسي والإسماعيليّين

كان زحف المغول مقترنا بوجود المحقّق الطوسي في نيسابور حيث اجتاح جنكيز خان بلاد خراسان وهرب السلطان محمّد خوارزم شاه ، وهرب الناس وتوزّعوا على الفلوات والمدن الآمنة والقلاع ، وبقيت القوّة الوحيدة متمثّلة بالإسماعيليّين الذين تحصّنوا بقلاعهم (3). وخلال هذه المحنة لم يدر الطوسي أين يولّي وجهه ، فكان والي الإسماعيليّين - ناصر الدين - قد ولي بلدة قهستان ، وكان ذا فضل وعلم ومهتمّا بالعلماء ، وقد تناهت إليه أخبار الطوسي ومكانته العلميّة وشيوع صيته في الآفاق ، فدعاه إلى قهستان ، وهناك ترجم كتابا لأبي عليّ مسكويه الرازي وزاد عليه مطالب جديدة وسمّاه « أخلاق ناصري » تكريما

ص: 14


1- « مختصر الدول » لابن عبري ، نقلا عن « أعيان الشيعة » 9 : 414.
2- القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 2.
3- وأشهر هذه القلاع القلعة المسمّاة ب- « ألموت ». وهي كلمة فارسية مكوّنة من مقطعين : أله + موت ، وتعني وكر العقبان.

لناصر الدين.

ولمّا سمع علاء الدين محمّد زعيم الإسماعيليّين بنزول الطوسي على واليه ناصر الدين طلبه ، فأجاب المحقّق الطوسي دعوته ، واستقبله الزعيم الإسماعيلي استقبالا حافلا بالتكريم والحفاوة.

بقي الطوسي مع ركن الدين بعد وفاة والده علاء الدين في قلعة ألموت إلى أن استسلم الإسماعيليون للمغول ، حيث سار علاء الدين بصحبة أولاده ونصير الدين الطوسي والوزير مؤيّد الدين والطبيبان ، وقتل هولاكو علاء الدين ومن معه إلاّ الطوسي والطبيبين (1).

الطوسي والمغول

لمّا صار الطوسي تحت قبضة هولاكو فكّر في أن يعمل شيئا ، فعزم على أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من التراث العلمي وأهل العلم ، فاستطاع بحنكته أن يحوّل هؤلاء المتوحّشين - الذين قصدوا إشاعة الدمار والخراب في البلدان الإسلامية - إلى أناس يعتنقون الإسلام ويدعون له.

يقول الدكتور علي أكبر فيّاض :

« وكانت النهضة الإسماعيليّة في قمّة نشاطها في ذلك العصر ، وكانت لهم مشاركة تامّة في دراسة الفلسفة والنهوض بها ؛ للاستفادة منها في تقرير أصولهم وإثبات دعاويهم ، وقد أسّسوا لهم في قلعة ألموت في جبال قزوين مكتبة عظيمة بادت على أيدي المغول. وكان يعيش في رعاية الإسماعيليّين رجل يعدّ من أكبر المشتغلين بالعلوم العقلية بعد ابن سينا ، ألا وهو نصير الدين الطوسي ، قدّر لهذا الرجل العظيم أن يقوم بإنقاذ التراث الإسلامي من أيدي المغول ... لقد فرض إليه هولاكو أمر أوقاف البلاد فقام بضبطها وصرفها على إقامة المدارس والمعاهد العلمية ، وجمع العلماء والحكماء وتعاون معهم في إقامة رصد كبير في مراغة بآذربيجان ومكتبة بجانبه يقال : إنّها كانت تحوي 400 ألف من المجلّدات » (2).

ص: 15


1- انظر « أعيان الشيعة » 9 : 416 - 418 والطبيبان هما : موفّق الدولة ، ورئيس الدولة.
2- « محاضرات عن الأدب الفارسي والمدنيّة الإسلامية » نقلا عن « أعيان الشيعة » 9 : 416.
الطوسي والعلم والعلماء

إنّ الذي كان يشغل بال المحقّق الطوسي إبّان عصر المغول هو أنّه كيف ينقذ العلماء من محنتهم ، وكيف يحفظ التراث الضخم من أيدي المغول. فلم يكن بمقدور الطوسي وغيره مواجهة الطغاة بقوّة السلاح ، بل لا بدّ من وضع خطّة ذكيّة لاستيعاب الموقف وكسر شوكة المغول أو تحييدهم أو أسلمتهم.

فبعد أن اطمأنّ هولاكو للمحقّق الطوسي وكبر في عينه حاول الطوسي إقناعه بإقامة مرصد فلكي في مراغة قائلا له : « إنّ القائد المنتصر يجب أن لا يقنع بالتخريب فقط » فأدرك المغولي المغزى ، وخوّله بناء مرصد عظيم على تلّ شمالي « مراغة » وتمّ هذا العمل في 12 سنة ... وقد أظهر خطأ أربعين دقيقة في موضع الشمس في أوّل السنة على حساب الأزياج السابقة ، وجمع مكتبة عظيمة ضمّ إليها ما نهب من الكتب في بغداد.

وهكذا تسنّى للمحقّق نصير الدين أن يؤسّس أكبر جامعة علمية في مراغة ، استقطب فيها العلماء والحكماء ، الذين توافدوا على مراغة من كلّ أصقاع العالم. يقول محمّد مدرّسي زنجاني في كتابه « سرگذشت وعقائد فلسفى خواجه نصير الدين طوسى » :

« فضلا عن مقام الطوسي العلمي استطاع بتأثيره على مزاج هولاكو أن يستحوذ تدريجيّا على عقله ، وأن يروّض شارب الدماء فيوجّهه إلى إصلاح الأمور الاجتماعية والثقافية والفنّية ، فأدّى الأمر إلى أن يوفد هولاكو فخر الدين لقمان بن عبد اللّه المراغي إلى البلاد العربية وغيرها ، ليحثّ العلماء الذين فرّوا بأنفسهم من الحملة المغولية فلجئوا إلى أربل والموصل والجزيرة والشام ، ويشوّقهم إلى العودة ، وأن يدعو علماء تلك البلاد - أيضا - إلى الإقامة في مراغة » (1).

وكان فخر الدين حسن التدبير كيّسا ، فاستطاع أن يؤدّي مهمّته على أحسن وجه.

وقد استجاب للطوسي علماء البلاد العربية وغيرها ، فرحلوا إلى مراغة ، واجتمع هناك علماء من دمشق والموصل وقزوين وتفليس وغيرها.

ص: 16


1- انظر : « أعيان الشيعة » 9 : 417.
الطوسي في الميزان

غالبا ما يصنّف العلماء تبعا لاختصاصاتهم ، فيقال : هذا عالم فقه وهذا عالم كيمياء وهذا عالم أخلاق ، إلاّ أنّ المحقّق نصير الدين الطوسي قد تعدّدت مشاربه وأخذ من كلّ علوم عصره ، فهو وإن كان مشهورا في مجال الحكمة والكلام ، إلاّ أنّ له باعا طويلة في مختلف الاختصاصات ، فهو الرياضي والفلكي والفقيه والعالم الأخلاقي ، فقد مدحه أحد مساعديه في مرصد مراغة ، وهو العالم الدمشقي مؤيّد الدين العرضي بقوله :

« وكذلك (1) كلّه بإشارة مولانا المعظّم والإمام الأعظم ، العالم الفاضل المحقّق الكامل ، قدوة العلماء وسيّد الحكماء ، أفضل علماء الإسلاميّين بل المتقدّمين ، وهو من جمع اللّه سبحانه فيه ما تفرّق في كافّة أهل زماننا من الفضائل والمناقب الحميدة ، وحسن السيرة ، وغزارة الحلم ، وجزالة الرأي ، وجودة البديهة ، والإحاطة بسائر العلوم ، فجمع العلماء إليه وضمّ شملهم بوافر عطائه ، وكان بهم أرأف من الوالد على ولده ، فكنّا في ظلّه آمنين وبرؤيته فرحين كما قيل :

نميل على جوانبه كأنّا *** نميل إذا نميل على أبينا

ونغضبه لنخبر حالتيه *** فنلقى منهما كرما ولينا

وهو المولى نصير الملّة والدين محمّد بن محمّد الطوسي أدام اللّه أيّامه » (2).

ونقل عنه ما يدلّ على كمال عقله وسعة حلمه ، وهو أنّه أرسلت إليه ورقة من شخص ضمّنها كلاما بذيئا قال فيه للطوسي : « يا كلب يا ابن الكلب » فكان جواب الطوسي له : وأمّا قوله : كلبا ، فليس بصحيح ؛ لأنّ الكلب من ذوات الأربع ، وهو نابح طويل الأظفار ، وأمّا أنا فمنتصب القامة ، بادي البشرة ، عريض الأظفار ، وناطق ضاحك. فهذه الفصول والخواصّ غير تلك الفصول والخواصّ. وأطال في نقض ما ذكره كاتب الرسالة ، ولم تصدر منه كلمة بذيئة قطّ.

وذكر عنه تلميذه العلاّمة الحلّي في إجازته لبني زهرة أنّه « ... كان أشرف من شاهدناه

ص: 17


1- كذا في « أعيان الشيعة » ولعلّ الصحيح : « وكان ذلك كلّه … ».
2- « رسالة شرح آلات مرصد مراغة وأدواته » نقلا عن « أعيان الشيعة » 9 : 417.

في الأخلاق » (1).

وقال عنه الصفدي : « وكان حسن الصورة ، سمحا كريما جوادا حليما ، حسن العشرة ، غزير الفضائل ، جليل القدر ، داهية » (2).

آثاره

شملت آثار المحقّق نصير الدين معظم علوم عصره ومعارفه ، كالرياضيات والهيئة والطبّ والمنطق والفلسفة والأخلاق والفقه وغيرها ، ولست بصدد الخوض في ذلك ، فقد كفانا السيّد محمّد جواد الجلالي هذه المهمّة حيث قام بتصنيف مؤلّفات الطوسي حسب العلوم التالية :

1 - العلوم العقلية كالفلسفة والكلام والمنطق والسياسة والأخلاق.

2 - العلوم الصرفة كالهندسة والرياضيات والجبر والمثلّثات والفيزياء.

3 - العلوم الدينيّة كالفقه والتفسير والعقيدة والأدعية والأذكار.

4 - العلوم الفلكية كالفلك والرصد والتقويم والاسطرلاب والجفر والرمل.

5 - العلوم الإنسانية كالتاريخ والجغرافيا والشعر والموسيقى والتربية والتعليم.

6 - العلوم الطبيعية الأخرى كالطبّ والجواهر.

وهذا التصنيف يعتبر أفضل من الترتيب الألفبائي ، ويسهّل على الباحث الوصول إلى ما يبتغيه.

ومن أراد الاطّلاع على تفصيلات آثار المحقّق الطوسي فليراجع مقدّمة « تجريد العقائد » (3).

حول التجريد وشروحه

أشار المحقّق نصير الدين في أوائل هذا الكتاب إلى أهمّيته ومنهجيّته في البحث مع ذكر

ص: 18


1- « بحار الأنوار » 104 : 62.
2- « الوافي بالوفيات » 1 : 179.
3- « تجريد العقائد » : 36 - 68 ، مقدّمة التحقيق.

السبب الذي دعاه إلى تصنيفه فقال : « أمّا بعد حمد واجب الوجود - إلى - فإنّي مجيب إلى ما سئلت من تحرير مسائل الكلام وترتيبها على أبلغ نظام ، مشيرا إلى غرر فرائد الاعتقاد ونكت مسائل الاجتهاد ، ممّا قادني الدليل إليه وقوي اعتقادي عليه ، وسمّيته تجريد العقائد ».

وهذا الكتاب ممّا تناقلته الأيدي واعتنى به رجالات الفكر الكلامي وناقشوا فيه بين قبول وردّ ، ولا زال يعتبر من أمّهات الكتب الكلاميّة رغم وجازته.

ولتجريد العقائد شروح كثيرة وحواش على تلك الشروح :

فأوّل شروحه هو « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » الذي هو شرح لتلميذه العلاّمة الحلّي ، ويعتبر من أكمل الشروح وأوفاها.

والشرح الثاني الموسوم ب- « تشييد القواعد » لشمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصفهاني المتوفّى سنة ستّ وأربعين وسبعمائة ، ويعرف ب- « الشرح القديم ». وعليه حاشية للسيّد الشريف الجرجاني المتوفّى سنة ستّ عشرة وثمانمائة ، واشتهر هذا الكتاب بين علماء الروم ب- « حاشية التجريد » والتزموا تدريسه.

وقد كثرت الحواشي على « حاشية الجرجاني » فمن تلك الحواشي حاشية محيي الدين محمّد بن حسن السامسوني المتوفّى سنة 919 ، وحاشية شجاع الدين إلياس الرومي المتوفّى سنة 929 ، وحاشية سنان الدين يوسف المعروف ب- « عجم سنان » المتوفّى مفتيا في « أماسيا ». إلى عشرات الحواشي الأخر.

والشرح الثالث هو للمولى علاء الدين عليّ بن محمّد المشهور ب- « القوشجي » المتوفّى سنة 679 ، وهو شرح مزجيّ لخّص فيه فوائد القدماء على أحسن وجه ، وأضاف إليها ما توصّل إليه هو ، كتبه بكرمان وأهداه إلى السلطان أبي سعيد خان.

وقد اشتهر هذا الشرح ب- « الشرح الجديد » وفي هذا الشرح امتدح القوشجي في مقدّمته - بعد مدح المصنّف الطوسي - كتاب « تجريد الاعتقاد » بقوله : « تصنيف مخزون بالعجائب ، وتأليف مشحون بالغرائب ، فهو وإن كان صغير الحجم ، وجيز النظم ، فهو كثير العلم ، جليل الشأن حسن النظام ، مقبول الأئمّة العظام ، لم يظفر بمثله علماء الأعصار ، مشتمل على إشارات إلى مطالب هي الأمّهات ، مملوء بجواهر كلّها كالفصوص ، متضمّن لبيانات معجزة في عبارات موجزة.

ص: 19

يفجر ينبوع السلاسة من لفظه *** ولكن معانيه لها السحر يسجد

فهو في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار ، تداولته أيدي النظّار ، ثمّ إنّ كثيرا من الفضلاء وجّهوا نظرهم إلى شرح هذا الكتاب » (1).

وقد كثرت الحواشي - أيضا - على هذا الشرح ، وأهمّها « الحاشية الجلالية » القديمة ، نسبة إلى الفاضل جلال الدين محمّد بن أسعد الدواني المتوفّى سنة 907.

ثمّ كتب المولى صدر الدين محمّد الشيرازي المتوفّى سنة 930 حاشيته على الشرح الجديد وأهداها إلى السلطان بايزيدخان ، وفيها اعتراضات على حاشية جلال الدين الدواني ، وظلّت المعركة الكلامية سجالا بين الدواني والصدر ، فكلّما كتب أحدهم شيئا ردّ عليه الآخر ، وكان آخر الردود لغياث الدين الحسيني ابن السيّد الصدر ، حيث صدّر خطبته بالتعريض والنيل من جلال الدين الدواني قال : « ربّ يسّر وتمّم ، قد كشف جمالك على الأعالي كنه حقائق المعالي ، وحجب جلالك الدواني عن فهم دقائق المعاني ، فأسألك التجريد من أغشية الجلال بالشوق إلى مطالعة الجمال » إلى آخر ما قال ، وسمّى ذلك الكتاب ب- « تجريد الغواشي ».

وهناك حواشي كثيرة على الشرح القديم والحاشية القديمة ، مثل حاشية المحقّق ميرزا جان حبيب اللّه الشيرازي المتوفّى سنة 994 ، وحاشية فخر الدين محمّد بن الحسن الحسيني الأسترآبادي ، وحاشية المدقّق عبد اللّه النخجواني ، وحاشية المحقّق حسن جلبي ابن الفناري المتوفّى سنة 886 ، وحاشية العلاّمة شمس الدين الخفري.

ومن شروح التجريد الأخرى : شرح أبي عمرو أحمد بن محمّد المصري المتوفّى سنة 757 سمّاه « المفيد » ، وشرح العلاّمة محمّد بن محمود البابرتي المتوفّى سنة 786 وشرح الفاضل خضر شاه بن عبد اللطيف المنتشوي المتوفّى سنة 853 ، وشرح قوام الدين يوسف بن حسن المعروف ب- « قاضي بغداد » المتوفّى سنة 922 ، ومنها « تسديد النقائد في شرح تجريد العقائد » الذي ذكر الأصل ثمّ الشرح وميّز لفظ الأصل والشرح بالمداد الأحمر.

إلى غير ذلك من الشروح والحواشي المذكورة في كتب التراجم (2).

ص: 20


1- « شرح تجريد الاعتقاد » للقوشجي : 2.
2- راجع « كشف الظنون » 1 : 346 - 351 ؛ و « الذريعة » 6 : 113 - 119 و 13 : 138 - 140.
وقفة مع متن التجريد :

حاولنا - بقدر الإمكان - أن نضبط متن التجريد ، وحيث لم يتسنّ لنا مراجعة النسخ الخطيّة ، ولا يترك الميسور بالمعسور ، فقد قابلنا متن التجريد الذي أورده الأسترآبادي في « البراهين القاطعة » مع كتاب « تجريد الاعتقاد » بتحقيق السيّد محمّد جواد الحسيني الجلالي ، وكذا مع « كشف المراد » بتحقيق آية اللّه حسن حسن زاده الآملي ، وكانت هناك بعض الاختلافات اليسيرة التي لم نعتن بها ، ولكنّا أشرنا إلى بعض الموارد الضرورية وأثبتناها في الهوامش.

فمثلا أورد الأسترآبادي عبارة في متن التجريد لم نعثر عليها في « كشف المراد » (1) و « تجريد الاعتقاد » (2) حيث وردت في كلا الكتابين هكذا : « والتشخّص يغاير الوحدة » لكنّها في « البراهين القاطعة » (3) جاءت العبارة هكذا : « والتشخّص يغاير الوحدة التي هي عبارة عن عدم الانقسام ».

وهذا الأمر يكشف عن مغايرة نسخة الأسترآبادي للنسخ المعتمدة في الكتابين المذكورين. وقد أشير في هامش « تجريد الاعتقاد » إلى وجود هذه العبارة في بعض النسخ.

ونقل الأسترآبادي في موضع آخر (4) عبارة التجريد هكذا : « هذا في القضايا الشخصيّة ، أمّا المحصورة فبشرط تاسع ... » وعند مراجعتنا ل- « كشف المراد » و « تجريد الاعتقاد » لم نجد قوله : « هذا في القضايا الشخصيّة ».

وأيضا نقل قوله : « والتناهي بحسب المدّة ... يصدق التناهي وعدمه الخاصّ على المؤثّر بالنظر إلى آثاره » (5) حيث سقطت عبارة « بالنظر إلى آثاره » من كلا الكتابين المذكورين.

ورغم وجود هذا التوافق بين كتابي « كشف المراد » و « تجريد الاعتقاد » إلاّ أنّنا نجده أيضا بين « البراهين القاطعة » و « كشف المراد » ففي مبحث الأعراض - والكلام عن الحياة

ص: 21


1- « كشف المراد » : 99.
2- « تجريد الاعتقاد » : 126.
3- « البراهين القاطعة » 1 : 140.
4- نفس المصدر : 155.
5- نفس المصدر : 178.

- لم ترد عبارة « وتفتقر إلى الروح » (1) - التي جاء بعدها « وتقابل الموت تقابل العدم والملكة » - في « تجريد الاعتقاد » ووردت في « كشف المراد » (2).

وفي موضع آخر نقل الأسترآبادي عبارة الماتن بقوله : « فطبيعيّ الحركة إنّما يحصل عند مقارنة أمر غير طبيعي » وسقطت كلمة « غير » من متن « تجريد الاعتقاد » (3) لكنّها طابقت عبارة « كشف المراد » (4).

ص: 22


1- « تجريد الاعتقاد » : 177.
2- « كشف المراد » : 254.
3- « تجريد الاعتقاد » : 185.
4- « كشف المراد » : 272.
المبحث الثاني : حول الأسترآبادي و « البراهين القاطعة »
نبذة عن عصر المؤلّف

امتاز القرن الثالث عشر الهجري بنشوء عدد من التيّارات الفكرية عند الشيعة ، ففي منتصف هذا القرن تجدّد خلاف شديد بين الأصوليّين والأخباريّين وكان منطلقه من العراق وتحديدا في مدينة كربلاء ، التي كان فيها شخصيتان يتزعّم كلّ منهما اتجاها فكريّا ، فكان الشيخ محمّد باقر البهبهاني المعروف بالوحيد يتزعّم فريق الأصوليّين ، والشيخ يوسف البحراني يتزعّم فريق الأخباريّين.

وأهمّ موارد النزاع بين الفريقين هو أنّ الأخباريّين أسقطوا دليل الإجماع والعقل من الأدلّة الأربعة واقتصروا على الكتاب والأخبار معتبرين الدليل العقلي عملا بالرأي وقياسا. كما أنّهم يرون أنّ ما في الكتب الأربعة - التي يستند إليها الشيعة - قطعيّ السند وموثوق بصدوره عن المعصوم نبيّا كان أو إماما.

وعلى عكس ذلك قسّم الأصوليون الأخبار إلى الأقسام الأربعة ، ويرون أنّ أغلبها غير قطعي السند ولا يجوز العمل بكلّ الأخبار والحكم بصحّتها. وكان بداية ظهور الأخباريّين في مطلع القرن الحادي عشر للهجرة على يد المحقّق محمّد أمين الأسترآبادي صاحب « الفوائد المدنية » ، إلاّ أنّ النزاع تجدّد واشتدّ بين الفريقين نهاية القرن الثاني عشر ، ولم يقتصر النزاع على طلبة العلم بل تعدّاهم إلى عامّة الناس ، واستمرّ هذا الصراع الفكري واتّسع في النصف الأوّل من القرن الثالث عشر في عصر الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه اللّه الذي كان منحاه أصوليا وحاول الشيخ جاهدا تخفيف حدّة التوتّر بتأليف كتاب شرح فيه حقيقة

ص: 23

مذهب الفريقين وإرجاعهما إلى مذهب واحد ، وأنّ المجتهد أخباري والأخباري مجتهد إلاّ أنّه لم يفلح في ردم الهوّة.

وكانت مدينة كربلاء بؤرة الصراع ، حيث كانت تضمّ لفيفا من جهابذة العلم ممّن يشار إليهم بالبنان كالشيخ المحقّق يوسف البحراني والآقا الوحيد البهبهاني والسيّد مهدي بحر العلوم والمولى محمّد مهدي النراقي صاحب كتاب « جامع السعادات » والسيّد عليّ الطباطبائي صاحب « الرياض » والسيّد محمّد الطباطبائي المعروف ب- « السيّد المجاهد » والشيخ شريف العلماء والشيخ محمّد حسين الأصفهاني صاحب « الفصول » وغيرهم.

وفي هذه المدينة المقدّسة اشتدّ الصراع بين المدرستين : الأخبارية والأصولية ، إلاّ أنّها اتّخذت طابع الحوار العلمي المفتوح بين أعلام تلك المدرسة ، فكان الوحيد البهبهاني في حوار دائم مع الشيخ البحراني الذي يعدّ من أقطاب العلم واستقطب الكثير من طلاب العلم ، ونهلوا من نمير علمه العذب.

وكان للشيخ يوسف البحراني دور كبير في الحفاظ على كيان الحوزة العلمية ، حيث سعى - ومن منطلق شرعي - إلى تخفيف حدّة الاتّجاه الأخباري وتقليص الفروق بين المدرستين وانتقاد ما ذهب إليه الأخباريون من التطرّف في التهجّم ونقد المدرسة الأصولية ، وخصوصا ما صدر عن الشيخ محمّد أمين الأسترآبادي من التشنيع على الأصوليّين (1).

وكانت الخلافات في هذه الفترة علميّة تصبّ في خدمة الدين وتهدف إلى إحقاق الحقّ ودحض الباطل ، وكان كلّ فريق يدور مدار الدليل العلمي ويكتب حسب ما يمليه عليه دليله.

ومن طريف ما ينقله الشيخ محمّد حسن شريعتمدار الأسترآبادي - ولد المصنّف - قصّة تدلّ على أنّ المصنّف رحمه اللّه كان لا يستعجل بإصدار الحكم على الآخرين بل كان يتريّث ويتأمّل ، فقد نقل ولده ما يلي :

« إنّ المرجع يومئذ هو السيّد محمّد الطباطبائي الملقّب بالمجاهد ، ولما أفتى بكفر الأحسائي وافقه وأيّده علماء كربلاء والنجف عامّة ، غير أنّ الشيخ محمّد جعفر شريعتمدار

ص: 24


1- انظر : « الحدائق الناضرة » 1 : 167 - 170.

كان في مكّة يؤدّي فريضة الحجّ ، فقال الأحسائي : إنّ علماء هذه الديار فقهاء وأصوليّون وليست لهم خبرة في الحكمة والعلوم العقليّة وكلماتي ومؤلّفاتي لا يفهمها إلاّ الحكماء ، ورضي أن يحكم فيها الشيخ محمّد جعفر شريعتمدار ، واتّفق أن عاد شريعتمدار من مكّة فبعث له السيّد محمّد المجاهد « شرح الزيارة » وعدّة رسائل من مؤلّفات الأحسائي بيد رسول وطلب منه قراءتها وبيان رأيه فيها ، فقرأها بدقّة وتأمّل عباراتها وقال : إنّ هذه الكتب والرسائل متشابهة وقابلة للتأويل ويجب إطاعة أمر السيّد بحكم مقبولة عمر بن حنظلة ، ولكن من أجل التثبّت في الحكم والحكومة لا مندوحة من مذاكرة الأحسائي نفسه فيها لنرى هل أنّه يستحقّ التكفير أم لا؟

واتّفق أن التقى الأحسائي به في الحمّام فشكره على عدم تسرّعه في تكفيره كما فعل الآخرون ، ودخلا في نقاش فتجمهر الناس عليهما في الحمّام لسماع الحوار ، فسرد الأحسائي آراءه ومعتقداته كما سطّرها في مؤلّفاته ، وفهم منها شريعتمدار ما فهمه السيّد المجاهد وسائر علماء كربلاء والنجف وحكم مثلهم بتكفيره ، فوقعت في كربلاء وبلاد إيران كارثة لانتشار الخبر » (1).

وهكذا الحال بالنسبة إلى الشيخ يوسف البحراني صاحب « الحدائق الناضرة » عند ما سئل عن الصلاة خلف الشيخ محمّد باقر البهبهاني فصحّحها ، فقيل له : كيف تصحّح الصلاة خلف من لا يصحّحها بصلاتك؟ فقال : وأيّ غرابة في ذلك؟ إنّ واجبي الشرعي يحتّم عليّ أن أقول ما أعتقده وواجبه الشرعي يحتّم عليه ذلك ، وقد فعل كلّ منّا بتكليفه وواجبه ... ،

وهل يسقط عن العدالة لمجرّد أنّه لا يصحّح الصلاة خلفي (2)؟!

إلاّ أنّ كلّ محاولات تهدئة الأوضاع لم يكتب لها النجاح ؛ نظرا لتسرّب الخلافات إلى عامّة الناس ، الأمر الذي أدّى إلى الاستهانة بالعلم والاستخفاف بالعلماء.

أمّا الوضع السياسي في عصر المصنّف رحمه اللّه فقد عاش مع بدايات حكم السلسلة القاجارية في إيران وتحديدا في عصر فتح علي شاه ، ثاني ملوك القاجار.

وشهدت هذه الحقبة الزمنيّة اضطرابات سياسية وعسكرية ، فقد حاول آقا محمّد خان

ص: 25


1- « مظاهر الآثار » 1 : 1064 - 1065 نقلا عن الشيخية : 102 - 103.
2- « تنقيح المقال » 2 : 85 ، الرقم 10429.

طرد القوات الروسية الموجودة في إيران إلاّ أنّه لم يوفّق للسيطرة على كلّ البلاد ، فنرى خراسان - مثلا - موزّعة على مجموعة من القبائل المتناحرة فيما بينها ، يحكم كلّ ناحية منها حاكم ينتمي إلى قبيلة ما ، وهكذا الأمر في كردستان وبلوچستان. أمّا علاقة إيران بدول الجوار فقد سادها جوّ من الهدوء والاستقرار وخصوصا مع تركيا (1).

وكانت الدول الأوربية آنذاك قد ركّزت على إيران ؛ نظرا لموقعها الاستراتيجي ، حيث قام نابليون بونابرت بوضع خطّة ذكيّة ، حيث أرسل جيشا لينضمّ إلى القوات الفرنسية المتواجدة في قسطنطينية وآسيا الصغرى ، لينطلقوا من هناك مارّين بالأراضي الإيرانية ، وليشكّلوا قوّات مسلّحة في أصفهان للاستعداد للقيام بعمليات معادية لنفوذ شركة الهند الشرقية ، وقد أفلح نابليون في جعل إيران تدور في فلك السياسة الفرنسية.

أمّا الوضع التجاري فقد اقترحت فرنسا عام 1807 م تعزيز العلاقات التجارية مع إيران ، كما حاول فتح علي شاه توطيد علاقته مع الإنجليز على أمل الحصول على مساعدات ، إلاّ أنّ تأخّر الإنجليز في دفع المساعدات والتهديد الجدّي الذي شكّلته روسيا على إيران دفعا بالشاه إلى إرسال ممثّل سياسي له إلى فرنسا لعقد اتّفاقيّات عسكرية مع فرنسا التي أرسلت هيئة عسكرية عالية لبناء الجيش الإيراني ، وكان الغرض هو الحدّ من النفوذ الروسي في المنطقة ، حيث كان يشكّل خطرا على المصالح الفرنسية.

إلاّ أنّ الأمور جرت بما لا يشتهي فتح علي شاه ، حيث قام نابليون بعقد اتّفاقية صلح مع الروس ؛ لأجل الحدّ من النفوذ البريطاني المتزايد ، الأمر الذي أدّى بفتح علي شاه أن يتّجه صوب بريطانيا ويقيم العلاقات مع الملك جورج الثالث (2).

وكلّ هذه الأوضاع تعدّ مؤشّرا واضحا على عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي آنذاك ؛ وذلك لكثرة الصراعات الداخلية ، وتعدّد مراكز القوى ، وعدم وجود سياسة واضحة عند القاجاريّين في علاقاتهم مع الدول الأوربية ، وعكوف بعض حكّامهم على جمع المال ، حتّى شبّه بعضهم فتح علي شاه بالمستعصم باللّه ، الذي هو آخر خلفاء بني العبّاس الذي قتل

ص: 26


1- انظر : « تاريخ تحوّلات سياسى وروابط خارجى ايران » 1 : 8 وما بعدها.
2- انظر : « تاريخ إيران » 2 : 453 وما بعدها. وقد نقلت النصّ من اللغة الفارسية إلى العربية.

على يد هولاكو (1).

إلاّ أنّه رغم كلّ هذه الأوضاع السيّئة فقد راجت في أيّام فتح علي شاه سوق العلم والأدب ، وبرز كثير من جهابذة العلم ، وصنّفوا في مختلف العلوم ، ومنهم المولى محمّد جعفر الأسترآبادي مؤلّف هذا الكتاب.

بعض الملامح عن شخصيّته

عرف الأسترآبادي رحمه اللّه بالتحقيق والتدقيق وكثرة المصنّفات ، كما عرف بشدّة التقوى والورع والاحتياط في أمور الدين حتّى ضرب به المثل في ذلك.

جاور الأسترآبادي أرض كربلاء المقدّسة سنين عديدة إلى زمن محاصرة داود باشا لها وتخريبها ، فاضطرّ للانتقال إلى الريّ ، التي هي الآن من توابع طهران ، فمكث فيها ما يقرب من عشرين سنة ، مشتغلا بالإمامة والتدريس والقضاء والإفتاء إلى أن وافاه الأجل المحتوم إثر مرض عضال.

امتاز رحمه اللّه بجودة التحرير وحسن التقرير وطلاقة اللسان ، فكان ماهرا في جذب الناس وهدايتهم ، متّبعا في ذلك أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، فأجرى اللّه تعالى على يديه هداية خلق كثير من عباده.

عبّر عنه بعض المجتهدين ب- « الاثني عشري في شرائط الاجتهاد » ذلك لأنّه كان يقول : إنّ شرائط الاجتهاد اثنا عشر : العلوم العربية الأربعة التي تشمل الصرف ، النحو ، البيان واللغة ، وعلم البلاغة ، وكذا المنطق والرجال والفقه والأصول والتفسير والكلام وعلم الحديث. وقد جمعها في كتابه « جامع الفنون ».

كان للأسترآبادي رحمه اللّه هيبة وجلالة في قلوب العلماء والأمراء كما في قلوب عامّة الناس ، حتّى أنّ الحاجّ الكرباسي - المعاصر للسيّد محمّد باقر الرشتي - لم يصرّح باجتهاد أحد بعد السيّد الرشتي ، إلاّ أنّه صدّق اجتهاد « شريعتمدار الأسترآبادي » والتزم بما كان يحكم به (2).

ص: 27


1- انظر : المصدر السابق : 498.
2- انظر : « ريحانة الأدب » 3 : 208.
نسبه

هو الشيخ المولى محمّد جعفر بن المولى سيف الدين الأسترآبادي نزيل طهران.

مولده

ولد الأسترآبادي رحمه اللّه في نوكنده من قرى بلوك انزان من توابع أسترآباد في سنة 1198 ه كما ذكر الطهراني في طبقات أعلام الشيعة (1).

إلاّ أنّ صاحب « تراجم الرجال » ذكر أنّه وجد بخطّ الأسترآبادي في آخر كتابه « مصباح الهدى » نقلا عن والدته أنّه ولد وقت طلوع الشمس سادس شهر رمضان المبارك سنة 1195 ، ثمّ قال : « ويحتمل أن يكون في سنة 1196 » (2).

وفاته ومدفنه

لم أجد اختلافا يذكر في تاريخ وفاته سوى في يوم وفاته ، وهل هو اليوم التاسع أو العاشر من صفر.

فقد ذكر ابنه الشيخ عليّ شريعتمدار في كتابه « كنوز التفاسير » أنّه توفّي عاشر صفر من سنة 1263 ه (3).

وذكر صاحب « الذريعة » أنّه رحمه اللّه أجاب داعي ربّه في تاسع صفر 1263 وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف في مكان عيّنه لنفسه عند الدرج الذي يصعد إلى سطح الكيشوانية الشمالية (4).

أساتذته

إنّ من أبرز أساتذة الأسترآبادي هو السيّد عليّ الطباطبائي الحائري قدس سره ، فبعد سنة

ص: 28


1- « طبقات أعلام الشيعة » الكرام البررة : 253.
2- « تراجم الرجال » 2 : 643.
3- نفس المصدر.
4- « طبقات أعلام الشيعة » الكرام البررة : 255.

1217 ه تشرّف الأسترآبادي إلى العتبات المقدّسة في العراق ليحضر درس السيّد عليّ الطباطبائي صاحب « رياض المسائل » وألّف « ملاذ الأوتاد في تقرير الأستاذ » في علم الأصول ، ثمّ عرضه على أستاذه (1).

ويعتبر هذا الكتاب حاشية على « المعالم » حيث ذكر في آخره تتلمذه على السيّد صاحب الرياض ، قال : « وليكن هذا آخر ما أراد العبد المذنب محمّد جعفر الأسترآبادي تأليفه من تحقيقات الأستاذ المحقّق والسند العماد المدقّق العالم الربّاني مولانا وملاذنا وسيّدنا ، السيّد عليّ الطباطبائي البهبهاني ، وممّا وصل إليه نظري القاصر ؛ ولما كانت هذه التعليقة من تحقيقات الأستاذ أعلى اللّه مقامه سمّيتها بملاذ الأوتاد من تحقيقات الأستاذ وكان الفراغ من تأليفها سنة 1237 » (2).

وقال عنه أستاذه السيّد عليّ الطباطبائي - في الإجازة التي كتبها في أوّل كتابه « ينابيع الحكمة » - : « المولى الفاضل الورع ، الكامل الزكيّ الذكيّ ، والتقيّ النقيّ الآخذ بأطراف المسائل في المطالب والمبادئ » (3).

كما أنّه حضر لدى جمع من أعاظم عصره كالوحيد البهبهاني والسيّد مهدي بحر العلوم والمقدّس الكاظمي فاشتغل عندهم مدة طويلة ثمّ رجع إلى إيران ، فحضر درس المحقّق القمّي والمولى محمّد مهدي النراقي ، بعد ذلك عاد إلى أصفهان ، فألقت إليه الرئاسة أزمّتها وتصدّى للزعامة الروحية (4).

أولاد الأسترآبادي رحمة اللّه

ذكر أصحاب التراجم أنّ للأسترآبادي ولدين هما :

1 - الشيخ محمّد حسن الذي يعتبر من أفذاذ علماء الإمامية في عصره وله تصانيف كثيرة منها : « مظاهر الآثار وحقائق الأسرار لبيان دقائق متون الأخبار وأسانيدها المنتهية

ص: 29


1- « طبقات أعلام الشيعة » الكرام البررة : 253.
2- انظر : « أعيان الشيعة » 9 : 205 ؛ « روضات الجنّات » 2 : 207.
3- « تراجم الرجال » 2 : 643.
4- « طبقات أعلام الشيعة » الكرام البررة : 14.

إلى الأئمّة الأطهار » خرج منه خمس مجلّدات ، وله « أساس الأحكام في شرح شرائع الإسلام » و « شرح ألفيّة الشهيد » وله « تحفة الممالك في إعراب ألفيّة ابن مالك » وله كتب في النسب ، وبعض التعليقات النافعة على رسالة والده في علم الدراية والرجال ، وهي « لبّ اللباب » (1).

توفي الشيخ محمّد حسن في سنة 1318 ه (2).

2 - الشيخ عليّ الأسترآبادي ، ويعدّ أيضا من مفاخر علماء الشيعة في عصره ، وقد امتاز بكثرة التصانيف - كما هو حال والده - فمن تصانيفه : « البرد اليماني في ألفاظ المعاني » و « غاية الآمال في علم الرجال » و « بروج العروج » في علم الهيئة و « كلّيّات القواعد الفقهية ومندمجاتها » و « تحرير الأصول » في أصول الفقه ، وشرحه « إيضاح التحرير » وغير ذلك من التآليف التي أغنت المكتبة الإسلامية وأثرتها (3).

أسترآباد

اسم لمدينة إيرانية قديمة عرفت بكثرة العلماء المنتسبين إليها.

فقد ذكرها ياقوت الحموي بقوله : أسترآباذ - بالفتح والسكون وفتح التاء المثنّاة من فوق وراء وألف وباء موحّدة وألف وذال معجمة - : بلدة كبيرة مشهورة أخرجت خلقا من أهل العلم في كلّ فنّ ، وهي من أعمال طبرستان بين سارية وجرجان في الإقليم الخامس » (4).

وأسترآباد في الوقت الحاضر هي إحدى مناطق محافظة « جلستان ».

وتشمل أسترآباد منطقتين : إحداهما في الشمال وتسمّى « دهستان » والأخرى في الجنوب وتسمّى « وركان ».

وكانت تتمتّع بموقع تجاري وعسكري مهمّ ، وفي آخر عهد الصفويّين تعرّضت أسترآباد للنهب والسلب ، وحوصرت في زمان نادرشاه.

ص: 30


1- هذه الرسالة قد قمنا بتحقيقها ونشرها ضمن « مجموعة ميراث حديث شيعه » دفتر دوم - مؤسّسة دار الحديث.
2- انظر : « أعيان الشيعة » 9 : 141.
3- انظر : المصدر السابق 8 : 309.
4- « معجم البلدان » 1 : 174 - 175.

وذكر دهخدا في موسوعته أنّ اسم المدينة في العصور القديمة هو « أسترك » ، وأنّ المدن المهمّة التابعة لولاية أسترآباد هي : جرجان ، بندرجز وفندرسك (1).

علماء أسترآباد

اشتهرت أسترآباد بعشرات العلماء الأفذاذ ، وفي مختلف حقول العلم والمعرفة ، وإليك بعضهم :

1. السيّد محمّد باقر ابن المير شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي ، المعروف ب- « الميرداماد ».

وكان فيلسوفا رياضيّا متفنّنا في جميع العلوم الغريبة ، شاعرا باللغتين العربية والفارسية.

2. الميرزا محمّد أمين الأسترآبادي ، ويعدّ على رأس الأخباريّين في القرن الحادي عشر ، له كتاب « الفوائد المدنية » في الردّ على من قال بالاجتهاد والتقليد (2).

3. محمّد بن عليّ بن إبراهيم الأسترآبادي ، المعروف ب- « ميرزا محمّد » صاحب كتاب الرجال الكبير والوسيط والصغير ، المسمّى أولها ب- « منهج المقال » وحاله كاسمه وكتابه في غاية الاشتهار (3).

4. محمّد حسن شريعتمدار - ولد مؤلّف هذا الكتاب - وكان عالما جليلا ، له « مظاهر الآثار وحقائق الأسرار لبيان متون الأخبار وأسانيدها المنتهية إلى الأئمّة الأطهار » وغير ذلك من الكتب والتصانيف (4).

5. الشيخ ركن الدين محمّد بن عليّ بن محمّد الجرجاني محتدا ، الأسترآبادي منشأ ومولدا ، الحلّي الغروي مسكنا ، كان عالما متكلّما جليلا ، من أبرز تلامذة العلاّمة الحلّي (5) قدّس اللّه روحه.

ولا أريد استقصاء كلّ من أنجبته هذه المدينة توخّيا للاختصار ، ولكن أحيل القارئ

ص: 31


1- « لغت نامه » 2 : 1808 - 1809 ، ونقلت النصّ من الفارسية إلى العربية بشيء من التصرّف.
2- « أعيان الشيعة » 9 : 137.
3- « توضيح المقال » : 65 المطبوع ضمن « منتهى المقال » الطبعة الحجرية.
4- « أعيان الشيعة » 9 : 141.
5- « أعيان الشيعة » 9 : 425.

على كتاب « أعيان الشيعة » لمزيد الاطّلاع (1).

رحلاته ونشاطاته

كان والد الأسترآبادي من الأتقياء الصلحاء ، ورغب في أن يوجّه ولده لطلب العلم ، فبدأ الأسترآبادي رحلته العلمية في تلقّي الدروس في بلده ثمّ انتقل إلى « بارفروش » وكان يكتب بخطّه كلّ ما يدرسه ، ومنها كتاب « المطوّل » الذي فرغ منه سنة 1217.

ثمّ يمّم الأسترآبادي وجهه صوب العراق ، فحضر على السيّد عليّ الطباطبائي صاحب « رياض المسائل » وألّف في تلك الفترة كتاب « ملاذ الأوتاد » الذي هو عبارة عن تقريرات أستاذه في علم أصول الفقه.

وألّف الأسترآبادي - أيضا - كتاب « شوارع الأنام في شرح القواعد » في سنة 1228 وهو ابن ثلاثين سنة ، وعرضه على أستاذه ، فاستحسنه وكتب له إجازة به.

وفي سنة 1231 قبل وفاة أستاذه بعامين رجع إلى بلاده أيّام رئاسة المولى محمّد رضا الأسترآبادي ، الذي كان من أجلاّء تلامذة الوحيد البهبهاني والمجاز منه ، فلم يتيسّر له الإقامة هناك ، وألّف فيها « مشكاة الورى » في شرح « الألفية » للشهيد الأوّل رحمه اللّه ، وقال في آخره : « فرغت منه في أسترآباد بعد مضيّ أربعة عشر شهرا من أوّل شروعه في سنة 1231 ».

ثمّ ذهب إلى قزوين أوائل أيّام رئاسة المولى عبد الوهّاب القزويني بها ، فنزل عليه ولاقى منه إكراما وترويجا حتّى سافر السلطان فتح علي شاه القاجاري إلى قزوين فاجتمع بالأسترآبادي وعرف فضله فطلب منه المجيء إلى طهران فأجابه.

ولمّا حلّها عيّن له السلطان دارا متّصلة بدور السلطنة في جنب مدرسة الحكيم هاشم التي عمرتها أمّ السلطان (2).

ص: 32


1- انظر : « أعيان الشيعة » 2 : 110 ، 226 ، 291 ، 316 ، 364 - 365 ، 403 - 417 ، 454 ، 494 ، 600 ، 615 ؛ 5 : 19 ، 212 ، 238 ، 243 ، 255 ، 415 ، 417 ، 457 ؛ 6 : 146 ، 180 ، 365 ، 395 ، 427 ، 470 ؛ 7 : 8 ، 27 ، 131 ، 132 - 133 ، 227 ، 299 ، 309 ، 313 ؛ 9 : 63 ، 137 ، 189 ، 192 ، 205 ، 282 ، 364 ، 367 ، 425 ؛ 10 : 20 ، 41 ، 45 ، 58 ، 68 ، 77 ، 81 ، 100 ، 127 ، 166 ، 267.
2- تعرف تلك المدرسة من أجل ذلك ب- « مدرسة مادر شاه ».

وعظمت منزلته عند السلطان القاجاري وكبر في عينيه فكان يزوره في كلّ شهر أو أقلّ منه ، فاشتغل بالتدريس والإفادة والتصنيف والتأليف ، وتخرّج على يديه خلال تلك السنين العلاّمة السيّد نصر اللّه الأسترآبادي والميرزا محمّد الأندرماني الطهراني والمولى جعفر بن محمّد طاهر النوري وغيرهم.

وكان للأسترآبادي رحمه اللّه دور في الجهاد والدفاع عن حمى الإسلام ، فقد سافر سنة 1241 مع السيّد محمّد الطباطبائي - المعروف بالسيّد المجاهد - إلى الجهاد ومواجهة القوّات الروسية التي تعدّت على بعض الحدود الإيرانية ، فما كان من السيّد محمّد المجاهد إلاّ أن طلب من الشاه إعلان الحرب على روسيا ، وتوجّه هو وجماعة من العلماء والطلاّب والصلحاء إلى « تفليس » مارّين بطهران (1).

ولمّا رجع الأسترآبادي من الجهاد ذهب إلى مكّة ليحجّ بيت اللّه الحرام ، ورجع من طريق النجف فنزل كربلاء المقدّسة مستوطنا فيها إلى أن حدث مرض الطاعون سنة 1246 ، فمات فيها جملة من أهله وأولاده.

وبعد مكثه في كربلاء عامين خرج منها قاصدا زيارة الإمام الرضا علیه السلام خائفا يترقّب ، نتيجة لما وقع بينه وبين الشيخ أحمد الأحسائي وبعده مع أصحاب الشيخ الذين أرادوا الفتك به وجرحوه مرّتين ونجّاه اللّه تعالى.

وطال سفره حيث أقام مدّة في كرمانشاه وطهران وأسترآباد ولما وصل خراسان عزم على المكث بها ، فقام بالوظائف الشرعية ، وحدث نزاع بينه وبين الشيخ عبد الخالق اليزدي إلى أن رجع السلطان محمّد شاه القاجاري من حرب هراة ، والتقى الأسترآبادي ورغّبه في العودة إلى طهران ، وأخذ منه العهود والمواثيق بذلك ، فرجع إليها ، وأقبل عليه السلطان والأعيان ووجوه الخاصّة والعامّة ، لا سيّما في الجماعة والائتمام ، وحصلت له المرجعية التامّة ، فكان المرجع الديني الذي يرجع إليه في سائر أمور الدنيا والدين إلى أن لبّى نداء ربّه الجليل (2).

ص: 33


1- حول ظروف وملابسات هذه الواقعة انظر : « أعيان الشيعة » 9 : 443.
2- لمزيد المعرفة انظر : « طبقات أعلام الشيعة » الكرام البررة 2 : 253 وما بعدها.
مصنّفات الأسترآبادي
اشارة

عرف الأسترآبادي رحمه اللّه بكثرة التصنيف والتأليف وتنوّعهما ، حتّى أنّهما شملتا معظم العلوم والمعارف الشائعة في ذلك العصر ، ونذكر ما كتبه - بحسب ما تتبّعناه من الفهارس المتوفّرة لدينا - ما يلي مرتّبة بحسب العلوم :

الفقه :

1 - إبراء الأب زوجة ابنه الصغير ؛ فصّل فيه مسألة ما لو زوّج أب الصغير في حال صغره ولده ، ولو بعد البلوغ إلى عشر سنين ، تزويجا انقطاعيّا بقدر شهر مثلا.

رقم النسخة (3851) في المكتبة المرعشيّة - قم.

2 - حكم المفقود عنها زوجها ؛ رسالة بحث فيها مسألة حكم المرأة الفاقدة لزوجها ولم يعلم حياته ولا موته بخبر يفيد القطع.

رقم النسخة (3851) في المكتبة المرعشية - قم.

3 - حاشية الروضة البهيّة ؛ حاشية مختصرة ، وقد ذكر فيها أقوال أستاذه وما توصّل إليه هو من آراء فقهيّة.

رقم النسخة (3850) في المكتبة المرعشية - قم.

4 - حاشية المدارك ؛ حاشية استدلالية مختصرة ، وقد استفاد فيها من تقريرات أستاذه ومن فوائد بعض المعاصرين ، مع ذكر ما توصّل إليه من آراء في مختلف المسائل.

رقم النسخة (3854) في المكتبة المرعشية - قم.

5 - دستور العمل ؛ رسالة عمليّة تشتمل على فتاوى المصنّف في الطهارة والصلاة والصوم و ... مع مقدّمة مختصرة في أصول الدين.

رقم النسخة (3061) في المكتبة المرعشية - قم.

6 - القبلة ؛ حيث وضع هذه الرسالة ؛ لأهمّيّة موضوع القبلة بالنسبة للمكلّفين ، وعدم كفاية ما بحثه الفقهاء في هذا المضمار.

رقم النسخة (3066) في المكتبة المرعشية - قم.

ص: 34

7 - أحكام نماز وروزه ؛ - باللغة الفارسيّة - رسالة مختصرة تشتمل على فتاوى المصنّف في أحكام الصلاة والصوم بلغة سهلة يفهمها عامّة الناس.

8 - شوارع الأنام في شرح قواعد الأحكام ؛ وهذه النسخة تحتوي على كتاب الصلاة إلى كتاب الديات.

رقم النسخة (3074) في المكتبة المرعشية - قم.

9 - شرح تبصرة المتعلّمين ؛ شرح مزجي مختصر ؛ مع نقل أقوال فحول الفقهاء.

رقم النسخة (3078) في المكتبة المرعشية - قم.

10 - إشارات الفقه ؛ وقد تناول فيها مقدّمات ومقارنات وشروط الصلاة وغيرها.

رقم النسخة (3081) في المكتبة المرعشية - قم.

11 - مشكاة الورى ؛ شرح مزجيّ استدلاليّ مختصر على « ألفيّة » الشهيد الأوّل.

رقم النسخة (3081) في المكتبة المرعشية - قم.

12 - حاشية رياض المسائل ؛ استدلالية مختصرة على كتاب « رياض المسائل » للسيّد عليّ الطباطبائي قدس سره ومتنها « المختصر النافع » للمحقّق الحلّي قدس سره .

رقم النسخة (3082) في المكتبة المرعشية - قم.

13 - مجمع الآراء ؛ حاشية مختصرة على كتاب « الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية » للشهيد الثاني قدس سره وهذه الحاشية عقدها المصنّف لحل مشاكل وإبهامات « الروضة البهيّة ».

14 - المقاليد الجعفرية في القواعد الاثني عشرية ؛ في القواعد الفقهيّة بترتيب كتب الفقه ، وذكره ولده الشيخ عليّ في « مبدأ الآمال » (1).

وهذا الكتاب مقترح للتحقيق في مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية.

أرقام النسخ الخطّية الموجودة في المكتبة المرعشيّة هي : (3857) ، (3858) ، (3882) ، (3883).

الأصول :

15 - مصابيح الأصول ؛ رسالة استدلالية مفصّلة في مباحث أصول الفقه ، أورد فيها نظريّات متقدّمي الأصوليّين بدون إطناب مملّ أو إيجاز مخلّ.

ص: 35


1- انظر : « الذريعة » 22 : 3 الرقم 5728.

رقم النسخة (3085) في المكتبة المرعشية - قم.

16 - مشارع الأصول ؛ حاشية على كتاب « معالم الأصول » للشيخ حسن بن الشهيد الثاني رحمهما اللّه.

رقم النسخة (3072) في المكتبة المرعشية - قم.

17 - خزائن العلوم ؛ بحث فيها المسائل التي يحتاج إليها المجتهد في عملية استنباط الحكم الشرعي بصورة مختصرة.

رقم النسخة (3531) في المكتبة المرعشية - قم.

18 - موازين الإحكام في استنباط الأحكام ؛ رسالة مختصرة في كيفيّة استفادة الفقيه من الأدلّة التفصيلية في استنابط الحكم الشرعي.

رقم النسخة (3066) في المكتبة المرعشية - قم.

الكلام والعقائد :

19 - الردّ على الصوفية ؛ ردّ مختصر على بطلان طرق المتصوّفة وبدعهم.

رقم النسخة (3851) في المكتبة المرعشية.

20 - أصل الأصول ؛ - باللغة الفارسية - بحث فيها أصول الدين الخمسة بصورة موجزة.

رقم النسخة (3849) في المكتبة المرعشية.

21 - صفات إلهى ؛ - باللغة الفارسية - بحث في الصفات الثبوتية والسلبيّة لواجب الوجود على طريقة الفلاسفة المشّائيّين والإشراقيّين.

رقم النسخة (3849) في المكتبة المرعشية.

22 - فلك مشحون ؛ - باللغة الفارسية - مختصر في أصول الدين والأمور الاعتقادية كتبه بطلب من شخص آخر يدعى الحاج عبد اللّه.

رقم النسخة (3063) في المكتبة المرعشية.

23 - أصول الدين ؛ رسالة في علم أصول الدين فيها شيء من التفصيل ، واستند فيها إلى الأدلّة العقلية.

رقم النسخة (3066) في المكتبة المرعشية.

ص: 36

24 - البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة ؛ شرح متوسّط على رسالة « تجريد العقائد » للمحقّق نصير الدين الطوسي رحمه اللّه .

وهو الكتاب الماثل بين يديك ، عزيزي القارئ.

25 - أصول الدين ؛ مختصر في أصول الدين مستفاد من الأحاديث والآثار الشريفة عن الرسول الأعظم صلی اللّه علیه و آله وأهل بيته الطاهرين ، وقد أحال المصنّف في هذا المختصر على كتابيه :

« مصباح الهدى ، والبراهين القاطعة.

رقم النسخة (3071) في المكتبة المرعشية.

26 - مصباح الهدى في أصول الدين ؛ وقد أشار في هذه الرسالة إلى الأدلّة العقلية والنقلية ، كتبها باسم فتح علي شاه قاجار.

27 - منهاج الإيمان ؛ رسالة مقتضبة جدّا في أصول الدين واعتقادات الشيعة ، باللغة الفارسية.

رقم النسخة (3080) في المكتبة المرعشية.

28 - سدّ رمق ؛ - باللغة الفارسية - رسالة مختصرة جدّا في أصول الدين الخمسة.

رقم النسخة (3080) في المكتبة المرعشية.

29 - وصل الفصول ؛ رسالة كلامية مختصرة جدّا في أصول الدين.

رقم النسخة (3849) في المكتبة المرعشية.

المنطق :

30 - مجمع الرشاد ؛ حاشية مختصرة على حاشية الشريف الجرجاني على « تحرير القواعد المنطقية في شرح الشمسية ».

رقم النسخة (3067) في المكتبة المرعشية.

31 - محصول اللباب ؛ حاشية متوسّطة على كتاب « تحرير القواعد المنطقية في شرح الشمسية ».

رقم النسخة (3067) في المكتبة المرعشية.

الأخلاق :

32 - مؤيّد العارفين ومغانم السالكين ؛ رسالة في الأخلاق الفاضلة والملكات الحسنة مستفادة من الآيات الشريفة وأحاديث أهل البيت علیهم السلام وتشتمل على دورة كاملة في

ص: 37

أصول الدين وفروعه والأصول الأخلاقية.

رقم النسخة (3848) في المكتبة المرعشية.

33 - تحفة العراق في علم الأخلاق ؛ مختصر في علم الأخلاق والفضائل والرذائل الأخلاقية ، مستفادة من أحاديث أهل البيت علیهم السلام .

رقم النسخة (3062) في المكتبة المرعشية.

علوم القرآن :

34 - تجويد القرآن الكريم ؛ - باللغة الفارسية - مختصر في أحكام التجويد ، وكيفيّة القراءة على الطريقة التي ارتضاها الشرع.

رقم النسخة (3849) في المكتبة المرعشية.

35 - قرائت شرعي ؛ - باللغة الفارسية - مختصر في القراءة الصحيحة شرعا.

رقم النسخة (3068) في المكتبة المرعشية.

36 - شرح درج المضامين ؛ شرح مختصر على منظومة « درج المضامين ».

رقم النسخة (3067) في المكتبة المرعشية.

الدراية والرجال :

37 - الوجيزة ؛ وتبحث في قواعد الدراية وكلّيات علم الرجال ، وضعها تسهيلا وتمهيدا لطلبة العلوم الإسلامية للدخول في هذه العلوم.

رقم النسخة (3066) في المكتبة المرعشية.

38 - لبّ اللباب ؛ وهي رسالة في قواعد الدراية وكلّيّات علم الرجال أيضا ، وقد صنّفها الأسترآبادي بناء على حاجة الطلبة إليها.

وقد قمت بتحقيق هذه الرسالة وتمّ طبعها في مجلّة « ميراث حديث شيعه » العدد الثاني.

الفلسفة :

39 - مرشد الطالبين ؛ حاشية مختصرة على شرح القاضي حسين الميبدي على « هداية الحكمة » لأثير الدين الأبهري.

رقم النسخة (3079) في المكتبة المرعشية.

ص: 38

التاريخ :

40 - ينبوع الدموع ؛ - باللغة الفارسية - في تاريخ وحياة وأحوال ومصائب النبيّ صلی اللّه علیه و آله وآله المعصومين علیهم السلام .

رقم النسخة (3083) في المكتبة المرعشية.

التفسير :

41 - مظاهر الأسرار في وجوه إعجاز كلام الجبّار ؛ تفسير مزجيّ بشيء من التفصيل ، استند فيه إلى روايات المعصومين علیهم السلام وكلام مفسّري الشيعة.

رقم النسخة (3087) في المكتبة المرعشية.

الرياضيات :

42 - كشف الغطاء ؛ شرح مزجيّ على كتاب « خلاصة الحساب » للشيخ بهاء الدين العاملي.

رقم النسخة (3851) في المكتبة المرعشية.

علم النجوم :

43 - اختيارات النجوم في علم النجوم ؛ حيث بيّن نحوسة الأيّام وسعودها على ضوء روايات أهل البيت علیهم السلام .

رقم النسخة (3848) في المكتبة المرعشية.

44 - هداية النجوم في علم الرسوم ؛ وهي إشارات تفيد في معرفة الساعات النحسة ، ومرتّبة على ترتيب الحروف الأبجدية.

رقم النسخة (3067) في المكتبة المرعشية.

بين يديك - عزيزي القارئ - بعض ممّا سطّره يراع العالم الكبير الأسترآبادي ، وهو يكشف عن ذهن وقّاد وفكر جوّال ، فله في كلّ علم من علوم عصره باع ، فهو لم يترك علما من تلك العلوم إلاّ واطّلع عليه وكتب فيه وبيّن موقف الإسلام منه.

ومضافا إلى ما ذكرناه آنفا ، فقد صنّف الأسترآبادي رحمه اللّه في قواعد الأدب العربي والعرفان والرجال وتفسير الرؤيا والمنامات والزيارات وغيرها.

وقد أحصيت مصنّفاته في مكتبة آية اللّه العظمى النجفي المرعشي قدس سره لوحدها فوجدت

ص: 39

أنّها قد ناهزت السبعين مصنّفا ، ناهيك عن مصنّفاته الموجودة في المكتبات الأخرى.

ولله درّ من قال :

ولم أر أمثال الرجال تفاوتت *** إلى الفضل حتّى عدّ ألف بواحد

نسبة الكتاب إلى مؤلّفه

ذكره الشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة تحت عنوان « البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة » ثمّ قال : « للمولى - أي هذا الكتاب - محمّد جعفر بن المولى سيف الدين الأسترآبادي نزيل طهران ، المعروف ب- « شريعتمدار » المتوفّى سنة 1263 ، كبير في ستّ مجلّدات ، مجلّده الأوّل في الأمور العامّة ... رأيت الجميع في كتب حفيده آقا محمود شريعتمدار المدرّس الذي له الوجاهة التامّة ب- « سبزوار » من موقوفات والده الشيخ محمّد حسن على أولاده الذكور » (1).

وهذا القدر كاف في صحّة نسبة الكتاب إلى شريعتمدار الأسترآبادي رحمه اللّه .

اسم الكتاب

ربّما وقع بعض الاشتباه في تسمية الكتاب في بعض كتب التراجم والفهارس ، إلاّ أنّ هذا الأمر لا يعنينا كثيرا ، فقد أراحنا المؤلّف رحمه اللّه عند ما ذكر اسم الكتاب في المقدّمة بقوله : « وأردت أن أسمّيه بعد أن أتمّمه بالبراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة » (2).

منهجيّة الكتاب

نظرا لأهمّية كتاب « التجريد » للمحقّق نصير الدين الطوسي وامتيازه عن بقيّة المصنّفات التي كتبت في هذا الفنّ ، فقد كثرت الشروح عليه ، وهي بين الإفراط والتفريط ، فقد ارتكب بعضهم الإطناب والتطويل في المبادي والإيجاز في بيان أحوال المبدأ والمعاد ، الذي هو المقصود الأصلي.

ص: 40


1- « الذريعة » 3 : 83 ، الرقم 250.
2- انظر : « البراهين القاطعة » 1 : 4.

وقد سلك الأسترآبادي رحمه اللّه مسلكا مغايرا لطريقتهم ، منتهجا نهج العلاّمة الحلّي في شرح المقدّمة مع بيان الفرق بين أصول الدين وأصول المذهب وما يترتّب عليهما من أحكام الدنيا والآخرة.

حاول أن يوضّح خمس مقدّمات قبل الولوج في الأبحاث الرئيسية :

المقدّمة الأولى : أوضح فيها الفرق بين علم الكلام وعلم التصوّف ؛ لأنّ كلا العلمين يبحث عن أحوال المبدأ والمعاد ، إلاّ أنّ البحث في علم التصوّف أو نحوه قد يكون على وجه فاسد - كما يرى الأسترآبادي - وإن كان اعتقاد الباحث فيه أنّه بحث على قانون العقل المطابق للنقل العرفي أو الذوقي.

ثمّ يخلص المؤلّف إلى أنّ علم الكلام « علم باحث عن أحوال المبدأ والمعاد على قانون العقل المطابق للنقل بطريق النظر والفكر ».

ولم يسلك مسلك غيره في إيراد التعاريف ثمّ مناقشتها بل ابتدأ بتعريف علم الكلام ، ثمّ أورد تعاريف الآخرين ونقضها وردّها.

بعد ذلك بيّن المصنّف - كما جرى على ذلك غيره - سبب تسمية علم الكلام بهذا الاسم ، ليعرج على معنى قولهم : « أحوال المبدأ والمعاد » فهو يرى أنّ أحوال المبدأ شاملة لأصول أربعة : التوحيد ، العدل ، النبوّة والإمامة ؛ ذلك لأنّ المبدأ بالاختيار لا بدّ أن يكون فعله لغرض عائد إلى العباد ، وهذا لا يتمّ إلاّ بالقابلية الحاصلة بالطاعة الموقوفة على المعرفة ، الموقوفة على النبوّة والإمامة ويرى أنّه يمكن إدراج أحوال النبوّة والإمامة في المعاد ؛ لأنّه عبارة عن رجوع الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب ، ولا يكون ذلك إلاّ بالطاعة والمعصية الموقوفتين على التكليف ، الموقوف على النبيّ والإمام.

المقدّمة الثانية : في موضوع علم الكلام.

يرى الأسترآبادي رحمه اللّه أنّ علم الكلام هو المبدأ والمعاد ؛ لأنّ البحث فيه عن عوارضهما الذاتية ولو بحسب الاعتبار في الصفات الثبوتية الحقيقية.

أمّا ما ذهب إليه المتقدّمون من أنّ موضوعه الموجود بما هو موجود فقد تنظّر فيه الأسترآبادي ؛ وذلك لعدم انحصار الأمر في الموجود ، وعدم اقتصار النظر على صرف الوجود.

ص: 41

كما تنظّر فيما ذهب إليه القاضي الأرموي وصاحب الصحائف من أنّ موضوعه ذات اللّه تعالى. وسكت الأسترآبادي عمّا ذهب إليه أكثر المتأخّرين من أنّ موضوعه هو المعلوم من حيث يتعلّق به إثبات العقائد الدينية.

المقدّمة الثالثة :

في فائدة علم الكلام ، وأنّه يسهم في رقيّ المسلم ورفعه من حضيض التقليد إلى ذروة اليقين ، واسترشاد المسترشدين - بإيضاح الحجج لهم - إلى عقائد الدين ، وإلزام المعاندين بإقامة الحجّة وحفظ قواعد الدين من أن تزلزلها شبه المغرضين.

المقدّمة الرابعة :

يمكن اعتبار علم الكلام قطبا تدور عليه كلّ العلوم الشرعية ؛ لأنّها تستند إليه استناد الفروع إلى الأصول ، فإنّ أدلّته يقينية يحكم صريح العقل بصحّة مقدّماتها ، ويؤيّدها النقل الذي هو في غاية الوثاقة ، فالعلوم تستمدّ منه وهو لا يستمدّ منها.

المقدّمة الخامسة : في التمييز بين أصول الدين وأصول المذهب.

وهي مسألة رأى الأسترآبادي رحمه اللّه أن يشبعها بحثا وتدقيقا ؛ نظرا للخلط الكثير بينهما ، ولترتّب أحكام كثيرة عليهما.

فالمشهور عندنا - نحن الشيعة - أنّ أصول الدين خمسة :

التوحيد الذي يعني كمال الواجب بالذات في الذات.

والعدل بمعنى كمال الواجب بالذات في الأفعال.

والنبوّة التي هي رئاسة إلهية - بالأصالة في الجملة - للبشر المعصوم الأكمل على المكلّفين فيما يتعلّق بأمور دينهم ودنياهم.

والإمامة التي هي أيضا رئاسة إلهية عامّة على وجه النيابة الخاصّة للبشر المعصوم المنصوص الأعلم بعد الرسول الأكرم صلی اللّه علیه و آله على جميع المكلّفين فيما يتعلّق بأمور دينهم ودنياهم.

والمعاد الذي يعني رجوع الأرواح إلى الأجساد لنيل الجزاء ثوبا أو عقابا.

لقد حاول الأسترآبادي في هذه المقدّمة أن يضع خطّا فاصلا بين أن يكون العدل والإمامة من أصول المذهب أو من أصول الدين ؛ وذلك بإيضاح الفرق بين العدل المقابل

ص: 42

للجور والعدل المقابل للجبر ، فإنّ الأوّل من أصول الدين فيكفّر من قال بالجور ، والثاني من أصول المذهب ، فلا يكفّر من ذهب مذهب الجبريّة.

وكذا الحال في الإمامة فإنّ جواز وقوعها في الشريعة من أصول الدين ، والإمامة المقيّدة بسائر القيود - كسائر الاعتقادات - من أصول المذهب فيخرج منكرها من المذهب وحسب.

وزاد الأسترآبادي المسألة وضوحا بقوله : إنّ أصول الدين عبارة عن اعتقادات بنيت عليها الشريعة الإسلامية ، ولا يتحقّق معنى الدين إلاّ بها ، وهي سمة المسلم ، وعليها تترتّب الآثار ، من قبيل حقن الدماء وحفظ الأموال والأعراض.

أمّا أصول المذهب فهي عبارة عن اعتقادات بني عليها المذهب الشيعي الجعفري ، وتتوقّف عليها ترتّب أحكام الإيمان الخالص ، كجواز إعطاء الزكاة وقبول الشهادة وغيرها.

ثمّ بيّن رحمه اللّه أنّ لكلّ واحد من الأصول الخمسة قاسما مشتركا يقتضي دخوله في أصول الدين وأصول المذهب ، ذلك أنّ التوحيد بحسب الذات من أصول الدين وبحسب الصفات من أصول المذهب.

والعدل في مقابل الجور من أصول الدين وفي مقابل الجبر من أصول المذهب.

والنبوّة بمعنى إرسال الرسول صلی اللّه علیه و آله وكونه خاتم الأنبياء من أصول الدين ، وكونه بشرا معصوما رسولا - مثلا - من أصول المذهب.

وهكذا المعاد بمعنى عود الأرواح إلى الأجساد في الجملة من أصول الدين ، وإلى القالب المثالي في البرزخ والأصلي في المحشر مع خلود الكفّار وأمثالهم في النار من أصول المذهب.

تاريخ تصنيف هذا الكتاب

جاء في آخر نسخة « ب » - التي هي نسخة المصنّف رحمه اللّه وعليها خطّه - : « الحمد لله على التوفيق على إتمام شرح تجريد الكلام في يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر الخامس من العام الرابع من العشر السادس من المائة الثالثة من الألف الثاني من الهجرة النبوية على هاجرها ألف ألف تحيّة 1254 ».

ص: 43

فيكون تاريخ الانتهاء منها 19 / 5 / 1254 ه ، وذلك عند سفره للمرّة الثالثة إلى مشهد الإمام الرضا علیه السلام . أي قبل وفاته بتسع سنين.

بعض آراء المؤلّف رحمه اللّه

ينقل المؤلّف رأي المحقّق الطوسي في مبحث زيادة الوجود على الماهيّة ، ثمّ ينقل رأي العلاّمة الحلّي الذي قرّر جواب حجّة من قالوا بأنّ الوجود نفس الماهيّة بقوله : « الوجود قائم بالماهيّة من حيث هي ، لا باعتبار كونها موجودة ولا باعتبار كونها معدومة ، فالحصر ممنوع ». انتهى كلام العلاّمة.

والأسترآبادي يشكل على هذا الحصر إذا كان باعتبار الاشتراط بالوجود والعدم ، وأمّا إن كان باعتبار كون العروض حال الوجود أو العدم فلا إشكال.

ثمّ يضيف الأسترآبادي فيقول :

« فالأولى أن يقال بأنّ الحصر ممنوع من جهة أنّ الماهيّة موجودة بالوجود ، والوجود موجود بنفسه ، كما في النور والمنوّر وزمان وجودهما واحد ، فالمعروض هو الماهيّة لا بشرط الوجود ، بل في زمان الوجود الموجود بنفسه ، فلا يلزم وجود الماهيّة قبل وجودها ولا التناقض » (1).

وفي مسألة تقسيم الحكماء الوجود إلى ذهني وخارجي ، نرى الأسترآبادي يقسّمه إلى قسمين ، يصطلح على أحدهما الوجود الأصلي والآخر رابطي ، والوجود الأصلي يعرّفه بأنّه عبارة عن وجود نفس الشيء موضوعا كان أم محمولا ، كوجود زيد ، وهذا متعلّق السؤال ب- « هل » البسيطة.

والوجود الرابطي - الذي هو متعلّق السؤال ب- « هل » المركّبة - عبارة عن وجود الشيء للشيء الذي يحصل به الارتباط ، كوجود القيام لزيد.

ثمّ يخلص إلى نتيجة هي أنّ الوجود الأصلي الخارجي الذي تترتّب عليه الآثار لا خلاف فيه ، والنزاع وقع على الوجود الذهني الذي يسمّى ب- « الوجود الظلّي » وهو وجود

ص: 44


1- « البراهين القاطعة » 1 : 34.

غير أصيل ، وقد نفاه جماعة ، وأثبته المحقّقون وقسّموه إلى الذهني والخارجي قسمة معنويّة.

وفي مسألة أنّ الوجود قابل للزيادة والنقصان ، فقد ردّ الأسترآبادي هذا المذهب ؛ لأنّ التزايد عبارة عن حركة جوهريّة على نحو العرضيّة كالأينيّة ، والحركة تقتضي بقاء المتحرّك من مبدئها إلى منتهاها ، فلو كان الوجود قابلا للزيادة لزم كونه باقيا قبل حصولها وبعدها ، فتلك الزيادة إن كانت وجودا لزم اجتماع المثلين وإلاّ لزم اجتماع النقيضين.

وأمّا في نفي الاشتداد عن الوجود فهو يذهب مذهب المحقّق الطوسي والعلاّمة الحلّي ، فقد فسّر الطوسي الاشتداد بأنّه اعتبار المحلّ الواحد الثابت إلى حالّ فيه غير قارّ تتبدّل نوعيّته إذا ما قيس ما يوجد منها في آن ما إلى ما يوجد في آن آخر بحيث يكون ما يوجد في كلّ آن متوسّطا بين ما يوجد في آنين يحيطان بذلك الآن ، ويتجدّد جميعها على ذلك المحلّ المتقوّم دونها من حيث هو متوجّه بتلك المتجدّدات إلى غاية ما.

ومعنى الضعف - على رأي المحقّق نصير الدين - هو ذلك المعنى المتقدّم بعينه ، إلاّ أنّه يؤخذ من حيث هو منصرف بها عن تلك الغاية ، فالآخذ في الشدّة والضعف هو المحلّ ، لا الحالّ المتصرّم المتجدّد.

وخلاصة القول هي : أنّ من منع قبول الوجود للشدّة والضعف بنى دليله على أنّ الوجود معنى معقول بسيط لا تعقل فيه مراتب باعتبار كونه وجودا ، ولأنّه بعد الاشتداد إن لم يحدث شيء لم يكن اشتدادا ، بل هو باق كما كان ، وإن حدث لم يكن أيضا اشتدادا للموجود الواحد ، بل يكون حاصله أنّه حدث شيء آخر معه.

وهذا الدليل كاف في إبطال الاشتداد في جميع الأعراض.

ودليل المثبتين مبنيّ على أنّ معنى الاشتداد ثابت في الوجود ، فإنّه كما أنّ السواد يشتدّ باعتبار كونه كيفية يفرض العقل لها طرفين ، ووسائط تقرب بعضها من أحد الطرفين وبعضها من الآخر ، فأحد الطرفين هو السواد البالغ في السوادية ، الذي لا يوجد فوقه مرتبة زائدة عليه في السوادية ، والطرف الآخر البياض ، وأقرب المراتب إلى الطرف الأوّل شديد وأبعدها عنه ضعيف ، وتؤخذ مراتب غير متناهية بين الطرفين ، فكذا الوجود له طرفان : الوجوب والعدم ووسائط هي وجودات الممكنات ، فكلّ ما كان أقرب إلى الوجوب كان

ص: 45

أشدّ من الآخر ، فينتج أن الوجود يقبل الشدّة والضعف.

والأسترآبادي ينفي الاشتداد كما هو مذهب أكثر المحقّقين حسب ادّعائه رحمه اللّه (1).

ومن المسائل التي توقّف عندها الأسترآبادي مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهيّة ، وهي المسألة التي كانت محلّ بحث ونزاع بين العلماء.

إنّ فكرة أصالة الوجود كانت قد تبلورت وظهرت في عصر صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ، وأمّا القول بأصالة الماهيّة فقد بلوره المير محمّد باقر الداماد ، واستمرّ الجدل بين القائلين بأصالة الوجود والقائلين بأصالة الماهيّة.

والأسترآبادي يفصّل هذه المسألة ويرى أنّ النزاع لفظيّ بين العلماء ويشترط لذلك عدم الحمل على أصالة الوجود ، بمعنى كون جميع الوجود وجود الواجب المتنزّل في الممكنات ، فهو يرى في ذلك الكفر والخروج عن الدين.

أمّا تفصيله لهذه المسألة فهو مبنيّ على المراد من الماهيّة ، هل هي بالمعنى الذي يطلق في جواب « ما هو » أو الذي يطلق على ما به الشيء هو هو بالفعل؟

فيقول : إنّ الموجود في الذهن هو الماهيّة بالمعنى الأوّل ، والذي يعبّر عنه ب- « الأشباح ». وأمّا بالمعنى الثاني فالماهيّة لا توجد إلاّ بالخارج ، فالقائل بأصالة الوجود : إن كان مراده أنّ الوجود له مصداق خارجي كما أنّ له مفهوما ، من غير أن ينفي أصالة الماهيّة وكونها - أيضا - موجودة في الخارج وذات مصداق خارجي باعتبار المعنى الثاني ، بمعنى أصالة الوجود والماهيّة معا ، بكونهما موجودين في الخارج بإيجاد واحد ، وكون الماهيّة موجودة بالوجود ، والوجود موجودا بنفسه ، دفعا للتسلسل من غير الحكم بكون الوجود أصلا من هذه الجهة والماهيّة حدّا له وسببا لتعيينه ، بل تكون الماهيّة أصلا وجهة التقوّم بنفسه والوجود أصلا من جهة التحصّل بنفسه ، فيكون كلّ ممكن زوجا تركيبيّا ، فهو حقّ.

وإن كان المراد اعتباريّة الماهيّة بالمعنى الثاني فلا اعتبار به ، لبداهة حكم العقل بوجود الذات والماهيّة بالمعنى الثاني.

وإن كان المراد اعتباريّة الماهيّة بالمعنى الأوّل وأصالة الوجود بالمعنى المذكور ، سيّما

ص: 46


1- لمزيد الاطّلاع حول هذا المبحث راجع « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 50 ؛ « كشف المراد » : 29 ؛ « الأسفار الأربعة » 1 : 423 ، الفصل الرابع.

بمعنى منشأ الأثر ، فهو حقّ.

ولكنّ النزاع لفظيّ ؛ فإنّ القائل بأصالة الماهيّة يقول بأصالة الماهيّة بالمعنى الثاني لا الأوّل وعرضيّة الوجود ، لا عدم كونه ذا مصداق حقيقيّ خارجي ، والقائل بأصالة الوجود يقول بكونه ذا مصداق حقيقيّ لا عدم كونه عرضا في الممكن مع اعتباريّة الماهيّة بالمعنى الأوّل لا الثاني ، فما يثبته أحد الفريقين لا ينفيه الآخر ، وما ينفيه الآخر لا يثبته الأوّل ، فمتعلّق النفي والإثبات مختلف ، وليس النزاع إلاّ بحسب اللفظ.

وقد نظم الأسترآبادي حول هذا المبحث شعرا فقال :

ينقسم الوجود بالوجدان *** للخارجي والكون في الأذهان

إذ الحقيقة قطعا صادقه *** والذهن فيه صورة مفارقه

هذه بعض الآراء التي اعتمدها الأسترآبادي رحمه اللّه في كتابه ، على أنّنا لم نستقرئ كلّ آرائه ، إذ ليس المقصود - هنا - دراسة أفكار الأسترآبادي ومناقشتها ، بل نحن بصدد كتابة مقدّمة موجزة لهذا الكتاب ، مع التطرّق فيها لبعض آراء الشارح.

ولنترك للقارىء الكريم استقصاء الآراء ومحاكمتها ، ومن اللّه التوفيق.

محمّد حسين مولوى

ص: 47

منهج التحقيق

اشارة

اتّبعنا في هذا الكتاب المراحل التالية :

1 - اخترنا أكثر النسخ وضوحا ، وهي نسخة « أ » وأجرينا عليها عملية تقطيع النصّ ، بوضع علامات الترقيم وتغيير الرسم الإملائي طبق الرسم الحديث ، لينتقل الأصل إلى مرحلة طباعته على الورق.

2 - مقابلة المطبوع مع نسختين : الأولى « ب » التي عليها خطّ المؤلّف رحمه اللّه ، والثانية « ج » لأجل تدارك وجود أيّ سقط أو تصحيف في النسخ.

3 - تخريج الأقوال والنصوص التي أوردها المصنّف في المتن ، سواء صرّح بأسماء قائليها أو غضّ النظر عنهم ، فهو تارة يصرّح بأسماء قائليها بلا واسطة ، كأن ينقل عن العلاّمة الحلّي في « كشف المراد » وتارة بواسطة كأن يأخذ عن التفتازاني أو القاضي الأرموي دون أن يشير إلى المأخذ الذي استمدّ منه ، وفي هذه الحالة راجعنا أمّهات الكتب الكلاميّة للتعرّف على القائلين ، فقد نقل عن القاضي الأرموي أنّ موضوع علم الكلام ذات اللّه تعالى ، ووجدنا أنّ مأخذ هذا النقل كتابي : « شرح المواقف » و « شرح المقاصد » وذكرنا في الهامش أنّ الجرجاني والتفتازاني نقلا هذا القول عن القاضي الأرموي.

أمّا إذا لم ينسب النصّ إلى قائله كأن يقول : « فعن المتكلّمين تحديد الوجود بالثابت العين وتحديد العدم بأنّه عبارة عن المنفيّ العين » فقد أحلنا القارئ إلى المصادر الكلامية التي بحثت في هذا الموضوع ، مثل « شرح المقاصد » و « شرح المواقف » و « نهاية المرام » للعلاّمة الحلّي و « شوارق الإلهام » وغيرها.

على أنّنا راعينا التسلسل التاريخي في ذكر المصادر ، فقدّمنا ذكر كتب الفخر الرازي على المحقّق الطوسي ، وهما على كتب الجرجاني والتفتازاني ، وهكذا الأمر مع بقيّة المآخذ.

ص: 48

4 - قمنا بمطابقة القول المنقول مع المأخذ الذي استمدّ منه المؤلّف ، وهو عمل أفادنا في تدارك ما سقط من المخطوطات.

مثلا : قال في مبحث زيادة الوجود على الماهيّة : « ... لأنّ جزء الجزء جزء أيضا موجود ، فيفتقر إلى فصل آخر ويتسلسل ».

ووجدنا في « كشف المراد » أنّه أخذ نفس العبارة وسقطت منها بعض الكلمات ، فقد جاء في كلام العلاّمة : « ... لأنّ جزء الجزء جزء أيضا فإن كان موجودا افتقر إلى فصل آخر ويتسلسل » (1).

وفي هذه الحالة أشرنا إلى عبارة العلاّمة في الهامش وذكرنا الاختلاف هناك.

ونسب في أحد المواضع القول بأنّ الوجود معنى قائم بالماهيّة يقتضي حصولها في الأعيان إلى قوم غير محقّقين ، وعند المراجعة وجدنا في « شوارق الإلهام » نسبة هذا الكلام إلى جماعة من أتباع المشّائين كما قال المحقّق اللاهيجي (2).

5 - انصبّ اهتمامنا على ضبط النصّ وسلامته من ناحية الإعراب ومراعاة القواعد الإملائيّة الحديثة ، كما قمنا بضبط الأسماء والألقاب والأماكن والمصطلحات الكلامية الواردة في المتن ، واستعنّا ببعض كتب التراجم للتعريف ببعض الأعلام ككتاب « الفهرست » لابن النديم وكتاب « طبقات المعتزلة » وغيرهما.

6 - تجنّبنا ذكر الفروق الكثيرة بين النسخ ، سيما التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وأبقينا ما هو ضروري منها بحيث يحتمل التوجيه ، وهو عمل يتطلّب دقّة وإتقانا في وضع الكلمة الصحيحة في محلّها وإثبات ما قطعنا بصحّته في المتن ، وتركنا ما اعتاد عليه البعض من إثبات لفوارق النسخ في الهامش ، فإنّ ذلك مدعاة إلى إرهاق القارئ ، وليس فيه كثير نفع للعلم سوى حفظ الأصول وتشتيت ذهن القارئ في التنقّل بين المتن والهامش.

7 - صنع الفهارس الفنّية

قمنا بوضع فهارس للكتاب ، لتسهيل الأمر على القارئ للوصول إلى مبتغاه ، وتشتمل على عناوين الموضوعات في آخر الكتاب ، وفهارس تفصيلية في آخر الجزء الرابع ،

ص: 49


1- انظر نفس الكتاب ، 30 و « كشف المراد » : 25.
2- انظر نفس الكتاب ، ص 38.

احتوت على عناوين المسائل والمباحث الفرعية والنكات التي وردت في الكتاب.

هذا مضافا إلى فهارس الآيات والروايات والأعلام والمصطلحات الكلامية المذكورة في المتن.

8 - أضفنا - أحيانا - كلمة أو جملة وجدنا فيها خللا فاقتضى السياق إضافتها ، وهنا وضعنا الزيادة بين المعقوفين [ ] دون تعليق في الهامش. أمّا في حالة الإضافة من مصدر معيّن فنضعها بين المعقوفين مع التنويه في الهامش إلى المصدر الذي أخذنا عنه.

مواصفات النسخ الخطّية

حصلنا على نسختين كاملتين من مجموع النسخ الموجودة في مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي في مدينة قم ، وفي مكتبة « آستان قدس رضوي » في مدينة مشهد.

أمّا النسخ الموجودة في المكتبة المرعشية فهي كالتالي :

1. المخطوطة المرقّمة 4024 ، وعدد أوراقها 338 ، وتشتمل على المباحث التالية :

أ - مبحث الأمور العامّة : من ص 1 - 104.

ب - مبحث الإلهيّات : من ص 105 - 175.

ج - مبحث النبوّة : من ص 210 - 215 ، والمبحث ناقص.

د - مبحث الإمامة : من ص 215 - 308 ، وهو أيضا ناقص.

ه- - مبحث المعاد : من ص 308 - 338 وينتهي هذا المبحث بقوله : تكميل ذكره جميل.

ورمزنا إلى النسخة من ص 1 - 104 بالرمز « أ » ومن ص 104 إلى آخر النسخة بالرمز « ع » وذلك لاختلاف الخطّ بينهما ، الأمر الذي يشير إلى تعدّد النسّاخ.

2. المخطوطة المرقّمة 3070 ، وعدد أوراقها 389.

وتشتمل على المباحث التالية :

أ - مبحث الأمور العامّة : من ص 1 - 99.

ب - مبحث الإلهيّات : من ص 100 - 234.

ج - مبحث الإمامة : من ص 234 إلى ص 389.

وهذه النسخة اعتبرناها نسخة الأصل ؛ نظرا لوجود خطّ المصنّف عليها ، وعليها بعض

ص: 50

التعليقات التي كتبت في آخرها « منه رحمه اللّه ».

كما ورد في أول المخطوطة ما يلي : « هذه النسخة - التي هي نسخة الأصل وبخطّ الوالد العلاّمة أعلى اللّه مقامه - ممّا وقفت عليه من ثلثه حسب وصيّته ، وجعل التولية لأولاده إلى يوم القيامة مع تقديم الذكور وأولادهم الذكور على الإناث ، وذكور الإناث على الإناث من الذكور أو الإناث ، وتقديم المتولّي على غيره ولو مع احتياج ذلك الغير وتصرّفه. حرّره الأحقر محمّد حسن بن المصنّف ».

لكنّ هذه النسخة - وللأسف - سقط منها مبحث النبوّة.

كما أنّ عليها إنهاء المؤلّف رحمه اللّه وتاريخ الفراغ من تصنيف هذا الكتاب.

وقد رمزنا لها بالرمز « ب ».

3. المخطوطة المرقّمة 3886 ، وعدد أوراقها 159.

وتشتمل على مبحث الأمور العامّة والجواهر والأعراض ، وهي مشابهة لنسخة « أ » من ص 1 - 104 والتي تقدّم ذكرها.

وقد رمزنا لها بالرمز « ج ».

4. المخطوطة المرقّمة 3075 ، وعدد أوراقها 94.

وتشتمل على مبحث الإلهيّات فقط.

ورمزنا لها بالرمز « د ».

5. المخطوطة المرقّمة 3076 ، وعدد أوراقها 64.

وتشتمل على مبحث النبوّة فقط.

ورمزنا لها بالرمز « ه ».

6. المخطوطة المرقّمة 3890 ، وهي تشتمل على مبحث الإمامة فقط.

ورمزنا لها بالرمز « و ».

7. المخطوطة المرقّمة 3893 ، وعدد أوراقها 51. وهي تشتمل على مبحث العدل فقط.

ورمزنا لها بالرمز « ز ».

وأمّا النسخ الخطّية الموجودة في مكتبة « آستان قدس رضوي » في مدينة مشهد فهي عبارة عن نسختين :

ص: 51

1. المخطوطة المرقّمة 7467 ، وعدد أوراقها 280.

وتشتمل على المباحث التالية :

أ - مبحث الأمور العامّة ، من ص 1 - 125.

ب - مبحث الإلهيّات ، من ص 126 - 280.

2. المخطوطة المرقّمة 8989 ، وعدد أوراقها 295.

وتشتمل على ما يلي :

أ - مبحث الأمور العامّة ، من ص 1 - 146.

ب - مبحث الإلهيّات ، من ص 147 - 254.

ج - مبحث المعاد ، من ص 255 - 295.

وهناك نسخة خطّية برقم 4480 ذكرها في فهرس « كتابخانه مجلس ملّى » 2 : 161.

وهذه النسخة ضمن مجموعة ضمّت مضافا إلى « البراهين القاطعة » كتاب « مختصر موائد العوائد في بيان قواعد الفوائد » للأسترآبادي نفسه.

وهناك نسخة تحمل الرقم 298 في مكتبة جامعة طهران ( فهرس 3 : 545 ) ، ذكر فيها أنّ الناسخ هو موسى بن محمّد رضا التفرشي وتاريخ نسخها 1264 ، وجاء في مطلع المجلّد الثاني قول المصنّف : « بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هو الواجب الوجود بالذات ...

فهذا هو المجلّد الثاني من البراهين القاطعة ... ».

وقد أنهاها الناسخ بقوله : « قد تمّ المجلّد الثالث من كتاب البراهين تصنيف قدوة المجتهدين الحاج محمّد جعفر الأسترآبادي ».

قسم إحياء التراث الإسلامي

مركز الأبحاث والدراسات الإسلامي

ص: 52

الصورة

ص: 53

الصورة

ص: 54

الصورة

ص: 55

الصورة

ص: 56

الصورة

ص: 57

الصورة

ص: 58

الصورة

ص: 59

الصورة

ص: 60

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

المولی محمد جعفر بن المولی سيف الدين الأسترآبادي المعروف ب«شريعتمدار»

الجزء الأوّل

ص: 61

ص: 62

بسم اللّه الرّحمن الرحيم

الحمد لله الواجب الوجود بالذات ، الواحد من جميع الجهات ، الذي تكون صفاته الذاتيّة عين الذات ، الذي أنشأ بقدرته سلسلة الممكنات ، وخلق الهواء وأجرى الماء ورمى بالرياح زبده في الهواء لحصول سبع سماوات ، وخلق آدم وحوّاء واصطفى من ولدهما أنبياء وأوصياء مع المعجزات الباهرات ، ولا تغيب عنه ذاته ، فهو عالم بذاته بالذات ، وأحكم الأشياء ، فهو عالم بجميع الجزئيّات ، ويدلّ على إرادته تخصيص بعضها ببعض الأوقات ، وبعث الرسل لإتمام الغرض بالطاعات.

والصلاة والسلام على المبعوث لتقوية العقول وشفيع العرصات لنجاة أمّته عن النار ودخول الجنّات ، محمّد وآله الذين هم سادة السادات.

أمّا بعد ، فيقول خادم بساتين المذهب الجعفري من مذاهب الشرع المحمّدي ، محمّد جعفر الأسترآبادي : إنّ معرفة أصول الدين على وفق أصول المذهب الجعفري واجبة عينا على جميع المكلّفين بمقدار قدرتهم ولو بالدليل السكوتي ، كما يجب تحصيل البصيرة فيها بالدليل الإسكاتي كفاية على البعض ؛ لدفع شبه المبطلين وتشكيك المضلّين والضالّين وحيرتهم.

والعلم الباحث عنها - وهو علم الكلام - أشرف العلوم الدينيّة وأعظم المطالب الشرعيّة ، مع رشاقة مسائله ووثاقة دلائله وعظم منافعه ، سيّما إذا كان على وجه المطابقة التامّة للعقل والنقل.

ص: 63

وقد كان كتاب التجريد - من مصنّفات خاتم المحقّقين ، أفضل الحكماء والمتكلّمين ، سلطان العالمين في العالمين ، نصير الملّة والدين ، محمّد بن محمّد الطوسي أعلى اللّه مقامه في علّيّين - كتابا ممتازا من بين الكتب المؤلّفة في هذا الفنّ ؛ لاحتوائه على ما خلت عنه زبر السابقين ، واشتماله على ما لم تشتمل عليه صحائف الآخرين ، مع جودة ترتيب المسائل ، ووجازة الدلائل ، وغاية تجريد الفوائد ، ونهاية تهذيب الأصول والعقائد.

وقد ارتكب الشرّاح في شرحه التطويل والإطناب في المبادي ، والإيجاز في بيان أحوال المبدأ والمعاد مع أنّه المقصود الأصلي.

أردت أن أشرحه على عكس طريقتهم ، سالكا في شرح المقدّمة مسلك العلاّمة مع كونه في شرح ذي المقدّمة شرحا جامعا للأدلّة العقليّة والنقليّة مع التميّز بين أصول الدين وأصول المذهب وبيان ما يترتّب عليهما من أحكام الدنيا والآخرة.

وأردت أن أسمّيه بعد أن أتمّمه ب- « البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة » فإنّه الكلمة العليا الجامعة.

ص: 64

[ المقدمة ]

اشارة

ولا بدّ قبل الشروع في المقصود من تقديم مقدّمة نافعة مشتملة على أمور خمسة :

[ الأمر ] الأوّل : في تعريف علم الكلام.

اعلم أنّ العلم الباحث عن أحوال المبدأ والمعاد إمّا أن يكون بحثه على قانون العقل من غير ملاحظة كونه مطابقا للنقل ، أو على قانون العقل المطابق للنقل.

وكلّ منهما إمّا أن يكون بطريق النظر والفكر ، أو بطريق الكشف والرياضة.

والأوّل هو حكمة المشّاء ، والثاني من الأوّل هو حكمة الإشراق ، والأوّل من الثاني هو علم الكلام ، والثاني من الثاني هو علم التصوّف.

وكون علم التصوّف أو نحوه باحثا عن أحوال المبدأ والمعاد لا يستلزم حقّيّته ؛ لأنّ البحث قد يكون على وجه فاسد وإن كان اعتقاد الباحث أنّه بحث على قانون العقل المطابق للنقل العرفي أو الذوقي. ولو سلّم فلا يلزم حقّيّة جميع المذاهب كمذاهب علماء الكلام.

وبالجملة ، فعلم الكلام علم باحث عن أحوال المبدأ والمعاد على قانون العقل المطابق للنقل بطريق النظر والفكر.

ويسمّى علم الكلام ؛ لكونه سببا للقدرة على الكلام في الأحوال المذكورة التي هي أهمّ المقاصد حتّى كأنّه لا كلام غيره ، أو لأنّ مباحثه كانت مصدّرة بقولهم :

ص: 65

« الكلام في كذا وكذا » ، أو لأنّ أشهر الاختلافات فيه كانت في مسألة كلام اللّه أنّه حادث أو قديم؟ أو لأنّه كثر الكلام فيه مع المخالفين والردّ عليهم ما لا يكثر في غيره.

وأحوال المبدأ شاملة لأصول أربعة : التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة ؛ لأنّ المبدأ بالاختيار - بعد ملاحظة وجوبه بالذات الموجب لكماله ذاتا وفعلا المراد من التوحيد والعدل - لا بدّ أن يكون فعله لغرض عائد إلى العباد ، وهو لا يتمّ إلاّ بالقابليّة الحاصلة بالطاعة الموقوفة على المعرفة الموقوفة غالبا على النبوّة والإمامة.

ويمكن اندراج أحوال النبوّة والإمامة في المعاد ؛ لأنّه عبارة عن عود الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب ، ولا يكون ذلك إلاّ بالطاعة والمعصية الموقوفتين على التكليف الموقوف على النبيّ والإمام.

وحكي عن صاحب المواقف أنّه عرّف علم الكلام بأنّه « علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة بإيراد الحجج ودفع الشبه » (1) بمعنى أنّه مسائل أو ملكة يحصل بها الاقتدار التامّ ، كما يفهم من صيغة الافتعال ، الذي يكون مصاحبا لهذا العلم على الدوام ، كما يفهم من إطلاق المعيّة المحترز بها عن السببيّة الحقيقيّة المستفادة من كلمة « الباء » ردّا على الأشعري ، ويكون متعلّقا بإثبات الأحكام الأصليّة الاعتقاديّة الصرفة المأخوذة من الشريعة كما يفهم من الإطلاق ، ويكون بإيراد الحجج ودفع الشبه ولو بزعم المستدلّ لغيره أو مطلقا ، فيخرج علم الميزان الذي يستنبط منه صورة الدليل ، وعلم الجدل الذي يتوصّل به إلى حفظ أيّ وضع يراد من غير اقتدار تامّ واختصاص بالعقائد.

وكذا يخرج علم النبيّ صلی اللّه علیه و آله والأئمّة ، بل علم اللّه والملائكة ؛ لعدم كونه على الوجه المذكور.

ص: 66


1- « شرح المواقف » 1 : 34 - 35.

وكذا علم المقلّد إن كان علما ، وكذا علم الفقه المدوّن لحفظ الأحكام العمليّة التي يكون المقصود بالذات منها العمل وإن كان الاعتقاد بها أيضا مقصودا ، مع أنّه راجع إلى الاعتقاد بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله من جهة أنّها ممّا جاء به.

ودخل علم الصحابة وإن كان في ذلك الزمان غير مسمّى بالكلام ، كما لم يسمّ علمهم بالفرعيّات فقها.

وقد يعرّف ب- « أنّه العلم بالقواعد الشرعيّة الاعتقاديّة المكتسبة عن أدلّتها اليقينيّة » (1).

وقد يعرّف ب- « أنّه صناعة نظريّة يقتدر بها على إثبات العقائد الدينيّة » (2) و (3).

[ الأمر ] الثاني : في بيان موضوع علم الكلام.

اعلم أنّ موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة التي تعرض لذاته أو لجزئه أو لأمر يساويه ، كالتعجّب العارض للإنسان لذاته ، والحركة بالإرادة اللاحقة له بواسطة أنّه حيوان ، والضحك العارض له بواسطة التعجّب المساوي في الوجود.

وموضوع هذا العلم هو المبدأ والمعاد ؛ لكون البحث فيه عن عوارضهما الذاتيّة ولو بحسب الاعتبار في الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة ، وكذا الوجود أو الصانع الواجب من حيث هو صانع لغرض عائد إلى العباد في المعاد.

وحكي عن المتقدّمين من علماء الكلام أنّهم جعلوا موضوعه الموجود بما هو موجود ؛ لرجوع مباحثه إليه ، لكون نظرهم في أعمّ الأشياء ، وهو الموجود المنقسم إلى القديم والمحدث المنقسم إلى الجوهر المنقسم إلى الحيوان والنبات والجماد ،

ص: 67


1- « شرح المقاصد » 1 : 165.
2- « شوارق الإلهام » المقدّمة ، في تعريف علم الكلام.
3- هناك عدّة تعاريف لعلم الكلام - مضافا إلى ما ذكره الشارح هنا - تطلب في « شرح المقاصد » 1 : 165 ، التعليقة الثانية.

وإلى العرض المنقسم إلى ما يشترط فيه الحياة كالعلم والقدرة ، وما لا يشترط فيه كالطعم واللون (1).

وفيه نظر ؛ لعدم انحصار الأمر في الموجود ، وعدم اقتصار النظر على صرف الوجود.

وعن القاضي الأرموي - من المتأخّرين - أنّ موضوع علم الكلام ذات اللّه تعالى ؛ لأنّه يبحث عن صفاته الثبوتيّة والسلبيّة ، وأفعاله المتعلّقة بأمر الدنيا : ككيفيّة صدور العالم عنه بالاختيار ، وحدوث العالم ، وخلق الأعمال ، وكيفيّة نظام العالم بالبحث عن النبوّة وما يتبعها ؛ أو بأمر الآخرة كبحث المعاد وسائر السمعيّات ، فيكون الكلام هو العلم الباحث عن أحوال الصانع من صفاته الثبوتيّة والسلبيّة وأفعاله المتعلّقة بأمر الدنيا والآخرة (2).

وتبعه صاحب الصحائف - على ما حكي عنه - إلاّ أنّه زاد فجعل الموضوع ذات اللّه من حيث هي ، وذوات الممكنات من حيث إنّها تحتاج إلى اللّه ، وجهة الوحدة هي الوجود ، فكان هو العلم الباحث عن أحوال الصانع وعن أحوال الممكنات من حيث احتياجها إلى اللّه تعالى على قانون الإسلام ، بناء على كون البحث عن الأمور العامّة ونحوها استطرادا موجبا لتكميل الصناعة ، أو على سبيل الحكاية لكلام المخالف ، قصدا إلى تزييفه أو لتوقّف بعض المسائل (3).

وفيه أيضا نظر.

وعن أكثر المتأخّرين : أنّ موضوع علم الكلام هو المعلوم من حيث يتعلّق به إثبات العقائد الدينيّة ، كما أنّه يبحث عن أحوال الصانع من القدم والوحدة والإرادة وغيرها ، وأحوال الجسم والعرض من الحدوث والافتقار والتركيب من الأجزاء

ص: 68


1- حكاه التفتازاني عن الغزالي في « شرح المقاصد » 1 : 176.
2- نقل عنه في « شرح المواقف » 1 : 42 - 43 و « شرح المقاصد » 1 : 180.
3- حكاه عنه التفتازاني في « شرح المقاصد » 1 : 180.

وقبول الفناء ، ونحو ذلك ممّا هي عقيدة إسلاميّة أو وسيلة إليها.

وكلّ هذا بحث عن أحوال المعلوم ، يعني مفهومه لا مصداقه وإن كان محمولات المسائل أخصّ منه ، بناء على أنّ العرض الذاتي يجوز أن يكون أخصّ من معروضه (1).

[ الأمر ] الثالث :

أنّ فائدة علم الكلام الترقّي من حضيض التقليد إلى ذروة اليقين

وإرشاد المسترشدين - بإيضاح الحجج لهم - إلى عقائد الدين ، وإلزام المعاندين بإقامة البراهين ، وحفظ عقائد الدين عن الاختلال لشبه المبطلين ، وحصول مبنى فروع الدين بإثبات وجود صانع حكيم قادر عالم مرسل للمرسلين إلى المكلّفين ، وحصول الإخلاص في الأفعال ، الموجب للفوز باليقين.

[ الأمر ] الرابع :

أنّ علم الكلام أشرف العلوم موضوعا وغاية ودليلا ؛ لأنّ دلائله يقينيّة يحكم بصحّة مقدّماتها صريح العقل ، وقد تأيّدت بالنقل ، وهو الغاية في الوثاقة.

[ الأمر ] الخامس :

أنّه لا بدّ في مقام الاستدلال من التميّز بين أصول الدين وأصول المذهب ، ومعرفة ما يترتّب عليهما ، بأن يجعل الكلام في كلّ أصل من الأصول في خمسة فصول مع ذكر وصل بعد كلّ فصل مذكور في كلّ أصل.

فالأصل في بيان ما يتحقّق به الإسلام في الجملة ، والفصل في تفصيل ما يتحقّق به الإسلام وما يتحقّق به الإيمان ، والتميّز بين أصول الدين وأصول المذهب ، والوصل في بيان ما يترتّب على الاعتقادات وجودا وعدما من استحقاق الجنّة أو النار ، والرحمة والنعمة ، أو النقمة ، والكفر المقابل للإسلام ، الموجب للحكم

ص: 69


1- انظر : « شرح المقاصد » 1 : 173.

بالنجاسة ، ونحوها من أحكام الدنيا ، والخلود في النار ونحوه من أحكام الآخرة ، أو الكفر المقابل للإيمان الموجب للخلود ونحوه من أحكام الآخرة خاصّة ، أو مع بعض أحكام الدنيا - أيضا - كجواز الاقتداء وإعطاء الزكاة وقبول الشهادة ونحو ذلك وعدمها ، وغير ذلك من الثمرات العلميّة والعمليّة ؛ حذرا عن الخلط والغفلة.

بيان ذلك إجمالا : أنّ أصول الدين خمسة :

الأوّل : التوحيد الذي هو كمال الواجب الوجود بالذات في الذات.

الثاني : العدل الذي هو كمال الواجب بالذات في الأفعال.

الثالث : النبوّة التي هي الرئاسة الإلهيّة بالأصالة في الجملة للبشر المعصوم الأعلم على المكلّفين في أمر الدنيا والدين.

الرابع : الإمامة التي هي الرئاسة الإلهيّة العامّة على وجه النيابة الخاصّة للبشر المعصوم المنصوب المنصوص الأعلم بعد الرسول الأكرم صلی اللّه علیه و آله على جميع المكلّفين في أمر الدنيا والدين.

الخامس : المعاد الذي هو عبارة عن عود الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب.

وتوهّم كون العدل والإمامة من أصول المذهب - دفعا للزوم كفر كثير من المسلمين كالمخالفين - صادر عن عدم الفرق بين العدل المقابل للجور والعدل المقابل للجبر ؛ فإنّ الأوّل من أصول الدين ، فيكفر من يقول بالجور ، والثاني من أصول المذهب.

وكذا الإمامة ، فإنّ جواز وقوع الرئاسة المذكورة في الشريعة ووقوعها من أصول الدين ، ولهذا يكفّر أمثال الخوارج ، والإمامة المقيّدة بسائر القيود كسائر الاعتقادات من أصول المذهب ، فيخرج منكرها عن المذهب.

وإيضاح ذلك : أنّ أصول الدين عبارة عن اعتقادات عليها بناء شريعة سيّد المرسلين صلی اللّه علیه و آله ، ولا يتحقّق الدين إلاّ بها ، ولا يدخل المكلّف فيه ولا يعدّ بدونها

ص: 70

من المسلمين ، ولا تترتّب بدونها آثاره ، كحقن الدم وحفظ المال والعرض.

وأصول المذهب عبارة عن اعتقادات عليها بناء المذهب الجعفري والإمامي ، ولا يدخل المكلّف في المذهب الاثني عشري إلاّ بها ، ويتوقّف عليها ترتّب أحكام الإيمان الخاصّ ، كجواز إعطاء الزكاة وقبول الشهادة والاقتداء.

ولكلّ واحد من الأصول الخمسة جهة تقتضي دخوله في أصول الدين ، وجهة أخرى تقتضي دخوله في أصول المذهب ؛ فإنّ التوحيد بحسب الذات - مثلا - بمعنى أنّه لا شريك له في الذات من أصول الدين ، والتوحيد بحسب الصفات بمعنى أنّ صفاته الذاتيّة عين ذاته من أصول المذهب. والعدل في مقابل الجور من أصول الدين ، والعدل في مقابل الجبر من أصول المذهب. والنبوّة بمعنى كون محمّد بن عبد اللّه رسولا خاتم النبيّين من أصول الدين ، وبمعنى كونه بشرا معصوما رسولا - مثلا - من أصول المذهب. والإمامة المطلقة من أصول الدين ، والمقيّدة من أصول المذهب. والمعاد بمعنى عود الأرواح إلى الأجساد في الجملة من أصول الدين ، وإلى القالب المثالي في البرزخ والأصلي في المحشر مع خلود الكفّار وأمثالهم في النار واختصاص الإماميّة بالجنّة وكونهم فرقة ناجية ومن عداهم هالكة ونحو ذلك من أصول المذهب ، فلا بدّ من التميّز ؛ حذرا عن الخلط والغفلة وترتّب المفسدة وفوت المصلحة.

ولنشرع في شرح الكتاب ، فنقول - بعون اللّه الملك الوهّاب - : قال المصنّف العلاّمة أعلى اللّه مقامه :

ص: 71

بسم اللّه الرحمن الرحيم

امتثالا للحديث المشهور : « كلّ أمر ذي بال لم يبدأ باسم اللّه تعالى فهو أبتر » (1) الدالّ على لزوم الابتداء العرفي بلفظ « اللّه » الذي هو اسم الذات ، واقتداء بكتاب اللّه ، بمعنى « أبتدئ في المقصود » أو « أقرأ - مثلا - متلبّسا باسم اللّه المحمود - أو - بعون اللّه المعبود » الذي هو الذات الواجب الوجود الجامع لصفات الكمال والجمال ، والمنزّه عن صفات النقص وهو صاحب الجلال والذي تكون صفاته الذاتية عين الذات. وهو الكامل في الأفعال ، الذي يكون فعله حسنا خاليا عن الظلم والقبح في كلّ حال ، ومعلّلا بغرض عائد إلى العباد على الوجه الأصلح في المآل ، وله اللطف المقرّب إلى الطاعات ، المبعّد عن المعاصي والسيّئات.

الموصوف هنا برعاية الاستخدام ، أو من باب توصيف المتعلّق بوصف المتعلّق كما في ( الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) (2) ، أو بملاحظة عدم إهمال اللفظ ، وكون المراد اللفظ الدالّ على الذات ، وكون الملحوظ باعتبار اللسان اللفظ الموجب لامتثال الحديث ، وباعتبار الجنان الذات المصحّح للتوصيف ، كما في سائر العبادات اللفظيّة ، أو بحمل الاسم على مطلق ما يدلّ على الذات - بأنّه الرحمن المتفضّل بجميع أنواع الإحسان على جميع الخلق حتّى غير الإنسان ، بإخراجهم عن كتم الأعدام إلى الوجود ، وإعطاء الحياة والصحّة والعلم والقدرة والمساكن وبسط الرزق من نحو المآكل

ص: 72


1- « تفسير الإمام العسكري » : 25 ؛ « بحار الأنوار » 92 : 242 / 20 ؛ « سنن الدار قطني » 1 : 229.
2- يس (36) : 2.

والمشارب على وجه الجود ، من غير قطع موادّ الرزق وإن انقطعوا عن الطاعة ، فهو المحسن بهذه الصفة العامّة التي تكون خاصّة في الدنيا على المؤمنين والكافرين بل جميع المخلوقين بإعطاء ما به قوامهم ، كحفظ التركيب في الجمادات ، وذلك مع التنمية في النباتات ، وذلك مع الحسّ والحركة بالإرادة والأرزاق في الحيوانات ، وذلك مع إدراك المعقولات في الإنسان الذي هو أشرف الموجودات ، فإنّه أحسن كلّ شيء خلقه ثمّ هدى.

والموصوف - كما زبر - بأنّه الرحيم المحسن في الآخرة بالصفة الخاصّة على المؤمنين بالغفران والنعيم الأبدي والجنان ، وإعطاء الحور والقصور والفواكه والمشارب والمآكل والطيور ، سيّما الرضوان.

ولا يخفى أنّ هذا المعنى إشارة إلى الأصول الخمسة التي هي رأس العقائد الدينيّة لانفتاح باب التوحيد من كمال الذات المنافي للإمكان وفقد الصفات وزيادتها ووجود الشريك المستلزم للاحتياج أو العجز ونحو ذلك ، وباب العدل من التنزّه عن النقائص المتحقّقة في الظلم وخلق العباد مجبورين أو نحو ذلك ، بل يمكن استفادة سائر أصول الدين من ذلك.

مضافا إلى اقتضاء « الرحمن » و « الرحيم » من جهة كون النبوّة والإمامة والمعاد من فروع اللطف الذي هو أحد أجزاء العدل ، مع أنّ تخصيص المؤمنين بالرحمة الأخرويّة الدالّة على المعاد ليس إلاّ من جهة القابلية الحاصلة من الطاعة الموقوفة على المعرفة الموقوفة على النبيّ والوصيّ.

ثمّ شرع لمثل ما مرّ في الحمد الذي هو عبارة عن الثناء باللسان على الجميل الاختياري كما هو المشهور ، أو الثناء على الجميل الاختياري ولو بغير اللسان ، ليدخل حمد اللّه ، كما هو المنصور ، أو إظهار صفات الكمال بالقول أو الفعل ليكون حمده تعالى لذاته حمدا على سبيل الحقيقة ؛ لكونه من أفضل أفراده ؛ لأنّه تعالى كشف عن صفات كماله ببسط بساط الوجود وموائد الجود على ممكنات لا تحصى

ص: 73

وذرّات لا تتناهى ، كما اختاره صالح العلماء ، فقال :

( أمّا بعد حمد ) ذات تكون عين صفاتها التي لا يمكن تصوّرها إلاّ بها ، ومنها أنّه ( واجب الوجود ) الذي هو أخصّ صفاته ، وهو فرد منه ، وتوحيده تعالى عبارة عن توحيد فرد هذا المفهوم ، فكان ذكره بمنزلة ذكر الذات ، مع أنّ الحمد على الوصف مشعر بعلّيّة مبدأ الاشتقاق ، فكأنّه قال : أحمده على كونه واجب الوجود بالذات المتبادر عند الإطلاق و ( على نعمائه ) التي هي من الفواضل الواصلة إلينا التي لا تحصى ، فلا يمكن التعدّي إلى الفضائل التي لا تصل إلينا.

( والصلاة ) وطلب الرحمة ( على سيّد أنبيائه محمد صلی اللّه علیه و آله ) الذي هو خاتم النبيّين المستلزم للفضل عليهم ( وعلى أكرم أحبّائه ) وهو عليّ علیه السلام إن أريد من اسم التفضيل الزيادة على جميع من عداه ؛ للزوم المطابقة إفرادا وجمعا حينئذ ، ولكن لا بدّ من إرادة من لا أكرم منه إن قلنا بتساوي الأئمّة علیهم السلام أو الأكرم في وقته. وإن أريد الزيادة على من أضيف إليه ، فيمكن إرادة جميع أصحابه الموصوفين بزيادة الكرم على من عداهم من محبوبي النبيّ صلی اللّه علیه و آله أو خصوص الأئمّة الاثني عشر ؛ لعدم اشتراط المطابقة حينئذ.

وقد يقال : يمكن قراءة « عليّ » بالاسم المجرور المعطوف على « سيّد أنبيائه ».

فتأمّل.

( فإنّي ) جواب « أمّا » فإنّها ك « مهما يكن من شيء » ولهذا تجب الفاء في الجواب ( مجيب إلى ما سئلت من تحرير مسائل الكلام ) الباحث عن أحوال المبدأ والمعاد على قانون العقل المطابق للنقل ( وتقريرها ) (1) على الوجه الخالي عن الإملال والإخلال ( على أبلغ ) ال ( نظام ) والترتيب ( مشيرا إلى غرر فرائد الاعتقاد ) يعني الحكم الشرعي غير المتعلّق بالعمل الذي هو كالفريدة الغرّاء ، يعني اللؤلؤ الكبير

ص: 74


1- في النسخ الخطّيّة ف « تقريره ». والظاهر ما أثبتناه. وبدلها في « تجريد الاعتقاد » : « وترتيبها ».

( و ) إلى معنى دقيق مثل ( نكت ) جمع نكتة ، وهي أرض منكوتة بقضيب ونحوه يعني ( مسائل الاجتهاد ) المتعلّقة بالاعتقاد ( ممّا قادني الدليل [ إليه ] (1) وقوي اعتمادي عليه ، واللّه أسأل العصمة ) من الزلّ ( والسداد ) عن الخلل ( وأن يجعله ذخرا ليوم المعاد ، وسمّيته بتجريد العقائد ، ورتّبته على ستّة مقاصد ) لبيان المقصود الأصلي وما يتوقّف عليه إثباته من أمور عامّة ونحوها.

ووجه الترتيب : أنّ ما يتوقّف عليه الكلّ مقدّم على الكلّ ، وهو باب الأمور العامّة. وما يتوقّف عليه خصوص التوحيد - بإثبات الصانع وصفاته وكمال أفعاله ، المتوقّف على حدوث المصنوع - هو أحوال الجوهر والعرض. والتوحيد الشامل للعدل موقوف عليه للنبوّة ، وهي للإمامة ، وهما معا للمعاد الجسماني ؛ لتوقّف تفاصيله على بيان من اللّه والنبيّ صلی اللّه علیه و آله والإمام علیه السلام .

فمجموع مقاصد علم الكلام منحصر في ستّة :

المقصد الأوّل : في الأمور العامّة.

والثاني : في الجواهر والأعراض.

والثالث : في إثبات الصانع وصفاته وأفعاله المتعلّقة بمباحث العدل.

والرابع : في النبوّة.

والخامس : في الإمامة.

والسادس : في المعاد الذي لا يستقلّ بإثبات تفاصيله العقل بل يحتاج إلى النقل من الكتاب والسنّة النبويّة والإماميّة.

ص: 75


1- أضفناه من « تجريد الاعتقاد ».

ص: 76

المقصد الأوّل: في الأمور العامّة

اشارة

[ وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في الوجود والعدم

الفصل الثاني : في الماهيّة ولواحقها

الفصل الثالث : في العلّة والمعلول ]

ص: 77

ص: 78

( المقصد الأوّل في الأمور العامّة ) التي لا تختصّ بقسم من أقسام الموجود من الواجب والجوهر والعرض ، كالوجود والعلّيّة والوجوب والإمكان العامّ ، وما يتعلّق بذلك ، كبحث الامتناع والعدم ؛ لكونهما في مقابل الوجود والإمكان ، مع أنّ العدم هنا بمعنى رفع الوجود عدوليّا كان أو سلبيّا من أحوال الموجود ، ولهذا أفرد بابها وقدّم على باب باحث عن أحوال مختصّة ببعضها ممّا يتعلّق به غرض علميّ ويترتّب عليه مقصود أصليّ.

( وفيه فصول ) ثلاثة ؛ لانحصار الأمور العامّة التي يتعلّق بالبحث عنها غرض علميّ في الوجود والعدم وأحوالهما وفي الماهيّة وأحوالها وفي المركّب من الماهيّة والوجود أو العدم وأحواله ، وهو العلّة والمعلول.

ص: 79

ص: 80

( الفصل الأوّل : في الوجود والعدم )

اشارة

فيه مسائل :

المسألة الأولى : في ( تحديدهما ).

اعلم أنّ أرباب المعقول اختلفوا في المقام على أقوال :

الأوّل : أنّه نظريّ محتاج إلى الكسب.

الثاني : أنّه بديهيّ التصوّر ، فلا يجوز أن يعرّف إلاّ تعريفا لفظيّا ، وكذا الحكم ببداهته أيضا بديهيّ.

الثالث : أنّه بديهيّ ، والحكم ببداهته كسبيّ.

الرابع : أنّه لا يتصوّر لا بداهة ولا كسبا.

فعن المتكلّمين تحديد الوجود ( بالثابت العين ، و ) تحديد العدم بأنّه عبارة عن ( المنفيّ العين ) (1).

ويرد عليه : بأنّه تعريف للموجود والمعدوم ، فلا بدّ أن يعرّف الوجود بثبوت العين ، والعدم بنفي العين مع كون النفي بمعنى الانتفاء حتّى يكون التعريف للعدم لا الإعدام.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ « الثابت » أعمّ من أن يكون ثابتا بنفسه وهو الوجود أو

ص: 81


1- انظر : « شرح المقاصد » 1 : 296 ؛ « شوارق الإلهام » المسألة الأولى من الفصل الأوّل.

بالوجود وهو الموجود ، وإن كان الظاهر من « الثابت » بحسب اللغة ما له الثبوت ، وهو معنى الموجود ، وأنّ زيادة لفظ « العين » لدفع توهّم أن يراد الثابت لشيء بالوجود الرابطي أو المنفيّ عن شيء ، فإنّ ذلك معنى المحمول.

أو يقال : إنّ المشتقّ محمول على مبدأ الاشتقاق في الثابت والمنفيّ ، أو العكس في الوجود والعدم بإرادة الموجود والمعدوم تسامحا ، إشعارا بأنّ احتياج الموجود والمعدوم إلى التعريف إنّما هو لاحتياج الوجود والعدم إليه ؛ لأنّ مفهوم صيغة المشتقّ معلوم لكلّ من يعرف اللغة ، أو لتساويهما في المعرفة والجهالة ، أو للإشارة إلى أصالة الوجود مع ملاحظة تبعيّة العدم.

أو يقال : إنّ الضمير راجع إلى الموجود والمعدوم ؛ لدلالة الوجود والعدم عليهما.

وعن الفارابي : أنّ الوجود إمكان الفعل والانفعال ، والموجود ما أمكنه الفعل والانفعال (1).

وعن بعض الحكماء تعريفه بمثل ذلك ، مثل قولهم : « الموجود هو الذي يكون فاعلا أو منفعلا » (2) أو : « الذي ينقسم إلى الفاعل والمنفعل » (3) أو : « ينقسم إلى الحادث والقديم ، والمعدوم ما ليس كذلك » (4) ( أو ) بغير ذلك ، كالتعريف بأنّهما عبارتان عن ( الذي يمكن أن يخبر عنه ، ونقيضه ) وهو الذي لا يمكن أن يخبر عنه بمثل ما مرّ (5).

وعن المحقّقين : أنّ تصوّر الوجود بديهيّ ، بل هذا الحكم أيضا بديهيّ يقطع به كلّ عاقل يلتفت إليه وإن لم يمارس طرق الاكتساب ، بل عن جمهور الحكماء أنّه

ص: 82


1- انظر : « شرح المقاصد » 1 : 297.
2- « المباحث المشرقية » 1 : 97.
3- « شرح المقاصد » 1 : 295.
4- « شرح المقاصد » 1 : 295 ؛ « شوارق الإلهام » المقصد الأوّل ، الفصل الأوّل ، في المسائل المتعلّقة بالوجود.
5- أي يرد عليه بمثل ما مرّ.

لا شيء أعرف من الوجود ، فلو عرّف بشيء ، كان تعريفا لفظيّا (1).

واختاره المصنّف ، فأفاد أنّ جميع ما ذكر في تعريفه ( يشتمل على دور ظاهر ) واضح أو مصرّح غير مضمر ؛ لاشتماله على ما يرادفه ، فيلزم توقّف الشيء على نفسه ؛ إذ لا يعقل معنى « الذي ثبت » و « الذي يمكن » ونحو ذلك إلاّ بعد تعقّل معنى الحصول في الأعيان أو الأذهان ، أو لأنّ الموصوف المقدّر هو الوجود كما قيل (2).

فلا يكون المراد تعريفا حقيقيّا موقوفا على تصوّر المعرّف المشتمل على المرادف ( بل المراد تعريف اللفظ ) بتبديل لفظ بلفظ أعرف عند السامع ( إذ لا شيء أعرف من الوجود ) حتّى يجعل معرّفا حقيقيّا له ، فيكون بديهيّا ؛ لبطلان الدور والتسلسل ومماثلة المعرّف ، بل الحكم بكونه بديهيّا أيضا بديهيّ ؛ لما مرّ.

وعن الإمام الرازي : أنّ الوجود متصوّر بالبديهة ، ولكنّ الحكم بكونه بديهيّا كسبيّ محتاج إلى الاستدلال (3).

( والاستدلال ) على بداهة تصوّر الوجود ( بتوقّف التصديق بالتنافي ) أي بالمنافاة بين الوجود والعدم ، بأن يقال : الوجود والعدم متنافيان لا يصدقان على أمر ( عليه ) أي على تصوّر الوجود والعدم ؛ لأنّ كلّ تصديق موقوف على تصوّر الموضوع والمحمول ونحوهما ، فيكون التصديق بالمنافاة بينهما - أيضا - متوقّفا عليه ؛ لأنّ التصديق المذكور مسبوق بتصوّر الوجود والعدم ، وحيث كان ذلك التصديق بديهيّا كان تصوّر الوجود والعدم أولى بالبداهة ؛ لأنّ بداهة الكلّ في نفس الأمر تتوقّف على بداهة أجزائه فيها وإن لم يتوقّف العلم ببداهته على العلم ببداهة أجزائه ، الذي هو تابع متفرّع على العلم الأوّل بملاحظة أنّ الوجود والعدم جزءان له ، كعدم توقّف العلم بكلّيّة الكبرى على العلم بالنتيجة مع كون العلم بالنتيجة تابعا

ص: 83


1- « شرح المقاصد » 1 : 295.
2- « شرح المقاصد » 1 : 296.
3- « المطالب العالية » 1 : 301 ، ونقل فيه اتّفاق الحكماء على ذلك ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 98 - 99.

للعلم بكلّيّة الكبرى.

( أو ) الاستدلال بأنّ الوجود متصوّر بالكنه ، وحصول العلم منحصر في الضرورة والاكتساب ، والاكتساب إمّا بالحدّ أو الرسم ، والحدّ لا يكون إلاّ للمركّب من الأجزاء ، والأجزاء إمّا وجودات فيحكم ( بتوقّف الشيء على نفسه ، أو ) غير وجودات لا يحصل من اجتماعها الوجود ، فيلزم كون الوجود محض ما ليس بوجود ، وهو محال.

وإن حصل أمر زائد هو الوجود يلزم ( عدم تركّب الوجود مع فرضه مركّبا ) لكون التركيب في معروضه ، ( و ) الرسم لا يفيد العلم إلاّ بعد العلم باختصاص الخارج بالمرسوم ، وهذا متوقّف على العلم به ، وهو دور يقتضي ( إبطال الرسم ).

وكلّ واحد من الاستدلالين ( باطل ).

أمّا الأوّل : فلأنّه إن أريد أنّ الحكم المذكور بجميع متعلّقاته بديهيّ ، فهو ممنوع بل مصادرة. وإن أريد أنّ نفس الحكم بديهيّ ، فهو مسلّم ، لكنّه لا يثبت المدّعى.

وأمّا الثاني ؛ فبالنقض والحلّ :

أمّا النقض فبسائر الماهيّات ؛ لأنّ أجزاء البيت إمّا بيوت أو غير بيوت ، على نحو ما مرّ.

وأمّا الحلّ فباختيار أمر زائد على كلّ جزء ، وهو المجموع الذي هو نفس الوجود ، فلا يكون التركيب إلاّ فيه ، فالوجود محض المجموع الذي ليس شيء من أجزائه بوجود ، كما أنّ البيت محض الأجسام والهيئة التي ليس شيء منها ببيت.

وقال صدر الحكماء الإشراقيّين في الشواهد الربوبيّة : « الوجود لا يمكن تصوّره بالحدّ ولا بالرسم ولا بصورة مساوية له ؛ إذ تصوّر الشيء عبارة عن حصول معناه وانتقاله من حدّ العين إلى حدّ الذهن ، فهذا يجري في غير الوجود ، وأمّا في الوجود فلا يمكن ذلك إلاّ بصريح المشاهدة وعين العيان ، دون إشارة الحدّ والبرهان ، وتفهيم العبارة والبيان ، وإذ ليس له وجود ذهني فليس بكلّيّ ولا جزئيّ ولا عامّ ولا خاصّ

ص: 84

ولا مطلق ولا مقيّد ، بل تلزمه هذه الأشياء بحسب الدرجات وما يوجد به من الماهيّات وعوارضها ، وهو في ذاته أمر بسيط لا يكون له جنس ولا فصل ، ولا - أيضا - يحتاج إلى ضميمة قيد فصليّ أو عرضي ، مصنّف أو مشخّص » (1).

وقال بعض أفاضل من عاصرناه (2) ما حاصله : « أنّ الذي يعبّر عنه عند طلب معرفته بالوجود ثلاثة أقسام ؛ لأنّ الشيء إمّا صانع ، أو صنع ، أو مصنوع ؛ فالصانع هو الواجب ، والصنع فعله ، والمصنوع ما سواه :

[ القسم ] الأوّل : الوجود الحقّ المسمّى بالوجه ، وهو الواجب المقدّس عن كلّ ما سواه حتّى إطلاق العبارة ، فإذا أطلقت العبارة فإنّما تقع على العنوان ، أعني الدليل عليه ، وهو ما أوجده اللّه تعالى من وصفه لعباده.

وهذا الوجود لا يدرك بعموم ولا خصوص ، ولا إطلاق ولا تقييد ، ولا كلّ ولا جزء ، ولا كلّيّ ولا جزئيّ ، ولا بمعنى ولا لفظ ، ولا كمّ ولا كيف ، ولا رتبة ولا جهة ، ولا وضع ولا إضافة ، ولا نسبة ولا ارتباط ، ولا في وقت ولا في مكان ، ولا على شيء ولا في شيء ، ولا فيه شيء ولا من شيء ولا لشيء ولا كشيء ولا عن شيء ، ولا بلطف ولا بغلظ ، ولا باستدارة ولا امتداد ، ولا حركة ولا سكون ، ولا استضاءة ولا ظلمة ، ولا بانتقال ولا بمكث ، ولا تغيّر ولا زوال ، ولا يشبهه شيء ، ولا يخالفه شيء ، ولا يوافقه شيء ، ولا يعادله شيء ، ولا يبرز من شيء ولا يبرز منه شيء ، وكلّ صفة أو جهة أو صورة أو مثال أو غير ذلك - ممّا يمكن فرضه أو وجوده أو تمييزه أو إبهامه - فهو غيره ، ولا يدرك بشيء ممّا ذكر أو غيره ؛ لأنّها صفات الخلق ، ولا بضدّه ؛ إذ لا ضدّ له. ولا يعرف بما هو (3) في سرّ ولا علانية ، ولا طريق إلى

ص: 85


1- « الشواهد الربوبيّة » : 6 - 7 ، المشهد الأوّل.
2- وهو الشيخ أحمد الأحسائي في الفوائد وشرحه. ( منه رحمه اللّه ).
3- أي بالإشارة ولا التصريح ولا بوجه من الوجوه الموقوفة على الإطاعة بالمعروف. نعم ، وصف نفسه بما يوجب المعرفة ؛ لاقتضاء اللطف ... بما وصف به نفسه. ( منه رحمه اللّه ).

معرفته بوجه لا بنفي ولا إثبات ، إلاّ بما وصف به نفسه ، ولا يدرك أحد كنه صفته ، وإنّما يعرفه بما يعرّف له به ، ولم يتعرّف (1) لأحد بنحو ما عرفه من غيره ، وإلاّ لشابهه سبحانه ، فهو المعلوم والمجهول (2) والموجود والمفقود (3) ، فجهة (4) معلوميّته نفس مجهوليّته ، ونفس مشهوديّته عين مفقوديّته ، فهو لا يعرف بغيره ، وغيره يعرف به (5) ، فهو الواجب الحقّ والمجهول المطلق.

وهذا القسم يعبّر عنه بالذات البحت ، ومجهول النعت ، وشمس الأزل ، ومنقطع الإشارات ، والكنز المخفيّ ، والمنقطع الوجداني ، وكلّها عبارات مخلوقة تقع على مقاماته وعلاماته التي لا تعطيل لها في كلّ مكان.

القسم الثاني : الوجود المطلق بمعنى أنّه غير مقيّد بشرط يتوقّف عليه ، لا أنّه صادق على الواجب والممكن. وهذا هو المشيئة التي خلقها اللّه (6) بنفسها وأقامها بنفسها وأمسكها بظلّها ومادّتها ، كما أنّ أبانا آدم علیه السلام أبوه مادّته وأمّه صورته ، أو بالعكس ، كما عليه الحكماء ، فليس له أب ولا أمّ غير مادّته وصورته.

القسم الثالث : الوجود المقيّد المعبّر عنه بأنّه وجود بشرط لا وبشرط شيء ، وهو الفعل باعتبار تعلّقه بالمفعول ، وهو الجعل الذي يستعمل كثيرا ما في إيجاد اللوازم

ص: 86


1- أي لم يصف نفسه لأحد بمثل ما وصف غيره له ، فإنّه عرّف نفسه بأنّه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [ الشورى (42) : 11 ] وعرّف القرطاس - مثلا - بأنّه أبيض ... وصف نفسه بالبياض فشابه القرطاس في البياض ، فهو تعالى لم يصف نفسه بوصف ... من أوصاف الخلق ، كذا أفاده في الشرح. ( منه رحمه اللّه ).
2- أي مكتنهة ( منه رحمه اللّه ).
3- بذاته لمن طلب حقيقة ذاته. ( منه رحمه اللّه ).
4- لأنّك تعرفه بأنّه لا يوصف ولا يحاط به علما ، وليس كمثله شيء ، وهذه صفة توجب كونه تعالى مجهول الكنه ، وأنّك تشاهد آثاره ، ككلام من متكلّم خلف الجدار ، فمشاهدته بآثار صنعه حال غيبته ، فوجدانه عين فقدانه ، كذا أفاده في الشرح. ( منه رحمه اللّه ).
5- فإنّه يعرف بأنّه مصنوعه وأثر فعله. ( منه رحمه اللّه ).
6- لأنّها حركة إيجادية محدثة تتوقّف حداثتها على حركة إيجاديّة ، وهي حركة إيجاديّة ، فلا تحتاج لما بغير نفسها فهي شيء واحد. ( منه رحمه اللّه ).

لملزوماتها كالوجود والماهيّة ، وقد يستعمل للتصيير والقلب لشيء إلى شيء آخر كجعل الطين خزفا ، وهو واحد لا تعدّد فيه لذاته ؛ لأنّه حركة إيجاديّة ، فهي واحدة ، وإنّما تتكثّر باعتبار متعلّقها ، وتتعدّد وجوهها باعتبار تعدّد متعلّقاتها.

قال تعالى : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ ) (1) فجعل الوجود متعلّقا به خاصّة ، وجعل الماهيّة متعلّقا بها خاصّة ، فلا يصدران من جعل واحد ليصحّ فيه اعتبار التركيب.

نعم ، له رءوس بعدد المجعولات ، ولكلّ رأس وجوه بعدد أحواله.

وقال في بعض إفاداته : « الوجودات ثلاثة : وجود حقّ ، ووجود مطلق ، ووجود مقيّد. والوجود الحقّ ذات الواجب تعالى مع قطع النظر عن الصفات. والوجود المطلق فعل اللّه ومشيئته وإرادته. والوجود المقيّد المفعولات بأسرها - إلى أن قال - : والوجود المقيّد من الوجود المطلق مثل الوجود المطلق من الوجود الحقّ ، فمراتب الوجود متناسبة صعودا ونزولا » (2).

أقول : الوجود له معنيان : مصدريّ ، واسميّ.

والمصدريّ عبارة عن كون الشيء وثبوته وتحقّقه وتحصّله المعبّر عنه بالفارسيّة ب- « بودن » و « هستى داشتن » ويقابله العدم. وما يتّصف بهما يسمّى ماهيّة.

والا سمي عبارة عن منشأ الأثر.

والأوّل أمر بديهيّ يعرفه كل أحد ، ولكنّه قد يعرّف بالتعريف اللفظي ، ولهذا يقال : إنّ الوجود بديهيّ التصوّر ؛ لتحقّقه في كلّ موجود في الذهن ، فيكون تصوّر كلّ شيء موقوفا عليه ، فيتحقّق الكون في الذهن. والعلم عبارة عن حصول الشيء في الذهن وإن كان العلم بالعلم موقوفا على التفات النفس.

ص: 87


1- الذاريات (51) : 49.
2- « الفوائد وشرحه » الورقة 2 وما بعدها ، مخطوطة برقم 7537 والورقة 174 من المخطوطة المرقّمة 1697 في مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي.

وهذا المعنى متصوّر في جميع الموجودات وإن اختلف باختلاف الإضافات مع اختلاف الأشياء بالذات ، وهو إن كان أصليّا لا رابطيّا يكون موجودا في الخارج ، بمعنى أنّ الخارج ظرف لنفسه لا لوجوده كما في سائر الموجودات.

وهو بهذا المعنى مشترك معنويّ صادق على الكلّ ولو بنحو صدق العرض العامّ ، ولهذا يسمّى وجودا عامّا ، كما سيأتي.

وأمّا المعنى الثاني فهو وجود خاصّ يكون في الواجب عين ذاته ، وفي الممكن زائدا على ذاته ، وهو منشأ أثره. والأوّل منهما مجهول الكنه دون الثاني ، فالوجود ثلاثة :

الأوّل : الوجود العامّ.

والثاني : الوجود الخاصّ الواجبي.

[ و ] الثالث : الوجود الخاصّ الممكني.

وأمّا إطلاق الوجود على الموجود - كما هو ظاهر ما حكيناه عن بعض الأفاضل - فهو غير وجيه ، إلاّ على مذهب من يقول بأصالة الوجود ، أو وحدة الوجود ، وهو بما سيأتي مردود.

وكيف كان فالوجود العامّ بديهيّ التصوّر مع بداهة الحكم به أيضا ، كما لا يخفى.

والوجود الممكني مجهول يستعلم بالكسب بأنّه عرض قائم بذات الممكن ، وبه يكون الممكن منشأ للأثر.

والوجود الواجبي مجهول الكنه لا يمكن استعلام كنهه ولا يتصوّر أصلا.

نعم ، هو متصوّر بالوجه وبالآثار وبما يصدق عليه ، مثل أنّه صانع العالم ، أو الواجب بالذات أو نحو ذلك ، وإلاّ لا يمكن التصديق بوحدته ونحوها ، فلا يتحقّق الإيمان.

فالقول بعدم إمكان تصوّر الوجود أصلا - تمسّكا بنحو أنّه لو تصوّر لارتسمت في النفس صورة متساوية له ، مع أنّ للنفس وجودا فيجتمع مثلان - ضعيف ؛ لمنع

ص: 88

التماثل بين وجود النفس والصورة الكلّيّة الموجودة فيها ، مضافا إلى تعدّد المحلّ.

وكيف كان فقد نظمت هذا المطلب بقولي :

حدّ الوجود بثبوت العين *** أو نحوه دور بغير مين

فليقصد اللفظيّ من يعرّف *** إذ ليس شيء من وجود أعرف

ذكر الدليل في المقام باطل *** لأنّ علم العلم أيضا حاصل

المسألة الثانية :

في أنّ الوجود مشترك معنويّ أو لفظيّ ، بمعنى أنّ الوجود مفهوم واحد يصدق على الوجودات الخاصّة المتخالفة ، لا نفس تلك الوجودات.

وبعبارة أخرى : بمعنى أنّ المفهوم الذي يقال له : « الوجود » مفهوم كلّيّ.

وبعبارة أخرى : ماهيّة الوجود ماهيّة كلّيّة واقعيّة تتحقّق في ضمن الخصوصيّات ، فتكون الخصوصيات مشتركة في ذلك المفهوم ، ويكون ذلك المفهوم بحسب نفس الأمر مشتركا فيه من غير ملاحظة لفظ الوجود ووضعه ، فيكون الاشتراك في المعنى ، أو ذلك المفهوم عبارة عن نفس الخصوصيّات المتباينة المختلفة أو ما يختصّ بها ، فلا اشتراك إلاّ في اللفظ وإطلاقه.

فعلى هذا تكون المسألة عقليّة من مسائل العلم المعقول لا علم الأصول ؛ ولهذا لا بدّ أن يكون المدرك هنا هو العقل بنحو عدم صحّة السلب عند العقل والعقلاء.

وأمّا المسألة الأصوليّة فهي أنّ اللفظ موضوع للقدر المشترك ، فيكون الاشتراك فيه - ولو بملاحظة المعنى - معنويّا ، أو لنفس الخصوصيّات ، فيكون الاشتراك لفظيّا.

ومدرك هذه المسألة هو العرف بنحو عدم صحّة السلب عند العرف وأهل اللسان ، فتكون المسألة المذكورة متعلّقة بالمبدإ ، فتكون مسألة كلاميّة باحثة عن أحوال المبدأ بأنّ وجوده من أفراد مطلق الوجود ، كما هو كذلك بمقتضى الاشتراك المعنوي ، أو وجود مباين يطلق عليه لفظ الوجود ، كما هو مفاد القول بالاشتراك اللفظي ، وأنّ المجعول ماهيّة ووجود ، أو خصوص الوجودات.

ص: 89

اعلم أنّ العلماء اختلفوا في هذه المسألة على قولين :

الأوّل : أنّ الوجود له مفهوم واحد مشترك بين الوجودات ، وهو مختار جمهور المحقّقين (1) ، كما حكي.

الثاني : أنّ وجود كلّ شيء عين ماهيّته ، ولا اشتراك إلاّ في لفظ الوجود ، وهو المحكيّ عن أبي الحسن الأشعري وأبي الحسين البصري (2).

واختار المصنّف الأوّل ، واستدلّ له بقوله : ( وتردّد الذهن حال الجزم بمطلق الوجود ، واتّحاد مفهوم نقيضه ، وقبوله القسمة يعطي الشركة ) ففيه إشارة إلى وجوه ثلاثة :

[ الوجه ] الأوّل : أنّه لو كان الوجود مشتركا لفظيّا لا معنويّا ، لما أمكن وما وقع تردّد الذهن في خصوصيّات الوجود والماهيّات مع الجزم بالوجود المطلق ، ولكن أمكن ووقع تردّد الذهن فيها مع الجزم بالوجود المطلق ، فلا يكون مشتركا لفظيّا ، بل يكون معنويّا.

أمّا الملازمة : فلأنّ الوجود - على تقدير الاشتراك اللفظي وعدم الاشتراك المعنوي - إمّا أن يكون نفس الخصوصيّات أو من خواصّها الذاتيّة أو العرضيّة ؛ لعدم تصوّر غير ذلك.

وعلى الأوّل يكون التردّد في الخصوصيّات عين التردّد في الوجودات التي هي أعيان تلك الخصوصيّات ، ويكون الجزم بالوجود عين الجزم بها ، فبين التردّدين والجزمين تلازم يمتنع به التخلّف.

وكذا على الثاني ؛ لأنّ التردّد في شيء يستلزم التردّد فيما يختصّ به.

وأمّا بطلان التالي : فلأنّا إذا رأينا حادثا ، جزمنا أنّ له مؤثّرا موجودا ، مع التردّد في كونه واجبا أو ممكنا ، جوهرا أو عرضا ، إلى غير ذلك من الخصوصيّات ، وذلك

ص: 90


1- « محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين » : 147 - 177 ؛ « شرح المواقف » 2 : 112 - 113.
2- انظر : « شرح المقاصد » 1 : 307 ؛ « شرح المواقف » 2 : 112.

يفيد اشتراك الوجود معنى.

ومثله ما يمكن أن يقال من أنّا إذا جزمنا بوجود معلول ، وجزمنا بأنّ له علّة موجودة ، وأنّها ذلك الشيء ، ثمّ زال الاعتقاد الأخير بأنّها شيء آخر ، بقي الاعتقاد بوجود العلّة مع زوال الاعتقاد بوجود شيء خاصّ ، فلولا أنّ الوجود مشترك معنى ، لم يتصوّر ذلك قطعا.

[ الوجه ] الثاني : أنّ مفهوم العدم واحد لا تعدّد فيه ولا امتياز ، فيكون مفهوم نقيضه - الذي هو الوجود - واحدا ، وإلاّ لم ينحصر التقسيم بين الموجود والمعدوم ؛ لاحتمال موجود آخر ، ولم يتحقّق التناقض ؛ لأنّه لا يكون إلاّ بين المفهومين.

[ الوجه ] الثالث : أنّ مفهوم الوجود قابل للتقسيم بين الماهيّات ، وكلّ ما هو كذلك فهو مشترك بينها ، فيكون الوجود مشتركا بينها.

أمّا المقدّمة الأولى ؛ فلأنّا نقسّم الوجود إلى وجود الواجب ووجود الممكن ، ووجود الممكن إلى وجود الجوهر ووجود العرض ، وإلى الذهني والخارجي ، والعقل يقبل هذه القسمة.

وأمّا المقدّمة الثانية ؛ فلأنّ القسمة عبارة عن ضمّ قيود متخالفة إلى مورد القسمة ليحصل بانضمام كلّ إليه قسم ، فالقسم عبارة عن مجموع مورد القسمة مع القيد الفصلي أو نحوه ، فلا يتحقّق بدون مورد القسمة ، الذي هو المشترك فيه ، فلا بدّ أن يكون مورد القسمة مشتركا فيه بين جميع أقسامه.

فإن قلت : اشتراك الوجود مستلزم لتركّب الواجب ممّا به الاشتراك وما به الامتياز ، وهو مناف لوجوب الوجود ، فلا بدّ من القول بوحدة الوجود ؛ حذرا عن نفي واجب الوجود.

قلت : هذا مبنيّ على كون اشتراك الوجود من قبيل اشتراك الجنس والذاتيّ ، وليس كذلك ؛ فإنّ صدق الوجود المطلق على الواجب والممكن صدق العرض العامّ على ما تحته ، بمعنى أنّه ينتزع من الآثار مفهوم كلّيّ صادق على الواجب الذي هو

ص: 91

المؤثّر والممكن الذي هو المتأثّر ، وهو مطلق الكون والتحقّق والثبوت - المعبّر عنه بالفارسيّة ب- « بودن » كما يعبّر عن الحالة الحاصلة بالمصدر ب- « هستى » - كالشيئيّة الصادقة عليهما معا باعتبار الأثر فعلا أو انفعالا ، فإذا كان ذلك الصدق في مقام الأثر والفعل لا مقام الذات ، لا يلزم كون الواجب محلّ العرض الذي يكون موجودا في الموضوع في الخارج.

ويظهر ممّا ذكرنا أنّ الوجود مشترك معنويّ باعتبار ملاحظة الوجود المطلق الذي هو من الأمور العامّة التي هي محلّ الكلام والبحث.

وأمّا باعتبار ملاحظة الوجود الخاص الواجبي والوجود المقيّد الممكني فلا ؛ لأنّ وجود الواجب عين حقيقته.

ولا يصحّ سلب الوجود عنه على وجه الخصوصيّة من غير ملاحظة كونه مصداقا لمطلق الوجود أيضا ، مع استحالة كون الوجود المطلق العرضي المصدري عين ذات الواجب ، بل يستحيل كونه عين ذات الممكن فضلا عن الواجب ، بل الوجود بمعنى منشأ الأثر عين ذات الواجب ، كما مرّ.

وكذا الوجود الخاصّ الإمكاني ، فإنّه مع ملاحظة الخصوصيّة أيضا وجود ، فللوجود جهة اشتراك لفظيّ أيضا ، كالإمكان بالنسبة إلى مطلق الإمكان والإمكان الخاصّ.

وبمثل هذا يمكن دفع ما يرد على خصوص الدليل الأوّل ، بأنّ الأمر الباقي المقطوع به هو أنّه موجود بأحد الوجودات المتخالفة الذوات مطلقا ، فإنّ الوجدان يشهد على أنّ الباقي هو مفهوم الوجود المطلق ، لا مفهوم أحد الوجودات ، بل قد لا يتصوّر هذا المفهوم.

وعلى الثاني بأنّ معنى قولنا : « زيد إمّا موجود أو معدوم » أنّه موجود بأحد الوجودات المتخالفة.

ووجه الاندفاع ظاهر ممّا ذكرنا.

ص: 92

وقد يورد عليه بأنّ اتّحاد مفهوم العدم لا دخل له في الاستدلال ، بل على تقدير تعدّده كان بطلان الحصر أظهر ؛ إذ يزيد على هذا التقدير احتمال آخر ، مثلا : نقول في المثال المذكور : يجوز أن يكون زيد متّصفا بالعدم بمعنى آخر ، فالأولى أن يطرح من البين ويقال : لو لم يكن الوجود مشتركا ، لبطل الحصر العقلي ، ويساق الكلام إلى آخره.

ويمكن أن يجاب عنه بأنّ المراد أنّ مفهوم العدم واحد ، فلو لم يكن مفهوم الوجود أيضا واحدا ، لكان العدم الواحد نقيضا لكلّ من الوجودات المتعدّدة ، وذلك باطل ؛ لأنّ التناقض لا يكون إلاّ بين المفهومين كما أشرنا.

وعلى الثالث أنّ تقسيم الوجود بتأويل المسمّى به ؛ لاندفاعه بشهادة الوجدان على صحّة التقسيم باعتبار نفس مفهوم الوجود من غير ملاحظة مفهوم المسمّى وصدق لفظ الوجود.

وبالجملة ، فمن لا يسلّم الاشتراك في مطلق الوجود كما لا يسلّم الاشتراك في مطلق السلب ، بل المشترك عنده هو لفظ الوجود والسلب - كما حكى الفاضل القوشجي (1) - ضعيف جدّا.

وقد نظمت هذا المطلب بقولي :

وللوجود شركة معنى فلم *** يصغ إلى النفي لوحدة العدم

وهكذا حالة الانقسام *** والجزم بالمطلق لا الأقسام

المسألة الثالثة : في أنّ الوجود زائد على الماهيّات.

قال : ( فيغاير الماهيّة ، وإلاّ اتّحدت الماهيّات ، أو لم تنحصر أجزاؤها ).

أقول : اختلفوا في أنّ الوجود نفس الماهيّة أو زائد عليها؟

والظاهر أنّ الكلام في الوجود بمعنى منشأ الأثر ، لا بمعنى الكون والتحقّق ، كما لا يخفى.

ص: 93


1- « شرح تجريد العقائد » : 7.

فعن أبي الحسن الأشعري وأبي الحسين البصري وجماعة تبعوهما : أنّ وجود كلّ ماهيّة نفس تلك الماهيّة (1).

وقال جماعة من المتكلّمين والحكماء : إنّ وجود كلّ ماهيّة مغاير لها ، إلاّ واجب الوجود تعالى ؛ فإنّ أكثر الحكماء قالوا : إنّ وجوده نفس حقيقته. (2) وسيأتي تحقيق كلامهم فيه.

وقد استدلّ الحكماء على الزيادة بوجوه :

[ الوجه ] الأوّل : أنّ الوجود مشترك - على ما تقدّم - فإمّا أن يكون نفس الماهيّة أو جزءا خارجيّا منها أو خارجا عنها.

والأوّل باطل ، وإلاّ لزم اتّحاد الماهيّات في خصوصيّاتها ؛ لما تبيّن من اشتراكه ووحدته.

والثاني باطل ، وإلاّ لم تنحصر أجزاء الماهيّة ، بل تكون كلّ ماهيّة على الإطلاق مركّبة من أجزاء لا تتناهى ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله.

بيان الشرطية : أنّ الوجود إذا كان جزءا من كلّ ماهيّة ، فإنّه يكون جزءا مشتركا بينها ، ويكون كمال الجزء المشترك ، فيكون جنسا ، فتفتقر كلّ ماهيّة إلى فصل يفصلها عمّا يشاركها فيه ، لكن كلّ فصل فإنّه يكون موجودا ؛ لاستحالة انفصال الموجودات وتقوّمها بالأمور العدميّة ، فيفتقر الفصل - من جهة كونه موجودا وكون الوجود جزءا مشتركا لكلّ موجود - إلى فصل آخر هو جزء منه ويكون جزءا من الماهيّة ؛ لأنّ جزء الجزء جزء أيضا موجود ، فيفتقر (3) إلى فصل آخر ويتسلسل ، فتكون للماهيّات أجزاء لا تتناهى.

وأمّا استحالة اللازم ؛ فلوجوه :

ص: 94


1- « شرح المواقف » 2 : 127 ؛ « كشف المراد » : 25.
2- « تلخيص المحصّل » : 97 ؛ « شرح المواقف » 2 : 135 - 136 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 308 ؛ « كشف المراد » : 25.
3- في « كشف المراد » : 25 ، العبارة هكذا : « فإن كان موجودا افتقر » بدل « موجود فيفتقر ».

أحدها : أنّ وجود ما لا يتناهى محال على ما يأتي.

الثاني : أنّه يلزم منه تركّب واجب الوجود تعالى ؛ لأنّه موجود ، فيكون ممكنا ، هذا خلف.

الثالث : أنّه يلزم منه انتفاء الحقائق أصلا ؛ لأنّه يلزم منه تركّب الماهيّات البسيطة ، فلا يكون البسيط متحقّقا ، فلا يكون المركّب متحقّقا.

وهذا كلّه ظاهر البطلان.

قال : ( ولانفكاكهما تعقّلا ).

أقول : هذا هو الوجه الثاني الدالّ على زيادة الوجود.

وتقريره : أنّا قد نعقل الماهيّة ونشكّ في وجودها الذهني والخارجي ، والمعقول مغاير للمشكوك. وكذلك قد نعقل وجودا مطلقا ونجهل خصوصيّته ، فيكون مغايرا لها. وقد نعقل الماهيّة ونغفل عن وجودها ، فيكون غيرها.

لا يقال : إنّا قد نتشكّك في ثبوت الوجود ، فيلزم أن يكون ثبوته زائدا عليه ويتسلسل.

لأنّا نقول : الشكّ ليس في ثبوت وجود الوجود ، بل في ثبوت الوجود نفسه للماهيّة ، وذلك هو المطلوب.

قال : ( ولتحقّق الإمكان ) (1).

أقول : هذا وجه ثالث على الزيادة.

وتقريره : أنّ ممكن الوجود متحقّق بالضرورة ، والإمكان إنّما يتحقّق على تقدير الزيادة ؛ لأنّ الوجود لو كان نفس الماهيّة أو جزءها ، لم تعقل منفكّة عنه ، فلا يجوز عليها العدم حينئذ ، وإلاّ لزم اجتماع النقيضين ، وهو محال.

وانتفاء جواز العدم يستلزم الوجوب ، فينتفي الإمكان حينئذ ؛ للمنافاة بين الإمكان الخاصّ والوجوب الذاتي ، ولأنّ الإمكان عبارة عن تساوي نسبة الماهيّة

ص: 95


1- في « كشف المراد » : 26 و « تجريد الاعتقاد » : 106 أضيفت كلمة « الخاص » إلى « الإمكان ».

إلى الوجود والعدم ، والنسبة لا تعقل إلاّ بين شيئين.

قال : ( وفائدة الحمل ).

أقول : هذا وجه رابع يدلّ على المغايرة بين الوجود والماهيّة.

وتقريره : أنّا نحمل الوجود على الماهيّة ، فنقول : الماهيّة موجودة ، فنستفيد منه فائدة معقولة لم تكن حاصلة لنا قبل الحمل.

وإنّما تتحقّق هذه الفائدة على تقدير المغايرة ؛ إذ لو كان الوجود نفس الماهيّة ، لكان قولنا : « ماهيّة موجودة » بمنزلة [ قولنا ] (1) : « ماهيّة ماهيّة » أو « الوجود وجود » والتالي باطل فكذا المقدّم.

قال : ( والحاجة إلى الاستدلال ).

أقول : هذا وجه خامس يدلّ على أنّ الوجود ليس هو نفس الماهيّة ولا جزءا منها.

وتقريره : أنّا نفتقر في نسبة الوجود إلى الماهيّة إلى الدليل في كثير من الماهيّات ، ولو كان الوجود نفس الماهيّة أو جزءها لم نحتج إلى الدليل ؛ لاقتضاء الافتقار إلى الدليل المغايرة بين الموضوع والمحمول ، والشكّ في النسبة الممتنع تحقّقه في الذاتي.

قال : ( وانتفاء التناقض ).

أقول : هذا وجه سادس يدلّ على الزيادة.

وتقريره : أنّا قد نسلب الوجود عن الماهيّة ، فنقول : « ماهيّة معدومة » ولو كان الوجود نفس الماهيّة لزم التناقض ؛ لكونه بمنزلة قولنا : « الموجود ليس بموجود » أو كان جزءا منها لزم التناقض أيضا ؛ لأنّ تحقّق الماهيّة يستدعي تحقّق أجزائها التي من جملتها الوجود ، فيستحيل سلبه عنها ، وإلاّ لزم اجتماع النقيضين ، فتحقّق انتفاء التناقض يدلّ على الزيادة.

ص: 96


1- الزيادة أضفناها من « كشف المراد » : 26.

قال : ( وتركّب الواجب ).

أقول : هذا وجه سابع ، وهو أنّ تركّب الواجب منتف ، وإنّما يتحقّق لو كان الوجود زائدا على الماهيّة ؛ لأنّه يستحيل أن يكون نفس الماهيّة ؛ لما تقدّم ، فلو كان جزءا من الماهيّة ، لزم أن يكون الواجب مركّبا وهو محال.

ويمكن جعل الأدلّة خمسة ، بجعل قوله : « وإلاّ لاتّحدت الماهيّات أو لم تنحصر أجزاؤها » إشارة إلى الدليل الأوّل ، كما مرّ. وقوله : « ولانفكاكهما تعقّلا » إشارة إلى الدليل الثاني ، كما تقدّم. وقوله : « ولتحقّق الإمكان » إشارة إلى الدليل الثالث ، كما سبق. وقوله : « وفائدة الحمل والحاجة إلى الاستدلال » إشارة إلى الدليل الرابع ، بجعل « فائدة الحمل » وجها لعدم العينيّة ، وقوله : « والحاجة إلى الاستدلال » وجها لعدم الجزئيّة ؛ لأنّ ذاتيّ الشيء بيّن الثبوت له. وجعل قوله : « وانتفاء التناقض وتركّب الواجب » إشارة إلى الدليل الخامس ، بجعل « انتفاء التناقض » وجها لعدم العينيّة ، كما مرّ ، وانتفاء تركّب الواجب وجها لعدم الجزئيّة ؛ إذ لو كان جزءا لكان مشتركا بين الواجب والممكن ، وكلّ ما له جزء فله جزء آخر بالضرورة ، فيلزم تركّب الواجب ، وهو محال.

قال : ( وقيامه بالماهيّة من حيث هي ).

أقول : هذا جواب عن استدلال الخصم على أنّ الوجود نفس الماهيّة.

وتقرير استدلالهم : أنّه لو كان زائدا على الماهيّة لكان صفة قائمة بها ؛ لاستحالة أن يكون جوهرا قائما بنفسه مستقلاّ عن الماهيّة ، واستحالة قيام الصفة بغير موصوفها ، وإذا كان كذلك فإمّا أن يقوم بالماهيّة حال وجودها أو حال عدمها ، والقسمان باطلان :

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ الوجود الذي هو شرط في قيام هذا الوجود بالماهيّة ، إمّا أن يكون هو هذا الوجود ، فيلزم اشتراط الشيء بنفسه ، أو يكون مغايرا له ، فيلزم كون الماهيّة موجودة قبل وجودها وقيام الوجودات المتعدّدة المتسلسلة بالماهيّة الواحدة ؛

ص: 97

لأنّا ننقل البحث إلى الوجود الذي هو شرط.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّه يلزم قيام الصفة الوجوديّة بالمحلّ المعدوم ، وهو باطل.

وإذا بطل القسمان بطلت الزيادة.

وتقرير الجواب أن نقول : الوجود قائم بالماهيّة من حيث هي ، لا باعتبار كونها موجودة ولا باعتبار كونها معدومة ، فالحصر ممنوع.

وفيه : أنّ الحصر باعتبار الاشتراط بالوجود والعدم ممنوع ، وأمّا باعتبار كون العروض حال الوجود أو العدم فلا.

فالأولى أن يقال بأنّ الحصر ممنوع ، من جهة أنّ الماهيّة موجودة بالوجود ، والوجود موجود بنفسه ، كما في النور والمنوّر وزمان وجودهما واحد ، فالمعروض هو الماهيّة لا بشرط الوجود ، بل في زمان الوجود الموجود بنفسه ، فلا يلزم وجود الماهيّة قبل وجودها ولا التناقض.

نعم ، يلزم تقدّم الماهيّة على الوجود بالذات ؛ ضرورة تقدّم المعروض على العارض ، ولا فساد فيه ، لا تقدّمها بالزمان ، بل الزمان الواحد زمان تقوّم الوجود بالماهيّة ، وتحصل الماهيّة بالوجود المتحصّل بنفسه من غير تعدّد واشتراط حتّى يلزم اشتراط الشيء بنفسه.

قال : ( فزيادته في التصوّر ).

أقول : هذا نتيجة ما تقدّم ، وهو أنّ قيام الوجود بالماهيّة من حيث هي هي إنّما يعقل في الذهن والتصوّر ، لا في الوجود الخارجي ؛ لاستحالة تحقّق ماهيّة ما من الماهيّات في الأعيان منفردة عن الوجود ، فكيف تتحقّق الزيادة في الخارج والقيام بالماهيّة فيه ، بل وجود الماهيّة زائد عليها في نفس الأمر والتصوّر ، لا في الأعيان.

وليس قيام الوجود بالماهيّة كقيام السواد بالمحلّ ؛ لأنّ المحلّ له وجود ، والسواد كذلك مع تأخّره عن المحلّ.

وفيه نظر ؛ لجواز قيام الوجود بالماهيّة في الخارج من جهة كفاية مطلق ثبوت

ص: 98

المثبت له في ثبوت الشيء ولو كان بنفس الثابت. وتأخّر كلّ عرض عن المحلّ ممنوع.

ويؤيّد ما ذكرنا كون كلّ من الوجود وعروضه والاتّصاف به خارجيّا ، كما لا يخفى.

وقد نظمت هذا المطلب بقولي.

إنّ الوجود غير ذي الوجود *** في غير ذات واجب الوجود

لكثرة الذوات والإمكان *** كذا انفكاك الكلّ في الأذهان

والحمل والحاجة للدليل *** والسلب مع بساطة الجليل

قيامه بالذات حيث الذات *** فزيده في الذهن كالمرآة

المسألة الرابعة : في انقسام الوجود إلى الذهنيّ والخارجيّ.

قال : ( وهو ينقسم إلى الذهني والخارجي وإلاّ بطلت الحقيقة ).

أقول : الوجود على قسمين : أصليّ ورابطيّ.

والأصليّ عبارة عن وجود نفس الشيء موضوعا كان أو محمولا ، كوجود زيد أو القيام. وهذا متعلّق السؤال ب- « هل » البسيطة.

والرابطيّ عبارة عن وجود الشيء للشيء الذي يحصل به الارتباط ، كوجود القيام لزيد. وهذا متعلّق السؤال ب- « هل » المركّبة.

والوجود الأصليّ الخارجي الذي تترتّب عليه الآثار لا خلاف فيه.

وأمّا الذهنيّ الذي يسمّى وجودا ظلّيّا وغير أصيل فقد اختلف العلماء فيه.

فجماعة منهم نفوه وحصروا الوجود في الخارجي الذي تصدر به آثار الموجود ، كالإشراق والإحراق للنار ، ويسمّى وجودا أصيلا أيضا.

والمحقّقون منهم أثبتوه وقسّموا الوجود إليه وإلى الخارجي قسمة معنويّة.

واستدلّ المصنّف رحمه اللّه بأنّ القضيّة الحقيقيّة التي يحكم فيها على ما يصدق عليه

ص: 99

الموضوع في نفس الأمر - ولو لم يكن موجودا في الخارج - صادقة قطعا ؛ لأنّا نحكم بالأحكام الايجابيّة على موضوعات معدومة في الأعيان ، وتحقّق الصفة يستدعي تحقّق الموصوف ، وإذ ليس ثابتا في الأعيان ، فهو متحقّق في الذهن ، فتحقّق الحقيقيّة يدلّ على الثبوت الذهني ، كما قرّرناه.

مضافا إلى أنّا نعقل أمورا لا وجود لها في الخارج ، والتعقّل يستلزم التعلّق بين العاقل والمعقول ، والتعلّق بين العاقل والعدم غير معقول ، فلا بدّ من ثبوت للمعقول ، وإذ ليس في الخارج تعيّن كونه في الذهن ، بل يمكن دعوى الضرورة في تحقّق الوجود الذهني للصّور الذهنيّة.

قال : ( والموجود في الذهن إنّما هو الصورة المخالفة في كثير من اللوازم ).

أقول : هذا جواب عن استدلال من نفى الوجود الذهني.

وتقرير استدلالهم : أنّه لو حلّت الماهيّة في الأذهان لزم أن يكون الذهن حارّا باردا أسود أبيض ، فيلزم مع اتّصاف الذهن بهذه الأشياء المنفيّة عنه اجتماع الضدّين.

والجواب : أنّ الحاصل في الذهن ليس هو ماهيّة ما له الحرارة والسواد ونفسه ، بل صورتهما ومثالهما ، والمخالفة للماهيّة في لوازمها وأحكامها ، بمعنى أنّ الأشياء توجد في الذهن بأشباحها بالوجود الظلّي ، لا بأنفسها بالوجود الأصيل العيني ، والصور الذهنيّة كلّيّة كانت كصور المعقولات ، أو جزئيّة كصور المحسوسات ، مخالفة للخارجيّة في اللوازم الخارجيّة المسمّاة ب- « لوازم الوجود » ؛ وإن كانت مشاركة لها في لوازم الماهيّة من حيث هي هي ، فالحرارة الخارجيّة تستلزم السخونة ، وصورتها لا تستلزمها ، والتضادّ إنّما هو بين الماهيّات لا بين صورها وأمثالها.

وبعبارة أخرى : الماهيّة قد تطلق على ما يقال في جواب « ما هو؟ » وقد تطلق على ما به الشيء هو هو بالفعل ، والموجود في الذهن هو الماهيّة بالمعنى الأوّل الذي يعبّر عنه ب- « الأشباح » أيضا ، وأمّا الماهيّة بالمعنى الثاني فلا توجد إلاّ في

ص: 100

الخارج ، وما ذكر من لوازم الماهيّة بالمعنى الثاني لا الأوّل.

ومن قال بأصالة الوجود إن كان مراده أنّ الوجود له مصداق خارجيّ ، كما أنّ له مفهوما ومصداقا ذهنيّا من غير أن ينفي أصالة الماهيّة ، وكونها أيضا موجودة في الخارج وذات مصداق خارجيّ باعتبار المعنى الثاني ، بمعنى أصالة الوجود والماهيّة معا بكونهما موجودين في الخارج بإيجاد واحد ، وكون الماهيّة موجودة بالوجود ، والوجود موجودا بنفسه دفعا للتسلسل من غير الحكم بكون الوجود أصلا من هذه الجهة والماهيّة حدّا له وسببا لتعيّنه ، بل تكون الماهيّة أصلا وجهة التقوّم بنفسه ، والوجود أصلا من جهة التحصّل بنفسه ، ويكون كلّ ممكن زوجا تركيبيّا ، فهو حقّ لا ينافي ما ذكرنا.

وإن كان مراده اعتباريّة الماهيّة بالمعنى الثاني ، فلا اعتبار به ؛ لبداهة حكم العقل بوجود الذات والماهيّة بالمعنى الثاني ، كما لا يخفى.

وإن كان مراده اعتباريّة الماهيّة بالمعنى الأوّل ، وأصالة الوجود بالمعنى المذكور سيّما بمعنى منشأ الأثر ، فهو حقّ.

ولكنّ النزاع لفظيّ ؛ فإنّ القائل بأصالة الماهيّة يقول بأصالة الماهيّة بالمعنى الثاني لا الأوّل ، وعرضيّة الوجود ، لا عدم كونه ذا مصداق حقيقيّ خارجيّ ، والقائل بأصالة الوجود يقول بكونه ذا مصداق حقيقيّ ، لا عدم كونه عرضا في الممكن مع اعتباريّة الماهيّة بالمعنى الأوّل لا الثاني ، فما يثبته أحد الفريقين لا ينفيه الآخر ، وما ينفيه الآخر لا يثبته الأوّلون ، فمتعلّق النفي والإثبات مختلف ، وليس النزاع إلاّ بحسب اللفظ ، وليس هذا ممّا يليق بالعلماء.

والحمل على أصالة الوجود بمعنى كون جميع الوجود وجود الواجب المتنزّل في الممكنات - كما يقوله أهل التصوّف - موجب للكفر والخروج عن الدين.

وقد نظمت هذا المطلب بقولي :

ينقسم الوجود بالوجدان *** للخارجي والكون في الأذهان

ص: 101

إذ الحقيقيّة قطعا صادقه *** والذهن فيه صورة مفارقه

المسألة الخامسة : في أنّ الوجود ليس هو معنى زائدا على الحصول العيني.

قال : ( وليس الوجود معنى به تحصل الماهيّة في العين ، بل الحصول ).

أقول : قد ذهب قوم غير محقّقين إلى أنّ الوجود معنى قائم بالماهيّة يقتضي حصول الماهيّة في الأعيان (1).

والظاهر أنّ المراد كون قيامه كقيام سائر الأعراض بالجواهر ، لا من باب « ضيق فم الركيّة ».

وهذا مذهب سخيف يشهد العقل ببطلانه ؛ لأنّ قيام ذلك المعنى بالماهيّة في الأعيان يستدعي تحقّق الماهيّة في الخارج ؛ لأنّ ثبوت الشيء للشيء فرع لثبوت المثبت له ، فلو كان حصولها في الخارج مستندا إلى ذلك المعنى لزم الدور المحال ، بل الوجود الأصلي هو نفس تحقّق الماهيّة وكونها في الأعيان ، لا ما به تكون الماهيّة في الأعيان.

المسألة السادسة : في أنّ الوجود لا تزايد فيه ولا اشتداد.

قال : ( ولا تزايد فيه ولا اشتداد ).

أقول : ذهب قوم إلى أنّ الوجود قابل للزيادة والنقصان (2).

وردّ : بأنّ التزايد عبارة عن حركة جوهريّة على نحو الحركة العرضيّة كالأينيّة ، والحركة تقتضي بقاء المتحرّك من مبدئها إلى منتهاها وتبدّل أحواله ، فلو كان الوجود قابلا للزيادة لزم كونه باقيا قبل حصولها وبعدها ، فتلك الزيادة إن كانت

ص: 102


1- هو ما ذهب إليه جماعة من أتباع المشّائين ، كما ذكر ذلك اللاهيجي في « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة الخامسة.
2- انظر : « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 50 ؛ « الأسفار الأربعة » 1 : 423 وما بعدها.

وجودا لزم اجتماع المثلين ، وإلاّ لزم اجتماع النقيضين.

وأمّا نفي الاشتداد فهو مذهب أكثر المحقّقين.

قال بعضهم : لأنّه إن لم يحدث بعد الاشتداد شيء آخر لم يكن الاشتداد اشتدادا بل هو باق كما كان. وإن حدث فالحادث إن كان غير الحاصل فليس اشتدادا للوجود الواحد ، بل يرجع إلى أنّه حدث شيء آخر معه ، وإلاّ فلا اشتداد. وكذا البحث في جانب النقصان (1).

وقد نظمت هذا المطلب أيضا بقولي :

لا يقبل الوجود الاشتدادا *** ولا تزايدا كما أفادا

المسألة السابعة : في أنّ الوجود خير ، والعدم شرّ.

قال : ( وهو خير محض ).

أقول : هذه قضيّة وجدانيّة لا برهانيّة ولا استقرائيّة.

والمراد أنّا إذا تأمّلنا في كلّ ما يقال له : « خير » وجدناه وجودا ، وإذا تأمّلنا في كلّ ما يقال له : « شرّ » وجدناه عدما ، ألا ترى إلى القتل فإنّ العقلاء يحكمون بكونه شرّا ، وإذا تأمّلنا وجدنا شرّيّته باعتبار ما يتضمّنه من العدم ؛ فإنّه ليس شرّا من حيث قدرة القادر عليه ؛ فإنّ القدرة كمال الإنسان ، ولا من حيث إنّ الآلة قاطعة (2) ؛ فإنّه أيضا كمال لها ، ولا من حيث حركة أعضاء القاتل ، ولا من حيث قبول العضو للتقطيع ، بل من حيث هو إزالة كمال الحياة ، فليس الشرّ إلاّ هذا العدم ، وباقي القيود الوجوديّة خيرات ، فنحكم بأنّ الوجود خير محض ، والعدم شرّ محض ، ولهذا كان واجب الوجود أبلغ في الخيريّة والكمال من كلّ موجود ؛ لبراءته عن القوّة والاستعداد. وتفاوت غيره من الموجودات فيه باعتبار القرب من العدم والبعد عنه.

ص: 103


1- انظر « كشف المراد » : 29 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 51 ؛ « الأسفار الأربعة » 1 : 423 وما بعدها.
2- في جميع النسخ : « قطّاعة » وما أثبتناه موافق لما في « كشف المراد » و « شوارق الإلهام ».

وقد نظمت هذا المطلب أيضا بقولي :

وذاك خير في الحدوث والقدم *** فلا يكون الشرّ إلاّ في العدم

المسألة الثامنة : في أنّ الوجود لا ضدّ له.

قال : ( ولا ضدّ له ).

أقول : الضدّ ذات وجوديّة تقابل ذاتا أخرى في الوجود ، بمعنى أنّه موجود معاقب لموجود آخر في الموضوع وإن كان عرضا ، كالسواد والبياض ، ولمّا استحال أن يكون الوجود ذاتا وأن يكون له وجود آخر استحال أن يكون ضدّا لغيره ، ولأنّه عارض لجميع المعقولات ؛ لأنّ كلّ معقول إمّا خارجيّ فيعرض له الوجود الخارجيّ ، أو ذهنيّ فيعرض له الذهنيّ ، ولا شيء من أحد الضدّين بعارض لصاحبه.

ومقابلته للعدم ليست تقابل الضدّين على ما يأتي تحقيقه في نفي المعدوم ، بل تقابل السلب والإيجاب إن أخذا مطلقين ، وإلاّ تقابل العدم والملكة.

المسألة التاسعة : في أنّه لا مثل للوجود.

قال : ( ولا مثل له ).

أقول : المثلان ذاتان وجوديّتان يسدّ كلّ منهما مسدّ صاحبه ، ويكون المعقول منهما شيئا واحدا بحيث إذا سبق أحدهما إلى الذهن ثمّ لحقه الآخر ، لم يكتسب العقل من الحاصل ثانيا غير ما اكتسبه أوّلا ، والوجود ليس بذات ، فلا يماثل شيئا آخر.

وأيضا فليس هاهنا معقول يساويه في التعقّل على ما ذكرناه ، إذ كلّ معقول مغاير لمعقول الوجود.

لايقال : إنّ كلّيّته وجزئيّته متساويتان في التعقّل ، فكان له مثل.

لأنّا نقول : إنّهما ليستا متساويتين في المعقوليّة وإن كان أحد جزأي الجزئي هو الكلّيّ ، لكنّ الاتّحاد ليس تماثلا.

ص: 104

وأيضا فإنّه عارض لكلّ المعقولات على ما قرّرناه أوّلا ، ولا شيء من المثلين بعارض لصاحبه.

وقد نظمت هذين المطلبين (1) بقولي :

ليس له ضدّ كما لا مثل له *** إذ الوجود واحد في الأمثله

المسألة العاشرة : في أنّه مخالف لغيره من المعقولات ، وعدم منافاته لها.

قال : ( فتحقّقت مخالفته للمعقولات ).

أقول : لمّا حصروا النسبة بين الاثنين الوجوديّين في التضادّ والتماثل ولو على وجه التضايف والتخالف ، وثبت ممّا سبق أنّه انتفت نسبة التضادّ والتماثل بينه وبين غيره من المعقولات ، تعيّن المخالفة بينهما ؛ ولهذا جعله نتيجة لما سبق.

قال : ( ولا ينافيها ).

أقول : المتنافيان لا يمكن اجتماعهما ، وقد بيّنّا أنّ كلّ معقول على الإطلاق فإنّه يمكن عروض مطلق الوجود له واجتماعه معه وصدقه عليه ، فكيف ينافيه!؟

لايقال : العدم أمر معقول وقد قضى العقل بمنافاته له ، فكيف يصحّ قوله على الإطلاق : إنّه لا ينافيها!؟

لأنّا نقول : نمنع أوّلا كون العدم المطلق معقولا ، والعدم الخاصّ له حظّ من الوجود ، فلا ينافي الوجود ، ولهذا افتقر إلى موضوع خاصّ ، كافتقار الملكة إليه.

سلّمنا ، لكن نمنع استحالة عروض الوجود المطلق للعدم المعقول ؛ فإنّ العدم المعقول ثابت في الذهن ، فيكون داخلا تحت مطلق الثابت ، فيصدق عليه مطلق الثابت.

ومنافاته للموجود المطلق لا باعتبار صدق مطلق الثبوت عليه ، بل من حيث أخذه مقابلا له.

ص: 105


1- في « أ ، ج » : « هذا المطلب ».

ولا امتناع في عروض أحد المتقابلين للآخر اذا أخذا لا باعتبار التقابل ، كالكلّيّة والجزئيّة ؛ فإنّهما قد يصدق أحدهما على الآخر باعتبار مغاير لا باعتبار مقابلتهما.

وهذا فيه دقّة.

وقد نظمت هذه المطلب أيضا بقولي :

وهو مخالف لغيره بلا *** تقابل كما أفاد العقلاء

المسألة الحادية عشرة : في تلازم الشيئيّة والوجود.

قال : ( ويساوق الشيئيّة ، فلا تتحقّق بدونه ، فالمنازع مكابر مقتضى عقله ).

أقول : اختلف الناس في هذا المقام.

والمحقّقون كافّة - من الحكماء والمتكلّمين (1) - اتّفقوا على مساوقة الوجوديّة والشيئيّة وتلازمهما وتساويهما في الصدق وإن لم تتّحدا في المفهوم ، حتّى أنّ كلّ شيء على الإطلاق فهو موجود على الإطلاق ، وكلّ ما ليس بموجود فهو معدوم وليس بشيء.

وبالجملة ، لم يثبتوا للمعدوم ذاتا متحقّقة ، فالمعدوم الخارجي لا ذات له في الخارج ، والذهنيّ لا ذات له ذهنا.

وقال المعتزلة : إنّ للمعدوم الخارجي ذاتا ثابتة في الأعيان متحقّقة في نفسها ليست ذهنيّة ، بمعنى أنّ له ثبوتا في حدّ ذاته بحيث لا يترتّب عليه الأثر ؛ من جهة أنّا نحكم حكما إيجابيّا على المعدوم ، والحكم بثبوت أمر لأمر باعتبار نفس الأمر من غير خصوصيّة المدرك فرع ثبوت المثبت له ، فالثبوت أعمّ من الوجود الذي هو عبارة عن الثبوت الذي يترتّب عليه الأثر (2).

ويرد عليه : القول بثبوت اجتماع النقيضين ، والقول بثبوت شريك البارئ ؛ لأنّا

ص: 106


1- انظر : « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة التاسعة.
2- « المباحث المشرقيّة » 1 : 134 ؛ « المحصّل » : 149 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 53 ؛ « كشف المراد » : 32.

نحكم بأنّ الأوّل محال ، والثاني ممتنع ، وهو حكم صادق خبريّ يقتضي أن يكون لنسبته خارج يطابقه مع أنّ الوجود الذهنيّ كاف في الحكم.

مضافا إلى أنّ هؤلاء يكابرون في الضرورة ؛ فإنّ العقل قاض بأنّه لا واسطة بين المعدوم والموجود ؛ فإنّ الثبوت هو الوجود.

قال : ( وكيف تتحقّق ) الشيئيّة ( بدونه مع إثبات القدرة وانتفاء الاتّصاف!؟ ).

أقول : لمّا استبعد مقالة هؤلاء القوم ونسبهم إلى المكابرة شرع في الاستدلال على بطلان قولهم ، وأنّ هؤلاء يذهبون إلى أنّ القدرة لا تأثير لها في الذوات أنفسها ؛ لأنّها ثابتة في العدم ، مستغنية عن المؤثّر في جعلها ذوات ، بل غير مقدورة ؛ لامتناع تحصيل الحاصل ، ولا في الوجود ؛ لأنّه عندهم حال والحال غير مقدورة ، وقد ثبت في نفس الأمر أنّ اتّصاف الماهيّة بالصفة غير ثابت في الأعيان ، بل هو أمر اعتباريّ ، وإلاّ لزم التسلسل ؛ لأنّ ذلك الاتّصاف لو كان ثابتا ، لكان متّصفا بالثبوت ، واتّصافه بالثبوت أيضا يكون ثابتا وهكذا ، فيلزم التسلسل.

والحاصل أنّ الماهيّات لو كانت ثابتة في العدم لاستغنت الممكنات في وجودها عن المؤثّر ، فانتفت القدرة أصلا ورأسا ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّ القدرة حينئذ لا تأثير لها في الذوات ولا في الوجود على مذهبهم ، ولا في اتّصاف الماهيّة بالوجود على ما ثبت في نفس الأمر ، وذلك يستلزم نفي التأثير أصلا.

وأمّا بطلان التالي فبالاتّفاق ، والبرهان دلّ عليه ، على ما يأتي.

فلهذا استبعد المصنّف رحمه اللّه هذه المقالة مع إثبات القدرة والمؤثّريّة ، والقول بكون الاتّصاف أمرا ذهنيّا وأنّه منتف في الخارج.

قال : ( وانحصار الموجود مع عدم تعقّل الزائد ).

أقول : هذا برهان آخر دالّ على انتفاء الماهيّات في العدم.

وتقريره : أنّ مذهبهم أنّ كلّ ماهيّة نوعيّة فإنّه ثبت من أشخاصها في العدم

ص: 107

ما لا يتناهى ، كالسواد والبياض والجواهر وغيرها من الحقائق ، فألزمهم المصنّف المحال ، وهو القول بعدم انحصار الموجودات ؛ لأنّ تلك الماهيّات ثابتة ، وهي غير محصورة في عدد متناه ، والثبوت هو الوجود ؛ لانتفاء تعقّل أمر زائد على الكون في الأعيان ، فلزمهم القول بوجود ما لا يتناهى من الماهيّات ، وهو عندهم باطل ، فإن جعلوا الوجود أمرا مغايرا للكون في الأعيان ، كان نزاعا في العبارة وقولا بإثبات ما لا يعقل ، مع أنّ البراهين الدالّة على استحالة ما لا يتناهى كما تدلّ على استحالته في الوجود تدلّ على استحالته في الثبوت ؛ إذ دلالتها إنّما هي على انحصار الكائن في الأعيان.

وقول المصنّف رحمه اللّه : « وانحصار الموجود » عطف على « إثبات القدرة » أي وكيف تتحقّق الشيئيّة بدون الوجود مع إثبات القدرة وانتفاء الاتّصاف وانحصار الموجود مع عدم تعقّل الزائد هكذا ، ينبغي أن يفهم كلامه هنا.

قال : ( ولو اقتضى التميّز الثبوت عينا ، لزم منه محالات ).

أقول : لمّا أبطل مذهب القائلين بثبوت المعدوم شرع في إبطال حججهم.

ولهم حجّتان رديئتان ذكرهما المصنّف وأبطلهما :

أمّا الحجّة الأولى فتقريرها : أنّ كل معدوم متميّز ، وكلّ متميّز ثابت.

أمّا المقدّمة الأولى : فدلّ عليها أمور ثلاثة :

أحدها : أنّ المعدوم معلوم ، والمعلوم متميّز.

الثاني : أنّ المعدوم مراد ؛ فإنّا نريد اللذّات ونكره الآلام ، فلا بدّ أن يتميّز المراد من المكروه.

الثالث : أنّ المعدوم مقدور ، وكلّ مقدور متميّز ؛ فإنّا نميّز (1) بين الحركة يمنة ويسرة وبين الحركة إلى السماء ، ونحكم بقدرتنا على إحدى الحركتين دون الأخرى ،

ص: 108


1- في الأصل و « أ » : « تتميّز ».

فلولا نميّز كلّ واحدة منهما عن الأخرى لاستحال هذا الحكم.

وأما المقدّمة الثانية : فلأنّ التميّز صفة ثابتة للمتميّز ، وثبوت الصفة يستدعي الثبوت عينا.

فأجاب المصنّف بأنّ التميّز لا يقتضي الثبوت عينا ، وإلاّ لزم محالات :

أحدها : أنّ المعلوم قد يكون مستحيل الوجود لذاته ، كشريك البارئ ، واجتماع الضدّين وغيرهما ، ويتميّز أحدهما عن الآخر ، فلو اقتضى التميّز الثبوت العيني ، لزم ثبوت المستحيلات مع أنّهم وافقونا على انتفاء المستحيل.

الثاني : أنّ المعلوم قد يكون مركّبا خياليّا ، وليس ثابتا في العدم اتّفاقا.

الثالث : أنّ المقدوريّة لو استدعت الثبوت لانتفت ؛ إذ لا قدرة على الثابت ، وكذا المراديّة.

هذا على طريق النقض ، وأمّا الحلّ فبأن يقال : إن أريد التميّز الخارجي فالصغرى ممنوعة.

وإن أريد التميّز الذهني أو الأعمّ مع إرادة الثبوت الخارجي ، فالكبرى ممنوعة.

وإن أريد الذهنيّان ، فالنتيجة غير مثمرة.

قال : ( والإمكان اعتباريّ يعرض لما وافقونا على انتفائه ).

أقول : هذه إشارة إلى الحجّة الثانية لهم على ثبوت المعدوم ، وهي أنّهم قالوا : إنّ المعدوم ممكن ، وإمكانه ليس أمرا عدميّا ، وإلاّ لم يبق فرق بينه وبين الإمكان المنفيّ ، فيكون أمرا ثبوتيّا ، وليس جوهرا قائما بذاته ، فلا بدّ له من محلّ ثبوتيّ ، وهو الممكن ؛ لاستحالة قيام الصفة بغير موصوفها ، فيكون الممكن العدميّ ثابتا ، وهو المطلوب (1).

وأجاب المصنّف رحمه اللّه عنها : بأنّ الإمكان أمر اعتباريّ ليس شيئا خارجيّا ، وإلاّ لزم

ص: 109


1- انظر : « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة العشرون ، في اعتباريّة الموادّ الثلاث.

التسلسل ، وأن يكون الثبوتيّ حالاّ في محلّ عدميّ ، وهو باطل قطعا.

وأيضا فإنّ الإمكان يعرض للممكنات العدميّة ، كالمركّبات الخياليّة ، وهم وافقونا على انتفائها خارجا ، فيبطل قولهم : « كلّ ممكن ثابت ».

وقد نظمت هذا المطلب أيضا بقولي :

تساوق الوجود والشيئيّة *** بمقتضى القدرة والعلّيّة

كذا انحصار ما هو الموجود *** ودرك أمر زائد مفقود

لو اقتضى التمييز والإمكان في *** ماهيّة كونا لكان ما نفي

المسألة الثانية عشرة : في نفي الحال.

قال : ( وهو يرادف الثبوت ، والعدم النفي ، فلا واسطة ).

أقول : ذهب أبو هاشم وأتباعه من المعتزلة ، والقاضي والجويني من الأشاعرة - على ما حكي (1) - إلى ثبوت الواسطة بين الموجود والمعدوم في الصفات ، كالقول بثبوتها في الذوات في المسألة المتقدّمة ، وسمّوها الحال ، وحدّوها : بأنّها صفة لموجود لا توصف بالوجود والعدم وهي ثابتة ، فيكون الثابت أعمّ من الموجود ، والمعدوم أعمّ من المنفيّ.

وهذا المذهب باطل بالضرورة ؛ فإنّ العقل قاض بأنّه لا واسطة بين الموجود والمعدوم ، وأنّ الثبوت هو الموجود مرادفا له ، وأنّ العدم والنفي مترادفان ، ولا شيء أظهر عند العقل من هذه القضيّة ، فلا يجوز الاستدلال عليها.

قال : ( والوجود لا ترد عليه القسمة ، والكلّيّ ثابت ذهنا ، ويجوز قيام العرض بالعرض ).

أقول : لمّا أبطل مذهبهم أشار إلى بطلان ما احتجّوا به من الوجوه الثلاثة :

ص: 110


1- انظر : « محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين » : 163 ؛ « نهاية المرام » 1 : 80 ؛ « شوارق الإلهام » المسألة العاشرة من الفصل الأوّل.

[ الوجه ] الأوّل : أنّ الوجود زائد عن (1) الماهيّة ، فإمّا أن يكون موجودا أو معدوما أو لا موجودا ولا معدوما ، والأوّلان باطلان.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّه يلزم التسلسل.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّه يلزم اتّصاف الشيء بنقيضه ، فيبقى الثالث.

والجواب : أنّ الوجود غير قابل لهذه القسمة ؛ لاستحالة انقسام الشيء إلى نفسه وإلى غيره ، أو إلى الموصوف به وبما ينافيه ، فكما لا يقال : السواد إمّا أن يكون سوادا أو بياضا ، كذلك لا يقال : الوجود إمّا أن يكون موجودا أو لا يكون. ولأنّ المنقسم إلى الشيئين أعمّ منهما ، ويستحيل أن يكون الشيء أعمّ من نفسه.

مضافا إلى ما يقال من أنّ الوجود معدوم ؛ لجواز اتّصاف الشيء بنقيضه اشتقاقا وإن لم يخبر ب- « هو هو » كأن يقال : الوجود عدم في القضايا المتعارفة.

[ الوجه ] الثاني : أنّ الكلّي الذي هو ذاتيّ لجزئيّاته المحقّقة في الخارج مثل الحيوان - مثلا - ليس بموجود ؛ إذ لا وجود في الخارج إلاّ للأشخاص (2) ، ولا معدوما ، وإلاّ لما كان جزءا لجزئيّاته الموجودة ، كزيد ؛ لامتناع تقوّم الموجود بالمعدوم.

والجواب : أنّ الكلّيّ جزء ذهنيّ لجزئيّاته ، وذلك يقتضي وجوده في الذهن ، وهو موجود فيه ، وليس جزءا خارجيّا حتّى يلزم تحقّقه في الخارج.

والحقّ أنّ الكلّيّ الطبيعيّ موجود في الخارج بوجود أشخاصه ، كما سيأتي إن شاء اللّه.

[ الوجه ] الثالث : أنّ اللونيّة أمر ثابت مشترك بين السواد والبياض ، فيكون كلّ واحد من السواد والبياض ممتازا عن الآخر بأمر زائد على ما به الاشتراك.

ثمّ الجزءان إن كانا موجودين ، لزم قيام العرض بالعرض. وإن كانا معدومين ، لزم أن يكون السواد أمرا عدميّا وكذلك البياض ، وهو باطل بالضرورة ، مع امتناع تقوّم

ص: 111


1- كذا في جميع النسخ ، وفي « كشف المراد » : 35 : « على ».
2- في « ج » : « الأشخاص ».

الموجود بالمعدوم ، فثبت الواسطة.

والجواب : أنّ العرض قد يقوم بالعرض على ما يأتي.

وأيضا فإنّ قيام الجنس بالفصل ليس هو قيام عرض بعرض.

قال : ( ونوقضوا بالحال (1) نفسها ).

أقول : اعلم أنّ نفاة الأحوال قالوا : وجدنا ملخّص (2) أدلّة مثبتي الحال يرجع إلى أنّ هاهنا حقائق تشترك في بعض ذاتيّاتها وتختلف في البعض الآخر ، وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز.

ثمّ قالوا : إنّ ذلك ليس بموجود ولا معدوم ، فوجب القول بالحال.

وهذا منتقض عليهم بالحال نفسها ، فإنّ الأحوال عندهم متعدّدة ومتكثّرة ، فلها جهة اشتراك هي مطلق الحاليّة ، وامتياز هي خصوصيّات تلك الأحوال ، وجهة الاشتراك مغايرة لجهة الامتياز ، فيلزم أن يكون للحال حال أخرى ويتسلسل.

قال : ( والعذر بعدم قبول التماثل والاختلاف ، والتزام التسلسل باطل ).

أقول : اعتذر المثبتون عن التزام النفاة بوجهين :

الأوّل : أنّ الحال لا يوصف بالتماثل والاختلاف.

الثاني : القول بالتزام التسلسل.

والعذران باطلان.

أمّا الأوّل : فلأنّ كلّ معقول إذا نسب إلى معقول آخر. فإمّا أن يتّحدا في المعقوليّة ، ويكون المتصوّر من أحدهما هو المتصوّر من الآخر ، وإنّما يتعدّدان بعوارض لاحقة ، وهما المثلان ، أو لا يكون كذلك ، وهما المختلفان ، فلا يتصوّر نفيهما.

وأمّا الثاني : فإنّه يبطل الاستدلال بوجود الصانع تعالى. وبراهين إبطال التسلسل - سيّما برهان التطبيق - آتية هاهنا.

ص: 112


1- الحال - كما عليه المتكلّمون - : وسط بين الموجود والمعدوم ، وهو صفة غير موجودة بذاتها وغير معدومة.
2- في جميع النسخ : « مخلص » وهو غلط ، وما أثبتناه موافق ل- « كشف المراد » : 36.

وأجاب بعض المتأخّرين : بأنّ المختلفين إذا اشتركا في أمر ثبوتيّ ، لزم ثبوت أمرين بهما يقع الاختلاف والتماثل ، أمّا إذا اتّحدا في أمر سلبيّ فلا يلزم ذلك.

والأحوال وإن اشتركت في الحاليّة - كالسواديّة والبياضيّة - إلاّ أنّ ذلك المشترك أمر سلبيّ ، فلا يلزم التسلسل (1).

وهو غير مرضيّ عندهم ؛ لأنّ الأحوال عندهم ثابتة.

قال : ( فبطل ما فرّعوا عليهما من تحقّق الذوات غير المتناهية بأشخاصها في العدم ، وانتفاء تأثير المؤثّر فيها وتباينها ، واختلافهم في إثبات صفة الجنس وما يتبعها في الوجود ، ومغايرة التحيّز للجوهرية ، وإثبات صفة المعدوم بكونه معدوما وإمكان وصفه بالجسميّة ، ووقوع الشكّ في إثبات الصانع بعد اتّصافه بالقدرة والعلم والحياة ).

أقول : لمّا أبطل مذهب القائلين بثبوت المعدوم والحال ، أبطل ما فرّعوا عليهما.

وقد ذكر من فروع إثبات الذوات في العدم أحكاما اختلفوا في بعضها (2) :

[ الفرع ] الأوّل : أنّهم اتّفقوا على أنّ تلك الذوات غير متناهية في العدم ، فلكلّ نوع عدد غير متناه ، وأنّ تلك الأعداد متباينة بأشخاصها.

[ الفرع ] الثاني : أنّ الفاعل لا تأثير له في جعل الجوهر جوهرا والعرض عرضا ، وإنّما تأثير الفاعل في جعل تلك الذوات موجودة ؛ لأنّ تلك الذوات ثابتة في العدم لم تزل ، والمؤثّر إنّما يؤثّر على طريقة الإحداث.

وقد صار إلى هذا الحكم جماعة من الحكماء ، قالوا : لأنّ كلّ ما بالفاعل ينتفي بانتفاء الفاعل ، فلو كان الجوهر جوهرا بالفاعل لانتفى بانتفائه ، لكن انتفاء الجوهر عن ذاته يستلزم التناقض.

[ الفرع ] الثالث : أنّهم اتّفقوا على انتفاء تباين الذوات ، بل جعلوا الذوات كلّها

ص: 113


1- « محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين » : 167 - 168.
2- انظر : حول هذا المبحث « شرح المقاصد » 1 : 374 وما بعدها.

متساوية في كونها ذوات ، وإنّما تختلف بصفات عارضة لها.

وهذا المذهب باطل ؛ لأنّ الصفات إن كانت لازمة كان اختلافها دليلا على اختلاف الملزومات ، وإلاّ جاز أن ينقلب السواد جوهرا وبالعكس ، وذلك باطل بالضرورة.

[ الفرع ] الرابع : أنّهم اختلفوا في صفات الأجناس هل هي ثابتة في العدم أم لا؟

- والمراد بصفات الأجناس ما يقع بها الاختلاف والتماثل ، كصفة الجوهريّة في الجوهر والسواديّة في السواد ، إلى غير ذلك من الصفات - فذهب ابن عيّاش (1) إلى أنّ تلك الماهيّات المعدومة عارية عن الصفات في العدم ، بل هي تحصل في حال الوجود (2).

وأمّا الجمهور فإنّهم قالوا : إنّها في حال العدم متّصفة بصفات الأجناس (3) ، وهي أربعة :

إحداها : الصفة الحاصلة حالتي الوجود والعدم ، وهي الجوهريّة.

والثانية : الوجود ، وهي الصفة الحاصلة بالفاعل.

والثالثة : التحيّز وهي الصفة التابعة للحدوث ، الصادرة عن صفة الجوهريّة بشرط الوجود.

[ و ] الرابعة : الحصول في التحيّز ، وهي الصفة المعلّلة بالمعنى ، وليس له صفة زائدة على هذه الأربع ، فليس له بكونه أسود أو أبيض صفات.

وأمّا الأعراض فلا صفات لها عائدة إلى الجملة ، بل لها ثلاث صفات راجعة إلى الأفراد :

إحداها : الصفة الحاصلة حالتي الوجود والعدم ، وهي صفة الجنس.

ص: 114


1- هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن عيّاش من كبار أئمّة المعتزلة ، له مؤلّفات كثيرة في علم المنطق والكلام ، منها : نقض كتاب ابن أبي بشر في إيضاح البرهان. انظر : « الفهرست » لابن النديم : 221.
2- « شرح المقاصد » 1 : 376.
3- « شرح المقاصد » 1 : 376.

الثانية : الصفة الصادرة عنها بشرط الوجود.

الثالثة : صفة الوجود.

[ الفرع ] الخامس : أنّهم اختلفوا في مغايرة التحيّز للجوهريّة :

فعن أبي عليّ الجبّائي وابنه أبي هاشم (1) وأبي الحسين الخيّاط (2) وأبي القاسم البلخي (3) والقاضي عبد الجبّار أنّ التحيّز مغاير للجوهريّة ، وهي علّة له بشرط الوجود.

وذهب أبو يعقوب الشحّام وأبو عبد اللّه البصري وأبو إسحاق بن عيّاش - على ما حكي - إلى أنّ الجوهريّة هي التحيّز.

ثمّ قال الشحّام والبصري : إنّ الذات موصوفة بالتحيّز كما توصف بالجوهريّة. ثمّ اختلفا :

فقال الشحّام : إنّ الجوهر حال عدمه حاصل في الحيّز.

وقال البصري : شرط الحصول في الحيّز الوجود ، فهو حال العدم موصوف بالتحيّز (4) ، لا الحصول في الحيّز.

وزعم ابن عيّاش أنّه حال العدم غير موصوف بأحدهما ولا بغيره من الصفات (5).

ص: 115


1- هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام ، من معتزلة البصرة ومن أئمّة الكلام ، أخذ عن أبي يعقوب الشحّام ، قصد بغداد وناظر المتكلّمين ثمّ عاد إلى العسكر وأوصى إلى ابنه أبي هاشم أن يدفنه في العسكر ، توفّي سنة 303. انظر : « الفهرست » لابن النديم : 217.
2- هو عبد الرحيم بن محمّد بن عثمان الخيّاط أستاذ أبي القاسم البلخي ، وله كتب كثيرة في الردّ على ابن الراوندي ، وكان فقيها صاحب حديث عارفا بمذاهب المتكلّمين ، من كتبه الانتصار في الردّ على ابن الراوندي. كذا في « طبقات المعتزلة » : 85.
3- هو أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود البلخي ويعرف بالكعبي ، عالم متكلّم ، توفّي أوّل يوم من شعبان سنة تسع وثلاثمائة ، له مصنّفات كثيرة ، منها كتاب المقالات وكتاب الغرر والنوادر وكتاب التفسير الكبير للقرآن. انظر : « الفهرست » لابن النديم : 219.
4- أي كونه قابلا للحصول في الحيّز.
5- « المحصّل » : 161 - 162 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 376 - 377.

[ الفرع ] السادس : اتّفق المثبتون - إلاّ أبا عبد اللّه البصري - على أنّ المعدوم لا صفة له بكونه معدوما. والبصريّ أثبت له صفة بذلك (1).

[ الفرع ] السابع : اتّفقوا - إلاّ أبا الحسين الخيّاط - على أنّ الذوات المعدومة لا توصف بكونها أجساما. وجوّزه الخيّاط (2).

[ الفرع ] الثامن : اختلفوا في أنّ من علم للعالم صانعا قادرا حكيما مرسلا للرسل ، هل يشكّ في كونه موجودا ويحتاج في ذلك إلى دليل ؛ بناء منهم على جواز اتّصاف المعدوم بالصفات المتغايرة ، أم لا (3)؟

والعقلاء كافّة منعوا من ذلك ، وأوجبوا وجود الموصوف بالصفة الموجودة ؛ لأنّ ثبوت الشيء لغيره فرع على ثبوت ذلك الغير في نفسه.

قال : ( وقسمة الحال إلى المعلّل وغيره ، وتعليل الاختلاف بها ، وغير ذلك ممّا لا فائدة بذكره ).

أقول : لمّا ذكر تفريع القول بثبوت المعدوم شرع في تفاريع القول بثبوت الحال ، وذكر منها فرعين :

الأوّل : قسمة الحال إلى المعلّل وغيره.

قالوا : ثبوت الحال للشيء إمّا أن يكون معلّلا بموجود قائم بذلك الشيء ، كالعالميّة المعلّلة بالعلم ، أولا يكون كذلك ، كسواديّة السواد ، وقسّموا الحال إلى المعلّل وغيره.

الثاني : اتّفقوا على أنّ الذوات كلّها متساوية في الماهيّة ، وإنّما تختلف بأحوال تضاف إليها ، فالاختلاف معلول لها.

واتّفق أكثر العقلاء على بطلان هذا القول ؛ للزوم انتفاء المتخالفين في اللوازم

ص: 116


1- « المحصّل » : 162 ؛ « شرح المقاصد » : 377.
2- « المحصّل » : 162 ؛ « شرح المقاصد » : 377 - 378.
3- انظر : « المحصّل » : 162 - 163.

الذاتيّة ، فيجوز على القديم الانقلاب إلى الحدوث وبالعكس. ولأنّ التخصيص لا بدّ له من مرجّح ، وليس ذاتا ؛ لتساوي الذوات على هذا القول ، ولا صفة ذات وإلاّ تسلسلت الصفات ؛ لاحتياج ثبوت تلك الصفة لذات دون ذات إلى مرجّح آخر وهي الصفة الأخرى ، وهكذا.

وترك (1) سائر الفروع ؛ لعدم الفائدة في ذكرها.

والإنصاف أنّه لا فائدة في الاشتغال بأمثال ذلك بعد ظهور بطلان أصلها.

المسألة الثالثة عشرة : في الوجود المطلق والخاصّ.

قال : ( ثمّ الوجود قد يؤخذ على الإطلاق فيقابله عدم مثله ، وقد يجتمعان لا باعتبار التقابل ويعقلان معا ، وقد يؤخذ مقيّدا فيقابله عدم مثله ).

أقول : اعلم أنّ الوجود عبارة عن الكون في الأعيان ، ثمّ هذا الكون في الأعيان قد يؤخذ عارضا لماهيّة ما ، فيتخصّص الوجود حينئذ ، وقد يؤخذ مجرّدا عمّا عداه من غير التفات إلى ماهيّة معيّنة أو مبهمة ، فيكون وجودا مطلقا.

إذا عرفت هذا ، فالوجود العامّ يقابله عدم مطلق غير متخصّص بماهيّة خاصّة تقابل الإيجاب والسلب من جهة عدم اعتبار المحلّ القابل للوجودي فيه.

نعم ، التقابل بين الوجود المقيّد والعدم المقيّد تقابل العدم والملكة ؛ لأنّ جميع الماهيّات قابلة للوجود الأعمّ.

وهذا الوجود المطلق والعدم المطلق قد يجتمعان على الصدق ؛ فإنّ المعدوم في الخارج الموجود في الذهن يصدق عليه أنّه معدوم مطلق وأنّه موجود مطلق.

نعم ، إذا نظر إلى وحدة الاعتبار ، امتنع الاجتماع في الصدق على شيء واحد ، وإنّما يجتمعان إذا أخذا لا باعتبار التقابل ، ولهذا كان المعدوم المطلق متصوّرا ؛ للحكم عليه بالمقابلة للموجود المطلق ، وكلّ متصوّر ثابت في الذهن ، والثابت في

ص: 117


1- عطف على قوله : « وذكر » في ص 52.

الذهن أحد أقسام المطلق الثابت ، فيكون الثابت المطلق صادقا على المعدوم المطلق لا باعتبار التقابل.

وهذا الوجود المطلق والعدم المطلق أمران معقولان معا ، بمعنى أنّ العقل يفرض اتّصاف ذات واحدة بهما ، كما يتحقّق الاتّصاف بهما في الخارج باعتبار الوجود الخارجي والذهني ، لا باعتبار التقابل الموجب لامتناع اجتماع المتقابلين وإن كان قد نازع قوم في أنّ المعدوم المطلق يتصوّر (1).

وأمّا الوجود الخاصّ - وهو وجود الملكات المتخصّص باعتبار تخصيصها كالمقيّد بقيد الإنسان وغيره من الماهيّات - فإنّه يقابله عدم خاصّ مثله.

قال : ( ويفتقر إلى الموضوع كافتقار ملكته ).

أقول : عدم الملكة ليس عدما مطلقا ، بل له حظّ ما من الوجود من جهة اعتبار المحلّ القابل للوجودي فيه ، ويفتقر إلى الموضوع بذلك ، كالعمى ، فإنّه عدم البصر ، لا مطلقا ، بل عن شيء من شأنه أن يكون بصيرا ، فهو يفتقر إلى الموضوع الخاصّ المستعدّ للملكة ، كما تفتقر الملكة إليه ، ولهذا لمّا امتنع البصر على الحائط - لعدم استعداده - امتنع صدق العمى عليه.

قال : ( وقد يؤخذ (2) شخصيّا ونوعيّا وجنسيّا ).

أقول : لمّا فسّر عدم الملكة بأنّه عدم شيء عن موضوع من شأنه أن يكون ذلك الشيء له ، وجب عليه أن يبيّن الموضوع ؛ فقد اختلف الناس في ذلك.

فذهب قوم إلى أنّ ذلك الموضوع موضوع شخصيّ ، فعدم اللحية عن الأمرد عدم ملكة ، وعدمها عن الكوسج كالمرأة ليس عدم الملكة.

ص: 118


1- نسبة في « شوارق الإلهام » إلى « الشرح القديم » والحواشي الشريفة حيث قال : « قد يجتمع الوجود المطلق والعدم المطلق ؛ لأنّ العدم المطلق قد يتصوّر فيعرض له الكون المطلق ». انظر : « شوارق الإلهام » المسألة الثانية عشرة من الفصل الأوّل.
2- أي الموضوع.

وقوم جعلوه أعمّ من ذلك بحيث يدخل فيه الموضوع النوعي ، فعدم اللحية عن الكوسج أيضا عدم ملكة ؛ لكون نوع الإنسان قابلا لها ، وعدمها عن الحمار ليس عدم ملكة.

وقوم جعلوه أعمّ من ذلك بحيث يدخل فيه الموضوع الجنسي ، فعدم البصر عن العقرب أيضا عدم ملكة ؛ لكون جنس الحيوان قابلا له.

وبالجملة ، فإن اعتبر في الموضوع كونه قابلا للأمر الوجودي في وقت اتّصافه بالأمر العدمي ، يقال لهما : العدم والملكة المشهوران ، وإلاّ فالحقيقيّان.

ولا مشاحّة في ذلك ؛ لعدم فائدته.

المسألة الرابعة عشرة : في أنّ الوجود بسيط.

قال : ( والوجود لا جنس له ، بل هو بسيط ، فلا فصل له ).

أقول : قد بيّنّا أنّ الوجود عارض لجميع المعقولات ، فلا معقول أعمّ منه ، فلا جنس له ولا فصل له ؛ لأنّ الفصل هو المميّز لبعض أفراد الجنس عن البعض ، فإذا انتفت الجنسيّة ، انتفت الفصليّة بل هو بسيط.

قال : ( ويتكثّر بتكثّر الموضوعات ، ويقال بالتشكيك على عوارضها ).

أقول : الوجود طبيعة معقولة كلّيّة واحدة غير متكثّرة ، فإذا اعتبر عروضه للماهيّات تكثّر بحسب تكثّرها ؛ لاستحالة عروض العرض الشخصي لماهيّات متعدّدة ، وتكون طبيعة متحقّقة في كلّ واحدة من تلك الماهيّات ، أعني أنّ طبيعة الوجود متحقّقة في وجود الإنسان ووجود الفرس وغيرهما من وجودات الحقائق ، ويصدق عليها صدق الكلّيّ على جزئيّاته ، وعلى تلك الماهيّات صدق العارض على معروضاته.

ويقال على تلك الوجودات العارضة للماهيّات بالتشكيك ؛ وذلك أنّ الكلّيّ إن كان صدقه على أفراده على السواء ، كان متواطئا ، وإن كان لا على السواء ، بل يكون

ص: 119

بعض تلك الأفراد أولى بالكلّيّ من الآخر أو أقدم منه أو يوجد الكلّيّ في ذلك البعض أشدّ منه في الآخر ، كان مشكّكا.

والوجود من حيث هو بالنسبة إلى كلّ وجود خاصّ كذلك ؛ لأنّ وجود العلّة أولى بطبيعة الوجود من المعلول ، والوجود في العلّة مقدّم على الوجود في المعلول ، وعند بعضهم أشدّ ، يعني باعتبار التأثير حتّى لا يلزم قبوله الاشتداد المنفيّ ، فيكون مشكّكا (1).

قال : ( فليس جزءا من غيره مطلقا ).

أقول : هذا نتيجة ما تقدّم ؛ وذلك لأنّ المقول بالتشكيك لا يكون جزءا فيما يقال عليه ، ولا نفس حقيقته ؛ لامتناع التفاوت في الماهيّة وأجزائها على ما يأتي ، فيكون البتّة عارضا لغيره ، فلا يكون جزءا من غيره على الإطلاق.

أمّا بالنسبة إلى الماهيّات ؛ فلأنّه عارض لها ، على ما تقدّم من أنّه زائد على الحقائق.

وأمّا بالنسبة إلى وجوداتها ؛ فلأنّه مقول عليها بالتشكيك ، مع أنّ تكثّرها باعتبار الموضوعات ، وأصل الوجود طبيعة واحدة غير متكثّرة كما مرّ إليه الإشارة ، وهي بسيطة غير مركّبة فلا يتصوّر كونه جزءا ؛ فلهذا قال رحمه اللّه : « مطلقا ».

المسألة الخامسة عشرة : في الشيئيّة.

قال : ( والشيئيّة من المعقولات (2) الثانية ، وليست متأصّلة (3) في الوجود فلا شيء مطلقا ثابت ، بل هي تعرض لخصوصيّات الماهيّات ).

أقول : قال أبو عليّ بن سينا - على ما حكي - : « الوجود إمّا ذهنيّ وإمّا خارجيّ ،

ص: 120


1- نسبه العلاّمة قدس سره إلى الأوائل في « مناهج اليقين » : 9 - 10.
2- وهي ما لا يعقل إلاّ عارضا لمعقول آخر. ( منه رحمه اللّه ).
3- أي ليس لها وجود خارجيّ أصيل ؛ حذرا من التسلسل. ( منه رحمه اللّه ).

والمشترك بينهما هو الشيئيّة » (1).

فإن أراد حمل الشيئيّة على القدر المشترك وصدقها عليه ، فهو صواب ، وإلاّ فهو ممنوع.

إذا عرفت هذا ، فنقول : الشيئيّة والذاتيّة والجزئيّة وأشباهها من المعقولات الثانية ، وهي ما لا يعقل إلاّ عارضا لمعقول آخر ، وليست متأصّلة في الوجود كتأصّل الحيوانيّة والإنسانيّة فيه ، بل هي تابعة لغيرها في الوجود من غير أن يكون لها وجود خارجيّ أصيل ، وإلاّ لكانت لها شيئيّة أخرى وتسلسلت الموجودات الخارجيّة ، وليست الشيئيّة المطلقة - التي لم تقيّد بما يعرضها - ثابتة في العقل ، بمعنى أنّها لا تعقل غير عارضة لأمر ، بل هي إنّما تعقل عارضة لخصوصيّات الماهيّات المعقولة ، كما هو شأن المعقولات الثانية ، فلا يكون شيء مطلق ثابتا ؛ لأنّ الشيئيّة تصدق على الوجود ، وليست نفسه حتّى يرد أنّه مناف لما سبق من أنّ الوجود قد يؤخذ على الإطلاق.

المسألة السادسة عشرة : في تمايز الأعدام وحكمها.

قال : ( وقد تتمايز الأعدام ؛ ولهذا استند عدم المعلول إلى عدم العلّة لا غير ، ونافى عدم الشرط وجود المشروط ، وصحّح عدم الضدّ وجود الآخر ، بخلاف باقي الأعدام ).

أقول : لا شكّ في أنّ الملكات متمايزة.

وأمّا العدمات (2) فقد منع قوم من تمايزها بناء على أنّ التميّز إنّما يكون للثابت خارجا (3).

ص: 121


1- نقله عنه في « كشف المراد » : 42.
2- كذا ، وصوابه : الأعدام.
3- « شرح المواقف » 2 : 184 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 1 : 382 وما بعدها ؛ « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة 16.

وهو خطأ ؛ فإنّها تتمايز بتمايز ملكاتها.

واستدلّ المصنّف رحمه اللّه بوجوه ثلاثة :

[ الوجه ] الأوّل : أنّ عدم المعلول يستند إلى عدم العلّة ، ولا يستند إلى عدم غيرها ، فلو لا امتياز عدم العلّة عن عدم غيرها ، لم يكن عدم المعلول مستندا إليه دون غيره.

وأيضا فإنّا نحكم بأنّ عدم المعلول لعدم علّته ، ولا يجوز العكس ، فلو لا تمايزهما لما كان كذلك.

[ الوجه ] الثاني : أنّ عدم الشرط ينافي وجود المشروط ؛ لاستحالة الجمع بينهما ، لأنّ المشروط لا يوجد إلاّ مع شرطه ، وإلاّ لم يكن الشرط شرطا. وعدم غيره لا ينافيه ، فلو لا الامتياز لم يكن كذلك.

[ الوجه ] الثالث : أنّ عدم الضدّ عن المحلّ يصحّح وجود الضدّ الآخر فيه ؛ لانتفاء صحّة وجود الضدّ الطارئ مع وجود الضدّ الباقي. وعدم غيره لا يصحّح ذلك ، فلا بدّ من التمايز.

قال : ( ثمّ العدم قد يعرض لنفسه فتصدق النوعيّة والتقابل عليه باعتبارين ).

أقول : العدم قد يفرض عارضا لغيره ، وقد يلحظ لا باعتبار عروضه للغير ، فيكون أمرا معقولا قائما برأسه ، ويكون له تحقّق في الذهن.

ثمّ إنّ العقل يمكنه فرض عدمه ؛ لأنّ الذهن يمكنه إلحاق الوجود والعدم بجميع المعقولات حتّى بنفسه ، فإذا اعتبر العقل العدم ماهيّة معقولة وفرضه معدوما ، كان العدم عارضا لنفسه ، ويكون العدم العارض للعدم مقابلا لمطلق العدم باعتبار كونه رافعا له وعدما له ، ونوعا منه باعتبار أنّ العدم المعروض أخذ مطلقا على وجه يعمّ العارض له ولغيره ، فتصدق نوعيّة العدم العارض للمعروض ، والتقابل بينهما باعتبارين.

قال : ( وعدم المعلول ليس علّة لعدم العلّة في الخارج وإن جاز في الذهن ، على أنّه برهان إنّيّ وبالعكس لمّيّ ).

ص: 122

أقول : لمّا بيّن أنّ الأعدام متمايزة - بأنّ عدم المعلول يستند إلى عدم العلّة - ذكر ما يصلح جوابا لوهم من يعكس القول ، ويجعل عدم المعلول علّة لعدم العلّة ، فأزال هذا الوهم وقال : « إنّ عدم المعلول ليس علّة لعدم العلّة » كما في حركة اليد وحركة المفتاح ، بل الأمر بالعكس على ما يأتي.

ثمّ قيّد النفي بالخارج ؛ لأنّ عدم المعلول قد يكون علّة لعدم العلّة في الذهن كما في برهان الإنّ بأن يكون عدم المعلول أظهر عند العقل من عدم العلّة ، فيستدلّ العقل عليه ، ويكون علّة له باعتبار التعقّل ، لا باعتبار الخارج. ولا يفيد العلّيّة في نفس الأمر ، بل في الذهن ، ولهذا سمّي إنّيّا ؛ لأنّه لا يفيد إلاّ الوجود الذهني.

أمّا الاستدلال بعدم العلّة على عدم المعلول فهو برهان لمّيّ مطابق لنفس الأمر.

بيان ذلك : أنّ الحدّ الأوسط في البرهان لا بدّ أن يكون علّة لحصول التصديق بالحكم الذي هو المطلوب ، وإلاّ لم يكن برهانا على ذلك المطلوب ، فإن كان مع ذلك علّة لثبوت ذلك الحكم في الخارج أيضا ، فالبرهان لمّيّ ، وإلاّ فإنّيّ ، سواء كان الأوسط معلولا لثبوت الحكم في الخارج أم لا.

ووجه التسمية باللمّيّ : أنّ اللمّيّة هي العلّيّة من « لم » سؤالا عن علّة الحكم ، فالبرهان المنسوب إلى العلّة يسمّى لمّيّا. وبالإنّيّ : أنّ الإنّيّة هي الثبوت من « إنّ ، للتحقيق » فالبرهان الحاصل من ثبوت المعلول الدالّ على ثبوت العلّة يسمّى إنّيّا.

وكيف كان فعلّة الثبوت تسمّى سببا مقتضيا ، وعلّة الإثبات برهانا ، فإن كان علّة الإثبات عين علّة الثبوت يسمّى « برهانا لمّيّا » وإن كان أثرها يسمّى « برهانا إنّيّا » لما مرّ.

قال : ( والأشياء المترتّبة في العموم والخصوص وجودا تتعاكس عدما ).

أقول : يعني أنّ كل أمرين بينهما عموم وخصوص مطلق بحسب اعتبار المعنى الوجودي يتعاكس في العموم والخصوص عند اعتبار عدمهما ؛ فإنّ عدم الأخصّ أعمّ من عدم الأعمّ ؛ فإنّ الحيوان يشمل الإنسان وغيره ، فغير الإنسان من أنواع

ص: 123

الحيوان لا يصدق عليه أنّه إنسان بل يصدق عليه عدمه ، ولا يصدق عليه عدم الحيوان ؛ فإنّه أحد أنواعه ، ويصدق أيضا عدم الإنسان على ما ليس بحيوان ، وهو ظاهر ، فعدم الحيوان لا يشمل أفراد عدم الإنسان ، وعدم الإنسان شامل لما ليس بحيوان وغيره ، فعدم الأخصّ أعمّ من عدم الأعمّ ، فإذا ترتّب شيئان في العموم والخصوص وجودا ترتّبا على العكس عدما بأن يصير الأخصّ أعمّ من طرف العدم.

المسألة السابعة عشرة : في قسمة الوجود والعدم إلى المحتاج والغنيّ.

قال : ( وقسمة كلّ منهما إلى الاحتياج والغنى حقيقيّة ).

أقول : كلّ واحد من الوجود والعدم إمّا أن يكون محتاجا إلى الغير أو يكون مستغنيا.

والأوّل والثاني عبارتان عن وجود الممكن وبقائه وعدمه باعتبار الاستمرار المحتاج إلى عدم العلّة.

والثالث عبارة عن وجود واجب الوجود.

والرابع عبارة عن عدم الممتنع كشريك البارئ.

وهذه القسمة حقيقيّة تكون على سبيل المنفصلة الحقيقيّة الدائرة بين النفي والإثبات ، من غير تصوّر اجتماع القسمين ولا ارتفاعهما فيها ، أي بمنع الجمع والخلوّ :

أمّا منع الجمع ؛ فلاستحالة كون المستغني عن الغير محتاجا إليه وبالعكس.

وأمّا منع الخلوّ ؛ فلأنّه لا قسم ثالث لهما ، فقد ظهر أنّ هذه القسمة حقيقيّة.

المسألة الثامنة عشرة : في الوجوب والإمكان والامتناع.

قال : ( وإذا حمل الوجود أو جعل رابطة ، تثبت موادّ ثلاث في أنفسها ، وجهات في التعقّل دالّة على وثاقة الرابطة وضعفها ، وهي الوجوب ، والامتناع ، والإمكان ).

ص: 124

أقول : الوجود قد يكون خارجيّا أصيلا ، وقد يكون ذهنيّا ظلّيّا ، وكلّ منهما قد يكون أصليّا ، وقد يكون رابطيّا ، بمعنى أنّه قد يكون محمولا بنفسه ، كقولنا : « الإنسان موجود » ، وقد يكون رابطة بين الموضوع والمحمول ، كقولنا : « الإنسان يوجد حيوانا » ، ويسمّى التصديق الأوّل بسيطا ، ويسأل عنه ب- « هل » البسيطة ؛ لبساطة المسئول عنه. ويسمّى التصديق الثاني مركّبا ، ويسأل عنه ب- « هل » المركّبة.

وعلى كلا التقديرين يكون بين المحمول والموضوع نسبة ثبوتية.

ولا بدّ لهذه النسبة - أعني نسبة المحمول فيهما إلى الموضوع - من كيفيّة من الكيفيّات الثلاث ، التي هي الوجوب والإمكان والامتناع ، باعتبار استحالة الانفكاك أو الثبوت أو عدمهما.

وتلك الكيفيّة تسمّى مادّة وجهة باعتبارين : فإن أخذنا الكيفيّة في نفسها ، سمّيت مادّة. وإن أخذناها عند العقل وما تدلّ عليه العبارات ، سمّيت جهة.

وقد يتّحدان ، كقولنا : « الإنسان يجب أن يكون حيوانا » وقد يتغايران كقولنا : « الإنسان يمكن أن يكون حيوانا » ، فالمادّة ضروريّة ؛ لأنّ كيفيّة نسبة الحيوانيّة إلى الإنسانيّة هي الوجوب. وأمّا الجهة فهي الممكنة.

وهذه الكيفيّات تدلّ على وثاقة الربط وضعفه ؛ فإنّ الوجوب يدلّ على وثاقة الربط في طرف الثبوت ، والامتناع على وثاقته في طرف العدم ، والإمكان على ضعف الربط.

قال : ( وكذا العدم ).

أقول : إذا جعل العدم محمولا أو رابطة كقولنا : « الإنسان معدوم » أو « معدوم عنه الكتابة » حدثت الجهات الثلاث عند التعقّل ، والموادّ في نفس الأمر.

قال : ( والبحث في تعريفها كالوجود ).

أقول : إنّ جماعة من العلماء أخطئوا هاهنا ، حيث عرّفوا الواجب والممكن والممتنع ؛ لأنّ هذه الأشياء معلومة للعقلاء لا تحتاج إلى اكتساب.

ص: 125

نعم ، قد يذكر في تعريف ألفاظها ما يكون شارحا لها لا على أنّه حدّ حقيقيّ بل لفظيّ.

ومع ذلك فتعريفاتهم دوريّة ؛ لأنّهم عرّفوا الواجب بأنّه ما يستحيل عدمه ، أو الذي لا يمكن عدمه. ثمّ عرّفوا المستحيل بأنّه الذي لا يمكن وجوده ، أو الذي يجب عدمه.

ثمّ عرّفوا الممكن بأنّه الذي لا يجب وجوده ولا يجب عدمه ، أو الذي لا يستحيل وجوده ولا عدمه. فقد أخذوا كلّ واحد منها في تعريف الآخر ، وهو دور ظاهر (1).

قال : ( وقد تؤخذ ذاتيّة فتكون القسمة حقيقيّة ، ولا يمكن انقلابها ).

أقول : يعني إذا أخذنا الوجوب والامتناع والإمكان بحسب الذات لا بالنظر إلى الغير ، كانت المعقولات منقسمة إليها قسمة حقيقيّة أي بمنع الجمع والخلوّ ؛ وذلك لأنّ كلّ معقول على الإطلاق إمّا أن يكون واجب الوجود لذاته أو ممتنع الوجود لذاته أو ممكن الوجود لذاته ، لا يخلو عنها ، ولا يجتمع اثنان منها في واحد ؛ لاستحالة أن يكون شيء واحد واجبا لذاته ممتنعا لذاته أو ممكنا لذاته ، أو يكون ممتنعا لذاته وممكنا لذاته ، فقسمة كيفيّة نسبة المحمول إلى الموضوع حينئذ تكون على سبيل المنفصلة الحقيقيّة ذات الأجزاء الثلاثة ، لا يمكن الاجتماع بين الأقسام لا في الصدق ولا في الكذب ، بل يكون الصادق أمرا واحدا منها ؛ لأنّ ذات الموضوع إمّا أن تقتضي تلك النسبة أم لا ، وعلى الثاني إمّا أن تقتضي نقيض تلك النسبة أم لا ، والأوّل هو الوجوب. والثاني هو الامتناع. والثالث هو الإمكان.

واحتمال غيرها خلاف الضرورة العقليّة.

واعلم أنّ القسمة الحقيقيّة قد تكون للكلّيّ بفصول أو لوازم تميّزه وتفصّله إلى الأقسام المندرجة تحته ، وقد تكون بعوارض مفارقة.

والقسمة الأولى لا يمكن انقلابها ، ولا يصير أحد القسمين معروضا لمميّز الآخر

ص: 126


1- انظر : « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 87 - 88.

الذي به وقعت القسمة ، بمعنى أنّه لا يزول أحد المفهومات الثلاثة عن الذات بأن تتّصف الذات بالآخر ، كأن يصير الواجب بالذات ممكنا بالذات أو بالعكس ؛ لأنّ الذاتي لا يختلف ولا يتخلّف ، كقولنا : « الحيوان إمّا ناطق أو صامت » فإنّ الحيوان قد انقسم إلى طبيعتين ، ويستحيل انقلاب هذه القسمة ، بمعنى أنّ الحيوان الذي هو ناطق يستحيل زوال النطق عنه وعروض الصمت له ، وكذا الحيوان الذي هو صامت.

وأمّا الثانية فإنّه يمكن انقلابها ويصير (1) أحد القسمين معروضا لمميّز الآخر الذي به وقعت القسمة ، كقولنا : « الحيوان إمّا متحرّك أو ساكن » فإنّ كلّ واحد من المتحرّك والساكن قد يتّصف بعارض الآخر ، فينقلب المتحرّك ساكنا وبالعكس.

وقسمة المعقول بالوجوب الذاتي والامتناع الذاتي والإمكان الذاتي من قبيل القسم الأوّل ؛ لاستحالة انقلاب الواجب لذاته ممتنعا لذاته أو ممكنا لذاته ، وكذا الباقيان.

قال : ( وقد يؤخذ الأوّلان (2) باعتبار الغير ، والقسمة مانعة الجمع بينهما يمكن انقلابها ، ومانعة الخلوّ بين الثلاثة في الممكنات ).

أقول : يعني إذا أخذنا الواجب والممتنع باعتبار الغير - لا بالنظر إلى الذات - انقسم المعقول إليهما على سبيل منع الجمع لا الخلوّ ؛ وذلك لأنّ المعقول حينئذ إمّا أن يكون واجبا لغيره أو ممتنعا لغيره على سبيل منع الجمع لا الخلوّ ؛ لامتناع الجمع بين الوجوب بالغير والامتناع بالغير ؛ لاستلزامه اجتماع الوجود والعدم ، وإمكان الخلوّ عنهما لا بالنظر إلى وجود العلّة ولا عدمها.

وهذه القسمة يمكن انقلابها ؛ لأنّ واجب الوجود بالغير قد يعرض عدم علّته ، فيكون ممتنع الوجود بالغير ، فينقلب أحدهما إلى الآخر.

ص: 127


1- عطف على « انقلابها » أي صيرورة أحد القسمين.
2- أي الوجوب والامتناع.

وإذا لاحظنا الإمكان الذاتي في هذه القسمة في الممكنات ، انقلبت القسمة مانعة الخلوّ ؛ لعدم خلوّ كلّ معقول ممكن عن الوجوب بالغير والامتناع بالغير والإمكان الذاتي ، فيجوز الجمع بينها ؛ فإنّ الممكن الذاتي واجب أو ممتنع ، فيتحقّق الجمع بين الإمكان الذّاتي وأحد الباقيين.

قال : ( ويشترك الوجوب والامتناع في اسم الضرورة وإن اختلفا في السلب والإيجاب ).

أقول : الضرورة تطلق على الوجوب والامتناع وتشملهما ؛ فإنّ كلّ واحد من الوجوب والامتناع يقال له : ضروريّ ، لكنّهما يختلفان بالسلب والإيجاب ، فالوجوب ضرورة الوجود ، والامتناع ضرورة السلب ، واسم الضرورة شامل لهما.

قال : ( وكلّ منهما يصدق على الآخر إذا تقابلا في المضاف إليه ).

أقول : كلّ واحد من الوجوب والامتناع يصدق على الآخر إذا أضيفا إلى المتقابلين - أعني الوجود والعدم - فإنّ وجوب الوجود يصدق عليه امتناع العدم ، وبالعكس ، وكذلك امتناع الوجود يصدق عليه وجوب العدم ، وبالعكس.

وإنّما اشترط تقابل المضاف إليه ؛ لأنّه يستحيل صدقهما على مضاف إليه واحد ؛ فإنّ وجوب الوجود لا يصدق عليه امتناع الوجود ، وبالعكس ، ولا وجوب العدم يصدق عليه امتناع العدم ، بل إنّما يصدق كلّ واحد منهما على صاحبه مع التقابل ، كما قلنا : وجوب الوجود يصدق عليه امتناع العدم ، فالوجوب أضيف إلى الوجود ، والامتناع إلى العدم ، والوجود والعدم متقابلان.

قال : ( وقد يؤخذ الإمكان بمعنى سلب الضرورة عن أحد الطرفين ، فيعمّ الأخرى والخاصّ ).

أقول : القسمة العقليّة ثلاثة ؛ لأنّ المعقول إمّا واجب أو ممتنع أو ممكن ليس بواجب ولا ممتنع ، هذا بحسب اصطلاح الخاصّة.

وقد يؤخذ الإمكان على معنى أعمّ من ذلك ، وهو سلب الضرورة عن أحد

ص: 128

الطرفين - أعني طرف الوجود أو العدم - لا عنهما ، بل عن الطرف المقابل للحكم حتّى يكون ممكن الوجود هو ما ليس بممتنع ، ونكون قد رفعنا فيه ضرورة العدم ، وممكن العدم هو ما ليس بواجب [ و ] نكون قد رفعنا فيه ضرورة الوجود.

وإذا أخذ بهذا المعنى كان أعمّ من الأوّل ومن الضرورة الأخرى التي لا تقابله ، وهي ضرورة الجانب الموافق ، فإنّ رفع إحدى الضرورتين يستلزم ثبوت الأخرى والإمكان الخاصّ ، فممكن الوجود بالإمكان العامّ أعمّ من الواجب والممكن بالإمكان الخاصّ ، وممكن العدم بالإمكان العامّ أعمّ من الممتنع والممكن بالإمكان الخاصّ.

قال : ( وقد يؤخذ بالنسبة إلى الاستقبال ).

أقول : قد يؤخذ الممكن لا بالنظر إلى ما في الحال بل بالنظر إلى الاستقبال حتّى يكون ممكن الوجود هو الذي يجوز وجوده في الاستقبال من غير التفات إلى ما في الحال. وهذا الإمكان أحقّ باسم الإمكان.

قال : ( ولا يشترط العدم في الحال ، وإلاّ اجتمع النقيضان ).

أقول : ذهب قوم غير محقّقين إلى أنّ الممكن الاستقبالي شرطه العدم في الحال ، قالوا : لأنّه لو كان موجودا في الحال لكان واجبا ؛ إذ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، فلا يكون ممكنا (1).

وهو خطأ ؛ لأنّ الوجود إن أخرجه إلى الوجوب أخرجه العدم إلى الامتناع.

وأيضا الممكن ما يمكن وجوده وعدمه ، فإذا اشترط في إمكان الوجود في المستقبل العدم في الحال ، اشترط في إمكان العدم الوجود في الحال ، فيلزم اشتراط وجوده وعدمه في الحال. وهذا خلف. وإليه أشار بقوله : « وإلاّ اجتمع النقيضان ».

وأيضا الوجوب الغيري لا ينافي إمكانه في المستقبل.

ص: 129


1- انظر : « شرح المقاصد » 1 : 462 - 463.
المسألة التاسعة عشرة : في أنّ الوجوب والإمكان والامتناع ليست ثابتة في الأعيان.

قال : ( والثلاثة اعتباريّة ؛ لصدقها على المعدوم واستحالة التسلسل ).

أقول : هذه الجهات الثلاث - أعني الوجوب والإمكان والامتناع (1) - أمور اعتباريّة يعتبرها العقل عند نسبة الوجود إلى الماهيّة وليس لها تحقّق في الأعيان ، لوجوه منها ما هو مشترك ، ومنها ما هو مختصّ بكلّ واحد. أمّا المشترك فأمران :

الأوّل : أنّ هذه الأمور تصدق على المعدوم ، فإنّ الممتنع يصدق عليه أنّه مستحيل الوجود وأنّه واجب العدم ، والممكن قبل وجوده يصدق عليه أنه ممكن الوجود وهو معدوم ، وإذا اتّصف المعدوم بها ، كانت عدميّة ؛ لاستحالة اتّصاف العدمي بالثبوت.

الثاني : أنّه لو كان هذه الأمور متحقّقة في الأعيان ، فاتّصاف ماهيّتها بوجوداتها لا يخلو عن أحد هذه الأمور الثلاثة ، فلو كانت هذه الأمور ثبوتيّة ، لزم اتّصافها بأحد الثلاثة ويتسلسل ، وهو محال.

قال : ( ولو كان الوجوب ثبوتيّا لزم إمكان الواجب ).

أقول : شرع في الدلالة على كلّ واحد من الثلاثة ، فبدأ بالوجوب الذي هو أقربها إلى الوجود ؛ إذ هو تأكّده ، فبيّن أنّه ليس ثبوتيّا.

والدليل عليه أنّه لو كان موجودا في الأعيان لكان ممكنا ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : أنّه صفة للغير ، والصفة مفتقرة إلى الموصوف ، فالوجوب مفتقر إلى ذات الواجب ، فيكون الوجوب ممكنا.

ص: 130


1- لمزيد الاطّلاع عن هذه المسألة راجع « الشفاء » الإلهيّات ، الفصل الخامس من المقالة الأولى ؛ « التحصيل » : 291 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 206 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 87 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 3 : 109 ؛ « الأسفار الأربعة » 1 : 83 ؛ « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة العشرون.

وأمّا بطلان التالي ؛ فلأنّه لو كان الوجوب ممكنا لكان الواجب ممكنا ؛ لأنّ الواجب إنّما هو واجب بهذا الوجوب الممكن الذي يمكن زواله ، فيخرج الواجب عن كونه واجبا ، فيكون ممكنا ، هذا محال.

ولا يخفى أنّ ما ذكره يتمّ في الوجوب الانتزاعي الاعتباري ، وأمّا الوجوب الواقعي ، الذي هو عين ذات الواجب الوجود بالذات عندنا ، ومقتضى الذات عند غيرنا ، فلا ، كما لا يخفى.

قال : ( ولو كان الامتناع ثبوتيّا لزم إمكان الممتنع ).

أقول : هذا حكم ضروريّ ، وهو أنّ الامتناع أمر عدميّ ، وقد نبّه هاهنا عليه على طريق التنبيه لا الاستدلال ، بأنّ الامتناع لو كان ثبوتيّا لزم إمكان الممتنع ؛ لأنّ ثبوت الامتناع يستدعي ثبوت موصوفه أعني الممتنع ، فيكون الممتنع ثابتا ، هذا خلف.

قال : ( ولو كان الإمكان ثبوتيّا لزم سبق وجود كلّ ممكن على إمكانه ).

أقول : اختلف الناس في أنّ الإمكان الخاصّ هل هو ثبوتيّ أم لا؟

وتحرير القول فيه : أنّ الإمكان قد يؤخذ بالنسبة إلى الماهيّة ، وهو الإمكان الراجع إلى الماهيّة ، وقد يؤخذ بالنسبة إلى الوجود من حيث القرب والبعد من طرف العدم ، وهو الإمكان الاستعدادي.

أمّا الأوّل فالمحقّقون كافّة على أنّه أمر اعتباريّ لا تحقّق له عينا.

وأمّا الثاني فالأوائل قالوا : إنّه من باب الكيف ، وهو قابل للشدّة والضعف. والحقّ يأباه. والدليل على عدمه في الخارج أنّه لو كان ثابتا - مع أنّه إضافة بين أمرين أو ذو إضافة - لزم ثبوت مضافيه اللذين هما الماهيّة والوجود ، فيلزم تأخّره عن الوجود في الرتبة. هذا خلف ؛ لأنّ وجود الممكن متأخّر عن إمكانه بمراتب ؛ لأنّه يقال أمكن فاحتاج إلى المؤثّر فأوجده فوجد (1).

ص: 131


1- راجع « المباحث المشرقية » 1 : 214 - 218 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 112 وما بعدها.

قال : ( والفرق بين نفي الإمكان والإمكان المنفيّ لا يستلزم ثبوته ).

أقول : هذا جواب عن استدلال أبي عليّ بن سينا على ثبوت الإمكان ؛ فإنّه قال - على ما قيل - : لو كان الإمكان عدميّا لما بقي فرق بين الإمكان ونفيه ؛ لعدم التمايز في العدميّات (1).

والجواب : المنع من الملازمة ؛ فإنّ الفرق وقع بين نفي الإمكان وثبوت الإمكان الذي حكمنا بأنّه ليس ثبوتيّا في الأعيان ، ولا يستدعي الفرق الثبوت العيني ، كما في الامتناع.

نعم ، يستدعي الثبوت الذهني الانتزاعي ، وهو غير منفيّ ، فالمنفيّ هو الثبوت العيني ، والمثبت بالدليل هو الثبوت الذهني ، فلا يتمّ التقريب.

ولا يخفى أنّه من الشيخ الرئيس عجيب ، ولكنّ الجواد قد يكبو ، والصارم قد ينبو من غير امتناع.

والحاصل : أنّ الإمكان العقلي على أقسام :

منها الإمكان الذاتي بمعنى عدم ترتّب الاستحالة على الوجود.

ومنها الإمكان الاستعدادي ، وهو صلاحيّة الوجود.

ومنها الإمكان الوقوعي بمعنى عدم ترتّب القبح على الإيجاد. والكلّ اعتباريّ.

المسألة العشرون : في الوجوب والإمكان والامتناع المطلقة.

قال : ( والوجوب شامل للذاتي وغيره وكذا الامتناع ).

أقول : الوجوب قد يكون ذاتيّا ، وهو المستند إلى نفس الماهيّة من غير التفات إلى غيرها ، وقد يكون بالغير ، وهو الذي يحصل باعتبار حصول الغير والنظر إليه ؛ فإنّ المعلول لو لا النظر إلى علّته لم يكن واجبا ، فالوجوب المطلق قد انقسم إلى

ص: 132


1- ما نقله هنا هو نصّ كلام الفخر الرازي في توجيه كلام ابن سينا ، راجع « شرحي الإشارات » 1 : 226 ؛ « المحاكمات » المطبوعة في هامش « شرح الإشارات » 2 : 107 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 112.

ما بالذات وإلى ما بالغير ، وهو شامل لهما ، وكذا الامتناع شامل للامتناع الذاتي والعارض باعتبار الغير ، وليس عموم الوجوب عموم الجنسيّة ، وإلاّ تركّب الوجوب الذاتي بل عموم عارض ذهنيّ لمعروض ذهنيّ.

قال : ( ومعروض ما بالغير منهما ممكن ).

أقول : الذات التي يصدق عليها أنّها واجبة بالغير أو ممتنعة بالغير فإنّها تكون ممكنة بالذات ؛ لأنّ الممكن الذاتي إذا وجد علّته عرض له الوجوب بالغير ، وإذا عدم علّته عرض له الامتناع بالغير ، فالممكن الذاتي معروض الوجوب الغيري والامتناع الغيري لا غيره ؛ إذ لا يمكن أن يكون الواجب بالغير واجبا بالذات ؛ للزوم توارد العلّتين - أعني الذات والغير - على شيء واحد شخصي ، ولا ممتنعا بالذات ، وإلاّ لكان موجودا ومعدوما. وكذا الممتنع بالغير ، فقد ظهر أنّ معروض ما بالغير من الوجوب والامتناع ممكن بالذات لا غير.

قال : ( ولا ممكن بالغير ؛ لما تقدّم في القسمة الحقيقيّة ).

أقول : لا يمكن أن يكون هاهنا ممكن بالغير كما أمكن واجب أو ممتنع بالغير ؛ لأنّه لو كان كذلك لكان المعروض للإمكان بالغير إمّا واجبا لذاته ، أو ممتنعا لذاته ، وكلّ ممكن بالغير ممكن بالذات ، فيكون ذلك المعروض تارة واجبا لذاته ، وتارة ممكنا لذاته ، فيلزم انقلاب القسمة الحقيقيّة التي فرضنا أنّها لا تقلب. هذا خلف.

المسألة الحادية والعشرون : في عروض الإمكان للماهيّة.

قال : ( وعروض الإمكان عند عدم اعتبار الوجود والعدم بالنظر إلى الماهيّة وعلّتها ).

أقول : الإمكان إنّما يعرض للماهيّة من حيث هي هي ، لا باعتبار وجودها ولا باعتبار عدمها ولا باعتبار عدم علّتها ، بل إنّما يعرض لها عند عدم اعتبار الوجود والعدم بالنظر إلى الماهيّة نفسها ، وعند عدم اعتبار الوجود والعدم بالنظر إلى علّة

ص: 133

الممكن ؛ فإنّ الماهيّة إذا أخذت موجودة كانت واجبة ما دامت موجودة ، وكذا إذا أخذت معدومة تكون ممتنعة ما دامت معدومة ، وإذا أخذت باعتبار وجود علّتها كانت واجبة ما دامت العلّة موجودة ، وإذا أخذت باعتبار عدم علّتها كانت ممتنعة ما دامت العلّة معدومة.

قال : ( وعند اعتبار هما بالنظر إليهما يثبت ما بالغير ).

أقول : إذا اعتبرنا الوجود والعدم بالنظر إلى الماهيّة أو إلى علّتها ، ثبت الوجوب بالغير والامتناع بالغير ؛ فإنّه إذا أخذت الماهيّة مع الوجود تكون نسبتها إليه بالوجوب لا بالإمكان ، ويسمّى ذلك وجوبا لاحقا ، وإذا أخذت مع العدم تكون نسبتها إلى الوجود بالامتناع اللاحق ، وكلاهما يسمّى ضرورة بشرط المحمول ، وإذا أخذت الماهيّة مع وجود علّتها كانت واجبة ما دامت العلّة موجودة ، ويسمّى ذلك وجوبا سابقا ، وإذا أخذت مع عدم علّتها كانت ممتنعة ما دامت العلّة غير موجودة ، ويسمّى ذلك امتناعا سابقا ، فكلّ موجود محفوف بوجوبين : سابق ولاحق ، وكلاهما وجوب بالغير ، وكلّ معدوم محفوف بامتناعين : سابق ولاحق ، وكلاهما امتناع بالغير.

قال : ( ولا منافاة بين الإمكان والغيري ).

أقول : قد بيّنّا أنّ الممكن باعتبار وجوده أو وجود علّته يكون واجبا ، وباعتبار عدمه أو عدم علّته يكون ممتنعا ، لكنّ الوجوب والامتناع ليسا ذاتيّين بل باعتبار الغير ومعروضهما الممكن ، فلا منافاة بينهما وبين الإمكان.

قال : ( وكلّ ممكن العروض ذاتيّ ، ولا عكس ).

أقول : الممكن قد يكون ممكن الثبوت في نفسه ، وقد يكون ممكن الثبوت لشيء آخر ، وكلّ ممكن الثبوت لشيء آخر - أعني ممكن العروض - فهو ممكن ذاتيّ ، أي يكون في نفسه ممكن الثبوت ؛ لأنّ إمكان ثبوت الشيء لغيره فرع على إمكانه في نفسه ، ولا ينعكس. فقد يكون الشيء ممكن الثبوت في نفسه ، وممتنع الثبوت لغيره كالمفارقات ، فإنّها لا يمكن حلولها في غيرها حلول الأعراض في

ص: 134

موضوعاتها ؛ لأنّها جواهر ، ولا حلول الصور في هيولاتها ؛ لأنّها مجرّدة عن المادّة ؛ أو واجب الثبوت لغيره كالأعراض والصفات.

المسألة الثانية والعشرون : في علّة الاحتياج إلى المؤثّر.

قال : ( وإذا لحظ الذهن الممكن موجودا طلب العلّة وإن لم يتصوّر غيره ، وقد يتصوّر وجوب الحادث فلا يطالبها (1) ، ثمّ الحدوث كيفيّة الوجود ، فليس علّة لما يتقدّم عليه بمراتب ).

أقول : اختلف الناس في علّة احتياج الممكن إلى المؤثّر.

فقال جمهور العقلاء : إنّها الإمكان لا غير.

وقال آخرون : إنّها الحدوث لا غير.

وقال آخرون : هما معا بكون الحدوث شطرا.

وقيل : الإمكان بشرط الحدوث (2).

والحقّ الأوّل كما اختاره المصنّف رحمه اللّه لوجهين :

الأوّل : أنّ العقل إذا لحظ الماهيّة الممكنة وأراد حمل الوجود أو العدم عليها ، افتقر في ذلك إلى العلّة وإن لم ينظر شيئا آخر سوى الإمكان والتساوي ؛ إذ حكم العقل بالتساوي الذاتي كاف في الحكم بامتناع الرجحان الذاتي ، فاحتاج إلى العلّة من حيث هو ممكن وإن لم يلحظ غيره ، ولو فرضنا حادثا وجب وجوده وإن كان فرضا محالا ؛ فإنّ العقل يحكم بعدم احتياجه إلى المؤثّر ، فعلم أنّ علّة الحاجة إنّما هي الإمكان لا غير ، وأنّ العلم بإمكان الشيء وحده يستلزم العلم بافتقاره إلى المؤثّر ، فيعلم أنّه العلّة ، وأنّ الحدوث ليس معتبرا في العلّيّة لا استقلالا ولا جزءا ولا شرطا.

ص: 135


1- في « كشف المراد » و « تجريد الاعتقاد » : « فلا يطلبها ».
2- انظر : « مناهج اليقين » : 5 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 20 ؛ « شرح المواقف » 3 : 135 ؛ « الأسفار الأربعة » 1 : 206 ؛ « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة الثانية والعشرون.

الثاني : أنّ الحدوث كيفيّة للوجود ؛ لكونه عبارة عن مسبوقيّة الوجود بالعدم ، فتأخّر عنه تأخّرا ذاتيّا ، والوجود متأخّر عن الإيجاد ، والإيجاد متأخّر عن الاحتياج ، والاحتياج متأخّر عن علّة الاحتياج ، فلو كان الحدوث علّة الحاجة لزم تقديم الشيء على نفسه وعلى ما يتقدّم عليه بمراتب ، وهو محال.

والمعارضة بأنّ الإمكان صفة للممكن بالقياس إلى الوجود ، فيكون متأخّرا عن الوجود ، فلا يكون علّة للافتقار المتقدّم عليه بمراتب مردودة : بأنّ الإمكان متأخّر عن الماهيّة نفسها وعن مفهوم الوجود أيضا ؛ لكونه كيفيّة للنسبة بينهما ، لكنّه ليس متأخّرا عن كون الماهيّة موجودة ، ولهذا توصف الماهيّة ووجودها بالإمكان قبل اتّصافها بالوجود ، وأمّا الحدوث فلا توصف به الماهيّة ولا وجودها إلاّ حال كونها موجودة ، ولا شكّ في تأخّره عن الإيجاد ؛ ولهذا صحّ أن يقال : أوجد فحدث ، وبذلك يتمّ المطلوب ، سواء قلنا بتأخّره عن الوجود أيضا ، أم لا.

قال : ( والحكم باحتياج الممكن ضروريّ ).

أقول : اختلف الناس هنا.

فقال قوم : إنّ هذا الحكم ضروريّ ، أعني أنّ احتياج الممكن لا يحتاج إلى برهان ؛ فإنّ كلّ من تصوّر تساوي طرفي الممكن جزم بالضرورة أنّ أحدهما لا يترجّح من حيث هو مساو - أعني من حيث ذاته - بل من حيث إنّ المرجّح ثابت.

وهذا الحكم قطعيّ لا يقع فيه شكّ.

وقال آخرون : إنّه استدلاليّ (1).

وهو خطأ. وسبب غلطهم أنّهم لم يتصوّروا الممكن على ما هو هو.

المسألة الثالثة والعشرون : في عدم كفاية الأولويّة الذاتيّة في وجود الممكن.

قال : ( ولا تتصوّر الأولويّة لأحد الطرفين بالنظر إلى ذاته ).

ص: 136


1- انظر : « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 129.

أقول : المراد أنّه لا يجوز أن يكون أحد طرفي الممكن راجحا على الطرف الآخر رجحانا ناشئا من ذات الممكن غير منته إلى حدّ الوجوب ، حتّى يجوز أن يوجد الممكن بذلك الرجحان من غير حاجة إلى غيره ، فينسدّ باب إثبات الصانع ؛ إذ قد بيّنّا أنّ الممكن من حيث هو هو لا باعتبار وجود علّته أو عدمها ، فإنّ وجوده وعدمه متساويان بالنسبة إليه ، وإنّما يحصل الترجيح من الفاعل الخارجي ، فإذن لا يمكن أن تتصوّر أولويّة لأحد الطرفين بالنظر إلى ذاته.

فإن قلت : مقتضى ما ذكر عدم اقتضاء ذات الممكن الوجود أو العدم ، لم لا يجوز أن يكون مقتضيا لأولويّة الوجود على العدم كما أنّ ذات الوجود أولى؟ فعند عدم سبب العدم يوجد الممكن من جهة تلك الأولويّة الذاتيّة من غير حاجة إلى مؤثّر موجود ، فيلزم انسداد باب إثبات الصانع.

قلت أوّلا : إنّ ذات الممكن قبل الوجود ليست شيئا حتّى تكون مقتضية للأولويّة.

والمراد بالتساوي بالنسبة إليها عدم اقتضاء شيء من الوجود والعدم ، لا اقتضاؤهما على وجه التساوي ، فلا يتصوّر أولويّة مستندة إلى ذات الممكن.

وأمّا أولويّة ذات الوجود على العدم فهي اعتباريّة عقليّة لا واقعيّة حتّى تكون مقتضية لوقوعه ، مع أنّ الوجود حصول الماهيّة ، فإن كان حاصلا ومقتضيا للأولويّة ، لا يتصوّر وجود بعده ؛ لامتناع حصول الحاصل بحصول آخر بديهة ، وإلاّ لا يتصوّر اقتضاؤه الأولويّة ضرورة ، فالأولويّة الذاتيّة منتفية بالضرورة ، فينفتح باب إثبات الصانع.

وثانيا : إنّا لو فرضنا اقتضاء الذات أولويّة أحد الطرفين كالوجود من غير الانتهاء إلى الوجوب ، نقول مع ذلك الرجحان : هل يجوز وقوع الطرف المقابل المرجوح أم لا؟

فعلى الثاني لم يكن ما فرضناه ممكنا ممكنا ولا الأولويّة أولويّة ، بل وجوبا ، وهو خلف.

ص: 137

وعلى الأوّل يلزم كون المرجوح الذاتي راجحا ذاتيّا ؛ إذ لا يتصوّر الوقوع بدون الرجحان ، فمع فرض عدم الغير يكون ذاتيّا ، مع أنّ المفروض أنّ مقتضى الذات رجحان الطرف الراجح ، فيلزم اجتماع النقيضين ، وهو محال ضرورة.

وثالثا : إنّه لو تحقّقت أولويّة ذاتيّة لأحد الطرفين ، فإن لم يمكن وقوع الطرف الآخر ، كان ذلك الطرف ممتنعا ، فيكون الطرف الراجح واجبا لذاته ، وقد فرضناه ممكنا.

وإن أمكن فإمّا لا بسبب ، فيلزم ترجيح المرجوح بلا مرجّح ، وهو أشدّ استحالة من ترجيح أحد المتساويين أو ترجّحه بلا مرجّح ، أو يكون بسبب ، فإن لم يصر ذلك الطرف أولى به لم يكن السبب سببا ، وإن صار يلزم مرجوحيّة الطرف الأولى لذاته ، فيزول ما بالذات بما بالغير ، وهو ممتنع ، مع أنّ وجود السبب المغاير في ذلك المقام غير معقول.

مضافا إلى أنّ القول بالأولويّة (1) الذاتيّة يستلزم تقدّم الشيء على نفسه ، كما لا يخفى ، فلا وجه لاعتبار الأولويّة الذاتيّة.

المسألة الرابعة والعشرون : في أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد.

قال : ( ولا تكفي الخارجيّة ؛ لأنّ فرضها لا يحيل المقابل ، فلا بدّ من الانتهاء إلى الوجوب ).

أقول : أولويّة أحد الطرفين بالنظر إلى وجود العلّة أو عدمها هي الأولويّة الخارجيّة ؛ لكونها منسوبة إلى ما هو الخارج عن الذات ، فإن كانت العلّة مستجمعة لجميع الشرائط منتفيا عنها جميع الموانع ، كانت الأولويّة وجوبا ، وإلاّ كانت أولويّة يجوز معها وقوع الطرف الآخر.

وهذه الأولويّة الخارجيّة لا تكفي في وجود الممكن أو عدمه ؛ لأنّ فرضها

ص: 138


1- في « ج » : « القول بتأثير الأولويّة ... ».

لا يحيل المقابل.

بيان ذلك : أنّا إذا فرضنا هذه الأولويّة متحقّقة ثابتة ، فإمّا أن يمكن معها وجود الطرف الآخر المقابل لطرف الأولويّة أو لا يمكن ، والثاني يقتضي أن تكون الأولويّة وجوبا ، والأوّل يلزم المحال ، وهو كون العلّة الناقصة علّة تامّة ؛ لأنّ وقوع أحد الطرفين - مع فرض عدم تماميّة العلّة في التأثير - محال بالضرورة ، ومع فرض التماميّة يلزم المحال المذكور.

نعم ، الإيقاع للأولويّة الذاتيّة أو الخارجيّة من الفاعل المختار ممكن وواقع ، وهو غير أولويّة الوقوع على اللاوقوع كما لا يخفى على المتأمّل الذكيّ.

وقد يقال : المحال عبارة عن ترجيح أحد طرفي الممكن المتساوي على الآخر لا لمرجّح ؛ لأنّا إذا فرضنا الأولويّة ثابتة ، يمكن معها وجود الطرف الراجح والمرجوح ، فتخصيص أحد الوصفين بالوقوع دون الثاني ترجيح من غير مرجّح ، وهو محال.

وفيه نظر ؛ لأنّ الأولويّة مرجّحة ، فقد ظهر أنّ الأولويّة لا تكفي في الترجيح ، بل لا بدّ من الوجوب ، وأنّ كلّ ممكن على الإطلاق لا يمكن وجوده إلاّ إذا وجب ، فلا بدّ من الانتهاء إلى الوجوب ؛ لئلاّ يلزم المحال ، فثبتت القاعدة الكلّيّة العقليّة ، وهي أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد.

قال : ( وهو سابق ويلحقه وجوب آخر لا تخلو عنه قضيّة فعليّة ).

أقول : كلّ ممكن موجود أو معدوم فإنّه محفوف بوجوبين :

أحدهما : الوجوب السابق سبقا ذاتيّا ، الذي استدللنا على تحقّقه.

والثاني : الوجوب اللاحق ، وهو المتأخّر عن تحقّق القضيّة ؛ فإنّ الحكم بوجود المشي للإنسان يقتضي أن يكون واجبا ما دام المشي موجودا له ، وهذه الضرورة تسمّى ضرورة بشرط المحمول ، ولا تخلو عنها قضيّة فعليّة.

المسألة الخامسة والعشرون : في أنّ الإمكان لازم للممكن ، ولا يتحقّق انقلاب الماهيّة بالوجوب الغيري.

المسألة الخامسة والعشرون : في أنّ الإمكان لازم للممكن ، ولا يتحقّق

ص: 139

انقلاب الماهيّة بالوجوب الغيري.

قال : ( والإمكان لازم ، وإلاّ تجب الماهيّة أو تمتنع ).

أقول : الإمكان للممكن واجب ؛ لأنّه لو لا ذلك لأمكن زواله ، وحينئذ تبقى الماهيّة واجبة أو ممتنعة ، فيلزم انقلاب الماهيّة بالانقلاب الكلّي ، وقد بيّنّا امتناعه فيما سلف.

قال : ( ووجوب الفعليّات يقارنه جواز العدم ، وليس بلازم ).

أقول : يريد أن يبيّن أنّ الوجوب اللاحق - وهو الذي ذكر أنّه لا تخلو عنه قضيّة فعليّة ، ولهذا سمّاه بوجوب الفعليّات - يقارن جواز العدم ؛ وذلك لأنّ الوجوب لا يخرجه عن الإمكان الذاتي ، بل هو باق على طبيعة الإمكان الذاتي ؛ لأنّ وجوبه بشرط المحمول لا مطلقا ، فلهذا حكم بجواز مقارنة وجوب الوجود لجواز العدم ، وهذا الوجوب ليس بلازم ، بل ينفكّ عن الماهيّة عند فرض عدم العلّة.

قال : ( ونسبة الوجوب إلى الإمكان نسبة تمام إلى نقص ).

أقول : الوجوب هو تأكّد الوجود وقوّته ، والإمكان ضعف فيه ، فنسبة الوجوب إلى الإمكان نسبة تمام إلى نقص ؛ لأنّ الوجوب تمام الوجود ، والإمكان نقص له.

المسألة السادسة والعشرون : في الإمكان الاستعدادي.

قال : ( والاستعداد قابل للشدّة والضعف ويعدم ويوجد للمركّبات ، وهو غير الإمكان الذاتي ).

أقول : الإمكان إمّا أن يلحظ باعتبار الماهيّة نفسها ، وهو الإمكان الذاتي ، وإمّا أن يلحظ باعتبار قربها من الوجود وبعدها عنه ، وهو الإمكان الاستعدادي ، الذي هو عبارة عن التهيّؤ للكمال بتحقّق بعض الأسباب والشرائط وارتفاع بعض الموانع ، وهذا الإمكان قابل للشدّة والضعف والزيادة والنقصان ، فإنّ استعداد النطفة للإنسانيّة أضعف وأبعد من استعداد العلقة لها ، وكذا استعداد النطفة للكتابة أبعد وأضعف من استعداد الطفل لها ، فهذا هو الاستعداد لكلّ ماهيّة سبق عدمها وجودها.

ص: 140

وهذا الإمكان الاستعدادي يعدم بعد الوجود ويوجد بعد عدمه للمركّبات ؛ فإنّ الماء بعد تسخّنه يستعدّ لصيرورته هواء بعد أن لم يكن ، فقد تجدّد هذا الاستعداد ، ثمّ إذا برد زال ذلك الاستعداد.

والإمكان الذاتي - الذي بيّنّا أنّه لا يمكن زواله عن الممكن - مغاير لهذا الإمكان الذي يمكن زواله من هذه الجهة.

مضافا إلى أنّ الإمكان الذاتي قائم بماهيّة الممكن ، والإمكان الاستعدادي قائم بمحلّه ؛ فإنّ إمكان الكتابة قائم بمادّة الجنين إلا بالكتابة ، بخلاف الإمكان الذاتي ، وكلاهما متعلّق بالقابل ، والإمكان الوقوعي متعلّق بعدم ترتّب القبح على الإيجاد ، والإيقاع متعلّق بالفاعل كالإمكان العادي الذي يكون بسبب كون الوجود مسبّبا عن سبب أرضيّ أو سماويّ أو مركّب جليّ أو خفيّ.

المسألة السابعة والعشرون : في القدم والحدوث.

قال : ( والموجود إن أخذ غير مسبوق بالغير أو بالعدم فقديم ، وإلاّ فحادث ).

أقول : هذه قسمة للموجود إلى القديم والحادث ؛ وذلك لأنّ الموجود إمّا أن يسبقه الغير ، أو لا يسبقه الغير ، فالأوّل هو الحادث ، والثاني هو القديم.

وقد يقال : إنّ القديم هو الذي لا يسبقه العدم ، والحادث هو الذي يسبقه العدم.

وهذا أولى.

وينبغي أن يقسّم كلّ منهما إلى الحقيقيّ والإضافيّ ، ويعرف الكلّ بالتأمّل.

المسألة الثامنة والعشرون : في أقسام السبق.

قال : ( والسبق ومقابلاه (1) إمّا بالعلّيّة أو بالطبع أو بالزمان أو بالرتبة الحسّيّة أو العقليّة أو بالشرف أو بالذات ، والحصر استقرائيّ ).

ص: 141


1- أي التأخّر والمعيّة.

أقول : لمّا ذكر أنّ القديم هو الذي لا يسبقه الغير أو العدم - على اختلاف التفسيرين - والحادث هو الذي سبقه الغير أو العدم ، وجب عليه أن يبيّن أقسام التقدّم والسبق ومقابليه ، أعني التأخّر والمعيّة.

وقد ذكر الحكماء (1) أنّ أقسام التقدّم خمسة :

[ القسم ] الأوّل : التقدّم بالعلّيّة ، وهو سبق العلّة التامّة المستجمعة لشرائط التأثير مع ارتفاع موانعه على معلولها ، كتقدّم حركة الإصبع على حركة الخاتم ؛ فإنّه لو لا حركة اليد لم تحصل حركة الخاتم ، فهذا الترتيب العقلي هو التقدّم بالعلّيّة.

[ القسم ] الثاني : التقدّم بالطبع ، وهو أن يكون المتقدّم له حظّ في التأثير في المتأخّر ، ولا يكون هو كمال المؤثّر ، وهو كتقدّم الواحد على الاثنين.

والفرق بينه وبين الأوّل أنّ المتقدّم هناك كان كافيا في وجود المتأخّر ، والمتقدّم هنا لا يكفي في وجوده.

[ القسم ] الثالث : التقدّم بالزمان ، وهو أن يكون المتقدّم موجودا في زمان متقدّم على زمان المتأخّر كالأب والابن.

[ القسم ] الرابع : التقدّم بالرتبة ، وهي إمّا حسّيّة كتقدّم الإمام على المأموم ، أو عقليّة كتقدّم الجنس على النوع إن جعل المبدأ الأعمّ ؛ فإنّك إذا جعلت الجوهر مبدأ كان الجسم مقدّما على الحيوان ، وإن جعلت الإنسان مبدأ فبالعكس ، كما أنّك إذا ابتدأت من المحراب كان الإمام مقدّما ، وإن ابتدأت من الباب انعكس الأمر.

[ القسم ] الخامس : التقدّم بالشرف بأن يكون للسابق زيادة كمال ليس للمسبوق ، كتقدّم العالم على المتعلّم.

وكذا أصناف التأخّر والمعيّة.

ثمّ المتكلّمون زادوا قسما آخر وسمّوه التقدّم الذاتي ، وتمثّلوا فيه بتقدّم الأمس

ص: 142


1- منهم السهروردي في « المشارع والمطارحات » ضمن « مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 302 - 303. والسبزوارى في « شرح المنظومة » 2 : 306 وما بعدها.

على اليوم ونحوه من تقدّم بعض أجزاء الزمان على بعض ؛ فإنّه ليس تقدّما بالعليّة ولا بالطبع ، لتساوي أجزاء الزمان في الحقيقة ، ولا بالزمان ، وإلاّ لاحتاج الزمان إلى زمان آخر وتسلسل. وظاهر أنّه ليس بالرتبة ولا بالشرف ، فهو خارج عن هذه الأقسام (1).

وعدّه الحكماء من أقسام السبق الزماني بناء على أنّه عبارة عن كون السابق قبل المسبوق قبليّة لا يجامع القبل معها البعد ، وهو عارض لأجزاء الزمان أوّلا وبالذات ولغيرها ثانيا وبالعرض.

وردّ : بأنّ هذا التعريف صادق على سبق العلّة المعدّة على معلولها ، فهو قسم على حدة ، ولهذا يحكم بتقدّم عدم الزمان على وجوده ، من غير أن يكون مع عدم الزمان زمان حتّى يلزم قدم الزمان المستلزم لقدم الحركة والمتحرّك ، كما ادّعى الحكماء (2).

وهذا الحصر استقرائيّ لا برهانيّ ، إذ لم يقم برهان على انحصار التقدّم في هذه الأنواع.

والقسمة إنّما تنحصر إذا تردّدت بين النفي والإثبات كأن يقال : إنّ المتقدّم إن احتاج إليه المتأخّر فإن كان كافيا في وجوده ، كان تقدّمه بالعلّيّة وإلاّ فبالطبع. وإن لم يحتج إليه ، فإن لم يمكن اجتماعهما في الوجود ، كان بالزمان. وإن أمكن فإن اعتبر بينهما ترتيب ، كان بالرتبة ، وإلاّ فبالشرف.

ولا يخفى ما فيه.

المسألة التاسعة والعشرون : في أحكام السبق.

قال : ( ومقوليّته بالتشكيك ، وتنحفظ الإضافة بين المضافين في أنواعه ).

أقول : اختلف الحكماء هنا.

ص: 143


1- انظر : « مناهج اليقين » : 20 ؛ « كشف المراد » : 58 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 21.
2- « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » 1 : 496.

فقال قوم : إنّ التقدّم مقول على أنواعه الخمسة بالاشتراك اللفظي.

وهو خطأ ؛ فإنّ كلّ واحد من التقدّم بالعلّيّة والطبع - مثلا - قد شارك الآخر في معنى التقدّم.

وقال الآخرون : إنّه مقول بالاشتراك المعنوي على سبيل التشكيك ، وهو الذي اختاره المصنّف رحمه اللّه .

وهو الحقّ ؛ لأنّ الأصناف تشترك في معنى السبق والتقدّم (1) ، وهذا المعنى المشترك يطلق على تلك الأقسام لا على سبيل التساوي ، بل يطلق على سبيل التشكيك ؛ فإنّ السبق بالعلّيّة أولى من السبق بالطبع ؛ لأنّ الاحتياج إلى العلّة التامّة أقوى من الاحتياج إلى الناقصة ، وهكذا سائر الأقسام ؛ لتحقّق التفاوت في الصدق لبعضها بالإضافة إلى بعض آخر.

وكذا يكون صدق التأخّر الذي هو مضايف للتقدّم على سبيل التشكيك ، فيكون التأخّر - الذي هو مضايف للسبق الأولى - أولى بالإضافة إلى التأخّر الذي هو مضايف للسبق الآخر.

وهكذا الحال في الأشدّيّة والأقدميّة.

فالإضافة بين السبقين إذا كانت بنوع من الأنواع الثلاثة للتشكيك ، كانت تلك الإضافة تتحفّظ بين تأخّريهما اللّذين هما متضايفان لهما.

وقال الفاضل اللاهيجي : إنّ قوله : « بين المتضايفين » متعلّق بقوله : « وتتحفّظ » وقوله : « في أنواعه » متعلّق ب- « الإضافة » أي الإضافة الحاصلة في أنواع السبق ، بمعنى أنّ النسبة بين النوعين من أنواع السبق محفوظة بين النوعين من أنواع التأخّر اللّذين هما متضايفان لهما ، فالضمير راجع إلى السبق (2).

وهذا أولى بلا تشكيك ؛ حذرا من التفكيك الركيك اللازم على تقدير إرجاع

ص: 144


1- انظر : « المشارع والمطارحات » ضمن « مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 303 وما بعدها.
2- « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة السادسة والعشرون.

الضمير في « أنواعه » إلى « التشكيك » كما في شرح الفاضل القوشجي (1).

قال : ( وحيث وجد التفاوت امتنعت جنسيّته ).

أقول : لمّا بيّن أنّ التقدّم مقول على ما تحته من أصناف التقدّمات بالتشكيك ظهر أنّه ليس جنسا لما تحته ، وأنّ مقوليّته على ما تحته قول العارض على معروضه ، لا قول الجنس على أنواعه ؛ لامتناع وقوع التفاوت في أجزاء الماهيّة.

وفيه : أن التفاوت مانع عن الجنسيّة إذا كان بالذات لا بالعرض ، كما يقال :

الجوهر الكامل والناقص مثلا ، مع أنّه لا يتصوّر لأنواع التقدّم جنس ، لا مطلق التقدّم.

قال : ( والتقدّم دائما لعارض زماني أو مكاني أو غيرهما ).

أقول : إذا نظر إلى الماهيّة من حيث هي هي لم تكن مقدّمة على غيرها ولا متأخّرة ، وإنّما يعرض لها التقدّم والتأخّر باعتبار أمر خارج عنها ، وهو إمّا زمان كما في التقدّم الزماني ، أو مكان كما في التقدّم المكاني ، أو مغاير كما في تقدّم العلّة على معلولها باعتبار التأثير والتأثّر ، وكما في تقدّم العالم على المتعلّم باعتبار الشرف وغير ذلك من أصناف التقدّمات.

المسألة الثلاثون : في حكم القدم والحدوث الحقيقيّين.

قال : ( والقدم والحدوث الحقيقيّان لا يعتبر فيهما الزمان ، وإلاّ تسلسل ).

أقول : القدم والحدوث قد يكونان حقيقيّين ، وقد لا يكونان حقيقيّين ، بل يقالان على ما يقالان عليه على سبيل المجاز ، فالقدم والحدوث الحقيقيّان - وهما على ما فسّرناهما به من أنّ القديم هو الذي لا يسبقه الغير ، والمحدث هو المسبوق بالغير - لا يفتقران إلى الزمان ؛ لأنّ الزمان إن كان قديما أو حادثا بهذا المعنى وافتقر إلى زمان آخر تسلسل. وأمّا القدم والحدوث بالمجاز فإنّهما لا يتحقّقان

ص: 145


1- « شرح تجريد العقائد » : 45.

بدون الزمان ؛ لأنّ القديم يقال بالمجاز على ما يستطال زمان وجوده في جانب الماضي ، والمحدث على ما لا يستطال زمانه.

قال : ( والحدوث الذاتيّ متحقّق ).

أقول : الحدوث الذاتي عبارة عن مسبوقيّة وجود الشيء بالعدم الذاتي ، وتأخّر وجوده عن عدمه بالذات ، ولا شكّ أنّ ذات الممكن لا تقتضي الوجود ولا العدم ، فله بحسب الذات وعدم وجود علّته العدم المستند إلى عدم العلّة من جهة ملاحظة ذاته ؛ لكفاية عدم العلّة في العدم دون الوجود ؛ إذ لا بدّ في وجوده من وجود علّته ، فبعد وجود علّته يوجد ، فيكون وجوده مسبوقا بالعدم الذاتي وبوجود علّته المتقدّم بالذات ، وهو معنى الحدوث الذاتي ، فهو متحقّق قطعا.

قال : ( والقدم والحدوث اعتباريّان عقليّان ينقطعان بانقطاع الاعتبار ).

أقول : ذهب المحقّقون إلى أنّ القدم والحدوث ليسا من المعاني المتحقّقة في الأعيان (1).

وذهب عبد اللّه بن سعيد من الأشعريّة - على ما حكي - إلى أنّهما وصفان زائدان على الوجود (2).

والحقّ خلاف ذلك ، وأنّهما اعتباران عقليّان يعتبرهما الذهن عند مقايسة سبق الغير إلى الوجود وعدمه ؛ لأنّهما لو كان ثبوتيّين لزم التسلسل ؛ لأنّ الموجود من كلّ واحد منهما إمّا أن يكون قديما أو حادثا ، فيكون للقدم قدم أو حدوث ، وكذا الحدوث ، ثمّ ننقل الكلام إلى قدم القدم وحدوث الحادث - مثلا - حتّى يتسلسل ، فلا يكون القدم والحدوث من الأمور المتحقّقة ، بل هما عقليّان يعتبرهما العقل

ص: 146


1- انظر : « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 221 ؛ « مناهج اليقين » : 21.
2- « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 221 ؛ « مناهج اليقين » : 21 ، وقد نسب العلاّمة فيهما القول بزيادة القدم فقط إلى عبد اللّه بن سعيد. والقول بزيادة المحدث إلى الكرامية ، وهكذا في « المحصّل » : 214. نعم، حكی القولين عنه في «كشف المراد»: 214.

وينقطعان بانقطاع الاعتبار العقلي.

وينقطعان بانقطاع الاعتبار العقلي.

وهذا جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أن يقال : إذا كان القدم والحدوث أمرين ثبوتيّين في العقل ، أمكن عروض القدم والحدوث لهما ، ويعود المحذور من التسلسل.

وتقرير الجواب : أنّهما اعتباران عقليّان ينقطعان بانقطاع الاعتبار ، فلا يلزم التسلسل.

قال : ( وتصدق المنفصلة الحقيقيّة منهما ).

أقول : الموجود إمّا قديم أو حادث ؛ لامتناع خلوّه عن القدم والحدوث ؛ لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون مسبوقا بغيره أو لا ، والأوّل حادث ، والثاني قديم ، ولا يجتمعان في شيء واحد ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين ، فإذن لا يجتمعان ولا يرتفعان ، فتركيب المنفصلة الحقيقيّة يحصل منهما.

قال : ( ومن الوجوب الذاتي والغيري ).

أقول : الشيء الواحد إذا كان واجبا لذاته استحال أن يكون واجبا لغيره.

إذا عرفت هذا ، فنقول : المنفصلة الحقيقيّة - التي يمنع فيها الجمع والخلوّ - صادقة على الموجود إذا لوحظ مع الوجوب بالذات والوجوب بالغير أيضا ، بأن يقال : الموجود إمّا واجب لذاته أو واجب لغيره ؛ لامتناع صدقهما على شيء واحد وكذبهما عليه ؛ وذلك لأنّ الموجود إمّا مستغن عن الغير أو محتاج إليه ، لا واسطة بينهما ، والأوّل واجب بالذات ، والثاني واجب بالغير.

وإنّما امتنع الجمع بينهما ؛ لأنّه لو كان شيء واحد واجبا بذاته وبغيره معا لزم المحال ؛ لأنّ الواجب بغيره يرتفع بارتفاع غيره ، والواجب بالذات لا يرتفع بارتفاع غيره ، فلو كان شيء واحد واجبا بذاته وبغيره لزم اجتماع النقيضين ، وهو محال.

وإنّما امتنع الخلوّ عنهما ؛ لأنّ الموجود إن كان واجبا ، صدق أحد الجزءين ، وإن كان ممكنا استحال وجوده إلاّ بعد وجود الفاعل ، فيصدق الجزء الآخر.

ص: 147

المسألة الحادية والثلاثون : في خواصّ الواجب ولوازمه التي يستلزم انتفاء كلّ منها الإمكان وعدم الوجوب الذاتي.

قال : ( ويستحيل صدق الذاتي على المركّب ).

أقول : هذه خاصّيّة للواجب الذاتي ، وهي أنّه يستحيل أن يكون مركّبا ، فلا يجوز صدق الواجب الذاتي على المركّب ؛ لأنّ كلّ مركّب مفتقر إلى أجزائه على ما يأتي ، وكلّ مفتقر ممكن ، فالواجب لذاته ممكن لذاته. هذا خلف.

قال بعض المتأخّرين : هذه المسألة تتوقّف على الوحدانيّة ؛ فإنّه لو قال قائل :

يجوز أن يكون كلّ واحد من أجزاء المركّب واجبا لذاته ويكون المجموع مستغنيا عن الغير ، أجبنا بأنّ الواجب لذاته يستحيل أن يكون متعدّدا (1).

والحقّ أنّه لا افتقار في هذه المسألة إلى الوحدانيّة ؛ لأنّ هذا المركّب يستحيل أن يكون واجبا لذاته ؛ لافتقاره إلى أجزائه الواجبة ، وكلّ مفتقر ممكن ، فيكون المركّب ممكنا ، فلا يكون واجبا ، وهذا لا يتوقّف على الوحدانيّة.

وقد يقال : إنّ الممكن ما يحتاج في وجوده الخارجي إلى غيره ، فلو فرض تركّب الواجب من أجزاء عقليّة ، لم يلزم احتياجه إلاّ في التحقّق الذهني إلى جزئه الذهني ، وهو لا يستلزم إمكانه.

وأيضا يجوز أن يكون له جنس منحصر في نوعه بحسب الخارج وإن كان له أنواع كثيرة بحسب العقل ، أو يكون مركّبا من أمرين متساويين (2).

وفيه نظر ؛ لأنّ تعدّد الجزء إمّا واجب بالذات أو ممكن بالذات أو ممتنع بالذات.

لا سبيل إلى الأوّل (3) ، وإلاّ يلزم عدم الجزء رأسا وانتفاء الكلّ وعدم كون الواجب

ص: 148


1- نسبه في « شرحي الإشارات » 1 : 209 إلى الفخر الرازي ، ولكن اللاهيجي نقله عن الفارابي كما في « شوارق الإلهام » المسألة السابعة والعشرون من الفصل الأوّل.
2- القائل هو الفاضل القوشجي. انظر : « شرح تجريد العقائد » :2. 48.
3- أي عند ما يكون تعدّد الجزء واجبا بالذات.

بالذات واجبا بالذات ؛ لأنّ كلّ جزء لا بدّ أن يكون بلا تعدّد ، فإذا كان التعدّد لازما لذات الواجب حيث لم يكن في مقام الذات إلاّ الذات ، يلزم من انتفائه انتفاء الملزوم ، وهو أصل الجزء ، فيلزم انتفاء الكلّ وعدمه ، فيلزم عدم كون الواجب واجبا.

وكذا لا سبيل إلى الثاني (1) ؛ لاستلزام إمكان الجزء إمكان الكلّ ، وعدم كون الواجب بالذات واجبا بالذات ، كما لا يخفى ، فتعيّن الثالث ، وهو كون التعدّد ممتنعا ، وهو المطلوب ؛ فإنّ المراد أنّ الواجب بالذات يستحيل أن يكون مركّبا من الأجزاء العقليّة والخارجيّة التي هي بإزاء الأجزاء العقليّة - أعني المادّة والصورة - والخارجيّة العنصريّة من الرئيسيّة ، كالرأس والعنق والكبد ، وغيرها ، كاليد والرّجل ونحوهما ممّا لا ينتفي الكلّ بانتفائه.

وهذا مستفاد ممّا ذكرنا ، وهو خاصّة أولى ، مضافا إلى أنّ التركّب الحقيقي موجب للافتقار المنافي لوجوب الوجود بالبديهة ولو كان من الأجزاء العقليّة ، والاعتباري غير قادح ، كفرض شريك البارئ.

قال : ( ولا يكون الذاتي جزءا من غيره ).

أقول : هذه خاصّيّة ثانية للواجب ظاهرة ، وهي أنّ الواجب لذاته لا يتركّب عنه غيره ، وهو ظاهر ؛ لأنّ التركّب إمّا أن يكون حسّيّا ،

وهو إنّما يكون بانفعال كالمزاج ، أو يكون عقليّا بحيث يحصل من المركّب حقيقة واحدة ، كتركيب الشخص من المادّة والصورة ، وتركيب الماهيّة من الأجناس والفصول.

والكلّ ظاهر الاستحالة ؛ لاستلزام الأوّل التغيّر المستلزم للحدوث والإمكان ، والثاني الافتقار المنافي لوجوب الوجود ، كالأوّل.

قال : ( ولا يزيد وجوده عليه ، وإلاّ لكان ممكنا ).

أقول : هذه خاصّيّة ثالثة ، وهي أنّ وجود واجب الوجود لذاته نفس حقيقته.

ص: 149


1- أي عند ما يكون تعدّد الجزء ممكنا بالذات.

وتقريره أن نقول : لو كان وجود واجب الوجود لذاته زائدا على حقيقته لكان صفة لها مفتقرة إليها ، فيكون ممكنا ، فيفتقر إلى علّة ، فتلك العلّة إمّا أن تكون نفس حقيقته أو شيئا خارجا عن حقيقته. والقسمان باطلان.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ تلك الحقيقة إمّا أن تؤثّر فيه وهي موجودة ، أو تؤثّر فيه وهي معدومة.

فإن أثّرت فيه وهي موجودة ، فإن كانت موجودة بهذا الوجود لزم تقدّم الشيء على نفسه ، وهو محال. وإن كان بغير هذا الوجود عاد البحث إليه ، ويلزم التسلسل ، مع لزوم وجود الماهيّة مرّتين ، والجميع باطل.

وإن أثّرت فيه وهي معدومة كان المعدوم مؤثّرا في الوجود ، وهو باطل بالضرورة.

وأمّا الثاني ؛ فيلزم منه افتقار واجب الوجود في وجوده إلى غيره ، فيكون ممكنا ، وهو محال. وهذا دليل قاطع على هذا المطلوب.

بيان ذلك : أنّ معنى واجب الوجود ثابت الكون على الوجه الكامل ، بمعنى أنّ الموصوف بالوجود في أيّ مرتبة لوحظ كان الكون ثابتا له ، فلا يمكن أن يكون معلولا لغيره ، وإلاّ لزم عدم ثبوت الكون له في مرتبة علّته ، ومن لوازم الكمال ضروريّة ذلك الكون وامتناع العدم.

ومعنى موجوديّة الأشياء محموليّة الموجود عليها باعتبار اتّصافها بمبدإ اشتقاقه ، وهو الوجود.

واتّصاف الشيء به إن كان بذاته لا بغيره ، بمعنى أنّ العقل إذا لاحظ ذاته يحكم - بمقتضى الدليل والبرهان - أنّ ذلك الشيء في الخارج متّصف بالكون بذاته لا من غيره ، فهو الواجب الوجود لذاته.

وإن كان اتّصاف الشيء بالوجود بالغير - لتساوي الوجود والعدم بالنسبة إلى ذاته وعدم إمكان حصول أحدهما بلا سبب أو من ترجيح ذلك الشيء له ؛ لامتناع الترجّح

ص: 150

بلا مرجّح والترجيح بلا مرجّح - فإن كان له وجود يكون بسبب غيره ، فما لم يعتبره العقل مع ذلك الشيء لم يحكم بوجوده ، وهو ممكن الوجود.

والحاصل : أنّ حكم العقل بموجوديّة شيء وانتزاع الوجود منه محتاج إلى المنشأ.

وذلك المنشأ إن كان ذات ذلك الشيء يسمّى واجب الوجود. وإن كان غيره يسمّى ممكن الوجود. فلا بدّ في حكم العقل بوجود الممكن من ملاحظة العلّة المعيّنة كما في البرهان اللمّيّ ، أو غير المعيّنة كما في الإنّيّ. فمعنى كون الوجود في الواجب عين ذاته أنّ ذاته منشأ لانتزاع الوجود لا أمر زائد عليها ، وأنّها عينه وعين سائر الصفات الحقيقيّة لا نائبها ، بمعنى أنّه يصدر منها بنفسها ما يصدر من الموصوف بالصفات بواسطتها ؛ لأنّه معطيها كمالا ، ومعطي الشيء لا يمكن أن يكون فاقدا له.

ومعنى عينيّتها أنّه يصدر عن ذاته ما يصدر عن صفات الممكن ، فكما أنّ علم الممكن منشأ لانكشاف الأشياء ، فكذا ذاته منشأ له ، وهكذا سائر الصفات.

ومعنى زيادة الوجود في الممكن أنّ ذاته ليس منشأ لانتزاعه ، بل هو أمر زائد عليه ، فالوجود العامّ - الذي هو مفهوم ذهني - زائد في جميع الأشياء حتّى الواجب ، ولكن قد يطلق الوجود على ما هو منشأ لانتزاعه ، وهو بهذا المعنى في الواجب عين ذاته ؛ لاستغنائه في انتزاع الوجود عمّا هو خارج عن ذاته ؛ مضافا إلى أنّ وجود الواجب لو كان غير حقيقته ، لكان جزءا منها أو خارجا عنها ، والأوّل يستلزم التركّب المنافي لوجوب الوجود ، والثاني يستلزم الاحتياج إلى المؤثّر المنافي له ؛ لامتناع تأثير المعدوم وتحصيل الحاصل ، فحقيقة الواجب هو الوجود المجهول بالكنه ، المعقول بالوجه من الآثار.

ومن هنا يظهر امتناع القوّة في الواجب ؛ لكونها عبارة عن العدم في الشيء القابل للوجود ، وقد بيّنّا أنّ الواجب عين الوجود ، وهو مناف للعدم.

ويظهر أيضا أنّه ليس محلاّ للحوادث ؛ لكونها مسبوقة بالعدم ، بل هو كامل من

ص: 151

جميع الجهات ؛ إذ النقص مستلزم للعدم.

قال : ( والوجود المعلوم هو المقول بالتشكيك ، أمّا الخاصّ به فلا ).

أقول : هذا جواب عن الاستدلال على زيادة الوجود في حقّ واجب الوجود.

وتقرير الدليل أن نقول : ماهيّة اللّه تعالى غير معلومة للبشر على ما يأتي ، والوجود معلوم ، فينتج من الشكل الثاني أنّ الماهيّة غير الوجود.

وتقرير الجواب عنه أن نقول : إنّا قد بيّنّا أنّ الوجود مقول بالتشكيك على ما تحته ، والمقول على الأشياء بالتشكيك يمتنع أن يكون نفس الحقيقة أو جزءا منها ، بل يكون دائما خارجا عنها لازما لها ، كالبياض المقول على بياض الثلج وبياض العاج ، لا على السواء ، فهو ليس بماهيّة ولا جزء ماهيّة لهما بل هو لازم من خارج ؛ وذلك لأنّ بين طرفي التضادّ الواقع في الألوان أنواعا من الألوان لا نهاية لها بالقوّة ولا أسامي لها بالتفصيل يقع على كلّ جملة منها اسم واحد بمعنى واحد كالبياض أو الحمرة أو السواد بالتشكيك ، ويكون ذلك المعنى لازما لتلك الجملة غير مقوّم ، فكذلك الوجود في وقوعه على وجود الواجب وعلى وجود الممكنات المختلفة بالهويّات التي لا أسماء لها بالتفصيل ، فإنّه يقع عليها وقوع لازم خارجيّ غير مقوّم ، فالوجود يقع على ما تحته بمعنى واحد ، ولا يلزم من ذلك تساوي ملزوماته التي هي وجود الواجب ووجود الممكنات في الحقيقة ؛ لأنّ مختلفات الحقيقة قد تشترك في لازم واحد ، كالشمس والنار والحركة في الحرارة ، فالحقيقة التي لا تدركها العقول هي الوجود الخاصّ المخالف لسائر الوجودات بالهويّة ، الذي هو المبدأ الأوّل ، والوجود المعقول هو الوجود العامّ اللازم لذلك الوجود ولسائر الوجودات ، وهو أوّليّ التصوّر. وإدراك اللازم لا يقتضي إدراك الملزوم بالحقيقة ، وإلاّ لوجب من إدراك الوجود إدراك جميع الوجودات الخاصّة. وكون حقيقته تعالى غير مدركة وكون الوجود مدركا يقتضي المغايرة بين حقيقته تعالى والوجود المطلق لا الوجود الخاصّ به تعالى.

ص: 152

وهذا التحقيق - على ما حكي (1) ممّا نبّه عليه بهمنيار في التحصيل (2) ، وقرّره المصنّف في شرح الإشارات (3).

قال : ( وليس طبيعة نوعيّة على ما سلف ، فجاز اختلاف جزئيّاته في العروض وعدمه ).

أقول : هذا جواب عن استدلال ثان استدلّ به الذاهبون إلى أنّ وجوده تعالى زائد على حقيقته.

وتقرير الدليل : أنّ الوجود طبيعة واحدة نوعيّة ؛ لما بيّنّا من اشتراكه ، والطبائع النوعيّة تتّفق في لوازمها.

وقد بنى الحكماء على هذه القاعدة مطالب كثيرة ، كامتناع الخلاء ووجود الهيولى للأفلاك وغير ذلك من مباحثهم.

فنقول : طبيعة الوجود إن اقتضت العروض وجب أن يكون وجود واجب الوجود عارضا لماهيّة مغايرة له ، وكون ذاته محلّ العرض. وإن اقتضت عدمه ، كانت وجودات الممكنات غير عارضة لماهيّاتها ، فإمّا أن لا تكون موجودة ، أو يكون وجودها نفس حقائقها ، والقسمان باطلان ، فإن لم يقتض واحدا منهما ، لم يتّصف بأحدهما إلاّ بأمر خارج عن طبيعة الوجود ، فيكون تجرّد واجب الوجود محتاجا إلى المؤثّر. هذا خلف.

وتقرير الجواب : أنّ الوجود ليس طبيعة نوعيّة على ما حقّقناه ، بل هو مقول بالتشكيك لا يتساوى اقتضاؤه ؛ فإنّ النور يقتضي بعض جزئيّاته - كنور الشمس - إبصار الأعشى ، بخلاف سائر الأنوار ، والحرارة كذلك فإنّ الحرارة الغريزية تقتضي استعداد الحياة ، بخلاف سائر الحرارات ، فكذلك الوجود.

ص: 153


1- الحاكي هو العلاّمة الحلّي قدس سره في « كشف المراد » : 63.
2- « التحصيل » : 281 وما بعدها.
3- انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 31 وما بعدها.

قال : ( وتأثير الماهيّة - من حيث هي - في الوجود غير معقول ).

أقول : لمّا أبطل استدلالاتهم شرع في إبطال الاعتراض الوارد على دليله ، وقد ذكر هنا أمرين :

أحدهما : أنّهم قالوا : لا نسلّم انحصار أحوال الماهيّة حالة التأثير في الوجود والعدم ، بل جاز أن تكون الماهيّة من حيث هي مؤثّرة في الوجود ، فلا يلزم التسلسل ولا تأثير المعدوم في الوجود.

والجواب : أنّ الماهيّة من حيث هي هي يجوز أن تقتضي صفات لها على سبيل العلّيّة والمعلوليّة إلاّ الوجود ؛ فإنّه يمتنع أنّ تؤثّر فيه من حيث هي هي ؛ لأنّ الوجود لا يكون معلولا لغير الموجود بالضرورة ، فتلزم المحاذير المذكورة ، والضرورة فرّقت بين الوجود وسائر الصفات.

قال : ( والنقض بالقابل ظاهر البطلان ).

أقول : هذا جواب عن السؤال الثاني.

وتقريره : أنّ ما ذكر في إثبات عينيّة وجود الواجب منقوض بقابل الوجود وهو الممكن ؛ فإنّ الممكن المعدوم لو لم يقبل الوجود إلاّ بشرط الوجود ، لزم تقدّم الشيء على نفسه أو تعدّد الوجودات للماهيّة الواحدة ، والكلّ محال ، وإذا كان كذلك ، فلم لا يعقل مثله في العلّة الفاعليّة؟

والجواب : أنّ معطي الوجود ومفيده لا بدّ أن يكون موجودا ببديهة العقل ؛ إذ لا يعقل تأثير الماهيّة بدون وجودها لا في وجود نفسها ولا في وجود غيرها ، بخلاف قابل الوجود ؛ فإنّه مستفيد له ، وإنّما يتجرّد عن الوجود في العقل لا بمعنى أنّه يكون في العقل منفكّا عن الوجود ؛ لأنّ الحصول في العقل نوع من الوجود ، بل بمعنى أنّ العقل يلاحظه منفردا عن الوجود والعدم ؛ حذرا عن حصول الحاصل واجتماع المتنافيين.

والحاصل : أنّ الماهيّة إنّما تكون قابلة للوجود عند وجودها في العقل فقط ،

ص: 154

بمعنى أنّ الوجود العلمي كاف في قبول الوجود العيني ، ولا يمكن أن تكون فاعلة لصفة خارجيّة عند وجودها في العقل فقط.

قال : ( والوجود من المحمولات العقليّة ؛ لامتناع استغنائه عن المحلّ وحصوله فيه ).

أقول : المراد أنّ الوجود ليس من الأمور العينيّة ، بل هو من المحمولات العقليّة الصرف.

وتقريره : أنّه لو كان ثابتا في الأعيان ، لم يخل إمّا أن يكون نفس الماهيّات الصادق عليها ، أو مغايرا لها ، والقسمان باطلان :

أمّا الأوّل : فلما تقدّم من أنّه زائد على الماهيّة ومشترك بين المختلفات ، فلا يكون نفسها.

وأمّا الثاني : فإمّا أن يكون جوهرا أو عرضا ، والأوّل باطل ، وإلاّ لم يكن صفة لغيره. والثاني باطل ؛ لأنّ كلّ عرض فهو حاصل في المحلّ ، وحصوله في المحلّ نوع من الوجود ، فيكون للوجود وجود ، هذا خلف. ويلزم تأخّره عن محلّه وتقدّمه عليه ، هذا خلف ، فبسبب امتناع استغنائه عن المحلّ يحكم أنّه من المحمولات ، وبسبب امتناع حصوله فيه حصولا خارجيّا - في أنّ الوجود والعدم من المعقولات الثانية لئلاّ يلزم كون الماهيّة موجودة قبل قيام الوجود بها - يحكم بأنّه من المحمولات العقليّة.

وفيه نظر ؛ لكفاية كون الوجود موجودا بنفسه - كما مرّ - في عروضه للماهيّة ؛ ولهذا يحكم كلّ عاقل بأنّ الماهيّة ذات وجود خارجي.

قال : ( وهو من المعقولات الثانية ).

أقول : المراد أنّ الوجود كالشيئيّة في أنّها من المعقولات الثانية ؛ إذ ليس الوجود ماهيّة خارجيّة على ما بيّنّاه ، بل هو أمر عقليّ يعرض للماهيّات ، وهو من المعقولات الثانية المستندة إلى المعقولات الأولى ، وليس في الموجودات شيء هو

ص: 155

وجود ، بل الموجود إمّا إنسان أو حجر أو غيرهما ، فتأمّل (1).

قال : ( وكذلك العدم ).

أقول : يعني أنّ العدم أيضا من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى ؛ لما قلنا في الوجود ؛ إذ ليس في الأعيان ماهيّة هي عدم مطلق ، فهو دائما عارض لغيره.

قال : ( وجهاتهما ).

أقول : يعني به أنّ جهات الوجود والعدم - من الوجوب والإمكان والامتناع الذاتيّة والمشروطة - من المعقولات الثانية أيضا ؛ لما تقدّم من أنّها أمور اعتباريّة لا تحقّق لها في الخارج ، وقد سبق البحث فيه.

قال : ( والماهيّة ).

أقول : المراد أنّ الماهيّة أيضا من المعقولات الثانية ؛ فإنّ الماهيّة تصدق على الحقيقة باعتبار ذاتها لا من حيث إنّها موجودة أو معقولة وإن كان ما تصدق عليه الماهيّة من المعقولات الأولى ، وليس البحث فيه ، بل في الماهيّة ، أعني العارض ، فإنّ كون الإنسان ماهيّة أمر زائد على حقيقة الإنسانيّة.

قال : ( والكلّيّة والجزئيّة ).

أقول : المراد أنّ الكلّيّة والجزئيّة أيضا من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى ؛ فإنّ الماهيّة من حيث هي هي وإن كانت لا تخلو عنهما إلاّ أنّها مغايرة لهما ،

ص: 156


1- إشارة إلى أنّ المعقولات الثانية إمّا عبارة عمّا لا يفهم من اللفظ إلاّ تابعا لمفهوم آخر كالمفهوم بالنسبة إلى المنطوق. أو عبارة عمّا لا يعقل إلاّ عارضا لمعقول آخر ، كما هو مصطلح المتكلّمين. أو عبارة عمّا ليس له ما بإزاء وإن كان له منشأ انتزاع ، كما هي طريقة الحكماء. ولا ريب أنّه لا يصدق على الوجود كونه من المعقولات الثانية على التفسيرين الأوّلين ، وكذا على التفسير الثالث بناء على أصالة الوجود خاصّة أو مع الماهيّة ، فينحصر الأمر في القول بأصالة الماهيّة خاصّة أو مصاديقها ، وهو خلاف التحقيق. ( منه رحمه اللّه ).

وهما تصدقان عليها صدق العارض على معروضه ؛ فإنّ الإنسانيّة لو كانت لذاتها كلّيّة لم تصدق جزئيّة ، وبالعكس ، فالإنسانيّة ليست من حيث هي هي كلّيّة ولا جزئيّة ، بل إنّما تصدق عليها الكلّيّة عند اعتبار صدق الحقيقة على أفراد متوهّمة أو متحقّقة. والجزئيّة إنّما تصدق عليها عند اعتبار أمور أخر لتلك الحقيقة ببعض الأفراد ، فهما من المعقولات الثانية.

قال : ( والذاتيّة والعرضيّة ).

أقول : المراد أنّ الذاتيّة والعرضيّة أيضا من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى ، فإنّه ليس في الأعيان ذاتيّة ولا عرضيّة وليس لهما تأصّل في الوجود ، وقد يكون الذاتيّ لشيء عرضيّا لغيره ، وهما اعتباران عقليّان عارضان لماهيّات متحقّقة في أنفسها ، فهما من المعقولات الثانية.

قال : ( والجنسيّة والفصليّة والنوعيّة ).

أقول : المراد أنّ هذه أيضا أمور اعتباريّة عقليّة صرفة من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى ؛ فإنّ كون الإنسان نوعا أمر مغاير للحقيقة الإنسانيّة ، عارض لها ، وإلاّ لامتنع صدق الإنسانيّة على زيد ، وكذلك الجنسيّة للحيوان - مثلا - أمر عارض له ، مغاير لحقيقته ، وكذا الفصليّة للناطق ، وهذا كلّه ظاهر.

المسألة الثانية والثلاثون : في تصوّر العدم.

قال : ( وللعقل أن يعتبر النقيضين ، ويحكم بينهما بالتناقض ، ولا استحالة فيه ).

أقول : العقل يحكم بالمناقضة بين السلب والإيجاب ، فلا بدّ وأن يعتبر هما معا ؛ لأنّ التناقض من قبيل النسب والإضافات لا يمكن تصوّره إلاّ بعد تصوّر معروضه ، فيكون متصوّرا للسلب والإيجاب معا.

ولا استحالة في اجتماعهما في الذهن دفعة ؛ لأنّ التناقض ليس بالقياس إلى الذهن ، بل بالقياس إلى ما في نفس الأمر ، فيتصوّر صورة ما [ ويحكم عليها بأنّه

ص: 157

ليس لها في الخارج ما يطابقها ، ثمّ يتصوّر صورة أخرى ] (1) ويحكم عليها بأنّ لها في الخارج ما يطابقها ، ثمّ يحكم على إحداهما بمقابلة الأخرى لا من حيث إنّهما حاضرتان في العقل ، بل من حيث إنّ إحداهما استندت إلى الخارج دون الأخرى.

وقد يتصوّر الذهن صورة ما ويتصوّر سلبها ؛ لأنّها مميّزة على ما تقدّم ، ويحكم على الصورتين بالتناقض لا باعتبار حضورهما في الذهن ، بل بالاعتبار الذي ذكرناه.

قال : ( وأن يتصوّر عدم جميع الأشياء حتّى عدم نفسه وعدم العدم بأن يتمثّل في الذهن ويرفعه وهو ثابت باعتبار (2) ، قسيم باعتبار ، ويصحّ الحكم عليه من حيث هو ثابت ولا تناقض ).

أقول : الذهن يمكنه أن يتصوّر جميع المعقولات وجوديّة كانت أو عدميّة ، ويمكنه أن يلحظ عدم جميع الأشياء ؛ لأنّه يتصوّر العدم المطلق ، ويمكنه أن يقيسه إلى جميع الماهيّات ، فيمكنه أن يلحظه باعتبار نفسه ، فيتصوّر الذهن عدم نفسه ، وكذلك يمكنه أن يلحظ نفس العدم ، بمعنى أنّ الذهن يمثّل للعدم صورة ما معقولة متميّزة عن صورة الوجود ويتصوّر رفعها ويكون ثابتا باعتبار تصوّره ؛ لأنّ رفع الثبوت - الشامل للثبوت الخارجي والذهني - تصوّر لما ليس بثابت ولا متصوّر أصلا ، وهو ثابت باعتبار تصوّره ، وقسيم لمطلق الثابت باعتبار أنّه سلبه ، ولا استبعاد في ذلك ؛ فإنّا نقول : الموجود إمّا ثابت في الذهن أو غير ثابت في الذهن ، فبالاعتبار الأخير قسيم للوجود ، ومن حيث إنّه له مفهوم قسم من الثابت.

والحكم على رفع الثبوت المطلق من حيث إنّه متصوّر لا من حيث إنّه ليس بثابت ، ولا يكون متناقضا ؛ لاختلاف الموضوعين ؛ فإنّ موضوع قولنا : « المعدوم المطلق يمتنع الحكم عليه » هو مفهوم « المعدوم المطلق » المتصوّر باعتبار أنّه ثابت

ص: 158


1- الزيادة أضفناها من « كشف المراد » : 67 لتستقيم العبارة ويتّضح المعنى.
2- أي : باعتبار فرض العقل وتصوّره. ( منه رحمه اللّه ).

في الذهن ، وما له امتناع الحكم هو مصداق ذلك المفهوم ، فترتفع الشبهة المشهورة باشتمال ما ذكر على التناقض حيث حكم على المعدوم المطلق بامتناع الحكم المطلق ، فاتّصف بالامتناع والصحّة.

وفي بعض النسخ « ولا يصحّ الحكم عليه من حيث هو ليس بثابت ، وإلاّ تناقض » يعني أنّ المعدوم متّصف بامتناع الحكم عليه وليس ذلك من حيث إنّه ليس بثابت ، بل من حيث هو ثابت ، وإلاّ لزم التناقض ؛ لاتّحاد الجهة ، فمؤدّى العبارتين واحد.

قال : ( ولهذا يقسّم الموجود إلى ثابت في الذهن وغير ثابت فيه ، ويحكم بينهما بالتمايز ، وهو لا يستدعي الهويّة لكلّ من المتمايزين ، ولو فرض له هويّة ، لكان حكمها حكم الثابت ).

أقول : هذا استدلال على أنّ للذهن أن يتصوّر عدم جميع الأشياء.

وبيانه : أنّا نقسّم الموجود إلى ثابت في الذهن وغير ثابت فيه ، ونحكم بامتياز أحدهما عن الآخر ومقابلته له ، والحكم على الشيء يستدعي تصوّره وثبوته في الذهن ، فيجب أن يكون ما ليس بثابت في الذهن ثابتا فيه ، فقد تصوّر الذهن سلب ما وجد فيه ، ولا محذور فيه ؛ فإنّ ما ليس بثابت في الذهن ثابت فيه من حيث إنّه متصوّر ، وغير ثابت فيه من حيث إنّه سلب لما في الذهن.

لايقال : امتياز أحد الشيئين عن الآخر يستدعي أن يكون لكلّ من المتمايزين هويّة مغايرة لهويّة الآخر حتّى يحكم بينهما بالامتياز ، فلو كان العدم ممتازا عن الوجود ، لكان له هويّة متميّزة عنه ، لكن ذلك محال ، لأنّ العقل يمكنه رفع كلّ هويّة فيكون رفع هويّة قسيما للعدم وقسما منه ، وهذا محال.

لأنّا نقول : لا نسلّم وجوب الهويّة لكلّ من المتمايزين ، وإنّا نحكم بامتياز الهويّة عن اللاّهويّة ، وليس للاّهويّة هويّة.

سلّمنا ثبوت الهويّة لكلّ [ من المتمايزين ] (1) ، لكن هويّة العدم داخلة باعتبار

ص: 159


1- في النسخ الخطّيّة : « متمايزين ». والظاهر ما أثبتناه.

الهويّة في قسم الهويّة ، وباعتبار فرض أنّها اللاّهويّة تكون مقابلة للهويّة وقسيما لها ، ولا امتناع في كون الشيء قسما من الشيء وقسيما له باعتبارين ، على ما تقدّم تحقيقه في باب الثبوت.

قال : ( وإذا حكم الذهن على الأمور الخارجيّة بمثلها ، وجب التطابق في صحيحه ، وإلاّ فلا ، ويكون صحيحه باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر ؛ لإمكان تصوّر الكواذب ).

أقول : الأحكام الذهنيّة قد تؤخذ بالقياس إلى ما في الخارج ، وقد تؤخذ لا بهذا الاعتبار ، فإذا حكم الذهن على الأشياء الخارجيّة بأشياء خارجيّة مثلها ، كقولنا :

« الإنسان حيوان في الخارج » وجب أن يكون مطابقا لما في الخارج حتّى يكون حكم الذهن صحيحا ، وألاّ يحكم بالموجودات الخارجيّة على مثلها كأن حكم على الأمور العقليّة بالأمور العقليّة ، فلا يجب في صحّة الحكم مطابقته للخارج لعدم اعتباره ، كما في النسبة السلبيّة ، فإنّها لا تتوقّف على وجود الطرفين ، بل لو تطابق فيها النسبة الحكميّة والخارجيّة كان الحكم صحيحا ، وإلاّ لكان باطلا. فإن حكم على أشياء خارجيّة بأمور معقولة ، كقولنا : « الإنسان ممكن » ، أو حكم على الأمور الذهنيّة بأحكام ذهنيّة ، كقولنا : « الإمكان مقابل للامتناع » لم تجب مطابقته لما في الخارج ؛ إذ ليس في الخارج إمكان وامتناع متقابلان ولا في الخارج إنسان ممكن.

إذا تقرّر هذا ، فنقول : الحكم الصحيح في هذين القسمين لا يمكن أن يكون باعتبار مطابقته لما في الخارج ؛ لما تقدّم من أنّ الحكم ليس مأخوذا بالقياس إلى الخارج ، ولا باعتبار مطابقته لما في الذهن ؛ لأنّ الذهن قد يتصوّر الكواذب ؛ فإنّا قد نتصوّر كون الإنسان واجبا مع أنّه ممكن ، فلو كان صدق الحكم باعتبار مطابقته لما في الذهن ، لكان الحكم بوجوب الإنسان صادقا ، لأنّ له صورة مطابقة لهذا الحكم ، بل يكون باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر.

قال العلاّمة رحمه اللّه : « وقد كان في بعض أوقات استفادتي منه رحمه اللّه جرت هذه النكتة

ص: 160

وسألته عن معنى قولهم : إنّ الصادق في الأحكام الذهنيّة هو باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر ، والمعقول من نفس الأمر إمّا الثبوت الذهني أو الخارجي ، وقد منع كلّ منهما هاهنا.

فقال رحمه اللّه : المراد بنفس الأمر هو العقل الفعّال ، فكلّ صورة أو حكم ثابت في الذهن مطابق للصور المنتقشة في العقل الفعّال ، فهو صادق ، وإلاّ فهو كاذب.

فأوردت عليه أنّ الحكماء يلزمهم القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل الفعّال ؛ لأنّهم قالوا بالفرق بين السهو والنسيان ، فإنّ السهو هو زوال الصورة المعقولة عن الجوهر العاقل وارتسامها في الحافظ لها ، والنسيان هو زوالها عنهما معا ، وهذا يتأتّى في الصورة المحسوسة ، أمّا المعقولة فإنّ سبب النسيان هو زوال الاستعداد بزوال المفيد للعلم في باب التصوّرات والتصديقات ، وهاتان الحالتان قد تعرضان في الأحكام الكاذبة. فلم يأت فيه بمقنع.

وهذا البحث ليس من هذا المقام وإنّما انجرّ إليه الكلام ، وهو بحث شريف لا يوجد في الكتب » (1).

أقول : الأولى أن يقال : إنّ « الأمر » عبارة عن المحكوم عليه ، فمعنى قولنا : « ذلك في نفس الأمر كذا » أنّه باعتبار نفسه وذاته مع قطع النظر عن اعتبار المعتبر كذا ، أو عبارة عن علّته بناء على أنّ كلّ معلول له وجود إجماليّ في مقام اعتبار علّته ، فالمراد أنّ كلّ حكم طابقت فيه النسبة الحكميّة النسبة الخارجيّة كان صحيحا ، وغيره باطل.

المسألة الثالثة والثلاثون : في كيفيّة حمل الوجود والعدم على الماهيّات.

قال : ( ثمّ الوجود والعدم قد يحملان وقد تربط بهما المحمولات ).

أقول : الوجود والعدم - كما مرّ - على قسمين : وجود أصليّ ووجود رابطيّ ،

ص: 161


1- « كشف المراد » : 70 ، وصحّحنا النقل على المصدر.

فإنّهما قد يحملان على الماهيّات ، كما تقول : « الإنسان موجود » و « الإنسان معدوم » وقد يجعلان رابطة ، كقولنا : « الإنسان يوجد كاتبا » و « الإنسان تعدم عنه الكتابة » فجعلنا المحمول هو الكتابة. والوجود والعدم رابطتان ، إحداهما : رابطة الثبوت والوصل ، والأخرى : رابطة السلب والفصل.

قال : ( والحمل (1) يستدعي اتّحاد الطرفين من وجه وتغايرهما من آخر ، وجهة الاتّحاد قد تكون أحدهما وقد تكون ثالثا ).

أقول : لمّا ذكر أنّ الوجود والعدم قد يحملان وقد يكونان رابطة بين الموضوع والمحمول ، شرع في تحقيق معنى الحمل.

وتقريره : أنّا إذا حملنا وصفا على موصوف ، فلسنا نعني به أنّ ذات الموضوع هي ذات المحمول نفسها ، وإلاّ يلزم تحقّق حمل ووضع في الألفاظ المترادفة ، وهو باطل ؛ لأنّ قولنا : « الإنسان حيوان » حمل صادق ، وليس الإنسان والحيوان مترادفين ، ولا نعني به أنّ ذات الموضوع مباينة لذات المحمول ؛ فإنّ الشيئين

ص: 162


1- قوله : « والحمل ... » إلى آخره. اعلم أنّ الحمل على أقسام : منها : حمل الشيء على نفسه ، وهو ما إذا اتّحد الموضوع والمحمول لفظا ومفهوما ومصداقا وأحوالا ، كما إذا قيل : الإنسان إنسان. ومنها : الحمل الحقيقي ، وهو ما إذا تغايرا لفظا واتّحدا مفهوما ، وكان المحمول ذاتي للموضوع ، بل تمام حقيقته ، كما إذا قيل : الإنسان حيوان ناطق ، وهو قسم من حمل هو هو وحمل ذاتي. ومنها : الحمل المتعارفي ، وهو ما إذا تغايرا لفظا ومفهوما واتّحدا مصداقا ، بحمل الكلّي على الجزئي ، كما يقال : زيد إنسان. وهو أيضا قسم من حمل هو هو. ومنها : الحمل الاشتقاقي ، وهو ما إذا تغايرا لفظا ومفهوما ومصداقا ، ولكن كان مدلول المحمول حالا من أحوال حدّيته لمدلول الموضوع ك « زيد عدل » بمعنى عادل. ومنها : حمل تصوّر ك « زيد كيف » أي ذو كيف. ومنها : حمل المباين على المباين ؛ للتشبيه والحكم ، كقوله صلی اللّه عليه وآله : « الطواف بالبيت صلاة ». ومنها : حمل المباين للمبالغة ك « زيد حمار ». ومنها : حمل المباين لا كما ذكر. وما عدا الأوّل والأخير مقبول ... ( منه رحمه اللّه ).

المتباينين - كالإنسان والفرس - يمتنع حمل أحدهما على الآخر ، بل نعني به أنّ المحمول والموضوع بينهما اتّحاد من وجه وتغاير من وجه بالتغاير مفهوما والاتّحاد مصداقا ؛ فإنّا إذا قلنا : « الضاحك كاتب » عنينا به أنّ الشيء الذي يقال له : الضاحك هو الشيء الذي يقال له : الكاتب ، فجهة الاتّحاد هي الشيء ، وجهة التغاير هي الضحك والكتابة.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ جهة الاتّحاد قد تكون أمرا مغايرا للمحمول والموضوع ، كما في هذا المثال ؛ فإنّ الشيء الذي يقال له : ضاحك وكاتب هو الإنسان ، وهو غير الموضوع والمحمول. وقد تكون أحدهما بكون مفهوم أحدهما تمام حقيقة مصداق الآخر وكون العنوان عين الذات ، كقولنا : « الإنسان ضاحك » و « الضاحك إنسان » لاتّحاد ذات الإنسان مع مفهوم الضاحك.

قال : ( والتغاير لا يستدعي قيام أحدهما بالآخر ولا اعتبار عدم القائم في القيام لو استدعاه ).

أقول : لمّا ذكر أنّ المحمول مغاير للموضوع من وجه ، صدق عليه مطلق التغاير ، فيتوجّه شكّ ، وهو أنّ أحد الطرفين حينئذ يجب أن يكون قائما بالآخر ، وإلاّ لم تكن بينهما مناسبة ، وإذا كان قائما فالطرف الآخر في نفسه ليس متّصفا بالطرف القائم به ، وإلاّ اجتمع المثلان عند قيامه ، وحينئذ يلزم قيام الشيء بما ليس متّصفا به ، وذلك جمع للنقيضين.

فأجاب بأنّ صدق التغاير لا يستدعي قيام أحدهما بالآخر قيام العرض بمحلّه ؛ فإنّا نقول : « الإنسان حيوان » وليست الحيوانيّة قائمة بالإنسانيّة ؛ لعدم تصوّر قيام بين الكلّ والجزء ، وكفاية الاتّحاد في الصدق في الحمل.

ثمّ لو فرضنا أنّ التغاير مع الحمل يقتضي قيام أحدهما بالآخر لكن لا يلزم من كون المحمول قائما بالموضوع كون الموضوع في نفسه مأخوذا باعتبار عدم القائم من باب اعتبار الشيء بشرط لا واعتبار العدم ، بل اللازم عدم اعتبار القيام ، وبين

ص: 163

عدم الاعتبار واعتبار العدم فرق ظاهر ؛ فلا يلزم اجتماع النقيضين.

قال : ( وإثبات الوجود للماهيّة لا يستدعي وجودها قبل وجودها ).

أقول : إنّ الحكماء أطبقوا على أنّ الموصوف بالصفة الثبوتيّة يجب أن يكون ثابتا. (1)

وقد أورد على هذا : أنّ الوجود ثابت للماهيّة ، فيجب أن تكون الماهيّة ثابتة أوّلا حتّى يتحقّق لها ثبوت آخر ويتسلسل ، مضافا إلى أنّه يلزم أن تكون الماهيّة موجودة بوجودين أو بوجود واحد مرّتين ، وذلك محال بالضرورة.

والجواب : ما تقدّم فيما حقّقناه أوّلا من أنّ الوجود ليس عروضه للماهيّات عروض السواد للمحلّ ، بل زيادته إنّما هي في التصوّر والتعقّل لا في الوجود الخارجي ، بمعنى أنّ الوجود ثابت للماهيّة من حيث هي ، لا للماهيّة المعدومة و [ لا ] للماهيّة الموجودة.

مضافا إلى كون الماهيّة ثابتة بالوجود الثابت بنفسه ، المحمول عليها ، كما في المنوّر بالنور ، كما مرّ.

قال : ( وسلبه عنها لا يقتضي تميّزها وثبوتها بل نفيها لا إثبات نفيها. وثبوتها في الذهن وإن كان لازما لكنّه ليس شرطا ).

أقول : هذا جواب شكّ يورد على سلب الوجود عن الماهيّة.

وتقريره : أنّ سلب الوجود عن الماهيّة لا يقتضي أن تكون الماهيّة متميّزة عن غيرها وثابتة في نفسها وفي الخارج ، بل يكفي ثبوتها وتميّزها في الذهن ، فسلبه عنها لا يقتضي إلاّ نفيها في الخارج ، لا إثبات نفيها بأن يكون هناك أمر متحقّق هو الماهيّة وقد ثبت لها الانتفاء.

وثبوتها في الذهن ليس شرطا لسلب الوجود بأن يسلب الوجود عن الماهيّة

ص: 164


1- لقاعدة أنّ ثبوت الشيء للشيء فرع لثبوت المثبت له. ( منه رحمه اللّه ).

الموجودة في الذهن بشرط كونها موجودة فيه حتّى يلزم اجتماع النقيضين ، بل يلزم من كون الماهيّة من حيث هي محكوما عليها بالسلب وجودها في الذهن ، ولا محذور فيه ؛ فإنّ سلب الوجود عن الماهيّة في الجملة لا يناقض وجودها في زمان كونها محكوما عليها ، فلا يلزم اجتماع النقيضين.

قال : ( والحمل والوضع من المعقولات الثانية ، يقالان بالتشكيك ، وليست الموصوفيّة ثبوتيّه ، وإلاّ تسلسل ).

أقول : الحمل والوضع من الأمور المعقولة ، وليس في الخارج حمل ولا وضع ، بل الثابت في الخارج هو الإنسان والكتابة.

وأمّا صدق الكاتب على الإنسان فهو أمر عقليّ ، ولهذا حكمنا بأنّ الحمل والوضع من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى من حيث هي في العقل ، ويقالان على أفرادهما بالتشكيك ؛ فإنّ استحقاق بعض المعاني للحمل أولى من البعض الآخر ، وكذا الوضع. وإذا قلنا : « الجسم أسود » فقد حكمنا على الجسم بأنّه موصوف بالسواد ، والموصوفيّة أمر اعتباريّ ذهنيّ لا خارجيّ حقيقيّ ؛ لأنّ الموصوفيّة لو كانت وجوديّة لزم التسلسل.

وبيان الملازمة : أنّها لو كانت خارجيّة لكانت عرضا قائما بالمحلّ ، فاتّصاف محلّها بها يستدعي موصوفيّة أخرى ، فنقل الكلام إليها ويتسلسل.

المسألة الرابعة والثلاثون : في انقسام الموجود إلى ما بالذات وإلى ما بالعرض.

قال : ( ثمّ الموجود قد يكون بالذات وقد يكون بالعرض ).

أقول : الموجود إمّا أن يكون له حصول مستقلّ في الأعيان أو لا يكون.

والأوّل هو الموجود بالذات ، سواء كان جوهرا أو عرضا ؛ فإنّ العرض وإن كان لا يوجد إلاّ بمحلّه لكنّه موجود حقيقة ، فإنّ وجود العرض ليس هو بعينه وجود

ص: 165

المحلّ ؛ إذ قد يوجد المحلّ بدون العرض ثمّ يوجد بعد ذلك العرض فيه ، كالجسم إذا دخل فيه السواد بعد أن لم يكن.

والثاني هو الموجود بالعرض كأعدام الملكات ، فإنّ الأعمى موجود بالعرض ، بمعنى أنّ ما صدق عليه موجود. وكذا الأمور الاعتباريّة الذهنيّة التي لا تحقّق لها في الأعيان ويقال : إنّها موجودة في الأعيان بالعرض.

قال : ( وأمّا الوجود في الكتابة والعبارة فمجازيّ ).

أقول : للشيء وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ، وقد سبق البحث فيهما ، ووجود في العبارة ووجود في الكتابة.

والذهني يدلّ على ما في العين ، والعبارة تدلّ على الأمر الذهني ، والكتابة تدلّ على العبارة لكنّ الوجودين الأوّلين حقيقيّان ، والباقيين مجازيّان ؛ إذ لا يحكم العاقل بأنّ زيدا - مثلا - موجود في اللفظ والكتابة ؛ لأنّ العبارة صوت موضوع بإزائه ، والكتابة نقش موضوع بإزاء اللفظ الدالّ عليه ، ولكن لمّا دلاّ عليه ، حكم على سبيل المجاز أنّه موجود فيهما.

والسرّ في تسمية هذا الوجود مجازا ، وما تقدّم وجودا بالعرض ، أنّ جعل ذات الشيء موجودا باعتبار أنّ الدالّ عليها موجود في العبارة أو الكتابة أبعد من جعل المحمول على الموجود موجودا باعتبار كونه محمولا عليه ، فسمّي أحدهما موجودا بالعرض والآخر موجودا بالمجاز ؛ تنبيها على التفاوت بينهما.

المسألة الخامسة والثلاثون : في عدم جواز إعادة المعدوم.

قال : ( والمعدوم لا يعاد ؛ لامتناع الإشارة إليه ، فلا يصحّ الحكم عليه بصحّة العود ).

أقول : ذهب جماعة من الحكماء والمتكلّمين إلى أنّ المعدوم بعينه وبجميع عوارضه المشخّصة لا يعاد.

ص: 166

وذهب آخرون منهم إلى أنّه يمكن أن يعاد (1).

والحقّ : الأوّل من غير منافاة للقول بالمعاد الجسماني ؛ لبقاء موادّ الأجسام وإن تفرّق أجزاؤها واضمحلّ صورها ، ففيه إعطاء الصور للموادّ وعود الأرواح إلى الأجساد من غير أنّ المعدوم الصرف يعاد.

والظاهر أنّ ذلك ضروريّ ، ولهذا قال الإمام الرازي - على ما حكي عنه - : « إنّ كلّ من رجع إلى فطرته السليمة ورفض عن نفسه الميل والعصبيّة ، شهد عقله الصريح بأنّ إعادة المعدوم ممتنعة » (2).

ومثّل له بنقش حرف في لوح ومحوه ونقش ذلك الحرف بعينه في ذلك الموضع بعد ذلك ؛ فإنّ المنقوش ثانيا مثل الأوّل لا عينه (3).

واستدلّ المصنّف عليه بوجوه (4) :

[ الوجه ] الأوّل : أنّ المعدوم لا تبقى له هويّة ولا يتميّز عن غيره ، فلا يصحّ أن يحكم عليه بحكم ما من الأحكام ، فلا يمكن الحكم عليه بصحّة العود.

وهذا مستلزم لامتناع الحكم عليه بامتناع العود ؛ فإنّه أيضا حكم ما. والإرجاع إلى الحكم السلبي الذي يصحّ على المعدوم مشترك.

والتحقيق هنا أنّ الحكم يستدعي الحضور الذهني لا الوجود الخارجي ، ولهذا يحكم على شريك البارئ بأنّه ممتنع.

قال : ( ولو أعيد تخلّل العدم بين الشيء ونفسه ).

ص: 167


1- « تلخيص المحصّل » : 390 ؛ « شرح المقاصد » 5 : 82.
2- هذا الكلام ليس للفخر الرازي ، بل الرازي نقله عنه الشيخ نقلا بالمعنى ، والمحقّق اللاهيجي نقل نقل الرازي في المباحث عن الشيخ. راجع آخر الفصل الخامس من المقالة الأولى من « إلهيّات الشفاء » : 41 ؛ و « المباحث المشرقية » 1 : 138 ؛ و « شوارق الإلهام » ، المسألة الثالثة والثلاثين من الفصل الأوّل.
3- « شوارق الإلهام » : 118.
4- لمزيد الاطّلاع عن هذه الأدلّة راجع « مناهج اليقين » : 333 وما بعدها ؛ « كشف المراد » : 73 - 74 ؛ « شرح المواقف » 8 : 292.

أقول : هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالّة على امتناع إعادة المعدوم.

وتقريره : أنّ الشيء بعد عدمه نفي محض وعدم صرف ، وإعادته إنّما تكون بوجود عينه الذي هو المبتدأ بعينه في الحقيقة ، فيلزم تخلّل العدم بين الشيء ونفسه ، وتخلّل النفي بين الشيء الواحد غير معقول.

وأجيب : بأنّ التخلّل لزمان العدم بين زماني وجود الشيء بعينه.

وفيه : أنّ بديهة العقل حاكمة بأنّ الثاني مثل الأوّل لا عينه.

قال : ( ولم يبق فرق بينه وبين المبتدأ ).

أقول : هذا هو الوجه الثالث.

وتقريره : أنّ المعدوم لو أعيد لم يبق فرق بينه وبين المبتدأ ؛ فإنّا إذا فرضنا سوادين - أحدهما معاد والآخر مبتدأ - وجدا معا ، لم يقع بينهما افتراق في الماهيّة ولا المحلّ ولا غير ذلك من المميّزات إلاّ كون أحدهما كان موجودا ثمّ عدم ، والآخر لم يسبق عدمه وجوده ، لكن هذا الفرق باطل ؛ لامتناع تحقّق الماهيّة في العدم ، فلا يمكن الحكم عليها بأنّها هي هي حالة العدم ، وإذا لم يبق فرق بينهما ، لم يكن أحدهما أولى من الآخر بالإعادة أو الابتداء.

قال : ( وصدق المتقابلان عليه دفعة ).

أقول : هذا وجه رابع ، وهو أنّه لو أعيد المعدوم لصدق المتقابلان على الشيء الواحد دفعة واحدة ؛ والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّه لو أعيد لأعيد مع جميع مشخّصاته ، ومن جملة المشخّصات الزمان ، فيلزم جواز الإعادة على الزمان ، فيكون مبتدأ معادا ، وهو محال ؛ لأنّهما متقابلان لا يمكن صدقهما على ذات واحدة.

قال : ( ويلزم التسلسل في الزمان ).

أقول : هذا دليل امتناع إعادة الزمان.

وتقريره : أنّه لو أعيد الزمان ، لكان وجوده ثانيا مغايرا لوجوده أوّلا ، والمغايرة

ص: 168

ليست بالماهيّة ولا بالوجود وصفات الوجود ، بل بالقبليّة والبعديّة لا غير ، فيكون للزمان زمان آخر يوجد فيه تارة ويعدم أخرى ، وذلك يستلزم التسلسل.

قال : ( والحكم بامتناع العود لأمر لازم للماهيّة ).

أقول : هذا جواب عن استدلال من ذهب إلى إمكان إعادة المعدوم.

وتقرير الدليل : أنّ الشيء بعد العدم إن استحال وجوده لماهيّة أو لشيء من لوازمها ، وجب امتناع مثله الذي هو الوجود المبتدأ ، وإن كان لأمر غير لازم بل لعارض ، فعند زوال ذلك العارض يزول الامتناع.

وتقرير الجواب : أنّ الشيء بعد العدم ممتنع الوجود المقيّد ببعديّة العدم ، وذلك الامتناع من جهة ما هو لازم للماهيّة الموصوفة بالعدم بعد الوجود ، وهو كونها قد طرأ عليها العدم ، وامتناع العود بسبب هذا اللازم لا يقتضي امتناع وجوده ابتداء ؛ لعدم تحقّق سبب الامتناع - أعني هذا اللازم - هناك.

نعم ، إيجاد مثل الموجود أوّلا ممكن ، وهو غير إعادة المعدوم ، كما هو معلوم.

المسألة السادسة والثلاثون : في قسمة الموجود إلى الواجب والممكن ، وأنّ الممكن محتاج إلى المؤثّر ضرورة.

قال : ( وقسمة الموجود إلى الواجب والممكن ضروريّة وردت على الموجود من حيث هو قابل للتقييد وعدمه ).

أقول : العقل يحكم - حكما ضروريّا - أنّ الموجود إمّا أن يكون مستغنيا عن غيره أو محتاجا ، والأوّل واجب ، والثاني ممكن.

وهذه قسمة ضروريّة لا يفتقر فيها إلى برهان.

وليست القسمة واردة على مطلق الموجود من حيث هو موجود مطلق ؛ فإنّ الشيء من حيث هو ذلك الشيء يستحيل أن ينقسم إلى متنافيين هما غير ذلك الشيء ، وإذا اعتبرت قسمته فلا تؤخذ مع هذه الحيثيّة ، بل يؤخذ الشيء من غير

ص: 169

تقييد بشرط مع تجويز التقييد بالقيود المتقابلة ، ويقسم ، فينضاف إلى مفهومه مفهومات أخر ، ويصير مفهومه مع كلّ واحد من تلك المفهومات قسما.

قال : ( والحكم على الممكن بإمكان الوجود حكم على الماهيّة لا باعتبار العدم والوجود ).

أقول : هذا جواب شكّ يتوجّه في المقام ، وهو أنّ القسمة إلى الواجب والممكن فرع الحكم على الممكن بإمكان الوجود ، وهو غير ممكن ؛ لأنّ كلّ ماهيّة إمّا موجودة فلا تقبل العدم ، وإمّا معدومة فلا تقبل الوجود ؛ وإلاّ اجتمع النقيضان.

وتقرير الجواب : أنّ المحكوم عليه هو الماهيّة من حيث هي ، لا باعتبار الوجود أو العدم حتّى يلزم اجتماع النقيضين ، كما مرّ مثله.

قال : ( ثمّ الإمكان قد يكون آلة في التعقّل ، وقد يكون معقولا باعتبار ذاته ).

أقول : هذا جواب شكّ آخر ، وهو أنّه لو اتّصف شيء بالإمكان لوجب اتّصافه به ، وإلاّ لأمكن زوال الإمكان عن ماهيّة الممكن ، وهو محال ؛ لأنّ الإمكان من لوازم ماهيّة الممكن ، ووجب اتّصافه بذلك الوجوب أيضا ، وكذا بوجوب الوجوب (1) وهكذا حتّى تتسلسل الوجوبات ؛ حذرا عن المحذور المذكور.

وتقرير الجواب : أنّ هذا التسلسل - كالتسلسل في كثير من المفهومات كاللزوم والحدوث والوحدة - تسلسل في الأمور الاعتباريّة ، وربّما تنقطع السلسلة بحسب انقطاع الاعتبار.

بيانه : أنّ كون الشيء معقولا ، ينظر فيه العقل ويعتبر فيه وجوده ولا وجوده ، غير كونه آلة للتعقّل ، ولا ينظر فيه من حيث ينظر فيما هو آلة لتعقّله ، بل إنّما ينظر إليه من حيث هو هو ، مثلا : العاقل يعقل السماء بصورة في عقله ويكون معقوله السماء ، ولا ينظر حينئذ في الصورة التي بها يعقل السماء ولا يحكم عليها بحكم ، بل يعقل أنّ المعقول بتلك الصورة هو السماء وهو جوهر ، ثمّ إذا نظر في تلك الصورة وجعلها

ص: 170


1- في « ج » : « الوجود » بدل « الوجوب ».

معقولة منظورا إليها لا آلة في النظر إلى غيرها ، وجدها عرضا موجودا في محلّ هو عقله.

إذا ثبت هذا ، فنقول : الإمكان كآلة للعاقل ، بها يعرف حال الممكن في أنّ وجوده على أيّ أنحاء العروض يعرض للماهيّة ، ولا ينظر في كون الإمكان موجودا أو معدوما أو جوهرا أو عرضا أو واجبا أو ممكنا ، فليس حينئذ إلاّ أمر واحد ، فلا يلزم تسلسل ، ثمّ إذا نظر في وجوده أو إمكانه أو وجوبه أو جوهريّته أو عرضيّته ، لم يكن بذلك الاعتبار إمكانا لشيء ، بل كان عرضا في محلّه ، وهو العقل ، وممكنا في ذاته.

والإمكان من حيث هو إمكان لا يوصف بكونه موجودا أو غير موجود ، وممكنا أو غير ممكن ، وإذا وصف بشيء من ذلك ، لا يكون حينئذ إمكانا ، بل يكون له إمكان آخر يعتبره العقل.

والإمكان أمر عقليّ ، فمهما اعتبر العقل للإمكان ماهيّة ووجودا حصل فيه إمكان إمكان ، ولا يتسلسل ، بل ينقطع عند انقطاع الاعتبار ، وهكذا حكم جميع الاعتبارات العقليّة من الوجوب والسببيّة والحدوث وغيرها من ثواني المعقولات.

قال : ( وحكم الذهن على الممكن بالإمكان اعتبار عقليّ ، فيجب أن يعتبر مطابقته لما في العقل ).

أقول : هذا جواب عن استدلال من يقول بأنّ الإمكان موجود في الخارج.

[ و ] تقريره : أنّ حكم الذهن على الممكن بالإمكان إن لم يكن مطابقا للخارج كان جهلا ، وكان الذهن قد حكم بالإمكان على ما ليس بممكن ، وإن كان مطابقا للخارج كان الإمكان موجودا فيه.

وتقرير الجواب : أنّ الإمكان أمر عقليّ ، فإذا اعتبر فيه المطابقة فيجب أن يكون مطابقا لما في العقل ؛ لأنّه اعتبار عقليّ ، على ما تقدّم.

قال : ( والحكم بحاجة الممكن ضروريّ ، وخفاء التصديق لخفاء التصوّر غير قادح ).

ص: 171

أقول : أنكر جماعة كذيمقراطيس وأتباعه - على ما حكي (1) - وجود الواجب واحتياج الممكن إلى المؤثّر ، قائلين بأنّ وجود السماوات بطريق البخت والاتّفاق.

واختار المحقّقون احتياجه إليه (2) ، وذهب إليه المصنّف رحمه اللّه كما ذكرنا.

ومراده أنّ كلّ عاقل إذا تصوّر الممكن والاحتياج إلى المؤثّر ، حكم بنسبة أحدهما إلى الآخر حكما ضروريّا لا يحتاج معه إلى برهان.

وخفاء هذا التصديق عند بعض العقلاء لا يقدح في ضروريّته ؛ لأنّ الخفاء في الحكم يستند إلى خفاء التصوّر لا لخفائه في نفسه ، ولهذا إذا مثّل للمتشكّك في هذه القضيّة حال الوجود والعدم بالنسبة إلى الماهيّة بحال كفّتي الميزان وأنّهما كما يستحيل ترجّح إحدى الكفّتين على الأخرى بغير مرجّح كذلك الممكن المتساوي الطرفين ، حكم بالحاجة إلى المؤثّر.

قال : ( والمؤثّريّة اعتبار عقليّ ).

أقول : هذا جواب عن استدلال أورده بعض المغالطين على احتياج الممكن إلى المؤثّر (3).

وتقرير السؤال : أنّ الممكن لو افتقر إلى المؤثّر لكانت مؤثّريّة المؤثّر في ذلك الأثر وصفا ممكنا محتاجا إلى المؤثّر ، فتتحقّق هناك مؤثّريّة أخرى ، وننقل الكلام إليها حتّى يتسلسل.

وتقرير الجواب : أنّ المؤثّريّة ليست موجودة في الخارج حتّى يلزم كونها وصفا ممكنا محتاجا إلى المؤثّر ، بل هو اعتبار عقليّ ينقطع بانقطاع الاعتبار.

نعم ، التأثير أمر موجود بنفسه ، كما أنّ الأثر موجود بالتأثير ، نظير الماهيّة والوجود.

ص: 172


1- حكاه الشيخ في « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 61.
2- انظر : « المباحث المشرقية » 1 : 218 ؛ « تلخيص المحصّل » : 111 وما بعدها ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 129 وما بعدها ؛ « مناهج اليقين » : 5 ؛ « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة الخامسة والثلاثون.
3- الاستدلال المذكور أورده الفخر الرازي في « المحصّل » : 194 وما بعدها.

قال : ( والمؤثّر يؤثّر في الأثر لا من حيث هو موجود ولا من حيث هو معدوم ).

أقول : هذا جواب عن سؤال آخر لهم (1).

وتقرير السؤال : أنّ المؤثّر إمّا أن يؤثّر في الأثر حال وجوده أو حال عدمه ، والقسمان باطلان فالتأثير باطل.

أمّا بطلان الأوّل : فلاستلزامه تحصيل الحاصل.

وأمّا بطلان الثاني : فلأنّ حال العدم لا أثر فلا تأثير ؛ لأنّ التأثير إن كان غير حصول الأثر عن المؤثّر فحيث لا أثر فلا تأثير ، وإن كان مغايرا فالكلام فيه كالكلام في الأوّل ، مضافا إلى لزوم الجمع بين النقيضين.

وتقرير الجواب أن نقول : إن أردت بحال وجود الأثر زمان وجوده ، فليس بمستحيل أن يؤثّر في الأثر في زمان وجود الأثر ؛ لأنّ العلّة مع المعلول تكون بهذه الصفة ؛ لأنّ ذلك تحصيل للحاصل بهذا التحصيل ، لا لما كان حاصلا قبل هذا التحصيل. وإن أردت به مقارنة المؤثّر للأثر ، الذاتيّة ، فذلك مستحيل.

والحاصل : أنّ المؤثّر إنّما يؤثّر فيه لا من حيث هو موجود حتّى يلزم تحصيل الحاصل ، ولا من حيث هو معدوم حتّى يلزم جمع النقيضين ، بل يؤثّر من حيث هو غير مقيّد بشيء من الوجود والعدم ، فلا يلزم محال.

قال : ( وتأثيره في الماهيّة ويلحقه وجوب لاحق ).

أقول : هذا جواب عن سؤال ثالث لهم (2).

وتقريره : أنّ المؤثّر إمّا أن يؤثّر في الماهيّة أو في الوجود أو في اتّصاف الماهيّة بالوجود ، والأقسام كلّها باطلة فالتأثير باطل.

أمّا الأوّل : فلأنّ كلّ ما بالغير يرتفع بارتفاعه ، لكن ذلك محال ؛ لأنّ صيرورة الماهيّة غير الماهيّة محال ؛ لاستحالة سلب الشيء عن نفسه في غير المعدوم.

ص: 173


1- راجع « المحصّل » : 198.
2- راجع « المحصّل » : 198 - 201.

وأمّا الثاني : فلأنّه يلزم ارتفاع الوجود عند ارتفاع المؤثّر ، ويلزم ما تقدّم من المحال.

وأمّا الثالث : فلأنّ الموصوفيّة ليست بثبوتية (1) ، وإلاّ لزم التسلسل ، فلا تكون أثرا.

سلّمنا ، لكنّ المؤثّر يؤثّر في ماهيّتها أو في وجودها أو في اتّصاف ماهيّتها بوجودها ، ويعود المحال.

وتقرير الجواب : أنّ المؤثّر يؤثّر في الماهيّة بجعلها موجودة لا جعلها إيّاها ؛ لعدم تصوّر توسّط الجعل بين الشيء ونفسه كما حكي (2) عن أبي عليّ أنّه سئل عن هذه المسألة - وقد كان يأكل المشمش - فقال : الجاعل لم يجعل المشمش مشمشا بل جعل المشمش موجودا ، أو بالجعلين معا ، وبعد تعلّق الجعل بالماهيّة يجب تحقّقها وجوبا لاحقا مترتّبا عليه.

قال : ( وعدم الممكن يستدعي عدم علّته ، على ما مرّ ).

أقول : هذا جواب عن سؤال أخر (3).

وتقريره : أنّ الممكن لو افتقر في طرف الوجود إلى المؤثّر لافتقر في طرف العدم أيضا إليه ؛ لتساويهما بالنسبة إليه ، والتالي باطل ؛ لأنّ المؤثّر لا بدّ له من أثر ، والعدم نفي محض ، فيستحيل استناده إلى المؤثّر.

وتقرير الجواب : أنّ عدم الممكن المتساوي ليس نفيا محضا بل هو عدم ملكة. وتساوي طرفي وجوده وعدمه إنّما يكون في العقل. والمرجّح لطرف الوجود لا بدّ أن يكون موجودا في الخارج ، كما مرّ ، وأمّا في العدم فلا يكون إلاّ عقليّا ، وهو عدم العلّة ، وعدم العلّة ليس بنفي محض ، وهو يكفي في الترجيح العقلي ، ولامتيازه عن

ص: 174


1- في نسخة الأصل : « ثبوتيّة ».
2- حكاه القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 69 واللاهيجي في « شوارق الإلهام » الفصل الأوّل ، المسألة الخامسة والثلاثون.
3- راجع « المحصّل » : 201.

عدم المعلول في العقل يجوز أن يعلّل هذا العدم بذلك العدم.

المسألة السابعة والثلاثون : في أنّ الممكن الباقي محتاج إلى المؤثّر.

قال : ( والممكن الباقي مفتقر إلى المؤثّر لوجود علّته ).

أقول : اختلفوا في أنّ الممكن الباقي هل يفتقر إلى المؤثّر حال بقائه أم لا؟

فذهب جماعة - [ حيث ] قالوا : إنّ علّة الافتقار إلى المؤثّر هو الحدوث وحده أو مع الإمكان ، أو الإمكان بشرط الحدوث - إلى أنّ الممكن حال بقائه مستغن عن المؤثّر ؛ إذ لا حدوث حال البقاء كما في بقاء البناء بعد فناء البنّاء ؛ ولهذا قالوا : لو جاز على الصانع العدم لما ضرّ العالم (1).

وقال بعضهم : إنّ الجواهر محتاجة إلى الصانع من جهة الأعراض المتجدّدة أو الأكوان المتجدّدة المحتاجة إلى الصانع (2).

وذهب جمهور الحكماء والمتأخّرين من المتكلّمين إلى أنّ الممكن الباقي محتاج إلى المؤثّر (3).

وبالجملة : كلّ من قال بأنّ الإمكان علّة تامّة في احتياج الأثر إلى المؤثّر حكم بأنّ الممكن الباقي مفتقر إلى المؤثّر.

والدليل عليه : أنّ علّة الحاجة إنّما هي الإمكان ، وهو لازم للماهيّة ضروريّ اللزوم ، فهي أبدا محتاجة إلى المؤثّر ؛ لأنّ وجود العلّة يستلزم وجود المعلول ، فهي محتاجة إلى المؤثّر في الوجود بعد الوجود ، كما أنّها محتاجة إليه في أصل الوجود.

وأمّا البنّاء فهو علّة معدّة لفيضان صورة البناء من واهب الصور ، وانعدام العلّة المعدّة لا يوجب انعدام المعلول ، كما في الأقدام.

ص: 175


1- راجع « الشفاء » الإلهيّات ، الفصل 1 و 2 من المقالة السادسة ؛ « التحصيل » : 524 وما بعدها ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 67 وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : 69 - 70.
2- راجع « الشفاء » الإلهيّات ، الفصل 1 و 2 من المقالة السادسة ؛ « التحصيل » : 524 وما بعدها ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 67 وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : 69 - 70.
3- « تلخيص المحصّل » : 121.

قال : ( والمؤثّر يفيد البقاء بعد الإحداث ).

أقول : لمّا حكم باحتياج الممكن الباقي إلى المؤثّر ، شرع في تحقيق الحال فيه ، وأنّ الصادر عن المؤثّر ما هو حال البقاء؟ وذلك لأنّ الشبهة دخلت على القائلين باستغناء الباقي عن المؤثّر بسبب أنّ المؤثّر لا تأثير له حال البقاء ؛ لأنّه إمّا أن يؤثّر في الوجود الذي كان حاصلا ، وهو محال ؛ لأنّ تحصيل الحاصل محال ، أو في أمر جديد ، فيكون المؤثّر مؤثّرا في الجديد لا في الباقي.

والتحقيق : أنّ قولهم : إنّ المؤثّر لا تأثير له حال البقاء غلط ؛ فإنّ المؤثّر يفيد البقاء بعد الإحداث ، وتأثيره بعد الإحداث في أمر جديد هو البقاء ؛ فإنّه غير الإحداث ؛ لأنّه عبارة عن الوجود بعد الوجود ، فهو مؤثّر في أمر جديد صار به باقيا لا في الذي كان باقيا. وأمّا البنّاء فهو علّة معدّة لا فاعليّة تامّة.

قال : ( ولهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثّر الموجب لو أمكن ، ولا يمكن استناده إلى المختار ).

أقول : المراد أنّ الممكن الباقي لمّا كان لإمكانه مفتقرا إلى المؤثّر في بقائه ، جاز أن يستند الممكن القديم إلى المؤثّر الموجب بالذات لو أمكن وجود ذلك المؤثّر ، كما يدّعيه الفلاسفة (1) ؛ لأنّ الإمكان علّة الافتقار كما مرّ.

نعم ، هذا الممكن لا يحتاج إليه إلاّ في البقاء ؛ لعدم الحدوث ، بخلاف الممكن الحادث ، فإنّه يحتاج إليه في الحدوث والبقاء.

وأمّا استناد الممكن القديم إلى المؤثّر المختار فغير ممكن ؛ لأنّ المختار هو الذي يفعل بواسطة القصد والاختيار ، والقصد إنّما يتوجّه في التحصيل إلى شيء معدوم ؛ لأنّ القصد إلى تحصيل الحاصل محال ، وكلّ معدوم تجدّد فهو حادث غير قديم ، والكلام في الممكن القديم.

وردّ : بأنّ تقدّم القصد على الإيجاد والوجود تقدّم بالذات لا بالزمان ، فلا يلزم

ص: 176


1- انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 60 وما بعدها ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 127 وما بعدها.

الحدوث المخلّ.

نعم ، الحدوث الذاتي واقع ، ولكنّه غير قادح.

ويمكن أيضا أن يقال : إنّ المختار الموجب - بكسر الجيم - كالموجب - بفتح الجيم - في جواز الاستناد إليه.

ومنع الإمام الرازي استناده إلى الموجب أيضا استنادا إلى أنّ التأثير في حال البقاء تحصيل للحاصل ، وفي حال العدم أو الحدوث يستلزم الحدوث وعدم القدم (1) مردود : بأنّ إفادة البقاء للباقي بهذا البقاء ليس تحصيلا لما كان حاصلا قبل ، بل هو تحصيل للحاصل بذلك التحصيل ، وهو غير محال.

المسألة الثامنة والثلاثون : في نفي قديم ثان.

قال : ( ولا قديم سوى اللّه ؛ لما يأتي ).

أقول : القديم بالذات لا يوصف به سوى ذات اللّه تعالى بلا خلاف. وأمّا القديم الزماني ففيه خلاف ؛ إذ قد خالف في هذا جماعة كثيرة :

أمّا الفلاسفة فظاهر ؛ لقولهم بقدم أصل العالم من العقول والنفوس السماويّة والأجسام الفلكية والعنصرية (2).

وأمّا المسلمون فالأشاعرة أثبتوا ذاته تعالى وصفاته في الأزل كالقدرة والعلم والحياة والوجود والبقاء وغير ذلك من الصفات على ما يأتي.

وأبو هاشم - على ما حكي - أثبت أحوالا خمسة ؛ فإنّه علّل القادريّة والعالميّة والحيّيّة والموجوديّة بحالة خامسة مميّزة للذات ، وهي الإلهيّة.

وأمّا الحرنانيّون (3) فقد أثبتوا - على ما حكي - خمسة من القدماء : اثنان حيّان

ص: 177


1- لم نعثر عليه فيما لدينا من مصنّفات الفخر الرازي ، نقله عنه القوشجي أيضا في « شرح تجريد العقائد » : 71.
2- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 172 - 186 ؛ « شرح حكمة الإشراق » : 391 ، طبعة حجرية.
3- الحرنان : رجل من المجوس ادّعى النبوّة. ( منه رحمه اللّه ).

فاعلان هما البارئ تعالى والنفس ، وواحد منفعل غير حيّ هو الهيولى ، واثنان لا حيّان ولا فاعلان ولا منفعلان هما الدهر والخلاء (1).

فأمّا قدمه تعالى : فهو ظاهر.

وأمّا النفس والهيولى : فلاستحالة تركّبهما عن المادّة ، وكلّ حادث مركّب.

وأمّا الزمان : فلاستحالة التسلسل اللازم على تقدير عدمه.

وأمّا الخلاء فرفعه غير معقول.

واختار ابن زكريّا الرازي الطبيب هذا المذهب (2). واختار المصنّف المحقّق ما هو الحقّ الحقيق وبالقبول يليق ، من أنّه ليس في الوجود قديم لا بالذات ولا بالزمان سوى ذات اللّه تعالى ، وأنّ صفاته تعالى ليست بزائدة على ذاته ، كما ذهب إليه الحكماء والإماميّة والمعتزلة.

وبالجملة ، فما عدا هذا المذهب باطل ، بل قالوا : إثبات القدماء كفر ، والنصارى إنّما كفروا لمّا أثبتوا مع ذاته تعالى صفات ثلاثا قديمة سمّوها أقانيم هي : العلم والوجود والحياة ، فكيف لا يكون كذلك من أثبت مع ذاته صفات سبعا أو أكثر!؟

ودليل المختار أنّ كلّ ما سوى اللّه تعالى ممكن متغيّر ، وكلّ ممكن متغيّر حادث. وسيأتي تقريرها.

المسألة التاسعة والثلاثون : في عدم وجوب المادّة والمدّة للحادث.

قال : ( ولا يفتقر الحادث إلى المدّة والمادّة ، وإلاّ لزم التسلسل ).

أقول : ذهب الفلاسفة إلى أنّ كلّ حادث مسبوق بمادّة ومدّة (3).

ص: 178


1- « نقد المحصّل » : 125 - 127 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 238 - 240.
2- اختاره في كتابه الموسوم ب- « القول في القدماء الخمسة » وهو ليس بأيدينا ، راجع في ذلك « نهاية المرام » 1 : 240.
3- « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 97 وما بعدها ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 231 - 232 ؛ « نقد المحصّل » : 127 - 128.

والمراد بالمدّة الزمان ، وبالمادّة موضوع الحادث إن كان عرضا ، وهيولاه إن كان صورة ، ومتعلّقه إن كان نفسا. وقد تفسّر المادّة بالهيولى وحدها.

والبرهان على هذه الدعوى أنّ كلّ حادث ممكن ، فإمكانه سابق عليه ، وهو عرض لا بدّ له من محلّ ، وليس المعدوم ؛ لانتفائه ، فهو ثبوتي هو المادّة ؛ ولأنّ كلّ حادث يسبقه عدمه سبقا لا يجامعه المتأخّر ، فالسبق بالزمان ، وهو يستدعي ثبوته.

وهذان الدليلان باطلان ؛ لأنّهما يلزم منهما التسلسل ؛ لأنّ المادّة ممكنة حادثة ؛ إذ لا قديم سوى اللّه تعالى ، كما تقدّم ، فمحلّ إمكانها مغاير لها ، فتكون لها مادّة أخرى ، وننقل الكلام إليها حتّى يتسلسل.

على أنّا قد بيّنّا أنّ الإمكان عدميّ ؛ لأنّه لو كان ثبوتيّا لكان ممكنا ، فيكون له إمكان ، ويلزم التسلسل. والزمان تتقدّم أجزاؤه بعضها على بعض هذا النوع من التقدّم ، فيكون للزمان زمان فيتسلسل ، هذا خلف.

وأجابوا أيضا عن الأوّل : بأنّ الإمكان لفظ مشترك بين ما يقابل الامتناع - وهو صفة عقليّة يوصف بها كلّ ما عدا الواجب والممتنع من المتصوّرات ، ولا يلزم من اتّصاف الماهيّة بها كونها مادّيّة - وبين الاستعداد ، وهو موجود معدود في نوع من جنس الكيف ، وإذا كان موجودا وعرضا وغير باق بعد الخروج إلى الفعل ، فيحتاج لا محالة قبل الخروج إلى محلّ ، وهو المادّة.

وعن الثاني : أنّ القبليّة والبعديّة تلحقان الزمان لذاته ، فلا يفتقر إلى زمان آخر (1).

وردّ الأوّل : بأنّ ذلك العرض حادث ، فيتوقّف على استعداد له ، ويعود البحث في التسلسل.

والثاني : بأنّ الأجزاء لو كانت متقدّمة بعضها على بعض لذاتها وتتأخّر كذلك ، كانت أجزاء الزمان مختلفة بالحقيقة ، فكان الزمان مركّبا من الآنات ، وهو عندكم

ص: 179


1- راجع « نقد المحصّل » : 127 - 128.

باطل (1) فتأمّل.

والتحقيق أنّ المستفاد من العقل والنقل أنّ أفعال اللّه تعالى على أقسام :

منها : ما لا يكون مسبوقا بمادّة ولا مدّة ، وهو الإنشاء والاختراع ، كإيجاد العقل الأوّل عند الحكماء ، وإيجاد النور الأحمدي عند أهل الشرع (2).

ومنها : ما يكون مسبوقا بمادّة دون المدّة وهو الإبداع ، كإيجاد الماء والأرض والسماء والعرش الكرسيّ عند المحقّقين من العلماء ؛ فإنّه مسبوق بمادّة - أعني الجوهر المخلوق من النور الأحمدي صلی اللّه علیه و آله - وغير مسبوق بمدّة ؛ فإنّها عبارة عن الزمان ، والزمان منتزع عن حركة الفلك الأعظم عند الحكماء ، وهو المسمّى بالعرش عند أهل الشرع (3).

ومنها : ما يكون مسبوقا بالمدة دون المادّة ، وهو المسمّى بالصنع ، كإيجاد النار والهواء.

ومنها : ما يكون مسبوقا بالمادّة والمدّة كلتيهما ، وهو المسمّى بالتكوين كإيجاد المواليد الثلاثة ، أعني الجمادات والنباتات والحيوانات.

ومنها : ما يكون مسبوقا بكمال المادّة ، وهو المسمّى بالتكليف المسبوق بكمال أمثال الإنسان بالعقل.

المسألة الأربعون : في أنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، وأنّ القديم لا يجوز عليه العدم.

قال : ( والقديم لا يجوز عليه العدم ؛ لوجوبه بالذات أو لاستناده إليه ).

أقول : المراد أنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ؛ لأنّه إمّا واجب لذاته ، فامتناع عدمه

ص: 180


1- راجع « كشف المراد » : 83.
2- « حكمة الإشراق » : 126 ؛ « مصباح الأنس » : 69 - 70 ؛ « شرح فصوص الحكم » للقيصري 2 : 455.
3- « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » 2 : 1171.

ظاهر ، وإمّا ممكن مستند إلى الواجب بالذات الموجب بالذات - بناء على ما مرّ من امتناع استناد القديم إلى الفاعل بالاختيار - وحينئذ تكون علّته التامّة موجودة بالدوام ، ودوام العلّة يقتضي دوام المعلول ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، كما سيأتي ، فيكون ممتنع العدم بالغير وإن كان ممكنا بالذات ، ولكن لمّا كان المختار أنّ الواجب فاعل مختار من غير إيجاب واضطرار ، لم يكن شيء من معلولاته قديما ممتنع العدم. وسيأتي لذلك زيادة كلام إنّ شاء اللّه تعالى.

ص: 181

ص: 182

الفصل الثاني : في الماهيّة ولواحقها

اشارة

قال : ( الفصل الثاني : في الماهيّة ولواحقها ، وهي مشتقّة (1) عن « ما هو » وهو ما به يجاب عن السؤال ب- « ما هو؟ » وتطلق غالبا على الأمر المعقول ، ويطلق « الذات » و « الحقيقة » عليها مع اعتبار الوجود ، والكلّ من ثواني المعقولات ).

أقول : في هذا الفصل مباحث شريفة جليلة نحن نذكرها في مسائل :

المسألة الأولى : في « الماهيّة » و « الحقيقة » و « الذات ».

أمّا الماهيّة : فهي لفظة مأخوذة عن « ما هو؟ » وهو ما به الشيء هو هو ، وما به يجاب عن السؤال ب- « ما هو؟ » ؛ فإنّك إذا قلت : « الإنسان ما هو؟ » فقد سألت عن حقيقته وماهيّته ، فإذا قلت : « حيوان ناطق » كان هذا الجواب هو ماهيّة الإنسان.

وهذه اللفظة - أعني الماهيّة - إنّما تطلق في الغالب من الاستعمال على الأمر المعقول الموجود في الذهن بلا اعتبار الوجود ، وإذا لوحظ مع ذلك الوجود المطلق أو خصوص الخارجي ، قيل له : « حقيقة » و « ذات » كما يطلق عليها « الطبيعة » أيضا باعتبار خصوص الوجود الخارجي.

وقد يراد بالذات ما صدقت الماهيّة عليه من الأفراد.

والحقيقة الجزئيّة تسمّى هويّة ، وقد يراد بالهويّة التشخّص ، وقد يراد بها الوجود الخارجي.

ص: 183


1- إشارة إلى أنّ الياء للنسبة ، فألغى المنسوبة إلى ما هو ؛ لوقوعها جوابا عنه. ( منه رحمه اللّه ).

والصورة الذهنيّة إن كانت مطابقة لها بذاتها بدون اعتبار أمر خارج ، تسمّى ماهيّة وكنها ، كصورة الحيوان الناطق للإنسان ، وإن كانت مطابقة لها لا بذاتها بل باعتبار أمر خارج ، تسمّى وجها ، وتصوّر الشيء بها يسمّى تصوّرا بالوجه ، كصورة مفهوم الضاحك للإنسان.

والماهيّة والحقيقة والذات من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى ؛ فإنّ حقيقة الإنسان - أعني الحيوان الناطق - معروضة ؛ لكونها ماهيّة وذاتا وحقيقة ، وهذه عوارض لها.

قال : ( وحقيقة كلّ شيء مغايرة لما يعرض لها من الاعتبارات ، وإلاّ لم تصدق على ما ينافيها ).

أقول : كلّ شيء له حقيقة هو بها هو ، فالإنسانيّة من حيث هي إنسانيّة ماهيّة ، وهي مغايرة لجميع ما يعرض لها من الاعتبارات ؛ فإنّ الإنسانيّة من حيث هي إنسانيّة لا يدخل في مفهومها الوجود والعدم ، ولا الوحدة والكثرة ، ولا الكلّيّة والجزئيّة ، ولا غير ذلك من الاعتبارات اللاحقة بها ؛ لأنّ الوحدة لو دخلت في مفهوم الإنسانيّة ، لم تصدق الإنسانيّة على ما ينافيها ، لكنّها تصدق عليه ؛ لصدقها على الكثرة. وكذلك القول في الكثرة ، وكذا الوجود والعدم والكلّيّة والجزئيّة وغيرها ، فهي إذن مغايرة لهذه الاعتبارات وقابلة لها قبول المادّة للصور المختلفة والأعراض المتضادّة ، ولكن عوارض الماهيّة ثلاثة أقسام :

قسم يلحق الماهيّة من حيث هي هي بأيّ وجود وجدت ، كالزوجيّة للأربعة.

وقسم يلحقها باعتبار وجودها الخارجي ، كالتناهي للجسم.

وقسم يلحقها باعتبار وجودها الذهني ، وهو الذي يسمّى معقولا ثانيا ، كالذاتيّة والعرضيّة ونحوهما.

قال : ( وتكون الماهيّة مع كلّ عارض مقابلة لها مع ضدّه ).

أقول : إذا أخذت الماهيّة مع قيد الوحدة - مثلا - صارت واحدة ، وإذا أخذت مع

ص: 184

قيد الكثرة صارت كثيرة ، فالواحديّة أمر مضموم إليها ، ومغايرة لها تصير بها الماهيّة واحدة ، وتقابل باعتبارها الماهيّة باعتبار القيد الآخر ؛ فإنّ الإنسان الواحد مقابل للإنسان الكثير باعتبار العارضين ، لا باعتبار الماهيّة نفسها.

قال : ( وهي من حيث هي ليست إلاّ هي. ولو سئل بطرفي النقيض فالجواب السلب لكلّ شيء قبل الحيثيّة لا بعدها ).

أقول : الإنسانيّة من حيث هي هي ليست إلاّ الإنسانيّة ، وجميع ما يعرض لها من الاعتبارات مغاير لها ، كالوحدة والكثرة على ما تقدّم.

إذا عرفت هذا ، فإذا سئلنا عن الإنسان بطرفي النقيض فقيل - مثلا - : هل الإنسان ألف أو ليس بألف؟ كان الجواب دائما بالنسبة إلى كلّ واحد من العوارض بالسلب ، على أن يكون حرف السلب قبل « من حيث » لا بعد « من حيث » فنقول : « الإنسان ليس من حيث هو إنسان ألفا » ولا نقول : « الإنسان من حيث هو إنسان ليس ألفا » لاحتمال الإيجاب العدولي.

وإنّما قال : « بطرفي النقيض » إذ هناك يستحقّ الجواب قطعا باختيار أحد شقّي الترديد.

وأمّا إذا سئل بالترديد بين الإيجاب المحصّل والمعدول ، كأن يقال : « هل الإنسان ألف أو لا ألف؟ » فلا يستحقّ الجواب ، وإن أجيب ، يجاب بسلب شقّي الترديد معا ، فيقال : « لا هذا ولا ذاك ».

ولو قيل : الإنسانيّة التي في « زيد » لا تغاير التي في « عمرو » من حيث هي إنسانيّة ، لم يلزم منه أن نقول : « فإذن تلك وهي واحدة بالعدد » لأنّ قولنا : « من حيث هي إنسانيّة » أسقط جميع الاعتبارات ، وقيد الوحدة زائد ، فيجب حذفه.

المسألة الثانية : في أقسام الكلّيّ.

قال : ( وقد تؤخذ الماهيّة محذوفا عنها ما عداها بحيث لو انضمّ إليها شيء لكان

ص: 185

زائدا ، ولا يكون مقولا على ذلك المجموع ، وهو الماهيّة بشرط لا شيء ، ولا توجد إلاّ في الأذهان ).

أقول : للماهيّة باعتبار العوارض أحوال ثلاث :

الأولى : أن تؤخذ غير مشروطة لا بالمقارنة ولا بعدمها ، وهي المطلقة والماهيّة لا بشرط شيء.

الثانية : أن تؤخذ بشرط مقارنتها بشيء ، وهي المخلوطة والماهيّة بشرط شيء.

الثالثة : أن تؤخذ بشرط أن لا يقارنها شيء من العوارض ، وحينئذ تسمّى المجرّدة والماهيّة بشرط لا شيء ، فمورد القسمة حال الماهيّة بالقياس إلى عوارضها ، لا نفسها حتّى يلزم كون الشيء قسما من نفسه.

والمخلوطة والمجرّدة متباينتان مندرجتان تحت المطلقة.

والمصنّف أشار إلى الحالة الثالثة ، فأفاد أنّ الماهيّة كالحيوان - مثلا - قد تؤخذ محذوفا عنها جميع ما عداها بحيث لو انضمّ إليها شيء لكان ذلك الشيء زائدا على تلك الماهيّة ، ولا تكون الماهيّة صادقة على ذلك المجموع ، وهو الماهيّة بشرط لا شيء ، وهذا لا يوجد إلاّ في الأذهان ؛ لأنّ ما في الخارج مشخّص ، وكلّ مشخّص فليس بمجرّد عن الاعتبارات.

قال : ( و [ قد ] (1) تؤخذ لا بشرط شيء ، وهو كلّ (2) طبيعيّ موجود في الخارج هو جزء من الأشخاص وصادق على المجموع الحاصل منه وممّا يضاف إليه ).

أقول : هذا اعتبار آخر للماهيّة معقول ، وهو أن تؤخذ الماهيّة من حيث هي هي لا باعتبار التجرّد ولا باعتبار عدمه ، كما نأخذ الحيوان من حيث هو هو لا باعتبار تجرّده عن الاعتبارات ، بل مع تجويز أن يقارنه غيره ممّا يدخل في حقيقته.

وهذا هو الحيوان لا بشرط شيء ، وهو الكلّيّ الطبيعي ؛ لأنّه نفس طبائع

ص: 186


1- الزيادة أثبتناها من « كشف المراد » و « تجريد الاعتقاد ».
2- كذا في النسخ ، ولعلّ الصحيح : « كلّيّ » بدل « كلّ ».

الأشياء وحقائقها.

وهذا الكلّيّ موجود في الخارج ، فإنّه جزء من أجزاء الشخص الموجود في الخارج ، فأجزاؤه موجودة في الخارج ، فالحيوان من حيث هو هو - الذي هو جزء من هذا الحيوان - موجود.

وهذا الحيوان جزء من الأشخاص الموجودة ، وهو صادق على الموجود المركّب منه ومن قيد الخصوصيّة المضاف إليه ، فإنّا إذا رأينا زيدا - مثلا - حصل في أذهاننا مفهوم الحيوان مثلا ، وكان هناك أمور ثلاثة : زيد - وهو شخص موجود في الخارج لا يمكن أن يوصف بالكلّيّة - والصورة العقليّة لمفهوم الحيوان ، وهي أيضا لا تتّصف بالكلّيّة ؛ لأنّها صورة جزئيّة في نفس جزئيّة ، ومفهوم الحيوان وهو غير صورته العقليّة ، لأنّه معلوم لا علم ، وصورته العقليّة علم لا معلوم ، وهو الموصوف بالكلّيّة والاشتراك بين الكثيرين بمعنى حمله عليها إيجابا.

قال : ( والكلّيّة العارضة للماهيّة يقال لها : كلّيّ منطقي وللمركّب عقليّ ، وهما ذهنيّان ، فهذه اعتبارات ثلاثة ينبغي تحصيلها في كلّ ماهيّة معقولة ).

أقول : هذان اعتباران آخران للكلّي :

أحدهما : الكلّيّة العارضة له ، وهو الكلّيّ المنطقي ؛ لأنّ المنطقي يبحث عنه من غير أن يشير إلى طبيعة من الطبائع.

والثاني (1) : العقلي ، وهو المركّب من الماهيّة ومن الكلّيّة العارضة لها ، فإنّ هذا

ص: 187


1- اعلم أنّ المفهوم - الذي هو عبارة عمّا حصل في الفهم والذهن - إن لم يكن نفس تصوّره مانعا عن وقوع الشركة بين الكثيرين يسمّى كلّيّا. والكلّي باعتبار أنّه مقول على الكثيرين يسمّى كلّيا منطقيا ، وباعتبار أنّه صورة كلّية منتزعة بانتزاع العقل من ذوات الأشخاص لا من الأعراض المكتنهة بحسب استعدادات مختلفة واعتبارات متشتّتة أو صورة عقلية مطابقة لها يسمّى كلّيا طبيعيّا. فالكلّي الطبيعي عبارة عن الماهيّة لا بشرط شيء ، وهو معروض الكلّي المنطقي ، ومجموع العارض والمعروض الذي لا يوجد إلاّ في العقل يسمّى كلّيا عقليّا. والكلّي الطبيعي باعتبار الوجود الخارجي يسمّى طبيعة وحقيقة وذاتا. ( منه رحمه اللّه ).

اعتبار آخر مغاير للأوّلين.

وهذان الكلّيّان عقليّان ، ولا وجود لهما في الخارج.

أمّا المنطقي : فلأنّه لا يتحقّق إلاّ عارضا لغيره ؛ إذ الكلّيّة من ثواني المعقولات ليست متأصّلة في الوجود ؛ إذ ليس في الخارج شيء هو كلّيّ مجرّد.

فالكلّيّة إذن عارضة لغيرها ، وكلّ معروض للكلّيّ من حيث هو معروض له فهو ذهنيّ ؛ إذ كلّ موجود في الخارج شخصيّ ، وكلّ شخصيّ ليس بكلّي ، فالكلّيّ ذهنيّ ، وكذا الكلّيّ العقلي ؛ لهذا ، فهذه اعتبارات ثلاثة في كلّ معقول ينبغي تحصيلها :

أحدها : الكلّيّ الطبيعيّ ، وهو نفس الماهيّة.

الثاني : الكلّيّ المنطقيّ ، وهو العارض لها.

الثالث : الكلّيّ العقليّ وهو المركّب منهما.

فإذا عرفت مراد المصنّف رحمه اللّه ممّا ذكره ، فاعلم أنّ العلماء اختلفوا في وجود الكلّيّ الطبيعي حقيقة ، وعدمه - بمعنى أنّ الموجود هو أشخاصه - على قولين :

الأوّل : أنّ الكلّيّ الطبيعيّ موجود في الخارج ، بمعنى كونه جزءا عقليّا للذات الموجودة في الخارج بتحليل العقل للذات إلى ذلك الكلّيّ والتشخّص نظير الجنس والفصل ، لا جزءا خارجيّا موجودا بوجود على حدة وراء موجود الشخص ليلزم وجود أفراد غير متناهية ، وهو المحكيّ (1) عن جمع منهم العلاّمة التفتازاني (2).

الثاني : أنّه غير موجود ، كما عن بعض ، كالسيّد الجرجاني (3).

ص: 188


1- حكاه اللاهيجي في « شوارق الإلهام » المسألة الثالثة من الفصل الثاني.
2- انظر : « شرح المقاصد » 1 : 408 - 409.
3- حكاه اللاهيجي - أيضا - في « شوارق الإلهام » المسألة الثالثة من الفصل الثاني ؛ وما في « شرح المواقف » و « حاشية الشمسية » خلافه. راجع « شرح المواقف » 3 : 30 ؛ « شروح الشمسية » 1 : 293.

حجّة الأوّل أوّلا : أنّ الكلّيّ الطبيعي ما يحلّل العقل إليه ذات الموجود في الخارج ، وكلّ ما هو كذلك فهو موجود بوجود تلك الذات.

وثانيا : أنّ الشخص - الذي هو عبارة عن الماهيّة بشرط شيء - إن كان موجودا ، كانت الماهيّة لا بشرط شيء أيضا موجودة ، لكنّ الشخص موجود.

وثالثا : أنّ الكلّيّ الطبيعيّ ماهيّة للشخص الموجود في الخارج ، وكلّ ما هو كذلك فهو موجود في الخارج.

أما الصغرى : فلأنّ الصورة المجرّدة المنتزعة عن التشخّص ظلّ لما هو ماهيّة للفرد ؛ فإنّ ماهيّة الشيء ما به الشيء هو هو.

وأمّا الكبرى : فلبداهة استلزام وجود الشيء وجود ما به هو هو.

ورابعا : أنّ الكلّيّ الطبيعيّ لو لم يكن موجودا في الخارج ، لما وقع من ذوات الأشخاص المتّحدة نوعا صورة متّحدة ، وتكون مشاهدتها كمشاهدة أشخاص نوع آخر.

وخامسا : أنّ الكلّيّ الطبيعيّ لو لم يكن موجودا لما كان الشخص موجودا ؛ لأنّ التشخّص عرض لا بدّ له من محلّ يتقوّم به.

وحجّة القول الثاني أوّلا : أنّ وجود الكلّي الطبيعيّ بعينه في الأفراد مستلزم للمحال ، وهو اتّصاف الشيء الواحد بالصفات المتضادّة ونحوه.

وفيه : أنّ وجود الماهيّة المجرّدة من حيث إنّها متّحدة الوجود مع التشخّص ، والصفات للأشخاص من جهة أنّها لازمة للوجود لا الماهيّة.

وثانيا : أنّ وجود الكلّيّ الطبيعي مستلزم لعدم الاحتياج إلى شيء ، مع أنّه ما لم يتشخّص لم يوجد.

وفيه ما فيه.

وثالثا : أنّ الكلّيّ الطبيعيّ لو كان موجودا في الخارج لكان العمى - الذي هو جزء هذا الأعمى - موجودا فيه ، مع أنّه ليس بموجود فيه.

ص: 189

وفيه : أنّ العمى جزء لمفهوم هذا الأعمى الذي هو عرضيّ بالنسبة إلى ذات الأعمى ، وليس ماهيّة له.

فالحقّ وجود الكلّيّ الطبيعيّ ؛ لما مرّ ، بل الظاهر أنّه بديهيّ ؛ لاستلزام عدمه جواز اعتبار صدق الحمار على أفراد الإنسان.

ويشهد عليه ظاهر الآيات والأخبار ؛ لقوله تعالى : ( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ) (1) لكون اسم الجنس المحلّى باللام حقيقة في تعريف الماهيّة ، مع أنّ الماهيّة - بمعنى ما به الشيء هو هو - إذا لم تكن موجودة يلزم عدم وجود ذلك الشيء ، فيلزم كون الموجود معدوما.

وأيضا : إنّا إذا رأينا زيدا ، حصل في أذهاننا صورة إنسانيّة معرّاة عن اللواحق الخارجيّة ، وهي بعينها حاصلة من رؤية عمرو وخالد وغيرهما ، بخلاف ما إذا رأينا فرسا وغيره.

وكونها باعتبار أنّها صورة كالظلّ في عدم التأصّل وماهيّة كلّيّة غير قادح في وجودها الخارجي باعتبار ضمّ الأعراض المشخّصة.

فتوهّم أنّ الماهيّة صورة كلّيّة ينتزعها العقل من ذوات الأشخاص أو أعراضها المكتنفة بها بحسب استعدادات مختلفة من غير أن تكون موجودة في الخارج حكم وهميّ عن حكم العقل خارج.

المسألة الثالثة : في انقسام الماهيّة إلى البسيطة والمركّبة ومجعوليّتهما.

قال : ( والماهيّة ، منها بسيطة ، وهي ما لا جزء له ، ومنها مركّبة ، وهي ما له جزء ، وهما موجودان ضرورة ).

أقول : الماهيّة إمّا أن يكون لها جزء تتقوّم منه ومن غيره ، وإمّا أن لا تكون كذلك.

والقسم الأوّل هو المركّب ، كالإنسان المتقوّم من الحيوان والنطق.

ص: 190


1- الرحمن (55) : 14 و 15.

والثاني هو البسيط ، كالجوهر الذي لا جزء له.

وهذان القسمان موجودان بالضرورة ؛ فإنّا نعلم قطعا وجود المركّبات ، كالجسم والإنسان والفرس وغيرها من الحقائق المركّبة ، ووجود المركّب يستلزم وجود أجزائه ، والبسائط موجودة بالضرورة.

قال : ( ووصفاهما اعتباريّان متنافيان ، وقد يتضايفان فيتعاكسان في العموم والخصوص مع اعتبارهما بما مضى ).

أقول : يعني أنّ وصف البساطة والتركيب اعتباريّان عقليّان عارضان لغيرهما من الماهيّات ؛ إذ لا موجود هو بسيط أو مركّب محض ، فالبساطة والتركيب لا يعقلان إلاّ عارضين ، فهما من ثواني المعقولات ، ولو كانا موجودين لزم التسلسل.

وهما متنافيان ؛ إذ لا يصدق على شيء أنّه بسيط ومركّب ، وإلاّ لزم اجتماع النقيضين فيه ، وهو محال.

وقد يتضايفان - أعني يؤخذ البسيط بسيطا بالنسبة إلى مركّب مخصوص - فتكون بساطته باعتبار كونه جزءا من ذلك المركّب ، ويكون المركّب - بمعنى كون الشيء كلاّ لشيء آخر - مركّبا بالقياس إليه ، فتتحقّق الإضافة بينهما ، وهذا كالحيوان ؛ فإنّه بسيط بالنسبة إلى الإنسان على أنّه جزء ، فيكون أبسط منه ، فإذا أخذا باعتبار التضايف تعاكسا - مع اعتبارهما الأوّل أعني الحقيقة - عموما وخصوصا ؛ وذلك لأنّهما بالمعنى الحقيقي متنافيان ؛ لأنّ البسيط لا يصدق عليه أنّه مركّب بذلك المعنى.

وإذا أخذا بالمعنى الإضافي جوّزنا أن يكون البسيط مركّبا ؛ لأنّ بساطته ليست باعتبار نفسه ، بل باعتبار كونه جزءا من غيره. وإذا جاز كون البسيط بهذا المعنى مركّبا كان أعمّ من البسيط بالمعنى الأوّل ، فيكون المركّب بهذا المعنى أخصّ منه بالمعنى الأوّل ، فقد تعاكسا - أعني البسيط والمركّب - في العموم والخصوص باختلاف الاعتبار ، بمعنى أنّ النسبة بين البسيطين على عكس النسبة بين المركّبين ؛

ص: 191

فإنّ البسيط الإضافي أعمّ مطلقا من البسيط الحقيقي ، كما مرّ ، والمركّب الإضافي أخصّ مطلقا من المركّب الحقيقي ؛ لأنّ كلّ مركّب إضافيّ مركّب حقيقي من غير عكس ؛ لجواز أن لا يعتبر إضافة المركّب الحقيقي إلى جزئه.

وأورد عليه : بأنّ البسيط الحقيقي قد لا يكون بسيطا إضافيّا بأن لا يعتبر جزءا من شيء أصلا ، وأنّ النسبة بين البسيطين عموم من وجه ؛ لتصادقهما في بسيط حقيقيّ هو جزء من مركّب ، كالوحدة للعدد ، وصدق الحقيقي بدون الإضافي في بسيط حقيقيّ لا يتركّب منه شيء ، كالواجب ، وبالعكس في مركّب وقع جزءا لمركّب آخر ، كالجسم للحيوان. وبين المركّبين مساواة إن لم يعتبر في الإضافي اعتبار الإضافة ؛ لأنّ كلّ مركّب حقيقيّ لا بدّ أن يكون له جزء ، فيكون هو مركّبا إضافيّا بالقياس إلى ذلك الجزء وبالعكس ، وعموم مطلق إن اشترط ذلك ؛ لأنّ كلّ مركّب بالقياس إلى جزئه فهو مركّب حقيقيّ ، ولا ينعكس ؛ لجواز أن لا يعتبر في الحقيقيّ الإضافة إلى جزئه ، فيكون أعمّ مطلقا من الإضافي (1) وهو جيّد.

قال : ( وكما تتحقّق الحاجة في المركّب فكذا في البسيط ).

أقول : اختلفوا في أنّ الماهيّات الممكنة هل هي مجعولة بجعل جاعل أم لا؟

على أقوال ثلاثة ، واختار المصنّف رحمه اللّه أنّ كلّها مجعولة من البسيط والمركّب (2) ، فإنّ كلّ واحد منهما ممكن ، وكلّ ممكن على الإطلاق فإنّه محتاج إلى السبب ، فالحاجة ثابتة في كلّ واحد منهما ، فيكون المجعول ذات الممكن بإعطاء الوجود.

وعن بعض : أنّ الماهيّة غير مجعولة مطلقا ، مركّبة كانت أو بسيطة ، وإلاّ يلزم سلب الإنسانيّة عن نفسها عند عدم جعل الجاعل ، وسلب الشيء عن نفسه محال (3).

ص: 192


1- أورده القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 80.
2- نسبه التفتازاني إلى المتكلّمين في « شرح المقاصد » 1 : 428.
3- نسب إلى جمهور الفلاسفة والمعتزلة ، كما في « شرح المقاصد » 1 : 428 ؛ « شوارق الإلهام » المسألة الرابعة من الفصل الثاني.

وردّ : بأنّ المحال هو الإيجاب المعدول ، وأمّا سلب جميع الأشياء حتّى سلب نفسها عند عدم الجعل فلا (1).

وعن بعض الناس : احتياج المركّبة خاصّة إلى المؤثّر ؛ لأنّ علّة الحاجة هي الإمكان ، وهو أمر نسبيّ يقتضي الاثنينيّة ، فما لم تتحقّق الاثنينيّة لم تتحقّق الحاجة ، ولا اثنينيّة في البسيط فلا احتياج له (2).

والجواب : أنّ الإمكان نسبة بين الماهيّة والوجود ، لا بين أجزاء الماهيّة حتّى يقتضي الاثنينيّة (3).

وقد يقال : المجعوليّة بمعنى جعل الماهيّة تلك الماهيّة منتفية عن المركّبة والبسيطة ، وبمعنى جعل الماهيّة موجودة - بكون الماهيّات في كونها موجودة مجعولة - ثابتة لهما معا (4).

والتحقيق أنّ الماهيّة - التي تعلّق بها علم الجاعل - جعلها الجاعل ماهيّة خارجيّة ، كما جعل الوجود - الذي تعلّق به علمه - وجودا خارجيّا ؛ لعدم صحّة السلب الخارجي ، ويكفي في صحّة توسّط الجعل التغاير الاعتباري ، فيتعلّق الجعل بالماهيّة المركّبة والبسيطة وبوجودهما الخارجي من جهة الإمكان ، فتتحقّق باعتباره الحاجة لكلّ واحد منهما إلى المؤثّر ، فيكون الجعل مركّبا بمعنى توسّطه بين الماهيّة ونفسها باعتبار التغاير الاعتباري ، وكذا الوجود ، بل بمعنى تعلّقه بمجموع الماهيّة والوجود أيضا ؛ لما ذكرنا ، فالقول بأنّ الجعل بسيط خطأ.

قال : ( وهما قد يقومان بأنفسهما ، وقد يفتقران إلى المحلّ ).

أقول : كلّ واحد من البسيط والمركّب قد يكون قائما بنفسه ، كالجوهر ، أو

ص: 193


1- راجع « شرح المواقف » 3 : 41 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 431 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 81.
2- « شرح المقاصد » 1 : 428 ، وقد نسبه أيضا إلى البعض.
3- راجع « شرح تجريد العقائد » : 81.
4- القائل هو الشريف الجرجاني في « شرح المواقف » 3 : 53.

الواجب تعالى ، والحيوان ؛ وقد يكون مفتقرا إلى المحلّ ، كالنقطة والسواد ، وهما ظاهران.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّ المركّب الأوّل لا بدّ أن يكون أحد أجزائه قائما بنفسه والآخر قائما به كالهيولى والصورة ؛ لئلاّ يصير كالحجر الموضوع بجنب الإنسان ، والمركّب الثاني لا بدّ وأن يكون جميع أجزائه محتاجا إلى المحلّ إمّا إلى ما حلّ فيه المركّب ، أو البعض إليه والباقي إلى ذلك البعض.

قال : ( والمركّب إنّما يتركّب عمّا يتقدّمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج ، وهو (1) علّة الغنى عن السبب ، فباعتبار الذهن بيّن ، وباعتبار الخارج غنيّ ، فتحصل خواصّ ثلاث ، واحدة متعاكسة ، واثنتان أعمّ ).

أقول : المركّب هو الذي تلتئم ماهيّته عن عدّة أمور ، فبالضرورة يكون تحقّقه متوقّفا على تحقّق تلك الأمور ، والتوقّف على الغير متأخّر عنه ، فالمركّب متأخّر عن تلك الأمور.

وكلّ واحد منها موصوف بالتقدّم في ظرف الوجود ، ثمّ إذا عدم أحدها لم يلتئم بكلّ الأمور ، فلا تحصل الماهيّة ، فيكون عدم أيّ جزء كان من تلك الأمور علّة لعدم المركّب ، والعلّة متقدّمة على المعلول ، فكلّ واحد من تلك الأمور موصوف بالتقدّم في طرف العدم أيضا.

فقد ظهر أنّ جزء الحقيقة متقدّم عليها في الوجود.

ثمّ إنّ الذهن مطابق للخارج فيجب أن يحكم بالتقدّم في الوجود الذهني فقد تحقّق أنّ المركّب إنّما يتركّب عمّا يتقدّمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج.

إذا عرفت هذا ، فنقول : هذا التقدّم - الذي هو من خواصّ الجزء - يستلزم استغناء

ص: 194


1- أي التقدّم.

الجزء عن تحقّق الكلّ عن السبب الجديد ؛ لامتناع تحصيل الحاصل ، فالتقدّم علّة الغنى عن السبب الجديد ، لا عن مطلق السبب ؛ فإنّ فاعل الجزء هو فاعل الكلّ ، فإذا اعتبر هذا التقدّم بالنسبة إلى الذهن ، يسمّى الجزء بيّن الثبوت ، وإذا اعتبر بالنسبة إلى الخارج فهو الغنيّ عن السبب ، وهذه الخاصّة أعمّ من الخاصّة الأولى ؛ لأنّ الأولى هي الحصول المخصوص المعبّر عنه بالتقدّم ، والثانية هي الحصول المطلق ؛ ولهذا قيل : لا يلزم من كون الوصف بيّن الثبوت للشيء وكونه غنيّا عن السبب الجديد كونه جزءا ، فقد حصل لكلّ ذاتيّ على الإطلاق خواصّ ثلاث :

الأولى : وجوب تقدّمه في الوجودين والعدمين. وهذه خاصّة مساوية للجزء ، متعاكسة عليه ؛ فإنّ كلّ جزء متقدّم على الكلّ ، وكلّ ما هو متقدّم على كلّه فهو جزء ، فتأمّل.

الثانية : استغناؤه عن الواسطة في التصديق الذي هو لازم التقدّم في الوجود الذهني ، بمعنى أنّ جزم العقل بثبوت الجزء للماهيّة لا يتوقّف على ملاحظة وسط واكتساب بالبرهان ، بل يجب إثباته لها ، ويمتنع سلبه عنها بمجرّد تصوّرهما.

الثالثة : الاستغناء عن السبب في الثبوت الخارجي وحصول الجزء للمركّب الذي هو لازم للتقدّم في الوجود الخارجي من جهة امتناع رفعه عمّا هو ذاتيّ له ، وهاتان الخاصّتان إضافيّتان أعمّ منه ؛ لمشاركته بعض اللوازم فيهما.

المسألة الرابعة : في أحكام الجزء.

قال : ( ثمّ التركيب قد يكون اعتباريّا ، وقد يكون حقيقيّا ، ولا بدّ من حاجة ما لبعض الأجزاء إلى البعض ، ولا يمكن شمولها باعتبار واحد ).

أقول : كلّ مركّب على الإطلاق فإنّه يتركّب عن جزءين فصاعدا. والتركيب قد يكون اعتباريّا بأن يكون هناك عدّة أمور يعتبرها العقل أمرا واحدا من غير أن تحقّق حقيقة واحدة ، كالعشرة من الآحاد ، والعسكر من الأفراد ، ولا يلزم فيه

ص: 195

احتياج لبعض الأجزاء إلى البعض إلاّ بمحض اعتبار العقل في احتياج الهيئة الاجتماعيّة إلى الأجزاء المادّيّة مع أنّه لا تحقّق لها في الخارج. وقد يكون حقيقيّا بأن يحصل من اجتماع موجودات متعدّدة حقيقة واحدة مختصّة باللوازم والآثار الخارجيّة ، وفي هذا المركّب لا بدّ أن يكون لأحد الأجزاء حاجة إلى جزء آخر مغاير له ؛ فإنّه لو استغنى كلّ جزء عن باقي الأجزاء لم يحصل منها حقيقة واحدة ، كما لا يحصل من الإنسان الموضوع فوق الحجر حقيقة متّحدة ، فلا بدّ في كلّ مركّب حقيقي على الإطلاق من حاجة ما لبعض أجزائه إلى بعض.

ثمّ المحتاج قد يكون هو الجزء الصوري لا غير ، كالهيئة الاجتماعيّة في العسكر ، والبلدة في البيوت ، والعشر في العدد ، والمعجون عن اجتماع الأدوية. وقد تشمل الحاجة الجزءين لا باعتبار واحد حتّى يلزم الدور ، بل باعتبارين ، كالمادّة المحتاجة في وجودها إلى الصورة ، والصورة في تشخّصها إلى المادّة.

قال : ( وهي قد تتميّز في الخارج وقد تتميّز في الذهن ).

أقول : أجزاء الماهيّة لا بدّ أن تكون متمايزة ، والتميّز قد يكون خارجيّا بأن يكون لكلّ منها وجود مستقلّ في الخارج ، كامتياز النفس والبدن اللذين هما جزء الإنسان. وقد يكون ذهنيّا ، كامتياز جنس السواد عن فصله ؛ فإنّه لو كان خارجيّا ، لم يخل إمّا أن يكون كلّ واحد منهما متقوّما أو لا.

والأوّل باطل ؛ لأنّه إن ماثل السواد استحال جعله متقوّما ؛ لعدم الأولويّة ، ولزوم كون الشيء مقوّما لنفسه. وإن خالفه فإذا انضاف الفصل إلى الجنس ، فإمّا أن لا تحدث هيئة أخرى ، فيكون المحسوس هو اللونيّة المطلقة ، فالسواديّة المحسوسة هي اللونيّة المطلقة ، هذا خلف. أو تحدث هيئة أخرى ، فلا يكون الإحساس بمحسوس واحد ، بل بمحسوسين ، هذا خلف.

والثاني أيضا باطل ؛ لأنّه إن لم تحصل عند الاجتماع هيئة أخرى ، كان السواد غير محسوس. وإذا حدث حادث هو السواد وهو معلول الجزءين وخارج عنهما ،

ص: 196

فيكون التركيب في قابل (1) السواد أو فاعله لا فيه ، هذا خلف.

قال : ( وإذا اعتبر عروض العموم ومضايفه [ وعدم عروضهما (2) ] ، فقد تتباين وقد تتداخل ).

أقول : المراد أنّه إذا اعتبر عروض العموم ومضايفه - أعني الخصوص - للأجزاء ، تحدث قسمة تلك الأجزاء إلى المتباينة - التي لا يكون بينها عموم وخصوص لا مطلقا ولا من وجه - وإلى المتداخلة التي بينها عموم وخصوص ؛ وذلك لأنّ أجزاء الماهيّة إمّا أن يكون بعضها أعمّ من البعض ، فتسمّى المتداخلة ، أو لا يكون ، فتسمّى المتباينة بناء على امتناع تركّب الماهيّة الحقيقيّة من أمرين متساويين ، وإلاّ يلزم إدراج المتساوية في المتباينة ، وفيه بعد ، ولهذا أدرجها بعض (3) في المتداخلة بجعلها عبارة عمّا يكون بينها تصادق بالمساواة والعموم مطلقا أو من وجه ، فتكون القسمة إلى المتصادقة والمتباينة ، ثمّ يقسّم المتصادقة إلى المتداخلة والمتساوية.

والمتداخلة قد يكون العامّ فيها عامّا مطلقا إمّا متقوّما بالخاصّ وموصوفا به كالجنس ومضايفه الفصل ، أو صفة له كالموجود المقول على المقولات العشر ، أو مقوّما للخاصّ كالنوع الأخير المقوّم لخواصّه المطلقة. وقد يكون مضافا ومن وجه كالحيوان والأبيض.

والمباينة ما تتركّب عن الشيء وإحدى علله أو معلولاته أو غيرهما إمّا بعضها عدميّ كالأوّل ، أو كلّها وجوديّة حقيقيّة متشابهة كالآحاد في العدد ، أو مختلفة إمّا معقولة كالمادّة والصورة والعفّة والحكمة في العدالة ، أو محسوسة كاللون والشكل في الخلقة والسواد والبياض في البلقة ، أو بعضها إضافيّ كالسرير المعتبر في تحقّقه نوع إضافة ، أو كلّها كذلك كالأقرب والأبعد ، فهذه أصناف المركّبات.

ص: 197


1- في الأصل : « مقابل » بدل « قابل » والصحيح ما أثبتناه.
2- لم ترد هذه العبارة في « تجريد الاعتقاد » المطبوع ولا في « كشف المراد ».
3- هو التفتازاني في « شرح المقاصد » 1 : 425.

قال : ( وقد تؤخذ موادّ وقد تؤخذ محمولة ).

أقول : أجزاء الماهيّة قد ينظر إليها باعتبار كونها موادّ ، فتكون أجزاء حقيقيّة ، ولا تحمل على المركّب حمل هو هو ؛ لاستحالة كون الكلّ هو الجزء ، وقد ينظر إليها باعتبار كونها محمولة صادقة على المركّب.

مثاله : الحيوان قد يؤخذ مع الناطق ليكون هو الإنسان نفسه ، وقد يؤخذ بشرط التجرّد والخلوّ عن الناطق وهو المادّة ، على ما تقدّم تحقيقه ، فيستحيل حمله على المجموع المركّب منه ومن غيره ، وإذا أخذ من حيث هو هو مع قطع النظر عن القيدين كان محمولا.

قال : ( فتعرض لها الجنسيّة والفصليّة ).

أقول : إذا اعتبرنا حمل الجزء على الماهيّة حصلت الجنسيّة والفصليّة ؛ لأنّ الجنس هو الجزء المشترك ، والفصل هو الجزء المميّز ، والجزء المحمول يكون أحدهما قطعا ، فإذا أخذ الجزء محمولا حصلت الجنسيّة - أعني مقوليّة ذلك الجزء على كثيرين - أو الفصليّة - أعني تمييز الجزء - فجزء الماهيّة إمّا جنس أو فصل ، والجنس هو الكلّيّ المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو؟

والفصل هو المقول على الشيء في جواب أيّ شيء هو في جوهره؟

قال : ( وجعلاهما واحد ).

أقول : يعني به جعل الجنس والفصل ، ولم يكونا مذكورين صريحا ، بل أعاد الضمير إليهما ؛ لكونهما في حكم المصرّح بهما.

وإنّما كان جعلاهما واحدا ؛ لأنّ الفاعل لم يفعل حيوانا مطلقا ، ثمّ غيّره بانضمام الفصل إليه ؛ فإنّ المطلق لا وجود له ، بل جعل الحيوان هو بعينه جعل الناطق.

واعتبر هذا في اللونيّة ؛ فإنّه لو كان لها وجود مستقلّ ، فهي هيئة إمّا في السواد ، فيوجد السواد ، لا بها ، وهذا خلف ، أو في محلّه ، فالسواد عرضان : لون وفصله ، لا واحد ، هذا أيضا خلف ، فجعله لونا هو بعينه جعله سوادا.

ص: 198

قال : ( والجنس منهما (1) كالمادّة وهو معلول ، والفصل كالصورة وهو علّة ).

أقول : الجنس إذا نسب مع فصله إلى المادّة والصورة ، وجد الجنس أشبه بالمادّة من الفصل في أنّ الشيء المركّب حاصل معها بالقوّة ، والفصل أشبه بالصورة منه في أنّ الشيء المركّب حاصل معها بالفعل.

وهذا الجنس هو المعلول ، والفصل هو العلّة ، بمعنى أنّ الطبيعة الجنسيّة إذا حصلت في العقل ، كانت أمرا مبهما متردّدا بين أشياء متكثّرة هو عين كلّ واحد منها بحسب الخارج ، وكانت غير منطبقة على تمام حقيقة واحدة منها ، فإذا انضمّ إليها الفصل تعيّنت وزال عنها الإبهام والتردّد ، وانطبقت على تمام حقيقة واحدة منها ، فالفصل علّة لصفات الجنس في الذهن ، وهي التعيّن وزوال الإبهام والتحصّل ، أعني الانطباق على تمام الماهيّة بديهة ، فيصدق عليه أنّه علّة للجنس من حيث هو موصوف بتلك الصفات ، لا أنّه علّة لوجوده في الذهن ، وإلاّ لم يعقل الجنس إلاّ مع الفصل أو لوجوده في الخارج ، وإلاّ لتغايرا في الوجود ، وامتنع الحمل بالمواطاة.

قال : ( وما لا جنس له لا فصل له ).

أقول : الفصل هو الجزء المميّز للشيء عمّا يشاركه في الجنس على ما تقدّم ، فإذا لم يكن للشيء جنس لم يكن له فصل ، هذا هو التحقيق في هذا المقام.

وقد ذهب غير المحقّقين (2) إلى أنّ الفصل هو المميّز في الوجود ، وجوّزوا تركيب الشيء من أمرين متساويين وشيء من الأمرين ليس جنسا ، فيكون فصلا يتميّز به المركّب عمّا يشاركه في الوجود.

وهذا خطأ ؛ لأنّ الأشياء المختلفة لا تفتقر في تمايزها عمّا يشاركها في الوجود

ص: 199


1- في « كشف المراد » : « هاهنا » بدل « منهما » ولعلّه هو الأصحّ.
2- ذهب إليه الفخر الرازي ومن سبقه كما في « شرح الإشارات » 1 : 86 ، والكاتبي في « الشمسيّة » كما في « شروح الشمسية » 1 : 266 - 270 ، ونسبه اللاهيجي إلى جمهور المتأخّرين في « شوارق الإلهام » المبحث الثالث بعد المسألة الخامسة من الفصل الثاني.

وغيره من العوارض إلى أمر مغاير لذواتها ، فإنّ كلّ واحد من الجزءين المتساويين كما يتمايز بنفسه عمّا يشاركه في الوجود ، كذلك المركّب منهما.

ولو افتقر كلّ مشارك في الوجود أو في غيره من الأعراض إلى فصل لزم التسلسل ، ولم يجعل كلّ منهما فصلا للمركّب ، ولم يكن المركّب فصلا لكلّ منهما ، لتساوي نسبته ونسبتهما إلى الموجد.

قال : ( وكلّ فصل تامّ فهو واحد ).

أقول : الفصل ، منه ما هو تامّ وهو كمال الجزء المميّز عن تمام المشاركات وهو الفصل القريب ، ومنه غير تامّ وهو الجزء الذاتي المميّز عن بعض المشاركات وهو الفصل البعيد. والأوّل لا يكون إلاّ واحدا ؛ لأنّه لو تعدّد لزم امتياز المركّب بكلّ واحد منهما ، فيستغني عن الآخر في التميّز ، فلا يكون فصلا ، ولأنّ الفصل علّة للحصّة فيلزم تعدّد العلل على المعلول الواحد ، وهو محال. أمّا الفصل الناقص - وهو جزء الفصل - فإنّه يكون متعدّدا ، كقابل الأبعاد والنامي.

قال : ( ولا يمكن وجود جنسين في مرتبة واحدة لماهيّة واحدة ).

أقول : الجنس للماهيّة قد يكون واحدا كالجسم الذي له جنس واحد هو الجوهر.

وقد يكون كثيرا كالحيوان الذي له أجناس كثيرة ، لكن هذه الكثرة لا يمكن أن تكون في مرتبة واحدة بأن لا يكون أحدهما جنسا للآخر ، وكان كلّ منهما جنسا عاليا مثلا ، بل يجب أن تكون مترتّبة في العموم والخصوص ، فلا يمكن وجود جنسين في مرتبة واحدة لنوع واحد ؛ لأنّ فصلهما إن كان واحدا كان جعل الجنسين جعلا واحدا ، وهو محال (1) ، وإن تغاير لم يكن النوع نوعا واحدا بل نوعين ، هذا خلف.

قال : ( فلا تركيب عقليّ إلاّ منهما ).

أقول : التركيب قد يكون عقليّا ، وقد يكون خارجيّا كتركيب العشرة من الآحاد.

ص: 200


1- لأنّ الجنس الذي يكون تمام المشترك مثلا إذا حصل بالفصل ، يستحيل حصول تمام مشترك آخر ؛ لاستحالة تحصيل الحاصل. ( منه قدس سره ).

والتركيب العقليّ لا يكون إلاّ من الجنس والفصل ؛ لأنّ الجزء إمّا أن يكون مختصّا بالمركّب أو مشتركا.

والأوّل هو الفصل القريب.

والثاني إمّا أن يكون تمام المشترك أو جزءا منه ، والأوّل هو الجنس ، والثاني إمّا أن يكون مساويا أو أعمّ منه ، والأوّل يلزم منه كونه فصلا للجنس ، فيكون فصلا مطلقا ، والثاني إمّا أن يكون تمام المشترك بين تمام المشترك وما لا يصدق عليه تمام المشترك أو لا يكون ، والأوّل جنس ، والثاني فصل جنس ، وإلاّ لزم التسلسل وهو محال ، فقد ثبت أنّ كلّ جزء محمول إمّا أن يكون جنسا أو فصلا ، وهو المطلوب.

قال : ( فيجب تناهيهما ).

أقول : الجنس والفصل قد يترتّبان في العموم والخصوص ، كالحيوانيّة والجسميّة ، وقد لا يترتّبان ، والمترتّبة يجب تناهيهما في الطرفين ؛ لأنّه لو لا تتناهى الأجناس لم تتناه الفصول التي هي العلل ، فيلزم وجود علل ومعلولات لا نهاية لها ، وهو محال.

قال : ( وقد يكون منهما عقليّ وطبيعيّ ومنطقيّ كنجسهما ).

أقول : يعني أنّ من الأجناس ما هو عقليّ وهو الحيوانيّة مع قيد الجنسيّة ، ومنها ما هو طبيعيّ وهو الحيوانيّة من حيث هي هي لا باعتبار الجنسيّة ولا باعتبار عدمها ، ومنها ما هو منطقيّ وهي الجنسيّة العارضة للحيوان.

وهذه الثلاثة أيضا قد تحصل في الفصل ؛ وذلك كما أنّ جنسهما - يعني جنس الجنس وجنس الفصل وهو الكلّيّ من حيث هو كلّي - قد انقسم إلى هذه الثلاثة ، كذلك هذان - أعني الجنس والفصل - ينقسمان إليهما.

قال : ( ومنهما عوال وسوافل ومتوسّطات ، وفصل كلّ جنس يكون في مرتبته ).

أقول : الجنس قد يكون عاليا ، وهو الجنس الذي ليس فوقه جنس آخر كالجوهر ، فيسمّى جنس الأجناس وقد يكون سافلا ، وهو الجنس الأخير الذي

ص: 201

لاجنس تحته كالحيوان. وقد يكون متوسّطا ، وهو الذي فوقه جنس وتحته جنس كالجسم.

والفصل أيضا قد يكون عاليا ، وهو فصل الجنس العالي كقابل الأبعاد. وقد يكون سافلا ، وهو فصل النوع السّافل كالنّاطق. وقد يكون متوسّطا ، وهو فصل الجنس المتوسّط كالنامي. فظهر أنّ فصل كلّ جنس يكون في مرتبته بمعنى أنّ فصل الجنس العالي يسمّى فصلا عاليا ، وفصل الجنس السافل يسمّى فصلا سافلا ، وفصل الجنس المتوسّط يسمّى فصلا متوسّطا.

قال : ( ومن الجنس ما هو مفرد ، وهو الذي لا جنس له وليس تحته جنس ، وهما إضافيّان ، وقد يجتمعان مع التقابل ).

أقول : من أقسام الجنس الجنس المفرد ، وهو الذي لا جنس فوقه ولا تحته ، ونذكر في مثاله العقل بشرط أن لا يكون الجوهر جنسا له ، وأن يكون صدقه على أفراده صدق الجنس على أنواعه.

إذا عرفت هذا ، فالجنس والفصل إضافيّان ، وكذا باقي المقولات الخمس - أعني النوع والخاصّة والعرض العامّ - فإنّ الجنس ليس جنسا لكلّ شيء بل لنوعه ، وكذا الفصل وسائرها.

وقد يجتمع الجنس والفصل في شيء واحد مع تقابلهما ؛ لأنّ الجنس مشترك ، والفصل خاصّ ، وذلك كالإدراك الذي هو جنس السمع والبصر وباقي الحواسّ ، وفصل الحيوان ، بل قد تجتمع الخمسة في شيء واحد لا باعتبار واحد ؛ لتقابلهما ؛ فإنّ الجنس لشيء يستحيل أن يكون فصلا لذلك الشيء أو نوعا له أو خاصّة أو عرضا بالقياس إليه.

قال : ( ولا يمكن أخذ الجنس بالنسبة إلى الفصل ).

أقول : لا يمكن أن يؤخذ الجنس بالنسبة إلى الفصل ، فيكون الجنس جنسا له كما هو جنس للنوع ، وإلاّ لكان مقوّما للفصل ، فلا يكون الفصل محصّلا له.

ص: 202

قال : ( وإذا نسبا إلى ما يضافان إليه كان الجنس أعمّ والفصل مساويا ).

أقول : يعني إذا نسب الجنس إلى النوع كان الجنس أعمّ من المضاف إليه - أعني النوع - لوجوب الشركة بين الكثيرين المختلفين في الحقائق في الجنس دون النوع.

وأمّا الفصل فإنّه يكون مساويا للنوع الذي يضاف الفصل إليه بأنّه فصل له ، ولا يجوز أن يكون أعمّ من النوع ؛ لاستحالة استفادة التمييز من الأعمّ.

المسألة الخامسة : في التشخّص.

قال : ( والتشخّص من الأمور الاعتباريّة ، فإذا نظر إليه من حيث هو أمر عقلي وجد مشاركا لغيره من التشخّصات فيه ، ولا يتسلسل بل ينقطع بانقطاع الاعتبار ).

أقول : الماهيّة النوعيّة من حيث هي هي لا يمنع نفس تصوّرها من الشركة ، بل يمكن للعقل فرض اشتراكها بحملها على كثيرين.

وأمّا الشخص فنفس تصوّره مانع من الشركة بلا ريبة ، بمعنى أنّ مفهوم زيد ليس مفهوم الإنسان وحده ، وإلاّ لصدق على عمرو أنّه زيد ، كما يصدق عليه أنّه إنسان ، فإذن لا بدّ أن يتحقّق في الشخص أمر زائد على الماهيّة ، ويقال له : التشخّص ، وهو من ثواني المعقولات ومن الأمور الاعتباريّة لا من العينيّة ، وإلاّ لكان له تشخّص ، وننقل الكلام إليه ، وحينئذ لزم التسلسل.

ثمّ إذا نظر إليه من حيث هو أمر عقليّ كان مشاركا لغيره من التشخّصات ، ولا يتسلسل ذلك بل ينقطع بانقطاع الاعتبار.

وهذا كأنّه جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أنّ التشخّص من الأمور العينيّة ولزم التسلسل ؛ لأنّ أفراد التشخّصات قد اشتركت في مطلق التشخّص ، فيحتاج إلى مخصّص آخر مغاير لما وقع به الاشتراك ، ولا يجوز أن يكون عدميّا ؛ لإفادة الامتياز ، ولأنّه يلزم أن تكون الماهيّة المتشخّصة عدميّة ؛ لعدم أحد جزأيها.

والجواب : أنّه أمر اعتباريّ عقليّ ينقطع بانقطاع الاعتبار ومثل ذلك ما يقال من

ص: 203

أنّ التشخّص جزء الشخص الموجود في الخارج ، وجزء الموجود في الخارج موجود فيه بالضرورة ، وأنّ الطبيعة النوعيّة لا تتكثّر بنفسها بل تكثّرها بالتشخّص ، فلا بدّ من وجوده ونحو ذلك ؛ وذلك لأنّ جزء الموجود في الخارج هو العوارض المشخّصة الموجبة لحصول التشخّص والتكثّر عند الاعتبار وهي موجودة ، والتشخّص اعتباريّ كالوحدة ، فلا حاجة إلى أن يقال : إنّ التشخّص بذاته لا بتشخّص زائد على ذاته حتّى يلزم التسلسل. واشتراكه مع سائر التشخّصات في مفهوم التشخّص اشتراك في أمر عرضيّ.

قال : ( وأمّا ما به التشخّص فقد يكون نفس الماهيّة فلا يتكثّر ، وقد يستند إلى المادّة المتشخّصة بالأعراض الخاصّة الحالّة فيها ).

أقول : لمّا حقّق أنّ التشخّص من الأمور الاعتباريّة لا العينيّة ، شرع في البحث عن سبب التشخّص.

واعلم أنّه قد يكون نفس الماهيّة المشخّصة ، وقد يكون غيرها.

أمّا الأوّل : فلا يمكن أن يتكثّر نوعه في الخارج فلا يوجد منه البتّة إلاّ شخص واحد ؛ لأنّ الماهيّة علّة لذلك التشخّص ، فلو وجدت مع غيره لزم تحصيل الحاصل وانفكّت العلّة عن المعلول ، هذا خلف. وقد مثّل بالواجب تعالى.

وأمّا الثاني : فلا يجوز أن يكون الغير المشخّص فيه أمرا منفصلا عن الشخص ؛ لأنّ نسبته إلى كلّ الأفراد والتشخّصات على السواء ، ولا حالاّ فيه ؛ لأنّ الحالّ في الشخص لافتقاره إليه يكون متأخّرا عنه ، فلو كان علّة لتشخّصه المتقدّم عليه ؛ لكونه مقوّما له وكون نسبته إلى الشخص نسبة الفصل إلى النوع كان متقدّما عليه ، فيلزم تقدّم الشيء على نفسه وهو محال ، فتعيّن أن يكون محلاّ ، فلا بدّ له من مادّة قابلة له وللتكثّر ، وتلك المادّة تتشخّص بانضمام أعراض خاصّة إليها تحلّ فيها مثل الكمّ المعيّن ، والوضع المعيّن وباعتبار تشخّص تلك المادّة تتشخّص هذه الماهيّة الحالّة فيها.

ص: 204

قال : ( ولا يحصل التشخّص بانضمام كلّيّ عقليّ إلى مثله ).

أقول : إذا قيّد الكلّي العقليّ بالكلّي العقليّ لا تحصل الجزئيّة ، فإنّا إذا قلنا لزيد : إنّه إنسان ، ففيه شركة ذهنيّة وخارجيّة تبعيّة. فإذا قلنا : العالم الزاهد ابن فلان الذي يتكلّم يوم كذا في موضع كذا ، لم يزل احتمال الشركة الذهنيّة ؛ لاحتمال فرض الاشتراك ، فلا يكون جزئيّا.

نعم ، هو كلّيّ ينحصر في شخص خارجي ، فيكون كالخاصّة المركّبة ، كالماشي على الرّجلين المستقيم القامة ، والطائر الولود.

وإنّما قيّد بالعقلي ، لأنّه ليس في الخارج شركة ولا كلّيّة ، إذ الكلّيّ ما يحصل في العقل والذهن ، كما أنّ الجزئي ما يحصل في الحسّ والخارج.

قال : ( والتميّز يغاير التشخّص ، ويجوز امتياز كلّ من الشيئين بالآخر ).

أقول : التشخّص للشيء إنّما هو في نفسه ، وامتيازه إنّما هو بالقياس إلى ما يشاركه في معنى كلّي بحيث لو لم يشاركه غيره ، لما احتاج إلى مميّز زائد على حقيقته مع أنّه متشخّص ، فالتميّز والتشخّص متغايران.

ويجوز أن يمتاز كلّ واحد من الشيئين بصاحبه لا بامتيازه ، فلا دور. ولا يجوز أن يتشخّص كلّ من الشيئين بذات الآخر ، وإلاّ لزم إفادة تقييد الكلّيّ بالكلّي التشخّص ، وقد مرّ فساده.

قال : ( والتشخّص قد لا يعتبر مشاركته ، والكلّيّ قد يكون إضافيّا فيتميّز ، والمتشخّص المندرج تحت غيره متميّز ).

أقول : لمّا ذكر أنّ التشخّص والتميّز متغايران ، بيّن هنا عدم العموم المطلق بينهما ؛ وذلك لأنّ كلّ واحد منهما يصدق بدون الآخر ، ويصدقان معا على شيء ثالث ، وكلّ شيئين هذا شأنهما فبينهما عموم من وجه.

أمّا صدق التشخّص بدون التميّز ففي التشخّص الذي لا تعتبر مشاركته مع غيره في مفهوم من المفهومات ، وإن كان لا بدّ له من المشاركة في نفس الأمر ولو في

ص: 205

الأعراض العامّة.

وأمّا صدق التميّز بدون التشخّص ففي الكلّيّ إذا كان جزئيّا إضافيّا يندرج تحت كلّيّ آخر ، فإنّه يكون ممتازا عن غيره وليس بمشخّص.

وأمّا صدقهما على واحد ففي التشخّص المندرج تحت غيره إذا اعتبر اندراجه ، فإنّه متشخّص ومتميّز.

المسألة السادسة : في البحث عن الوحدة والكثرة.

قال : ( والتشخّص يغاير الوحدة التي هي عبارة عن عدم الانقسام ).

أقول : الوحدة عبارة عن كون المعقول غير قابل للقسمة من حيث هو واحد ، وهو مغاير للتشخّص ؛ لأنّ الوحدة قد تصدق على الكلّيّ الطبيعي غير المتشخّص وعلى الكثرة نفسها من دون صدق التشخّص عليهما ، فكلّ متشخّص يصدق عليه أنّه واحد من غير عكس كلّيّ.

قال : ( وهي مغايرة للوجود ؛ لصدقه على الكثير من حيث هو كثير ، بخلاف الوحدة ، وتساوقه ).

أقول : قد ظنّ قوم أنّ الوجود والوحدة عبارتان عن شيء واحد ؛ لصدقهما على جميع الأشياء (1).

وهو خطأ ؛ فإنّه لا يلزم من الملازمة الاتّحاد.

ثمّ الدليل على تغايرهما أنّ الكثير من حيث إنّه كثير يصدق عليه أنّه موجود وليس بواحد ، فالموجود غير الواحد من الشكل الثالث.

نعم ، الوحدة تساوق الوجود وتلازمه ، فكلّ موجود فهو واحد. والكثرة يصدق عليها الواحد لا من حيث هي كثرة ، على معنى أنّ الوحدة تصدق على العارض - أعني الكثرة - لا على ما عرضت له الكثرة ، وكذلك كلّ واحد فهو موجود إمّا في

ص: 206


1- نسبه في « شرح المواقف » 4 : 21 و « شرح المقاصد » 2 : 28 إلى البعض ، ونقله اللاهيجي عن الفارابي كما في « شوارق الإلهام » المسألة السابعة من الفصل الثاني.

الأعيان أو في الأذهان ، فهما متلازمان.

المسألة السابعة : في أنّ الوحدة غنيّة عن التعريف.

قال : ( ولا يمكن تعريفها إلاّ باعتبار اللفظ ).

أقول : الوحدة والكثرة من المتصوّرات البديهيّة فلا يحتاج في تصوّرها إلى اكتساب ، فلا يمكن تعريفها إلاّ باعتبار اللفظ ، بمعنى أنّ تبدّل لفظا بلفظ آخر أوضح منه ، لا أنّه تعريف معنوي.

قال : ( وهي والكثرة عند العقل والخيال تستويان في كون كلّ منهما أعرف من صاحبه بالاقتسام ).

أقول : الوحدة والكثرة عند العقل والخيال تستويان في كون كلّ منهما أعرف من صاحبه بالاقتسام ؛ فإنّ الوحدة أعرف عند العقل ، والكثرة أعرف عند الخيال ، لأنّ الخيال يدرك الكثرة أوّلا ، ثمّ العقل ينزع منها أمرا واحدا أعمّ. بمعنى أنّ الصور الكلّيّة المرتسمة في النفس منتزعة عن صور جزئيّاتها المرتسمة في الآلات ؛ فإنّ النفس تدرك أوّلا بآلاتها جزئيّات متكثّرة ترتسم صورها في تلك الآلات ، ثمّ ينتزع منها بحذف مشخّصاتها صورة واحدة كلّيّة فيها ، والعقل يدرك أعمّ الأمور أوّلا - وهو الواحد - ثمّ يأخذ بعد ذلك في التفصيل.

فقد ظهر أنّ الكثرة والوحدة متساويتان في كون كلّ واحدة منهما أعرف من صاحبتها لكن بالانقسام ؛ فإنّ الكثرة أعرف عند الخيال ، والوحدة أعرف عند العقل ، فقد اقتسم العقل والخيال وصف الأعرفيّة لهما ، فإذا حاولنا تعريف الوحدة عند الخيال عرّفناها بالكثرة. وإذا حاولنا تعريف الكثرة عند العقل عرّفناها بالوحدة.

المسألة الثامنة : في أنّ الوحدة ليست ثابتة في الأعيان.

قال : ( وليست الوحدة أمرا عينيّا ، بل هي من ثواني المعقولات ، وكذا الكثرة ).

ص: 207

أقول : الوحدة إن كانت سلبيّة لم تكن سلب أيّ شيء كان ، بل سلب مقابلها ، أعني الكثرة ، فالكثرة إن كانت عدما كانت الوحدة عدما للعدم فتكون ثبوتيّة ، وإن كانت وجوديّة كان مجموع العدمات أمرا وجوديّا وهو محال. وإن كانت ثبوتيّة فإن كانت ثابتة في الخارج لزم التسلسل ، وإن كانت ثابتة في الذهن فهو المطلوب.

فإذن الوحدة أمر عقليّ اعتباريّ يحصل في العقل عند فرض عدم انقسام الملحوق ، وهي من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى ، وكذا الكثرة ؛ لأنّه لا يمكن أن يتصوّر وحدة أو كثرة قائمة بنفسها ، بل إنّما تتصوّر عارضة لمعقول آخر.

المسألة التاسعة : في التقابل بين الوحدة والكثرة.

قال : ( وتقابلهما لإضافة العلّيّة والمعلوليّة والمكيليّة والمكياليّة ، لا لتقابل جوهريّ بينهما ).

أقول : إنّ الوحدة وإن كانت تعرض لجميع الأشياء حتّى الكثرة نفسها ، لكنّها لا تجامع الكثرة في موضوع واحد بالقياس إلى شيء واحد ؛ فإنّ موضوع الكثرة من حيث صدق الكثرة عليه لا يمكن صدق الوحدة عليه ، فبينهما تقابل قطعا.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّك ستعلم أنّ أصناف التقابل أربعة : إمّا تقابل السلب والإيجاب ، أو العدم والملكة ، أو التضايف ، أو التضادّ. وليس بين الوحدة والكثرة تقابل جوهري - أي ذاتي - يستند إلى ذاتيهما بوجه من الوجوه الأربعة ؛ لأنّ الوحدة مقوّمة للكثرة ومبدأ لها وهما ثبوتيّتان ، فليستا بسلب وإيجاب ولا عدم وملكة ولا متضايفين ؛ لأنّ المقوّم متقدّم والمضايف مصاحب ، ولا متضادّين ؛ لامتناع تقوّم أحد الضدّين بالآخر ، فلم يبق بينهما إلاّ تقابل عرضي ، وهو باعتبار عروض العلّيّة والمعلوليّة والمكياليّة والمكيليّة العارضتين لهما ؛ فإنّ الوحدة علّة مقوّمة للكثرة ومكيال لها ؛ لأنّ الوحدة تفنيها إذا صدقت مرّة بعد أخرى وهو معنى الكيل ، والكثرة

ص: 208

معلولة ومكيلة ، فبينهما هذا النوع من التضايف ، فكان التقابل عرضيّا لا ذاتيّا.

المسألة العاشرة : في أقسام الوحدة.

قال : ( ثمّ معروضهما (1) قد يكون واحدا فله جهتان (2) بالضرورة ، فجهة الوحدة إن لم تقوّم (3) جهة الكثرة ولا تعرض لها فالوحدة عرضيّة ، وإن عرضت (4) كانت موضوعات أو محمولات عارضة لموضوع واحد (5) أو بالعكس. (6) وإن قوّمت فوحدة جنسيّة أو نوعيّة أو فصليّة. وقد تتغاير ، فموضوع مجرّد عدم الانقسام لا غير (7) وحدة (8) بقول مطلق ، وإلاّ نقطة إن كان له مفهوم زائد ذو وضع ، ومفارق إن لم يكن ذا وضع ، هذا إن لم يقبل القسمة ، وإلاّ فهو مقدار أو جسم بسيط أو مركّب ).

أقول : قد بيّنّا أنّ الوحدة والكثرة من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى.

إذا عرفت هذا ، فموضوعهما - أعني المعروض - إمّا أن يكون واحدا أو كثيرا ، فإن كان واحدا كانت جهة وحدته غير جهة كثرته بالضرورة ؛ لاستحالة كون الشيء الواحد بالاعتبار الواحد واحدا وكثيرا. وإذا ثبت أنّه ذو جهتين ، فإمّا أن تكون جهة الوحدة مقوّمة لجهة الكثرة بكونها ذاتيّة لها ، أولا بأن لم تكن ذاتيّة لها. فإن لم تكن مقوّمة ، فإمّا أن تكون عارضة لها بكونها خارجة محمولة كما في وحدة الكاتب

ص: 209


1- أي الوحدة والكثرة. ( منه رحمه اللّه ).
2- كما في أفراد الإنسان فإنّها كثيرة من حيث ذاتها وواحدة من حيث إنّها إنسان. ( منه رحمه اللّه ).
3- لو لم تكن ذاتية لهما. ( منه رحمه اللّه ).
4- جهة الوحدة لجهة الكثرة كانت جهة الكثرة. ( منه رحمه اللّه ).
5- أي لم تكن عارضة محمولة عليهما. ( منه رحمه اللّه ).
6- أي موضوعات معروضة لمحمول واحد ، ففي الكلام لفّ ونشر مشوّس. ( منه رحمه اللّه ).
7- أي لا يكون له مفهوم سوى عدم الانقسام. ( منه رحمه اللّه ).
8- أي وحدة الوحدة من غير أن يقيّد بكونها وحدة النقطة مثلا. ( منه رحمه اللّه ).

والضاحك من حيث إنّهما إنسان ؛ فإنّ الإنسان - الذي هو جهة الوحدة - عارض وخارج محمول ، أو لا تكون عارضة بكونها خارجة غير محمولة. فإن لم تكن عارضة فهي الوحدة بالعرض ، كما تقول : نسبة الملك إلى المدينة كنسبة الرّبّان إلى السفينة من حيث التدبير ، وكذلك حال النفس إلى البدن كحال الملك إلى البلد ؛ فإنّه ليس هناك نسبة واحدة ولا حالة واحدة ، بل هما نسبتان وحالتان ، فالوحدة فيهما عرضيّة فإنّ المدبّر جهة الوحدة بين الشيئين ، فاتّصافهما بالوحدة من حيث التدبير إنّما هو بالعرض وبتبعيّة اتّصاف النفس والملك بالوحدة من حيث التدبير على طريق وصف الشيء بوصف ما هو متعلّق به.

وإن كانت جهة الوحدة عارضة للكثرة ، فأقسامه ثلاثة :

أحدها : أن يكون بعضها موضوعا وبعضها محمولا ، كما نقول : « الإنسان هو الكاتب » فإنّ جهة الوحدة هنا الإنسانيّة ، وهي موضوع.

الثاني : أن يكون محمولات عرضت لموضوع واحد ، كقولنا : « الكاتب هو الضاحك » فإنّ جهة الوحدة ما هو موضوع لهما ، أعني الإنسان.

الثالث : أن يكون موضوعات لمحمول واحد ، كقولنا : « القطن هو الثلج » فإنّ جهة الوحدة - وهو الأبيض - صفة لهما.

فأمّا إن كانت جهة الوحدة مقوّمة لجهة الكثرة بكونها ذاتيّة لها ، فهي جنسيّة إن كانت مقولة على أمور كثيرة مختلفة بالحقائق في جواب ما هو في جوهره كوحدة الإنسان والفرس من حيث إنّهما حيوان ، أو نوعيّة إن كانت جهة الوحدة نوعا لجهة الكثرة كوحدة زيد وعمرو من حيث إنّهما إنسان ، أو فصليّة إن كانت فصلا لها كوحدة زيد وعمرو من حيث إنّهما ناطق.

وإن كان موضوعهما كثيرا - أعني يكون موضوع الوحدة غير معروض للكثرة وإن لم يتصوّر عدم كون معروض الكثرة معروض الوحدة ، لأنّ كلّ كثير فهو واحد من جهة ما - فإمّا أن يكون ذلك الموضوع هو موضوع مجرّد عدم الانقسام لا غير ،

ص: 210

أعني أنّ ذلك الشخص شيء غير منقسم ، وليس مفهوم وراء ذلك ، وهو الوحدة نفسها ؛ فإنّ مفهوم الوحدة واحد من حيث الذات ، كثير من حيث الأفراد ، فهي وحدة مطلقة غير مقيّدة بكونها وحدة النقطة مثلا.

وفي بعض النسخ « وحدة شخصيّة » بمعنى أنّها هي شخص من أشخاص مفهوم الوحدة ، فقوله : « موضوع مجرّد عدم الانقسام » معناه موضوع هو مجرّد عدم الانقسام على سبيل الإضافة البيانيّة.

وأورد عليه : بأنّ مفهوم عدم الانقسام لا يكون هو الوحدة الشخصيّة بحال (1) ، فتأمّل.

أو يكون له مفهوم آخر ، فإن كان ذا وضع ، فهو النقطة ، وإلاّ فهو العقل والنفس المفارقان عن المادّة.

هذا إن لم يقبل القسمة ، وإن كان الموضوع للوحدة قابلا للقسمة ، فإمّا أن تكون أجزاؤه مساوية لكلّه أو لا ، والأوّل : هو المقدار - أعني العرض والطول والعمق - إن كان قبوله للانقسام لذاته ، وإلاّ فهو الجسم البسيط كالنار. والثاني : الأجسام المركّبة المنقسمة إلى أجسام مختلفة الحقائق ، كأشخاص الإنسان ونحوها من المواليد الثلاثة الحاصلة من الأمّهات الأربعة بتأثير الآباء السبعة على وجه.

وأورد عليه : بأنّ الكلام في معروض الوحدة الذي لا يكون معروضا للكثرة ، والجسم المركّب واحد من حيث الذات ، كثير من حيث الأجزاء (2) ، فتأمّل.

قال : ( وبعض هذه أولى من بعض بالوحدة ).

أقول : الوحدة من المعاني المقولة على ما تحتها بالتشكيك ؛ فإنّ بعض أفرادها أولى باسمها من بعض ؛ فإنّ الوحدة الحقيقيّة أولى بالوحدة من العرضية ، والواحد بالشخص أولى به من الواحد بالنوع ، وهي أولى به من الواحد من الجنس والواحدة

ص: 211


1- أورده الفاضل القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 102.
2- أورده الفاضل القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 102.

من أقسام الواحد أولى به من غيرها ، وهذا ظاهر.

قال : ( والهو هو على هذا النحو ).

أقول : الهو هو عبارة عن الحمل الإيجابي بالمواطأة.

والظاهر أنّ المراد أنّ الحمل الإيجابي بالمواطأة كالوحدة في كونها مقولة بالتشكيك ، فبعض أفراد الحمل أولى من البعض في الحمليّة ، أو في الانقسام إلى المقوّم (1) والعارض وغيرهما ممّا مرّ.

وكيف كان فلا فائدة مهمّة في بيان هذا النحو.

قال : ( والوحدة في الوصف العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغاير المضاف إليه ).

أقول : الوحدة في الوصف العرضي الكيفي تسمّى مشابهة ، والكمّيّ مساواة ، والوضعيّ موازاة ، والإضافي مناسبة ، وفي الأطراف مطابقة ، وفي الخاصّة مشاكلة ، وكذا سائر الأعراض.

والوحدة في الأمر الذاتي لها اسم آخر ؛ فإنّ الوحدة في النوع تسمّى مماثلة ، وفي الجنس تسمّى مجانسة ، وفي الصنف مشاركة ، وفي الوصف مشابهة ، فلأقسامها أسماء متغايرة بتغاير ما تنسب إليه.

وقد تنقسم الوحدة إلى الجنسية والنوعية والصنفية والوصفية والشخصية ، وكذا الكثرة على وجه. ومثل ذلك الانقسام إلى وحدة الموضوع والمحمول والمكان ونحوها.

قال : ( والاتّحاد محال ، فالهوهو يستدعي جهتي تغاير واتّحاد على ما سلف ).

أقول : اتّحاد الاثنين غير معقول ؛ لأنّهما بعد الاتّحاد إن بقيا فهما اثنان ، وإن عدما فلا اتّحاد ، وإن عدم أحدهما دون الآخر فلا اتّحاد ؛ لاستحالة اتّحاد المعدوم بالموجود.

ص: 212


1- في « ج » : « المفهوم ».

وليس قولنا : « هو هو » اتّحادا مطلقا ، بل معناه أنّ الشيئين يتّحدان من وجه ويتغايران من وجه ، بمعنى أنّ الشيء الذي يقال له أحدهما يقال له الآخر ، بمعنى أنّ هذا المصداق الذي يصدق عليه أحد المفهومين يصدق عليه المفهوم الآخر أيضا ، فالتغاير في المفهوم والاتّحاد في المصداق.

قال : ( والوحدة ليست بعدد ، بل هي مبدأ العدد المتقوّم بها لا غير ).

أقول : هاهنا بحثان :

الأوّل : أنّ الوحدة مبدأ العدد ؛ فإنّ العدد إنّما يحصل منها ومن فرض غيرها من نوعها ، فإنّك إذا عقلت وحدة مع وحدة عقلت اثنينيّة.

ونبّه بهذا أيضا على أنّها ليست عددا ؛ بناء على أنّ العدد نصف مجموع حاشيتيه ، فحيث لا حاشية للواحد في جانب النقيصة ، لم يصدق على وحدته تعريف العدد ، بخلاف الاثنين ؛ فإنّه نصف حاصل الجمع من واحد - وهو أحد حاشيتيه - ومن الثلاثة ، وهي الحاشية الأخرى وهكذا غيره من الأعداد.

الثاني : أنّ العدد إنّما يتقوّم بالوحدات لا غير ، فليس العشر متقوّما بخمسة وخمسة ، ولا ستّة وأربعة ، ولا سبعة وثلاثة ، ولا ثمانية واثنين ، بل بالواحد عشر مرّات ، وكذلك كلّ عدد ، فإنّ قوامه من الوحدات التي تبلغ جملتها ذلك النوع ، ويكون كلّ واحدة من تلك الوحدات جزءا من ماهيّته ، فإنّه ليس تركّب العشرة من الخمسين أولى من تركّبها من الستّة والأربعة وغيرها من أنواع الأعداد التي تحتها ، ولا يمكن أن يكون الكلّ مقوّما بحصول الاكتفاء بنوع واحد من التركيب.

قال : ( وإذا أضيف إليها مثلها حصلت الاثنينيّة ، وهي نوع من العدد ، ثمّ تحصل أنواع لا تتناهى بتزايد واحد واحد مختلفة (1) الحقائق هي أنواع العدد ).

أقول : إذا أضيفت إلى الوحدة وحدة أخرى حصلت الاثنينيّة ، وهي نوع من العدد.

وقد ذهب قوم غير محقّقين إلى أنّ الاثنين ليس من العدد ؛ لأنّه الزوج الأوّل ،

ص: 213


1- صفة « أنواع ».

فلا يكون نوعا من العدد كالواحد الذي هو الفرد الأوّل (1).

وهو خطأ ؛ لأنّ خواصّ العدد موجودة فيه كما ذكرنا ، وتمثيله بالواحد لا يفيد اليقين ولا الظنّ ، فإذا انضمّ إليهما واحد آخر ، حصلت الثلاثة ، وهي نوع آخر من العدد ، فإذا انضمّ إليها واحد آخر ، حصلت الأربعة ، وهي نوع آخر مخالف للأوّل ، وعلى هذا كلّما زاد واحد حصل نوع آخر من العدد.

وهذه الأعداد أنواع مختلفة في الحقيقة ؛ لاختلافها في لوازمها ، كالصمم والمنطقيّة وأشباههما ، فلمّا كان الزائد غير متناه بل كلّ من له العقل يمكنه أن يزيد عليها واحدا ، فيحصل عدد آخر مخالف لما تقدّمه بالنوع ، كانت أنواع العدد غير متناهية.

قال : ( وكلّ واحد منها أمر اعتباريّ يحكم به العقل على الحقائق إذا انضمّ بعضها إلى بعض في العقل انضماما بحسبه ).

أقول : كلّ واحد من أنواع العدد أمر اعتباريّ ليس بثابت في الأعيان ، بل في الأذهان يحكم به العقل على الحقائق ، كأفراد الإنسان أو الفرس أو الحجر أو غيرها إذا انضمّ بعض تلك الأفراد إلى البعض ، سواء اتّحدت في الماهيّة أو اختلفت ، بل يوجد مجرّد الانضمام في العقل انضماما بحسب ذلك النوع من العدد ، فإنّه إذا انضمّ واحد إلى واحد حصل اثنان ، ولو انضمّت حقيقة مع حقيقة مع ثالثة حصلت الثلاثة ، وهكذا.

وإنّما لم يكن العدد ثابتا في الخارج ؛ لأنّه لو كان كذلك لكان عرضا قائما بالمحلّ ؛ لاستحالة جوهريّته واستقلاله في القيام بنفسه ؛ لأنّه لا يعقل إلاّ عارضا لغيره ، فذلك الغير إمّا أن تكون له وحدة باعتبارها يحلّ فيه [ العرض ] (2) الواحد أو لا تكون.

ص: 214


1- نسبه الشيخ الرئيس إلى البعض ، انظر : الفصل الخامس من المقالة الثالثة من إلهيّات « الشفاء » : 122.
2- ساقطة من الأصل ، أضفناها من « كشف المراد » : 105.

فإن كان الأوّل ، فتلك الوحدة إن وجدت في الآحاد لزم قيام العرض بالمحال المتعدّدة ، وإن قام بكلّ واحد وحدة على حدته لم يكن لذلك المجموع وحدة باعتبارها يكون محلاّ للعدد ، وقد فرض خلافه.

وإن كان الثاني ، فالعدد إمّا أن يكون موجودا في كلّ واحد من الأجزاء ، أو في أحدها.

وعلى التقديرين يكون الواحد عددا ، هذا خلف.

قال : ( والوحدة قد تعرض لذاتها ومقابلها وتنقطع بانقطاع الاعتبار ).

أقول : قد بيّنّا أنّ الوحدة والكثرة من ثواني المعقولات ، فالوحدة تعرض لكلّ شيء يفرض العقل فيه عدم الانقسام حتّى أنّها تعرض لنفس الوحدة ، فيقال : وحدة واحدة.

وتعرض الوحدة أيضا لمقابلتها ، فيقال : عشرة واحدة ، ولكن تنقطع بانقطاع الاعتبار.

قال : ( وقد تعرض لها شركة فتتخصّص بالمشهوري ، وكذا المقابل ).

أقول : الذي يفهم من هذا أنّ الوحدة قد تعرض لها الشركة مع غيرها من الوحدات في مفهوم عدم الانقسام ، أعني مفهوم مطلق الوحدة ؛ وذلك إذا أخذت الوحدات متخصّصة بموضوعاتها ؛ فإنّ وحدة زيد تشارك وحدة عمرو في مفهوم كونها وحدة ، وحينئذ تتخصّص كلّ وحدة عن الأخرى بما تضاف إليه ؛ فإنّ وحدة زيد تتخصّص عن وحدة عمرو بإضافتها إلى زيد. وزيد الذي هو معروض الإضافة هو المضاف المشهوري ؛ لأنّه واحد بالوحدة ، والوحدة مضاف حقيقي ؛ فإنّ الوحدة وحدة للواحد ، والواحد واحد بالوحدة ، وذات الواحد مضاف مشهوري ، أعني ذات زيد وعمرو وغيرهما.

فإذا أخذت الوحدة مضافة إلى زيد تخصّصت وامتازت عن وحدة عمرو ممّا أضيفت إليه الذي يسمّى بالمشهوري ؛ لكونه معروض الإضافة ، وكذلك مقابل

ص: 215

الوحدة - أعني الكثرة - فإنّ عشريّة الأناسي مساوية لعشرية الأفراس في مفهوم العشريّة والكثرة ، وإنّما تتمايزان بالمضاف إليه ، أعني الأناسي والأفراس ، وهما المضافان المشهوريّان.

وقد يمكن أن يفهم من هذا الكلام أنّ مجرّد الوحدة - أعني نفس عدم الانقسام - أمر مشترك بين كلّ ما يطلق عليه الواحد ، فليس واحدا حقيقيّا ، أمّا الذات - التي يصدق عليها أنّها واحدة ، أعني المشهوري - فإنّها ممتازة عن غيرها ، فهي أحقّ باسم الواحد ، فيتخصّص المشهوري بالواحد الحقيقي ، وكذا البحث في الكثرة.

والأوّل أنسب.

قال : ( وتضاف إلى موضوعها باعتبارين ، وإلى مقابلها بثالث ، وكذا المقابل ).

أقول : المراد أنّ الوحدة تعرض لها إضافات ثلاثة :

الأولى باعتبار أنّها وحدة لمعروضها.

الثانية باعتبار حلولها فيه.

الثالثة بالقياس إلى الكثرة ، وهي أنّها مقابلة للكثرة.

وكذا المقابل وهو الكثرة ؛ فإنّ مثل هذه النسب الثلاث تعرض لمقابل الوحدة ، أعني الكثرة.

المسألة الحادية عشرة : في البحث عن التقابل.

قال : ( ويعرض له ما يستحيل عروضه لها من التقابل ).

أقول : يعني به أنّ المقابل للوحدة - أعني الكثرة - يعرض له ما يستحيل عروضه للوحدة ، وهو التقابل ؛ فإنّ التقابل لا يمكن أن يعرض للواحد ، وإنّما يعرض للكثير من حيث هو كثير ؛ فإنّ مفهوم التقابل هو عدم الاجتماع في شيء واحد في زمان واحد من جهة واحدة.

قال : ( المتنوّع إلى الأنواع الأربعة ، أعني تقابل السلب والإيجاب وهو راجع إلى

ص: 216

القول والعقد ؛ والعدم والملكة وهو الأوّل مأخوذا باعتبار خصوصيّة ما ؛ وتقابل الضدّين وهما وجوديّان ، ويتعاكس هو وما قبله في التحقيق (1) والمشهوريّة ؛ وتقابل التضايف ).

أقول : ذكر الحكماء (2) أنّ أصناف التقابل أربعة :

الأوّل : تقابل العدم والملكة.

الثاني : تقابل الإيجاب والسلب.

الثالث : تقابل التضادّ.

الرابع : تقابل التضايف.

بيان ذلك : أنّ الاثنين إن اندرجا تحت نوع واحد وكانا متشاركين في تمام الماهيّة ، فهما متماثلان ، وإلاّ فهما متخالفان ، سواء اندرجا تحت جنس حتّى يكونا متجانسين أم لا ، كما في المتشابهين وغيرهما.

والمتخالفان إمّا متقابلان أو غير متقابلين.

والمتقابلان هما المتخالفان اللّذان يمتنع اجتماعهما حلولا في محلّ واحد في زمان واحد من جهة واحدة ، فخرج بقيد التخالف المثلان وإن امتنع اجتماعهما ، وبقيد امتناع الاجتماع مثل السواد والحلاوة ممّا يمكن اجتماعهما. وسائر القيود لبيان أجزاء الماهيّة وإدخال أفراد المحدود.

وقد يعتبر الموضوع بدل المحلّ ، فينحصر التضادّ مثلا في الأعراض.

والأوّل أولى ؛ لثبوت التضادّ بين الجواهر أيضا ، كالصور النوعيّة للعناصر ، كما في الماء والنار.

فإذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ المتقابلين إمّا أن يكون أحدهما وجوديّا والآخر

ص: 217


1- كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : « التحقّق » وهو المرافق لما في « تجريد الاعتقاد » : 129.
2- انظر : الفصل الأوّل من المقالة السابعة من الفن الثاني من منطق « الشفاء » 1 : 241 وما بعدها ، و « البصائر النصيريّة » : 36 ، و « المباحث المشرقيّة » 1 : 189.

عدميّا ، أو يكونا وجوديّين ، ولا يمكن أن يكونا عدميّين ؛ لعدم التقابل بين الأمور العدميّة ؛ إذ لا تمايز في الأعدام إلاّ بتمايز المضاف إليه وله حكم نفسه.

وعلى الأوّل فإمّا أن يعتبر في العدمي محلّ قابل للوجودي أم لا ، والثاني هو الأوّل ، والأوّل هو الثاني.

وعلى الثاني إمّا أن يتوقّف تعقّل كلّ منهما على تعقّل الآخر أم لا ، والأوّل هو الرابع ، والثاني هو الثالث.

وقد يشترط في الضدّين أن يكون بينهما غاية الخلاف والبعد ، كالسواد والبياض.

وبعبارة أخرى : المتقابلان إمّا أن يوجدا باعتبار القول والعقد ، أو بحسب الحقائق أنفسها.

فعلى الأوّل كان تقابل السلب والإيجاب ، كقولنا : « زيد كاتب » « زيد ليس بكاتب » لأنّ الإيجاب والسلب أمران عقليّان واردان على النسبة التي هي عقليّة ، فإذا حصلا في العقل كان كلّ منهما عقدا ، أي اعتقادا قلبيّا ، وإذا عبّر عنهما بعبارة كان كلّ من العبارتين قولا.

وعن الشفاء أنّ معنى الإيجاب وجود أيّ معنى كان ، سواء كان باعتبار وجوده لنفسه أو وجوده لغيره. ومعنى السلب لا وجود أيّ معنى كان ، سواء كان لا وجوده في نفسه أو لا وجوده لغيره (1).

وعلى هذا لا يرد أنّ مثل مفهومي البياض واللابياض إذا لم تعتبر معهما نسبة لا يتصوّر فيهما سلب ولا إيجاب ، فلم يكن فيهما تقابل الإيجاب والسلب مع ظهور عدم ما عداه من الأقسام ، فيلزم وجود قسم خامس ، فافهم.

وعلى الثاني إمّا أن يكون أحدهما عدميّا أو يكونا وجوديّين ، والأوّل هو تقابل العدم والملكة ، و [ والثاني ] هو تقابل السلب والإيجاب.

ص: 218


1- ورد نحوه في « الشفاء » المنطق 1 : 34 من قسم العبارة.

لكنّ الفرق بينهما أنّ السلب والإيجاب في الأوّل مأخوذ باعتبار مطلق ، والثاني مأخوذ باعتبار شيء زائد ، وهو النسبة إلى المحلّ القابل.

فإن اعتبر قبوله بحسب شخصه في وقت اتّصافه بالأمر العدمي ، فهما العدم والملكة المشهوران ، كالكوسجيّة ؛ فإنّها عدم اللحية عمّن من شأنه أن يكون ملتحيا في ذلك الوقت ، فلا تصحّ في الصبيّ.

وإن كان أعمّ من أن يكون قبوله في ذلك الوقت أو مطلقا أو بحسب شخصه أو نوعه كالأعمى للأكمه ، أو جنسه القريب كالأعمى للعقرب ، أو البعيد كعدم الحركة الإرادية للجبل فإنّه للجسميّة ، فهما العدم والملكة الحقيقيّان ، فالعدم والملكة الحقيقيّان أعمّ من المشهوريّين.

وتقابل التضادّ على عكس ذلك ؛ فإنّ التضادّ المشهوري أعمّ ، والحقيقيّ أخصّ ، وهذا معنى قوله : « ويتعاكس هو وما قبله في التحقيق والمشهوريّة ».

قال : ( ويندرج تحته الجنس باعتبار عارض ).

أقول : لمّا بيّن انقسام التقابل إلى الأنواع الأربعة حتّى صار كالجنس لها ، وكان هنا مظنّة أن يقال : إنّ التضايف يصدق على التقابل وعلى غيره من المفهومات كالتجاور والتماسّ وغيرهما ، فكيف يكون قسما منه!؟ أشار إلى جوابه بأنّ التضايف قد يعرض له مفهوم التقابل ، فهو من حيث إنّه معروض لحصّة من التقابل أخصّ ، فيكون التقابل أعمّ وكالجنس باعتبار أنّه عارض ، ولكن مفهوم التضايف من حيث هو هو أعمّ من مفهوم التقابل ، فالتقابل - الذي هو كالجنس - باعتبار عارض يندرج تحت أحد أنواعه ، أعني التضايف المذكور أخيرا قبل هذا الكلام ؛ ولهذا يرجع الضمير إليه.

بيان ذلك أنّ المقابل لا يعقل إلاّ مقيسا إلى غيره ، ولكن باعتبار عروض التقابل ؛ فإنّ المقابل لا من هذه الحيثيّة قد لا يكون مضايفا ؛ فإنّ ذات السواد وذات البياض لا باعتبار التقابل ليسا من المتضايفين ، فإذا أخذ السواد مقابلا للبياض ، كان نوعا

ص: 219

من المضاف المشهوري.

فقد ظهر أنّ الجنس - أعني المقابل من حيث هو مقابل - يندرج تحت المضايف باعتبار عروض التقابل ، ولا استبعاد في أن يكون الشيء أخصّ أو مساويا من نوعه باعتبار عارض يعرض له.

قال : ( ومقوليّته عليها بالتشكيك وأشدّها فيه الثالث ).

أقول : التقابل لا يقال على أصنافه الأربعة بالسويّة بل بالتشكيك ؛ فإنّ تقابل الضدّين أشدّ في التقابل من تقابل السلب والإيجاب ؛ وذلك لأنّ ثبوت الضدّ يستلزم سلب الآخر ، وهو أخصّ منه ، دون العكس ، فهو أشدّ في العناد للآخر من سلبه.

وفي بعض النسخ : « السلب » مكان « الثالث » ولهذا قيل : إنّ تقابل السلب والإيجاب أشدّ من تقابل التضادّ ؛ لأنّ الخير له عقدان : الأوّل أنّه خير ، والثاني أنّه ليس بشرّ ، وعقد أنّه خير ذاتيّ وأنّه ليس بشرّ عرضيّ ، واعتقاد ضدّه بأنّه شرّ يرفع العرضيّ ، وسلبه بأنّه ليس بخير يرفع الذاتيّ ، فتكون منافاة السلب أشدّ (1).

وفيه : ما فيه.

وقيل : معنى كلام المصنّف أنّ أشدّ الأنواع في التشكيك هو التضادّ ؛ لظهور قبول القوّة والضعف فيه (2).

المسألة الثانية عشرة : في أحكام التناقض ونحوه.

قال : ( ويقال للأوّل : التناقض ، ويتحقّق في القضايا بشرائط ثمانية ).

أقول : تقابل السلب والإيجاب إن أخذ في المفردات ، كقولنا : « زيد » « لا زيد » فهو تقابل العدم والملكة.

وإن أخذ في القضايا ، سمّي تناقضا ، كقولنا : « زيد كاتب » « زيد ليس بكاتب ».

ص: 220


1- انظر : « شرح عقائد التجريد » : 109.
2- نسبه القوشجي في « شرح عقائد التجريد » : 109 إلى القيل أيضا.

وقد يقال : تقابل الإيجاب والسلب يسمّى بالتناقض ، سواء كان بين المفردات أو بين القضايا. ولكن لمّا لم يتعلّق غرض يعتدّ به بالتناقض بين المفردات ، خصّصوا نظرهم بالتناقض بين القضايا (1).

وتحقّق التناقض في المفردات لا يتوقّف على شرط ؛ فإنّ كلّ مفهوم دخل عليه حرف السلب يكون نقيضا للآخر من غير اشتراط بشرط ، بخلاف التناقض في القضايا ؛ فإنّه إنّما يتحقّق بثمانية شرائط :

الأوّل : وحدة الموضوع فيهما ، فلو قلنا : « زيد كاتب » « عمرو ليس بكاتب » لم يتناقضا وصدقا معا.

الثاني : وحدة المحمول ، فقولنا : « زيد كاتب » « زيد ليس بنجّار » لم يتناقضا ، وصدقا معا.

الثالث : وحدة الزمان ، فلو قلنا : « زيد موجود الآن » « زيد ليس بموجود أمس » أمكن صدقهما.

الرابع : وحدة المكان ، فلو قلنا : « زيد موجود في الدار » « زيد ليس بموجود في السوق » أمكن صدقهما.

الخامس : وحدة الإضافة ، فلو قلنا : « زيد أب لخالد » « زيد ليس بأب لعمرو » أمكن صدقهما.

السادس : وحدة الكلّ أو الجزء ، فلو قلنا : « الزنجي أسود » أي بعضه ، « الزنجي ليس بأسود » أي ليس كلّه ، كذلك أمكن صدقهما.

السابع : وحدة الشرط ، فلو قلنا : « الأسود قابض للبصر » أي بشرط السواد ، و « الأسود ليس بقابض للبصر » أي لا بشرط السواد ، أمكن صدقهما.

ص: 221


1- نسبه القوشجي في « شرح عقائد التجريد » إلى بعض المحقّقين ، والظاهر أنّه الشريف الجرجاني في حاشيته على الشمسية. انظر في ذلك « شروح الشمسية » 2 :1. 118.

الثامن : وحدة القوّة أو الفعل ، فلو قلنا : « الخمر مسكر بالقوّة » « الخمر ليس بمسكر بالفعل » لم يتناقضا ، وصدقا معا.

قال : ( هذا في القضايا الشخصيّة ، أمّا المحصورة فبشرط تاسع وهو الاختلاف فيه ؛ فإنّ الكلّيّة ضدّ ، والجزئيّتان صادقتان ).

أقول : اعلم أنّ القضيّة إمّا شخصيّة أو مسوّرة أو مهملة ؛ وذلك لأنّ الموضوع إن كان شخصيّا كزيد ، سمّيت القضيّة شخصيّة ، وإن كان كلّيّا صدق على كثيرين فإمّا أن يتعرّض للكلّيّة والجزئيّة فيه أو لا. والأوّل هو القضيّة المسوّرة ، كقولنا : « كلّ إنسان حيوان » و « بعض الحيوان إنسان » و « لا شيء من الإنسان بحجر » و « بعض الإنسان ليس بكاتب ». والثاني هو المهملة ، كقولنا : « الإنسان ضاحك » وهذه في قوّة الجزئيّة ، فالبحث عن الجزئية يغني عن البحث عنها.

إذا عرفت هذا ، فنقول : الشرائط الثمانيّة كافية في القضيّة الشخصيّة. فأمّا المحصورة فلا بدّ فيها من شرط تاسع وهو الاختلاف بالكمّ ؛ فإنّ الكلّيّتين متضادّتان لا تصدقان ، ويمكن كذبهما ، كقولنا : « كلّ حيوان إنسان » و « لا شيء من الحيوان بإنسان ». والجزئيّتان قد تصدقان ، كقولنا : « بعض الحيوان إنسان » و « بعض الحيوان ليس بإنسان ».

أمّا الكلّيّة والجزئيّة فلا يمكن صدقهما البتّة ولا كذبهما ، كقولنا : « كلّ إنسان حيوان » و « بعض الإنسان ليس بحيوان » فهما المتناقضان.

قال : ( وفي الموجّهات عاشر ، وهو الاختلاف في الجهة أيضا بحيث لا يمكن اجتماعهما صدقا وكذبا ).

أقول : المراد أنّه لا بدّ في القضايا الموجّهة من الاختلاف بالجهة بحيث لا يمكن صدقهما معا ولا كذبهما.

والمراد بالجهة كيفيّة النسبة من الضرورة والدوام والإمكان والإطلاق ؛ فإنّهما لو لم يختلفا في الجهة ، أمكن صدقهما أو كذبهما كالممكنتين ؛ فإنّهما تصدقان مع

ص: 222

الشرائط التسعة ، كقولنا : « بعض الإنسان كاتب بالإمكان » و « لا شيء من الإنسان بكاتب بالإمكان » وكالضروريّتين ؛ فإنّهما تكذبان ، كقولنا : « بعض الإنسان كاتب بالضرورة » و « لا شيء من الإنسان بكاتب بالضرورة » وليس مطلق الاختلاف في الجهة كافيا في التناقض ما لم يكن اختلافا لا يمكن اجتماعهما معه ؛ فإنّ الممكنة والمطلقة المتخالفتين كمّا وكيفا لا تتناقضان.

وكذا المطلقة والدائمة في المادّة المذكورة.

ولكن لا يخفى أنّه إذا اعتبر في قضيّة جهة من الجهات كالضرورة والدوام والإمكان والإطلاق فلا بدّ أن يعتبر في نقيضها رفع تلك الجهة الشخصيّة ، فعلى هذا يتحقّق التناقض فيما ذكر إذا لوحظ في النفي الجهة الشخصيّة التي توجّه إليها الإثبات.

فالأولى أن يقال : إنّه يشترط في القضايا الموجّهة اتّحاد الجهة في حصول التناقض ، بمعنى أنّه إذا توجّه النفي - بعد تحقّق الوحدات الثمان - إلى ما توجّه إليه الإثبات ، لا يتحقّق التناقض إلاّ بوحدة الجهة الشخصيّة حقيقة أو حكما ، كما إذا كان الإثبات على وجه الضرورة المستلزمة للإمكان ، وكان النفي متوجّها إلى الإمكان ونحو ذلك.

ويشهد على ذلك أنّ العلماء يحكمون بانتفاء التناقض باختلاف الجهة التقييديّة الراجعة إلى اختلاف جهة النسبة في نحو الحكم بصحّة الصلاة في الدار المغصوبة وعصيان المصلّي ، بواسطة أنّ الصلاة من جهة الماهيّة مطلوبة ومن جهة التشخّص غصب مبغوضة ؛ فإنّ ذلك راجع إلى القول بأنّ الصلاة مطلوبة بالضرورة بالذات ما دامت صلاة أو في وقت معيّن أو في وقت ما على سبيل الضروريّة المطلقة أو الضروريّة الوقتيّة أو الضروريّة المنتشرة ، وإلى القول بأنّ الصلاة مبغوضة ومحرّمة ما دامت مع التشخّص الغصبي بالضرورة أو بالدوام على سبيل المشروطة العامّة أو العرفيّة العامّة ، فبسبب اختلاف الجهة ارتفع التناقض.

ص: 223

فلا بدّ من اشتراط وحدة الجهة الشخصيّة في تحقّق التناقض مضافا إلى الوحدات الثمان حتّى تكون الشرائط تسع وحدات مع الاختلاف في الكمّ والكيف.

قال : ( وإذا قيّد العدم بالملكة في القضايا سمّيت معدولة ، وهي تقابل الوجوديّة صدقا لا كذبا ؛ لإمكان عدم الموضوع ، فيصدق مقابلاهما ).

أقول : لمّا ذكر حكما من أحكام التناقض ، شرع في بيان حكم من أحكام تقابل العدم والملكة ، وهو أنّ العدم إذا اعتبر في القضايا ، سمّيت القضيّة معدولة ، وهي ما تأخّر فيها حرف السلب عن الربط ، كقولنا : « زيد هو ليس بكاتب ». ومثله ما كان محمولها مفهوما عدميّا وعبّر عنه بلفظ محصّل ، كقولنا : « زيد أعمى » أو « جاهل ».

وهي تقابل الوجوديّة التي هي عبارة عن الموجبة المحصّلة صدقا كقولنا : « زيد كاتب » و « زيد لا كاتب » ؛ لامتناع صدق الكتابة وعدمها على موضوع واحد في وقت واحد من جهة واحدة ، لا كذبا ، فيجوز كذبهما معا عند عدم الموضوع ؛ إذ الموجبة إنّما تصدق عند وجود الموضوع ، وإذا كذبتا حينئذ صدق مقابل كلّ واحدة منها ، فيصدق مقابل الموجبة المعدولة ، وهي السالبة المعدولة ، كقولنا : « زيد ليس بلا كاتب » مقابل الموجبة ، وهي السالبة المحصّلة ، كقولنا : « زيد ليس بكاتب » ؛ لإمكان صدق السلب في الصورتين عن الموضوع المعدوم.

قال : ( وقد يستلزم الموضوع أحد الضدّين بعينه أو لا بعينه ، أو لا يستلزم شيئا منهما عند الخلوّ أو الاتّصاف بالوسط ).

أقول : هذه أحكام التضادّ ، وهي أربعة :

الأوّل : أنّ أحد الضدّين بعينه قد يكون لازما للموضوع كبياض الثلج ، وقد لا يكون لازما ، فإمّا أن يكون أحدهما لا بعينه لازما للموضوع كالصحّة والمرض للبدن ، أو لا يكون. وعلى الثاني فإمّا أن يخلو عنهما معا كالفلك الخالي من الحرارة والبرودة ، والشفّاف الخالي عن السواد والبياض ، أو يتّصف بالوسط كالفاتر المتوسّط بين الحارّ والبارد.

ص: 224

قال : ( ولا يعقل للواحد ضدّان ).

أقول : هذا حكم ثان للتضادّ ، وهو أنّه لا يعرض بالنسبة إلى شيء واحد إلاّ تضادّ الواحد ، فلا يضادّ الواحد الاثنين ؛ لأنّ الواحد إذا ضادّ اثنين فإمّا بجهة واحدة أو بجهتين ، فإن كان بجهة واحدة فهو المطلوب ، وهو أنّ ضدّ الواحد واحد ، وهو ذلك القدر المشترك بينهما. وإن كان بجهتين كان ذلك وجوها من التضادّ لا وجها واحدا وليس البحث فيه.

قال : ( وهو منفيّ عن الأجناس ).

أقول : هذا حكم ثالث للتضادّ ، وهو أنّه منفيّ عن الأجناس فلا تضادّ بينها ؛ للاستقراء المفيد لانحصار التضادّ بين الأنواع الأخيرة المندرجة تحت جنس واحد قريب كالسواد والبياض المندرجين تحت اللون الذي هو جنسهما القريب.

ولا ينتقض بالخير والشرّ ؛ لأنّهما ليسا جنسين لما تحتهما ؛ لأنّا قد نعقل ما يطلق عليه الخير والشرّ مع الذهول عن كونه خيرا وشرّا ، ولا ضدّين من حيث ذاتيهما ، بل تقابلهما من حيث الكماليّة والنقص.

قال : ( ومشروط في الأنواع باتّحاد الجنس ).

أقول : هذا حكم رابع للتضادّ العارض للأنواع ، وهو اندراج تلك الأنواع تحت جنس واحد أخير كالسواد والبياض المذكورين.

ولا ينتقض بالشجاعة والتهوّر ؛ لأنّ تقابلهما من حيث الفضيلة والرذيلة العارضتين ؛ لمثل ما مرّ.

قال : ( وجعل الجنس والفصل واحدا ).

أقول : الجنس والفصل في الخارج شيء واحد ؛ فإنّه لا يعقل حيوانيّة مطلقة موجودة بانفرادها انضمّت إليها الناطقيّة فصارت إنسانا ، بل الحيوانيّة في الخارج هي الناطقيّة ، فوجودهما واحد. وهذه قاعدة قد مضى تقريرها.

والذي يخطر لنا أنّ الغرض بذكرها هاهنا الجواب عن إشكال يورد على

ص: 225

اشتراط دخول الضدّين تحت جنس واحد.

وتقريره : أنّ كلّ واحد من الضدّين قد اشتمل على جنس وفصل ، والجنس لا يقع به تضادّ ، لأنّه واحد فيهما ، فإن وقع تضادّ فإنّما يقع بالفصول ، لكنّ الفصل لا يجب اندراجه تحت جنس واحد ، وإلاّ لزم التسلسل ، فلا تضادّ حقيقيّ في النوعين ، بل في الفصلين اللّذين لا يجب دخولهما تحت جنس واحد ، فلا وجه لاشتراط اندراج الأنواع المتضادّة تحت جنس واحد.

وتقرير الجواب : أنّ الفصل والجنس واحد في الأعيان ، وإنّما يتميّزان في العقل ، فجعلهما واحدا هو جعل النوع ، فكان التضادّ عارضا في الحقيقة للأنواع لا للفصول الاعتباريّة ؛ لأنّ التضادّ إنّما هو في الوجود لا في الأمور الاعتباريّة.

فهذا ما فهمته من هذا الكلام. ولعلّ غيري يفهم منه غير ذلك.

والإيراد بأنّ التضادّ كثيرا ما يكون بين الأمور الاعتباريّة كمفهومي الجنسيّة والفصليّة ، فإنّهما متضادّان مع أنّهما من ثواني المعقولات. ولو سلّم أنّ التضادّ لا يكون إلاّ بين الأمور الموجودة في الأعيان ، فلا شكّ أنّ وجود النوع في الأعيان إنّما هو بمعنى أنّ في الأعيان أمرا يطابقه ، وكلّ من الجنس والفصل أيضا موجود بهذا المعنى في الأعيان (1) غير وارد بعد اعتبار الوجود في التضادّ ، كما مرّ.

ووجود النوع ليس بالمعنى المذكور ؛ لأنّ الحقّ وجود الكلّيّ الطبيعيّ حقيقة بسبب وجود أشخاصه ؛ لما مرّ.

وأمّا الأجزاء العقليّة فهي اعتباريّة سيّما عند المصنّف ، كما سبق.

ص: 226


1- ذكره القوشجي في « شرح عقائد التجريد » : 112.

[ الفصل الثالث : في العلّة والمعلول ]

اشارة

قال : ( الفصل الثالث : في العلّة والمعلول. كلّ شيء يصدر عنه أمر إمّا بالاستقلال أو بالانضمام فإنّه علّة لذلك الأمر ، والأمر معلول له ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الماهيّة ، شرع في البحث عن العلّة والمعلول ؛ لأنّهما من لواحق الماهيّة وعوارضها ، وهما من الأمور العامّة أيضا ، والعلّيّة والمعلوليّة من المعقولات الثانية ومن أنواع المضاف.

وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى :

في تعريف العلّة والمعلول ، وهما وإن كانا من المتصوّرات القطعيّة لكن قد يعرض اشتباه ما ، فنذكر على سبيل التنبيه والتميز ما يزيل ذلك الاشتباه ، فنقول : إذا فرضنا صدور شيء عن غيره ، كان الصادر معلولا ، وما يصدر عنه ذلك المصادر علّة ، سواء كان الصدور على سبيل الاستقلال كما في العلل التامّة ، أو على سبيل الانضمام كجزء العلّة ، فإنّ جزء العلّة شيء يصدر عنه أمر آخر لكن لا على سبيل الاستقلال ، وهو داخل في الحدّ. بل الصدور على سبيل الانضمام يمكن أن يكون أعمّ من الصدور المستند إلى جزء العلّة والصدور المستند إلى المادّة والصورة والغاية المتقدّمة في التصوّر التي لا يصدر الشيء عن الفاعل المختار إلاّ بسبب تصوّرها.

فلا يرد أنّ التعريف لا يصدق على غير العلّة الفاعليّة من العلل ، فلا يصحّ تقسيم

ص: 227

العلّة إلى الأقسام الأربعة (1).

المسألة الثانية : في أقسام العلّة.

قال : ( وهي فاعليّة ومادّيّة وصوريّة وغائيّة ).

أقول : العلّة ما يحتاج الشيء إليه في وجوده ، وهي إمّا أن تكون جزءا من المعلول أو خارجة عنه.

والأوّل إمّا أن يكون جزءا يحصل به الشيء بالفعل أو بالقوّة ، الأوّل الصورة ، والثاني المادّة.

وإن كانت خارجة ، فإمّا أن تكون مؤثّرة ؛ لكونها ما منه الشيء ، أو يقف التأثير عليها ؛ لكونها ما لأجله الشيء. والأوّل فاعل ، والثاني غاية.

والفاعل إن كان مع شعور وإرادة - بحيث إن شاء فعل وإن شاء ترك - يسمّى فاعلا مختارا ، وإلاّ فمضطرّا وموجبا.

وإفادته الوجود قد تتوقّف على وجود شيء أو عدم شيء أو عليهما ، والأوّل يسمّى شرطا ، والثاني رفعا للمانع ، والثالث معدّا.

والعلّة إن لم تحتج إلى غيرها - لكفاية ذاتها - تسمّى علّة مستقلّة ، وإن لم تحتج إلى أمر آخر - لحصول جميع ما يتوقّف المعلول عليه - تسمّى علّة تامّة ، وعند ذلك يكون وجود المعلول واجبا كما سيأتي ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة ؛ للزوم الترجيح بلا مرجّح من اختيار الوقت الآخر على ذلك الوقت.

نعم ، الفاعل إن كان مختارا ولم تتعلّق الإرادة بمصلحة كما في إيجاد اللّه العالم لا بدّ من التأخّر ، كما لا يخفى.

ص: 228


1- الإيراد للمحقّق الشريف على ما نقل عنه اللاهيجي في « شوارق الإلهام » المسألة الأولى من الفصل الثالث ، وأورده القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 112.
المسألة الثالثة : في أحكام العلّة الفاعليّة.

قال : ( فالفاعل مبدأ التأثير ، وعند وجوده بجميع جهات التأثير يجب وجود المعلول ).

أقول : الفاعل هو المؤثّر ، والغاية ما لأجله الأثر ، والمادّة والصورة جزءاه. وإذا وجد المؤثّر بجميع جهات التأثير كان علّة تامّة ، ووجب وجود المعلول ؛ لأنّه لو لم يجب لجاز وجود الأثر عند وجود الجهات بأجمعها وعدمه ، فتخصيص وقت الوجود به مع وجود الإرادة في الزمانين إمّا أن يكون لأمر زائد لم يكن في الزمان الآخر موجودا أو لا يكون ، فإن كان الأوّل لم يكن المؤثّر المفروض أوّلا تامّا ، هذا خلف. وإن كان الثاني لزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجّح ، وهو محال.

قال : ( ولا يجب مقارنة العدم ).

أقول : ذهب قوم إلى أنّ التأثير إنّما يكون لما سبق بالعدم.

وهو على الإطلاق غير سديد ، بل المؤثّر إن كان مختارا وجب فيه ذلك ؛ لأنّ المختار إنّما يفعل بواسطة القصد ، وهو إنّما يتوجّه إلى شيء معدوم. وإن كان موجبا لم يجب فيه ذلك ؛ لجواز استناد القديم إلى المؤثّر. فاستناد الحادث إلى القديم جائز ؛ لتوقّف التأثير على شرط حادث كتعلّق الإرادة ، فالتقدّم لذات الفاعل ، لا للفاعل المستجمع لجميع جهات التأثير ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، بل يجب تحقّق الإيجاد ووجود المعلول حينئذ في آن واحد.

قال : ( ولا يجوز بقاء المعلول بعده وإن جاز في المعدّ ).

أقول : ذهب قوم (1) غير محقّقين - كما حكي (2) - إلى أنّ احتياج الأثر إلى المؤثّر

ص: 229


1- نسبه في « الإشارات والتنبيهات » إلى الأوهام العاميّة ، وفي « شرح الإشارات والتنبيهات » إلى الجمهور ، وفي « المحاكمات » إلى قوم من المتكلّمين. انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 :1. 68.
2- حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : 115.

وإنّما هو آن حدوثه ، فإذا أوجد الفاعل الفعل استغنى الفعل عنه ، فجاز بقاؤه بعده ، وتمثّلوا في ذلك بالبناء الباقي بعد البنّاء وغيره من الآثار.

وهو خطأ ؛ لأنّ علّة الحاجة - وهي الإمكان - ثابتة بعد الإيجاد ، فثبتت الحاجة. والبنّاء ليس علّة مؤثّرة في وجود البناء الباقي ، وإنّما حركته علّة لحركة الأحجار ووضعها على نسبة معيّنة ، ثمّ بقاء الشكل معلول لأمر آخر. هذا في العلل الفاعليّة.

أمّا العلل المعدّة فإنّها تعدم وإن كان معلولاتها موجودة كالحركة المعدّة للوصول وللحرارة.

قال : ( ومع وحدته يتّحد المعلول ).

أقول : هذا إشارة إلى قاعدة مشهورة بين الحكماء ، وهي : « أنّ الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد » (1).

والمراد أنّ المؤثّر إن كان مختارا جاز أن يتكثّر أثره مع وحدته ، كتعدّد إرادته.

وإن كان موجبا فذهب الأكثر - خلافا لأكثر المتكلّمين (2) - إلى استحالة تكثّر معلوله باعتبار واحد.

وأقوى حججهم أنّ نسبة المؤثّر إلى أحد الأثرين ومصدريّته له مغايرة لنسبته إلى آخر ، فإن كان كلّ واحد منهما نفس الواحد الحقيقي كان لأمر واحد حقيقتان مختلفتان.

وإن كانت النسبتان جزئيّة كان مركّبا ، فلم يكن ما فرضناه واحدا واحدا. وإن خرجا أو خرج أحدهما ، كانت المصدريّة الخارجة مستندة إلى ذلك الواحد المؤثّر ، وإلاّ لم يكن هو مصدرا ومؤثّرا ، فننقل الكلام إلى مصدريّة المصدريّة ، فيلزم التسلسل.

وهي عندي ضعيفة ؛ لأنّ نسبة التأثير والصدور يستحيل أن تكون وجوديّة ،

ص: 230


1- انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 122 ؛ « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 125.
2- « شرح المقاصد » 2 : 87 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 4 : 123 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 117.

وإلاّ لزم التسلسل.

وإذا كانت من الأمور الاعتباريّة استحالت هذه القسمة عليها ، مضافا إلى النقض بصدور شيء واحد ؛ لأنّ مصدريّته لذلك الشيء أمر مغاير له ، لكونها نسبة بينه وبين غيره ، فهي إمّا داخلة أو خارجة ، فعلى الأوّل يلزم تركّبه ، وعلى الثاني يلزم التسلسل ، مع أنّ التعدّد المنفيّ لازم لو كانت المصدريّة وجوديّة.

قال : ( ثمّ تعرض الكثرة باعتبار كثرة الإضافات ).

أقول : لمّا بيّن أنّ العلّة الواحدة لا يصدر عنها إلاّ معلول واحد ، أشار إلى جواب استدلال المتكلّمين ، وهو أنّه لو لم يصدر عن الواحد إلاّ الواحد ، لما صدر عن المعلول الأوّل إلاّ واحد هو الثاني وعنه واحد هو الثالث وهلمّ جرّا ، فتكون الموجودات سلسلة واحدة ولم يوجد شيئان يستغني أحدهما عن الآخر في الوجود.

وتقرير الجواب : أنّ ذلك لازم لو لم يكن في المعلول مع وحدته كثرة الجهات والاعتبارات ، ولكن فيه كثرة الإضافات ؛ فإنّ له وجودا ووجوبا بالغير وإمكانا بالذات ونحو ذلك من الاعتبارات ، ولهذا يقال : إنّ العقل الأوّل باعتبار التجرّد أثّر في العقل الثاني وباعتبار الإمكان في الفلك الأعظم وهكذا غيره.

وأورد عليه : بأنّ هذه كلّها اعتبارات عقليّة لا تصلح أن تكون علّة للأعيان الخارجيّة ، وإلاّ فذات الواجب تعالى يصلح أن يجعل مبدأ للممكنات باعتبار كثرة السلوب والإضافات (1).

والحقّ أنّ الحقّ فاعل مختار يوجد الأشياء بالمشيّة المتعلّقة بإيجاد الممكنات.

قال : ( وهذا الحكم ينعكس على نفسه ).

أقول : يريد بذلك أنّه مع وحدة المعلول تتّحد العلّة ، وهو عكس الحكم الأوّل ، فلا يجتمع على الأثر الواحد مؤثّران مستقلاّن ، بمعنى عدم جواز توارد العلّتين

ص: 231


1- هذا الإيراد أورده الفخر الرازي في « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 48 وما بعدها ، ونقله عنه التفتازاني في « شرح المقاصد » 2 : 102 والقوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 119.

المستقلّتين في معلول واحد شخصي ، لأنّه بكلّ واحد منهما واجب مستغن عن الآخر ، فيكون حال حاجته إليهما من جهة العلّيّة مستغنيا عنهما ؛ لكون كلّ منهما مستقلاّ بالعلّيّة ، هذا خلف.

قال : ( وفي الوحدة النوعيّة لا عكس ).

أقول : إذا كانت العلّة واحدة بالنوع كان المعلول كذلك ، ولا يجب من كون المعلول واحدا بالنوع كون العلّة كذلك ؛ فإنّ الأشياء المختلفة تشترك في لازم واحد ، كاشتراك الحركة والشمس والنار في الحرارة ؛ لأنّ المعلول يحتاج إلى مطلق العلّة ، وتعيين العلّة [ جاء ] (1) من جانب العلّة لا المعلول.

قال : ( والنسبتان من ثواني المعقولات ، وبينهما مقابلة التضايف ).

أقول : يعني أنّ نسبة العلّيّة والمعلوليّة من المعقولات الثانية ؛ لاستحالة وجود شيء في الأعيان ، وهو مجرّد علّيّة أو معلوليّة وإن كان معروضهما موجودا وبينهما مقابلة التضايف ؛ فإنّ العلّة علّة للمعلول ، والمعلول معلول للعلّة.

وقد نبّه بقوله : « وبينهما مقابلة التضايف » على امتناع كون الشيء الواحد بالنسبة إلى شيء واحد علّة ومعلولا ، وهو الدور المحال ؛ لأنّ كونه علّة يقتضي الاستغناء والتقدّم ، وكونه معلولا يقتضي الحاجة والتأخّر ، فيكون الشيء الواحد مستغنيا عن الشيء الواحد متقدّما عليه ومحتاجا إليه ومتأخّرا عنه ، وهذا خلف.

قال : ( وقد يجتمعان في الشيء الواحد بالنسبة إلى أمرين لا يتعاكسان فيهما ).

أقول : قد تجتمع نسبة العلّيّة والمعلوليّة في الشيء الواحد بالنسبة إلى أمرين ، فيكون علّة لأحد الشيئين ومعلولا للآخر ، كالعلّة المتوسّطة فإنّها معلولة للعلّة الأولى وعلّة للمعلول الأخير ، لكن بشرط أن لا يكون ذانك الأمران يتعاكسان في النسبتين ، بأن تكون العلّة الأولى معلولة للمعلول الأخير والمعلول الأخير علّة لها ، وإلاّ عاد الدور المحال ؛ لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه أو تأخّره عنها بمرتبتين

ص: 232


1- الزيادة أثبتناها من « كشف المراد » : 117.

أو بمراتب.

فإن قلت : نمنع بطلان الدور مطلقا ، لجواز الدور المعيّ في مثل قيام اللبنتين المعتمدة كلّ واحدة على قيام الأخرى.

قلت : علّة بطلان الدور التقدّمي - وهو توقّف الشيء على نفسه - موجودة في المعيّ ، وأمّا توقّف قيام كلّ من اللبنتين على قيام أخرى فهو صوريّ لا واقعي ؛ فإنّ كلّ واحد من القيامين معلول لعلّة ثالثة وهي اتّصال اللبنتين على الوجه المخصوص ، بمعنى علّيّة العرض لعرض آخر لا للجوهر.

وأمّا توقّف كلّ من المتضايفين كالأبوّة والبنوّة في الوجود الذهني على الآخر ففيه منع توقّف كلّ من العرضين على نفس العرض الآخر ، بل كلّ منهما متوقّف في التعقّل على محلّ الآخر ؛ فإنّ الأبوّة عبارة عن كون الشخص والدا لشخص آخر لا للابن ، فهي موقوفة على معرفة ذات الابن لا على الذات مع وصف البنوّة ، والبنوّة عبارة عن كون الشخص ابنا وولدا لشخص آخر لا للأب.

وبالجملة ، فبطلان الدور بأقسامه - من المصرّح الخارجي والذهني والمضمر كذلك ولو كان معيّا - ممّا لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه.

مضافا إلى أنّ الدور المعيّ لو سلّم عدم بطلانه فإنّما يصحّ فيما يتعلّق بآثار الوجود ، كقيام اللبنتين الموجودتين ، وأمّا ما يتعلّق بنفس الوجود فلا ؛ لامتناع تأثير المعدوم كما لا يخفى ، والدور في سلسلة الممكنات بالنسبة إلى وجودها من قبيل الأخير ، فيكون باطلا.

المسألة الرابعة : في إبطال التسلسل.

قال : ( ولا يترقّى معروضاهما في سلسلة واحدة إلى غير نهاية ؛ لأنّ كلّ واحد منهما ممتنع الحصول بدون علّة واجبة ، لكنّ الواجب بالغير ممتنع (1) أيضا ، فيجب

ص: 233


1- أي عند عدم علّته. ( منه رحمه اللّه ).

وجود علّة واجبة (1) لذاتها هي طرف السلسلة ).

أقول : لمّا أبطل الدور شرع في إبطال التسلسل ، وهو وجود علل ومعلولات في سلسلة واحدة غير متناهية.

ونبّه على الدعوى بقوله : « ولا يترقّى معروضاهما » بمعنى معروض العلّيّة والمعلوليّة في سلسلة واحدة إلى غير النهاية.

واحتجّ عليه بوجوه :

[ الوجه ] الأوّل : أنّ كلّ واحد من تلك الجملة ممكن ، وكلّ ممكن ممتنع حصوله بدون علّته الواجبة ، فكلّ واحد من تلك الآحاد يمتنع حصوله بدون علّته الواجبة.

ثمّ تلك العلّة الواجبة إن كانت واجبة لذاتها فهو المطلوب ؛ لانقطاع السلسلة حينئذ.

وإن كانت واجبة بغيرها كانت ممكنة لذاتها ، فكانت مشاركة لباقي الممكنات في امتناع الوجود بدون العلّة الواجبة ، فيجب وجود علّة واجبة لذاتها هي طرف السلسلة ، وتكون السلسلة به منقطعة.

وفي هذا الوجه عندي نظر ؛ فإنّ من جوّز ذهاب سلسلة الممكنات إلى غير النهاية يقول بكون كلّ واحد منها واجبا بالغير من غير أن ينتهي إلى واجب لذاته.

ودعوى أنّه لا بدّ من وجود علّة واجبة لذاتها مصادرة ، فلا بدّ من البرهان كالتطبيق.

قال : ( وللتطبيق بين جملة قد فصل منها آحاد متناهية وأخرى لم يفصل منها ).

ص: 234


1- قال في الشوارق : « هذا إشارة إلى طريقة مخترعة له مشهورة عنه ، وهي أنّ الممكن لا يجب لذاته ، وما لا يجب لذاته لا يكون له وجود لذاته ، فلو كانت الموجودات بأسرها ممكنة لما كان في الوجود موجود ، فلا بدّ من واجب لذاته ، فقد ثبت واجب الوجود ». وهذه طريقة حسنة مستقيمة خفيفة المئونة مبنيّة على أنّ الشيء ما لم يجب ولم يمتنع جميع أنحاء عدمه لم يوجد ، فتأمّل. ( منه رحمه اللّه ). انظر : « شوارق الإلهام » المسألة الثالثة من الفصل الثالث ، وقد نقل العبارة بشيء من الاختصار.

أقول : هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالّة على امتناع التسلسل ، وهو المسمّى ب- « برهان التطبيق » وهو برهان مشهور.

وتقريره : أنّا إذا أخذنا جملة العلل والمعلولات إلى ما لا يتناهى ، ووضعناها جملة ، ثمّ قطعنا منها جملة متناهية ، ثمّ أطبقنا إحدى الجملتين بالأخرى بحيث يكون كلّ واحد من آحاد الجملة الناقصة بإزاء واحد من آحاد الجملة التامّة ولو بعد فرض وقوع الآحاد وترتّبها وملاحظتها إجمالا ، فإن استمرّتا إلى ما لا يتناهى ، كانت الجملة الزائدة مثل الناقصة ، فيلزم تساوي الزائد والناقص ، وهذا خلف.

وإن انقطعت الناقصة تناهت ، فيلزم تناهي الزائدة ؛ لأنّ ما زاد على المتناهي بمقدار متناه فهو متناه ، فيلزم تناهي ما لا يتناهى وهو محال ، فالتسلسل محال.

قال : ( ولأنّ التطبيق باعتبار النسبتين - حيث يتعدّد كلّ واحد منهما باعتبارهما - يوجب تناهيهما ؛ لوجوب ازدياد إحدى النسبتين على الأخرى من حيث السبق ).

أقول : هذا برهان ثالث يسمّى ببرهان التضايف راجع إلى الثاني - وهو برهان التطبيق - لكن على نحو آخر استخرجه المصنّف رحمه اللّه ، مغاير للنحو الذي ذكره القدماء.

وتقريره : أنّ العلّيّة والمعلوليّة متضايفتان لا تتحقّق إحداهما بدون الأخرى ، فبعد قطع النظر عن المعلول المحض في المنتهى والعلّة المحضة في المبدأ إذا فرضنا العلل والمعلولات سلسلة واحدة غير متناهية تكون كلّ واحدة من تلك السلسلة علّة باعتبار ومعلولا باعتبار ، فتصدق عليه النسبتان باعتبارين ، ويحصل له التعدّد باعتبار النسبتين ، فإنّ الواحد من تلك السلسلة من حيث إنّه علّة مغاير له من حيث إنّه معلول. فإذا أطبقنا كلّ ما صدق عليه نسبة المعلوليّة على كلّ ما صدق عليه نسبة العلّيّة بأن اعتبرت هذه السلسلة من حيث إنّ كلّ واحد منها علّة تارة ومن حيث إنّ كلّ واحد منها معلول أخرى كانت العلل والمعلولات المتباينتان بالاعتبار متطابقتين في الوجود ، ولا يحتاج في تطابقهما إلى توهّم تطبيق ، فتكون هناك علّة متقدّمة على

ص: 235

جميع المنطبقات لم ينطبق عليها شيء من أفراد المعلولات ، وإلاّ يلزم أن ينطبق معلول من تلك المعلولات على علّة ، فلا تكون متقدّمة عليه ، بل واقعة في مرتبته ، وهو باطل بالضرورة. فحينئذ يجب كون العلل أكثر من المعلولات من حيث إنّ العلل سابقة على المعلولات في طرف المبدأ بواحدة ، فإذن المعلولات قد انقطعت قبل انقطاع العلل ، والعلل الزائدة عليها إنّما زادت بمقدار متناه ، فتكون الجملتان متناهيتين.

قال : ( ولأنّ المؤثّر في المجموع إن كان بعض أجزائه كان الشيء مؤثّرا في نفسه وعلله ، ولأنّ المجموع له علّة تامّة ، وكلّ جزء ليس علّة تامّة ؛ إذ الجملة لا تجب به ، وكيف تجب الجملة بشيء وهو محتاج إلى ما لا يتناهى من تلك الجملة!؟ ).

أقول : هذا برهان رابع على إبطال التسلسل.

وتقريره : أنّا إذا فرضنا جملة مترتّبة على علل ومعلولات إلى ما لا يتناهى ، فتلك الجملة - من حيث هي جملة - ممكنة موجودة ؛ لتركّبها من الآحاد الممكنة الموجودة ، وكلّ ممكن له مؤثّر ، فتلك الجملة لها مؤثّر. فإمّا أن يكون ذلك المؤثّر هو نفس تلك الجملة ، وهو محال ؛ لاستحالة كون الشيء مؤثّرا في نفسه. وإمّا أن يكون خارجا عنها ، والخارج عن جملة الممكنات واجب فينقطع التسلسل. وإمّا أن يكون جزءا من تلك الجملة وهذا محال ، وإلاّ لزم كون الشيء مؤثّرا في نفسه وفي علله التي لا تتناهى ، وذلك من أعظم المحالات.

وأيضا فإنّ المجموع لا بدّ له من علّة تامّة ، وكلّ جزء ليس علّة تامّة ؛ إذ الجملة لا تجب به ، وكيف تجب الجملة بجزء من أجزائها وذلك الجزء محتاج إلى ما لا يتناهى من تلك الجملة!؟

المسألة الخامسة : في متابعة المعلول للعلّة في الوجود والعدم.

قال : ( وتتكافأ النسبتان في طرفي النقيض ).

ص: 236

أقول : الذي يفهم من هذا الكلام أنّ نسبة العلّيّة مكافئة لنسبة المعلوليّة في طرفي الوجود والعدم بالنسبة إلى معروضيهما ، على معنى أنّ نسبة العلّيّة إذا صدقت على معروض ثبوتي كانت نسبة المعلوليّة صادقة على معروض ثبوتي ، وبالعكس. وإذا صدقت نسبة العلّيّة على معروض عدميّ صدقت نسبة المعلولية على معروض عدميّ ، وبالعكس.

وهذا معنى تكافئهما في طرفي النقيض ، أي الوجود والعدم.

وذلك يتمّ بتقرير مقدّمة هي أنّ عدم المعلول إنّما يستند إلى عدم العلّة لا غير.

وبيانه : أنّ عدم المعلول لا يستند إلى ذاته ، وإلاّ لكان ممتنعا لذاته ، وهذا خلف ؛ بل لا بدّ له من علّة إمّا وجوديّة أو عدميّة ، والأوّل باطل بناء على أنّ تأثير الوجودي في العدمي لا يجوز ، وإلاّ لكان عدم الوجودي علّة فاعليّة لعدم العدمي الذي هو وجوديّ ، وهذا خلف.

والإيراد بأنّ الوجودي الذي هو علّة فاعليّة للعدمي يجوز أن يكون هو الواجب تعالى ، ولا يتصوّر له عدم حتّى يلزم أن يكون علّة للوجودي (1) يمكن دفعه بكفاية امتناع كون الوجودي الممكن علّة للعدمي لما مرّ ؛ لامتناع تأثير الواجب في العدم الأزلي الحاصل إلاّ باعتبار استمراره.

ولكن يرد عليه : أنّ الواجب تعالى قادر مختار ، قد فسّرت القدرة والاختيار بكون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن شاء ترك ؛ فإنّ الترك أسند إلى المشيئة الوجوديّة ، اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مشيّئة الترك من جهة المفسدة الراجعة إلى العدم.

وقد يستدلّ على بطلان كون الوجودي علّة للعدمي بأنّه عند وجود تلك العلّة الوجوديّة إن لم يختلّ شيء من أجزاء تلك العلّة المقتضية لوجود المعلول ولا من شرائطها لزم وجود المعلول ؛ نظرا إلى تحقّق العلّة التامّة. وإن اختلّ شيء من ذلك

ص: 237


1- أورده القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 126.

لزم عدم المعلول ، فيكون عدم المعلول مستندا إلى ذلك العدم لا غير (1).

وفيه نظر ظاهر.

وبالجملة ، فإذا تقرّرت هذه المقدّمة فنقول : العلّة الوجوديّة يجب أن يكون معلولها وجوديّا ، لأنّه لو كان عدميّا لكان مستندا إلى عدم علّته - على ما قلنا - لا إلى وجود هذه العلّة ، والمعلول الوجودي يستند إلى العلّة الوجوديّة لا إلى العدميّة ؛ لأنّ تأثير المعدوم في الوجود غير معقول.

المسألة السادسة : في أنّ القابل لا يكون فاعلا.

قال : ( والقبول والفعل متنافيان مع اتّحاد النسبة ؛ لتنافي لازميهما ).

أقول : قال الحكماء بأنّ البسيط الحقيقي الذي لا تعدّد فيه أصلا - كالواجب تعالى - لا يكون مصدرا لأثر وقابلا له (2) ، وبنوا على ذلك امتناع اتّصاف الواجب تعالى بصفات حقيقيّة زائدة على ذاته كما يقول الأشاعرة (3).

واستدلّوا على ذلك : بأنّ القبول والفعل متنافيان ، يعني لا يجتمعان بل يتنافيان ، لكن مع اتّحاد النسبة ، يعني أن يكون الفاعل الذي تقع نسبة الفعل إليه [ هو ] بعينه القابل الذي تقع نسبة القبول إليه ؛ لتنافي لازميهما ، وهما الإمكان والوجوب ؛ وذلك لأنّ نسبة القابل إلى المقبول نسبة الإمكان ؛ لعدم وجوب وجود المقبول عند وجود القابل ، ونسبة الفاعل إلى المفعول نسبة الوجوب بوجوب وجود المفعول عند وجود الفاعل عند استقلاله ووجود شرائط التأثير وارتفاع موانعه ، فلو كان الشيء الواحد مقبولا لشيء ومعلولا له أيضا ، لزم أن تكون نسبة ذلك الشيء إلى فاعله بالوجوب

ص: 238


1- انظر : « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 120.
2- لمزيد الاطّلاع حول هذا المبحث راجع « المباحث المشرقيّة » 1 : 236 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 104 ؛ « شرح المواقف » 4 : 133 ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 176.
3- انظر : « شرح المقاصد » : 4 : 69 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 8 : 104 وما بعدها.

والإمكان ، وهذا خلف.

المسألة السابعة : في نسبة العلّة إلى المعلول.

قال : ( وتجب المخالفة بين العلّة والمعلول إن كان المعلول محتاجا لذاته إلى تلك العلّة ، وإلاّ فلا ).

أقول : العلّة إن كان معلولها محتاجا لماهيّته إليها وجب كونه مخالفا لها ؛ لاستحالة تأثير الشيء في نفسه ، وإن كانت علّة لشخصه كتعليل إحدى النارين بالأخرى ، فإنّ المعلول لا يجب أن يكون مخالفا للعلّة في الماهيّة ، ولا يكون أقوى منها ، ولا يساويها عند فوات شرط أو حضور مانع ، ويساويها لا مع ذلك ، بل قد يزيد عند ازدياد المعدّ ، كما لا يخفى.

بيان ذلك : أنّ المعلوليّة من بين الأقسام الثلاثة للمفهوم منحصرة في الممكن ؛ لاستناد الوجود في الواجب والعدم في الممتنع إلى الذات ، فلا يصحّ الاستناد إلى الغير لئلاّ يلزم تحصيل الحاصل ، بخلاف الممكن فإنّ ذاته من حيث هي لا تقتضي شيئا من الوجود والعدم ، فلا بدّ من الاستناد إلى الغير المستلزم للمعلوليّة ؛ لئلاّ يلزم الترجّح بلا مرجّح أو الترجيح بلا مرجّح ، الباطل بديهة ، ولا بدّ من خصوصيّة بين العلّة وذلك المعلول ؛ لئلاّ يلزم الترجيح بلا مرجّح بالنسبة إلى سائر الممكنات ؛ لتساوي نسبتها إلى الجميع ، وهو باطل حتّى في الواجب ؛ لعدم كفاية الإرادة ؛ لأنّ تعلّقها بأحد المتساويين بدون المرجّح باطل عندهم.

ومايقال : من أنّ المحال هو الترجيح بلا مرجّح ، بمعنى جعل أحد المتساويين راجحا من غير مرجّح أو الترجيح بدون المرجّح والدّاعي المطلق ، لا الترجيح بمعنى اختيار أحد المتساويين أو الترجيح بالمرجّح المساوي أو المرجوح ؛ لجواز اختيار الفاعل المختار أحد المرجّحين ولو كان مرجوحا ، فيفعل أحد الشيئين بسبب ذلك المرجّح ، كما في تأخير الصلاة عن أوّل الأوقات مع رجحانه بالاشتغال بالمباحات ،

ص: 239

وكذا ارتكاب المحرّمات وترك الواجبات ، فالوقوع شرعا كاشف عن الجواز عقلا (1).

فمدفوع بأنّ المعيار في الرجحان هو نظر الفاعل لا نفس الأمر ، ومثل ما ذكر راجح عند الفاعل وإن كان مرجوحا في نفس الأمر.

وأيضا ففي الإنسان مبادئ الأفعال كالشهوة للشهويّة ، والغضب للغضبيّة ، والعقل للعقليّة ، والوهم للوهميّة إلى غير ذلك ، فهو من حيث هو عاقل فاعل ، ومن حيث هو متوهّم فاعل آخر وهكذا. فتأخير الصلاة - مثلا - وإن كان مرجوحا من حيث هو عاقل إلاّ أنّه راجح من حيث هو متوهّم ، وطالب اللذّة الوهميّة من حيث هو كذلك ، وهكذا غيره لذلك أو لغيره كطلب الشهوة والغضب.

ومن جوّز الترجيح بلا مرجّح - كالأشاعرة - تمسّك برغيفي الجائع ، وطريقي الهارب ، وقدحي العطشان.

وأجيب : بأنّ المعتبر في التساوي والرجحان ما يكون عند الفاعل من حيث هو فاعل حين الشروع في الفعل ، لا ما يكون عند غيره أو في نفس الأمر أو عنده في غير وقت الشروع.

والتساوي المذكور فيما ذكر ممنوع ، مع أنّ نحو الهارب مضطرّ لا مختار.

والإنصاف أنّ الترجيح بلا مرجّح - بمعنى اختيار أحد المتساويين بلا مرجّح - لم يثبت قبحه وامتناعه عقلا ونقلا.

المسألة الثامنة : في أنّ مصاحب العلّة ليس بعلّة ، وكذا مصاحب المعلول ليس معلولا.

قال : ( ولا يجب صدق إحدى النسبتين على المصاحب ).

أقول : يعني به أنّ نسبة العلّيّة لا يجب صدقها على ما يصاحب العلّة ويلازمها ؛

ص: 240


1- لم نعثر على قائل له بالخصوص ، وذكره التفتازاني في « شرح المقاصد » 1 : 482.

فإنّ مع العلّة شرائط كثيرة ولوازم لا مدخل لها في العلّيّة كحمرة النار ، فإنّها لا تأثير لها في الإحراق ، وكذا ما يصاحب المعلول ويلازمه ؛ فإنّه لا يجب صدق نسبة المعلوليّة عليه ، بل لا يجوز ذلك ؛ لامتناع أن يكون لشيء واحد فاعلان في مرتبة واحدة ، وامتناع تأثير العلّة في معلولين من جهة واحدة.

قيل : قال الشيخ أبو عليّ ابن سينا : إنّ الفلك الحاوي يصاحب علّة المحويّ ، ولا يجب أن يكون متقدّما بالعلّيّة على المحويّ لأجل مصاحبته لعلّة المحويّ (1).

فقد جعل ما مع القبل ليس قبلا.

ثمّ قال : عدم الخلاء ووجود المحويّ متقاربان ، فلو كان الحاوي علّة للمحويّ لكان متقدّما عليه ، فيكون متقدّما على ما يصاحبه أعني عدم الخلاء ، فيكون عدم الخلاء متأخّرا من حيث إنّه مصاحب للمتأخّر ، وهذا يدلّ على أنّ ما مع البعد يجب أن يكون بعدا (2).

فتوهّم بعضهم (3) أنّ الشيخ أوجب أن يكون ما مع القبل قبلا ، وهو مناف لما تقدّم.

وهذا فاسد ؛ لأنّه لا فرق بين ما مع القبل وما مع البعد من حيث البعديّة والمعيّة والقبليّة ، وإنّما الفرق في التقدّم بالعلّيّة.

والشيخ حكم في الصورة الخاصّة وكلّ ما يساويها بأنّ ما مع البعد يجب أن يكون بعدا ؛ لتحقّق الملازمة الطبيعيّة بين عدم الخلاء ووجود المحويّ ، بخلاف العقل والفلك المتباينين بالذات والاعتبار.

المسألة التاسعة : في أنّ أشخاص العناصر ليست عللا ذاتيّة بعضها لبعض.

قال : ( وليس الشخص من العنصريّات علّة ذاتيّة لشخص آخر منها ، وإلاّ لم تتناه

ص: 241


1- نقل عنه العلاّمة قدس سره في « كشف المراد » : 121 ؛ وراجع « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 126 وما بعدها و 3 : 221 وما بعدها.
2- نقل عنه العلاّمة قدس سره في « كشف المراد » : 121 ؛ وراجع « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 126 وما بعدها و 3 : 221 وما بعدها.
3- هو الفخر الرازي. راجع المصدرين السابقين.

الأشخاص ، ولاستغنائه عنه بغيره ).

أقول : المراد أنّ الشخص من العناصر كهذه النار - مثلا - ليس علّة ذاتية لشخص آخر منها ، أي يكون علّة لوجوده ، وإلاّ لوجدت أشخاص لا تتناهى دفعة واحدة ؛ لأنّ العلل الذاتيّة تصاحب المعلولات.

وأيضا فإنّ الشخص من العناصر يستغني عن الشخص الآخر بغيره ؛ إذ ليس شخص ما من أشخاص النار - مثلا - أولى بأن يكون علّة لشخص آخر من بقيّة أشخاص النّوع ، بل الشخص الذي هو معلول سبيله سبيل سائر الأشخاص في أنّ الشخص الذي هو العلّة ليس هو أولى بالعلّيّة من الشخص الذي هو معلوله ، وما يستغنى عنه بغيره لا يكون علّة بالذات ، فهو إذن علّة بالعرض ، بمعنى أنّه معدّ.

وأورد عليه : بأنّ معنى العلّيّة الذاتيّة أن يكون الشخص علّة بماهيّته وحقيقته ، أي تكون العلّة هي الماهيّة بحيث لا يكون لخصوصيّة الأفراد مدخل في تلك العلّيّة (1).

وفيه : أنّ كون الشخص علّة ذاتيّة يقتضي مدخليّة الخصوصيّة.

قال : ( ولعدم تقدّمه ).

أقول : هذا وجه ثالث على امتناع تعليل أحد الشخصين بالآخر.

وتقريره : أنّ العلّة متقدّمة على المعلول بالذات ، والشخصان إذا كانا من نوع واحد ، استحال تقدّم أحدهما على الآخر تقدّما ذاتيّا ؛ لإمكان فرض تأخّره.

قال : ( ولتكافئهما ).

أقول : هذا دليل رابع.

وتقريره : أنّ الماء والنار - مثلا - متكافئان في أنّه ليس النار أولى بأن تكون علّة للماء من العكس ، والمتكافئان لا يصلح أن يكون أحدهما علّة للآخر.

ص: 242


1- « شرح تجريد العقائد » : 127.

قال : ( ولبقاء أحدهما مع عدم صاحبه ).

أقول : هذا دليل خامس.

وتقريره : أنّ ما يفرض علّة من شخصيّات النار قد يعدم ، وما يفرض معلولا يكون باقيا بعده ، ويستحيل بقاء المعلول بعد علّته الذاتيّة ، وبالعكس قد يعدم ما يفرض معلولا وما يفرض علّة يكون باقيا بعده ، ويستحيل بقاء العلّة منفكّة عن المعلول.

المسألة العاشرة : في كيفيّة صدور الأفعال.

قال : ( والفاعل منّا يفتقر الى تصوّر جزئي ليتخصّص الفعل ، ثمّ شوق ثمّ إرادة ، ثمّ حركة من العضلات ؛ ليقع منّا الفعل ) (1).

أقول : المراد أنّ الأفعال الاختياريّة المنسوبة إلى النفس الحيوانيّة لها مبادئ أربعة مترتّبة.

الأوّل : الخطور والتصوّر الجزئي للشيء الملائم أو المنافر تصوّرا مطابقا أو غير مطابق.

الثاني : اعتقاد النفع الموجب للشوق والميل إلى الفعل أو الترك ولو بالعرض ، كما في الدواء البشع.

الثالث : العزم الحاصل من شدّة الاعتقاد الموجب للجزم والقصد المسمّى بالإرادة.

الرابع : الحركة من القوّة المنبثّة في العضلات المحرّكة للأعصاب ؛ فإنّ القوّة البشريّة إنّما تفعل أثرها مع شعور وإدراك على الوجه النافع علما أو ظنّا ، فافتقر الفعل الصادر عنها إلى مبادئ أربعة : تصوّر جزئيّ لذلك الفعل ؛ فإنّ التصوّر الكلّيّ

ص: 243


1- انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 411 ، وفيه شرح موسّع حول هذا المبحث.

لا يكون سببا لفعل جزئي ؛ لأنّ نسبة كلّ كلّيّ إلى جزئيّاته واحدة ، فإمّا أن تقع كلّها وهو محال ، أو لا يقع شيء منها وهو المطلوب ، فلا بدّ من تصوّر جزئيّ يتخصّص به الفعل فيصير جزئيّا ، فإذا حصل التصوّر بالنفع الحاصل من الأثر اشتاقت النفس إلى تحصيله ، فحصلت الإرادة الجازمة بعد التردّد فتحرّكت العضلات إلى الفعل فوجد.

وفي بعض النسخ : « الفعل » مكان « الفاعل » والمعنى واحد ، كما لا يخفى.

قال : ( والحركة إلى مكان تتبع الإرادة بحسبها ، وجزئيّات تلك الحركة تتبع تخيّلات وإرادات جزئيّة يكون السابق من هذه علّة للسابق من تلك العدّة لحصول أخرى ، فتتّصل الإرادات في النفس ، والحركات في المسافة إلى آخرها ).

أقول : هذا إشارة إلى جواب سؤال ربّما يورد (1).

وتقريره : أنّ الحركة على مسافة يكفي فيها إرادة متعلّقة بقطع جميعها من غير أن يتصوّرها بخصوصها ؛ فتكفي الإرادة الكلّيّة من غير حاجة إلى إرادة جزئيّة ، مع أنّ الإرادة الجزئيّة أمر حادث يحتاج إلى علّة حادثة فيلزم التسلسل.

وتقرير الجواب : أنّ صدور الحركة عن الإرادة الكلّيّة يتوقّف على وجود الإرادة الجزئيّة ؛ فإنّ المتحرّك على مسافة يتخيّلها أوّلا وتنبعث منه إرادة كلّيّة متعلّقة بقطع جميعها ، ثمّ إنّه يتخيّل حدّا جزئيّا من حدودها ، وتنبعث من تخيّله إرادة جزئيّة متعلّقة بقطع جزء من المسافة ، وبعد قطعه يتخيّل حدّا آخر وهكذا. فتلك الحركة إلى مكان مفروض تتبع إرادة بحسبها ، أعني بحسب تلك الحركة ، وجزئيّات تلك الحركة تابعة لتخيّلات جزئيّة موجبة لحصول إرادات جزئيّة متعلّقة بحدود تلك المسافة ، فتكون الحركة في كلّ مسافة من تلك المسافات جزءا من الحركة الأولى ، وكلّ جزء من تلك الأجزاء يتبع تخيّلا خاصّا وإرادة جزئيّة متعلّقة به ، فإذا تعلّقت الإرادة بإيجاد الجزء الأوّل من الحركة ثمّ وجد الجزء الأوّل ، فإنّ وصول الجسم إلى

ص: 244


1- انظر : « شرح تجريد العقائد » : 128.

ذلك الجزء مع الإرادة الكلّيّة المتعلّقة بكمال الحركة علّة لتجدّد إرادة أخرى جزئيّة تتعلّق بجزء آخر. فإذا وجدت تلك الإرادة تعلّقت بذلك الجزء ، فيتحرّك الجسم ، وعلى هذا تتّصل التخيّلات والإرادات في النفس والحركة في الخارج إلى آخر المسافة ، فيكون التخيّل السابق علّة مؤثّرة للإرادة الجزئيّة السابقة وعلّة معدّة للتخيّل اللاحق الذي هو علّة مؤثّرة للإرادة الجزئيّة اللاحقة وهكذا إلى آخر المسافة ، فتكون كلّ حركة جزئيّة سابقة علّة لإرادة خاصّة لاحقة ، وكلّ إرادة خاصّة علّة لحركة جزئيّة لا حقة من غير دور.

المسألة الحادية عشرة : في أنّ القوى الجسمانية إنّما تؤثّر بمشاركة الوضع.

قال : ( ويشترط في صدق التأثير على المقارن الوضع ).

أقول : يشترط في صدق التأثير - أعني صدق كون الشيء علّة - على المقارن - أعني الصور المقارنة للمادّة والأعراض المقارنة لها - الوضع الخاصّ بينه وبين ما يؤثّر هو فيه ، أعني النسبة الواقعة بينهما.

وذلك لأنّ القوى الجسمانيّة - أعني الصور والأعراض المؤثّرة - إنّما تؤثّر بواسطة الوضع على معنى أنّها تؤثّر في محلّها أوّلا ، ثمّ فيما يجاور محلّها بواسطة تأثيرها في محلّها ، ثمّ فيما يجاور ذلك المجاور بواسطة المجاور وهكذا إنّما تؤثّر في البعيد بواسطة تأثيرها في القريب ، فإنّ النار لا تسخّن كلّ شيء بل مادّتها أوّلا ثمّ ما يجاورها وهذا الحكم بيّن لا يحتاج إلى برهان.

المسألة الثانية عشرة : في تناهي آثار القوى الجسمانيّة.

قال : ( والتناهي بحسب المدّة والعدّة والشدّة التي باعتبارها يصدق التناهي وعدمه الخاصّ على المؤثّر بالنظر إلى آثاره ).

أقول : قوله : « والتناهي » عطف على « الوضع » باعتبار الاستلزام اللازم للاشتراط ،

ص: 245

بمعنى أنّ التأثير مستلزم في المقارن - أعني الصور والأعراض - لتناهي آثاره ؛ لأنّه لا يمكن وجود قوّة جسمانيّة تقوى على ما لا يتناهى.

بيان ذلك : أنّ التناهي وعدمه الخاصّ به - أعني عدم الملكة وهو عدم التناهي عمّا من شأنه أن يكون متناهيا - إنّما يعرضان بالذات للكمّ (1) إمّا المتّصل القارّ كتناهي المقدار ولا تناهيه ، أو غير القارّ كتناهي الزمان ولا تناهيه ، أو المنفصل كتناهي العدد ولا تناهيه. ويعرضان لغيره بواسطته كالجسم ذي المقدار والعلل ذوات العدد ، فإذا وصف مؤثّر بالتناهي أو اللاتناهي ، كان بالنظر إلى آثاره ، ولا بدّ أن يعتبر عدد الآثار - وهو التناهي أو اللاتناهي بحسب العدّة - أو زمانها بحسب الزيادة - وهو التناهي بحسب المدّة - أو بحسب القوّة من جهة قلّة الزمان ، وهو التناهي بحسب الشدّة.

وبالجملة ، فأصناف القوى ثلاثة :

الأوّل : قوى يفرض صدور عمل واحد منها في أزمنة مختلفة كرماة تقطع سهامهم مسافة محدودة في أزمنة مختلفة ، ولا شكّ أنّ الذي زمانه أقلّ أشدّ قوّة من الذي زمانه أكثر ، فيكون التأثير على وجه الشدّة باعتبار قلّة الزمان ، ولكنّ اللاتناهي بحسب الشدّة - كما قيل (2) - ظاهر البطلان ؛ إذ لا بدّ فيه من كون الحركة الصادرة عنها - مثلا - في زمان لم يوجد مثلها في زمان أقلّ منه ، لكن كلّ زمان قابل للقسمة ، فالحركة الواقعة في نصف ذلك الزمان مع اتّحاد المسافة تكون أسرع ، فمصدرها يكون أشدّ ، فلا يكون المصدر الأوّل غير متناه في الشدّة والمقدّر خلافه ؛ ولهذا لم يشتغل بالاحتجاج عليه ، وأقام الحجّة على امتناع اللاتناهي بحسب المدّة والعدّة.

ص: 246


1- أي العرض الذي يقبل لذاته القسمة إلى أجزاء قارّة أو غير قارّة أو غير متلاقية ، والأولى كالسطح يسمّى كمّا متصلا قارّا ، والثاني كالزمان يسمّى كمّا متصلا غير قارّ ، والثالث كالعدد يسمّى كمّا منفصلا. ( منه رحمه اللّه ).
2- هذا القول للعلاّمة في « كشف المراد » : 125 ، وراجع « شرح تجريد العقائد » : 130.

الثاني : قوى يفرض صدور عمل ما منها على الاتّصال في أزمنة مختلفة كرماة تختلف أزمنة حركات سهامهم في الهواء ، وهاهنا تكون التي زمانها أكثر أقوى من التي زمانها أقلّ ، فلو كان هنا عدم تناه لكان باعتبار الزمان ، وهذه قوّة بحسب المدّة.

الثالث : قوى يفرض صدور أعمال متوالية منها مختلفة بالعدد كرماة يختلف عدد رميهم ، ولا محالة تكون التي يصدر عنها عدد أكثر أقوى من التي يصدر عنها عدد أقلّ ، وهاهنا يكون عدم التناهي بحسب العدد ، وهذه قوّة بحسب العدّة.

فقد ظهر من هذا أنّ التناهي وعدمه الخاصّ به إنّما صدقا على المؤثّر بأحد الاعتبارات الثلاثة.

قال : ( لأنّ القسريّ يختلف باختلاف القابل ، ومع اتّحاد المبدأ يتفاوت مقابله ).

أقول : لمّا مهّد قاعدة كيفيّة عروض التناهي وعدمه في القوى شرع في الدليل على مطلوبه ، أعني وجوب تناهي تأثير القوى الجسمانيّة.

وتقريره : أنّ القوى الجسمانيّة إمّا أن تكون قسريّة أو طبيعيّة ، وكلاهما يستحيل صدور ما لا يتناهى عنهما.

أمّا الأولى : فلأنّ صدور ما لا يتناهى بحسب الشدّة بسببها من الحركات محال ؛ لما مرّ.

وأمّا بحسب العدّة والمدّة : فلأنّ التأثير القسريّ يختلف باختلاف القابل المقسور ، بمعنى أنّ كلّ ما كان أكبر كان تحريك القاسر له أضعف ؛ لكون معاوقته وممانعته أكثر وأقوى ، فحينئذ لو فرضنا جسما متناهيا يحرّك جسما آخر متناهيا من مبدأ مفروض حركات لا تتناهى بحسب المدّة والعدّة ، ثمّ حرّك بتلك القوّة جسما أصغر من ذلك الجسم من ذلك المبدأ ، فإنّ تحريكه للأصغر أكثر من تحريكه للأكبر ؛ لقلّة المعاوقة (1) هنا.

ص: 247


1- أي الممانعة بحسب الطبيعة. ( منه رحمه اللّه ).

ولمّا كان المبدأ واحدا كان التفاوت في الطرف الآخر الذي هو مقابل المبدأ ، فيلزم تناهي حركة الأكبر ، ويلزم منه تناهي حركة الأصغر ؛ لأنّها إنّما تزيد على حركة الأكبر بقدر زيادة مقداره على مقداره ، فيلزم تناهي ما فرض عدم تناهيه ، وهذا خلف.

قال العلاّمة رحمه اللّه : « وهاهنا سؤال صعب ، وهو أنّ التفاوت في التحريكين جاز أن يكون بحسب الشدّة (1).

وأجاب المصنّف قدس سره عن هذا السؤال في شرحه للإشارات : بأنّ المراد بالقوّة هنا هي التي لا نهاية لها بحسب المدّة والعدّة لا الشدّة (2).

وفيه نظر ؛ لأنّ أخذ القوّة بحسب الاعتبارين لا ينافي وقوع التفاوت بالاعتبار الثالث ». (3)

قال : ( والطبيعي (4) يختلف باختلاف الفاعل ؛ لتساوي الصغير والكبير في القبول ، فإذا تحرّكا مع اتّحاد المبدأ ، عرض التناهي ).

أقول : هذا بيان استحالة القسم الثاني (5) ، وهو أن تكون القوّة المؤثّرة فيما لا يتناهى طبيعيّة.

وتقريره : أنّ التأثير الطبيعي يختلف باختلاف الفاعل ، بمعنى أنّه كلّما كان الجسم أعظم مقدارا كانت الطبيعة أقوى تأثيرا ؛ لأنّ القوى الجسمانيّة إنّما تختلف باختلاف محالّها بالصغر والكبر ؛ لكونها متجزّئة بتجزئتها.

وأمّا قبول الحركة فالصغير والكبير متساويان فيه ؛ لأنّ ذلك للجسميّة ، وهي

ص: 248


1- هذا الاعتراض أورده الفخر الرازي على ابن سينا كما في « شرح الإشارات والتنبيهات ».
2- « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 196.
3- « كشف المراد » : 126.
4- معطوف على قوله المتقدّم : « لأنّ القسريّ ».
5- انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 199 وما بعدها ، وقد قرّر المحقّق الطوسي هذا البرهان بعد بيان تمهيد ثلاث مقدّمات أتى بها ابن سينا.

فيهما على السويّة ، فإذا فرضنا حركة الصغير والكبير بالطبع من مبدأ معيّن لزم التفاوت في الجانب الآخر ؛ ضرورة أنّ الجزء لا يقوى على ما يقوى عليه الكلّ فتنقطع حركة الصغير ، فيلزم منه انتهاء حركة الكبير ؛ لأنّ نسبة الأثر إلى الآخر كنسبة المؤثّر إلى الآخر ، وهذه نسبة متناه إلى متناه فكذا الأولى ، فيعرض التناهي مع فرض عدم التناهي ، وهو باطل ؛ فعدم التناهي باطل ، وهو المطلوب.

ولا يخفى أنّ هذا البحث لا توجّه له عند من قال باستناد الممكنات إلى اللّه تعالى ، وأنّه لا مؤثّر في الوجود إلاّ اللّه ، خلافا للفلاسفة حيث يثبتون التأثير للقوى الجسمانيّة.

المسألة الثالثة عشرة : في العلّة المادّيّة.

قال : ( والمحلّ المتقوّم بالحالّ قابل له ومادّة للمركّب ).

أقول : المحلّ إمّا أن يتقوّم بالحالّ أو يقوّم الحالّ ، وإلاّ لزم استغناء أحدهما عن الآخر فلا حلول ، فالمحلّ المتقوّم بالحالّ هو الهيولى المتقوّمة بالصورة ، والمقوّم للحالّ هو الموضوع.

والهيولى باعتبار الحالّ تسمّى قابلة ، ولهذا يحكم بأنّه لا يكون فاعلا له ؛ لاستحالة كون الشيء فاعلا وقابلا. وباعتبار المركّب تسمّى مادّة.

قال : ( وقبوله ذاتي ).

أقول : كون المادّة قابلة أمر ذاتيّ لها لا غيريّ (1) يعرض بواسطة الغير ؛ لأنّه لو لا ذلك لكان عروض ذلك القبول في وقت حصوله يستدعي قبولا آخر ، ويلزم التسلسل وهو محال ، فهو إذن ذاتيّ يعرض للمادّة لذاتها.

قال : ( وقد يحصل القرب والبعد باستعدادات يكسبها باعتبار الحالّ فيه ).

ص: 249


1- كذا في الأصل ، وفي « كشف المراد » : 128 هكذا « لا غريب ... ».

أقول : لمّا ذكر أنّ قبول المادّة لما يحلّ فيها ذاتيّ ، استشعر أن يعترض عليه بما يظنّ أنّه مناقض له ، وهو أن يقال : إنّ المادّة قد تقبل شيئا ولا تقبل آخر ، ثمّ يعرض لها قبول الآخر ويزول عنها القبول الأوّل ، كالنطفة ؛ فإنّها لا تقبل الصورة الإنسانيّة ابتداء ، ثمّ إذا صارت جنينا قبلتها ، وهذا يعطي أنّ القبول من الأمور العارضة الحاصلة بسبب الغير ، لا من الأمور الذاتيّة اللازمة لها لذاتها.

فأجاب بأنّ القبول ثابت في كلا الحالين ، لكنّ القبول منه قريب ومنه بعيد ؛ فإنّ قبول النطفة للصورة الإنسانيّة بعيد ، وقبول الجنين قريب ، فإذا حصل القرب بالنظر إلى عرض من الأعراض نسب القبول إليه ونفي عن غيره. وفي الحقيقة إنّما حصل قرب القبول بعد بعده ، وسبب القرب والبعد هو الأعراض والصور الحالّة في المادّة ؛ فإنّ الحرارة إذا دخلت في المادّة واشتدّت ، أعدّت قرب قبول الصورة الناريّة وخلع غيرها.

المسألة الرابعة عشرة : في العلّة الصوريّة.

قال : ( وهذا الحالّ صورة للمركّب وجزء فاعل لمحلّه ).

أقول : هذا الحالّ - يعني به الحالّ في المادّة - وهو صورة للمركّب لا للمادّة ؛ لأنّه بالنظر إلى المادّة جزء فاعل ؛ لأنّ الفاعل في المادّة هو المبدأ الفيّاض بواسطة الصورة المطلقة بناء على أنّ كلّ متلازمين لا بدّ أن يكون أحدهما علّة للآخر ، وحيث ثبت عدم كون الهيولى علّة تعيّن كون الصورة علّة ، ولمّا استحال كونها علّة مستقلّة ؛ لأنّ الصورة والشكل يوجدان معا ، والهيولى متقدّمة على الشكل ؛ لأنّه من لوازم المادّة ، والمتقدّم على ما مع الشيء متقدّم على ذلك الشيء ، تعيّن كونها جزء علّة لها ، وهذا معنى قوله : « وجزء فاعل لمحلّه ».

وفيه : نظر.

قال : ( وهو واحد ).

ص: 250

أقول : ذكر الأوائل أنّ الصورة المقوّمة للمادّة لا تكون فوق واحدة ؛ لأنّ الواحدة إن استقلّت بالتقويم استغنت المادّة عن الأخرى. وإن لم تستقلّ كان المجموع هو الصورة ، وهو واحد فالصورة واحدة (1).

المسألة الخامسة عشرة : في العلّة الغائيّة.

قال : ( والغاية علّة بماهيّتها لعلّيّة العلّة الفاعليّة ، معلولة في وجودها للمعلول ) (2).

أقول : العلّة الغائيّة هي المحرّكة للفاعل على الفعل والداعية إليه المترتّبة عليه غالبا ، وهي المسمّاة بالغرض. والفائدة ما يترتّب على الفعل وإن لم يكن محرّكا للفاعل. وبينهما عموم وخصوص من وجه ، فعلى هذا الغاية لها اعتباران يحصل لها باعتبارهما التقدّم والتأخّر بالنسبة إلى المعلول ؛ وذلك لأنّ الفاعل إذا تصوّر الغاية فعل الفعل ، ثمّ حصلت الغاية بحصول الفعل ، فماهيّة الغاية علّة لعلّية الفاعل ؛ إذ لو لا تلك الماهيّة وحصولها في علم الفاعل لما أثّر ولا فعل الفعل ؛ فإنّ الفاعل للبيت يتصوّر الإسكان أوّلا فيتحرّك إلى إيجاد البيت ، ثمّ يوجد الإسكان بحصول البيت ، فماهيّة الإسكان علّة لعلّيّة الفاعل ، ووجوده معلول للبيت. ولا امتناع في أن يكون الشيء الواحد متقدّما ومتأخّرا باعتبارين ، بمعنى أنّ الغاية متقدّمة في التصوّر والوجود الذهني ؛ لكونها بهذا الوجود علّة فاعليّة لعلّيّة الفاعل ، ومتأخّرة بحسب الوجود الخارجي ، فلا دور ، ولهذا يقال : أوّل الفكر آخر العمل.

قال : ( وهي ثابتة لكلّ قاصد ).

أقول : كلّ فاعل بالقصد والإرادة فإنّه إنّما يفعل لغرض وغاية ما ، وإلاّ لكان عابثا ،

ص: 251


1- انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 : 647.
2- هذا تعريف للعلّة قريب من كلام الشيخ الرئيس في « الإشارات والتنبيهات » حيث قال : « والعلّة الغائيّة التي لأجلها الشيء علّة بماهيّتها ومعناها ... » إلى آخره ، كما في « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 15.

على أنّ العبث لا يخلو من غاية.

أمّا الحركات الأسطقسيّة فقد أثبت الأوائل (1) لها غايات ؛ لأنّ الحبّة من البرّ إذا رميت في الأرض الطيّبة وصادفها الماء وحرّ الشمس فإنّها تنبت سنبلة ، وهذه على سبيل الدوام أو الكثرة ، فيكون ذلك غاية طبيعيّة.

ومنع جماعة (2) من ذلك ؛ لعدم الشعور في الطبيعة ، فلا تعقل لها غاية.

وأجابوا بأنّ الشعور يفيد تعيين الغاية لا تحصيلها.

قال : ( أمّا القوّة الحيوانيّة المحرّكة فغايتها الوصول إلى المنتهى ، وهو قد يكون غاية (3) وقد لا يكون ، فإن لم يحصل فالحركة باطلة ، وإلاّ فهو إمّا خير أو عادة أو قصد ضروريّ أو عبث وجزاف ).

أقول : القوّة الحيوانيّة لها مبادئ على ما تقدّم :

أحدها : القوّة المحرّكة المنبثّة في العضلات.

وثانيها : القوّة الشوقيّة.

وثالثها : التخيّل والفكر.

وغاية القوّة المحرّكة إنّما هي الوصول إلى المنتهى ، وقد تكون هي بعينها غاية القوّة الشوقيّة ، كمن طلب مفارقة مكانه والحصول في الآخر لإزالة ضجره. وقد تكون غيرها كمن يطلب غريما في موضع معيّن ؛ فإنّ غاية الشوقيّة هنا لقاؤه غير الوصول إلى ذلك المكان.

وفي هذا القسم إن لم تحصل غاية القوّة الشوقيّة سمّيت الحركة باطلة بالنسبة إليها ، وإن حصلت الغايتان وكان المبدأ التخيّل لا غير فهو الجزاف والعبث ، وإن كان مع طبيعة كالتنفّس فهو القصد الضروري ، وإن كان مع خلق وملكة نفسانيّة كاللعب

ص: 252


1- انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 : 653.
2- منهم الفخر الرازي في « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 17.
3- في « كشف المراد » : 130 هكذا : « غاية الشوقية ».

باللحية فهو العادة ، وإن كان المبدأ الفكر فهو الخير المعلوم أو المظنون.

قال : ( وأثبتوا للطبيعيّات غايات وكذا للاتّفاقيّات ).

أقول : قد تطلق الغاية عند الحكماء (1) على ما ينتهي إليه الفعل ويتأدّى إليه وإن لم يكن مقصودا ، إذا كان بحيث لو كان الفاعل مختارا لفعل ذلك الفعل لأجله ، والغاية بهذا المعنى أعمّ من العلّة الغائيّة المحرّكة للفاعل على الفعل.

وبهذا الاعتبار أثبتوا للقوى الطبيعيّة غايات مع أنّه لا شعور لها ولا قصد ، وكذا للأسباب الاتّفاقيّة وهي الأفعال المؤدّية إلى ثمرة تأدية مساوية لعدمها أو أقلّ ، فإنّ ما يؤدّي تأدية دائميّة أو أكثريّة يسمّى سببا ذاتيّا ، وتسمّى غايته غاية ذاتيّة ، كما مرّ.

أمّا إثبات الغايات للحركات الطبيعيّة فقد تقدّم البحث فيه.

وأمّا العلل الاتّفاقيّة فقد نفاها قوم (2) ؛ لأنّ السبب إن استجمع جهات المؤثّريّة لزم حصول مسبّبه قطعا ، وإلاّ لكان منفيّا ، فلا مدخل للاتّفاق.

والجواب : أنّ المؤثّر قد يتوقّف تأثيره على أمور خارجة عن ذاته غير دائمة الحصول معه ، فيقال لمثل ذلك السبب من دون الشرائط : إنّه اتّفاقي إذا كان انفكاكه مساويا أو راجحا ، ولو أخذناه مع تلك الشرائط ، كان سببا ذاتيّا.

المسألة السادسة عشرة : في أقسام العلّة بقسمة أخرى لا حقة.

قال : ( والعلّة مطلقا (3) قد تكون بسيطة وقد تكون مركّبة ).

أقول : يعني بالإطلاق ما يشمل العلل الأربع ، أعني المادّيّة والصوريّة والفاعليّة والغائيّة ؛ فإنّ كلّ واحدة من هذه الأربع تنقسم بهذه القسمة.

والعلّة الفاعليّة عند المحقّقين قد تكون بسيطة كتحريك الواحد منّا جسما ما

ص: 253


1- انظر : « الشفاء » الطبيعيات 1 : 67.
2- « الشفاء » الطبيعيات 1 : 60.
3- أي سواء كانت فاعليّة أو مادّيّة أو صوريّة أو غائيّة. ( منه رحمه اللّه ).

وطبائع البسائط العنصريّة. وقد تكون مركّبة كتحريك جماعة جسما أكبر ، ومنع العقل والصورة بالنسبة إلى الهيولى ، ومنع بعض من التركيب في العلل ، وإلاّ لزم نفيها ؛ لأنّ كلّ مركّب فإنّ عدم كلّ جزء من أجزائه علّة مستقلّة في عدمه ، فلو عدم جزء من العلّة المركّبة لزم عدم العلّة ، فإذا عدم جزء آخر لم يكن له تأثير البتّة ؛ لتحقّق العدم بالجزء الأوّل ، ولأنّ الموصوف بالعلّيّة إمّا كلّ واحد من أجزائه ، فيلزم تعدّد العلل وانتفاء التركيب وهو المطلوب ، أو بعضها وهو المطلوب أيضا مع انتفاء الأولويّة أو المجموع ، وهو باطل ؛ لأنّ كلّ جزء لم يكن علّة فعند الاجتماع إن لم يحصل أمر لم يكن المجموع علّة ، وإن حصل عاد الكلام في علّة حصوله.

وهذان ضعيفان ؛ لاقتضائهما انتفاء المركّبات سواء كانت عللا أو لا وهو باطل بالضرورة.

والمادّة البسيطة كهيولى العناصر ، والمركّبة كالعناصر الأربعة بالنسبة إلى صور المركّبات.

والصوريّة البسيطة كصور العناصر ، والمركّبة كالصورة الإنسانيّة المركّبة من صور أعضائها.

والغائيّة البسيطة كوصول كلّ عنصر إلى مكانه الطبيعي والمركّبة كشراء المتاع ولقاء الحبيب.

قال : ( وأيضا بالقوّة أو بالفعل ).

أقول : هذه المبادئ الأربعة قد تكون بالقوّة ، فإنّ الخمر فاعل للإسكار في البدن بالقوّة ، وقد تكون بالفعل كالخمر مع الشرب.

والمادّة قد تكون بالفعل كالجنين للإنسانيّة ، وقد تكون بالقوّة كالنطفة.

والصورة بالقوّة كالمائيّة الحالّة في الهواء بالقوّة ؛ وقد تكون بالفعل كالمائيّة الحالّة في مادّتها.

والغاية بالقوّة وهي التي يمكن جعلها كذلك ، كحصول القوّة من أكل القوت قبل

ص: 254

أكله ، وبالفعل وهي التي حصل فيها ذلك.

قال : ( وكلّيّة أو جزئيّة ).

أقول : هذه العلل قد تكون كلّيّة ، كالبنّاء المطلق للبيت في الفاعليّة ، والنطفة في المادّيّة وكذا الباقيتين ، وقد تكون جزئيّة كهذا البنّاء وهذه النطفة ونحوهما.

قال : ( وذاتيّة أو عرضيّة ).

أقول : العلّة قد تكون ذاتيّة ، وهي التي يستند المعلول إليها بالحقيقة وتكون علّة حقيقيّة بالقياس إلى ما هو معلول حقيقة كالناريّة في الإحراق. وقد تكون عرضيّة ، وهي أن تقتضي العلّة شيئا ويتبع ذلك الشيء شيء آخر ، كقوله : السقمونيا مبرّد ، فإنّه بالعرض كذلك ؛ لأنّه يقتضي بالذات إزالة الصفراء والسخونة ، ويتبعها حصول البرودة من جهة الطبيعة.

وكذلك البواقي ؛ فإنّ المادّة الذاتيّة هي محلّ الصورة ، والعرضيّة هي تلك مأخوذة مع عوارض خارجة ، والصورة الذاتيّة هي المقوّمة كالإنسانيّة والعرضيّة هي مع ما يلحقها من الأعراض اللازمة أو المفارقة ، والغاية الذاتيّة هي المطلوبة لذاتها ، والعرضيّة هي ما يتبعها.

وقد تطلق العلّة العرضيّة على ما مع العلّة.

قال : ( وعامّة أو خاصّة ).

أقول : العلّة العامّة هي التي تكون جنسا للعلّة الحقيقيّة كالصانع للبنّاء في البناء ، والخاصّة كالباني فيه ، وكذا الباقي ، ولكن لا يتحقّق العموم والخصوص في الصور.

قال : ( وقريبة أو بعيدة ).

أقول : العلّة القريبة هي التي لا واسطة بينها وبين المعلول ، كالميل في الحركة ؛ والبعيدة وهي علّة العلّة كالقوّة الشوقيّة وكذا البواقي.

قال : ( ومشتركة أو خاصّة ).

أقول : المشترك كالنجّار لأبواب متعدّدة ، والخاصّة كالنجّار لهذا الباب.

ص: 255

قال : ( والعدم للحادث من المبادئ العرضيّة ).

أقول : الحادث الزماني هو الموجود بعد أن لم يكن ، وهو إنّما يتحقّق بعد سبق عدم علّته ، فلمّا توقّف تحقّقه على العدم السابق ، أطلقوا على العدم اسم المبدأ بالعرض مع أنّه مقارن لما هو علّة ذاتيّة لوجود الحادث ؛ فإنّ المبدأ بالذات هو الفاعل لا غير.

قال : ( والفاعل في الطرفين واحد ).

أقول : الفاعل في الوجود هو بعينه الفاعل في العدم ، على ما بيّنّاه (1) أوّلا من أنّ علّة العدم هي عدم العلّة لا غير ، فالمؤثّر في طرفي المعلول هو العلّة لا غير ، لكن مع حصولها تقتضي الوجود ، ومع عدمها تقتضي العدم.

قال : ( والموضوع كالمادّة ).

أقول : الموضوع - وهو المحلّ المستغني عن الحالّ - أيضا من العلل التي يتوقّف عليها وجود الحادث ، ونسبته إلى الحالّ مثل نسبة المادّة - أعني المحلّ المتقوّم بالحالّ - إلى الصورة في أنّ كلّ واحد منهما علّة مادّيّة بالنسبة إلى ما يتركّب منه ومن الحالّ ، فهو من جملة العلل.

المسألة السابعة عشرة : في أنّ افتقار المعلول إنّما هو في الوجود أو العدم.

قال : ( وافتقار الأثر إنّما هو في أحد طرفيه ).

أقول : الأثر له وجود وعدم ، فافتقاره إلى المؤثّر إنّما هو في أن يجعله موجودا أو معدوما ؛ إذ التأثير إنّما يعقل في أحد الطرفين بناء على أنّ الماهيّة لا يعقل التأثير فيها بأن يجعلها تلك الماهيّة ، لعدم تصوّر جعل بين الشيء ونفسه كما مرّ ، فليس السواد سوادا بالفاعل ، بل وجوده وعدمه بالفاعل.

ص: 256


1- في الفصل الأوّل ، المسألة الثامنة عشرة والمسألة الثالثة والأربعون.

قال : ( وأسباب الماهيّة غير أسباب الوجود ).

أقول : أسباب الماهيّة باعتبار الوجود الذهني هي الجنس والفصل ، وباعتبار الخارج هي المادّة والصورة ، وأسباب الوجود هي الفاعل والغاية ، فهما متغايران.

قال : ( ولا بدّ للعدم من سبب وكذا في الحركة ).

أقول : قد بيّنّا أنّ نسبة طرفي الوجود والعدم إلى الممكن واحدة ، فلا يعقل اتّصافه بأحدهما إلاّ لسبب ، فلمّا افتقر الممكن في وجوده إلى السبب ، افتقر في عدمه إليه وإلاّ لكان ممتنع الوجود لذاته.

لايقال : الموجود منه ما هو قارّ ، ومنه ما هو غير قارّ ، كالحركات والأصوات.

والأوّل يفتقر عدمه إلى السبب. أمّا النوع الثاني فإنّه يعدم لذاته.

لأنّانقول : يستحيل أن يكون العدم ذاتيّا لشيء ، وإلاّ لم يوجد.

ولمّا توهّم بعض القاصرين أنّ العدم أولى بالأعراض السيّالة كالحركة من الوجود بدليل امتناع البقاء عليها فيكفي في وقوعها تلك الأولويّة فلا حاجة إلى سبب خصّها بالذكر بعد ذكر العامّ ، وأجاب بأنّ الحركة لها علّة في الوجود ، فإذا عدمت أو عدم أحد شرائطها عدمت ؛ لما سبق من عدم كفاية الأولويّة الذاتيّة مطلقا وكذا الأصوات ، فلا فرق بين الحركات وغيرها.

المسألة الثامنة عشرة : في بيان بعض أحكام العلّة المعدّة.

قال : ( ومن العلل المعدّة ما يؤدّي إلى مثل أو خلاف أو ضدّ ).

أقول : العلل تنقسم إلى المعدّ وإلى المؤثّر ، والمعدّ يعنى به ما يقرّب العلّة إلى معلولها بعد بعدها عنه ، وهو قريب من الشرائط.

والعلّة المعدّة إمّا أن تؤدّي إلى ما يماثلها ، كالحركة إلى المنتصف ؛ فإنّها معدّة للحركة إلى المنتهى وليست فاعلة لها ، بل الفاعل للحركة إمّا الطبيعة أو النفس ، لكن فعل كلّ واحد منهما في الحركة إلى المنتهى بعيد ، وعند حصول الحركة إلى

ص: 257

المنتصف يقرب تأثير أحدهما في المعلول الذي هو الحركة إلى المنتهى. وإمّا أن تؤدّي إلى خلافها ، كالحركة المعدّة للسخونة التي هي خلاف الحركة وغيرها من غير تضادّ. وإمّا أن تؤدّي إلى ضدّ ، كالحركة المعدّة للسكون عند الوصول إلى المنتهى.

قال : ( والإعداد قريب وبعيد ).

أقول : الإعداد منه ما هو قريب وذلك كالجنين المستعدّ لقبول الصورة الإنسانيّة ، ومنه ما هو بعيد كالنطفة لقبولها ، وكذلك العلّة المعدّة قد تكون قريبة وهي التي يحصل المعلول عقيبها ، وقد تكون بعيدة وهي التي لا تكون كذلك وتتفاوت العلل في القرب والبعد على حسب تفاوت الإعداد ، وهو قابل للشدّة والضعف.

قال : ( ومن العلل العرضيّة ما هو معدّ ).

أقول : قد بيّنّا أنّ العلّة العرضيّة تقال باعتبارين :

أحدهما : أن تؤثّر العلّة شيئا ، ويتبع ذلك الشيء شيء آخر ، كقولنا : « الحرارة تقتضي الجمع بين المتماثلات » فإنّها لذاتها تقتضي الخفّة ، فما هو أخفّ في المركّب يقبل السخونة أشدّ ، فينفصل عن صاحبه ويطلب الصعود فعرض له أن يجتمع [ مع ] (1) مماثله.

والثاني : أن يكون للعلّة (2) وصف ملازم ، فيقال له : علّة عرضيّة. والأوّل علّة معدّة ذاتيّة للخفّة مع كونها علّة عرضيّة للسخونة ، وكذا شرب السقمونيا علّة فاعليّة عرضيّة لحصول البرودة مع أنّه علّة معدّة ذاتيّة لحصول البرودة ، فظهر أنّ بعض ما يقال له : العلّة الفاعليّة العرضيّة يكون علّة معدّة ذاتيّة بالنسبة إلى ما هي علّة فاعليّة عرضيّة له ، لا جميع أقسامها.

فظهر أنّ العلل خمس : الفاعليّة ، والمادّيّة ، والصوريّة ، والغائيّة ، والمعدّة.

ص: 258


1- الزيادة أثبتناها من « كشف المراد » : 135.
2- في جميع النسخ : « العلّة » وما أثبتناه موافق لما في « كشف المراد » : 135.

قال :

المقصد الثاني: في الجواهر والأعراض

اشارة

( المقصد الثاني

في الجواهر والأعراض

وفيه فصول :)

[ الفصل الأوّل : في الجواهر

الفصل الثاني : في الأجسام

الفصل الثالث : في بقية أحكام الأجسام

الفصل الرابع : في الجواهر المجرّدة ]

ص: 259

ص: 260

الفصل الأوّل : في الجواهر

اشارة

الممكن إمّا أن يكون موجودا في الموضوع وهو العرض ، أو لا وهو الجوهر ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الأمور الكلّيّة المعقولة ، شرع في البحث عن الموجودات الممكنة ، وهي الجواهر والأعراض ، وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى : في قسمة الممكنات بقول كلّيّ.

اعلم أنّ كلّ ممكن موجود إمّا أن يكون موجودا لا في موضوع وهو الجوهر ، وإمّا أن يكون موجودا في موضوع وهو العرض.

ونعني بالموضوع المحلّ المتقوّم بذاته المقوّم لما يحلّ فيه ؛ فإنّ المحلّ إمّا أن يتقوّم بالحالّ ؛ أو يقوّم الحالّ ؛ إذ لا بدّ من حاجة أحدهما إلى الآخر ، والأوّل يسمّى المادّة ، والثاني يسمّى الموضوع. والحالّ في الأوّل يسمّى صورة ، وفي الثاني يسمّى عرضا.

فالموضوع والمادّة يشتركان اشتراك أخصّين تحت أعمّ واحد ، وهو المحلّ ؛ والصورة والعرض يشتركان اشتراك أخصّين تحت أعمّ واحد هو الحالّ ، والموضوع أخصّ من المحلّ ، وعدم الخاصّ أعمّ من عدم العامّ ، فكلّ ما ليس في محلّ ليس في موضوع ، ولا ينعكس ؛ ولهذا جاز أن يكون بعض الجواهر حالاّ في غيره كالصورة النوعيّة الحالّة في الهيولى.

ولمّا كان تعريف العرض يشتمل على القيد الثبوتي ، قدّمه في القسمة على الجوهر.

ص: 261

ولا يخفى أنّ الواجب خارج عن تعريف الجوهر حيث جعل المقسم هو الممكن ، بل قيل (1) : وكذلك إذا جعل المقسم الموجود المطلق ، كما وقع في عبارة الإمام (2) ؛ لأنّ تعريف الجوهر حينئذ هو الموجود لا في موضوع ، ومعناه ماهيّة إذا وجدت كانت لا في موضوع ، وليس للواجب ماهيّة ووجود زائد عليها ؛ لأنّ وجوده عين ذاته.

وهكذا إذا جعلنا الجوهر عبارة عن محلّ العرض أو المتقوّم بنفسه ؛ لعدم كون الواجب محلّ العرض كما سيأتي ، وعدم كونه قابلا للقوام لاستلزامه الوجود بعد العدم ، وهو الحدوث المنافي لوجوب الوجود.

ولو تنزّلنا وسلّمنا عموميّة الجوهر ، فنقول : عدم الإطلاق للمنع الشرعي حذرا عن توهّم الإمكان من جهة الغلبة.

قال : ( وهو إمّا يفارق عن المادّة (3) في ذاته وفعله وهو العقل ، أو في ذاته وهو النفس ، أو مقارن ، فإمّا أن يكون محلاّ وهو المادّة ، أو حالاّ وهو الصورة ، أو ما يتركّب منهما وهو الجسم ).

أقول : هذه قسمة الجوهر إلى أنواع ؛ فإنّ الجوهر إمّا أن يكون مفارقا في ذاته وفعله للمادّة والمحلّ المتقوّم بالحالّ بمعنى عدم احتياجه إليهما فيهما ، وهو المسمّى بالعقل ، أو مفارقا في ذاته لا في فعله ، وهو النفس الناطقة ، فإنّها مفارقة للمادّة في ذاتها وجوهرها دون فعلها ؛ لاحتياجها إلى الآلة في التأثير ، ولا يمكن أن يكون مفارقا في فعله غير ذاته ؛ لأنّ الاستغناء في التأثير يستدعي الاستغناء في الذات ، وإمّا أن يكون غير مفارق عن المادّة ، فإمّا أن يكون محلاّ لجوهر آخر وهو الهيولى ، أو حالاّ في جوهر آخر وهو الصورة ، أو يتركّب من الجوهرين : الحالّ والمحلّ وهو الجسم ، فهذه أقسام الجوهر.

ص: 262


1- نسبه التفتازاني إلى القيل أيضا ، كما في « شرح المقاصد » 2 : 143.
2- « المباحث المشرقيّة » 1 : 235.
3- في « كشف المراد » : 139 العبارة هكذا : « وهو إمّا مفارق في ذاته ».

قال : ( والموضوع والمحلّ يتعاكسان وجودا وعدما في العموم والخصوص.

وكذا الحالّ والعرض ).

أقول : قد بيّنّا أنّ الموضوع أخصّ مطلقا من المحلّ ، فعدمه يكون أعمّ من عدم المحلّ ؛ لأنّ نقيض الأخصّ مطلقا أعمّ مطلقا من نقيض الأعمّ مطلقا ، فقولنا : « اللّه تعالى ليس محلاّ للحوادث » ينفي كونه موضوعا أيضا من غير عكس. فقد يتعاكس الموضوع والمحلّ في العموم والخصوص باعتبار الوجود والعدم ، وكذا الحالّ والعرض ؛ فإنّ العرض أخصّ من الحالّ ، فعدمه أعمّ.

قال : ( وبين الموضوع والعرض مباينة ).

أقول الموضوع هو المحلّ المتقوّم بذاته المقوّم لما يحلّ فيه ، والعرض لا يتقوّم بذاته ، فبينهما مباينة.

قال : ( ويصدق العرض على المحلّ والحالّ جزئيّا ).

أقول : المحلّ قد يكون جوهرا وهو ظاهر ، وقد يكون عرضا كالحركة للسرعة ، على خلاف بين الناس فيه ، فيصدق « بعض المحلّ عرض ».

والحالّ أيضا قد يكون جوهرا كالصورة الحالّة في المادّة ، وقد يكون عرضا وهو ظاهر ، فيصدق « بعض الحالّ عرض ».

فقد ظهر صدق العرض على المحلّ والحالّ جزئيّا لا كلّيّا ، وكذا الجوهر.

المسألة الثانية : في أنّ الجوهر والعرض ليسا جنسين لما تحتهما.

قال : ( والجوهريّة والعرضيّة من ثواني المعقولات ؛ لتوقّف نسبة أحدهما إلى (1) الوسط ).

أقول : قال العلاّمة الحلّي رحمه اللّه : « اتّفق العقلاء على أنّ العرض من حيث هذا المفهوم

ص: 263


1- في « كشف المراد » و « تجريد الاعتقاد » : « على » بدل « إلى ».

ليس جنسا لما تحته ، بل هو أمر عرضيّ ، واختلفوا في الجوهر هل هو جنس لما تحته أو عارض؟ فالذي اختاره المصنّف رحمه اللّه أنّه عارض ، وجعل الجوهريّة والعرضيّة من ثواني المعقولات ؛ فإنّ كون الذات مستغنية عن المحلّ أو محتاجة إليه أمر زائد على نفس الذات ومن الأمور الاعتباريّة وحكم من أحكامها الذهنيّة.

واستدلّ عليه بأنّ الذهن يتوقّف في نسبة أحدهما إلى الذات وحمله عليها على وسط وبرهان ، ولهذا احتجنا إلى الاستدلال على عرضيّة الكلّيّات (1) والكيفيّات وجوهريّة النفوس وأشباه ذلك ، وجنس الشيء لا يجوز أن يتوقّف ثبوته له على البرهان ؛ لأنّ ذاتيّ الشيء بيّن الثبوت لذلك الشيء » (2).

وأنا أقول : يمكن أن يردّ ذلك الاستدلال بأنّ ذاتيّ الشيء إنّما يكون بيّن الثبوت له إذا كان ذلك الشيء متصوّرا بالكنه لا بالوجه ، كتصوّر النفس بكونها مدبّرة للبدن وأيضا المعقولات الثانية عبارة عمّا لا يعقل إلاّ عارضا لمعقول آخر ولم يكن في الأعيان ما يطابقه ، أو عبارة عن العوارض المخصوصة بالوجود الذهني ولم يصدق شيء منهما على الجوهر ، كما لا يخفى.

نعم ، الجوهريّة - بالياء والتاء المصدريّتين - مفهوم اعتباريّ يصدق عليه أنّه معقول ثان لا الجوهر ، ولهذا يعدّ الجوهر جنس الأجناس ، ويعرّف الجسم الطبيعي بالجوهر القابل للأبعاد الثلاثة ، بمعنى إمكان تحقّق الخطوط الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم.

فإن قلت : لو كان الجوهر جنسا للجواهر لكان تمايزها بفصول ، على ما هو شأن الأنواع المندرجة تحت جنس ، فتلك الفصول إن كانت جواهر ، ننقل الكلام إلى ما به تمايزها فيلزم التسلسل وامتناع التعقّل ، وإن كانت أعراضا يلزم افتقار الجوهر

ص: 264


1- كذا في الأصل ، وفي « كشف المراد » : « الكمّيّات ».
2- « كشف المراد » : 140 ، وقد نقل عنه بتصرّف.

إلى الموضوع.

قلت : - مضافا إلى النقض بغيره من الأجناس ، ولزوم كون النوع بلا جنس - : إنّ المراد أنّ الجوهر جنس لما تحته من الحقائق المحصّلة النوعيّة لا لكلّ ما يصدق عليه ، بل الجنس بالنسبة إلى الفصل الذي يحصّله عرض عامّ ، فلا يلزم التسلسل وامتناع التعقّل ، مع أنّ الذي ذكره رحمه اللّه يدلّ على الزيادة لا على كونه من المعقولات الثانية.

قال : ( واختلاف الأنواع في الأولويّة ).

أقول : هذا دليل ثان على كون الجوهر عرضا عامّا لجزئيّاته لا جنسا لها ؛ وذلك لأنّ بعض الجزئيّات أولى بالجوهريّة من بعض ولا تفاوت في الأجناس والذاتيّات ، وهو يدلّ على كون العرض أيضا عرضيّا ؛ لوقوع التفاوت فيه بين جزئيّاته فإنّ الأعراض القارّة أولى بالعرضيّة من غيرها.

وردّ بأنّا لا نسلّم اختلاف أنواعهما في حقيقة الجوهريّة والعرضيّة بالأولويّة وعدمها ، ولو سلّم فغايته عدم كونهما ذاتيّين لجميع ما تحتهما ، فجاز كونهما جنسين لبعض ما تحتهما من الأنواع.

قال : ( والمعقول اشتراكه عرضيّ ).

أقول : هذا دليل ثالث على عدم جنسيّتهما ، ومعناه أنّا نعقل بين الجسم والعقل والنفس والمادّة والصورة أمرا مشتركا ، أعني الاستغناء عن الموضوع ، ولا نعقل بينها اشتراكا في غيره ، وهذا القدر أمر عرضيّ مع أنّه أمر سلبيّ ؛ لأنّه عبارة عن عدم الحاجة إلى الموضوع ، والعدميّ لا يكون جنسا للأنواع المحصّلة ، فالجوهريّة إن جعلت عبارة عن هذا الاعتبار كانت عرضا عامّا ، وإن جعلت عبارة عن الماهيّة المقتضية لهذا الاعتبار ، فليس هاهنا ماهيّة للجسم وراء كونه جسما ، وكذلك البواقي ، وهذه الماهيّات تقتضي هذا الاعتبار وإن اختلفت مع اشتراكه.

وكذلك البحث في العرض ؛ فإنّا نعقل الاشتراك بين الكمّ والكيف وباقي

ص: 265

الأعراض في الحاجة إلى المحلّ والعرضيّة في الوجود ، وهذا المعنى أمر اعتباريّ ، فليست العرضيّة جنسا لما تحتها.

وفيه : أنّ الجوهر والعرض كسائر الأجناس ممّا ينتزع منه أو يقوم به ذلك المعنى المصدري الذي يعتبر في التعريف الذي هو رسم لا حدّ.

المسألة الثالثة : في نفي التضادّ عن الجواهر.

قال : ( ولا تضادّ بين الجواهر ولا بينها وبين غيرها ).

أقول : لمّا فرغ من تعريف الجوهر والعرض وبيان أنّهما ليسا بجنسين ، شرع في باقي أحكامهما ، فبيّن انتفاء الضدّيّة عن الجواهر ، على معنى أنّه لا ضدّ للجواهر من الجواهر ولا من غيرها.

وبيانه : أنّ الضدّ هو الذات الوجوديّة المعاقبة لذات أخرى وجوديّة في الموضوع مع كونها في غاية البعد عنها ، وقد بيّنّا أنّ الجوهر لا موضوع له ، فلا يعقل فيه هذا المعنى لا بالنظر إلى جواهر أخر ولا بالنظر إلى غيره من الأعراض.

قال : ( والمعقول من الفناء العدم ).

أقول : لمّا بيّن انتفاء الضدّ من الجواهر ، أخذ يردّ على أبي هاشم وأتباعه - حيث جعلوا للجواهر أضدادا هي الفناء (1) ؛ فإنّه إذا خلق الفناء انتفت الأجسام بأسرها ، وهذا دليل التضادّ - فقال : « إنّ المعقول من الفناء العدم » وليس الفناء أمرا وجوديّا يضادّ الجواهر ؛ لأنّه إمّا جوهر أو عرض ، والقسمان باطلان ، فلا تحقّق له.

قال : ( وقد يطلق التضادّ على البعض باعتبار آخر ).

أقول : من اعتبر في التقابل امتناع الاجتماع في الموضوع ، حكم بأن لا تضادّ بين الجواهر ولا بينها وبين غيرها ؛ إذ الجوهر لا موضوع له.

ص: 266


1- انظر : « شرح المقاصد » 3 : 87.

ومن اعتبر المحلّ محلّ الموضوع ، أثبت التضادّ بين الصور النوعيّة للعناصر ، فقال : إنّ بعض الجواهر قد يطلق عليه أنّه ضدّ للبعض الآخر ، لكن يوجد التضادّ باعتبار آخر ، وهو التنافي في المحلّ مطلقا ، وحينئذ يكون بعض الصور الجوهريّة يضادّ البعض الآخر.

المسألة الرابعة : في أنّ وحدة المحلّ لا تستلزم وحدة الحالّ.

قال : ( ووحدة المحلّ لا تستلزم وحدة الحالّ إلاّ مع التماثل ، بخلاف العكس ).

أقول : المحلّ الواحد قد يحلّ فيه أكثر من حالّ واحد مع الاختلاف ، كالجسم الذي يحلّ فيه أعراض متعدّدة : السواد والحركة والحرارة ، وكالمادّة التي يحلّ فيها جوهران : الصورة الجسميّة والنوعية.

هذا مع الاختلاف ، وإمّا مع التماثل فإنّه لا يجوز أن يحلّ المثلان في محلّ واحد ؛ لاستلزامه رفع الاثنينيّة ؛ لانتفاء الامتياز بالذاتيّات واللوازم ؛ لاتّفاقهما فيهما على ما هو مقتضى التماثل ، وبالعوارض ؛ لتساوي نسبتها إليهما.

فقد ظهر أنّ وحدة المحلّ لا تستلزم وحدة الحالّ إلاّ مع التماثل. وأمّا العكس فإنّه يستلزم ؛ فإنّ وحدة الحالّ تستلزم وحدة المحلّ ؛ لاستحالة حلول عرض واحد أو صورة واحدة في محلّين وهو ضروريّ.

وكلام أبي هاشم من المعتزلة في التأليف (1) وبعض الأوائل من الفلاسفة (2) في الإضافات خطأ ؛ فإنّ التأليف عرض واحد قائم بمجموع شيئين متجاورين صارا بالاجتماع محلاّ واحدا له ، كالوحدة القائمة بالعشرة الواحدة والحياة القائمة ببنية

ص: 267


1- ذهب أبو هاشم إلى أنّ التأليف عرض واحد قائم بجوهرين فردين ، وأنّ هذا هو الموجب لصعوبة الانفكاك بين أجزاء الجسم. انظر « المحصّل » : 267 ؛ « نقد المحصّل » : 182 ؛ « شرح المقاصد » 2 :1. 152.
2- نسبه الرازي إلى جمع من قدماء الفلاسفة ، كما في « نقد المحصّل » : 267 ونسبه التفتازاني إلى بعض القدماء ، كما في « شرح المقاصد » 2 : 150.

متجزّئة إلى أجزاء ونحو ذلك ، والكلام في امتناع قيام عرض واحد قائم بمحلّ بعينه بمحلّ آخر.

وأمّا الإضافات كالقرب القائم بالمتقاربين والجوار بالمتجاورين والأخوّة بالأخوين فوحدتها نوعيّة لا شخصيّة ؛ لأنّ قرب كلّ غير قرب الآخر شخصا وإن كان مثله نوعا ، وكذلك الجوار والأخوّة ، والكلام في الوحدة الشخصيّة لا النوعيّة ، كما لا يخفى.

قال : ( وأمّا الانقسام فغير مستلزم في الطرفين ).

أقول : يعني أنّ طبيعة انقسام المحلّ لا تستلزم انقسام الحالّ ؛ فإنّ الوحدة والنقطة والإضافات كالأبوّة والبنوّة أعراض قائمة بمحالّ منقسمة وهي غير منقسمة ، أمّا الوحدة والنقطة فظاهر ، وكذا الإضافات ؛ فإنّه لا يعقل حلول نصف الأبوّة والبنوّة في نصف ذات الأب أو الابن.

وذهب قوم (1) إلى أنّ انقسام المحلّ يقتضي انقسام الحالّ ؛ لاستحالة قيامه مع وحدته بكلّ واحد من الأجزاء ؛ لما ظهر من امتناع حلول الواحد الشخصي في محالّ متعدّدة كاستحالة حلوله في واحد منها فقط وانتفاء حلوله فيها ، فتعيّن حلول بعضه في بعضها ، فيكون منقسما إلى أجزاء متباينة في الوضع كالمحلّ.

وأمّا الحالّ فإنّه لا يقتضي انقسامه طبيعة انقسام المحلّ ؛ فإنّ الحرارة والحركة إذا حلّتا محلاّ واحدا ، لم يقتض ذلك أن يكون بعض المحلّ حارّا غير متحرّك ، وبعضه متحرّكا غير حارّ.

واعلم أنّ الأعراض السارية الحالّة حلولا سريانيّا ، كالسواد الحالّ في الجسم إذا حلّت محلاّ منقسما ، انقسمت بانقسامه ، والأعراض المنقسمة بالمقدار لا بالحقائق إذا حلّت محلاّ انقسم المحلّ بانقسامها ؛ فإنّ انقسام السواد إلى الأجزاء المقداريّة

ص: 268


1- منهم الشيخ ابن سينا ، كما في « المباحثات » : 196 ، الرقم 589 - 590.

يوجب انقسام الجسم إلى أجزاء كذلك ؛ لكون كلّ جزء من الحالّ في كلّ من المحلّ ، فالانقسام الذي لا يستلزم انقساما آخر انقسام إلى أجزاء غير متباينة في الوضع والإشارة الحسّيّة ، سواء كانت خارجيّة كالهيولى والصورة ، أو عقليّة كالجنس والفصل.

المسألة الخامسة : في استحالة انتقال الأعراض.

قال : ( والموضوع من جملة المشخّصات ).

أقول : قال العلاّمة : « الحكم بامتناع انتقال الأعراض قريب من البيّن ، والدليل عليه أنّ العرض إن لم يتشخّص لم يوجد ، فتشخّصه ليس معلول ماهيّته ولا لوازمها وإلاّ لكان نوعه منحصرا في شخصه ، ولا ما يحلّ فيه وإلاّ لاكتفى بموجده ومشخّصه عن موضوعه ، فيقوم بنفسه وهو محال. فتعيّن أن يكون معلول محلّه ، بمعنى كون الموضوع علّة تامّة لتشخّص العرض ووجوده ، فيستحيل انتقاله عنه ، وإلاّ لم يكن ذلك الشخص ذلك الشخص ؛ لانتفاء التشخّص الأوّل بانتفاء المشخّص الذي هو الموضوع المعيّن ، فلا بدّ من حصول تشخّص آخر فيحصل شخص آخر » (1).

وفيه نظر ؛ لإمكان كون المشخّص موجد المحلّ المعدّ بعد حصول القابليّة به ، وكون المحالّ المتعدّدة عللا متعاقبة ، كما نشاهد في الألوان السارية والريح المتعدّية.

قال : ( وقد يفتقر الحالّ إلى محلّ متوسّط ).

أقول : الحالّ قد يحلّ في الموضوع من غير واسطة ، كالحركة القائمة في الجسم ، وقد يفتقر إلى محلّ متوسّط فيه ثمّ يحلّ ذلك المحلّ في الموضوع كالسرعة القائمة بالجسم ؛ فإنّها تفتقر إلى حلولها في الحركة ، ثمّ تحلّ الحركة في الجسم.

ص: 269


1- « كشف المراد » : 143 ، نقله بتصرّف.
المسألة السادسة : في نفي الجزء الذي لا يتجزّأ.

قال : ( ولا وجود لوضعيّ لا يتجزّأ بالاستقلال ).

أقول : هذه مسألة اختلف الناس فيها.

بيان ذلك : أنّهم عرّفوا الجسم الطبيعي ب- « الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة » (1) وهي الخطوط الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم ، المعبّر عنها بالعرض والطول والعمق ، وهي التي يطلق عليها الجسم التعليمي ؛ لكون أوّل التعليم في الأوائل متعلّقا بها.

والجسم الطبيعي إمّا مفرد لم يتألّف من أجسام أو مركّب متألّف من أجسام مختلفة ، كالحيوان ، أو غير مختلفة ، كالسرير.

والجسم المفرد قابل للانقسام ، فلا يخلو إمّا أن تكون جميع الانقسامات الممكنة حاصلة فيه بالفعل ، أو لا.

وعلى الأوّل تكون فيه (2) أجزاء بالفعل قطعا ، ولا يكون شيء من تلك الأجزاء قابلا للانقسام ، وإلاّ لم تكن جميع الانقسامات حاصلة بالفعل ، وكلّ جزء من تلك الأجزاء يقال له : الجزء الذي لا يتجزّأ ، وقد اختلفوا فيها :

فذهب جماعة من المتكلّمين والحكماء إلى أنّ الجسم مركّب من أجزاء لا تتجزّأ (3) ، ويقال لها : الجواهر المفردة ، بمعنى أنّ جميع الانقسامات الممكنة حاصلة فيه بالفعل. فذهب بعضهم إلى تناهيها ، كما عن جمهور المتكلّمين (4) ، وبعضهم إلى عدمه ، كما عن النظّام (5).

ص: 270


1- انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 5.
2- في « ج » : « في » بدل « فيه ».
3- انظر : « المحصّل » : 296 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 8 - 9 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 21 ؛ « شرح المواقف » 7 : 5.
4- انظر : « المحصّل » : 296 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 9.
5- انظر : « المحصّل » : 296 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 9 و 30 ؛ « شرح المواقف » 7 : 5.

وذهب الباقون إلى أنّ الجسم بسيط في نفسه متّصل كاتّصاله عند الحسّ ، بمعنى أنّه لا يكون شيء من الانقسامات حاصلا فيه بالفعل ، لكنّه يقبل الانقسام إلى ما يتناهى ، كما عن محمد الشهرستاني (1) صاحب « الملل والنحل » (2) أو إلى ما لا يتناهى ، كما عن جمهور الحكماء (3).

وقد نفى المصنّف الجزء الذي لا يتجزّأ بقوله : « لا وجود لوضعي لا يتجزّأ بالاستقلال » وذلك لأنّ ما لا يتجزّأ من ذوات الأوضاع - أعني الأشياء المشار إليها بالحسّ - قد يوجد لا بالاستقلال ، كوجود النقطة في طرف الخطّ أو مركز الدائرة ، ولكن لا يمكن وجوده بالاستقلال ؛ لأنّ المتحيّز بالذات لا بدّ أن يكون ما يحاذى منه بعض الجهات كالفوق غير ما يحاذي منه بعضا آخر كالتحت ، فلا بدّ أن يكون منقسما في الجهات الثلاث ، فيستحيل وجود الجزء الذي لا يتجزّأ والخطّ الجوهري ، وكذا السطح الجوهري ، فيستحيل تركّب الجسم من أجزاء لا تتجزّأ.

وقد يتمسّك في إبطاله بما يدلّ على امتناع تركّب الجسم منها.

والمصنّف رحمه اللّه قد استدلّ عليه بوجوه :

قال : ( لحجب المتوسّط ).

أقول : هذا أحد الأدلّة على نفي الجزء.

وتقريره : أنّا إذا فرضنا جوهرا متوسّطا بين جوهرين فإمّا أن يحجبهما عن التماسّ أو لا. والثاني باطل ، وإلاّ لزم التداخل وهو محال ، وإلاّ لم يفد التأليف زيادة في الحجم. والأوّل يوجب الانقسام ؛ لأنّ الطرف الملاقي لأحدهما مغاير للطرف الملاقي للآخر ، فيلزم خلاف المفروض.

ص: 271


1- هو أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أحمد ، الفيلسوف الأشعري ، له كتب كثيرة أشهرها « الملل والنحل » توفّي أواخر شعبان سنة 548. انظر : « الكنى والألقاب » 2 : 374.
2- انظر : « نقد المحصّل » : 183 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 9 نقلا عن كتابه « المناهج والبيانات » ؛ « شرح المقاصد » 3 : 21 ؛ « شرح المواقف » 7 : 5.
3- « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 9 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 21 ؛ « شرح المواقف » 7 : 6.

قال : ( ولحركة الموضوعين على طرفي المركّب من ثلاثة ).

أقول : هذا وجه ثان.

وتقريره : أنّا إذا فرضنا جسما مركّبا من ثلاثة جواهر أو نحوها من الأوتار ، ووضعنا على طرفيه جزءين ، تحرّك كلّ منهما متوجّها إلى الآخر حركة على السواء في السرعة والبطء والابتداء ، فلا بدّ أن يتلاقيا ، ولا يمكن أن يكون ذلك التلاقي بكون أحد الجزءين بأسره على الطرف ، والآخر بأسره على الوسط ؛ وإلاّ لم تتحقّق الحركتان فضلا عن تساويهما ، بل لا بدّ أن يكون شيء من الوسط مشغولا بأحدهما وشيء آخر منه مشغولا بالآخر ، فيلزم انقسامه قطعا ، وحيث كانت تلك الأجزاء غير متفاوتة في الحجم ، وجب أن يكون بعض من كلّ واحد من الجزءين على الوسط ، وبعض آخر منه على بعض من الطرف ، فيلزم انقسام تمام الخمسة مع فرضها غير منقسمة ، وهو محال لازم من وجود الجزء الذي لا يتجزّأ لا من غيره كفرض الاجتماع المذكور ، كما لا يخفى.

قال : ( أو من أربعة على التبادل ).

أقول : هذا وجه ثالث.

وتقريره : أنّا إذا فرضنا جسما مركّبا من أربعة جواهر أو نحوها من الأشفاع ، ووضعنا على أحد طرفيه جزءا وتحت طرفه الآخر جزءا وتحرّكا على التبادل - بكون محلّ حركة كلّ منهما غير محلّ حركة الآخر وبدلا منه ، وبكون حركة كلّ منهما من أوّل الخطّ إلى آخره حركة على السواء في الابتداء والسرعة - فإنّهما لا يقطعان الخطّ إلاّ بعد المحاذاة ، فموضع المحاذاة إن كان هو الثاني أو الثالث كان أحدهما قد قطع الأكثر ، فلا بدّ وأن يكون بينهما ، وذلك يقتضي انقسام الجميع من الجزءين المتحرّكين والوسطين.

قال : ( ويلزمهم ما يشهد الحسّ بكذبه من التفكّك وسكون المتحرّك وانتفاء الدائرة ).

ص: 272

أقول : هذه وجوه أخر تدلّ على نفي الجزء الذي لا يتجزّأ من مفاسد لازمة للقول به ، وأصحابه التزموها مع أنّ الحسّ يكذّبها :

أحدها : تفكيك أجزاء الرحى.

بيانه : أنّ الحسّ يشهد بأنّ المتحرّك على الاستدارة - كالرحى - باق على وضعه ونسبة أجزائه ، فإذا فرضنا خطّا خارجا من مركز الرحى إلى الطوق العظيم منها ، فذلك الخطّ يكون مركّبا من أجزاء لا تتجزّأ على هذا القول ، فإذا تحرّك الجزء الأبعد الواقع على الطوق جزءا واحدا من مسافته ، فالجزء الذي يلي المركز إمّا أن يتحرّك أقلّ من جزء أو جزءا أو يسكن.

وعلى الأوّل يلزم انقسام الجزء ، وهو خلاف الفرض.

وعلى الثاني يلزم تساوي حركة الجزء الذي على الطوق ومسافته مع الجزء الذي يلي المركز ، وهو محال بالضرورة.

وعلى الثالث يلزم انفصال الجزء الذي يلي المركز عن الجزء الذي على الطوق ، فيلزم تفكيك أجزاء الرحى ، وهو باطل بالضرورة.

الثاني : سكون المتحرّك.

بيانه أنّ السرعة والبطء كيفيّتان قائمتان بالحركة لا باعتبار تخلّل السكنات وعدمه ؛ لأنّه لو كان بسبب تخلّل السكنات ، لزم أن يكون فضل سكنات الفرس السائر من أوّل النهار إلى آخره خمسين فرسخا على حركاته ، بقدر فضل حركات الشمس من أوّل النهار إلى آخره على حركات الفرس ، لكن فضل حركات الشمس أضعاف أضعاف حركات الفرس ، فتكون سكنات الفرس أضعاف أضعاف حركاته ، لكنّ الحسّ يكذّب ذلك.

إذا ثبت هذا فنقول : إذا فرضنا أنّ فرسا - مثلا - سار من أوّل النهار إلى آخره خمسين فرسخا ، ولا شكّ أنّ الشّمس قد سارت في هذه المدّة نصف الدورة ، فعند حركة الشمس وقطعها مسافة مساوية لجزء واحد لا يخلو إمّا أن يتحرّك الفرس

ص: 273

جزءا أو أقلّ أو يسكن.

والأوّل يوجب أن تكون حركة الفرس مساوية لحركة الشمس مع أنّ المسافة التي قطعتها الشمس زائدة على خمسين فرسخا بآلاف ألوف.

والثاني يوجب انقسام الجزء.

والثالث يوجب سكون المتحرّك دائما ولا أقلّ من أن يرى تارة ساكنا وأخرى متحرّكا ، لكنّا لا نحسّ سكونه أصلا.

الثالث : انتفاء الدائرة مع أنّها موجودة بالحسّ.

بيانه : أنّا لو قلنا بكون الخطّ مركّبا من الأجزاء التي لا تتجزّأ يلزم انتفاء الدائرة ؛ فإنّه لو فرضنا حينئذ دائرة ، فإمّا أن تتلاقى ظواهر أجزائها كما تلاقت بواطنها ، أو لا.

ولا سبيل إلى الأوّل ؛ إذ يلزم أن تكون مساحة ظاهرها كمساحة باطنها على هذا القول ، وكذا ظواهر الدوائر المحيط بعضها ببعض إلى أن تبلغ دائرة تساوي منطقة الفلك الأعظم ، فيلزم تساوي الدائرة العظيمة والصغيرة ، وهذا باطل بالضرورة.

وعلى الثاني - وهو عدم تلاقي ظواهرها مع تلاقي بواطنها ، مع لزوم الانقسام والتجزّي المنافي للقول بالجزء الذي لا يتجزّأ - يلزم كون ما فرض دائرة شكلا مضرّسا لا دائرة حقيقيّة ، فيلزم انتفاء الدائرة مع أنّ الحسّ يكذّبه.

واحتمال عدم إحساس ما به التضرّس كالذرّات المبثوثة مدفوع بأنّه إن كان أصغر من الجزء لزم انقسامه ، وإلاّ لزم إحساسه.

قال : ( والنقطة عرض قائم بالمنقسم باعتبار التناهي ).

أقول : هذا جواب عن حجّة من أثبت الجزء.

وتقريرها : أنّ النقطة موجودة ؛ لأنّها نهاية الخطّ ، فإن كانت جوهرا فهو المطلوب ، وإن كانت عرضا فمحلّها إن انقسم انقسمت ؛ لأنّ الحالّ في أحد الجزءين مغاير للحالّ في الآخر ، وإن لم ينقسم فهو المطلوب.

والجواب : أنّها عرض قائم بالمنقسم ، ولا يلزم انقسامها لانقسام المحلّ ؛ لأنّ

ص: 274

الحالّ في المنقسم إذا كان حلوله من حيث ذاته المنقسمة يلزم من انقسام المحلّ انقسام الحالّ ، وإلاّ فلا. وهاهنا النقطة حلّت في المنقسم باعتبار عروض التناهي له.

قال : ( والحركة لا وجود لها في الحال ، ولا يلزم نفيها مطلقا ).

أقول : هذا جواب عن حجّة أخرى لهم ، وهي أنّ الحركة موجودة بالضرورة ، وهي من الموجودات غير القارّة ، فإمّا أن يكون وجودها في الحال أو في غيرها.

والثاني باطل ؛ لأنّ الماضي والمستقبل معدومان ، فلو لم تكن في الحال موجودة لزم نفيها مطلقا.

وإذا كانت موجودة في الحال ، فإن كانت منقسمة كان أحد طرفيها سابقا على الآخر ، فلا يكون الحاضر كلّه حاضرا ، وهذا خلف. وإن لم تكن منقسمة كانت المسافة غير منقسمة ؛ لأنّها لو انقسمت لانقسمت الحركة ؛ لأنّ الحركة في أحد الجزءين مغايرة للحركة في الجزء الآخر فتكون الحركة منقسمة ، مع أنّا فرضناها غير منقسمة.

والجواب : أنّ الحركة لا وجود لها في الحال ، ولا يلزم من نفيها في الحال نفيها مطلقا ؛ لأنّ الماضي والمستقبل وإن كانا معدومين في الحال لكن كلّ واحد منهما له وجود في حدّ نفسه ؛ فإنّ الماضي من الحركة موجود في الماضي من الزمان وإن لم يكن موجودا في الحال والاستقبال ، وكذا المستقبل من الحركة موجود في المستقبل من الزمان وإن لم يكن في الماضي والآن.

قال : ( والآن (1) لا تحقّق له خارجا ).

أقول : هذا جواب عن حجّة أخرى لهم ، وهي أنّ الآن موجود ؛ لانتفاء الماضي والمستقبل ، فإن كان الآن منفيّا كان الزمان منتفيا مطلقا ، ويستحيل انقسامه ، وإلاّ لزم

ص: 275


1- الآن - بالألف واللام - : الوقت الحاضر ، وعند الحكماء هو نهاية الماضي وبداية المستقبل ، به ينفصل أحدهما عن الآخر ، فهو فاصل بينهما بهذا الاعتبار وواصل باعتبار أنّه حدّ مشترك بين الماضي والمستقبل ، به يتّصل أحدهما بالآخر. انظر : « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » 1 : 74.

أن يكون الحاضر بعضه ، فلا يكون الآن كلّه آنا ، وهذا خلف. وإذا كان موجودا فالحركة الواقعة غير منقسمة ، وإلاّ لكان أحد طرفيها واقعا في زمان والآخر في زمان آخر ، فينقسم ما فرضناه غير منقسم ، وهذا خلف.

ويلزم من عدم انقسام الحركة عدم انقسام المسافة ، على ما مرّ تقريره.

وتقرير الجواب : أنّ الماضي والمستقبل موجودان في حدّ نفسهما لا في شيء من الأزمنة ليلزم أن يكون للزمان زمان ، ويكون الشيء ظرفا لنفسه ، كما أنّ المكان موجود في نفسه وإن لم يكن موجودا في شيء من الأمكنة.

نعم ، هما معدومان في الآن لا مطلقا ، والآن لا تحقّق له في الخارج ، بل هو شيء منتزع من آخر الماضي وأوّل المستقبل.

قال : ( ولو تركّبت الحركة ممّا لا يتجزّأ لم تكن موجودة ).

أقول : لمّا فرغ من النقض شرع في المعارضة ، فاستدلّ على أنّ الحركة لا تتركّب ممّا لا يتجزّأ ؛ لأنّها لو تركّبت ممّا لا يتجزّأ لم تكن موجودة ، والتالي باطل اتّفاقا فكذا المقدّم.

بيان الشرطيّة : أنّ الجزء إذا تحرّك من جزء إلى جزء فإمّا أن يوصف بالحركة حال كونه في الجزء الأوّل وهو باطل ؛ لأنّه حينئذ لم يأخذ في الحركة ، أو حال كونه في الجزء الثاني وهو باطل أيضا ؛ لأنّ الحركة حينئذ قد انتهت وانقطعت ، ولا واسطة بين الأوّل والثاني ليوصف بالحركة فيها ، فيلزم عدم وجود الحركة ، وهو محال ، وهذا المحال نشأ من إثبات الجوهر الفرد (1) ؛ لأنّه على تقدير عدمه تثبت الواسطة.

ويمكن أن يقرّر بيان الشرطية من وجه آخر ، وهو أنّ الحركة إمّا أن تكون عبارة عن المماسّة الأولى أو الثانية وهما محالان ؛ لما مرّ ، أو مجموعهما وهو باطل ؛ لانتفائه.

ص: 276


1- يطلق الجوهر عند الفلاسفة على عدّة معان ، فقد عرّفه ابن سينا في « النجاة » بأنّه كلّ ما وجود ذاته ليس في موضوع ، أي في محلّ قريب ، قد قام بنفسه دونه لا بتقويمه. أمّا الجوهر عند المتكلّمين فهو الجوهر الفرد المتميّز الذي لا ينقسم ، أما المنقسم فيسمّونه جسما لا جوهرا ؛ ولذا لا يطلقون اسم الجوهر على المبدأ الأوّل.

قال : ( والقائل (1) بعدم تناهي الأجزاء يلزمه مع ما تقدّم (2) النقض بوجود المؤلّف (3) ممّا يتناهى ويفتقر في التعميم (4) إلى التناسب (5) ).

أقول : لمّا فرغ من إبطال مذهب القائلين بالجوهر الفرد ، شرع في إبطال مذهب القائلين بعدم تناهي الأجزاء فعلا كالنظّام ، فإنّه ومن يحذو حذوه لمّا وقفوا على أدلّة نفاة الجزء - كلزوم تفكيك الرحى - ولم يقدروا على ردّها ، اضطرّوا إلى الحكم بأنّ كلّ جسم فهو قابل للانقسام لا إلى نهاية. ولمّا كان مذهبهم أنّ حصول الانقسام من لوازم قبول الانقسام ، ظنّوا أنّ جميع الانقسامات التي لا تتناهى حاصل في الجسم بالفعل ، فصرّحوا بأنّ في الجسم أجزاء غير متناهية موجودة بالفعل ، فلزمهم القول بالجزء الذي لا يتجزّأ ؛ لأنّه إذا كان كلّ انقسام ممكن حاصلا فيه بالفعل ، فالانقسام الذي ليس بحاصل غير ممكن ، فتكون أجزاؤه غير قابلة للانقسام ، فقد وقعوا فيما كانوا هاربين عنه من إثبات الجزء ومفاسده ، مضافا إلى النقض بالجسم الذي فرض أنّه مركّب من أجزاء متناهية كالثمانية ، فإنّه جسم مع تناهي أجزائه.

وهذا هو الوجه الأوّل الدالّ على إبطال القول بعدم تناهي الأجزاء.

وأمّا قوله : « ويفتقر في التعميم إلى التناسب » فمعناه أنّا إذا أردنا تعميم القضيّة بأن يحكم أنّه لا شيء من الأجسام بمؤلّف من أجزاء غير متناهية فطريقه أن ينسب هذا المؤلّف الذي ألّفناه من الأجزاء المتناهية إلى بقيّة الأجسام ، فنقول : كلّ جسم فإنّه متناه في المقدار فله إلى هذا المؤلّف نسبة ، وهي نسبة متناهي المقدار إلى متناهي المقدار نعلم أنّ المقدار يزيد بزيادة الأجزاء أو ينقص بنقصانها ، فنسبة المقدار إلى المقدار كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء ، لكن نسبة المقدار إلى المقدار نسبة متناه إلى

ص: 277


1- أي النظّام. ( منه رحمه اللّه ).
2- من مفاسد إثبات الجزء. ( منه رحمه اللّه ).
3- أي الجسم الذي فرض أنّه مركّب من أجزاء متناهية كالثمانية. ( منه رحمه اللّه ).
4- أي الحكم بكون كلّ جسم متناهي الأجزاء. ( منه رحمه اللّه ).
5- أي ملاحظة كون نسبة حجم إلى حجم آخر كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء في كونها نسبة المتناهي إلى المتناهي.

متناه ، فكذا نسبة الأجزاء إلى الأجزاء فيكون كلّ جسم مؤلّفا من أجزاء متناهية.

قال : ( ويلزم عدم لحوق السريع البطيء ).

أقول : هذا هو الوجه الثاني الدالّ على إبطال القول بعدم تناهي الأجزاء.

وتقريره : أنّ الجسم لو تركّب من أجزاء غير متناهية لزم أن لا يلحق السريع البطيء ، والتالي باطل بالضرورة ، فكذا المقدّم.

بيان الشرطية : أنّ البطيء إذا قطع مسافة ثمّ ابتدأ السريع وتحرّك فإنّه إذا قطع ذلك الجزء من المسافة يكون البطيء قد قطع جزأ من آخر ؛ لعدم تخلّل السكون بشهادة الحسّ ، فإذا قطع السريع جزءا قطع البطيء جزءا آخر وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فلا يلحق السريع البطيء.

ولا يخفى أنّ هذا الوجه جار فيما إذا كان الأجزاء متناهية أيضا.

والأولى أن يجعل وجها لإبطال الجزء الذي لا يتجزّأ ، كما لا يخفى.

قال : ( وأن لا يقطع المسافة المتناهية في زمان متناه ).

أقول : هذا وجه ثالث قريب من الوجه الثاني.

وتقريره : أنّا لو فرضنا الجسم يشتمل على ما لا يتناهى من الأجزاء ، لزم أن لا يقطع المتحرّك المسافة المتناهية في زمان متناه ؛ لأنّه لا يمكن قطعها إلاّ بعد قطع نصفها ، ولا يمكنه قطع نصفها إلاّ بعد قطع ربعها ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فتكون هناك أزمنة غير متناهية ، فامتنع قطعها إلاّ في زمان غير متناه ، فيلزم أن لا يلحق السريع البطيء إذا توسّط بينهما مسافة قليلة ؛ ولهذا جعل الوجهان وجها واحدا.

قال : ( والضرورة قضت ببطلان الطفرة والتداخل ).

أقول : اعلم أنّ القائلين بعدم تناهي الأجزاء اعتذروا عن الأوّل بالتداخل ، فقالوا : لا يلزم من عدم تناهي الأجزاء عدم تناهي المقدار ؛ لأنّ الأجزاء تتداخل باندراج بعضها في بعض من غير زيادة في الحجم ، فيصير جزءان أو أزيد جزءا واحدا وفي قدره ، فلا يلزم بقاء النسبة وكون نسبة الحجم إلى الحجم كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء

ص: 278

حتّى يلزم كون كلّ جسم مؤلّفا من أجزاء متناهية.

واعتذروا عن الوجهين الآخرين بالطفرة بأن يحاذي المتحرّك بعض أجزاء المسافة دون بعض ؛ فإنّ المتحرّك إذا قطع مسافة غير متناهية الأجزاء في زمان متناه فإنّه يطفر بعض الأجزاء فلا يحاذيه ويتحرّك عن البعض الآخر ، وكذلك السريع يطفر بعض الأجزاء فيلحق بالبطيء ، كما أنّ الشمس وقت طلوعها يبلغ ضوؤها إلى أقصى نصف كرة الأرض ونحو ذلك ، مع استحالة قطع هذه المسافة في الزمان اليسير.

ولا يخفى أنّ الضوء ليس جسما متحرّكا كما توهّموا ، بل الأجزاء الهوائيّة لكونها مستعدّة للاستضاءة تستضيء بتمام أجزائها بمجرّد المقابلة ، فيتوهّم حركة الضوء والشعاع.

وبالجملة ، فهذان العذران باطلان بالضرورة.

قال : ( والقسمة بأنواعها تحدث اثنينيّة تساوي طباع كلّ واحد منهما طباع المجموع ).

أقول : يريد أن يبطل مذهب ذيمقراطيس (1) في هذا الموضوع.

بيانه : أنّ القسمة إمّا أن توجب انفصالا في الخارج أو لا.

والأولى هي القسمة الانفكاكيّة المنقسمة إلى الكسريّة والقطعيّة بالاحتياج إلى الآلة المفصّلة بالنفوذ وعدمه.

والثانية هي القسمة الفرضيّة ، وربّما تسمّى وهميّة أيضا.

وقد يفرّق بينهما بأنّ الفرضيّة ما هو يفرض العقل كلّيّا ، والوهميّة ما هو بحسب المتوهّم جزئيّا.

والفرضيّة إمّا أن تكون بمجرّد الفرض من غير سبب حامل عليه أو تكون بسبب حامل عليه كاختلاف عرضين قارّين أو غير قارّين أو نحو ذلك.

ص: 279


1- انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 184 - 187 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 18 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 54.

وحيث لم تكن الأدلّة السابقة دالّة على أنّ كلّ جسم مفرد قابل للقسمة الانفكاكيّة ، بل إنّما تدلّ على أنّه قابل للقسمة الوهميّة ، أراد أن يبيّن أنّ كلّ جسم كما هو قابل للقسمة الوهميّة كذلك قابل للقسمة الانفكاكيّة ؛ فإنّ القسمة بأنواعها الثلاثة - أعني الانفكاكيّة والوهميّة والتي تكون من جهة اختلاف الأعراض الإضافيّة أو الحقيقيّة - تحدث في المقسوم اثنينيّة تكون طبيعة كلّ واحد من القسمين مساوية لطبيعة المجموع ولطبيعة الخارج عنه الموافق له في الماهيّة.

وكلّ واحد من القسمين لمّا صحّ عليه الانفكاك عن صاحبه وكذا كلّ واحد من قسمي القسمين إلى ما لا يتناهى ، فجواز القسمة الوهميّة ملزوم لجواز القسمة الانفكاكيّة ، فبطل مذهب ذيمقراطيس وأتباعه ، وهو أنّ مبادئ الأجسام البسيطة أجسام صغار صلبة متجزّئة في الوهم لا الخارج ، فالجسم المتّصل بالحقيقة غير قابل للانفصال الفكّي وما يقبله كالماء واتّصاله بحسب الحسّ لا بالحقيقة (1) ووجه البطلان واضح.

قال : ( وامتناع الانفكاك لعارض لا يقتضي الامتناع الذاتي ).

أقول : بعض الأجسام قد يمتنع عليه القسمة الانفكاكيّة لا بالنظر إلى ذاتها ، بل بالنظر إلى عارض خارج عن الحقيقة الجسميّة : إمّا صغر المقسوم بحيث لا يتناوله الآلة القاسمة ، أو صلابته ، أو حصول صورة تقتضي ذلك ، كما في الفلك عندهم ، ولكن ذلك الامتناع لا يقتضي الامتناع الذاتي ، فلا يلزم عدم كونه غير قابل للقسمة الانفكاكيّة.

قال : ( فقد ثبت أنّ الجسم شيء واحد متّصل يقبل الانقسام إلى ما لا يتناهى ).

أقول : هذا نتيجة ما مضى ؛ لأنّه قد أبطل القول بتركّب الجسم من الجواهر المفردة ، سواء كانت متناهية أو غير متناهية ، وثبت أنّه واحد في نفسه متّصل لا مفاصل له بالفعل ، ولا شكّ في أنّه يقبل الانقسام ، فإمّا أن يكون لما يتناهى من

ص: 280


1- انظر : نفس المصادر المتقدّمة.

الانقسام لا غير ، وهو باطل ؛ لما تقدّم في إبطال مذهب ذيمقراطيس ، أو لما لا يتناهى ، وهو المطلوب.

المسألة السابعة : في نفي الهيولى.

قال : ( ولا يقتضي ذلك ثبوت مادّة سوى الجسم ؛ لاستحالة التسلسل ووجود ما لا يتناهى ).

أقول : اختلف العلماء في ثبوت الهيولى وعدمه على قولين :

الأوّل : ثبوتها كما عن أرسطو (1) ومن تابعه (2) ، قالوا : إنّ الجوهر المتّصل في ذاته الذي كان بلا مفصل إذا طرأ عليه الانفصال انعدم وحدث هناك جوهران متّصلان في ذاتهما ، فلا بدّ هناك من شيء آخر مشترك بين المتّصل الأوّل وبين هذين المتّصلين ، ولا بدّ أن يكون ذلك الشيء باقيا بعينه في الحالتين ، وإلاّ لكان تفريق الجسم إلى قسمين إعداما للجسم بالكلّيّة وإيجادا لجسمين آخرين من كتم العدم.

والضرورة تقتضي بطلانه ، ويشهد على ذلك أنّ العذرة - مثلا - إذا صارت دودا ثمّ صار الدود ترابا ، تتعاقب الصور النوعيّة ، فلا بدّ من محلّ تتوارد عليه تلك الصور ، وإلاّ لزم إعدام شيء وإيجاد شيء آخر من كتم العدم ، وهو باطل بالضرورة.

الثاني : عدم ثبوت الهيولى كما عن أفلاطون (3) ومن تابعه (4) ، قالوا : الجوهر المتّصل قائم بذاته غير حالّ في شيء آخر ، وهو الجسم المطلق ، فهو عندهم جوهر بسيط لا تركيب فيه بحسب الخارج ، وقابل لطريان الاتّصال والانفصال مع بقائه في

ص: 281


1- انظر : « ميتافيزك أرسطو » : 390.
2- منهم ابن سينا في « الشفاء » الإلهيّات : 61 - 71 و « النجاة » : 21 ، وتلميذه بهمنيار في « التحصيل » : 312 وما بعدها.
3- نقل عنه ذلك في « شرح المواقف » 7 : 6 و « شرح المقاصد » 3 : 61 و « المحاكمات » كما في « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 36.
4- منهم السهروردي في « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 36.

الحالين بذاته ، فهو من حيث جوهره وذاته يسمّى جسما ، ومن حيث قبوله للصّور النوعيّة التي لأنواع الأجسام يسمّى هيولى.

واختار المصنّف هذا المذهب. وقد ذهب إلى ذلك المذهب جماعة من المتكلّمين (1) وأبو البركات البغدادي (2) كما حكي.

وقال أبو عليّ - على ما حكي - : « إنّ الجسم مركّب من الهيولى والصورة » (3).

واحتجّ عليه بأنّ الجسم متّصل في نفسه ، وقابل للانفصال ، ويستحيل أن يكون القابل هو الاتّصال نفسه ؛ لأنّ الشيء لا يقبل عدمه ، فلا بدّ للاتّصال من محلّ يقبل الانفصال والاتّصال ، وذلك هو الهيولى ، والاتّصال هو الصورة (4). فاستدرك المصنّف رحمه اللّه ذلك وقال : « إنّ ذلك - أي قبول الانقسام - لا يقتضي ثبوت مادّة » كما قرّرناه في كلام أبي عليّ ؛ لأنّ الجسم المتّصل له مادّة واحدة إذا قسمناه استحال أن تبقى تلك المادّة على وحدتها اتّفاقا ، بل يحصل لكلّ جزء مادّة.

فإن كانت مادّة كلّ جزء حادثة بعد القسمة لزم التسلسل ؛ لأنّ كلّ حادث عندهم لا بدّ له من مادّة ، وتكون تلك المادّة أيضا حادثة على هذا التقدير ، فيحتاج إلى مادّة ثالثة ، وهكذا ، فيلزم التسلسل.

وإن كانت موجودة قبل القسمة لزم وجود موادّ لا نهاية لها بحسب ما في الجسم من قبول الانقسامات التي لا تتناهى ؛ لاستحالة أن تكون مادّة هذا نفس مادّة ذاك بعينها ؛ حذرا عن كون الواحد بالشخص في آن واحد في مكان متعدّد.

وفيه : أنّ المادّة واحدة عند وحدة الاتّصال ، ومتعدّدة عند تعدّده ، كالجسم المطلق عندهم ، فلا يلزم وجود موادّ متعدّدة بالفعل ، بل المادّة شيء يعرضه الوحدة والتعدّد ؛

ص: 282


1- منهم الفخر الرازي في « المحصّل » : 274 ؛ و « المباحث المشرقيّة » 2 : 46 - 53 ؛ والعلاّمة الحلّي في « إيضاح المقاصد » : 127 ؛ ونهاية المرام في علم الكلام » 2 : 507 - 527.
2- « المعتبر في الحكمة » 2 : 10 - 15.
3- « الشفاء » الإلهيّات : 71.
4- « الشفاء » الإلهيّات : 66 - 67 ؛ « النجاة » : 201 - 202.

إذ هي مع المتّصل الواحد واحدة ، ومع المتعدّد متعدّدة ، وهي جوهر يسمّى ب- « الهيولى الأولى » ويحلّ فيه متّصل واحد حال الاتّصال ، ومتّصلان حال الانفصال ، ويسمّى ذلك الجوهر المتّصل ب- « الصورة الجسميّة » والجسم المطلق مركّب منهما ، وذلك يسمّى « جسما طبيعيّا » لكونه موجودا في الطبيعة والخارج ، والقابل للأبعاد الثلاثة - وهي الطول والعرض والعمق ، أعني الكمّيّة السارية في الجهات الثلاث - وهو « الجسم التعليمي » لتعلّق التعليم به أوّلا.

المسألة الثامنة : في إثبات المكان

المسألة الثامنة : في إثبات المكان (1).

قال : ( ولكلّ جسم مكان طبيعيّ يطلبه عند الخروج على أقرب الطرق ).

أقول : كلّ جسم على الإطلاق - بسيطا كان أو مركّبا - فإنّه يفتقر إلى مكان يحلّ فيه ؛ لاستحالة وجود الجسم مجرّدا عن كلّ الأمكنة.

ولا بدّ وأن يكون ذلك المكان طبيعيّا له ؛ لأنّا إذا جرّدنا الجسم عن كلّ العوارض الخارجة فإمّا أن لا يحلّ في شيء من الأمكنة ، وهو محال بالضرورة ، أو يحلّ في الجميع ، وهو أيضا باطل بالضرورة ، أو يحلّ في البعض وليس مستندا إلى أمر خارج ؛ إذ المفروض خلوّه عنه ، ولا إلى الجسميّة المشتركة ؛ لأنّ نسبتها إلى الأمكنة كلّها على السويّة ، بل إلى أمر آخر داخل فيه مختصّ به ، وهو المراد بالطبيعة ، فيكون ذلك البعض طبيعيّا ؛ ولهذا إذا خرج من مكانه عاد إليه ، وإنّما يرجع إليه على أقرب الطرق ، وهو الاستقامة.

قال : ( فلو تعدّد انتفى ).

ص: 283


1- المكان : الموضع ، وهو المحلّ المحدّد الذي يشغله الجسم. وذهب المشّاءون ومتأخّر والحكماء - كابن سينا والفارابي - إلى أنّ المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماسّ للسطح الظاهر من الجسم المحوي. وأمّا الإشراقيّون فقد ذهبوا إلى أنّ المكان هو البعد المجرّد الموجود ، وهو ألطف من الجسمانيّات وأكثف من المجرّدات. وذهب المتكلّمون إلى أنّه بعد موهوم مفروض يشغله الجسم ، ويملأه على سبيل التوهّم ، وهو الخلاء.

أقول : يريد أن يبيّن أنّ المكان الطبيعي واحد ؛ لأنّه لو كان لجسم واحد مكانان طبيعيّان لكان إذا حصل في أحدهما تاركا للثاني بالطبع ، وكذا بالعكس ، فلا يكون واحد منهما طبيعيّا له ؛ فلهذا قال : « فلو تعدّد » يعني الطبيعي « انتفى » ولم يكن له مكان طبيعي.

قال : ( ومكان المركّب مكان الغالب أو ما اتّفق وجوده فيه ).

أقول : المركّب إن تركّب من جوهرين ، فإن تساويا وتمانعا وقف في الوسط بينهما ، وإن غلب أحدهما كان مكانه مكان الغالب ، فإن تركّب من ثلاثة وغلب أحدهما كان مكانه مكان الغالب ، وإلاّ كان في الوسط ، وإن تركّب من أربعة متساوية حصل في الوسط أو ما اتّفق وجوده فيه ، وإن غلب أحدهما كان في مكانه.

قال : ( وكذا الشكل (1) والطبيعي منه الكرة ).

أقول : قيل في تعريف الشكل : إنّه ما أحاط به حدّ واحد أو حدود (2).

وفي التحقيق أنّه من الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات ، وهي هيئة إحاطة الحدّ الواحد أو الحدود بالجسم (3).

وهو طبيعيّ وقسريّ ؛ لأنّ كلّ جسم متناه على ما يأتي ، وكلّ متناه له شكل بالضرورة ، فإذا فرض عاريا عن جميع العوارض ، لم يكن له بدّ من شكل أيضا ، فعلّته طبيعة الجسم لا غيره ، فيكون طبيعيّا له.

ولمّا كانت الطبيعة واحدة والقابل واحدا - وما عدا شكل الكرة من الأشكال مشتملا على تعدّد الأفعال من الخطّ والنقطة وغيرهما ، وأثر الواحد واحد - كان الشكل الطبيعي هو المستدير ، والأشكال الباقية قسريّة.

ص: 284


1- الشكل هو الهيئة الحاصلة من إحاطة الحدّ الواحد أو الحدود بالمقدار ، أي الجسم التعليمي أو السطح ، فالأوّل كشكل الكرة ، والثاني كشكل المثلّث.
2- انظر : « كتاب التعريفات » : 169 ، الرقم 837.
3- انظر : « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » 1 : 1039.
المسألة التاسعة : في تحقيق ماهيّة المكان.

قال : ( والمعقول من الأوّل البعد ؛ فإنّ الأمارات تساعد عليه ).

أقول : « المكان » لغة الموضع كما في « الصحاح » (1) و « القاموس » (2) ، وله إطلاقان :

الأوّل بحسب الاشتقاق ، وهو موضع كون الشيء وحدوثه.

والثاني الإطلاق الاسمي ، وهو ما يعتمد عليه المتمكّن عند القيام أو نحوه ممّا يحصل به الاستقرار. والظاهر عدم مدخليّة للهواء فيه.

وأرباب المعقول قد اختلفوا في حقيقة المكان.

فعند المشّائين - كما حكي عن أرسطو (3) وابن سينا (4) أيضا - أنّه عبارة عن السطح الباطن للجسم الحاوي المماسّ للسطح الظاهر من الجسم المحويّ.

وعند الإشراقيّين - كما حكي عن أفلاطون (5) أيضا - أنّه عبارة عن البعد الموجود المجرّد عن المادّة ، المنقسم في جميع الجهات ، المساوي للبعد الذي في الجسم بحيث ينطبق أحدهما على الآخر الساري فيه بكلّيّته.

وعند المتكلّمين عبارة عن البعد الموهوم الذي يشغله الجسم على سبيل التوهّم على وجه الانطباق المذكور (6).

ومثله الحيّز ؛ فإنّه الفراغ الموهوم المشغول بالمتحيّز الذي لو لم يشغله ، لكان

ص: 285


1- « الصحاح في اللغة » 4 : 2191 ، « كون ».
2- « القاموس المحيط » 4 : 266 ، « كون ».
3- نقل عنه في « جامع المقاصد » 2 : 199 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 157 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 300.
4- « الشفاء » الطبيعيات 1 : 137 ؛ « النجاة » : 124 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 185 ؛ « رسالة الحدود » : 33.
5- انظر : « جامع المقاصد » 2 : 199 - 200 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 301 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 300 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1635 ؛ « جامع العلوم في اصطلاحات الفنون » 3 : 307.
6- « نهاية المرام » 1 : 384 ؛ « التعريفات » : 292 ، الرقم 1466 ؛ « جامع العلوم في اصطلاحات الفنون » 3 : 317 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1635.

خلاء ، كداخل الكوز للماء (1).

وعند بعض هو ما يوجب الامتياز في الإشارة الحسّيّة (2) فهو أعمّ من المكان ، لتناوله الوضع الذي يمتاز به المحدّد عن غيره في الإشارة الحسّيّة ؛ إذ ليس وراءه جسم آخر.

نعم ، له وضع ومحاذاة بالنسبة إلى ما في جوفه.

والمصنّف اختار مذهب من قال بالبعد ؛ فإنّ « الأوّل » يعني به المكان ؛ لأنّه قد بيّن أنّ الجسم يقتضي بطبعه شيئين : المكان والشكل ، ولمّا كان الشكل ظاهرا وكان طبيعيّا ذكره بعد المكان ، ثمّ عاد إلى تحقيق ماهيّة المكان ، فالمراد أنّ المعقول من المكان البعد وإن كان فيه بعد.

والدليل على ما اختاره المصنّف أنّ المعقول من المكان إنّما هو البعد فإذا فرضنا الكوز خاليا من الماء ، تصوّرنا الأبعاد التي يحيط بها جرم الكوز بحيث إذا ملئ ماء شغلها الماء بجملتها والأمارات المشهورة في المكان - من قولهم : إنّه ما يتمكّن المتمكّن فيه ويستقرّ عليه ويساويه ، وما يوصف بالخلوّ والامتلاء - تساعد على أنّ المكان هو البعد المنقسم في جميع الجهات ، المساوي للبعد الذي في الجسم بحيث ينطبق أحدهما على الآخر الساري فيه بكلّيّته. وذلك البعد إمّا أن يكون أمرا موهوما يشغله الجسم ويملؤه على سبيل التوهّم كما عن المتكلّم (3) ، أو يكون بعدا موجودا مجرّدا ؛ لئلاّ يلزم تداخل الأجسام ، ويكون جوهرا ؛ لقيامه بذاته وتوارد الممكنات عليه مع بقاء تشخّصه ، فكأنّه جوهر متوسّط بين العالمين ، أعني الجواهر المجرّدة

ص: 286


1- « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » 1 : 725.
2- نسبه الجرجاني في « شرح المواقف » 5 : 131 إلى القيل. وفي « كشّاف اصطلاحات الفنون » 1 : 725 نسبه إلى التفتازاني.
3- انظر : « جامع المقاصد » 2 : 199 - 200 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 301 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 300 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1635.

والأجسام المادّية ، كما عن أفلاطون ومن تابعه من الحكماء الإشراقيّين (1).

والإنصاف أنّ المعقول من المكان ما يعتمد عليه المتمكّن عند القيام ونحوه ، من غير مدخليّة تمام السطح سيّما الفوقاني ، ومن غير تصوّر البعد ، ولهذا يقال : إنّ الجسم هنا أو هناك من غير توقّف على أنّه هل يحيط به جسم أم لا؟ وكذا ملاحظة البعد إن لم نقل بفهم خلافه.

نعم ، يشكل الأمر في الفلك الأعظم المحيط بالعالم ؛ فإنّه جسم غير معتمد على شيء.

اللّهمّ إلاّ أن يلتزم وجود جسم بلا مكان ، كما يقال : إنّ القائلين بالسطح التزموه ، وهو ظاهر ما يقال : إنّه تعالى خلق السماوات بغير عماد.

قال : ( واعلم أنّ البعد ، منه ملاق للمادّة وهو الحالّ في الجسم ويمانع مساويه ، ومنه مفارق تحلّ فيه الأجسام ويلاقيها بجملتها ويداخلها بحيث ينطبق على بعد المتمكّن ويتّحد به ، ولا امتناع ؛ لخلوّه عن المادّة ).

أقول : لمّا فرغ من بيان ماهيّة المكان شرع في الجواب عن شبهة مقدّرة تورد على كون المكان بعدا ، وهي أنّ المكان لو كان هو البعد لزم اجتماع البعدين ، والتالي محال ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّ المتمكّن له بعد ، فإن كان المكان هو البعد وبقيا معا لزم الاجتماع والاتّحاد ؛ إذ لا يزيد البعد الحاوي عند حلول المحويّ. وإن عدم أحدهما كان المعدوم حالاّ في الموجود أو بالعكس ، وهما محالان.

وأمّا بيان استحالة التالي فضروريّ ؛ لما تقدّم من امتناع الاتّحاد ، ولأنّ المعقول من البعد الشخصي إنّما هو البعد الذي بين طرفي الحاوي ، فلو تشكّك العقل في تعدّده بأن يحتمله لزم السفسطة.

وأيضا تجويز نفوذ البعد المكاني في البعد القائم بالمتمكّن يؤدّي إلى تجويز

ص: 287


1- تقدّم في ص 286 ، التعليقة 3.

دخول أجسام العالم في حيّز خردلة ؛ فإنّه إذا أخذ خردلتان وفرض تداخل بعديهما القائمين بهما ، يلزم كونهما في حيّز خردل واحد ، وكذا إذا انضمّ واحد بعد واحد.

وتقرير الجواب - مضافا إلى منع تحقّق التداخل الممنوع في الجوهر والعرض ، أعني البعد المكاني والبعد الجسماني - أنّ البعد ينقسم إلى قسمين :

أحدهما بعد مقارن للمادّة وحالّ فيها ، وهو البعد المقارن للجسم القائم به.

والثاني مجرّد مفارق للمادّة ، وهو الحالّ بين الأجسام المباعدة للجسم.

والأوّل يمانع مساويه ، يعني البعد الآخر المقارن للمادّة أيضا فلا تجامعه ؛ لاستحالة التداخل بين بعدين مقارنين.

والثاني - وهو البعد المجرّد الذي لا يقوم بالمادّة - لا يستحيل عليه أن يداخله بعد مادّي ، بل يداخله ويطابقه ويتّحد به بحسب الإشارة الحسّيّة ، وهو محلّ الجسم المتداخل بعده. ولا امتناع في هذه المداخلة والاتّحاد ؛ لأنّ هذا البعد خال عن المادّة ، فيجوز التداخل فيه من غير أن يفضي إلى الاستحالة المذكورة.

قال : ( ولو كان المكان سطحا لتضادّت الأحكام ).

أقول : لمّا بيّن حقيقة المكان ، شرع في إبطال مذهب المخالفين القائلين بأنّ المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي.

وتقرير البطلان : أنّ المكان لو كان هو السطح لتضادّت الأحكام العارضة للجسم الواحد ؛ فإنّ الحجر الواقف في الماء ، والطير الواقف في الهواء يفارقان سطحا بعد سطح مع كونهما ساكنين ، ولو كان المكان هو السطح لكانا متحرّكين ؛ لأنّ الحركة هي مفارقة الجسم لمكان إلى مكان آخر ، ولكانت الشمس المتحرّكة الملازمة لسطحها ساكنة ، فيلزم سكون المتحرّك وحركة الساكن ، وذلك تضادّ في الأحكام محال ، فتأمّل. (1)

ص: 288


1- إشارة إلى أنّ الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني كونا مستندا إلى المكين ولو كان تبعا ، كحركة الراكب ، لا ما كان مستندا إلى المكان ، وكذا السكون ، فلا يلزم تضادّ المحالّ. ( منه رحمه اللّه ).

قال : ( ولم يعمّ المكان ).

أقول : هذا وجه ثان دالّ على بطلان القول بالسطح.

وتقريره : أنّ الحكماء حكموا باحتياج كلّ جسم إلى مكان (1) ، ولو كان المكان عبارة عن السطح الحاوي لزم إمّا عدم تناهي الأجسام حتى يكون كلّ جسم في مكان ، أو وجود جسم ليس له مكان بأن يكون محيطا بجميع الأجسام ؛ إذ لا يحويه جسم ليكون سطحه الباطن مكانا له ، فلا يعمّ المكان الأجسام مع أنّا نقطع بأنّ كل جسم له مكان - وقد تقدّم بطلان عدم تناهي الأجسام - والقسمان باطلان فالمقدّم مثله ، فتأمّل.

المسألة العاشرة : في امتناع الخلاء.

المسألة العاشرة : في امتناع الخلاء. (2)

قال : ( وهذا المكان لا يصحّ عليه الخلوّ من شاغل ، وإلاّ لساوت حركة ذي المعاوق حركة عديمه عند فرض معاوق أقلّ بنسبة زمانيهما ).

أقول : اختلف الناس في هذا المكان ، فذهب قوم إلى جواز الخلاء ، وهم بعض القائلين بالبعد المجرّد أو الموهوم ، المسمّون بأصحاب الخلاء (3) ، حيث جوّزوا أن يخلو المكان عمّا يشغله.

وذهب آخرون - وهم القائلون بالسطح مع بعض القائلين بالبعد على ما حكي - إلى امتناعه (4) ، وهو اختيار المصنّف رحمه اللّه .

ص: 289


1- « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 308 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 66.
2- الخلاء - عند المتكلّمين - امتداد موهوم مفروض في الجسم ، أو في نفسه صالح لأن يشغله الجسم وينطبق عليه بعده الموهوم ، ويسمّى أيضا بالمكان والبعد الموهوم والفراغ الموهوم. وقد جوّزه المتكلّمون ومنعه الحكماء القائلون بأنّ المكان هو السطح ، وأمّا القائلون بأنّه البعد المجرّد الموجود فهم أيضا يمنعون الخلاء بمعنى البعد المفروض فيما بين الأجسام. انظر « كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم » 1 : 756.
3- « شرح تجريد العقائد » : 160 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 310 ، ولمزيد المعرفة راجع « الشفاء » الطبيعيات 1 : 114 - 136.
4- حكاه القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 160 ، ولمزيد المعرفة راجع « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 116 - 136 و « شوارق الإلهام » 2 : 310.

واستدلّ عليه بأنّ الخلاء لو كان ثابتا لكانت الحركة مع العائق كالحركة مع عدم العائق ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : أنّا نفرض متحرّكا يقطع مسافة ما خالية عمّا يشغلها في ساعة ، ثمّ نفرض تلك المسافة ممتلئة وحركة ذلك المتحرّك بتلك القوّة فيها ، فلا محالة تكون في زمان أطول ؛ لأنّ الملاء الموجود في المسافة معاوق للمتحرّك عن الحركة فلنفرضه يقطعها في ساعتين ، ثمّ نفرض ملاء آخر أرقّ من الأوّل على نسبة زمان الحركة في الخلاء إلى زمانها في الملاء وهو النصف ، فتكون معاوقته نصف المعاوقة الأولى فيتحرّكها المتحرّك في ساعة ، لكنّ الملاء الرقيق معاوق أيضا فتكون الحركة مع المعاوق كالحركة بدونه ، وهو باطل.

وفيه نظر ؛ لأنّ نفس الحركة تقتضي زمانا ، والمعاوق الغليظ يقتضي زمانا غير الزمان الأوّل ، والمعاوق الرقيق إذا كان بقدر نصف المعاوق الغليظ يقتضي نصف ذلك الزمان الزائد ، لا نصف مجموع الزمانين حتّى يلزم تساوي زمان حركة ذي المعاوق - وهي التي في الملاء الرقيق - زمان حركة عديم المعاوق ، وهي التي في الخلاء ، بل تكون الحركات الثلاث على أنحاء ثلاثة.

وقد يمنع إمكان قوام يكون على نسبة زمان الخلاء إلى زمان الملاء ؛ لجواز انتهاء القوام في مراتب الرقّة إلى ما لا قوام أرقّ منه ، فتأمّل.

المسألة الحادية عشرة : في البحث عن الجهة.

المسألة الحادية عشرة : في البحث عن الجهة. (1)

قال : ( والجهة طرف الامتداد الحاصل في مأخذ الإشارة ).

ص: 290


1- الجهة - بالكسر - عند الحكماء تطلق على معنيين : أحدهما : أطراف الامتدادات ، وبهذا المعنى يقال : ذو الجهات الثلاث أو السبع ؛ إذ لا تنحصر الجهة بهذا المعنى في الستّ ، بل تكون أقلّ أو أكثر ، وتسمّى « مطلق الجهة ».

أقول : لمّا بحث عن المكان وكانت الجهة ملائمة له ؛ لكون كلّ واحد منهما مقصدا للمتحرّك الأيني حتّى ظنّ أنّهما واحد ، عقّبه بالبحث عنها ، وهي - على ما حكي (1) عن جماعة من الأوائل (2) - عبارة عن طرف الامتداد الحاصل في مأخذ الإشارة ؛ وذلك لأنّا نتوهّم امتدادا آخذا من المشير ومنتهيا إلى المشار إليه ، فذلك المنتهى هو طرف الامتداد الحاصل في مأخذ الإشارة ، وذلك الطرف بالنسبة إلى الحركة والإشارة يسمّى جهة ، وهو مقصد للمتحرّك بنحو الوصول إليه ، وأمّا المكان فهو مقصد للمتحرّك بالحصول فيه.

قال : ( وليست منقسمة ).

أقول : لمّا كانت الجهة عبارة عن الطرف لم تكن منقسمة ؛ لأنّ الطرف لو كان منقسما لم يكن الطرف كلّه طرفا ، بل نهايته تكون طرفا ، وهذا خلف ؛ ولأنّ المتحرّك إذا وصل إلى المقصد لم يخل إمّا أن لا يكون متحرّكا عن الجهة فلا يكون ما خلّف من الجهة ، أو يكون متحرّكا إليها فلا يكون المتروك من الجهة.

قال : ( وهي من ذوات الأوضاع المقصودة بالحركة للحصول فيها وبالإشارة ).

أقول : الجهة ليست أمرا مجرّدا عن الموادّ وعلائقها ، بل هي من ذوات الأوضاع التي تتناولها الإشارة الحسّيّة وتقصد بالحركة وبالإشارة ، فتكون موجودة ؛ لأنّ المعدوم لا يكون منتهى الإشارة الحسّيّة ومقصد المتحرّك للحصول فيه ، مع أنّ الجهة يقصد بالحركة الحصول فيها بمعنى الوصول إليها والقرب منها ؛ لأنّه المتعارف في التعبير ، فلا يرد أنّ الصواب أن يقال : « للوصول إليها » أو « القرب منها » كما في شرح القوشجي (3).

ص: 291


1- حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : 154.
2- منهم ابن سينا في « الإشارات والتنبيهات » ، راجع « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 167 ، وفي « شرح المواقف » 7 : 82 نسبه إلى الحكماء.
3- « شرح تجريد الاعتقاد » : 164.

وقوله : « للحصول فيها » إشارة إلى دفع دخل مقدّر ، وهو أنّ ما يقصد بالحركة قد يكون معدوما ، كالبياض الذي يتحرّك الجسم إليه من السواد ؛ فإنّه معدوم.

ووجه الدفع : أنّه مقصود لتحصيله ، لا للحصول فيه.

قال : ( والطبيعي منها فوق وسفل وما عداهما غير متناه ).

أقول : المراد أنّ الجهة على قسمين : طبيعي وغير طبيعي.

والطبيعي ما يكون بالطبع ويستحيل تغيّره وانتقاله عن هيئته وتبدّله.

وغير الطبيعي ما يمكن تغيّره ، فإنّ القدّام - مثلا - قد يصير خلفا ، وكذا اليمين واليسار يتبدّلان.

وأمّا الفوق والسفل فلا تغيّر فيهما بالفرض ؛ لأنّ القائم إذا صار منكوسا لم يصر ما يلي رأسه فوقا وما يلي رجله تحتا ، بل صار رأسه من تحت ورجله من فوق.

وهذه الجهات التي ليست طبيعيّة وتكون متبدّلة غير متناهية ؛ لأنّها أطراف الخطوط المفروضة وتلك الخطوط غير متناهية ؛ إذ يمكن أن يفرض في كلّ جسم امتدادات غير متناهية ويكون كلّ طرف منها جهة.

والحكم بأنّ الجهات ستّ مشهور لا أصل له ، وسبب الشهرة أنّ الإنسان يحيط به جنبان عليهما اليدان وظهر وبطن ورأس وقدم ، والجانب الأقوى يسمّى يمينا ، وما يقابله يسارا ، وما يحاذي وجهه قدّاما ، وخلافه خلفا ، وما يلي رأسه طبعا فوقا ، وما يقابله تحتا.

مضافا إلى أنّ كلّ جسم يمكن أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة متقاطعة على زوايا قوائم ، ولكلّ بعد طرفان ، فلكلّ جسم جهات ستّ. والتعيين بملاحظة ما ذكر.

ولا شكّ أنّ قيام بعض الامتدادات على بعض ممّا لا يجب في اعتبار الجهات ، فيمكن أن يفرض من في جسم واحد امتدادات غير متناهية ، فتكون الجهات التي ليست لطبيعة غير متناهية.

ص: 292

[ الفصل الثاني : في الأجسام ]

اشارة

قال : ( الفصل الثاني : في الأجسام وهي قسمان : فلكيّة وعنصريّة ، أمّا الفلكيّة فالكلّيّة منها تسعة : واحد غير مكوكب محيط بالجميع وتحته فلك الثوابت ، ثمّ أفلاك الكواكب السبعة السيّارة ، وتشتمل على أفلاك التداوير وخارجة المراكز ، والمجموع أربعة وعشرون ، وتشتمل على سبعة متحيّرة (1) وألف ونيّف وعشرين كوكبا ثوابت. والكلّ بسائط خالية من الكيفيّات الفعليّة والانفعاليّة ولوازمها ، شفّافة ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن مطلق الجوهر شرع في البحث عن جزئيّاته ؛ ليتحقّق النظر في ملكوت السماوات والأرض ، وبدأ بالجسم ؛ لأنّه أقرب من الجنس.

وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى : في البحث عن الأجسام الفلكيّة.

اعلم أنّ الأجسام تنقسم إلى قسمين :

الأوّل : البسيطة ، وهي ما لم يكن مركّبا من أجسام مختلفة الطبائع بحسب الحقيقة من الأفلاك والعناصر.

الثاني : المركّبة ، وهي ما كان مركّبا من أجسام مختلفة الطبائع ، وهي المواليد

ص: 293


1- في نسخة أخرى : « سيّارة » كما أشار المصنّف لذلك في نسخة الأصل.

الثلاثة ، أعني المعادن والنباتات والحيوانات.

والبسيطة على قسمين : فلكيّة وعنصريّة. والمراد من الفلكيّة الفلك وما فيه من الأجرام الأثيريّة والعوالم العلويّة.

والفلك جسم بسيط كرويّ مستدير محيط بالأجسام السفليّة قابل للحركة المستديرة الدائمة ، وبها يكون حافظا للزمان.

والحركة الفلكيّة تنقسم : تارة إلى البسيطة التي تسمّى متشابهة أيضا ، وإلى المختلفة.

والبسيطة حركة تحدث بها حول المركز في الأزمنة المتساوية زوايا متساوية باعتبار الخطوط الخارجة إلى المحيط بالنسبة إلى كلّ نقطة من نقاط الحركة.

وبعبارة أخرى : يحدث في المحيط بسببها قسيّ متساوية.

والمختلفة ما ليست كذلك.

وأخرى إلى المفردة والمركّبة. والمفردة ما يصدر من فلك واحد. والمركّبة ما يصدر من متعدّد. وكلّ مفردة بسيطة من غير عكس. وكلّ مختلفة مركّبة من غير عكس.

والفلك على قسمين : كلّيّ وجزئيّ. والكلّيّ ما كان مستقلاّ ولا يكون جزءا لفلك آخر ، والجزئيّ ما كان جزءا لفلك آخر.

والفلك الكلّيّ تسعة :

الأوّل : الفلك الأعظم ، وهو محيط بالجميع ؛ ولهذا يسمّى ب- « فلك الأفلاك » وهو غير مكوكب ليس فيه كوكب ؛ ولهذا يسمّى ب- « الفلك الأطلس » ؛ تشبيها له بالأطلس الخالي عن النقوش.

الثاني : فلك البروج ، ويسمّى « فلك الثوابت » لكون الكواكب الثوابت مركوزة فيه ، وهو تحت فلك الأفلاك.

الثالث : فلك الزحل.

ص: 294

الرابع : فلك المشتري.

الخامس : فلك المرّيخ.

السادس : فلك الشمس.

السابع : فلك الزهرة.

الثامن : فلك عطارد.

التاسع : فلك القمر.

والتعداد المشهور على العكس بالابتداء من فلك القمر ؛ لكونه أقرب ، ففلك الأفلاك على هذا يصير تاسعا. وهذه الأفلاك التسعة متوافقة المركز.

ووجه إثباتها - كما أفيد (1) - أنّهم وجدوا في بادئ الرأي جميع الكواكب متحرّكة بالحركة اليوميّة السريعة من المشرق إلى المغرب فأثبتوا لها فلكا ، ثمّ وجدوا بنظر أدقّ أنّ جميع الكواكب الثوابت متحرّكة بحركة واحدة بطيئة من المغرب إلى المشرق فأثبتوا لها فلكا آخر. وكذا وجدوا الكواكب السبعة السيّارة ذات حركات غريبة مختلفة غير متشابهة بقياس بعضها إلى بعض بحسب البطء والسرعة والرجوع والاستقامة ، فأثبتوا لكلّ منها فلكا آخر ، فصارت الأفلاك تسعة.

مضافا إلى إخبار الصانع بأنّ السماوات سبعة (2) ، وأنّه وسع كرسيّه السماوات والأرض (3) ، وأنّ الرحمن على العرش استوى (4) ، ولهذا لم يجوّز المشهور أن تكون أقلّ ، فتجويز كون الأقلّ ثمانية أو سبعة - كما عن المصنّف وغيره (5) - محلّ المناقشة.

ص: 295


1- أفاد ذلك القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 165.
2- كما في سور : البقرة (2) : 140 ؛ الإسراء (17) : 44 ؛ المؤمنون (23) : 86 ؛ فصّلت (41) : 12 ؛ الملك (67) : 3 ؛ نوح (71) : 15.
3- كما في سورة البقرة (2) : 255.
4- كما في سورة طه (20) : 5.
5- انظر : « شرح المقاصد » 3 : 139 - 140 ؛ « شرح المواقف » 7 : 80 - 81 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 318.

نعم ، في جانب الكثرة يمكن الزيادة ؛ لجواز أن يكون كلّ من الثوابت في فلك ، وأن تكون الأفلاك غير المكوكبة كثيرة.

وبالجملة ، فتلك الأفلاك الكلّيّة مشتملة على أفلاك أخرى جزئيّة تنفصل إليها تلك الأفلاك الكلّيّة ؛ بشهادة أحوال الكواكب من البطء والسرعة والرجعة والاستقامة والخسوف والكسوف والتشكّلات البدريّة والهلاليّة واختلاف أوضاعها المخصوصة ، كما أفاد بعض (1) علماء الهيئة حيث قال :

« إنّ الشمس لها فلكان متوازيا السطحين : أحدهما : الممثّل بفلك البروج ، مركزه مركز العالم ومنطقته على سطح منطقة البروج وهو فلكها الكلّيّ. وثانيهما : خارج المركز وهو في ثخن الممثّل مركزه غير مركز العالم ، ولكن منطقته أيضا على سطح منطقة البروج ، ويماسّ محدّباهما ومقعّراهما على نقطتين تسمّى النقطة المشتركة في المحدّب الأبعد عن الأرض أوجا ، والنقطة المشتركة في المقعّر الأقرب منها حضيضا. وإنّ هيئات أفلاك الكواكب العلويّة - أعني زحل والمشتري والمرّيخ وكذا فلك الزهرة من السفليّة مثل هيئة فلك الشمس من غير تفاوت إلاّ في أمرين :

أحدهما : أنّ لكلّ منها فلكا في ثخن خارج المركز ، كما أنّ الشمس في ثخن خارج المركز ، ويسمّى بفلك التدوير ، ويماسّ سطح الخارج المركز على نقطتين يسمّى الأبعد من الأرض ذروة والأقرب إليها حضيضا ، وكلّ من تلك الكواكب الأربعة مركوز في تدويره بحيث يماسّ على نقطة في سطحه.

وثانيهما : أنّ منطقة خارج مركز تلك الكواكب ليست على سطح منطقة البروج ، بل تقاطعها على نقطتين متقاطرتين بكونهما على طرفي قطر من أقطار فلك البروج ، ويسمّى خارج المركز في غير الشمس بالفلك الحامل وأنّ هيئة فلك عطارد تتفاوت عن هيئات أفلاك الكواكب الأربعة في أمرين :

ص: 296


1- لعلّه بطلميوس. راجع « شرح الإشارات » 3 : 213 وما بعدها ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 :1. 1291.

أحدهما : أنّه يسمّى الفلك الذي يكون الحامل في ثخنه مديرا ، ومركزه غير مركز العالم ، ومنطقته في غير سطح منطقة البروج ، وهو مع الحامل في سطح واحد.

وثانيهما : أنّ لعطارد فلكا آخر يكون المدير في ثخنه مثل كون الحامل في ثخن المدير في تماسّ المحدّبين على نقطة مشتركة ، وكذا المقعّران. ومركزه مركز العالم ، ومنطقته على سطح منطقة البروج ، ويسمّى هذا الفلك ممثّلا لعطارد. وأنّ هيئة فلك القمر كهيئة أفلاك الكواكب الأربعة من غير تفاوت إلاّ في أمرين أيضا :

أحدهما : أنّ للقمر فلكا يكون الحامل في ثخنه ، ليس منطقته على سطح منطقة البروج ، بل مائلة عنه ، ويكون مع الحامل في سطح واحد ؛ ولهذا يسمّى ذلك الفلك بالفلك المائل.

وثانيهما : أنّ للقمر فلكا آخر متوازي السطحين محيطا بفلك يكون الحامل في ثخنه ، ومركزه مركز العالم ، ومنطقته على سطح منطقة البروج ، ويسمّى جوزهرّا ».

والحاصل : أنّ الشمس لها فلكان : الممثّل ، وخارج المركز. والقمر له أربعة أفلاك : الجوزهرّ والمائل والحامل والتدوير. وزحل والمشتري والمرّيخ والزهرة لكلّ واحد منها ثلاثة أفلاك : الممثّل والحامل والتدوير. وعطارد له أربعة أفلاك : الممثّل والمدير والحامل والتدوير ، فالمجموع مع الفلكين العظيمين أربعة وعشرون فلكا.

فظهر أنّ الأفلاك الكلّيّة غير الفلكين العظيمين منفصلة إلى أفلاك جزئيّة بعضها التداوير ، وبعضها خارجة المراكز ، وبعضها غيرهما ، والمجموع أربعة وعشرون على ما ذكره المصنّف.

وأورد عليه الشارح القوشجي (1) : أوّلا : بأنّ كلامه صريح في أنّ الأفلاك الجزئيّة إنّما تكون تداوير وخارجة المركز ، وهذا خطأ ؛ فإنّ من الأفلاك الجزئيّة للقمر جوزهرّا ومائلا وهما فلكان موافقا المركز.

ص: 297


1- « شرح تجريد العقائد » : 167.

وثانيا : أنّ عدد الأفلاك - على ما هو المشهور - ترتقي إلى خمسة وعشرين ؛ لأنّ لكلّ من المتحيّرة مع القمر تدويرا واحدا فالتداوير ستّة ، ولكلّ من السيّارة فلكا خارج المركز سوى عطارد فإنّ له فلكين خارجي المركز فالأفلاك الخارجة المركز ثمانية ، وللقمر فلكان آخران موافقا المركز على ما مرّ ، فعدد الأفلاك الجزئيّة تصير ستّة عشر ، وهي مع الأفلاك الكلّيّة التسعة ترتقي إلى خمسة وعشرين.

نعم ، لو لم يجعلوا الكرة المحيطة بالمائل فلكا برأسه بل جعلوها مع المائل فلكا واحدا تعلّق به نفس تحرّكه بحركة الجوزهرّين ، كانت تلك الكرة جزءا من الفلك ، كالمتمّمات غير معدودة في عداد الأفلاك ، وكان عداد الأفلاك على ما ذكره أربعة وعشرين ، إلاّ أنّ أصحاب هذا الفنّ قاطبة صرّحوا بأنّ الفلك الأوّل من أفلاك القمر هو الفلك الممثّل ويسمّى بالجوزهرّ أيضا ، محدّبه مماسّ لمقعّر فلك عطارد ، ومقعّره لمحدّب الفلك الثاني من أفلاكه ، ويسمّى بالفلك المائل ، فتلك الكرة يجب أن تعدّ من أفلاك القمر وليست فلكا كلّيّا ، وإلاّ لكان المائل أيضا فلكا كلّيّا فيصير عدد الأفلاك الكلّيّة عشرة ، وهو خلاف ما ذهبوا إليه ، فهو من الأفلاك الجزئيّة ويلزم ما ذكرنا.

ومايقال : من أنّ إثبات الأفلاك على الوجه المخصوص مبنيّ على نفي القادر المختار وعدم تجويز الخرق والالتئام على الأفلاك ، وأنّها لا تشتدّ في حركاتها ولا تضعف ، ولا يكون لها رجوع ولا انعطاف ولا وقوف ولا اختلاف حال غيرها ، بل تكون أبدا متحرّكة حركة بسيطة في الجهة التي تتحرّك إليها إلى غير ذلك من المسائل الطبيعيّة التي بعضها مخالف للشرع ؛ إذ لولاها لأمكن أن يقال : إنّ القادر المختار بحسب إرادته يحرّك تلك الأفلاك على النظام المشاهد (1).

فمدفوع : أوّلا : بأنّ أكثر مسائل هذا الفنّ ودلائله مقدّمات حدسيّة يجزم العقل

ص: 298


1- انظر : « شرح المقاصد » 3 : 169 - 170.

بثبوتها ، مثلا : مشاهدة التشكّلات البدريّة والهلاليّة على الوجه المرصود توجب اليقين بأنّ نور القمر مستفاد من نور الشمس ، وأنّ الخسوف إنّما هو بسبب حيلولة الأرض بين الشمس والقمر ، وأنّ الكسوف إنّما هو بسبب حيلولة القمر بين الشمس والإبصار مع القول بثبوت القادر المختار ، بمعنى أنّ ما ذكر تحقّق بجعل الواجب تعالى وصنعه على وجه الاختيار.

وثانيا : أنّ المراد أنّه يمكن أن يكون الأمر على الوجه المذكور ، وما تنضبط به أحوال الكواكب على ما سطر في علم الهيئة وإن أمكن أن يكون على الوجه الآخر أيضا ، ولكن مقتضى الحدس أن يكون على الوجه المذكور.

ثمّ اعلم أنّ الأفلاك لها أحوال :

منها : أنّها تشتمل على كواكب غير محصورة ، ولكن أهل الرصد توهّموا ثماني وأربعين صورة لكواكب رصدوها وعيّنوا مواضعها طولا وعرضا ، وهي سبعة سيّارة ، منها خمسة متحيّرة ، أعني ما عدا الشمس والقمر من الكواكب السبعة السيّارة ؛ لكون حركتها تارة على الاستقامة وأخرى على الرجعة فكأنّها متحيّرة ، بخلاف الشمس والقمر فإنّ حركتهما دائما على التوالي وطريقة واحدة. وتلك الكواكب في أفلاك سبعة أو خمسة - على اختلاف النسخة - على وجه سبق إليه الإشارة ، وما عداها ثوابت عيّنوها في فلك البروج ، وهي ألف واثنان وعشرون - أو خمسة وعشرون - كوكبا كما ذكر وإن كان النيّف أعمّ ؛ لكونه عبارة عمّا بين الواحد والعشرة إجمالا.

ومنها : أنّ الأفلاك كلّها بسائط غير مركّبة من أجسام مختلفة الطبائع بحسب الحقيقة ، وإلاّ لكان أجزاؤها المختلفة الطبائع قابلة للانتقال إلى أحيازها الطبيعيّة بالحركة المستقيمة ، وما يقبل الحركة المستقيمة فإنّه متّجه الى جهة وتارك للأخرى ، وتقدّم الجزء على الكلّ يستلزم تقدّم الجهات على الفلك ، فيلزم أن تكون الجهات متحدّدة قبل الفلك مع أنّها متحدّدة بالفلك الأعظم.

ص: 299

و أورد عليه أوّلا : بجواز كون المواضع الطبيعيّة للبسائط متجاورة بحيث يكون الكلّ في أحيازها الطبيعيّة.

ولو سلّم أنّها خرجت حال التأليف عن أحيازها الطبيعيّة ، فلم لا يجوز أن تكون أحيازها الطبيعيّة مع أحيازها التي هي فيها حال التأليف متساوية البعد عن مركز العالم ، وينتقل إليها بالحركة المستديرة لا بالحركة المستقيمة حتّى يلزم تحدّد الجهات قبلها؟ (1)

وثانيا : بأنّه لو تمّ لدلّ على بساطة الفلك الأعظم المحدّد للجهات دون سائر الأفلاك ، كما هو المدّعى (2).

وقد يستدلّ بأنّ كلّ مركّب يتطرّق إليه الانحلال ، والفلك لا يتطرّق إليه الانحلال في هذه المدّة المتطاولة ، فيكون بسيطا (3).

وفيه نظر ظاهر.

ومنها : أنّ الأفلاك خالية من الكيفيّات الفعليّة وهي الحرارة والبرودة ، والانفعاليّة وهي الرطوبة واليبوسة ، ولوازمها كالخفّة والثقل والتخلخل والتكاثف ، وإلاّ لزم قبولها للحركة المستقيمة ؛ لأنّها من مقتضيات تلك الكيفيّات مع أنّها متحرّكة بالاستدارة بدلالة الأرصاد ، فيلزم وجود الميلين المتنافيين.

مضافا إلى أنّه يلزم تحدّد الجهات قبل الفلك ، وأنّ الأفلاك لو كانت حارّة لكانت في غاية الحرارة ؛ لبساطة المادّة وعدم العائق ، فيجب كون الهواء العالي في غاية السخونة مع أنّه أبرد من الهواء الملاصق لوجه الأرض بالضرورة ، وكذا لو اقتضت البرودة لبلغت الغاية وجمدت العناصر فما يتكوّن شيء من الحيوان.

وفي الكلّ نظر ظاهر ، وغفلة عن قدرة الجبّار القهّار القادر.

ص: 300


1- أورده القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 167.
2- نسب القوشجي هذا الإيراد إلى القيل ، كما في « شرح تجريد العقائد » : 168.
3- انظر : « شرح المواقف » 7 : 87.

ومنها : أنّ الافلاك شفّافة ؛ لأنّها بسائط.

ونقض بالقمر ، ولأنّها غير حاجبة عمّا وراءها ؛ فإنّا نبصر الثوابت وهي في الفلك الثامن.

وردّ : بأنّه - مع أنّه لا يتمّ في الفلك الأعظم ، وينحصر في غيره - ظنّي لا يفيد اليقين ؛ لجواز صفائها ؛ فإنّ الصفيف غير حاجب كما في البلّور (1).

ومنها : أنّ الفلك محدّد للجهات ؛ لأنّ تحدّد الجهات ليس في خلاء لاستحالته ، ولا ملاء متشابه لا توجد فيه أمور متخالفة بالطبع وإلاّ لما كانت إحدى الجهتين مطلوبة والأخرى متروكة ، كما نشاهد في النار والهواء فإنّهما طالبان بالطبع للفوق وهاربان عن التحت ، وفي الأرض والماء فإنّهما بعكس النار والهواء. فإذن تحدّد الجهات في أطراف ونهايات خارجة عن الملاء المتشابه فيكون بجسم كرويّ ، وإلاّ لا تتحدّد به جهة السفل ؛ لأنّها عبارة عن غاية البعد عن جهة الفوق ، وغير الكرويّ لا تتحدّد به غاية البعد ، وإلاّ لتبدّلت جهة السفل بالنسبة إلى ما هو أبعد فصارت فوقا بالقياس إلى ذلك الأبعد ، فتأمّل.

ومنها : أنّ الفلك لا يقبل الكون والفساد والخرق والالتئام ، وإلاّ لزم كون حركته بالاستقامة ، والفلك لا يقبل الحركة المستقيمة ، مضافا إلى لزوم اختلاف الأجزاء في الحركة ، فبعضها إلى جهة وبعضها إلى أخرى ، ولا يتصوّر ذلك في البسيط الذي لا قاسر فيه.

وفيه أوّلا : أنّه لو تمّ لتمّ في الفلك الأعظم خاصّة.

وثانيا : أنّ مشيئة اللّه من جهة المعجزة قاسرة ، وهو على ذلك قادر على ما يشاء كما أنّه قادر على الإيجاد من كتم العدم ، فافهم.

ومنها : أنّ الفلك يتحرّك على الاستدارة دائما كما هو المشاهد بالعيان ومعلوم

ص: 301


1- انظر : « كشف المراد » : 158.

بالرصد بمعنى أنّ له الحركة الوضعيّة ، لا مثل حركة الجوّالة ؛ فإنّها تسمّى مستديرة عرفا لا اصطلاحا ، بل هي في الحقيقة حركة أينيّة للجوّالة يتوهّم منها الاستدارة.

واستدلّ على ذلك بأنّ الحركة المستقيمة إلى غير النهاية تقتضي وجود بعد غير متناه ، وهو محال ، وبالرجوع تقتضي السكون فتكون مستديرة ، وهي حافظة للزمان ، بمعنى أنّ الزمان مقدار لها ومنتزع منها كما سيأتي ، فتكون دائمة غير منقطعة لئلاّ يلزم انقطاع الزمان ، فتأمّل.

ومنها : أنّ الفلك يتحرّك بالإرادة. وتمسّكوا فيه بأنّ الحركة إمّا طبيعيّة أو قسريّة أو إراديّة. والحركة الطبيعيّة هرب عن حالة منافرة وطلب لحالة ملائمة ، وذلك في الحركة المستديرة محال ؛ لأنّ كلّ وضع يتحرّك عنه الجسم بتلك الحركة فحركته عنه توجّه إليه ، والهرب عن الشيء استحال أن يكون توجّها إليه ، مع أنّها تستلزم السكون بعد الوصول إلى المطلوب ، ولا يجوز أن تكون حركة الفلك قسريّة ؛ لأنّ القسر على خلاف ميل يقتضيه الطبع ، وحيث لا طبع ولا قسر فتعيّن كونها إراديّة.

وفيه نظر ؛ لجواز كونها بمشيئة اللّه تعالى للمصلحة من غير ميل الطبيعة والإرادة.

ثمّ اعلم أنّ صور دوائر كرة العالم والأفلاك الكلّيّة والجزئيّة مسطورة هنا لسهولة الأمر على الطلبة ، وهي هذه :

ص: 302

الصورة

ص: 303

الصورة

ص: 304

المسألة الثانية : في العنصريّات والبحث عن العناصر البسيطة.

قال : ( وأمّا العناصر البسيطة فأربعة : كرة النار ، والهواء ، والماء ، والأرض. واستفيد عددها من مزاوجات الكيفيّات الفعليّة والانفعاليّة ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الأجرام الفلكيّة ، شرع في البحث عن الأجسام العنصريّة.

اعلم أنّ العنصريّات على قسمين : بسيط ومركّب.

والبسيط أربعة : الأوّل : كرة النار التي هي أقربها إلى الفلك. الثاني : الهواء. الثالث : الماء. الرابع : الأرض.

ووجه عدم زيادة لفظ « الكرة » في الثلاثة الأخيرة : أنّ غير النار خرجت عمّا تقتضيه طبائعها من الكرويّة الحقيقيّة ، من جهة نحو التلال والجبال والأنهار في الأرض ، وإخراج ربع الأرض من الماء وارتفاع الأدخنة في الهواء ، فتكون الثلاثة معطوفة على « كرة النار » لا على « النار ».

ويمكن اعتبار الكرويّة الحسّيّة بناء على عدم قدح ما ذكرنا فيها ، فتكون معطوفة على « النار » ولهذا يقال : إنّ هذه الأربعة كرات ينطبق بعضها على بعض لبساطتها ، ولذا يكون خسوف القمر في وقت معيّن في بعض البلاد ولا يكون في بلد يخالفه في الطول في ذلك الوقت بعينه ، والسائر على خطّ من خطوط نصف النهار إلى الجانب الشمالي يزداد عليه القطب الشمالي وينخفض الجنوبي وبالعكس ، ونحو ذلك من الآثار الدالّة على الكرويّة.

وكيف كان فالعنصر في اللغة العربيّة بمعنى الأصل كالأسطقس في اللغة اليونانيّة.

وهذه الأربعة من حيث إنّها تتركّب منها المركّبات تسمّى أسطقسّات ، ومن حيث إنّها تنحلّ إليها المركّبات تسمّى العناصر ، ومن حيث إنّها ممّا يحصل بنضدها عالم الكون والفساد تسمّى أركانا ، ومن حيث إنّها ينقلب كلّ منها إلى الآخر تسمّى أصول

ص: 305

الكون والفساد.

ووجه انحصار عدد العناصر والبسائط في الأربعة : الاستقراء ؛ فإنّهم وجدوا العناصر بطريق التركيب والتحليل أنّها لا تخلو عن برودة وحرارة ورطوبة ويبوسة ، ولم يجدوا ما يشتمل على واحدة منها فقط ، ولم يمكن اجتماع الأربعة والثلاثة ؛ للتضادّ بين الحرارة والبرودة ، وبين الرطوبة واليبوسة ، فتعيّن اجتماع اثنتين من الكيفيّات الأربع في كلّ بسيط عنصريّ بازدواج كيفيّة من الكيفيّتين الفعليّتين ، أعني الحرارة والبرودة ، بمعنى اجتماعها مع كيفيّة أخرى من الكيفيّتين الانفعاليّتين ، أعني الرطوبة واليبوسة - كما سيأتي وجه التسمية في الأعراض - بمعنى أنّ العنصر إمّا حارّ أو بارد ، وعلى التقديرين إمّا رطب أو يابس ، فاليابس الحارّ هو النار ولهذا طلبت العلو والمحيط ، والرطب الحارّ هو الهواء ، والبارد الرطب هو الماء ، والبارد اليابس هو الأرض ولهذا طلبت المركز.

وعلى هذا فلا يرد أنّه يجوز أن يكون فيما غاب عنّا عنصر خال عن الكيفيّات الأربع أو مشتمل على واحدة منها فقط.

وكيف كان فلها أحوال مشتركة ومختصّة :

منها : أنّ كلّ واحد منها يخالف الآخر في الصورة النوعيّة ، وإلاّ لشغل حيّز الآخر بالطبع ، والتالي باطل ؛ إذ كلّ واحد منها يهرب بطبعه عن حيّز غيره بالعيان.

ومنها : ما أشار إليه المصنّف حيث قال : ( وكلّ منها ينقلب إلى الملاصق وإلى الغير بواسطة أو بوسائط ).

أقول : المراد أنّ كلّ واحد من هذه العناصر الأربعة ينقلب إلى الآخر إمّا ابتداء وبلا واسطة أو بواسطة واحدة أو زائدة ، فالصور اثنتا عشرة حاصلة من مقايسة كلّ من الأربعة مع الثلاثة الباقية ، فستّة منها لا واسطة فيها ، وهي انقلاب الأرض ماء وبالعكس ، والماء هواء وبالعكس ؛ والهواء نارا وبالعكس.

وأمّا الستّة الباقية فبعضها يحصل بواسطة واحدة ، كانقلاب الأرض هواء

ص: 306

وبالعكس ، والماء نارا وبالعكس. وبعضها يحصل بواسطتين ، وهو انقلاب الأرض نارا وبالعكس.

وعن الشيخ (1) أنّ الصاعقة تتولّد من أجسام ناريّة فارقتها السخونة وصارت لاستيلاء البرودة على جوهرها متكاثفة تنقلب النار إلى الأرض بلا واسطة أيضا ، كما يقال : إنّ النار القويّة تجعل الأجزاء الأرضيّة نارا.

نعم ، الغالب انقلاب العنصر إلى ملاصقه ابتداء وإلى البعيد بواسطته.

ويشهد على الانقلاب ما نشاهد من صيرورة النار هواء عند الانطفاء في المصباح ، فإنّ ما ينفصل من شعلته لو بقيت لرئيت ولأحرقت سقف الخيمة ؛ وصيرورة الهواء نارا عند إلحاح النفخ في كير الحدّادين إذا سدّت المنافذ التي يدخل فيها الهواء الجديد ؛ وصيرورة الهواء ماء لشدّة البرودة ، كما يرى في قلل الجبال من غير سحاب ، وفي الطاس المكبوب على الجمد ؛ فإنّه تركبه قطرات الماء ونحو ذلك ؛ والماء هواء بالحرّ ، كما في غليان القدر والثوب المبلول المطروح في الشمس ؛ وصيرورة الماء حجرا يقرب منه في الحجم ، كما يعاين في قرية من قرى « مراغة » من بلاد آذربايجان ؛ لانقلاب مائه حجرا مرمرا ؛ وصيرورة الحجر بالحيل الإكسيريّة ماء ، فقد يقال : إنّ أرباب الإكسير يتّخذون مياها حارّة ويحلّون فيها أجسادا صلبة حجريّة حتّى تصير مياها جارية.

قال : ( فالنار حارّة يابسة شفّافة متحرّكة بالتبعيّة ، لها طبقة واحدة وقوّة على إحالة المركّب إليها ).

أقول : هذا بيان للأحوال المختصّة بالنار ، وهي ستّ :

الأولى : أنّها حارّة بشهادة الحسّ في النار الموجودة عندنا ، فالنار الصرفة الخالية عن العائق بطريق أولى ؛ لوجود الطبيعة من غير مخالطة بما يتكيّف بالبرودة.

ص: 307


1- « الشفاء » الطبيعيّات : 70 - 71 ، الفصل الخامس من المقالة الثانية من الفنّ الخامس.

الثانية : أنّها يابسة بشهادة الحسّ أيضا إن أريد باليبوسة ما لا يلتصق بغيره. وإن أريد ما يعسر به تشكّله بالأشكال الغريبة ، فالنار غير يابسة.

الثالثة : أنّها شفّافة ، وإلاّ لحجبت الأبصار عن إبصار الثوابت.

الرابعة : أنّها متحرّكة بتبعيّة حركة الفلك بدلالة حركة ذوات الأذناب حركة بطيئة فيما بين المشرق والشمال ، وبالحركة اليوميّة أيضا.

الخامسة : أنّها ذات طبقة واحدة ؛ لقوّتها على إحالة ما يمازجها لو فرض الممازجة ، فلا يوجد في مكانها غيرها.

السادسة : أنّ لها قوّة على إحالة المركّب إليها - ولو غالبا - كما هو المعلوم بالمشاهدة ، فعدم انفعال الحيوان المسمّى بسمندر بتأثير النار غير ضارّ.

قال : ( والهواء حارّ رطب شفّاف له أربع طبقات ).

أقول : هذا بيان للأحوال المختصّة بالهواء ، وهي أربع :

الأولى : أنّه حارّ ، له الكيفيّة الفعليّة ، كما عن الأكثر ؛ لأنّ الماء بالتسخين يصير هواء ، وإحساس البرودة من الهواء المجاور لأبداننا من جهة امتزاج الأبخرة المائيّة.

الثانية : أنّه رطب ، له الكيفية الانفعاليّة ، بمعنى سهولة قبول الأشكال ، لا بمعنى البلّة.

الثالثة : أنّه شفّاف ؛ إذ لا يمنع نفوذ الشعاع فيه ولا يحجب عمّا وراءه.

الرابعة : أنّه ذو طبقات أربع :

الأولى : طبقة ما يمتزج مع النار ، وهي التي تتلاشى فيها الأدخنة المرتفعة عن السفل وتتكوّن فيه الكواكب ذوات الأذناب وما يشبهها.

الثانية : طبقة الهواء الغالب ، وهي التي تحدث فيها الشهب.

الثالثة : طبقة الهواء البارد الممتزج بالأجزاء المائيّة ولا يصل إليها أثر شعاع الشمس بالانعكاس من وجه الأرض ، وتسمّى طبقة زمهريريّة ، وهي منشأ السحب والرعد والبرق والصاعقة.

ص: 308

الرابعة : طبقة الهواء الكثيف الذي يصل إليه أثر الشعاع ، ويستفيد كيفيّة البرد من مخالطة الأجزاء المائيّة ولا يبقى على صرافة برودتها المكتسبة منها ؛ لوصول أثر شعاع الشمس إليه بالانعكاس.

قال : ( والماء بارد رطب شفّاف محيط بثلاثة أرباع الأرض تقريبا ، له طبقة واحدة ).

أقول : هذا بيان لأحوال الماء ، وهي خمس :

الأولى : أنّه بارد بشهادة الحسّ عند زوال المسخّنات الخارجة ، ولا خلاف في ذلك ، ولكنّهم اختلفوا في أنّ الماء أبرد ؛ للحسّ من الأرض ، أو الأرض أبرد ؛ لأنّها أكثف وأبعد من المسخّنات والحركة الفلكيّة.

الثانية : أنّه رطب بمعنى البلّة وسهولة التشكّل معا.

وقيل : إنّه يقتضي الجمود ؛ لأنّه بارد بالطبع ، والبرد يقتضي الجمود ، وإنّما عرض السيلان له بسبب سخونة الأرض والهواء ، ولو خلّي وطبعه ، لاقتضى الجمود ، فتأمّل.

الثالثة : أنّه شفّاف ؛ لأنّه مع صرافته لا يحجب عمّا وراءه.

الرابعة : أنّه محيط بأكثر الأرض وهو ثلاثة أرباعها تقريبا بمقتضى تعادل العناصر وإحاطتها.

الخامسة : أنّه ذو طبقة واحدة ، وهو البحر المحيط.

قال : ( والأرض باردة يابسة ساكنة في الوسط شفّافة ، لها ثلاث طبقات ).

أقول : هذا بيان لأحكام الأرض ، وهي خمسة :

الأوّل : أنّها باردة ؛ لأنّها كثيفة ، ولأنّها لو خلّيت وطباعها ولم تسخّن بسبب غريب ، ظهر عنها برد محسوس.

الثاني : أنّها يابسة بشهادة الحسّ.

الثالث : أنّها ساكنة في الوسط خلافا لمن زعم أنّها متحرّكة إلى السفل ، ومن زعم أنّها متحرّكة إلى العلو ، ومن زعم أنّها متحرّكة بالاستدارة.

ص: 309

والحقّ خلاف ذلك كلّه ، وإلاّ لما وصل الحجر المرميّ إليها إن كانت هاوية ، ولما نزل الحجر المرميّ إلى فوق إن كانت صاعدة ، ولما سقط على الاستقامة إن كانت متحرّكة على الاستدارة.

وأشار بقوله : « في الوسط » إلى الردّ على من زعم أنّها ساكنة بسبب عدم تناهيها من جانب السفل. ووجه الردّ أنّ الأجسام متناهية.

الرابع : أنّها شفّافة ، وفاقا لجماعة ذهبوا إلى أنّها بسيطة.

وأورد (1) عليه بأنّ الحكم بأنّ الأرض شفّافة يوجب الحكم بأن لا يقع خسوف أصلا ؛ لاقتضائه نفوذ شعاع الشمس في الأرض ، فأيّ شيء يحجب نورها من القمر؟ والحمل على ما لا لون له ولا ضوء خلاف الاصطلاح.

الخامس : أنّ لها طبقات ثلاثا :

الأولى : الأرض المخالطة لغيرها التي تتولّد منها الجبال والمعادن وكثير من النباتات والحيوانات.

الثانية : الطبقة الطينيّة.

الثالثة : الطبقة الصرفة ، وهي الأرض المحضة المحيطة بالمركز. ويشهد عليه الاستقراء والتدبّر ، فتدبّر.

المسألة الثالثة : في البحث عن المركّبات.

قال : ( وأمّا المركّبات فهذه الأربعة أسطقسّاتها ).

أقول : المركّب على قسمين :

الأوّل : الناقص ، وهو الذي لم تكن له صورة نوعيّة تحفظ تركيبه.

الثاني : المركّب التامّ ، وهو الذي له صورة نوعيّة تحفظ تركيبه سواء كان غير ذي

ص: 310


1- الإيراد للقوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 173.

نشوء ونموّ وهو المعادن والجمادات ، أو ذا نشوء من غير حسّ وحركة وهو النباتات ، أو ذا نشوء وحسّ وحركة وهو الحيوانات. وهي المواليد الثلاثة (1).

والمركّب غير التامّ على أقسام ذكرها مع سببها بعض (2) الحكماء العظام :

منها : السحاب والمطر ونحوه ، وسبب حدوثهما - على ما أفاد - أنّ الأجزاء الهوائيّة الممزوجة مع المائيّة الصغيريّة غير المحسوسة المسمّاة بالبخار إذا صعدت بالحرارة إلى الطبقة الزمهريريّة تبقى باردة فتصير متكاثفة ، فإن لم يكن البرد قويّا اجتمع ذلك البخار وتقاطر ، للثقل الحاصل من التكاثف والانجماد ، فالمجتمع هو السحاب ، والمتقاطر هو المطر. وإن كان البرد قويّا ، فإن وصل قبل اجتماع أجزاء السحاب نزل ثلجا وإلاّ نزل بردا. وأمّا إذا لم يصل البخار إلى الطبقة الباردة الزمهريريّة ؛ لقلّة حرارته الموجبة للصعود ، فإن كان كثيرا فقد ينعقد سحابا ماطرا إذا أصابه برد ، وقد لا ينعقد ويسمّى ضبابا. وإن كان قليلا فإذا ضربه برد الليل ، فإن لم ينجمد فهو الطلّ ، وإن انجمد فهو الصقيع ، ونسبته إلى الطلّ كنسبة الثلج إلى المطر.

ومنها : الرعد والبرق ، وسببهما أنّ الدخان - الذي هو أجزاء ناريّة تخالطها أجزاء صغار أرضيّة تلطّفت بالحرارة - إذا ارتفع واحتبس فيما بين السحاب ، فما صعد إلى العلو لبقاء حرارته أو نزل إلى السفل لزوالها يمزّق السحاب تمزيقا عنيفا فيحصل صوت هائل هو الرعد ، وإن اشتعل الدخان لما فيه من الدهنيّة بالحركة العنيفة المقتضية للحرارة كان برقا إن كان لطيفا وينطفئ بسرعة ، وصاعقة إن كان غليظا ولا ينطفئ حتّى يصل إلى الأرض ، فربما يصير لطيفا ينفذ ولا يحرق ، وربّما كان كثيفا غليظا فيحرق كلّ شيء أصابه ويدكّ الجبل دكّا.

ومنها : الرياح ، فقد تكون بسبب تموّج الهواء الحاصل من اندفاع السحاب الثقيل

ص: 311


1- وعلى ذلك يكون المقصود من المواليد الثلاثة : المعدن والنبات والحيوان.
2- هو أثير الدين المفضّل بن عمر الأبهري في « الهداية الأثيرية » ، انظر : « شرح الهداية الأثيرية » للميبدي : 119 - 126 ، الفصل الثاني من الفنّ الثالث في العنصريّات.

الموجب لتحرّك الهواء. وقد تكون لاندفاع يعرض بسبب تراكم السحب وتزاحمها وانتقالها من جهة إلى أخرى. وقد تكون لانبساط الهواء بالتخلخل واندفاعه من جهة إلى أخرى ، وكذا تكاثف الهواء الموجب لذلك. وقد تكون بسبب برد الدخان المتصاعد إلى الطبقة الزمهريريّة ونزوله.

وأمّا السموم المتكيّف بكيفيّة سمّيّة فهو لاحتراقه في نفسه بالأشعّة ، أو باختلاطه ببقيّة مادّة الشهب ، أو لمروره بالأرض الحارّة جدّا كالكبريتيّة.

وقد تحدث رياح مختلفة الجهة فترفع الأجزاء الأرضيّة ، فتنضغط بينها كأنّها تلتوي على نفسها وهي الأعصار.

ومنها : قوس قزح (1) ، وسببها ارتسام ضوء الشمس في أجزاء رشّية صغيرة صيقليّة متقاربة غير متّصلة مستديرة ، موجبة لانعكاس الشعاع البصري عن كلّ منها إلى الشمس ، فيرى ضوؤها ولونها دون شكلها إذا كان وراء تلك الأجزاء جسم كثيف كالجبل ، واختلاف ألوانها بسبب اختلاط ضوء النيّر وألوان الغمام المختلفة.

ومنها : الهالة ، وسببها ارتسام ضوء النيّر في أجزاء صغيرة صيقليّة غير متقاربة غير متّصلة مستديرة حول النيّر ، على وجه ينعكس الشعاع البصري من كلّ منها إلى النيّر ويرى ضوؤه من كلّ من تلك الأجزاء دون شكله ، وتدلّ على المطر قريبا أو بعيدا.

ومنها : الشهب ، وسببها أنّ الدخان إذا بلغ حيّز النار وكان لطيفا غير متّصل بالأرض اشتعل فيه النار فانقلب إلى النار ، وتلهّبت من طرفه العالي بسرعة حتّى يرى كالمنطفئ من جهة استحالة الأجزاء الأرضيّة نارا صرفة.

ومنها : الزلزلة وانفجار العيون ، وسببها أنّ البخار إذا احتبس في الأرض يميل إلى جهة ويتبرّد بها فينقلب مياها مختلطة بأجزاء أرضيّة فإذا كثر البخار بحيث لا تسعه

ص: 312


1- وينشأ في السماء أو على مقربة من مسقط الماء من الشلاّل ونحوه ، ويكون من ناحية الأفق المقابلة للشمس وترى فيه ألوان الطيف متتابعة ، وسببه انعكاس أشعّة الشمس من رذاذ الماء المتطاير من ماء المطر ، أو من مياه الشلاّلات وغيرها من مساقط الماء المرتفعة.

الأرض أوجب انشقاق الأرض وانفجار العيون. وإذا غلظ البخار بحيث لا ينفذ في مجاري الأرض - أو كانت الأرض كثيفة عديمة المسامّ ، - اجتمع طالبا للخروج ولم يمكنه النفوذ فزلزلت الأرض. ومقتضى ما ورد من الأخبار غير ذلك.

ولعلّ سبب عدم ذكر المصنّف لتلك الأقسام عدم الاعتماد بكونها من الأسباب المذكورة ، كما يستفاد من الأدلّة الشرعيّة فتأمّل.

وأمّا المركّب التامّ فهو يحصل من هذه العناصر الأربعة باعتبار الكيفيّات الأربع - أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة - بشهادة الاستقراء ، فكانت الأسطقسّات هذه العناصر الأربعة لا غير ، وهذه العناصر من حيث هي أجزاء العالم تسمّى أركانا ، ومن حيث إنّها تركّب عنها المركّبات من المعادن والنبات والحيوانات تسمّى أسطقسّات.

قال : ( وهي حادثة عند تفاعل بعضها في بعض ).

أقول : المركّبات عند محقّقي الأوائل (1) تحدث عند تفاعل هذه العناصر الأربعة بعضها في بعض بكيفيّاتها المختلفة ، فتحصل - ولو بالإفاضة من المبدأ - الكيفيّة المتوسّطة المتشابهة المسمّاة بالمزاج ، وذلك لا يتمّ إلاّ بالحركة المسبوقة بالزمان فتكون حادثة.

ومعنى تشابه الكيفيّة المزاجيّة أنّ الحاصل في كلّ جزء من أجزاء الممتزج يماثل الحاصل في الجزء الآخر ويساويه في الحقيقة النوعيّة من غير تفاوت إلاّ بالمحلّ ، حتّى أنّ الجزء الناريّ كالجزء المائيّ في الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة وكذا الهوائيّ والأرضيّ.

ومعنى توسّطها أن تكون أقرب إلى كلّ من الكيفيّتين المتقابلتين ممّا يقابلهما بسبب انكسار سورة الحرارة - مثلا - بسورة البرودة ، كما في صورة امتزاج الماء

ص: 313


1- منهم الشيخ الرئيس في « الإشارات والتنبيهات » ، راجع « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 275 - 281.

الحارّ بالبارد ، بمعنى أنّه يتسخّن بالقياس إلى البارد ويستبرد بالقياس إلى الحارّ.

وحكي عن بعض الحكماء (1) مثل انكساغورس (2) وأتباعه [ ذهابهم ] إلى نفي ذلك وأنّهم قالوا : إنّ هاهنا أجزاء هي لحم وأجزاء هي عظام وغير ذلك من جميع المركّبات ، وهي مبثوثة في العالم غير متناهية ، فإذا اجتمعت أجزاء من طبيعة واحدة ظنّ أنّ تلك الطبيعة حدثت ، وليس كذلك بل تلك الطبيعة كانت موجودة والحادث التركيب لا غير.

والضرورة قاضية ببطلان هذه المقالة ؛ فإنّا نشاهد تبدّل ألوان وطعوم وروائح وغير ذلك من الصفات الحادثة.

قال : ( فتفعل الكيفيّة في المادّة فتكسر صرافة كيفيّتها وتحصل كيفيّة متشابهة في الكلّ متوسّطة هي المزاج ) (3).

أقول : لمّا ذكر أنّ المركّبات إنّما تحصل عند تفاعل هذه العناصر بعضها في بعض شرع في كيفيّة هذا التفاعل.

واعلم أنّ الحارّ والبارد أو الرطب واليابس إذا اجتمعا وفعل كلّ منهما في الآخر أثرا لم يخل إمّا أن يتقدّم فعل أحدهما على انفعاله أو يقترنا ، ويلزم من الأوّل صيرورة المغلوب غالبا وهو محال ، ومن الثاني كون الشيء الواحد غالبا مغلوبا دفعة واحدة وهو محال ، فلم يبق إلاّ أن يكون الفاعل في كلّ واحد منهما غير المنفعل. فقيل : الفاعل هو الصورة ، والمنفعل هو المادّة (4).

ص: 314


1- الحاكي هو الخواجة في « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 278 - 279.
2- فيلسوف يوناني ، كان أوّل من أدخل الفلسفة إلى مدينة أثينا ، كي تصبح من بعد المهد الأكبر للفلسفة اليونانيّة ، ابتدأ من فكرة الوجود وأنكر فكرة التغيّر المطلق. وقد فسّر الحركة بإرجاعها إلى علّة غير مادّية ، هي العقل. لمزيد المعرفة راجع « موسوعة الفلسفة » 1 :2. 237.
3- المزاج : كيفيّة متشابهة تحصل من تفاعل عناصر منافرة لأجزاء مماسّة ، بحيث تكسر سورة كلّ منهما سورة كيفيّة الآخر. كذا عرّفه الجرجاني في « التعريفات » : 3. الرقم 1342.
4- قال به الشيخ ابن سينا في « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 275 و 278.

وينتقض بالماء الحارّ إذا امتزج بالماء البارد واعتدلا ؛ فإنّ الفعل والانفعال بين الحارّ والبارد هناك موجود مع أنّه لا صورة تقتضي الحرارة في البارد.

وقيل : الفاعل هو الكيفيّة ، والمنفعل هو المادّة (1) ، مثلا : تفعل حرارة الماء الحارّ في مادّة الماء البارد فتكسر البرودة التي هي كيفيّة الماء البارد ، وتحصل كيفيّة متشابهة متوسّطة بين الحرارة والبرودة وهي المزاج. وهذا اختيار المصنّف رحمه اللّه .

وفيه نظر ؛ لأنّ المادّة إنّما تقبل (2) في الكيفيّة الفاعليّة لا في غيرها ، ويعود البحث من كون المغلوب يصير غالبا أو اجتماع الغالبيّة والمغلوبيّة للشيء الواحد في الوقت الواحد بالنسبة [ إلى شيء واحد ] (3) وهو باطل.

ولهذا ذهب جماعة - على ما حكي (4) - إلى أنّه لا فعل ولا انفعال بين العناصر المجتمعة ، بل اجتماعها على صرافة كيفيّاتها معدّ تامّ لزوال تلك الكيفيّات الصرفة ووجود كيفيّة أخرى متوسّطة بينها فائضة من المبدأ على تلك العناصر.

قال : ( مع حفظ صور البسائط ).

أقول : نقل عن الشيخ في هذا الموضع أنّه قال في كتاب « الشفاء » : إنّ هنا مذهبا غريبا ، وهو أنّ البسائط إذا اجتمعت وتفاعلت بطلت صورها النوعيّة المقوّمة لها ، وحدثت صورة أخرى نوعيّة مناسبة لمزاج ذلك المركّب.

واحتجّوا بأنّ العناصر لو بقيت على طبائعها حتّى اتّصف الجزء الناريّ - مثلا - بالصورة اللحميّة ، أمكن أن تعرض للنار بانفرادها أيضا ، فتصير النار البسيطة لحما.

ص: 315


1- قال به أثير الدين الأبهري ، وهو ما ذهب إليه بعض المحقّقين ، كما عن الميبدى في « شرح الهداية الأثيرية » : 119.
2- كذا في الأصل ، والصحيح : « تنفعل ».
3- الزيادة أثبتناها من « كشف المراد » : 164. وهي موجودة في الأصل ، لكن شطب عليها.
4- الحاكي هو القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 175.

وأبطله الشيخ بأنّ هناك كونا وفسادا وامتزاجا والمزاج إنّما يكون عند بقاء الممتزجات ، وبأنّ الكاسر باق عند انكسار الكيفيّات.

ونقض ما ذكروه بوروده عليهم ؛ لأنّ مذهبهم أنّ الجزء الناريّ تبطل ناريّته عند امتزاجه ويتّصف بالصورة اللحميّة ، فيجوز عروض هذا العارض للنار البسيطة ، فإن شرطوا التركيب كان هو جوابنا ، فلا بدّ من كون صور البسائط محفوظة (1).

قال : ( ثمّ تختلف الأمزجة في الإعداد بحسب قربها وبعدها من الاعتدال ).

أقول : العناصر المتعدّدة إذا امتزجت وتفاعلت بكيفيّاتها على الوجه المذكور واستقرّت على كيفيّة وحدانيّة ، صارت واحدة من هذه الجهة ، فيحصل - ولو بإفاضة المبدأ - ما يحفظ تركيبها ويقرّها على الاجتماع وعدم الافتراق سريعا ، كما هو مقتضى طباعها ، ومن هذا يطلق عليه الجبّار ، كما يظهر من بعض الأخبار.

وتلك الكيفيّة المسمّاة بالمزاج تختلف باختلاف الامتزاج ، ولهذا تكون للمركّبات أمزجة متعدّدة مختلفة متفاوتة بحسب القرب من الاعتدال والبعد عنه في الإعداد ، فتتفاوت محالّها في الاستعداد ، فهي المعدّة لقبول المركّب للصورة والقوى المعدنيّة والنباتيّة والحيوانيّة ؛ إذ المركّبات كلّها اشتركت في الطبيعة الجسميّة ، ثمّ اختلفت في القوى ، فبعضها اتّصف بصورة حافظة لبسائطه عن التفرّق جامعة لمتضادّات مفرداته من غير أن تكون مبدأ لشيء آخر ، وهذه هي الصورة المعدنيّة. وبعضها اتّصف بصورة تفعل - مع ما تقدّم - التغذية والتنمية والتوليد لا غير ، وهي النفس النباتيّة. وبعضها اتّصف بصورة تفعل - مع ذلك - الحسّ والحركة الإراديّة ، وهي النفس الحيوانيّة. فلا بدّ وأن يكون هذا الاختلاف بسبب اختلاف القوابل المستندة إلى

ص: 316


1- « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 133 - 139 ، وخلاصة كلام الشيخ هنا هو ما ذكره بهمنيار في « التحصيل » : 693 من أنّ الجواهر العنصريّة ثابتة في الممتزج بصورها متغيّرة في كيفيّاتها فقط ، وكيف لا تكون ثابتة فيه والمركّب إنّما هو مركّب عن أجزاء فيه مختلفة ، وإلاّ لكان بسيطا لا يقبل الأشدّ والأضعف. وأمّا كيفيّاتها ولواحقها فتكون قد توسّطت ونقصت عند حدّ الصرافة.

اختلاف الاستعداد المستفاد من اختلاف الأمزجة بسبب قربها وبعدها عن الاعتدال ، فكلّ ما كان مزاجه أقرب إلى الاعتدال قبل نفسا أكمل.

قال : ( مع عدم تناهيها بحسب الشخص وإن كان لكلّ نوع طرفا إفراط وتفريط ، وهي تسعة ).

أقول : الأمزجة تختلف باختلاف صغر أجزاء البسائط وكبرها ، وهذا الاختلاف بسبب الصغر والكبر غير متناه ، فكانت الأمزجة أيضا كذلك غير متناهية بحسب الشخص وإن كان لكلّ نوع طرفا إفراط وتفريط ؛ فإنّ نوع الإنسان - مثلا - له مزاج خاصّ معتدل بين طرفين هما إفراط وتفريط ، لكن ذلك المزاج الخاصّ (1) يشتمل على ما لا يتناهى من الأمزجة الشخصيّة ولا يخرج عن حدّ المزاج الإنساني ، وكذلك كلّ نوع من الأنواع المركّبة.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأمزجة تسعة ؛ لأنّ البسائط إمّا أن تتساوى في المزاج وهو المعتدل ، أو يغلب أحدهما فإمّا الحارّ مع اعتدال الانفعاليّين ، أو البارد معه ، أو الحارّ مع غلبة الرطب ، أو اليابس ، أو البارد معهما ، أو يغلب الرطب مع اعتدال الفعليّين ، أو اليابس معه. وهي تسعة : واحد منها الاعتدال ، وأربعة منها الخروج عن الاعتدال في كيفيّة مفردة من الكيفيّات الأربع ، وأربعة أخرى الخروج عن الاعتدال في كيفيّتين غير متضادّتين ، أحدها في الحرارة واليبوسة ، وثانيها في الحرارة والرطوبة ، وثالثها في البرودة واليبوسة ، ورابعها في البرودة والرطوبة.

ص: 317


1- أي المزاج الخاصّ النوعي.

ص: 318

[ الفصل الثالث : في بقيّة أحكام الأجسام ]

اشارة

قال : ( الفصل الثالث : في بقيّة أحكام الأجسام ، وتشترك الأجسام في وجوب التناهي ؛ لوجوب اتّصاف ما فرض له ضدّه به عند مقايسته بمثله مع فرض نقصانه عنه ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن أقسام الأجسام وانجرّ البحث عنها إلى البحث عن بعض أحكامها ، شرع في البحث عن باقي أحكامها.

وهذا الفصل يشتمل على مسائل :

المسألة الأولى : في تناهي الأجسام وأنّ الأجسام كلّها متناهية الأبعاد.

اعلم أنّه اتّفق أكثر العقلاء على ذلك ، وإنّما خالف فيه حكماء الهند على ما حكي (1) عنهم.

واستدل المصنّف رحمه اللّه على ذلك بوجهين :

الأوّل : برهان التطبيق.

وتقريره : أنّ الأبعاد لو كانت غير متناهية يلزم أن تكون متناهية ، وكلّ ما يلزم من فرضه عدمه يكون محالا ، فوجود بعد غير متناه محال.

بيان ذلك أنّه يمكن أن نفرض خطّين غير متناهيين مبدؤهما واحد ، ثمّ نفصل من أحدهما قطعة أو مع كون فرض أحد الخطّين بعد الآخر بذراع مثلا ، ثمّ نطبّق أحد

ص: 319


1- حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : 167.

الخطّين على الآخر بأن يجعل مبدأ أحدهما مقابلا لأوّل الآخر ، وثاني الأوّل مقابلا لثاني الثاني ، والثالث للثالث وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فإن استمرّا كذلك كان الناقص مثل الزائد وهو محال ، وإن انقطع الناقص انقطع الزائد ؛ لأنّ الزائد إنّما زاد بمقدار متناه وهو القدر المقطوع مثلا ، والزائد على المتناهي بقدر متناه يكون متناهيا فالخطّان متناهيان ، فيلزم تناهيهما على تقدير لا تناهيهما ، فيكون لا تناهيهما محالا ، وهو المطلوب.

إذا عرفت هذا فنرجع إلى ألفاظ الكتاب ، فقوله : « وتشترك الأجسام في وجوب التناهي » إشارة إلى الدعوى مع [ التنبيه ] (1) على كون هذا الحكم واجبا لكلّ جسم.

وقوله : « لوجوب اتّصاف ما فرض له ضدّه عند مقايسته بمثله » معناه لاتّصاف الخطّ الناقص - الذي فرض له ضدّ التناهي وفرض أنّه غير متناه - بالتناهي عند مقايسته بالخطّ الكامل المماثل له في عدم المتناهي. ومعنى المقايسة هنا مقابلة كلّ جزء من الناقص بجزء من الكامل.

وقوله : « مع فرض نقصانه عنه » يعني فرض قطع شيء من الخطّ الناقص حتّى صار ناقصا أو فرضه بعد الكامل ، كما أشرنا إليه.

قال : ( ولحفظ النسبة بين ضلعي الزاوية وما اشتملا عليه مع وجوب اتّصاف الثاني به ).

أقول : هذا هو الدليل (2) الثاني على تناهي الأبعاد.

وتقريره : أنّا إذا فرضنا زاوية خرج ضلعاها إلى ما لا يتناهى على الاستقامة ، فإنّ النسبة بين زيادة الضلعين وزيادة الأبعاد التي اشتمل عليها الضلعان محفوظة بحيث كلّما زاد الضلعان زادت الأبعاد على نسبة واحدة ، بمعنى أنّه إذا امتدّا عشرة أذرع - مثلا - وكان بعد ما بينهما حينئذ ذراعا مثلا ، لا بدّ أن يكون بعد ما بينهما - بعد

ص: 320


1- في الأصل : « البيّنة » وما أثبتناه موافق لما في « كشف المراد » : 168.
2- كذا في الأصل ، والصحيح : « الوجه الثاني ».

امتدادهما عشرين ذراعا - ذراعين.

وهكذا لو فرض خطّان منفرجان كما في المثلّث بحيث يكون البعد بينهما بقدر ذهابهما على سبيل البرهان السلّمي ، أو الترسي بفرضهما على الجسم المستدير كالترس على وجه التقاطع في مركز الدائرة مثلا.

وبالجملة ، فإذا استمرّت زيادة الضلعين إلى ما لا يتناهى استمرّت زيادة البعد بينهما إلى ما لا يتناهى مع وجوب اتّصاف الثاني - أعني البعد بينهما - بالتناهي ؛ لامتناع انحصار ما لا يتناهى بين حاصرين ، فيلزم أن تكون نسبة المتناهي - أعني الامتداد الأوّل - إلى المتناهي - أعني البعد الأوّل - كنسبة غير المتناهي - أعني الامتداد الذاهب إلى غير النهاية - إلى المتناهي ، أعني البعد المتوسّط ، وهذا محال بالضرورة ؛ للزوم ارتفاع النسبة مع أنّها محفوظة.

المسألة الثانية : في أنّ الأجسام متماثلة ومتّحدة في الحقيقة وإن اختلفت بالعوارض.

قال : ( واتّحاد الحدّ وانتفاء القسمة فيه يدلّ على الوحدة ).

أقول : ذهب الجمهور من الحكماء والمتكلّمين إلى أنّ الأجسام متماثلة في حقيقة الجسمية وإن اختلفت بصفات وعوارض (1) ، وعليه أكثر قواعد الإسلام كإثبات القادر المختار وكثير من أحوال (2) النبوّة والمعاد ؛ فإنّ اختصاص كلّ جسم بصفاته المعيّنة لا بدّ أن يكون لمرجّح مختار ؛ لتساوي نسبة الموجب إلى الكلّ. ولمّا جاز على كلّ جسم ما يجوز على الجسم الآخر كالبرد على النار والخرق على السماء ، ثبت جواز ما نقل من المعجزات وأحوال القيامة.

ص: 321


1- انظر : « المحصّل » : 303 - 305 ؛ « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » : 74 - 76 ؛ « رسالة في اعتقاد الحكماء » : 263 ؛ « أوائل المقالات » : 95 ؛ « المطالب العالية » 6 : 186 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 83.
2- في « ج » : « أصول » بدل « أحوال ».

وذهب النظّام (1) إلى أنّها مختلفة ؛ لاختلاف خواصّها (2).

وهو باطل ؛ لأنّ ذلك يدلّ على اختلاف الأنواع ، لا على اختلاف المفهوم من الجسم من حيث هو جسم ، بل المشهور هو المنصور كما اختاره المصنّف رحمه اللّه ، واستدلّ عليه بأنّ الجسم من حيث هو جسم يحدّ بحدّ واحد عند الجميع ، أمّا عند الأوائل فإنّ حدّه : الجوهر القابل للأبعاد (3). وأمّا المتكلّمون فإنّهم يحدّونه بأنّه الطويل العريض العميق (4).

وهذا الحدّ الواحد لا قسمة فيه ، فالمحدود واحد ؛ لاستحالة اجتماع المختلفات في حدّ واحد من غير قسمة ، بل متى جمعت المختلفات في حدّ واحد وقع فيه التقسيم ضرورة ، كقولنا : « الحيوان إمّا ناطق أو صاهل » ويراد بهما الإنسان والفرس.

المسألة الثالثة : في أنّ الأجسام باقية.

قال : ( والضرورة قضت ببقائها ).

أقول : المشهور عند العقلاء أنّ الأجسام باقية زمانين وأكثر بحكم الضرورة ، بمعنى أنّا نعلم بالضرورة أنّ كتبنا وثيابنا ودوابّنا هي بعينها التي كانت قبل الزمان الثاني وما بعده من غير تبدّل في الذات وإن اختلفت العوارض والهيئات ، فلا يتوجّه الإشكال باحتمال تجدّد الأمثال.

ونقل عن النظّام خلافه (5) ؛ بناء منه على امتناع إسناد العدم إلى الفاعل ، وأنّه لا ضدّ

ص: 322


1- هو إبراهيم بن سيّار بن هانئ البصري أبو إسحاق النظّام من أئمّة المعتزلة ، كان من المتبحّرين في الفلسفة ، وله آراء خاصّة تميّز بها ، تابعته فيها فرقة من المعتزلة سمّيت النظّامية نسبة إليه ، توفّي سنة 231. انظر: «تاريخ بغداد» 97:6 ؛ «أمالي مرتضی» 132:2.
2- نقله عنه الفخر الرازي في « المحصّل » : 305 ، والخواجة في « نقد المحصّل » : 210.
3- « رسالة الحدود » لابن سينا : 22 ؛ « التعريفات » للجرجاني : 103 ، الرقم 491 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 1 : 561.
4- « شرح المقاصد » 3 : 6 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 1 : 562 - 563.
5- « المحصّل » : 305 ؛ « شرح المواقف » 7 : 23 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 84 - 87.

للأجسام حتّى يقال : إنّها تنتفي بطريان الضدّ مع وجوب فنائها يوم القيامة ، فالتزم بعدم بقائها وأنّها تتجدّد حالا فحالا كالأعراض غير القارّة.

والمحقّقون على خلاف ذلك ، واعتمادهم على الضرورة فيه.

وقيل : إنّ النظّام ذهب إلى احتياج الجسم حال بقائه إلى المؤثّر ، فتوهّم الناقل أنّه كان يقول بعدم بقاء الأجسام (1) ؛ ولهذا قال المصنّف : إنّ هذا النقل من النظّام غير معتمد » (2). بل هو وهم النقلة على ما حكي (3).

المسألة الرابعة : في أنّ الأجسام يجوز خلوّها عن الطعوم والروائح والألوان.

قال : ( ويجوز خلوّها عن الكيفيّات المذوقة (4) والمرئية (5) والمشمومة (6) كالهواء ).

أقول : ذهب المعتزلة إلى جواز خلوّ الأجسام عن الطعوم والروائح والألوان. ومنعت الأشعريّة منه.

أمّا المعتزلة فاحتجّوا بمشاهدة بعض الأجسام كذلك كالهواء ؛ فإنّه خال عن الكيفيّات ، بشهادة عدم الإحساس من غير مانع.

واحتجّت الأشعرية بقياس اللون على الكون ؛ فإنّه كما امتنع خلوّ الجسم عن الكون كذلك امتنع خلوّه عن اللون ، وبقياس ما قبل الاتّصاف على ما بعده ، فإنّه كما امتنع خلوّ الجسم عن اللون بعد الاتّصاف عادة امتنع خلوّه عنه قبله (7).

ص: 323


1- نسبه الخواجة في « نقد المحصّل » : 211 إلى البعض.
2- « نقد المحصّل » : 211.
3- الحاكي هو العلاّمة في « كشف المراد » : 169.
4- أي الطعوم. ( منه رحمه اللّه ).
5- أي الألوان. ( منه رحمه اللّه ).
6- أي الروائح. ( منه رحمه اللّه ).
7- لمزيد الاطّلاع حول هذا المبحث راجع « المحصّل » : 275 ؛ « نقد المحصّل » : 169 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 182 - 183.

وهما ضعيفان ؛ لأنّ القياس الأوّل خال عن الجامع ، والقياس المشتمل على الجامع لا يفيد اليقين ، فكيف الخالي عنه!؟ مع قيام الفرق ؛ فإنّ الكون لا يقبل خلوّ متحيّز عنه بالضرورة ، بخلاف اللون فإنّه يمكن أن يتصوّر الجسم خاليا عنه.

وأمّا امتناع الخلوّ عنها بعد الاتّصاف فهو ممنوع. ولو سلّم لظهر الفرق أيضا ؛ لأنّ الخلوّ بعد الاتّصاف إنّما امتنع لافتقار الزوال بعد الاتّصاف إلى طريان الضدّ ، بخلاف ما قبل الاتّصاف ؛ لعدم الحاجة إليه.

المسألة الخامسة : في أنّ الأجسام تجوز رؤيتها.

قال : ( وتجوز رؤيتها بشرط الضوء واللون ، وهو ضروريّ ).

أقول : ذهب الحكماء إلى أنّ الأجسام مرئيّة ، لكنّه لا بالذات بل بالعرض ، فإنّها لو كانت مرئيّة بالذات لرئي الهواء ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

وإنّما يمكن رؤيتها بتوسّط الضوء واللون ، بمعنى أنّ المرئيّ أوّلا وبالذات هو الألوان والأضواء القائمة بسطوح الأجسام ، ثمّ العقل بمعونة هذا الإحساس يحكم بأنّ ما بين تلك السطوح جواهر ممتدّة في الجهات - أعني الأجسام - فهي مرئيّة ثانيا وبالعرض.

وذهب المتكلّمون إلى أنّها مرئيّة بذواتها بشرط تكيّفها بالأضواء والألوان ، واختاره المصنّف فأفاد أنّ هذا حكم ضروريّ يشهد به الحسّ (1).

المسألة السادسة : في أنّ الأجسام حادثة.

قال : ( والأجسام كلّها حادثة ؛ لعدم انفكاكها من جزئيّات متناهية حادثة ؛ فإنّها لا تخلو عن الحركة والسكون ، وكلّ منهما حادث ، وهو ظاهر ).

ص: 324


1- راجع « المحصّل » : 307 - 308 ؛ « نقد المحصّل » : 213 - 214 ؛ « نهاية المرام » 2 : 593 - 596 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 183.

أقول : هذه المسألة من أجلّ المسائل وأشرفها ، وهي المعركة العظيمة بين الحكماء والمتكلّمين ، وقد اضطربت أنظار العقلاء فيها ، وعليها مبنى القواعد الإسلاميّة.

وقد اختلف الناس فيها.

فذهب أرباب الملل والنحل - وهم المسلمون والنصارى واليهود والمجوس - إلى أنّ الأجسام محدثة.

وذهب جمهور الحكماء إلى أنّها قديمة (1). والمراد قدم أصول العالم كالأفلاك والعناصر ، ضرورة فساد دعوى قدم المواليد كالحوادث اليوميّة.

ودليل المتكلّمين على أنّ الأجسام حادثة : أنّها لا تخلو عن أمور متناهية حادثة ، وكلّ ما لم يخل عن أمور متناهية حادثة فهو حادث ، فالأجسام حادثة.

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون ، وهما من الأمور الحادثة المتناهية.

أمّا بيان عدم انفكاك الجسم عنهما فضروريّ ؛ لأنّ الجسم لا يعقل موجودا في الخارج منفكّا عن المكان ، فإن كان لابثا فيه غير منتقل عنه فهو الساكن ، وإن كان منتقلا عنه فهو المتحرّك.

وأمّا بيان حدوثهما فظاهر ؛ لأنّ الحركة هي حصول الجسم في الحيّز بعد أن كان في حيّز آخر.

وبعبارة أخرى : كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني ، والسكون هو حصول الجسم في الحيّز بعد أن كان في ذلك الحيّز.

وبعبارة أخرى : كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل ، وكلّ منهما مسبوق بحصول الحال المنتقل إليها ، والمسبوقيّة تقتضي الحدوث ، فإذا كان اللازم حادثا

ص: 325


1- راجع « المحصّل » : 276 - 303 ؛ « نقد المحصّل » : 189 وما بعدها ؛ « نهاية المرام » 3 : 3 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 7 : 220 - 231 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 107 - 127 ؛ « الأسفار الأربعة » 5 : 205 وما بعدها.

كان الملزوم أيضا حادثا ، وإلاّ يلزم عدم كون الملزوم ملزوما وتخلّف اللازم عن الملزوم ، وذلك باطل بالضرورة ، فتثبت الكبرى أيضا فتلزم النتيجة.

ويرد عليه : أنّ مقتضى تعريف الحركة والسكون وجود حالة ثالثة في الآن الأوّل وخلوّ الجسم عنهما فيه ، فتكون الصغرى ممنوعة ، فلا يثبت المدّعى.

والجواب : أنّ الكون في الآن الأوّل من جهة عدم تصوّر عدم التناهي ، بل التكثّر والتعدّد فيه حادث بالبديهة ، فيكون للجسم أكوان حادثة ولا يخلو عنها فيكون حادثة ؛ لما أشرنا إليه. فلا بدّ من اعتبار ضميمة في الدليل بأن يقال : إنّ الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وما في حكمهما ، فيتمّ الدليل.

وأمّا الاعتراض بأنّ مسبوقيّة ماهيّة الحركة بالغير ممنوعة ، ومسبوقيّة كلّ فرد مسلّمة غير نافعة ؛ لجواز كون ماهيّة الحركة قديمة محفوظة بتعاقب الأفراد.

ففيه : أنّ كون الشيء في الآن الثاني لا يتصوّر كونه قديما ، فحدوثه ضروريّ.

مضافا إلى كفاية حدوث كلّ جزئيّ للمستدلّ بعد إثبات تناهي الجزئيّات بما سيأتي. فلا حاجة إلى الجواب السخيف المذكور في شرح القوشجي (1).

وقد يستدلّ على حدوث الحركة والسكون بأنّ كلّ واحد منهما يجوز عليه العدم ، والقديم لا يجوز عليه العدم.

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ كلّ متحرّك على الإطلاق فإنّ كلّ جزء من حركته يعدم ويوجد عقيبه جزء آخر منها ، وكلّ ساكن فإنّه إمّا بسيط أو مركّب. وكلّ بسيط ساكن تمكن عليه الحركة ؛ لتساوي الجانب الملاقي منه لغيره من الأجسام والجانب الذي لا يلاقيه في قبول الملاقاة ، فأمكن على غير الملاقي الملاقاة ، كما أمكنت على الملاقي ، وذلك إنّما يكون بواسطة الحركة ، فكانت الحركة جائزة عليه فيكون العدم أيضا جائزا عليه كما مرّ.

ص: 326


1- « شرح تجريد العقائد » : 183 - 184.

وأمّا المركّب فإنّه مركّب من البسائط ، ونسوق الدليل الذي ذكرناه في البسيط إلى كلّ جزء من أجزاء المركّب.

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّ القديم إن كان واجب الوجود لذاته استحال عدمه. وإن كان جائز الوجود استند إلى علّة موجبة ؛ لاستحالة صدور القديم عن المختار ؛ لأنّ المختار إنّما يفعل بواسطة القصد والداعي ، والقصد إنّما يتوجّه إلى إيجاد المعدوم ، فكلّ أثر المختار حادث ، فلو كان القديم أثر المؤثّر ، لكان ذلك المؤثّر موجبا ، فإن كان واجبا لذاته استحال عدم معلوله. وإن كان ممكنا نقلنا الكلام إليه ، فإمّا أن يتسلسل وهو محال ، أو ينتهي إلى مؤثّر موجب يستحيل عدمه فيستحيل عدم معلوله.

فقد ظهر أنّ القديم يستحيل عليه العدم ، وقد بيّنّا جواز العدم على الحركة والسكون فيستحيل قدمهما ، فيكونان حادثين يجوز عليهما العدم. ويتوجّه عليه أيضا الإيراد المذكور ، فيحتاج إلى الجواب المذكور.

قال : ( وأمّا تناهي جزئيّاتها فلأنّ وجود ما لا يتناهى محال ؛ للتطبيق ، ولو صف كلّ حادث بالإضافتين (1) المتقابلتين ، ويجب زيادة المتّصف بإحداهما من حيث هو كذلك على المتّصف بالأخرى ، فينقطع الناقص والزائد (2) أيضا ).

أقول : لمّا بيّن حدوث الحركة والسكون ، شرع الآن في بيان تناهيهما ؛ لأنّ بيان حدوثهما غير كاف في الدلالة. وهذا المقام هو المعركة بين الحكماء والمتكلّمين ؛ فإنّ المتكلّمين يمنعون من اتّصاف الجسم بحركات لا تتناهى ، والحكماء جوّزوا ذلك (3).

ص: 327


1- أي السابقيّة والمسبوقيّة. ( منه رحمه اللّه ).
2- الناقص هو الذي اتّصف بالسبق - مثلا - وحده ، والزائد هو ما اتّصف بالسبق واللحوق معا.
3- حول هذا المبحث راجع « نقد المحصّل » : 208 - 209 ؛ « نهاية المرام » 3 : 15 - 81 ؛ « شرح المواقف » 7 : 223 - 227.

والمتكلّمون استدلّوا على قولهم بوجوه :

الأوّل : أنّ كل فرد حادث ، فالمجموع كذلك.

واستضعفه العلاّمة بأنّه لا يلزم من حدوث كلّ فرد حدوث المجموع (1).

وفيه نظر.

الثاني : أنّها قابلة للزيادة والنقصان ، فتكون متناهية.

وأورد عليه النقض بمعلومات اللّه تعالى ومقدوراته ، فإنّ الأولى أزيد من الثانية ؛ لأنّ ذاته تعالى وصفاته الذاتيّة معلومة لله تعالى وليست مقدورة مع أنّه لا يلزم تناهيهما.

الثالث : برهان التطبيق ، وهو أن تؤخذ جملة الحركات من الآن إلى الأزل جملة ، ومن زمان الطوفان إلى الأزل جملة أخرى ، ثمّ تطبّق إحدى الجملتين بالأخرى ، فإن استمرّ إلى ما لا يتناهى كان الزائد مثل الناقص ، وهذا خلف. وإن انقطع الناقص فيكون متناهيا فيتناهى الزائد أيضا ؛ لأنّه إنّما زاد بمقدار متناه ، والزائد على المتناهي بمقدار متناه يكون متناهيا.

الرابع : برهان التضايف ، وهو أنّ كلّ حادث يوصف بإضافتين متقابلتين هما السابقيّة والمسبوقيّة ؛ لأنّ كلّ واحد من الحوادث غير المتناهية يكون سابقا على ما بعده ولاحقا لما قبله ، والسبق واللحوق إضافتان متقابلتان ، وإنّما صحّ اتّصافه بهما ؛ لأنّهما أخذتا بالنسبة إلى شيئين ، واختلاف الجهة كاف في عدم امتناع اجتماع المتقابلين في ذات واحدة.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إذا اعتبرنا الحوادث المبتدأة من الآن تارة من حيث إنّ كلّ واحد منها سابق ، وتارة من حيث إنّه بعينه لاحق ، كانت السوابق واللّواحق المتباينتان بالاعتبار متطابقتين في الوجود ، ولا يحتاج في تطابقهما إلى توهّم

ص: 328


1- « كشف المراد » : 172.

تطبيق ، ومع ذلك يجب كون السوابق أكثر من اللواحق في الجانب الذي وقع فيه النزاع بواحدة.

وإلى هذا أشار بقوله : « وتجب زيادة المتّصف بإحداهما - أعني بإحدى الإضافتين وهو إضافة السبق - على المتّصف بالأخرى » أعني إضافة اللحوق.

فإذن اللواحق منقطعة في الماضي قبل انقطاع السوابق فتكون متناهية ، والسوابق أيضا تكون متناهية ؛ لأنّها زادت بمقدار متناه ، فيلزم تناهي ما فرض أنّه غير متناه ، وهذا خلف.

وهذا البرهان لا يتوقّف على اجتماع الأجزاء في الوجود ، بخلاف برهان التطبيق.

قال : ( والضرورة قضت بحدوث ما لا ينفكّ عن حوادث متناهية ).

أقول : لمّا بيّن أنّ الأجسام لا تنفكّ عن الحركة والسكون وبيّن حدوثهما وتناهيهما ، وجب القول بحدوث الأجسام ؛ لأنّ الضرورة قضت بحدوث ما لا ينفكّ عن حوادث متناهية ؛ لأنّ تلك الحوادث المتناهية المتعاقبة لها أوّل قطعا ، والذي لا ينفكّ عن تلك الحوادث لا يوجد قبل ذلك الأوّل ، وإلاّ لكان منفكّا عنها ، وإذا لم يوجد قبله كان حادثا مثله.

قال : ( فالأجسام حادثة ، ولمّا استحال قيام الأعراض إلاّ بها ثبت حدوثها ).

أقول : هذا نتيجة ما ذكر من الدليل ، وهو القول بحدوث الأجسام.

وأمّا الأعراض فإنّه يستحيل قيامها بنفسها ، وتفتقر في الوجود إلى محلّ تحلّ فيه ، وهي إمّا جسمانيّة أو غير جسمانيّة والكلّ حادث.

أمّا الجسمانيّة : فلامتناع قيامها بغير الأجسام ، وإذا كان الشرط حادثا كان المشروط كذلك بالضرورة.

أمّا غير الجسمانيّة : فبالدليل الدالّ على حدوث كلّ ما سوى اللّه تعالى.

والمصنّف إنّما قصد الأعراض الجسمانيّة ؛ لقوله : « لمّا استحال قيام الأعراض

ص: 329

إلاّ بها ثبت حدوثها ».

قال : ( واختصّ الحدوث بوقته ؛ إذ لا وقت قبله ، والمختار يرجّح أحد مقدوريه لا لأمر مرجّح عند بعضهم ).

أقول : لمّا بيّن حدوث العالم شرع في الجواب عن شبه الفلاسفة (1) ، وأقوى شبههم ثلاثة أجاب المصنّف رحمه اللّه عنها في هذا الكتاب :

الشبهة الأولى - وهي أعظمها - أنّهم قالوا : إنّ المؤثّر التامّ في العالم إمّا أن يكون أزليّا أو حادثا.

فإن كان أزليّا لزم قدم العالم ؛ لأنّه عند وجود المؤثّر التامّ يجب وجود الأثر ؛ لأنّه لو تأخّر عنه ثمّ وجد ، لم يخل : إمّا أن يكون لتجدّد أمر أو لا ، والأوّل يستلزم كون ما فرضناه مؤثّرا تامّا ليس بتامّ ، وهذا خلف. والثاني يستلزم ترجيح أحد طرفي الممكن لا بمرجّح ؛ لأنّ اختصاص وجود الأثر بالوقت الذي وجد فيه دون ما قبله وما بعده - مع حصول المؤثّر التامّ - يكون ترجيحا من غير مرجّح.

وإن كان المؤثّر في العالم حادثا نقلنا الكلام إلى علّة حدوثه ، ويلزم التسلسل أو الانتهاء إلى المؤثّر القديم ، وهو محال ؛ للزوم تخلّف الأثر عنه ، وهذا المحال إنّما نشأ من فرض حدوث العالم.

وقد أجاب المتكلّمون عن هذه الشبهة بوجوه :

أحدها : أنّ المؤثّر التامّ قديم ، لكنّ الحدوث اختصّ بوقت الإحداث ؛ لانتفاء وقت قبله ، والأوقات التي يطلب فيها الترجيح معدومة ولا تتمايز إلاّ في الوهم ، وأحكام الوهم في مثل ذلك غير مقبولة ، بل الزمان يبتدئ وجوده مع أوّل وجود العالم ، ولم يمكن وقوع ابتداء سائر الموجودات قبل ابتداء وجود الزمان أصلا.

ص: 330


1- لمزيد الاطّلاع حول هذا المبحث راجع « شرح الأصول الخمسة » : 115 - 118 ؛ « المطالب العالية » 4 : 239 - 245 ؛ « المحصّل » : 299 - 303 ؛ « نقد المحصّل » : 205 - 208 ؛ « نهاية المرام » 3 : 136 - 179 ؛ « شرح المواقف » 7 : 228 - 231 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 120 - 127.

الثاني : أنّ المؤثّر التامّ إنّما يجب وجود أثره معه لو كان موجبا ، أمّا إذا كان مختارا فلا ؛ لأنّ المختار يرجّح أحد مقدوريه على الآخر لا لمرجّح ، فالعالم قبل وجوده كان ممكن الوجود وكذا بعد وجوده ، لكنّ المؤثّر المختار أراد إيجاده وقت وجوده دون ما قبله وما بعده لا لأمر يترجّح به الإيجاد على تركه حتّى لا يلزم كونه مستكملا بذلك الإيجاد المستلزم لحصول تلك الأولويّة ؛ لتجويز بعض المتكلّمين - وهم الأشاعرة (1) - ترجيح المختار لأحد مقدوريه بلا مرجّح يدعوه إليه ، كما في قدحي العطشان ورغيفي الجوعان وطريقي الهارب من السبع مع فرض المساواة من جميع الجهات بل المرجّح هو الإرادة.

الثالث : أنّه لم لا يجوز اختصاص بعض الأوقات بمصلحة تقتضي وجود العالم فيه دون ما قبل ذلك الوقت وبعده؟ فالمؤثّر التامّ وإن كان حاصلا في الأزل لكن لا يجب وجود العالم فيه تحصيلا لتلك المصلحة.

الرابع : أنّ اللّه تعالى علم بوجود العالم وقت وجوده ، وخلاف علمه محال ، فلم يمكن وجوده قبل وقت وجوده ، فتأمّل.

الخامس : أنّ اللّه تعالى أراد إيجاد العالم وقت وجوده ، والإرادة مخصّصة لذاتها.

السادس : أنّ العالم محدث ؛ لما تقدّم ، فيستحيل وجوده في الأزل ؛ لأنّ المحدث هو ما يسبقه العدم ، والأزل ما لم يسبقه العدم ، فالجمع بينهما محال.

ثمّ عارضوهم بالحادث اليومي ؛ فإنّه معلول إمّا لقديم فيستلزم قدمه ، أو لحادث فيتسلسل.

قال : ( والمادّة منتفية ).

أقول : هذا جواب عن الشبهة الثانية.

ص: 331


1- « المحصّل » : 391 - 398 ؛ « المطالب العالية » 3 : 37 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 6 : 67 - 70 ، و 7 : 230 ، و 8 : 54 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 337 - 340.

تقريرها : أنّهم قالوا : كلّ حادث فهو مسبوق بإمكان وجوده ، وذلك الإمكان ليس أمرا عدميّا ، وإلاّ فلا فرق بين نفي الإمكان والإمكان المنفيّ ، ولا قدرة القادر ؛ لأنّا نعلّلها به ، فهو مغاير. وليس جوهرا ؛ لأنّه نسبة وإضافة ، فمحلّه يكون سابقا عليه وهو المادّة ، فتلك المادّة إن كانت قديمة ويستحيل انفكاكها عن الصورة لزم قدم الصورة فيلزم قدم الجسم ، وإن كانت حادثة تسلسل.

والجواب : أنّا قد بيّنّا أنّ المادة منتفية ، وقد سلف تحقيقه.

قال : ( والقبليّة لا تستدعي الزمان ، وقد سبق تحقيقه ).

أقول : هذا جواب عن الشبهة الثالثة.

وتقريرها : أنّهم قالوا : كلّ حادث فإنّ عدمه سابق على وجوده ، وأقسام السبق منفيّة هنا إلاّ الزمانيّ ، فكلّ حادث يستدعي سابقيّة الزمان عليه ، فالزمان إن كان حادثا لزم أن يكون زمانيّا ، وهو محال ، وإن كان قديما - وهو مقدار الحركة - لزم قدمها ، لكنّ الحركة صفة للجسم ، فيلزم قدمه.

والجواب : ما تقدّم في مبحث السبق من أنّ السبق لا يستدعي الزمان ، وإلاّ تسلسل.

ص: 332

[ الفصل الرابع : في الجواهر المجرّدة ]

اشارة

قال : ( الفصل الرابع : في الجواهر المجرّدة. أمّا العقل فلم يثبت دليل على امتناعه ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الجواهر المقارنة للمادّة ، شرع في البحث عن الجواهر المجرّدة عنها ، ولبعدها عن الحسّ أخّرها عن المقارنات.

وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى : في العقول المجرّدة.

اعلم أنّ جماعة من المتكلّمين نفوا هذه الجواهر ، واحتجّوا بأنّه لو كان هاهنا موجود ليس بجسم ولا جسماني لكان مشاركا لواجب الوجود في هذا الوصف ، فيكون مشاركا له في ذاته (1).

وهذا كلام سخيف ؛ لأنّ الاشتراك في الصفات السلبيّة لا يقتضي الاشتراك في الذات ؛ فإنّ كلّ بسيطين يشتركان في سلب ما عداهما عنهما مع انتفاء الشركة بينهما في الذات. بل الاشتراك في الصفات الثبوتيّة لا يقتضي اشتراك الذوات ؛ لأنّ الأشياء المختلفة قد يلزمها لازم واحد كالشمس والنار والحركة بالنسبة إلى الحرارة ، فإذا

ص: 333


1- انظر : « المحصّل » : 230 - 231 ؛ « المطالب العالية » 7 : 25 - 28 ، وقد نسبه في الأوّل إلى جمهور المتكلّمين ، وفي الثاني إلى أكثر المتكلّمين. ولمزيد المعرفة راجع « شرح المواقف » 6 :1. 277 و 7 : 247 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 141 - 144 و 3 : 5 - 8.

ثبت ذلك لم يلزم من كون هذه الجواهر المجرّدة مشاركة للواجب تعالى في وصف التجرّد - وهو سلبيّ - مشاركتها له في الحقيقة ، فلهذا لم يجزم المصنّف بنفي هذه الجواهر المجرّدة.

قال : ( وأدلّة وجوده مدخولة كقولهم : « الواحد لا يصدر عنه أمران » ولا سبق لمشروط باللاحق في تأثيره أو وجوده ، وإلاّ لما انتفت صلاحية التأثير عنه ؛ لأنّ المؤثّر هنا مختار ).

أقول : لمّا بيّن انتفاء الجزم بعدم الجوهر المجرّد الذي هو العقل ، شرع في بيان انتفاء الجزم بثبوته ، وذلك ببيان ضعف أدلّة المثبتين.

اعلم أنّ أكثر الفلاسفة (1) ذهبوا إلى أنّ المعلول الأوّل هو العقل الأوّل ، وهو موجود مجرّد عن الأجسام والموادّ في ذاته وتأثيره معا ، ثمّ إنّ ذلك العقل يصدر منه عقل وفلك ؛ لتكثّره باعتبار كثرة الجهات الحاصلة عن ذاته باعتبار التجرّد والإمكان الموجب إلى افتقاره إلى فاعله ، فباعتبار التجرّد يؤثّر في العقل الثاني ، وباعتبار الإمكان [ يؤثّر ] في الفلك الأعظم ، ثمّ يصدر عن العقل الثاني عقل ثالث وفلك ثان ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى العقل الأخير ، وهو المسمّى بالعقل الفعّال والعقل العاشر ، وإلى الفلك الأخير التاسع وهو فلك القمر ، فيكون تعيين العدد بملاحظة الأفلاك التي هي من الآثار.

واستدلّوا على إثبات الجواهر المجرّدة - التي هي العقول - بوجوه (2) :

الأوّل : أنّ اللّه تعالى واحد من جميع الجهات ذاتا وصفة ، فلا يكون علّة للمتكثّر ، فيكون الصادر عنه واحدا ، فلا يخلو إمّا أن يكون جسما أو مادّة أو صورة أو نفسا

ص: 334


1- انظر : « الشفاء » الإلهيات : 402 - 409 ؛ « النجاة » : 273 - 280 ؛ « المعتبر في الحكمة » 3 : 145 - 168 ؛ « المباحث المشرقية » 2 : 453 - 463 ، و 526 - 535 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 243 - 263 ؛ « شرح الهداية الأثيرية » للميبدي : 182 - 193.
2- انظر : المصادر السابقة في الهامش المتقدّم.

أو عرضا أو عقلا ، والأقسام كلّها باطلة سوى الأخير.

أمّا الأوّل : فلأنّ كل جسم مركّب من المادّة والصورة ، وقد بيّنّا أنّ المعلول الأوّل يكون واحدا.

وإلى هذا القسم أشار بقوله : « الواحد لا يصدر عنه أمران ».

وامّا الثاني : فلأنّ المادّة هي الجوهر القابل ، فلا تصلح للفاعليّة ؛ لأنّ نسبة القبول نسبة الإمكان ، ونسبة الفاعليّة نسبة الوجوب ، ويستحيل أن تكون نسبة الشيء الواحد إلى الواحد نسبة إمكان ووجوب. وإذا لم تصلح المادّة للفاعليّة لم تكن هي المعلول الأوّل والسابق على غيره ؛ لأنّ المعلول الأوّل يجب أن يكون علّة فاعليّة لما بعده.

وإلى هذا القسم أشار بقوله : « وإلاّ لما انتفت صلاحية التأثير عنه » أي لا يكون المعلول الأوّل هو المادّة التي لا تصلح أن تكون فاعلا ، وإلاّ لم تكن سابقة على غيرها ؛ لعدم صلاحية الفاعليّة ، فلم تكن هي المعلول الأوّل ؛ لما بيّنّا أنّ المعلول سابق على غيره من المعلولات.

وأمّا الثالث : فلأنّ الصورة مفتقرة في فاعليّتها وتأثيرها إلى المادّة ؛ لأنّها إنّما تؤثّر إذا كانت موجودة شخصيّة ، وإنّما تكون كذلك إذا كانت مقارنة للمادّة ، فلو كانت الصورة هي المعلول الأوّل السابق على غيره ، لكانت مستغنية علّيّتها عن المادّة ، وهو محال.

فالحاصل : أنّ الصورة محتاجة في وجودها الشخصي إلى المادّة ، فلا تكون سابقة عليها وعلى غيرها من الممكنات ؛ لاستحالة اشتراط السابق باللواحق.

وإلى هذا أشار بقوله : « ولا سبق لمشروط » أي الصورة المشروطة « باللاحق » أي بالمادّة « في وجوده ».

وأمّا الرابع : فلأنّ النفس إنّما تفعل بواسطة البدن ، فلو كانت هي المعلول الأوّل لكانت علّة لما بعدها من الأجسام فتكون مستغنية في فعلها عن البدن ، فلا تكون

ص: 335

نفسا بل عقلا ، وهو محال ؛ لأنّها مشروط تأثيرها بالأجسام ، فلو كانت سابقة عليها لكان السابق مشروطا باللاحق في تأثيره المستند إليه ، وهو محال ؛ لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه.

وإلى هذا أيضا أشار بقوله : « ولا سبق لمشروط » أي النفس المشروطة « باللاحق » أي الجسم « في تأثيره ».

وأمّا الخامس : فلأنّ العرض محتاج في وجوده إلى الجوهر ، فلو كان المعلول الأوّل عرضا لكان علّة للجواهر كلّها ، فيكون السابق مشروطا في وجوده باللاحق ، وهو باطل بالضرورة.

وإليه أشار بقوله : « ولا سبق لمشروط باللاحق في وجوده ».

فالحاصل : أنّ الصورة والعرض مشروطان بالمادّة والجوهر ، فلا يكونان سابقين عليهما. والنفس إنّما تؤثّر بواسطة الجسم ، فلا تكون متقدّمة عليه تقدّم العلّة على المعلول ، وإلاّ لاستغنت في تأثيرها عنه. فتعيّن أن يكون المعلول الأوّل هو العقل ، وهو المطلوب.

إذا عرفت هذا الدليل ، فنقول - بعد تسليم أصوله - : إنّه إنّما يتمّ لو كان المؤثّر موجبا ، أمّا إذا كان مختارا فلا ؛ فإنّ المختار تتعدّد آثاره وأفعاله بتعدّد إرادته أو تعلّقاتها أو تعدّد متعلّقها كما ورد أنّه تعالى « خلق الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها » (1). وسيأتي الدليل على أنّه مختار.

قال : ( وقولهم : استدارة الحركة توجب الإرادة المستلزمة للتشبّه بالكامل ؛ إذ طلب الحاصل فعلا أو قوّة يوجب الانقطاع ، وغير الممكن محال ؛ لتوقّفه على دوام ما أوجبنا انقطاعه ، وعلى حصر أقسام الطلب ، مع المنازعة في امتناع طلب المحال ).

ص: 336


1- « التوحيد » : 148 / 19 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، و 339 / 8 باب المشيئة والإرادة.

أقول : هذا هو الوجه الثاني من الوجوه التي استدلّوا بها على إثبات العقول المجرّدة مع الجواب عنه.

وتقرير الدليل : أن نقول : حركات السماوات إراديّة ؛ لأنّها مستديرة ، لأنّ الحركة إمّا طبيعيّة أو قسريّة ، والمستديرة لا تكون طبيعيّة ؛ لأنّ المطلوب بالطبع لا يكون متروكا بالطبع ، وكلّ جزء من المسافة في الحركة المستديرة فإنّ تركه بعينه هو التوجّه إليه ، وإذا انتفت الطبيعيّة انتفت القسريّة ؛ لأنّ القسر على خلاف الطبع ، وحيث لا طبع فلا قسر ، فثبت أنّها إراديّة. وكلّ حركة إراديّة فإنّها تستدعي مطلوبا ؛ لأنّ العبث لا يدوم ، وذلك المطلوب يجب أن يستكمل الطالب به ، وإلاّ لم يتوجّه بالطلب نحوه.

وذلك المطلوب إمّا محسوس أو معقول ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لأنّ طلب المحسوس إمّا أن يكون للجذب أو للدفع ، وجذب الملائم شهوة ودفع المنافر غضب ، وهما على الفلك محالان ؛ لأنّهما مختصّان بالجسم الذي ينفعل ويتغيّر من حالة ملائمة إلى غيرها وبالعكس ، والأجرام السماويّة لا تنخرق ولا تلتئم ولا تتغيّر من حالة إلى أخرى ، فتعيّن أن يكون ذلك المطلوب معقولا.

وذلك المعقول إمّا محال أو ممكن حاصل ، أو ممكن الحصول الذي لا ينال أصلا ، وهو المراد من الحاصل قوّة ، أو ينال مستقرّا أو متعاقبا مع الانتهاء أو بدون الانتهاء ، وطلب المحال محال ، وطلب ما ينال يوجب انقطاع الحركة ، وكذا ما لا ينال ؛ لحصول اليأس ، وكذا ما ينال مستقرّا أو متعاقبا مع الانتهاء ، كما سيأتي ، فتعيّن الأخير ، فإمّا أن يكون ذلك المطلوب كمالا في نفسه أو لا. والثاني محال ، وإلاّ لجاز انقطاع الحركة ؛ لأنّه لا بدّ وأن يظهر أنّ المطلوب ليس بكمال في ذاته فيترك الطلب ، وإذا كان المطلوب كمالا حقيقيّا فإمّا أن يحصل بالكلّيّة ، وهو محال ، وإلاّ لوقفت الحركة كما مرّ ، فيجب أن يحصل على التعاقب.

ولمّا كانت كمالات الفلك حاضرة بأسرها سوى الوضع ؛ لأنّه كامل في جوهره ،

ص: 337

وباقي مقولاته غير الوضع ؛ فإنّ أوضاعه الممكنة ليست حاضرة بأسرها ؛ إذ لا وضع يحصل له إلاّ وهناك أوضاع لا نهاية لها معدومة عنه ، ولا يمكن حصولها دفعة ، فهي إنّما تحصل على التعاقب.

ثمّ إنّ الفلك لمّا تصوّر كمال العقل وأنّه لم يبق فيه شيء بالقوّة إلاّ وقد خرج إلى الفعل ، اشتاق إلى التشبّه به في ذلك ؛ ليستخرج باقيه من القوّة إلى الفعل ، ولمّا تعذّر ذلك دفعة استخرج كماله في أوضاعه على التعاقب.

فقد ظهر من هذا وجود عقل يتشبّه به الفلك في حركته ، فإن كان واحدا لزم تشابه الحركات الفلكيّة في الجهات والسرعة والبطء ، وليس كذلك ، فيجب وجود عقول متكثّرة بحسب تكثّر الحركات في الجهة والسرعة والبطء.

لايقال : لم لا يتحرّك لأجل نفع السافل؟ أو لم لا تختلف السرعة والبطء والجهة كذلك؟

لأنّا نقول : الفلكيّات أشرف من هذا العالم ، ويستحيل أن يفعل العالي شيئا لأجل السافل ، وإلاّ لكان مستكملا به ، فالكامل مستكمل بالناقص ، وهذا خلف ، فلا يمكن أن تكون الحركة في أصلها ولا في هيئتها لأجل نفع السافل.

وبالجملة ، فهذا تقرير الدليل.

والجواب : أنّ هذا مبنيّ على دوام الحركة ، وقد بيّنّا حدوث العالم فيجب انقطاعها ، فبطل هذا الدليل من أصله.

وأيضا فهذا الدليل يتوقّف على حصر أقسام الطلب ، والأقسام التي ذكروها ليست حاصرة ؛ لاحتمال كون طلب المحسوس لمعرفته أو نحوها.

سلّمنا ، لكن لم لا يجوز أن يكون الطلب لما يستحيل حصوله أو لما هو حاصل ولا شعور للطالب بذلك ، ويمنع وجوب الشعور بذلك؟

ثمّ نقول : لا نسلّم أنّ الحركة الفلكيّة دوريّة فلم لا يتحرّك على الاستقامة؟

سلّمنا أنّها دوريّة ، لكنّ الحركة ليست مقصودة بالذات بل إنّها تراد لغيرها ،

ص: 338

فلم حصرتم ذلك الغير في استخراج الأوضاع؟ ولم لا يجوز أن يكون للفلك كمالات غير الأوضاع معدومة كالتعقّلات المتجدّدة؟

وأيضا فلم أوجبتم الحركة في الوضع للتشبيه باستخراج أنواع الأوضاع ، ولم توجبوا استخراج باقي الأعراض من الكمّ والكيف؟ ولم أوجبتم وجود عقل يشبّه به الفلك ولم توجبوا وجود نور غيره؟ ولم لا يقال : إنّ خروج الأوضاع كمال مفقود ، فيتحرّك لطلبه من غير حاجة إلى متشبّه به؟

سلّمنا ، لكن لم أحلتم نفع السافل؟ وحديث الاستفادة - مع أنّه خطابيّ - غير لازم.

وبالجملة ، فهذا الوجه ضعيف جدّا.

إذا عرفت هذا ، فنرجع إلى تطبيق ألفاظ الكتاب :

فقوله : « وقولهم » يقرأ بالجرّ عطفا على قوله : « قولهم » في قوله : « كقولهم ».

وقوله : « استدارة الحركة توجب الإرادة » إشارة إلى ما نقلناه عنهم من أنّ الحركة المستديرة لا تكون إلاّ إذا أراد بها شيئا.

وقوله : « المستلزمة للتشبّه بالكامل » إشارة إلى أنّ الغاية من الحركة ليس كمالا لا يحصل دفعة ولا ممتنع الحصول ، بل هو التشبّه الحاصل على التعاقب.

وقوله : « إذ طلب الحاصل فعلا أو قوّة يوجب الانقطاع » إشارة إلى أنّ ذلك الكمال ليس حاصلا بالفعل وإلاّ لوقفت الحركة ، ولا بالقوّة التي يمكن حصولها دفعة أو نحو ذلك ؛ لذلك أيضا.

وقوله : « وغير الممكن محال » إشارة إلى أنّ الكمال إذا امتنع استحال طلبه.

وقوله : « لتوقّفه على دوام ما أوجبنا انقطاعه » إشارة إلى بيان ضعف هذا الدليل ؛ فإنّه مبنيّ على دوام الحركة ، وقد بيّنّا وجوب انقطاعها حيث بيّنّا حدوثها.

وقوله : « على حصر أقسام الطلب » عطف على قوله : « على دوام » وإشارة إلى اعتراض ثان ، وهو أن نمنع حصر أقسام الطلب فيما ذكر.

وقوله : « مع المنازعة في امتناع طلب المحال » إشارة إلى اعتراض آخر ، وهو أنّا

ص: 339

نمنع استحالة طلب المحال بجواز الجهل على الطالب.

قال : ( وقولهم (1) : لا علّيّة بين المتضايفين ، وإلاّ لأمكن الممتنع وعلّل الأقوى بالأضعف ؛ لمنع الامتناع الذاتي ).

أقول : هذا هو الوجه الثالث من الوجوه التي استدلّوا بها على إثبات العقول.

وتقريره أن يقال : إنّ الأفلاك ممكنة فلها علّة ، فهي إن كانت غير جسم ولا جسمانيّ ثبت المطلوب.

وإن كانت العلّة أمرا جسمانيّا لزم الدور ؛ لتوقّفه على الجسم المتوقّف على علّة الأفلاك.

وإن كانت جسما ، فإمّا أن يكون الحاوي علّة للمحويّ أو بالعكس ، والثاني محال ؛ لأنّ المحويّ أضعف من الحاوي ، فلو كان علّة لزم تعليل الأقوى - الذي هو الحاوي - بالأضعف الذي هو المحويّ ، وهو محال. والأوّل - وهو أن يكون الحاوي علّة في المحويّ - محال أيضا.

وبيانه يتوقّف على مقدّمات :

إحداها : أنّ الجسم لا يكون علّة إلاّ بعد صيرورته شخصا معيّنا ، وهو ظاهر ؛ لأنّه إنّما يؤثّر إذا صار موجودا بالفعل ولا وجود لغير الشخص.

الثانية : أنّ المعلول حال فرض العلّة ووجوبها (2).

الثالثة : أنّ الأشياء المتصاحبة لا تتخالف في الوجوب والإمكان.

إذا عرفت هذا ، فنقول : لو كان الحاوي علّة للمحويّ لكان متقدّما بشخصه المعيّن على وجود المحويّ ، فيكون المحويّ حينئذ ممكنا ، فيكون انتفاء الخلاء ممكنا ؛ لأنّه

ص: 340


1- لفظة « وقولهم » ساقطة من بعض نسخ « التجريد » ، والظاهر أنّها من سهو النسّاخ ، ويؤيّد ذلك أنّ الشارح رحمه اللّه قد أسقطها عند تطبيق ألفاظ الكتاب ، كما سيأتي في الصفحة 341.
2- كذا في الأصل ، والعبارة - كما يبدو - ناقصة. وفي « كشف المراد » : 181 هكذا وردت : « الثانية : أنّ المعلول حال فرض وجود العلّة يكون ممكنا ، وإنّما يلحقه الوجوب بعد وجود العلّة ووجوبها ».

مصاحب لوجود المحويّ ، لكنّ الخلاء ممتنع لذاته.

والجواب - بعد تسليم امتناع الخلاء - : أنّا لا نسلّم كون الامتناع ذاتيّا.

إذا عرفت هذا ، فنرجع إلى تطبيق ألفاظ الكتاب ، فنقول :

قوله : « لا علّيّة بين المتضايفين » الذي يفهم من هذا الكلام أنّه لا علّيّة بين الحاوي والمحويّ ، وسمّاهما المتضايفين ؛ لأنّه أخذهما من حيث هما حاو ومحويّ ، وهذان الوصفان من باب المضاف.

وقوله : « وإلاّ لأمكن الممتنع » إشارة إلى ما مرّ من إمكان الخلاء الممتنع لذاته على تقدير كون الحاوي علّة.

وقوله : « أو علّل الأقوى بالأضعف » إشارة إلى ما بيّنّاه من كون الضعيف علّة في القويّ على تقدير كون المحويّ علّة للحاوي.

وقوله : « لمنع الامتناع الذاتي » إشارة إلى ما بيّنّاه في الجواب من المنع من كون الخلاء ممتنعا لذاته.

واعلم أنّ بعض (1) أهل الإشراق استدلّ بالبرهان الأشرف على ثبوت العقل ، وهو أنّ الواجب تعالى أشرف العلل ، فيجب أن يكون معلوله أشرف المعلولات بكونه مجرّدا عن المادّة ، وصاحب الكمالات الفعليّة من غير أن يكون فيه القوّة ، وعدم اشتماله على جهة النقص إلاّ نقص الإمكان والحدوث والحاجة ، فيكون بالفعل صاحب نحو العلم والقدرة من الكمالات الذاتيّة ، وهو المراد بالعقل كما ورد في النقل « أنّ أوّل ما خلق اللّه العقل » (2) ويطابقه العقل ؛ لأنّ المقتضي - وهو المبدأ الفيّاض - موجود ، والمانع مفقود.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ عدم الإرادة مانع ، مضافا إلى إمكان أن يقال : إنّ أوّل

ص: 341


1- هذا البعض هو صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ، انظر كتابه « الأسفار الأربعة » 7 : 263.
2- « عوالي اللآلئ » 4 : 99 / 141 ؛ « مكارم الأخلاق » 2 : 332 / 2656.

ما خلق اللّه هو النور الأحمدي صلی اللّه علیه و آله ، لا العقل ، كما يستفاد من النقل ، كقوله صلی اللّه علیه و آله : « أوّل ما خلق اللّه نوري » (1) لإمكان الجمع بإرجاع العقل إلى النقل لتكاثره البالغ إلى حدّ القطع ظاهرا ، فلا بدّ من التخصيص الموضوعي ؛ حذرا عن الاجتهاد في مقابل النصّ فإنّ المراد من العقل هو النور المحمّدي صلی اللّه علیه و آله الاتّفاق وإلاّ فمجال المنع واسع.

المسألة الثانية : في النفس الناطقة.

قال : ( وأمّا النفس فهي كمال أوّل لجسم طبيعيّ آليّ ذي حياة بالقوّة ).

أقول : هذا هو البحث عن أحد أنواع الجوهر ، وهو البحث عن النفس الناطقة.

وقبل البحث عن أحكامها شرع في تعريفها.

اعلم أنّ النفس - كما يستفاد من كلمات القوم - جوهر مجرّد مفارق عن المادّة في ذاته دون فعله ، ويدبّر في البدن تدبير الملك المقتدر بالقدرة التامّة في مملكته ، ولهذا ورد : « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » (2) فإنّ النفس إذا أرادت من العين الانفتاح تنفتح من غير حاجة إلى كلام ، وكذا سائر الأعضاء والجوارح في آثارها بحيث إذا أرادت أمرا يكون ، فإذا عرف تسلّط الرئيس الممكن على مرءوسه على هذا المنوال ، عرف ربّه الواجب ذا الجلال ، وإن احتمل الحديث غير ذلك المعنى أيضا كالتعليق بالمحال.

وقد يطلق لفظ النفس على المادّي كالنفس الجمادية التي هي مبدأ حفظ التركيب ، والنفس النباتيّة التي هي مبدأ التغذية والتنمية والتوليد ونحوها ، والنفس

ص: 342


1- « عوالي اللآلئ » 4 : 99 / 140 ؛ « بحار الأنوار » 15 : 24 / 44 ، و 25 : 22 / 38.
2- ورد في « المناقب » للخوارزمي ، الفصل 24 في جوامع كلامه : 375 / 395 ، و « نور الأبصار » : 166 عن عليّ علیه السلام ، وفي « عوالي اللآلئ » 4 : 103 / 149 ، و « بحار الأنوار » 2 : 32 / 22 و « مصابيح الأنوار » 1 : 204 / 30 عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

الحيوانيّة التي هي مبدأ الحسّ والحركة الإراديّة ويجعل النفس الأرضيّة اسما لهما.

وقد يطلق على النفس الحيوانيّة الروح البخاري ، وهو البخار الراكب للدم الحامل له ، ويقال له بالفارسيّة « جان » كما يقال للنفس الناطقة بالفارسيّة « روان » قال اللّه تعالى : ( وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) (1) ولها باعتبار الآثار قوّة عاقلة مسمّاة بالعقل النظري كالنفس ، وقوّة عاملة تحرّك بدن الإنسان إلى الأفعال الجزئيّة بالفكر والرويّة مسمّاة بالعقل العملي كالنفس.

وللقوّة العاقلة مراتب أربع :

الأولى : العقل الهيولاني المستعدّ للمعقولات.

الثانية : العقل بالملكة لحصول المعقولات البديهية بنحو الإحساس الموجب لحصول ملكة استعداد الانتقال إلى النظريّات.

الثالثة : العقل بالفعل بحصول المعقولات النظريّة وكونها مخزونة من غير استحضارها.

الرابع : العقل بالمستفاد باستحضار المعقولات المكتسبة. وللعاملة أيضا مراتب :

الأولى : مرتبة النفس الأمّارة من جهة غلبة الغضب والشهوة.

الثانية : اللوّامة.

الثالثة : القدسيّة بتوسّط القوّة الشهويّة بالعفّة ، والغضبيّة بالشجاعة ، والعقليّة بالفطانة.

الرابعة : المطمئنّة.

الخامسة : الراضية المرضيّة.

ص: 343


1- الشمس (91) : 7 - 10.

قال اللّه تعالى : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (1) و ( لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) (2) و ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) (3).

وبالجملة ، فالظاهر أنّ النفس جوهر مجرّد أو مادّي تعلّق بالأجسام تعلّق التدبير والتصرّف ، وليس بعرض أو نحوه كما هو ظاهر جعله كمالا.

وقد عرّفها الحكماء أنّها كمال أوّل لجسم طبيعيّ آليّ ذي حياة بالقوّة (4).

والمراد بالكمال ما يكمل به النوع إمّا في ذاته ويسمّى كمالا أوّلا كصورة السيف للحديد ، أو في صفاته ويسمّى كمالا ثانيا كالقطع للسيف.

و « الجسم » يخرج المجرّدات ، و « الطبيعيّ » يخرج صور الجسم الصناعي كهيئة السرير والسيف ، و « الآلي » يخرج نحو المعدني ممّا يؤثّر بالخاصّيّة لا بالآلة.

والمراد ب- « ذي الحياة بالقوّة » المخرج للنفس الفلكيّة - على زعمهم - ما يمكن أن يصدر عنه ما يصدر عن الأحياء ، لا ما تكون حياته بالقوّة ، كما هو المتبادر حتّى يخرج النفوس الحيوانيّة والإنسانيّة. وقد وافقهم المصنّف.

وعرّفوا النفس بالكمال دون الصورة ؛ لأنّ النفس الإنسانيّة غير حالّة في البدن ، فليست صورة له بل هي كمال له ، ولكنّ الكمال منه أوّل وهو الذي يتنوّع به الشيء كالفصول ، ومنه ثان وهو ما يعرض للنوع بعد كماله من صفاته اللازمة والعارضة ، فالنفس من القسم الأوّل ، وهي كمال لجسم طبيعيّ غير صناعيّ كالسرير وغيره ، وليست كمالا لكلّ طبيعي حتّى البسائط ، بل هي كمال لجسم طبيعيّ آليّ تصدر عنه الأفعال بواسطة الآلات ، ويصدر عنه ما يصدر عن ذي الحياة ، وهي التغذّي والتنمية والتوليد والإدراك والحركة الإراديّة والنطق.

ص: 344


1- يوسف (12) : 53.
2- القيامة (75) : 9.
3- الفجر (89) : 27 - 28.
4- انظر : « الشفاء » الطبيعيات 2 : 10 ، الفصل الأوّل من المقالة الأولى من الفنّ السادس ؛ « النجاة » 158 ؛ « رسالة الحدود » لابن سينا : 14 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 290 - 291 ؛ « المباحث المشرقية » 2 : 231 وما بعدها.
المسألة الثالثة : في أنّ النفس الناطقة ليست هي المزاج.

قال : ( وهي مغايرة لما هي شرط فيه ؛ لاستحالة الدور ).

أقول : لمّا كانت النفس الإنسانيّة مرقاة لمعرفة الصانع وصفاته ، أراد بيان أحوالها.

اعلم أنّه ذهب المحقّقون إلى أنّ النفس الناطقة مغايرة للمزاج (1) ، خلافا لما حكي عن بعض الناس (2) من أنّ النفس عين المزاج الذي ينتفي بتلاشي البدن.

واستدلّوا (3) عليه بثلاثة أوجه :

الأوّل : ما ذكره الأوائل ، وهو أنّ النفس الناطقة شرط في حصول المزاج ؛ لأنّ المزاج إنّما يحصل من حصول العناصر المتضادّة المتسارعة إلى الانفكاك المجبورة على الاجتماع ، فعلّة ذلك الاجتماع يجب أن تكون متقدّمة عليه ، وكذا شرط الاجتماع وهو النفس الناطقة ، فلا تكون هي المزاج المتأخّر عن الاجتماع ؛ لاستحالة تقدّم الشيء على نفسه وتأخّره عنها. مع أنّ المزاج إذا كان موقوفا على الاجتماع ، والاجتماع موقوفا على النفس التي هي شرط له ، يستلزم كون النفس عين المزاج الأوّل.

وفي هذا الوجه نظر ؛ لأنّهم علّلوا حدوث النفس بالاستعداد الحاصل من المزاج ، فكيف جعلوا الآن علّة حدوث الاجتماع النفس؟!

قال : ( وللممانعة في الاقتضاء ).

أقول : هذا هو الوجه الثاني.

ص: 345


1- انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 298 وما بعدها ؛ « المباحث » : 67 / 92 ؛ « التحصيل » : 729 وما بعدها.
2- كما في « الشفاء » 2 : 15 ، الفصل الثاني من المقالة الأولى في النفس ؛ « شرح المواقف » 7 : 250 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 305.
3- لاستيفاء البحث حول النفس والمناقشة فيها راجع « الشفاء » 2 : 14 - 21 ، الفصل الثاني من المقالة الأولى في النفس ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 298 وما بعدها ؛ « التحصيل » : 729 - 739 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 303 - 316.

وتقريره : أنّ المزاج قد يمانع النفس في مقتضاها ؛ فإنّ النفس قد تقتضي الحركة إلى جانب ويقتضي المزاج [ الحركة ] إلى جانب آخر ، كالصعود والهبوط ، وتضادّ الآثار يستدعي تضادّ المؤثّر ، فها هنا الممانعة بين النفس والمزاج في جهة الحركة.

وكذلك قد تقع الممانعة بينهما في نفس الحركة ، بأن تكون الحركة نفسانيّة لا يقتضيها المزاج ، كما في حال حركة الإنسان على وجه الأرض ؛ فإنّ مزاجه يقتضي السكون عليها ، ونفسه تقتضي الحركة ، أو بأن تكون طبيعيّة تقتضيها ، كما في المتردّي من الهواء.

قال : ( ولبطلان أحدهما مع ثبوت الآخر ).

أقول : هذا هو الوجه الثالث الدالّ على أنّ النفس مغايرة للمزاج.

وتقريره : أنّ الطفل له مزاج يبطل في سنّ الشباب ونحوه مع ثبوت النفس ، ولا شكّ أنّ الباقي غير الزائل.

وقد يقرّر بأنّ الإدراك إنّما يكون بواسطة الانفعال ، فاللامس إذا أدرك شيئا لا بدّ وأن ينفعل عن الملموس ، فلو كان اللامس المزاج لبطل عند انفعاله وحدثت كيفيّة مزاجيّة أخرى ، وليس المدرك هو الكيفيّة الأولى ؛ لبطلانها ووجوب بقاء المدرك عند الإدراك ، ولا الثانية ؛ لأنّ المدرك لا بدّ وأن ينفعل عن المدرك ، والشيء لا ينفعل عن نفسه.

المسألة الرابعة : في أنّ النفس ليست هي البدن.

قال : ( ولما تقع الغفلة عنه ).

أقول : ذهب من لا تحصيل له إلى أنّ النفس الناطقة هي البدن (1).

وقد أبطله المصنّف رحمه اللّه بوجوه ثلاثة :

ص: 346


1- نسب إلى جمهور المتكلّمين كما في « المحصّل » : 538 ؛ « المطالب العالية » 8 : 35 ؛ « شرح المواقف » 7 : 250.

الأوّل : أنّ الإنسان قد يغفل عن بدنه وأعضائه وأجزائه الظاهرة والباطنة ، وهو متصوّر لذاته ونفسه ، فيجب أن يغايرها ، فقوله : « لما يقع الغفلة » عطف على قوله : « لما هي شرط فيه » أي والنفس مغايرة لما يقع الغفلة عنه ، أعني البدن.

قال : ( والمشاركة به ).

أقول : هذا هو الوجه الثاني الدالّ على أنّ النفس ليست هي البدن.

وتقريره : أنّ البدن جسم ، وكلّ جسم على الإطلاق فإنّه مشارك لغيره من الأجسام في الجسميّة ، فالإنسان يشارك غيره من الأجسام في الجسميّة ويخالفه في النفس الإنسانيّة ، وما به المشاركة غير ما به المباينة ، فالنفس غير الجسم. فقوله : « والمشاركة به » عطف على قوله : « الغفلة عنه » والمعنى أنّ النفس مغايرة لما تقع المشاركة به.

قال : ( والتبدّل فيه ).

أقول : هذا هو الوجه الثالث.

وتقريره : أنّ أعضاء البدن وأجزاءه تتبدّل كلّ وقت ويستبدل ما ذهب بغيره ؛ فإنّ الحرارة الغريزيّة تقتضي تحليل الرطوبات البدنيّة ، فالبدن دائما في التحلّل والاستخلاف ، والهويّة باقية من أوّل العمر إلى آخره ، والمبدّل مغاير للباقي ، فالنفس غير البدن. فقوله : « والتبدّل فيه » عطف على قوله : « والمشاركة به » أي النفس مغايرة لما يقع التبدّل فيه.

المسألة الخامسة : في تجرّد النفس.

قال : ( وهي جوهر مجرّد لتجرّد عارضها ).

أقول : اختلف الناس في ماهيّة النفس (1) ، وأنّها هل هي جوهر أم لا بكونها عرضا حالاّ في البدن غير الأعراض المشهورة؟

ص: 347


1- لمزيد الاطّلاع حول الأقوال في النفس انظر : « الشفاء » كتاب النفس 2 : 14 وما بعدها ؛ « المطالب العالية » 7 : 35 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 7 : 247 - 250 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 298 وما بعدها.

والقائلون بأنّها جوهر اختلفوا في أنّها هل هي جوهر مجرّد أم لا بكونها جسما مجاورا للبدن كالروح البخاري؟

والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلّمين من الإماميّة كالمفيد (1) منهم والغزالي (2) من الأشاعرة - على ما حكي - أنّها جوهر مجرّد ليس بجسم ولا جسمانيّ ، وهو الذي اختاره المصنّف ، واستدلّ على تجرّدها بوجوه :

الأوّل : تجرّد عارضها وهو العلم.

وتقرير هذا الوجه : أنّ هاهنا معلومات مجرّدة عن الموادّ كالواجب والكلّيّات ، فالعلم المتعلّق بها يكون لا محالة مطابقا لها ؛ فيكون مجرّدا لتجرّدها ، فمحلّه - وهو النفس - يجب أن يكون مجرّدا ، لاستحالة حلول المجرّد في المادّي.

أو يقال : إنّ الصورة المنطبعة في العقل مجرّدة ؛ لأنّها لا تقبل الإشارة الحسّيّة بالضرورة ، وهي خالية عن لواحق المادّة من الكمّ والكيف ونحوهما ، كما عن « الشفاء » (3) حتّى لا يتوجّه منع مساواة الصورة مع المعلوم في الماهيّة كما قيل ، فتكون النفس الناطقة التي هي محلّها مجرّدة ، وإلاّ يلزم كون الصورة العقليّة الحالّة فيها غير مجرّدة ؛ لأنّ اختصاص المحلّ بالمقدار المعيّن والأين المعيّن والوضع المعيّن يوجب اختصاص الحالّ به.

واعترض عليه بجواز كون العلم بانكشاف الأشياء على النفس من دون ارتسام ، وعدم مساواة الصورة للمعلوم في تمام الماهيّة ، ومنع اقتضاء اتّصاف المحلّ بصفة اتّصاف الحالّ بها ، كما أنّ الجسم يتّصف بالبياض دون الحركة الحالّة فيه ، مع أنّ المادّيّة العرضيّة لا تنافي التجرّد الذاتي ، فتدبّر. (4)

ص: 348


1- نقل عنه ذلك في كلّ من « المطالب العالية » 7 : 38 ؛ « كشف المراد » : 184.
2- نقل ذلك عنه أيضا في « المطالب العالية » 7 : 38 ؛ « كشف المراد » : 184 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 104.
3- « الشفاء » كتاب النفس 2 : 212.
4- إشارة إلى أنّ ذلك غير مندفع بالقول بالوجود الذهني ، بناء على عدم كونه بارتسام الصور. ( منه رحمه اللّه ).

قال : ( وعدم انقسامه ).

أقول : هذا هو الوجه الثاني ، وهو أنّ العارض للنفس - أعني العلم - غير منقسم ، فمحلّه - أعني المعروض - كذلك.

وتقرير هذا الدليل يتوقّف على مقدّمات :

إحداها : أنّ هاهنا معلومات غير منقسمة ، وهو ظاهر ؛ فإنّ واجب الوجود غير منقسم ، وكذا الحقائق البسيطة كالنقطة والوحدة.

الثانية : أنّ العلم بها غير منقسم ؛ لأنّه لو انقسم ، لكان كلّ واحد من جزأيه إمّا أن يكون علما أولا ، والثاني باطل ؛ لأنّه عند الاجتماع إمّا أن يحصل أمر زائد أولا ، فإن كان الثاني لم يكن ما فرضناه علما بعلم ، هذا خلف.

وإن كان الأوّل فذاك الزائد إمّا أن يكون منقسما فيعود البحث ، أو لا يكون فيكون العلم غير منقسم ، وهو المطلوب.

وإن كان كلّ جزء علما فإمّا أن يكون علما بكلّ ذلك المعلوم ، فيكون الجزء مساويا للكلّ ، وهذا خلف ، أو ببعضه فيكون ما فرضناه غير منقسم منقسما ، وهذا خلف.

الثالثة : أنّ محلّ العلم غير منقسم ؛ لأنّه لو انقسم لانقسم العلم ؛ لأنّه إن لم يحلّ في شيء من أجزائه لم يحلّ في ذلك المحلّ ، وإن حلّ فإمّا أن يكون في جزء غير منقسم ، وهو المطلوب ، أو في أكثر فإمّا أن يكون الحالّ في أحدها عين الحالّ في الآخر ، وهو محال بالضرورة ، أو غيره فيلزم الانقسام.

الرابعة : أنّ كلّ جسم وكلّ جسمانيّ فهو منقسم ؛ لأنّا قد بيّنّا أن لا وجود لوضعيّ غير منقسم.

وإذا ثبتت هذه المقدّمات ثبت تجرّد النفس.

وفيه نظر ؛ للمنع من كون العلم بطريق الارتسام ، ومن مساواة الصورة للمعلوم سيّما في الانقسام ، ومن استلزام انقسام المحلّ انقسام الحالّ إذا لم يكن الحلول

ص: 349

سريانيّا بأن كان طريانيّا ، ومن كون كلّ مادّيّ منقسما ، فإنّ النقطة مادّيّة غير منقسمة.

قال : ( وقوّتها على ما تعجز المقارنات عنه ).

أقول : هذا هو الوجه الثالث.

وتقريره أنّ النفس البشريّة تقوى على ما لا تقوى عليه المقارنات للمادّة فلا تكون مادّيّة ؛ لأنّها تقوى على ما لا يتناهى ؛ لأنّها تقوى على تعقّلات الأعداد غير المتناهية - وقد بيّنّا أنّ القوّة الجسمانيّة لا تقوى على ما لا يتناهى - فتكون مجرّدة.

وفيه نظر ؛ لأنّ التعقّل قبول وانفعال لا فعل ، وقبول ما لا يتناهى للجسمانيّات ممكن ، كما في الموادّ العنصريّة.

ولو سلّم أنّه فعل ، فالتعقّل لغير المتناهي بالقوّة مشترك فيه بين النفس والقوى الجسمانيّة ، والفعليّ ممنوع.

قال : ( ولحصول عارضها بالنسبة الى ما يعقل محلاّ منقطعا ).

أقول : هذا هو الوجه الرابع.

وتقريره : أنّ النفس لو حلّت في جسم من قلب أو دماغ لكانت دائمة التعقّل ، أو كانت لا تعقله أصلا ، والتالي باطل بقسميه ، فكذا المقدّم.

بيان الشرطيّة : أنّ القوّة العاقلة إذا حلّت في قلب أو دماغ ، لم يخل إمّا أن تكفي صورة ذلك المحلّ أو حضوره في التعقّل ، أو لا تكفي ، فإن كفت لزم حصول التعقّل دائما ؛ لدوام تلك الصورة للمحلّ ، وإن لم تكف لا تعقله أصلا ؛ لاستحالة أن يكون تعقّلها مشروطا بحصول صورة أخرى لمحلّها فيها ، وإلاّ لزم اجتماع المثلين.

وأمّا بطلان التالي فظاهر ؛ لأنّ النفس تعقل القلب والدماغ في وقت دون وقت.

والحاصل أنّه يحصل العلم - الذي هو عارض للنفس الناطقة بالنسبة إلى ما يفرض محلاّ لها - منقطعا في وقت دون وقت لا دائما ، فلا تكون حالّة فيه ؛ لاستلزام الحلول دوام التعقّل أو عدمه رأسا ، كما مرّ.

ص: 350

وأورد عليه : بإمكان توقّف التعقّل على أمر آخر كتوجّه النفس ونحو ذلك (1).

قال : ( ولاستلزام استغناء العارض استغناء المعروض ).

أقول : هذا وجه خامس يدلّ على تجرّد النفس العاقلة.

وتقريره : أنّ النفس تستغني في عارضها - وهو التعقّل - عن المحلّ ، فتكون في ذاتها مستغنية ؛ لأنّ استغناء العارض يستلزم استغناء المعروض ؛ لأنّ العارض محتاج إلى المعروض ، فلو كان المعروض محتاجا إلى شيء لكان العارض أولى بالاحتياج إليه ، فإذا استغنى العارض وجب استغناء المعروض.

وبيان استغناء التعقّل عن المحلّ أنّ النفس تدرك ذاتها لذاتها لا لآلة ، وكذا تدرك آلتها وتدرك إدراكها لذاتها ولآلتها ، كلّ ذلك من غير آلة تتوسّط بينها وبين هذه المدركات. فإذن هي مستغنية في إدراكها لذاتها ولآلتها ولإدراكها عن الآلة ، فتكون في ذاتها مستغنية عن الآلة أيضا.

فقوله رحمه اللّه : « ولاستلزام استغناء العارض » عنى بالعارض هاهنا التعقّل.

وقوله : « استغناء المعروض » عنى به النفس التي يعرض لها التعقّل.

فاعترض عليه بأنّه عين الوجه الأوّل (2).

قال : ( ولانتفاء التبعيّة ).

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أنّ هذا وجه آخر دالّ على تجرّد النفس.

وتقريره : أنّ القوّة المنطبعة في الجسم تابعة له في الضعف والكلال ، فإنّها تضعف بضعف ذلك الجسم الذي هو شرط فيها ، والنفس بالضدّ من ذلك فإنّها حال ضعف الجسم - كما في وقت الشيخوخة - تقوى وتكثر تعقّلا ، فلو كانت جسمانيّة لضعفت بضعف محلّها وليس كذلك ، فلمّا انتفت تبعيّة النفس للجسم في حال ضعفه دلّ ذلك على أنّها ليست جسمانيّة.

ص: 351


1- هذا الإيراد ذكره القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 199.
2- الاعتراض للقوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 200.

والإيراد باقتضاء حصول الخرافة في أواخر سنّ الشيخوخة كون النفس جسمانيّة مدفوع بأنّ ذلك لاستغراق النفس في تدبير البدن المشرف تركيبه إلى الانحلال ، فإنّه مانع عن التعقّل المحتاج إلى الالتفات.

وقد يقال : يجوز أن تضعف القوّة العاقلة لضعف البدن ، وكان ما يرى من ازدياد التعقّل بسبب اجتماع علوم كثيرة والتمرّن والاعتياد ، وفي آخر سنّ الشيخوخة يستولي الضعف بحيث لا يبقى أثر للتمرّن والامتحان فتعرض الخرافة.

وأيضا يجوز أن يكون المزاج الحاصل في زمان الكهولة أوفق للقوّة العاقلة من سائر الأمزجة وبذلك تحصل القوّة (1).

قال : ( ولحصول الضدّ ).

أقول : هذا وجه سابع يدلّ على تجرّد النفس.

وتقريره : أنّ القوّة الجسمانيّة عند توارد الأفعال عليها وكثرتها تضعف وتكلّ ؛ لأنّها تنفعل عنها ؛ فإنّ من نظر طويلا إلى قرص الشمس لا يدرك في الحال غيرها إدراكا تامّا ، وكذا السامعة فإنّها بعد سماع الرعد الشديد لا تسمع الصوت الضعيف ، وهكذا حال الشامّة والذائقة واللامسة. والقوّة النفسانيّة بالضدّ من ذلك ؛ فإنّها تقوى عند كثرة التعقّلات ، فالحاصل لها عند كثرة الأفعال هو ضدّ ما يحصل للقوّة الجسمانيّة عند كثرة الانفعال. فهذا ما خطر لنا في معنى قوله رحمه اللّه : « ولحصول الضدّ ».

وأورد عليه بأنّه يجوز أن تكون العاقلة مخالفة بالنوع لسائر القوى مع كون الجميع جسمانيّة (2) مع أنّ القياس لا عبرة به في المسائل العلميّة وكذا الاستقراء الناقص.

وبالجملة ، فللتوقّف في المسألة مجال ، ولهذا ورد : « من عرف نفسه

ص: 352


1- القائل هو القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 200 - 201.
2- أورده القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 201.

فقد عرف ربّه » (1) بناء على حمله على أنّ عرفانها محال.

المسألة السادسة : في أنّ النفس البشريّة متّحد في النوع.

قال : ( ودخولها تحت حدّ واحد يقتضي وحدتها ).

أقول : اختلف الناس في ذلك ، فذهب الأكثر إلى أنّ النفوس البشريّة متّحدة بالنوع متكثّرة بالشخص والصفات باختلاف الأمزجة ، وهو مذهب أرسطو طاليس (2).

وذهب جماعة من القدماء إلى أنّها مختلفة بالنوع ، بمعنى أنّها جنس تحته أنواع مختلفة ، تحت كلّ نوع أفراد متّحدة بالماهيّة (3) ، ولهذا ورد : « الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة » (4) وأنّ « الأرواح جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف » (5).

وهذا المذهب محكيّ عن الإمام الرازي (6) أيضا.

واختار المصنّف المذهب المشهور المنصور ، واحتجّ على وحدتها نوعا بأنّها يشملها حدّ واحد ، والأمور المختلفة يستحيل اجتماعها تحت حدّ واحد.

واعترض عليه : بأنّ التحديد ليس لجزئيّات النفس حتّى يلزم ما ذكره ، بل لمطلق النفس ، وهو المعنى الكلّيّ ، وذلك كما يحتمل أن يكون نوعا يحتمل أن يكون جنسا.

ص: 353


1- « غوالي اللآلئ » 4 : 102 / 149 ؛ « بحار الأنوار » 2 : 32 / 22 عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ وفي « المناقب » : 375 / 392 نقله الخوارزمي عن عليّ علیه السلام .
2- انظر : كتاب النفس من « الشفاء » 2 : 198 - 200 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 393 وما بعدها ؛ « المطالب العالية » 7 : 141 وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : 201 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 365.
3- راجع المصادر السابقة.
4- « مسند أحمد بن حنبل » 3 : 645 / 10956 ؛ « بحار الأنوار » 58 : 65 / 51.
5- « مسند أحمد بن حنبل » 3 : 159 / 7940 عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ « بحار الأنوار » 2 : 265 / 18 عن عليّ علیه السلام .
6- حكاه عنه التفتازاني في « شرح المقاصد » 3 : 317 ، وبه قال الرازي في « المطالب العالية » 7 : 143 ، وتوقّف في « المباحث المشرقيّة » 2 : 398.

فإن قال : إنّ حدّ الكلّي حدّ لكلّ نفس نفس ؛ إذ لا يعقل من كلّ نفس سوى ما قلناه في التحديد ، منعنا ذلك ونقول : بل ربّما يحتاج حدّ كلّ نفس إلى ضمّ مميّز جوهريّ مضافا إلى إمكان كون ما يعقل من النفس عرضا عامّا لأنواع متخالفة الحقيقة ، مع أنّات ألزمناه الدور ، لأنّ الأشياء المتكثّرة إنّما يصحّ جمعها في حدّ واحد لو كانت متّحدة في الماهيّة ، فلو استفدنا وحدتها من الدخول في الحدّ الواحد لزم الدور ، فتأمّل.

قال : ( واختلاف العوارض لا يقتضي اختلافها ).

أقول : هذا جواب عن شبهة من استدلّ على اختلافها (1).

وتقرير الدليل : أنّهم قالوا : وجدنا النفوس البشريّة تختلف في العفّة والفجور والذكاء والبلادة والبخل وسخاوة والجبن والشجاعة ، وليس ذلك من توابع المزاج ؛ لأنّ المزاج قد يكون واحدا والعوارض مختلفة ؛ فإنّ بارد المزاج قد يكون في غاية الذكاء ، وكذا حارّ المزاج قد يكون في غاية البلادة ، وقد يتبدّل والصفة النفسانيّة باقية ، ولا من الأسباب الخارجيّة كالتعلّم من المعلّم وتأثير مصاحبة الأبوين والأصحاب ونحو ذلك ؛ لأنّها قد تكون بحيث تقتضي خلقا والحاصل ضدّه ؛ إذ قد يكون الأبوان - مثلا - في غاية الخسّة والرذالة والولد في غاية الشرف والكرامة وبالعكس ، فعلمنا أنّها لوازم للماهيّة ، وعند اختلاف اللوازم يختلف الملزوم.

والجواب - مضافا إلى إمكان استنادها إلى أسباب مجهولة كالأوضاع الفلكيّة - أنّ الملزومات مختلفة وليست هي النفس وحدها ، بل النفس والعوارض المختلفة ، ومجموع النفس مع العوارض إذا كان مختلفا لا يلزم أن يكون كلّ جزء أيضا مختلفا ، فهذه الحجّة مغالطة ، مع أنّ هذه عوارض مفارقة غير لازمة ، فاختلافها لا يقتضي اختلاف موضوعها.

ص: 354


1- « المطالب العالية » 7 : 149 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 3 : 318.
المسألة السابعة : في أنّ النفوس البشريّة حادثة.

قال : ( وهي حادثة ، وهو ظاهر على قولنا ، وعلى قول الخصم لو كانت أزليّة لزم اجتماع الضدّين ، أو بطلا ما ثبت ، أو ثبوت ما يمنع ).

أقول : اختلف الناس في ذلك ، فالملّيّون على أنّها حادثة (1) ، وهو ظاهر على قولهم من أنّ الواجب تعالى فاعل بالاختيار ، وأثر المختار لا يكون قديما ، مضافا إلى ما ثبت من حدوث العالم وهي من جملة العالم ، ولأجل ذلك قال المصنّف رحمه اللّه : « وهو ظاهر على قولنا ».

وأمّا الحكماء فقد اختلفوا هنا ، فقال أرسطو - على ما حكي (2) - : إنّها حادثة.

وقال أفلاطون - على ما حكي أيضا (3) - : إنّها قديمة.

والمصنّف رحمه اللّه ذكر هنا حجّة أرسطو على الحدوث أيضا.

وتقرير هذه الحجّة : أنّ النفوس لو كانت أزليّة ، لكانت إمّا واحدة أو كثيرة ، والقسمان باطلان ، فالقول بقدمها باطل.

أمّا الملازمة فظاهرة.

وأمّا بطلان وحدتها : فلأنّها لو كانت واحدة أزلا ، فإمّا أن تتكثّر فيما لا يزال وعند التعلّق ، بالأبدان ، أو لا تتكثّر.

والثاني باطل ، وإلاّ لزم أن يكون ما يعلمه زيد بعلمه كلّ واحد ، وكذا سائر الصفات النفسانيّة ، والمشاهد خلاف ذلك ؛ فإنّه قد يعلم زيد شيئا وعمرو جاهل به.

وأيضا لو اتّحدت نفساهما لزم اتّصاف كلّ واحدة بالضدّين ، أعني العلم والجهل ، ومثله لزوم اتّصاف النفس بالجبن والتهوّر ، والبخل والإسراف.

ص: 355


1- « شرح المواقف » 7 : 250 - 251 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 319 - 320.
2- حكاه عنه الفخر الرازي في « المحصّل » : 544 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 400 ، « المطالب العاليّة » 7 : 189 ، وانظر : « شرح المواقف » 7 : 251 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 321.
3- حكاه عنه الفخر الرازي في « المحصّل » : 544.

وهذا مفاد قوله : « لزم اجتماع الضدّين ».

والأوّل باطل أيضا ؛ لأنّها لو تكثّرت : فإمّا أن تكون النفسان الموجودتان الآن حاصلتين قبل الانقسام ، فقد كانت الكثرة حاصلة قبل فرض حصولها ، وهذا خلف.

وإمّا أن يقال : حدثتا بعد الانقسام ، وهو محال وإلاّ لزم حدوث النفسين وبطلان النفس التي كانت موجودة.

وهذا مفاد قوله : « أو بطلان ما ثبت » مع أنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه.

وأمّا بطلان كثرتها أزلا ؛ فلأنّ التكثّر إمّا بالذاتيّات ، أو باللوازم ، أو بالعوارض ، والكلّ باطل.

أمّا الأوّل ؛ فلما ثبت من وحدتها بالنوع.

وكذا الثاني ؛ لأنّ كثرة اللوازم تستلزم كثرة الملزومات.

وأمّا الثالث ؛ فلأنّ اختلاف العوارض للذوات المتساوية إنّما يكون عند تغاير الموادّ ؛ لأنّ نسبة العارض إلى المثلين واحدة ومادّة النفس البدن ؛ لاستحالة الانطباع عليها ، وقبل البدن لا مادّة وإلاّ لزم التناسخ الذي سنبيّن امتناعه ، وهو مفاد قوله : « أو ثبوت ما يمنع » فتأمّل.

المسألة الثامنة : في أنّ لكلّ نفس بدنا واحدا وبالعكس.

قال : ( وهي مع البدن على التساوي ).

أقول : هذا حكم ضروريّ أو قريب من الضروريّ فإنّ كلّ إنسان يجد ذاته ذاتا واحدة ، فلو كان لبدن نفسان لكانت تلك الذات ذاتين وهو محال ، فيستحيل تعلّق النفوس الكثيرة ببدن واحد ، وكذا العكس فإنّه لو تعلّقت نفس واحدة ببدنين على سبيل الاجتماع لزم أن يكون معلوم أحدهما معلوما للآخر وبالعكس ، وكذا باقي الصفات النفسانيّة ، وهو باطل بالضرورة ، فليتأمّل. (1)

ص: 356


1- إشارة إلى احتمال كون التعلّق بأحد البدنين شرطا وبالآخر مانعا مدفوع بأنّ الوجدان يكذبه. ( منه رحمه اللّه ).

وإن كان التعلّق على سبيل التعاقب لزم أن تتذكّر أحوال البدن السابق ولو أحيانا ، وهو أيضا باطل بالضرورة.

المسألة التاسعة : في أنّ النفس لا تفنى بفناء البدن.

قال : ( ولا تفنى بفنائه ).

أقول : اختلف الناس هاهنا ، فالقائلون بجواز إعادة المعدوم جوّزوا فناء النفس مع فناء البدن. والمانعون هناك منعوا هنا.

أمّا الأوائل فقد اختلفوا أيضا ، فالمشهور أنّها لا تفنى (1).

وأمّا أصحابنا فإنّهم استدلّوا على امتناع فنائها بأنّ الإعادة واجبة على اللّه تعالى (2) - على ما يأتي - ولو عدمت النفس لامتنعت إعادتها ؛ لما ثبت من امتناع إعادة المعدوم ، فيجب أن لا تفنى.

أمّا الأوائل فاستدلّوا بأنّها لو عدمت لكان إمكان عدمها محتاجا إلى محلّ مغاير لها (3) ؛ لأنّ القابل يجب وجوده مع المقبول ، ولا يمكن وجود النفس مع العدم ، فذلك المحلّ هو المادّة ، فتكون النفس مادّيّة فتكون مركّبة ، وهذا خلف ، على أنّ تلك المادّة يستحيل عدمها ؛ لاستحالة التسلسل.

وهذه الحجّة ضعيفة ؛ لأنّها مبنيّة على ثبوت الإمكان واحتياجه إلى المحلّ الوجودي ، وهو ممنوع.

سلّمنا ، ولكنّه ينتقض بالجواهر البسيطة ، فإنّها ممكنة ، ومعنى إمكانها قبولها للعدم ، فتكون مادّيّة.

ص: 357


1- انظر : « الشفاء » كتاب النفس 2 : 202 ؛ « النجاة » : 185 - 186 ؛ « المطالب العالية » 7 : 221 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 3 : 331 - 332.
2- انظر : « كشف المراد » : 190.
3- انظر : « المطالب العالية » 7 : 211 وما بعدها ؛ « المحصّل » : 549 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 331 - 332.

سلّمنا ولكن لم [ لا ] يجوز القول بكون النفوس مركّبة من جوهرين مجرّدين أحدهما يجري مجرى المادة والآخر يجري مجرى الصورة؟ ونفي الجوهر المادّي لا يكفي في بقاء جوهر النفس.

ثمّ ينتقض ذلك بإمكان الحدوث ؛ فإنّه قد تحقّق هناك إمكان من دون مادّة قابلة فكذا إمكان الفساد.

المسألة العاشرة : في إبطال التناسخ.

قال : ( ولا تصير مبدأ صورة الآخر (1) ، وإلاّ لبطل ما أصّلناه من التعادل ).

أقول : قال بعض الحكماء المشّائين : « إنّ النفس الكاملة بتصوّر حقائق الأشياء وإدراك الاعتقادات البرهانيّة الجازمة المطابقة الثابتة إذا حصل لها التنزّه عن العلائق الجسمانيّة والهيئات الرديئة اتّصلت بعد مفارقة البدن بالعالم القدسي ، والنفس الناقصة بالتقصير إذا ظهر لها النقصان مع فوت سبب الكمال تكون في كلال ، والقاصرة كانت سالمة للبلاهة ؛ ولهذا قال صلی اللّه علیه و آله : « أكثر أهل الجنّة البله » (2) و (3).

قال شارح الهداية : « هذا هو المشهور بين الجمهور » (4).

وقال أهل التناسخ (5) : إنّما تبقى مجرّدة عن الأبدان النفوس الكاملة التي خرجت قوّتها إلى الفعل ولم يبق شيء من الكمالات الممكنة لها بالقوّة فصارت طاهرة عن جميع العلائق الجسمانيّة واتّصلت إلى عالم القدس. وأمّا النفوس الناقصة التي بقي

ص: 358


1- كذا في الأصل ، وفي النسخة المطبوعة من « كشف المراد » و « تجريد الاعتقاد » هكذا : « ولا يصير مبدأ صورة لآخر ... ».
2- « بحار الأنوار » 5 : 128.
3- « الهداية الأثيرية » ضمن « شرح الهداية الأثيرية » : 200 - 201.
4- « شرح الهداية الأثيرية » : 202.
5- لمزيد الاطّلاع عن الأقوال في التناسخ انظر : « شرح حكمة الإشراق » : 476 - 496 ؛ « الأسفار الأربعة » 9 : 1 - 56.

شيء من كمالاتها الممكنة بالقوّة فإنّها تدور في الأبدان الإنسانيّة وتنقل من بدن إلى بدن آخر حتّى تبلغ النهاية فيما هو كمالها من علومها وأخلاقها ، وحينئذ تبقى مجرّدة ومطهّرة عن التعلّق بالأبدان ، ويسمّى هذا الانتقال نسخا.

وقيل : ربّما نزلت من بدن الإنسان إلى بدن حيوان يناسبه في الأوصاف كبدن الأسد للشجاع والأرنب للجبان ، ويسمّى مسخا.

وقيل : ربّما تنزّلت إلى الأجسام النباتيّة ، ويسمّى رسخا.

وقيل : إلى الجمادية ، كالمعادن والبسائط ، ويسمّى فسخا ، أو بالعكس في التسمية بالنسبة إلى الأخيرين.

وقد يقال : هي تتعلّق ببعض الأجرام السماويّة للاستكمال.

وبالجملة اختلف الناس هنا ، فذهب جماعة من العقلاء إلى جواز التناسخ في النفوس بأن تنتقل النفس التي كانت مبدأ صورة لزيد - مثلا - إلى بدن عمرو ، وتصير مبدأ صورة له ، ويكون بينهما من العلاقة كما كان بين البدن الأوّل وبينها.

وذهب أكثر العقلاء إلى بطلان هذا المذهب ، كما هو من قطعيّات المذهب. واختاره المصنّف أيضا ، واستدلّ عليه بأنّا قد بيّنّا أنّ النفوس حادثة ، وعلّة حدوثها قديمة ، فلا بدّ من حدوث استعداد وقت حدوثها ؛ ليتخصّص ذلك الوقت بالإيجاد فيه ، والاستعداد إنّما هو باعتبار القابل ، فإذا حدث وتمّ وجب حدوث النفس المتعلّقة به ، فإذا حدث بدن تعلّقت به نفس تحدث عن مبادئها ، فإذا انتقلت إليه نفس أخرى مستنسخة لزم اجتماع نفسين لبدن واحد ، وقد بيّنّا بطلانه ووجوب التعادل في الأبدان والنفوس حتّى لا توجد نفسان لبدن واحد وبالعكس.

المسألة الحادية عشرة : في كيفيّة تعقّل النفس وإدراكها.

قال : ( وتعقل بذاتها وتدرك بالآلات للامتياز بين المختلفين وضعا من غير استناد ).

ص: 359

أقول : اعلم أنّ التعقّل هو إدراك الكلّيّات ، والإدراك هو الإحساس بالأمور الجزئيّة. وقد ذهب جماعة من القدماء إلى أنّ النفس تعقل الأمور الكلّيّة بذاتها من غير احتياج إلى آلة ، وتدرك الأمور الجزئيّة بواسطة قوى جسمانيّة هي محالّ الإدراكات (1) ، خلافا لمن قال : إنّ مدرك الجزئيّات على وجه كونها جزئيّات هو الحواسّ (2).

والحكم الأوّل ظاهر ؛ فإنّا نعلم قطعا أنّا ندرك الأمور الكلّيّة مع اختلال كلّ عضو يتوهّم كونه آلة للتعقّل ، وقد سلف تحقيق ذلك.

وأمّا الحكم الثاني - وهو إدراك الجزئيّات مع افتقارها في الإدراك الجزئي إلى الآلات - فلأنّا نحكم بين الكلّيّ والجزئي ، والحاكم بين الشيئين لا بدّ أن يدركهما ، وأنّا نميّز بين الأمور المتّفقة بالماهيّة المختلفة بالوضع من غير استناد إلى خارج ، كما أنّا نفرّق بين العين اليمنى واليسرى من الصورة التي نتخيّلها ونميّز بينهما مع اتّحادهما في الحقيقة واختلافهما في الوضع ، فليس الامتياز بينهما بذاتيّ ولا بما يلزم الذات ؛ لغرض تساويهما ، بل لأمور عارضة.

ثمّ اختصاص كلّ واحدة منهما بعارضها ليس بالمحلّ الخارجي ؛ لأنّ المتخيّل قد لا يكون موجودا في الخارج ، فليس امتياز إحداهما بكونها يمنى والأخرى بكونها يسرى إلاّ بالمحلّ الإدراكي ، والمجرّد لا يصلح أن يكون محلاّ لذلك ، فتعيّنت الآلة الجسمانيّة.

ص: 360


1- منهم الشيخ في « الشفاء » 2 : 27 و 32 من كتاب النفس ، الفصل الرابع والخامس من المقالة الثانية ، و 2 : 50 ، الفصل الثاني من المقالة الثانية ، و 2 : 184 - 185 ، الفصل الأوّل من المقالة الخامسة ، وانظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 308 وما بعدها.
2- نسبه الفخر الرازي إلى أرسطو وابن سينا في « المحصّل » : 550 و « المطالب العالية » 7 : 247 ، ولكن الظاهر من كلمات الشيخ خلاف ذلك ، كما اعترف به في « المباحث المشرقية » 2 : 424. أما في « شرح المقاصد » 3 :2. 334 ، وفي هامش « شرح المنظومة من الحكمة » : 210 نقل المحقّق السبزواري هذا القول دون أن ينسبه إلى قائل.

وأمّا إدراك النفس ذاتها وهويّتها فلا يفتقر إلى توسّط الآلة ؛ لكونه حضوريّا لا حصوليّا وارتساميّا ، مضافا إلى ما يقال من أنّ إدراك الجزئيّات المادّيّة محتاج إلى الآلة دون الجزئيّات المجرّدة ، والنفس من الجزئيّات المجرّدة (1).

المسألة الثانية عشرة : في قوى النفس.

قال : ( وللنفس قوى تشارك بها غيرها ، هي الغاذية والنامية والمولّدة ).

أقول : لمّا كان البدن آلة للنفس في أفاعيلها المنوطة به كان صلاحها بصلاحه. ولمّا كان البدن مركّبا من العناصر المتضادّة ، وكان تأثير الجزء الناريّ فيه الإحالة ، احتيج في بقائه إلى إيراد بدل ما يتحلّل منه ، فاقتضت حكمة اللّه تعالى جعل النفس ذات قوّة يمكنها بها استخلاف ما ذهب بما يأتي ، وذلك إنّما يكون بالغذاء ، وهي الغاذية.

ثمّ لمّا كان البدن أوّل خلقته محتاجا إلى زيادة في مقداره على تناسب في أقطاره بأجسام تنضمّ إليه من خارج ، وجب في حكمته تعالى جعل النفس ذات قوّة يمكنها بها تحصيل جواهر قابلة للتشبّه بالبدن منضمّة إليه على تناسب في أقطاره ، وهي النامية.

ثمّ لمّا كان البدن ينقطع ويعدم ويعرض الموت ، واقتضت عناية اللّه تعالى الاستحفاظ لهذا النوع وجب في حكمة اللّه تعالى جعل النفس ذات قوّة تحيل بعض الجواهر المستعدّة لقبول الصورة الإنسانيّة الى تلك الصورة ، وهي القوّة المولّدة. فكانت النفس ذات قوى ثلاث : الغاذية ، والنامية ، والمولّدة.

وهذه القوى مشتركة بين الإنسان والحيوان العجم والنبات.

والغاذية هي التي تحيل الغذاء إلى مشابهة المتغذّي ليخلف بدل ما يتحلّل.

ص: 361


1- انظر : « شرح المقاصد » 3 : 336 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 205.

والنامية هي التي تزيد في أقطار الجسم على التناسب الطبيعي ليبلغ إلى تمام النشوء ، ولا يحصل نحو الاستسقاء من البرص.

والمولّدة هي التي تفيد المنيّ بعد استحالته في الرحم الصورة والقوى والأعراض ، أو تعدّه لها ، بناء على أنّ استناد التصوير إلى هذه القوّة باطل ، كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

والحاصل : أنّ النفس لها مراتب يطلق على كلّ مرتبة لفظ النفس :

الأولى : مرتبة النفس الجمادية ، وأثرها حفظ التركيب فقط.

الثانية : مرتبة النفس النباتيّة ، وأثرها - مضافا إلى ما ذكر - التغذية بالغاذية ، والتنمية بالنامية ، والتوليد - ولو بالإعداد المقتضي للاستعداد - بالمولّدة. وهذه القوى تسمّى بالنباتيّة والطبيعيّة.

الثالثة : مرتبة النفس الحيوانيّة ، وأثرها - مضافا إلى ما ذكر - الحركة بالإرادة والحسّ بالحواسّ الخمس الظاهرة والخمس الباطنة الموجبة للإدراكات الجزئيّة.

الرابعة : مرتبة النفس الناطقة الإنسانيّة التي يحصل بها إدراك الكلّيّات والجزئيّات المجرّدة بلا واسطة مضافا إلى ما ذكر.

الخامسة : مرتبة النفس الإلهيّة التي يحصل بها التخلّي عن الأخلاق الرذيلة ، والتحلّي بالأخلاق الحسنة ، ويسهل بها صدور الأفعال وتحمّل المشاقّ ، كالحلم والرياضة. فالقسم الأوّل عامّ العامّ ، والثاني هو العامّ ، والثالث هو الخاصّ ، والرابع خاصّ الخاصّ ، والخامس هو الأخصّ المخصوص بأمثال روح اللّه ونفس اللّه.

قال : ( وأخرى أخصّ بها يحصل الإدراك إمّا للجزئيّ أو للكلّيّ ).

أقول : للنفس أيضا قوى أخصّ من الأولى ، وأثرها الإدراك إمّا للجزئيّ وهو الإحساس ، وإمّا للكلّيّ وهو التعقّل ، فالإحساس مشترك بينه وبين الحيوان العجم خاصّة ، فهو أخصّ من القوى الأولى المشتركة بينها وبين النباتات ، والتعقّل أخصّ من الإحساس ؛ لأنّه لا يحصل للحيوان بل للإنسان.

ص: 362

قال : ( فللغاذية الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة ).

أقول : القوّة الغاذية يتوقّف فعلها على أربع قوى ليتمّ الاغتذاء ، وهي الجاذبة للغذاء ، والماسكة له لتهضمه الهاضمة ، والهاضمة وهي التي تحيل الغذاء الذي جذبته الجاذبة وأمسكته الماسكة إلى حال يستعدّ بها لأن تجعله الغاذية جزءا بالفعل من المتغذّي. وابتداء الهضم في الفم ؛ ولهذا كانت الحنطة الممضوغة - مثلا - تؤثّر في نضج الدماميل ، ثمّ في المعدة بصيرورته كيلوسا وجوهرا شبيها بماء الكشك الثخين ولو بمخالطة الرطوبة الداخلة ، كما في الحيوان الآكل للحجر ، ثمّ في الماساريق والكبد بصيرورته كيموسا مستحيلا إلى الأخلاط ، ثمّ في العروق ، ثمّ في الأعضاء. وحيث يفضل من الغذاء ما يوجب ثقل البدن وفساده - بل بعضه لا يقبل الاستحالة إلى ما يناسب المتخلّل - احتيج إلى الدافعة للفضلات.

قال : ( وقد تتضاعف هذه لبعض الأعضاء ).

أقول : قد تتضاعف هذه القوى لبعض الأعضاء كالمعدة ؛ فإنّ فيها التي تجذب غذاء كلّية البدن ، والتي تمسكه هناك ، والتي تغيّره إلى ما يصلح لأن يصير دما ، والتي تدفعه إلى الكبد. وفيها أيضا قوّة جاذبة لما تغتذي به المعدة خاصّة وقوّة ماسكة وقوّة هاضمة وقوّة دافعة ، فتلك القوى في المعدة مضاعفة ؛ فإنّها قد تكون لنفسها ، وقد تكون لغيرها ، فتأمّل.

قال : ( والنموّ مغاير للسمن ).

أقول : النموّ هو زيادة في الجسم بسبب اتّصال جسم آخر به من نوعه ، وتكون [ الزيادة ] (1) تداخله في أجزاء المزيد عليه ، وهو مغاير للسمن ؛ لتحقّق النموّ بدون السمن في الصبيّ المهزول. وعكسه في بعض الشيوخ ؛ فإنّ الأجزاء الأصليّة قد جفّت وصلبت ، فلا يقوى الغذاء على تفريقها ، فلا يتحقّق النموّ. وكذلك الذبول مغاير للهزال.

ص: 363


1- الإضافة أثبتناها من « كشف المراد » : 194.

قال : ( والمصوّرة عندي باطلة ؛ لاستحالة صدور هذه الأفعال المحكمة المركّبة عن قوّة بسيطة ليس لها شعور أصلا ).

أقول : أثبت الحكماء للنفس قوّة يصدر عنها التصوير والتشكيل بشكل نوع ذي القوّة (1).

والحقّ ما ذهب إليه المصنّف رحمه اللّه من أنّ ذلك محال ؛ لأنّ هذه الأشكال والصور أمور محكمة متقنة عجيبة عجزت عن إدراك حكمها العقول والأفهام.

وقد يقال : « إنّ المنافع المدوّنة في علم التشريح خمسة آلاف وما لم يعلم أكثر ممّا علم ، فلا تصدر عن طبيعة غير شاعرة لما يصدر عنها ، بل يجب إسنادها إلى مدبّر حكيم قدير » (2).

وأيضا فإنّ هذه التشكيلات أمور مركّبة ، والقوّة البسيطة لا يصدر عنها أشياء كثيرة ، فتأمّل.

المسألة الثالثة عشرة : في أنواع الإحساس.

قال : ( وأمّا قوّة الإدراك للجزئي فمنه اللمس ، وهي قوّة منبثّة في البدن كلّه ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الأمر العامّ - أعني القوّة النباتيّة - شرع الآن في البحث عمّا هو أخصّ منه - وهو القوّة الحيوانيّة - أعني الإحساس المشترك بين الإنسان وغيره من الحيوانات العجم - وبدأ باللمس ؛ لأنّ اللمس كيفية قائمة بالبدن كلّه منبثّة في ظاهره أجمع ، ويدرك بها المنافي والملائم. مضافا إلى ما يقال من أنّه أوّل الحواسّ الذي يصير به الحيوان حيوانا ، ويجوز أن يفقد سائر القوى دونه (3).

قال : ( وفي تعدّده نظر ).

ص: 364


1- انظر : « الشفاء » كتاب النفس 2 : 151 ؛ « التحصيل » : 785.
2- انظر : « شرح تجريد العقائد » : 207.
3- القائل هو الشيخ في « الشفاء » 4 : 58 ، كتاب النفس ، الفصل الثالث من المقالة الثانية.

أقول : اختلف الناس في اللمس هل هي قوّة واحدة أو قوى كثيرة؟ فالجمهور (1) على أنّه قوى أربع :

الأولى : الحاكمة بين الحارّ والبارد.

الثانية : الحاكمة بين الرطب واليابس.

والثالثة : الحاكمة بين الصلب واللين.

الرابعة : الحاكمة بين الخشن والأملس ، لأنّ القوّة الواحدة لا يصدر عنها أكثر من أمر واحد.

ومنهم من زاد الحاكمة بين الثقل والخفّة (2).

وفيه نظر ؛ لإمكان تعدّد الجهة ، فلا تتوجّه قاعدة « الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد » مضافا إلى منع أصلها ، وإمكان القول بحصول الاستعداد للنفس بها فتدرك كلّها.

قال : ( ومنه الذوق ، ويفتقر إلى توسّط الرطوبة اللعابية الخالية عن المثل والضدّ ).

أقول : الذوق قوّة قائمة في سطح اللسان أو العصب المفروش على جرم اللسان ، وهو ثاني اللمس في المنفعة ؛ إذ يتمكّن به على جذب الملائم ودفع المنافر من المطعومات ، كما أنّ اللمس يتمكّن به على مثل ذلك في الملموسات ، ويوافقه في الاحتياج إلى الملامسة ، ولكن لا يكفي فيه الملامسة بل لا بدّ من توسّط الرطوبة اللعابيّة الخالية عن الطعوم المماثلة أو المضادّة ؛ لأنّها إن كانت ذات طعم مماثل للمدرك لم يتحقّق الإدراك ؛ لأنّ الإدراك إنّما يكون بالانفعال ، والشيء لا ينفعل عن

ص: 365


1- منهم الشيخ في « الشفاء » 2 : 34 كتاب النفس ، الفصل الخامس من المقالة الأولى و 2 : 62 ، الفصل الثالث من المقالة الثانية ؛ « النجاة » 159 - 160 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 270 - 271 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 209 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 373.
2- لم ينسب إلى قائل معيّن ، كما في « المباحث المشرقيّة » 2 : 292 ؛ « شرح المواقف » 7 : 201 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 209 ، إلاّ أنّ بهمنيار في « التحصيل » : 747 عدّهما بدل الخشن والأملس.

$$$$$$$$$$$$$

مماثله. وإن كانت ذات طعم مضادّ لم تؤدّ الكيفيّة على صرافتها [ في الصحّة ] (1) كما في المرض ؛ فإنّ الممرور يجد طعم العسل مرّا وكذا غير ذلك.

قال : ( ومنه الشمّ ، ويفتقر إلى وصول الهواء المنفعل من (2) ذي الرائحة إلى الخيشوم ).

أقول : الشمّ قوّة في الدماغ تحملها زائدتان نابتتان من مقدّم الدماغ في الخيشوم شبيهتان بحلمتي الثدي ، ويفتقر إلى وصول الهواء المنفعل من ذي الرائحة إلى الخيشوم (3) ، أو وصول أجزاء من ذي الرائحة إليه ؛ لأنّه إنّما يدرك بالملاقاة.

وقد ذهب قوم إلى أنّ الشمّ إنّما يكون بتحلّل أجزاء الجسم ذي الرائحة وانتقاله مع الهواء المتوسّط إلى الحاسّة (4).

وقال الآخرون : إنّ الهواء المتوسّط يتكيّف بتلك الكيفيّة لا غير ، وإلاّ لنقص وزن الجسم ذي الرائحة باستشمامها (5).

المصنّف رحمه اللّه نبّه بكلامه على تجويز الأمرين ؛ لأنّ الشمّ يحصل بكلّ واحد منهما.

قال : ( ومنه السمع ، ويتوقّف على وصول الهواء المنضغط إلى الصماخ ).

أقول : السمع قوّة مودعة في العصب المفروش في مقعّر الصماخ.

وقد ذهب قوم (6) إلى أنّ السمع يحصل عند تأدّي الهواء - المنضغط بين القالع

ص: 366


1- الزيادة أثبتناها من « كشف المراد » : 195.
2- في « تجريد الاعتقاد » و « كشف المراد » المطبوعين : « أو » بدل « من ».
3- هو قول الجمهور على ما في « شرح المقاصد » 3 : 274 و « شرح تجريد العقائد » : 210 ، وبه قال الشيخ في « الشفاء » 2 : 67 و « النجاة » : 159.
4- انظر : « الشفاء » 2 : 62 ، كتاب النفس ، الفصل الرابع من المقالة الثانية ؛ « شرح المواقف » 7 : 199 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 274.
5- منهم الإيجي في « المواقف ». انظر : « شرح المواقف » 7 : 5. وقال الفخر الرازي بعد نقل القولين : « والحقّ أن كلا المذهبين صحيح » كما في « المباحث المشرقيّة » 2 : 295.
6- لمزيد الاطّلاع حول هذا المبحث راجع « الشفاء » 2 : 70 - 76 ؛ « التحصيل » : 753 - 757 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 419 وما بعدها و 2 : 292 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 2 :273 - 278 و 5 : 256 - 268 ؛ « نهاية المرام » 1 : 560 - 574.

والمقلوع ، أو القارع بالإمساس العنيف والمقروع المتكيّف بكيفيّة الصوت عند مقاومة المقلوع للقالع والمقروع للقارع - إلى الصماخ ؛ ولهذا يدرك الجهة ويسمع صوت المؤذّن من كان في جهة تهبّ الريح إليها وإن كان بعيدا ، ولا يسمعه غيره وإن كان قريبا.

ويتأخّر السماع عن الإبصار ؛ لتوقّف الأوّل على حركة الهواء دون الثاني.

ويشهد على ذلك أنّا إذا رأينا من البعيد إنسانا يضرب الفأس على الخشب رأينا الضرب قبل سماع الصوت.

والمصنّف رحمه اللّه مال إلى هذا هاهنا.

وأورد عليه : بأنّ الصوت قد يسمع من وراء الجدار المحيط بالسامع من جميع الجوانب ، والهواء لا يحمل الكلمة المخصوصة ما لم يتشكّل بشكل مخصوص في الخارج ، مع امتناع بقاء الشكل على حاله لو أمكن نفوذ الهواء.

وأجيب عنه : أنّ شرط السماع بقاء الهواء على كيفيّته التي هي الصوت المتفرّع على التموّج ، ولا يبعد أن ينفذ الهواء في المنافذ الضيّقة متكيّفا بالكيفيّة التي هي الصوت المخصوص (1).

والمراد بالشكل تلك الكيفيّة على سبيل التجوّز لا الشكل الحقيقي ، حتّى لا يتصوّر النفوذ به.

قال : ( ومنه البصر ، ويتعلّق بالذات بالضوء واللون ).

أقول : البصر - كما أفيد (2) - قوّة مودعة في ملتقى العصبتين المجوّفتين اللتين

ص: 367


1- لمزيد الاطّلاع حول الإيراد والجواب عنه راجع « المحصّل » : 261 - 262 ؛ « شرح المواقف » 5 : 261 - 271 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 276 - 278 ؛ « نهاية المرام » 1 : 564 - 571 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 211.
2- انظر : « شرح المقاصد » 3 : 278 ؛ « شرح تجريد العقائد » 211 - 212 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 377.

هما نابتتان من مقدّم الدماغ حتّى تتلاقيا وتتقاطعا تقاطعا جليّا ، ويصير تجويفهما واحدا ، ثمّ تتباعدان إلى العينين ، فذلك التجويف هو محلّ القوّة الباصرة ومجمع النور.

والمبصرات إمّا أن يتعلّق الإبصار بها أوّلا وبالذات وبلا واسطة شيء ، أو ثانيا وبالعرض.

والأوّل هو الضوء واللون لا غير ؛ فإنّ اللون أيضا تتعلّق به الرؤية بلا واسطة شيء وإن كان تعلّقها به مشروطا بالضوء.

والثاني ما عداهما ، كالشكل والحجم والمقدار والحركة والوضع والحسن والقبح وغير ذلك من أصناف المرئيّات.

قال : ( وهو راجع فينا إلى تأثّر الحدقة ).

أقول : الإدراك عند جماعة المعتزلة والفلاسفة - على ما حكي (1) - راجع إلى تأثّر الحاسّة ، فالإبصار بالعين معناه تأثّر الحدقة وانفعالها عن الشيء المرئيّ ، هذا في حقّنا ؛ ولهذا قيّده المصنّف رحمه اللّه بقوله : « فينا » لأنّ الإدراك ثابت في حقّه تعالى ولا يتصوّر فيه التأثّر.

وذهبت الأشاعرة إلى ثبوت الرؤية في حقّه تعالى من غير تأثّر الحدقة ؛ إذ لا جارحة هناك. (2)

قال : ( ويجب حصوله مع شرائطه ).

أقول : شرائط الإدراك - كما أفيد (3) - سبعة :

ص: 368


1- حكاه عنهم العلاّمة رحمه اللّه في « كشف المراد » : 196.
2- انظر : « المطالب العالية » 2 : 81 - 87 ؛ « شرح المواقف » 8 : 115 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 4 : 179 وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : 212 و 327 وما بعدها.
3- انظر : « المطالب العالية » 2 : 83 ؛ « شرح المواقف » 8 : 135 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 285 و 4 : 199 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 212 - 213.

الأوّل : عدم البعد المفرط.

الثاني : عدم القرب المفرط ، ولهذا لا يبصر ما يلتصق بالعين.

الثالث : عدم الحجاب.

الرابع : عدم الصغر المفرط.

الخامس : أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل.

السادس : وقوع الضوء على المرئيّ إمّا من ذاته أو من غيره.

السابع : أن يكون المرئيّ كثيفا حاجبا عن رؤية ما وراءه بمعنى وجود اللون والضوء له.

إذا عرفت هذا ، فنقول : عند المعتزلة والأوائل (1) أنّه عند حصول هذه الشرائط يجب الإدراك بالضرورة ؛ فإنّ سليم الحاسّة يشاهد الشمس إذا كانت على خطّ نصف النهار بالضرورة. ولو شكّك العقل في ذلك وجوّز عدم الإبصار معها لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة ورياض رائقة وكنّا لا ندركها. وذلك سفسطة.

وأمّا الأشاعرة (2) فلم يوجبوا ذلك وجوّزوا مع حصول جميع الشرائط انتفاء الإدراك.

واحتجّوا بأنّا نرى الكبير صغيرا ، والسبب فيه رؤية بعض أجزائه دون البعض مع تساوي الجميع في الشرائط.

وهو خطأ ؛ لوقوع التفاوت بالقرب والبعد ، فلهذا أدركنا بعض الأجزاء ، وهي القريبة دون الباقي.

قال : ( بخروج الشعاع ).

أقول : اختلف الناس في كيفيّة الإبصار على مذاهب عديدة ، والمشهور ثلاثة :

الأوّل : مذهب الرياضيّين ، وهو أنّ الإبصار بخروج الشعاع من العينين على هيئة

ص: 369


1- راجع المصادر المذكورة في الهامش المتقدّم.
2- راجع المصادر المذكورة في الهامش المتقدّم.

مخروط رأسه عند مركز البصر وقاعدته عند سطح المبصر ، ولكن اختلفوا في كون ذلك المخروط مصمتا أو مركّبا من خطوط شعاعيّة مستقيمة أطرافها التي تلي البصر مجتمعة عند مركزه ، ثمّ تمتدّ متفرّقة إلى المبصر ، فما ينطبق عليه من المبصر أطراف تلك الخطوط أدركه البصر ، وما وقع بين أطراف تلك الخطوط لم يدركه ؛ ولذا يخفى على المبصر المسامات التي في غاية الدقّة في سطوح المبصرات (1).

وعن جماعة أنّ الخارج من العين خطّ واحد مستقيم إذا انتهى إلى المبصر تحرّك على سطحه في جهتي طوله وعرضه في غاية السرعة فيتخيّل هيئة مخروطة (2).

وبالجملة ، فاختار المصنّف رحمه اللّه مذهب الرياضيّين.

الثاني : مذهب الطبيعيّين وهو أنّ الإبصار إنّما يكون بانطباع صورة المرئيّ في الجليديّة ، وهو المحكيّ عن أرسطو وأتباعه كالشيخ الرئيس وغيره (3) ، قالوا : إنّ مقابلة المبصر للباصرة توجب استعداد يفيض به صورته على الجليديّة ، ولا يكفي في الإبصار الانطباع في الجليديّة ، وإلاّ لرأى الواحد اثنين ؛ لانطباع صورته على جليدتي العينين ، بل لا بدّ من تأدّي الصورة إلى ملتقى العصبتين المجوّفتين ، ومنه إلى الحسّ المشترك ، لا بالانتقال بل بإفاضة صورة مماثلة.

الثالث : مذهب طائفة من الحكماء ، وهو أنّ الإبصار ليس بخروج الشعاع والانطباع ، بل الهواء المشفّ الذي بين البصر والمرئيّ يتكيّف بكيفيّة الشعاع الذي في البصر ، ويصير بذلك آلة للإبصار (4).

ص: 370


1- انظر : « الشفاء » 2 : 102 كتاب النفس ، الفصل الخامس من المقالة الثالثة ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 299 ؛ « شرح المواقف » 7 : 194 - 195 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 279 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 213.
2- انظر : « شرح المواقف » 7 : 194 - 195 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 279 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 213.
3- « الشفاء » 2 : 102 و 105 ؛ « التحصيل » : 760 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 299 ؛ « شرح المواقف » 7 : 192 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 279 - 280 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 213.
4- انظر : « الشفاء » 2 : 102 كتاب النفس ، الفصل الخامس من المقالة الثالثة ؛ « المباحث المشرقية » 2 : 299 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 279 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 213.

والحقّ أنّ المذهب الأوسط أوسط ، كما لا يخفى.

وحيث كان انطباع الصورة غير انطباع العين في العين ، لا يرد أنّه يستحيل انطباع العظيم في الصغير (1).

قال : ( فإن انعكس إلى المدرك أبصر وجهه ).

أقول : الشعاع إذا خرج من العين واتّصل بالمرئيّ وكان صقيلا كالمرآة انعكس عنه إلى كلّ ما نسبته إلى المرئيّ كنسبة العين إليه ؛ ولهذا وجب تساوي زاويتي الشعاع والانعكاس ، ووجب أن يشاهد بالمرآة كلّ ما وضع إليها كوضع المرئيّ ، فإن انعكس الشعاع إلى الرائي نفسه أدرك وجهه ، فإذا انتفت الصقالة لم يحصل الانعكاس كالأشياء الخشنة ؛ فإنّه لا ينعكس عنها إلى غيرها ، هذا مذهب أصحاب الشعاع في رؤية الإنسان وجهه بالمرآة (2).

وأمّا القائلون بالانطباع ، فقالوا : إنّه تنطبع في المرآة صورة الرائي ، ثمّ تنطبع في العين من تلك الصورة صورة أخرى ؛ ولهذا تكون الصورة على قدر المرآة لا المرئيّ وينتقش في الصيقلي المقابل للمنقّش نقشه مع عدم شعاع هناك (3).

قال : ( وإن عرض تفرّق السهمين تعدّد المرئيّ ).

أقول : هذا إشارة إلى علّة الحول عند القائلين بالشعاع ، والسبب في الحول عندهم أنّ النور الممتدّ من العين على شكل المخروط قوّته في سهم المخروط ، فإذا خرج من العينين مخروطان والتقى سهماهما عند البصر واتّحدا أدرك المدرك [ الشيء ] (4) كما هو ، وإن لم يلتق السهمان عند شيء واحد رأى الرائي الشيء

ص: 371


1- أورده الفخر الرازي في « المحصّل » : 260 ، وذكره العلاّمة في « كشف المراد » : 197.
2- انظر : « الشفاء » 2 : 104 - 105 كتاب النفس ، الفصل الخامس من المقالة الثالثة ؛ « التحصيل » : 766 - 781 ؛ « شرح المواقف » 7 : 195 و 197 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 215.
3- « شرح تجريد العقائد » : 216.
4- الزيادة أثبتناها من « كشف المراد » : 198.

الواحد شيئين (1).

وأمّا القائلون بالانطباع (2) فإنّهم قالوا : الصورة تنطبع أوّلا في الجليديّة ، وليس الإدراك عندها وإلاّ لأدركنا الشيء الواحد شيئين ، كما إذا لمسنا باليدين كان لمسين ، ولكنّ الصورة التي في الجليديّة تتأدّى بواسطة الروح المصبوب في العصبتين إلى ملتقاهما وعند الملتقى روح مدرك ، وحينئذ ترتسم عند الروح من الصورتين صورة واحدة ، فيرى بها ذلك الشيء واحدا ، وإن عرض عارض اقتضى أن لا تتأدّى الصورتان من الجليدتين دفعة واحدة رأى متعدّدا.

المسألة الرابعة عشرة : في أنواع القوى الباطنة المتعلّقة بإدراك الجزئيّات.

قال : ( ومن هذه القوى المدركة للجزئيّات بنطاسيا ، الحاكمة بين المحسوسات ).

أقول : أثبت الأوائل (3) للنفس قوى جزئيّة ، خمس باطنية : الحسّ المشترك ، والخيال ، والوهم ، والحافظة ، والمتصرّفة ، فنقول :

الأولى : ما يسمّى باليونانيّة بنطاسيا ، أي لوح النفس ، وهي الحسّ المشترك المدرك للصور الجزئيّة التي تجتمع عنده من المحسوسات ، وهو - كما أفيد (4) - قوّة مرتّبة في مقدّم التجويف الأوّل من التجاويف الثلاثة التي في الدماغ تقبل جميع الصور المنطبعة في الحواسّ الظاهرة ، فهؤلاء كجواسيس لها ؛ ولذا تسمّى حسّا مشتركا.

ص: 372


1- انظر : « الشفاء » : 2 : 132 كتاب النفس ، الفصل الثامن من المقالة الثالثة ؛ « التحصيل » : 763 - 764 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 326.
2- انظر : « الشفاء » 2 : 133 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 327 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 216.
3- انظر : « الشفاء » 2 : 145 وما بعدها ؛ « النجاة » 162 - 163 ؛ « التحصيل » : 782 وما بعدها.
4- « النجاة » : 163 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 335 ؛ « شرح المواقف » 7 : 204 - 208 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 286 - 287.

الثانية : خزانته ، وهي الخيال ، وهو - كما أفيد (1) - قوّة مرتّبة في مؤخّر التجويف الأوّل تحفظ جميع الصور المحسوسة ؛ ولهذا يحصل التذكّر بعد الذهول.

الثالثة : الوهم ، وهو قوّة مرتّبة في آخر التجويف الأوسط من الدماغ تدرك المعاني الجزئيّة المتعلّقة بالمحسوسات ، كالصداقة الجزئيّة والعداوة الجزئيّة.

الرابعة : خزانته ، وهي الحافظة المرتّبة في أوّل التجويف الآخر من الدماغ تحفظ ما يدرك الوهم.

الخامسة : القوّة التي يكون سلطانها في أوّل التجويف الثاني من الدماغ ، وهي القوّة المتصرّفة في الصور الجزئيّة والمعاني الجزئيّة بالتركيب والتحليل ، فتركّب صورة إنسان يطير وجبل ياقوت.

وهذه القوّة تسمّى مخيّلة إن استعملتها القوّة الوهميّة ، ومفكّرة إن استعملها العقل والقوّة الناطقة.

إذا عرفت هذا فنقول : الدليل على ثبوت الحسّ المشترك وجوه :

أحدها : أنّا نحكم على صاحب لون معيّن بطعم معيّن ، فلا بدّ من حضور هذين المعنيين عند الحاكم وهو النفس ، وهي تدرك الجزئيّات بواسطة الآلات على ما تقدّم ، فيجب حصولهما معا في آلة واحدة ، وليس شيء من الحواسّ الظاهرة قابلا لذلك ، فلا بدّ من إثبات قوّة باطنة هي الحسّ المشترك.

وإلى هذا الدليل أشار بقوله : « الحاكمة بين المحسوسات ».

قال : ( لرؤية القطرة خطّا والشعلة دائرة ).

أقول : هذا دليل ثان على إثبات الحسّ المشترك.

وتقريره : أنّا نرى القطرة النازلة بسرعة خطّا مستقيما ، والشعلة الجوّالة بسرعة دائرة مع أنّه ليس في الخارج كذلك ، ولا في القوّة الباصرة ؛ لأنّ البصر إنّما يدرك

ص: 373


1- « النجاة » : 163 ؛ « شرح المواقف » 7 : 208 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 294.

الشيء على ما هو عليه ، ولا النفس ؛ لأنّها لا تدرك الجزئيّات. فلا بدّ من قوّة أخرى يحصل بها إدراك القطرة حال حصولها في المكان الأوّل ، ثمّ إدراكها حال حصولها في الثاني برسم الحصول الثاني قبل انمحاء الصورة الأولى عن القوّة الشاعرة ، فتتّصل الصورتان في الحسّ المشترك ، فيرى النقطة كالخطّ ، والشعلة كالدائرة.

واعترض (1) عليه بأنّه يجوز أن يكون اتّصال الارتسام في الباصرة بأن يرتسم المقابل الثاني قبل أن يزول المرتسم الأوّل ؛ لقوّة ارتسام الأوّل وسرعة تعقّب الثاني ، فيكونان معا ، فتأمّل.

قال : ( والمبرسم ما لا تحقّق له ).

أقول : هذا دليل ثالث على إثبات هذه القوّة.

وتقريره : أنّ صاحب البرسام - من جهة تعطّل حواسّه الظاهرة واشتغال نفسه بالمرض واستيلاء المتخيّلة - يشاهد صورا لا وجود لها في الخارج ، وإلاّ يشاهدها كلّ ذي حسّ سليم.

فلا بدّ من قوّة ترتسم فيها هذه الصورة حال المشاهدة ، وكذا النائم يشاهد صورا لا تحقّق لها في الخارج. والسبب فيه ما ذكرناه ، وقد بيّنّا أنّ تلك القوّة لا يجوز أن تكون هي النفس ، فلا بدّ من قوّة جسمانيّة ترتسم فيها هذه الصور.

قال : ( والخيال لوجوب المغايرة بين الحافظ والقابل ).

أقول : هذه هي القوّة الثانية المسمّاة بالخيال ، وهي خزانة الحسّ المشترك الحافظ لما يزول عنه بعد غيبوبة الصورة التي باعتبارها تحكم النفس بأنّ ما شوهد ثانيا هو الذي شوهد أوّلا.

ومن هنا يفرق بين السهو والنسيان بأنّ السهو هو المحو عن الحسّ المشترك دون الخيال ؛ ولهذا لا يحتاج إلى الكسب الجديد بل يكفي التذكّر بعد التأمّل ، وأمّا النسيان

ص: 374


1- المعترض هو الفخر الرازي ، كما في « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 334 ؛ « شرح المواقف » 7 : 206 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 287.

فهو المحو عن الحسّ المشترك والخيال معا بحيث يحتاج إلى الكسب الجديد.

نعم ، السهو والنسيان كالجارّ والمجرور إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، كما يقال : إنّ الفقير والمسكين كالجارّ والمجرور.

واستدلّوا على مغايرتها للحسّ المشترك بأنّ هذه القوّة حافظة والحسّ المشترك قابل ، والحافظ يغاير القابل ؛ لامتناع صدور أثرين عن علّة واحدة ، ولأنّ الماء فيه قوّة القبول وليس فيه قوّة الحفظ ، فدلّ على المغايرة.

وهذا كلام ضعيف ؛ لجواز كون القوّة الواحدة قابلة وحافظة باختلاف الجهة ، كما أنّ الأرض تقبل الشكل للمادّة وتحفظه للصورة ، فالأولى التمسّك بوجدان حالتي السهو والنسيان ؛ لأنّهما تقتضيان أن توجد القوّتان ، كما أشرنا إليه.

قال : ( والوهم المدرك للمعاني الجزئيّة ).

أقول : هذه هي القوّة الثالثة المدركة للمعاني الجزئيّة وتسمّى الوهم ، وهي مغايرة للنفس الناطقة ، لما تقدّم من أنّ النفس لا تدرك الجزئيّات لذاتها. وأشار إليه بقوله : « الجزئيّة » وللحسّ المشترك ؛ لأنّ هذه القوّة تدرك المعاني ، والحسّ يدرك الصورة المحسوسة. وأشار إليه بقوله : « للمعاني » وللخيال ؛ لأنّ الخيال شأنه الحفظ ، والوهم شأنه الإدراك فيتغايران كما قلنا في الحسّ والخيال. وأشار إليه بقوله : « المدرك ».

قال : ( والقوّة الحافظة ).

أقول : هذه هي القوّة الرابعة المسمّاة بالحافظة ، وهي خزانة الوهم.

والدليل على إثباتها كما قلناه في الخيال سواء ، من جهة أنّ القبول غير الحفظ ، والحافظ للمعاني غير الحافظ للصور ، وهذه تسمّى المتذكّرة باعتبار قوّتها على استعادة الغائبات.

ولهم خلاف في أنّ المتذكّرة هي الحافظة كما حكي (1).

ص: 375


1- انظر : « الشفاء » 2 : 148 - 149 ؛ « النجاة » 163 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 347 ؛ « التحصيل » : 787 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 343 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 293.

قال : ( والمتخيّلة المركّبة للصور والمعاني بعضها مع بعض ).

أقول : هذه هي القوّة الخامسة المسمّاة بالمتخيّلة باعتبار استعمال الحسّ لها والمتفكّرة باعتبار استعمال العقل لها ، وهي تركّب بعض الصور مع بعض ، كما تركّب صور جذع عليه رأس إنسان ، وتركّب بعض الصور مع بعض المعاني ، وتفصل بعض الصور عن بعض ، وكذا المعاني.

ويدلّ على مغايرتها لما تقدّم صدور هذا الفعل عنها دون غيرها من القوى ؛ لامتناع صدور أكثر من واحد عن قوّة واحدة ، فتأمّل.

اعلم أنّ الحيوان كما أنّ له القوّة المدركة كذلك له القوّة المحرّكة ؛ ولهذا يجعل فصله الحسّ والحركة بالإرادة. والقوّة المحرّكة باعثة وفاعلة ، والباعثة تسمى شوقيّة تحمل الفاعلة على تحريك الأعضاء إلى المطلوب بزعمها وإن كان ضارّا في نفس الأمر ، وحينئذ تسمّى قوّة شهويّة. وإن حملت على التحريك لدفع المبغوض كذلك تسمّى غضبيّة.

وأمّا الفاعلة فهي التي تعدّ العضلات بقبضها وبسطها ونحو ذلك على التحريك.

ص: 376

[ الفصل الخامس : في الأعراض ]

اشارة

قال : ( الفصل الخامس : في الأعراض ، وتنحصر في تسعة ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الجواهر ، انتقل إلى البحث عن الأعراض. وفي هذا الفصل مسائل :

[ الاول الكم ]

المسألة الأولى : في أنّ الأعراض منحصرة في تسعة.

المسألة الأولى : في أنّ الأعراض منحصرة في تسعة. وهذا رأي أكثر الأوائل (1) ؛ فإنّهم قسّموا الموجود إلى واجب وممكن ، والواجب هو اللّه تعالى لا غير ، والممكن إمّا غنيّ عن الموضوع - وهو الجوهر - أو محتاج إليه وهو العرض.

وأقسامه تسعة : الكمّ ، والكيف ، والأين ، والوضع ، والملك ، والإضافة ، والفعل ، والانفعال ، والمتى.

والمتكلّمون - على ما حكي (2) - حصروه في أحد وعشرين : الكون ، واللون ، والطعوم ، والروائح ، والحرارة ، والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ، والتأليف ، والاعتماد ،

ص: 377


1- انظر : « الشفاء » المنطق 1 : 82 - 88 ، الفصل الخامس من المقالة الثانية ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 267 - 268 ؛ « البصائر النصيرية » : 23 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 5 : 13 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 141 ؛ « نهاية المرام » 1 : 313 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 313.
2- حكاه عنهم المحقّق الطوسي في « قواعد العقائد » المطبوع ضمن « نقد المحصّل » : 439 ، والعلاّمة الحلّي في « كشف المراد » : 202 ، وإلى ذلك أشير في « شرح المواقف » 5 : 11 وما بعدها و « شرح المقاصد » 2 : 141 وما بعدها.

والظنّ ، والنظر ، والإرادة ، والكراهة ، والشهوة ، والنفرة ، والألم ، واللذّة ، والحياة ، والقدرة ، والاعتقاد.

وأثبت بعضهم أعراضا أخر (1) يأتي البحث عنها.

وهذه الأعراض مندرجة تحت تلك ، لأنّ الكون هو الأين أو ما يقاربه ، وباقي الأعراض التي ذكرناها مندرجة تحت الكيف ؛ ولأجل هذا بحث المصنّف رحمه اللّه عن الأعراض التسعة ؛ لدخول هذه تحتها. ومع ذلك فالأوائل يوجد لهم دليل على حصر الأعراض في التسعة (2).

وبعضهم جعل أجناس الممكنات منحصرة في أربعة : الجوهر ، والكمّ ، والكيف ، والنسبة (3).

وبالجملة ، فالحصر لم يقم عليه برهان.

المسألة الثانية : في قسمة الكمّ.

قال : ( الأوّل الكمّ ، فمتّصله القارّ جسم وسطح وخطّ ، وغيره الزمان ، ومنفصله العدد ).

أقول : الكمّ عرض يقبل لذاته القسمة بإمكان فرض الأجزاء ، وهو إمّا متّصل أو منفصل ، ونعني بالمتّصل ما يوجد فيه جزء مشترك يكون نهاية أحد القسمين وبداءة الآخر ، كالجسم إذا نصّف ؛ فإنّ موضع النصف حدّ مشترك بين النصفين ونهاية لأحدهما وبداءة للآخر ، والمنفصل ما لا يكون كذلك ، كالأربعة المنقسمة إلى اثنين

ص: 378


1- انظر : « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 11 ؛ « قواعد العقائد » المطبوع ضمن « نقد المحصّل » : 439 ؛ « مناهج اليقين » : 130 - 136 ؛ « شرح المواقف » 5 : 26 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 146.
2- « الشفاء » المنطق 1 : 83 - 86 ، الفصل الخامس من المقالة الثانية ؛ « شرح المواقف » 5 : 13 وما بعدها.
3- نسبه في « المطارحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 278 إلى عمر بن سهلان الساوي ، ونسب إلى البعض في كلّ من « المباحث المشرقيّة » 1 : 270 ؛ « مناهج اليقين » 147 ؛ « شرح المواقف » 5 : 26 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 146.

واثنين ؛ فإنّه ليس بينهما حدّ مشترك ، وكذلك الثلاثة.

ولا يتوهّم أنّ الوسط نهاية لأحد القسمين وبداية للآخر ؛ لأنّه إن عدّ منهما صارت الثلاثة أربعة ، وإن سقط منهما ، صارت اثنين ، ولا أولويّة لأحدهما دون الآخر.

فإذا عرفت هذا ، فنقول : المتّصل إمّا قارّ الذات وهو الذي تجتمع أجزاؤه في الوجود كالجسم ، أو غير قارّ الذات وهو الذي لا يكون كذلك كالزمان ؛ فإنّه لا يمكن أن يكون أحد الزمانين مجامعا لآخر.

والقارّ الذات إمّا أن ينقسم في جهة واحدة وهو الخطّ ، أو في جهتين وهو السطح ، أو في ثلاث وهو الجسم التعليمي ، أعني البعد الذي هو العرض والطول والعمق.

وغير قارّ الذات هو الزمان لا غير.

والمنفصل هو العدد خاصّة ؛ لأنّ تقوّمه من الوحدات التي إذا جرّدت عن معروضاتها كانت أجزاء العدد.

المسألة الثالثة : في خواصّه.

قال : ( ويشملها قبول المساواة وعدمها ، والقسمة ، وإمكان وجود العادّ فيه ).

أقول : ذكر للكمّ ثلاث خواصّ :

الأولى : قبول المساواة وعدمها ؛ فإنّ أحد الشيئين إنّما يساوي غيره أو يفاوته باعتبار مقداره لا باعتبار ذاته ؛ فإنّ كلّ الجسم وبعضه متساويان في الطبيعة ومتفاوتان في المقدار.

الثانية : قبول القسمة لذاته ، وذلك أنّ الماهيّة إنّما يعرض لها الانقسام والاثنينيّة بواسطة المقدار.

وهذا الانقسام قد يكون وهميّا ويعنى به كون الشيء بحيث يوجد فيه شيء

ص: 379

غير شيء ، وهذا المعنى يلحق المقدار لذاته.

وقد يكون فعليّا ويراد منه قبول الاقتران بأن ينفصل وينقطع بالفعل وتحدث له هويّتان بعد أن كانت له هويّة واحدة ، وهو من توابع المادّة عندهم على ما سلف البحث فيه ، ومرادهم هنا الأوّل.

الثالثة : إمكان وجود العادّ فيه ، بمعنى اشتماله على أمر يفنيه بالإسقاط عنه مرارا إمّا بالفعل كما في الكمّ المنفصل ؛ فإنّ الواحد الموجود في الأعداد يفنيها بإسقاطه مرارا. وإمّا بالقوّة كما في الكمّ المتّصل.

بيان ذلك : أنّ المنقسم إنّما ينقسم إلى آحاد هي أجزاؤه ، فتلك الآحاد عادّة له.

ولمّا كان الانقسام قد يكون بالفعل كما في الكمّ المنفصل ، وقد يكون بالقوّة كما في الكمّ المتّصل ، كان اللازم المطلق للكمّ هو إمكان وجود واحد عادّ لا الوجود بالفعل.

قال : ( وهو ذاتيّ وعرضيّ ).

أقول : الكمّ منه ما هو بالذات ، كالأقسام التي عددناها له ، ومنه ما هو بالعرض ، وهو محلّ للكمّ بالذات كالجسم الطبيعي ، أو حالّ فيه كالشكل ، أو حالّ في محلّه كالسواد الحالّ في الجسم ؛ فإنّه مقدّر بقدره فكمّيّته عرضيّة لا ذاتيّة أو ما يتعلّق بما يعرض له تعلّقا مصحّحا لإجراء أوصافه عليه ، كقولنا : هذه القوّة قوّة متناهية أو غير متناهية بسبب تناهي أثرها في العدّة أو المدّة أو الشدّة ، وعدم تناهيه.

المسألة الرابعة : في أحكامه.

قال : ( ويعرض ثاني القسمين فيهما لأوّلهما ).

أقول : قد ذكر أنّ الكمّ إمّا متّصل وإمّا منفصل. وأيضا إمّا ذاتيّ أو عرضيّ ، فهناك تقسيمان.

وضمير قوله : « فيهما » راجع إلى التقسيمين ، وضمير قوله : « أوّلهما » إلى القسمين.

والمراد أنّه يعرض الكمّ المنفصل - الذي هو ثاني القسمين في التقسيم إلى

ص: 380

المتّصل والمنفصل - لأوّلهما الذي هو الكمّ المتّصل. ويعرض الكمّ العرضي - الذي هو ثاني القسمين في التقسيم الثاني - لأوّلهما الذي هو الكمّ الذاتي ؛ فإنّ الجسم التعليمي قد يعرض له الانقسام ، فيعرض له التّعدد ، فيصير معدودا قد عرض له النوع الثاني من الكمّ وهو المنفصل ، وكذا الزمان يقسّم إلى الساعات والشهور والأيّام والأعوام فيحصل له العدد.

وأيضا الزمان متّصل بذاته ويعرض له التقدير بالمسافة أيضا ، كما يقال : زمان حركة فرسخ.

وقد يعرض الكمّ المنفصل للكمّ المنفصل ، كما في قولنا : خمس عشرات ، فيصير المنفصل بالذات منفصلا بالعرض ، ولا استحالة في ذلك ؛ للتغاير بين العارض والمعروض ولو بالشخص.

فظهر معنى قوله : « ويعرض ثاني القسمين فيهما لأوّلهما ».

قال : ( وفي حصول المنافي وعدم الشرط دلالة على انتفاء الضدّيّة ).

أقول : يريد أنّ الكمّ لا تضادّ فيه. والدليل عليه وجهان :

أحدهما : أنّ المنافي للضدّيّة حاصل للكمّ ، فلا تكون الضدّيّة موجودة فيه.

بيانه : أنّ أنواع الكمّ المنفصل متقوّم بعضها ببعض ، فأحد النوعين إمّا مقوّم لصاحبه أو متقوّم به ، ويستحيل تقوّم أحد الضدّين بالآخر.

وأمّا المتّصل فلأنّ أحد النوعين إمّا قابل للآخر كالسطح للخطّ أو الجسم للسطح ، أو مقبول له ، كالعكس ، والضدّ لا يكون قابلا لضدّه ولا مقبولا له ، فحصول التقويم والقابليّة المنافيين للضدّيّة يقتضي انتفاء الضدّيّة.

الثاني : أنّ الشرط في التضادّ مفقود في الكمّ فلا تضادّ فيه.

بيانه : أنّ للتضادّ شرطين : أحدهما اتّحاد الموضوع. الثاني : أن يكون بينهما غاية التباعد. وهما منتفيان هنا.

أمّا عدم اتّحاد الموضوع في العدد فإنّه ليس لشيء من العددين موضوع قريب

ص: 381

مشترك ، وكذا المتّصل ؛ فإنّ الجسم الطبيعي معروض للتعليمي وللسطح بواسطة التعليمي ، وكذا الخطّ بواسطة السطح.

وأمّا عدم كونهما في غاية التباعد فلأنّه لا مقدار يوجد إلاّ ويمكن أن يفرض ما هو أكبر منه أو أصغر أو أكثر أو أقلّ ، فلا غاية في التباعد.

قال : ( ويوصف بالزيادة والكثرة ومقابليهما ، دون الشدّة ومقابلها ).

أقول : الكمّ بأنواعه يوصف بأنّ بعضا منه زائد على بعض آخر ؛ فإنّ الستّة أزيد من الثلاثة ، وكذا الخطّ الذي طوله عشرة أزيد من الذي طوله خمسة ، فصدق عليه وصف الزيادة ومقابلها - أعني النقصان - لأنّ الزائد إنّما يعقل بالقياس إلى الناقص.

وكذا الوصف بالكثرة والقلّة ، فيقال : عدد كثير أو قليل ، مثلا ، ويمنع اتّصافه بالشدّة والضعف.

وبيانه ظاهر ؛ فإنّه لا يعقل أنّ خطّا أشدّ من خطّ آخر في الخطّيّة ، ولا ثلاثة أشدّ من ثلاثة أخرى في الثلاثيّة.

والفرق بين الكثرة والشدّة ظاهر ، وكذا بين الزيادة والشدّة ؛ فإنّ الكثرة والزيادة إنّما تتحقّقان بالنسبة إلى أصل موجود لا يتغيّر فصله بسبب الزيادة ولا حقيقته ، بخلاف الشدّة.

قال : ( وأنواع متّصلة قد تكون تعليميّة ).

أقول : الأنواع الثلاثة للكمّ المتّصل القارّ الذات - وهي الخطّ والسطح والجسم التعليمي - قد تؤخذ باعتبار ما فتسمّى تعليميّة ، وقد تؤخذ باعتبار آخر فلا تسمّى تعليميّة.

مثلا : إذا أخذ المقدار باعتبار ذاته لا من حيث اقترانه بالموادّ وأعراضها من الألوان وغيرها كان ذلك مقدار تعليميّا ، كالسطح التعليمي ، والخطّ التعليمي ، وكذا النقطة.

وإنّما سميّت هذه الأنواع تعليميّة ؛ لأنّ علم التعاليم إنّما يبحث عنها مجرّدة عن

ص: 382

الموادّ وتوابعها.

قال : ( وإن كانت تختلف بنوع ما من الاعتبار ).

أقول : الظاهر من هذا الكلام أنّ كون الجسم تعليميّا يفارق كون الخطّ والسطح كذلك.

وبيانه : أنّ الجسم يمكن أن يؤخذ لا بشرط غيره ، وبشرط لا غيره. وأمّا السطح والخطّ فلا يمكن أخذهما إلاّ بالاعتبار الأوّل ؛ فإنّه يمكن أن يتخيّل بعد ممتدّ في الجهات مجرّدا عمّا عداه ، ولا يمكن أن يتخيّل بعد ممتدّ في جهتين - الطول والعرض - مجرّدا عن الامتداد العمقي بالمرّة ، وكذا لا يمكن أن يتخيّل بعد ممتدّ في جهة واحدة فقط مجرّدا عن الامتداد العمقي والعرضي.

نعم ، يمكن تصوّرهما على وجه كلّي كالجسم التعليمي ؛ فلهذا اختلفت الأنواع بنوع ما من الاعتبار.

قال : ( وتخلّف الجوهريّة عمّا يقال في جواب ما هو؟ في كلّ واحد يعطي عرضيّته ).

أقول : يريد أن يبيّن أنّ هذه الأنواع بأسرها أعراض.

واستدلّ بطريقين : أحدهما عامّ في الجميع ، والثاني مختصّ بكلّ واحد.

أمّا العامّ فتقريره أنّ معنى الجوهرية في حدّ كلّ واحد من الخطّ والسطح والجسم التعليمي والزمان والعدد غير داخل فيما يقال في جواب ما هو؟ إذا سئل عن حقيقته ، فيكون خارجا عن الحقيقة ، فيكون كلّ واحد من هذه عرضا ؛ لأنّه لو كان جوهرا لما تخلّف معنى الجوهريّة عمّا يقال في جواب ما هو؟ عند السؤال.

قال : ( والتبدّل مع بقاء الحقيقة ، وافتقار التناهي إلى البرهان ، وثبوت الكرة الحقيقيّة ، والافتقار إلى عرض ، والتقوّم به يعطي عرضيّة الجسم التعليمي والسطح والخطّ والزمان والعدد ).

أقول : هذا هو الوجه الدالّ على عرضيّة كلّ واحد بخصوصيّته.

ص: 383

أمّا الجسم التعليمي فإنّه يتبدّل مع بقاء حقيقته الجسميّة المشخّصة ؛ فإنّ الشمعة تقبل الأشكال المختلفة مع بقاء حقيقتها ، فزوال كلّ واحد من الأبعاد وبقاء الجسميّة يدلّ على عرضيّة الأبعاد ، أعني الجسم التعليميّ.

وأمّا السطح فإنّه عرض ؛ لأنّ ثبوته إنّما هو بواسطة التناهي الذي ليس من مقوّمات الجسم ، بل هو العارض للجسم ؛ لافتقاره إلى برهان يدلّ عليه ، مع أنّ أجزاء الحقيقة لا تثبت بالبرهان ، وإذا كان التناهي عارضا ، كان ما ثبت بواسطته أولى بالعرضيّة.

وأمّا الخطّ فإنّه عرض ؛ لأنّه غير واجب الثبوت للجسم ، وما كان كذلك كان عرضا.

وبيان عدم وجوبه أنّه إنّما ثبت للسطح بواسطة تناهيه ، والسطح قد لا يعرض فيه النهاية كما في الكرة الحقيقيّة الساكنة ؛ فإنّه لا خطّ فيها بالفعل.

وأمّا الزمان فإنّه يفتقر إلى الحركة ؛ لأنّه مقدارها ، والمقدار مفتقر إلى التقدّر (1) ، والحركة عرض ، والمفتقر إلى العرض أولى بالعرضيّة ، فالزمان عرض.

وأمّا العدد فلأنّه متقوّم بالآحاد على ما تقدّم ، والآحاد عرض ، فالعدد كذلك.

قال : ( وليست الأطراف أعداما وإن اتّصفت بها مع نوع من الإضافة ).

أقول : ذهب جماعة (2) من المتكلّمين - على ما حكي - إلى أنّ السطح الذي هو طرف الجسم ، والخطّ الذي هو طرف السطح ، والنقطة التي هي طرف الخطّ ، أعدام صرفة لا تحقّق لها في الخارج ، وإلاّ لانقسمت لانقسام محلّها ، ولأنّ الطرف عبارة عن نهاية الشيء ، التي هي عبارة عن فنائه وعدمه ، ولأنّ السطحين إذا التقيا عند تلاقي الأجسام إن كان بالأسر لزم التداخل ، وإلاّ فالانقسام ، وكذا الخطّ والنقطة.

ص: 384


1- كذا في الأصل ، وفي « كشف المراد » : 207 : « المتقدّر ».
2- « المباحث المشرقيّة » 1 : 322 ؛ « المحصّل » : 224 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 177 - 178 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 225 - 226.

وهذه الوجوه مدخولة :

أمّا الأوّل : فلأنّ الانقسام إنّما يلزم في الأعراض السارية ، أمّا غيرها فلا.

وأمّا الثاني : فلأنّ النهاية ليست عدما محضا ولا نفيا صرفا ؛ لأنّ العدم لا يشار إليه ، والأطراف يشار إليها ، بل هاهنا أمور ثلاثة :

أحدها : السطح ، وهو مقدار ذو طول وعرض ، قابل للإشارة ، موجود.

والثاني : فناء الجسم ، بمعنى انقطاعه في جهة معيّنة من جهات الامتداد ، وليس بعدم صرف بل عدم أحد أبعاد الجسم ، وهو تحته.

والثالث : إضافة تعرض تارة للسطح فيقال : سطح مضاف إلى ذي السطح ، وتارة للفناء فيقال : نهاية لجسم ذي نهاية. والإضافة عارضة لهما متأخّرة عنهما.

وقد يؤخذ السطح عاريا عن هذه الإضافة فيكون موضوعا لعلم الهندسة.

وكذا البحث في الخطّ والنقطة.

وأمّا الثالث ففيه : أنّ الجسمين إذا التقيا عدم السطحان وصارا جسما واحدا إن اتّصلا ، وإن تماسّا فالسطحان باقيان.

قال : ( والجنس معروض التناهي وعدمه ).

أقول : يريد بالجنس الكمّ من حيث هو هو ؛ فإنّه جنس لنوعي المتّصل والمنفصل ، وهو الذي يلحقه لذاته التناهي وعدم التناهي على سبيل عدم الملكة لا العدم المطلق ؛ فإنّ العدم المطلق قد يصدق على الشيء الذي سلب عنه ما باعتباره يصدق أنّه متناه كالمجرّدات ، وإنّما يلحقان - أعني التناهي وعدمه - العدم الخاصّ ما عدا الكمّ بواسطة الكمّ ، فيقال للجسم : إنّه متناه أو غير متناه باعتبار مقداره. ويقال للقوّة ذلك باعتبار الآثار وامتداد زمانها وقصره ، ويقال للبعد والزمان والعدد : إنّها متناهية أو غير متناهية لا باعتبار لحوق طبيعة بها بل لذاتها.

قال : ( وهما اعتباريّان ).

أقول : يريد به أنّ التناهي وعدمه من الأمور الاعتباريّة لا العينيّة ؛ فإنّه ليس في

ص: 385

الخارج ماهيّة يقال لها : إنّها تناه أو عدم تناه ، بل إنّما يعقلان عارضين لغيرهما في الذهن ، فيكونان من المعقولات الثانية.

[ الثاني : الكيف ]

قال : ( الثاني : الكيف ، ويرسم بقيود عدميّة تخصّه جملتها بالاجتماع ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الكمّ شرع في البحث عن الكيف ، وهو الثاني من الأعراض التسعة. وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في رسمه.

اعلم أنّ الأجناس العالية لا يمكن تحديدها لبساطتها ، بل ترسم برسوم أعرف منها عند العقل. والرسم إنّما يتألّف من خواصّ الشيء وعوارضه.

ولمّا كانت العوارض قد تكون عامّة وقد تكون خاصّة ، والعامّ لا يفيد التميّز الذي هو أقلّ مراتب التعريف ، لم تصلح العوارض العامّة للتعريف إلاّ إذا اختصّت بالاجتماع بالماهيّة المرسومة ، وهي الخاصّة المركّبة ، كما يقال في تعريف الخفّاش : إنّه الطائر الولود.

ولمّا لم يوجد لهذا الجنس خاصّة عند تصوّره توصّلوا إلى تعريفه بعوارض عدميّة ، كلّ واحد منها أعمّ منه لكنّها باجتماعها خاصّة ، فقالوا في تعريفه : إنّه هيئة قارّة لا يتوقّف تصوّرها على تصوّر غيرها ، ولا تقتضي القسمة واللاقسمة في محلّها اقتضاء أوّليّا (1).

فقولنا : « هيئة » يشمل جميع الأعراض التسعة ، ويخرج عنها الجوهر.

وقولنا : « قارّة » يخرج عنه الحركة وما ليس بقارّ من الأعراض. وقولنا :

ص: 386


1- « الشفاء » المنطق 1 : 171 ، الفصل الأوّل من المقالة الخامسة ؛ « البصائر النصيرية » : 31 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 372 - 379 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 230.

« لا يتوقّف تصوّرها على تصوّر غيرها » يخرج عنه الأعراض النسبيّة. وقولنا : « اقتضاء أوّليّا » ليدخل في المحدود العلم بالأشياء البسيطة التي لا تنقسم ؛ فإنّه يقتضي اللاقسمة - مع أنّه من الكيف - إلاّ أنّ اقتضاءه لذلك ليس أوّليّا بل لوحدة المعلوم.

وقد يعرّف الكيف بأنّه عرض لا يقتضي لذاته قسمة ولا نسبة (1) ، فخرجت الجواهر والكمّ والأعراض النسبيّة.

ومن جعل النقطة والوحدة من الأعراض دون الكيف زاد قيد عدم اقتضائه اللاقسمة ؛ احترازا عنهما (2).

ولا حاجة إلى زيادة قيد « أوّليّا » لإدخال العلم بالبسيط ؛ لكفاية قولهم : « لذاته » فهذا التعريف أولى ؛ لأنّه أخصر.

المسألة الثانية : في أقسامه.

قال : ( وأقسامه أربعة ).

أقول : الكيف ، له أنواع أربعة بالاستقراء :

أحدها : الكيفيّات المحسوسة بإحدى الحواسّ الظاهرة : راسخة كانت كالسواد والحرارة والحلاوة والملوحة ، أو غير راسخة كحمرة الخجل وصفرة الوجل.

الثاني : الكيفيّات النفسانيّة المختصّة بذوات الأنفس ، كالعلوم والإرادات والظنون ، وهي إن كانت راسخة كانت ملكات ، وإلاّ كانت حالات.

الثالث : الكيفيّات الاستعداديّة التي من جنس الاستعداد والقوّة كالصلابة واللين.

والرابع : الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات المتّصلة أو المنفصلة كالزوجية للعدد ،

ص: 387


1- « شرح المواقف » 5 : 15 - 16 و 162 - 163 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 219 - 220 ؛ « التعريفات » : 241 ، الرقم 1201.
2- راجع في ذلك « المباحث المشرقيّة » 1 : 372 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 65 ؛ « شرح المواقف » 5 : 162 - 163.

والاستقامة للخطّ - مثلا - وغيرهما. (1)

المسألة الثالثة : في البحث عن المحسوسات.

قال : ( فالمحسوسات إمّا انفعاليّات أو انفعالات ).

أقول : الكيفيّات المحسوسة إن كانت راسخة عسرة الزوال - كحلاوة العسل - سمّيت انفعاليّات ؛ لانفعال الحواسّ عنها ، ولكونها تابعة للمزاج الحاصل من انفعال العناصر. وإن كانت غير راسخة بل سريعة الزوال - كحمرة الخجل - سمّيت انفعالات ، وهي وإن لم تكن في أنفسها انفعالات لكنّها لقصر مدّتها وسرعة زوالها كأنّها تنفعل ، فسمّيت بها تمييزا لها عن الكيفيّات الراسخة.

المسألة الرابعة : في مغايرة الكيفيّات للأشكال والأمزجة.

قال : ( وهي مغايرة للأشكال ؛ لاختلافها في الحمل ).

أقول : ذهب قوم (2) من القدماء إلى أنّ هذه الكيفيّات نفس الأشكال ؛ قالوا : الأجسام تنتهي في التحليل إلى أجزاء صغار تقبل القسمة الوهميّة لا الانفكاكيّة الفعليّة.

وتلك الأجزاء مختلفة في الأشكال ، فالتي يحيط بها أربعة مثلّثات تكون مفرّقة لاتّصال العضو ، فيحسّ منها بالحرارة ، والتي يحيط بها ستّة مربّعات تكون غليظة غير نافذة ، فيحسّ منها بالبرودة.

والذي يقطع العضو إلى أجزاء صغار ويكون شديد النفوذ فيه هو المحرق الحرّيف (3) ، والجزء الملاقي لذلك التقطيع هو الحلو ، والجزء الذي ينفصل منه شعاع مفرّق للبصر هو الأبيض ، والذي ينفصل منه شعاع جامع وقابض للبصر هو الأسود ،

ص: 388


1- كالمثلّثيّة والمربّعيّة للسطح ، والفرديّة للعدد. ( منه رحمه اللّه ).
2- كما حكي عن أصحاب ذيمقراطيس. ( منه رحمه اللّه ).
3- الحرّيف : كلّ طعام يحرق فم آكله بحرارة مذاقه. كذا في « لسان العرب » 3 :3. 131 ، « حرف ».

ويحصل من اختلاطهما باقي أنواع الألوان (1).

والمحقّقون أبطلوا هذه المقالة بأنّ الأشكال والألوان مختلفة في المحمولات ، فيحمل على أحدهما بالإيجاب ما يحمل على الآخر بالسلب ، فيلزم تغايرهما بالضرورة (2).

وبيانه : أنّ الأشكال ملموسة وغير متضادّة ، والألوان متضادّة غير ملموسة.

وأيضا الأشكال مبصرة والحرارة والبرودة ليستا كذلك.

قال : ( والمزاج لعمومها ).

أقول : ذهب آخرون من الأوائل إلى أنّ الكيفيّات هي الأمزجة (3).

وهو خطأ ؛ لأنّ المزاج كيفيّة متوسّطة بين الحارّ والبارد يحصل من تفاعلهما ، والحرارة والبرودة من الكيفيّات الملموسة ، فيكون المزاج منها ، فالمزاج لا يحصل بدون الكيفيّة المحسوسة ، والكيفيّة المحسوسة قد تحصل بدون المزاج كما في البسائط ، فتكون أعمّ والعامّ يغاير الخاصّ.

وأيضا المزاج تابع ، والتابع مغاير للمتبوع.

المسألة الخامسة : في البحث عن الملموسات.

قال : ( فمنها أوائل الملموسات ، وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، والبواقي منتسبة إليها ).

أقول : لمّا كانت الكيفيّات الملموسة أظهر عند الطبيعة ؛ لعمومها بالنسبة إلى كلّ

ص: 389


1- انظر : « الشفاء » 2 : 53 - 54 ، كتاب النفس ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 377 وما بعدها ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 471 - 472 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 227.
2- « الشفاء » 2 : 54 - 55 ، كتاب النفس ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 379 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 472 - 473 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 227 - 228.
3- انظر : « الشفاء » 2 : 253 - 254 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 380 ؛ « نهاية المرام » في علم الكلام » 1 : 473 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 328.

حيوان وعدم خلوّ حيوان عن القوّة اللامسة بخلاف سائر الحواسّ ، كما يقال في الخراطين (1) : إنّها فاقدة للمشاعر الأربعة دون اللامسة ، لدفع المفسدة باقتضاء الحكمة ، فكأنّها أوّل ما يدرك وأوّل ما يحتاج إليه من الكيفيّات المحسوسة - قدّم البحث عنها.

واعلم أنّ الكيفيّات الملموسة إمّا فعليّة أو انفعاليّة أو ما ينسب إليهما ، فالفعليّة كيفيّتان هما الحرارة والبرودة ، والمنفعلة اثنتان هما الرطوبة واليبوسة.

ونعني بالفعليّة ما تفعل الصورة بواسطتها في المادة أثرا من الآثار ، وبالمنفعلة ما تنفعل المادّة باعتبارها.

وإنّما كانت الأوليان فعليّتين والأخيرتان منفعلتين - وإن كانت المادّة تنفعل باعتبارهما - لأنّ الأوليين تفعلان في الأخيرتين ، دون العكس.

أمّا باقي الكيفيّات الملموسة - كاللطافة والكثافة واللزوجة والهشاشة والجفاف والبلّة والثقل والخفّة - فإنّها تابعة لهذه الأربعة.

فكانت هذه الكيفيّات الأربع أوائل الملموسات ؛ لأنّها مدركة أوّلا وبالذات ، وما عداها يدرك بتوسّطها ؛ ولهذا ينسب إليها.

قال : ( فالحرارة جامعة للمتشاكلات ومفرّقة للمختلفات ، والبرودة بالعكس ).

أقول : الحرارة من شأنها إحداث الخفّة والميل الصاعد ، ويحصل بسبب ذلك الحركة فإذا وردت الحرارة على المركّب وسخّنته ، طلب الألطف الصعود قبل غيره ؛ لسرعة انفعاله ، فاقتضى ذلك تفريق أجزاء المركّب. فإذا صعد الألطف جامع بالطبع [ إلى ] (2) ما يجانسه ؛ لأنّ طبيعته تقتضي الحركة إلى مكانه الطبيعي والانضمام إلى الأصل الكلّيّ ؛ فإنّ الجنسيّة علّة الضمّ ، فالحرارة معدّة للاجتماع ، ويلزم من ذلك

ص: 390


1- مفردة خرطون : « دود من رتبة الحلقيات ، دائم الحركة تحت الأرض حيث يأخذ غذاءه ، كثير المنفعة للزراعة ».
2- كذا في الأصل ، والظاهر أنّها زائدة.

تفرّق الأجسام المختلفة الطبائع التي منها يتركّب المركّب.

ولهذا يقال في بيان خاصّيّة الحرارة الغنيّة عن التعريف : إنّها تقتضي جمع المتشاكلات وتفريق المختلفات.

وأمّا البرودة فإنّها بالعكس من ذلك.

قال : ( وهما متضادّتان ).

أقول : الحرارة والبرودة كيفيّتان وجوديّتان بينهما غاية التباعد ؛ فهما متضادّتان.

ولم يخالف في هذا الحكم أحد من المحقّقين.

وقد ذهب قوم غير محقّقين إلى أنّ البرودة عدم الحرارة عمّا من شأنه أن يكون حارّا ، فيكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة (1).

وهو خطأ ؛ لأنّا ندرك من الجسم البارد كيفيّة زائدة على الكيفيّة المطلقة ، والعدم غير مدرك ؛ فالبرودة صفة وجوديّة مضادّة للحرارة.

قال : ( وتطلق الحرارة على معان أخر مغايرة مخالفة للكيفيّة في الحقيقة ).

أقول : لفظة « الحرارة » تطلق على معان :

أحدها : الكيفيّة المحسوسة من جرم النار.

والثاني : الحرارة الموجودة في بدن الحيوان ، المناسبة للحياة وهي شرط فيها ، وتسمّى بالحرارة الغريزيّة.

وعن أفلاطون تسميتها بالنار الإلهية (2).

وعن جالينوس أنّها الحرارة الناريّة العنصريّة الأسطقسيّة المستفاد من المزاج (3).

وعن أرسطو أنّها الحرارة السماويّة لا الأسطقسيّة المتقدّمة (4) ، وهي مخالفة لتلك

ص: 391


1- انظر : « المحصّل » 234 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 385 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 479 - 481 ؛ « شرح المواقف » 5 : 181 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 230 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 239.
2- انظر : « شرح تجريد العقائد » : 329.
3- انظر : « شرح المواقف » 5 : 179 ، الهامش ؛ « شرح تجريد العقائد » : 229.
4- راجع « الشفاء » 3 : 403 - 404 ، كتاب الحيوان ، الفصل الأوّل من المقالة السادسة عشرة.

في الحقيقة ؛ لأنّ تلك مضادّة للحياة ، والثاني شرط [ فيها ].

والثالث : الحرارة الحاصلة من تأثير الكواكب النّيرة كالشمس ، وهي مخالفة لما تقدّم.

والرابع : الحرارة التي توجبها الحركة ، وهي مخالفة لما تقدّم ؛ لمثل ما تقدّم.

قال : ( والرطوبة كيفيّة تقتضي سهولة التشكّل ، واليبوسة بالعكس ).

أقول : الرطوبة فسّرها الشيخ - على ما حكي (1) - بأنّها كيفيّة تقتضي سهولة حصول الأشكال والاتّصال والتفرّق.

والإيراد بلزوم كون النار أرطب من الماء وكذا الهواء (2) مدفوع بأنّ سهولة التشكّل في النار - التي تلينا بسبب مخالطة الهواء والنار الصرفة - ليست كذلك.

وأمّا الهواء فإنّه لمّا كان جرمه أرقّ كان تشكّله أسهل ، ولكنّ الكيفيّة المقتضية في الماء أزيد وإن كان القابل أنقص.

والجمهور يطلقون الرطوبة على البلّة لا غير ، فالهواء ليس برطب عندهم (3).

وعند الشيخ أنّه رطب ، وجعل البلّة هي الرطوبة الغريبة [ الجارية على ظاهر الجسم ، كما أنّ الانتفاع هو الرطوبة الغريبة ] (4) النافذة إلى باطنه ، والجفاف عدم البلّة عمّا من شأنه أن يبتلّ ، واليبوسة مقابلة للرطوبة (5).

قال : ( وهما مغايرتان للّين والصلابة ).

أقول : اللين والصلابة من الكيفيّات الاستعداديّة.

ص: 392


1- حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : 212 ، وانظر : « الشفاء » لطبيعيات 2 : 154.
2- راجع « المباحث المشرقيّة » 1 : 389 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 490 - 492 ؛ « شرح المواقف » 5 : 184 - 185 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 234 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 231.
3- « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 346 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 492.
4- الزيادة أثبتناها من « كشف المراد » : 212.
5- « الشفاء » الطبيعيّات 2 : 151 - 152 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 246 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 493.

فاللين كيفيّة يكون الجسم بها مستعدّا للانغماز ، ويكون للشيء بها قوام غير سيّال ، فينتقل عن وضعه لقبول الغمز الى الباطن ، ولا يمتدّ كثيرا ولا يتفرّق بسهولة. ويكون الغمز من الرطوبة وتماسكه من اليبوسة.

والصلابة كيفيّة تقتضي مقابل ذلك ، فهما من باب قوّة الانفعال والاستعداد نحو الانفعال ، فتكونان مغايرتين للرطوبة واليبوسة.

وكذا الخشونة والملاسة ؛ فإنّ الخشونة عبارة عن اختلاف أجزاء ظاهر الجسم بالارتفاع والانحطاط ، والملاسة عبارة عن استوائها ، فهما من باب الوضع.

قال : ( والثقل كيفيّة تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق مركزه على مركز العالم إن كان مطلقا ، والخفّة بالعكس ، ويقالان بالإضافة بالاعتبارين ).

أقول : المراد أنّ من الكيفيّات الملموسة الثقل والخفّة ، وكلّ منهما مطلق وإضافيّ.

والثقل المطلق كيفيّة تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق مركزه على مركز العالم إذا لم يعقه عائق.

والخفّة المطلقة بالعكس ، وهي كيفيّة تقتضي حركة الجسم إلى فوق بحيث يعلو على العناصر ، وينطبق سطحه على سطح الفلك إذا لم يعقه عائق.

أمّا الإضافي فإنّه يقال لمعنيين :

أحدهما : الذي في طباعه أن يتحرّك في أكثر المسافة الممتدّة بين المركز والمحيط حركة إلى المركز كالماء ، أو المحيط كالهواء ، وقد يعرض له أن يتحرّك عن المحيط.

والثاني : ما يقتضي حركة الجسم إلى المحيط والمركز في الجملة بالإضافة ، كالهواء ؛ فإنّه إذا قيس إلى النار نفسها كانت النار سابقة له إلى المحيط ، وإذا قيس إلى الماء كان سابقا ، فهو ثقيل بالإضافة إلى النار ، وخفيف بالإضافة إلى الماء.

قال : ( والميل طبيعيّ وقسريّ ونفسانيّ ).

أقول : لمّا كان الثقل والخفّة ممّا له تعلّق بالميل ، فإنّه ما يكون به الجسم مدافعا لما يمنعه ، عقّبهما بمباحث الميل ، وهو الذي يسمّيه المتكلّمون اعتمادا.

ص: 393

وينقسم بانقسام معلوله - أعني الحركة - إلى الأصلي والعرضي ؛ لقيامه بما وصف به أو بما يجاوره ويتعلّق به.

والأصلي إلى طبيعيّ كميل الحجر المسكن في الهواء والورق في الماء ، وإلى قسريّ كميل الحجر إلى الفوق عند قسره على الصعود ، وإلى نفسانيّ وإراديّ كميل الحيوان إلى الحركة بالإرادة.

قال : ( وهو العلّة القريبة للحركة ، وباعتباره يصدر عن الثابت متغيّر ).

أقول : الميل هو العلّة القريبة للحركة ؛ إذ باعتبار تحقّقه يصدر عن الثابت شيء متغيّر ؛ وذلك لأنّ الطبيعة أمر ثابت وكذا القوّة القسريّة والنفسانيّة ، فيستحيل صدور الحركة المتغيّرة المتفاوتة بالشدّة والضعف عنها ، فلا بدّ من أمر يشتدّ ويضعف ؛ ليتعيّن بكلّ مرتبة من مراتبه مرتبة من الحركة ، وذلك الأمر هو الميل الذي يصدر عن الطبيعة - مثلا - ويقتضي الحركة ، فيحصل باشتداده سرعة الحركة وشدّتها وبضعفه ضدّ ذلك.

قال : ( ومختلفه متضادّ ).

أقول : المراد أنّ الميلين الذاتيّين المختلفين متضادّان لا يمكن أن يجتمعا في جسم واحد ؛ وذلك لأنّ الميل يقتضي الحركة إلى جهة والصرف عن أخرى ؛ فلو اجتمع في الجسم ميلان ، لاقتضى حركته وتوجّهه إلى جهتين مختلفتين ، وذلك غير معقول.

نعم ، كما يجوز أن تجتمع في جسم واحد حركتان مختلفتان إحداهما بالذات والأخرى بالعرض ، كذلك يجوز اجتماع ميل ذاتيّ وعرضيّ ، كحجر يحمله إنسان إلى الفوق ؛ فإنّ ميله الذاتي إلى التحت ، والعرضيّ إلى الفوق ، وهكذا غير ذلك.

قال : ( ولو لا ثبوته لتساوى ذو العائق وعادمه ).

أقول : هذا إشارة إلى الدليل على وجود الميل الطبيعي في كلّ جسم قابل للحركة القسريّة.

وتقريره : أنّ المتحرّك إذا كان خاليا عن المعاوق ، وقطع بميله القسري مسافة ، فلا شكّ أنّه يقطعها في زمان ، فإذا فرضنا جسما آخر فيه ميل ومعاوقة ما يقطعها في

ص: 394

زمان أطول بالبديهة ، وإذا فرضنا جسما ثالثا فيه ميل أضعف من الميل المفروض أوّلا بقدر نسبة زمان عديم الميل إلى زمان ذي الميل المفروض أوّلا ، يلزم أن يتحرّك بالقسر في مثل زمان عديم المعاوق مثل مسافته ، وذلك محال قطعا ؛ لامتناع تساوي زماني عديم المعاوقة وواجدها ، فتأمّل.

قال : ( وعند آخرين هو جنس بحسب تعدّد (1) الجهات ، ويتماثل ويختلف باعتبارها ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الميل وأحكامه على رأي الأوائل - أعني الحكماء المتقدّمين - شرع في البحث على رأي المتكلّمين المتأخّرين ، وهو أنّ الميل والاعتماد جنس - على رأيهم - تحته ستّة أنواع بحسب عدد الجهات الستّ (2).

ثمّ قالوا : إنّ منه ما هو متماثل باعتبار الجهات ، وهو كلّ ما اختصّ بجهة واحدة ؛ لأنّ تساوي المعلول يستلزم تساوي العلّة ، ومنه ما هو مختلف باعتبارها ، وهو ما تعدّدت جهاته (3).

واختلف أبو عليّ وأبو هاشم في مختلفه.

فقال أبو هاشم : إنّه غير متضادّ ؛ لاجتماع الميلين في الحجر الصاعد قسرا أو في الحلقة التي يتجاذبها إنسانان (4).

وقال أبو عليّ : إنّه متضادّ. كذا حكي (5).

والحقّ مع الشيخ ؛ فإنّ الاجتماع ليس من جهة واحدة.

قال : ( ومنه الثقل ، وآخرون جعلوه مغايرا ).

أقول : من أجناس الاعتماد عند أبي هاشم الثقل ، وهو الاعتماد اللازم الموجب

ص: 395


1- في نسخة أخرى : « عدد » كما أشار المصنّف لذلك في الحاشية.
2- انظر : « مناهج اليقين » : 70 ؛ « شرح المواقف » 5 : 193 و 215 - 216 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 238.
3- « مناهج اليقين » : 70 ؛ « شرح المواقف » 5 : 199 - 200 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 240 - 241.
4- « مناهج اليقين » : 70 - 71 ؛ « شرح المواقف » 5 : 215 - 218 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 241.
5- « مناهج اليقين » : 70 - 71 ؛ « شرح المواقف » 5 : 215 - 218 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 241.

للحركة سفلا (1).

وقال أبو عليّ : إنّ الثقل راجع إلى تزايد أجزاء الجسم ، فجعله مغايرا لجنس الاعتماد (2).

وهو خطأ ؛ لأنّ تزايد الأجزاء الحقيقيّة حاصل في الخفيف ولا ثقل له.

قال : ( ومنه لازم ومفارق ).

أقول : ذهب المتكلّمون إلى أنّ الاعتماد منه ما هو لازم - وهو اعتماد الخفيف نحو الفرق والثقيل نحو السفل - ومنه ما هو مفارق ، وهو ميل الخفيف إلى السفل والثقيل إلى العلو (3).

قال : ( ويفتقر إلى محلّ لا غير ).

أقول : لمّا كان الاعتماد عرضا وكان كلّ عرض مفتقرا إلى محلّ ، كان الاعتماد مفتقرا إلى المحلّ ، ولمّا امتنع حلول عرض في محلّين كان الاعتماد كذلك ، فلأجل هذا قال : « إنّه يفتقر إلى محلّ لا غير » بمعنى أنّه يفتقر إلى محلّ واحد لا أزيد ؛ لأنّه متقوّم بالغير ، وبعد التقوّم يمتنع تحصيل الحاصل ، فيندفع ما حكي (4) عن بعض المتكلّمين من أنّه طعن في كلّيّة الحكمين (5).

قال : ( وهو مقدور لنا ).

أقول : ذهب المتكلّمون إلى أن الاعتماد مقدور لنا (6).

والظاهر أنّ المراد الميل النفساني الإرادي ؛ لأنّه يقع بحسب دواعينا وينتفي بحسب صوارفنا ، فيكون صادرا عنّا.

ص: 396


1- « مناهج اليقين » : 71.
2- « مناهج اليقين » : 71.
3- « شرح المواقف » 5 : 216 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 242.
4- حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : 216.
5- انظر : « نقد المحصّل » : 227 ؛ « مناهج اليقين » : 72 ؛ « نهاية المرام » 1 : 295 ؛ « شرح المواقف » 5 : 53 - 55 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 150 - 152.
6- نسبه في « شوارق الإلهام » 2 : 401 إلى المعتزلة.

قال : ( وتتولّد عنه أشياء بعضها لذاته من غير شرط ، وبعضها بشرط ، وبعضها لا لذاته ).

أقول : قسّم المتكلّمون الاعتماد بالنسبة إلى ما يتولّد عنه إلى أقسام ثلاثة (1) :

أحدها : ما يتولّد عنه لذاته من غير حاجة إلى شرط - وإن كان قد يحتاج إليه أحيانا - وهو الأكوان ، يعني الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ؛ فإنّها متولّدة عن الميل بلا واسطة ولا بشرط ؛ لأنّ تحرّك الجسم مختصّ بجهة دون أخرى حال حركته ، فلا بدّ من مخصّص لتلك الجهة ، وهو الاعتماد.

وثانيها : ما يتولّد عنه بشرط ولا يصحّ بدونه وهو الأصوات ، فإنّها تتولّد عنه بشرط المصاكّة ؛ لأنّ الصدى موجود في غير محلّ القدرة ، وما يتعدّى محلّ القدرة لا يولّده الاعتماد ، وإن كان ما يتعدّى محلّ القدرة يتولّد عن الاعتماد فيما يحلّ محلّها.

وثالثها : ما يتولّد عنه لا بنفسه بل بتوسّط غيره وهو الألم ؛ فإنّ الاعتماد يولّد التفريق ، والتفريق يولّد الألم.

المسألة السادسة : في البحث عن المبصرات.

قال : ( ومنها أوائل المبصرات وهي اللون والضوء ).

أقول : من الكيفيّات المحسوسة المبصرات.

وقد نبّه بقوله : « أوائل المبصرات » على أنّ من المبصرات ما يتناوله الحسّ البصري أوّلا وبالذات ، وهو ما ذكره هنا من اللون والضوء ، فلا بدّ من جعل إفراد الضمير وتذكيره باعتبار « البعض » المستفاد من كلمة « من » أو « ما يدرك أوّلا ».

ومنها : ما يتناوله بواسطته كغيرهما من المرئيّات ؛ فإنّ البصر إنّما يدركها بواسطة هذين. وهذا كما قال سابقا : « ومنها : أوائل الملموسات » فإنّ فيه تنبيها على أنّ هناك

ص: 397


1- ذكر العلاّمة الحلّي هذه الأقسام الثلاثة في « مناهج اليقين » : 71 - 72 ، وأمّا في « شرح المواقف » 5 : 225 - 228 و « شرح المقاصد » 2 : 242 - 244 فالمذكور هو القسم الأوّل فقط.

كيفيّات تدرك باللمس بواسطة غيرها.

قال : ( ولكلّ منهما طرفان ).

أقول : لكلّ واحد من اللون والضوء طرفان ، ففي اللون السواد والبياض ، وفي الضوء النور الخارق والظلمة ، وما عدا هذه فإنّها متوسّطة ، كالحمرة والخضرة والصفرة والغبرة وغيرها من الألوان ، وكالظلّ وشبهه من الأضواء.

قال : ( وللأوّل حقيقة ).

أقول : ذهب بعض القاصرين إلى أن الألوان لا حقيقة لها (1) ؛ فإنّ البياض إنّما يتخيّل عن مخالطة الهواء المضيء للأجسام الشفّافة المنقسمة إلى الأجزاء الصغار كما في زبد الماء والثلج ، والسواد إنّما يتخيّل لعدم غور الهواء والضوء في عمق الجسم ، وباقي الألوان يتخيّل بسبب اختلاف الشفيف وتفاوت مخالطة الهواء.

ويستفاد ممّا حكي (2) عن الشيخ أنّ البياض قد يكون ظاهرا باختلاط الهواء ، وقد يحدث من غير هذا الوجه ، كما في الجصّ فإنّه يبيضّ بالطبخ بالنار ، ولا يبيضّ بالسحق مع أنّ تفرّق الأجزاء ومداخلة الهواء فيه أظهر (3).

والحقّ أنّه كيفيّة حقيقيّة قائمة بالجسم في الخارج ؛ لأنّه محسوس ، كما في بياض البيض المسلوق ، فإنّه ليس لنفوذ الهواء فيه ؛ لزيادة ثقله بعد الطبخ الدالّة على خروج الهواء.

وبالجملة ، فالأمور المحسوسة غنيّة عن البرهان.

قال : ( وطرفاه السواد والبياض المتضادّان ).

أقول : يعني طرفا اللون السواد والبياض ، وقيّدهما بالمتضادّين ؛ لأنّ الضدّين

ص: 398


1- راجع « الشفاء » 2 : 95 ، الفصل الرابع من المقالة الثالثة ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 406 - 407 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 1 : 532 - 533 ؛ « شرح المواقف » 5 : 234 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 2 : 256 - 259.
2- حكاه عنه الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » 1 : 407 والعلاّمة في « نهاية المرام » 1 : 523.
3- انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 2 : 256 ، الفصل الأوّل من المقالة الثانية و 2 : 100 ، الفصل الرابع من المقالة الثالثة.

هما اللّذان بينهما غاية التباعد ، ولا يحصل كون اللون طرفا إلاّ بها ، فلأجل ذلك ذكر هذا القيد في بيان الطرفين.

وهذا تنبيه على أنّ ما عداهما متوسّط بينهما وليس نوعا قائما بانفراده ، كما ذهب إليه بعض من أنّ الألوان الحقيقيّة خمسة : السواد ، والبياض ، والحمرة ، والصفرة ، والخضرة (1).

ونبّه بقوله : « المتضادّان » على امتناع اجتماعهما ، خلافا لبعض الناس ؛ حيث ذهب إلى أنّهما يجتمعان ، كما في الغبرة (2).

وهو خطأ ؛ لاقتضاء الاجتماع البقاء المستلزم لرؤية الجسم في غاية البياض مثلا.

اللّهمّ إلاّ أن يقال بحدوث لون آخر متوسّط من التركيب (3).

وفيه : أنّ الوجدان شاهد على وجود الجسم ابتداء مع لون الغبرة من غير وجود بياض وسواد حتّى يتصوّر الاجتماع.

قال : ( ويتوقّف على الثاني في الإدراك لا الوجود ).

أقول : ذهب أبو عليّ بن سينا - على ما حكي (4) - إلى أنّ الضوء شرط وجود اللون (5) ، فالأجسام الملوّنة حال الظلمة تعدم عنها ألوانها ؛ لأنّا لا نراها في الظلمة ، فإمّا أن يكون لعدمها - وهو المراد - أو لحصول المانع ، وهو ما يقال : إنّ الظلمة كيفيّة قائمة بالمظلم مانعة عن الإبصار - وهو باطل ، وإلاّ لمنع من هو بعيد عن النار عن

ص: 399


1- انظر : « المحصّل » : 232 وقد نسبه إلى المعتزلة ؛ « نهاية المرام » 1 : 539 ؛ « شرح المواقف » 5 : 242 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 260.
2- هو الكعبي كما في « نهاية المرام » 1 : 539 ، ولمزيد الاطّلاع راجع « شرح تجريد العقائد » : 238 - 239.
3- قال به الكعبي أيضا على ما في « نهاية المرام » 1 : 539.
4- حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : 218 ؛ « نهاية المرام » 1 : 541.
5- انظر : « الشفاء » 2 : 80 - 82 و 88 - 89 ، الفصل الأوّل من المقالة الثالثة ، وبه قال بهمنيار في « التحصيل » : 690 و 758 وكذا ابن الهيثم على ما في « شرح المواقف » 5 : 243.

مشاهدة القريب منها ليلا ، وليس كذلك.

وهو خطأ ؛ لأنّا نقول : إنّما لم تحصل الرؤية ؛ لعدم الشرط وهو الضوء ، لا لانتفاء المرئيّ في نفسه ، فالحصر ممنوع ؛ فإنّ عدم الرؤية قد يكون لعدم الشرط.

مضافا إلى أنّ الظلمة القائمة بالمرئيّ مانعة لا بالرائي ، كما في المثال الذي ذكره.

وأيضا لو كان الأمر كما ذكره لزم وجود اللون وعدمه في زمان واحد إذا تحقّق ضوء ضعيف يدرك به حديد البصر دون ضعيف البصر.

ونبّه المصنّف رحمه اللّه على ذلك بقوله : « وهو » أي اللون « يتوقّف على الثاني » أي الضوء « في الإدراك لا الوجود ».

قال : ( وهما متغايران حسّا ).

أقول : يريد أنّ اللون والضوء متغايران ، خلافا لقوم غير محقّقين ؛ فإنّهم ذهبوا إلى أنّ الضوء هو اللون ، قالوا : لأنّ الظهور المطلق هو الضوء ، والخفاء المطلق هو الظلمة ، والمتوسّط بينهما هو الظلّ (1).

والحسّ يدلّ على المغايرة ؛ فإنّ الضوء قائم بالهواء المحيط ، واللون قائم بالمحاط.

وعدم ظهور الضوء الضعيف كضوء القمر في الضوء القويّ كضوء الشمس - مع أنّه لاستهلاكه بالاختلاط - لا يقتضي اتّحاد الضوء واللون ، كما لا يخفى على من له نار أو نور.

قال : ( قابلان للشدّة والضعف ، المتباينان (2) نوعا ).

أقول : كلّ واحد من هذين - أعني اللون والضوء - قابل للشدّة والضعف ، وهو

ص: 400


1- انظر : « الشفاء » الطبيعيات 2 : 83 ، الفصل الثاني والثالث من المقالة الثالثة ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 411 - 414 ؛ « نهاية المرام » 1 : 544 - 548 ؛ « شرح المواقف » 5 : 250 - 253 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 268 - 269 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 239 - 240.
2- كذا في الأصل ، والصحيح : « المتباينين » أو أن تكون لفظة « المتباينان » خبرا لمبتدإ محذوف تقديره « هما ».

ظاهر محسوس ، فإنّ البياض في الثلج أشدّ من البياض في العاج ، وضوء الشمس أشدّ من ضوء القمر.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ الشديد في كلّ نوع مخالف للضعيف منه ومباين بالنوع ؛ لكون كلّ منهما موجودا مستقلاّ لا مترتّبا ومتفرّعا على الآخر ، والمميّز جوهريّ لا عرضيّ ، فيكونان نوعين متباينين وإن احتمل كونهما صنفين متباينين أيضا.

وذهب قوم إلى أنّ سبب الشدّة والضعف ليس الاختلاف بالحقيقة ، بل باختلاط بعض أجزاء الشديد بأجزاء الضدّ فيحصل الضعف ، وإن لم يختلط حصلت الشدّة (1).

وقد بيّنّا خطأهم فيما تقدّم.

قال : ( ولو كان الثاني جسما لحصل ضدّ المحسوس ).

أقول : ذهب بعض القاصرين إلى أنّ الضوء جسم صغير ينفصل من المضيء ويتّصل بالمستضيء (2).

وهو غلط ، وسبب غلطه ما يتوهّم من كونه متحرّكا بحركة المضيء.

وإنّما كان ذلك باطلا ؛ لأنّ الحسّ يحكم بافتقاره إلى موضوع يحلّ فيه ، ولا يمكنه تجريده عن محلّ يقوم به ، فلو كان جسما لحصل ضدّ هذا الحكم المحسوس ، وهو قيامه بنفسه واستغناؤه عن موضوع يحلّ فيه مع أنّ الضوء يتحرّك بتبعيّة المضيء لا بالذات ، أو يحدث في المستضيء بمقابلة المضيء.

ويحتمل أن يكون معنى قوله : « لحصل ضدّ المحسوس » أنّ الضوء إذا أشرق على الجسم ، ظهر ، وكلّما ازداد إشراقه زاد ظهوره في الحسّ ، فلو كان جسما لكان ساترا لما يشرق عليه ، فكان يحصل الاستتار الذي هو ضدّ المحسوس ، أعني

ص: 401


1- انظر : « نهاية المرام » 1 : 540 - 541 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 251 - 255 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 240 - 241 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 407 - 408.
2- راجع النفس من « الشفاء » الفصل الثاني من المقالة الثالثة 2 : 83 ؛ « المباحث المشرقيّة 1 : 409 - 411 ؛ « نهاية المرام » : 548 - 551 ؛ « شرح المواقف » 5 : 247 - 250 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 266 - 267.

الانكشاف ، ويكون كلّما ازداد إشراقه ازداد ستره ، ولكنّ الحسّ يشهد بضدّ ذلك.

أو نقول : إنّ الحسّ يشهد بسرعة ظهور ما يشرق عليه الضوء ؛ فإنّ الشمس إذا طلعت على وجه الأرض أشرقت دفعة ، ولو كان الضوء جسما ، افتقر إلى زمان يقطع هذه المسافة الطويلة ، وكان يحصل ضدّ السرعة المحسوسة ، فهذه الاحتمالات كلّها صالحة لتفسير قوله : « لحصل ضدّ المحسوس ».

قال : ( بل هو عرض قائم بالمحلّ معدّ لحصول مثله في المقابل ).

أقول : لمّا أبطل كونه جسما ثبت كونه عرضا قائما بالمحلّ ؛ لأنّ العرض لا يقوم بنفسه ، وإذا قام بالمحلّ حصل منه استعداد للجسم المقابل ؛ لتكيّفه بمثل كيفيّته ، كما في الأجسام النّيرة الحاصل منها النور في المقابل.

قال : ( وهو ذاتيّ وعرضيّ ، أوّل وثان ).

أقول : الضوء ، منه ذاتيّ وهو القائم بالمضيء لذاته كما للشمس ، ويسمّى ضياء ، وقد يخصّ اسم الضوء به. ومنه عرضيّ وهو القائم بالمضيء بالغير كما للقمر ، ويسمّى نورا.

والعرضيّ قسمان : ضوء أوّل حاصل من مقابلة المضيء لذاته كضوء القمر ، وضوء ثان حاصل من مقابلة المضيء بالغير كالأرض قبل طلوع الشمس.

قال : ( والظلمة عدم ملكة ).

أقول : الظلمة عدم الضوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئا (1) ، ومثل هذا العدم المقيّد بموضوع خاصّ يسمّى عدم ملكة.

وليست الظلمة كيفيّة وجوديّة قائمة بالمظلم ، كما ذهب إليه من لا تحقيق له (2) ؛

ص: 402


1- انظر : « الشفاء » 2 : 81 كتاب النفس ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 417 ؛ « نهاية المرام » 1 : 556 - 559 ؛ « شرح المواقف » 5 : 244 - 246 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 261 - 263.
2- نسبه في « نهاية المرام » 1 : 556 إلى جماعة من الأشاعرة ، وفي « شرح المقاصد » 2 : 263 و « شرح تجريد العقائد » 242 و « شوارق الإلهام » 409 إلى البعض.

لأنّ المبصر لا يجد فرقا بين حالتيه عند فتح العين في الظلمة وبين تغميضها في عدم الإدراك ، فلو كانت كيفيّة وجوديّة لحصل الفرق.

وفي هذا نظر ؛ فإنّه يدلّ على انتفاء كونها كيفيّة وجوديّة مدركة ، لا على أنّها وجوديّة مطلقة ، كما هو ظاهر قوله تعالى : ( وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ) (1) و ( جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً ) (2) ونحو ذلك ؛ فإنّ المجعول لا يكون إلاّ موجودا.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ العدم الصرف غير مجعول ، والعدم الخاصّ مجعول ، كما هو ظاهر قوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) (3) فالوجدان والقرآن شاهدان مقبولان.

المسألة السابعة : في البحث عن المسموعات.

قال : ( ومنها المسموعات ، وهي الأصوات الحاصلة من التموّج المعلول للقرع والقلع ).

أقول : من الكيفيّات المحسوسة الأصوات ، وهي المدركة بالسمع.

واعلم أنّ الصوت عرض قائم بالمحلّ.

وقد ذهب قوم غير محقّقين - على ما حكي (4) - إلى أنّ الصوت جوهر ينقطع بالحركة.

وهو خطأ ؛ لأنّ الجوهر يدرك باللمس والبصر ، والصوت ليس كذلك ، مع أنّ استلزام ما ذكر النقص بل الاضمحلال في محلّ الصوت بالانقطاع الجوهري ، وليس كذلك.

ص: 403


1- الأنعام (6) : 1.
2- الفرقان (25) : 47.
3- يس (36) : 37.
4- حكاه العلاّمة في « كشف المراد » 221 ونسبه في « نهاية المرام » 1 : 560 إلى إبراهيم النظّام.

وذهب آخرون إلى أنّه عبارة عن التموّج الحاصل في الهواء من القلع والقرع (1).

وآخرون قالوا : إنّه القرع والقلع (2).

وهذان المذهبان أيضا باطلان ، وسبب غلطهم أخذ سبب الشيء مكانه ؛ فإنّ الصوت معلول للتموّج المعلول للقلع أو القرع ، فليس هو أحدهما ؛ لأنّا ندركه بحسّ البصر لا بالسمع ، فهما خلاف الصوت.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ القلع أو القرع إذا حصل حدث صراخ بين القارع والمقروع في الهواء ، وهي كيفيّة تحدث في الهواء فتموّج ذلك الهواء وانتقل ذلك التموّج إلى سطح الصماخ فأدرك الصوت.

ولا نعني بذلك أنّ تموّجا واحدا انتقل بعينه إلى الصماخ ، بل يحصل تموّج بعد تموّج عن صدم بعد آخر ، كما في تموّج الماء إلى أن يصل إلى الحسّ.

قال : ( بشرط المقاومة ).

أقول : القرع إنّما يحصل معه الصوت إذا حصلت المقاومة بين القارع والمقروع ؛ فإنّك إذا ضربت خشبة على وجه الماء بحيث تحصل المقاومة ، فإنّه يحدث الصوت ، ولو وضعتها عليه بسهولة لم يحصل الشرط.

ولا تشترط الصلابة ؛ لحصول الصوت من الماء والهواء ولا صلابة هناك.

وكذا حكم القلع ؛ لحصول الصوت في قلع الكرباس دون القطن.

ويشهد على ذلك الاستقراء الناقص المفيد للقطع بضميمة الحدس وإن لم يكن بالذات إلاّ كونه مفيدا للظنّ ، كما في مشاهدة خروج البول والغائط من الأسفل في بعض الحيوان والإنسان ، فإنّها بضميمة الحدس تفيد القطع بأنّ المخرج الطبيعي هو الأسفل.

قال : ( في الخارج ).

ص: 404


1- « المباحث المشرقيّة » 1 : 420 ؛ « نهاية المرام » 1 : 560 - 561 ؛ « شرح المواقف » 3 : 273 ، ولمزيد معرفة الأقوال في هذه المسألة انظر : « الشفاء » 2 : 70 - 76 ، الفصل الخامس من المقالة الثانية من كتاب النفس.
2- « المباحث المشرقيّة » 1 : 420 ؛ « نهاية المرام » 1 : 560 - 561 ؛ « شرح المواقف » 3 : 273 ، ولمزيد معرفة الأقوال في هذه المسألة انظر : « الشفاء » 2 : 70 - 76 ، الفصل الخامس من المقالة الثانية من كتاب النفس.

أقول : ذهب قوم (1) إلى أنّ الصوت ليس بحاصل في الخارج ، بل إنّما يحصل عند الصماخ ، وهو ما إذا تموّج الهواء وانتهى التموّج إلى أن قرع سطح الصماخ فيحصل الصوت.

وهو خطأ ، بل هو حاصل في الخارج ، وإلاّ لم يدرك الجهة ولا البعد كما في اللمس حيث كان إدراكه بالملاقاة.

ولا يمكن أن يقال (2) : إنّ إدراك الجهة إنّما كان لأنّ القرع توجّه من تلك الجهة ، وإدراك البعد لأنّ ضعف الصوت أو قوّته يدلّ على القرب أو البعد.

لأنّا لو سددنا الأذن اليسرى لأدركنا باليمنى جهة الصوت الحاصل من جهة اليسرى ، والضعف لو كان للبعد لم يفرق بين القويّ البعيد والضعيف القريب.

قال : ( ويستحيل بقاؤه لوجوب إدراك الهيئة الصوريّة ).

أقول : الصوت غير قارّ الأجزاء ، ويستحيل عليه البقاء ، بل توجد أجزاؤه على سبيل التجدّد والتقضّي ، كما في الحركة والزمان ، خلافا للكراميّة (3).

والدليل عليه أنّا إذا سمعنا لفظة « زيد » أدركنا الهيئة الصوريّة ، أعني ترتيب الحروف وتقدّم بعضها على بعض.

ولو كانت أجزاء الحروف باقية لم يكن إدراك هذا الترتيب أولى من باقي الترتيبات الخمسة [ التي ] يقال لها التقليبات.

واعترض (4) عليه بأنّ حدوث حروف « زيد » - مثلا - ابتداء على هذه الهيئة المخصوصة دون غيرها يرجّح بقاءها وإدراكها ، فهي أولى.

ص: 405


1- انظر : « الشفاء » 2 : 72 وما بعدها ؛ « نهاية المرام » 1 : 570 - 572 ؛ « شرح المواقف » 5 : 263 - 267 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 273 - 274.
2- أورد الإشكال وجوابه الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » 1 : 421. وانظر : « نهاية المرام » 1 :2. 571 ؛ « شرح المواقف » 5 : 266 - 267 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 274 - 275.
3- انظر : « نهاية المرام » 1 : 569 ؛ « كشف المراد » : 222 ؛ « شوارق الإلهام » : 412.
4- راجع « نهاية المرام » 1 : 569 - 570 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 245.

فالأولى التمسّك بالبداهة ، لبداهة عدم البقاء في الخارج والحسّ. والترتّب في السماع بالنسبة إلى البعيد والقريب من جهة احتياج حدوث صوت آخر للبعيد إلى تموّج زائد موجب لحدوث مثل مسموع القريب لا عينه بشخصه.

قال : ( ويحصل منه آخر ).

أقول : الصوت - كما مرّ - إنّما يحصل باعتبار التموّج في الهواء الواصل إلى سطح الصماخ ، وقد بيّنّا وجوده في الخارج ، فإذا تأدّى التموّج إلى جسم كثيف مقاوم لذلك التموّج كالجبل والجدار ردّه فيحصل منه تموّج آخر ، وحصل من ذلك التموّج الآخر صوت آخر ، وهو الصدى.

قال : ( وتعرض له كيفيّة مميّزة يسمّى باعتبارها حرفا ).

أقول : قد تعرض للصوت كيفيّة يتميّز بها عن صوت آخر مثله تميّزا في المسموع ، ويسمّى الصوت باعتبار تلك الكيفيّة - أو مجموع العارض والمعروض ، لا نفس الكيفيّة كما عن الشيخ (1) - حرفا ، وهي حروف التهجّي الحاصلة عند خروج الصوت من مقطع الفم ؛ ولهذا زدنا كلمة « قد ».

وحصرها غير معلوم بالبرهان.

قال : ( إمّا مصوّت أو صامت ، متماثل أو مختلف بالذات أو بالعرض ).

أقول : ينقسم الحرف إلى قسمين : مصوّت وصامت.

فالمصوّت هو حرف المدّ - أعني الواو والألف والياء - إذا كانت ساكنة ، وكانت حركة ما قبلها من جنسها واتّصلت بالهمزة أو السكون ؛ فإنّها لامتدادها كأنّها مصوّتة مولّدة للصوت. وإمّا صامت وهو ما عداها.

والصامت إمّا متماثل لا اختلاف بينهما لا بالذات ولا بالعوارض المسمّاة بالحركة والسكون ، كالباءين الساكنتين أو المتحرّكتين بنوع واحد من الحركات ،

ص: 406


1- راجع « نهاية المرام » 1 : 575 ؛ « شرح المواقف » 5 : 268 - 269 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 279 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 245 ؛ « شوارق الإلهام : 413.

أو مختلف. والمختلف إمّا بالذات كالجيم والخاء ، أو بالعرض كالجيمين إذا كان أحد الجيمين - مثلا - ساكنا والآخر متحرّكا ، أو يكون أحدهما متحرّكا بحركة والآخر بضدّها.

والظاهر جريان القسمة الأخيرة في مطلق الحروف من غير اختصاص بالصامت وإن كان ظاهر العبارة.

قال : ( وينتظم منها الكلام بأقسامه ).

أقول : هذه الحروف المسموعة إذا تألّفت تأليفا مخصوصا - أي بحسب الوضع - كانت كلاما. فحدّ الكلام - على هذا - هو ما انتظم من الحروف المسموعة ، ويدخل فيه المفرد وهو الكلمة الواحدة ، والمؤلّف التامّ. وهو المحتمل للصدق والكذب وغير المحتمل لهما من الأمر والنهي والاستفهام والتعجّب والنداء ، وغير التامّ التقييديّ وغيره.

وإلى هذا أشار بقوله : « بأقسامه ».

قال : ( ولا يعقل غيره ).

أقول : يريد أنّ الكلام إنّما هو المنتظم من الحروف المسموعة ، ولا يعقل غيره ، وهو ما أطلق عليه الأشاعرة (1) وأثبتوا معنى آخر سمّوه الكلام النفسانيّ غير المؤلّف من الحروف والأصوات ، وهو المعنى القائم بالنفس الذي يدلّ هذا الكلام عليه. وهو مغاير للإرادة ؛ لأنّ الإنسان قد يأمر بما لا يريد ؛ إظهارا لتمرّد العبد عن السلطان ، فيحصل عذر في ضربه. ومغاير لتخيّل الحروف ؛ لأنّ تخيّلها تابع لها ويختلف باختلافها ، وهذا المعنى لا يختلف ، وظاهر أنّه مغاير للحياة والقدرة وغيرهما من الأعراض.

والمعتزلة بالغوا في إنكار هذا المعنى (2) ، وادّعوا الضرورة في نفيه ، وقالوا : إذا صدر

ص: 407


1- راجع « المحصّل » 403 - 408 ؛ « شرح المواقف » 8 : 94 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 4 : 144 وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : 245 - 246.
2- انظر : « المغني » 7 : 14 للقاضي عبد الجبّار.

من المتكلّم خبر ، فهناك ثلاثة أشياء : العبارة الصادرة عنه ، وعلمه بثبوت النسبة أو انتفائها ، ونفس ثبوت تلك النسبة وانتفائها في الواقع ؛ والأخيران ليسا كلاما حقيقيّا اتّفاقا ، فتعيّن الأوّل. وإذا صدر عنه أمر أو نهي فهناك شيئان : أحدهما : لفظ صادر عنه. والثاني : إرادة أو كراهة قائمة بنفسه متعلّقة بالمأمور به أو المنهيّ عنه ، وليست الإرادة والكراهة أيضا كلاما حقيقيّا اتّفاقا ، فتعيّن اللفظ. وقس على ذلك سائر أقسام الكلام.

ومدلول الكلام اللفظي الذي يسمّيه الأشاعرة كلاما نفسيّا ليس أمرا وراء العلم في الخبر ، والإرادة في الأمر ، والكراهة في النهي ، وهي غير الكلام بالضرورة.

ولا فرق في ذلك بين كلامنا وكلام اللّه عندنا وعند المعتزلة (1) ، خلافا للأشاعرة.

بيان ذلك : أنّ الأشاعرة (2) قالوا : إنّ الكلام على قسمين :

لفظيّ مؤلّف من هذه الحروف.

ونفسي وهو المعنى القائم بالنفس الذي هو مدلول الكلام اللفظي ، كما قال الشاعر :

إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وقالوا : إنّ كلام اللّه صفة له ، فليس من جنس الأصوات والحروف ، بل هو معنى قائم بذاته تعالى يسمّى الكلام النفسيّ ، وهو مدلول الكلام اللفظي ، وهو قديم.

وردّ (3) : بأنّه خلاف الضرورة الحاكمة بأنّ المنتظم من الحروف المسموعة ، المفتتح

ص: 408


1- راجع « النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر » : 16 - 18 ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : 121 - 128 ؛ « إحقاق الحقّ » 1 : 302 وما بعدها ؛ « دلائل الصدق » 1 : 255 ؛ « المغني » 7 : 84 ؛ « شرح الأصول الخمسة » 528 ؛ « المحصّل » : 403 - 404 ؛ « شرح المواقف » 8 : 9 وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : 316.
2- « المحصّل » : 403 - 408 ؛ « شرح المواقف » 8 : 91 - 97 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 143 و 147 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 316 ؛ « إحقاق الحقّ » 1 : 204 - 206.
3- هذا الردّ هو أحد الوجوه الذي تمسّك به المعتزلة في المقام ، انظر : « شرح المقاصد » 6 : 151 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 316.

بالتحميد ، المختتم بالاستعاذة قرآن ، ولهذا قال صاحب المواقف - على ما حكي (1) عنه - : إنّ لفظ « المعنى » يطلق تارة على مدلول اللفظ ، وأخرى على الأمر القائم بالغير ، فالشيخ الأشعري لمّا قال : الكلام هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه أنّ مراده مدلول اللفظ وحده ، وهو القديم عنده ، وأمّا العبارات فإنّما تسمّى كلاما مجازا ؛ لدلالتها على ما هو كلام حقيقة ، ولزم مفاسد كثيرة : كعدم كون القرآن معجزة ، فوجب حمل كلامه على ما يعمّ اللفظ والمعنى ، وهو الأمر القائم بذات اللّه تعالى لفظا كان أو معنى ، وأنّ ترتّب الحروف في التلفّظ حادث والملفوظ قديم (2).

وردّ (3) : بأنّه أمر خارج عن طور العقل ؛ ولهذا قال المصنّف رحمه اللّه : « لا يعقل غيره ».

والإنصاف أنّ النزاع ناشئ عن عدم الفرق بين معاني الكلام ؛ فإنّ الكلام بمعنى القدرة على إيجاد ما يدلّ على المراد صفة له تعالى قديم بل عين ذاته ، وبمعنى إيجاد ما يدلّ على المراد صفة له تعالى في مقام الفعل ، وهو حادث بعد المشيئة. وبمعنى المتكلّم به ، معلول له تعالى ، ومجعول بجعله ومخلوق كسائر خلقه ، وهو أيضا حادث اسمه القرآن مثلا ، وبه وقع التحدّي والمعارضة ، وهو من المعجزات الباقية ، والموصوف بكونه ذكرا (4) عربيّا (5) مقروءا (6) محفوظا (7) ونحو ذلك من الصفات الثابتة للقرآن بالضرورة. وحينئذ يصير النزاع هاهنا لفظيّا.

ص: 409


1- حكاه القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 319.
2- نقله الجرجاني عن صاحب المواقف من مقالته المفردة في تحقيق كلام اللّه تعالى. انظر : « شرح المواقف » 8 :2. 104.
3- الرادّ هو القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 319.
4- كقوله تعالى في سورة آل عمران ، الآية 58 : ( ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ) .
5- كقوله تعالى في سورة يوسف ، الآية 2 : ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .
6- كقوله تعالى في سورة المزمّل ، الآية 20 : ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .
7- كقوله تعالى في سورة الحجر ، الآية 9 : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) .
المسألة الثامنة : في البحث عن المطعومات.

قال : ( ومنها المطعومات التسعة الحادثة من تفاعل الثلاثة (1) في مثلها (2) ).

أقول : المشهور عند الأوائل (3) أنّ الجسم إن كان عديم الطعم فهو التفه. وتعدّ التفاهة من الطعوم التسعة ، وإن كان ذا طعم لم ينفكّ عن أحد الطعوم الثمانية ، وهي : الحلاوة والحموضة والملوحة والحرافة والمرارة والعفوصة والقبض والدسومة.

وهذه الطعوم التسعة تحصل من تفاعل ثلاث كيفيّات - وهي : الحرارة والبرودة والكيفيّة المعتدلة - في مثلها في العدد - أعني ثلاث كيفيّات - لا مثلها في الحقيقة ، وهي الكثافة واللطافة والكيفيّة المعتدلة. فإنّ الحارّ إن فعل في الكثيف حدثت المرارة ، وفي اللطيف الحرافة ، وفي المعتدل الملوحة. والبارد إن فعل في الكثيف حدثت العفوصة ، وفي اللطيف الحموضة ، وفي المعتدل القبض. والمعتدل إن فعل في اللطيف حدثت الدسومة ، وفي الكثيف الحلاوة ، وفي المعتدل التفاهة.

وهي على قسمين : أحدهما : أن لا يكون له طعم أصلا بحسب الواقع ، والتفه بهذا المعنى يسمّى مسخا.

والثاني : أن يكون له طعم غير مدرك بالحسّ ؛ لشدّة الالتحام بين أجزائه بحيث لا يتحلّل منه شيء يخالط اللسان ، فلا يحسّ بطعمه إلاّ إذا احتيل في تحليل أجزائه وتلطيفها كالنحاس والحديد ، وهذا هو المعدود في الطعوم دون الأوّل.

المسألة التاسعة : في البحث عن المشمومات.

قال : ( ومنها المشمومات ، ولا أسماء لأنواعها إلاّ من حيث المخالفة والموافقة ).

ص: 410


1- أي الحرارة والبرودة والكيفيّة المتوسّطة بينهما. ( منه رحمه اللّه ).
2- أي الكثيف واللطيف والمعتدل. ( منه رحمه اللّه ).
3- انظر : « الشفاء » 2 : 65 كتاب النفس ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 424 ؛ « نهاية المرام » 1 : 588 ؛ « شرح المواقف » 5 : 282 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 287.

أقول : من أنواع الكيفيّات المحسوسة الروائح المدركة بحاسّة الشمّ ، ولم يوضع لأنواعها أسماء مختصّة بها كما وضعوا لغيرها من الأعراض ، بل ميّزوا بينها من حيث إضافتها إلى الطبائع أو إلى المحلّ كرائحة المسك والجيفة ، فيقال : رائحة طيّبة ، ورائحة منتنة ، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص ، أو يقال : رائحة الورد والجيفة أو نحو ذلك.

المسألة العاشرة : في البحث عن الكيفيّات الاستعداديّة.

قال : ( والاستعدادات المتوسّطة بين طرفي النقيض ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الكيفيّات المحسوسة ، شرع في القسم الثاني من أقسام الكيف ، الأربعة ، وهي الكيفيّات الاستعدادية ، وهي ما يترجّح به القابل في أحد جانبي قبوله ، وهي متوسّطة بين طرفي النقيض : الوجود والعدم ؛ وذلك لأنّ الرجحان لا يزال يتزايد في أحد طرفي الوجود والعدم إلى أن ينتهي إليهما ، فذلك الرجحان القابل للشدّة والضعف المتوسّط بين طرفي الوجود والعدم هو الكيف الاستعدادي ، وطرفاه الوجود والعدم.

وهذا الرجحان إن كان نحو الفعل فهو القوّة. وإن كان نحو الانفعال فهو اللاقوّة.

المسألة الحادية عشرة : في البحث عن الكيفيّات النفسانيّة.

قال : ( الكيفيّات النفسانيّة حال أو ملكة ).

أقول : هذا هو القسم الثالث من أقسام الكيف ، وهو الكيفيات النفسانيّة.

ونعني بها المختصّة بذوات الأنفس الحيوانيّة بالنسبة إلى النبات والجماد ، فلا ينافي وجوده في الواجب تعالى مثلا.

وهي إمّا أن تكون سريعة الزوال ، وتسمّى حالا لسرعة زوالها ، أو بطيئة الزوال ، وتسمّى ملكة.

ص: 411

وقد يقال : إنّ الكيفيّة النفسانيّة إن كانت راسخة سمّيت ملكة ، وإن كانت غير راسخة سمّيت حالا.

وهو الأنسب بلفظ الملكة ؛ فإنّه من الملك الذي يناسبه تعذّر الزوال أو تعسّره.

والفرق بينهما ليس بفصول مميّزة ، بل بعوارض خارجيّة ، وربّما كان الشيء حالا ثمّ صار بعينه ملكة.

المسألة الثانية عشرة : في البحث عن العلم بقول مطلق.

قال : ( منها العلم ، وهو إمّا تصوّر أو تصديق جازم مطابق ثابت ).

أقول : من الكيفيّات النفسانيّة العلم ، ولفظ « العلم » يطلق على معان.

منها : الإدراك مطلقا ، تصوّرا كان أو تصديقا.

وبعبارة أخرى : حصول صورة الشيء في الذهن أو قبوله.

ومنها : الصورة الحاصلة في الذهن.

ومنها : التصديق بالمسائل.

ومنها : نفس المسائل.

ومنها : الملكة الحاصلة من تكرّر الإدراكات.

ومنها : منشأ انكشاف الأشياء وسبب ظهور المعلوم للعالم.

وقد يقال : العلم صفة توجب لمحلّها تميّزا لا يحتمل متعلّق ذلك التميّز نقيض ذلك التميز (1).

وبالجملة ، فالعلم بالمعنى الأوّل بل الثاني والأخير أيضا ينقسم إلى التصوّر ، وهو عبارة عن حصول صورة الشيء في الذهن ، وإلى التصديق الجازم المطابق الثابت ، وهو الحكم اليقيني بنسبة أحد المتصوّرين إلى الآخر إيجابا أو سلبا.

ص: 412


1- نسبه الفخر الرازي إلى أكثر المتكلّمين في « المطالب العالية » 3 : 104 ، والجرجاني إلى جماعة من الأشاعرة في « شرح المواقف » 6 : 2.

وإنّما شرط في التصديق الجزم ؛ لأنّ الخالي منه ليس بعلم بهذا المعنى وإن كان يطلق عليه اسم العلم بالمجاز ، وإنّما هو الظن.

وشرطه عند المصنّف رحمه اللّه المطابقة ؛ لأنّ الخالي منها هو الجهل المركّب.

وشرطه الآخر الثبات ؛ لأنّ الخالي منه هو التقليد.

أمّا الجامع لهذه الصفات فهو العلم ، فتأمّل.

قال : ( ولا يحدّ ).

أقول : اختلف العقلاء في العلم.

فقال قوم (1) : إنّه لا يحدّ ؛ لظهوره ؛ فإنّ الكيفيّات الوجدانيّة لظهورها لا يمكن تحديدها ؛ لعدم انفكاكه عن تحديد الشيء بالأخفى ، والعلم منها ، ولأنّ غير العلم إنّما يعلم بالعلم ، ولو علم بغيره لزم الدور.

واعترض (2) عليه : بأنّ معلومية غير العلم إنّما تكون بحصول علم جزئيّ متعلّق بذلك الغير ، لا بمعلوميّته ولا بمعلوميّة حقيقة العلم ، والموقوف على معلوميّة الغير هو معلوميّة حقيقة العلم ، لا حصول العلم الجزئيّ ، فلا يلزم الدور.

وقال آخرون : يحدّ (3).

وقال بعضهم (4) : إنّه اعتقاد أنّ الشيء كذا ، أو لا يكون إلاّ كذا.

وقال آخرون (5) : إنّه اعتقاد يقتضي سكون النفس.

وكلاهما غير مانع.

قال : ( ويقتسمان الضرورة والاكتساب ).

ص: 413


1- انظر : « المحصّل » : 243 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 450 - 453 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 314 ؛ « نهاية المرام » 2 : 6.
2- المعترض هو المحقّق الطوسي في « نقد المحصّل » : 155.
3- راجع « أصول الدين » : 5 - 6 ؛ « شرح المواقف » 6 : 2 ؛ « التعريفات » : 199 / 988.
4- نسبه في « أصول الدين » : 5 إلى الكعبي وأبي عليّ الجبائي ، وفي « مناهج اليقين » : 86 إلى الآخرين.
5- نسبه في « أصول الدين » إلى أبي هاشم ، وفي « مناهج اليقين » إلى الآخرين.

أقول : يريد أنّ كلّ واحد من التصوّر والتصديق ينقسم إلى الضروريّ والمكتسب.

ويريد بالضروريّ من التصوّر ما لا يتوقّف على طلب وكسب ونظر ، ومن التصديق ما يكفي تصوّر طرفيه في الحكم بنسبة أحدهما إلى الآخر إيجابا أو سلبا.

وأمّا المكتسب فهو ضدّ ذلك فيهما ؛ فإنّه يتوقّف على النظر ، وهو ترتيب أمور معلومة لتحصيل المجهول.

المسألة الثالثة عشرة : في أنّ العلم يتوقّف على الانطباع.

قال : ( ولا بدّ فيه من الانطباع ).

أقول : اختلف العلماء في ذلك ، فذهب جمهور الأوائل (1) إلى أنّ العلم يستدعي انطباع المعلوم وانتقاش مثاله وشبحه في العالم ، فبشهادة الوجدان بعدم الفرق بين العلم بالموجود والمعدوم يحكم بأنّ العلم مطلقا يجب فيه الانطباع إذا لم يكن المعلوم أو علّته حاضرا عند العالم ولو على وجه المغايرة الاعتباريّة ، ولا يحصل العلم الأقوى من غير انطباع ؛ لأنّ انكشاف الشيء للعالم لأجل حضوره بنفسه أو بعلّته أقوى من حضوره بصورته ، فلا يرد الإشكال في علم الواجب تعالى حتّى بالمعدومات بل الممتنعات (2) ، كما سيأتي إن شاء اللّه.

وأنكره آخرون (3).

احتجّ الأوّلون (4) بأنّا ندرك أشياء لا تحقّق لها في الخارج ، فلو لم تكن منطبعة في الذهن ، كانت عدما صرفا ونفيا محضا ، فيستحيل الإضافة إليها.

ص: 414


1- انظر : « الشفاء » 2 : 50 - 57 ؛ « المباحثات » : 184 / 546 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 308 ؛ « نقد المحصّل » : 156 - 157 ، ونسبه في « شرح المواقف » 6 : 3 إلى الحكماء.
2- أورد القوشجي هذا الاستدلال والجواب عليه في « شرح تجريد العقائد » : 250 - 251.
3- انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 : 442 - 443 ؛ « نهاية المرام » 12 - 33 ؛ « شرح المواقف » 6 : 7.
4- « شرح المواقف » 6 : 3 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 300 ؛ « المحاكمات » في هامش « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 300.

واحتجّ الآخرون (1) بوجهين :

الأوّل : أنّ التعقّل لو كان حصول صورة المعقول في العاقل ، لزم أن يكون الجدار المتّصف بالسواد متعقّلا له ، والتالي باطل ، فكذا المقدّم.

الثاني : أنّ الذهن قد يتصوّر أشياء متقدّرة ، فيلزم حلول المقدار فيه فيكون متقدّرا.

والجواب عنه ما سيأتي.

قال : ( في المحلّ المجرّد القابل ).

أقول : هذا إشارة إلى الجواب عن الإشكالين.

وتقريره : أنّ المحلّ الذي جعلنا عاقلا مجرّد عن الموادّ كلّها ؛ لأنّه النفس ، وهي مجرّدة كما مرّ ، والمجرّد لا يتّصف بالمقدار باعتبار حلول صور فيه ؛ فإنّ صورة المقدار لا يلزم أن تكون مقدارا.

وأيضا هذه الصور القائمة بالعاقل حالّة في محلّ قابل لتعقّلها ؛ ولهذا كان عاقلا لها.

أمّا الجسم فليس محلاّ قابلا لتعقّل السواد ، فلا يلزم أن يكون متعقّلا له ، مع أنّ الحصول في الذهن غير الحصول في الشيء.

قال : ( وحلول المثال مغاير ).

أقول : هذا إشارة إلى كيفيّة حصول الصورة في العاقل.

وتقريره : أنّ الحالّ في العاقل إنّما هو مثال المعقول وصورته ، لا ذاته ونفسه ؛ ولهذا جوّزنا حصول صور الأضداد في النفس ، ولم نجوّز حصول الأضداد في محلّ واحد في الخارج.

ص: 415


1- ما ذكره المصنّف هنا من الوجهين هو كلام العلاّمة في « كشف المراد » : 226 ، ولم نعثر على الوجهين بهذا البيان في كتب القوم. انظر : « المحصّل » : 244 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 442 ؛ « نهاية المرام » 2 : 120 ؛ « شرح المواقف » 6 : 7.

واعلم أنّ حلول مثال الشيء وصورته مغاير لحلول ذلك الشيء. ولمّا كان هذا الكلام ممّا يستعان به على حلّ ما تقدّم من الشكوك ذكره عقيبه.

قال : ( ولا يمكن الاتّحاد ).

أقول : ذهب قوم (1) من أوائل الحكماء إلى أنّ التعقّل إنّما يكون باتّحاد صورة المعقول والعاقل.

وهو خطأ فاحش ؛ فإنّ الاتّحاد محال بالبديهة.

ويلزم أيضا المحال من وجه آخر ، وهو اتّحاد الذوات المعقولة.

فلذلك ذهب آخرون (2) إلى أنّ التعقّل يستدعي اتّحاد العاقل بالعقل الفعّال.

وهو خطأ أيضا ؛ لما تقدّم ، ولاستلزامه تعقّل كلّ شيء ثابت فيه عند تعقّل شيء واحد.

قال : ( ويختلف باختلاف المعقول ).

أقول : اختلف الناس هنا ، فذهب قوم (3) إلى جواز تعلّق علم واحد بمعلومين.

ومنعه آخرون (4). وهو الحقّ ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ التعقّل هو حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم ، وصور الأشياء المختلفة تختلف باختلافها ، فلا يمكن أن تكون صورة واحدة لمختلفتين ، فلا يتعلّق علم واحد باثنين. وإنّما جوّز ذلك من جعل

ص: 416


1- نسبه الشيخ في « الإشارات والتنبيهات » إلى قوم من المشّائين ، منهم فورفوريوس ، انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 292 - 295 ، ولمزيد التوضيح راجع « الشفاء » الطبيعيّات 2 : 212 - 220 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 446 - 449 ؛ « نهاية المرام » 2 : 36 - 46.
2- منهم الشيخ في كتابه « المبدأ والمعاد » 7 - 10 على ما نسبه إليه الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » 1 : 448 والعلاّمة في « نهاية المرام » 2 : 37 ، ولكنّ الأمر ليس كذلك ؛ لأنّ الشيخ صنّفه تقريرا لمذهبهم في المبدأ والمعاد. انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 293 ؛ « شوارق الإلهام » : 417.
3- منهم الجبائي ، انظر : « نقد المحصّل » : 158 ، ونسبه إلى بعض أصحاب الأشاعرة في « شرح المواقف » 6 : 17 و « شرح المقاصد » 2 : 325.
4- منهم أبو الحسن الأشعري وكثير من المعتزلة ، انظر : « أصول الدين » 30 - 31 ؛ « شرح المواقف » 6 : 17 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 325 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 251.

العلم أمرا وراء الصورة.

قال : ( كالحال والاستقبال ).

أقول : هذا إشارة إلى إبطال مذهب جماعة من المعتزلة (1) ، حيث ذهبوا إلى أنّ العلم بالاستقبال علم بالحال عند حصول الاستقبال ، فقالوا : إنّ العلم بأنّ الشيء سيوجد علم بوجوده إذا وجد.

وإنّما دعاهم إلى ذلك ما ثبت من أنّ اللّه تعالى عالم بكلّ معلوم ، فإذا علم أنّ زيدا سيوجد ثمّ وجد ، فإن زال العلم الأوّل وتجدّد علم آخر لزم كونه تعالى محلاّ للحوادث ، وإن لم يزل كان هو المطلوب (2).

وهذا خطأ ؛ فإنّ العلم بأنّ الشيء سيوجد علم بالعدم الحالي والوجود في ثاني الحال ، والعلم بأنّ الشيء موجود غير مشروط بالعدم الحالي ، بل هو مناف له ، فيستحيل اتّحادهما.

والوجه في حلّ الشبهة المذكورة أنّ علمه تعالى بالمعدومات إنّما يكون في مقام علمه تعالى بذاته علما تامّا ؛ لأنّ ذاته تعالى علّة تامّة للأشياء ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة علّة تامّة للعلم التامّ بالمعلول ، فالتغيّر يكون في المعلوم لا العلم المتعالي عن الزمان والمكان.

مضافا إلى ما التزمه أبو الحسين هنا من أنّ الزوائل هي التعلّقات - الحاصلة بين العلم والمعلوم - لا العلم نفسه (3).

وسيأتي زيادة تحقيق في هذا الموضع إن شاء اللّه تعالى.

قال : ( ولا يعقل إلاّ مضافا ، فيقوى الإشكال مع الاتّحاد ).

ص: 417


1- نسبه إلى جمهور المشايخ في « مناهج اليقين » : 94 والى أبي هاشم وجماعة في « نهاية المرام » 1 : 237 ، وإلى مشايخ المعتزلة وكثير من الأشاعرة في المواقف وشرحه 8 : 75 وإلى كثير من المعتزلة وأهل السنّة في « شرح المقاصد » 4 : 124.
2- راجع « نهاية المرام » 1 : 235 - 237 ؛ « شرح المواقف » 8 : 74 - 75 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 122 و 124.
3- المنقول عنه خلاف ذلك ، كما في « نهاية المرام » 1 : 237 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 125.

أقول : اعلم أنّ العلم وإن كان من الكيفيّات الحقيقيّة القائمة بالنفس ، إلاّ أنّه لا يعقل إلاّ مضافا إلى الغير ؛ فإنّ العلم علم بالشيء ، ولا يعقل تجرّده عن الإضافة حتّى توهّم بعضهم (1) أنّه نفس الإضافة الحاصلة بين العلم والمعلوم ، ولم يثبت كونه أمرا حقيقيّا مغايرا للإضافة.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ الإشكال يقوى على الاتّحاد كما قاله المصنّف رحمه اللّه ؛ فإنّ العاقل والمعقول إذا كانا شيئا واحدا - كما إذا عقل الشخص نفسه - يرد الإشكال (2) عليه بأن يقال : أنتم قد جعلتم العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم ، وهذا لا يتصوّر هاهنا ؛ لاستحالة اجتماع الأمثال.

ويقوى الإشكال (3) باعتبار الإضافة ؛ إذ الإضافة لا تعقل إلاّ بين الشيئين ، لا بين الشيء الواحد ونفسه ، فلا يتحقّق علم الشيء بذاته.

والجواب عن الأوّل (4) : أنّ العلم إنّما يستدعي الصورة لو كان العالم عالما بغيره ، أمّا إذا كان عالما بذاته فإنّ ذاته تكفي في علمه من غير احتياج إلى صورة أخرى ؛ لأنّ علمه حينئذ علم حضوري ، بمعنى عدم غيبوبة المعلوم عن العالم ، لا حضوره عنده حقيقة ، وليس علمه حصوليّا حتّى يحتاج إلى صورة أخرى.

وعن الثاني (5) : أنّ العاقل من حيث إنّه عاقل مغاير له من حيث إنّه معقول ، فأمكن

ص: 418


1- هو الفخر الرازي ، كما في « المحصّل » : 245 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 450 ؛ « شرحي الإشارات » 1 : 133 - 134 ، واختاره في « المطالب العالية » 3 : 104 بعد نسبته إلى جمع عظيم من الحكماء والمتكلّمين.
2- راجع « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 320 - 321 ؛ « نهاية المرام » 2 : 12 - 13 ؛ « كشف المراد » : 228 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 55 ؛ « شرح المواقف » : 15 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 301 - 302 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 252.
3- « مناهج اليقين » : 87 - 88 ؛ « كشف المراد » : 228 ؛ « شرح المواقف » 6 : 16 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 302 ؛ « شرح تجريد العقائد » 252.
4- « كشف المراد » : 228 ، ويعتبر هذا أحد الأجوبة ، وللمزيد انظر : « شرح المواقف » 6 : 15 - 16 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 55 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 302 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 252.
5- « المباحث المشرقيّة » 1 : 450 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 321 ؛ « كشف المراد » : 228 - 229 ؛ « نهاية المرام » 2 : 13 ؛ « مناهج اليقين » :87- 88 ؛ « شرح المواقف » 6 : 16 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 302 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 252.

تحقّق الإضافة ؛ لكفاية التغاير الاعتباري فيها ؛ ولأنّ العالم هو الشخص والمعلوم هو الماهيّة الكلّيّة. كذا أجيب.

واعترض (1) على الجوابين عن الثاني بأنّهما دوريّان.

أمّا الأوّل : فلأنّ المغايرة بين العاقل من حيث إنّه عاقل والمعقول من حيث إنّه معقول متوقّفة على التعقّل ، فلو جعلنا التعقّل متوقّفا على هذا من حيث التغاير دار.

وفيه : أنّ العلم سبب الإضافة لا نفسها ، فلا يلزم الدور.

وأمّا الثاني : فلأنّ العالم هاهنا يكون عالما بجزئه ، وليس البحث فيه ، فتأمّل.

قال : ( وهو عرض لوجود حدّه فيه ).

أقول : ذهب المحقّقون (2) إلى أنّ العلم عرض. وأكثر الناس كذلك في العلم بالعرض. واختلفوا في العلم بالجوهر.

فالذين قالوا : إنّ العلم إضافة بين العالم والمعلوم قالوا : إنّه عرض أيضا (3).

والذين قالوا : إنّ العلم صورة اختلفوا ، فقال بعضهم (4) : إنّه جوهر ؛ لأنّ حدّه صادق عليه ؛ إذ الصورة الذهنيّة ماهيّة إذا وجدت في الأعيان كانت لا في الموضوع ، وهذا معنى الجوهر.

والمحقّقون (5) قالوا : إنّه عرض أيضا ؛ لوجود حدّ العرض فيه ، فإنّه موجود حالّ في النفس ، لا كجزء منها ، بل كقيام باقي الكيفيّات النفسانيّة ، وهذا معنى العرض.

واستدلال القائلين (6) بأنّه جوهر خطأ ؛ لأنّ الصورة الذهنيّة يمتنع وجودها في

ص: 419


1- المعترض هو العلاّمة على ما في « كشف المراد » : 229 و « مناهج اليقين » : 88.
2- انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 : 458 ؛ « مناهج اليقين » : 89 ؛ « نهاية المرام » 2 : 157 - 158 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 252.
3- انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 : 458 ؛ « مناهج اليقين » : 89 ؛ « نهاية المرام » 2 : 157 - 158 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 252.
4- نسبه في « مناهج اليقين » : 89 إلى قوم من الأوائل.
5- منهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : 89.
6- انظر : « مناهج اليقين » : 89 ؛ « نهاية المرام » 2 : 159.

الخارج ، وإنّما الموجود ما هي مثال له.

المسألة الرابعة عشرة : في أقسام العلم.

قال : ( وهو فعليّ وانفعالي وغيرهما ).

أقول : العلم منه ما هو فعليّ ، وهو المحصّل للأشياء الخارجيّة ، الذي يكون سببا لوجود المعلوم في الخارج ، كعلم واجب الوجود تعالى بمخلوقاته ، وكما إذا تصوّرنا شيئا لم نستفد صورته من الخارج ثمّ أوجدنا في الخارج ما يطابقه.

ومنه انفعاليّ ، وهو المستفاد من الأعيان الخارجيّة ، كعلمنا بالسماء والأرض.

ومنه ما ليس كذلك بأحدهما ، كعلم واجب الوجود تعالى بذاته ، وكما إذا تصوّرنا الأمور المستقبلة التي ليست فعلا لنا.

قال : ( وضروريّ - له أقسام ستّة - ومكتسب ).

أقول : قد تقدّم أنّ العلم إمّا ضروريّ وإمّا كسبيّ ، ومضى تعريفهما.

وأقسام الضروريّ ستّة :

[ الأوّل ] : البديهيّات ، وهي قضايا يحكم بها العقل لذاته لا بسبب خارجي هو تصوّر طرفيها ، كالحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء وغيره من البديهيّات.

الثاني : المشاهدات ، وهي إمّا مستفادة من الحواسّ الظاهرة كالحكم بحرارة النار ، أو من الحواسّ الباطنة وهي القضايا الاعتباريّة بمشاهدة قوى غير الحسّ الظاهر ، أو بالوجدان من النفس لا باعتبار الآلات مثل شعورنا بذواتنا وبأفعالنا.

الثالث : المجرّبات ، وهي قضايا تحكم بها النفس باعتبار تكرار المشاهدات ، كالحكم بأنّ الضرب بالخشب مؤلم. وتفتقر إلى أمرين : المشاهدة المتكرّرة ، والقياس الخفيّ ، وهو أنّه لو كان الوقوع على سبيل الاتّفاق ، لم يكن دائما ولا أكثريّا.

والفارق بين هذه وبين الاستقراء هذا القياس.

الرابع : الحدسيّات ، وهي قضايا مبدأ الحكم بها حدس قويّ يزول معه الشكّ ،

ص: 420

كالحكم باستفادة نور القمر من الشمس. وتفتقر إلى المشاهدة المتكرّرة والقياس الخفيّ.

إلاّ أنّ الفارق بين هذه وبين المجرّبات أنّ السبب في المجرّبات معلوم السببيّة غير معلوم الماهيّة ، وفي الحدسيّات معلوم بالاعتبارين.

الخامس : المتواترات ، وهي قضايا تحكم بها النفس ؛ لتوارد أخبار المخبرين ، والتواطؤ المانع عن احتمال الكذب والخطأ.

السادس : الفطريّات ، وهي قضايا قياساتها معها ، بمعنى أنّه تحكم بها النفس باعتبار وسط لا ينفكّ الذهن عنه.

قال : ( وواجب وممكن ).

أقول : العلم ينقسم إلى واجب وهو علم واجب الوجود بذاته ، وإلى ممكن هو ما عداه.

وإنّما كان الأوّل واجبا ؛ لأنّه نفس ذاته الواجبة.

قال : ( وهو تابع ، بمعنى أصالة موازيه في التطابق ).

أقول : اعلم أنّ الأشاعرة استدلّوا على كون أفعال العباد اضطراريّة على وجه الجبر : بأنّ اللّه تعالى عالم في الأزل بصدورها عنهم ، فيستحيل انفكاكهم عنها ، وإلاّ يلزم كون علمه تعالى جهلا ، فهي لازمة لهم ، وهم مجبورون عليها كالمنشار للنّجار (1).

وأجاب عنه المعتزلة (2) والإماميّة (3) بأنّ العلم تابع للمعلوم ، فلا يكون علّة له.

فأورد الأشاعرة (4) بأنّه كيف يجوز أن يكون علمه تعالى تابعا لما هو متأخّر عنه ،

ص: 421


1- هذا أحد الوجوه التي استدلّوا بها في المقام ، انظر : « المطالب العالية » 9 : 46 - 48 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 122 ؛ « إرشاد الطالبين » : 264 - 265 ؛ « شرح المواقف » 8 : 155 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 232 - 233 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 254 و 341 - 366.
2- « شرح تجريد العقائد » : 254.
3- « نقد المحصّل » : 328 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 123 ؛ « إرشاد الطالبين » : 267.
4- نقله القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 254.

فإنّه يستلزم الدور؟

فأجاب المعتزلة (1) والإماميّة (2) بأن لا نعني بالتابعيّة التأخّر حتّى يلزم الدور ؛ فإنّ التابع يطلق على ما يكون متأخّرا عن المتبوع ، وعلى ما يكون مستفادا منه ، وهما غير مرادين في قولنا : « العلم تابع للمعلوم » فإنّ العلم قد يتقدّم المعلوم زمانا ، وقد يفيد وجوده كالعلم الفعلي. وإنّما المراد هنا كون العلم والمعلوم متطابقين ، بحيث إذا تصوّرهما العقل حكم بأصالة المعلوم في هيئة التطابق ؛ فإنّ العلم تابع له وحكاية له ، فنسبته إليه كنسبة الصورة المنقوشة على الجدار إلى ذات الفرس ، فكما أنّ الفرس أصل للصورة فكذا المعلوم أصل للعلم. ولذا يصحّ أن يقال : إنّما علمت زيدا شرّيرا ؛ لأنّه كان في نفسه شرّيرا ، ولا يصحّ أن يقال : كان زيد في نفسه شرّيرا ؛ لأنّي علمته شريرا. وكذا علمه تعالى في الأزل ؛ لأنّهم كانوا فيما لا يزال كذلك ، لا أنّ الأمر بالعكس.

مضافا إلى أنّه تعالى كما كان عالما بأنّهم يفعلون كذلك ، كان عالما بأنّهم يفعلون بالاختيار ، ولا أقلّ من الاحتمال المنافي للاستدلال ، فلو لم يكونوا مختارين لزم كون علمه تعالى جهلا.

قال : ( فزال الدور ).

أقول : الذي يفهم من هذا الكلام أمران :

أحدهما : أن يقال : قد قسّمتم العلم إلى أقسام من جملتها : الفعلي الذي هو العلّة في وجود المعلول ، وهاهنا جعلتم جنس العلم تابعا فلزمكم الدور ؛ إذ تبعيّة الجنس تستلزم تبعيّة أنواعه.

وتقرير الجواب عن هذا : أن نقول : نعني بتبعيّة العلم ما قرّرناه من كون العلم والمعلوم متطابقين على وجه إذا تصوّرهما العقل ، حكم بأنّ الأصل في هيئة التطابق

ص: 422


1- نقله القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 254.
2- « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 123 - 124 ؛ « مناهج اليقين » : 90 - 91.

هو المعلوم ، وأنّ العلم فرع.

ووجه الخلاص من الدور بهذا التحقيق أنّ العلم الفعلي محصّل للمعلوم في الخارج لا مطلقا.

الثاني : أن يقال : المتبوع يجب أن يتقدّم على التابع بأحد أنواع التقدّم الخمسة ، وهاهنا لا تقدّم لا بالشرف ولا بالوضع ؛ لأنّهما غير معقولين ، فبقي أن يكون التقدّم هنا بالذات أو بالعلّيّة أو بالزمان.

وعلى هذه التقادير الثلاثة يمتنع الحكم بتأخّر المتبوع عن التابع في الزمان ، ولا شكّ أنّ علم اللّه تعالى الأزليّ والعلوم السابقة على الصور الموجودة في الخارج متقدّمة بالزمان ، والمتأخّر عن غيره بالزمان يمتنع أن يكون متقدّما عليه بنوع ما من أنواع التقدّمات بالاعتبار الذي كان به متأخّرا عنه.

والجواب عنه ما تقدّم أيضا من ملاحظة الوجود الخارجي والظلّيّ.

المسألة الخامسة عشرة : في تقديم العلم على الاستعداد.

المسألة الخامسة عشرة : في تقديم (1) العلم على الاستعداد.

قال : ( ولا بدّ فيه من الاستعداد ، أمّا الضروري فبالحواسّ ، وأمّا الكسبي فبالأوّل ).

أقول : قد بيّنّا أنّ العلم إمّا ضروريّ وإمّا كسبي ، وكلاهما حصل بعد عدمه ؛ إذ الفطرة البشريّة خلقت أوّلا عارية من العلوم ، ثمّ يحصل لها العلم بقسميه ، ولا بدّ من استعداد سابق مغاير للنفس وسبب موجد فاعل للعلم ، فالضروري فاعله هو اللّه تعالى ؛ إذ القابل لا يخرج القبول من القوّة إلى الفعل بذاته ، وإلاّ لم ينفكّ عنه.

وللمقبول درجات مختلفة في القرب والبعد ، وإنّما تستعدّ النفس للقبول على التدريج ، وتنتقل من أقصى مراتب البعد إلى أدناها قليلا قليلا لأجل المعدّات ، التي

ص: 423


1- كذا في الأصل ، وفي « كشف المراد » المطبوع : « توقّف » بدل « تقديم ».

هي الإحساس بالحواسّ الظاهرة والباطنة على اختلافها ، والتمرّن عليها وتكرارها مرّة بعد أخرى ، فيتمّ الاستعداد لإفاضة العلوم البديهيّة الكلّيّة من التصوّرات والتصديقات بين كلّيّات تلك المحسوسات.

وأمّا النظريّة فإنّها مستفادة من النفس أو من اللّه تعالى - على اختلاف الآراء - لكن بواسطة الاستعداد بالعلوم البديهيّة.

أمّا في التصوّرات فبالحدّ والرسم.

وأمّا في التصديقات فبالقياسات المستندة إلى المقدّمات الضروريّة.

المسألة السادسة عشرة : في المناسبة بين العلم والإدراك.

قال : ( وباصطلاح يفارق الإدراك مفارقة الجنس النوع ، وباصطلاح آخر مفارقة النوعين ).

أقول : اعلم أنّ العلم يطلق على الإدراك للأمور الكلّيّة ، كاللون والطعم مطلقا.

ويطلق الإدراك على الحضور عند المدرك مطلقا ، فيكون شاملا للعلم والإدراك الجزئي ، أعني إدراك المدرك بالحسّ ، كهذا اللون وهذا الطعم ، ولا يطلق العلم على هذا النوع من الإدراك. ولذلك لا يصفون الحيوانات العجم بالعلم وإن وصفوها بالإدراك ، فيكون الفرق بين العلم والإدراك مطلقا - على هذا الاصطلاح - فرق ما بين النوع والجنس ، فإنّ العلم هو النوع ، والإدراك هو الجنس الشامل للأقسام الأربعة :

الإحساس الذي هو إدراك الشيء الموجود في المادّة الحاضرة عند المدرك مكفوفة بهيئات مخصوصة من الأين والكمّ والكيف وغيرها.

والتخيّل الذي هو إدراك ذلك الشيء مع تلك الهيئات في حال غيبته بعد حضوره.

والتوهّم الذي هو إدراك معان جزئيّة مخصوصة متعلّقة بالمحسوسات.

ص: 424

والتعقّل الذي هو إدراك المجرّد عنها ، سواء كان جزئيّا أو كلّيّا ، وهذا القسم هو المسمّى بالعلم ، فيكون العلم أخصّ مطلقا من الإدراك المطلق بهذا الاصطلاح.

وقد يطلق الإدراك باصطلاح آخر على الإحساس لا غير ، فيكون الفرق بينه وبين العلم هو الفرق ما بين النوعين الداخلين تحت الجنس ، وهو الإدراك ، وهو المعنى الأوّل.

المسألة السابعة عشرة : في أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول.

قال : ( وتعلّقه على التمام بالعلّة يستلزم تعلّقه كذلك بالمعلول ، ولا عكس ) (1).

أقول : العلم بالعلّة يقع باعتبارات ثلاثة :

الأوّل : العلم بماهيّة العلّة من حيث هي ذات وحقيقة لا باعتبار آخر ، وهذا لا يستلزم العلم بالمعلول لا على التمام ولا على النقصان إلاّ إذا كان لازما بيّنا للماهيّة.

الثاني : العلم بها من حيث إنّها مستلزمة لذات أخرى ، وهو علم ناقص بالعلّة ، فيستلزم علما ناقصا بالمعلول من حيث إنّه لازم للعلّة من جهة كون العلّيّة والمعلوليّة من المتضايفات التي يكون (2) تعقّل أحدهما مستلزما لتعقّل الآخر ، لا من حيث ماهيّته.

الثالث : العلم بذاتها وماهيّتها ولوازمها وملزوماتها وعوارضها ومعروضاتها وما لها في ذاتها وما لها بالقياس إلى الغير ، وهذا هو العلم التامّ بالعلّة ، وهو يستلزم العلم التامّ بالمعلول ؛ فإنّ ماهيّة المعلول وحقيقته لازمة لماهيّة العلّة ، وقد فرض تعلّق العلم بها من حيث ذاتها ولوازمها.

هذا في العلم التامّ بالعلّة.

ص: 425


1- كلمة : « ولا عكس » غير موجودة في « كشف المراد » و « تجريد الاعتقاد » المطبوعين.
2- في الأصل : « يستلزم » بدل « يكون » وما أثبتناه هو الأنسب لسياق العبارة.

وأمّا العلم التامّ بالمعلول فهو لا يستلزم العلم بالعلّة على ما حكي (1) عن المشهور ؛ لأنّ معروضات العلّة ليست بملزومة للمعلول.

وقيل بالاستلزام (2) ؛ لأنّ العلّة وملزوماتها من ملزومات المعلول.

ولا يخلو من قوّة كما لا يخفى.

وقد يقال (3) : العلم بالعلّة يستلزم العلم بماهيّة المعلول وإنّيّته ، والعلم بالمعلول يستلزم العلم بإنّيّة العلّة.

وبالجملة ، فالواجب بالذات لمّا كان عالما بالعلم التامّ بذاته - التي هي العلّة التامّة للممكنات الخارجيّة والذهنيّة ، كلّ بحسبه ولو بواسطة معلوله - كان عالما في مقام العلم بالذات بجميع الممكنات حتّى المعدومات ، بل الممتنعات التي هي من الممكنات الذهنيّة ، ولذا يقال : إنّه عالم ولا معلوم والعلم ذاته.

المسألة الثامنة عشرة : في مراتب العلم.

قال : ( ومراتبه ثلاث ).

أقول : ذكر الشيخ أبو عليّ (4) - على ما حكي (5) - أنّ للتعقّل ثلاث مراتب :

الأولى : أن يكون بالقوّة المحضة ، وهو عدم التعقّل عمّا من شأنه ذلك ، كما في العقل الهيولاني.

الثانية : أن يكون بالفعل التامّ ، كما إذا علم الشيء علما تفصيليّا.

الثالثة : العلم بالشيء إجمالا ، كمن علم مسألة ثمّ غفل عنها ، ثمّ سئل عنها ، فإنّه

ص: 426


1- الحاكي هو القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 255 ، ونسبه اللاهيجي إلى المشهور في « شوارق الإلهام » : 423.
2- نسبه القوشجي إلى القيل في « شرح تجريد العقائد » : 255.
3- القائل هو المحقّق الطوسي في « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 301.
4- « الشفاء » الطبيعيّات 2 : 213 وما بعدها.
5- الحاكي هو العلاّمة في « كشف المراد » : 233.

يحضر الجواب عنها في ذهنه ، وليس ذلك بالقوّة المحضة ؛ فإنّه في الوقت عالم باقتداره على الجواب ، وهو يستلزم علمه بذلك الجواب ، وليس علما به على جهة التفصيل بمعنى أنّ صور التفاصيل حاصلة في الذهن مجتمعة معا من غير التفات العقل إلاّ إلى الجملة ، وعند إرادة البيان يلاحظ كلّ واحد تفصيلا ، فيتحقّق الاستحضار التفصيلي ، وهو ظاهر.

المسألة التاسعة عشرة : في كيفيّة العلم بذي السبب.

قال : ( وذو السبب إنّما يعلم به كلّيّا ).

أقول : اعلم أنّ الشيء إذا كان ذا سبب فإنّه إنّما يعلم بسببه ؛ لأنّه بدون السبب ممكن ، وإنّما يجب بسببه ، فإذا نظر إليه من حيث هو هو لم يحكم العقل بوقوعه ولا بعدمه ، وإنّما يحكم بأحدهما إذا عقل وجود السبب أو عدمه ، فذو السبب إنّما يحكم بوجوده أو عدمه بالنظر إلى سببه.

إذا ثبت هذا فإنّ ذا السبب إنّما يعلم كلّيّا ؛ لأنّ كونه صادرا عن الشيء تقييد له بأمر كلّيّ أيضا ، وتقييد الكلّيّ بالكلّيّ لا يقتضي الجزئيّة.

وتحقيق هذا أنّك إذا عقلت كسوفا شخصيّا من جهة سببه وصفاته الكلّيّة - التي يكون كلّ واحد منها نوعا مجموعا في شخصه - كان العلم به كلّيّا ، والكسوف وإن كان شخصيّا فإنّه عند ذلك يصير كلّيّا ، ويكون نوعا مجموعا في شخص ، والنوع المجموع في شخص له معقول كلّيّ لا يتغيّر ، وما يستند إليه من صفاته وأحواله يكون مدركا بالعقل فلا يتغيّر ؛ لأنّه كلّما حصلت علل الشخصي وأسبابه ، وجب حصول ذلك الجزئي ، فيقال : إنّ هذا الشخصيّ أسبابه كذا ، وكلّما حصلت هذه الأسباب كان هذا الشخصي أو مثله ، فيكون كلّيّا بعلله.

والحاصل أنّ العلم بذي السبب لا يحصل إلاّ من العلم بسببه ، وأنّ ما يعلم بسببه يعلم كلّيّا.

ص: 427

واعترض (1) على ذلك بإمكان العلم بذي السبب بالحسّ أو الحدس أو إخبار مخبر صادق أو نحوها مع عدم العلم بالسبب ، وأنّ العلم بالسبب الجزئي يستلزم العلم بالمسبّب الجزئي.

اللّهمّ إلاّ أن يخصّص بالكلّيّ النظريّ ، فتأمّل.

المسألة العشرون : في تفسير العقل.

قال : ( والعقل غريزة يلزمها العلم بالضروريّات عند سلامة الآلات ).

أقول : اتّفق أصحاب الشرائع والملل على أنّ مناط التكاليف الشرعيّة هو العقل ، واختلفوا في تعريفه.

فالمصنّف رحمه اللّه - وفاقا لجماعة (2) - عرّفه بأنّه غريزة يلزمها العلم بالضروريّات عند سلامة الآلات.

والغريزة هي الطبيعة التي جبل عليها الإنسان.

والآلات هي الحواسّ الظاهرة والباطنة.

وسلامتها عبارة عن عدم زوالها أو تعطّلها بنحو السكر والنوم.

فالحاصل أنّه حالة من أحوال النفس الناطقة بها يدرك الضروريّات ، كحسن بعض الأشياء وقبح بعض آخر. وهو الحقّ.

وفي الحديث المعتبر أنّ « العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان » (3).

ص: 428


1- المعترض هو الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » 1 : 482 - 483 ؛ ولمزيد الاطّلاع حول هذه المسألة راجع « نهاية المرام » 2 : 191 - 194 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 257 - 258 ؛ « شوارق الإلهام » : 257 - 258.
2- منهم الفخر الرازي في « المحصّل » : 251 والمصنّف في « نقد المحصّل » : 163 ، والعلاّمة في « مناهج اليقين » : 101 و « نهاية المرام » 2 : 229 و « كشف المراد » : 234 ، والتفتازاني في « شرح المقاصد » 2 : 333 ، والفاضل المقداد في « اللوامع الإلهيّة » : 56.
3- « الكافي » ج 1 ، ص 11 من كتاب العقل والجهل ، ح 3 ؛ « معاني الأخبار » : 236 ، ح 1 من باب معنى العقل.

وعن جماعة أنّه ما يعرف به حسن المستحسنات وقبح المستقبحات (1).

وحكي تفسيره عن قوم (2) بأنّه العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات ؛ لامتناع انفكاك أحدهما عن الآخر.

وهو ضعيف ؛ لعدم الملازمة بين التلازم والاتّحاد.

قال : ( ويطلق على غيره بالاشتراك ).

أقول : لفظ « العقل » مشترك بين قوى النفس الإنسانيّة وبين الموجود المجرّد في ذاته وفعله معا عن المادّة ، ويندرج تحته عند الأوائل (3) عقول عشرة سبق البحث فيها.

وأمّا القوى النفسانيّة ، فيقال : عقل علميّ ، وعقل عمليّ.

أمّا العلميّ : فأوّل مراتبه : الهيولاني ، وهو الذي من شأنه الاستعداد المحض من غير حصول علم ضروريّ أو كسبيّ.

وثانيها : العقل بالملكة ، وهو الذي استعدّ بحصول العلم الضروريّ لإدراك النظريّات ، فصار له بتلك الأوّليّات ملكة الانتقال إلى النظريّات.

وأعلى درجات هذه المرتبة ما يسمّى بالفطانة والذكاوة المستندة إلى القوّة القدسيّة ، وأدناها البلادة التي هي مرتبة البليد الذي ينسى (4) أفكاره دون حصولها.

وبين هاتين الدرجتين درجات متفاوتة في القرب والبعد بحسب شدّة الاستعداد وضعفه.

وثالثها : العقل بالفعل ، وهو أن تكون النفس بحيث متى شاءت استحضرت

ص: 429


1- هم المعتزلة على ما في « نهاية المرام » 2 : 226 ؛ « شرح المواقف » 6 : 47 ؛ « شوارق الإلهام » : 425.
2- حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : 234 ، وفي « المحصّل » : 250 و « نهاية المرام » 2 : 225 نسباه إلى المشهور.
3- انظر : « الشفاء » الإلهيّات : 402 - 409 ؛ « النجاة » : 273 - 280 ؛ « المعتبر في الحكمة » 3 : 148 وما بعدها ؛ « المطالب العالية » 4 : 380 - 389 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 243 - 263 ؛ « شرح الهداية الأثيرية » للميبدي : 188 - 193.
4- كذا في الأصل ، وفي « كشف المراد » : 235 وردت هكذا : « تثبت » بدل « ينسى ».

العلوم النظريّة من العلوم الضروريّة ، لا على أنّها بالفعل موجودة.

ورابعها : العقل المستفاد ، وهو حصول تلك النظريّات بالفعل ، وهو آخر درجات كمال النفس في هذه القوّة.

وأمّا العمليّ : فيطلق على القوّة التي باعتبارها يحصل التميز بين الأمور الحسنة والقبيحة ، وعلى فعل الأمور الحسنة وترك القبيحة ، وقد أشرنا إلى بيان ذلك سابقا.

المسألة الحادية والعشرون : في الاعتقاد والظنّ وغيرهما.

قال : ( والاعتقاد يقال لأحد قسميه ).

أقول : المراد أنّ الاعتقاد يطلق على التصديق الذي هو أحد قسمي العلم ؛ وذلك لأنّا قد بيّنّا أنّ العلم يقال على التصوّر وعلى التصديق ؛ لأنّه جنس لهما ، والاعتقاد هو التصديق ، وهو قسم من قسمي العلم.

ولكن لا يخفى أنّ التصديق - الذي جعله المصنّف أحد قسمي العلم - كان مقيّدا بكونه جازما مطابقا ثابتا - أعني اليقين ، والاعتقاد يطلق على مطلق التصديق جازما كان أم لا ، مطابقا كان أم لا ، ثابتا كان أم لا.

نعم ، الإطلاق على المطلق يستلزم الإطلاق على المقيّد ؛ لوجود المطلق فيه ، بل قد يطلق الاعتقاد على خصوص اليقين كما قيل (1) ، ففيه اصطلاحات وله إطلاقات.

قال : ( فيتعاكسان في العموم والخصوص ).

أقول : هذا نتيجة ما مضى.

والذي نفهمه منه أنّ الاعتقاد قد ظهر أنّه يطلق على أحد قسمي العلم ، فهو أخصّ بهذا المعنى ؛ لأنّ العلم شامل للتصوّر والتصديق الذي هو الاعتقاد.

والاعتقاد - باعتبار آخر واصطلاح آخر - أعمّ من العلم ؛ لأنّه شامل للظنّ

ص: 430


1- نسبه في « المطوّل » : 39 إلى المشهور ، ونسبه القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 259 إلى القيل ، واللاهيجي في « شوارق الإلهام » : 426 إلى غير المشهور.

والجهل المركّب واعتقاد المقلّد.

فهذا ما ظهر لنا من قوله : « فيتعاكسان » أي الاعتقاد والعلم « في العموم والخصوص » فباعتبار الاصطلاحين أو ما يؤدّي معناهما يتحقّق التعاكس.

وفيه : أنّ الاعتقاد باصطلاح آخر أيضا ليس أعمّ مطلقا من العلم الشامل للتصوّر والتصديق بل أعمّ من وجه ، وهو خلاف ظاهر التعاكس ؛ لكون العلم بأحد الاصطلاحين أعمّ مطلقا من الاعتقاد من غير أن يكون الاعتقاد أعمّ مطلقا باصطلاح آخر.

اللّهمّ إلاّ أن يحمل العلم حينئذ على اليقين ، أو يكتفى بالعموم من وجه في التعاكس ، فتأمّل.

قال : ( ويقع فيه التضادّ بخلاف العلم ).

أقول : المراد أنّ الاعتقاد قد يقع فيه التضادّ بأن يتعلّق أحد الاعتقادين بإيجاب نسبة ، والآخر بسلبها بعينها ، فيكون التضادّ لتعلّقه بالإيجاب والسلب لا غير.

وأمّا العلم فلا يقع فيه تضادّ ؛ لوجوب المطابقة فيه ، والمطابق للواقع لا يكون إلاّ أحدهما ، فلا يتصوّر علمان تعلّق أحدهما بإيجاب نسبة والآخر بسلبها ؛ فإنّ غير المطابق لا يكون علما وإن أطلق عليه العلم قبل ظهور المخالفة لاعتقاد المطابقة ؛ وذلك لصحّة السلب بعد ظهور المخالفة ، فيقال : ما كان علما بل اعتقادا مخالفا.

قال : ( والسهو عدم ملكة العلم ، وقد يفرق بينه وبين النسيان ).

أقول : قد أفيد (1) أنّ هذا هو المشهور عند الأوائل والمتكلّمين.

وذهب الجبّائيان (2) إلى أنّ السهو معنى يضادّ العلم.

ص: 431


1- المفيد هو العلاّمة في « كشف المراد » : 236.
2- نقله عنهما العلاّمة في « كشف المراد » : 236 و « مناهج اليقين » : 96 ، وفي « شرح المواقف » 6 : 27 نقله عن الآمدي.

وقد فرّق الأوائل (1) بينه وبين النسيان ، فقالوا : إنّ السهو زوال الصورة عن المدركة خاصّة ، دون الحافظة التي هي الخزانة ، والنسيان زوالها عنهما معا.

وعلى هذا فالسهو حالة متوسّطة بين التذكّر والنسيان ؛ إذ فيه زوال الصورة من وجه وبقاؤها من وجه ؛ ولهذا لا يحتاج إلى تجشّم كسب جديد بخلاف النسيان.

هذا بحسب الاصطلاح الخاصّ ، وإلاّ فظاهر العرف الترادف أو التساوي عموما أو خصوصا.

وكيف كان فالظاهر أنّ النسيان كالسهو عبارة عن المحو بعد حصول العلم ، لا مطلق عدم ملكة العلم ؛ ولهذا فيكون التقابل على وجه التضادّ.

قال : ( والشكّ تردّد الذهن بين الطرفين ).

أقول : الشكّ هو عدم الاعتقاد وتردّد الذهن بين طرفي النقيض على التساوي ، وليس معنى قائما بالنفس عند الأوائل وأبي هاشم (2).

وقال أبو عليّ (3) : إنّه معنى يضادّ العلم. واختاره البلخي (4) ؛ لتجدّده بعد أن لم يكن.

وهو الأصحّ ؛ لظهور كونه حالة وجوديّة مضادّة للعلم.

قال : ( وقد يصحّ تعلّق كلّ من العلم والاعتقاد بنفسه وبالآخر ، فيتغاير الاعتبار لا التصوّر ).

أقول : اعلم أنّ العلم والاعتقاد من قبيل الإضافات يصحّ تعلّقهما بجميع الأشياء حتّى بأنفسهما ، فيصحّ تعلّق الاعتقاد بالاعتقاد وبالعلم ، وكذا العلم يتعلّق بنفسه وبالاعتقاد.

ص: 432


1- نقله العلاّمة عن الأوائل في « كشف المراد » : 236 ، وذكره في « شرح المواقف » 6 : 26 دون أن ينسبه لأحد ، وفي « كشّاف اصطلاحات الفنون » 1 : 987 نسبه إلى البعض.
2- نقله عنهما العلاّمة في « كشف المراد » : 237.
3- ذكره في « كشف المراد » : 237 ونقل خلافه في « مناهج اليقين » : 97.
4- انظر : « كشف المراد » : 237.

إذا عرفت هذا ، فإذا تعلّق العلم بنفسه وجب تعدّد الاعتبار ؛ إذ العلم كان آلة ينظر به ، وباعتبار تعلّق العلم به يصير شيئا منظورا ، فيكون الشيء معلوما مغايرا لاعتبار كونه علما ، فلا بدّ من تغاير الاعتبار.

أمّا التصوّر بالاحتياج إلى صورة أخرى فلا ، وإلاّ لزم وجود صور لا تتناهى بالنسبة إلى معلوم واحد ؛ لأنّ العلم بالشيء لا ينفكّ عن العلم بالعلم بذلك الشيء عند اعتبار المعتبرين.

واعلم أنّ العلم بالعلم علم بكيفيّة وهيئة للعالم تقتضي النسبة إلى معلوم ذلك العلم ، وليس علما بالمعلوم.

قال : ( والجهل بمعنى يقابلهما ، وبآخر قسم لأحدهما ).

أقول : اعلم أنّ الجهل يطلق على معنيين : بسيط ومركّب.

فالبسيط هو عدم العلم عمّا من شأنه أن يكون عالما ، وبهذا المعنى يقابل العلم والاعتقاد مقابلة العدم والملكة.

والمركّب هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه ، وهو قسم من الاعتقاد ؛ إذ الاعتقاد جنس للجهل وغيره.

وسمّي الأوّل بسيطا ؛ نظرا إلى عدم تركّبه ، والثاني مركّبا ؛ لتركّبه من اعتقاد وعدم مطابقة الواقع ، فيكون مركّبا من العلم الظاهري والجهل الواقعي ، أو من الجهلين : الجهل بالشيء ، والجهل بأنّه جاهل باعتقاده أنّه عالم ، فهو لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري ، وهو أقبح من الجهل البسيط وأضرّ ؛ فإنّ صاحبه لا يطلب العلم الذي هو خير.

قال : ( والظنّ ترجيح أحد الطرفين ، وهو غير اعتقاد الرجحان ).

أقول : الظنّ ترجيح أحد الطرفين - أعني طرف الوجود وطرف العدم - ترجيحا غير مانع من النقيض ، ولا بدّ من هذا القيد لإخراج الاعتقاد الجازم ، فكأنّ المصنّف اكتفى بالظهور من الخارج أو ممّا سبق ، وإلاّ فالتعريف غير مانع.

ص: 433

واعلم أنّ رجحان الاعتقاد مغاير لاعتقاد الرجحان ؛ لأنّ الأوّل ظنّ لا غير ، والثاني قد يكون علما.

قال : ( ويقبل الشدّة والضعف وطرفاه علم وجهل ).

أقول : لمّا كان الظنّ عبارة عن ترجيح الاعتقاد من غير منع للنقيض ، وكان للترجيح مراتب داخلة بين طرفي شدّة في الغاية وضعف في الغاية ، كان قابلا للشدّة والضعف. وطرفاه العلم - الذي لا مرتبة بعده للرجحان - والجهل البسيط الذي لا ترجيح معه البتّة ، أعني الشكّ المحض.

المسألة الثانية والعشرون : في النظر وأحكامه.

قال : ( وكسبيّ العلم يحصل بالنظر مع سلامة جزأيه ضرورة ).

أقول : قد بيّنّا أنّ العلم ضربان : ضروريّ لا يفتقر إلى طلب وكسب. ونظري يفتقر إليه.

فالثاني هو المكتسب بالنظر ، وهو « ترتيب أمور ذهنيّة للتوصّل بها إلى أمر مجهول ».

فالترتيب جنس بعيد ؛ لأنّه كما يقع في الأمور الذهنيّة كذلك يقع في الأشياء الخارجيّة ، فالتقييد بالأمور الذهنيّة يخرج الآخر عنه.

ثمّ الترتيب الخاصّ قد يكون لاستحصال ما ليس بحاصل ، وقد لا يكون كذلك ، فالثاني ليس نظرا.

وهذا الحدّ قد اشتمل على العلل الأربعة للنظر ، أعني المادّة ، والصورة ، والغاية ، وفيه إشارة إلى الفاعل.

وهذه الأمور قد تكون تصوّرات هي إمّا حدود أو رسوم يستفاد منها علم بمفرد ، وقد تكون تصديقات يكتسب بها تصديق مجهول.

واعلم أنّ النظر لمّا كان متعلّقا بما يكون مركّبا ، اشتمل بالضرورة على جزء مادّي

ص: 434

وجزء صوري ، فالجزء المادّي هو المقدّمات والمبادئ ، والصوري هو الترتيب بينها. فإذا سلم هذان الجزءان - بأن كان الحمل والوضع والوسط والجهة على ما ينبغي - وكان الترتيب على ما ينبغي ، حصل العلم بالمطلوب بالضرورة ، وهو الغاية.

والمرتّب الذي هو النفس الناطقة بمنزلة العلّة الفاعليّة ، بل يمكن استفادة العلّة المعدّة ، وهي العلّة الخامسة ، أعني ما يوجب استعداد النفس الناطقة لترتيب أمور معلومة.

هذا في التصديقات ، وكذا في التصوّرات ؛ فإنّه اذا كان الحدّ مشتملا على جنس قريب وفصل أخير ، وقدّم الجنس على الفصل ، حصل تصوّر المحدود قطعا.

وإليه أشار المصنّف رحمه اللّه بقوله : « مع سلامة جزأيه » يعني الجزء المادّي والجزء الصوري.

واعلم أيضا أنّ الناس اختلفوا هنا ، فقال من (1) لا مزيد تحصيل له : إنّ النظر لا يفيد العلم ؛ فإنّ إفادته العلم إن كان ضروريّا ، لزم اشتراك العقلاء فيه ، وإن كان نظريّا ، تسلسل. ولأنّ النظر لو استلزم العلم لم يختلف الناس في آرائهم ؛ لاشتراكهم في العلوم الضروريّة التي هي مبادئ للنظر.

وذهب المحقّقون (2) إلى أنّه يفيد العلم بالضرورة ؛ فإنّا إذا اعتقدنا أنّ العالم ممكن ، وكلّ ممكن محدث ، حصل لنا العلم بالضرورة بأنّ العالم محدث.

فخرج الجواب عن الشبهة الأولى بقوله : « ضرورة » ولا يجب اشتراك العقلاء في الضروريّات ؛ فإنّ كثيرا من الضروريّات يتشكّك فيها بعض الناس إمّا للخفاء في التصوّر أو لغير ذلك.

وخرج الجواب عن الشبهة الثانية بقوله : « مع سلامة جزأيه » وذلك لأنّ اختلاف

ص: 435


1- نسبه إلى السمنيّة في « المحصّل » : 122 و « مناهج اليقين » : 103 و « شرح المواقف » 1 : 218 وما بعدها.
2- انظر : « المحصّل » : 122 وما بعدها ؛ « مناهج اليقين » : 103 وما بعدها ؛ « نقد المحصّل » : 49 ؛ « شرح المواقف » : 207 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 1 : 235 وما بعدها ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 427 - 428.

الناس في الاعتقاد إنّما كان بسبب تركهم الترتيب الصحيح ، وغفلتهم عن شرائط الحمل ، وغير ذلك من أسباب الغلط إمّا في الجزء المادّي أو الصوري ، فإذا سلما حصل المطلوب لكلّ من حصل له سلامة الجزءين.

ثمّ اعلم أنّ النظر قد يحصل العلم به من غير كسب بواسطة الوحي أو الإلهام أو نحو ذلك ، وهذا هو العلم الموهبي واللدنّي ، والمراد غير ذلك ، كما لا يخفى.

قال : ( ومع فساد أحدهما قد يحصل ضدّه ).

أقول : النظر إذا فسد - إمّا من جهة المادّة أو من جهة الصورة لم يحصل العلم ، وقد يحصل ضدّه ، أعني الجهل.

والضابط في ذلك أن نقول : إن كان الفساد من جهة الصورة لم يستلزم النتيجة الباطلة ، وإن كان من جهة المادّة لا غير كان القياس منتجا ، فإن كانت الصغرى في الشكل الأوّل صادقة والكبرى كاذبة ، كانت النتيجة كاذبة قطعا ، وإلاّ جاز أن تكون صادقة وأن تكون كاذبة.

وبهذا التحقيق ظهر بطلان ما يقال من أنّ النظر الفاسد لا يستلزم الجهل ، وإلاّ لكان المحقّ إذا نظر في شبهة المبطل أفاده الجهل ، وليس كذلك ؛ وذلك لأنّه معارض بالنظر الصحيح ، وفاقد لشرط الإفادة ؛ فإنّ شرط اعتقاد حقّيّة المقدّمات في الصحيح شرط في الفاسد أيضا.

قال : ( وحصول العلم عن الصحيح واجب ).

أقول : اختلف الناس هنا ، فالمعتزلة على أنّ النظر مولّد العلم وسبب له (1).

والأشاعرة (2) قالوا : إنّ اللّه تعالى أجرى عادته بخلق العلم عقيب النظر ، وليس النظر موجبا ولا سبب للعلم.

ص: 436


1- « المغني » 12 : 69 - 99 ؛ « مناهج اليقين » : 105 ؛ « شرح المواقف » : 1 : 243 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 237.
2- « المحصّل » : 163 ؛ « شرح المواقف » 1 : 241 - 243 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 237 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 261 - 262.

واستدلّوا (1) على ذلك بأنّ العلم الحادث أمر ممكن ، واللّه تعالى قادر على كلّ الممكنات وفاعل لها - على ما يأتي في خلق الأعمال - فيكون العلم من فعله.

والمعتزلة (2) لمّا أبطلوا القول باستناد الأفعال الحيوانيّة إلى اللّه تعالى ، بطل عندهم هذا الاستدلال. ولمّا رأوا العلم يحصل عقيب النظر بحسبه وينتفي عند انتفائه ، حكموا بأنّه سبب له كما في سائر الأسباب.

والحقّ أنّ النظر الصحيح يجب عنده حصول العلم ، ولا يمكن تخلّفه ؛ فإنّا نعلم قطعا أنّه متى حصل لنا اعتقاد المتقدّمتين فإنّه يجب حصول النتيجة.

وقالت الأشاعرة (3) : التذكّر لا يولّد العلم وكذا النظر إلى القياس (4).

والجواب : أنّ الفرق بينهما ظاهر.

قال : ( ولا حاجة إلى المعلّم ).

أقول : ذهب الملاحدة (5) إلى أنّ النظر غير كاف في حصول المعارف (6) ، بل لا بدّ من معونة المعلّم للعقل ؛ لتعذّر العلم بأظهر الأشياء وأقربها - يعني معرفة اللّه - من دون مرشد.

وأطبق العقلاء (7) على خلافه ؛ لأنّا متى حصلت المقدّمتان لنا على الترتيب المخصوص حصل لنا الجزم بالنتيجة ، سواء كان هناك معلّم أو لا.

ص: 437


1- « المحصّل » : 136 - 137 ؛ « شرح المواقف » 1 : 241 - 242 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 237 ؛ « شرح تجريد العقائد » 261 - 262.
2- انظر : « المغني » 8 : 3 وما بعدها و 177 وما بعدها.
3- « شرح المواقف » 1 : 243 - 245 ، ونسب إلى بعض الأشاعرة في « شرح المقاصد » 1 : 237 و « شرح تجريد العقائد » : 261.
4- في « كشف المراد » : « بالقياس عليه » بدل « إلى القياس ».
5- منهم الإسماعيلية. من حاشية نسخة الأصل.
6- « المحصّل » : 126 - 127 ؛ « شرح المواقف » 1 : 238 ؛ « شرح المقاصد » : 1 : 259 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 262.
7- انظر المصادر المتقدّمة.

وصعوبة تحصيل المعرفة بأظهر الأشياء - وهو اللّه - ممنوعة ؛ ولهذا قال اللّه تعالى : ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (1) ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ ) (2)ونحو ذلك ، وورد « أنّ العقل ما عبد به الرحمن » (3) وغير ذلك.

ولو سلّمت فهي لا تدلّ على امتناعها مطلقا من دون المعلّم ؛ لحصول المعارف الإلهيّة لمن كان له قلب بالنظر ، ولغيره إذا ألقى السمع وهو شهيد.

وقد ألزمهم المعتزلة والأشاعرة (4) الدور والتسلسل ؛ لتوقّف العلم بتصديق اللّه تعالى إيّاه بواسطة المعجزة على معرفة اللّه ، فلو توقّفت معرفة اللّه تعالى عليه دار ؛ ولأنّ احتياج كلّ عارف إلى معلّم يستلزم حاجة المعلّم إلى آخر ويتسلسل.

وهذان الإلزامان ضعيفان ؛ لأنّ الدور لازم على تقدير استقلال المعلّم بتحصيل المعارف ، وليس كذلك ، بل هو مرشد إلى استنباط الأحكام من الأدلّة التي من جملتها ما يدلّ على صدقه من المقدّمات ، بمعنى أنّه يحصل العلم بصدق المعلّم بوضع المعلّم مقدّمات منبّهة للعقل ، فيكون موقوفا عليهما ، ومعرفة اللّه موقوفة على إخباره والعلم بصدقه ، فلا دور.

والتسلسل يلزم لو وجب مساواة عقل المعلّم لعقولنا ، أمّا على تقدير الزيادة فلا ، فإنّ كمال عقله بتأييد اللّه يقتضي استقلاله وعدم احتياجه إلى غيره ، مضافا إلى احتمال الانتهاء إلى النبيّ العالم بالوحي ونحوه.

قال : ( نعم ، لا بدّ من الجزء الصوري ).

أقول : يشير بذلك إلى ترتيب المقدّمات ، فإنّه لا بدّ - بعد حضور المقدّمتين في الذهن - من ترتيب حاصل بينهما ، ليحصل العلم بالنتيجة ، وهو الجزء الصوري

ص: 438


1- الأنبياء (21) : 67 ؛ المؤمنون (23) : 80.
2- لقمان (31) : 25 ؛ الزمر (39) : 38.
3- « الكافي » 1 : 11 من كتاب العقل والجهل ، ح 3 ؛ « معاني الأخبار » : 239.
4- « المحصّل » : 127 ؛ « شرح المواقف » 1 : 238 - 239 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 259 - 260.

للنظر ؛ إذ لو لا اشتراط الترتيب - بأن كان العلم بالمقدّمات مطلقا كافيا - لحصلت العلوم الكسبيّة لجميع العقلاء ولم يقع خلل لأحد في اعتقاده ، وليس كذلك ؛ فإنّ كثيرا من العقلاء يعلمون مقدّمات كثيرة ولا شعور لهم بالنتيجة ؛ لفقدان الترتيب.

وقيل (1) : لا حاجة إليه ، وإلاّ لزم التسلسل أو اشتراط الشيء بنفسه.

وهو خطأ ؛ فإنّ التسلسل يلزم لو قلنا بافتقار كلّ زائد إلى ترتيب ، وليس كذلك ، بل المفتقر إلى الترتيب إنّما هو الأجزاء المادّية خاصّة.

قال : ( وشرطه عدم الغاية وضدّها ، وحضورها ).

أقول : الظاهر أنّ المراد أنّ شرط النظر عدم العلم بالمطلوب الذي هو غاية النظر ، وإلاّ لزم تحصيل الحاصل.

وأمّا ما يصدر من العقلاء من إيراد أدلّة متعدّدة فهو في الظنّيّات ، لحصول زيادة قوّة ظنّ الظانّ ، وفي العلميّات لزيادة الاطمئنان.

ويشترط أيضا عدم ضدّها ، أعني الجهل المركّب ؛ لأنّه اعتقاده حصول العلم له لا يطلبه ، فلا يتحقّق النظر.

ويشترط أيضا حضورها والشعور بها ، بمعنى حضور المطلوب الذي هو الغاية ؛ إذ الغافل عن الشيء لا يطلبه ؛ لامتناع طلب المجهول مطلقا ، والنظر فرع الطلب.

ولا يخفى أنّ ما ذكره المصنّف إنّما يتمّ بحسب الغالب ، وإلاّ فقد يرتّب الجاهل مقدّمات منتجة لما هو الحقّ المخالف لمعتقده أو ما لم يكن ملتفتا إليه.

قال : ( ولوجوب ما يتوقّف عليه العقليّان ، أو انتفاء ضدّ المطلوب على تقدير ثبوته كان التكليف به عقليّا ).

أقول : اختلف الناس في أنّ وجوب النظر في معرفة اللّه ، والتكليف به ، هل هو عقليّ أو سمعيّ؟

ص: 439


1- القائل هو الفخر الرازي في « المحصّل » : 138 - 139 ، ولمزيد التوضيح انظر : « نقد المحصّل » : 63 ؛ « مناهج اليقين » : 113 ؛ « شرح المواقف » 1 : 285 - 288 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 240 وما بعدها.

فذهب المعتزلة (1) إلى الأوّل ، وهو مختار المصنّف ، وهو الحقّ. والأشاعرة (2) إلى الثاني.

أمّا المصنّف والمعتزلة فاستدلّوا على وجوب النظر عقلا بوجهين (3) :

الأوّل : أنّ معرفة اللّه تعالى - التي يتوقّف عليها شكره ودفع الضرر الواجبان عقلا - واجبة مطلقا ، ولا تتمّ إلاّ بالنظر ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به واجب ، فالنظر واجب ، فها هنا ثلاث مقدّمات :

إحداها : أنّ معرفة اللّه تعالى واجبة مطلقا والدليل على ذلك :

أوّلا : أنّ معرفة اللّه دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف وغيره ، ودفع الخوف والضرر عن النفس واجب عقلا.

وثانيا : أنّ شكر اللّه تعالى واجب عقلا ؛ لأنّ نعمه على العبد كثيرة فإنّ كلّ عاقل إذا راجع نفسه يرى أنّ عليه نعما ظاهرة وباطنة ، أصليّة وفرعيّة ، دقيقة وجليلة ، روحانيّة وجسمانيّة من الوجود والحياة والإدراك والمآكل والمشارب والملابس والمساكن ونحوها ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها ) (4) ولا شكّ أنّها ليست منه ، فهي من غيره ، فإن لم يلتفت إلى منعمه ولم يعترف له بكونه منعما ذمّه العقلاء ، وإلاّ مدحوه ، وهذا معنى الوجوب العقلي ، فيكون الشكر واجبا عقلا.

مضافا إلى أنّ عدم الشكر موجب لاستحقاق سلب النعم ، وهو ضرر على النفس ، ودفع الضرر واجب عقلا ، فالمقدّمتان ضروريّتان ، والشكر لا يتمّ إلاّ

ص: 440


1- انظر : « المغني » 12 : 236 وما بعدها ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 66 - 69 ؛ ونقل عنهم في « المحصّل » : 134 و « شرح المواقف » 1 : 251 و « شرح المقاصد » 1 : 262.
2- انظر : « المحصل » : 134 - 136 ؛ « شرح المواقف » 1 : 251 - 275 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 262 - 270 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 264 - 268.
3- راجع المصادر المتقدّمة و « مناهج اليقين » : 109 - 111 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » 109 - 111 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 9 - 11.
4- إبراهيم (14) : 34 ؛ النحل (116) : 18.

بالمعرفة ضرورة.

الثانية : أنّ معرفة اللّه لا تتمّ إلاّ بالنظر ، وذلك قريب من الضرورة ؛ إذ المعرفة ليست ضروريّة قطعا ، فهي كسبية ولا كاسب سوى النظر ؛ إذ التقليد يستند إليه.

الثالثة : أنّ ما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به فهو واجب ، وإلاّ لخرج الواجب المطلق عن كونه واجبا أو لزم التكليف بما لا يطاق ؛ لأنّ الشرط إذا لم يكن واجبا جاز تركه ، فحينئذ إمّا أن يجب على المكلّف المشروط أو لا ، والثاني يلزم منه خروجه عن كونه واجبا مطلقا. والأوّل يلزم منه التكليف بما لا يطاق ؛ إذ وجوب المشروط حال عدم الشرط إيجاب لغير المقدور ، وهو محال.

فإن قلت : مقتضى ما ذكر كون النظر واجبا توصّليّا من باب المقدّمة ، لا تأصّليّا وأصليّا من قبيل ذي المقدّمة.

قلت : مقدّمات الواجبات العقليّة واجبات عقليّة تأصّليّة ؛ لانتفاء التبعيّة.

نعم ، مقدّمات الواجبات النقليّة واجبات عقليّة توصّليّة ، لا تأصّليّة وأصليّة.

فثبت أنّ وجوب النظر عقليّ ، ولا يجب سمعا خاصّة.

الثاني (1) : أنّ النظر واجب بالاتّفاق ، فوجوبه إمّا عقلي أو نقلي. ولا سبيل إلى الثاني ؛ فإنّه لو كان واجبا شرعيا لما كان واجبا ، فيلزم من وجوبه عدمه ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : أنّ النظر إذا لم يجب إلاّ بالسمع لزم إفحام الأنبياء ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله إذا جاء إلى المكلّف وأمره باتّباعه ، لم يجب على المكلّف الامتثال حتّى يعلم صدقه ، ولا يعلم صدقه إلاّ بالنظر ، فإذا امتنع المكلّف من النظر حتّى يعرف وجوبه عليه ، لم يجب استناد الوجوب إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ لعدم العلم بصدقه حينئذ ، ولا وجوب عقلي ، فينتفي الوجوب على تقدير القول بالوجوب السمعي.

ص: 441


1- أي الوجه الثاني الذي استدلّ به المعتزلة على وجوب النظر عقلا.

إذا عرفت هذا ، فنقول : قوله : « لوجوب ما يتوقّف عليه العقليّان » أشار بلفظة « ما » إلى المعرفة.

و « العقليان » أشار به إلى وجوب الشكر ووجوب دفع الخوف عن النفس.

وقوله : « وانتفاء ضدّ المطلوب على تقدير ثبوته » يشير به إلى انتفاء الوجوب السمعي ، الذي هو ضدّ المطلوب ؛ لأنّ المطلوب هو الوجوب العقلي ، وضدّه الوجوب السمعي.

وقوله : « على تقدير ثبوته » يعني لو فرض كون الوجوب سمعيّا ، لم يكن واجبا.

وأمّا الأشاعرة (1) فقد احتجّوا بوجهين :

الأوّل : قوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (2) فإنّه نفى التعذيب الدنيوي والأخروي بدون البعثة ، فلا يكون النظر واجبا قبلها ، وإلاّ لزم استحقاق العذاب بتركه قبلها.

الثاني : أنّه لو وجب النظر فلا يكون لا لفائدة ؛ للزوم العبث ، ولا لفائدة عائدة إلى اللّه تعالى ؛ لتعاليه عنها ، فيكون لفائدة عائدة إلى العبد : فإمّا لفائدة عاجلة والواقع يقابلها ؛ لحصول المشقّة ، أو آجلة وحصولها ممكن بدون النظر مع عدم استقلال العقل فيها ، مضافا إلى أنّ شكر العبد - المتوقّف على النظر - بالنظر إلى نعم اللّه كالاستهزاء ، فتوسّط النظر عبث ، كما إذا لم يكن لفائدة.

ثمّ قالوا : ما ألزمتمونا من إفحام الأنبياء على تقدير الوجوب السمعي لازم لكم على تقدير الوجوب العقلي ؛ لأنّ وجوب النظر وإن كان عقليّا إلاّ أنّه كسبيّ ، فالمكلّف إذا جاءه النبيّ صلی اللّه علیه و آله وآله وأمره باتّباعه ، كان له أن يمتنع حتّى يعرف صدقه ، ولا يعرفه إلاّ بالنظر ؛ إذ لا يجب عليه بالضرورة ، بل بالنظر ، فقبل النظر لا يعرف

ص: 442


1- انظر : « المحصّل » : 134 ؛ « شرح المواقف » 1 : 251 - 275 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 262 - 270 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 264 - 268.
2- الإسراء (17) : 15.

وجوبه ، فله أن يقول : لا أنظر حتّى أعرف وجوب النظر ، وذلك يستلزم الإفحام أيضا.

والجواب عن الأوّل : أنّ خلق العباد لمّا كان لغرض عائد إليهم - وهو إيصال النعيم الأبدي الأخروي كما سيأتي ، ولا يصحّ ذلك إلاّ بالقابليّة الموقوفة على الطاعة ، الموقوفة على التكليف ، الموقوف على بعث الرسل ؛ لعدم استعداد الكلّ للتلقّي من اللّه تعالى بلا واسطة - كان التكليف لازما لإيجاد الخلق ، فيكون بعث الرسول أيضا لازما ، فبدونه لا يكون تكليف شرعي متفرّع عليه التعذيب الأخروي بسبب الترك ؛ لعدم كفاية مجرّد معرفة اللّه الواجبة عقلا لذمّ تاركها.

والحاصل : أنّ التعذيب من لوازم الوجوب النقلي لا العقلي ، فنفيه ينفي الوجوب النقلي لا العقلي.

وكون العقل والنقل متطابقين إنّما هو بعد ثبوت المعرفة وتحقّق النقل لا قبلها ، فيبقى وجوب النظر عقلا - بمعنى مدح فاعله وذمّ تاركه - على حاله.

ويمكن الجواب أيضا بالتخصيص ، وهو حمل نفي التعذيب المتوقّف على الرسالة على نفي التعذيب الذي يكون من جهة ترك التكليف السمعي ، أو تعميم الرسول ليعمّ الرسالة بالعقل ؛ جمعا بين الأدلّة.

وعن الثاني : أنّ الفائدة عاجلة وهي زوال الخوف ، أو آجلة هي نيل الثواب بالمعرفة التي لا يمكن الابتداء به في الحكمة.

وعن الثالث : أنّ وجوب النظر وإن كان نظريّا إلاّ أنّه فطري القياس ، فكان اللازم - وهو الإفحام - لازما على الأشاعرة دون الإمامية والمعتزلة.

قال : ( وملزوم العلم دليل ، والظنّ أمارة ).

أقول : لمّا كان النظر متعلّقا بما يستلزم العلم من الاعتقادات أو الظنّ ، وجب البحث عن المتعلّق ، فالمستلزم للعلم يسمّى دليلا ، والمستلزم للظنّ يسمّى أمارة ، فالمعنى أنّ النظر الذي هو ملزوم العلم ويكون العلم لازمه وحاصله يسمّى دليلا ،

ص: 443

والنظر الذي هو ملزوم الظنّ ويكون الظنّ حاصله يسمّى أمارة.

وقد يقال الدليل على الأعمّ.

وقد يقال على معنى أخصّ من المذكور ، وهو الاستدلال بالمعلول على العلّة.

قال : ( وبسائطه عقليّة ومركّبة ؛ لاستحالة الدور ).

أقول : المراد أنّ بسائط النظر وما يتألّف منه ملزوم العلم ، والظنّ يعني مقدّماته ؛ فإنّ الدليل لمّا كان مركّبا من مقدّمتين ، كانت كلّ واحدة من تينك المقدّمتين جزءا بسيطا بالنسبة إلى الدليل وإن كانت مركّبة في نفس الأمر.

وبالجملة ، فالمقدّمتان قد تكونان من الأمور التي هي عقليّة محضة ، كقولنا : « العالم ممكن ، وكلّ ممكن له مؤثّر ». وقد تكونان من الأمور التي هي مركّبة من العقلي والسمعي ، كقولنا : « الوضوء عمل ، كلّ عمل مشروط بالنيّة » لقوله صلی اللّه علیه و آله : « لا عمل إلاّ بالنيّة » (1) ولا يكون التركّب من السمعيّات المحضة وإلاّ لزم الدور ؛ لأنّ السمعي المحض ليس بحجّة إلاّ بعد معرفة صدق الرسول.

وهذه المقدّمة لو استفيدت بالسمع دار ، بل هي عقليّة محضة ، فإذن إحدى مقدّمات النقليّات كلّها عقليّة.

والضابط في ذلك أنّ كلّ ما يتوقّف عليه صدق الرسول لا يجوز إثباته بالنقل ، وكلّ ما يتساوى طرفاه بالنسبة إلى العقل لا يجوز إثباته بالعقل ، وما عدا هذين يجوز إثباته بهما.

قال : ( وقد يفيد اللفظي القطع ).

أقول : المحكيّ عن المعتزلة وجمهور الأشاعرة (2) أنّ الأدلّة اللفظيّة لا تفيد العلم

ص: 444


1- « الكافي » 2 : 84 / 61 من باب النيّة ؛ « الأمالي » للشيخ الطوسي : 590 / 1223 ؛ « الخصال » 1 : 18 / 62 ؛ « عوالي اللآلئ » 2 : 190 / 80 ؛ « وسائل الشيعة » 1 : 46 / 9 الباب 5 من أبواب مقدّمة العبادات.
2- حكى ذلك عنهم الشريف الجرجاني في « شرح المواقف » 2 : 51 والقوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 269. ونسب إلى القيل في « كشف المراد » : 243 و « مناهج اليقين » : 112 و « المواقف » المطبوع ضمن « شرح المواقف » 2 : 51، ونسب إلى الأكثر في « شوارق الإلهام » 2 : 35. ولمزيد الاطلاع حول هذه المسألة راجع «المحصل»: 140 - 143 ؛ «شرح المقاصد» 282:1 - 285.

واليقين ؛ لتوقّفها على أمور كلّها ظنّيّة : اللغة والنحو والتصريف ، وعدم الاشتراك والنقل والتخصيص والإضمار والنسخ والتقديم والتأخير والعارض العقلي.

والحقّ خلاف هذا بالقطع واليقين ؛ فإنّ كثيرا من الأدلّة اللفظيّة يعلم دلالتها على معانيها وما أريد منها قطعا ، وانتفاء هذه المفاسد عنها جزما ، كما في المتواتر والمتظافر.

قال : ( ويجب تأويله عند التعارض ).

أقول : إذا تعارض دليلان نقليّان أو دليل عقليّ ونقليّ ، وجب تأويل النقلي.

أمّا مع تعارض النقلين فظاهر ؛ لامتناع تناقض الأدلّة ، لكون حكم اللّه واحدا ، وكون المخبر معصوما يمتنع عليه الخطأ والافتراء ، فلا بدّ من تأويل أحدهما كما يؤوّل قوله علیه السلام : « الماء يطهّر ولا يطهّر » (1) بأنّ الماء لا يطهّر من غير نوعه أو مع بقائه على حاله كسائر ما يقبل التطهير ؛ لتعارضه مع ما يدلّ على أنّ الماء الطاهر يطهّر كلّ شيء حتّى الماء النجس.

وأمّا مع تعارض العقلي والنقلي فكذلك ، كما في قوله : ( يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (2) و ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) (3) لدلالة الأوّل على كونه تعالى ذا جارحة مخصوصة. والثاني على كونه تعالى جالسا وجسما ، وقد عارضهما الدليل العقلي الدالّ على استحالة التركّب والتجسّم ونحو ذلك في حقّه تعالى ، فتؤوّل اليد على القدرة ، والكون على العرش على الاستيلاء والسلطنة.

وإنّما خصّصنا النقلي بالتأويل ؛ لامتناع العمل بهما وإلغائهما ، والعمل بالنقلي

ص: 445


1- « الكافي » 1 : 1 / 1 من كتاب الطهارة ؛ « تهذيب الأحكام » 1 : 215 / 618 ؛ « الفقيه » 1 : 5 / 2.
2- الفتح (48) : 10.
3- طه (20) : 5.

وإبطال العقلي ؛ لأنّ العقل أصل للنقل ؛ لتوقّف صدقه عليه ، فلو أبطلنا الأصل لزم إبطال الفرع أيضا ؛ فوجب تأويل النقلي وإبقاء الدليل العقلي على مقتضاه.

قال : ( وهو قياس وقسيماه ).

أقول : الضمير في « وهو » عائد إلى ملزوم العلم والظنّ الذي هو الدليل مطلقا.

اعلم أنّ الدليل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قياس ، واستقراء ، وتمثيل. وإلى الأخيرين أشار بقوله : « وقسيماه ».

وذلك ؛ لأنّ الاستدلال إمّا أن يكون بالعامّ على الخاصّ ، وحال الكلّيّ على حال الجزئي ، أو بالعكس ، أو بأحد المتساويين المندرجين تحت عامّ شامل لهما.

والأوّل هو أحد الأدلّة وأشرفها ؛ لإفادته اليقين ، وهو المسمّى بالقياس ؛ أخذا من المحاذاة كأنّ القائس يطلب محاذاة النتيجة للمقدّمتين في العلم.

والثاني : الاستقراء ؛ أخذا من قصد القرى قرية فقرية ، فكان المستدلّ كأنّه بتتبّع الجزئيّات مستقرئ.

والثالث : التمثيل ؛ لتشبيه أحد الجزءين بالآخر.

قال : ( والقياس اقترانيّ واستثنائيّ ).

أقول : القياس لا بدّ أن يكون المطلوب أو نقيضه مذكورا فيه بالفعل أو بالقوّة ، والأوّل يسمّى الاستثنائيّ ، والثاني الاقترانيّ.

مثال الأوّل : « إن كان هذا إنسانا ، فهو حيوان ، لكنّه إنسان » ينتج أنّه حيوان ، فالنتيجة مذكورة بالفعل. أو نقول : « لكنّه ليس بحيوان » ينتج أنّه ليس بإنسان ، فالنقيض مذكور في القياس بالفعل.

ومثال الثاني : « كلّ إنسان حيوان ، وكلّ حيوان جسم » ينتج كلّ إنسان جسم ، وهو مذكور في القياس بالقوّة.

قال : ( والأوّل باعتبار الصورة القريبة أربعة والبعيدة اثنان ).

أقول : المراد أنّ القياس الاقترانيّ له اعتباران :

ص: 446

أحدهما : بحسب مادّته ، أعني مقدّماته.

والثاني : بحسب صورته ، أعني الهيئة والترتيب اللاحقين به العارضين لمجموع المقدّمات ، وهو ما يسمّى باعتباره شكلا.

وهو بهذا الاعتبار على أربعة أقسام كلّ قسم سمّوه شكلا ؛ لأنّ الأوسط إذا كان محمولا في الصغرى موضوعا في الكبرى ، فهو الشكل الأوّل ، كقولنا : « كلّ ج ب وكلّ ب أ ».

وإن كان محمولا فيهما ، فهو الثاني ، كقولنا : « كلّ ج ب ولا شيء من أ ب ».

وإن كان موضوعا فيهما ، فهو الثالث ، كقولنا « كلّ ج ب وكلّ ج أ ».

وإن كان موضوعا في الصغرى محمولا في الكبرى ، فهو الرابع ، كقولنا : « كلّ ج ب وكلّ أ ج ».

وهذه القسمة باعتبار الصورة القريبة ، وأمّا بالنظر إلى الصورة البعيدة فهو ينقسم إلى قسمين : حمليّ وشرطيّ.

والحمليّ : ما كان مركّبا من الحمليّات الصرفة.

والاقترانيّ الشرطيّ : ما كان مركّبا من الحمليّ والشرطيّ أو من الشرطيّات الصرفة.

فالحمليّ كما قلنا.

والشرطي كقولنا : « كلّما كان أ ب ف ج د ، وكلّما كان ج د ف ه ر » ينتج « كلّما كان أ ب ف ه ر ». أو نقول : « كلّما كان أ ب ف ج د ، وليس البتّة إذا كان ه ز ف ج د » أو نقول :

« كلّما كان أ ب ف ج د ، وكلّما كان أ ب ف ه ز » أو نقول : « كلّما كان أ ب ف ج د ، وكلّما كان ه ز ف أ ب ».

قال : ( وباعتبار المادّة القريبة خمسة والبعيدة أربعة ).

أقول : مقدّمات القياس هي المادّة البعيدة له باعتبار مقدّمة مقدّمة ، ومجموعها - لا باعتبار صورة خاصّة وشكل معيّن - هي المادّة القريبة.

ومقدّمات القياس أربعة : مسلّمات ، ومظنونات ، ومشبّهات ، ومخيّلات.

ص: 447

هذا باعتبار المادّة البعيدة ، وأمّا باعتبار المادّة القريبة فأقسام القياس خمسة :

البرهان ، والجدل ، والخطابة ، والسفسطة ، والشعر.

بيان ذلك : أنّ مقدّمات القياس إمّا أن تفيد تصديقا أو تخييلا يجري مجراه. والثاني هو الشعري ، والأوّل إمّا أن يفيد جزما أو ظنّا. والثاني هو الخطابة ، والأوّل إمّا أن يفيد يقينا فهو البرهان ، وإلاّ فإن اعتبر فيه عموم الاعتراف والتسليم فهو الجدل ، وإلاّ فمغالطة.

ومادّة الشعر هي المخيّلات ، ومادّة الخطابة هي المظنونات ، ومادّة المغالطة هي المشبّهات ، ومادّة البرهان والجدل هي المسلّمات ؛ فالصناعات خمس حاصلة من أربع كما أشرنا.

والأولى جعل الموادّ البعيدة أيضا خمسا بجعل مادّة البرهانيّات اليقينيّات ، وجعل مادّة الجدل المسلّمات وما بقي كما ذكر.

وكيف كان فيرد ما في شرح الفاضل القوشجي من أنّه لا اختصاص لهذا التقسيم بالاقتراني ، كما هو ظاهر المتن ، بل الاستثنائي أيضا ينقسم إلى هذه الأقسام (1).

قال : ( والثاني متّصل وناتجه أمران ، وكذا غير الحقيقي من المنفصل ومنه ضعفه ).

أقول : الثاني هو القياس الاستثنائي ، وهو ضربان :

الأوّل : أن تكون مقدّمته الشرطيّة متّصلة ، وينتج منها قسمان :

أحدهما : استثناء عين المقدّم ، فالنتيجة بعين التالي.

والثاني : استثناء نقيض التالي المنتج لنقيض المقدّم.

والثاني : أن تكون منفصلة ، وهو قسمان أيضا :

أحدهما : أن تكون غير حقيقيّة.

والثاني : أن تكون حقيقيّة.

ص: 448


1- راجع « شرح تجريد العقائد » : 270.

فغير الحقيقيّة ضربان :

مانعة الجمع ، وينتج قسمان منها : استثناء عين المقدّم لنقيض التالي ، واستثناء عين التالي لنقيض المقدّم.

ومانعة الخلوّ ، وينتج قسمان منها أيضا : استثناء نقيض المقدّم لعين التالي ، واستثناء نقيض التالي لعين المقدّم.

وأمّا الحقيقيّة فإنّها تنتج أربع نتائج من استثناء عين المقدّم لنقيض التالي وبالعكس ، ومن استثناء عين التالي لنقيض المقدّم ، وبالعكس.

فالمعنى أنّ القياس الاستثنائي المتّصل ينتج من أقسامه قسمان ، والقياس الاستثنائي المنفصل بالانفصال غير الحقيقي بقسميه ينتج من أقسامه أيضا قسمان.

وأمّا القياس الاستثنائي من المنفصل الحقيقي فينتج أربع نتائج ، فتدبّر.

قال : ( والأخيران يفيدان الظنّ ، وتفاصيل هذه الأشياء مذكورة في غير هذا الفنّ ).

أقول : يريد ب- « الأخيران » الاستقراء والتمثيل ، وهما يفيدان الظنّ لا العلم ؛ فإنّ الاستقراء إن كان تامّا بتصفّح جزئيّات الكلّيّ بتمامها ، كان راجعا إلى القياس الاقتراني المسمّى بالقياس المقسّم ، كما يقال : « كلّ عدد إمّا زوج أو فرد ، وكلّ زوج هو يعدّه الواحد وكذا كلّ فرد » فينتج أنّ العدد يعدّه الواحد ، فيفيد اليقين.

فلا يقدح كونه مفيدا للعلم فيما ذكره المصنّف وإن كان ناقصا ، كما هو المتبادر عند الإطلاق ، فلا يفيد إلاّ الظنّ.

نعم ، إذا انضمّ إليه الحدس الصائب أفاد القطع وهو ليس بنفسه.

وأمّا التمثيل فهو إلحاق جزئيّ بجزئيّ في حكمه ؛ لاشتراكهما في جامع مستنبط بالسبر والتقسيم أو الدوران.

وهذا لا يفيد إلاّ الظنّ ؛ إذ يحتمل عدم كون الجامع علّة أو تكون خصوصيّة الأصل شرطا ، أو خصوصيّة الفرع مانعة أو نحو ذلك.

واعلم أنّ تفاصيل هذه الأشياء وبيان شرائطها مذكورة في علم المنطق ، وإنّما

ص: 449

ساق الكلام إليه هاهنا ، فلا وجه لإيراد أزيد ممّا ذكر هاهنا.

قال : ( والتعقّل والتجرّد متلازمان ؛ لاستلزام انقسام المحلّ انقسام الحالّ فإن تشابهت عرض الوضع للمجرّد ، وإلاّ تركّب ممّا لا يتناهى ).

أقول : هذه المسألة وما بعدها من تتمّة مباحث التعقّل ، وقد ادّعى هاهنا أنّ التعقّل والتجرّد متلازمان ، يعني أنّ كلّ عاقل مجرّد وكلّ مجرّد عاقل.

أمّا الأوّل فاستدلّ عليه - مضافا إلى ما تقدّم - بأنّ التعقّل عبارة عن إدراك شيء لم تعرضه العوارض الجزئيّة التي تلحق بسبب المادّة في الوجود الخارجي من الكمّ والكيف ونحوهما ، وهو إنّما يكون بارتسام صورة المعقول في العاقل من حيث ذاته ، فهي مجرّدة ، وكلّ ما هو محلّ للصورة المعقولة فهو مجرّد ؛ لأنّه لو كان مادّيّا لكان منقسما ، وانقسام المحلّ يستدعي انقسام الحالّ ، إذ الحالّ إمّا أن يحلّ بتمامه في جزأي المحلّ أو في أحد جزأيه ، أو لا يحلّ في شيء منه :

والأوّل يلزم منه الانقسام ؛ إذ الحالّ في أحد الجزءين غير الحالّ في الآخر.

والثاني يفيد المطلوب مع أنّه خلاف الفرض.

والثالث خلاف الفرض.

فالصورة على هذا التقدير تكون منقسمة ، فانقسامها إمّا إلى أجزاء متشابهة في الحقيقة ، وحينئذ يلزم عروض الوضع والمقدار للصورة المعقولة التي فرضناها مجرّدة عن اللواحق المادّيّة من الوضع وغيره ، وهو محال ، أو إلى أجزاء متخالفة فيلزم تركيب الصورة من أجزاء غير متناهية بالفعل ؛ لأنّ المحلّ لكونه مادّيّا يقبل القسمة إلى غير النهاية ، فالحالّ يكون كذلك ، والفرض أنّ الأجزاء متخالفة في الحقيقة ، فلا بدّ أن تكون حاصلة بالفعل ، وهذا محال كما سبق.

ويرد عليه ما سبق في مبحث تجرّد النفس.

قال : ( ولاستلزام التجرّد صحّة المعقوليّة ، المستلزمة لإمكان المصاحبة ).

أقول : هذا دليل الحكم الثاني ، وهو أنّ كلّ مجرّد عاقل.

ص: 450

وتقريره : أنّ كلّ مجرّد فإنّه يصحّ أن يكون معقولا بالضرورة ؛ إذ العائق عن التعقّل إنّما هو المادّة لا غير ، والمجرّد لا يحتاج إلى عمل يعمل به حتّى يعقل ، فإن لم يعقل ، كان ذلك من جهة العاقل ، وكلّ ما يصحّ أن يكون معقولا وحده صحّ أن يكون معقولا مع غيره ، وهو قطعيّ ، فإذن كلّ مجرّد فإنّه يصحّ أن يقارنه غيره ، وكلّ ما يصحّ أن يكون مقارنا لغيره فإذا وجد في الخارج ، تصحّ مقارنته لذلك الغير ؛ لتقدّم صحّة المقارنة المطلقة على المقارنة في العقل ؛ لتقدّم استعداد الكلّيّ على الجزئيّ. وصحّة المقارنة المطلقة غير متوقّفة على المقارنة في العقل ، وإلاّ يلزم الدور ، فإذا وجد مجرّد قائم بذاته ، تكون صحّة مقارنته بأن يحصل الغير فيه حصول الحالّ في المحلّ ؛ لامتناع حلوله فيه مع فرض كونه قائما بذاته ، وكذا حلولهما في ثالث ، والحصول على وجه الحلول معنى التعقّل ، فكلّ مجرّد يصحّ له التعقّل ، وصحّة تعقّله تستلزم صحّة تعقّل أنّه يعقل الغير ، وذلك يستلزم تعقّل ذاته ؛ لأنّ تعقّل الحكم والنسبة الحكميّة تستلزم تعقّل المحكوم عليه ، فكلّ مجرّد يصحّ أن يكون عاقلا لذاته فيجب ذلك ؛ لأنّ تعقّله لذاته إمّا بحصول نفسه أو بحصول مثاله ، والثاني باطل ؛ لاستلزامه اجتماع المثلين ، فتعيّن كونه بحصول نفسه ، ونفسه حاصلة دائما غير غائبة عنه ، فيكون التعقّل دائما ؛ لوجود المقتضي وفقد المانع ، فثبت أنّ كلّ مجرّد عاقل.

واعترض (1) عليه - مضافا إلى إمكان قصر المسافة بإمكان تعقّله لذاته بالضرورة ، المستلزم لتعقّله بالفعل كما مرّ - بإمكان كون خصوصيّة ذات المجرّد مانعة ، كما يقال في كنه ذات الواجب تعالى. وبأنّ تقدّم المقارنة المطلقة - بإطلاق القيد - لا يستلزم

ص: 451


1- المعترض هو الفخر الرازي ، كما في « شرحي الإشارات » 1 : 170 - 173 ، ولمزيد الاطّلاع حول هذه المسألة انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 : 491 - 494 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 385 - 391 ؛ « نهاية المرام » 2 : 200 - 215 ؛ « شرح المواقف » 7 : 257 - 260 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 360 - 362 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 271 - 273 ؛ « شوارق الإلهام » : 439.

تقدّم المقارنة المطلقة - بقيد الإطلاق - حتّى يصحّ تقدّم المقارنة الخارجيّة ، مع منع كون هذا الكلّيّ ذاتيّا ، ومنع استلزام إمكان التعقّل إمكان أن يعقل أنّه يعقل.

المسألة الثالثة والعشرون : في أحكام القدرة.

قال : ( ومنها القدرة ، وتفارق الطبيعة والمزاج بمقارنة الشعور والمغايرة في التابع ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن العلم شرع في البحث عن القدرة.

وأشار بقوله : « ومنها » إلى كونها من الكيفيّات النفسانيّة ؛ لأنّها صفة قائمة بذوات الأنفس.

واعلم أنّ الجسم - من حيث هو - غير مؤثّر ، وإلاّ لتساوت الأجسام في ذلك ، وإنّما يؤثّر باعتبار صفة قائمة به ، فالصفة المؤثّرة إمّا أن تؤثّر مع الشعور أو بدونه ، وعلى كلا التقديرين إمّا أن يتشابه التأثير أو يختلف ، فالأقسام أربعة :

أحدها : الصفة المقترنة بالشعور المتّفقة في التأثير ، وهي القوّة الفلكيّة.

الثانية : المقترنة بالشعور المختلفة في التأثير ، وهي القوّة الحيوانيّة ، أعني القدرة التي يأتي البحث عن أحكامها.

الثالثة : الصفة المؤثّرة غير المقترنة بالقصد والشعور المتّحدة في التأثير ، وهي الطبيعة.

الرابعة : الصفة المؤثّرة غير المقترنة بالشعور المختلفة في التأثير ، وتسمّى النفس النباتيّة.

إذا عرفت هذا ، فنقول : القدرة صفة مؤثّرة على وفق الإرادة في الأفعال المتعدّدة ، وهي مغايرة للطبيعة والمزاج.

أمّا الأوّل : فلوجوب اقترانها بالشعور ، بخلاف الطبيعة.

وأمّا الثاني : فلأنّ المزاج كيفيّة متوسّطة بين الحرارة والبرودة ، فتكون من

ص: 452

جنسهما فتكون تابعة ، أعني تأثيره من جنس تأثيرهما.

وأمّا القدرة فإنّ تأثيرها مضادّ لتأثيرهما.

وإلى هذا أشار بقوله : « والمغايرة في التابع » ففي الكلام لفّ ونشر مرتّب مع احتياج قوله : « في التابع » إلى التكلّف ، كما لا يخفى.

قال : ( مصحّحة للفعل بالنسبة ).

أقول : القدرة صفة تقتضي صحّة الفعل من الفاعل لا إيجابه ؛ فإنّ القادر هو الذي يصحّ منه الفعل والترك معا فلو اقتضت الإيجاب لزم المحال ، وهو اجتماع الضدّين في الوجود.

ومعنى قوله : « بالنسبة » أي باعتبار نسبة الفعل إلى الفاعل ، وذلك لأنّ الفعل صحيح في نفسه لا يجوز أن يكون للقدرة مدخل في صحّته الذاتيّة ؛ لأنّ الإمكان للممكن واجب ، أمّا نسبته إلى الفاعل فجاز أن تكون معلّلة بالقدرة.

هذا هو الذي فهمناه من قوله : « بالنسبة ».

قال : ( وتعلّقها بالطرفين على السواء ).

أقول : المشهور (1) من مذهب الحكماء والمعتزلة والإماميّة أنّ القدرة متعلّقة بالضدّين.

وقالت الأشاعرة (2) : إنّما تتعلّق بطرف واحد ؛ لأنّ القدرة عندهم مع الفعل لا قبله ، فلا تتعلّق بالضدّين ، وإلاّ يلزم اجتماعهما ؛ لوجوب مقارنتهما لتلك القدرة المتعلّقة بهما.

ص: 453


1- انظر : « نقد المحصّل » : 167 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 397 وما بعدها وفيه نسب هذا القول إلى الثانية من فرقتي الأشاعرة ، ونقله في « شرح المواقف » 6 : 102 و « شرح المقاصد » عن أكثر المعتزلة ؛ « نهاية المرام » 2 : 261 - 267 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 131 ؛ « إرشاد الطالبين » : 96.
2- « المحصّل » : 254 - 255 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 506 - 507 ؛ « شرح المواقف » 6 : 102 - 106 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 357 - 360 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 273 - 274.

وفيه نظر ؛ لأنّ القدرة هي مبدأ الأفعال المختلفة بحيث متى انضمّت إليها إرادة أحد الضدّين حصل ذلك الضدّ ، ومتى انضمّت إليها إرادة الضدّ الآخر حصل ذلك الآخر ، ولا شكّ أنّ نسبتها إلى الضدّين على السواء ، وإلاّ لم يكن بين القادر والموجب فرق.

قال : ( وتتقدّم الفعل ؛ لتكليف الكافر ، وللتنافي ، وللزوم أحد المحالين لولاه ).

أقول : المراد أنّ القدرة قبل الفعل ، كما عن الحكماء والمعتزلة (1).

وقالت الأشاعرة (2) : إنّها مقارنة للفعل.

والضرورة قاضية ببطلان هذا المذهب ؛ فإنّ القاعد يمكنه القيام قطعا.

والأشاعرة بنوا مقالتهم على أصل لهم - سيأتي بطلانه - وهو أنّ العرض لا يبقى.

ثمّ إنّ المعتزلة استدلّوا على مقالتهم بوجوه ثلاثة (3) :

الأوّل : أنّ القدرة لو لم تتقدّم الفعل قبح تكليف الكافر ، والتالي باطل بالإجماع ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّ التكليف بما لا يطاق قبيح ، فلو لم يكن الكافر متمكّنا من الإيمان حال كفره ، لزم التكليف بما لا يطاق وهو غير واقع ؛ لقوله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (4).

الثاني : أنّه لو لم تكن القدرة قبل الفعل لزم التنافي.

ص: 454


1- « الشفاء » الإلهيّات : 176 وما بعدها ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 396 وما بعدها ، والإماميّة قالت : إنّ القدرة متقدّمة على الفعل ، كما في « نهاية المرام » 2 : 248 ؛ « مناهج اليقين » : 79 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 1290 ؛ « إرشاد الطالبين » : 95.
2- « المباحث المشرقيّة » 1 : 505 - 506 ؛ « المحصّل » : 353 ؛ « شرح المواقف » 6 : 88 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 2 : 354 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 374.
3- لمزيد الاطّلاع حول أدلّة المعتزلة انظر : « شرح الأصول الخمسة » : 396 ؛ « المحصّل » : 253 - 254 ؛ « نهاية المرام » 2 : 250 - 255 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 129 - 130 ؛ « شرح المواقف » 6 : 93 - 98 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 355 - 357 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 274 - 275.
4- البقرة (2) : 286.

وبيان الملازمة : أنّ القدرة محتاج إليها لإخراج الفعل من العدم إلى الوجود ، وكونها مع الفعل لا قبله يلزمه أن يستغنى عنها ؛ لأنّه حال وجود الفعل صار الفعل موجودا فلا حاجة إليها ، مع أنّ الفعل إنّما يخرج بالقدرة.

وإلى هذا أشار بقوله : « وللتنافي ».

الثالث : أنّه لو لم تكن القدرة متقدّمة لزم إمّا حدوث قدرة اللّه تعالى ، أو قدم الفعل والعالم ؛ ضرورة عدم انفكاك أحدهما عن الآخر.

والقسمان محالان ؛ لأنّ قدرة اللّه عين ذاته تعالى ، وحدوثها يستلزم حدوث الواجب ، وهو محال بالبديهة. وعلى تقدير الزيادة يلزم نقيض الواجب ، وهو أيضا محال مناف لوجوب الوجود ، وكذا قدم العالم ؛ لما مرّ وسيأتي ، فالمقدّم باطل.

وإلى هذا أشار بقوله : « وللزوم أحد المحالين لولاه » أي لو لا التقدّم.

قال : ( ولا يتّحد وقوع المقدور مع تعدّد القادر ).

أقول : المراد أنّه لا يمكن وقوع المقدور الواحد بقادرين مستقلّين ؛ لما مرّ من امتناع اجتماع علّتين مستقلّتين في معلول واحد شخصيّ.

والدليل عليه أنّه لو وقع بهما لزم استغناؤه بكلّ واحد منهما حال حاجته إليه ، وهو باطل بالضرورة.

ويمكن تعلّق القادرين بمقدور واحد بأن يكون ذلك الشيء مقدورا لكلّ واحد منهما وإن لم يقع إلاّ بأحدهما ؛ ولهذا قال : « ولا يتّحد وقوع المقدور » ولم يقل : ولا يتّحد المقدور.

ومن زعم أنّ القدرة قد تكون كاسبة لا مؤثّرة (1) ، فقد جوّز اجتماع قدرتين : كاسبة ومؤثّرة على مقدور واحد بكون الكاسبة متعلّقة من غير تأثير.

وهو باطل ؛ لما سبق.

ص: 455


1- زعمه الأشعري وأصحابه ، على ما في « شرح المواقف » 6 : 84 - 86 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 358 - 360 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 275.

قال : ( ولا استبعاد في تماثلها ).

أقول : ذهب قوم من المعتزلة (1) إلى أنّ أفراد القدرة مختلفة. وهو مبنيّ على أصل لهم ، وهو : أنّه لا تجتمع قدرتان لقادر واحد على مقدور واحد ، وإلاّ لأمكن اتّصاف ذاتين بهما ، فيجتمع على المقدور الواحد قادران ، وهو محال ؛ لما مرّ.

وإذا ثبت امتناع اجتماع قدرتين على مقدور [ واحد ] (2) ثبت اختلاف القدرة ، بمعنى أنّ قدرة شخص على مقدور يمتنع أن تكون متماثلة لقدرة الآخر ؛ لأنّ التماثل في المتعلّق يستلزم اتّحاد المتعلّق ؛ لاتّحاد الاقتضاء.

ونحن لمّا جوّزنا تعلّق القادرين بمقدور واحد اندفع هذا الدليل ، وحينئذ يجوز وقوع التماثل فيها كغيرها من الأعراض ؛ لأنّ حال القدرتين كحال القادرين ، فيجوز تعلّقهما بمقدور واحد شخصيّ تبادلا لا تناولا ، فإذا وقع بإحداهما امتنع أن يقع بالأخرى ؛ لما سبق.

قال : ( وتقابل العجز تقابل الملكة والعدم ).

أقول : هذا إشارة إلى بيان ما هو الحقّ فيما اختلفوا فيه من أنّ التقابل بين القدرة والعجز تقابل التضادّ أو تقابل العدم والملكة ؛ إذ العجز عند الأوائل وبعض المعتزلة (3) - على ما حكي - عدم القدرة عمّا من شأنه أن يكون قادرا ، فهو عدم ملكة القدرة.

وذهب الأشعريّة وجمهور المعتزلة (4) - على ما حكي - إلى أنّه معنى يضادّ القدرة ؛

ص: 456


1- انظر : « مناهج اليقين » 82 - 83 ؛ « شرح المواقف » 6 : 119 - 120 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 276 ؛ « شوارق الإلهام » : 446.
2- الزيادة أضفناها من « كشف المراد ».
3- نقل عن أبي هاشم والأصمّ في « شرح المواقف » 6 : 106 ، وعن أبي هاشم في « شرح المقاصد » 2 : 361 و « شرح تجريد العقائد » : 276.
4- نقل عن الأشاعرة فقط في « المحصّل » : 255 ، وعنهم وعن جمهور المعتزلة في « شرح المواقف » 6 : 106 ، وعن بعض المعتزلة في « شرح الأصول الخمسة » : 430 ، وعن الأشاعرة وأبي عليّ وأبي هاشم في أحد أقواله في « مناهج اليقين » : 85.

لأنّه ليس جعل العجز عدما للقدرة أولى من العكس.

وهو خطأ ؛ لأنّه لا يلزم من عدم الأولويّة عندهم عدمها في نفس الأمر ، ولا من عدمها في نفس الأمر ثبوت معنى وجوديّ للعجز ، بل الحقّ - كما اختاره المصنّف رحمه اللّه - أنّه عرض عدميّ مقابل القدرة.

أمّا كونه عرضا : فللتفرقة الضروريّة بين الزمن والممنوع من القيام.

وأمّا كونه عدميّا فلأنّ المعقول من القدرة هو التمكّن أو ما هو علّة له ، ومن العجز عدمه.

قال : ( وتغاير الخلق لتضادّ أحكامهما ، والفعل ).

أقول : الخلق ملكة نفسانيّة تصدر بها عن النفس أفعال بسهولة من غير سابقة فكر ورويّة ، فهو مغاير للقدرة ؛ لتضادّ أحكامها ؛ لأنّ القدرة تساوي نسبتها إلى الضدّين ، والخلق ليس كذلك ؛ لتعلّقه بالوجود خاصّة ، وتضادّ الحكم يقتضي تضادّ منشئه. وكذا الخلق يغاير الفعل ؛ لأنّ الفعل متعلّقه ، مع أنّه قد يصدر على وجه التكلّف من دون سهولة ، وقد يكون على خلاف مقتضى الخلق ، كالغضب من الحليم الخليق في غير موضعه.

ولا يخفى أنّ هذه العبارة لا تخلو من إيراد ؛ فإنّ قوله : « والفعل » عطف على قوله : « الخلق » نظرا إلى الظاهر ، فيصير المعنى أنّ القدرة تغاير الفعل ، لا أنّ الخلق يغايره.

وفي بعض النسخ هكذا « ويضادّ الخلق القدرة لتضادّ أحكامهما ، والفعل » وعلى هذا لا يرد ما ذكر ، ولكن يرد أنّ تضادّ العرضين مستلزم لتغاير محلّيهما.

والظاهر جواز اجتماعهما في محلّ واحد بالقياس إلى فعل واحد.

اللّهمّ إلاّ أن يكتفى في التضادّ بمجرّد امتناع الاجتماع في الصدق ، أو كون ذلك هو المراد ، فافهم.

ص: 457

المسألة الرابعة والعشرون : في الألم واللذّة.

قال : ( ومنها : الألم واللذّة ، وهما نوعان من الإدراك تخصّصا بإضافة تختلف بالقياس ).

أقول : من الكيفيّات النفسانيّة الألم واللذّة ، ومرجعهما إلى الإدراك ، وهما نوعان منه تخصّصا بإضافة تختلف بالقياس ؛ لأنّ اللذّة عبارة عن إدراك الملائم من حيث هو ملائم ، والألم إدراك المنافر من حيث هو منافر ، فهما نوعان من الإدراك يخصّص كلّ واحد منهما بإضافته إلى الملاءمة والمنافرة ، وهما أمران يختلفان بالقياس إلى الأشخاص ؛ إذ قد يكون الشيء ملائما لشخص ومنافرا للآخر.

وعن الإمام الرازي (1) أنّه لم يثبت أنّ اللذّة نفس إدراك الملائم أو غيره ، وبتقدير المغايرة هل هي معلولة أم لا؟ وبتقدير المعلوليّة هل يمكن حصولها بطريق آخر أم لا؟ وأنّ الألم ليس هو نفس إدراك المنافر ولا هو كاف في حصوله ، كما في سوء المزاج بغلبة الرطوبة ، فتدبّر.

قال : ( وليست اللذّة خروجا عن الحالة الطبيعيّة لا غير ).

أقول : نقل عن محمّد بن زكريّا الطبيب أنّ اللذّة ليست إلاّ العود إلى الحالة الطبيعيّة بعد الخروج عنها (2) ، وهو معنى الخلاص عن الألم ، كالأكل للجوع والجماع لدغدغة شهوة المنيّ.

وفيه : أنّه من أسباب اللذّة ؛ إذ بالعود إلى الحالة الملائمة يحصل إدراكها ؛ فإنّا نجد من أنفسنا حالة نسمّيها باللذّة.

ص: 458


1- « المباحث المشرقيّة » 1 : 516.
2- انظر : « شرح المواقف » 6 : 137 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 366 ؛ « شوارق الإلهام » : 444. ونسب العلاّمة في « نهاية المرام » 2 : 277 هذا الكلام إلى القيل. ولمزيد الاطلاع حول تفسير ذلك راجع «المحصل»: 257؛ «المباحث المشرقية» 512:1 - 513 ؛ «نقد المحصل»: 171؛ «نهاية المرام» 276:2 - 277؛ «كشف المراد»: 351؛ «مناهج اليقين»:121.

وأيضا قد تحصل اللذّة من غير سابقة ألم أو حالة غير طبيعيّة ، كما في مطالعة جمال أو مصادفة مال من غير طلب ولو على الإجمال.

فيرد عليه :

أوّلا : منع أنّ اللّذة دفع الألم.

وثانيا : منع الانحصار فيه.

ولكن في عبارة الكتاب إشكال وخروج عن الصواب ؛ فإنّ الصحيح أن يقول : « إلى » مكان « عن » أو نحو ذلك.

اللّهمّ إلاّ أن تكون « عن » بمعناها ، كما تكون بمعنى « بعد » في قوله تعالى : ( طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) (1) ونحوه.

قال : ( وقد يستند الألم إلى التفرّق ).

أقول : للألم - كما عن الشيخ (2) وغيره (3) - سببان : أحدهما : تفرّق الاتّصال ، فإنّ مقطوع اليد يحسّ بالألم بسبب تفرّق اتّصالها عن البدن.

وقد نازع في ذلك بعض المتأخّرين (4) - على ما حكي - بأنّ التفرّق أمر عدميّ ، فلا يكون علّة للوجوديّ.

ص: 459


1- الانشقاق (84) : 19.
2- « الشفاء » الطبيعيّات 2 : 60 - 61 ؛ « المباحثات » : 69 ، الرقم 97.
3- لغير الشيخ في المقام أقوال : منها : أنّ السبب الذاتي هو تفرّق الاتصال ، نقلا عن جالينوس وأكثر الأطبّاء أو جميعهم والأوائل والمعتزلة أو بعضهم مثل القاضي عبد الجبار. ومنها أنّ السبب الذاتي هو المزاج ، وإليه مال الفخر الرازي وجمع من المتأخّرين. ومنها : أنّ كلاّ منهما يصلح سببا بالذات. انظر : « المغني » ٩ : ١٣٧ و ١٦٠ ؛ ١٣ : ٢٧٢ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٥١٨ ؛ « المحصّل » : ٢٥٨ ؛ « نقد المحصّل » : ١٧١ _ ١٧٢ ؛ « مناهج اليقين » : ١٢١ _ ١٢٢ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ٢٨٧ _ ٢٩٢ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ١٣٨ _ ١٤٤ ؛ « إرشاد الطالبين » : ١٣٠ _ ١٣٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٧٨ _ ٢٧٩ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤٤٤ _ ٤٤٥.
4- هو الفخر الرازي في « المحصّل » : 258.

وفيه نظر ؛ لأنّ التفرّق ليس عدما ، بل المراد الإعدام وإزالة الاتّصال ، وإن كان في العبارة مسامحة.

ولو سلّم فليس عدما محضا ، فجاز التعليل به.

على أنّ التفرّق إنّما كان علّة بالعرض ، فإنّ العلّة بالذات هي سوء المزاج.

الثاني : سوء المزاج المختلف ؛ لأنّ سوء المزاج المتّفق لا يقتضي التألّم.

بيان ذلك : أنّ سوء المزاج قسمان : متّفق ؛ ومختلف.

فالمتّفق مزاج غير طبيعي يرد عليه ولا يبطله ، بل يزيده ويتمكّن فيه بحيث يصير كأنّه المزاج الطبيعي.

والمختلف مزاج غير طبيعيّ يرد عليه ويبطله ولكن يخرجه عن الاعتدال ، وهو المؤلم دون الأوّل ؛ ولهذا يجد صاحب الغبّ (1) التهابا منافرا لا يجده المدقوق.

وممّا ذكرنا يظهر اندفاع ما حكي عن الإمام الرازي (2) من إنكار كون الألم بسبب تفرّق الاتّصال تمسّكا بأنّ من قطع يده بسكّين حديد في غاية الغاية لم يحسّ الألم إلاّ بعد زمان ، وأنّ الغذاء إذا صار جزءا من المغتذي يفرّق اتّصال أجزائه.

قال : ( وكلّ واحد منهما : حسّيّ ، وعقليّ وهو أقوى ).

أقول : يريد قسمة اللذّة والألم بالنسبة إلى الحسّ والعقل ، وذلك أنّ جماعة (3) أنكروا العقليّ منهما.

والحقّ خلافه ؛ لأنّا نلتذّ بالمعارف ، وهي لذّات عقليّة لا تعلّق للحسّ بها ، ونتألّم بفقدانها ، بل هذه اللذّة أقوى من اللذّة الحسّيّة ؛ ولهذا يترك اللذّة الحسّيّة لأجل اللذّة الوهميّة ، فكيف العقليّة.

ص: 460


1- أي صاحب الحمّى التي تجيء يوما وتذهب يوما.
2- انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 : 515 - 516.
3- نسبه في « الإشارات والتنبيهات » إلى الأوهام العامّيّة ، كما في « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 334 ، ونسبه في « شوارق الإلهام » : 445 إلى من هو من أهل الظاهر.

وأيضا فإنّ الحسّ إنّما يدرك ظواهر الأجسام ولا تعلّق له بالأمور الكلّيّة ، والعقل يدرك باطن الشيء ويميّز الذاتيّات والعوارض ، ويفرّق بين الجنس والفصل ، ويكون إدراكه أتمّ فتكون اللذّة فيه أقوى ؛ ولهذا يترك الطلاّب المستلذّات الحسّية الجسميّة بالمطالعة ، ويقول من أدرك مسألة عالية غامضة جليلة : « أين أبناء الملوك تلذّ هذه اللذّة » (1).

المسألة الخامسة والعشرون : في الإرادة والكراهة.

قال : ( ومنها : الإرادة والكراهة ، وهما نوعان من العلم ).

أقول : من الكيفيّات النفسانيّة الإرادة والكراهة ، وهما - عند جماعة ، كالمصنّف وكثير من المعتزلة (2) - نوعان من العلم بالمعنى الأعمّ ، وهو الاعتقاد الراجح ؛ وذلك لأنّ الإرادة عبارة عن اعتقاد النفع بسبب قطعه أو ظنّه بما في الفعل من المصلحة ، والكراهة اعتقاد الضرر بسبب اعتقاد ما فيه من المفسدة.

وقال آخرون (3) : إنّ الإرادة والكراهة زائدتان على هذا العلم مرتّبتان عليه ؛ إذ الإرادة ميل يتعقّب اعتقاد النفع ، والكراهة انقباض يتعقّب اعتقاد الضرر ؛ لأنّا كثيرا ما نعتقد نفعا في شيء ولا نريده.

وعن الأشاعرة (4) أنّ الإرادة قد توجد بدون اعتقاد النفع أو ميل يتبعه ، كما في

ص: 461


1- نقله في « آداب المتعلّمين » ضمن « جامع المقدّمات » 2 : 56 عن محمّد بن الحسن الطوسي.
2- نقله عنهم في « مناهج اليقين » : 171 ؛ « شرح المواقف » 6 : 64 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 279 ؛ « شوارق الإلهام » : 446.
3- أي من المعتزلة ، الذين منهم عبد الجبّار في « المغني » 6 : 8 - 30 و « شرح الأصول الخمسة » ، ونقل عن غيره من المعتزلة في « مناهج اليقين » : 171 ؛ « شرح المواقف » 6 : 64 - 65 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 328 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 277 ؛ « شوارق الإلهام » : 277 ، ونقل الفخر ذلك عن الفلاسفة في « المطالب العالية » 3 : 175.
4- « المطالب العالية » 3 : 175 - 178 ؛ « شرح المواقف » 6 : 67 - 70 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 337 - 338 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 279 ؛ « شوارق الإلهام » : 446.

إرادة الهارب عن السبع سلوك أحد الطريقين المتساويين من دون خطور نفع حتّى يتبعه ميل.

والحقّ أنّ الإرادة قد تطلق ويراد منها العلم بالمصلحة المقتضية لمشيئة الفعل كالكراهة للعلم بالمفسدة المقتضية لمشيئة الترك ؛ ولهذا يقال : إنّ الإرادة عين ذات اللّه تعالى.

وقد تطلق على نفس المشيئة ، ولهذا المعنى يقال : إنّها زائدة ، وهي بهذا المعنى غير العلم بالنفع أو الضرر أو المصلحة أو المفسدة ؛ لأنّا نجد من أنفسنا ميلا إلى الشيء أو عنه مرتّبا على هذا العلم.

وهو يفارق الشهوة ؛ فإنّ المريض يريد شرب الدواء ولا يشتهيه.

قال : ( وأحدهما لازم مع التقابل ).

أقول : المحكيّ عن الشيخ الأشعري وأتباعه (1) أنّ إرادة الشيء نفس كراهة ضدّه ؛ لعدم كونهما مثلين أو ضدّين وإلاّ لامتنع اجتماعهما ، ولا متخالفين وإلاّ لجاز اجتماع كلّ منهما مع ضدّ الآخر ، كالسواد المخالف للحلاوة.

وأجيب (2) بجواز كون المتخالفين متلازمين ، فيمتنع اجتماع الملزوم مع ضدّ اللازم ، وبجواز كون الضدّين ضدّين لأمر واحد ، كالنوم للعلم والقدرة ، فيمتنع اجتماع كلّ مع ضدّ الآخر.

وعن جماعة القول بالتغاير وإن اختلفوا في الاستلزام وعدمه - بمعنى أنّ إرادة الشيء تستلزم كراهة ضدّه المشعور به أم لا - على قولين (3).

والمصنّف اختار القول بالتغاير والاستلزام ، فأفاد أنّ كلاّ من الإرادة والكراهة

ص: 462


1- حكاه عنهم في « شرح المواقف » 6 : 73 - 75 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 341 - 342 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 280.
2- « شرح المواقف » 6 : 75 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 341 - 342 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 280.
3- نسب القول الأوّل إلى القاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي ، والثاني قال به جماعة منهم صاحب المواقف.

لازم للآخر مع تقابل المتعلّقين ؛ فإنّ إرادة أحد المتقابلين لازمة لكراهة المتقابل الآخر لا نفسها ، وبالعكس بشرط الشعور بالمقابل.

ولكن لا يخفى أنّ ذلك يتمّ بالنسبة إلى الترك الذي هو المقابل على وجه الإيجاب والسلب ، لا مطلق الضدّ ، لجواز أن لا يتعلّق بالضدّ كراهة ولا إرادة.

ومن هذا يتفرّع ما في علم الأصول من أنّ الأمر بالشيء عين النهي عن الضدّ ، أو مستلزم له أو لعدم الأمر بالضدّ ، أو ليس عينه ولا ملزومه كما هو الحقّ ، لجواز الميل إلى الشيء وإرادته والأمر به مع الغفلة عن مقابله.

قيل : ويجوز أن يكون معنى قوله : « وأحدهما لازم مع التقابل » أنّ أحدهما لازم للعلم قطعا ؛ إذ المعلوم إمّا أن يشتمل فعله على نوع من المصلحة أو على نوع من المفسدة ، فأحد الأمرين لازم ، لكن لا يلزمه أحدهما بعينه ؛ للتقابل بينهما ، بل اللازم واحد لا بعينه (1) ، فتأمّل.

قال : ( ويتغاير اعتبارهما بالنسبة إلى الفاعل وغيره ).

أقول : الذي يظهر لنا من هذا الكلام أنّ الإرادة والكراهة يتغاير اعتبارهما بالنسبة إلى الفاعل بالإرادة وغيره ؛ وذلك لأنّ الإرادة إن كانت لنفس فعل الفاعل بأن تعلّقت بفعل من أفعال نفسه ، فهي عبارة عن صفة تقتضي تخصيصه بالإيجاد دون غيره من الأفعال في وقت خاصّ دون غيره من الأوقات. وإن كانت لفعل الغير فإنّها لا تؤخذ بهذا المعنى ، بل بمعنى طلب إيجاده وكذا الكراهة.

والذي فسّره به الشارح القوشجي (2) أنّ الإرادة بالنسبة إلى الفاعل الحقيقي - وهو اللّه تعالى - بالقياس إلى فعله تعالى موجبة للمراد بالاتّفاق ، وبالقياس إلى فعل غيره على الاختلاف. وإرادة غيره بالنسبة إلى غيره غير موجبة بالاتّفاق وبالقياس إلى فعل نفسه على نفسه على الاختلاف ، فالأشاعرة وجماعة من المعتزلة (3) قالوا

ص: 463


1- وهو الاحتمال الذي ذكره العلاّمة في « كشف المراد » : 252.
2- « شرح تجريد العقائد » : 282.
3- « المغني » 6 : 84 - 88 ؛ « شرح المواقف » 6 : 66 - 67 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 281 ؛ « شوارق الإلهام » : 447.

بالمقارنة ، وطائفة من قدماء المعتزلة (1) قالوا بكونها موجبة ، بمعنى أنّ المراد إذا خطر بالبال واعتقد نفعه حصل الميل ، ثمّ إذا اشتدّ هذا الاعتقاد حصل العزم. ثمّ اذا اشتدّ حصل الجزم ، فإذا زال التردّد حصل القصد المقارن للفعل.

وعلى هذا القياس حال الكراهة بالنسبة إلى ترك الفعل ، فتأمّل.

قال : ( وقد تتعلّقان بذاتيهما بخلاف الشهوة والنفرة ).

أقول : المراد أنّ الإرادة قد تراد والكراهة قد تكره ، وهذا حكم ظاهر ، لكنّ الإرادة المتعلّقة بالإرادة ليست هي الإرادة المتعلّقة بالفعل ؛ لأنّ اختلاف المتعلّقات يقتضي اختلاف المتعلّقات. أمّا الشهوة والنفرة فلا يصحّ تعلّقهما بذاتيهما ؛ فالشهوة لا تشتهى والنفرة لا ينفر عنها ؛ لأنّ الشهوة والنفرة إنّما تتعلّقان بالمدرك لا بمعنى أنّه يجب أن يكون موجودا ، فقد تتعلّق الشهوة والنفرة بالمعدوم ، وهما غير مدركين ، وكلام المريض : « أشتهي أن أشتهي » مجاز معناه أريد أن أشتهي.

وعن صاحب المواقف (2) أنّ الإرادة إذا فسّرت باعتقاد النفع أو الميل التابع له جاز تعلّقها بنفسها ، وأمّا إذا فسّرت بالصفة المخصّصة لأحد طرفي المقدور بالوقوع فلا يجوز تعلّقها بنفسها ؛ للزوم التسلسل.

والظاهر عدم صدور إرادة الإرادة من العقلاء وغيرهم ؛ فأنّ المراد فيما يقال : « أراد » أن يريد الميل إلى الإرادة من أصلها ، بل بإرادة المراد يوجد المراد والإرادة ، فالإرادة تصدر من الفاعل المختار بالاختيار بنفسها لا بإرادة أخرى.

ويشهد على هذا ما ورد من قوله علیه السلام : « خلق اللّه الأشياء بالمشيئة ، وخلق المشيئة بنفسها » (3).

ص: 464


1- « شرح المواقف » 6 : 66 - 67 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 281 ؛ « شوارق الإلهام » : 447.
2- « شرح المواقف » 6 : 71 - 72.
3- « الكافي » 1 : 110 باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ح 4 وفيه : « خلق اللّه المشيئة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة ». وفي « التوحيد » : 3. الباب 11 ، ح 2019 « خلق اللّه المشيئة قبل الأشياء ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة ».

والأولى أن يتمسّك في المغايرة بأنّ الإنسان قد يريد شرب دواء كريه في غاية الكراهة فيشربه ولا يشتهيه بل ينفر عنه ، وقد يشتهي طعاما لذيذا ولا يريده إذا كان فيه هلاكه ، فقد وجد كلّ منهما بدون الأخرى. وكذا الحال بين الكراهة والنفرة.

قال : ( فهذه الكيفيّات تفتقر إلى الحياة ، وهي صفة تقتضي الحسّ والحركة مشروطة باعتدال المزاج عندنا ).

أقول : هذه الكيفيّات النفسانيّة التي ذكرها المصنّف رحمه اللّه مشروطة بالحياة وهو ظاهر.

ثمّ فسّر الحياة بأنّها صفة تقتضي الحسّ والحركة ، وزادها إيضاحا بقوله : « مشروطة باعتدال المزاج » ثمّ قيّد ذلك بقوله : « عندنا » ليخرج عنه حياة واجب الوجود ؛ فإنّها غير مشروطة باعتدال المزاج ولا

تقتضي الحسّ والحركة ، فيكون المعنى أنّ الحياة صفة تقتضي الحسّ والحركة اقتضاء مشروطا باعتدال المزاج اعتدالا نوعيّا بالنسبة إلينا ، لا بالنسبة إلى الواجب.

وقيل : هي قوّة تكون مبدأ لقوّة الحسّ والحركة (1).

وقيل : قوّة تتبع اعتدال النوع وتفيض عنها سائر القوى الحيوانيّة أي المدركة. والمحرّكة (2).

ومعنى اعتدال النوع أنّ لكلّ نوع من المركّبات العنصريّة مزاجا خاصّا هو أصلح الأمزجة بالنسبة إليه ، بحيث إذا خرج عن ذلك المزاج ، لم يكن ذلك النوع ، فإذا حصل في المركّب اعتدال يليق بنوع من أنواع الحيوان ، فاضت عليه قوّة الحياة ، وانبعثت عنها بإذن اللّه تعالى الحواسّ الظاهرة والباطنة والقوى المحرّكة نحو جلب

ص: 465


1- هذا هو القول بالمغايرة بين الحياة وبين قوّتي الحسّ والحركة الذي قال به الشيخ.
2- اختاره الإيجي ، كما في « شرح المواقف » 5 : 288.

المنافع ودفع المضارّ ، فتكون الحياة مشروطة باعتدال المزاج ، وهي غير الحسّ والحركة وقوّة التغذية والتنمية ؛ لوجودها في العضو المفلوج والذابل من غير حسّ وحركة وتغذية وتنمية.

قال : ( فلا بدّ من البنية ).

أقول : هذا نتيجة ما تقدّم من اشتراط الحياة باعتدال المزاج ؛ فإنّ ذلك إنّما يتحقّق بالبنية ، وهي البدن المؤلّف من العناصر ؛ لأنّ المزاج لا يتصوّر إلاّ بتأليفها ، وهو ظاهر.

والأشاعرة (1) أنكروا ذلك وجوّزوا وجود حياة في محلّ غير منقسم بانفراده كما حكي. وهو ظاهر البطلان.

قال : ( وتفتقر إلى الروح ).

أقول : المراد أنّ الحياة تفتقر إلى الروح الحيواني ، وهي أجسام لطيفة متكوّنة من بخار الأخلاط السارية في العروق ، ينبعث من القلب من التجويف الأيسر ويسري إلى البدن في عروق نابتة من القلب تسمّى بالشرايين. وحاجة الحياة إليها ظاهرة.

قال : ( وتقابل الموت تقابل العدم والملكة ).

أقول : الموت هو عدم الحياة عن محلّ وجدت فيه ، فهو مقابل للحياة مقابلة العدم والملكة ، كالعمى بعد البصر ، لا كمطلق العمى ، فلا يكون عدم حياة الجنين موتا وإن أطلق عليه مجازا.

وذهب أبو عليّ الجبّائي - على ما حكي (2) - إلى أنّه معنى وجوديّ يضادّ الحياة ؛ لقوله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ ) (3) فإنّ الخلق يستدعي الإيجاد المستلزم

ص: 466


1- انظر : « المحصّل » : 242 ؛ « شرح المواقف » 5 : 293 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 294 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 283.
2- نقله في « المحصّل » : 240 من دون نسبته لأحد ، وفي « مناهج اليقين » : 75 نقله عن أبي عليّ وأبي القاسم البلخي ، ونسبه إلى القيل في « شرح المواقف » 5 : 295 و « شرح المقاصد » 2 : 296 و « شرح تجريد العقائد » : 283 و « شوارق الإلهام » : 448.
3- الملك (67) : 2.

لكونه موجودا ووجوديّا ؛ ولهذا يقال : إنّ الموت فعل من أفعال اللّه تعالى أو من الملائكة يقتضي زوال حياة الجسم من غير جرح.

واحترز بالقيد الأخير عن القتل ، ولا بدّ من إرادة ما يعمّ جميع أسباب القتل من الجرح وغيره.

وهو ضعيف ؛ لأنّ الخلق هو التقدير ، وذلك لا يستدعي كون المقدور وجوديّا مع أنّ الأمور العدميّة قد تحدث بعد أن لم تكن ، كالعمى الطارئ ، فيكون المراد إحداث أسباب الموت على حذف المضاف ، ولا أقلّ من الاحتمال المبطل للاستدلال.

المسألة السادسة والعشرون : في باقي الكيفيّات النفسانيّة.

قال : ( ومن الكيفيّات النفسانيّة : الصحّة والمرض ).

أقول : الصحّة والمرض من الكيفيّات النفسانيّة عند الشيخ.

أمّا الصحّة فقد حدّها في « الشفاء » (1) بأنّها ملكة في الجسم الحيواني تصدر عنه لأجلها أفعاله الطبيعيّة وغيرها (2) على المجرى الطبيعي غير مئوفة (3).

والمرض حال أو ملكة مقابلة لتلك ، كذا حكي.

وعن القانون « أنّ الصحّة ملكة أو حالة تصدر عنها - أي لأجلها - الأفعال من الموضوع لها سليمة » (4) بمعنى أنّ الصحّة هي الكيفيّة النفسانيّة ولو كانت غير راسخة.

وإنّما قدّم الملكة مع أنّها متأخّرة في الوجود ؛ لأنّها أشرف من الحال وأغلب في الصحّة.

ص: 467


1- « الشفاء » المنطق 1 : 253.
2- كالإرادة. من حاشية نسخة المصنّف.
3- من الآفة ، يقال : طعام مئوف ، أي أصابته آفة. انظر : « لسان العرب » 1 : 3. « أوف ».
4- « القانون » 1 : 14 نقلا عن « نهاية المرام » 2 : 302 - 303.

وهاهنا إشكال محكيّ عن الإمام (1) ؛ فإنّ المتضادّين يدخلان تحت جنس واحد ، فالصحّة دخلت في الحال والملكة ، وكذا المرض ، لكن أجناس المرض المفرد ثلاثة : سوء المزاج ، وسوء التركيب ، وتفرّق الاتّصال.

فسوء المزاج إن كان هو الحرارة الزائدة - مثلا - فمن الكيفيّات الفعليّة أو المحسوسة ، لا من الكيفيّات النفسانيّة المنقسمة إلى الحال والملكة. وإن كان هو اتّصاف البدن بها ، فمن مقولة « أن ينفعل ».

وسوء التركيب عبارة عن مقدار أو عدد أو وضع أو شكل أو انسداد مجرى يخلّ بالأفعال ، ولا شيء منها بحال ولا ملكة ؛ لأنّ المقدار والعدد من الكمّيّات ، والوضع مقولة برأسها ، والشكل من الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات ، والانسداد من الانفعال.

وتفرّق الاتّصال عدميّ لا يدخل تحت مقولة ، وإذا لم يدخل المرض تحت الحال والملكة ، لم تدخل الصحّة تحتهما ، لكونها ضدّا له.

وأجيب (2) بأنّا لو سلّمنا كون التضادّ حقيقيا فإنّ [ في ] تقسيم المرض إلى ما ذكر تسامحا ، والمقصود أنّه كيفيّة نفسانيّة تحصل عند هذه الأمور وتنقسم باعتبارها.

والصحّة كيفيّة حاصلة عند اعتدال المزاج ، فتأمّل.

قال : ( والفرح والغمّ ).

أقول : الفرح أحد الكيفيّات النفسانيّة وكذا الغمّ.

والسبب المعدّ في الفرح كون الروح على أفضل أحواله في الكمّ والكيف وتخيّل النفس الكمال. وأضداد هذه أسباب الغمّ.

قال : ( والغضب والحزن والهمّ والخجل والحقد ).

أقول : هذه أيضا من الأعراض النفسانيّة التي تستلزم حركة الروح إمّا إلى داخل

ص: 468


1- « المباحث المشرقيّة » 1 : 525 - 526.
2- انظر : « شرح المواقف » 6 : 147 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 379 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 284 - 285 ؛ « شوارق الإلهام » : 450.

أو إلى خارج.

والأوّل إن كانت كثيرة فكما في الفرح ، أو قليلة فكما في الحزن.

والثاني إمّا أن يكون دفعة فكما في الغضب ، أو يسيرا يسيرا فكما في اللذّة.

وقد يتّفق أن يتحرّك إلى جهتين دفعة واحدة إذا كان العارض يلزمه عارضان ، كالهمّ ؛ فإنّه يوجد معه غضب وحزن ، فتختلف الحركتان ، وكالخجل الذي ينقبض الروح معه أوّلا إلى الباطن ثمّ يخطر بالبال انتفاء الضرر فينبسط ثانيا.

ويعتبر في الحقد غضب ثابت وعدم سهولة الانتفاء وعدم صعوبته.

المسألة السابعة والعشرون : في الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات.

قال : ( والمختصّة بالكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والاستدارة والانحناء والتقعير والتقبيب والشكل والخلقة ، أو المنفصلة كالزوجيّة والفرديّة ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الكيفيّات النفسانيّة ، شرع في الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات ، ونعني بها الكيفيّة التي تعرض للكمّيّة أوّلا وبالذات ، وللجسم ثانيا وبالعرض.

واعلم أنّ الكمّ على قسمين : متّصل ومنفصل :

أمّا المتّصل فقد يعرض له الكيف مثل الاستقامة والاستدارة للخطّ ، والانحناء للخطّ والسطح ، والتقعير والتقبيب للسطح ، والشكل والخلقة للسطح والجسم التّعليمي.

[ و ] أمّا المنفصل فقد يعرض له أنواع أخر من الكيف ، كالزوجيّة والفرديّة وغيرهما للعدد.

قال : ( فالمستقيم أقصر الخطوط الواصلة بين النقطتين ، وكما أنّه موجود فكذا الدائرة ).

ص: 469

أقول : رسم الخطّ المستقيم بأنّه أقصر خطّ يصل بين نقطتين ؛ لأنّ كلّ نقطتين يمكن أن يوصل بينهما بخطوط غير مستقيمة مختلفة في الطول والقصر ، وبخطّ واحد مستقيم هو أقصرها (1).

إذا عرفت هذا ، فنقول : الخطّ المستقيم موجود بالضرورة. أمّا الدائرة - وهي سطح مستو يحيط به خطّ واحد في داخله نقطة كلّ (2) الخطوط المستقيمة الخارجة منها إلى المحيط متساوية - فقد اختلف الناس في وجودها ، فالذين أثبتوا ما لا ينقسم من ذوات الأوضاع نفوها (3) ، والباقون أثبتوها (4) ، واختاره المصنّف ؛ لأنّ الدائرة المحسوسة موجودة ، ويمكن وجودها بإثبات أحد طرفي الخطّ المستقيم المتناهي الطرفين ، وحركة طرفه الآخر منه إلى أن عاد إلى وضعه الأوّل ، والمراد أنّ الحركة الدوريّة موجودة بلا شبهة ، فالدائرة موجودة بلا شبهة.

قال : ( والتضادّ منتف عن المستقيم والمستدير ، وكذا عن عارضيهما ).

أقول : ربّما توهّم بعض الناس أنّ الخطّ المستقيم يضادّ الخطّ المستدير ؛ للتنافي بينهما ، وكذا حال عارضيهما ، أعني الاستقامة والاستدارة (5).

والتحقيق عند المصنّف خلاف ذلك ؛ فإنّ الضدّين يجب اتّحاد موضوعهما وتواردهما عليه ، والموضوع هنا ليس بواحد ؛ إذ المستقيم يستحيل أن ينقلب إلى المستدير وبالعكس ؛ لأنّ موضوع الخطّ المستقيم سطح مستو ، وموضوع الخطّ المستدير سطح مستدير ، وإذا انتفى التضادّ عنهما فكذا عن عارضيهما ، بمعنى أنّ

ص: 470


1- نقلها عن أرخميدس في « المباحث المشرقيّة » 1 : 529 و « نهاية المرام » 1 : 606.
2- في الأصل : « كان » بدل « كلّ » والصحيح ما أثبتناه.
3- « الشفاء » الإلهيات : 146 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 542 ؛ « نهاية المرام » 1 : 608 ؛ « شرح المواقف » 6 : 157 ؛ « الأسفار الأربعة » 4 : 166.
4- « الشفاء » الإلهيّات : 146 ؛ « النجاة » : 216 - 218 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 203 - 208 ؛ « التحصيل » : 404 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 540 - 541 ؛ « نهاية المرام » 1 : 608 ؛ « الأسفار الأربعة » 4 : 166.
5- انظر : « كشف المراد » : 256 ، وقال : مال إلى هذا الرأي الفاضل القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 286 - 287.

التضادّ منتف عن الاستقامة والاستدارة العارضتين للخطّ المستقيم والمستدير ، أو بمعنى أنّ التضادّ منتف عن الحركتين الواقعتين على الخطّين : المستقيم والمستدير.

وأورد (1) على ذلك : بأنّ الدائرة سطح مستو ، وهو موضوع لمحيطه الذي هو خطّ مستدير. وبأنّ الخطّ المستقيم قد يوجد في السطح غير المستوي ، كما في محيط الأسطوانة والمخروط. وبأنّ عدم تضادّ المعروضين لا يستلزم عدم تضادّ العارضين ؛ فإنّ الأسود والأبيض لا يتضادّان ؛ لصدق الجوهر عليهما مع تحقّق التضادّ بين السواد والبياض ، ولهذا قيل (2) : لعلّ مراد المصنّف أنّ المستقيم لا يضادّ المستدير ، بل الاستقامة لا تضادّ الاستدارة ؛ لأنّ كلّ خطّ مستقيم يمكن أن يكون وترا لقسيّ غير متناهية ، فلو كان المستقيم ضدّا للمستدير ، لكان للمستقيم الواحد بالشخص أضداد غير متناهية هي المستديرات المذكورة ، وذلك باطل ؛ إذ ضدّ الواحد واحد ، وليس بعضها أولى من غيره ، فليس ضدّا لشيء منها ، فتأمّل.

قال : ( والشكل هيئة إحاطة الحدّ أو الحدود بالجسم ، ومع انضمام اللون تحصل الخلقة ).

أقول : ذكر القدماء أنّ الشكل ما أحاط به حدّ واحد كما في الكرة ، أو حدود كما في غيرها (3).

والتحقيق أنّه من باب الكيف ، وأنّه يعرض للجسم بسبب إحاطة الحدّ الواحد أو الحدود به ، كالكرويّة والتربيع.

وأورد على التخصيص بالجسم : بأنّ الدائرة إحاطة الحدّ بالسطح لا بالجسم (4).

ص: 471


1- « شرح تجريد العقائد » : 286 - 287 ، ونسب الإيراد الأوّل إلى القيل.
2- القائل هو الفاضل القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 287.
3- « الشفاء » المنطق 1 : 205 وما بعدها ؛ « النجاة » : 135 ؛ « التحصيل » : 386 - 397 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 545 - 546 ؛ « نهاية المرام » 1 : 613 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 2 : 385 - 386 ؛ « شرح الهداية الأثيرية » : 39 و 68 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 1 : 1039.
4- انظر : « شرح المقاصد » 2 : 386 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 287 ؛ « شوارق الإلهام » : 452.

وكيف كان فالشكل مغاير للوضع بمعنى المقولة ، وإذا اعتبر الشكل واللون معا حصلت الخلقة ، فهي كيفيّة حاصلة من اجتماعهما.

قال : ( الثالث : المضاف ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الكيف وأقسامه ، شرع في البحث عن الإضافة ، وهي النسبة المتكرّرة ، أي النسبة التي لا تعقل إلاّ بالنسبة إلى نسبة أخرى معقولة بالقياس إلى الأولى ، وهذه تسمّى مضافا حقيقيّا ؛ ولهذا عبّر عنها بقوله : « المضاف » وهو المقولة الثالثة من المقولات.

وهذه المقولة وما بعدها من المقولات كلّها نسبيّة ، وهو قسم مقابل لما تقدّم من المقولات.

وفي هذا القسم مسائل :

المسألة الأولى : في أقسامه.

قال : ( وهو حقيقيّ أو مشهوريّ ).

أقول : المضاف يقال لنفس الإضافة ، أعني النسبة العارضة للشيء باعتبار قياسه إلى غيره كالأبوّة والبنوّة ، ويقال له : المضاف الحقيقي ؛ فإنّه لذاته يقتضي الإضافة ، وغيره إنّما يقتضي الإضافة بواسطته.

ويقال للذات التي عرضت لها الإضافة بالفعل ، أعني المجموع المركّب من العارض والمعروض كالأب والابن ، ويسمّى المضاف المشهوريّ.

وقد يقال للذات نفسها : مضاف مشهوريّ ، باعتبار كونها معروضة للإضافة.

المسألة الثانية : في خواصّه.

قال : ( ويجب فيه الانعكاس والتكافؤ بالفعل أو القوّة ).

ص: 472

أقول : هاتان خاصّتان مطلقتان للمضاف لا يشاركه فيهما غيره :

إحداهما : وجوب الانعكاس ، بمعنى أنّه إذا نسب أحد المضافين المشهوريّين إلى الآخر من حيث إنّه مضاف ، وجب أن تنعكس تلك النسبة ، فينسب إلى الآخر أيضا ، فإنّه كما يقال : إنّ الأب أب للابن ، كذا يقال : إنّ الابن ابن للأب. فالمراد بالانعكاس الحكم بإضافة كلّ واحد منهما ونسبته إلى صاحبه من حيث كان مضافا إليه كما مثّلنا. فإن لم تراع هذه الحيثيّة لم يجب الانعكاس ، كما تقول : الأب أب للإنسان ، ولا تقول : الإنسان إنسان الأب ، وكذا المضاف الحقيقي ؛ إذ لا انعكاس فيه ، فلا يقال : الأبوّة أبوّة البنوّة وبالعكس.

وكيف كان فالانعكاس قد لا يفتقر إلى حرف النسبة كالعظيم والصغير ، وقد يفتقر مع تساوي الحرف في الجانبين ، كقولنا : « العبد عبد للمولى والمولى مولى للعبد » أو مع اختلافه ، كقولنا : « العالم عالم بالمعلوم والمعلوم معلوم للعالم ».

الثانية : التكافؤ في الوجود بالفعل أو القوّة بمعنى أنّه إذا كان أحدهما موجودا بالفعل فلا بدّ أن يكون الآخر أيضا موجودا بالفعل ، وإذا كان أحدهما موجودا بالقوّة فلا بدّ أن يكون الآخر أيضا موجودا بالقوّة ، فالأب إذا كان أبا بالفعل كان الابن أيضا ابنا بالفعل ، وإن كان الأب بالقوّة كان الابن أيضا بالقوّة ، فالمتقدّم مصاحب للمتأخّر هنا.

قال : ( ويعرض للموجودات أجمع ).

أقول : المضاف الحقيقي يعرض لجميع الموجودات ، كما يقال للواجب تعالى : أوّل قادر عالم خالق رازق. ويقال لنوع من الجواهر : إنّه أب وابن وغيرهما. ويقال للخطّ : طويل وقصير ، وللعدد : قليل وكثير ، وللكيف : أسخن وأبرد ، وللمضاف : كالأقرب والأبعد ، وللأين : أعلى وأسفل ، وللمتى : أقدم وأحدث ، وللوضع : أشدّ انتصابا وانحناء ، وللملك : أعرى وأكسى ، وللفعل : أقطع وأصرم ، وللانفعال : أشدّ تسخّنا وتقطّعا.

ص: 473

المسألة الثالثة : في أنّ الإضافة لا تحقّق لها في الخارج ، وليست ثابتة في الأعيان.

قال : ( وثبوته ذهنيّ ، وإلاّ لتسلسل ولا ينفع تعلّق الإضافة بذاتها ).

أقول : اختلف العقلاء هاهنا ، فذهب قوم إلى أنّ الإضافة ثابتة في الأعيان ، لأنّ فوقيّة السماء ليست عدما محضا ولا أمرا ذهنيّا غير مطابق.

وقال آخرون : إنّها عدميّة في الأعيان ، ثابتة في الأذهان (1) ، وهو اختيار المصنّف رحمه اللّه وأكثر المحقّقين.

والدليل عليه وجوه ذكرها المصنّف رحمه اللّه :

أحدها : أنّ الإضافة لو كانت ثابتة في الأعيان لزم التسلسل ؛ لأنّ حلولها في المحلّ إضافة أخرى ، وحلول ذلك الحلول ثابت يستدعي محلاّ وحلولا ، وذلك يوجب التسلسل.

وأجاب الشيخ أبو عليّ بن سينا عن هذا - على ما حكي - بأن قال : يجب أن يرجع في حلّ هذه الشبهة إلى حدّ المضاف المطلق ، فنقول : المضاف هو الذي ماهيّته معقولة بالقياس إلى غيره ، وكلّ شيء في الأعيان يكون بحيث ماهيّته إنّما تعقل بالقياس إلى غيره ، فذلك الشيء من المضاف ، ولكن في الأعيان أشياء كثيرة بهذه الصفة ، فالمضاف في الأعيان موجود.

ثمّ إن كان في المضاف ماهيّة أخرى ، فينبغي أن يجرّد ماله من المعنى المعقول بالقياس إلى غيره ، فذلك المعنى هو بالحقيقة المعنى المعقول بالقياس إلى غيره ، وغيره إنّما هو معقول بالقياس إلى غيره بسبب هذا المعنى ، وهذا المعنى ليس معقولا بالقياس إلى غيره بسبب شيء غير نفسه ، بل هو مضاف لذاته لا بإضافة أخرى ،

ص: 474


1- نسب القول الأوّل إلى المتكلّمين وجماعة من الأوائل ، والقول الثاني إلى طائفة من الحكماء.

فتنتهي من هذه الطريق الإضافات.

وأمّا كون هذا المعنى المضاف بذاته في هذا الموضوع فله وجود آخر ، مثلا : وجود الأبوّة في الأب أمر زائد على ذات الأب ، وذلك الموجود أمر مضاف أيضا ، فليكن هذا عارضا من المضاف لذي المضاف وكلّ واحد منهما مضاف لذاته إلى ما هو مضاف إليه بلا إضافة أخرى ، فالكون محمولا مضاف لذاته ، والكون أبوّة مضاف لذاته (1).

وهذا الكلام على طوله غير مفيد للمطلوب ؛ لأنّ التسلسل الذي ألزمناه ليس من حيث إنّ المضاف الذي هو المقولة يكون مضافا بإضافة أخرى حتّى تقسم الأشياء إلى ما هو مضاف لذاته وإلى ما هو مضاف بغيره ، بل من حيث إنّ المضاف الحقيقي كالأبوّة يفتقر إلى محلّ يقوم به ، وحلولها في ذلك المحلّ إضافة إلى ذلك المحلّ يستدعي محلاّ وحلولا ويتسلسل.

وإلى هذا أشار المصنّف رحمه اللّه بقوله : « ولا ينفع تعلّق الإضافة بذاتها » أي تعلّق الإضافة بالمضاف إليه لذاتها ، لا لإضافة أخرى.

قال : ( ولتقدّم وجودها عليه ).

أقول : هذا وجه ثان دالّ على أنّ الإضافة ليست ثابتة في الأعيان.

وتقريره : أنّها لو كانت ثبوتيّة لشاركت الموجودات في الوجود وامتازت عنها بخصوصيّة ، فاتّصاف وجودها بتلك الخصوصيّة إضافة سابقة على وجود الإضافة ، فيلزم تقدّم وجود الإضافة على وجودها وهو محال ، فالضمير في « عليه » يرجع إلى « وجودها ».

ويحتمل عوده إلى المحلّ ، ويكون معنى الكلام أنّ الإضافة لو كانت موجودة لزم تقدّمها على محلّها ؛ لأنّ وجود محلّها صفة له ، فاتّصافه به نوع إضافة سابق على وجود الإضافة ، وأعاد الضمير إليه من غير ذكر لفظي ؛ لظهوره.

ص: 475


1- « الشفاء » الإلهيّات : 157 ، الفصل العاشر من المقالة الثالثة. وقد صحّحنا النقل على المصدر.

قال : ( وللزم عدم التناهي في كلّ مرتبة من مراتب الأعداد ).

أقول : هذا وجه ثالث.

وتقريره : أنّ الإضافات لو كانت موجودة في الأعيان لزم أن تكون كلّ مرتبة من مراتب الأعداد تجتمع فيه إضافات وجوديّة لا تتناهى ؛ لأنّ الاثنين نصف الأربعة ويحصل له بذلك الاعتبار إضافة النصفيّة ، وثلث الستّة ويعرض له بهذا الاعتبار إضافة أخرى ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، وهو محال.

أمّا أوّلا : فلما بيّنّا من امتناع وجود ما لا يتناهى مطلقا.

وأمّا ثانيا : فلأنّ تلك الإضافات موجودة دفعة ومرتّبة في الوجود باعتبار تقدّم بعض المضاف إليه على بعض ، فيلزم اجتماع ما لا يتناهى دفعة مرتّبة ، وهو محال اتّفاقا.

وأمّا ثالثا : فلأنّ وجود الإضافات يستلزم وجود المضاف إليه ، فيلزم وجود ما لا يتناهى من الأعداد دفعة مع ترتّبها ، وكلّ ذلك ممّا برهن على استحالته.

قال : ( وتكثّر صفاته تعالى ).

أقول : هذا وجه رابع.

وتقريره : أنّ الإضافات لو كانت وجوديّة لزم وجود صفات اللّه تعالى متكثّرة لا تتناهى ، لأنّ له إضافات لا تتناهى ، وهو محال.

وقد يستدلّ (1) بأنّه لو وجدت الإضافة لزم اتّصاف ذات البارئ تعالى بالحوادث ؛ لأنّ له مع كلّ حادث إضافة ، ولا شكّ أنّها إنّما تحدث بعد حدوث الحادث.

وأجيب عن الوجوه المذكورة : بأنّ (2) القائل بوجود الإضافة لا يقول بوجود

ص: 476


1- انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 : 562 ؛ « نهاية المرام » 2 : 349 - 350 ؛ « شرح المواقف » 6 : 160 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 289 ؛ « شوارق الإلهام » : 456.
2- هذا الجواب هو الاعتراض على الوجه الثاني من المسألة كما ذكرهما العلاّمة في « نهاية المرام » 1 : 348 ، لكن الموجود في غير « نهاية المرام » هو أنّ هذا جواب عن كلّ الوجوه من قبل الحكماء ، كما في « شرح المواقف » 6 : 161 - 162 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 289 ؛ « شوارق الإلهام » : 456.

أفرادها كلّها ، بل بوجودها في الجملة ، فجاز أن يكون بعضها موجودا دون بعض.

المسألة الرابعة : في بقايا مباحث الإضافة.

قال : ( ويخصّ (1) كلّ مضاف مشهوريّ مضاف حقيقيّ ، فيعرض له الاختلاف والاتّفاق إمّا باعتبار زائد أولا ).

أقول : المضاف المشهوريّ كالأب يعرض له مضاف حقيقيّ كالأبوّة وكذا الابن تعرض له البنوّة ، فكلّ مضاف مشهوريّ يعرض له مضاف حقيقي ، ولا يمكن أن يكون مضاف حقيقيّ واحد عارضا لمضافين مشهوريّين ؛ لامتناع قيام عرض واحد بمحلّين ، وإذا كان كلّ مضاف مشهوريّ يعرض له مضاف حقيقيّ ، عرض حينئذ الاختلاف في المضاف الحقيقيّ كالأبوّة والبنوّة ، والاتّفاق ، كالأخوّة والجوار.

ثمّ إنّ هذا المضاف الحقيقيّ يعرض للمضاف المشهوريّ إمّا باعتبار زائد يحصل فيهما كالعاشق والمعشوق ؛ فإنّ في العاشق جهة إدراكه جمال المعشوق ، وفي المعشوق جمال يتعلّق به الإدراك ، فتحصل حينئذ إضافة العشق باعتبار هذا الزائد. وقد يكون الزائد في أحدهما كالعالم المضاف إلى المعلوم باعتبار قيام صفة العلم به. وقد لا يكون باعتبار زائد كالميامن والمياسر ؛ فإنّهما متضايفان ، ولا يكون الاتّصاف بالتيامن والتياسر لأجل صفة زائدة على الاضافة.

هذا خلاصة ما فهمناه من هذا الكلام.

المسألة الخامسة : في مقولة الأين.

قال : ( الرابع : الأين وهي النسبة إلى المكان ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن المضاف شرع في البحث عن الأين ، وهي نسبة

ص: 477


1- في نسخة الأصل : و « يختصّ » ، وفي « أ » : « وتخصيص » ، وما أثبتناه من « تجريد الاعتقاد » : 179. فيكون قوله : « مضاف حقيقيّ » فاعلا لقوله : « ويخصّ ».

الشيء إلى مكانه بالحصول فيه.

وبعبارة أخرى : كون الشيء في الحيّز ؛ ولهذا قد يعبّر عن الأين بالكون ، ويقسم إلى الأكوان الأربعة.

وبالجملة ، فالأين على قسمين :

الأوّل : الأين الحقيقي ، وهو نسبة الشيء إلى مكان خاصّ ، وكون الشيء في مكان لا يزيد عنه.

الثاني : غير الحقيقي ، وهو نسبة الشيء إلى مكان عامّ ، كقولنا : « زيد في الدار » وهذه النسبة مغايرة للوجود لكلّ واحد من الجسم والمكان ، ولا تقبل الشدّة والضعف ، كما لا يخفى.

قال : ( وأنواعه أربعة عند قوم هي : الحركة ، والسكون ، والاجتماع ، والافتراق ).

أقول : المراد أنّ أنواع الأين - الذي يقال له : الكون عند المتكلّمين (1) - أربعة : الحركة ، والسكون ، وهما حالتا الجسم بانفراده باعتبار المكان. والاجتماع والافتراق ، وهما حالتاه باعتبار انضمامه إلى العين (2) من الأجسام ؛ لأنّ حصول الجوهر في الحيّز إمّا أن يعتبر بالنسبة إلى جوهر آخر أو لا ، وعلى الأوّل إمّا أن يكون بحيث يمكن أن يتوسّط بينهما ثالث فهو الافتراق ، أو لا وهو الاقتران. وعلى الثاني إن كان مسبوقا بحصوله في ذلك الحيّز ، فهو السكون ، وإن كان مسبوقا بحصوله في حيّز آخر فهو الحركة.

ولا يخفى أنّ الكون الأوّل قسم خامس من الأقسام ؛ ولهذا ذهب بعض المتكلّمين (3)

ص: 478


1- انظر : « المحصّل » : 217 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 578 ؛ « نهاية المرام » 2 : 378 ؛ « الأربعين في أصول الدين » : 21 ؛ « شرح المواقف » 6 : 162 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 395 - 396 ؛ « إرشاد الطالبين » : 70 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 289 ؛ « شوارق الإلهام » : 458.
2- كذا في الأصل ، وفي « كشف المراد » : 261 : « الغير » بدل « العين ».
3- هما أبو الهذيل وأبو عليّ في أحد قوليه. انظر : « التوحيد » : 75 و 131 ؛ « نهاية المرام » 3 : 32 ؛ « شرح المواقف » 6 : 169.

- على ما حكي - إلى أنّ الأكوان لا تنحصر في الأربعة ؛ إذ الكون في أوّل زمان الحدوث ليس بحركة ولا سكون ولا اجتماع ولا افتراق ، فالأكوان خمسة.

قال : ( فالحركة كمال أوّل لما هو بالقوّة من حيث هو بالقوّة ، أو حصول الجسم في مكان بعد آخر ).

أقول : هذان تعريفان للحركة : الأوّل منهما مختار الحكماء (1) ، والثاني للمتكلّمين (2).

أمّا التعريف الأوّل فهو أنّ الحركة كمال أوّل لما هو بالقوّة من حيث هو بالقوّة.

بيان ذلك أنّ حال حصول الجسم في المكان المنتقل عنه معدومة عنه ممكنة له ، فهي كمال الجسم ، ثمّ إنّ حصوله في المكان الثاني معدوم عنه ممكن له فهو كمال أيضا ، والجسم في تلك الحال بالقوّة في المكان الثاني ، لكنّ الحركة أسبق الكمالين ، فالحركة كمال أوّل لما هو بالقوّة ، أعني الجسم الذي هو بالقوّة في المكان الثاني.

وإنّما قيّدناه بقولنا : « من حيث هو بالقوّة » لأنّ الحركة تفارق سائر الكمالات بأنّ جميع الكمالات إذا حصلت ، خرج ذو الكمال من القوّة إلى الفعل ، وهذا الكمال من حيث إنّه كمال يستلزم كون ذي الكمال بالقوّة.

وأمّا الثاني فإنّ المتكلّمين قالوا : ليست الحركة هي الحصول في المكان الأوّل ؛ لأنّ الجسم لم يتحرّك بعد ، ولا واسطة بين الأوّل والثاني وإلاّ لم يكن ما فرضناه ثانيا ثانيا ، فهي الحصول في المكان الثاني لا غير.

ولهذا يقال : إنّ الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني ، كما أنّ السكون عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل.

ولكنّ الإنصاف أنّ الكون في المكان الثاني معلول الحركة لا نفسها ، بل الحركة

ص: 479


1- وهو تعريف أرسطو وأتباعه ، كما في « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 82 - 83 ؛ « النجاة » : 105 ؛ « الحدود » : 29 ؛ « التحصيل » : 420 ؛ « المعتبر في الحكمة » 2 : 409 - 411 ؛ « مناهج اليقين » : 57 ؛ « نهاية المرام » 3 : 327 - 329 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 409 - 411 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 290.
2- « التوحيد » : 131 ؛ « المطالب العالية » 4 : 245 - 246 ؛ « المحصّل » : 237 ؛ « نقد المحصّل » : 149 « التعريفات » : 114 / 560.

عبارة عن الانتقال عن مكان إلى مكان أو حال إلى حال أو نحو ذلك.

وقد تفسّر الحركة بأنّها صفة يكون الجسم بها أبدا متوسّطا بين المبدأ والمنتهى ، ويكون في كلّ آن في حيّز من غير أن يكون في حيّز آنين ، وتسمّى الحركة بمعنى التوسّط ، وهي كون الشيء بحيث أيّ حدّ من حدود المسافة يفرض لا يكون هو قبل آن الوصول إليه ولا بعده حاصلا فيه.

وقد تفسّر بكون الجسم فيما بين المبدأ والمنتهى بحيث أيّ آن يفرض يكون حاله في ذلك الآن مخالفة في آنين يحيطان به (1).

وأفاد صدر الحكماء في « الشواهد الربوبيّة » أنّ الحركة عبارة عن الخروج من القوّة إلى الفعل ، وأثبت الحركة في الجوهر الصوري ، مع أنّه لا بدّ في كلّ حركة من بقاء الموضوع بشخصه ؛ بناء على أنّ الجوهر - الذي وقعت فيه الحركة الاشتداديّة - نوعه باق في وسط الاشتداد وإن تبدّلت صورته الخارجيّة بتبدّل طور من الوجود بطور آخر أشدّ أو أضعف ، فتبدّل الوجود في الحركة الجوهريّة تبدّل في أمر خارج عن الجوهر.

ولا يخفى أنّ ذلك مبنيّ على القول بأصالة الوجود ، وأنّ وجود كلّ شيء تمام حقيقته ، ولا يصحّ ذلك إلاّ بالقول بوحدة الوجود ، وهو باطل ، بل كفر أشدّ من كفر النصارى واليهود ، كما لا يخفى على المتأمّل.

قال : ( ووجودها ضروريّ ).

أقول : اتّفق أكثر العقلاء على أنّ الحركة موجودة ، وادّعوا الضرورة في ذلك.

وخالفهم جماعة من القدماء (2) ، وقالوا : إنّها ليست موجودة.

ص: 480


1- للتوسعة حول هذين التفسيرين راجع « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 81 وما بعدها ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 672 - 676 ؛ « نهاية المرام » 3 : 333 - 337 ؛ « مناهج اليقين » : 57 ؛ « شرح المواقف » 6 : 197 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 2 : 411 - 413.
2- منهم زينون الحكيم وبامنيدس. ولمزيد الاطّلاع حول هذا المبحث راجع « الشفاء » الطبيعيّات 2 : 79 وما بعدها ؛ « التحصيل » : 420 ؛ « المحصّل » : 270 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 :673 - 676 ؛ « المعتبر في الحكمة » 2 : 30 ؛ « نهاية المرام » 3 : 338 - 341 ؛ « مناهج اليقين » : 57 ؛ « شرح المواقف » 6 : 198 - 203 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 411 - 413 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 291 - 293 ؛ « شوارق الإلهام » : 462 - 464.

واستدلّوا على ذلك بوجوه :

أحدها : أنّ الحركة لو كانت موجودة لكانت إمّا منقسمة فيكون الماضي غير المستقبل ، أو غير منقسمة فيلزم تركيبها من الأجزاء التي لا تتجزّأ ، واللازمان باطلان.

الثاني : أنّ الحركة ليست هي الحصول في المكان الأوّل ؛ إذ الجسم لم يتحرّك بعد ، ولا في المكان الثاني ؛ إذ الحركة انتهت وانقطعت ، ولا المجموع ؛ لامتناع تحقّق جزأيه معا في الوجود.

الثالث : أنّ الحركة ليست واحدة ، فلا تكون موجودة. وهذه الاستدلالات في مقابلة الحكم الضروري ممنوعة.

قال : ( ويتوقّف على المتقابلين والعلّتين والمنسوب إليه والمقدار ).

أقول : وجود الحركة يتوقّف على أمور ستّة :

أحدها : ما منه الحركة.

والثاني : ما إليه الحركة ، أعني مبدأ الحركة ومنتهاها.

[ و ] الظاهر أنّ مراده بالمتقابلين هذان ؛ لأنّ المبدأ والمنتهى متقابلان لا يجتمعان في شيء واحد باعتبار واحد.

والثالث : ما به الحركة ، وهو السبب ، وهو العلّة الفاعليّة لوجودها.

والرابع : ما له الحركة ، أعني الجسم المتحرّك ، وهو العلّة القابليّة.

وهذان هما المرادان بقوله : « والعلّتين ».

والخامس : ما فيه الحركة ، أعني المقولة التي ينتقل الجسم فيها من نوع إلى آخر.

والظاهر أنّه المراد بقوله : « والمنسوب إليه » ؛ اذ المقولة تنسب الحركة إليها بالقسمة.

ص: 481

والسادس : الزمان الذي تقع فيه الحركة. وهو المراد بقوله : « والمقدار » فإنّ الزمان مقدار الحركة.

قال : ( فما منه وما إليه قد يتّحدان محلاّ ، وقد يتضادّان ذاتا وعرضا »

أقول : المراد أنّ مبدأ الحركة ومنتهاها قد يتّحدان محلاّ ، بكون محلّهما واحدا لكن لا باعتبار واحد كالنقطة في الحركة المستديرة ؛ فإنّها بعينها مبدأ للحركة المستديرة ومنتهى لها ، لكن باعتبارين.

وقد يتغاير محلّهما كما في الحركة المستقيمة.

وقد يتضادّ المحلّ في المتكثّر إمّا ذاتا كالحركة من السواد إلى البياض ، أو عرضا كالحركة من اليمين إلى الشمال.

قال : ( ولهما اعتباران متقابلان أحدهما بالنظر إلى ما يقالان له ).

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أنّ لكلّ واحد من المبدأ والمنتهى اعتبارين :

أحدهما على سبيل التضايف ، وهو اعتبار كلّ منهما بالقياس إلى ما يقال له ، أعني ذا المبدأ وذا المنتهى.

الثاني ما يكون على سبيل التضادّ ؛ وذلك لأنّ المبدأ لا يضايف المنتهى ؛ لانفكاكهما تصوّرا ، بل يضايف ذا المبدأ ؛ فإنّ المبدأ مبدأ لذي المبدأ ، وكذا المنتهى.

وأمّا اعتبار المبدأ إلى المنتهى فإنّه مضادّ له ؛ إذ ليس مضايفا ولا سلبا ولا إيجابا ولا عدما وملكة ، فلم يبق إلاّ التضادّ. وهذان الاعتباران - أعني التضايف والتضادّ - متقابلان.

واعلم أنّ هاهنا إشكالا (1) ، وهو أن يقال : الضدّان لا يعرضان لموضوع واحد مجتمعين فيه ، والمبدأ والمنتهى قد يعرضان لجسم واحد.

والجواب : أنّ الضدّين قد يجتمعان في جسم واحد إذا لم يكن الجسم موضوعا

ص: 482


1- حول هذا الإشكال وجوابه انظر : « المباحث المشرقيّة » : 683 ؛ « نهاية المرام » 3 : 361 ؛ « شرح المواقف » 6 : 244.

قريبا لهما ، وحال المبدأ والمنتهى هنا كذلك ؛ لأنّ موضوعهما الأطراف في الحركة المستقيمة ، وتلك مغايرة.

بقي أن يقال (1) : إنّ هذا لا يتأتّى في الحركات المستديرة إلاّ بسبب الاعتبارين المتضادّين.

وقد نبّه المصنّف رحمه اللّه على ذلك بقوله : « قد يتّحدان محلاّ » فيكون وجه الخلاص عدم اجتماع الوصفين ؛ إذ حالة وصفه بكونه منتهى ينتفي عنه كونه مبدأ.

قال : ( ولو اتّحدت العلّتان انتفى المعلول ).

أقول : قد بيّنّا أنّه يريد بالعلّتين هنا الفاعليّة ، أعني المحرّك ، والقابليّة ، أعني المتحرّك. وادّعي تغايرهما ، على معنى أنّه لا يجوز أن يكون الشيء محرّكا لنفسه ، بل إنّما يتحرّك بقوّة موجودة إمّا فيه كالطبيعة أو خارجة عنه ؛ لأنّه لو تحرّك لذاته لانتفت الحركة ؛ إذ بقاء العلّة يستلزم بقاء المعلول ، فإذا فرضنا أنّ الجسم لذاته علّة للحركة كان علّة لأجزائها ، فيكون كلّ جزء منها باقيا ببقاء الجسم ، لكن بقاء الجزء الأوّل منها يقتضي أن لا يوجد الثاني ؛ لامتناع اجتماع أجزائها في الوجود ، فلا توجد الحركة وقد فرضناها موجودة ، هذا خلف.

وإلى نفي الحركة أشار بقوله : « انتفى المعلول ».

قال : ( وعمّ ).

أقول : هذه حجّة ثانية على أنّ الفاعل للحركة ليس هو القابل المعروض لها ، أعني نفس الصورة الجسميّة بالنسبة إلى الحركة الأينيّة والوضعيّة ، والهيولى بالنسبة إلى الحركة الكمّيّة والكيفيّة.

وتقريره : أن نقول : الأجسام متساوية في الماهيّة ، فلو اقتضت لذاتها الحركة لزم عمومها لكلّ جسم ، فكان كلّ جسم متحرّكا ، هذا خلف.

ص: 483


1- انظر : « نهاية المرام » 3 : 362 ؛ « شرح المواقف » 6 : 244.

ثمّ إنّ الصورة الجسميّة إن اقتضت الحركة إلى جهة معيّنة لزم حركة كلّ الأجسام إليها ، وهو باطل بالضرورة. وإن كان إلى غير جهة معيّنة انتفت الحركة ؛ لعدم المرجّح.

وأشار إلى هذا الدليل بقوله : « وعمّ » أي وعمّ ما فرضناه معلولا - وهو الحركة - إمّا مطلقا أو إلى جهة معيّنة كما ذكرنا.

قال : ( بخلاف الطبيعة المختلفة المستلزمة في حال ما ).

أقول : هذا جواب عن إشكال (1) يرد على هذين الدليلين.

وتقريره أن نقول : الطبيعة قد تقتضي الحركة ، ولا يلزم دوامها بدوام الطبيعة ولا عمومها بعمومها.

وتقرير الجواب أن نقول : الطبائع مختلفة ، فجاز اقتضاء بعضها الحركة إلى جهة معيّنة ، بخلاف غيرها.

وإلى هذا أشار بقوله : « المختلفة ».

وأيضا : الطبيعة لم نقل إنّها مطلقا علّة للحركة ، وإلاّ لزم المحال ، بل إنّما تقتضيه في حال ما ، وهو حال خروج الجسم عن مكانه الطبيعي ، وأمّا حال بقاء الجسم في مكانه الطبيعي ، فلا يقتضي الحركة.

وإليه أشار بقوله : « في حال ما ».

قال : ( والمنسوب إليه أربع ؛ فإنّ بسائط الجواهر توجد دفعة ومركّباتها تعدم بعدم أجزائها ).

أقول : يريد بالمنسوب إليه ما توجد فيه الحركة على ما تقدّم تفسيره.

والمراد : أنّ الحركة تقع في أربع مقولات لا غير هي : الكمّ ، والكيف ، والأين ،

ص: 484


1- أقاموا - هاهنا - أدلّة سبعة ، وللفخر الرازي إشكال على كلّ واحد منها. انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 :1. 681 ؛ « نهاية المرام » 3 : 350 - 357 ؛ « شرح المواقف » 6 : 224 - 229 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 430 - 431 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 294 - 295 ؛ « شوارق الإلهام » : 466.

والوضع ، ولا تقع في سوى ذلك.

أمّا الجوهر فقسمان : بسيط ومركّب.

فالبسيط يوجد دفعة ، فلا تتحقّق فيه حركة.

والمركّب يعدم بعدم أحد أجزائه ، وانعدام كلّ جزء منها دفعي ، فانعدام المركّب أيضا دفعي ، فنقول : إنّ المتحرّك باق حال الحركة ، والمركّب ليس بباق حال الحركة ؛ فلا تقع فيه حركة أيضا.

وبالجملة ، فالحركة الجوهريّة غير معقولة ؛ لأنّ الحركة تقتضي انعدام شيء ينتقل عنه وحدوث شيء ينتقل إليه ، وذلك يستلزم في الجوهر انتفاء الموضوع ولو بانتفاء جزئه وحدوث موضوع آخر ، فلا يكون المتحرّك باقيا في الحركة العرضيّة. وأمّا صيرورة العذرة دودا أو نحو ذلك كما في النطفة فهي استحالة لا حركة.

وظنّي أنّ ما يحكى من بعض (1) أهل الحكمة من القول بالحركة الجوهريّة لا يتمّ إلاّ بالقول بأصالة الوجود ووحدة الوجود (2) وتنزّلاته وترقّياته من شأن إلى شأن ، كلّ يوم هو في شأن ، وذلك يستلزم الكفر والزندقة كما لا يخفى على من له فطانة.

قال : ( والمضاف تابع ).

أقول : المضاف لا تقع فيه حركة بالذات ؛ لأنّه تابع لغيره ، فإن كان متبوعه ومعروضه قابلا للحركة من جهة الشدّة والضعف قبلهما هو أيضا ، كانتقال الماء - الذي هو أشدّ سخونة من ماء آخر - من الأشدّيّة إلى الأضعفيّة مثلا ، وإلاّ فلا.

قال : ( وكذا متى ).

أقول : ذكر أنّه قال الشيخ في النجاة : « إنّ متى توجد للجسم بتوسّط الحركة ،

ص: 485


1- هذا البعض هو صدر المتألّهين محمد بن إبراهيم الشيرازي الذي أثبت الحركة الجوهريّة في كتاب « الأسفار الأربعة » 2 : 176 و 3 : 78 و 85 و 4 : 271 و 5 : 272 و 6 : 47 و 8 : 258 و 9 : 116.
2- تطلق عبارة « وحدة الوجود » على أيّة نظريّة تحاول تفسير الوجود بإرجاعه كلّه إلى مبدأ واحد ، وقد نشأت عدّة مدارس ومذاهب فكريّة في تاريخ الفلسفة فسّرت الوجود بتفسيرات مختلفة. راجع « الموسوعة الفلسفيّة العربيّة » 2 : 1517.

فكيف يكون فيه حركة!؟ فإنّ كلّ حركة في متى ، فلو كان فيه حركة كان لمتى متى آخر » (1).

وقال في الشفاء : « إنّ حال متى كحال الإضافة في أنّ الانتقال لا يكون فيه ، بل يكون في كمّ أو كيف » (2).

قال : ( والجدة توجد دفعة ).

أقول : مقولة الملك لا تتحقّق فيها حركة ؛ لأنّها عبارة عن نسبة التملّك ، فإن حصل وقع دفعة ، وإلاّ فلا حصول له ، فلا تعقل فيه حركة.

قال : ( ولا تعقل حركة في مقولتي الفعل والانفعال ).

أقول : هاتان مقولتان لا توجد الحركة فيهما ؛ لأنّ الانتقال من التبرّد إلى التسخّن إن كان بعد كمال التبرّد وانتهائه ، لم يكن الانتقال من التبرّد بل من البرودة ؛ إذ التبرّد قد انقطع وعدم. وإن كان قبل كماله كان الجسم في حال واحد - أعني حال الحركة - متوجّها إلى كيفيّتين متضادّتين ، وهذا خلف.

قال : ( ففي الكمّ باعتبارين : لدخول الماء القارورة المكبوبة عليه ، وتصدّع الآنية عند الغليان ).

أقول : لمّا بيّن أنّ الحركة تقع في أربع مقولات وأبطل وقوعها في الزائد ، فشرع [ في ] تفصيل وقوع الحركة في مقولة مقولة وابتدأ بالكمّ ، وذكر أنّ الحركة تقع فيه باعتبارين :

أحدهما : التخلخل والتكاثف.

والثاني : النموّ والذبول.

أمّا الأوّل فالمراد به زيادة مقدار الجسم ونقصانه من غير ورود أجزاء جسمانيّة عليه أو نقصان أجزاء منه ؛ بناء على أنّ المقدار أمر زائد على الجسم ، وأنّ الجسم

ص: 486


1- « النجاة » : 106.
2- « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 103.

قابل للانتقال من نوع منه إلى نوع آخر على التدريج.

واستدلّ على وقوع الحركة بهذا الاعتبار بوجهين :

الأوّل : أنّ القارورة إذا كبّت على الماء فإن كان بعد المصّ القويّ دخلها الماء ، وإلاّ فلا ، مع أنّ الخلاء محال على رأيهم ، فليس ذلك إلاّ لأنّ الهواء الذي في داخل القارورة له مقدار طبيعي ، وبسبب المصّ يخرج شيء من الهواء ، فيكتسب الباقي - لضرورة امتناع الخلاء - مقدارا أكثر غير طبيعي بالتخلخل ، فإذا كبّت القارورة على الماء أوجد البرد الذي في الماء تكاثفا في ذلك الهواء ، فصغر حجمه إلى مقداره الطبيعي ، فدخلها الماء بالمصّ.

الثاني : أنّ الآنية إذا ملئت ماء وشدّ رأسها شدّا محكما ، وغليت بالنار فإنّها تنشقّ ، وليس ذلك لمداخلة أجزاء النار ؛ لعدم الثقب في الآنية ، فبقي أن يكون ذلك لزيادة مقدار ما فيها من الماء بالتخلخل وازدياد الحجم بحيث لا تسعه الآنية فتنصدع.

وفيه : أنّه يجوز كون الانصداع من جهة ميل الأبخرة إلى الصعود ، فتدبّر.

قال : ( وحركة أجزاء المغتذي في جميع الأقطار على التناسب ).

أقول : هذا هو الاعتبار الثاني ، وهو الحركة في الكمّ باعتبار النموّ.

واعلم أنّ النامي يزداد جسمه بسبب اتّصال جسم آخر به ، وتلك الزيادة ليست مطلقا موجبة للنموّ ، بل إذا كانت المداخلة في جميع الأقطار بنسبة طبيعيّة فيخرج السمن ؛ لعدم كونه في جميع الأقطار ، وكذا الورم ؛ لعدم كونه على نسبة طبيعيّة.

وأمّا الذبول فهو انتقاص حجم الأجزاء الأصليّة للجسم بسبب ما ينفصل عنه في جميع الأقطار على نسبة طبيعيّة.

ويشهد على ما ذكرنا أنّ الواقف في النموّ قد يسمن ، كما أنّ المتزايد في النموّ قد يهزل ؛ وذلك لأنّ الزيادة إذا حدثت في المنافذ ودخلت فيها وشبهت بطبيعة الأصل واندفعت أجزاء الأصل إلى جميع الأقطار على نسبة واحدة في نوعه فذاك هو النموّ. والشيخ قد يسمن ؛ لأنّ أجزاءه الأصليّة قد جفّت وصلبت ، فلا يقوى

ص: 487

المفيد (1) على تفريقها والنفوذ فيها ، فلا تتحرّك أجزاؤه الأصليّة إلى الزيادة ، فلا يكون ناميا وإن تحرّك لحمه إلى الزيادة ، فيكون في الحقيقة نموّا في اللحم ، لكنّ المسمّى باسم النموّ إنّما هو حركة الأعضاء الأصليّة.

قال : ( وفي الكيف للاستحالة المحسوسة مع الجزم ببطلان الكمون والورود ، لتكذيب الحسّ لهما ).

أقول : لمّا فرغ من البحث عن الحركة في الكمّ شرع في الحركة في الكيف ، أعني الاستحالة.

واستدلّ على ذلك بالحسّ ؛ فإنّا نشاهد أنّه يصير الماء البارد حارّا على التدريج وبالعكس ، وكذا في الألوان وغيرها من الكيفيّات المحسوسة.

واعلم أنّ الآراء لم تتّفق على هذا ؛ فإنّ جماعة من القدماء (2) - كما حكي - أنكروا الاستحالة ، وافترقوا في الاعتذار عن الحرارة المحسوسة في الماء إلى قسمين :

أحدهما : من (3) ذهب إلى أنّ في الماء أجزاء ناريّة كامنة ، فإذا ورد عليه نار من خارج برزت تلك الأجزاء وظهرت.

والثاني : من ذهب إلى أنّ الأجزاء الناريّة ترد عليه من خارج وتداخله فيحسّ منه بالحرارة.

والقولان باطلان ؛ فإنّ الحسّ يكذّبهما :

أمّا الأوّل : فلأنّ الأجزاء الكامنة يجب الإحساس بها عند مداخلة اليد لجميع

ص: 488


1- كذا في الأصل ، والصحيح : « المغتذي ».
2- للتعرّف على الأقوال في هذه المسألة راجع « الشفاء » الطبيعيّات 2 : 77 - 85 ؛ « النجاة » : 145 - 148 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 695 - 700 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 278 - 279 ؛ « نهاية المرام » 3 : 380 - 394 ؛ « شرح المواقف » 6 : 209 - 211 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 420 - 423.
3- عرفوا بأصحاب الخليط وأصحاب الكمون والبروز ، وهم انكساغورس وأصحابه كما في « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 278 ، وعند الإسلاميّين عرف بذلك إبراهيم النظّام وأصحابه كما في « الفرق بين الفرق » : 142 ؛ « الملل والنحل » 1 : 56.

أجزاء الماء وتفريقها قبل ورود الحرارة عليه ، ولمّا لم يكن كذلك دلّ على بطلان الكمون.

وأمّا الثاني : فلأنّا نشاهد جبلا من كبريت تقرب منه نار صغيرة فيحترق ، مع أنّا نعلم أنّه لم يكن في تلك النار الصغيرة من الأجزاء الناريّة ما يلاقي الجبل ويغلب عليه حسّا.

قال : ( وفي الأين والوضع ظاهر ).

أقول : وقوع الحركة في هاتين المقولتين - أعني الأين والوضع - ظاهر ؛ فإنّا نشاهد المتحرّك من مكان إلى آخر ، ونرى أنّ الفلك يتحرّك من وضع إلى آخر من غير خروجه عن مكانه.

واعلم أنّ الحركة في الوضع وإن استلزمت حركة الأجزاء في الأين ، لكن ذلك باعتبار آخر مغاير لاعتبار حركة الجميع في الأين.

قال : ( وتعرض لها وحدة باعتبار وحدة المقدار والمحلّ والقابل ).

أقول : الحركة منها واحدة بالعدد ، ومنها كثيرة.

أمّا الواحدة فهي الحركة المتّصلة من مبدأ المسافة إلى نهايتها - وقد بيّنّا تعلّق الحركة بأمور ستّة - والمقتضي لوحدتها إنّما هو ثلاثة منها لا غير.

الأوّل : وحدة الموضوع ، وهو أمر ضروريّ في وحدة كلّ عرض ؛ لاستحالة قيام عرض بمحلّين.

وإليه أشار بقوله : « والمحلّ ».

الثاني : وحدة الزمان ، وهو كذلك أيضا ؛ لاستحالة إعادة المعدوم بعينه.

وإليه أشار بقوله : « المقدار ».

الثالث : وحدة المقولة التي فيها الحركة ؛ فإنّ الجسم الواحد قد يتحرّك في الزمان الواحد حركتين كحركتي كيف وأين.

وإليه أشار بقوله : « والقابل ».

ص: 489

ويحتمل أن يكون القابل هو الموضوع والمحلّ هو المقولة.

ووحدة المحرّك غير شرط ؛ فإنّ المتحرّك بقوّة ما مسافة إذا تحرّك بأخرى قبل انقطاع فعل الأولى ، اتّحدت الحركة ، وإذا اتّحدت الأشياء الثلاثة ، اتّحد ما منه وما إليه ، لكن كلّ واحد منهما غير كاف ؛ فإنّ المتحرّك من مبدأ قد ينتهي إلى شيئين ، والمنتهي إلى شيء واحد قد يتحرّك من مبدأين.

قال : ( واختلاف المتقابلين والمنسوب إليه يقتضي الاختلاف ).

أقول : إذا اختلف أحد هذه الأمور الثلاثة - أعني ما منه الحركة ، وما إليه الحركة ، وما فيه الحركة - اختلفت الحركة بالنوع ؛ فإنّ الحركة في الكيف تغاير الحركة في الأين ، وهذا ظاهر. وأيضا الصاعدة ضدّ الهابطة.

وأراد ب- « المتقابلين » ما منه الحركة ، وما إليه الحركة ، وما فيه الحركة.

ولا يشترط اختلاف الموضوع ؛ فإنّ الحجر والنار قد يتحرّكان حركة واحدة بالنوع ، ولا الفاعل ؛ لأنّ الطبيعة والنفس قد يصدر عنهما حركة واحدة به ، ولا الزمان ؛ لجواز الانتقال في زمان معيّن من أين إلى أين ومن وضع إلى وضع ومن مقدار إلى مقدار ومن كيفيّة إلى كيفيّة.

قال : ( وتضادّ الأوّلين التضادّ ).

أقول : من الحركات ما هو متضادّ ، وهي الداخلة تحت جنس آخر كالصاعدة والهابطة ، فعلّة تضادّها ليس تضادّ المتحرّك ؛ لإمكان صعود الحجر والنار ، ولا تضادّ المحرّك ؛ لصدور الصعود عن الطبع والقسر ، ولا الزمان ؛ لعدم تصوّر التضادّ فيه ؛ إذ لا يتصوّر فيه التوارد على موضوع واحد ؛ لأنّه إمّا على سبيل التعاقب أو على سبيل الاجتماع ، وكلّ منهما يقتضي الزمان ، ولا يتصوّر للزمان زمان ولا ما فيه (1) ؛ لاتّحاد المسافة فيهما فلم يبق إلاّ ما منه وما إليه.

ص: 490


1- أي : ولا تضادّ ما فيه الحركة.

وإليه أشار بقوله : « وتضادّ الأوّلين التضادّ » أي : وتضادّ المبدأ والمنتهى يقتضي التضادّ.

ولا يمكن التضادّ بالاستدارة والاستقامة ؛ لأنّهما غير متضادّين ؛ لعدم تصوّر غاية الخلاف بين المستقيم والمستدير ، وكذا بين المستديرتين كما أفادوا (1).

قال : ( ولا مدخل للمتقابلين والفاعل في الانقسام ).

أقول : الحركة تنقسم بانقسام الزمان ؛ فإنّ الحركة في نصف الزمان نصف الحركة في جميعه مع التساوي في السرعة والبطء. وبانقسام المتحرّك ؛ فإنّها عرض حالّ فيه ، والحالّ في المنقسم يكون منقسما. وبانقسام ما فيه ، أعنى المسافة ؛ فإنّ الحركة إلى منتصفها نصف الحركة إلى منتهاها.

ولا مدخل للمتقابلين - أعني المبدأ والمنتهى - في الانقسام ، ولا الفاعل ، أعني المحرّك [ وذلك ] كلّه ظاهر.

قال : ( وتعرض لها كيفيّة تشتدّ ، فتكون الحركة سريعة ، وتضعف فتكون بطيئة ، ولا تختلف بهما الماهيّة ).

أقول : تعرض الحركة كيفيّة واحدة تشتدّ تارة وتضعف أخرى ، فتكون الحركة باعتبار شدّتها سريعة وباعتبار ضعفها بطيئة.

ويعبّر عن السرعة بأنّها كيفيّة تقطع بها الحركة المسافة المساوية في الزمان الأقلّ ، أو المسافة الأطول في الزمان المساوي أو الأطول. وعن البطء بأنّه كيفيّة تقطع بها الحركة المسافة المساوية في الزمان الأطول ، أو المسافة الأقصر في الزمان المساوي أو الأطول.

ولا تختلف ماهيّة الحركة بسبب اختلاف السرعة والبطء ؛ لأنّ السرعة والبطء

ص: 491


1- « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 285 - 289 ؛ « النجاة » : 112 - 114 ؛ « التحصيل » : 441 - 443 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 728 - 729 ؛ « مناهج اليقين » : 58 - 60 ؛ « نهاية المرام » 3 : 453 - 456 ؛ « شرح المواقف » 6 : 244 - 247 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 442 - 443.

يقبلان الشدّة والضعف ، ولا شيء من الفصول بقابل لهما ؛ وذلك لأنّ سرعة بعض الحركات تختلف بالقياس إلى غيرها ، فما هو سريع بالنسبة إلى شيء قد يكون بطيئا بالنسبة إلى غيره.

قال : ( وسبب البطء الممانعة الداخليّة أو الخارجيّة ، لا تخلّل السكنات ، وإلاّ لما أحسّ بما اتّصف بالمقابل )

أقول : اعلم أنّ المتكلّمين - كما حكي (1) - ذهبوا إلى أنّ تخلّل السكنات بين أجزاء الحركة سبب للإحساس بالبطء.

والفلاسفة نفوا ذلك (2).

واختار المصنّف مذهب الفلاسفة ، فمنعوا استناد البطء إلى تخلّل السكنات ، بل أسندوه إلى الموانع الخارجيّة كغلظ قوام ما يتحرّك فيه في الحركات الطبيعيّة ، وإلى الداخليّة كالميول الطبيعيّة بالنسبة إلى الحركات القسريّة ؛ لأنّه لو كان تخلّل السكنات سببا لبطء الحركة ، لما أحسّ بما اتّصف بالمقابل ، يعني أنّه يلزم عدم الإحساس بالحركات المتّصفة بالسرعة التي هي مقابلة للبطء ؛ لأنّ حركة الفرس في يوم واحد خمسين فرسخا - مثلا - أقلّ من حركة الفلك الأعظم في ذلك اليوم في الغاية ، فتكون حركة الفرس في غاية البطء بالنسبة إلى حركة الفلك ، بل تزيد حركة الفلك على حركة الفرس بألف ألف مرّة ، فلو كان البطء لتخلّل السكنات المتخلّلة بين حركات الفرس في ذلك الوقت أزيد من حركاته ألف ألف مرّة ، فيلزم أن لا تكون حركات الفرس محسوسة ؛ لكونها قليلة مغمورة في سكنات تزيد عليها

ص: 492


1- حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد » : 270 و « نهاية المرام » 3 : 437 والقوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 304 واللاهيجي في « شوارق الإلهام » : 483. وانظر : « شرح المواقف » 6 :1. 254 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 446 - 447.
2- انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 155 و 194 ؛ « النجاة » : 110 - 111 ؛ « التحصيل » : 433 - 434 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 720 - 721 ؛ « شرح حكمة العين » : 446 ؛ « نهاية المرام » 3 : 437 - 440 ؛ « شرح المواقف » 6 : 254 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 447 - 449.

بألف ألف مرّة ، وليس كذلك ؛ لأنّا نشاهد حركته سريعة في الغاية ، ولا نرى شيئا من السكنات المفروضة كما تقدّم في مسألة الجزء الذي لا يتجزّأ.

قال : ( ولا اتّصال لذوات الزوايا ، والانعطاف لوجود زمان بين آني الميلين ).

أقول : كلّ حركة يكون لها رجوع عن الصوب الذي كانت له إن كان رجوعها إلى الصوب الأوّل بعينه تسمّى حركة ذات انعطاف ، وإن كان إلى صوب آخر تسمّى ذات زاوية.

وقد اختلفوا [ في ] أنّ المتحرّك بين الحركتين متّصف بالحركة كما عن أفلاطون وأكثر المتكلّمين (1) ، أو بالسكون كما عن أرسطو وأتباعه (2) ، واختاره المصنّف ، فأفاد أنّ كلّ حركتين مستقيمتين مختلفتين فإنّ بينهما زمان سكون ، كما بين الصاعدة والهابطة ؛ لأنّ لكلّ حركة علّة تقتضي إيصال الجسم إلى المطلوب ، والوصول موجود فعلّته كذلك ، وعلّته هي الميل ، فيكون للحركة الأولى ميل يقتضي الوصول ، وللحركة الثانية ميل يقتضي زوال الوصول ، فهنا ميلان ، وكلّ منهما في آن ، والآن الذي يوجد فيه الميل المقتضي للوصول ليس هو الآن الذي يوجد فيه ميل يقتضي المفارقة ؛ للقطع باستحالة اجتماع الميلين المتخالفين في آن واحد ، ولا يتّصل الآنان ، فلا بدّ من فاصل ، وهو زمان عدم الميل بين آني الميلين ، فيكون الجسم ساكنا فيه ، وهو المطلوب.

ويرد عليه منع عدم اتّصال الآنين ؛ لإمكان زوال الميل الأوّل بمجرّد الوصول وحدوث الميل الثاني بعده بلا فصل بالآن فضلا عن الزمان مع إمكان وحدة الميل المقتضي للحركة ذات الزاوية أو الانعطاف.

مضافا إلى أنّه لو فرض صعود الخفيف وهبوط الحجر الثقيل وتلاقيهما في

ص: 493


1- « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 292 - 299 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 177 ؛ « المعتبر في الحكمة » 2 : 94 - 102 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 732 ؛ « مناهج اليقين » : 58 - 60 ؛ « نهاية المرام » 3 : 457 - 465 ؛ « شرح حكمة العين » : 451 ؛ « شرح المواقف » 6 : 255 - 261 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 450 - 455 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 304 - 305 ؛ « شوارق الإلهام » : 484 - 487.
2- « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 292 - 299 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 177 ؛ « المعتبر في الحكمة » 2 : 94 - 102 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 732 ؛ « مناهج اليقين » : 58 - 60 ؛ « نهاية المرام » 3 : 457 - 465 ؛ « شرح حكمة العين » : 451 ؛ « شرح المواقف » 6 : 255 - 261 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 450 - 455 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 304 - 305 ؛ « شوارق الإلهام » : 484 - 487.

الوسط الموجب لعود الخفيف وهبوطه وانعطافه ، يلزم سكون الحجر آن انعطاف ذلك الخفيف لو قلنا بتخلّل السكون بين الحركتين ، وهو باطل بالضرورة ، فالحقّ مع أفلاطون والأكثر.

قال : ( والسكون حفظ النسب ، فهو ضدّ ).

أقول : اختلف الناس في تحقيق ماهيّة السكون ، وأنّها هل هي وجوديّة أو عدميّة؟

والمتكلّمون (1) على الأوّل ، فجعلوه عبارة عن حصول الجسم في حيّز واحد أكثر من زمان واحد.

وبعبارة أخرى : كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل بعد الاستقرار زمانا يمكن فيه الحركة.

والحكماء (2) على الثاني ، فقالوا : إنّه عدم الحركة عمّا من شأنه أن يتحرّك.

والمصنّف رحمه اللّه اختار قول المتكلّمين ، وهو أنّه وجوديّ ، وأنّ مقابلته للحركة تقابل الضدّية ، لا تقابل العدم والملكة ، وجعله عبارة عن حفظ النسب بين الأجسام الثابتة على حالها.

قال : ( يقابل الحركتين ).

أقول : قال العلاّمة رحمه اللّه :

يمكن أن يفهم من هذا الكلام معنيان :

أحدهما : أنّه إشارة إلى الصحيح من الخلاف الواقع بين الأوائل أنّ المقابل للحركة هو السكون في مبدأ الحركة لا نهايتها ، أو أنّ السكون مقابل للحركة من مكان السكون.

ص: 494


1- « الفرق بين الفرق » : 138 ؛ « أصول الدين » : 40 - 46 ؛ « التوحيد » : 76 ؛ « الفصل في الملل والأهواء والنحل » 5 : 175 - 179 ؛ « المطالب العالية » 4 : 283 - 292 ؛ « المحصّل » : 237 - 239 ؛ « تلخيص المحصّل » : 149 - 150 ؛ « مناهج اليقين » : 60 ؛ « نهاية المرام » 3 : 342 - 347 ؛ « شرح المواقف » 6 : 172 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 457 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 305.
2- « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 108 - 111 ؛ « النجاة » : 107 ؛ « التحصيل » : 429 - 431 ؛ « المعتبر في الحكمة » 2 : 30 و 40 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 712 - 713 ؛ « نهاية المرام » 3 : 345 - 346 ؛ « مناهج اليقين » : 60.

والحقّ هو الأخير ؛ لأنّ السكون ليس عدم الحركة خاصّة ، وإلاّ لكان المتحرّك إلى جهة ، ساكنا في غير تلك الجهة ، بل هو عدم كلّ حركة ممكنة في ذلك المكان.

واحتجّ الأوّلون بأنّ السكون في النهاية كمال للحركة ، وكمال الشيء لا يقابله.

والجواب : أنّ السكون ليس كمالا للحركة ، بل للمتحرّك.

الثاني : أنّ السكون ضدّ يقابل الحركة المستقيمة والمستديرة معا ؛ وذلك لأنّه لمّا بيّن أنّ السكون عبارة عن حفظ النسب ، وكان حفظ النسب إنّما يتمّ ببقاء الجسم في مكانه على وصفه (1) ، وجب أن يكون السكون مقابلا للحركة المستقيمة والمستديرة معا ؛ لانتفاء حفظ النسب فيهما (2).

ولا يخفى أنّ الظاهر هو الأخير ، وإلاّ كان الصحيح أن يقول : « كلّ حركة » لا « الحركتين ».

ويمكن أن يكون المراد الحركة الأينيّة وغيرها.

قال : ( وفي غير الأين حفظ النوع ).

أقول : لمّا بيّن أنّ السكون عبارة عن حفظ النسب ، وكان ذلك إنّما يتحقّق في السكون في المكان والأين لا كلّ سكون ، فوجب عليه أن يفسّر السكون في غير الأين من المقولات الأربع ، فجعله عبارة عن حفظ النوع في المقولة التي تقع عنها الحركة ، وذلك بأن تقف في الكمّ من غير نموّ وذبول وتخلخل وتكاثف ، وفي الكيف من غير اشتداد وضعف ، وفي الوضع من غير تبدّل إلى وضع آخر.

وينبغي حمل النوع على مطلق الكلّي ؛ لئلاّ يرد أنّ الحركة قد تكون من صنف إلى صنف أو من فرد إلى فرد ، فيكون النوع محفوظا ولا سكون.

قال : ( ويتضادّ لتضادّ ما فيه ).

أقول : قد يعرض السكون التضادّ كما تعرض الحركة ؛ فإنّ السكون في المكان الأعلى

ص: 495


1- في المصدر : « وضعه » بدل « وصفه ».
2- « كشف المراد » : 271.

يضادّ السكون في المكان الأسفل ، فعلّة تضادّه ليست تضادّ الساكن ولا المسكن ولا الزمان ؛ لما تقدّم في الحركة ، ولا تعلّق له بالمبدإ والمنتهى ، فوجب أن تكون علّة تضادّه هو تضادّ ما فيه من المقولة التي يقع فيها السكون ؛ فإنّ سكون الجسم في الحرارة يضادّ سكونه في البرودة ؛ لتضادّ الحرارة والبرودة اللتين يقع فيهما السكون.

قال : ( ومن الكون طبيعيّ وقسريّ وإراديّ ).

أقول : الكون يريد به هنا الجنس الشامل للحركة والسكون - كما اصطلح عليه المتكلّمون (1) - وهو ينقسم إلى أقسام ثلاثة ؛ وذلك لأنّه عبارة عن حصول الجسم في الحيّز ، وذلك الحصول قد بيّنّا أنّه لا يجوز استناده إلى ذات الجسم ، فلا بدّ من قوّة استند إليها ، وتلك القوّة إمّا أن تكون مستفادة من الخارج وهي القسريّة ، أو لا وهي الطبيعيّة إن لم تقارن الشعور ، والإراديّة إن قارنته.

قال : ( فطبيعيّ الحركة إنّما يحصل عند مقارنة أمر غير طبيعيّ ).

أقول : الطبيعة أمر ثابت والحركة غير ثابتة ، فلا تستند إليها لذاتها ، بل لا بدّ من اقتران الطبيعة بأمر غير طبيعي ، ويفتقر في الردّ إليه إلى الانتقال ، فيكون ذلك الانتقال طبيعيّا ، أمّا في الأين فكالحجر المرميّ إلى فوق ، وتتبعها الحركة في الوضع ، وأمّا في الكيف فكالماء المسخّن ، وأمّا في الكمّ فكالذابل بالمرض.

قال : ( لردّ الجسم إليه فيقف ).

أقول : غاية الحركة الطبيعيّة إنّما هي حصول الحالة الملائمة للطبيعة التي فرضنا زوالها حتّى اقتضت الطبيعة الحركة وردّ الجسم إليها بعد عدمها عنه ، لا الهرب عن الحالة غير الطبيعيّة.

نعم ، كلّ طريق غير طبيعي مهروب عنه.

ص: 496


1- « شرح الأصول الخمسة » : 96 ؛ « أصول الدين » : 40 ؛ « الأربعين في أصول الدين » : 21 ؛ « نهاية المرام » 3 : 319 - 322 ؛ « مناهج اليقين » : 53 ؛ « شرح المواقف » 6 : 165 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 2 : 392 وما بعدها ؛ « إرشاد الطالبين » : 72 - 74 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 306 و 389 ؛ « شوارق الإلهام » : 458.

وعلى كلّ تقدير فإذا حصلت الحالة الطبيعيّة وقف الجسم وعدمت الحركة الطبيعيّة ؛ لزوال الشرط ، وهو مقارنة الحالة غير الطبيعيّة.

قال : ( فلا تكون دوريّة ).

أقول : هذا نتيجة ما تقدّم ؛ فإنّ الحركة الطبيعيّة يطلب بها استرداد الحالة الطبيعيّة بعد زوالها بالهرب عن حالة غير طبيعيّة وطلب حالة طبيعيّة ، والحركة الدوريّة يطلب بها ما يهرب عنه فلا تكون طبيعيّة ، وهو ظاهر ؛ لأنّ كلّ نقطة يفرض كونها مطلوبة بالحركة ، فهي مهروب عنها بتلك الحركة ، ومن المحال أن يكون المطلوب بالطبع مهروبا عنه بالطبع.

قال : ( وقسريّتها تستند إلى قوّة مستفادة قابلة للضعف ).

أقول : الحركة القسريّة إمّا أن تكون في ملازم المتحرّك أو مع مقارنه ، والأوّل لا إشكال فيه ، والبحث في الثاني.

والمشهور أنّ المحرّك كما يفيد المقسور حركة كذلك يفيد قوّة فاعلة لتلك الحركة قابلة للضعف بسبب الأمور الخارجيّة والطبيعيّة المقاومة ، وكلّما ضعفت القوّة القسريّة بسبب المصادمات ، قويت الطبيعة إلى أن تفنى تلك القوّة بالكلّية ، فتفيد الطبيعة الحركة الطبيعيّة.

والمراد من ضعف القوّة ضعف أثرها بالمصادمة ، فلا يرد أنّ القوّة المستفادة من القاسر باقية لا تشتدّ ولا تضعف ، مع إمكان القول بقبول الضعف ، فتبطل القوّة القسريّة بالكلّيّة.

قال : ( وطبيعيّ السكون يستند إلى الطبيعة مطلقا ).

أقول : السكون ، منه طبيعيّ ، كاستقرار الأرض في المركز ، ومنه قسريّ ، كالحجر الواقف في الهواء قسرا ، ومنه إراديّ ، كسكون الحيوان بإرادته في مكان ما.

والطبيعيّ من السكون ما يستند إلى الطبيعة مطلقا ، بخلاف الحركة الطبيعيّة ؛ فإنّها المستندة إلى الطبيعة لا مطلقا ، بل عند مقارنة أمر غير ملائم ، كما مرّ.

ص: 497

قال : ( وتعرض البساطة ومقابلها للحركة خاصّة ).

أقول : من الحركات ما هو بسيط ، كحركة الحجر إلى أسفل ، ومنها ما هو مركّب ، كحركة النملة على الرحى إذا اختلفا في المقصد ؛ فإنّ حركة كلّ واحدة من النملة والرحى وإن كانت بسيطة لكن إذا نظر إلى حركة النملة الذاتيّة وحركتها بالعرض باعتبار حصولها في محلّ متحرّك ، حصل لها تركيب.

ثمّ إن كانت إحدى الحركتين مساوية للأخرى حدث للنملة حالة كالسكون بالنسبة إلى الأمور الثابتة. وإن فضلت إحداهما على الأخرى حصل لها حركة بقدر فضل إحداهما على الأخرى.

قال : ( ولا يعلّل الجنس ولا أنواعه بما يقتضي الدور ).

أقول : الظاهر أنّ المراد هو الردّ على أبي هاشم (1) وأتباعه حيث قال - كما حكي - : إنّ جنس الأنواع الأربعة - وهو الحصول في الحيّز - معلّل بمعنى فسّرته طائفة بالكائنيّة ، فالمعنى لا يعلّل الجنس - أي الحصول في الحيّز - ولا أنواعه - أي الحركة والسكون - بالكائنيّة ؛ لأنّ الكائنيّة معلّلة بالكون الذي هو حصول الجوهر في الحيّز ، فلو علّل الحصول بها لزم الدور.

المسألة السادسة : في المتى.

قال : ( الخامس : المتى وهو النسبة إلى الزمان أو طرفه ).

أقول ، لمّا فرغ من البحث عن مقولة الأين شرع في البحث عن المتى (2).

ص: 498


1- نقله عنه في « التوحيد » : 76 ؛ « نقد المحصّل » : 148 ؛ « مناهج اليقين » : 53 - 57 ؛ « نهاية المرام » 3 : 262 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 307 ؛ « شوارق الإلهام » : 490. وذكر الفخر الرازي هذا القول من دون نسبته إلى قائل ونقضه ، كما في « المباحث المشرقيّة » 1 : 1. ونسبه إلى جمهور المتأخّرين في « الأربعين في أصول الدين » : 21 ، ونسبه الإيجي إلى قوم من المعتزلة ، على ما في « شرح المواقف » 6 : 162.
2- حول تعريف المتى راجع « المنطق عند الفارابي » 1 : 108 ؛ « المنطقيّات » 1 : 60 ؛ « الشفاء » المنطقيّات 1 : 231 ؛ « التحصيل » : 414 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 581 ؛ « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 374 ؛ « نهاية المرام » 2 : 383 ؛ « التعريفات » : 257، الرقم 1274 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 307.

والمراد بها نسبة الشيء إلى الزمان أو طرفه بالحصول فيه أو في طرفه كالحروف الآنيّة الحاصلة دفعة.

وهو إمّا حقيقيّ ، وهو كون الشيء في زمان لا يفضل عليه كالصيام في النهار ، والكسوف في ساعة معيّنة. وإمّا غير حقيقيّ كالصلاة فيه أو الكسوف في يوم كذا.

والفرق بين المتى الحقيقيّ والأين الحقيقيّ في النسبة أنّ المتى الواحد قد يشترك فيه كثيرون ، بخلاف الأين الحقيقيّ.

قال : ( والزمان مقدار الحركة من حيث التقدّم والتأخّر العارضين لها باعتبار آخر ).

أقول : الحركة يعرض لها التقدّم والتأخّر وتتقدّر باعتبارهما ؛ فإنّ الحركة لا بدّ لها من المسافة تزيد بزيادتها وتنقص بنقصانها ، ولا بدّ لها من زمان ، ويعرض لأجزائها تقدّم وتأخّر باعتبار تقدّم بعض أجزاء المسافة على بعض ؛ فإنّ الجزء من الحركة الحاصل في الجزء المتقدّم من المسافة متقدّم على الحاصل في المتأخّر ، وكذلك الحاصل في المتقدّم من الزمان متقدّم على الحاصل في متأخّره.

لكنّ الفرق بين تقدّم المسافة وتقدّم الحركة أنّ المتقدّم من المسافة يجامع المتأخّر ، بخلاف أجزاء الحركة ، ويحصل للحركة عدد باعتبارين ، فالزمان هو مقدار الحركة وعددها من حيث التقدّم والتأخّر العارضين لها باعتبار المسافة لا باعتبار الزمان ، وإلاّ لزم الدور.

وإلى هذا أشار بقوله : « باعتبار آخر » مغاير لاعتبار الزمان.

وأمّا ما أفاد الشارح القوشجي (1) - من أنّ معناه أنّ هذا التقدّم والتأخّر العارضين لأجزاء الزمان ليس باعتبار الزمان على ما ذهب إليه الحكماء ، بل باعتبار آخر ؛ لأنّ

ص: 499


1- « شرح تجريد العقائد » : 307.

تقدّم بعض أجزاء الزمان على بعض ذاتيّ لا زمانيّ.

فغير وجيه. ويشهد على ذلك قوله : « لها » لا « له ».

وبالجملة ، فالزمان أمر ممتدّ غير المسافة تتقدّر به الحركة.

وقد يقال : إنّ الزمان كالحركة له معنيان (1) :

أحدهما : أمر موجود في الخارج غير منقسم ، وهو مطابق للحركة بمعنى التوسّط ، ويسمّى بالآن السيّال (2) أيضا.

والثاني : أمر متوهّم لا وجود له في الخارج ، فيكون أمرا ممتدّا وهميّا للحركة بمعنى القطع.

قال : ( وإنّما تعرض المقولة بالذات للمتغيّرات وبالعرض لمعروضها ).

أقول : هذه المقولة التي هي المتى إنّما تعرض بالذات للمتغيّرات كالحركة ، وإنّما تعرض لغيرها بالعرض وبواسطتها ؛ فإنّ ما لا يتغيّر لا تعرض له هذه النسبة إلاّ باعتبار عروض صفات متغيّرة له ، كالأجسام التي تعرض لها الحركات ونحوها من الصفات المتغيّرة ، فتلحقها هذه النسبة.

قال : ( ولا يفتقر وجود معروضها وعدمه إليه ).

أقول : الذي فهمناه من هذا أمران :

أحدهما : أنّ وجود معروض المتغيّرات وعدمه لا يفتقر إلى الزمان ؛ لأنّه مقدار التغيّرات ، وهي متأخّرة عن المتغيّرات التي هي معروضها ؛ ضرورة تقدّم المعروض على عارضه ، والتغيّرات متقدّمة على الزمان ؛ لأنّ الشيء متقدّم على مقداره القائم به ، فتكون المتغيّرات أيضا متقدّمة على الزمان ؛ لأنّ المتقدّم على المتقدّم متقدّم ،

ص: 500


1- انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 160 - 165 ؛ « النجاة » : 115 - 118 ؛ « التحصيل » : 453 - 464 ؛ « المعتبر في الحكمة » 2 : 77 - 80 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 783 - 787 ؛ « المطالب العالية » 5 : 83 - 88 ؛ « نهاية المرام » 3 : 529 - 534.
2- انظر : « المباحث المشرقيّة » 1 : 786 - 787 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 1 : 72 - 75.

فلو افتقر وجود المعروض أو عدمه إليه لزم الدور.

الثاني : أنّ هذه النسبة - التي هي المقولة - عارضة للنسبتين اللّتين إحداهما الزمان ، فالزمان معروض لهذه النسبة ، ووجود هذا المعروض وعدمه لا يفتقر إلى الزمان ، وإلاّ لزم التسلسل.

قال : ( والطرف كالنقطة وعدمه في الزمان لا على التدريج ).

أقول : الطرف عبارة عن الآن ؛ فإنّه طرف للزمان ، والمعنى أنّ وجوده فرضي كوجود النقطة في الجسم ، على ما تقدّم في نفي الجوهر الفرد ؛ لأنّه حدّ مشترك بين الماضي والمستقبل ، والحدود المشتركة بين الكمّيّات المتّصلة ليست أجزاءها ، وإلاّ لما أمكن تقسيمها إلى ما أريد تقسيمها إليه ؛ لأنّ التنصيف يكون تثليثا والتثليث تخميسا وهكذا.

وقد وقع هناك معارضة بأنّ الآن جزء من الزمان ؛ لأنّ عدم الآن إمّا تدريجيّ أو دفعيّ ، والأوّل باطل ، وإلاّ لكان الآن زمانا منقسما لا آنا ، والثاني يقتضي أن يكون آن عدمه متّصلا بآن وجوده ، وإلاّ لزم أن لا يكون في الآن المتوسّط لا موجودا ولا معدوما ، وهو محال ، وتتالي الآنات يستلزم الزمان ، فالآن جزء من الزمان.

والمصنّف أجاب عن تلك المعارضة بقوله : « وعدمه في الزمان [ لا ] على التدريج » والمراد أنّ الشيء الدفعي قد يكون آنيّا لا زمانيّا ، ككون المتحرّك في حدّ معيّن من المسافة فيما بين المبدأ والمنتهى ، فإنّه يوجد في آن لا في زمان قطعا ، وقد يكون زمانيّا لا بمعنى الانطباق عليه ، بل على وجه يوجد في كلّ آن يفرض في ذلك الزمان ، ككون الشيء متحرّكا ، فإنّه زمانيّ يصدق على الجسم في كلّ آن يفرض من آنات زمان حركته ، فعدم الآن دفعيّ لا تدريجيّ ، وهو في الزمان الذي بعده ، لا بمعنى الانطباق عليه ليلزم انقسام الآن وكونه زمانا ، بل بمعنى أن لا يوجد في ذلك الزمان آن إلاّ ويكون عدمه فيه ، فالآن طرف لذلك الزمان وعدمه في جميع ذلك الزمان ، مع أنّ وجود الآن ليس في آن حتّى يتّصل آن عدمه بآن وجوده ، وإلاّ

ص: 501

لزم التسلسل ، فلا تتوجّه المعارضة.

قال : ( وحدوث العالم يستلزم حدوثه ).

أقول : قد بيّنّا فيما تقدّم أن العالم حادث والزمان من جملته ، فيكون حادثا بالضرورة.

والأوائل نازعوا في ذلك ، وقد تقدّم كلامهم والجواب عنهم.

المسألة السابعة : في الوضع.

قال : ( السادس : الوضع وهو هيئة تعرض للجسم باعتبار نسبتين ).

أقول : الوضع من جملة الأعراض النسبيّة.

واعلم أنّ لفظ « الوضع » يقال على معان بالاشتراك :

منها : كون الشيء بحيث يشار إليه إشارة حسّيّة بأنّه هنا أو هناك ، فالنقطة ذات وضع بهذا الاعتبار ، دون الوحدة.

ومنها : هيئة تعرض للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض وبسبب نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عنه ، فهنا نسبتان تقتضيان حصول هيئة للجسم ويقال لها : الوضع ، وهذا هو المقولة المذكورة هنا كالقيام ؛ فإنّه يفتقر إلى حصول نسبة الأجزاء بعضها إلى بعض ونسبة لها إلى الأمور الخارجة ، مثل كون رأس القائم من فوق ورجلاه من أسفل ، ولو لا هذه النسبة لكان الانتكاس قياما.

وإلى هذا أشار بقوله : « باعتبار نسبتين » أي باعتبار نسبة بعضها إلى بعض وباعتبار نسبة الأجزاء إلى الأمور الخارجة.

قال : ( وفيه تضادّ وشدّة وضعف ).

أقول : المراد أنّه قد يقع في الوضع تضادّ كالقيام والانتكاس ؛ فإنّهما هيئتان وجوديّتان بينهما غاية الخلاف ، متعاقبتان على موضوع واحد فتكونان متضادّين.

وقد يقع فيه أيضا شدّة وضعف ؛ فإنّ الانتصاب والانتكاس قد يقبلان الشدّة

ص: 502

والضعف ؛ فإنّ الشيء قد يكون أشدّ انتصابا من غيره وكذا في غيره.

المسألة الثامنة : في الملك قال :

( السابع : الملك ، وهو نسبة التملّك ).

أقول : قد يطلق على الملك الجدة وهي حالة تحصل للشيء بسبب ما يحيط به ، وينتقل بانتقاله سواء كان خلقيّا أم لا ، وسواء أحاط بكلّه أو ببعضه ، ككون الإنسان معمّما أو متقمّصا ، فيخرج الأين ؛ لعدم انتقال المكان بانتقال المتمكّن.

وبالجملة ، فالملك على قسمين : ذاتيّ كحال الهرّة بالنسبة إلى إهابها ، وعرضيّ كبدن الإنسان بالنسبة إلى قميصه.

المسألة التاسعة والعاشرة : في مقولتي الفعل والانفعال.

قال : ( الثامن والتاسع : أن يفعل وأن ينفعل ).

أقول : هاتان مقولتان من المقولات التسع :

الأولى : الفعل ، وهو حالة تحصل للشيء بسبب تأثيره في غيره ، كالقاطع ما دام يقطع.

الثانية : الانفعال ، وهو حالة تحصل للشيء بسبب تأثّره عن غيره ، كالمتسخّن ما دام يتسخّن.

وقد يقال : الظاهر أنّ الفعل والانفعال نفس التأثير والتأثّر ، لا هيئة أخرى تعرض للشيء بسبب التأثير والتأثّر.

وقد اختلفوا في ثبوت هاتين المقولتين عينا أو ذهنا على قولين :

فقد حكي (1) أنّه ذهب الأوائل إلى أنّهما ثابتتان عينا ، لكون تأثير الشيء في غيره

ص: 503


1- حكاه العلاّمة رحمه اللّه في « كشف المراد » : 278 ، وانظر أيضا : « المعتبر في الحكمة » 3 : 19.

وتأثّره عنه ما دام التأثير والتأثّر موجودين ، فإذا انقطعا ، قيل لهما : فعل وانفعال ، ولهذا أوثر لفظ « أن يفعل » و « أن ينفعل » على « الفعل » و « الانفعال » حيث إنّهما قد يقالان للحاصل بعد انقطاع الحركة مع عدم كونه من المقولة.

قال : ( والحقّ ثبوتهما ذهنا ، وإلاّ لزم التسلسل ).

أقول : المصنّف رحمه اللّه ذهب هنا إلى ما ذهب إليه المتكلّمون (1) ، وخالف الأوائل في ذلك ، وجعل هاتين المقولتين أمرين ذهنيّين لا ثبوت لهما عينا ، وإلاّ لزم التسلسل.

ووجه اللزوم : أنّ ثبوتهما يستدعي ثبوت علّة مؤثّرة فيهما ؛ فتلك العلّة لها نسبة التأثير إليهما ، ولهما نسبة التأثّر عنها ، فهناك تأثير وتأثّر آخران ، وذلك يستدعي ثبوت نسبتين أخريين وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فيلزم التسلسل.

وفيه : أنّ الفعل والانفعال لو كانا ذهنيّين خاصّة ، لما ترتّب عليهما الآثار الخارجيّة ، وهو خلاف الضرورة ، والتسلسل ينتفي بالإيجاد الإبداعي والحصول الدفعي والانتهاء إلى النسبة الذاتيّة بمعنى أنّ المنفعل له نسبة إلى الفاعل بسبب الفعل ، والفعل له نسبة إليه بسبب ذاته ، وكذا الانفعال بالنسبة إلى المنفعل ، فالحقّ ثبوتهما عينا.

هذا آخر الكلام في المقدّمات ، ولنصرف عنان البيان إلى المقاصد الأصليّة التي أعلاها الإلهيّات مع صدق النيّات.

والحمد لله على إعطاء الأمور العامّة الكلّيّة والجواهر اللاهوتيّة والأعراض الناسوتيّة. والصلاة والسلام على رسوله وآله خير البريّة.

وكان الفراغ في سنة 1248 ه.

ص: 504


1- ذهب إليه جماعة منهم الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » 1 : 583 - 585 ؛ « المحصّل » : 219 - 220 ؛ « نهاية المرام » 2 : 406 - 408 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 472 - 475 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 309 ؛ « شوارق الإلهام » : 394.

فهرس الموضوعات

دليل الكتاب... 5

تصدير... 7

كلمة شكر وثناء :... 7

مقدّمة التحقيق

التمهيد... 11

المبحث الأوّل : حول الطوسي ومتن التجريد... 13

ميلاده... 13

والده... 13

قالوا عنه :... 13

دراسته... 14

الطوسي والإسماعيليّين... 14

الطوسي والمغول... 15

الطوسي والعلم والعلماء... 16

الطوسي في الميزان... 17

آثاره... 18

حول التجريد وشروحه... 18

وقفة مع متن التجريد :... 21

ص: 505

المبحث الثاني : حول الأسترآبادي و « البراهين القاطعة »... 23

نبذة عن عصر المؤلّف... 23

بعض الملامح عن شخصيّته... 27

نسبه... 28

مولده... 28

وفاته ومدفنه... 28

أساتذته... 28

أولاد الأسترآبادي ؛... 29

أسترآباد... 30

علماء أسترآباد... 31

رحلاته ونشاطاته... 32

مصنّفات الأسترآبادي... 34

نسبة الكتاب إلى مؤلّفه... 40

اسم الكتاب... 40

منهجيّة الكتاب... 40

تاريخ تصنيف هذا الكتاب... 43

بعض آراء المؤلّف ؛... 44

منهج التحقيق... 48

مواصفات النسخ الخطّية... 50

المقدّمة... 65

في بيان أمور خمسة... 65

1. في تعريف علم الكلام... 65

2. في بيان موضوع علم الكلام... 67

3. في فائدة علم الكلام... 69

ص: 506

4. في أنّ علم الكلام أشرف العلوم... 69

5. في الفرق بين أصول الدين وأصول المذهب... 69

بيان أصول الدين إجمالا... 70

معنى أصول المذهب... 71

الشروع بالشرح... 71

توضيح معنى « بسم اللّه الرحمن الرحيم »... 72

بيان منهجيّة الكتاب... 75

المقصد الأوّل

في الأمور العامّة ، وفيه فصول

الفصل الأوّل : في الوجود والعدم ، وفيه مسائل

المسألة الأولى : في تحديد الوجود والعدم... 81

اختلاف الأقوال في تحديدهما... 81

رأي الحكماء... 82

رأي المحقّق الطوسي والفخر الرازي... 83

في الاستدلال على بداهة تصوّر الوجود... 83

الاستدلال الأوّل... 83

الاستدلال الثاني... 84

في بطلان الاستدلالين... 84

نقل قول صدر الدين الشيرازي... 84

نقل قول الشيخ أحمد الأحسائي في معنى الوجود... 85

إنّ الوجود له معنيين : مصدري واسمي... 87

المسألة الثانية : هل الوجود مشترك معنوي أو لفظي؟

مدرك هذه المسألة... 89

اختلاف العلماء في هذه المسألة... 90

ص: 507

رأي المحقق الطوسي... 90

الوجوه المستفادة من رأي الطوسي... 90

الوجه الأوّل في أنّ الوجود مشترك معنوي... 90

الوجه الثاني في أنّ مفهوم العدم واحد... 91

الوجه الثالث في أنّ مفهوم الوجود قابل للتقسيم... 91

بيان ثلاث مقدّمات للوجه الثالث... 91

الردّ على الوجوه الثلاث... 92 و 93

المسألة الثالثة : في زيادة الوجود على الماهيّة

هل الوجود نفس الماهيّة أو زائد عليها... 93

القائلون بأنّ الوجود نفس الماهيّة... 94

أدلّة القائلين بزيادة الوجود على الماهيّة... 94

في أنّه يمكن جعل الوجوه خمسة... 97

في جواب من استدلّ على أنّ الوجود نفس الماهيّة... 97

رأي الأسترآبادي في المسألة... 98

إنّ قيام الوجود بالماهيّة إنّما يعقل في الذهن... 98

المسألة الرابعة : في انقسام الوجود إلى الذهني والخارجي

تقسيم الوجود إلى أصلي ورابطي... 99

في جواب استدلال من نفى الوجود الذهني... 100

علام تطلق الماهيّة... 100

حول أصالة الوجود وأصالة الماهيّة... 101

المسألة الخامسة : الوجود ليس له معنى زائدا على الحصول العيني

المسألة السادسة : الوجود لا تزايد فيه ولا اشتداد

الردّ على القول بالتزايد... 102

المسألة السابعة : في أنّ الوجود خير والعدم شرّ

المسألة الثامنة : في أنّ الوجود لا ضدّ له

ص: 508

المسألة التاسعة : في أنّه لا مثل للوجود

المسألة العاشرة : في أنّ الوجود مخالف لغيره من المعقولات

إشكال وجواب... 105

المسألة الحادية عشرة : في تلازم الوجود والشيئيّة

قول المحقّقين والحكماء في المسألة... 106

قول المعتزلة والردّ عليهم... 106

استدلال الماتن على بطلان القول بثبوت المعدوم... 107

البرهان على انتفاء الماهيّات في العدم... 107

إبطال حجج القائلين بثبوت المعدوم... 108

في دليلهم الثاني على ثبوت المعدوم... 109

جواب الماتن على الدليل الثاني... 109

المسألة الثانية عشرة : في نفي الحال

مذاهب العلماء في هذه المسألة... 110

الإشارة إلى ما احتجّوا به في ثبوت الواسطة بين الموجود والمعدوم... 110

رأي نفاة الحال... 112

اعتذار مثبتي الحال عن التزام النفاة بوجهين... 112

جواب الفخر الرازي عن الوجه الثاني... 113

بطلان ما فرّعوه على ثبوت المعدوم... 113

أحكام إثبات الذوات في العدم... 113

1. في اتّفاقهم أنّ تلك الذوات غير متناهية في العدم... 113

2. إنّ الفاعل لا تأثير له في جعل الجوهر جوهرا... 113

3. اتّفاقهم على انتفاء تباين الذوات... 113

الردّ على المذهب المتقدّم... 114

4. اختلافهم في صفات الأجناس ، وهل هي ثابتة في العدم أم لا؟... 114

مذهب ابن عيّاش المعتزلي في هذه المسألة... 114

ص: 509

رأي الجمهور : أنّها متّصفة بصفات الأجناس في حال العدم... 114

1. الصفة الحاصلة في حالتي الوجود والعدم هي الجوهريّة... 114

2. التحيّز التابع للحدوث... 114

3. الوجود الحاصل بالفاعل... 114

4. الحصول في التحيّز ، وهي الصفة المعلّلة بالمعنى... 114

5. اختلافهم في أنّه هل التحيّز مغاير للجوهريّة؟... 115

مذهب أبي عليّ الجبّائي وابنه وغيرهما... 115

مذهب الشحّام وأبي عليّ البصري وابن عيّاش... 115

6. اتّفاق المثبتين على أنّ المعدوم لا صفة له بكونه معدوما... 116

7. اتّفاقهم على أنّ الذوات المعدومة لا توصف بكونها أجساما... 116

تفاريع القول بثبوت الحال... 116

قسمة الحال إلى المعلّل وغيره... 116

إنّ الذوات كلّها متساوية في الماهيّة... 116

المسألة الثالثة عشرة : في الوجود المطلق والخاصّ

في معنى الوجود... 117

في تقابل الوجود العام والعدم المطلق... 117

في معنى الوجود الخاصّ... 118

إنّ عدم الملكة ليس عدما مطلقا... 118

في أنّه قد يؤخذ الموضوع شخصيّا ونوعيّا وجنسيّا... 118

المسألة الرابعة عشرة : في بساطة الوجود

إنّ الوجود لا جنس له ولا فصل... 119

إنّ الوجود يتكثّر بتكثّر الموضوعات ويقال بالتشكيك على عوارضها... 119

المسألة الخامسة عشرة : في الشيئيّة

الشيئيّة من المعقولات الثانية وليست متأصّلة في الوجود... 120

قول أبي عليّ بن سينا في الشيئيّة... 120

ص: 510

المسألة السادسة عشرة : في تمايز الأعدام وحكمها

المنع من تمايز الأعدام... 121

استدلال الطوسي بثلاثة وجوه... 122

إنّ العدم قد يعرض لنفسه... 122

في جواب من قال : إنّ عدم المعلول علّة لعدم العلّة... 122

في أنّ عدم المعلول ليس علّة لعدم العلّة في الخارج... 123

الاستدلال بعدم العلّة على عدم المعلول برهان لمّيّ... 123

الأشياء المترتّبة في العموم والخصوص وجودا تتعاكس عدما... 123

المسألة السابعة عشرة : في قسمة الوجود إلى المحتاج والغنيّ

المسألة الثامنة عشرة : في الوجوب والإمكان والامتناع

في أنّ الوجود قد يكون خارجيّا أصليّا وقد يكون ذهنيّا ظلّيّا... 125

في اصطلاح « المادّة » و « الجهة » ووجه تسميتهما... 125

البحث في تعريفاتهم للوجوب والإمكان والامتناع... 125

الإشكال بأنّ تعريفاتهم دوريّة... 126

إنّها قد تؤخذ ذاتيّة فتكون القسمة حقيقيّة... 126

إنّ القسمة الحقيقيّة قد تكون للكلّيّ بفصول أو لوازم... 126

قد يؤخذ الوجوب والامتناع باعتبار الغير... 127

اشتراك الوجوب والامتناع في اسم الضرورة... 128

إنّ كلّ واحد منهما يصدق على الآخر... 128

قد يؤخذ الإمكان بمعنى سلب الضرورة عن أحد الطرفين... 128

قد يؤخذ الإمكان بالنسبة للاستقبال... 129

لا يشترط العدم في الحال وإلاّ اجتمع النقيضان... 129

في مذهب من قال : إنّ الممكن الاستقبالي شرطه العدم في الحال... 129

المسألة التاسعة عشرة : أنّ الوجوب والإمكان والامتناع ليست ثابتة في الأعيان

في أنّ هذه الجهات الثلاث اعتبارية... 130

ص: 511

الوجوه الدالّة على أنّه ليس لها تحقّق في الأعيان... 130

لو كان الوجوب ثبوتيّا لزم إمكان الواجب... 130

لو كان الامتناع ثبوتيّا لزم إمكان الممتنع... 131

ولو كان الإمكان ثبوتيّا لزم سبق وجود كلّ ممكن على إمكانه... 131

الإمكان قد يرجع إلى الماهيّة فهو لا تحقّق له في الأعيان... 131

الإمكان قد ينسب إلى الوجود من حيث القرب والبعد... 131

في الفرق بين نفي الإمكان والإمكان المنفيّ... 132

في ردّ العلاّمة على جواب الطوسي على استدلال ابن سينا... 132

في أن الإمكان العقلي على أقسام : ذاتي واستعدادي ووقوعي... 132

المسألة العشرون : في الوجوب والإمكان والامتناع المطلقة

الوجوب قد يكون ذاتيّا وقد يكون بالغير... 132

إنّ معروض ما بالغير منهما ممكن... 133

في أنّه لا ممكن بالغير... 133

المسألة الحادية والعشرون : في عروض الإمكان للماهيّة

عند اعتبار الوجود والعدم بالنسبة إلى الماهيّة يثبت الوجوب بالغير... 134

في أنّه لا منافاة بين الإمكان والغيريّ... 134

إنّ كلّ ممكن العروض ذاتيّ ولا عكس... 134

المسألة الثانية والعشرون : في علّة الاحتياج إلى المؤثّر

إنّ الإمكان هو علّة الاحتياج لا غير... 135

إنّه الحدوث لا غير... 135

إنّه الإمكان والحدوث معا بكون الحدوث شرطا... 135

وقيل : علّة الاحتياج هو الإمكان بشرط الحدوث... 135

ترجيح الأسترآبادي لمذهب الطوسي في أنّ الإمكان هو العلّة لا غير... 135

الوجوه الدالّة على أنّ الإمكان هو العلّة... 135

الإشكال على الوجه الثاني... 136

ص: 512

إنّ الحكم باحتياج الممكن ضروري... 136

اختلاف الناس في ضروريّة احتياج الممكن... 136

المسألة الثالثة والعشرون : عدم كفاية الأولويّة الذاتيّة

في عدم تصوّر الأولويّة لأحد الطرفين بالنظر إلى ذاته... 136

اعتراض وردّه... 137

المسألة الرابعة والعشرون : في أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد

الأولويّة الخارجية لا تكفي في وجود الممكن أو عدمه... 138

اعتراض وردّ المصنّف عليه... 139

في أنّ كلّ ممكن موجود أو معدوم فإنّه محفوف بوجوبين... 139

المسألة الخامسة والعشرون : في أنّ الإمكان لازم للممكن

إنّ وجوب الفعليّات يقارنه جواز العدم... 140

إنّ الوجوب هو تأكّد الوجود وقوّته... 140

المسألة السادسة والعشرون : في الإمكان الاستعدادي

في قبول الاستعداد للشدّة والضعف... 140

في الفرق بين الإمكان الذاتي والاستعدادي... 141

المسألة السابعة والعشرون : في القدم والحدوث

في معنى القديم والحادث... 141

المسألة الثامنة والعشرون : في أقسام السبق

في أنّ أقسام التقدّم خمسة... 142

في معنى التقدّم بالعلّيّة... 142

في معنى التقدّم بالطبع... 142

الفرق بين التقدّم بالعلّيّة والتقدّم بالطبع... 142

في معنى التقدّم بالزمان... 142

في معنى التقدّم بالرتبة ، وأنّها إمّا حسّيّة أو عقليّة... 142

في معنى التقدّم بالشرف... 142

ص: 513

في زيادتهم قسما آخر سمّوه التقدّم الذاتي... 142

الإشكال على التقدّم الذاتي... 143

المسألة التاسعة والعشرون : في أحكام السبق

في مناقشة قولهم : إنّ التقدّم مقول على أنواعه الخمسة بالاشتراك اللفظي... 144

مختار الطوسي أنّه مقول بالاشتراك المعنوي على سبيل التشكيك... 144

التحقيق في المسألة... 144

نقل قول الفاضل اللاهيجي... 144

إنّ التقدّم ليس جنسا لما تحته... 145

في أنّ التفاوت مانع عن الجنسيّة إذا كان بالذات لا بالعرض... 145

المسألة الثلاثون : في حكم القدم والحدوث الحقيقيّين

في أنّ القدم والحدوث قد يكونا حقيقيّين وقد لا يكونان... 145

بيان معنى الحدوث الذاتي... 145

في مذهب من قال : إنّ القدم والحدوث ليسا من المعاني المتحقّقة في الأعيان... 146

في مذهب من قال : إنّهما وصفان زائدان على الوجود... 146

في صدق المنفصلة الحقيقيّة منهما... 147

في صدق المنفصلة الحقيقيّة من الوجوب الذاتي والغيري... 147

المسألة الحادية والثلاثون : في خواصّ الواجب

في استحالة صدق الذاتي على المركّب... 148

رأي بعض المتأخّرين في المسألة... 148

تحقيق الأسترآبادي في المسألة... 148

اعتراض : الممكن ما يحتاج في وجوده إلى غيره... 148

جواب الاعتراض... 148

من خواصّ الواجب أنّه لا يكون جزءا من غيره... 149

إنّ وجود الواجب الوجود لذاته نفس حقيقته... 149

التحقيق في هذه المسألة ورأي الأسترآبادي... 149

إنّ الوجود المعلوم هو المقول بالتشكيك ، أمّا الخاصّ به فلا... 152

ص: 514

تقرير الدليل على ما تقدّم... 152

تقرير الجواب على الدليل المتقدّم... 152

رأي بهمنيار في كتاب التحصيل... 153

في الردّ على من ذهب إلى أنّ وجود اللّه زائد على حقيقته... 153

تقرير الدليل وجوابه... 153

إنّ تأثير الماهيّة - من حيث هي - في الوجود غير معقول... 154

إنّ ما ذكر في إثبات عينيّة وجود الواجب منقوض بالقابل... 154

جواب ما تقدّم... 154

إنّ الوجود من المحمولات العقليّة... 155

إنّ الوجود من المعقولات الثانية... 155

العدم من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى... 156

إنّ جهات الوجود والعدم من المعقولات الثانية أيضا... 156

إنّ الماهيّة من المعقولات الثانية أيضا... 156

الكلّيّة والجزئيّة والذاتيّة والعرضيّة والجنسيّة والفصليّة والنوعيّة كلّها أمور اعتباريّة عقليّة صرفة 157

المسألة الثانية والثلاثون : في تصوّر العدم

إنّ العقل يحكم بالتناقض بين السلب والإيجاب... 157

عدم استحالة اجتماع النقيضين في الذهن دفعة... 157

في أنّ الذهن يمكن أن يتصوّر جميع المعقولات وجوديّة كانت أو عدميّة... 158

في الحكم على رفع الثبوت المطلق من حيث إنّه متصوّر... 158

في الاستدلال على أنّ الذهن يتصوّر عدم جميع الأشياء... 159

الأحكام الذهنيّة قد تؤخذ بالقياس إلى ما في الخارج وقد لا تؤخذ... 160

مناقشة العلاّمة الحلّي لأستاذه الطوسي... 161

تعقيب الأسترآبادي على كلام العلاّمة... 161

المسألة الثالثة والثلاثون : في كيفيّة حمل الوجود والعدم على الماهيّات

في تقسيم الوجود إلى : وجود أصلي ووجود رابطي... 161

ص: 515

في تحقيق معنى « حمل الوجود والعدم ... »... 162

إنّ جهة الاتّحاد قد تكون أمرا مغايرا للمحمول والموضوع... 163

التغاير لا يستدعي قيام الموضوع بالمحمول أو العكس... 163

في قول الحكماء : إنّ الموصوف بالصفة الثبوتيّة يجب أن يكون ثابتا... 164

الإيراد على قول الحكماء... 164

جواب الإيراد من قبل الأسترآبادي... 164

في الجواب عن الشكّ الوارد على سلب الوجود عن الماهيّة... 164

إنّ الحمل والوضع من المعقولات الثانية... 165

المسألة الرابعة والثلاثون : انقسام الموجود إلى ما بالذات وما بالعرض

إنّ للشيء وجودا في الأعيان ووجودا في الأذهان... 166

المسألة الخامسة والثلاثون : في عدم جواز إعادة المعدوم

الآراء في هذه المسألة... 166

الوجوه التي ذكرها الطوسي على عدم جواز إعادة المعدوم... 167

الوجه الأوّل في أنّ المعدوم لا تبقى له هويّة... 167

تحقيق الأسترآبادي في هذا الوجه... 167

الوجه الثاني : فيما لو أعيد تخلّل العدم بين الشيء ونفسه... 167

مناقشة هذا الوجه... 168

الوجه الثالث : عدم وجود فرق بينه وبين المبتدأ... 168

الوجه الرابع : لو أعيد المعدوم صدق المتقابلان عليه دفعة... 168

في دليل امتناع إعادة الزمان... 168

الحكم بامتناع العود لأمر لازم للماهيّة... 169

المسألة السادسة والثلاثون : في قسمة الموجود إلى الواجب والممكن

حكم العقل أنّ الموجود إمّا يكون مستغنيا عن غيره أو محتاجا... 169

الشكّ في أنّ القسمة إلى الواجب والممكن فرع الحكم على الممكن بإمكان الوجود 170

جواب الشكّ من قبل الشارح... 170

شكّ آخر : أنّ الإمكان لو اتّصف به شيء لوجب اتّصافه به... 170

ص: 516

تقرير الجواب عن الشكّ ثمّ بيانه... 170

في جواب من استدلّ على أنّ الإمكان موجود في الخارج... 171

إنكار جماعة لوجود الواجب واحتياج الممكن إلى المؤثّر... 172

رأي المحقّقين في المسألة... 172

فيما ذكروه من أنّ الممكن لو افتقر إلى المؤثّر لكانت مؤثّرية المؤثّر في ذلك الأثر وصفا ممكنا 172

في جواب ما ذكروه آنفا... 172

فيما ذكروه من أنّ المؤثّر إمّا أن يؤثّر حال وجوده أو حال عدمه... 173

في جواب ما تقدّم... 173

في الجواب عن سؤال ثالث... 173

في أنّ عدم الممكن يستدعي عدم علّته... 174

المسألة السابعة والثلاثون : في أنّ الممكن الباقي محتاج إلى المؤثّر

في مذهب من قال : إنّ علّة الافتقار إلى المؤثّر هو الحدوث... 175

قول بعضهم : إنّ الجواهر محتاجة إلى الصانع من جهة الأعراض... 175

مذهب جمهور الحكماء ومتأخّري المتكلّمين... 175

في دليل من قال : إنّ الإمكان علّة تامّة في احتياج الأثر إلى المؤثّر... 175

تحقيق قولهم : المؤثّر لا تأثير له حال البقاء... 176

في جواز استناد القديم الممكن إلى المؤثّر الموجب لو أمكن... 176

في ردّ حجّتهم عن عدم إمكان استناد القديم إلى المؤثّر المختار... 176

منع الفخر الرازي استناد القديم إلى الموجب... 176

المسألة الثامنة والثلاثون : في نفي قديم ثان

اتّفاقهم على أنّ القديم بالذات لا يوصف به سوى ذات اللّه تعالى... 177

اختلافهم في وصف القديم الزماني... 177

رأي الفلاسفة والأشاعرة... 177

إثبات الحرنانيّون خمسة من القدماء... 177

في مذهب ابن زكريّا الرازي الطبيب... 178

ص: 517

المسألة التاسعة والثلاثون : في عدم وجوب المادّة والمدّة للحادث

ذهاب الفلاسفة إلى أنّ كل حادث مسبوق بمادّة ومدّة... 178

المراد من المادّة والمدّة... 179

الأدلّة التي أقامها الفلاسفة على مدّعاهم ومناقشتها... 179

في أنّ أفعال اللّه تعالى على أقسام... 180

من أفعاله تعالى الإنشاء والاختراع... 180

ومنها الإبداع وهو ما يكون مسبوقا بمادّة دون مدّة... 180

ومنها التكوين وهو ما يكون مسبوقا بالمادّة والمدّة... 180

ومنها التكليف المسبوق بكمال المادّة... 180

المسألة الأربعون : أنّ القديم لا يجوز عليه العدم

إنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه... 180

الفصل الثاني : في الماهيّة ولواحقها ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في « الماهيّة » و « الحقيقة » و « الذات »

في معنى الماهيّة لغة واصطلاحا... 183

في معنى الهويّة... 183

إنّ الماهيّة والحقيقة والذات من المعقولات الثانية... 184

إنّ حقيقة كلّ شيء مغايرة لما يعرض لها من الاعتبارات... 184

الماهيّة تكون مع كلّ عارض مقابلة لها مع ضدّه... 184

إنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلاّ هي... 185

في معنى قوله : ولو سئل بطرفي النقيض فالجواب السلب... 185

المسألة الثانية : في أقسام الكلّيّ

قد تؤخذ الماهيّة محذوفا عنها ما عداها... 185

وقد تؤخذ لا بشرط شيء... 186

إنّ هناك اعتباران آخران للكلّيّ... 187

في الكلّيّ الطبيعي والمنطقي والعقلي... 188

ص: 518

اختلاف العلماء في وجوب الكلّيّ الطبيعي حقيقة وعدمه... 188

القول الأوّل : إنّ الكلّيّ الطبيعي موجود في الخارج... 188

القول الثاني : إنّ الكلّيّ الطبيعي غير موجود... 188

في حجج القول الأوّل ومناقشتها... 189

في حجج القول الثاني ومناقشتها... 189

اختيار الأسترآبادي للقول الأوّل والاستدلال له... 190

المسألة الثالثة : في انقسام الماهيّة إلى البسيطة والمركّبة

إنّ وصف البساطة والتركيب اعتباريّان عقليّان عارضان... 191

إنّ وصف البساطة والتركيب قد يتضايفان... 191

في جواز أن يكون البسيط مركّبا إذا أخذ الوصفان بالمعنى الاعتباري... 191

في النسبة بين البسيط الإضافي والبسيط الحقيقي... 192

فيما نقله الأسترآبادي من الإيرادات على ما تقدّم... 192

اختلافهم في أنّ الماهيّات الممكنة هل هي مجعولة أم لا؟... 192

مختار الطوسي أنّها مجعولة من البسيط والمركّب... 192

بعض العلماء اختار أنّ الماهيّة غير مجعولة مطلقا... 192

وبعض آخر قال باحتياج المركّبة فقط إلى المؤثّر... 193

إيراد : المجعوليّة - بمعنى جعل الماهيّة تلك الماهيّة - منتفية... 193

تحقيق الأسترآبادي في المسألة... 193

إنّ البسيط والمركّب قد يقومان بأنفسهما وقد يفتقران إلى المحلّ... 193

إنّ المركّب يتركّب عمّا يتقدّمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج... 194

التقدّم يستلزم استغناء الجزء عند تحقّق الكلّ عن السبب... 195

الخواصّ الثلاث لكلّ ذاتي على الإطلاق... 195

وجوب تقدّم الذاتي في الوجودين والعدمين... 195

استغناء الذاتي عن الواسطة في التصديق... 195

الاستغناء عن السبب في الثبوت الخارجي... 195

المسألة الرابعة : في أحكام الجزء

التركيب قد يكون اعتباريّا وقد يكون حقيقيّا... 195

ص: 519

قد تتميّز أجزاء الماهيّة في الخارج وقد تتميّز في الذهن... 196

إذا اعتبر عروض العموم ومضايفة للأجزاء تحدث قسمة... 197

إنّ أجزاء الماهيّة قد تكون متداخلة أو متباينة... 197

إنّ المتداخلة قد يكون العامّ فيها مطلقا أو متقوّما بالخاصّ... 197

إنّ المتباينة ما تركّبت من الشيء وإحدى علله أو معلولاته أو... 197

قد تؤخذ أجزاء الماهيّة باعتبارها موادّ أو تؤخذ باعتبارها مجعولة... 198

إذا اعتبرنا حمل الجزء على الماهيّة حصلت الجنسيّة والفصليّة... 198

إنّ جعل الجنس والفصل جعل واحد... 198

الجنس كالمادّة وهو معلول والفصل كالصورة وهو علّة... 199

إنّ ما لا جنس له لا فصل له... 199

الفصل منه ما هو تامّ ومنه غير تامّ... 200

التركيب العقلي لا يكون إلاّ من الجنس والفصل... 201

الجنس والفصل المترتّبان في العموم والخصوص يجب تناهيهما... 201

قد يكون منهما ما هو عقليّ وطبيعيّ ومنطقيّ... 201

وقد يكون منهما ما هو عوال وسوافل ومتوسّطات... 201

إنّ من أقسام الجنس ما هو مفرد... 202

قد يجتمع الجنس والفصل في شيء واحد مع تقابلهما... 202

لا يمكن أخذ الجنس بالنسبة إلى الفصل... 202

المسألة الخامسة : في التشخّص

إنّ التشخّص من الأمور الاعتباريّة... 203

الماهيّة النوعيّة من حيث هي هي لا يمنع نفس تصوّرها من الشركة... 203

في الجواب عن سؤال مقدّر... 203

إنّ سبب التشخّص قد يكون نفس الماهيّة المشخّصة وقد يكون غيرها... 204

إنّه لا يحصل التشخّص بانضمام كلّيّ عقلي إلى مثله... 205

التمايز يغاير التشخّص... 205

إنّه لا يوجد عموم مطلق بين التشخّص والتميّز... 205

ص: 520

المسألة السادسة : في البحث عن الوحدة والكثرة

التشخّص يغاير الوحدة التي هي عبارة عن عدم الانقسام... 206

الوحدة مغايرة للوجود... 206

في الردّ على من ظنّ أنّ الوجود والوحدة عبارتان عن شيء واحد... 206

المسألة السابعة : في أنّ الوحدة غنيّة عن التعريف

لا يمكن تعريف الوحدة إلاّ باعتبار اللفظ... 207

الوحدة والكثرة عند العقل والخيال تستويان في كون كلّ منهما أعرف من صاحبه بالاقتسام 207

المسألة الثامنة : في أنّ الوحدة ليست ثابتة في الأعيان

ليست الوحدة أمرا عينيّا ، بل هي من ثواني المعقولات... 207

المسألة التاسعة : في التقابل بين الوحدة والكثرة

إنّ تقابلهما لإضافة العلّيّة والمعلوليّة ... لا لتقابل جوهري بينهما... 208

من أصناف التقابل... 208

المسألة العاشرة : في أقسام الوحدة

إنّ معروض الوحدة والكثرة قد يكون واحدا... 209

إذا كانت جهة الوحدة عارضة للكثرة فأقسامه ثلاثة... 210

فيما لو كانت جهة الوحدة مقوّمة لجهة الكثرة... 210

فيما لو كان الموضوع للوحدة لا يقبل الانقسام... 210

لو كان الموضوع للوحدة قابلا للانقسام... 211

في نقل إيراد ذكره القوشجي في شرحه... 211

الوحدة من المعاني المقولة على ما تحتها بالتشكيك... 211

الهوهو عبارة عن الحمل الإيجابي بالمواطأة... 212

الوحدة في الوصف العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغاير المضاف إليه... 212

الوحدة في الوصف العرضي الكيفي تسمّى مشابهة وفي الكمّيّ تسمّى مساواة

... 212

الوحدة في الوصف الذاتي لها اسم آخر ، ففي النوع تسمّى مماثلة وفي... 212

الوحدة ليست بعدد ، بل هي مبدأ العدد المتقوّم بها لا غير... 213

ص: 521

إنّ الوحدة مبدأ العدد وهو يحصل منها... 213

اتّحاد الاثنين غير معقول ؛ لأنّهما بعد الاتّحاد... 213

ليس قولنا : هو هو اتّحادا مطلقا... 213

إنّ العدد إنّما يتقوّم بالوحدات لا غير... 213

الوحدة إذا أضيفت إليها وحدة أخرى حصلت الاثنينيّة... 213

ذهاب قوم غير محقّقين إلى أنّ الاثنين ليس من العدد... 213

في تخطئة ما ذهب إليه القوم... 214

إنّ كلّ واحد من أنواع العدد أمر اعتباري ليس بثابت في الأعيان... 214

الوحدة قد تعرض لذاتها ومقابلها وتنقطع بانقطاع الاعتبار... 215

الوحدة قد تعرض لها شركة فتتخصّص بالمشهوري... 215

تضاف الوحدة إلى موضوعها باعتبارين وإلى مقابلها بثالث... 216

الوحدة تعرض لها إضافات ثلاثة... 216

المسألة الحادية عشرة : في البحث عن التقابل

المقابل للوحدة يعرض له ما يستحيل عروضه للوحدة... 216

إنّ أصناف التقابل أربعة... 217

في معنى المتخالفين والمتقابلين والمتماثلين... 217

المتقابلان قد يكون أحدهما وجوديا والآخر عدميا أو أن يكونا وجوديّين ولا يمكن أن يكونا عدميّين 218

المتقابلان إمّا أن يوجدا باعتبار القول والعقد أو بحسب الحقائق أنفسها... 218

قول ابن سينا في الشفاء عن معنى الإيجاب... 218

إنّ التضايف قد يعرض له مفهوم التقابل... 219

التقابل لا يقال على أصنافه الأربعة بالسويّة بل بالتشكيك... 220

ما قيل : إنّ تقابل السلب والإيجاب أشدّ من تقابل التضادّ... 220

المسألة الثانية عشرة : في أحكام التناقض ونحوه

في معنى التناقض... 220

تحقّق التناقض في المفردات لا يتوقّف على شرط... 221

ص: 522

شروط التناقض وحدة الموضوع ووحدة المحمول والزمان والمكان والإضافة والكلّ أو الجزء والشرط والقوّة أو الفعل 221

شروط التناقض ثمانية في القضايا الشخصيّة أمّا المحصورة فبشرط تاسع... 222

القضيّة إمّا مسوّرة أو شخصيّة أو مهملة... 222

الشرط التاسع في القضيّة المحصورة هو الاختلاف بالكمّ... 222

لا بدّ من الاختلاف في الجهة في القضايا الموجّهة... 222

في بيان المراد من « الجهة »... 222

اشتراط اتّحاد الجهة في حصول التناقض في القضايا الموجّهة... 223

العلماء يحكمون بانتفاء التناقض عند اختلاف الجهة التقييديّة... 223

إذا قيّد العدم بالملكة في القضايا سمّيت معدولة... 224

قد يستلزم الموضوع أحد الضدّين بعينه أو لا بعينه وقد لا يستلزم... 224

في أنّه لا يعقل للواحد ضدّان... 225

إنّ التضادّ منفيّ عن الأجناس... 225

التضادّ في الأنواع مشروط باتّحاد الجنس... 225

إنّ الجنس والفصل في الخارج شيء واحد... 225

إشكال يورد على اشتراط دخول الضدّين تحت جنس واحد... 226

جواب الإشكال المتقدّم... 226

إيراد بأنّ التضادّ كثيرا ما يكون بين الأمور الاعتباريّة... 226

الفصل الثالث : في العلّة والمعلول

المسألة الأولى : في تعريف العلّة والمعلول

المسألة الثانية : في أقسام العلّة

العلّة إمّا فاعليّة أو مادّيّة أو صوريّة أو غائيّة... 228

في معنى الصورة والمادّة... 228

في معنى الفاعل المختار والمضطرّ والموجب... 228

متى تسمّى العلّة تامّة أو مستقلّة... 228

ص: 523

في أحكام العلّة الفاعليّة... 229

إنّ الفاعل مبدأ التأثير وعند وجوده يجب وجود المعلول... 229

في الردّ على من ذهب إلى أنّ التأثير إنّما يكون لما سبق بالعدم... 229

ذهاب قوم إلى أنّ احتياج الأثر إلى المؤثّر هو آن حدوثه... 229

في القاعدة المشهورة « أنّ الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد »... 230

إنّ العلّة الواحدة لا يصدر عنها إلاّ معلول واحد... 231

في جواب استدلال المتكلّمين وهو أنّه لو لم يصدر عن الواحد... 231

في أنّه مع وحدة المعلول تتّخذ العلّة... 231

إذا كانت العلّة واحدة بالنوع كان المعلول كذلك... 232

إنّ نسبة العلّيّة والمعلوليّة من المعقولات الثانية... 232

قد تجتمع نسبة العلّيّة والمعلوليّة في الشيء الواحد... 232

المسألة الرابعة : في بطلان التسلسل

في عدم ترقّي معروض العلّيّة والمعلوليّة في سلسلة واحدة إلى غير النهاية... 233

الاحتجاج على ما تقدّم بوجوه... 234

في بيان الوجه الأوّل ومناقشة الأسترآبادي له... 234

الوجه الثاني الدال على امتناع التسلسل هو « برهان التطبيق »... 235

الوجه الثالث هو « برهان التضايف » والذي يرجع إلى برهان التطبيق... 235

في بيان برهان التضايف... 235

الوجه الرابع على امتناع التسلسل... 236

تقرير الوجه الرابع... 236

المسألة الخامسة : في متابعة المعلول للعلّة في الوجود والعدم

إنّ نسبة العلّيّة مكافئة لنسبة المعلوليّة في طرفي الوجود والعدم... 237

في بيان أنّ عدم المعلول لا يستند إلى ذاته... 237

في دفع الإيراد القائل بأنّ الوجودي يجوز أن يكون هو الواجب تعالى... 237

في الاستدلال على بطلان كون الوجودي علّة للعدمي... 237

رأي الأسترآبادي في المسألة... 238

ص: 524

المسألة السادسة : في أنّ القابل لا يكون فاعلا

في استدلال الحكماء على أنّ البسيط الحقيقي الذي لا تعدّد فيه أصلا لا يكون مصدرا لأثر وقابلا له 238

المسألة السابعة : في نسبة العلّة إلى المعلول

في أنّ العلّة إن كان معلولها محتاجا لماهيّته إليها وجب كونه مخالفا لها... 239

في دفع إيراد... 240

في الردّ على الأشاعرة الذين جوّزوا الترجيح بلا مرجّح... 240

المسألة الثامنة : في أنّ مصاحب العلّة ليس بعلّة

إنّ نسبة العلّيّة لا يجب صدقها على ما يصاحب العلّة... 240

نقل كلام الشيخ أبي عليّ بن سينا... 241

المسألة التاسعة : في أنّ أشخاص العناصر ليست عللا ذاتيّة

إنّ الشخص من العناصر ليس علّة ذاتيّة لشخص آخر منها... 242

إنّ الشخص من العناصر يستغني عن الشخص الآخر بغيره... 242

دفع إيراد على ما تقدّم... 242

في ذكر وجه ثالث على امتناع تعليل أحد الشخصين بالآخر... 242

الوجه الرابع على الامتناع... 242

في بيان وجه خامس على امتناع تعليل أحد الشخصين بالآخر... 243

المسألة العاشرة : في كيفيّة صدور الأفعال

إنّ الأفعال الاختياريّة المنسوبة إلى النفس الحيوانيّة لها مبادئ أربعة... 243

الأوّل : الخطور والتصوّر الجزئي للشيء الملائم... 243

الثاني : اعتقاد النفع الموجب للشوق... 243

الثالث : العزم الحاصل من شدّة الاعتقاد... 243

الرابع : الحركة من القوّة المنبثّة في العضلات... 243

الحركة إلى مكان تتبع الإرادة بحسبها ، وجزئيّات تلك الحركة... 244

جواب عن سؤال مقدّر... 244

المسألة الحادية عشرة : القوى الجسمانيّة إنّما تؤثّر بمشاركة الوضع

يشترط في صدق التأثير على المقارن الوضع الخاص بينه... 245

ص: 525

المسألة الثانية عشرة : في تناهي آثار القوى الجسمانيّة

التناهي بحسب المدّة والعدّة والشدّة التي باعتبارها يصدق التناهي... 245

إنّ أصناف القوى ثلاثة... 246

الأوّل : قوى يفرض صدور عمل واحد منها في أزمنة مختلفة... 246

الثاني : قوى يفرض صدور عمل ما منها على الاتّصال في أزمنة مختلفة... 247

الثالث : قوى يفرض صدور أعمال متوالية منها مختلفة بالعدد... 247

إنّ القوى الجسمانيّة إمّا قسريّة أو طبيعيّة ، وكلاهما يستحيل صدور ما لا يتناهى عنهما 247

نقل كلام العلاّمة الحلّي في كشف المراد... 248

في استحالة أن تكون القوّة المؤثّرة فيما لا يتناهى طبيعيّة... 248

في تقرير الاستحالة... 248

المسألة الثالثة عشرة : في العلّة الماديّة

إنّ المحلّ المتقوّم بالحالّ هو الهيولى المتقوّمة بالصورة والمقوّم للحالّ هو الموضوع

... 249

إنّ الهيولى باعتبار الحالّ تسمّى قابلة وباعتبار المركّب تسمّى مادّة... 249

قد يحصل القرب والبعد باستعدادات يكتسبها باعتبار الحالّ فيه... 249

الجواب عن سؤال مقدّر... 250

المسألة الرابعة عشرة : في العلّة الصوريّة

إنّ الحالّ صورة للمركّب وجزء فاعل لمحلّه... 250

فيما ذكره الأوائل من أنّ الصورة المقوّمة للمادّة لا تكون فوق واحدة... 251

المسألة الخامسة عشرة : في العلّة الغائيّة

إنّ العلّة الغائيّة هي المسمّاة ب- « الغرض »... 251

إنّ كلّ فاعل بالقصد والإرادة إنّما يفعل لغرض وغاية ما... 251

إثبات الأوائل غايات للحركات الأسطقسيّة... 252

في نفي بعض لما أثبته الأوائل... 252

مبادئ القوّة الحيوانيّة... 252

في معنى الجزاف والعبث والقصد والعادة... 252

الغاية - عند الحكماء - قد تطلق على ما ينتهي إليه الفعل... 253

ص: 526

في إثباتهم الغايات للقوى الطبيعيّة مع أنّه لا شعور لها... 253

إنّ ما يؤدّي تأدية دائميّة أو أكثريّة يسمّى سببا ذاتيّا... 253

في نفي قوم للعلل الاتّفاقيّة... 253

في جواب ما ذكروه من النفي... 253

المسألة السادسة عشرة : في أقسام العلّة بقسمة أخرى

إنّ العلّة - مطلقا - قد تكون بسيطة وقد تكون مركّبة... 253

فيما منع منه البعض من التركيب في العلل... 254

المبادئ الأربعة قد تكون بالقوّة وقد تكون بالفعل... 254

إنّ العلل قد تكون كلّيّة وقد تكون جزئيّة... 255

قد تكون العلل ذاتيّة وقد تكون عرضيّة... 255

قد تطلق العلّة العرضيّة على ما مع العلّة... 255

في معنى العلّة العامّة والعلّة الخاصّة... 255

في معنى العلّة القريبة والعلّة البعيدة... 255

قد تكون العلّة مشتركة وقد تكون خاصّة... 255

في معنى الحادث الزماني... 256

في سبب إطلاقهم على العدم اسم المبدأ بالعرض... 256

إنّ الفاعل في الوجود هو بعينه الفاعل في العدم... 256

الموضوع من العلل التي يتوقّف عليها وجود الحادث... 256

المسألة السابعة عشرة : افتقار المعلول إنّما هو في أحد طرفيه

إنّ أسباب الماهيّة غير أسباب الوجود... 257

أسباب الماهيّة باعتبار الوجود الذهني هي الجنس والفصل... 257

في أنّه لا بدّ للعدم من سبب... 257

في جواب سؤال... 257

في جواب ما توهّمه بعض القاصرين أنّ العدم أولى بالأعراض السيّالة... 257

المسألة الثامنة عشرة : في بيان بعض أحكام العلّة المعدّة

من العلل المعدّة ما يؤدّي إلى مثل أو خلاف أو ضدّ... 257

ص: 527

الإعداد منه ما هو قريب ومنه ما هو بعيد... 258

إنّ العلل العرضيّة تقال باعتبارين... 258

الأوّل : تأثيرها في شيء ثمّ يتبع ذلك الشيء شيء آخر... 258

الثاني : أن يكون للعلّة وصف ملازم... 258

المقصد الثاني

في الجواهر والأعراض ، وفيه فصول

الفصل الأوّل : في الجواهر ، وفيه مسائل

المسألة الأولى : في قسمة الممكنات بقول كلّيّ

إنّ الممكن إمّا أن يكون موجودا في الموضوع وهو العرض أو لا وهو الجوهر... 261

الموضوع هو المحلّ المتقوّم بذاته المقوّم لما يحلّ فيه... 261

الموضوع والمادّة يشتركان اشتراك أخصّين تحت أعمّ واحد وهو المحلّ... 261

الصورة والعرض يشتركان اشتراك أخصّين تحت أعمّ واحد هو الحالّ... 261

إنّ تقديم العرض على الجوهر في القسمة لأجل اشتماله على القيد الثبوتي... 261

الواجب خارج عن تعريف الجوهر - هنا - لأنّ المصنّف جعل المقسم هو الممكن 262

فيما إذا جعل المقسم الوجود المطلق... 262

فيما إذا جعلنا الجوهر عبارة عن محلّ العرض أو المتقوّم بنفسه... 262

فيما لو تنزّلنا وسلّمنا عموميّة الجوهر... 262

في قسمة الجوهر إلى أنواع... 262

الجوهر إمّا أن يكون مفارقا في ذاته ... وهو العقل أو مفارقا في ذاته لا في فعله وهو النفس الناطقة 262

وإمّا أن يكون الجوهر غير مفارق... 262

الموضوع والمحلّ يتعاكسان وجودا في العموم والخصوص... 263

إنّ بين الموضوع والعرض مباينة... 263

العرض قد يصدق على المحلّ والحالّ جزئيّا لا كلّيّا ، وكذا الجوهر... 263

المسألة الثانية : في أنّ الجوهر والعرض ليسا جنسين لما تحتهما

الجوهريّة والعرضيّة من ثواني المعقولات... 23

ص: 528

نقل كلام العلاّمة الحلّي في المسألة... 263

في مناقشة الأسترآبادي لاستدلال العلاّمة... 264

استدراك الأسترآبادي بأنّ الجوهريّة مفهوم اعتباري يصدق عليه أنّه معقول ثان لا الجوهر 264

سؤال وجوابه... 264

دليل ثان على كون الجوهر عرضا عامّا لجزئيّاته لا جنسا لها... 265

اختلاف الأنواع إنّما يكون في الأولويّة... 265

ردّ ما استدلّ به في الدليل الثاني... 265

المعقول اشتراكه عرضيّ ، وهذا هو الدليل الثالث... 265

في بيان حجّة هذا الدليل... 266

المسألة الثالثة : في نفي التضادّ عن الجواهر

الردّ على أبي هاشم وأتباعه الذين جعلوا للجوهر أضدادا هي الفناء... 266

في إطلاق التضادّ على البعض باعتبار آخر... 266

المسألة الرابعة : وحدة المحلّ لا تستلزم وحدة الحالّ

المحلّ الواحد قد يحلّ فيه أكثر من حالّ واحد مع الاختلاف... 267

إنّه لا يجوز أن يحلّ المثلان في محلّ واحد... 267

في تخطئة كلام أبي هاشم وغيره في التأليف... 267

في أنّ كلام بعض الأوائل من الفلاسفة في الإضافات خطأ... 267

إنّ طبيعة انقسام المحلّ لا تستلزم انقسام الحالّ... 268

في ذهاب قوم إلى أنّ انقسام المحلّ يقتضي انقسام الحالّ... 268

الأعراض السارية الحالّة حلولا سريانيّا إذا حلّت محلاّ منقسما انقسمت... 268

المسألة الخامسة : في استحالة انتقال الأعراض

إنّ الموضوع من جملة المشخّصات... 269

قول العلاّمة بأنّ الحكم بامتناع انتقال الأعراض قريب من البيّن... 269

مناقشة الأسترآبادي لكلام العلاّمة... 269

في أنّه قد يفتقر الحالّ إلى محلّ متوسّط... 269

في أنّ الحالّ قد يحلّ في الموضوع من غير واسطة... 269

ص: 529

المسألة السادسة : في نفي الجزء الذي لا يتجزّأ

إنّ هذه المسألة هي محلّ نزاع... 270

في تعريف الجسم الطبيعي... 270

في معنى الجسم التعليمي... 270

الجسم الطبيعي إمّا مفرد أو مركّب... 270

إنّ الجسم المفرد قابل للانقسام ، والانقسام إمّا ممكن حاصل فيه بالفعل أو لا... 270

ذهاب جماعة إلى أنّ الجسم مركّب من الجواهر المفردة... 270

ذهاب بعض إلى أنّ الجسم بسيط في نفسه... 271

رأي الشهرستاني صاحب « الملل والنحل »... 271

رأي جمهور الحكماء في المسألة... 271

نفي المحقّق الطوسي للجزء الذي لا يتجزّأ... 271

الدليل الأوّل على نفي الجزء الذي لا يتجزّأ... 271

الدليل الثاني على نفي الجزء الذي لا يتجزّأ... 271

الدليل الثالث على نفي الجزء الذي لا يتجزّأ... 271

ومن الأدلّة التي التزموها على نفيه تفكيك أجزاء الرحى... 273

ومن الأدلّة أيضا سكون المتحرّك... 273

ومن الأدلّة انتفاء الدائرة مع أنّها موجودة بالحسّ... 274

في الجواب عن حجّة من أثبت الجزء... 274

في جواب حجّة أخرى... 275

في جواب الحجّة الثالثة... 275

في الاستدلال على أنّ الحركة لا تتركّب ممّا لا يتجزّأ... 276

في إبطال مذهب القائلين بعدم تناهي الأجزاء فعلا... 277

الوجه الثاني في إبطال القول بعدم تناهي الأجزاء... 278

إشكال الأسترآبادي على الاستدلال للوجه الثاني... 278

الوجه الثالث في إبطال عدم تناهي الأجزاء... 278

اعتذار المثبتين عن الوجه الأوّل بالتداخل... 278

ص: 530

اعتذارهم عن الوجهين الآخرين بالطفرة... 279

في إبطال مذهب ذيمقراطيس... 279

إنّ القسمة إمّا أن توجب انفصالا في الخارج أو لا... 279

في معنى القسمة الانفكاكيّة... 279

في معنى القسمة الفرضيّة... 279

إنّ جواز القسمة الوهميّة ملزوم لجواز القسمة الانفكاكيّة... 280

في امتناع القسمة الانفكاكيّة على بعض الأجسام... 280

المسألة السابعة : في نفي الهيولى

اختلاف العلماء في ثبوت الهيولى وعدمه على قولين... 281

ذهاب أرسطو ومن تبعه إلى ثبوت الهيولى... 281

ذهاب أفلاطون ومن تبعه إلى عدم ثبوتها... 281

اختيار المحقّق الطوسي مذهب أفلاطون... 282

رأي أبي البركات البغدادي وجماعة من المتكلّمين... 282

نقل كلام ابن سينا من أنّ الجسم مركّب من هيولى وصورة... 282

استدراك المحقّق الطوسي على كلام الشيخ ابن سينا... 282

في معنى « الهيولى الأولى »... 283

في معنى « الجسم الطبيعي »... 283

في معنى « الجسم التعليمي »... 283

المسألة الثامنة : في إثبات المكان

لكلّ جسم مكان طبيعي يطلبه عند الخروج على أقرب الطرق... 283

إنّما يرجع الجسم إلى المكان الطبيعي على أقرب الطرق وهو الاستقامة... 283

إنّ المكان الطبيعي واحد ، فلو تعدّد لانتفى... 283

إنّ مكان المركّب مكان الغالب أو ما اتّفق وجوده فيه... 284

في تعريف الشكل... 284

الشكل قد يكون طبيعيّا وقد يكون قسريّا... 284

في سبب كون الشكل الطبيعي مستديرا والأشكال الباقية قسريّة... 284

ص: 531

المسألة التاسعة : في تحقيق ماهيّة المكان

في معنى المكان لغة... 285

إنّ للمكان إطلاقين... 285

اختلاف أرباب العقول في حقيقة المكان... 285

عند المشّائين أنّ المكان هو السطح الباطن للجسم الحاوي... 285

وعند الإشراقيين هو البعد الموجود المجرّد عن المادة... 285

وعند المتكلّمين هو البعد الموهوم الذي يشغله الجسم... 285

الحيّز هو الفراغ الموهوم المشغول بالمتحيّز... 285

الحيّز - عند بعض - هو ما يوجب الامتياز في الإشارة الحسّيّة... 286

المحقّق الطوسي اختار مذهب من قال بالبعد... 286

في بيان الدليل على مختار الطوسي... 286

رأي الأسترآبادي في المسألة... 287

إنّ البعد منه ملاق للمادّة ومنه مفارق... 287

شبهة أنّ المكان لو كان هو البعد لزم اجتماع البعدين... 287

في بيان هذه القضيّة الشرطيّة... 287

في بيان مذهب المخالفين القائلين بأنّ المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي 288

الوجه الأوّل أنّه لو كان المكان سطحا لتضادّت الأحكام... 288

الوجه الثاني على بطلان القول بالسطح... 289

المسألة العاشرة : في امتناع الخلاء

اختلاف الناس في جواز الخلاء وعدمه... 289

ذهاب قوم إلى جواز الخلاء وهم القائلون بالبعد المجرّد... 289

الطوسي اختار امتناع الخلاء... 289

في بيان دليل المحقّق الطوسي... 290

الإشكال على ما استدلّ به الطوسي... 290

المسألة الحادية عشرة : في البحث عن الجهة

إنّ الجهة هي طرف الامتداد الحاصل في مأخذ الإشارة... 290

ص: 532

إنّ الجهة لا تكون منقسمة ؛ لأنّها عبارة عن الطرف... 291

الجهة من ذوات الأوضاع التي تتناولها الإشارة الحسّيّة... 291

في تخطئة ما ذهب إليه الشارح القوشجي... 291

في دفع دخل مقدّر... 292

إنّ الجهة على قسمين : طبيعي وغير طبيعي... 292

في تعريف الطبيعي وغير الطبيعي... 292

الفصل الثاني : في الأجسام

الأجسام تنقسم إلى قسمين : فلكيّة وعنصريّة... 293

هذا الفصل يشتمل على مسائل... 293

المسألة الأولى : في البحث عن الأجسام الفلكيّة

الأجسام تنقسم - أيضا - إلى بسيطة ومركّبة... 293

الأجسام البسيطة على قسمين : فلكيّة وعنصريّة... 294

في بيان المراد من الفلك والأجسام الفلكيّة... 294

الحركة الفلكيّة تنقسم إلى المتشابهة وإلى المختلفة تارة... 294

في بيان معنى الحركة الفلكيّة البسيطة... 294

وقد تنقسم الحركة الفلكيّة إلى المفردة والمركّبة... 294

في معنى الحركة الفلكيّة المفردة والمركّبة... 294

الفلك على قسمين : كلّيّ وجزئي... 294

في معنى الفلك الكلّيّ والجزئي... 294

الفلك الكلّيّ تسعة... 294

في وجه إثبات هذه الأفلاك التسعة... 295

عدم تجويز المشهور كون الأفلاك أقلّ من سبعة أو ثمانية... 295

الأفلاك الكلّيّة تشتمل على أفلاك أخرى جزئيّة... 296

فيما أفاده بعض علماء الهيئة... 296

إنّ هيئات أفلاك الكواكب العلويّة مثل هيئة فلك الشمس إلاّ في أمرين... 296

ص: 533

هيئة فلك عطارد تتفاوت عن هيئات أفلاك الكواكب الأربعة في أمرين... 296

إنّ هيئة فلك القمر كهيئة أفلاك الكواكب الأربعة إلاّ في أمرين... 297

إنّ الشمس لها فلكان : الممثّل وخارج المركز... 297

الأفلاك الكلّيّة - غير الفلكين العظيمين - منفصلة إلى أفلاك جزئيّة... 297

إيراد الشارح القوشجي على ما تقدّم... 297

دفع ما قيل من أنّ إثبات الأفلاك على الوجه المخصوص مبنيّ على نفي القادر... 298

في بيان أحوال الأفلاك... 299

من أحوالها : أنّها تشتمل على كواكب غير محصورة... 299

ومن أحوالها : أنّها بسائط غير مركّبة من أجسام مختلفة الطبائع... 299

ومن أحوالها : أنّها خالية من الكيفيّات الفعليّة... 300

تنظّر الأسترآبادي في أدلّة القوم... 300

ومنها : أنّ الأفلاك شفّافة ؛ لأنّها بسائط... 301

ومنها : أنّ الفلك محدّد للجهات... 301

ومنها : أنّ الفلك لا يقبل الكون والفساد والخرق والالتئام... 301

إشكال الأسترآبادي في المسألة... 301

ومنها : أنّ الفلك يتحرّك على الاستدارة دائما... 301

ومنها : أنّ الفلك يتحرّك بالإرادة... 302

في بيان صور دوائر كرة العالم والأفلاك الكلّيّة والجزئيّة... 303

المسألة الثانية : في العنصريّات والبحث عن العناصر البسيطة

العناصر البسيطة أربعة : كرة النار والهواء والماء والأرض... 305

العنصريّات على قسمين : بسيط ومركّب... 305

في سبب إضافة لفظ « كرة » إلى « النار »... 305

إنّ العنصر في اللغة العربيّة بمعنى الأصل كالأسطقس في اليونانيّة... 305

وجه انحصار عدد العناصر في الأربعة هو الاستقراء... 306

إنّ للعناصر أحوالا مشتركة ومختصّة... 306

من أحوالها أنّ كلّ واحد منها يخالف الآخر في الصورة النوعيّة... 306

ص: 534

ومنها : أنّ كلّ واحد منها ينقلب إلى الآخر... 306

ما نقل عن ابن سينا أنّ الصاعقة تتولّد من أجسام ناريّة... 307

الدليل على انقلاب العنصر إلى ملاصقه ابتداء وإلى البعيد بواسطته... 307

في بيان الأحوال المختصّة بالنار... 307

الأولى : أنّها حارّة بشهادة الحسّ... 307

الثانية : أنّها يابسة بشهادة الحسّ أيضا... 308

الثالثة : أنّها شفّافة وإلاّ لحجبت الأبصار عن إبصار الثوابت... 308

الرابعة : أنّها متحرّكة بتبعيّة الفلك... 308

الخامسة : أنّها ذات طبقة واحدة... 308

السادسة : أنّ لها قوّة على إحالة المركّب إليها... 308

في بيان الأحوال المختصّة بالهواء... 308

الأولى : أنّه حارّ ، له الكيفيّة الفعليّة... 308

الثانية : أنّه رطب ، له الكيفيّة الانفعاليّة... 308

الثالثة : أنّه شفّاف... 308

الرابعة : أنّه ذو طبقات أربع :... 308

طبقة ما يمتزج مع النار وطبقة الهواء الغالب وطبقة الهواء... 308

في بيان الأحوال المختصّة بالماء... 309

الأولى : أنّه بارد بشهادة الحسّ... 309

الثانية : أنّه رطب بمعنى البلّة وسهولة التشكّل معا... 309

الثالثة : أنّه شفّاف... 309

الرابعة : أنّه محيط بأكثر الأرض... 309

الخامسة : أنّه ذو طبقة واحدة... 309

في بيان أحكام الأرض... 309

الأوّل : أنّها باردة... 309

الثاني : أنّها يابسة... 309

الثالث : أنّها ساكنة في الوسط... 309

تحقيق الأسترآبادي في الحكم الثالث... 310

ص: 535

الرابع : أنّها شفّافة... 310

المناقشة في الحكم الرابع... 310

الخامس : أنّ لها طبقات ثلاثا... 310

المسألة الثالثة : في البحث عن المركّبات

المركّب على قسمين : ناقص ومركّب... 310

المركّب الناقص هو الذي لم تكن له صورة نوعيّة تحفظ تركيبه... 310

المركّب التام هو الذي له صورة نوعيّة تحفظ تركيبه... 310

المركّب غير التامّ على أقسام... 311

منها : السحاب والمطر ونحوه... 311

ومنها : الرعد والبرق... 311

ومنها : الرياح التي قد تكون بسبب تموّج الهواء... 311

ومنها : قوس قزح ، وسببها ارتسام ضوء الشمس... 312

ومنها : الهالة ، وسببها ارتسام ضوء النيّر... 312

ومنها : الشهب ، وسببها أنّ الدخان إذا بلغ... 312

ومنها : الزلزلة وانفجار العيون وسببها أنّ البخار... 312

المركّب التام يحصل من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة... 313

المركّبات تحدث عند تفاعل هذه العناصر الأربعة... 313

في كيفيّة حصول المزاج... 313

في معنى تشابه الكيفيّة المزاجيّة... 313

فيما ذهب إليه انكساغورس وأتباعه... 314

ردّ ما ذهب إليه انكساغورس وأتباعه... 314

بيان كيفيّة تفاعل العناصر بعضها مع بعض... 314

قيل : الفاعل هو الكيفيّة والمنفعل هو المادّة... 315

في ردّ ما قيل آنفا... 315

نقل ما قاله الشيخ الرئيس في الشفاء... 315

في مذهب من قال : إنّ البسائط إذا اجتمعت وتفاعلت بطلت صورتها... 315

في بيان حجّة هذا المذهب... 315

ص: 536

في إبطال الشيخ الرئيس لما ذكروه... 316

اختلاف الأمزجة في الإعداد بحسب قربها وبعدها من الاعتدال... 316

إنّ الأمزجة تختلف باختلاف صغر أجزاء البسائط وكبرها... 317

في أنّ الأمزجة تسعة... 317

الفصل الثالث : في بقيّة أحكام الأجسام

المسألة الأولى : في تناهي الأجسام

مخالفة حكماء الهند في تناهي الأجسام... 319

استدلال الطوسي على تناهي الأجسام بوجهين... 319

الوجه الأوّل : برهان التطبيق... 319

في تقرير برهان التطبيق وبيانه... 319

في تقرير الدليل [ الوجه ] الثاني... 320

المسألة الثانية : في أنّ الأجسام متماثلة ومتّحدة في الحقيقة

رأي جمهور الحكماء والمتكلّمين في المسألة... 321

النظّام قال : إنّ الأجسام مختلفة لاختلاف خواصّها... 322

ردّ ما ذهب إليه النظّام... 322

المسألة الثالثة : في أنّ الأجسام باقية

المشهور أنّ الأجسام باقية زمانين أو أكثر بحكم الضرورة... 322

ما نقل عن النظّام خلاف ذلك... 322

في توجيه ما قاله النظّام... 323

المسألة الرابعة : في جواز خلوّ الأجسام من الطعم والرائحة واللون

في احتجاج المعتزلة على جواز خلوّ الأجسام من الطعم والرائحة واللون... 323

في احتجاج الأشاعرة على امتناع خلوّها من الطعم والرائحة واللون... 323

في ردّ حجّة الأشاعرة... 324

المسألة الخامسة : في أنّ الأجسام تجوز رؤيتها

مذهب الحكماء هو أنّ الأجسام مرئيّة بالعرض لا بالذات... 324

مذهب المتكلّمين أنّها مرئيّة بالذات بشرط تكيّفها بالضوء واللون... 324

ص: 537

اختيار الطوسي لرأي المتكلّمين واستدلاله على ذلك بشهادة الحسّ... 324

المسألة السادسة : في أنّ الأجسام حادثة

اختلاف الناس في هذه المسألة التي هي من أجلّ المسائل وأشرفها... 325

أصحاب الملل والنحل قالوا : إنّ الأجسام حادثة... 325

ذهاب جمهور الحكماء إلى أنّها قديمة... 325

بيان دليل المتكلّمين صغرويّا وكبرويّا... 325

زيادة إيضاح عن دليل المتكلّمين... 325

في بيان إيراد وجوابه... 326

في منع مسبوقية ماهيّة الحركة بالغير... 326

في الاستدلال على حدوث الحركة والسكون... 326

وقد يستدلّ على حدوث الحركة والسكون بجواز العدم على كلّ واحد منهما... 326

مناقشة الاستدلال صغرويّا... 326

أمّا المركّب فهو مركّب من بسائط... 327

مناقشة الاستدلال كبرويّا... 327

استنتاجات الأسترآبادي حول المسألة... 327

في بيان تناهي الحركة والسكون... 327

الحكماء جوّزوا اتّصاف الجسم بحركات لا تتناهى... 327

المتكلّمون منعوا اتّصاف الجسم بحركات لا تتناهى... 327

استدلّ المتكلّمون على قولهم بوجوه... 328

الأوّل : أنّ كلّ فرد حادث فالمجموع كذلك... 328

رأي العلاّمة الحلّي في هذا الوجه... 328

الثاني : أنّها قابلة للزيادة والنقصان ، فتكون متناهية... 328

النقض على ذلك بمعلومات اللّه تعالى ومقدوراته... 328

الثالث : برهان التطبيق... 328

الرابع : برهان التضايف... 328

برهان التضايف لا يتوقّف على اجتماع الأجزاء في الوجود... 329

في أنّ الضرورة تقضي بحدوث ما لا ينفكّ عن حوادث متناهية... 329

ص: 538

الأجسام حادثة لاستحالة قيام الأعراض إلاّ بها... 329

في بيان شبه الفلاسفة والأجوبة عليها... 330

الشبهة الأولى : أنّ المؤثّر التامّ في العالم إمّا أن يكون أزليّا أو حادثا... 330

جواب المتكلّمين عن هذه الشبهة... 330

الشبهة الثانية : أنّ كلّ حادث مسبوق بإمكان وجوده... 332

في جواب هذه الشبهة... 332

الشبهة الثالثة : كلّ حادث فإنّ عدمه سابق على وجوده ، وأقسام السبق منتفية هنا إلاّ الزماني 332

الفصل الرابع : في الجواهر المجرّدة

المسألة الأولى : في العقول المجرّدة

إنّ جماعة من المتكلّمين نفوا هذه الجواهر... 333

الردّ على مزاعم المتكلّمين... 333

انتفاء الجزم بثبوت الجوهر المجرّد الذي هو العقل... 334

ذهاب أكثر الفلاسفة إلى أنّ المعلول الأوّل هو العقل الأوّل... 334

الوجوه على إثبات الجواهر المجرّدة... 334

الوجه الأوّل : أنّ اللّه تعالى واحد من جميع الجهات فلا يكون علّة للمتكثّر... 334

مناقشة الدليل الأوّل بصورة تفصيليّة... 334

قاعدة الواحد لا يصدر عنه أمران... 335

إنّ الوجه الأوّل إنّما يتمّ لو كان المؤثّر موجبا... 336

الوجه الثاني : استدارة الحركة توجب الإرادة المستلزمة للتشبّه بالكامل... 336

تقرير دليل الوجه الثاني... 337

وجود عقل يتشبّه به الفلك في حركته... 338

الجواب على الوجه الثاني : أنّ هذا الكلام مبنيّ على دوام الحركة... 338

إن هذا الوجه يتوقّف على حصر أقسام الطلب... 338

نقل جملة من الاعتراضات والجواب عليها... 338

تطبيق لألفاظ عبارات المتن... 339

ص: 539

الوجه الثالث : الأفلاك ممكنة فلها علة ، فهي إن كانت غير جسم ثبت المطلوب 340

تقرير الوجه الثالث... 340

بيان الوجه الثالث يتوقّف على مقدّمات... 340

إحداها : أنّ الجسم لا يكون علّة إلاّ بعد صيرورته شخصا معيّنا... 340

الثانية : أنّ المعلول حال فرض وجود العلّة يكون ممكنا... 340

الثالثة : أنّ الأشياء المتصاحبة لا تتخالف في الوجوب والإمكان... 340

لو كان الحاوي علّة للمحوي لكان متقدّما بشخصه المعيّن على وجود المحوي... 340

الجواب بعدم التسليم بكون الامتناع ذاتيّا... 341

تطبيق ألفاظ متن التجريد... 341

استدلال بعض أهل الإشراق بالبرهان الأشرف على ثبوت العقل... 341

المسألة الثانية : في النفس الناطقة

إنّ النفس هي كمال أوّل لجسم طبيعي آليّ ذي حياة بالقوّة... 342

هذا البحث هو بحث عن أحد أنواع الجواهر... 342

النفس جوهر مجرّد مفارق عن المادّة في ذاته دون فعله... 342

في معنى قوله صلی اللّه علیه و آله : « من عرف نفسه فقد عرف ربّه »... 342

قد يطلق لفظ النفس على المادّي كالنفس الجماديّة... 342

وقد يطلق على النفس الحيوانيّة الروح البخاريّة... 343

للقوّة العاقلة مراتب أربع... 343

الأولى : العقل الهيولاني المستعدّ للمعقولات... 343

الثانية : العقل بالملكة لحصول المعقولات البديهيّة... 343

الثالثة : العقل بالفعل لحصول المعقولات النظريّة... 343

الرابعة : العقل بالمستفاد باستحضار المعقولات المكتسبة... 343

للقوّة العاملة أيضا مراتب... 343

الأولى : مرتبة النفس الأمّارة... 343

الثانية : مرتبة النفس اللوّامة... 343

الثالثة : مرتبة النفس القدسيّة... 343

الرابعة : مرتبة النفس المطمئنّة... 343

ص: 540

الخامسة : مرتبة النفس الراضية المرضيّة... 343

في شرح قولهم : « النفس كمال أوّل لجسم طبيعي آليّ ذي حياة بالقوّة... 344

المسألة الثالثة : أنّ النفس الناطقة ليست هي المزاج

ذهاب المحقّقين إلى أنّ النفس الناطقة مغايرة للمزاج... 345

ذهاب البعض إلى أنّ النفس الناطقة عين المزاج الذي ينتفي بتلاشي البدن... 345

الاستدلال على مذهب المحقّقين بثلاثة أوجه... 345

الأوّل : أنّ النفس الناطقة شرط في حصول المزاج... 345

مناقشة هذا الوجه... 345

الثاني : أنّ المزاج قد يمانع النفس في مقتضاها... 346

الثالث : هو بطلان أحدهما مع ثبوت الآخر... 346

المسألة الرابعة : في أنّ النفس ليست هي البدن

إبطال قول من ذهب إلى أنّ النفس الناطقة هي البدن بوجوه ثلاثة... 346

الأوّل : غلفة الإنسان عن بدنه وأعضائه وهو متصوّر لذاته ونفسه... 347

الثاني : أنّ البدن جسم ، وكلّ جسم مشارك لغيره من الأجسام... 347

الثالث : أنّ أعضاء البدن وأجزاءه تتبدّل كلّ وقت... 347

المسألة الخامسة : في تجرّد النفس

اختلاف الناس في ماهيّة النفس هل هي جوهر أم عرض... 347

اختلافهم في أنّها هل هي جوهر مجرّد أم لا... 348

المشهور أنّها جوهر مجرّد ، واستدلّ لذلك بوجوه... 348

الأوّل : تجرّد عارضها وهو العلم... 348

تقرير دليل الوجه الأوّل... 348

الاعتراض الوارد على هذا الوجه... 348

الثاني : أنّ العارض للنفس غير منقسم... 349

تقرير الوجه الثاني يتوقّف على مقدّمات... 349

إحداها : أنّ هاهنا معلومات غير منقسمة... 349

الثانية : أنّ العلم بها غير منقسم... 349

الثالثة : أنّ محلّ العلم غير منقسم... 349

ص: 541

الرابعة : أنّ كلّ جسم وكلّ جسماني فهو منقسم... 349

في مناقشة هذه المقدّمات... 349

الثالث : أنّ النفس البشريّة تقوى على ما لا تقوى عليه المقارنات للمادّة... 350

في مناقشة هذا الوجه... 350

الرابع : أنّ النفس لو حلّت في جسم لكانت دائمة التعقّل... 350

في تقرير الوجه الرابع... 350

الخامس : أنّ النفس تستغني في عارضها عن المحلّ فتكون في ذاتها مستغنية... 351

في بيان وجه آخر دالّ على تجرّد النفس... 351

في بيان وجه سابع يدلّ على تجرّد النفس... 352

الإيراد على الوجه السابع... 352

المسألة السادسة : في أنّ النفس البشريّة متّحدة في النوع

اختلاف الناس في هذه المسألة... 353

ذهاب الأكثر إلى أنّ النفوس البشريّة متّحدة بالنوع متكثّرة بالشخص... 353

ذهاب بعض القدماء إلى أنّها مختلفة بالنوع... 353

فيما نسب إلى الفخر الرازي من أنّها مختلفة بالنوع... 353

اختيار المحقّق الطوسي لمذهب المشهور... 353

الاعتراض على استدلال الطوسي حول وحدتها نوعا... 353

في الجواب عن شبهة من استدلّ على اختلافها... 354

المسألة السابعة : في أنّ النفوس البشريّة حادثة

الملّيّون ذهبوا إلى أنّ النفوس البشريّة حادثة... 355

اختلاف الحكماء في حدوث النفس أو عدمه... 355

ذهاب أفلاطون إلى أنّها قديمة... 355

نقل المحقّق نصير الدين لحجّة أرسطو على الحدوث... 355

فى تقرير حجّة أرسطو ومناقشتها... 355

المسألة الثامنة : في أنّ لكلّ نفس بدنا واحدا وبالعكس

إنّ قولهم : « لكلّ نفس بدنا واحدا » حكم ضروري أو قريب منه... 356

في بيان تفريعات هذه المسألة... 356

ص: 542

المسألة التاسعة : في أنّ النفس لا تفنى بفناء البدن

القائلون بجواز إعادة المعدوم جوّزوا فناء النفس مع فناء البدن... 357

القائلون بامتناع إعادة المعدوم منعوا فناءها مع فناء البدن... 357

المشهور عن الأوائل أنّها لا تفنى... 357

استدلال أصحابنا على امتناع فنائها... 357

الأوائل استدلّوا بأنّها لو عدمت لكان إمكان عدمها محتاجا إلى محلّ مغاير... 357

في مناقشة استدلال الأوائل... 357

المسألة العاشرة : في إبطال التناسخ

في أنّه لا تصير مبدأ صورة لآخر... 358

نقل كلام بعض حكماء المشّائين حول النفس الكاملة... 358

في قول أهل التناسخ : النفوس الكاملة تبقى مجرّدة عن الأبدان... 358

فيما قيل عن تنزّلها من بدن الإنسان إلى بدن حيوان يناسبه في الأوصاف... 359

إنّ الرسخ يعني تنزّلها إلى الأجسام النباتيّة... 359

والفسخ يعني تنزّلها إلى الأجسام الجماديّة... 359

ذهاب بعض من العقلاء إلى جواز التناسخ في النفوس... 359

ذهاب أكثر العقلاء إلى بطلان التناسخ ، وهو مختار المحقّق الطوسي... 359

المسألة الحادية عشرة : في كيفيّة تعقّل النفس وإدراكها

إنّ التعقّل هو إدراك الكلّيّات... 360

الإدراك هو الإحساس بالأمور الجزئيّة... 360

ذهاب القدماء إلى أنّ النفس تعقل الأمور الكلّيّة بذاتها من غير احتياج إلى آلة... 360

هناك من قال : إن مدرك الجزئيّات على وجه كونها جزئيّات هو الحواس... 360

المسألة الثانية عشرة : في قوى النفس

للنفس قوى تشارك بها غيرها... 361

إنّ هذه القوى مشتركة بين الإنسان والحيوان والنبات... 361

في معنى القوّة الغاذية والنامية والمولّدة... 361

إنّ للنفس مراتب يطلق على كلّ مرتبة لفظ « النفس »... 362

الأولى : مرتبة النفس الجماديّة ، وأثرها حفظ التركيب فقط... 362

ص: 543

الثانية : مرتبة النفس النباتيّة ، وأثرها التغذية بالغاذية... 362

الثالثة : مرتبة النفس الحيوانيّة ، وأثرها الحركة بالإرادة... 362

الرابعة : مرتبة النفس الناطقة الإنسانيّة... 362

الخامسة : مرتبة النفس الإلهيّة التي يحصل بها التخلّي... 362

إنّ للنفس قوى أخصّ من الأولى وأثرها الإدراك... 362

القوّة الغاذية يتوقّف فعلها على القوّة الجاذبة والماسكة والهاضمة... 363

قد تتضاعف هذه القوى لبعض الأعضاء كالمعدة... 363

في مغايرة النموّ للسمن... 363

إثبات الحكماء للنفس قوّة يصدر عنها التصوير للشكل... 364

المسألة الثالثة عشرة : في أنواع الإحساس

البحث في القوّة الحيوانيّة وهي الإحساس المشترك بين الإنسان وغيره... 364

الاختلاف في اللمس وهل هو قوّة واحدة أو متعدّدة؟... 365

الجمهور قال : إنّه قوى أربع... 365

هناك من زاد قوّة خامسة هي الحاكمة بين الثقل والخفّة... 365

الذوق هو القوّة الثانية بعد اللمس... 365

في بيان معنى الذوق ووظيفته... 365

في تعريف الشمّ وكيفيّته... 366

في بيان معنى السمع وكيفيّته... 366

فيما ذهب إليه قوم من أنّ السمع يحصل عند تأدّي الهواء إلى الصماخ... 366

الإيراد على استدلال القوم والجواب عنه... 367

في بيان معنى البصر وكيفيّته... 367

المبصرات إمّا أن يتعلّق الإبصار بها أوّلا وبالذات أو ثانيا بالعرض... 368

إنّ الإدراك - عند جماعة من الفلاسفة والمعتزلة - راجع إلى تأثّر الحدقة وانفعالها عن الشيء المرئي 368

إنّ شروط الإدراك سبعة... 368

عند حصول هذه الشروط السبعة يجب الإدراك كما هو عند المعتزلة والأوائل... 369

الأشاعرة جوّزوا انتفاء الإدراك مع حصول جميع الشروط... 369

ص: 544

في بيان حجّة الأشاعرة والردّ عليهم... 369

اختلاف الناس في كيفيّة الإبصار على مذاهب... 369

مذهب الرياضيّين على أنّ الإبصار بخروج الشعاع من العينين... 369

مذهب الطبيعيّين على أنّه يكون بانطباع صورة المرئي في الجليدية... 370

مذهب طائفة من الحكماء على أنّه بالهواء المشفّ الذي بين البصر والمرئي... 370

الأسترآبادي يختار مذهب الطبيعيّين... 371

في بيان علّة الحول عند القائلين بالشعاع... 371

في بيان علّة الحول عند القائلين بالانطباع... 372

المسألة الرابعة عشرة : في أنواع القوى الباطنة

الأوائل أثبتوا للنفس قوى جزئيّة... 372

إنّ قوى النفس الجزئيّة خمس... 372

القوّة الأولى وتسمّى بنطاسيا ، وهي عبارة عن الحسّ المشترك... 372

الثانية : خزانته ، وهي الخيال... 373

الثالثة : الوهم ، وهي قوّة مرتّبة في آخر التجويف الأوسط... 373

الرابعة : خزانة الوهم... 373

الخامسة : القوّة المخيّلة إن استعملتها الوهميّة والمفكّرة إن استعملها العقل... 373

الأدلّة على ثبوت الحسّ المشترك... 373

الأوّل : أنّه عند الحكم لا بدّ من حضور معنيين عند الحاكم ، وهو النفس... 373

الثاني : أنّا نرى القطرة النازلة بسرعة خطّا مستقيما... 373

الثالث : أنّ صاحب البرسام يشاهد صورا لا وجود لها في الخارج... 374

البحث في الخيال ، الذي هو خزانة الحسّ المشترك... 374

في المائز بين السهو والنسيان... 374

دليلهم على مغايرة الخيال للحسّ المشترك... 375

نقض الدليل السابق وإبرام دليل آخر... 375

الكلام في الوهم المدرك للمعاني الجزئيّة... 375

في مغايرة الوهم للنفس الناطقة... 375

الكلام في القوّة الحافظة ، وهي خزانة الوهم... 375

ص: 545

المتخيّلة هي القوّة الخامسة باعتبار استعمال الحسّ لها... 376

وتسمّى القوّة الخامسة بالمتفكّرة باعتبار استعمال العقل لها... 376

الفصل الخامس : في الأعراض

المسألة الأولى : في أنّ الأعراض تنحصر في تسعة

إنّ حصر الأعراض في تسعة هو رأي الأكثر... 377

المتكلّمون حصروا الأعراض في أحد وعشرين... 377

في أنّ البعض ذكر أعراضا أخر... 378

إنّ البعض جعل أجناس الممكنات منحصرة في أربعة... 378

المسألة الثانية : في قسمة الكمّ

الكمّ عرض يقبل لذاته القسمة بإمكان فرض الأجزاء... 378

الكمّ المتّصل هو ما يوجد فيه جزء مشترك يكون نهاية أحد القسمين... 378

في ردّ توهّم أنّ الوسط نهاية لأحد القسمين وبداية للآخر... 379

المتّصل إمّا قارّ الذات أو غير قارّ الذي هو الزمان لا غير... 379

القارّ الذات هو الذي تجتمع أجزاؤه في الوجود كالجسم... 379

غير قارّ الذات هو الذي لا تجتمع أجزاؤه في الوجود كالزمان... 379

الكمّ المنفصل هو العدد خاصّة... 379

المسألة الثالثة : في خواصّ الكمّ

ذكروا للكمّ ثلاث خواص... 379

الأولى : قبول الكمّ للمساواة وعدمها... 379

الثانية : قبول القسمة لذاته... 379

هذا الانقسام قد يكون وهميّا وقد يكون فعليّا... 379

الثالثة : إمكان وجود العادّ فيه... 380

الكمّ منه ما هو بالذات ومنه ما هو بالعرض... 380

المسألة الرابعة : في أحكام الكم

إنّ الجسم التعليمي قد يعرض له الانقسام... 381

الزمان متّصل بذاته ويعرض له التقدير بالمسافة... 381

ص: 546

قد يعرض الكمّ المنفصل للكمّ المنفصل فيكون المنفصل بالذات منفصلا بالعرض... 381

إنّ الكمّ لا تضادّ فيه ، ودليله وجهان :... 381

أحدهما : أنّ المنافي للضدّيّة حاصل للكمّ ، ولا تكون الضدّيّة فيه... 381

في بيان وتوضيح الوجه الأوّل... 381

الثاني : أنّ الشرط في التضادّ مفقود في الكمّ فلا تضادّ فيه... 381

في بيان الوجه الثاني وتوضيحه... 381

الكمّ بأنواعه يوصف بأنّ بعضا منه زائد على بعض... 382

ويوصف الكمّ بالكثرة والقلّة ولا يوصف بالشدّة والضعف... 382

الأنواع الثلاثة للكمّ المتّصل القارّ الذات قد تؤخذ باعتبارها فتسمّى تعليميّة ، وقد تؤخذ باعتبار آخر فلا تسمّى تعليميّة 382

إنّ كون الجسم تعليميّا يفارق كون الخطّ والسطح كذلك... 383

مزيد من التوضيح لما تقدّم آنفا... 383

في بيان أنّ هذه الأنواع بأسرها أعراض... 383

في أنّه استدلّ لذلك بطريقين... 383

الأوّل : عامّ في الجميع... 383

في بيان تقرير الطريق الأوّل العامّ... 383

الثاني : مختصّ بكلّ واحد... 383

في بيان الوجه الدالّ على عرضيّة كلّ واحد من الأبعاد... 384

ذهاب بعض المتكلّمين إلى أنّ السطح والخطّ والنقطة أعدام صرفة... 384

ما ذكره هذا البعض من استدلالات... 384

الإشكال على استدلالات المتكلّمين ومناقشتها... 385

في أنّ الجنس معروض التناهي وعدمه... 385

المراد بالجنس - هنا - الكمّ من حيث هو هو... 385

إنّ التناهي وعدمه من الأمور الاعتباريّة... 385

البحث في الكيف ، وفيه مسائل :... 386

المسألة الأولى : في رسم الكيف

الأجناس العالية لا يمكن تحديدها لبساطتها... 386

ص: 547

تعريفهم للجنس بالعوارض العدميّة... 386

قالوا : الجنس هيئة قارّة لا يتوقّف تصوّرها على تصوّر غيرها... 386

الكيف قد يعرّف بأنّه عرض لا يقتضي لذاته قسمة ولا نسبة... 387

المسألة الثانية : في أقسام الكيف

إنّ أقسام الكيف أربعة... 387

أحدها : الكيفيّات المحسوسة بإحدى الحواسّ الخمسة... 387

الثاني : الكيفيّات النفسانيّة المختصّة بذوات الأنفس... 387

الثالث : الكيفيّات الاستعداديّة التي من جنس الاستعداد... 387

الرابع : الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات المتّصلة أو المنفصلة... 387

المسألة الثالثة : في البحث عن المحسوسات

المحسوسات إمّا انفعاليّات أو انفعالات... 388

المسألة الرابعة : في مغايرة الكيفيّات للأشكال والأمزجة

ذهاب بعض القدماء إلى أنّ الكيفيّات نفس الأشكال... 388

في توضيح حجّة القدماء... 388

المحقّقون أبطلوا مقالة القدماء... 389

ذهاب بعض الأوائل إلى أنّ الكيفيّات هي الأمزجة... 389

تخطئة مذهب الأوائل... 389

المسألة الخامسة : في البحث عن الملموسات

الملموسات منها أوائل والبواقي منتسبة إليها... 389

الكيفيّات الملموسة أظهر عند الطبيعة... 389

الكيفيّات الملموسة إمّا فعليّة أو انفعاليّة... 390

في معنى الفعليّة والانفعاليّة... 390

الكيفيّتان الفعليّتان هما الحرارة والبرودة... 390

الانفعاليّتان هما الرطوبة واليبوسة... 390

إنّ باقي الكيفيّات الملموسة تابعة لتلك الأربعة... 390

الحرارة جامعة للمتشاكلات ومفرّقة للمختلفات والبرودة بالعكس... 390

في أنّ الحرارة والبرودة كيفيّتان متضادّتان... 391

ص: 548

في مذهب من قال : إنّ البرودة عدم الحرارة عمّا من شأنه أن يكون حارّا... 391

في أنّ لفظة « الحرارة » تطلق على معان... 391

أحدها : الكيفيّة المحسوسة من جرم النار... 391

الثاني : الحرارة الموجودة في بدن الحيوان... 391

كلام أفلاطون وأرسطو حول المعنى الثاني للحرارة... 391

الثالث : الحرارة الحاصلة من تأثير الكواكب النّيرة كالشمس... 392

الرابع : الحرارة التي توجبها الحركة... 392

الرطوبة كيفيّة تقتضي سهولة التشكّل والاتّصال والتفرّق... 392

نقل إيراد ودفعه... 392

الجمهور يطلق الرطوبة على البلّة لا غير... 392

الهواء عند الشيخ الرئيس رطب على عكس الجمهور... 392

في أنّ الرطوبة واليبوسة مغايرتان للّين والصلابة... 392

اللّين والصلابة من الكيفيّات الاستعداديّة... 392

في تعريف اللّين والصلابة... 393

الثقل كيفيّة تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق مركزه على مركز العالم... 393

في أنّ الخفّة تكون عكس الثقل... 393

في أنّ الثقل والخفّة من الكيفيّات الملموسة... 393

في انقسام كلّ من الثقل والخفّة إلى مطلق وإضافي... 393

الثقل الإضافي يقال لمعنيين... 393

أحدهما : الذي في طباعه أن يتحرّك أكثر المسافة الممتدّة... 393

الثاني : ما يقتضي حركة الجسم إلى المحيط والمركز في الجملة بالإضافة... 393

البحث في الميل الطبيعي الذي يسمّيه المتكلّمون ب- « الاعتماد »... 393

انقسام الميل بانقسام معلوله إلى أصلي وعرضي... 394

ينقسم الأصلي إلى طبيعي وقسري وإرادي... 394

الميل هو العلّة القريبة للحركة... 394

إنّ الميلين الذاتيّين المختلفين متضادّان... 394

في جواز اجتماع حركتين مختلفتين أحدهما بالذات والأخرى بالعرض... 394

ص: 549

الدليل على وجود الميل الطبيعي في كلّ جسم قابل للحركة القسريّة... 394

الميل والاعتماد جنس - على رأي المتكلّمين - تحته ستّة أنواع... 395

من الميل ما هو متماثل باعتبار الجهات ومنه ما هو مختلف... 395

اختلاف أبي هاشم وأبي عليّ في القسم المختلف من الميل... 395

من أجناس الاعتماد عند أبي هاشم الثقل... 395

أبو عليّ قال : إنّ الثقل راجع إلى تزايد أجزاء الجسم... 396

الاعتماد يفتقر إلى المحلّ ؛ لأنّه عرض... 396

ذهاب المتكلّمين إلى أنّ الاعتماد مقدور لنا... 396

المراد بالاعتماد - عند المتكلّمين - هو الميل النفساني الإرادي... 396

تقسيم المتكلّمين للاعتماد بالنسبة إلى ما يتولّد عنه إلى أقسام ثلاثة... 397

أحدها : ما يتولّد لذاته من غير حاجة إلى شرط... 397

ثانيها : ما يتولّد عنه بشرط ولا يصحّ بدونه... 397

ثالثها : ما يتولّد عنه لا بنفسه بل بتوسّط غيره... 397

المسألة السادسة : في البحث عن المبصرات

اللون والضوء من أوائل المبصرات... 397

لكلّ واحد من اللون والضوء طرفان... 398

ذهاب البعض إلى أنّ اللون لا حقيقة له... 398

ما حكي عن الشيخ أنّ البياض قد يكون ظاهرا باختلاط الهواء... 398

الحقّ أنّ اللون كيفيّة حقيقيّة قائمة بالجسم في الخارج... 398

إنّ طرفي اللون السواد والبياض المتضادّان... 398

إنّ ما عدا البياض والسواد متوسّط بينهما وليس قائما بانفراده... 399

ذهاب بعض إلى أنّ الألوان خمسة... 399

ذهاب ابن سينا إلى أنّ الضوء شرط وجود اللون... 399

في ردّ ومناقشة مذهب ابن سينا... 400

في أنّ اللون والضوء متغايران... 400

في أنّ اللون والضوء قابلان للشدّة والضعف... 400

إنّ الشديد في كلّ نوع مخالف للضعيف منه ومباين بالنوع... 401

ص: 550

ذهاب قوم إلى أنّ سبب الشدّة والضعف ليس الاختلاف بالحقيقة... 401

ذهاب بعض إلى أنّ الضوء جسم صغير ينفصل من المضيء... 401

في مناقشة من قال : إنّه جسم صغير... 401

في معنى قول الطوسي : « لحصل ضدّ المحسوس »... 401

في أنّ الضوء منه ذاتي ومنه عرضي... 402

في أنّ العرضي من الضوء قسمان... 402

الظلمة هي عدم الضوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئا... 402

في ردّ مذهب من قال : إنّ الظلمة كيفيّة وجودية قائمة بالمظلم... 402

المسألة السابعة : البحث في المسموعات

الأصوات من الكيفيّات المحسوسة التي تدرك بالسمع... 403

في ردّ مذهب من قال : إنّ الصوت جوهر ينقطع بالحركة... 403

في مذهب من قال : إنّه عبارة عن التموّج الحاصل في الهواء من القلع والقرع... 404

هناك من قال : إنّ الصوت هو القرع والقلع... 404

في إبطال المذهبين السابقين... 404

بيان الرأي السديد في المسألة... 404

حصول الصوت مع القرع مشروط بحصول المقاومة بين القارع والمقروع... 404

في أنّه لا تشترط الصلابة... 404

في تأييد هذا الرأي بالاستقراء الناقص المفيد للقطع... 404

في ذهاب قوم إلى أنّ الصوت ليس بحاصل في الخارج... 405

في تخطئة القول المتقدّم... 405

إنّ الصوت غير قارّ الأجزاء ويستحيل عليه البقاء... 405

الاعتراض على أنّ الصوت غير قارّ الأجزاء... 405

رأي الأسترآبادي في المسألة... 406

حصول صوت آخر من التموّج الثاني... 406

في عروض كيفيّة أخرى - للصوت - يتميّز بها عن صوت آخر... 406

في انقسام الحرف إلى قسمين : مصوّت وصامت... 406

في معنى الحرف المصوّت والصامت... 406

ص: 551

الحرف الصامت إمّا متماثل وإمّا مختلف... 406

الحرف الصامت إمّا بالذات أو بالعرض... 407

الكلام هو ما انتظم من الحروف المسموعة ولا يعقل غيره... 407

الأشاعرة أثبتوا معنى آخر أسموه الكلام النفساني... 407

الكلام النفساني هو غير المؤلّف من الحروف والأصوات... 407

المعتزلة بالغوا في إنكار ذلك المعنى... 407

في مناقشة حجّة الأشاعرة في الكلام النفساني... 408

الأشاعرة قسّموا الكلام إلى قسمين... 408

القسم الأوّل : لفظي مؤلّف من الحروف... 408

القسم الثاني : نفسي وهو المعنى القائم بالنفس... 408

الأشاعرة قالوا : إنّ كلام اللّه هو معنى قائم بذاته تعالى ، وهو قديم... 408

في مناقشة وردّ حجّة الأشاعرة... 408

في تحرير محلّ النزاع... 409

في أنّ النزاع ناشئ من عدم الفرق بين معاني الكلام... 409

المسألة الثامنة : في البحث عن المطعومات

منها المطعومات التسع الحادثة من تفاعل الثلاثة في مثلها... 410

ما هو المشهور عند الأوائل... 410

المسألة التاسعة : في البحث عن المشمومات

في أنّه لا أسماء لأنواع المشمومات إلاّ من حيث المخالفة والموافقة... 410

المسألة العاشرة : في البحث عن الكيفيّات الاستعداديّة

الكيفيّات الاستعداديّة هي ما يترجّح به القابل في أحد جانبي قبوله... 411

المسألة الحادية عشرة : في البحث عن الكيفيّات النفسانيّة

الكيفيّات النفسانيّة تختصّ بذوات الأنفس الحيوانيّة... 411

إنّها إمّا أن تكون حالا أو ملكة... 411

قد يقال : إنّها إن كان راسخة كانت ملكة أو غير راسخة فهي الحال... 412

المسألة الثانية عشرة : في البحث عن العلم بقول مطلق

المعاني الواردة في تعريف العلم... 412

ص: 552

العلم ينقسم إلى تصوّر وتصديق جازم مطابق ثابت... 412

قد يقال : العلم صفة توجب لمحلّها تميّزا... 412

العلم عبارة عن حصول صورة الشيء في الذهن... 412

التصديق الجازم هو الحكم اليقيني بنسبة أحد المتصوّرين إلى الآخر... 412

في شروط التصديق التي شرطها المحقّق نصير الدين... 413

اختلاف العقلاء في أنّ العلم هل يحدّ أم لا... 413

حجّة من قال : إنّ العلم يحدّ... 413

الاعتراض على الحجّة المتقدّمة... 413

في قول بعض : إنّ العلم اعتقاد أنّ الشيء كذا أو لا يكون إلاّ كذا... 413

في قول الآخرين : إنّ العلم اعتقاد يقتضي سكون النفس... 413

عدم مانعية التعريفين السابقين... 413

في انقسام كلّ من التصور والتصديق إلى ضروري ومكتسب... 414

في معنى الضروري والمكتسب... 414

المسألة الثالثة عشرة : في أنّ العلم يتوقّف على الانطباع

جمهور الأوائل على أنّ العلم يستدعي انطباع المعلوم ... في العالم... 414

آخرون أنكروا استدعاء العلم انطباع المعلوم... 414

في بيان حجّة جمهور الأوائل... 415

في احتجاج الآخرين بوجهين... 415

الوجه الأوّل : أنّ التعقّل لو كان حصول صورة المعقول في العاقل لزم... 415

الوجه الثاني : أنّ الذهن قد يتصوّر أشياء متقدّرة ، فيلزم حلول... 415

في الجواب عن الوجهين المتقدّمين... 415

في بيان كيفيّة حصول الصورة في العاقل... 415

أوائل الحكماء ذهبوا إلى أنّ التعقّل إنّما يكون باتّحاد صورة المعقول والعاقل... 416

تخطئة ما ذهب إليه أوائل الحكماء... 416

ذهاب آخرين إلى أنّ التعقّل يستدعي اتحاد العاقل بالعقل الفعّال... 416

في تخطئة ما ذهب إليه الآخرون... 416

ذهاب قوم إلى جواز تعلّق علم واحد بمعلومين... 416

ص: 553

منع قوم من تعلّق علم واحد بمعلومين ، وهو مختار الأسترآبادي... 416

ذهاب جماعة من المعتزلة إلى أنّ العلم بالاستقبال علم بالحال... 417

في إبطال حجّة هذه الجماعة من المعتزلة... 417

في سبب اختيار المعتزلة للمذهب السالف الذكر... 417

في بيان الوجه في حلّ الشبهة المذكورة... 417

في أنّ العلم لا يعقل إلاّ مضافا إلى الغير... 418

في توهّم البعض أنّ العلم نفس الإضافة الحاصلة بين العلم والمعلوم... 418

إنّ الإشكال يقوى على الاتّحاد ويلزم منه اجتماع الأمثال... 418

الجواب عن هذا الإشكال... 418

إنّ الإشكال يقوى باعتبار الإضافة ، إذ الإضافة لا تعقل بين الشيء الواحد ونفسه

... 418

الجواب عن هذا الإشكال... 418

في الاعتراض على الجوابين السابقين... 419

ذهاب المحقّقين إلى أنّ العلم عرض... 419

الذين قالوا : إنّ العلم إضافة بين العلم والمعلوم قالوا : إنّه عرض أيضا... 419

الذين قالوا : إنّ العلم صورة اختلفوا هل هو جوهر أم عرض... 419

المسألة الرابعة عشرة : في أقسام العلم

العلم منه ما هو فعلي ومنه ما هو انفعالي ومنه ما ليس كذلك... 420

العلم الفعلي هو المحصّل للأشياء الخارجيّة كعلم واجب الوجود... 420

والانفعالي هو المستفاد من الأعيان الخارجيّة... 420

انقسام العلم إلى ضروري وكسبي ، وأقسام الضروري ستّة... 420

القسم الأوّل : البديهيّات ، وهي قضايا يحكم بها العقل لذاته... 420

القسم الثاني : المشاهدات ، وهي إمّا مستفادة من الحواسّ الظاهرة أو الباطنة... 420

القسم الثالث : المجرّبات ، وهي التي تحكم بها النفس باعتبار تكرار المشاهدات... 420

القسم الرابع : الحدسيّات ، وهي التي مبدأ الحكم بها حدس قويّ يزول معه الشكّ

... 420

القسم الخامس : المتواترات ، وهي التي تحكم بها النفس لتوارد أخبار المخبرين... 421

القسم السادس : الفطريّات ، وهي قضايا قياساتها معها... 421

انقسام العلم إلى واجب وهو علم واجب الوجود بذاته ، وإلى ممكن... 421

ص: 554

استدلال الأشاعرة على كون أفعال العباد اضطرارية على وجه الجبر... 421

جواب المعتزلة والإماميّة على استدلال الأشاعرة... 421

إيراد آخر للأشاعرة ، وجواب المعتزلة والإماميّة عنه... 421

في حلّ إشكال الدور... 422

المسألة الخامسة عشرة : في تقديم العلم على الاستعداد

لا بدّ من سبب موجد فاعل للعلم... 423

إنّ للمقبول درجات مختلفة في القرب والبعد... 423

المسألة السادسة عشرة : في المناسبة بين العلم والإدراك

إطلاق العلم على الإدراك للأمور الكلّيّة... 424

يطلق الإدراك على الحضور عند المدرك مطلقا... 424

الفرق بين العلم والإدراك كالفرق بين النوع والجنس ، على بعض الآراء... 424

الإحساس هو إدراك الشيء الموجود في المادّة الحاضرة عند المدرك... 424

التخيّل هو إدراك الشيء مع الهيئات المخصوصة في حال غيبته بعد حضوره... 424

التوهّم هو إدراك معان جزئيّة مخصوصة متعلّقة بالمحسوسات... 424

التعقّل هو إدراك المجرّد عنها ، سواء كان جزئيّا أو كلّيّا... 425

المسألة السابعة عشرة : في أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول

العلم بالعلّة يقع باعتبارات ثلاثة... 425

الأوّل : العلم بماهيّة العلّة من حيث هي ذات... 425

الثاني : العلم بها من حيث إنّها مستلزمة لذات أخرى... 425

الثالث : العلم بذاتها وماهيّتها ولوازمها وملزوماتها... 425

المشهور على أنّ العلم التامّ بالمعلول لا يستلزم العلم بالعلّة... 426

فيما قيل من أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بماهيّة المعلول... 426

خلاصة المسألة على تقرير الأسترآبادي... 426

المسألة الثامنة عشرة : في مراتب العلم

فيما حكي عن الشيخ ابن سينا أنّه ذكر أنّ للتعقّل ثلاث مراتب... 426

المرتبة الأولى : أن يكون التعقّل بالقوّة المحضة... 426

المرتبة الثانية : أن يكون بالفعل التامّ... 426

ص: 555

المرتبة الثالثة : العلم بالشيء إجمالا... 426

المسألة التاسعة عشرة : في كيفيّة العلم بذي السبب

إنّ ذا السبب يعلم بنحو كلّيّ... 427

التحقيق في هذه المسألة... 427

الحاصل : أنّ العلم بذي السبب لا يحصل إلاّ من العلم بسببه... 427

في بيان اعتراض حول هذه المسألة... 428

المسألة العشرون : في تفسير العقل

اتّفاق الجميع على أنّ مناط التكاليف الشرعيّة هو العقل ، واختلفوا في تعريفه... 428

عرّفوا العقل بأنّه غريزة يلزمها العلم بالضروريّات عند سلامة الآلات... 428

وعرّفه جماعة بأنّه ما يعرف به حسن المستحسنات وقبح المستقبحات... 429

حكي عن آخرين بأنّه العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات... 429

في إطلاق لفظ « العقل » على غيره بالاشتراك... 429

لفظ « العقل » مشترك بين قوى النفس الإنسانيّة وبين الموجود المجرّد... 429

العقل في القوى النفسانيّة ينقسم إلى عقل علمي وعملي... 429

العقل العلمي أوّل مراتبه الهيولاني... 429

العقل بالملكة ثاني مراتبه ، وأعلى درجات هذه المرتبة هي الفطانة... 429

العقل بالفعل ثالث مراتبه... 429

العقل المستفاد رابع مراتبه ، وهو آخر درجات كمال النفس... 430

العقل العملي يطلق على القوّة التي باعتبارها يحصل التمييز بين الحسن والقبيح... 430

المسألة الحادية والعشرون : في الاعتقاد والظنّ وغيرهما

الاعتقاد يطلق على التصديق الذي هو أحد قسمي العلم... 430

إشكال على تعريف نصير الدين الطوسي للتصديق... 430

عند ما يطلق الاعتقاد على أحد قسمي العلم فهو أخصّ... 430

الاعتقاد - باعتبار آخر - أعمّ من العلم... 430

الاعتقاد قد يقع فيه التضادّ... 431

العلم لا يقع فيه التضادّ ؛ لوجوب مطابقته للواقع... 431

المشهور على أنّ السهو عدم ملكة العلم... 431

ص: 556

الجبّائيان ذهبا إلى أنّ السهو معنى يضادّ العلم... 431

الأوائل فرّقوا بين السهو والنسيان... 432

ظاهر العرف الترادف أو التساوي عموما أو خصوصا بين السهو والنسيان... 432

في معنى السهو والنسيان... 432

الشكّ هو تردّد الذهن بين طرفي النقيض على التساوي... 432

نقل قول أبي عليّ في أنّ الشكّ معنى يضادّ العلم... 432

قد يصحّ تعلّق كلّ من العلم والاعتقاد بنفسه وبالآخر... 432

العلم والاعتقاد من قبيل الإضافات يصحّ تعلّقهما بجميع الأشياء... 432

تعلّق العلم بنفسه يوجب تعدّد الاعتبار... 433

إنّ العلم بالعلم علم بكيفيّة وهيئة للعالم تقتضي النسبة إلى معلوم... 433

الجهل يطلق على معنيين : بسيط ومركّب... 433

البسيط هو عدم العلم عمّا من شأنه أن يكون عالما... 433

المركّب هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه... 433

في سبب التسمية ب- « البسيط » و « المركّب »... 433

الظنّ هو ترجيح أحد الطرفين ترجيحا غير مانع من النقيض... 433

إنّ رجحان الاعتقاد يغاير اعتقاد الرجحان... 434

إنّ الظنّ يقبل الشدّة والضعف... 434

المسألة الثانية والعشرون : في النظر وأحكامه

العلم الكسبي عبارة عن ترتيب أمور ذهنيّة يتوصّل بها إلى أمر مجهول... 434

في اشتمال النظر على جزء مادّي وجزء صوري... 434

اختلافهم في أنّ النظر هل يفيد العلم أم لا... 435

ذهاب المحقّقين إلى أنّ النظر يفيد العلم بالضرورة... 435

قد يحصل العلم بالنظر من غير كسب بواسطة الوحي أو الإلهام أو نحوهما... 436

إذا فسد النظر لم يحصل العلم ، وقد يحصل ضدّه وهو الجهل... 436

إبطال ما يقال من أنّ النظر الفاسد لا يستلزم الجهل... 436

المعتزلة ذهبوا إلى أنّ النظر مولّد للعلم وسبب له... 436

الأشاعرة ذهبوا إلى أنّ النظر لا يكون موجبا ولا سببا للعلم... 436

ص: 557

تحقيق القول الفصل في هذه المسألة... 437

ذهاب الملاحدة إلى أنّ النظر غير كاف في حصول المعارف... 437

إطباق العقلاء على خلاف مذهب الملاحدة... 437

في ردّ المعتزلة والأشاعرة على الملاحدة بلزوم الدور والتسلسل... 438

في مناقشة الأسترآبادي للإلزامين : الدور والتسلسل... 438

لترتيب المقدّمات لا بدّ من ترتيب حاصل بين المقدّمتين... 438

شرط النظر عدم العلم بالمطلوب الذي هو غاية النظر... 439

في بيان بقية الشروط... 439

اختلافهم في أنّ وجوب النظر في معرفة اللّه تعالى هل هو سمعي أم عقليّ... 439

المعتزلة قالوا : إنّه عقليّ ، واستدلّوا بوجهين... 440

الأوّل : إنّ معرفته تعالى واجبة مطلقا ، ولا تتمّ إلاّ بالنظر... 440

مناقشة مقدّمات الوجه الأوّل... 440

الثاني : النظر واجب بالاتّفاق ، ووجوبه إمّا عقلي أو نقلي... 441

في بيان الوجه الثاني... 441

الأشاعرة احتجّوا بوجهين... 442

الأوّل : قوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) ... 442

الثاني : لو وجب النظر فلا يكون لا لفائدة... 442

في مناقشة الوجه الأوّل والجواب عنه... 443

في مناقشة الوجه الثاني من استدلال الأشاعرة... 443

المستلزم للعلم يسمّى دليلا والمستلزم للظنّ يسمّى أمارة... 443

إنّ بسائط النظر عقليّة ومركّبة ؛ لاستحالة الدور... 444

المحكيّ عن المعتزلة وجمهور الأشاعرة أنّ الأدلّة اللفظيّة لا تفيد العلم... 444

إنّ الحقّ خلاف مذهب المعتزلة وجمهور الأشاعرة... 445

إذا تعارض دليلان نقليان أو دليل عقلي ونقلي وجب تأويل النقلي... 445

انقسام الدليل إلى ثلاثة أقسام : قياس واستقراء وتمثيل... 446

القياس هو أحد الأدلّة وأشرفها ؛ لإفادته اليقين... 446

الاستقراء هو تتبّع الجزئيّات... 446

ص: 558

التمثيل هو تشبيه أحد الجزءين بالآخر... 446

ما هو القياس الاستثنائي والاقتراني... 446

القياس الاقتراني له اعتباران : بحسب المادة ، وبحسب الصورة... 446

القياس بالاعتبار المتقدّم على أربعة أقسام ، كلّ قسم يسمّى شكلا... 447

القياس باعتبار الصورة البعيدة ينقسم إلى حمليّ وشرطيّ... 447

في معنى الاقتراني الحملي والشرطي... 447

القياس باعتبار المادة القريبة خمسة وباعتبار البعيدة أربعة... 447

مقدّمات القياس أربعة : مسلّمات ومظنونات ومشبّهات ومخيّلات... 447

مقدّماته باعتبار المادة القريبة هي البرهان والجدل والسفسطة والخطابة والشعر... 448

مزيد من البيان حول القياس... 448

ما أورده الفاضل القوشجي في شرح التجريد... 448

القياس الاستثنائي ضربان... 448

الضرب الأوّل : ما كانت مقدّمته الشرطيّة متصلة... 448

الضرب الثاني : ما كانت مقدّمته الشرطيّة منفصلة... 448

المنفصلة على ضربين : حقيقيّة وغير حقيقيّة... 448

غير الحقيقيّة على ضربين : مانعة الجمع ومانعة الخلوّ... 449

الحقيقيّة تنتج أربع نتائج... 449

إنّ الاستقراء والتمثيل يفيدان الظنّ لا العلم... 449

الاستقراء يفيد القطع إذا انضمّ إليه الحدس الصائب... 449

في أنّ كلّ عاقل مجرّد وكلّ مجرّد عاقل... 450

في الاستدلال على أنّ كلّ عاقل مجرّد... 450

الإيراد على الاستدلال المتقدّم... 450

في الاستدلال على أنّ كلّ مجرّد عاقل... 450

في تقرير الاستدلال السابق... 451

في الاعتراض على الاستدلال... 451

المسألة الثالثة والعشرون : في أحكام القدرة

القدرة من الكيفيّات النفسانيّة... 452

ص: 559

إنّ الجسم من حيث هو غير مؤثّر... 452

الجسم إنّما يؤثّر باعتبار الصفة القائمة به ، والأقسام أربعة... 452

القدرة صفة مؤثّرة على وفق الإرادة في الأفعال المتعددة... 452

القدرة صفة تقتضي صحّة الفعل من الفاعل لا إيجابه... 453

المشهور أنّ القدرة متعلّقة بالضدّين... 453

الأشاعرة قالوا : إنّما تتعلّق القدرة بطرف واحد... 453

مناقشة قول الأشاعرة... 454

الحكماء والمعتزلة ذهبوا إلى أنّ القدرة قبل الفعل... 454

الأشاعرة قالوا : إنّها مقارنة للفعل... 454

مناقشة حجّة الأشاعرة... 454

المعتزلة استدلّوا على مقالتهم بوجوه ثلاثة... 454

الأوّل : أنّ القدرة لو لم تتقدّم الفعل قبح تكليف الكافر... 454

الثاني : لو لم تكن القدرة قبل الفعل لزم التنافي... 454

الثالث : لو لم تكن متقدّمة لزم إمّا حدوث قدرة اللّه أو قدم الفعل والفاعل... 455

في أنّه لا يمكن وقوع المقدور الواحد بقادرين مستقلّين... 455

في إمكان تعلّق القادرين بمقدور واحد... 455

ردّ زعم من قال : إنّ القدرة قد تكون كاسبة لا مؤثّرة... 455

ذهاب قوم من المعتزلة إلى أنّ أفراد القدرة مختلفة... 456

التقابل بين القدرة والعجز تقابل التضادّ أو العدم والملكة؟... 456

الأشعرية وجمهور المعتزلة ذهبوا إلى أنّه معنى يضادّ القدرة... 456

مختار المحقّق الطوسي أنّه عرض عدمي مقابل القدرة... 457

في مغايرة القدرة للخلق... 457

المسألة الرابعة والعشرون : في الألم واللذّة

الألم واللّذّة من الكيفيّات النفسانيّة... 458

اللذّة إدراك الملائم من حيث هو ملائم والألم إدراك المنافر من حيث هو منافر... 458

عن الفخر الرازي أنّه لم يثبت أنّ اللذّة نفس إدراك الملائم أو غيره... 458

عن محمد بن زكريا الطبيب أنّ اللذّة ليست إلاّ العود إلى الحالة الطبيعيّة... 458

ص: 560

مناقشة قول محمد بن زكريا... 458

للألم - كما عن الشيخ وغيره - سببان... 459

السبب الأوّل : تفرّق الاتّصال... 459

مناقشة دليل السبب الأوّل... 459

السبب الثاني : سوء المزاج المختلف... 460

في دفع ما حكي عن الفخر الرازي من إنكار كون الألم بسبب تفرّق الاتّصال... 460

في قسمة اللذّة والألم بالنسبة إلى الحسّ والعقل... 460

مناقشة قسمة اللذّة والألم... 460

المسألة الخامسة والعشرون : في الإرادة والكراهة

الإرادة والكراهة من الكيفيّات النفسانيّة... 461

هما - عند الطوسي وأغلب المعتزلة - نوعان من العلم بالمعنى الأعمّ... 461

هما - عند آخرين - زائدتان على العلم مرتّبتان عليه... 461

عن الأشاعرة أنّ الإرادة قد توجد بدون اعتقاد النفع أو ميل يتبعه... 461

في بيان القول الحقّ في المسألة... 462

قد تطلق الإرادة على نفس المشيئة... 462

المحكيّ عن الأشعري أنّ إرادة شيء نفس كراهة ضدّه... 462

في جواب ما حكي عن الأشعري... 462

عن جماعة القول بالتغاير مع اختلافهم بالاستلزام... 462

الإرادة والكراهة يتغاير اعتبارهما بالنسبة إلى الفاعل بالإرادة وغيره... 463

ما ذكره الشارح القوشجي حول الإرادة بالنسبة إلى الفاعل الحقيقي... 463

قد تتعلّقان بذاتيهما بخلاف الشهوة والنفرة... 464

عن صاحب المواقف أنّ الإرادة إن فسّرت باعتقاد النفع ... جاز تعلّقها بنفسها... 464

في بيان المراد من قوله : « أراد »... 464

في أنّ الكيفيّات المذكورة سابقا مشروطة بالحياة... 465

الحياة صفة تقتضي الحسّ والحركة مشروطة باعتدال المزاج... 465

قيل : هي قوّة تكون مبدأ لقوّة الحسّ والحركة... 465

وقيل : هي قوّة تتبع اعتدال النوع وتفيض عنها سائر القوى الحيوانيّة... 465

ص: 561

لا بدّ من البدن والمؤلّف من العناصر ؛ ذلك لاشتراط الحياة باعتدال المزاج... 466

الأشاعرة جوّزوا وجود حياة في محلّ غير منقسم بانفراده... 466

افتقار الحياة إلى الروح الحيواني... 466

الموت هو عدم الحياة عن محلّ وجدت فيه... 466

مذهب أبي عليّ الجبّائي إلى أنّه معنى وجودي يضادّ الحياة... 466

في الردّ على مذهب الجبّائي... 467

المسألة السادسة والعشرون : في باقي الكيفيّات النفسانيّة

الصحة والمرض من الكيفيّات النفسانيّة عند الشيخ ابن سينا... 467

في معنى الصحة والمرض كما في الشفاء... 467

في تعريف الصحّة كما في القانون للشيخ... 467

في نقل إشكال محكيّ عن الفخر الرازي... 468

في جواب الإشكال... 468

الفرح والغمّ من الكيفيّات النفسانيّة... 468

السبب المعدّ في الفرح كون الروح على أفضل أحواله في الكمّ والكيف... 468

الغضب والحزن والهمّ والخجل والحقد من الأعراض النفسانيّة... 468

المسألة السابعة والعشرون : في الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات

المقصود بالكيفيّة هي التي تعرض للكمّيّة أولا وبالذات وللجسم ثانيا... 469

الكمّ على قسمين : متّصل ومنفصل... 469

المتّصل قد يعرض له الكيف مثل الاستقامة للخطّ... 469

المنفصل قد تعرض له أنواع أخرى من الكيف كالزوجيّة للعدد... 469

الخطّ المستقيم هو أقصر خطّ يصل بين نقطتين... 470

الدائرة هي سطح مستو يحيط به خطّ واحد في داخله نقطة... 470

اختلاف الناس في وجود الدائرة... 470

إثبات المحقّق الطوسي للدائرة ودليله على ذلك... 470

نفي التضادّ بين الخطّ المستقيم والمستدير... 470

تحقيق المسألة على رأي المحقّق نصير الدين... 470

الإيراد على رأي الطوسي... 471

ص: 562

الشكل - كما ذكره القدماء - ما أحاط به حدّ واحد كما في الكرة أو حدود 471

التحقيق أنّ الشكل من باب الكيف... 471

نقل إيراد على تخصيص الشكل بالجسم... 471

الشكل مغاير للوضع بمعنى المقولة... 472

الإضافة هي النسبة التي لا تعقل إلاّ بالنسبة إلى نسبة أخرى معقولة... 472

المضاف هو المقولة الثالثة من المقولات ، وهنا مسائل... 472

المسألة الأولى : في أقسامه

المضاف ينقسم إلى حقيقي ومشهوريّ... 472

المضاف الحقيقي يقال للنسبة العارضة للشيء باعتبار قياسه إلى غيره كالأبوّة... 472

المضاف المشهوريّ يقال للذات التي عرضت لها الإضافة بالفعل... 472

المسألة الثانية : في خواصّ المضاف

في المضاف خاصّتان مطلقتان لا يشاركه فيهما غيره... 473

إحداهما وجوب الانعكاس ، أي انعكاس النسبة... 473

الثانية : التكافؤ في الوجود بالفعل أو القوّة... 473

إنّ المضاف الحقيقي يعرض لجميع الموجودات... 473

المسألة الثالثة : الإضافة لا تحقّق لها في الخارج

ذهاب قوم إلى أنّ الإضافة ثابتة في الأعيان... 474

ذهاب آخرين إلى أنّها عدميّة في الأعيان ثابتة في الأذهان... 474

الوجوه التي ذكرها الطوسي في إثبات عدميّتها في الأعيان... 474

أحدها : أنّ الإفاضة لو كانت ثابتة في الأعيان لزم التسلسل... 474

جواب ابن سينا في أنّه يجب الرجوع في هذه الشبهة إلى حدّ المضاف المطلق... 474

فيما إذا كان في المضاف ماهيّة أخرى... 474

في مناقشة المسألة... 475

الثاني : لو كانت ثبوتيّة لشاركت الموجودات في الوجود... 475

الثالث : لو كانت موجودة في الأعيان لزم أن تكون لكلّ مرتبة من مراتب الأعداد إضافات وجوديّة 476

الرابع : لو كانت وجوديّة لزم وجود صفات اللّه تعالى متكثّرة لا تتناهى... 476

ص: 563

قد يستدلّ بأنّه لو وجدت الإضافة لزم اتّصاف ذات اللّه تعالى بالحوادث... 476

في جواب الوجوه المذكورة أعلاه... 476

المسألة الرابعة : في بقايا مباحث الإضافة

المضاف المشهوري يعرض له المضاف الحقيقي كالأب تعرض له الأبوّة... 477

بيان الأسترآبادي هذا المطلب... 477

المسألة الخامسة : مقولة الأين

الأين هو نسبة الشيء إلى مكانه بالحصول فيه... 477

الأين على قسمين : حقيقي وغير حقيقي... 478

الأين الحقيقي هو نسبة الشيء إلى مكان خاصّ... 478

الأين غير الحقيقي هو نسبة الشيء إلى مكان عامّ... 478

الأين عند المتكلّمين أنواعه أربعة : الحركة والسكون والاجتماع والافتراق... 478

ذهاب بعض المتكلّمين إلى أنّ الأكوان لا تنحصر في الأربعة... 479

الحركة هي كمال أوّل لما هو بالقوّة من حيث هو بالقوّة أو حصول الجسم... 479

في بيان هذا التعريف... 479

المتكلّمون قالوا : ليست الحركة هي الحصول في المكان الأوّل... 479

قد يقال : إنّ الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني... 479

قد تفسّر الحركة بأنّها صفة يكون الجسم بها أبدا متوسّطا بين المبدأ والمنتهى... 480

وقد تفسّر بكون الجسم فيما بين المبدأ والمنتهى... 480

فيما أفاده صدر الحكماء في الشواهد الربوبيّة حول الحركة... 480

اتّفاق العقلاء على وجود الحركة... 480

مخالفة جماعة من القدماء الذين نفوا وجود الحركة... 480

استدلال المخالفين بوجوه... 481

الوجه الأوّل : لو كانت الحركة موجودة لكانت إمّا منقسمة أو غير منقسمة... 481

الوجه الثاني : أنّ الحركة ليست هي الحصول في المكان الأوّل... 481

الوجه الثالث : الحركة ليست واحدة ، فلا تكون موجودة... 481

توقّف الحركة على أمور ستّة... 481

إنّ مبدأ الحركة ومنتهاها قد يتّحدان محلاّ... 482

ص: 564

إنّ لكلّ واحد من المبدأ والمنتهى اعتبارين... 482

الاعتبار الأوّل : على سبيل التضايف... 482

الاعتبار الثاني : ما يكون على سبيل التضادّ... 482

إشكال وجوابه... 482

لو اتّحدت العلّتان انتفى المعلول... 483

المقصود بالعلّتين : الفاعليّة والقابليّة... 483

الفاعل للحركة ليس هو القابل المعروض لها... 483

فيما لو اقتضت الصورة الجسميّة الحركة إلى جهة معيّنة... 484

إشكال في أنّ الطبيعة قد تقتضي الحركة ولا يلزم دوامها بدوام الطبيعة... 484

في تقرير الجواب على الإشكال... 484

إنّ الحركة تقع في أربع مقولات هي الكمّ والكيف والأين والوضع... 484

الجوهر قسمان : بسيط ومركّب... 485

عدم قبول الأسترآبادي للحركة الجوهريّة... 485

ردّ الأسترآبادي للقول بأصالة الوجود ووحدته... 485

المضاف لا تقع فيه حركة بالذات... 485

نقل قول الشيخ في الشفاء والنجاة حول ال « متى »... 485

في أنّ الجدة توجد دفعة... 486

في عدم وجود الحركة في مقولتي الفعل والانفعال... 486

في إبطال وقوع الحركة فيما زاد على المقولات الأربع... 486

إنّ الحركة تقع باعتبارين : أحدهما التخلخل والتكاثف ، والثاني النموّ والذبول... 486

في الاستدلال على وقع الحركة بوجهين... 487

في بيان الاعتبار الثاني وهو الحركة في الكمّ باعتبار النموّ... 487

البحث حول الحركة في الكيف والاستدلال على ذلك... 488

إنكار جماعة من القدماء للاستحالة... 488

في اعتذارهم عن الحرارة المحسوسة في الماء... 488

ذهاب بعض إلى أنّ في الماء أجزاء ناريّة كامنة... 488

ذهاب آخرين إلى أنّ الأجزاء الناريّة ترد عليه من خارج... 488

ص: 565

في إبطال كلا القولين السابقين... 488

في أنّ وقوع الحركة في مقولتي الأين والوضع ظاهر... 489

في أنّ الحركة منها واحدة بالعدد ومنها كثيرة... 489

الحركة الواحدة هي المتصلة من مبدأ المسافة إلى نهايتها... 489

المقتضي لوحدة الحركة أمور ثلاث لا غير... 489

الأوّل هو وحدة الموضوع... 489

الثاني هو وحدة الزمان... 489

الثالث هو وحدة المقولة التي فيها الحركة... 489

إنّ وحدة المحرّك ليست بشرط... 490

إذا اختلف أحد الأمور الثلاثة اختلفت الحركة بالنوع... 490

من الحركات ما هو متضادّ ، وهي الداخلة تحت جنس آخر... 490

لا يمكن التضادّ بالاستدارة والاستقامة ؛ لأنّهما غير متضادّين... 491

انقسام الحركة بانقسام الزمان... 491

لا مدخل للمبدإ والمنتهى في الانقسام ولا للمحرّك... 491

في أنّه تعرض الحركة كيفيّة واحدة تشتدّ تارة وتضعف أخرى... 491

السرعة هي كيفيّة تقطع بها الحركة المسافة المساوية في الزمان الأقلّ... 491

عدم اختلاف ماهيّة الحركة بسبب اختلاف السرعة والبطء... 491

ذهاب المتكلّمين إلى أنّ تخلّل السكنات بين أجزاء الحركة سبب للإحساس بالبطء 492

الفلاسفة منعوا استناد البطء إلى تخلّل السكنات... 492

مزيد من التوضيح حول رأي الفلاسفة... 492

في أنّ الحركة قد تسمّى حركة ذات انعطاف وقد تسمّى زاوية... 493

اختلاف في أنّ المتحرك بين الحركتين هل هو متّصف بالحركة أو بالسكون... 493

أرسطو وأتباعه قالوا بالسكون ، وهو اختيار المحقّق الطوسي... 493

ما ذكره المحقّق الطوسي من برهان على ما تقدّم... 493

مناقشة الأسترآبادي لرأي الطوسي... 493

في بيان ماهيّة السكون ، هل هي وجوديّة أو عدميّة؟... 494

المتكلّمون قالوا : إنّها وجوديّة... 494

ص: 566

الحكماء قالوا بالعدميّة... 494

الطوسي اختار قول المتكلّمين... 494

ما ذكره العلاّمة الحلّي من شرح لهذه المسألة... 494

السكون في غير الأين عبارة عن حفظ النوع... 495

في وجوب حمل النوع على مطلق الكلّيّ... 495

الكون عبارة عن حصول الجسم في الحيّز... 496

في أنّ طبيعي الحركة إنّما يحصل عند مقارنة أمر غير طبيعي... 496

غاية الحركة الطبيعيّة إنّما هي حصول الحالة الملائمة للطبيعة... 496

الحركة الطبيعيّة يطلب بها استرداد الحالة الطبيعيّة بعد زوالها... 497

الحركة القسريّة إمّا أن تكون في ملازم المتحرّك أو مع مقارنه... 497

المحرّك يفيد قوّة فاعلة للحركة قابلة للضعف... 497

السكون منه طبيعي ومنه قسري ومنه إرادي... 498

من الحركات ما هو بسيط ومنها ما هو مركّب... 498

ذهاب أبي هاشم وأتباعه إلى أنّ جنس الأنواع الأربعة معلّل بالكائنيّة... 498

في الردّ على مذهب أبي هاشم وأتباعه... 498

المسألة السادسة : في المتى

المتى هي نسبة الشيء إلى الزمان أو طرفه بالحصول فيه أو في طرفه... 499

المتى ينقسم إلى حقيقي وغير حقيقي... 499

في الفرق بين المتى الحقيقي والأين الحقيقي... 499

الزمان مقدار الحركة من حيث التقدّم والتأخّر العارضين لها... 499

في بيان الفرق بين تقدّم المسافة وتقدّم الحركة... 499

إنّ للزمان معنيين... 500

الأوّل : أمر موجود في الخارج غير منقسم... 500

الثاني : أمر متوهّم لا وجود له في الخارج... 500

المتى إنّما تعرض بالذات للمتغيّرات وتعرض لغيرها بالعرض... 500

إنّ وجود معروض المتغيّرات وعدمه لا يفتقر إلى الزمان... 500

إنّ هذه النسبة عارضة للنسبتين... 501

ص: 567

الطرف عبارة عن الآن الذي هو طرف الزمان... 501

وجود الطرف فرضي كوجود النقطة في الجسم... 501

في وقوع المعارضة في المسألة وجواب المحقّق الطوسي عنها... 501

إنّ الزمان حادث ؛ لأنّه من جملة العالم الذي هو حادث... 502

المسألة السابعة : في الوضع

إنّ الوضع من جملة الأعراض النسبيّة... 502

إنّ لفظ الوضع يقال على معان بالاشتراك... 502

منها : كون الشيء بحيث يشار إليه إشارة حسّيّة... 502

ومنها : هيئة تعرض للجسم بسبب نسبة أجزائه... 502

قد يقع التضادّ في الوضع... 502

وقد يقع فيه شدّة وضعف... 502

المسألة الثامنة : في الملك

قد يطلق على الملك الجدة... 503

في تعريف الملك وأقسامه... 503

المسألة التاسعة والعاشرة : في مقولتي الفعل والانفعال

الفعل هو حالة تحصل للشيء بسبب تأثيره في غيره... 503

الانفعال هو حالة تحصل للشيء بسبب تأثّره عن غيره... 503

اختلافهم في ثبوت هاتين المقولتين عينا وذهنا... 503

ذهاب الأوائل إلى ثبوتهما عينا... 503

في بيان أنّ المذهب الحقّ هو ثبوتهما ذهنا... 504

في توضيح حجّة المحقّق الطوسي والإشكال عليها... 504

خاتمة هذا الجزء... 504

ص: 568

المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي

المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية

الناشر: مؤسسة بوستان كتاب

المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1426 ه.ق

ISBN (ردمك): 964-371-766-6

المكتبة الإسلامية

آثار مركز مطالعات وتحقيقات اسلامی 182

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

لمحمد جعفر الأسترآبادي المعروف ب«شريعتمدار»

الجزءالثاني

مركزالأبحاث والدراسات الإسلامية

قسم إحياء التراث الإسلامي

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل المجلّد الثاني

مقدّمة : في المسائل العلميّة وأقسام الأدلّة ... 7 - 14

المقصد الثالث في الأصل الأوّل من أصول الدين

التوحيد / معناه... 17 - 24

الفصل الأوّل : في وجوده تعالى... 25 - 42

الفصل الثاني : في صفاته تعالى... 43 - 45

المطلب الأوّل : في بيان الصفات الثبوتيّة... 45

المسألة الأولى : في القدرة... 45

المقدّمة الأولى : في تعريف القدرة والإيجاب المقدّمة... 45 _48

الثانية : في بيان القدم والحدوث... 48 - 60

في إثبات القدرة ، بمعنى أنّه تعالى صاحب القدرة... 60 - 77

دلائل النافين لقدرة اللّه والجواب عنها... 77 - 106

في عموم قدرته تعالى... 106 - 113

المسألة الثانية : في علمه تعالى... 113

تعريف العلم ، أقسامه ومراتبه... 114 - 121

علم الواجب تعالى بذاته وبما سواه عين ذاته... 121 - 158

في كيفيّة علمه تعالى بالأشياء... 158 - 194

في معنى قولهم : إنّه تعالى لا يعلم غيره وإنّه عالم بجميع المخلوقات... 194-205

مباحث متعلّقة بالمقام لتوضيح المرام... 205 - 230

تكميل عرشيّ : في بيان حقيقة الوجود... 230 - 233

تدقيق إلهاميّ : في حديث الصور وحصولها في ذاته تعالى... 233 - 235

في كيفيّة علمه تعالى بالجزئيّات المتغيّرة... 235 - 252

ص: 5

المسألة الثالثة : في أنّه تعالى حيّ... 252 - 254

المسألة الرابعة : في إرادته تعالى... 255 - 270

المسألة الخامسة : في سمعه وبصره... 270 - 273

المسألة السادسة : في كلامه تعالى... 273 - 280

المسألة السابعة : في أنّه تعالى صادق... 280 - 283

المسألة الثامنة : في أنّه تعالى قديم أزليّ... 283

المطلب الثاني : في أنّ الأوصاف الثمانية عين الذات... 284 - 290

المطلب الثالث : في بيان الصفات السلبيّة... 290 - 304

في نفي الرؤية عنه تعالى... 304 - 325

المطلب الرابع : في بيان صفات الجمال... 326 - 330

أنّه تعالى واحد من جميع الجهات... 330 - 342

تذنيبان... 342

الأوّل : في فرق الصوفيّة ومذاهبهم... 342 - 350

الثاني : فيما ورد من الأحاديث في التوحيد... 350 - 364

الفصل الثالث : في العدل... 365 - 368

المقام الأوّل : في نفي الظلم عنه تعالى... 368 - 374

المقام الثاني : في حسن أفعاله تعالى... 374 - 393

المقام الثالث : في غاية أفعاله تعالى... 393 - 414

المقام الرابع : في اختيار العباد في أفعالهم... 414 - 452

المقام الخامس : في وجوب اللطف عليه تعالى... 452 - 469

تذنيب : في خلق العالم... 469

الفائدة الاولى : في حدوث العالم وبدء خلقه... 469 - 476

الفائدة الثانية : براهين إبطال التسلسل... 476 - 492

الفائدة الثالثة : في خلق العالم العلوي... 492 - 509

الفائدة الرابعة : في البسائط والعناصر... 509 - 537

الفائدة الخامسة : في المواليد الثلاثة... 537 - 553

ص: 6

مقدّمة : في المسائل العلميّة وأقسام الأدلّة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هو الواجب الوجود بالذات ، المنزّه عن صفات النقص والكدورات ، الذي له صفات الكمال والجمال ، وصفاته الذاتيّة عين الذات ، وهو المتعالي عن مطارح طائر أفكار العقول والتصوّر والتصديق بكمال الذات ، والخارج عن نتائج القياس والاستقراء والتمثيل ، بل الوهم والتخييل إلاّ بالوجوهات ، فيتصوّر التصوّر والتصديق بأنّه الواحد من جميع الجهات ، وأنّه عادل منزّه عن الظلم والقبح وفاعل المحسّنات ؛ للأغراض العائدة إلى العباد ، وهو غاية الغايات ، وخالق الأرضين ومن فيهنّ والسماوات ، وقد خلق العباد مع الاختيار من غير تفويض وإجبار في الشرور والخيرات.

والصلاة والسلام على رسوله المعصوم المبعوث إلى الثقلين مع المعجزات بالشريعة الباقية إلى يوم العرصات ، وعلى آله المعصومين المنصوبين بنصّ بعض الأخبار والآيات ، وكلّ واحد منهم أعلم عصره وأشرف المخلوقات ، وهم الذين تجب مودّتهم وطاعتهم على المؤمنين والمؤمنات ، وهم شفعاؤهم للعفو عن الخطيئات ، ودخول الجنّات والغرفات.

أمّا بعد ، فهذا هو المجلّد الثاني من البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة من تأليف خادم المذهب الجعفريّ من مذاهب الشرع المحمّديّ ، محمّد جعفر الأسترآبادي ، جعل اللّه عواقب أموره خيرا من المبادئ ، وهو المتعلّق ببيان المطلب الكلّي والمقصد الأصلي من مقاصد الكتاب ، الذي هو حياة أرواح الأجساد ،

ص: 7

المتعرّض لمباحث الإلهيّات وما يتعلّق بها من أحوال النبوّة والإمامة والمعاد ، وأسأل اللّه أن يكتبه في صحائف الحسنات ، وأوتى بيميني يوم الحساب ، فأقول : هاؤم اقرءوا كتابيه ، إنّي ظننت أنّي ملاق حسابيه ، لأكون في عيشة راضية ، في جنّة عالية ، قطوفها دانية ، (1) وأدخل في خطاب ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ ) . (2) وأردت أن أجمع فيه العقائد الحقّة التي أقول في حقّها : هذه سبيلي أدعو إلى اللّه تعالى على بصيرة أنا ومن اتّبعني. (3)

اعلم أوّلا : أنّ المسائل العلميّة على أقسام خمسة :

الأوّل : الإجماعيّة حقيقة أو حكما.

الثاني : الاختلافيّة التي يكون المخالف فيها غير معتنى به.

الثالث : الخلافيّة التي يكون المخالف فيها معتنى به ، ولكنّ الثمرة المترتّبة عليها تكون غير معتدّ بها.

الرابع : الخلافيّة التي يكون المخالف فيها معتنى به والثمرة معتدّا بها ، ولكن لا يكون الدليل على الخلاف معتمدا عليه.

الخامس : الخلافيّة التي يكون المخالف فيها معتنى به والثمرة معتدّا بها ، والدليل على الخلاف معتمدا عليه. وهذا القسم ممّا ينبغي بسط (4) الكلام فيه وإعمال القواعد فيه.

ص: 8


1- من قوله : « هاؤم » إلى هنا اقتباس من الآيات 19 - 23 من سورة الحاقّة (69).
2- الحاقّة (69) : 24.
3- اقتباس من الآية 108 من سورة يوسف (12).
4- إشارة إلى أنّ الاستدلال على وجوه خمسة : الأوّل : الوجه الأخصر بالاكتفاء بالدليل العقلي والنقلي اللبّي كالإجماع والسيرة ونحو ذلك. الثاني : الوجه المختصر بذكر الدليل اللفظي _ مثلا _ وبيان دلالته ودفع الإيراد الوارد عليه. الثالث : الوجه المتوسّط بذكر الدليل اللفظي والفحص عن معارضه وإعمال الترجيح سندا ومتنا ودلالة ومدلولا وخارجا. الرابع : الوجه المبسوط بذكر أقوى الأدلّة مع ملاحظة السند والمتن والدلالة والفحص عن المعارض الأقوى لكنّه على الوجه المذكور. الخامس : الوجه الأبسط بذكر جميع الأدلّة أصلا ومعارضا ، كما أشرنا إليه. ( منه رحمه اللّه).

وثانيا : أنّه لا بدّ في كلّ مسألة استدلاليّة من ملاحظة الموضوع جنسا ونوعا وصنفا ووصفا وشخصا ، وكذا متعلّقه ، وكذا المحمول ومتعلّقه وجهة القضيّة ، وتعيين محلّ الكلام ؛ لئلاّ يصير النزاع لفظيّا ، ولا يحصل الخلط والاشتباه.

وثالثا : أنّه لا بدّ للمخاطب من الإنصات والالتفات والتخلية عن الشبهات والإدراك والإنصاف لإحقاق الحقّ وإبطال الباطل.

ورابعا : أنّه لا بدّ من إعمال آداب المناظرة بترك الاعتراض عند نقل المذهب إلاّ في صورة الشبهة ، ومعرفة مقام المنع والمناقضة والنقض والحلّ والمعارضة ، بأنّ عدم تسليم مقدّمة معيّنة منع غير محتاج إلى السند ، وعدم التسليم إجمالا نقض إجماليّ ومناقضة تحتاج إلى بيان الخلل بالنقض بوجود مقتضى الدليل فيما لا يقول به المستدلّ ، بل ولا غيره ، والحل بإبطال الدليل ، وأنّ الإتيان بدليل مثبت لخلاف مدّعى المستدلّ يسمّى معارضة صرفة أو مع المنع.

وخامسا : أنّ بعض أفاضل العصر قد أفاد أنّ الأدلّة ثلاثة ، كما قال سبحانه لنبيّه : ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) . (1)

فالأوّل دليل الحكمة ، وهو آلة للآية المحكمة ، أي علم التوحيد ، وهو أشرف الأدلّة ؛ ولهذا قدّمه اللّه تعالى ، وهو عبارة عن الدليل الكشفيّ العيانيّ الذي يخبر به المستدلّ بعد معاينة ما أراد اللّه من معاني ألفاظه ، لا مجرّد الألفاظ.

وشروط العلميّة ، منه (2) أن يجمع قلبه على استماع المقصود والتوجّه إليه من غير أن يريد العناد والردّ ؛ لأنّه لو استمع وهو يريد الردّ والعناد ، كان مشتغلا بغير ما هو

ص: 9


1- النحل (16) : 125.
2- كذا في النسخ. والصحيح : « منها ».

بصدده ، فلا يفهم المراد ؛ وأن لا تركن نفسه إلى ما آنست به ؛ فإنّ حبّ الشيء يعمي ويصمّ ؛ وأن لا يعتمد على ما عنده من القواعد والضوابط ؛ لئلاّ يرى المرجوح راجحا وبالعكس.

وشرط العمليّة ، منه (1) أن يكون مخلصا لله - عزّ وجلّ - في توحيده وعبادته بحيث لا يكون له غرض إلاّ رضا اللّه في كلّ شيء.

فإذا تمّت له شروط العلم والعمل جميعا على الوجه المطابق للكتاب والسنّة ، حصل له دليل الحكمة الذي لا يعرف اللّه إلاّ به ؛ فإنّه آلة للمعارف الإلهيّة الحقّة ، وبه يعرف الحكماء العقلاء ، والعلماء النبلاء الواجب تعالى ؛ لأنّه الدليل الذوقيّ العيانيّ الذي يلزم منه الضرورة والبداهة بالمستدلّ عليه ؛ لأنّه نوع من المعاينة. وذلك منحصر في إدراك الفؤاد الذي يدرك الشيء مجرّدا عن جميع ما سوى محض وجود الشيء مع قطع النظر عن جميع العوارض الذاتيّة له ، وهو نور اللّه الذي ورد فيه : « أنّ المؤمن ينظر بنور اللّه » (2) وهو على مشاعر الإنسان كالصدر ، والخيال الذي هو محلّ الصور العلميّة ، كلّيّة أو جزئيّة يرفع الجهل ، والقلب الذي هو محلّ المعاني واليقين يرفع الشكّ والريب.

وبالجملة ، فالمراد بالفؤاد في كلام الأئمّة علیهم السلام هو الوجود الذي هو أثر لفعل اللّه ؛ فإنّه لا ينظر إلى نفسه أبدا بل إلى ربّه ؛ لأنّه أثره ، كما أنّ الماهيّة لا تنظر إلى ربّها أبدا بل إلى نفسها.

الثاني : دليل الموعظة الحسنة ، وهو آلة لعلم الطريقة والفريضة العادلة ، أي علم تهذيب الأخلاق وعلم اليقين والتقوى ، كما إذا قلت : إن اعتقدت أنّ لك صانعا ، فلا شكّ في كونك ناجيا من عقوبته ، وإن لم تعتقد فلا تقطع بنجاتك من عقوبته ،

ص: 10


1- كذا في النسخ. والصحيح : « منها ».
2- « المحاسن » 1 : 223 ، باب ما خلق اللّه تبارك وتعالى المؤمن من نوره ، ح 1.

بل يجوز أن يعذّبك ، فلا يحصل لك القطع بالنجاة إلاّ مع اعتقاد وجوده تعالى.

ومثل هذا لا يحصل به المعرفة ، وإنّما هو بيان طريق السلامة ؛ لأنّه طريق الاحتياط وفيه السلامة والنجاة ، وعلم طريقة السلوك العمليّ الذي هو روح السلوك العلميّ ، وذلك بمعرفة تهذيب الأخلاق ودوام الذكر وملازمة الأعمال والتجنّب عن الأخلاق الذميمة ، كالطمع والحرص والبخل والشحّ والسرف والتبذير والجبن والتهوّر. ومستنده القلب والعقل ، ومثاله قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ ) (1) وأمثال ذلك.

الثالث : دليل المجادلة بالتي هي أحسن ، وهو آلة لعلم الشريعة والسنّة القائمة ، وذلك كما إذا قلت : إن كان في الموجودات قديم ، خالق وليس بمخلوق ، ثبت الواجب تعالى ، وإلاّ فلا بدّ لها من صانع ؛ إذ يستحيل أن توجد نفسها ، أو توجد بغير موجد لها. ومثل هذا لا يحصل به المعرفة الحقّة وإنّما يقطع حجّة المخالف ، بخلاف دليل الحكمة ، كما إذا قلت : إنّ كلّ أثر يشابه صفة مؤثّره ، وأنّه قائم به - أي بفعله - قيام صدور ، كالكلام ؛ فإنّه قائم بالمتكلّم قيام صدور ، وكالأشعّة والصور في المرايا ، فالأشياء هي ظهور الواجب بها لها ؛ لأنّه تعالى لا يظهر بذاته ، وإلاّ لاختلفت حالتاه ، ولا يكون شيء أشدّ ظهورا وحضورا وبيانا من الظاهر في ظهوره ؛ لأنّ الظاهر أظهر من ظهوره وإن كان لا يمكن التوصّل إلى معرفته إلاّ بظهوره ، مثل القيام والقعود ؛ فإنّ القائم أظهر في القيام من القيام وإن كان لا يمكن التوصّل إليه إلاّ بالقيام ، فتقول : يا قائم ويا قاعد ، فأنت إنّما تعني القائم لا القيام ؛ لأنّه بظهوره لك غيب عنك مشاهدة القيام أصلا ، إلاّ أن تلتفت إلى نفس القيام فيحتجب عنك القائم بالقيام.

فبهذا الاستدلال الذي هو من دليل الحكمة يكون عند العارف أظهر من كلّ

ص: 11


1- فصّلت (41) : 52.

شيء ، كما قال سيّد الشهداء علیه السلام : « أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟ » (1) وتحصل به المعرفة الحقّة ولا تحصل بغيره أصلا.

وبالجملة ، فلا بدّ في هذا الدليل من إقامة البرهان على النحو المقرّر في الميزان من المقدّمات وكيفيّة الدليل ، ولا حاجة إلى التمثيل ؛ لأنّ الكتب مشحونة به ، بل لا نكاد نجد غيره إلاّ نادرا إمّا لضعف المستدلّ أو المستدلّ له أو عليه ، ولكنّ الأوّل أولى ، ثمّ الثاني ثمّ الثالث.

أقول أوّلا : إنّ الظاهر أنّ المراد من الحكمة هي المقالة المحكمة والدليل الموضّح للحقّ ، المزيل للشبهة للخواصّ ؛ فإنّ الحكمة عبارة عن العلم بالأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر ، فيكون المراد هنا ما يوصل إليه.

مع أنّ الدليل الذوقيّ العيانيّ لو سلّم صحّته في المقام لا يمكن حصوله ظاهرا بالنسبة إلى الطائفة الذين أمر اللّه نبيّه أن يدعوهم به إلى سبيله تعالى.

والمراد من الموعظة الحسنة يمكن أن يكون هو الخطابات المقنعة والعبر النافعة للعوامّ. والمجادلة بالطريقة - التي هي أحسن طرق المجادلة - يمكن أن يراد منها ما يكون مع الرفق واللين وإيثار الوجه الأيسر والمقدّمات الأشهر ، أو ذكر مسلّمات الخصم مع كونها حقّة.

وثانيا : إنّ البرهان الإنّيّ بل كثيرا من الصناعات الخمس خارج عمّا أفاده ، مع أنّه أيضا من أدلّة المعرفة بل هو الغالب ، كما يشهد عليه قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... ) (2) وقوله تعالى : ( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (3) ونحو ذلك من الآيات الدالّة على لزوم الاعتبار والاستدلال من المعلول على العلّة ، وقوله علیه السلام :

ص: 12


1- « بحار الأنوار » 95 : 226 ، ح 3.
2- الأعراف (7) : 185.
3- فصلت (41) : 53.

« من عرف نفسه فقد عرف ربّه » (1) إلى غير ذلك. واحتمال إرادته من الحكمة لو لم يكن أظهر فلا أقلّ من التساوي ، مع أنّ الآية الشريفة لا تقتضي حصر الأدلّة في الثلاثة كما هو المدّعى ظاهرا.

وأيضا الدليل الذوقيّ العيانيّ لو سلّم صحّته سيّما بالنسبة إلى الطائفة المذكورة من أسباب عين اليقين الذي هو من خواصّ المقرّبين ، فيلزم عدم اعتبار ما هو من أسباب علم اليقين الذي هو من وظائف عامّة المؤمنين ؛ فإنّ اليقين له أقسام :

الأوّل : علم اليقين بمراتب شتّى من جهة أسباب العلم على وجه البرهان اللمّيّ أو الإنّيّ أو الحدس أو التجربة أو نحو ذلك ممّا يتفاوت بتفاوت المقدّمات.

الثاني : عين اليقين بمراتبه.

الثالث : حقّ اليقين ، ووظيفة العامّة هو الأوّل ، وأمّا غيره فهو من وظائف الأخيار والمقرّبين.

ومنه ما روي عن مولانا أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « ويحك كيف أعبد ربّا لم أره؟! » (2) وقوله علیه السلام : « لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا ». (3)

ثمّ اعلم أنّ البرهان الممكن إقامته على إثبات واجب الوجود هو البرهان الإنّيّ الذي ينتقل فيه من المعلول إلى العلّة ؛ لأنّا نستدلّ من المصنوع الذي هو المعلول على الصانع الذي هو العلّة ، ولا يمكن إقامة البرهان اللمّيّ الذي ينتقل فيه من العلّة إلى المعلول ؛ إذ لا علّة له ؛ لأنّه علّة لكلّ علل.

ص: 13


1- « غوالي اللآلئ » 4 : 102 / 149 ؛ « مصباح الشريعة » : 13 ، الباب 5 ، ونسبه كلّ منهما إلى الرسول صلی اللّه علیه و آله ، ونسبه الآمدي إلى أمير المؤمنين علیه السلام في « غرر الحكم ودرر الكلم » 2 : 164.
2- انظر « المحاسن » 1 : 373 باب جوامع التوحيد ، ح [817] 219 : « التوحيد » : 109 باب ما جاء في الرؤية ، ح 6 ؛ « الكافي » 1 : 98 باب إبطال الرؤية ، ح 6 ؛ « الإرشاد » 1 : 225 ؛ « الاحتجاج » 1 : 493 / 123.
3- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 47 ؛ « غرر الحكم ودرر الكلم » 2 : 142 ، الفصل 75 ، الرقم 1 ؛ « شرح ابن ميثم البحراني على المائة كلمة لأمير المؤمنين علیه السلام » : 52 ، الكلمة الأولى ؛ « بحار الأنوار » 64 : 321.

وزعم بعض أهل الإشراق إمكان إثباته بالبرهان اللمّيّ بملاحظة حقيقة الوجود. (1)

وهو كما ترى ؛ فإنّ الاستدلال إمّا بحدوث الأجسام والأعراض على وجود الخالق ، وبصفاتها على صفاته - كما عن المتكلّمين - أو بوجود الحركة على محرّك وبامتناع اتّصال الحركات لا إلى نهاية على وجود محرّك أوّل غير متحرّك ووجود مبدأ أوّل - كما عن الحكماء الطبيعيّين - أو بالنظر في الوجود ، وأنّه واجب أو ممكن - كما عن الحكماء الإلهيّين - وكلّ ذلك برهان إنّيّ ؛ لكون الكلّ باعتبار الوجود الخارجيّ المعلوم الذي هو المعلول.

والحاصل : أنّه ينبغي لطالب كلّ علم أن يعرف قبل الشروع فيه أمورا خمسة :

الأوّل : ماهيّته بنفسه ورتبته وشرافته حتّى يكون على بصيرة وشوق في تحصيله ، ولا يخرج حين البحث عن الفنّ.

الثاني : موضوعه ؛ ليكون على بصيرة ، ولئلاّ يبحث عن غيره فيخرج عن الفنّ.

الثالث : محموله ؛ لئلاّ يحمل غيره على ذلك الموضوع فيخرج عن الفنّ.

الرابع : مدركه ؛ لئلاّ يستدلّ بغيره.

الخامس : غرضه وفائدته ؛ ليكون على شوق موجب للاهتمام وعدم صيرورة سعيه عبثا.

فاعلم : أنّه قال المصنّف العلاّمة - أعلى اللّه مقامه - :

ص: 14


1- نسبه المحقّق الخوانساري قدس سره إلى القيل ، كما في « الحاشية على حاشية الخفري على التجريد » : 67.

( المقصد الثالث ): في الأصل الأوّل من أصول الدين

اشارة

[وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في وجوده تعالى

الفصل الثاني : في صفاته تعالى

الفصل الثالث : في العدل]

ص: 15

ص: 16

( المقصد الثالث )

في الأصل الأوّل من أصول الدين

وهو التوحيد الذي هو كمال الواجب الوجود بالذات في الذات.

اعلم : أنّ التوحيد - بحسب المعنى التصوّري - عبارة عن نسبة المكلّف الواجب الوجود بالذات إلى الوحدة من جميع الجهات :

كالوحدة باعتبار الأجزاء العقليّة من الجنس الذي هو عبارة عمّا به الاشتراك في الذات ، والفصل الذي هو عبارة عمّا به الامتياز.

والوحدة باعتبار الأجزاء الخارجيّة التي هي بإزاء الأجزاء العقليّة من المادّة والصورة.

والوحدة باعتبار الأجزاء الخارجيّة العنصريّة الرئيسة أو غيرها.

والوحدة باعتبار الذات والصفات.

والوحدة باعتبار الأفراد والجزئيّات ، بمعنى أنّه لا شريك له في الذات ، ولا شبيه له في الصفات ، ولا تعدّد ولا تكثّر له في الذات ، ويندرج فيه توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الذات والصفات وتوحيد الأفعال وتوحيد العبادة.

بيان ذلك : أنّه روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزّ وجلّ ووجهان يثبتان فيه. فأمّا

ص: 17

اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال : إنّه ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز عليه ؛ لأنّه تشبيه ، عزّ وجلّ ربّنا وتعالى عن ذلك. وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود لا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ ». (1)

وقد يقال : مراتب التوحيد عبارة عن نفي استحقاق إله آخر للعبادة ، ونفي وجوده ، ونفي إمكانه ، وإثبات الثلاثة لله تعالى.

وقد يقال : إنّ التوحيد توحيد الأحديّة كما للعصاة ، وتوحيد الفردانيّة كما للولاة.

وقد يقال : إنّه علميّ يظهر بالبرهان ، وعينيّ يثبت بالوجدان ، وحقّي اختصّ بالرحمن.

وقد يقسم إلى القشر ، وقشر القشر ، واللبّ ، ولبّ اللبّ.

والأوّل : كإيمان عموم المسلمين ، وهو التصديق بمعنى الكلمة.

والثاني : كإيمان المنافقين.

والثالث : كإيمان المقرّبين ، وهو بأن يشاهد ذلك بطريق الكشف ، ويرى أشياء كثيرة صادرة من الواحد القهّار.

والرابع : إيمان الصدّيقين ، وهو بأن لا يرى في الوجود إلاّ واحدا حتّى لا يرى نفسه.

وقيل : التوحيد كامل وناقص ، والأوّل أن يعلم أنّ وجوب الوجود لا يمكن أن

ص: 18


1- « التوحيد » : 83 - 84 ، باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ح 3 : « الخصال » : 2 ، باب الواحد ، ح 1 ، وصحّحنا النقل على المصدر.

يكون لذاتين ، والثاني أن يعلم أنّ اللّه سبحانه واجب الوجود فقط.

ويمكن أن يقال : إنّ مراتب التوحيد خمس : توحيد الذات ، وتوحيد الصفات ، وتوحيد الذات والصفات ، وتوحيد الأفعال ، وتوحيد العبادة.

فقوله تعالى : ( لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ) (1) إشارة إلى توحيد الذات ، وكذا قوله تعالى : ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) (2).

وقوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (3) إشارة إلى توحيد الصفات ، وكذا قوله تعالى : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (4).

وقوله علیه السلام : « لم يزل اللّه عزّ وجلّ والعلم ذاته » (5) الحديث ، إشارة إلى توحيد الذات والصفات ، بل توحيد الصفات أيضا.

وقوله تعالى : ( هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ ) (6) وقوله تعالى : ( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (7) وقوله تعالى : ( هذا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) (8) إشارة إلى توحيد الأفعال.

وقوله تعالى : ( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (9) إشارة إلى توحيد العبادة.

ومثله ما روي في « الكافي » - في الصحيح - عن هشام بن الحكم أنّه سأل

ص: 19


1- النحل (16) : 51.
2- الإخلاص (112) : 1.
3- الشورى (42) : 11.
4- الإخلاص (112) : 4.
5- « التوحيد » : 139 باب صفات الذات ... ح 1 : « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ، ح 1.
6- فاطر (35) : 3.
7- الرعد (13) : 16.
8- لقمان (31) : 11.
9- الكهف (18) : 110.

أبا عبد اللّه علیه السلام عن أسماء اللّه واشتقاقها : اللّه ممّا هو مشتقّ؟ فقال : « يا هشام! اللّه مشتقّ من أله وإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام؟ » قال : قلت : زدني ، قال : « لله تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان لكلّ شيء منها إله ولكنّ اللّه تعالى تدلّ عليه هذه الأسماء وكلّها غيره » (1).

كما أنّ التوحيد - كما أشرنا - قد يكون باعتبار الأجزاء العقليّة من الجنس وهو ما به الاشتراك ، والفصل وهو ما به الامتياز ، بمعنى أنّه ليس له أجزاء عقليّة ، وقد يكون باعتبار الأجزاء الخارجيّة التي هي بإزائها من المادّة والصورة ، وقد يكون باعتبار الأجزاء الخارجيّة ، مثل العنصريّة الرئيسة وغيرها ، وقد يكون باعتبار الذات والصفات ، وقد يكون باعتبار الأفراد والجزئيّات.

والتوحيد الذاتي يندرج فيه التوحيد الأجزائي بملاحظة الأجزاء العقليّة والخارجيّة بإزائها وغيرها ، والتوحيد الجزئيّاتي ، بمعنى أنّه واحد لا ينقسم أصلا ، ولا شريك له في الذات ، والمتداول بين الناس خصوص التوحيد الذاتي الجزئيّاتي من غير ملاحظة التوحيد الذاتي الأجزائيّ والتوحيد الصفاتي ، والذاتي والصفاتي والأفعالي والعباداتي ، مع أنّ الجمع مهما أمكن أولى.

وبحسب (2) المعنى التصديقي عبارة عن الاعتقاد مع الإقرار بأنّ اللّه - الذي هو الواجب الوجود بالذات ، وصاحب جميع الصفات من صفات الكمال والجمال ، والمنزّه عن صفات النقص ؛ لكونه صاحب الجلال ، وتكون صفاته الذاتيّة كوجوده ، ووجوبه عين الذات - واحد من جميع الجهات لا تكثّر فيه ، ولا شريك له في الذات ،

ص: 20


1- « الكافي » 1 : 87 باب المعبود ، ح 2 و: 114 باب معاني الأسماء واشتقاقها ، ح 2 ، بتفاوت يسير.
2- مرّ التوحيد بحسب المعنى التصوّري في ص 17.

ولا كفو ولا شبه له في الصفات ، بمعنى أنّ المكلّف لا بدّ أن يعتقد أنّ اللّه تعالى موجود بوجود هو عين ذاته ؛ لأنّه موجد للعالم وللآثار الممكنة التي لا تحدث بنفسها ، بل تحتاج إلى مؤثّر غير متأثّر ولو بواسطة ، فيكون وجوده ضروريّا بالذات ؛ لضرورة ثبوت الشيء لنفسه ، وعدمه ممتنعا بالذات ؛ لامتناع اجتماع الضدّين.

وأنّه تعالى قديم بذاته بمقتضى وجوب وجوده ؛ إذ لولاه لكان حادثا محتاجا إلى محدث.

وأنّه تعالى أبديّ يمتنع عليه العدم كما يقتضيه القدم وعينيّة الوجود المعلومة من وجوب الوجود وعدم جواز الاحتياج إلى الغير.

وأنّه تعالى حيّ بشهادة حياة المصنوعات بالحياة القديمة التي هي عين الذات ؛ لئلاّ يلزم الاحتياج وتعدّد القدماء. (1)

وأنّه تعالى عالم بالعلم القديم الذاتي ؛ لمثل ما مرّ.

وأنّه تعالى قادر ، مختار ، غنيّ مطلق يحتاج إليه ما سواه ؛ لأنّه خلق الاختيار وأخّر بعض المختار ، مع أنّ العجز مستلزم للاحتياج المستلزم للحدوث.

وأنّه تعالى سميع ، بصير ، مريد ، متكلّم ، صادق ؛ لمثل ما مرّ.

وأنّه تعالى ليس بجسم ولا مركّب ولا مرئيّ ولا محلّ ولا حالّ ولا صاحب نحو ذلك من الأحوال.

وبالجملة ، فلا بدّ أوّلا من معرفة اللّه بخمس صفات :

الأولى : أنّه خالق العالم والممكنات ؛ لشهادة السماوات والأرض وما فيهما من البسائط والمركّبات.

الثانية : أنّه واجب الوجود بالذات ، بمعنى أنّ الوجود - بمعنى منشأ الأثر - لكونه عين ذاته تعالى لازم وضرور لذاته ؛ للزوم ثبوت الشيء لنفسه وكون نفس الذات

ص: 21


1- هذا تعريض بمذهب الأشاعرة ، وسيأتي بيان مذهبهم ومناقشته.

علّة لإثبات الوجود له ، لا علّة للثبوت ليلزم معلوليّة الذات ، فيلزمه ضرورة الوجود بمعنى الكون والتحقّق - المعبّر عنه في الفارسيّة ب- « بودن » و « هستى » - لذاته واستحالة العدم عليه ؛ لاستحالة سلب الشيء عن نفسه.

الثالثة : أنّه صاحب صفات الكمال والجمال.

الرابعة : أنّه تعالى منزّه عن صفات النقص وله الجلال.

الخامسة : أنّ صفاته الذاتيّة عين ذاته.

وثانيا من معرفة جهات التوحيد ، أعني التوحيد الذاتي والصفاتي وغيرهما ، فهذا الأصل مشتمل على خمسة اعتقادات :

الأوّل : أنّ العالم له صانع واجب الوجود بالذات ، فهو من أصول الدين ، ومنكره كالدهري من الكافرين.

الثاني : أنّ الصانع الواجب الوجود بالذات صاحب الصفات لا نائب الصفات ، وهو من أصول المذهب أو كماله ، ومنكره - كبعض (1) أرباب المعقول أو المنقول - ناقص المذهب.

الثالث : أنّ الصانع الواجب بالذات - الذي هو صاحب جميع صفات الكمال والجمال - منزّه عن صفات النقص كالتجسّم والحلول ؛ لكونه صاحب الجلال ، وهو أيضا من أصول الدين من وجه ، والمذهب من وجه آخر ، ومنكره - كالمجسّمة والحلوليّة وأمثالهم - خارج عن الدين أو المذهب.

ومن جملة النقائص ما يحكى عن النصارى أنّ اللّه والد ومولود وروح القدس وشفيع ، وهو يتجلّى ودخل في رحم مريم وخرج إلى الدنيا وصلب وقتل ودفن ، ثمّ رجع إلى الدنيا بعد ثلاثة أيّام وغاص في جهنّم لنجاة أرواح الأنبياء والمؤمنين ، ثمّ صعد إلى السماء ، ثمّ ينزل إلى الدنيا لإيصال الثواب إلى الأخيار والعقاب

ص: 22


1- هم المعتزلة ، وسيأتي بيان مذهبهم ومناقشة.

إلى الفجّار.

الرابع : أنّ الصفات الذاتيّة - كالحياة والعلم والقدرة - عين الذات ، وهو أيضا من أصول المذهب ، ومنكره كالأشاعرة خارج عن المذهب.

الخامس : أنّ الصانع الواجب الوجود بالذات - الذي هو صاحب صفات الكمال والجمال ، والمنزّه عن صفات النقص وهو صاحب الجلال ، وتكون صفاته الذاتيّة عين ذاته تعالى - واحد من جميع الجهات ، لا تكثّر في ذاته ، لا شريك له في الذات ، ولا كفو ولا شبيه له في الصفات.

وهو أيضا من أصول الدين ، ومنكره كالمشركين من الكافرين ، فليكن الكلام في هذا الأصل - بل في كلّ أصل من الأصول - في خمسة فصول ، وبعد كلّ فصل وصل لبيان ما يترتّب على الاعتقاد المذكور في ذلك الفصل وجودا وعدما.

وليكن الكلام قبل الشروع في إثبات التوحيد ( في إثبات الصانع ) أي صانع العالم ، على أنّ اللام عوض عن المضاف إليه ، أو مغن عن الإضافة ، أو على أنّه الفرد الكامل المنصرف إليه اللفظ المطلق.

والظاهر أنّ وجه اختياره هو الإشارة إلى أنّ البرهان الممكن - إقامته عليه إنّما هو البرهان الإنّي - الذي ينتقل فيه من المعلول إلى العلّة - ؛ لأنّه يستدلّ من المصنوع الذي هو المعلول على الصانع الذي هو العلّة بملاحظة الصنع والإبداع والتكوين. ولا يمكن إقامة البرهان اللمّي الذي ينتقل فيه من العلّة إلى المعلول ولو بملاحظة إمكان العالم أو طبيعة الوجود كما عن الحكماء (1) - إذ لا علّة له ؛ لأنّه علّة لكلّ علل.

ص: 23


1- انظر « الشفاء » الإلهيات : 327 - 331 ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : 22 ؛ « النجاة » : 235 ؛ « المعتبر في الحكمة » 3 : 26 - 27 ؛ « المطالب العالية » 1 : 72 - 73 ؛ « المحصّل » 342 وما بعدها ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 20 - 28 ؛ « مناهج اليقين » : 158 ؛ « النافع يوم الحشر » : 8 - 9 ؛ « إرشاد الطالبين » : 176 - 179 ؛ « شرح المواقف » 8 : 5 ؛ « شرح المقاصد » 6 : 15 - 16 ؛ « الأسفار الأربعة » 6 : 26 ؛ « شرح الهداية الأثيرية » لملاّ صدرا : 15 - 17 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 494.

وما يقال - [ من ] (1) أنّ كون العالم مصنوعا علّة لكون الواجب صانعا أي لهذا الوجود الرابطي لا الأصل - فاسد ؛ لكون الأمر بالعكس ، كما لا يخفى.

نعم ، هو علّة في الإثبات لا الثبوت (2) وليس الوجه دفع ورود الاعتراض على ذكر « الواجب » بأنّ ما هو واجب فهو موجود بالضرورة ، فلا حاجة إلى إثباته ؛ (3) إذ (4) ليس المراد من الواجب ما هو كذلك في نفس الأمر ، بل ما فرض كونه كذلك ، فيكون المقصود إثبات أنّ لهذا المفهوم فردا في الخارج ، وليس كالمفهومات الفرضيّة التي لا تحقّق لها فيه. ولا شكّ أنّ هذا ليس بديهيّا ، بل يحتاج إلى البرهان في إثباته.

( و ) في إثبات ( صفاته ) الثبوتيّة الحقيقيّة التي هي عين الذات ( وآثاره ) المترتّبة عليه في مقام الفعل كالصفات الإضافيّة ( وفيه فصول ) :

ص: 24


1- انظر « شوارق الإلهام » 2 : 499.
2- أي وجه اختيار كلمة « الصانع » دون « واجب الوجود » مثلا.
3- انظر « شوارق الإلهام » 2 : 494.
4- هذا تعليل لقوله : « وليس الوجه ».

( الفصل الأوّل : في وجوده )

اشارة

أي في بيان أنّ الواجب الوجود بالذات ، الصانع للممكنات له فرد موجود في الخارج ، بمعنى أنّ للعالم صانعا واجب الوجود بالذات ؛ ردّا على من قال : (1) إنّ موجده الدهر أو الطبيعة من جهة توهّم كفاية الأولويّة الذاتيّة.

وذلك بأن يقال : لا شكّ في وجود فرد من أفراد الموجود المعلوم وجودها بديهة ، فذلك الفرد ( الموجود إن كان واجبا فهو المطلوب ) وهو أنّ واجب الوجود موجود ( وإلاّ ) يكن ذلك الموجود واجبا ، بل كان ممكنا ( استلزمه ) أي استلزم وجود ذلك الممكن وجود واجب الوجود ؛ لأنّ له حينئذ مؤثّرا لا محالة ؛ لأنّ الإمكان يوجب افتقار الممكن إلى العلّة ؛ لأنّ الممكن ما يتساوى طرفاه ، وتحقّق أحد المتساويين لا بدّ له أن يرجّح بمرجّح ، وذلك المرجّح هو المراد بالعلّة.

لا يقال : (2) لعلّ أحد طرفي الممكن كان له أولويّة ذاتيّة توجب تحقّقه من غير

ص: 25


1- هم الدهرية. انظر « أصول الدين » للبغدادي : 69 ؛ « الملل والنحل » للشهرستاني 2 : 235 ؛ « شرح المقاصد » 5 : 227 ؛ « الفصل في الملل والأهواء والنحل » 1 :1. 55 ؛ « كشاف اصطلاحات الفنون » 1 : 800 ؛ « الحكمة المتعالية » 7 : 111.
2- لمزيد الاطّلاع انظر « الأربعين في أصول الدين » 1 : 103 وما بعدها ؛ « المحصّل » : 344 وما بعدها ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : 84 - 85.

احتياج إلى العلّة ، فيكون العالم مستغنيا عن المؤثّر.

لأنّا نقول : لو فرضنا أنّ للممكن أولويّة ذاتيّة ، بمعنى كون الذات كافية فيها ، وفرضنا كون تلك الأولويّة كافية في وقوع أحد طرفيه ، يلزم إمّا أن لا تكون الأولويّة أولويّة بل وجوبا فيلزم الانقلاب ، وإمّا أن لا تكون ذاتيّة وحينئذ فكون الأولويّة أولويّة ذاتية غير متصوّر.

بيان الملازمة : أنّه لو تحقّق أحد الطرفين لتلك الأولويّة ، فإن لم يمكن تحقّق الآخر ، كان ذلك الآخر ممتنعا والطرف الراجح واجبا ، فيلزم الأمر الأوّل. وإن أمكن تحقّقه ، فإمّا أن يكون ذلك الإمكان بلا سبب ، فيلزم ترجيح المرجوح بلا سبب ، وهو أقبح من ترجّح أحد المتساويين بلا سبب ، أو بسبب فإمّا أن لا يقتضي أولويّة ذلك الآخر ، فلم يكن السبب سببا ، أو يقتضيها ، فيلزم مرجوحيّة الطرف الأوّل لذاته ، فلم تكن الأولويّة أولويّة ذاتيّة ؛ لامتناع زوال ما بالذات ، فيلزم الأمر الثاني.

على أنّه لو أمكن تحقّق ذلك الآخر ، لكان تحقّق غيره مع إمكان تحقّقه ترجيحا بلا مرجّح.

وأيضا كون الأولويّة ذاتيّة ومستندة إليها ومنسوبة إليها قبلها غير متصوّر ؛ إذ لا معنى لنسبة الشيء إلى شيء وكونه مقتضاه قبله ، وكونها بعده يستلزم استناده إلى علّة واجبة والاستغناء عن غيرها ولو كان « أولى » من الأولويّة ، كما لا يخفى على من له أدنى مسكة.

ولا فرق فيما ذكرنا بين تفسير الأولويّة الذاتيّة باقتضاء ذات الممكن رجحان أحد الطرفين اقتضاء غير بالغ حدّ الوجوب ، أو كون أحد طرفي الممكن أليق بالنسبة إلى الذات لياقة غير بالغة حدّ الوجوب ، كما لا يخفى.

وبالجملة ، فتلك العلّة إن كانت ممكنة تكون محتاجة إلى علّة أخرى ، وتلك الأخرى إن كانت عين الأولى يلزم الدور المصرّح ، وإن كانت غيرها وكانت ممكنة تكون محتاجة إلى أخرى وهكذا ، فإمّا أن تنتهي السلسلة إلى الواجب ، أو ترجع ، أو

ص: 26

تذهب إلى غير النهاية على وجه الدور والتسلسل ؛ ولا سبيل إلى الثاني ؛ ( لاستحالة الدور والتسلسل ) ببرهان التطبيق ونحوه كما تقدّم ، فيلزم الانتهاء إلى الواجب ، فيثبت وجود الواجب الوجود وهو المطلوب.

قال المحقّق الخفري في تعليقاته على شرح الفاضل القوشجي على إلهيّات التجريد : « اختار المصنّف قدس سره في إثبات الواجب منهج الحكماء الإلهيّين ، وهو الذي يستدلّ فيه بالنظر إلى الوجود ؛ لأنّه أخصر وأوثق وأشرف من المنهج الذي اعتبر فيه حدوث الخلق ، أو إمكانه بشرط الحدوث - كما هو طريقة بعض (1) المتكلّمين - أو الحركة ، كما هو طريقة الطبيعيّين.

بيان ذلك : أنّ لأرباب العقول في إثبات الواجب مناهج ، (2)

كما أشرنا إليه : الأوّل : منهج الحكماء الإلهيّين ، وهو الذي يستدلّ فيه بالنظر إلى الوجود بملاحظة طبيعة الوجود بما هو وجود من غير نظر إلى الخصوصيّات ، فالاستدلال باللوازم المنتزعة عن حاقّ الملزوم.

الثاني : منهج جماعة من المتكلّمين ، وهو الذي اعتبر فيه حدوث الخلق المتوقّف على إثبات حدوث العالم ، بأن يقال : إنّ العالم حادث ؛ للدلائل الدالّة عليه ، فلا بدّ من محدث ، ويجب الانتهاء إلى محدث غير حادث ؛ دفعا للدور والتسلسل ، وهو الواجب تعالى ، فيثبت المطلوب.

الثالث : منهج طائفة أخرى منهم ، وهو الذي اعتبر فيه الإمكان بشرط الحدوث.

ص: 27


1- مراده طائفة من المتكلّمين ، كما سيذكر ذلك في المنهج الثالث.
2- المعروف أنّ أرسطو سلك منهج الحكماء الطبيعيّين وابن سينا سلك منهج الحكماء الإلهيّين. ولمزيد المعرفة عن المناهج الأربعة انظر « الشفاء » الإلهيات :2. 331 ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : 22 و 34 - 38 ؛ « النجاة » : 235 ؛ « المعتبر في الحكمة » 3 : 22 - 27 ؛ « المطالب العالية » 1 : 72 ؛ « المحصل » : 342 وما بعدها ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 467 - 471 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 20 - 28 ؛ « مناهج اليقين » : 158 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 15 - 24 ؛ « الأسفار الأربعة » 6 : 12 - 48 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 494 - 500.

وتقريره مثل ما مرّ.

الرابع : منهج الحكماء الطبيعيّين ، وهو الذي يكون النظر فيه إلى طبيعة الحركة ، بأن يقال : لا شكّ في وجود متحرّك ، ولا بدّ له من محرّك غير ذاته ؛ إذ حركته أمر ممكن لا بدّ له من علّة لا محالة ، فيجب الانتهاء إلى محرّك غير متحرّك أصلا ؛ دفعا للدور أو التسلسل ، وهو الواجب.

أو يقال : إنّ النفس الناطقة خارجة في كمالاتها من القوّة إلى الفعل ، فلا بدّ لها من مخرج ، ويجب الانتهاء إلى مخرج غير مخرج ؛ دفعا للدور أو التسلسل ، وهو الواجب تعالى.

والمنهج الأوّل أخصر ؛ لكونه أقلّ مقدّمة وأوثق ؛ لكونه أشبه بالبرهان اللمّي ، بل قيل : (1) إنّه برهان لمّي ؛ إذ هو استدلال بحال مفهوم « الموجود » (2) على أنّ بعض الموجود (3) واجب ، لا على ذات الواجب في نفسه ، وكون طبيعة الوجود مشتملة على فرد وهو الواجب لذاته ، وهي حال من أحوال تلك الطبيعة ، فالاستدلال بحال تلك الطبيعة على حال أخرى لها معلولة للأولى ، وأشرف المناهج ؛ إذ الوجود منبع كلّ شرافة ، وموجب كلّ إنافة ». (4)

ثمّ قال : « ويمكن تقرير هذا الدليل بوجوه أربعة :

أحدها : أنّ للموجود أفرادا بالبديهة ، فإن كان واحد منها واجب الوجود بالذات ثبت المطلوب. وإن كان كلّها ممكنا فله مؤثّر موجود بالضرورة ، ولزم الانتهاء إلى الواجب ؛ لاستحالة الدور والتسلسل.

ص: 28


1- قال به العلاّمة الحلّي قدس سره في « كشف المراد » : 280 والفاضل السيوري في « إرشاد الطالبين » : 177 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 71 ، ونسبه اللاهيجي إلى القيل في « شوارق الإلهام » 2 : 498.
2- في « أ » : « الوجود » بدل « الموجود ».
3- في « أ » : « الوجود » بدل « الموجود ».
4- الإنافة من نوف : الارتفاع.

وثانيها : أن يقال في الشقّ الثاني : إن لم يتحقّق في أفراد الموجود واجب الوجود لزم الدور أو التسلسل.

وثالثها : أن يقال فيه : إن لم يتحقّق واجب الوجود في أفراد الموجود لزم أن يتحقّق فيها ؛ لاستحالة الدور والتسلسل.

ويمكن حمل كلام المصنّف على هذا.

ورابعها : ما قرّر الشارح ، (1) وهو أحد احتمالي عبارة المصنّف ». (2) انتهى.

والفرق بين الوجوه يظهر بالتأمّل.

ويمكن الاستدلال بوجه آخر ، وهو أن يقال : مجموع الموجودات في حال وجوده واجب ؛ لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ؛ وذلك لأنّ الأولويّة الذاتيّة غير متصوّرة كما سبق ، فلا تكون سببا للوجود ، والأولويّة الناشئة من العلّة الخارجة عن ذات الممكن وإن كانت متصوّرة ؛ لعدم لزوم شيء ممّا لزم على الأولويّة الذاتيّة لكنّها غير كافية في الوجود ؛ لأنّها إن جعلت الطرف المقابل للأولى محالا ممتنع الوقوع لم تكن أولويّة خارجيّة بل وجوبا بالغير ، وإلاّ فيمكن مع تلك الأولويّة وقوع الطرف المقابل كما يمكن وقوع الطرف الأوّل ، فالوقوع مع تلك الأولويّة واللاوقوع معها متساويان ، فلو فرض وقوع أحدهما يلزم ترجيح أحد المتساويين بلا مرجّح وهو باطل ، فيلزم وجوبه.

ولأنّ الموجود في حال وجوده لو لم يكن واجبا فإمّا أن يكون ممتنعا أو ممكنا ، والامتناع ممتنع ؛ لوجوده ، وكذا الإمكان غير ممكن ؛ لأنّ معناه صلاحية وجوده مع عدمه وقد فرضناه موجودا ، وهذا خلف ، فتعيّن وجوبه.

ولأنّ الموجود لا يوجد إلاّ بعد تحقّق جميع الدواعي ، وارتفاع جميع الموانع ،

ص: 29


1- مراده الفاضل القوشجي. انظر « شرح تجريد العقائد » : 310.
2- « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة 3 ، مخطوط.

كما لا يخفى ، وحينئذ يكون وجوده واجبا ، فذلك الوجوب إمّا في جميعها بالذات ، أو في جميعها بالغير ، أو في بعضها بالذات وفي بعض آخر بالغير.

لا سبيل إلى الأوّل ؛ لأنّه - مع استلزامه لمطلوبنا ، وهو وجود الواجب بالذات - مستلزم لتعدّد الواجب بالذات أيضا وهو باطل ؛ لما سيأتي ، ولا إلى الثاني ؛ للزوم الدور أو التسلسل ؛ فتعيّن الثالث ، فثبت أنّ واجب الوجود موجود.

وقد استدلّ عليه ببراهين أخر (1) أيضا :

منها : أنّ الموجودات لو كانت منحصرة في الممكنات الصرفة لزم الدور ؛ لأنّها في حكم ممكن واحد في إمكان انعدامها بدلا عن وجودها ؛ وذلك لأنّه وإن امتنع عدم كلّ منها بسبب علّة لكن لا شكّ في إمكان عدمه مع عدم علّته ؛ لكونها أيضا من الممكنات على هذا التقدير ، فتحقّق موجود ما يتوقّف على إيجاد ما ؛ لأنّ وجود الممكنات إنّما يتحقّق بالإيجاد ، وتحقّق إيجاد ما أيضا يتوقّف على تحقّق موجود ما ؛ إذ الشيء ما لم يوجد لم يوجد ، وليس موجود على هذا التقدير غير ما توقّف على ذلك الإيجاد ، فيلزم الدور ، فلا بدّ من موجود غير ممكن لا يحتاج في وجوده إلى إيجاد ، فيصدر منه إيجاد الممكنات وهو واجب الوجود ، فثبت وجود الواجب. كذا ذكره المحقّق الخفري في التعليقات المشار إليها. (2)

ومنها : أنّه لو لم يكن واجب الوجود بالذات موجودا ، لم يكن شيء من الممكنات موجودا ولو لم يستحل الدور والتسلسل ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الملازمة : أنّ مجموع الممكنات إمّا موجود حقيقي بكونه معروضا لجهة

ص: 30


1- انظر « المطالب العالية » 1 : 249 - 278 ؛ « المحصّل » : 342 - 352 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 : 468 - 471 ؛ « مجموعة مصنفات شيخ الإشراق » 1 : 33 - 39 ؛ « إرشاد الطالبين » : 177 - 179 ؛ « شرح المواقف » 8 : 2 - 12 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 17 - 24 ؛ « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة 3 ، مخطوط ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 165 - 186 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 499 - 500.
2- « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة 3 ، مخطوط.

الوحدة حقيقة كالبيت والسرير ، أو موجود اعتباري معروض لجهة الوحدة الاعتبارية كالعسكر.

وعلى الأوّل يكون المجموع أيضا ممكنا آخر بحسب الخارج لا واجبا سيّما على تقدير عدم الواجب كما هو المفروض ، فيحتاج إلى علّة مرجّحة للوجود على العدم ، والمفروض عدم الواجب ، فلا يكون الواجب علّته مع امتناع كون نفس المجموع أو بعضه علّة ؛ لامتناع كون الشيء علّة لنفسه بديهة ، فيكون المجموع بلا علّة ، ويمتنع وجود الممكن بلا علّة ، فيلزم عدم المجموع.

وعلى الثاني فإن أمكن عدم المجموع لزم إمكان عدم آحاده ، فوجوبها - الذي لا يمكن وجودها إلاّ به - محتاج إلى علّة منتفية وإن لم يمكن لزم وجود واحد يكون علّة للكلّ حتّى لنفسه وهو الواجب ، والمفروض عدمه ، فيلزم عدم الممكنات بأسرها ، وهو خلاف البديهة.

ومنها : برهان التضايف :

وتقريره : أنّه إذا تسلسلت العلل ولم يكن في الوجود واجب الوجود ، فكلّ واحد واحد ممّا هو فوق المعلول الأخير متّصف بالعلّيّة بالقياس إلى ما تحته ، وبالمعلوليّة بالقياس إلى ما فوقه ، فجميع ما فوق المعلول الأخير متّصف بالعلّيّة والمعلوليّة معا ، والمعلول الأخير متّصف بالمعلوليّة فقط ، فيلزم زيادة عدد المعلوليّة على عدد العلّيّة بواحد وهو محال ؛ لأنّ المتضايفين الحقيقيّين يجب تكافؤهما في الوجود ، فيلزم أن يكون في الوجود موجود متّصف بالعلّيّة فقط ليستقيم التكافؤ الواجب بين عدد العلّيّات والمعلوليّات ، والأمر المتّصف بالعلّيّة دون المعلوليّة باعتبار وجوده في نفسه هو الواجب بالذات ؛ بناء على أنّ العقل يحكم بأنّه يمتنع زيادة عدد أحد المتضايفين على عدد الآخر ، كما يحكم بأنّه يمتنع تحقّق أحد المتضايفين بدون الآخر ولو كان بملاحظة إجماليّة.

ومنها : أنّه ليس للموجود المطلق - من حيث هو موجود - مبدأ يكون مبدأ

ص: 31

لجميع أفراده ، وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه ؛ لأنّه لكونه من جملة الموجودات التي هو مبدأ لها يكون مبدأ لنفسه أيضا ، والممكن من حيث هو لا بدّ له من مبدأ يكون مبدأ لجميع أفراده ؛ لكونها في حكم ممكن واحد محتاج إلى العلّة كما سبق ، فلا يمكن إيجاد أفراد الموجود المطلق وأفراد الممكن ، فلا بدّ من وجود فرد للموجود المطلق غير الممكن وهو الواجب ، فيثبت وجود الواجب بالذات. كذا ذكره المحقّق الخفري. وقال : « وهذا حقيق بأن يكون طريقة الصدّيقين الذين يستشهدون بالحقّ لا عليه ». (1)

ومنها : أنّ كلّ عاقل يحكم بملاحظة ما سبق أنّ جميع الممكنات لا بدّ لها من علّة بالذات ، أي علّة يكون جميع أجزائها متأخّرا عنها ، محتاجا إليها ، وظاهر أنّه إذا كان جزء من أجزاء الممكنات علّة لها بهذا المعنى يلزم تقدّمه على نفسه وعلى علله ، فيجب أن يكون لها علّة خارجة عنها ، وهو الواجب بالذات.

ومنها : أنّه لو لم يتحقّق الواجب ، لم يتحقّق شيء من الممكنات ؛ إذ لا شيء من الممكنات مستقلّ بنفسه لا في الوجود - كما هو الظاهر - ولا في الإيجاد ؛ إذ المستقلّ بإيجاد شيء هو ما يمتنع بسببه جميع أنحاء عدم ذلك الشيء ، ولا شيء من الممكنات كذلك ؛ لأنّها لجواز عدمها لا يتصوّر كون شيء منها سببا لامتناع عدم شيء آخر ؛ إذ لا وجود ولا إيجاد ، فلا موجود لا بذاته ولا بغيره ، كما لا يخفى.

ومنها : أنّ الممكن الكلّي الموجود في ضمن مصداقه (2) بالبديهة - بناء على بداهة وجود الكلّي الطبيعي بمشاهدة انتزاع العقل من المصاديق شيئا مشتركا فيه بالعيان وكون الممكن الكلّي كلّيا طبيعيّا بالنسبة إلى مصاديقه مع كفاية الجوهر الممكن

ص: 32


1- « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة 3 ، مخطوط.
2- المراد أنّ الممكن ما لا يجب لذاته ، وما لا يجب لذاته لا يكون له وجود لذاته ، فلو كانت الموجودات بأسرها ممكنة لما كان في الوجود موجود ، فلا بدّ من واجب لذاته ، فقد ثبت واجب الوجود لذاته. وهذه طريقة حسنة مستقيمة خفيفة المئونة مبنيّة على أنّ الشيء ما لم يجب ولم تمتنع جميع أنحاء عدمه لم يوجد. ( منه رحمه اللّه ).

الذي هو جنس الأجناس - لا بدّ له من موجد موجود خارج ؛ حذرا عن الترجيح بلا مرجّح ونحوه وهو الواجب ؛ لانحصار المفهوم في الواجب والممكن والممتنع ، وحيث امتنع كون الممتنع موجدا ؛ لعدم وجوده ، وامتنع كون نفس الممكن علّة ؛ لئلاّ يلزم تقدّم الشيء على نفسه ، أو تحصيل الحاصل ، أو كونه بلا علّة ؛ لما مرّ ، مضافا إلى [ أنّ ] الممكن ما تساوى نسبة الوجود والعدم إلى ذاته ، بمعنى عدم اقتضاء ذات الممكن شيئا منهما حتّى لا يرد عدم تصوّر نسبة شيء إلى المعدوم ، وعدم تصوّر ترجّح أحدهما مع اقتضاء الذات التساوي تعيّن (1) كون موجده هو الواجب بالذات ، فثبت وجوده وهو المطلوب. هذا ما يتعلّق ببيان البراهين العقليّة.

الأدلّة النقليّة

وأمّا ذكر الأدلّة النقليّة ليجتمع البحران ، ويطابق العقل مع النقل سيّما القرآن ، فيتوقّف على ملاحظة الكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب ففيه آيات كثيرة :

منها : قوله تعالى : ( اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ) (2) الآية.

ومنها : قوله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ ) . (3)

ومنها : قوله تعالى : ( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) . (4)

ومنها : قوله تعالى : ( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ ) . (5)

ومنها : قوله تعالى : ( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ

ص: 33


1- جواب لقوله آنفا : « وحيث امتنع ... ».
2- إبراهيم (14) : 32.
3- لقمان (31) : 25 ؛ الزمر (39) : 38.
4- النحل (16) : 4.
5- النحل (16) : 5.

أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) . (1) بيان :

قال الطبرسي في جوامع الجامع : « والمعنى أنّ الموعود - من إظهار آيات اللّه في الآفاق وفي أنفسهم - سيرونه ويشاهدونه ، فيتبيّنون عند ذلك أنّ القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كلّ شيء شهيد ، أي مطّلع مهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته ، فيكفيهم ذلك دليلا على أنّه حقّ ، وأنّه من عنده ». (2)

والظاهر أنّ المراد الاستدلال بالحقّ - الشاهد على كلّ شيء - على وجوده ، بمعنى أنّ آثار وجوده تعالى متحقّقة في الأنفس والآفاق من جهة ملاحظة أصل الوجود واختلاف الألسنة والألوان والحجم والاستحكام وأمثال ذلك من الآثار الممكنة المحتاجة إلى المدبّر القادر العالم الحكيم ، فبعد ملاحظتها يظهر أنّ الواجب الوجود بالذات موجود حقّ ، فبمشاهدة الأثر يحكم بوجود المؤثّر ، وبملاحظة أنّ وجود الأثر مستند إلى وجود المؤثّر يدرك وجود الحقّ في كلّ شيء حتّى كأنّه مشاهد ، فيكفي مشاهدته في الحكم بوجوده تعالى على وجه أجلى وأحلى وأعلى وأغلى وأولى ؛ لأنّه برهان إنّيّ كالبرهان اللمّيّ.

وتوهّم (3) أنّ المراد أنّه استدلال بالحقّ على الحقّ على وجه الحقيقة فاسد ؛ لأنّه يتمّ على مذهب من يقول بوحدة الوجود ، كما لا يخفى ، وهو كفر وزندقة.

ص: 34


1- فصلت (41) : 53.
2- « جوامع الجامع » : 426.
3- هذا تعريض من الأسترآباديّ ; بطريقة العرفاء ، وليس مرادهم ما فهمه هو ، بل طريقتهم معضدة بعدّة من الروايات. انظر في ذلك « التوحيد » باب التوحيد ونفي التشبيه :3. 58 / 15 وباب صفات الذات ... : 143 / 7 حول هذا المبحث راجع « الفتوحات المكّيّة » 11 : 343 ؛ 4 : 37 ؛ « شرح فصوص الحكم » للقيصريّ : 388 و 505 ؛ « التأويلات » للكاشانيّ 2 : 422 ؛ « جامع الأسرار » : 105 وما بعدها ؛ « الأسفار الأربعة » 1 : 135 ؛ 3 : 396 ؛ 5 : 27 ؛ 6 :3. 26 ؛ 9 : 374 - 376 ؛ « شرح المشاعر » : 369 وما بعدها ؛ « شرح الأسماء الحسنى » للسبزواريّ : 436 - 439 ؛ « روح البيان » 8 : 484.

إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على وجود الصانع من باب البرهان الإنّي ، البالغة إلى أربع وسبعين آية على ما عددتها.

وأمّا السنّة :

فمنها : ما روي عن هشام بن الحكم أنّه قال : كان من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد اللّه علیه السلام أن قال : ما الدليل على صانع العالم؟ فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « وجود الأفاعيل التي دلّت على أنّ صانعها صنعها ، ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبنيّ ، علمت أنّ له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟ ».

قال : وما هو؟ قال : « شيء بخلاف الأشياء ، أرجع بقولي : « شيء » إلى إثباته ، وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة غير أنّه لا جسم ولا صورة ، ولا يجسّ ولا يحسّ ، ولا يدرك بالحواسّ الخمس ، ولا تدركه الأوهام ، ولا تنقصه الدهور ، ولا يغيّره الزمان ».

قال السائل : فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا ، قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد منّا مرتفعا ؛ فإنّا لم نكلّف أن (1) نعتقد غير موهوم ، لكنّا نقول : كلّ موهوم بالحواسّ مدرك بما تحدّه الحواسّ ممثّلا ، فهو مخلوق ، ولا بدّ من إثبات صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين ، إحداهما : النفي ؛ إذ كان النفي هو الإبطال والعدم. والجهة الثانية : التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف ، فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه أنّهم مصنوعون وأنّ صانعهم غيرهم وليس مثلهم ؛ إذ لو كان مثلهم لكان شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف ، وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا ، وتقلّبهم من صغر إلى كبر ، وسواد إلى بياض ، وقوّة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها ».

قال السائل : فأنت قد حدّدته إذا أثبتّ وجوده. قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « لم أحدّده

ص: 35


1- في « د » : « لم نكلّف إلاّ أن نعتقد غير موهوم ».

ولكن أثبتّه ؛ إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة ».

قال السائل : فقوله : ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) (1)؟ قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له ، ولا أنّ العرش حاو له ، ولا أنّ العرش محلّ له ، لكنّا نقول : هو حامل للعرش وممسك للعرش ، ونقول في ذلك ما قال : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (2) فثبّتنا من العرش والكرسيّ ما ثبّته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسيّ حاويا له ، وأن يكون - جلّ وعزّ - محتاجا إلى مكان أو إلى شيء ممّا خلق ، بل خلقه محتاجون إليه ».

قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنّه عزّ وجلّ أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ؛ لأنّه جعله معدن الرزق ، فثبّتنا ما ثبّته القرآن والأخبار عن الرسول صلی اللّه علیه و آله حين قال : ارفعوا أيديكم إلى اللّه عزّ وجلّ ». (3) وهذا تجمع عليه فرق الأمّة كلّها.

بيان :

المراد بالشيئيّة ما يساوق الوجود ، أو نفسه ، والمراد بيان عينيّة الوجود ، أو قطع لطمع السائل عن تعقّل كنهه ، بل لا يعقل إلاّ بأنّه شيء ، وأنّه بخلاف الأشياء.

و « الجسّ » كما قيل بالجيم : المسّ.

قوله : « فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا » أي يلزم ممّا ذكرت أنّه لا تدركه

ص: 36


1- طه (20) : 5.
2- البقرة (2) : 255.
3- « التوحيد » : 243 - 350 ، الباب 26 في الردّ على الثنويّة والزنادقة ؛ « الاحتجاج » 2 : 197 ، احتجاجات الإمام الصادق علیه السلام ، ح 213 ، وقد أخذ المؤلّف موضع الحاجة منه.

الأوهام ؛ إذ كلّ ما يحصل في الوهم فهو مخلوق ، فأجاب علیه السلام بأنّه تعالى لا تدرك كنه حقيقته العقول والأوهام ، ولا يتمثّل أيضا في الحواسّ ؛ إذ هو مستلزم للتشبيه بالمخلوقين ، ولو كان كما توهّمت - من أنّه لا يمكن تصوّره بوجه من الوجوه - لكان تكليفنا بالتصديق بوجوده وتوحيده وسائر صفاته تكليفا بالمحال ؛ إذ لا يمكن التصديق بثبوت شيء لشيء بدون تصوّر ذلك الشيء ، فهذا القول مستلزم لنفي وجوده وسائر صفاته عنه تعالى ، ولا بدّ في التوحيد من إخراجه عن حدّ النفي والتعطيل ، وعن حدّ التشبيه بالمخلوقين.

ثمّ استدلّ علیه السلام بتركيبهم وحدوثهم وتغيّر أحوالهم وتبدّل أحوالهم وأوضاعهم على احتياجهم إلى صانع منزّه عن جميع ذلك غير مشابه لهم في الصفات الإمكانيّة ، وإلاّ لكان هو أيضا مفتقرا إلى صانع ؛ لاشتراك علّة الافتقار.

قوله : « فقد حدّدته إذا أثبتّ وجوده » أي إثبات الوجود له يوجب التحديد ، إمّا بناء على توهّم أنّ كلّ موجود لا بدّ أن يكون محدودا بحدود جسمانيّة أو عقلانيّة ، أو باعتبار التحديد بوصف أنّه موجود ، أو باعتبار كونه محكوما عليه ، فيكون موجودا في الذهن محاطا به ، فأجاب علیه السلام بأنّه لا يلزم أن يكون كلّ موجود جسما أو جسمانيّا حتّى يكون محدودا بحدود جسمانيّة ، ولا أن يكون مركّبا حتّى يكون محدودا بحدود عقلانيّة ، ولا يلزم كون حقيقته حاصلة في الذهن أو محدودة بصفة ؛ فإنّ الحكم لا يستدعي حصول الحقيقة في الذهن ، بل يكفيه التصوّر بوجه ما ، والوجود ليس من الصفات الموجودة المغايرة التي تحدّ بها الأشياء ، بل شيء يعتبر له بملاحظة آثاره.

ومنها : ما روي عن يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد علیهم السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فقال : « اللّه هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من كلّ من دونه وتقطّع الأسباب من جميع من سواه ، تقول : بسم اللّه ،

ص: 37

أي أستعين على أموري كلّها باللّه الذي لا تحقّ العبادة إلاّ له ، المغيث إذا استغيث ، والمجيب إذا دعي ، وهو ما قال رجل للصادق علیه السلام : يا ابن رسول اللّه! دلّني على اللّه ما هو ، فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني؟ فقال له : يا عبد اللّه! هل ركبت سفينة قطّ؟ قال : نعم ، قال : فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال : نعم ، قال : فهل تعلّق قلبك هناك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟ قال : نعم ، قال الصادق علیه السلام : فذلك الشيء هو اللّه القادر على الإنجاء حيث لا منجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث ». (1)

ومنها : ما روي عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « سمعت أبي يحدّث عن أبيه علیهماالسلام أنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال له : يا أمير المؤمنين! بما عرفت ربّك؟ قال : بفسخ العزائم ونقض الهمم لمّا أن هممت حال بيني وبين همّي ، وعزمت فخالف القضاء عزمي ، فعلمت أنّ المدبّر غيري. قال : فبما ذا شكرت نعماءه؟ قال : نظرت إلى بلاء قد صرف عنّي وابتلى به غيري ، فعلمت أنّه قد أنعم عليّ ، فشكرته. قال : فبما ذا أحببت لقاءه؟ قال : لمّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه ، علمت أنّ الذي أكرمني بهذا ليس ينساني ، فأحببت لقاءه ». (2)

ومثله عنه ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام . (3)

ومنها : ما روي عن الصادق علیه السلام أنّه قال للمفضّل : « يا مفضّل أوّل العبر والأدلّة على البارئ - جلّ قدسه - هيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه ؛ فإنّك إذا تأمّلت العالم بفكرك وميّزته بعقلك ، وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ،

ص: 38


1- « التوحيد » : 230 - 231 ، الباب 21 ، ح 5 ؛ « معاني الأخبار » : 4 باب معنى اللّه عزّ وجلّ ، ح 1.
2- « الخصال » : 33 باب الاثنين معرفة التوحيد بخصلتين ، ح 1 ، ورواها عن زياد بن منذر عن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه علیهم السلام في « التوحيد » : 288 ، الباب 41 ، ح 6.
3- « التوحيد » : 289 ، الباب 41 ، ح 8.

والنجوم منضودة كالمصابيح ، والجواهر مخزونة كالذخائر ، وكلّ شيء فيها لشأنه معدّ ، والإنسان كالمملّك ذلك البيت والمحوّل جميع ما فيه ، وضروب النبات مهيّأة لمآربه ، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه ، ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملاءمة ، وأنّ الخالق له واحد ، وهو الذي ألّفه ونظمه بعضا إلى بعض جلّ قدسه ، وتعالى جدّه ، وكرم وجهه ، ولا إله غيره ، تعالى عمّا يقول الجاحدون ، وجلّ وعظم عمّا ينتحله الملحدون ». (1)

ومنها : ما روي عن الاحتجاج أنّه دخل أبو شاكر الديصاني - وهو زنديق - على أبي عبد اللّه علیه السلام ، فقال : يا جعفر بن محمّد! دلّني على معبودي ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « اجلس » فإذا غلام صغير في كفّه بيضة يلعب بها ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « ناولني يا غلام البيضة » فناوله إيّاها ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « يا ديصاني! هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها ، ولم يدخل فيها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها ، لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى ، تتفلّق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبّرا؟ ». قال : فأطرق مليّا قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّك إمام وحجّة من اللّه على خلقه ، وأنا تائب ممّا كنت فيه. (2)

بيان :

تقرير استدلاله علیه السلام : أنّ ما في البيضة - من الإحكام والإتقان والاشتمال على ما به صلاحها ، وعدم اختلاط ما فيها من الجسمين السيّالين والحال أنّه ليس فيها

ص: 39


1- « بحار الأنوار » 3 : 61 ، كتاب التوحيد ، الباب 4.
2- « الاحتجاج » 2 : 201 - 202 ، احتجاجات الإمام الصادق علیه السلام ، ح 215 ، ورواها الكلينيّ في « الكافي » 1 : 80 ، كتاب التوحيد ، باب حدوث العالم ، ح 4 وكذا الصدوق في « التوحيد » : 124 الباب 9 ، ح 1.

مصلح حافظ لها من الأجسام ، فيخرج مخبرا عن إصلاحها ، ولا يدخلها جسماني من خارج ، فيفسدها كما هو شأن أهل الحصن الحافظين له وحال الداخل فيه بالقهر والغلبة - دليل على وجود الصانع.

قوله : « وهي تتفلّق عن مثل ألوان الطواويس » يدلّ على أنّ الأمر المذكور يدلّ على أنّ له مبدأ غير جسم ولا جسمانيّ.

والطواويس جمع الطاوس ، وهو طائر معروف.

ومنها : ما روي عنه ، عن عيسى بن يونس قال : قال ابن أبي العوجاء - بعد الاعتراض على أبي عبد اللّه علیه السلام من جهة طواف بيت اللّه على وجه التهاون وجوابه علیه السلام بأنّه بيت استعبد اللّه به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثّهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محلّ أنبيائه وقبلة للمصلّين له ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، خلقه اللّه قبل دحو الأرض بألفي عام - : ذكرت اللّه فأحلت على غائب ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ، ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم؟! ».

فقال ابن أبي العوجاء : فهو في كلّ مكان أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض؟! وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟! فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « إنّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان شغل به [ مكان ] (1) وخلا به مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأمّا اللّه العظيم الشأن الملك الديّان ، فلا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان ». (2)

ص: 40


1- الزيادة أضفناها من « الاحتجاج » 2 : 208.
2- « الاحتجاج » 2 : 206 - 208 احتجاجات الإمام الصادق علیه السلام ، ح 218 ، ورواها في « التوحيد » : 253 - 254 / 4 ؛ « أمالي الصدوق » :493- 494 / 4 ؛ « علل الشرائع » 2 : 403 - 404 / 4 ؛ « الفقيه » 2 : 162 - 163 / 32 ؛ « الإرشاد » 2 : 199 - 201 ؛ « كنز الفوائد » 2 : 75 - 76.
بيان :

قوله : « أقرب إليه من حبل الوريد » مشعر بأنّ قربه قرب بالعلّيّة والتأثير ؛ إذ الوريد عرق في صفحة العنق بقطعه تزول الحياة. وفيما بعده إشارة إلى قربه من جهة الإحاطة العلميّة.

ومنها : ما روي عن محمّد بن عبد اللّه الخراساني خادم الرضا علیه السلام قال : دخل رجل من الزنادقة على الرضا علیه السلام وعنده جماعة ، فقال له أبو الحسن علیه السلام : « أرأيت إن كان القول قولكم - وليس هو كما تقولون - ألسنا وإيّاكم شرعا سواء ، ولا يضرّنا ما صلّينا وصمنا وزكّينا وأقررنا؟ » فسكت ، فقال أبو الحسن علیه السلام : « إن يكن القول قولنا - وهو قولنا وكما نقول - ألستم قد هلكتم ونجونا؟ ».

قال : رحمك اللّه فأوجد لي كيف هو؟ وأين هو؟ قال : « ويلك إنّ الذي ذهبت إليه غلط ، وهو أيّن الأين ، وكان ولا أين ، هو كيّف الكيف ، وكان ولا كيف ، ولا يعرف بكيفوفيّة ولا بأينونيّة ، ولا يدرك بحاسّة ، ولا يقاس بشيء ».

قال الرجل : فإذا إنّه لا شيء إذا لم يدرك بحاسّة من الحواسّ ، فقال أبو الحسن علیه السلام : « ويلك لمّا عجزت حواسّك عن إدراكه أنكرت ربوبيّته ، ونحن إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه أيقنّا أنّه ربّنا ، وأنّه شيء بخلاف الأشياء ». (1)

فساق الحديث على وجه يدلّ على أنّه لا يخلو عنه فرش ولا عرش ولا برّ ولا بحر ، فلا أرض ولا ماء ولا نار ولا هواء ولا كرسيّ ولا سماء ولا غير من الأشياء ، داخل في الأشياء لا كشيء في شيء ، خارج من الأشياء لا كشيء من شيء خارج.

ص: 41


1- « الكافي » 1 : 78 - 80 باب حدوث العالم ... ح 3 ؛ « التوحيد » :2. 252 ، الباب 36 ، ح 3 ؛ « عيون أخبار الرضا » 1 : 131 - 132 ، الباب 11 ، ح 28 ؛ « الاحتجاج » 2 : 354 - 356 ، احتجاجات الإمام الرضا ، ح 281.

ووردت أخبار أخر دالّة على وجود صانع موصوف بصفات الكمال. وذكرها يوجب التطويل والكلال.

وبالجملة ، فثبت بالدليل العقليّ والنقليّ في هذا الفصل - الذي هو الفصل الأوّل من الأصل الأوّل - أنّ للعالم صانعا واجب الوجود بالذات.

وصل :

هذا الاعتقاد من أصول الدين ، فمن أنكره كان من الكافرين ، ومن عرفه وأقرّ به كان في الجملة من المؤمنين ، ومن اعترف به عند الآخرين وأنكره عند الأوّلين كان من المنافقين والمذبذبين ، ومن لا يعرفه ولا يعانده كان من المستضعفين ، ومن أنكر بعض لوازمه ممّا سيأتي كان من المخالفين ، ويترتّب على كلّ فرقة حكمهم ممّا شطر في فروع الدين من الطهارة والنجاسة وقبول الشهادة ونحو ذلك من أحكام الدين.

ص: 42

( الفصل الثاني ) في الاعتقاد الثاني : [ في صفاته تعالى ]

اشارة

وهو أنّ الصانع الواجب الوجود بالذات صاحب الصفات لا نائب الصفات ، فلا بدّ أوّلا من بيان ( في صفاته تعالى ).

اعلم أنّ صفات واجب الوجود بالذات على قسمين : ثبوتيّة لا يعتبر في مفهومها السلب ، وسلبيّة يعتبر في مفهومها السلب ، ويقال لها : صفات النقص والجلال.

والثبوتيّة على قسمين : حقيقيّة لا يعتبر في مفهومها السلب والإضافة إلى الغير وإن أمكن عروض الإضافة لبعضها ، ويقال لها : صفات الذات والكمال ، وإضافيّة يقال لها : صفات الفعل والجمال.

والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل - التي تكون ثابتة لله في مقام الفعل لا في مقام الذات ، بمعنى كون الفعل جهة تعليليّة للثبوت لا تقييديّة كما في التميز ليلزم أن يكون الفعل موصوفا بحسب الواقع كما في الصفات التي تكون بحسب متعلّق الموصوف والمسند السببيّ - أنّ صفات الذات ما يكون ثابتا للذات ، ولا يمكن إثباته وإثبات نقيضه له ولو بالاعتبارين كالقدرة والعلم ؛ إذ لا يمكن أن يقال : إنّه قادر ليس بقادر ، وعالم وليس بعالم. وتوهّم إمكان النفي بالنسبة إلى الممتنع من باب كون السالبة بانتفاء الموضوع فاسد ؛ لعدم كون الممتنع قابلا لأن يكون متعلّق القدرة وهو على حاله معلوم ، وصفات الفعل ما يكون ثابتا للذات ، ويمكن إثباته مع نقيضه لها بالاعتبارين كالخالقيّة المثبتة بالنسبة إلى الموجود ، المنفيّة بالنسبة إلى المعدوم.

ص: 43

وتوهّم لزوم (1) كون العدل من صفات الذات ؛ لامتناع إثبات نقيضه لله تعالى مع أنّهم حكموا بأنّه كمال الواجب بالذات في الأفعال كما أنّ التوحيد كماله في الذات فاسد ؛ لإمكان نفي العدل بإثبات الفضل لا الجور بالمنع في صورة الاستحقاق ، أو الإعطاء مع عدم الاستعداد في حقّه تعالى ؛ ولهذا يقال : ربّنا عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك.

والإيراد بأنّ سياق الكلام يقتضي إثبات الصفات السلبيّة مع أنّها منفيّة مدفوع بأنّ المراد بيانها لا إثباتها ، أو المراد بالنسبة إلى السلبيّة إثبات سلبها أو إثباتها على طريق المعدولة بأن يقال : إنّه تعالى لا مركّب ولا جسم ولا نحوهما ، أو بحمل الصفات على الثبوتيّة وكون ذكر السلبيّة بالتبع.

وكيف كان ، فأشرف الصفات الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة - التي هي عين الذات وكمالها ، بمعنى أنّها ثابتة للذات على وجه العينيّة من غير أن تكون الذات نائبة عنها ؛ لما سيأتي ، أو تكون زائدة عنها كما سنبيّن إن شاء اللّه تعالى - وهي ثمان صفات بعدد أبواب الجنان وإن كان أصولها ثلاثة : القدرة ، والعلم ، والحياة بكون ما عداها راجعة إليها ، وكونها من شعبها ككون الإرادة - بمعنى العلم بالمصلحة المقتضية لمشيئة الفعل ، وبالمفسدة المقتضية لمشيئة الترك - من شعب مطلق العلم ، وكذا السمع والبصر ، وكون الكلام - بمعنى القدرة على إيجاد ما يدلّ على المراد لا نفس الإيجاد أو ما يدل على المراد - من شعب القدرة ، وكذا الصدق ، وكون القدم والأزليّة والأبديّة والسرمديّة من شعب الحياة التي ، هي عين الذات.

وتوهّم (2) لزوم التكثّر في ذات اللّه ؛ لتعدّد الصفات العينيّة مدفوع : بأنّ التعدّد باعتبار الآثار ، لا باعتبار نفس الذات التي تنسب إليها الوحدة من جميع الجهات ، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

ص: 44


1- يظهر هذا اللزوم من كلام الصدوق رحمه اللّه حيث عدّ العدل من صفات الذات. انظر « التوحيد » : 148 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ذيل ح 19.
2- انظر « المطالب العالية » 3 : 226.

وبالجملة ، ففي هذا الفصل مطالب :

المطلب الأوّل :
اشارة

في بيان الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة التي تسمّى صفات الذات وصفات الكمال. وفي هذا المطلب مسائل :

المسألة الأولى : في القدرة
اشارة

ولا بدّ قبل الشروع في إثباتها له تعالى على وجه العينيّة ونفي القول بعدمها أو كون الذات نائبة عنها أو كونها زائدة عنها من رسم مقدّمتين :

[ المقدّمة ] الأولى : في تعريف القدرة والإيجاب ، وتقسيمهما ، وبيان محلّ الكلام.

اعلم أنّ القدرة قد تفسّر (1) بأمر يؤثّر على وفق الإرادة والقصد والشعور. وقد تفسّر بصفة تكون مبدأ لأفعال مختلفة على خلاف المزاج والطبيعة. وبينهما عموم من وجه ؛ لتصادقهما في القوّة الحيوانيّة ، وتحقّق الأوّل بدون الثاني في النفس الفلكيّة ، والعكس في النباتيّة. وقد تفسّر بأنّها ما يصحّ به من الفاعل الفعل وتركه.

وقال الخفري : « للفلاسفة في تفسير القدرة عبارتان : إحداهما : صحّة صدور

ص: 45


1- لمزيد المعرفة حول أقوال الفلاسفة والمتكلّمين في تعريف القدرة انظر « الشفاء » الإلهيّات : 172 - 173 ؛ « التحصيل » 472 - 473 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 151 ؛ « الأربعين » 1 : 174 ؛ « المطالب العالية » 3 : 9 - 12 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 502 - 505 ؛ « نقد المحصّل » : 269 ؛ « مناهج اليقين » : 75 ؛ « نهاية المرام » 2 : 238 - 240 ؛ « التعريفات » للجرجانيّ : 221 ، الرقم 1125 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 53 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 273 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1302 - 1303.

الفعل ولا صدوره ، وأرادوا منها إمكان الصدور واللاصدور بالنسبة إلى الفاعل من حيث هو فاعل. والثانية : كون الفاعل بحيث إن شاء فعل ، وإن لم يشأ لم يفعل. والتلازم بين معنييهما ظاهر ، فمعناهما متّفق عليه بين الفريقين » (1).

أقول : والأولى أن يقال : إنّ القدرة تطلق على معنيين :

الأوّل : التمكّن على الفعل والترك وكون الشيء بحيث إن شاء فعل وإن شاء ترك.

الثاني : منشأ التمكّن المذكور سواء كان ذاتا كما في الواجب أو عرضا كما في الممكن.

والإيجاب يمكن كونه مصدرا مبنيّا للفاعل بمعنى الموجبيّة وكون الفاعل موجبا بصيغة الفاعل ، ويمكن كونه مبنيّا للمفعول بمعنى الموجبيّة وكون الفاعل موجبا بصيغة المفعول بكونه مصدرا للفعل من غير قدرة واختيار ، كإضاءة النور وإحراق النار ونحوهما ممّا يكون على وجه الاضطرار ، فيكون كلفظ « المضطرّ » بخلاف الأوّل ؛ فإنّه يطلق على فاعل يجب فعله بقدرته واختياره ، فلا يلزم الاضطرار ؛ فإنّ الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار كما في الأفعال التوليديّة للمختار.

فالقدرة قد تكون مؤثّرة بالنسبة إلى طرفي الفعل والترك ، بمعنى أنّ الفاعل شاء الترك فترك وشاء الفعل ففعل ، حتّى بالنسبة إلى قدرة اللّه تعالى إمّا باعتبار كونها زائدة على الذات ومنفكّة عنها وقتا ما ، كما يقول الأشاعرة ، (2) أو باعتبار تأثيرها في المشيّة الزائدة على الذات الموجبة لوجود الممكنات على وجه التأخّر بالإرادة ليتحقّق طرفا القدرة ، كما يقول المحقّقون من المتكلّمين. (3)

وقد تكون مؤثّرة بالنسبة إلى الفعل خاصّة ، كما في قدرة اللّه عند الحكماء ، (4)

ص: 46


1- « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة 3 - 4 ، مخطوط.
2- « الشفاء » الإلهيات : 170 - 185 ؛ « التعليقات » : 19 - 20 ؛ « التحصيل » : 382 - 384 ؛ « نقد المحصّل » :
3- « الشفاء » الإلهيات : 170 - 185 ؛ « التعليقات » : 19 - 20 ؛ « التحصيل » : 382 - 384 ؛ « نقد المحصّل » :
4- « الشفاء » الإلهيات : 170 - 185 ؛ « التعليقات » : 19 - 20 ؛ « التحصيل » : 382 - 384 ؛ « نقد المحصّل » : 269- 277 ؛ « شرح المواقف » 8 : 49 - 53 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 89 - 95 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 273 ؛ « الأسفار الأربعة » 4 : 111 - 113 ؛ « المبدأ والمعاد » لملاّ صدرا : 130 - 135 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 439 - 443.

بمعنى وجوب صدور الفعل عنه دائما مع صحّة صدور الفعل والترك عنه بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الإرادة.

والإيجاب أيضا على قسمين : إيجاب بمعنى الاضطرار ، وإيجاب على وجه الاختيار.

ويتصوّر النزاع بالنسبة إلى القدرة والإيجاب المذكورين في مقامات :

الأوّل : أنّ صدور الفعل عن اللّه تعالى هل هو على وجه الإيجاب بمعنى الموجبيّة - بالفتح - أم لا ، بل على وجه القدرة بمعنى صحّة صدور الفعل ولا صدوره بالنظر إلى ذاته تعالى؟

فالأوّل محكيّ عن بعض الحكماء (1) على ما هو بخيالي ، بل ظاهر كلام الشارح القوشجي كونه مذهب الفلاسفة قاطبة. (2) ولكن قال الفاضل اللاهيجي : لا نزاع لأحد في صحّة صدور الفعل والترك عنه بالنظر إلى ذاته تعالى مع قطع النظر عن الإرادة. (3) واحتمل حمل كلام الشارح على الإيجاب للقابل للصحّة بمعنى الإمكان الوقوعي. والثاني مذهب المحقّقين من الحكماء والمتكلّمين. (4)

ص: 47


1- قال الفاضل المقداد بانتشار انتساب هذا القول إلى الفلاسفة بين المتكلّمين ، ثمّ ذكر أنّ « المحقّقين ينفون صحّة هذا النقل عنهم ». انظر « إرشاد الطالبين » : 183.
2- ذكر الشارح القوشجي كلمة « الإيجاب » واحتمل أن تكون كلمة « الموجب » بالفتح والكسر كليهما. انظر « شرح تجريد العقائد » : 310.
3- « شوارق الإلهام » 2 : 500.
4- للاطّلاع على محلّ النزاع في المسألة انظر « الشفاء » الإلهيات : 172 - 173 ؛ « التعليقات » : 19 - 20 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 151 ؛ « المطالب العالية » 3 : 77 - 100 ؛ « المباحث المشرقية » 2 : 517 - 518 ؛ « المحصّل » : 372 ؛ « نقد المحصّل » : 163 - 165 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 132 - 137 ؛ « مناهج اليقين » : 160 - 161 ؛ « أنوار الملكوت » : 61 - 64 ؛ « شرح المواقف » 8 : 49 - 51 ؛ « اللوامع الإلهية » : 118 ؛ « إرشاد الطالبين » : 182 - 187 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 10 - 15 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 500 - 503.

الثاني : أنّه هل يجب عليه تعالى فعل في الجملة أم لا؟ (1) قولان : الأوّل : مذهب الحكماء والمحقّقين من المتكلّمين. والثاني : مذهب الأشاعرة.

والثالث : أنّه هل يجب عليه تعالى الفعل دائما بسبب كونه مستندا إلى قدرته وإرادته التي هي عين الذات الموجب لكونه تعالى بالنظر إلى الإرادة المذكورة علّة تامّة يمتنع تخلّف المعلول عنها ، أو يجب في وقت متأخّر مقارن للمشيئة؟ قولان : الأوّل : مذهب الحكماء. والثاني : مذهب غيرهم.

[ المقدّمة ] الثانية : في بيان القدم والحدوث
اشارة

اعلم أنّ الحدوث عبارة عن مسبوقيّة الوجود بالعدم المطلق. والقدم عبارة عن عدم مسبوقيّة الوجود بالعدم المطلق.

والقديم - الذي هو عبارة عن الموجود غير المسبوق بالعدم المطلق - منحصر في الواجب تعالى ، وجميع الممكنات حادثة مسبوقة بالعدم المطلق ، وإلاّ لكانت موجودة مع قطع النظر عن الغير ؛ إذ لو لم تكن كذلك لم تكن موجودة على الإطلاق ؛ لأنّ الموجود المطلق ما كان موجودا على جميع التقادير ، فلو لم تكن مع قطع النظر عن الغير موجودة لكانت معدومة ، فحينئذ يكون وجودها من الغير لا محالة ؛ إذ الذاتي لا يختلف ولا يتخلّف ، فذلك الوجود مسبوق بالعدم ، وإلاّ لم يكن قبوله من الغير ممكنا ؛ لامتناع تحصيل الحاصل ، وقد بيّنّا أنّ قبوله من الغير ممكن ، فيكون وجودها مسبوقا بالعدم المطلق ، وهو معنى الحدوث كما مرّ ، فجميع الممكنات حادثة بالحدوث الذاتي ، وهو المطلوب مع أنّه لا نزاع في ثبوته للممكنات ؛ فإنّ

ص: 48


1- للاطّلاع على محلّ النزاع في المسألة انظر « الشفاء » الإلهيات : 172 - 173 ؛ « التعليقات » : 19 - 20 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 151 ؛ « المطالب العالية » 3 : 77 - 100 ؛ « المباحث المشرقية » 2 : 517 - 518 ؛ « المحصّل » : 372 ؛ « نقد المحصّل » : 163 - 165 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 132 - 137 ؛ « مناهج اليقين » : 160 - 161 ؛ « أنوار الملكوت » : 61 - 64 ؛ « شرح المواقف » 8 : 49 - 51 ؛ « اللوامع الإلهية » : 118 ؛ « إرشاد الطالبين » : 182 - 187 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 10 - 15 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 500 - 503.

الحكماء (1) أيضا قائلون به ، فإنّهم أيضا يقولون (2) بصحّة صدور الفعل والترك عن الواجب بالنظر إلى ذاته مع قطع النظر عن الإرادة وإن قالوا بوجوب الفعل عنه بالنظر إلى إرادته القديمة التي هي عين ذاته ، فيكون موجبا - بكسر الجيم - لا موجبا - بفتح الجيم - كما نسب إلى الفلاسفة ، (3) فإنّي لم أقف على قائل به ، وليس الأوّل منافيا لقدرته تعالى ؛ إذ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهم يقولون بدوام الفعل وقدم الأثر بسبب الإرادة القديمة ومسبوقيّة الوجود بالعدم بالنظر إلى ذات الممكنات ؛ فإنّ العلّة التي تحتاج إليها الممكنات متقدّمة عليها بالذات وهي متأخّرة عنها بالذات وإن لم تتأخّر عنها بالزمان ، فلها بالنسبة إلى ذات العلّة عدم ، فيكون وجودها مسبوقا بالعدم الذاتي وهو المعنيّ من الحدوث الذاتي.

ولكن يرد عليهم أنّ ما ذكر عين القول بكونه موجبا بفتح الجيم لأنّهم يقولون بامتناع تخلّف المعلولات عن الواجب تعالى بعد انضمام الإرادة ، والإرادة عين الذات ، فيلزم امتناع التخلّف عن الذات ، وملاحظة الذات بدون الإرادة من قبيل سلب الشيء عن نفسه ، وليس ذلك أمرا واقعيّا ، بل هو أمر اعتباريّ محض ، فيلزم كونه تعالى مختارا فرضيّا اعتباريّا لا حقيقيّا ، فيلزم النقص اللازم على القائل بكونه تعالى موجبا بفتح الجيم.

فالتحقيق أنّ الإرادة التي هي عين ذاته تعالى عبارة عن العلم بالمصلحة الذاتيّة أو

ص: 49


1- « الجمع بين رأيي الحكيمين » : 100 - 104 ؛ « الشفاء » الإلهيات : 264 - 268 ؛ « النجاة » : 223 ؛ « التعليقات » : 85 ؛ « المطالب العالية » 4 : 318 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 121 - 138 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 160 - 162 ؛ « شوارق الإلهام » : 96.
2- انظر التعليقة 4 في الصفحة 47.
3- هذه النسبة مشهورة بين المتكلّمين وإن لم يصرّح بها بعضهم. انظر « شرح الأصول الخمسة » :3. 156 ؛ « المحصّل » : 372 - 382 ؛ « المطالب العالية » 3 : 77 ؛ « الأربعين » 1 : 174 - 187 ؛ « مناهج اليقين » : 160 - 162 ؛ « شرح المواقف » 8 : 49 - 59 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 89 - 100 ؛ « اللوامع الإلهيّة » : 118 ؛ « إرشاد الطالبين » : 182 - 187 ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : 99 - 105 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 310 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 500 - 503.

العرضيّة ، أو المفسدة كذلك المقتضي لمشيئة الفعل أو الترك ، بمعنى كونه منشأ لصدور الفعل أو الترك بعد المشيئة مع القصد والشعور بسبب العلم المذكور ، وأنّه ممّا تنشأ منه المشيئة بمقتضى المصلحة أو المفسدة فإذا حصلت المشيئة ، حصل الفعل أو الترك ، فالمشيئة حادثة خارجة عن الذات تحدث بحدوثها على وفقها الممكنات ، فلا يكون حدوث الممكنات - ولو بعد انضمام الإرادة بالمعنى المذكور - لازما.

ولعلّهم جعلوا الإرادة بمعنى المشيئة ، ولكن لا يخفى أنّها بهذا المعنى أمر معنويّ لا يمكن أن تكون عين الذات للممكن ، فكيف الواجب تعالى.

وبالجملة ، فالكلام في أمرين آخرين :

[ الأمر ] الأوّل : أنّ تقدّم عدم الممكنات على وجودها تقدّم ذاتيّ كتقدّم بعض أجزاء الزمان على بعض كما عن المتكلّمين ، (1) أم ليس كذلك كما عن الحكماء (2) بناء على أنّ تقدّم أجزاء الزمان أيضا زمانيّ والتقدّم الزمانيّ مطلقا مستلزم للزمان ، فيلزم أن يكون قبل وجود العالم زمان ، بل وحركة أيضا ؛ إذ منشأ عدم اجتماع المتأخّر مع المتقدّم في الوجود ، المعتبر في التقدّم الزماني عدم كونهما ممّا هو قارّ الذات وهو مخصوص بالزمان والحركة ، فيلزم تقدّم الحركة والزمان على العالم ، وهو بديهيّ البطلان.

والقول (3) بأنّ تقدّم عدم الممكنات على وجودها تقدّم بالذات فاسد ؛ لأنّ التقدّم بالذات عندهم عبارة عن التقدّم بالعلّيّة ، وكيف يمكن كون عدمها علّة تامّة لوجودها!؟ فمرادهم أنّ العدم المقدّم على الوجود عدم ذاتيّ لا أنّ تقدّم ذلك العدم

ص: 50


1- « الأربعين » 1 : 25 - 27 ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 227 - 230 ؛ « المحصّل » : 215 ؛ « المطالب العالية » 4 : 13 - 18 ؛ « نهاية المرام » 1 : 217 - 224 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 19 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 41 - 45 ؛ « شوارق الإلهام » 1 : 100.
2- انظر « الشفاء » الإلهيّات : 266 ؛ « النجاة » : 222 ؛ « التحصيل » : 524 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 82 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 244.
3- تعريض بالحكماء. انظر « الحاشية على حاشية الخفري » للخوانساريّ : 100.

تقدّم ذاتيّ.

وعن ظاهر كلام بعضهم (1) أنّ تقدّم العدم على الوجود تقدّم بالطبع ، لتوقّف الوجود الغيري على العدم كما مرّ من غير أن يكون العدم علّة للوجود كما تقدّم.

وفي الكلّ نظر سيظهر.

[ الأمر ] الثاني : أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد عن الذاتي أيضا ، أم لا؟ فإنّ القدم على قسمين : حقيقيّ ، وإضافيّ. والحدوث أيضا على قسمين : ذاتيّ ، وزمانيّ حقيقيّ أو حكميّ كحدوث الزمان والزمانيّ. وقد وقع الخلاف فيما هو فوق الحدوث الذاتيّ وزائد عنه ، فأنكره الفلاسفة (2) وأثبته المتكلّمون ، (3) بل قاطبة الملّيّين على وفق قوله علیه السلام : « كان اللّه ولم يكن معه شيء » (4) واختلف المتكلّمون في التعبير عنه ، فقيل : (5) إنّ العالم حادث بالحدوث الزماني بالزمان الموهوم ، بمعنى أنّ وجود الممكنات - حتّى الزمان - مسبوق بالعدم الزماني ، ومحلّه الجواهر العقليّة ونحوها ، ولكن يكفي في كون عدم الزمان ونحوه في زمان الزمان الموهوم ، وهو ما ينتزع من استمرار وجود الواجب من أمر ممتدّ على سبيل التجدّد والتقضّي كانتزاع الحركة التوسّطيّة من القطعيّة ، والزمان من الآن السيّال ، وهو مختار مولانا جمال الدين الخوانساري. (6)

وعن الميرزا إبراهيم بن صدر الدين الشيرازيّ (7) أنّ العالم حادث بالحدوث الزماني بالزمان المنتزع ، بمعنى أنّه إذا كان زمان وجود العالم متناهيا في جانب البداءة

ص: 51


1- « شوارق الإلهام » 1 : 100 ؛ « الحاشية على حاشية الخفري » للخوانساريّ : 99 - 100.
2- « الأسفار الأربعة » 3 : 244 - 255 ؛ « شوارق الإلهام » 1 : 96 وما بعدها.
3- « الأسفار الأربعة » 3 : 244 - 255 ؛ « شوارق الإلهام » 1 : 96 وما بعدها.
4- انظر « التوحيد » : 59 / 17 باب التوحيد ونفي التشبيه ؛ « بحار الأنوار » 54 : 168 / 110 ؛ « صحيح البخاري » 3 : 1166 / 3019 من كتاب بدء الخلق ؛ « المعجم الكبير » 18 : 203 / 417.
5- انظر الهامش الأوّل من الصفحة المتقدّمة.
6- انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » للخوانساريّ : 99 - 100.
7- نقل عنه الخوانساريّ ذلك ، انظر الهامش المتقدّم.

- كما هو مذهب الملّيّين (1) - كان للعدم تقدّم عليه سوى التقدّم الذاتي الذي أثبته الفلاسفة (2) لعدم الممكن على وجوده المعبّر عنه بالحدوث الذاتي كتقدّم الحوادث الزمانيّة وأجزاء الزمان بعضها على بعض في عدم اجتماع السابق مع المسبوق ، ولكن هذا التقدّم ، له تقدير وتعيين ، بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم على مذهب الملّيّين ؛ فإنّه لا يكون فيه قرب وبعد وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم.

ونظير ذلك ما قالوا : (3) إنّ فوق محدّد الجهات لا خلاء ولا ملاء مع أنّ الفوقيّة به ، وكما أنّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني أنّ وراءه عدم صرف ونفي محض ، وينتزع من ذلك ويحكم بمعونة الوهم أنّ لهذا العدم المحض فوقيّة ما على المكان والمكانيّات كفوقيّة بعض أجزاء المكان على بعض مع أنّه لا مكان هناك ، كذلك يعلم من تناهي الزمان والزمانيّات في جانب البداءة أنّ وراءها عدم صرف ونفي محض ، ويحكم بأنّ لهذا العدم الصرف قبليّة ما على وجود العالم والزمان شبيهة بقبليّة أجزاء الزمان بعضها على بعض ، ولا يلزم من ذلك وجود زمان قبل الزمان ، بل مجرّد ذلك الزمان الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف لانتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبليّة.

قيل : (4) قال : وهذا هو الحدوث الزمانيّ المتنازع فيه بين الملّيّين والفلاسفة ، وليس هذا إثبات الزمان الموهوم كما أنّه ليس ذلك إثبات المكان الموهوم وإن أورد عليه (5) بأنّ هذا ليس إلاّ القول بالقدم بالحقيقة ؛ لأنّه إذا لم يكن انفصال بين ذات الواجب

ص: 52


1- انظر الهامش 2 من الصفحة المتقدّمة.
2- انظر الهامش 2 من الصفحة المتقدّمة.
3- أي الحكماء في الطبيعيّات. انظر « الشفاء » الطبيعيّات 1 :3. 258 ؛ « النجاة » : 130 - 131 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 170 وما بعدها ؛ « التحصيل » : 606 - 612.
4- القائل هو ابن ملاّ صدرا الشيرازيّ على ما نقل عنه المحقّق الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : 101.
5- هذا الإيراد للمحقّق الخوانساري. انظر المصدر السابق.

تعالى وبين العالم ، ولا يمكن أن يقال : كان الواجب ولم يكن العالم ، يكون العالم قديما البتّة.

وعن السيّد الداماد أنّه قال : إنّ العالم حادث بالحدوث الدهري لا الذاتي ولا الزماني ، بمعنى أنّ الوجود مسبوق بالعدم الصريح المحض مسبوقيّة انسلاخيّة انفكاكيّة غير زمانيّة ولا سيّالة ولا متقدّرة ولا متكمّمة كما في الحدوث الزمانيّ ، ولمّا كان وعاء الوجود الصريح المسبوق بالعدم الصريح المرتفع عن أفق التقدير واللاتقدير هو الدهر لا الزمان ؛ لأنّه وعاء الأمور المتقدّرة المتغيّرة السيّالة ، ولا السرمد ؛ لأنّه وعاء بحت الوجود الثابت الحقّ المنزّه عن التغيّر وسبق العدم المطلق ، كان حريّا باسم الحدوث الدهري. (1)

وأورد (2) عليه : بأنّ اتّصاف العدم بالسابقيّة على الوجود سبقا غير ذاتي إن كان في نفس الأمر ، يكون محتاجا إلى وعاء وظرف يكون فيه ، ويتّصف هو لا محالة بالتقدّر والتكمّم وغيرهما ؛ إذ لا يتصوّر السابقيّة بدون ذلك ، وإلاّ يلزم القدم كما مرّ.

أقول : يرد عليه أيضا أنّ الدهر إن كان أمرا واقعيّا ، فلا يخلو إمّا أن يكون واجبا أو ممكنا ، ولا سبيل إلى الأوّل ؛ لاستحالة تعدّد الواجب تعالى كما سيأتي. وعلى الثاني ننقل الكلام إليه ، فنقول : إنّه إمّا متّصل الوجود بواجب الوجود أو منفصل الوجود ، وعلى الأوّل يلزم القدم ، وعلى الثاني نقول مثل ما سبق ، فيلزم القدم بالأخرة ؛ لاستحالة التسلسل.

وإن لم يكن أمرا واقعيّا ، فلا يكون الانفصال واقعيّا ، فيلزم القدم.

ومن هذا يظهر أنّ القولين الأوّلين أيضا مخدوشان.

فالأولى أن يقال : إنّ حدوث العالم - الذي يقول به الملّيّون على وفق ما روي من

ص: 53


1- انظر « القبسات » القبس الأوّل ، وعنه نقل الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : 103 - 106 والسبزواريّ في « شرح المنظومة » قسم الحكمة : 80 - 82.
2- الإيراد هنا للخوانساريّ. انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » :2. 104.

قوله علیه السلام : « كان اللّه ولم يكن معه شيء » (1) ونحو ذلك - حدوث سرمدي مراتبيّ.

وبعبارة أخرى : حدوث زمانيّ بالزمان التقديريّ ، بمعنى أنّ وجود العالم مسبوق بالعدم المراتبيّ كما أنّه مسبوق بالعدم الذاتيّ ، وأنّ الواجب تعالى كان ثابتا في مراتب من مراتب وجوده الواقعيّ ولم يكن العالم ثابتا فيها كما أنّه تعالى كان في مرتبة ذاته - من حيث إنّها علّة له - ثابتا ولم يكن العالم في تلك المرتبة ثابتا ، وتلك المراتب منتزعة من وجوده المستمرّ الثابت المنزّه عن سبق العدم ، بمعنى أنّه ينتزع من وجوده المستمرّ مراتب عديدة بعد مرتبة ذاته من حيث إنّها علّة يتّصف ذات الواجب بالكون بالنسبة إلى تلك المراتب ولم يكن فيها إلاّ واجب الوجود وعدم العالم ، فيكون وجود العالم مسبوقا بالعدم سوى العدم الذاتي أيضا ، ويكون العدم سابقا على الوجود سبقا ذاتيّا كسبق أجزاء الزمان بعضها على بعض على ما هو مختار المتكلّمين ، (2) أو شبيها به أو بغيره كما سيأتي ، وذلك العدم مستند إلى مشيئة الترك ، فباعتبار كون مستنده وجوديّا يصلح أن يكون موصوفا بوصف كالسابقيّة ، فلا يرد (3) أنّ ثبوت الشيء لشيء فرع لثبوت المثبت له ، فلا بدّ من وعاء يكون فيه ، وذلك الوعاء إمّا واجب أو ممكن ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لامتناع تعدّد الواجب ، فيتعيّن الثاني ، فيلزم اتّصال العالم بالواجب وهو معنى القدم.

وبالجملة ، فقد ظهر ممّا قرّرنا سابقا أنّ ترك الفعل بالنسبة إلى الواجب يكون مستندا إلى مشيئته ؛ ولهذا عدلنا عن العبارة المشهورة في بيان معنى الإرادة ، وهي قولهم : إن شاء فعل ، وإن لم يشأ لم يفعل ، إلى قولنا : إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، فليتأمّل.

ص: 54


1- تقدّم في ص 51 هامش 4.
2- « الأربعين » 1 : 25 - 27 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 227 ؛ « المحصل » 4 : 13 - 18 ؛ « نهاية المرام » 1 : 217 ؛ « شوارق الإلهام » 1 : 100.
3- الإيراد لملاّ شمسا الجيلانيّ ، على ما نقله عنه المحقّق الخوانساريّ في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : 105.

وكيف كان ، فالعمدة في الاستدلال على حدوث العالم هو النقل اللبّيّ (1) المطابق للنقل اللفظيّ المذكور الكاشف عن قول الصانع : بأنّي أوجدت العالم حادثا بالحدوث الزائد على الحدوث الذاتيّ المبطل للاجتهاد في مقابل ذلك النصّ الجليّ ، لا ما يقال من أنّ العالم لا يخلو من حركة وسكون وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة بالعدم ؛ لأنّ الحركة عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الثاني ، والسكون عبارة عن كون الشيء في الآن الثاني في المكان الأوّل ، وكلّ منهما يقتضي المسبوقيّة والثانويّة ؛ فإنّ ذلك لا يخلو من مناقشة من جهة عدم تماميّته في نفس الزمان والمكان ونحو ذلك.

فإن قلت : يلزم من توقّف الحدوث المتنازع فيه على الشرع الدور المحال كما توهّمه بعض الفضلاء.

قلت : إثبات الشرع غير موقوف على الاختيار والحدوث الذي قلنا به ؛ لكفاية الحدوث والاختيار بالمعنى المتّفق عليه بيننا وبين الحكماء فيه كما لا يخفى.

وكيف كان ، فالعقل أيضا يوافق النقل المذكور من جهة أنّ وقوع جزأي القدرة والإخبار به أدخل في صحّة الاعتقاد ، فهو راجح يجب على الصانع اختياره.

والظاهر أنّ ما ذكرنا هو مراد الطبرسيّ ممّا ذكره في مجمع البيان (2) - على ما حكي عنه - من الزمان التقديريّ ، بمعنى أنّا لو فرضنا وقدّرنا قبل حدوث العالم زمانا آخر ، لم يكن العالم ثابتا فيه ، وكان الواجب تعالى كائنا فيه بالمعنى الذي يقال الآن : إنّه تعالى موجود ، فيتصحّح معنى حدوث العالم ، ومعنى « كان اللّه ولم يكن معه شيء » (3) بمعنى أنّه حادث بالحدوث الزمانيّ بالزمان التقديريّ من دون حاجة

ص: 55


1- انظر « التوحيد » للصدوق : 300 ذيل ح 7 من باب إثبات حدوث العالم ؛ « المطالب العالية » 4 : 309 ؛ « نهاية المرام » 3 : 15 ؛ « شرح المواقف » 7 : 222 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 111 - 114.
2- « مجمع البيان » 9 : 382 ذيل الآية 3 من سورة الحديد (57).
3- مرّ تخريجه في ص 51 هامش 4.

إلى التمسّك بالزمان الموهوم أو المنتزع أو الدهر ، فلا بأس علينا أن نبدّل الحدوث المراتبيّ بالحدوث الزماني بالزمان التقديريّ بالمعنى الذي ذكرنا في الحدوث المراتبيّ ؛ لعدم لزوم الإيراد الوارد على غير هذا الوجه.

والأولى أن يعبّر عن ذلك الحدوث بالحدوث السرمديّ كما لا يخفى.

والقول (1) بأنّ أقسام الحدوث منحصرة في معان ثلاثة : ذاتيّ ، وهو عبارة عن وجود الماهيّة بعد عدمها في لحاظ العقل دون الواقع ، ودهريّ ، وهو عبارة عن وجودها بعد نفي صريح واقعيّ غير كمّي ، وزمانيّ ، وهو عبارة عن وجودها بعد عدم واقعيّ كمّيّ ، فإذا لم يكن الزمان التقديريّ بمعنى الحدوث الذاتيّ ، ولا الزمانيّ ؛ لأنّه زمان واقعيّ نفس أمريّ لا تفاوت بينه وبين هذا الزمان إلاّ بالليل والنهار ، لا زمان فرضيّ تقديريّ ، فلا بدّ أن يكون بمعنى الحدوث الدهريّ ؛ إذ لم يعهد اصطلاح غير ما ذكرنا [ و ] على تقدير تسليمه لا يوجب بطلان ما ذكرنا ؛ إذ لا مشاحّة في الاصطلاح ، والعمدة تصحيح العقيدة على وجه يطابق النقل المشهور بل المتواتر - على ما قيل (2) - الذي يكون - على ما قيل (3) - من ضروريّات الدين.

وعن العلاّمة (4) دعوى الإجماع على أنّ من اعتقد قدم العالم فهو كافر حكمه في الآخرة حكم باقي الكفّار وإن تنظّر بعض في التخصيص بالآخرة وذلك حاصل بما ذكرناه مع خلوّه عن المناقشة الواردة على غير المختار ، فيلزم الاعتقاد بما ذكرنا ؛ حذرا عن إنكار ضروريّ الدين ، مع أنّ العقل لا يمنع من تعلّق مشيئة الفاعل المختار

ص: 56


1- القائل هو السيد محمد باقر الداماد. انظر : « القبسات » :1. 5 ، القبس الأوّل.
2- يمكن استفادة الشهرة أو التواتر والضرورة من تصريح أو ظاهر عبارات العلماء. انظر : « أنوار الملكوت » : 28 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 3 : 4 ؛ « القبسات » :2. 26 ؛ القبس الأوّل ؛ « التوحيد » : 223 باب أسماء اللّه تعالى ، ذيل ح 14 ؛ « بحار الأنوار » 54 : 238 و 240 و 247 و 252 و 258 باب حدوث العالم.
3- يمكن استفادة الشهرة أو التواتر والضرورة من تصريح أو ظاهر عبارات العلماء. انظر : « أنوار الملكوت » : 28 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » 3 : 4 ؛ « القبسات » :3. 26 ؛ القبس الأوّل ؛ « التوحيد » : 223 باب أسماء اللّه تعالى ، ذيل ح 14 ؛ « بحار الأنوار » 54 : 238 و 240 و 247 و 252 و 258 باب حدوث العالم.
4- انظر : « أجوبة المسائل المهنّائية » : 89 ، المسألة 138.

بإيجاد العالم على وجه التأخير بالنسبة إلى أوّل مرتبة من مراتب الوجود بفصل مراتب عديدة ولو لمصلحة خفيّة تكشفها الشريعة إن لم نقل بأنّه يقتضيه كما أشرنا ، مضافا إلى أنّ الدهر ليس زمانا تقديريّا كما لا يخفى.

وممّا يدلّ على هذا المطلب ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطب نهج البلاغة من قوله علیه السلام : « فإنّه يعود سبحانه بعد فناء العالم وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها ، كذلك يكون بعد فنائها ، بلا وقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان. عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السنون والساعات ، فلا شيء إلاّ اللّه ». (1)

وهذا ظاهر في نفي ما عدا ما ذكرنا كما لا يخفى ، ومبطل لما حكي عن بعض المتصوّفة أنّه لمّا سمع الحديث المشهور ، قال : « الآن كما كان » (2) كما لا يخفى أيضا ، ودالّ على إنّيّة الزمان كما هو المعلوم بالوجدان وإن اختلف في ماهيّته (3) أنّه جوهر ليس بجسم ولا جسمانيّ ، واجب بذاته كما عن بعض ، أو هو المعدّل كما عن آخر ، أو الحركة كما عن آخر ، أو مقدار الوجود كما عن أبي البركات ، (4) أو مقدار الحركة كما عن أرسطو والمتأخّرين. والظاهر أحد الأخيرين.

ص: 57


1- « نهج البلاغة » : 137 ، الخطبة 186.
2- هو أبو القاسم الجنيد البغداديّ على ما في « شرح فصوص الحكم » للخوارزميّ : 142 و « نصوص الخصوص في شرح الفصوص » : 119.
3- للاطّلاع على الأقوال حول ماهية الزمان انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 148 ؛ « النجاة » : 115 - 118 ؛ « التحصيل » : 453 - 463 ؛ « المعتبر في الحكمة » 2 : 69 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 755 - 768 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 94 ؛ « نهاية المرام » 1 : 329 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 115 - 118.
4- « المعتبر في الحكمة » 2 : 69 - 70 ، وعنه في « المطالب العالية » 5 : 51 و « نقد المحصّل » : 138 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 144.

وكيف كان ، فالحقّ أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد على الحدوث الذاتيّ أيضا بشهادة النقل ، بل والعقل ، وأنّ ماهيّة الممكنات موجودة حقيقة بوجود أفرادها ، بمعنى أنّهما - كليهما - موجودان بوجود واحد ، وليس الماهيّة اعتباريّة محضة ، وإلاّ يلزم جواز صدق الحماريّة على أفراد الإنسان وبالعكس.

ويشهد على ذلك العقل مضافا إلى ظاهر النقل ، كقوله تعالى : ( خُلِقَ الْإِنْسانُ ) (1) ونحوه ، فيكون الجعل مركّبا ، بمعنى أنّ الماهيّة أيضا مجعولة كالوجود بجعل واحد ، وأنّه تعالى جعل الماهيّة ماهيّة كما جعلها موجودة ، فهما مجعولان بجعل واحد ، كما أنّ الماهيّة والأفراد موجودتان بوجود واحد كالهيولى والصورة ونحوهما ، وليس في ذلك شبهة لمن جعل مرجعه العقل والنقل ، وأعرض عن جنود الجهل ، فلنرجع عنان الكلام إلى بيان أصل المرام ، فنقول :

[ في أنّه تعالى صاحب الصفات ]

إنّ العلماء اختلفوا في أنّ صانع العالم - الذي هو الواجب الوجود بالذات - صاحب الصفات ، أو نائب الصفات على قولين :

الأوّل : أنّه تعالى صاحب الصفات. وهو المشهور (2) المنصور.

الثاني : أنّه تعالى نائب الصفات ، بمعنى أنّ ذاته تعالى يصدر منها أثر القدرة من غير قدرة ، وأثر العلم من غير علم ، وهكذا سائر الصفات ، كما أنّ التيمّم يحصل منه أثر الوضوء أو الغسل من استباحة الدخول في نحو الصلاة من غير طهارة وارتفاع

ص: 58


1- النساء (4) : 28 ؛ النحل (16) : 4 ؛ الأنبياء (21) : 37 ؛ الرحمن (55) : 3 و 14.
2- انظر : « الشفاء » الإلهيّات : 343 - 349 ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : 19 - 21 ؛ « التعليقات » : 6 - 67 ؛ « التحصيل » : 560 - 581 ؛ « التلويحات » ضمن « مصنفات شيخ الإشراق » 1 : 39 - 41 ؛ « التوحيد » للنيسابوريّ : 457 ؛ « مناهج اليقين » : 180 - 188 ؛ « شرح المواقف » 8 : 45 - 49.

الحدث كما هو ظاهر شارح المواقف (1) والمحكيّ عن بعض. (2)

لنا عقلا : أنّ كلّ واحد من الصفات الكماليّة كالعلم والحياة والقدرة صفة كمال لا يقتضي ثبوتها على وجه العينيّة نقص صاحبها ، وكلّ ما هو كذلك فهو ممكن وثابت له تعالى على وجه الوجوب.

أمّا الصغرى : فبالوجدان.

وأمّا الكبرى : فلعدم المانع عقلا ونقلا ؛ لعدم الاستحالة فيه ، واقتضاء عدم الثبوت نقص الذات في مرتبة الذات والصفات وإن ترتّب عليها آثارها في مقام الفعل ، وذلك مناف لوجوب الوجود ، كما لا يخفى.

ونقلا : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (3) و ( وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (4) و ( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ) (5) و ( هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (6) إلى غير ذلك من الآيات.

وما روي عن الرضا علیه السلام أنّه قال بعد السؤال عن علمه تعالى قبل الأشياء : « إنّ اللّه هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ». (7)

وما روي عن الصادق علیه السلام أنّه قال - بعد سؤال الزنديق - : « هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة ، وبصير بغير آلة ، بل يسمع ويبصر بنفسه ، وليس قولي : إنّه سميع بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر ، ولكنّي أردت عبارة عن نفسي ؛ إذ كنت مسئولا ، وإفهاما لك ؛ إذ كنت سائلا ، فأقول : يسمع بكلّه لا أنّ كلّه له بعض لأنّ الكلّ لنا [ له ]

ص: 59


1- « شرح المواقف » 8 : 44 - 49.
2- حكي عن طائفة من المعتزلة. انظر « الفرق بين الفرق » :2. 94 ؛ « كشف المراد » : 292 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 327.
3- البقرة (2) : 20 ؛ آل عمران (3) : 165 ؛ النحل (16) : 77 ؛ النور (24) : 45.
4- البقرة (2) : 282 ؛ النساء (4) : 186 ؛ النور (24) : 35 ؛ الحجرات (49) : 16.
5- الأعلى (87) : 7.
6- البقرة (2) 255 ؛ آل عمران (3) : 2.
7- « التوحيد » : 136 باب العلم ، ح 8 ؛ « عيون أخبار الرضا » : 118 ، الباب 11 ، ح 8.

بعض ، ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي ، وليس مرجعي في ذلك كلّه إلاّ أنّه السميع البصير ، العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف معنى » (1) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ ذاته تعالى صاحب الصفات لا نائبها. (2)

وما ورد (3) - من أنّ كمال التوحيد نفي الصفات - معناه نفي الصفات الزائدة كما يقول الأشاعرة ، (4) بمعنى أن يقال : له ذات وصفات على وجه التعدّد والاثنينيّة ؛ فإنّ ذلك خلاف الحقّ ، بل الحقّ أنّ ذاته تعالى صفاته ، وصفاته ذاته. مع أنّ ما ذكرنا من العقل والنقل مقدّم على الخبر الواحد ولو سلّم دلالته على خلافه بعد اعتباره في الجملة في المسألة العلميّة الاعتقاديّة الأصوليّة.

وبالجملة ، فالقول بالنيابة ناش من توهّم لزوم عرضيّة الذات ، أو التكثّر ، أو الزيادة. وهو غفلة عن ملاحظة كون العلم - مثلا - بمعنى سبب ظهور المعلوم ومنشأ انكشاف الأشياء عين الذات ، لا بالمعنى المصدري - وهو الاطّلاع على الأشياء - ونحوه ، وكذا القدرة بمعنى منشأ التمكّن على الفعل والترك عين الذات ، لا نفس التمكّن ، وكذا الحياة بمعنى منشأ صحّة الاتّصاف بالعلم والقدرة - لا نفسها - عين الذات.

وكيف كان ، فتفصيل ذلك يقع في مسائل :

المسألة الأولى : في القدرة ، بمعنى أنّه تعالى صاحب القدرة ، وأنّه يصحّ منه فعل العالم وإيجاده وتركه ، وأنّه ليس شيء منهما لازما لذاته بحيث يستحيل انفكاكه عنه في أيّ وقت فرض وإن كان وقتا موهوما كما أفاد الخفري. (5)

ص: 60


1- « الكافي » 1 : 108 - 109 / 2 ؛ « التوحيد » : 144 - 145 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 10.
2- انظر : « التوحيد » : 134 - 148 باب العلم وباب صفات الذات وصفات الأفعال.
3- « نهج البلاغة » : 14 ، الخطبة الأولى.
4- « المحصّل » : 421 - 427 ؛ « المطالب العالية » : 3 : 223 ؛ « الأربعين » 1 : 219 ؛ « شرح المواقف » 8 : 44 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 69.
5- « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة 3 - 4 ، مخطوط.

اعلم أنّ العلماء اختلفوا في هذه المسألة على قولين :

الأوّل : أنّ اللّه تعالى قادر بالمعنى المذكور. وهو مختار المصنّف وسائر المتكلّمين ، بل قاطبة الملّيّين. (1)

الثاني : أنّ اللّه تعالى فاعل على وجه الإيجاب ، بمعنى امتناع انفكاك ذاته تعالى عن إيجاد العالم مطلقا في الأزل ؛ لوجوب إيجاد العالم مع اعتبار الإرادة التي هي عين الذات وإن أمكن إيجاده وعدم إيجاده بالنسبة إلى الذات بدون اعتبار الإرادة ، فيكون الإيجاب بمعنى الموجبيّة بكسر الجيم. وهو مختار الحكماء ، (2) مع احتمال القول بالموجبيّة بفتح الجيم ، فقد قال الشارح القوشجي : « ذهب الملّيّون قاطبة إلى أنّ تأثير الواجب تعالى في العالم بالقدرة والاختيار على معنى أنّه يصحّ منه فعل العالم وتركه. وذهب الفلاسفة إلى أنّ تأثيره تعالى فيه بالإيجاب ». (3)

نعم ، أفاد الفاضل اللاهيجي أنّ الإيجاب الذي قال به الحكماء هو بمعنى دوام الفعل وقدم الأثر بسبب دوام المبادئ ، كالعلم والإرادة. وأمّا الإيجاب بمعنى عدم إمكان الترك عنه تعالى بالنظر إلى ذاته تعالى فلم يقل به أحد ، (4) بمعنى أنّ الكلام في عدم الإمكان الوقوعي لانفكاك الفعل ، لا الإمكان الذاتي ، فيكون النزاع في ثبوت الموجبيّة بكسر الجيم دائما كما يقول الحكماء ، وعدمه كما هو مختار المتكلّمين ، لا الموجبيّة بفتح الجيم. وأمّا الموجبيّة - بكسر الجيم - في وقت ما كما اختاره المصنّف (5) ومن يحذو

ص: 61


1- « المغني » 5 : 204 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 151 ؛ « المحصّل » : 372 - 374 ؛ « المطالب العالية » 3 : 9 ؛ « نقد المحصّل » : 269 - 277 ؛ « قواعد المرام » : 82 - 85 ؛ « مناهج اليقين » : 160 - 164 ؛ « إرشاد الطالبين » : 182 - 187.
2- انظر المصادر السابقة مضافا إلى « الشفاء » الإلهيات : 170 - 185 ؛ « التعليقات » : 19 - 20 ؛ « التحصيل » : 473 ؛ « المباحث المشرقية » 2 : 517 ؛ « الأسفار الأربعة » 4 : 111 - 113 ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة : 177 - 178.
3- « شرح تجريد العقائد » : 310.
4- « شوارق الإلهام » : 502.
5- « كشف المراد » 305 و 343 - 344 ؛ « شوارق الإلهام » 503.

حذوه ، (1) وعدمها كما عن الأشاعرة ، (2) فهي محلّ نزاع آخر بين المتكلّمين والملّيّين.

والحقّ مع المتكلّمين والملّيّين.

لنا على ذلك برهانان منحلاّن إلى براهين عقليّة ونقليّة.

أمّا البرهان العقلي ، فأمور :

منها : ما أشار إليه المصنّف رحمه اللّه بقوله : ( وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب ) بمعنى أنّه إن كان تأثير الواجب بالذات في وجود العالم بعد العدم بعديّة حقيقيّة لا على وجه القدم ، لما كان على وجه الإيجاب ، ولكن تأثيره تعالى فيه بعد العدم بعديّة حقيقيّة لا على وجه القدم ، فلا يكون على وجه الإيجاب ، بل يكون على وجه القدرة والاختيار ، فيكون صاحب القدرة ومختارا ، لا موجبا.

أمّا الملازمة : فلما أفاد الخفري من أنّ المناسب في هذا الكتاب (3) أن يفسّر الإيجاب المذكور هاهنا بامتناع انفكاك ذاته تعالى عن إيجاد العالم مطلقا في الأزل ، (4) فلو كان تأثيره تعالى في وجود العالم على وجه الإيجاب لزم قدم العالم بالضرورة ، وهو مناف لكون تأثيره تعالى فيه بعد العدم لا على وجه القدم بالضرورة ، فثبوت أحد المتنافيين ينفي ثبوت الآخر ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين بالبديهة ،

ص: 62


1- انظر : « شرح الأصول الخمسة » 131 - 144 و 301 وما بعدها ؛ « المغني » 6 : 3 وما بعدها و 177 وما بعدها ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 85 - 88 ؛ « مناهج اليقين » : 243 - 244 ؛ « إرشاد الطالبين » : 260 - 263 ؛ « شوارق الإلهام » : 503.
2- « شرح المواقف » 8 : 195 - 202 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 296 - 306 و 321 و 334 ؛ « مفتاح الباب » 167 ؛ « شوارق الإلهام » 503.
3- يعني إذا كان وجوب الفعل عنه تعالى مع ضمّ العلم والإرادة متّفقا عليه بين المصنّف ومن يحذو حذوه وبين الحكماء وإن اختلفوا في أنّ الوجوب على وجه الدوام أو في وقت ما وكان عدم الوجوب بدون الانضمام أيضا متّفقا عليه بينهما ، ينبغي أن يفسّر الإيجاب بامتناع الانفكاك في الأزل ؛ لتعلّق علمه وإرادته ، فإذا ثبت حدوث العالم انتفى هذا الإيجاب بالضرورة ، فلا حاجة إلى الاستدلال الذي ذكره الشارح القوشجي.
4- « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورق 4 من المخطوطة.

فيكون التأثير بعد العدم نافيا للإيجاب بمعنى وجوب صدور الفعل عنه تعالى دائما كما اختاره الحكماء ، (1) لا في وقت.

وقال الشارح القوشجي : « إنّ تأثيره تعالى في وجود العالم إن كان بالإيجاب يلزم قدمه ؛ إذ لو كان حادثا لتوقّف على شرط حادث لئلاّ يلزم التخلّف عن الموجب التامّ ، وذلك الشرط الحادث يتوقّف على شرط حادث آخر ، ويلزم التسلسل في الشروط الحادثة متعاقبة أو مجتمعة ، وكلاهما محال على زعم المصنّف وسائر المتكلّمين على ما مرّ في مبحث إبطال التسلسل ، فتأمّل ». (2)

وبالجملة ، فالعقل يحكم - بالضرورة - بأنّ كون تأثير الواجب تعالى في العالم بعد العدم بعديّة حقيقيّة ينفي ما ذهب إليه الحكماء من أنّ مبادئ الأفعال الاختياريّة من العلم والقدرة والإرادة والمشيئة حاصلة له تعالى دائما ؛ لعينيّة صفاته تعالى ، فيكون الفعل أيضا دائما على وجه الإيجاب بالاختيار مع صحّة تركه عنه تعالى بالنظر إلى ذاته من دون انضمام تلك المبادئ ، وأولى منه القول بالإيجاب الاضطراري. مع أنّ الفاضل اللاهيجيّ قال : « لم يقل به أحد بناء على أنّ الكلام في الإمكان الوقوعي بالنسبة إلى الترك ، لا الذاتيّ ». (3)

وأمّا الحمليّة : (4) فلما تقدّم من أنّ العالم حادث ، وعدمه مقدّم على وجوده ، ولا شكّ أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ؛ (5) إذ ليس لوجوده توقّف على عدمه حتّى يكون للعدم تقدّم ذاتيّ أو طبيعيّ ، (6) وظاهر أنّه لا يتصوّر هاهنا

ص: 63


1- انظر : « المغني » 5 : 204 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 151 ؛ « المحصّل » : 372 - 374 ؛ « المطالب العالية » 3 : 9 ؛ « نقد المحصّل » : 372 - 374 ؛ « مناهج اليقين » : 160 - 164 ؛ « شوارق الإلهام » : 502.
2- « شرح تجريد العقائد » : 310.
3- « شوارق الإلهام » : 502.
4- المراد بها استثناء المقدّم.
5- كذا في النسخ والصحيح : « طبعيّا » و « طبعيّ ».
6- كذا في النسخ والصحيح : « طبعيّا » و « طبعيّ ».

من أقسام التقدّم سوى نحو الزمانيّ ، أو ما يشبه التقدّم بالذات ، بمعنى أنّ العدم يكون متحقّقا مع المتقدّم بالذات من غير أن يكون له ذات وزمان حتّى يكون متقدّما بالذات ، أو بالطبع ، أو بالزمان ، بل يكون متحقّقا مع الواجب بالذات المتقدّم ، وبهذا الاعتبار أطلق عليه المتقدّم ، فيكون العالم حادثا بهذا النحو ، كما دلّ عليه العقل كما مرّ.

مضافا إلى إجماع الملّيّين ، والحديث المشهور : « كان اللّه ولم يكن معه شيء » (1) والقدسيّ « كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف » (2) ونحو ذلك من الأدلّة النقليّة المطابقة للعقل كما في دعاء العديلة « وجوده قبل القبل في أزل الآزال ، وبقاؤه بعد البعد من غير انتقال ولا زوال ». (3)

ثمّ اعلم أنّه بيّن الفاضل المقدّس الأردبيليّ مراد المصنّف بوجه آخر ؛ حيث قال :

« واستدلّ المصنّف رحمه اللّه على ثبوته - يعني الاختيار - بالمعنى الأوّل - يعني أنّه يصحّ منه إيجاد العالم وتركه بالقصد ، فليس شيء منهما لازما لذاته - بأنّه لا شكّ في أنّ العالم - أي الشيء الذي غير اللّه مطلقا - حادث ، يعني : هاهنا مصنوع موجود حادث ، وذلك مستلزم للمطلوب ؛ إذ لا بدّ له من علّة مؤثّرة ، موجودة ، مستجمعة لشرائط التأثير ، موجبة ، فإن كانت موجبة بالمعنى المتقدّم أو منتهية إليها ، يلزم قدم الحادث ، وهو خلف ، وإلاّ فننقل الكلام إلى ذلك المؤثّر وهكذا ، فإمّا أن يلزم قدم الحادث ، أو يوجد مؤثّرات غير منتهية ، مجتمعة في الوجود ، وهو محال بالاتّفاق

ص: 64


1- « التوحيد » : 67 ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح 20 ؛ « صحيح البخاريّ » 3 : 1166 ؛ « بحار الأنوار » 54 : 168 / 109.
2- انظر : « الدرر المنتثرة » : 227 و « الفتوحات المكّية » 2 : 393 ؛ « فصوص الحكم » : 203 ؛ « التجلّيات الإلهيّة » : 100 ؛ « جامع الأسرار » : 102 ؛ « مصباح الأنس » : 164 ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 285.
3- لم يرد دعاء العديلة في كتب الروايات والأدعية سوى « مفاتيح الجنان » حيث ذكر مؤلّفه نقلا عن أستاذه أنّ هذا الدعاء هو من مؤلفات بعض أهل العلم.

بين المتكلّمين والحكماء ، (1) والبرهان ؛ إذ لا بدّ من اجتماع الفاعل المؤثّر وجودا مع معلوله.

وإن تنزّلنا وقلنا : إنّ تلك الحوادث شروط لا يجب اجتماعها كالمعدّات ، فيلزم التسلسل في الأمور المترتّبة الموجودة ، وذلك أيضا محال عند المصنّف وسائر المتكلّمين ، (2) ولا يضرّ عدم بطلانه عند الحكماء ؛ (3) لقيام الدليل على بطلانه كما مرّ في بطلان التسلسل ، وليس المراد من « العالم » جميع ما سوى اللّه ، بل واحد منه ؛ فإنّ « العالم » واحد ، ولهذا يجمع على « العالمين ». نعم ، قد يراد منه الجميع بحمل الألف واللام على الاستغراق ونحو ذلك ، فحاصل كلامه قدس سره جعل وجود حادث ما دليل القدرة.

ويمكن جعل دليل العلم أيضا دليلة ؛ فإنّ الفعل - المحكم ، المتقن ، المشتمل على أمور عجيبة ، ودقائق غريبة ، ومصالح غير متناهية - يدلّ على القدرة وهو ظاهر ، وقد عرفت أنّه لا بدّ من الانتهاء إلى القادر.

وأيضا يمكن جعل النصوص الكثيرة مثل : ( إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (4) وإجماع الملّيّين أيضا دليل القدرة.

بل يمكن جعل دليل وجود الواجب دليله مثل أن يقال : من المعلوم لزوم عدم وجود شيء ما لم ينته إلى واجب ؛ إذ لو لا وجوده فمن أين يوجد؟ وهو ظاهر.

ويمكن جعل كونه قادرا دليل حدوث جميع العالم ؛ فإنّه لا بدّ من الانتهاء إلى

ص: 65


1- « الشفاء » الإلهيّات : 322 ؛ « النجاة » : 235 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 20 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 596 - 602 ؛ « المطالب العالية » 1 : 141 - 157 ؛ « المحصّل » : 343 - 344 ؛ « نقد المحصّل » : 245 - 247 ؛ « كشف المراد » : 117 - 119 ؛ « مناهج اليقين » : 157 - 158 ؛ « إرشاد الطالبين » : 166 ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 144 - 169 ؛ « شوارق الإلهام » : 215 - 226.
2- انظر المصادر ، هامش 1.
3- انظر المصادر ، هامش 1.
4- البقرة (2) : 20 ؛ آل عمران (3) : 165 ؛ النور (24) : 45 ؛ العنكبوت (29) : 20 ؛ فاطر (35) : 1.

القادر المختار ، وقد عرفت أنّ فعله لا يمكن أن يكون قديما ؛ فإنّه يصحّ منه الفعل والترك ، ولا يلزمه الفعل. وعلى تقدير الإيجاب يلزم الاستلزام وعدم إمكان الانفكاك على ما مرّ تقريره من أنّه لا يمكن استناد القديم إلاّ إلى الموجب. وإلى هذا أشار المصنّف في مواضع :

مثل قوله متّصلا ببحث الماهيّة : « والقديم لا يجوز عليه العدم ؛ لوجوبه بالذات ، أو لاستناده إليه » (1) ومعناه لمّا امتنع استناد القديم إلى الفاعل بالاختيار ، فما ثبت قدمه امتنع عدمه ؛ لأنّه إمّا واجب لذاته ، وامتناعه ظاهر حينئذ ، وإمّا مستند إلى الواجب بالذات بلا واسطة أو بوسائط قديمة وإنّما كان يمتنع عدمه ؛ لوجوب دوام المعلول بدوام علّته.

ومثل قوله قبل ذلك : « والمؤثّر يفيد البقاء بعد الإحداث ، ولهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثّر الموجب لو أمكن » (2) فإنّه إشارة ، بل تصريح بأنّ الممكن القديم لا يمكن صدوره إلاّ عن الموجب ، وهو ظاهر ، فافهم.

وأيضا الظاهر أن لا نزاع لأحد في ذلك ؛ فإنّ الحكماء أيضا يقولون : (3) إنّ القديم لم يكن أثرا للمختار.

قال في شرح المواقف : « أثر القادر حادث اتّفاقا » (4) ولهذا قال في الشرح في تقرير الدليل الثالث للإيجاب لهم : « والأزلي لم يكن أثرا للقادر » (5).

وممّا ذكرنا ظهر معنى قوله فيما سبق : « ولا قديم سوى اللّه ؛ لما سيأتي » (6) أي من كونه تعالى قادرا مختارا ، بل من كونه موجودا ؛ فإنّه مستلزم لكونه قادرا مختارا

ص: 66


1- « تجريد الاعتقاد » : 119.
2- نفس المصدر السابق : 120.
3- انظر ص 61 هامش 1 و 2.
4- « شرح المواقف » 8 : 54.
5- انظر « شرح تجريد العقائد » : 311.
6- « تجريد الاعتقاد » : 120 ؛ « كشف المراد » : 82.

على ما مرّ ؛ فإنّا إذا أثبتنا ذلك - إمّا بوجود حادث ما كما ذكرناه ، أو بالدليل المذكور على أنّه عالم كما حرّرناه ، أو بالنصّ - وهو كثير - وإجماع أهل الملل - لزم حدوث جميع ما سوى اللّه ؛ إذ لو كان قديم واحد ، لزم إيجابه تعالى ؛ إذ لم يؤثّر في القديم إلاّ الموجب ، كما مرّ تفصيله ، فتأمّل.

ومن ذلك علم أنّه يمكن جعل القدرة دليل الحدوث ، لا العكس ، إلاّ أن يريد حدوث أمر واحد ، فيصحّ العكس كما مرّ تفصيله ، فثبت أنّه لا قديم سوى اللّه وجاء دليله ، فسقط ما قيل (1) [ من ] أنّه وعد بلا وفاء ، أو أنّه مجرّد دعوى بلا دليل مع ما قال في ديباجة الكتاب : (2) لا يذكر إلاّ ما قاده [ إليه ] الدليل ، وأنّه لم يثبت حدوث العالم ، فكيف يقول : حدوث العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب!؟ » (3).

وقال جمال العلماء بعد عنوان قول المصنّف : « وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب » (4) : « قال الفاضل المعاصر (5) : في الحواشي الفخريّة (6) : يعني به البعديّة الزمانيّة ؛ إذ لا شكّ أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا ، وظاهر أنّه لا يتصوّر [ هاهنا ] من أقسام التقدّم الخمسة سوى الزماني.

وفيه ما أفاده والدي العلاّمة (7) - طاب ثراه - من أنّ تقدّم عدم العالم على وجوده لو كان زمانيّا ، لزم أن يكون قبل كلّ زمان زمان لا إلى نهاية ، ويلزم القدم والزمان

ص: 67


1- القائل هو الشارح القوشجي على ما نقله ملاّ جلال في حاشية « شرح تجريد العقائد » : 71 وهو تعريض بقول الطوسي في أوائل كتاب « تجريد الاعتقاد ».
2- أي ديباجة « تجريد الاعتقاد » : 101.
3- « الحاشية على إلهيات الشرح الجديد » للأردبيليّ : 40 - 43.
4- « تجريد الاعتقاد » : 191.
5- هو ميرزا إبراهيم بن ملاّ صدرا. انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » لآقاجمال الخوانساري : 321.
6- هي حواشي الميرزا فخر الدين محمد بن الحسين الأسترآبادي على « شرح التجريد » للقوشجي ، ألّفها في سنة 965 ، انظر : « الذريعة » 1 : 99.
7- ما أفاده من تعليقات على الشرح الجديد لم يطبع لحدّ الآن.

الموهوم الذي أثبته الأشاعرة قبل وجود العالم (1) ، وهو غير صحيح عند المحصّلين من المتكلّمين ومنهم المصنّف كما يظهر من تصفّح كلامهم. (2)

وأيضا ما ذكره - من أنّ تقدّم العدم على الوجود ليس ذاتيّا ولا طبيعيّا - ممنوع عند الحكماء كما صرّحوا به في إثبات الحدوث الذاتي (3). انتهى (4).

والظاهر - كما يستفاد من كلام الشارح في بحث الأمور العامّة (5) - أنّ مراد المصنّف من البعديّة هاهنا هو البعديّة بالذات التي أثبتها المتكلّمون (6) وجعلوها قسما سادسا ، وزعموا أنّ تقدّم أجزاء الزمان بعضها على بعض من هذا القبيل.

لكنّ التحقيق أنّه لا محصّل له ؛ إذ لا نجد له معنى معقولا سوى الخمسة ، بل الظاهر أنّه تقدّم بالزمان ؛ فإنّ ذلك التقدّم إذا عرض لغير الزمان كان بواسطة زمان مغاير للسابق والمسبوق. وإن عرض لأجزاء الزمان لم يحتج إلى زمان مغاير لهما. وإن عرض للزمان وغيره ، فلا بدّ أن يكون لذلك الغير زمان. وأمّا الزمان فلا يحتاج إلى زمان آخر ، وحينئذ فعدم الزمان يجب أن يكون في زمان لكن يكفي فيه الزمان الموهوم ، وحينئذ فلا بدّ من القول بالزمان الموهوم. وسنحقّق القول فيه عن قريب إن شاء اللّه تعالى.

وأمّا ما ذكره في ذيل « أيضا » فيرد عليه : أنّ مراده أنّه ظاهر أنّه ليس تقدّم عدم الزمان على وجوده تقدّما ذاتيّا ، لا أنّه لا يمكن تقدّم العدم على الوجود تقدّما ذاتيا أصلا ، فاندفع المنع الذي ذكره. على أنّ فيما ذكره الحكماء في إثبات الحدوث الذاتي - من تقدّم عدم الممكن على وجوده تقدّما ذاتيا البتّة - تأمّلا ليس هاهنا

ص: 68


1- انظر المصادر المذكورة في ص 50 هامش 1.
2- انظر المصادر المذكورة في ص 50 هامش 1.
3- راجع المصادر في ص 48 - 49 هامش 1.
4- أي كلام الفاضل المعاصر.
5- الشارح هنا هو القوشجي ، انظر : « شرح تجريد العقائد » : 39.
6- انظر المصادر المتقدّمة في ص 50 هامش 1 و 3.

موضع تحقيقه ، فافهم.

ثمّ قال (1) - سلّمه اللّه تعالى - : « ثمّ أقول : يشبه أن يقال : إذا كان زمان وجود العالم متناهيا في جانب البداءة - كما هو مذهب الملّيّين (2) - كان للعدم تقدّم عليه - سوى التقدّم الذاتي الذي أثبته الفلاسفة (3) لعدم الممكن على وجوده ، المعبّر عنه بالحدوث الذاتي - شبيه بالتقدّم الزماني الذي للحوادث الزمانيّة ، ولأجزاء الزمان بعضها على بعض عندهم في عدم اجتماع السابق والمسبوق.

والفرق أنّ لتقدّم الزمانيّات ملاكا في الخارج متجدّدا متصرّما مستمرّا ، يعرض لأجزاء ما يحصل من تجدّدها وتصرّمها واستمرارها في الخيال ذلك التقدّم أوّلا وبالذات ، ثمّ بتوسّطها يعرض للحوادث ، ولهذا يعرض له خواصّ التقدّر والتكمّم ، بخلاف تقدّم العدم على وجود العالم على مذهب الملّيّين (4) ؛ فإنّه ليس له مثل ذلك الملاك ، ولا يمكن تقديره وتعيينه ، ولا يكون فيه قرب وبعد ، وزيادة ونقصان إلاّ بمحض التوهّم.

ونظير ذلك ما قالوا (5) : إنّ فوق محدّد الجهات لا خلاء ولا ملاء مع أنّ الفوقيّة متحدّدة به ، فكما أنّ العقل هناك يعلم من تناهي البعد المكاني أنّ وراءه عدما صرفا ونفيا محضا ، وينتزع من ذلك ويحكم بمعونة الوهم أنّ لهذا العدم المحض فوقيّة ما على المكان والمكانيّات ، كفوقيّة بعض أجزاء المكان على بعض مع أنّه لا مكان هناك ، كذلك هاهنا يعلم من تناهي الزمان والزمانيّات في جانب البداءة أنّ وراءها عدما صرفا ونفيا محضا ، وينتزع من ذلك ويحكم بأنّ لهذا العدم الصرف قبليّة ما

ص: 69


1- أي قال الفاضل المعاصر.
2- راجع الهامش 1 من ص 50 أعلاه.
3- انظر المصادر المتقدّم ذكرها في ص 50.
4- انظر المصادر المتقدّم ذكرها في ص 50.
5- أي قول الحكماء في الطبيعيّات. انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 246 ؛ « النجاة » : 130 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 170 وما بعدها ؛ « التحصيل » :5. 612.

على وجود العالم والزمان ، شبيهة بقبليّة أجزاء الزمان بعضها على بعض. وهذا هو المراد من قول المصنّف : « وجود العالم ... » إلى آخره ، بل هذا هو الحدوث الزماني المتنازع فيه بين الملّيّين والفلاسفة ، ولا يلزم من ذلك وجود زمان قبل الزمان ، بل مجرّد ذلك الزمان الموجود مع ملاحظة تناهيه كاف في انتزاع الوهم وحكم العقل بهذه القبليّة. وليس هذا إثبات الزمان الموهوم كما ليس ذلك إثبات المكان الموهوم ، فتدبّر » انتهى (1).

وأنت خبير بأنّ سبق العدم على الزمان - على ما أفاده - لا يرجع إلاّ إلى كون الزمان متناهيا من غير أن يكون سبق عدم حقيقة ، بل بمحض التوهّم ، وهذا ليس إلاّ القول بالقدم بالحقيقة ؛ لأنّه إذا لم يكن انفصال بين ذات الواجب تعالى وبين العالم ، ولا يمكن أن يقال : إنّه كان الواجب ولم يكن العالم ، فيكون العالم قديما البتّة ، ولو أطلق عليه الحادث ، فلا يكون إلاّ بمجرّد الاصطلاح في إطلاق « القديم » و « الحادث » على ما كان زمانه متناهيا وغير متناه ، وهو لا يفيد.

وبالجملة ، إنّه لا بدّ على طريقة الملّة من القول بوجود إله العالم بدون العالم بأن يكون بينهما انفصال. وعلى ما ذكره هذا الفاضل لا يكون كذلك ، بل يكون وجود العالم متّصلا بوجوده تعالى من غير انفكاك ولا انفصال بينهما. ولو جوّز هذا فلم لا يجوّز كونه غير متناه أيضا؟ إذ لا يلزم فيه إلاّ عدم الانفصال وهو قد لزم في صورة التناهي أيضا.

لا يقال : إنّه ليس وجود الواجب تعالى زمانيّا ، فلا معنى لاتّصال العالم بالواجب وانفكاكه عنه.

لأنّا نقول : فعلى هذا إذا كان الزمان غير متناه أيضا ، لا اتّصال للعالم به تعالى فلم لم يجوّزه؟

ص: 70


1- أي انتهى كلام الفاضل المعاصر.

والحلّ : أنّا لا نقول : إنّه يجب أن يكون زمان يصحّ أن يقال : كان الواجب فيه ولم يكن العالم ، حتّى يرد ما ذكرت ، بل الغرض أنّه يجب أن يتحقّق انفصال بين الواجب والعالم يصحّ فيه قولنا : « كان الواجب - على المعنى الذي يصحّ الآن - ولا يكون العالم فيه » ولم يتحقّق ذلك على ما أفاده هذا الفاضل.

هذا ، على أنّ الظاهر أنّه كما يقال في الأجسام : إنّه زمانيّ ، بمعنى أنّ وجوده مقارن لوجود الزمان ، يصحّ ذلك في شأن الواجب تعالى أيضا ؛ إذ يصدق أنّ وجوده تعالى مقارن لوجود الزمان.

نعم ، لا يصحّ أن يقال : إنّه زمانيّ ، بمعنى أنّ وجوده ينطبق على الزمان مثل الحركة ، ولا يصحّ ذلك في الجسم أيضا ، وعلى هذا فلا إشكال أصلا.

هذا ما يخطر بالبال ، على سبيل الاحتمال ، فإن كان من الحقّ ، فهو الحقّ ، وإن كان من الوساوس الشيطانيّة ، فنعوذ باللّه منه. واللّه يعلم حقيقة الحال.

وأمّا النظير الذي ذكره من قولهم : « لا خلاء ولا ملاء فوق المحدّد » فهو قول على سبيل التوسّع ، والمقصود أنّه لا شيء وراءه بدون توهّم فوقيّة أصلا ، فلا يصلح للتنظير. على أنّه - على تقدير صحّته - ممّا لا يفيد بعد ما بيّنّا أنّه لا يجوز أن يكون حدوث العالم بهذا الوجه ، فتأمّل » (1). انتهى ما أردنا ذكره من كلامه (2) ؛ ويظهر ماله وعليه ممّا ذكرنا في مقامه.

وبالجملة ، فهذه الجملة بيان لوجه واحد من الوجوه العقليّة لإثبات القدرة.

ومنها : ما يستفاد ممّا حكيناه من كلام المقدّس الأردبيلي.

ومنها : ما أشرنا إليه من أنّ القدرة صفة كمال لا يقتضي ثبوتها على وجه العينيّة نقص صاحبها ، وكلّ ما هو كذلك فهو ممكن الثبوت في حقّه تعالى على وجه

ص: 71


1- « الحاشية على حاشية الخفري على الشرح الجديد » لجمال العلماء 99 - 103.
2- أي من كلام جمال العلماء الخوانساريّ.

العينيّة ، وكلّ ما هو كذلك فهو ثابت كذلك على سبيل الوجوب بمقتضى وجوب الوجود.

ومنها : أنّ الاضطرار نقص مناف لوجوب الوجود ، فيتعيّن الاختيار ؛ لأنّ الواسطة غير معقولة.

ومنها : أنّ العالم لا يخلو من الحركة والسكون المستدعيين للمسبوقيّة ، المستدعية للحدوث المنافي للقدم المقتضي لوجود المحدث المختار. هذا ما يتعلّق ببيان البراهين العقليّة.

وأمّا البراهين النقليّة ، فكثيرة :

منها : قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (1) فإنّها تدلّ على أنّ اللّه قادر بالقدرة الواقعيّة باعتبار جزأيها بأن شاء الترك فترك ، وشاء الفعل ففعل بإحياء الموتى ونحوه سيّما بالنسبة إلى عزير.

فعن مولانا عليّ علیه السلام : « إنّ عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة ،

ص: 72


1- البقرة (2) : 258 - 260.

فأماته اللّه مائة سنة ، ثمّ بعثه ، فرجع إلى أهله ابن خمسين سنة وله ابن له مائة سنة فكان ابنه أكبر منه ، فذلك من آيات اللّه » (1).

وقيل : إنّه رجع وقد أحرق بخت نصّر التوراة فأملاها من ظهر قلبه ، فقال رجل منهم : حدّثني أبي عن جدّي أنّه دفن التوراة في كرم ، فإن أريتموني في كرم جدّي أخرجتها لكم ، فأروه فأخرجها ، فعارضوا ذلك بما أملى ، فما اختلفا في حرف ، فقالوا : ما جعل اللّه التوراة في قلبه إلاّ وهو ابنه ، فقالوا : عزير ابن اللّه (2).

وكذا إحياء أربعة من الطير ، وهي : الطاوس والديك والحمام والغراب ، كما عن أبي عبد اللّه علیه السلام (3) ؛ فإنّه يدلّ على أنّ اللّه قادر عزيز قويّ لا يعجز عن شيء ، بل تذلّ الأشياء له ولا يمتنع عليه شيء.

ومنها : قوله تعالى : ( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . (4)

ومنها : قوله تعالى : ( أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (5) بمعنى أنّه تعالى قدير على نصركم فيما بعد أيضا ، كما نصركم يوم بدر فأصبتم مثلي ما أصابكم يوم أحد ، من جهة مخالفتكم باختياركم الفداء من الأسرى يوم بدر ، وكان الحكم فيهم القتل وقد شرط عليكم بأنّكم إن قبلتم الفداء قتل منكم في القابل بعدّتهم ، فقلتم : رضينا فإنّا نأخذ

ص: 73


1- « مجمع البيان » 2 : 174 و 178.
2- « مجمع البيان » 2 : 174 و 178.
3- انظر : « مجمع البيان » 2 : 174 ؛ « تفسير القمّي » 1 : 86 - 91 ؛ « تفسير العياشيّ » 1 : 159 - 166 ؛ « التبيان » 2 : 320 - 331 ؛ « البرهان في تفسير القرآن » 1 : 246 - 252 ؛ « الصافي » 1 : 264 - 272 ؛ « كنز الدقائق » 1 : 622 - 639 ؛ « الدرّ المنثور » 2 : 26 - 36 ؛ « الكشّاف » 1 : 305 - 310.
4- البقرة (2) : 284.
5- آل عمران (3) : 165.

الفداء وننتفع به ، وإذا قتل منّا فيما بعد كنّا شهداء. كما عن عليّ علیه السلام (1) ، أو نحو ذلك (2).

ومنها : قوله تعالى : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (3).

ومنها : قوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (4).

ومنها : ما رواه في « الكافي » في باب الصفات - في الصحيح على الصحيح - عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « خلق اللّه المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة » (5) لدلالته على أنّ اللّه تعالى خلق المشيئة - التي هي عبارة عن الإرادة الحادثة - بنفسها من غير توسّط مشيئة أخرى ليلزم التسلسل كجعل النور مضيئا بنفسه والمنوّر مضيئا بالنور ، وخلق الموجود بالوجود والوجود بنفسه ، ثمّ خلق بتلك المشيئة الحادثة الأشياء ، فيدلّ على أنّ تأثير الواجب بالذات في المخلوقات والممكنات على وجه الحدوث الفعلي الذي يقول به الملّيّون سيّما بملاحظة كلمة « ثمّ » فيلزم القدرة الفعليّة بتحقّق الجزء السلبيّ والإيجابيّ معا.

ومنها : الصحيح الآخر عنه علیه السلام ، قال : « المشيئة محدّثة » (6) ووجه الدلالة مثل ما مرّ.

ومنها : الآخر عنه علیه السلام : « لم يزل اللّه عزّ وجلّ ربّنا ، والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر

ص: 74


1- « تفسير القمّي » 1 : 126 - 127 ؛ « تفسير العياشيّ » 1 : 229 / 169 ؛ « التبيان » 3 : 40 - 41 ؛ « مجمع البيان » 2 : 436 ؛ « روح الجنان » 1 : 680 - 681.
2- « تفسير القمّي » 1 : 126 - 127 ؛ « تفسير العياشيّ » 1 : 229 / 169 ؛ « التبيان » 3 : 40 - 41 ؛ « مجمع البيان » 2 : 436 ؛ « روح الجنان » 1 : 680 - 681.
3- المائدة (5) : 40.
4- القيامة (75) : 3 - 4.
5- « الكافي » 1 : 110 باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ح 4 ؛ « التوحيد » : 148 باب صفات الذات ... ح 19.
6- « الكافي » 1 : 110 باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ح 7 ؛ « التوحيد » : 147 باب صفات الذات ... ح 18.

على المبصر ، والقدرة على المقدور » (1) لدلالته على ثبوت القدرة - كالعلم ونحوه من صفات الذات - له تعالى ، وأنّه خلق بالمشيئة والإرادة الحادثة - المقدّرة على وفق نظام الكلّ - كلّ شيء بعد أن لم يكن ، كما أنّه تعالى علم بكلّ شيء بالعلم الذي هو عين ذاته.

والمقصود أنّ علمه تعالى قبل الإيجاد هو بعينه علمه بعد الإيجاد ، والمعلوم قبله هو بعينه المعلوم بعده ، وهكذا المقدور ونحوه من غير تفاوت وتغيّر في العلم والقدرة ونحوهما ، ولكنّ المعلوم بوصف المعلوميّة والمقدور بوصف المقدوريّة ونحوهما من الحوادث ، فيدلّ على حدوث الاتّصاف بوصف المعلوميّة والمقدوريّة ، لا حدوث التعلّق كما هو ظاهر الذيل لصرف الصدر كما لا يخفى ، مضافا إلى العقل ؛ لدلالته على أنّ علمه تعالى متعلّق بالمعلوم قبل الإيجاد وبعده على نحو واحد ، وهو المذهب الصحيح الذي ذهب إليه الإماميّة (2).

والحاصل : أنّ الحديث يدلّ على أنّ المعلوم بوصف المعلوميّة في مقام ذاته حادث وإن كان العلم به على وجهه حاصلا في مقام ذات العلّة ، وكان معلوميّته في مقام ذات العلّة أيضا حاصلة كعالميّة العلّة ، كما هو مقتضى وصف التضايف في المتضايفين.

وتوهّم (3) دلالته على أنّ علمه تعالى قديم ، وتعلّقه حادث ، أو على أنّ العلم على قسمين : ذاتيّ وفعليّ ، والذاتيّ قديم والفعليّ حادث فاسد ؛ لأنّ ذاته تعالى علّة تامّة للمعلولات وهو تعالى عالم بالعلم التامّ بذاته الذي هو علّة تامّة ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة علّة تامّة للعلم التامّ بالمعلولات ، فهو عالم بالمعلولات بتفصيلها الذي هو من

ص: 75


1- « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ... ح 1 ؛ « التوحيد » : 139 باب صفات الذات ... ح 1.
2- انظر : « شرح أصول الكافي » للمازندرانيّ 3 : 315 - 321 ؛ « شرح أصول الكافي » لملاّ صدرا : 274 - 278 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 407 - 417 ؛ « شوارق الإلهام » : 509 وما بعدها ؛ « مرآة العقول » 2 : 9 - 10.
3- راجع « شرح أصول الكافي » للمازندرانيّ 3 : 319 - 321.

المعلولات أيضا في مقام الذات ، كما سيأتي إن شاء اللّه.

ومنها : ما ذكره مولانا أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة الغرّاء : « وأستعينه قاهرا قادرا » (1).

ومنها : قوله علیه السلام في الخطبة الأخرى : « فطر الخلائق بقدرته » (2).

ومثله ما يدلّ على أنّه تعالى ذو القدرة التامّة الكاملة ، كقول الصادق علیه السلام : « فذلك الشيء هو اللّه القادر » (3).

إلى غير ذلك من الأدلّة السمعيّة الدالّة على أنّ تأثير اللّه تعالى في وجود العالم بالقدرة والاختيار من غير إيجاب واضطرار كتأثير الشمس والنار فيما هو من لوازم ذاتهما كالإشراق والإحراق والإضرار.

وأمّا ما ذكره في خطبته الأخرى - من قوله علیه السلام : « أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال التوحيد الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه » (4) - فمعناه أنّ كمال التوحيد نفي الصفات الزائدة عنه ؛ بشهادة قوله : « لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف » إلى آخره ؛ لدلالته على أنّ المراد نفي الصفات الزائدة عنه تعالى ؛ بقرينة ذكر المغايرة والمقارنة والتثنية في وجوب الوجود ، والتجزئة والتركّب في ذاته من أمور عديدة ؛ على أنّه معارض بالأقوى من العقل والنقل الكتابيّ والخبريّ.

ص: 76


1- « نهج البلاغة » : 116 ، الخطبة 83.
2- نفس المصدر : 13 ، الخطبة 1.
3- « تفسير الإمام العسكرىّ » : 22 ؛ « التوحيد » : 231 باب معنى بسم اللّه الرحمن الرحيم ، ح 5 ؛ « معاني الأخبار » : 5 باب معنى اللّه عزّ وجلّ ؛ « البرهان في تفسير القرآن » 1 : 45 ذيل تفسير البسملة ، ح 8.
4- « نهج البلاغة » : 14 - 15 ، الخطبة 1.
[ دلائل المخالفين النافين لقدرة اللّه ؛ والجواب عنها ]

اعلم أنّ المخالفين النافين (1) لقدرة اللّه تمسّكوا في نفيها بوجوه :

الأوّل : ما هو كالاعتراض على الدليل المذكور ، وهو أنّ دليلكم يدلّ على أنّ مؤثّر العالم مختار قادر ، ولا يدلّ [ على ] أنّ واجب الوجود هو القادر ؛ لجواز أن يكون الواجب تعالى موجبا لذاته اقتضى على سبيل الإيجاب معلولا قديما قادرا ليس بجسم ولا جسمانيّ يؤثّر في العالم على سبيل القدرة والاختيار.

وأشار المصنّف إلى الجواب عنه بقوله : ( والواسطة غير معقولة ) بمعنى أنّا بيّنّا حدوث العالم - بمعنى ما سوى اللّه - بجملته وأجزائه وجزئيّاته ، وثبوت الواسطة بين ذات اللّه تعالى وبين العالم - بمعنى مطلق ما سواه - غير معقول ، بل عقل كلّ ذي عقل يحكم بفساده. هكذا قرّر العلاّمة رحمه اللّه (2) بل الشارح القوشجي (3) وغيره. (4)

ويمكن تقريره بوجه آخر (5) بأن يقال : إذا انتفى كونه موجبا ، تعيّن أن يكون قادرا مختارا ؛ إذ لا واسطة بينهما ؛ لأنّ صدور الفعل إمّا أن يكون مع جواز أن لا يصدر عنه ، أو مع امتناع أن لا يصدر عنه ، فإن كان الأوّل كان المؤثّر قادرا. وإن كان الثاني كان المؤثّر موجبا ، ولا يعقل بينهما واسطة.

وقال المحقّق الأردبيليّ رحمه اللّه بعد عنوان قوله : « والواسطة غير معقولة » : « يحتمل أن يكون إشارة إلى بطلان الاحتمال المذكور في الشرح (6) بأنّ ذلك الاحتمال قول باطل غير معقول لا يقول به متكلّم ولا حكيم ؛ لأنّ دليل الحكيم على الإيجاب يقتضي أن

ص: 77


1- انظر « شرح تجريد العقائد » : 310.
2- « كشف المراد » : 281.
3- « شرح تجريد العقائد » : 310.
4- « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد » : 43 - 44 ؛ « شوارق الإلهام » : 503 - 504.
5- انظر : « شوارق الإلهام » : 504.
6- « شرح تجريد العقائد » : 310.

لا يكون قادر أصلا ، بل نقل في حواشي المطالع العلاّمة الدواني (1) : أنّ ذلك تحقيق مذهبهم وإن قال الشارح غير ذلك من أنّ العبد فاعل مختار عندهم (2) ، أو لأنّ اللّه تعالى لا يصدر منه ذو إرادة ؛ فإنّه متعدّد وهو واحد من جميع الوجوه ولا يصدر منه إلاّ واحد كذلك أو لأنّ ذلك الواحد إنّما يكون عقلا والإيجاب كمال ولا بدّ من حصول جميع ما يكون كمالا للعقل عندهم. »

قال في شرح المواقف : فأنكر الحكماء القدرة بالمعنى المذكور ؛ لاعتقادهم أنّه نقصان ، وأثبتوا له الإيجاب ؛ زعما منهم أنّه الكمال التامّ (3).

وأمّا ما ذكره الشارح (4) واعترض عليه فهو ما ذكره في المواقف وأورد ذلك الاعتراض حيث قال : « اللّه تعالى قادر ، وإلاّ لزم أحد الأمور الأربعة : إمّا نفي الحادث ، أو عدم استناده إلى المؤثّر ، أو التسلسل - بالمعنى المتقدّم - أو تخلف الأثر عن المؤثّر الموجب التامّ. وبطلان اللوازم دليل بطلان الملزوم.

أمّا بيان الملازمة : فهو أنّه إمّا أن لا يوجد حادث أو يوجد ، فإن لم يوجد فهو الأمر الأوّل. وإن وجد فإمّا أن لا يستند إلى مؤثّر أو يستند ، فإن لم يستند فهو الثاني. وإن استند فإمّا أن لا ينتهي إلى قديم أو ينتهي ، فإن لم ينته فهو الثالث. وإن انتهى فلا بدّ هناك من قديم يوجب حادثا بلا واسطة دفعا للتسلسل ، فيلزم الرابع.

وأمّا بطلان اللوازم : فالأوّل بالضرورة ، والثاني بما علمت من أنّ الممكن محتاج إلى مؤثّر ، والثالث بما مرّ في مباحث التسلسل ، والرابع بأنّ الموجب التامّ ما يلزمه أثره وتخلّف اللازم عن الملزوم محال (5).

قال في الشرح : وقيل هذا الدليل برهان بديع لا يحتاج إلى إثبات حدوث العالم

ص: 78


1- « حاشية حاشية شرح المطالع » الورقة 50.
2- « شرح تجريد العقائد » : 341.
3- « شرح المواقف » 8 : 49.
4- نفس المصدر ، ص 50.
5- « المواقف » ضمن « شرح المواقف » 8 : 50.

وقد تفرّد به المصنّف (1).

وقال صاحب المواقف بعد تقرير الدليل بطوله : وإن شئت قلت - أي في إثبات كونه قادرا - : لو كان البارئ تعالى موجبا بالذات ، لزم قدم الحادث. والتالي باطل ؛ إذ لو حدث لتوقّف على شرط حادث ، وحينئذ يتسلسل (2).

ثمّ قال : واعلم أنّ هذا الاستدلال إنّما يتمّ بأحد طريقين : الأوّل : أن يبيّن حدوث ما سوى ذات اللّه تعالى ، وأنّه لا يجوز قيام حوادث متعاقبة لا نهاية لها بذاته (3). فاعتراض الشارح (4) هو ما ذكره مع شيء زائد.

والظاهر أنّ مراده (5) أنّه يرد على الدليل على هذا المطلب سواء قرّر على الوجه الذي ذكره أوّلا مفصّلا ، أو اختصر بقوله : « وإن شئت » ، وأنّ ذلك اختصار للدليل الأوّل ، لا أنّه دليل آخر غير ذلك ، وأنّ الإيراد وارد على الكلّ.

فقوله : « قيل ... » باطل. وكذا حمل السيّد الشارح قول المصنّف : « وإن شئت » على أنّه دليل آخر ؛ حيث قال - بعد قول المصنّف : « واعلم أنّ هذا الاستدلال لا يتمّ ... » - : أي الذي أشار إليه بقوله : « وإن شئت قلت » (6) وقال أيضا : « ولقائل أن يقول ... » (7) فجعل ذلك دليلا آخر غير الأوّل ، مع أنّه ليس إلاّ اختصار ذلك ، كما فهمه صاحب « قيل » وهو باطل.

وكذا قوله بعده : « واعلم - إلى قوله - ولقائل أن يقول : ذلك البرهان البديع لا يتمّ أيضا إلاّ بالطريق الأوّل ؛ إذ لو جاز قديم سوى ذاته تعالى وصفاته أو جاز تعاقب

ص: 79


1- « شرح المواقف » 8 : 51.
2- نفس المصدر مع اختلاف في المنقول.
3- نفس المصدر مع اختلاف في المنقول.
4- « شرح المواقف » 8 : 51.
5- أي مراد صاحب المواقف من قوله : « واعلم ... » وقوله : « إن شئت ... ».
6- « شرح المواقف » 8 : 51.
7- « المواقف » ضمن « شرح المواقف » 8 : 52.

صفاته التي لا تتناهى ، لم يلزم الأمر الرابع ، أعني التخلّف عن المؤثّر التامّ.

أمّا على الأوّل : فلأنّه جاز أن يكون ذلك القديم مختارا كما مرّ.

وأمّا على الثاني : فلجواز استناد الحادث إلى الموجب بتعاقب حوادث لا تتناهى ، وليس يلزم على شيء من هذين تخلّف الأثر عن المؤثّر الموجب التامّ ؛ لأنّ مؤثّره إمّا مختار مع كون البارئ تعالى موجبا ، وإمّا غير تامّ في المؤثّريّة ؛ لتوقّف تأثيره فيه على شرائط حادثة غير متناهية قائمة بذاته تعالى » (1).

على أنّ الأوّل يدفع بما مرّ ، والثاني قد يدفع بدليل بطلان التسلسل مطلقا.

ثمّ إنّه يحتمل أن يدفع كون الواجب موجبا ، ويثبت كونه تعالى قادرا بأنّه نقص ، بل يلزم أن يكون أنقص من مخلوقه ؛ فإنّ القدرة بالمعنى المذكور كمال والإيجاب عجز ، بل فعله كلا فعل وهو ظاهر ، وبإجماع أهل الملل ، والنصوص الكثيرة ، مثل قوله : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (2) من وجهين ، فافهم.

ويمكن أن يقال : يمكن تقرير المتن هكذا : إنّه لا شكّ في وجود العالم الحادث المخلوق لله تعالى بلا واسطة ، وهو ظاهر ؛ إذ نعلم أنّ بعض الأشياء لا يصدر إلاّ منه ، ولهذا أثبت النبوّة بإظهار المعجزة ، وأنّه ليس إلاّ فعله ، وعلمنا بأنّه فعل فعلا متقنا ذا مصالح كثيرة وهي حادثة ، فيلزم قدرته ، وهو ظاهر ، وهو معنى قوله قدس سره : « وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب » أي وجود ذي علم مثل الإنسان ينفي كون الواجب الذي يوجده موجبا ؛ إذ يلزم قدمه لو كان موجبا ، وهو ظاهر ، ولا يرد عليه شيء أصلا إلاّ منع أن يكون له فعل حادث ، وهو مكابرة وإن لم يمكن إسكات الخصم من الحكماء وغيرهم من الملاحدة ، ولكنّ الظاهر أنّه لا ينكره أحد من الملّيّين مسلما وغيره ، فيحتمل أن يكون

ص: 80


1- « شرح المواقف » 8 : 51 - 53.
2- الفاتحة (1) : 2.

حينئذ معنى قوله : « والواسطة غير معقولة » أنّ الواسطة بين الواجب والحادث - بمعنى أنّه لا يمكن استناد الحادث إليه - غير معقولة ؛ لكونه منه ولو بالإمكان وذلك كاف ، أو نقول بأنّه قد يكون موجبا بالنسبة إلى غير الحادث ، مختارا بالنسبة إليه ، وهو واسطة بين قول الحكيم والمتكلّم ، فهي أيضا غير معقولة ؛ لأنّه إمّا قادر أو موجب.

ثمّ إنّه يتراءى من قوله : « ولمّا لم يثبت عند المصنّف » (1) أنّه يعترض على المصنّف بالتنافي والتناقض ؛ حيث قال : لا دليل على امتناع العقل (2) ، مع أنّه قال : لا قديم سوى اللّه ، وأنّ جميع ما سوى اللّه حادث (3).

وهو بريء عن ذلك ؛ فإنّ مجرّد تجويز العقل من حيث هو هو لا يدلّ على عدم امتناعه والدليل عليه على تقدير قدمه ، وهو ظاهر وإن قال القائل بوجود العقل بقدمه وأنّ الحادث إنّما يكون ماله مادّة ومدّة على ما ذكر في شرح المواقف وغيره (4) ، ولم يلزم قول المصنّف (5) بذلك ، وهو ظاهر.

ثمّ اعلم أنّ الدليل المذكور منقوض - خصوصا على ما ذكره في المواقف (6) - بكونه مختارا فينفيه أيضا ؛ لأنّه ينقل الكلام إلى الإرادة ، فيلزم التسلسل ، أو استغناء الحادث عن المؤثّر والترجيح بلا مرجّح ، أو نفي الحادث ؛ فإنّ الإرادة بمنزلة شرط حادث. وهذا من أعظم أدلّتهم وأقواها على الإيجاب.

قال في المواقف : « احتجّ الحكماء - ( أي على إيجابه تعالى ) - بوجوه كثيرة :

ص: 81


1- « شرح تجريد العقائد » : 310.
2- قال المحقّق نصير الدين : « أمّا العقل فلم يثبت دليل على امتناعه ، وأدلّة وجوده مدخولة ». انظر : « تجريد الاعتقاد » : 155.
3- « تجريد الاعتقاد » : 120. وفيه : « ولا قديم سوى اللّه ».
4- « شرح المواقف » 4 : 5 - 6 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 14.
5- قال في « تجريد الاعتقاد » : 120 : « ولا يفتقر الحادث إلى المدّة والمادّة وإلاّ لزم التسلسل ».
6- « المواقف » ضمن « شرح المواقف » 8 : 53.

الأوّل : قيل (1) : إنّما عبّر بالأوّل ؛ لأنّه الذي يعوّلون عليه أنّ تعلّق القدرة بأحد الضدّين المقدورين له إمّا لذاتها ، كتخصيص بعض الجسم بشكل معيّن ولون مخصوص دون ما عداه فيستغني الممكن عن المرجّح ، وأنّه ينسدّ باب إثبات الصانع. وأيضا يلزم قدم الأثر. وإمّا لا لذاتها ، فيحتاج إلى مرجّح آخر فيلزم التسلسل (2).

وأنت تعلم أنّ هذا على طريق الاستدلال لا يصحّ ؛ فإنّ غاية ما يلزم التسلسل في الحوادث والإرادات التي قد تكون متفرّقة مرتّبة ، وهو غير باطل عندهم.

وأمّا إلزاما للمتكلّم ، فلهم أن يقولوا بعدم احتياج الإرادة إلى مرجّح وعلّة ما ، أو يقولوا بجواز الترجيح بلا مرجّح كما صرّح به في المواقف وغيره (3).

قال : والجواب أنّ تعلّقها إنّما هو بذاتها كما بيّنّا في طريقي الهارب وقدحي العطشان.

قولكم : فيستغني الممكن عن المرجّح ، قلنا : لا يلزم من ترجيح القادر لأحد مقدوريه بلا مرجّح ترجّح الممكن في حدّ ذاته من غير المرجّح.

وبالجملة ، فالترجيح بلا مرجّح غير الترجيح بلا مرجّح ، ولا يلزم من صحّته صحّته (4) ، فتأمّل فيه ؛ فإنّه قيل باستلزام الترجيح بلا مرجّح الترجّح ، وقد يمنع ذلك ، فتأمّل.

وقال أيضا : قولكم : يلزم قدم الأثر ، قلنا : ممنوع ، وإنّما يلزم في الموجب الذي إذا اقتضى شيئا لذاته اقتضاء دائما ؛ إذ نسبته إلى الأزمنة سواء. وأمّا القادر ، فيجوز أن تتعلّق قدرته بالإيجاد في ذلك الوقت دون غيره » (5).

ص: 82


1- القائل هو الشريف الجرجاني في « شرح المواقف » 8 : 53.
2- « شرح المواقف » 8 : 53 - 54 ، نقله بتصرف.
3- « شرح المواقف » 8 : 54 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 97.
4- « المواقف » ضمن « شرح المواقف » 8 : 54.
5- نفس المصدر السابق ، ص 55.

ويمكن أن يختار أنّه لا لذاتها ؛ بل للعلم بالمنفعة والمصلحة المترتّبة على ذلك الشيء الذي خلق على ذلك الوجه وذلك الزمان ، فالعلم هو داع ومرجّح وسبب لتعلّق الإرادة ، والإيجاد - وإن وجب بذلك - لا يخرج عن القادريّة ؛ لأنّه بالإرادة والاختيار ، وهو غير مناف للاختيار ، وهو ظاهر ، وقد ذكروه أيضا ، فتأمّل ؛ فإنّ علم الواجب في الأزل بأنّ في إيجاد شيء معيّن على وجه معيّن في وقت معيّن نفعا ومصالح لا في غيره لا يضرّ الاختيار ، بل ولا وجوب الإرادة ، فيختار لذلك ويوجده حينئذ وإن وجب الفعل بعد الإرادة بالعلم وعدم احتياج العلم إلى علّة غير الذات ، فتأمّل فيه ، فلا يحتاج إلى ما اختاره في « المواقف » أيضا من قوله : « وربما يقال : الفعل مع الدواعي أولى بالوقوع ولا ينتهي إلى الوجوب » مع تضعيفه بقوله : « وقد عرفت ضعفه » (1) ؛ لأنّه قد ذكر قبله « أنّ الفعل لا يوجد بالأولويّة ، بل لا بدّ من الانتهاء إلى الوجوب » (2) على أنّه قد يمنع ذلك ، فتأمّل (3). انتهى كلامه رفع مقامه.

وبالجملة ، فمراد المصنّف - ظاهرا - أنّه ثبت فيما سبق أنّ العالم - بمعنى جميع ما سوى اللّه - حادث ، فيحتاج إلى محدث قادر ، وذلك القادر إن كان غير اللّه تعالى ، يلزم الواسطة بين اللّه وما سواه ، والواسطة غير معقولة ، فثبت أنّ ذلك القادر هو اللّه تعالى ، فثبت عقلا أنّه تعالى قادر موصوف بصفة القدرة.

ولكنّ الشارح القوشجي قال : « أقول : لم يثبت فيما سبق أنّ جميع ما سوى اللّه تعالى حادث ، بل إنّما ثبت حدوث الأجسام وعوارضها ، ولمّا لم يثبت عند المصنّف وجود المجرّدات أطلق القول بحدوث العالم ، لكن كما لم يثبت عنده وجود المجرّدات لم يثبت عنده عدمها أيضا ، كما قال في صدر الفصل الرابع في الجواهر المجرّدة : أمّا العقل فلم يثبت دليل على امتناعه ، وأدلّة وجوده مدخولة. فللمعترض

ص: 83


1- « شرح المواقف » 8 : 55.
2- نفس المصدر 3 : 164.
3- « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد للتجريد » للأردبيليّ : 43 - 49.

أن يقول : لم لا يجوز أن يوجد الواجب تعالى بطريق الإيجاب جوهرا مجرّدا ليس بجسم ولا جسمانيّ ، قديما قادرا يكون هو الذي أوجد العالم الجسمانيّ بالقدرة والاختيار؟ » (1).

وأنا أقول : لمّا كان المصنّف من الملّيّين ، وإجماع الملّيّين على حدوث العالم - بمعنى جميع ما سوى اللّه - بالحدوث الواقعي المذكور يقتضي عدم الالتفات إلى احتمال الواسطة على الوجه المذكور ؛ لأنّها غير معقولة على هذا الفرض المقتضي للعلم بإخبار الصانع بأنّي أوجدت العالم على وجه الحدوث المذكور ، حكم بما ذكر.

وإلى ما ذكرنا أشار المحقّق الخفري حيث قال : « أقول : العمدة في إثبات حدوث العالم إجماع الملّيّين والحديث (2) المشهور الذي لا دليل عقليّ يعارضه ، فليس للمتكلّمين التفات إلى هذا التجويز (3) المخالف للإجماع والحديث ، ولهذا قال المصنّف : « والواسطة غير معقولة » أي لا دليل عقليّ عليه ، فتجويزها - مع أنّه مخالف للإجماع المذكور والحديث المشهور - غير ملتفت إليه.

وأيضا الدليل العقلي قائم بأنّ الممكن الذي لا وجود له باعتبار ذاته لا يوجد جوهرا ، وهذا ممّا يوافق كلام الحكماء.

قال بهمنيار في كتابه المسمّى ب- « التحصيل » : « وإن سألت الحقّ ، فلا يصحّ أن يكون علّة الوجود إلاّ ما هو بريء من كلّ الوجه من معنى ما بالقوّة ، وهذا هو صفة الأوّل تعالى لا غير ؛ إذ لو كان مفيد الوجود ما فيه معنى بالقوّة - سواء كان عقلا أو جسما - كان للعدم شركة في إفادة الوجود ، وكان لما بالقوّة شركة في إخراج الشيء من القوّة إلى الفعل » (4) انتهى.

ص: 84


1- « شرح تجريد العقائد » : 310.
2- هو قوله علیه السلام : « كان اللّه ولم يكن معه شيء ».
3- أي احتمال وجود جوهر مجرّد قديم قادر يكون واسطة. ( منه رحمه اللّه ).
4- « التحصيل » : 521 - 522.

فمعنى قول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » أنّ الواسطة في إيجاد العالم الجسمانيّ ممّا ينفيه البرهان العقلي الدالّ على أنّ إيجاد الجواهر والأعراض المفارقة لذات الموجد ممّا هو مختصّ بالمبدإ الأوّل تعالى ، وهذا لا ينافي كون حركات العباد صادرة عنها » (1). انتهى.

وقال الفاضل اللاهيجيّ : « يعني أنّ حدوث العالم - بمعنى جميع ما سوى اللّه - وإن لم يكن ثابتا بالدليل العقليّ ، بل الثابت بالدليل إنّما هو حدوث عالم الأجسام فقط ، لكنّه ثابت بالإجماع والحديث اللّذين هما المعتمدان فيما لا سبيل للعقل إليه ، فالواسطة - أي كون بعض ما سوى اللّه قديما وواسطة في الإيجاد بين اللّه وبين سائر ما سواه - غير معقولة أي غير ثابتة بالدليل العقليّ ، وما لا يكون ثابتا بالدليل العقليّ إذا كان مخالفا للإجماع والحديث ، فهو باطل ، ولا يلتفت إلى تجويز الباطل عاقل.

وقد يقال (2) : إثبات حدوث العالم بالإجماع والحديث يستلزم الدور ؛ لتوقّف حجّيّتهما على إثبات النبوّة ، المتوقّف على قدرة الواجب تعالى ، وإلاّ لجاز أن لا يقدر على عدم إظهار المعجزة على يد الكاذب.

وقد يجاب (3) بأنّ إثبات النبوّة لا يتوقّف على القدرة بمعنى وقوع الفعل والترك ،

ص: 85


1- « حاشية الخفري على إلهيّات شرح القوشجي » الورقة 5 ، مخطوط.
2- انظر : « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » للخوانساريّ : 148.
3- قوله : « وقد يجاب ... ». أقول : قال الفاضل الجيلاني المدعوّ ب- « ملاّ شمسا » واسمه محمد في حاشيته على إلهيّات التجريد وشرحه وحاشية الخفري : « والحقّ أن يقال : إنّ إثبات النبوّة موقوف على وجود القدرة والاختيار ، لا على العلم بوجود القدرة والاختيار ؛ لأنّا نعلم بديهة أنّ إظهار المعجزة على يد الكاذب قبيح عقلا بحسب تنزيهه تعالى عنه ، وهذا القدر كاف في إثبات النبوّة ، وبعد إثبات النبوّة يثبت صدق النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ إذ إثبات صدقه يثبت في كلّ ما أخبر به ، ومنه حدوث العالم ، فيجوز أن يكون إثبات النبوّة موقوفا على إثبات القدرة ، فقد حصل اختلاف الجهة ، فلم يلزم الدور » انتهى. وفيه أنّ إثبات النبوّة للمعتقد موقوف على العلم بالقدرة الواقعية ؛ للعلم بأنّ إظهار المعجزة اختياري ، بل يتوقّف العلم به على العلم بالقدرة ؛ لما لا يخفى ، فلم تختلف الجهة. ( منه رحمه اللّه ).

بل بمعنى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ؛ فإنّه عند الحكماء أيضا يكون أفعاله تعالى مشتملة على حكم ومصالح ، فلا يجوز عليه إظهار المعجزة على يد الكاذب ، وبأنّه بمجرّد مشاهدة المعجزة يحصل العلم بصدق صاحبها ، فيحصل العلم بكلّ ما أخبر به حتّى بوجود الواجب.

وفي هذا تأمّل ».

ثمّ قال (1) : « مدلول كلام التحصيل أنّ ما فيه معنى ما بالقوّة لا يمكن أن يكون مفيدا للوجود ، لا أنّه لا يمكن أن يكون واسطة في الإيجاد.

وأيضا يرد عليه ما أورده المحقّق الفخري (2) من أنّه إن أراد بالمعنى في قوله : « ما فيه معنى ما بالقوّة » الصفة المتحقّقة في الواقع ، سلّمنا الملازمة ، لكن لا نسلّم أنّ العقل كذلك ؛ لما تقرّر عندهم من أنّه ليس له حالة منتظرة. وإن أراد به أعمّ من ذلك ، حتّى يشمل الإمكان الذاتي الذي ينتزعه العقل من مجرّد ملاحظة ذات الممكن ، منعنا الملازمة مستندا بأنّه ليس للعدم - الذي ينسب العقل ذات الممكن إليه وإلى الوجود في الملاحظة - تحقّق في نفس الأمر ، حتّى يكون له شركة في إفادة الوجود ، وكان لما بالقوّة المحضة شركة في إخراج الشيء من القوّة إلى الفعل » (3) انتهى.

وقد دقّق وأجاب عن هذا خاتم الحكماء والمجتهدين (4) - على ما بلغنا - بالفرق بين قولنا : « معنى ما بالقوّة » - على التنكير - وقولنا : « معنى ما بالقوّة » على الإضافة ؛ فإنّ المراد من الأوّل هو أن يكون الذات بالفعل ، ويكون معنى ما وصفة ما له بالقوّة ،

ص: 86


1- أي الفاضل اللاهيجي في الحاشية.
2- هو فخر الدين الحسيني الأسترآبادي ، وأورد ما نقله المصنّف عنه في حواشيه على شرح القوشجي للتجريد ولكن لم نعثر عليها. نعم ، نقل المحقق الخوانساريّ رحمه اللّه في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : 151.
3- لم نعثر على حاشية اللاهيجي ، ولكن ذكر في « شوارق الإلهام » : 509 نحو ذلك.
4- هو السيد الداماد رحمه اللّه على ما نقل المحقّق الخوانساري في « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : 151.

وهذا لا يكون إلاّ في المادّيّات ؛ لأنّ المجرّدات جميع صفاتها حاصلة لها بالفعل ، والمراد من الثاني أن يكون الذات والصفة - كلتاهما - داخلتين تحت مفهوم « ما بالقوّة » وهذا المعنى شامل للمادّيّات والمجرّدات ؛ إذ كلّ ممكن بما هو ممكن ومن حيث ذاته لا يكون إلاّ بالقوّة. ومراد المستدلّ هو الثاني.

ثمّ قال : « ثمّ أقول : يمكن أن يقال : معنى قول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » هو أنّ استناد صدور العالم الحادث إلى الواسطة القديمة إنّما يصحّ بإرادة مفوّضة إليها ، مستندة إلى ذاتها بالاستقلال ؛ إذ لو لم يكن الإرادة مفوّضة إليها ، مستندة إلى ذاتها ، بل مستندة إلى الواجب الموجب بالمفروض ، استحال صدور الحادث عنها لا محالة ، والتفويض والاستقلال بالتأثير من الممكن باطل غير معقول » (1).

وظنّي أنّ هذا توجيه وجيه. ويمكن بعيدا أن يكون هذا هو مراد المحشّي رحمه اللّه ، فتأمّل.

وقد يوجّه (2) قول المصنّف بتوجيهات :

منها : أنّه ردّ لما قد يقال : إنّ الواجب واسطة بين الموجب والمختار ؛ لأنّ المراد بالإيجاب هو ما نعلمه من الطبائع وهو منفيّ عنه تعالى لا محالة ، والمراد بالاختيار هو ما نعلمه من الحيوان - مثلا - وهو أيضا منفيّ عنه تعالى ؛ لكون اختيار الحيوان ممكنا واختياره يجب أن يكون واجبا ، فهو واسطة بين الموجب الذي نفهمه وبين المختار الذي نفهمه ، فأشار المصنّف إلى أنّه لا معنى للواسطة بين الموجب والمختار ؛ إذ المختار ما يكون فعله باختياره سواء كان اختياره واجبا أو ممكنا ، ألا ترى أنّ صفاته تعالى ليست كصفاتنا ، ولا يلزم ثبوت الواسطة ، فكذلك الاختيار أيضا.

ص: 87


1- انظر : « شوارق الإلهام » : 504 ، وقد ذكر هنا ما يقرب من هذا الكلام.
2- حول التوجيهات المذكورة على كلام المحقّق الطوسي انظر : « كشف المراد » : 281 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 310 ؛ « شوارق الإلهام » : 503 - 504 ؛ « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد » للأردبيليّ : 43 - 49 ؛ « حاشية الخفري على إلهيّات شرح القوشجي » الورقة 5 ، مخطوط.

ومنها : أنّ حاصل الكلام هو أنّه لمّا ثبت حدوث العالم ، انتفى الإيجاب ، ولمّا انتفى الإيجاب ثبت الاختيار ؛ إذ لا واسطة بين الإيجاب والاختيار ، فإذا انتفى أحدهما ثبت الآخر ، وذلك لأنّ موجد الشيء إمّا أن يمكن تخلّف أثره عنه وهو المختار ، أولا وهو الموجب ، ولا واسطة بين النفي والإثبات.

ومنها : أنّه إشارة إلى ردّ ما يلزم الأشاعرة القائلين بأنّ القدرة زائدة على الذات (1) فإنّها حينئذ لا تكون مستندة إلى غير الذات ، بل إلى الذات لا بالقدرة بل بالإيجاب ، فيلزم كون الواجب موجبا في البعض - وهو صفة القدرة - وقادرا في البعض - وهو غير ماهيّة الصفات والأفعال - فيلزم الواسطة ، والتزموها وهي غير معقولة ؛ لما سيجيء من أنّ صفاته تعالى عين ذاته » انتهى.

وقال شمس العلماء والمحشّين (2) - بعد عنوان قول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » - : « معنى كلامه موافق لما ذكره في نقد المحصّل (3) ولا بأس بأن ننقل عبارته ؛ إذ قال فيه - بعد ما نقل هذا الاعتراض الذي ذكره الشارح عن الإمام الرازي - : والمعتمد في إبطالها أنّ الواسطة يمتنع أن تكون واجبة الوجود ؛ لامتناع أن يكون الواجب أكثر من واحد ، فإذن هي ممكنة وهي من جملة العالم ؛ لأنّ المراد من العالم ما سوى المبدأ الأوّل ، فإذن وقوع الواسطة بين واجب الوجود لذاته وبين العالم محال » انتهى.

وقد يقال (4) في توجيه كلام المصنّف - وهو قوله : « والواسطة غير معقولة » - : « إنّه بعد نفي الإيجاب يتوهّم أنّه لا يلزم ثبوت الاختيار ؛ لأنّ الإيجاب الذي علمناه من الطبائع منفيّ عن الواجب جلّ شأنه ، لكن لمتوهّم أن يقول : إنّ الاختيار الذي نشاهد

ص: 88


1- تقدّم في أوائل الكتاب الكلام عن مذهب الأشاعرة بزيادة الصفات على الذات.
2- لعلّه إشارة إلى الملاّ شمسا الجيلاني في حاشيته على التجريد.
3- « نقد المحصّل » : 275.
4- نسب اللاهيجي هذا التوجيه إلى القيل. انظر : « شوارق الإلهام » : 504.

من بعض الموجودات كالإنسان - مثلا - ليس في الواجب أيضا ؛ لأنّ اختيار الواجب تعالى ليس من قبيل اختيارنا ؛ لأنّ اختياره تعالى واجب واختيارنا ممكن ، فيلزم ثبوت الواسطة بين الإيجاب الذي في الطبائع وبين الاختيار الذي فينا ، فأشار قدس سره إلى دفع هذا بقوله : والواسطة غير معقولة ».

وحاصله : أنّا سلّمنا أنّ اختيار الواجب ليس من قبيل اختيارنا ، بمعنى أنّه ليس ممكنا واختيارنا ممكن ، وأنّه ليس زائدا واختيارنا زائد ، لكن هذا لا يخرجه عن كونه اختيارا ، بل اللازم حينئذ أن يكون اختياره - جلّ ذكره - آكد وأقوى من اختيارنا ، ويكون اختياره فردا كاملا من الاختيارات ، ومثل ذلك أنّ الوجود إذا فرضناه قائما بذاته ، فهذا لا يخرجه عن كونه وجودا ، بل يكون فردا تامّا من الوجودات. وكالبياض مثلا ؛ فإنّه لو جاز قيامه بنفسه بدون الموضوع لكان بياضا تامّا حاصلا في نفسه ، فقس على ذلك علمه تعالى وقدرته وحياته وغيرها من الصفات الكماليّة.

وعلى هذا التوجيه يكون اعتراض الشارح على المصنّف قدس سره غير مقابل نشأ من سوء فهم مراده قدس سره ، فوجّه بعض الشارحين (1) كلام المصنّف بحيث يكون اعتراض الشارح غير مقابل أيضا.

وحاصله : أنّ موجد الشيء لا يخلو إمّا أن يكون بوجه لا يمكن أن يتخلّف عنه معلوله ، أولا ، فإن كان الأوّل كان موجبا ، وإن كان الثاني كان مختارا ، فلو لم يكن البارئ - سبحانه وتعالى - مختارا كان موجبا ؛ لأنّه لا واسطة بين كون موجد العالم قادرا وبين كونه موجبا على ما ذكرنا ، فتجويز أنّ موجد العالم لا يكون قادرا ولا موجبا ، بل يكون متوسّطا بين الإيجاب والاختيار غير معقول. وإلى هذا أشار المصنّف بقوله : « والواسطة غير معقولة ».

ص: 89


1- ذكر اللاهيجي رحمه اللّه هذا التوجيه في « شوارق الإلهام » : 504.

والوجهان متقاربان.

قيل (1) : « أقول : لا يبعد كون قول المصنّف قدس سره إشارة إلى ردّ قول الأشاعرة الذاهبين إلى أنّ القدرة زائدة على الذات. وتوجيهه : أنّه لمّا امتنع تعدّد الواجب تكون القدرة ممكنة ، ولا يجوز أن تكون علّتها غير الذات ؛ لاستحالة احتياج الواجب في الصفة الحقيقيّة إلى أمر خارج ؛ لكونه نقصا يجب تنزيهه تعالى عنه اتّفاقا ، ولأنّ غير الذات مستند إلى الذات ، فيكون الذات موجبا في إيجاده لا قادرا ؛ لاستحالة التسلسل ، ولا يجوز أن يكون فاعلا بالاختيار للقدرة ؛ لهذا الأخير بعينه ، فيلزمهم كون الذات موجبا في البعض ، فلا يكون قادرا على الكلّ ، وليس أيضا موجبا في الكلّ وهو الواسطة بين القادر والموجب المنفيّة بقوله : « والواسطة غير معقولة. وسيجيء بيان عدم المعقوليّة في الكتاب عن قريب ، وحينئذ لا توجّه لما سيذكره الشارح » انتهى كلامه بألفاظه.

ويمكن أن يناقش بأنّه لا حسن لهذا التوجيه ؛ لأنّ ردّ مذهب الأشاعرة ، وبيان المفاسد - التي تلزم عليهم - سيجيء وهو مبحث برأسه ، وليس غرض المصنّف الإشارة إلى ردّ مذهبهم هنا ؛ لأنّه قدس سره سيجعل له بحثا على حدة على ما سيأتي.

ويمكن أن يقال : إنّ قول المصنّف قدس سره إشارة إلى جواب الاعتراض الذي أورده الشارح.

تقريره : أنّ المختار أكمل وأتمّ من الموجب ، والمنع عليه مكابرة كما ذكره غياث المدقّقين (2) ، والخالق أكمل من المخلوق وهذا بديهيّ أيضا ، فإذا كان كذلك لم يصحّ أن يكون المخلوق قادرا وخالقه غير قادر ، فتجويز كون الواجب غير قادر وأثره قادرا غير معقول ؛ لأنّه يستلزم أن يكون المخلوق أشرف من خالقه وأكمل منه.

ويمكن أن يقال أيضا : إنّ قول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » إشارة إلى دفع

ص: 90


1- القائل هو فخر الدين. ( منه رحمه اللّه ).
2- انظر « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد للتجريد » : 46.

ما أورده الشارح.

وتقريره : أنّ موجد القادر المختار وخالقه يجب أن يكون قادرا كما أنّ موجد العالم يجب أن يكون عالما ، على ما سيجيء في مبحث إثبات علم الواجب جلّ شأنه ، فتجويز كون الواسطة قادرا مختارا دون موجده وخالقه غير معقول.

والوجهان متقاربان لكنّ الفرق بينهما بيّن (1).

واعلم أنّ جميع ما ذكرنا من التوجيهات لقول المصنّف : « والواسطة غير معقولة » إنّما هو على سبيل المماشاة وعدم بيان الإيجاب الذي هو محلّ النزاع بين الحكماء والمتكلّمين ، فنقول : قد عرفت فيما سبق أن الإيجاب له ثلاثة معان :

أحدها : الإيجاب الذي يكون للطبائع كالنار ، وهذا المعنى منفيّ عن الواجب جلّ شأنه بإجماع العقلاء.

وثانيها : الإيجاب الخاصّ وهو الوجوب بالنظر إلى الإرادة ، وهذا الوجوب ثابت له تعالى بإجماع الحكماء والمعتزلة ؛ لأنّه لا نزاع بين الحكماء والمتكلّمين في إثبات القدرة والاختيار ، على ما نقلنا عن المصنّف في شرح الإشارات. (2)

وثالثها : امتناع انفكاك وجود العالم عن وجود الواجب تعالى ، وهذا المعنى ثابت له تعالى عند الحكماء القائلين بقدم العالم ، ومنفيّ عنه جلّ شأنه بإجماع المتكلّمين ، بل بإجماع الملّيين ، فالنزاع بين الحكماء والمتكلّمين ليس إلاّ في المعنى الأخير ، وهذا النزاع يرجع إلى النزاع في قدم العالم وحدوثه ، فالنزاع بين الحكماء والمتكلّمين ليس إلاّ في قدم العالم وحدوثه.

إذا عرفت هذا التحقيق فيمكن لك توجيه كلام المصنّف على وجه يكون مبنيّا

ص: 91


1- لأنّ الوجه الأوّل من باب عدم صحّة زيادة الفرع على الأصل ، والوجه الثاني من باب عدم صحّة كون معطي الكمال فاقدا له. والوجهان وإن كانا مستندين إلى عدم صحّة نقص الفاعل الموجد للكامل إلاّ أنّ الأوّل باعتبار ملاحظة قبول الكمال من الناقص ، والثاني باعتبار ملاحظة إعطاء الكمال مع فقده ( منه رحمه اللّه ).
2- « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 81 - 82.

على هذا التحقيق ، كأن يقال : إنّ هذا جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أنّ معترضا يعترض بأنّه بقي احتمال آخر وهو أنّه يجوز أن لا يكون الواجب جلّ شأنه موجبا بالإيجاب الذي للطبائع ، ولا موجبا بالإيجاب الذي بالنظر إلى الإرادة والاختيار ، فلا يكون موجبا ولا مختارا ، بل يكون واسطة بينهما ، فيكون موجبا بإيجاب آخر بينهما.

فأجاب بأنّ الواسطة غير معقولة. ووجه عدم المعقوليّة هو أنّه إن لم يكن له شعور وإرادة واختيار في فعله فيكون كالطبائع ، وإن كان له شعور وإرادة واختيار في فعله فيكون مختارا.

وأيضا سيجيء البرهان على إثبات القدرة والاختيار له جلّ شأنه ، فلا معنى للواسطة أصلا.

ويمكن حمل كلام المصنّف على وجه آخر وهو أنّ هذا ردّ على القول بأنّ النزاع بين الحكماء والمتكلّمين في أمرين : أحدهما في الإيجاب والاختيار.

وثانيهما في القدم والحدوث.

وحاصل الردّ هو أنّ الإيجاب الذي للطبائع منفيّ عنه جلّ شأنه بإجماع العقلاء وإثبات القدرة والاختيار ، والإيجاب بسبب الإرادة والاختيار مشترك بين الحكماء وأكثر المتكلّمين ، والواسطة بين الإيجاب الذي للطبائع وبين الإيجاب الذي بالإرادة والاختيار غير معقولة ، فلا يتصوّر النزاع في الإيجاب ، فبقي أن يكون النزاع منحصرا في قدم العالم وحدوثه ، فالنزاع بين الحكماء والمتكلّمين ليس إلاّ في قدم العالم وحدوثه ؛ لأنّ الواسطة غير معقولة.

وهذا توجيه وجيه موافق لما ذكره المصنّف قدس سره في شرح الإشارات من أنّه لا نزاع بين الحكماء والمتكلّمين في إثبات القدرة والاختيار للواجب جلّ شأنه ، بل النزاع بينهما في قدم العالم وحدوثه (1).

ص: 92


1- « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 81 - 82.

ثمّ قال بعد عنوان قول الشارح القوشجي : « أقول : لم يثبت فيما سبق ... » : « هذا الاعتراض إنّما نشأ من عدم فهم غرض المصنّف ؛ لأنّ المصنّف لم يقل : وجود العالم بعد عدمه لما سبق ينفي الإيجاب ، حتّى يرد عليه أنّه لم يثبت فيما سبق إلى آخر ما ذكره الشارح.

وبالجملة ، ليس في كلام المصنّف إشارة إلى تعليل هذا المطلب بشيء أصلا ، فكيف يصحّ الجزم بأنّ تعليله يكون بما سبق ثمّ الاعتراض عليه؟!

ويحتمل أن يكون تعليل هذا المطلب بالإجماع والحديث النبويّ المشهور (1) الدالّ صريحا على هذا.

ولمّا كان المشهور أنّ دليل وجود العالم بعد عدمه هو الإجماع والحديث النبويّ المشهور الدالّ صريحا على هذا ، لم يصرّح المصنّف قدس سره بهما ؛ لأنّ الشهرة كفت مئونة الذكر ، وقد عرفت سابقا توجيهات أخر لكلام المصنّف بحيث يندفع بها اعتراض الشارح » انتهى كلامه في هذا المقام وهو جيّد ؛ لما لا يخفى.

ثمّ قال - بعد عنوان ما حكى الفاضل الخفري عن بهمنيار من قوله : « كان للعدم شركة في إفادة الوجود ... » - : « تحرير هذا البرهان وتوضيحه على وجهه أنّ كلّ ممكن بما هو ممكن وباعتبار ذاته بذاته لا يكون إلاّ بالقوّة الصرفة ، وليس له بهذا الاعتبار استشمام رائحة من الفعل أصلا وهو ظاهر جليّ ، فلا بدّ أن يكون لكلّ ممكن مخرج من القوّة إلى الفعل ، ولا بدّ أن يكون ذلك المخرج ممّا هو مخرج من القوّة إلى الفعل بالفعل من كلّ الوجوه ، وإلاّ يلزم أن يكون للقوّة دخل في إخراج الشيء من القوّة إلى الفعل وهو باطل بالبديهة ، فيلزم أن يكون المخرج المذكور بالفعل من كلّ الوجوه ، والفعليّة من كلّ الوجوه إنّما هي صفة الأوّل تعالى شأنه ، فثبت من هذا أنّ مقتضي الفعليّة والوجود ليس إلاّ الواجب جلّ سلطانه.

ص: 93


1- مضى تخريج الحديث في ص 51 و 64.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الممكن بعد اكتساب الوجود من الواجب جلّ شأنه ، وبعد خروجه من القوّة إلى الفعل يفيض الوجود على ممكن آخر؟

قلت : مسلك التحليل يبطل هذا الاحتمال. بيان ذلك : أنّ العقل يحلّل الممكن الموجود إلى ما بالقوّة ، وإلى ما بالفعل ، ثمّ نقول : إنّ ما بالقوّة لا دخل له في إخراج الشيء من القوّة إلى الفعل فيطرحه خلف قاف ثمّ ينظر إلى ما بالفعل ، فلو كان مشوبا بالقوّة ، فيخلّله أيضا وهكذا إلى أن ينتهي إلى ما بالفعل المحض ، وليس هذا إلاّ الواجب بالذات جلّ ذكره.

فظهر من هذا سرّ ما وقع في الكتاب الكريم الإلهي ( اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (1) ، ( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) (2) و ( هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ ) (3) وصحّة قول من قال : إنّ الإمكان علّة للحاجة إلى علّة ما في بادئ الرأي وأوّل النظر ، وبعد الفحص وتعمّق النظر ينكشف أنّ الإمكان علّة للاحتياج إلى علّة واجبة الوجود بالذات.

فإن قيل : إذا كان موجد جميع الأشياء هو الواجب جلّ ذكره ، فينهدم بنيان التكاليف الشرعيّة والثواب والعقاب وغيرها.

قلت : لا منافاة بين ما حكم عليه البرهان واقتضاه ، وبين كون العبد فاعلا مختارا ، الذي هو مناط صحّة التكاليف الشرعيّة والثواب والعقاب ؛ لأنّ الذي دلّ عليه البرهان هو أنّ مفيض الفعليّة والوجود لا يكون إلاّ الواجب جلّ شأنه ، لا أنّه لا يكون ممكن موقوفا عليه بالنسبة إلى ممكن آخر ، ولا يكون ممكن جزءا لممكن آخر ، فهذا ممّا لا ينفيه البرهان ، فنقول : إنّ العبد فاعل إنّما هو بمعنى أنّه مباشر للفعل ، ويكون هو باعتبار قدرته وإرادته جزءا أخيرا من العلّة التامّة ، فقدرة العبد وإرادته لهما دخل في أفعاله ، وهذا القدر كاف في صحّة التكليف والثواب والعقاب.

ص: 94


1- الرعد (13) : 16 ؛ الزمر (39) : 62.
2- الأنعام (6) : 102.
3- فاطر (35) : 3.

وما يشعر بذلك ما روي عن بعض أئمّتنا - صلّى اللّه عليهم - : « لا جبر ولا تفويض - في أفعالنا الاختياريّة - بل أمر بين أمرين » (1).

إلى أن قال : « وإذا عرفت بالبرهان أنّ مفيض الوجود لا يكون إلاّ الواجب جلّ سلطانه ، وأنّ الإمكان بالفحص والبرهان علّة للاحتياج إلى الواجب بالذات لا إلى علّة ما مطلقا ، فاعلم أنّ سلسلة الممكنات المترتّبة إذا لوحظت باعتبار أنّ كلّ واحد واحد منها بحسب جوهر ذاته الممكنة مجعول الواجب بالذات ، تكون بهذا الاعتبار سلسلة عرضيّة ، وجميع آحاد تلك السلسلة متساوية في الفاقة والاستناد إليه جلّ شأنه ابتداء بلا واسطة ، وإذا لوحظت تلك السلسلة باعتبار أنّ بعضها مربوط ببعض آخر ومتوقّف عليه من حيث الشرطيّة والمشروطيّة والسببيّة والمسبّبيّة - بناء على أنّ بعضا لمّا كان ناقصا في حدّ ذاته بحيث يمتنع استناده إليه جلّ شأنه بدون الشروط والأسباب ، فيحتاج إلى الشروط والأسباب ليمكن له الاستناد إليه جلّ شأنه - تكون سلسلة طوليّة منتهية إليه تعالى بالضرورة البرهانيّة ، فالممكنات باعتبار السلسلة الطوليّة يختلف مراتب احتياجها إلى الواجب جلّ سلطانه ، فكلّ ما كان أبعد عن جنابه تعالى يكون احتياجه إليه جلّ شأنه أكثر ؛ لأنّه يحتاج إلى جنابه تعالى في إفاضة وجود نفسه وإفاضة وجود شرائطه وأسبابه ؛ لنقصانه عن أن يستند إليه جلّ شأنه بدون تلك الشروط والأسباب ، وكلّ ما كان أقرب يكون احتياجه أقلّ ؛ ولهذا قال بعض الأكابر من الحكماء : كلّما كان المعلول أبعد كان الفيض والخير أكثر ، وكلّما كان المعلول أقرب كان الفيض والخير أقلّ فالعقل الأوّل والنظام (2) الجملي يستندان إلى الواجب جلّ سلطانه بلا واسطة ، فلا يتصوّر سلسلة طوليّة بالقياس إليهما بل المتصوّر بالقياس إليهما هو السلسلة العرضيّة ، وبالقياس

ص: 95


1- « الكافي » 2 : 160 باب الجبر والقدر ... ح 13 ؛ « التوحيد » : 362 باب نفي الجبر والتفويض.
2- أي جميع ما سوى اللّه. ( منه رحمه اللّه ).

إلى ما عداهما يتصوّر السلسلة الطوليّة والعرضيّة جميعا.

ومن قال بهذه التحقيقات كالمحقّقين من الحكماء والمتكلّمين لو قال : إنّ بعض ممكن (1) علّة لبعض آخر ، فليس مراده إلاّ الشرطيّة والسببيّة ، لا أنّه يصحّ أن يكون ممكن علّة فاعليّة بالقياس إلى ممكن ، فلا يعترض عليه بما اعترض أبو البركات البغدادي ، وحاصل اعتراضه أنّ الحكماء يقولون تارة : لا مؤثّر في الوجود إلاّ اللّه ، وتارة : إنّ العقل الأوّل علّة للعقل الثاني فبين كلاميهم تدافع (2).

وأجاب عنه المصنّف بما حاصله : أنّ مرادهم بكون العقل الأوّل علّة للعقل الثاني ليس إلاّ السببيّة والمسبّبيّة ، والشرطيّة والمشروطيّة ، لا أنّ العقل الأوّل علّة مفيضة لوجود العقل الثاني ، والعقل الثاني يكتسب الوجود منه (3).

ومن قال بأنّ بعض الممكنات يفيض وجود بعض آخر كالعقل الأوّل للثاني لا يقول بأنّ الإمكان علّة الاحتياج إلى الواجب بالذات ابتداء ، بل علّة الانتهاء إلى الواجب بالذات ، بمعنى أنّ الممكن له احتياجان : احتياج إلى علّته القريبة ونحوها من الوسائط ، واحتياج إلى الواجب ، فليس شيء من الممكنات غنيّا عن الواجب » انتهى. وهو جيّد.

الثاني (4) - أي من جملة أنواع الاعتراضات للخصم وأدلّة المخالفين وحججهم على نفي القدرة - أنّ اتّصاف الواجب تعالى بالقدرة ممّا يقتضي صحّة الفعل والترك ، وكلّ ما هو كذلك فهو محال.

أمّا الصغرى فواضحة ؛ لأنّها من لوازم القدرة ، بمعنى كون الشخص بحيث إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، كما لا يخفى.

ص: 96


1- كذا ، والصحيح : « الممكنات ».
2- « المعتبر في الحكمة » 3 : 161 - 163 ؛ « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 249.
3- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 254 - 255.
4- مرّ الأوّل في ص 77.

وأمّا الكبرى ، فلأنّ صدور الأثر عن المؤثّر إمّا واجب ، أو ممتنع لا يخلو عن أحدهما قطّ ؛ لأنّ المؤثّر إن استجمع شرائط التأثير ، فصار علّة تامّة ، وجب صدور الأثر ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، وإن لم يستجمع كان ممتنعا ، فيكون إمكان الفعل والترك معا محالا ، ومستلزم المحال محال ، فالاتّصاف بالقدرة المستلزم للإمكان المحال محال ، فلا يمكن كونه تعالى قادرا.

وأشار المصنّف إلى جوابه بقوله : ( ويمكن عروض الوجوب والإمكان للأثر بالاعتبارين ) بمعنى أنّ الكبرى ممنوعة ؛ لمنع امتناع إمكان الفعل حتّى يكون الاتّصاف بالقدرة مستلزما للمحال ؛ فإنّ الأثر باعتبار ملاحظة القدرة وحدها وملاحظة ذات القادر من غير ملاحظة الإرادة ممكن ، كما أنّه ممكن بالذات ، فالشرطيّة الثانية ممنوعة ، فإنّ الأثر بشرط عدم الاستجماع للشرائط محال لا حال العدم ، بل هو حينئذ مع ملاحظة القدرة ممكن ، كما أنّه بالذات ممكن ، وباعتبار الإرادة على النحو الأصلح واجب ، وهذا وجوب بالاختيار ، والوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، بل يحقّقه ويدلّ على أنّ المؤثّر قادر مختار ؛ لأنّ القادر هو الذي يصحّ منه أن يفعل ويترك بأن يريد الفعل فيفعل على وجه الوجوب ، ويريد الترك ، أولا يريد الفعل فيترك وجوبا ، فالأثر يعرضه الوجوب والإمكان بالاعتبارين ، بل قد يعرضه الامتناع أيضا باعتبار اشتراط عدم الشرائط كما أشرنا إليه ، فلا يكون الاتّصاف بالقدرة مستلزما للمحال حتّى يكون محالا. هكذا قرّر الشارح القوشجي (1) والعلاّمة في شرح الكتاب (2) مع تفاوت ما.

وأورد عليه الفاضل الخفري (3) بأنّ الوجوب الناشئ من الإرادة التي هي عين الذات ينافي القدرة التي هي بمعنى صحّة الفعل والترك كما هو مراد المتكلّمين ؛ لأنّ

ص: 97


1- « شرح تجريد العقائد » : 310 - 311.
2- « كشف المراد » : 280 وما بعدها.
3- « حاشية الخفري على إلهيات شرح القوشجي » الورقة 5 ، مخطوط.

الإرادة إذا كانت عين الذات كانت لازمة لها ، فلا يمكن الترك.

نعم ، الوجوب بالاختيار والإرادة التي هي غير زائدة على الذات لا ينافي القدرة والاختيار والإرادة على تفسير الحكماء ، بمعنى إن شاء فعل ، وإن لم يشأ لم يفعل ، لكن شاء في الأزل ، ففعل فيه بالمشيئة القديمة التي هي غير زائدة على الذات ولا على العلم بالنظام الأعلى.

والحاصل : أنّ انفكاك العلّة التامّة عن المعلول في الزمان محال ، فكيف حكم بانفكاك إرادة الواجب تعالى - مع كونها غير زائدة على الذات - عن تعلّقها بالمراد في الزمان كما حكم به المتكلّمون ، فاللائق بهذا المقام إيراد تحقيق شاف كاف يوجب طرح ما قيل فيه خلف قاف (1).

أقول : الإرادة الموجبة للتأثير هي المشيئة الزائدة الحادثة لا ما هو عين الذات كما مرّت إليه الإشارة ، فترتفع المنافاة ، مضافا إلى ما يقال من أنّ المعلول هو الأمر الذي يتعلّق به العلم بالأصلح وهو الحادث في الوقت المعيّن ، لا القديم الأزلي حتّى يلزم وجوده في الأزل ، فيلزم قدم العالم حتّى على القول بكون الإرادة زائدة قديمة ؛ لأنّ الأصلح بحال المعلول هو الوجود الحدوثيّ لا الأزليّ مع جواز (2) كون الوجود الأزليّ ممتنعا كشريك البارئ ، فلا يصير متعلّق الإيجاد ؛ لنقص القابل لا الفاعل ، أو لاقتضاء تحقّق جزأي القدرة تعلّق المشيئة بالترك والعدم في الجملة ، فيصير ممتنعا بالعرض ، فلا يرد ما أورده جمال العلماء (3) من أنّ الوجود الأزليّ للممكن إذا كان ممتنعا بذاته ، فذاته لا بدّ أن يقتضي العدم ، فإن اقتضى العدم مطلقا ، فيجب أن يكون معدوما دائما ، وإلاّ يلزم الانقلاب. وإن اقتضى العدم في وقت ، فآل الأمر إلى مدخليّة الوقت ، فلا بدّ من القول بقدم الزمان ، وحينئذ فلا حاجة إلى التمسّك بما ذكر ؛ إذ

ص: 98


1- انتهى كلام الخفري.
2- هذا كلام أحد تلامذة السيد الداماد رحمه اللّه . انظر : « الحاشية على حاشية الخفري على الشرح الجديد » : 159 و 349.
3- هو الآقا جمال الخوانساري رحمه اللّه . انظر المصدر السابق : 159.

القول بقدم الزمان يكفي لتصحيح ربط الحادث بالقديم.

وقال شمس المحشّين : « وتقرير الدليل على وجه يكون كلام المصنّف جوابا له هو أنّ القدرة والاختيار على الفعل والأثر الذي هو المعلول فرع إمكان ذلك الأثر ، وإمكان ذلك الأثر محال ؛ لأنّ الأثر إمّا واجب الوجود أو ممتنع الوجود ؛ لأنّ الفاعل إمّا مستجمع لجميع شرائط التأثير ، أولا ، فإن كان مستجمعا لها فالأثر واجب الوجود ، وإن لم يكن مستجمعا لها كان الأثر ممتنع الوجود ، فلم يتحقّق إمكان الأثر حتّى تصحّ القدرة عليه.

وتقرير الجواب : أنّ الأثر ممكن بالنظر إلى ذاته ، وواجب بالنظر إلى استجماع شرائط الفاعل ، وممتنع بالنظر إلى عدم استجماع الشرائط ، والإمكان الذاتي لا ينافي الوجوب بالغير أو الامتناع بالغير ، والتنافي إنّما يكون بين الإمكان الذاتي والوجوب الذاتي والامتناع الذاتي.

وعلى ما قرّرنا لا وجه لقول الشارح (1) : « وهذا ما يقال : إنّ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار » ؛ لأنّ النافي للقدرة إنّما يكون دليله بالنظر إلى جانب المعلول ، فقول الشارح : « وهذا ما يقال أنّ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار » إنّما يناسب لجواب الدليل الثاني.

وأيضا : الإمكان في عبارة المصنّف منسوب إلى الأثر نفسه لا إلى صدور الأثر كما ذكره الشارح ، فتوجيه الشارح ليس بوجيه ، فتأمّل ».

الثالث : أنّ القدرة على الأثر - بمعنى التمكّن على فعله وتركه - إمّا حال وجود الأثر ، وحينئذ يجب وجوده ، فلا يتمكّن من الترك ؛ وإمّا حال عدمه ، فيجب عدمه ، فلا يتمكّن من الفعل ، فلا يتحقّق القدرة ، فلا يكون الصانع قادرا.

وأشار المصنّف إلى جوابه بقوله : ( ويمكن اجتماع القدرة على المستقبل مع

ص: 99


1- أي القوشجي. انظر : « شرح تجريد العقائد » : 311.

العدم في الحال ) بمعنى أنّ القدرة حال عدم الأثر ، لكنّها عبارة عن التمكّن على الفعل في ثاني الحال ، فلا ينافيه العدم في الحال ، بل يجتمع معه ؛ إذ القدرة حال عدم الأثر - لا بشرط العدم - على فعل الوجود في الاستقبال لا في الحال ؛ لامتناع اجتماع النقيضين ، وعلى تركه بإبقاء العدم على حاله.

والإيراد (1) - بأنّ الوجود في الاستقبال غير ممكن في الحال ؛ لأنّه مشروط بالاستقبال الممتنع في الحال ، وإذا كان كذلك ، فلا قدرة عليه في الحال ، وعند حصول الاستقبال يعود الكلام مدفوع بأنّ القدرة لا تتعلّق بالوجود في الاستقبال في الحال ، بل في الاستقبال ، بمعنى أنّ القدرة التي هي صفة الفاعل القادر - في الحال - الذي هو ظرف العدم - والوجود - الذي هو صفة المعلول والمقدور - في الاستقبال ، فلا يلزم نفي القدرة.

قال الفاضل اللاهيجي رحمه اللّه :

« وذكر المصنّف في نقد المحصّل (2) أنّ هذا الجواب لا يصحّ من قبل الأشعري ؛ لأنّ القدرة عنده مع الفعل لا قبله ، بل هذا الجواب إنّما هو جواب أصحابنا القائلين بتقدّم القدرة على الفعل »

ثمّ قال : « لكنّه فيه إشكالان :

أحدهما : أن يقال : إنّ التمكّن أمر إضافي ، والإضافة تستلزم تحقّق المضافين ، فلا يجوز ثبوت التمكّن الآن مع أنّ أحد المضافين ليس بمتحقّق الآن.

والجواب عنه : أنّا لا نسلّم أنّ هذا من الإضافات التي يمتنع تحقّقها إلاّ عند تحقّق المضافين ، ولم لا يجوز أن يكون التمكّن كالعلم ؛ فإنّه لا يفتقر إلى تحقّق المضافين ولذلك يعلم واحد منّا ما يقطع بأنّه لا تحقّق له ، وكالإرادة ؛ فإنّ الواحد منّا يريد ما لا يتحقّق بعد مع أنّ العلم لا يعقل إلاّ بين عالم ومعلوم ، والإرادة إلاّ بين مريد

ص: 100


1- هذا الإيراد ودفعه ذكره العلاّمة الحلّي قدس سره في « كشف المراد » : 282.
2- « نقد المحصّل » : 276 - 277.

ومراد؟ وهذا يدلّ على أنّ الإضافة المفتقرة إلى تحقّق المضافين نوع آخر أخصّ من هذا النوع وهو ما كان من باب الفوقيّة والتحتيّة ، وكون الشيء يمينا وشمالا ونحو ذلك.

والإشكال الثاني : أن يقال : إذا أجزتم حصول التمكّن الآن لا من أمر يقع الآن بل من أمر يقع في ثاني الحال ، فأجيزوا سبق العلّة على معلولها بالزمان ؛ لأنّ كليهما يشتركان في أنّ كلّ واحد منهما مؤثّر وفاعل.

والجواب : أنّ هذا قياس بجامع المشترك وهو المؤثّريّة ، وهو غير مفيد ، لجواز أن تكون خصوصيّة الإيجاب فارقة بين الموضعين هذا ، فتأمّل.

فإن قيل : الأولى أن يجاب عن هذا الدليل بما أجاب به عن الدليل الأوّل ؛ فإنّ وجوب وجود الأثر بالإرادة في حال الوجود لا ينافي إمكان الترك بالنظر إلى ذات القادر ؛ فإنّ التمكّن من الفعل والترك إنّما يكون بالنظر إلى ذات القادر من حيث هو قادر ، وهذا يتحقّق في كلتا حالتي الوجود والعدم.

وأمّا جواب المصنّف ، فيرد عليه أنّ ثاني الحال لا يخلو عن وجود الفعل وعدمه ، فيعود السؤال على التقديرين ، فلا تتحقّق القدرة على المستقبل ، ويحتاج إلى الجواب المذكور.

قلنا : الدليل الأوّل كان باعتبار منافاة الوجوب مع الإمكان بمعنى التساوي في الطرفين ، فيكفي في دفعه كونهما باعتبارين.

وأمّا السؤال الثاني ، فهو باعتبار منافاة الوجوب مع الإمكان الوقوعي ؛ فإنّ التمكّن بنفسه متضمّن للإمكان الوقوعي ، ولا تندفع هذه المنافاة بكونها من اعتبارين ؛ فإنّ اجتماع النقيضين - أعني الوقوع واللاوقوع - لا يمكن أن يتصحّح بحيثيّتين تعليليّتين.

وأمّا على ثاني الحال لا يخلو عن وجود الفعل وعدمه فغير ضائر ؛ لأنّ شيئا منهما ليس بمتعيّن في الحال لا بالنظر إلى القدرة - وهو ظاهر - ولا بحسب الإرادة ؛

ص: 101

لإمكان تغيّرها في ثاني الحال ، فيمكن تحقّق التمكّن في الحال من كلّ منهما في ثاني الحال.

( وانتفاء الفعل ليس فعل الضدّ ) جواب عن ثالث.

تقريره : أنّ القادر على وجود الشيء يكون قادرا على عدمه أيضا ، لكنّ القدرة على العدم باطلة ؛ لأنّه نفي محض لا يصلح أثرا للمؤثّر ، ولأنّه في الأصل أزليّ ولا شيء من الأزليّ بمتعلّق للقدرة بالمعنى المتنازع فيه.

وتقرير الجواب : أنّ متعلّق القدرة هو انتفاء الفعل وهو يتحقّق بأن لا يفعل الفعل ، لا بأن يفعل العدم والنفي.

وتفصيله : أنّ المستدلّ إن أراد بقوله : « إنّ القادر على وجود الشيء قادر على عدمه أيضا » أنّه قادر على فعل العدم ، فهو ممنوع ، ومفهوم القدرة لا يستلزمه. وإن أراد أنّه قادر على أن لا يفعل ، فهو مسلّم ، وبطلان اللازم ممنوع ؛ لأنّ انتفاء الفعل لا يستلزم فعل الضدّ حتّى يبطل بالوجهين ، والعدم الأزليّ مقدور بهذا المعنى أي بأن لا يفعل الفعل فيستمرّ العدم ، أو يفعله فيزول.

وأيضا العدم لا يصلح أثرا للوجود ، لكنّه أثر للعدم بمعنى الاستتباع ؛ فإنّ عدم المعلول يترتّب على عدم العلّة على ما مرّ سابقا ، وهاهنا عدم الفعل يترتّب على عدم المشيّة ، فهو أثر للقدرة بهذا المعنى.

هذا ، وأورد على الدليل أنّه إذا لم يكن العدم أثرا للغير ، يلزم أن يكون عدم الحوادث لذواتها ، فيلزم امتناعها حال عدمها وانقلابها حال وجودها ، وأن لا ينعدم شيء من الموجودات الممكنة ؛ لاستحالة انعدامها بالذات بالضرورة ، وبالغير أيضا ؛ لما ذكره ، وأن يكون الممكن القديم واجب الوجود لذاته ؛ إذ لا يجوز عدمها بالغير ؛ لما ذكره ، ولا بالذات ؛ لكونه ممكنا ، فيلزم تعدّد الواجب على الحكماء.

وقد يدفع هذا الأخير بأنّ عدم جواز العدم عليها ليس نظرا إلى ذواتها ، بل لكون العدم غير صالح للتأثير وهو خارج عن ماهيات الممكنات ، فلا يلزم وجوبها

ص: 102

بالذات ، ويمكن بذلك دفع الأوّل أيضا ، كما لا يخفى.

واعلم أنّ أصل هذا الدليل شبهة حكاها الإمام في المحصّل (1) ولم يجب عنها ومحصولها : أنّ قول المتكلّمين : القادر هو الذي يجب أن يكون متردّدا بين الفعل والترك ، إنّما يصحّ لو كان الفعل والترك مقدورين له ، لكنّ الترك محال أن يكون مقدورا ؛ لأنّ الترك عدم والعدم نفي ، ولا فرق بين قولنا : لم يؤثّر أثرا ، وبين قولنا : أثّر تأثيرا عدميا. ولأنّ قولنا : « ما أوجد » أنّه بقي على العدم الأصلي ، وإذا كان العدم الحالي هو العدم الذي كان ، استحال استناده إلى القادر ؛ لأنّ تحصيل الحاصل محال ، فثبت أنّ الترك غير مقدور ، وإذا كان كذلك استحال أن يقال : إنّ القادر هو الذي يكون متردّدا بين الفعل والترك.

وأجاب عنه المصنّف في النقد (2) بأن قال : لم لا يجوز أن يكون في الوجود حقيقة متمكّنة من أن يفعل الفعل في الثاني ، ومن أن لا يفعل الفعل في الثاني؟

فأمّا الإشكال الأوّل - وهو قوله : لا فرق بين قولنا : لم يؤثّر ، وبين قولنا : أثّر - فليس بلازم ؛ لأنّ بينهما فرقا معقولا كالفرق بين قولنا : لم يعلم وبين قولنا : علم لا ، فإنّا نعلم بالضرورة العدم المقيّد والعدم المطلق ، وكلاهما عدم ، وليس مفهوم قولنا : لا يعلم هو مفهوم قولنا : علم العدم ؛ لأنّ قولنا : لا يعلم قضيّة صادقة على الجماد والمعدوم وكلّ ما لا يعلم ، وقولنا : يعلم العدم لا يصدق على ذلك.

وكذلك يعقل الفرق بين قولنا : لا يجب وبين قولنا : يجب لا ؛ فإنّ الجسم لا يجب وجوده وهو قضيّة صادقة ، ولا تصدق الأخرى وهي قولنا : يجب لا وجوده ؛ لأنّه لو وجب « لا وجوده » ، لما وجدت الأجسام.

وأمّا الإشكال الثاني - وهو قولنا : ما أوجد معناه أنّه بقي على العدم الأصليّ - فالجواب عنه أنّ هذا الكلام إمّا أن يفرض في البارئ تعالى ، أو فينا.

ص: 103


1- « نقد المحصّل » : 377 - 378.
2- « نقد المحصّل » : 276.

فإن فرض في البارئ تعالى ، فإمّا أن يفرض فيه قبل أن خلق العالم والزمان ، أو بعد أن خلق العالم والزمان ، فإن فرض قبل الخلق ، فليس قبل خلق العالم أمر يستمرّ ويتصرّم أوّلا فأوّلا ليصدق عليه أنّه كاستمرار بقاء الجسم ودوامه ، فكما أنّ الاستمرار الوجودي لا يتعلّق به القدرة ، فكذلك الاستمرار العدميّ ، فقد بطل على هذا الفرض ما ابتنى عليه الإشكال.

وإن فرض الكلام فينا ، أو في البارئ تعالى بعد خلق العالم والزمان ، فالجواب أنّ العدم مستمرّ بحسب استمرار الزمان حالا فحالا ، ونحن لا نقول : إنّه متمكّن من العدم الحالي ، كما لا نقول في طرف الوجود : إنّه متمكّن من الوجود الحالي ، بل كما قلنا في طرف الوجود : إنّه متمكّن الآن من الإيجاد في الثاني ، كذلك نقول في طرف العدم : إنّه الآن متمكّن من أن لا يوجد في الثاني ، وعدم الفعل في الثاني ليس هو العدم الحاصل الآن ليلزم من قولنا : « إنّه متمكّن منه » أن نقول بتحصيل الحاصل ، بل هو عدم غير العدم الحالي ، فقد بان أنّ الإشكال مندفع على كلا الفرضين ، هذا.

ثمّ إنّ الإمام حكى شبهة أخرى (1) ، ومحصولها : أنّ البارئ لو كان قادرا لكانت قادريّته إمّا أن تكون أزليّة ، أو لا تكون.

والأوّل محال ؛ لأنّ التمكّن من التأثير يستدعي صحّة الأثر لكن لا صحّة في الأزل ؛ لأنّ الأزل عبارة عن نفي الأوّليّة ، والحادث ما يكون مسبوقا بغيره ، والجمع بينهما محال.

والثاني أيضا محال ؛ لأنّ قادريّته إذا لم تكن أزليّة ، كانت حادثة ، فافتقرت إلى مؤثّر ، فإن كان المؤثّر مختارا ، عاد البحث كما كان. وإن كان موجبا ، كان المبدأ الأوّل موجبا.

ص: 104


1- راجع « المحصّل » : 378 - 380.

وأجاب عنهما الناقد البارع (1) - قدس سره - بأنّ هذه الشبهة مبنيّة على كون توهّم الأزل حالة معيّنة منفصلة عن الحالة الأخرى المسمّاة « لا يزال » ، وهذا توهّم فاسد ؛ فإنّه ليس الأزل حالة معيّنة يمتنع فيها الفعل ، ولا « لا يزال » حالة أخرى يصحّ فيها الفعل ، والمعقول من الأزل انتفاء الأوّليّة فقط ، وإذا كان كذلك ، فمعنى قولنا : إنّ البارئ سبحانه لم يزل قادرا - إن توهّمنا العدم مستمرّا قبل خلق العالم - أنّه لا حال من الأحوال فيما مضى إلاّ ويصدق عليه فيها أنّه قادر على أن يفعل ، وهذه القضيّة لا يناقضها قولنا : العالم مستحيل أن يكون قديما ؛ لأنّه لا منافاة بين قولنا : الحادث الذي له كون زماني يجوز تقديم حدوثه على وقت حدوثه ، ولا يقف هذا التقديم على المحكوم بجوازه على أوّل ينقطع هذا الحكم عنده ، ويقال : إنّه قبل هذا الأوّل بلحظة لا يجوز حدوثه فيه ، وبين قولنا : الحادث الذي له كون زمانيّ يستحيل أن يكون قديما ؛ لأنّه لو كان قديما ، لاجتمع له أنّه قديم ، وأنّ له كونا زمانيّا ، وذلك متناقض.

وإنّما قلنا : إنّه لا منافاة بين القولين ؛ لأنّهما قد صدقا معا ، فلو كان بينهما منافاة لم يصدقا ، فقد بان أنّه لا منافاة ولا مناقصة بين قولنا : لم يزل البارئ تعالى قادرا ، وبين قولنا : الحادث لا يصحّ أن يكون قديما.

وإن بني الكلام على بطلان توهّم كون العدم قبل العالم مستمرّا ، كان الجواب عن الشبهة أسهل ؛ لأنّه يكون معنى قولنا : البارئ تعالى لم يزل قادرا أنّ من لوازم ذاته المقدّسة صحّة أن يفعل ، ومضمون قولنا : « صحّة أن يفعل » أن يحدث ، ولا يلزم من قولنا : هذه الذات لها لازم - وهو صحّة أن يحدث - أن يكون لها لازم آخر ، وهو أن يخلق القديم ؛ لأنّ القديم لا يخلق ، فإذا قيل لنا : هذا قادريّته أزليّة أم لا؟ قلنا للسائل : أتعني أنّ ذاته من لوازمها - التي لا تنفكّ عنها كما لا تنفكّ الثلاثة عن

ص: 105


1- راجع « نقد المحصّل » : 274 - 277.

الفرديّة - أن يتمكّن من أن يفعل ، أم تعني به أنّ من لوازمها أن تجمع بين الشيء ونقيضه؟

فإن قال : سألتكم عن الثاني ، قيل له : الجواب لا ؛ إذ ليس من لوازمها أمر يستحيل عقلا ، فليس معنى قولنا : إنّها لم تزل قادرة أنّها تتمكّن من جعل ما لا يتصوّر أن يكون قديما قديما.

وإن قال : سألتكم عن الأوّل ، قيل له : نعم ، هي ذات من لوازمها صحّة أن يفعل ، لكن لا يصدق مسمّى أن يفعل إلاّ مع الحدوث ، فإذن هي مستلزمة لأمر لا يعقل إلاّ مع الحدوث ، فلا يلزم أن يستلزم أمرا غير ذلك يناقض الحدوث انتهى. (1)

[ في عموم قدرته تعالى ]

ولمّا أثبت قادريّته تعالى أشار إلى إثبات أنّ قدرته شاملة لجميع الممكنات ، فقال : ( وعموميّة العلّة ) أي علّة المقدوريّة وهي الإمكان ؛ لأنّه علّة الحاجة إلى المؤثّر ، وهو إمّا موجب أو قادر ، ويجب انتهاء كلّ منهما إلى المؤثّر القادر ، على ما مرّ ، فكلّ ممكن فهو ممكن الصدور عن المؤثّر مطلقا ، وكلّ ممكن الصدور عن المؤثّر مطلقا ، فهو ممكن الصدور عن المؤثّر القادر الذي ينتهي إليه كلّ مؤثّر من حيث هو قادر أعني نظرا إلى مجرّد قدرته وإن كان قد يمتنع نظرا إلى إرادته وعلمه بنظام الخير ، وهو - أعني الإمكان - عامّ للممكنات ، فعموميّته ( تستلزم عموميّة الصّفة ) أي المقدوريّة بالمعنى المذكور ، فجميع الممكنات مقدورة له تعالى بالمعنى المذكور وهو المطلوب.

واستدلّ على عموم قدرته تعالى في المشهور - على ما في المواقف (2) وشرحه - بأنّ المقتضي للقدرة هو الذات ؛ لوجوب استناد صفاته إلى ذاته ، والمصحّح

ص: 106


1- كلام المحقّق الطوسيّ الذي نقله اللاهيجي عنه بشيء من التصرّف.
2- « شرح المواقف » 8 : 60.

للمقدوريّة هو الإمكان ؛ لأنّ الوجوب والامتناع يحيلان المقدوريّة ، ونسبة الذات إلى جميع الممكنات على السواء ، فإذا ثبتت قدرته على بعضها ثبتت على كلّها ، وذلك بناء على أنّ المعدوم ليس بشيء ، وإنّما هو نفي محض لا امتياز فيه أصلا ، ولا تخصيص ليتصوّر اختلاف في نسبة الذات إلى المعدومات بوجه من الوجوه خلافا للمعتزلة ، وعلى أنّ المعدوم لا مادّة له ولا صورة خلافا للحكماء ، وإلاّ لم يمتنع اختصاص البعض بمقدوريّته تعالى دون بعض كما يقوله الخصم.

فعلى قاعدة الاعتزال جاز أن يكون خصوصيّة بعض المعدومات الثابتة المتميّزة مانعة من تعلّق القدرة به.

وعلى قانون الحكماء جاز أن تستعدّ المادّة لحدوث ممكن دون آخر ، وعلى التقديرين لا تكون نسبة الذات إلى جميع الممكنات على السواء.

ولا بدّ أيضا من تجانس الأجسام ؛ لتركّبها من الجواهر المفردة المتماثلة ، الحقيقيّة ليكون اختصاصها ببعض الأعراض لإرادة الفاعل المختار ؛ إذ مع تخالفها جاز أن يكون ذلك الاختصاص لذواتها ، فلا قدرة على إيجاد لبعض آخر منها.

وهذا الاستدلال ضعيف ؛ لأنّ نفي شيئيّة المعدوم في الخارج لا يستلزم نفي التمايز عن المعدومات مطلقا ؛ ضرورة أنّ لمفهوم العدم أفرادا متمايزة عند العقل يختصّ كلّ منها بأحكام مخصوصة صادقة في نفس الأمر ؛ فإنّ عدم العلّة موجب لعدم المعلول من غير عكس ، وعدم الشرط مناف لوجود المشروط ، وعدم المشروط لا ينافي وجود الشرط إلى غير ذلك ، على ما مرّ في مباحث الأمور العامّة.

وأيضا لامكان مجال المناقشة على قواعد الحكماء ، فالأولى هو التمسّك بالنصوص الدالّة على شمول قدرته تعالى ، كقوله : ( وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (1)

ص: 107


1- البقرة (2) : 284 ؛ آل عمران (3) : 29 و 189 ؛ المائدة (5) : 19 و 40 ؛ الأنفال (8) : 41 ؛ التوبة (9) : 39 ؛ الحشر (59) : 6.

وأمثال ذلك كذا في شرح المقاصد. (1)

ثمّ إنّ الشارح العلاّمة - رحمه اللّه - حمل كلام المصنّف هاهنا على اختيار مذهب الأشاعرة والإشارة إلى الاستدلال المذكور ، فقال : « يريد بيان أنّه تعالى قادر على كلّ شيء وهو مذهب الأشاعرة ، وخالف أكثر (2) الناس في ذلك - ثمّ ذكر مقالاتهم ، ثمّ قال - : وهذه المقالات كلّها باطلة ؛ لأنّ المقتضي لتعلّق القدرة بالمقدور إنّما هو الإمكان ؛ إذ مع الوجوب والامتناع لا تعلّق ، والإمكان مساو في الجميع ، فثبت الحكم وهو صحّة التعلّق. وإلى هذا أشار المصنّف بقوله : « وعموميّة العلّة » أي الإمكان « تستلزم عموميّة الصفة » أي القدرة. انتهى. (3)

وأنا أقول : إنّ هاهنا مقامين :

أحدهما : أنّ اللّه تعالى قادر على كلّ ممكن سواء تعلّقت به القدرة فوجد ، أم لا فلم يوجد ، أو وجد بقدرة مخلوق. وهذا هو الذي حملنا كلام المصنّف عليه. والقول بعموم القدرة بهذا المعنى غير مختصّ بالأشاعرة ، بل أكثر الملّيين قائلون به كما ستعلم عن قريب إن شاء اللّه.

والثاني : أنّه تعالى قادر على كلّ مقدور. وهذا أخصّ من الأوّل ؛ لجواز أن يكون من الممكن ما ليس بموجود فضلا عن أن يكون مقدورا لقادر.

وهذا المقام الثاني قد يفسّر بأنّ كلّ ما يوجد من الممكنات فهو معلول له تعالى بالذات ، أو بالواسطة ، وهذا ممّا لا نزاع فيه لأحد من القائلين بوحدة الواجب ، وإنّما الخلاف في كيفيّة الاستناد ووجود الوسائط وتفاصيلها ، وأنّ كلّ ممكن إلى أيّ

ص: 108


1- « شرح المقاصد » 4 : 101.
2- وهي الفلاسفة ، قالوا : إنّ اللّه قادر على شيء واحد. والمجوس ذهبوا إلى أنّ الخير من اللّه والشرّ من الشيطان ، والثنويّة إلى أنّ الخير من النور والشرّ من الظلمة ، والنّظام إلى أنّ اللّه لا يقدر على مثل مقدور العبد ، والجبائيان إلى أنّه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد. ( منه رحمه اللّه ).
3- أي كلام العلاّمة قدس سره في « كشف المراد » : 283.

ممكن يستند حتّى ينتهي إلى الواجب.

وقد يفسّر بأنّ ما سوى اللّه من الموجودات واقع بقدرته وإرادته ابتداء ، وهذا هو بعينه مذهب الأشاعرة. وظاهر أنّ ذلك ليس بمختار عند المصنّف ، فلا وجه لحمل كلام المصنّف على مذهب الأشاعرة.

والشارح القديم أيضا حمل (1) كلام المصنّف على الاستدلال المشهور بحمل العلّة على المصحّح لا الموجب ، ولذلك علّل كون علّة المقدوريّة هو الإمكان بأنّ الوجوب والامتناع يحيلان المقدوريّة. وكذا العلاّمة (2) - رحمه اللّه - حيث علّل بأنّه مع الوجوب والامتناع لا تعلّق. وأمّا نحن ، فإنّا حملنا العلّة على الموجب ؛ لما ذكرنا من ضعف الدليل المذكور ، كيف؟ ومجرّد وجود المقتضي والمصحّح غير كاف بدون وجود الشرط وعدم المانع ، فيجوز اختصاص بعض الممكنات بشرط لتعلق القدرة ، أو بمانع عنه.

وأمّا الشارح القوشجي فهو أيضا حمل العلّة على الموجب (3) كما حملناها عليه ، لكن لم يتفطّن بوجه الاستدلال ، فأورد عليه أنّا لا نسلّم أنّ الإمكان هو علّة المقدوريّة ، بل هو علّة الحاجة إلى المؤثّر ، والمؤثّر إمّا موجب أو قادر ، هذا.

واعلم : أنّ المنكرين لعموم قدرته تعالى في المقام الأوّل طوائف :

فمنهم الثنويّة القائلون (4) بأنّ للعالم إلهين : نورا هو مبدأ الخيرات ، وظلمة هو مبدأ الشرور ، وكذا المجوس القائلون بأنّ مبدأ الخيرات هو « يزدان » ومبدأ الشرور هو

ص: 109


1- لم نعثر على شرحه.
2- « كشف المراد » : 283.
3- « شرح تجريد العقائد » : 311.
4- للتعرّف على أقوال الثنوية والمجوس وأجوبتها راجع « الملل والنحل » 1 : 232 - 233 ؛ « نقد المحصّل » : 300 ؛ « كشف المراد » : 283 - 284 ؛ « أنوار الملكوت » : 90 ؛ « مناهج اليقين » : 222 - 223 ؛ « شرح المواقف » 8 : 62 - 63 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 102 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 312 ؛ « شرح المنظومة » : 153 - 155.

« أهر من » وحاصل شبهتهم أنّ في العالم خيرات وشرورا ، فلو كان مبدأ الخير والشرّ واحدا ، لزم كون الواحد خيّرا وشرّيرا وهو محال.

والجواب - على ما في كتب القوم - هو منع اللزوم إن أريد بالخيّر من غلب خيره ، وبالشّرير من غلب شرّه ، ومنع استحالة اللازم إن أريد خالق الخير وخالق الشرّ في الجملة ، غاية الأمر أنّه لا يصحّ إطلاق الشرّير عليه تعالى ؛ لظهوره فيمن غلب شرّه ، أو لعدم التوقيف من الشرع.

وهذا الجواب لا يحسم مادّة الشبهة ؛ إذ لهم أن يقرّروها بأنّ اللّه تعالى صرف الوجود ومحض الخيريّة ، فيمتنع أن يصدر عنه الشرّ الذي مناطه ليس إلاّ العدم على ما تقرّر في موضعه سواء كان الشرّ غالبا أو مغلوبا ؛ لامتناع صدور العدم وفيضانه من الوجود.

بل حقّ الجواب أن يقال : إنّ الشرور الذاتيّة - أعني الأعدام بما هي أعدام - لا تستدعي علّة موجودة ، بل علّتها عدم الوجود كما تقرّر في محلّه.

وأمّا التي هي شرور بالعرض - كمصادفة النار للثوب والقاطع للعضو - فهي من حيث كونها شرورا صادرة عن المبدأ الموجود الذي هو صرف الوجود بالعرض لا بالذات والمحال هو صدور الشرّ عن الخير المحض بالذات لا بالعرض ، هذا.

ونقل عن أرسطو (1) في دفع شبهة الثنويّة أنّ الأشياء على خمسة احتمالات : ما لا خير فيه ، وما لا شرّ فيه ، وما يتساويان فيه ، وما خيره غالب ، وما شرّه غالب. وذات الواجب بالذات لمّا لم يمكن أن يصير مبدأ للشرور وجب أن لا يصدر عنه إلاّ قسمان من هذه الأقسام ، أي ما لا شرّ فيه ، وما خيريّته غالبة ؛ لأنّ ترك الخير

ص: 110


1- راجع « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 319 - 324 ؛ « القبسات » : 432 - 443 ؛ « الأسفار الأربعة » 7 : 68 - 70 ؛ « شرح المنظومة » : 153 - 155.

الكثير لأجل الشرّ القليل شرّ كثير ، وأنّه قد تفاخر بذلك.

وتحقيقه ما ذكرنا ، وإلاّ لورد عليه أنّ صدور الشرّ عن الخير المحض إذا كان ممتنعا فسواء في ذلك قليله وكثيره. وأمّا إذا قلنا بامتناع الصدور بالذات دون بالعرض ، فيتفاوت القليل والكثير في ذلك ؛ لامتناع أن يكون ما بالعرض زائدا على ما بالذات ، أو مساويا له ، فليتدبّر.

ثمّ إنّ المذكور في حكمة الإشراق وشرحه (1) أنّ القول بالنور والظلمة كان طريقة أهل الإشراق من حكماء الفرس ، وهو رمز على الوجوب والإمكان ، لا أنّ المبدأ الأوّل اثنان : أحدهما نور ، والآخر ظلمة ؛ لأنّ هذا لا يقوله عاقل فضلا عن فضلاء فارس الخائضين غمرات العلوم الحقيقيّة ، ولهذا قال النبيّ - صلی اللّه علیه و آله - في مدحهم : لو كان الدين بالثريّا ، لتناولته رجال من فارس (2). وأنّ هذا الذي يقوله حكماء الفرس ليس قاعدة كفرة المجوس القائلين بظاهر النور والظلمة ، وأنّهما مبدءان أوّلان ؛ لأنّهم مشركون لا موحّدون. وليس أيضا الحادماني البابلي الذي كان نصرانيّ الدين ، مجوس الطين ، وإليه ينسب الثنويّة القائلون بإلهين : أحدهما إله الخير وخالقه ، والآخر إله الشرّ وخالقه ، هذا.

ومنهم في المشهور (3) : الفلاسفة القائلون بامتناع أن يصدر عن الواحد إلاّ الواحد. وقد مرّ في مباحث الأمور العامّة.

وأمّا ما قيل أنّهم أنكروا أصل القدرة (4) ، فلا معنى لعدّهم من منكري عمومها ،

ص: 111


1- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 11 ؛ « شرح حكمة الإشراق » لقطب الدين الشيرازي : 18 - 19 ؛ « شرح حكمة الإشراق » للشهرزوري : 22 - 24.
2- « قرب الإسناد » : 109 ، ح 377 ؛ « حلية الأولياء » 6 : 64.
3- أي المشهور بين المتكلّمين. راجع « المحصّل » : 417 ؛ « كشف المراد » : 283 ؛ « مناهج اليقين » : 162 ؛ « شرح المواقف » 8 : 61 ؛ « إرشاد الطالبين » : 187.
4- هو ظاهر كلام بعض المتكلّمين - راجع « المحصّل » : 372 وما بعدها ؛ « نقد المحصّل » : 269 ؛ « إرشاد الطالبين » : 182 وما بعدها ؛ « مناهج اليقين » : 161 ؛ « شرح المواقف » 8 : 49 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 96.

ففساده ظاهر ممّا مرّ إلاّ أن يكون مراده أنّهم منكرون للقدرة بالمعنى المتنازع فيه ، فليتأمّل.

وإنّما قلنا : « في المشهور » لأنّ التحقيق أنّ الحكماء وإن قالوا بالوسائط ، لكن لا مؤثّر عندهم في الحقيقة إلاّ اللّه ، والوسائط ليست إلاّ جهات الصدور والتأثير ، لا مؤثّرة بالاستقلال.

وناهيك في ذلك كلام بهمنيار في التحصيل حيث قال : فإن سألت الحقّ فلا يصحّ أن يكون علّة الوجود إلاّ ما هو بريء من كلّ الوجه من معنى ما بالقوّة وهذا هو صفة الأوّل تعالى لا غير ؛ إذ لو كان مفيدا لوجود ما فيه معنى ما بالقوّة سواء كان عقلا أو جسما كان للعدم شركة في إفادة الوجود ، وكان لما بالقوّة شركة في إخراج الشيء من القوّة إلى الفعل (1). انتهى.

وتحقيقه أنّ كلّ ممكن زوج تركيبيّ مشتمل على ما بالقوّة ولو بحسب الذات فقط ، وهو الذي له من جهة ذاته ، وعلى ما بالفعل ، وهو الذي له من جهة مبدئه الحقيقي ، فما يصدر منه إنّما يصدر من الجهة التي هي له من المبدأ ، لا من الجهة التي هي له من ذاته ؛ فإنّ ما له من ذاته ليس إلاّ العدم والقوّة ، فلو صدر عنه من هذه الجهة شيء لزم كون العدم والقوّة مؤثّرا في الوجود والفعليّة ، هذا.

ومنهم : النظّام (2) وأتباعه القائلون بأنّه لا يقدر على خلق القبائح ؛ لإفضائه إلى الجهل والسفه ، تعالى عن ذلك.

ومنهم : القائل (3) بأنّه لا يقدر على ما علم أنّه لا يقع ؛ لاستحالة وقوعه ، وكذا

ص: 112


1- « التحصيل » : 521 - 522.
2- « مقالات الإسلاميّين » 2 : 232 ؛ « الملل والنحل » 1 : 54 ؛ « المحصّل » : 418 ؛ « كشف المراد » : 183 ؛ « مناهج اليقين » : 162 ؛ « أنوار الملكوت » : 89 ؛ « شرح المواقف » 8 : 63 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 102 ؛ « إرشاد الطالبين » : 188.
3- القائل هو معمّر بن عبّاد السلميّ على ما في « شرح المقاصد » 4 : 103 ، أو عبّاد بن سليمان الصيمريّ على ما في غيره. انظر : « مقالات الإسلاميّين » 1 : 277 ؛ « المحصّل » : 419 ؛ « مناهج اليقين » : 163 ؛ « أنوار الملكوت » : 90.

ما علم أنّه يقع ؛ لوجوبه.

ومنهم : الكعبي (1) وأتباعه القائلون بأنّه لا يقدر على مثل مقدور العبد حتّى لو حرّك جوهرا إلى حيّز وحرّكه العبد إلى ذلك الحيّز ، لم تتماثل الحركتان ؛ وذلك لأنّ فعل العبد إمّا عبث أو سفه أو طاعة ، بخلاف فعل الربّ.

ومنهم : الجبائيان (2) وأتباعهما القائلون بأنّه لا يقدر على عين مقدور العبد ، وإلاّ لزم إمكان وقوع الفعل والترك معا في وقت واحد إذا اختلفا فيهما ، وإمكان وقوع واحد بمؤثّرين مستقلّين إذا اتّفقا في أحدهما.

والجواب عن الكلّ - بعد شبهة الثنويّة والمجوس وتحقيق مذهب الحكماء - هو أنّ شيئا ممّا تمسّكتم به - على تقدير تمامه - لا يدلّ على امتناع الصدور نظرا إلى مجرّد القدرة كما هو المطلوب على ما مرّ ، غاية ما في ذلك إنّما هو امتناع الصدور لمانع ، فلا ينافي إمكانه من حيث هو ، هذا.

وأمّا منكر عموم القدرة في المقام الثاني بحسب التفسير الثاني بعد الثنويّة والمجوس ، فالمعتزلة القائلون باستناد أفعال العباد إليهم ، والحكماء القائلون بوجوب الوسائط في صدور الكثرة عنه تعالى » (3).

المسألة الثانية : في الصفة الثانية
اشارة

الثابتة لواجب الوجود بالذات الصانع للممكنات ، أعني علمه تعالى بالذات وبالمعلولات في مقام الذات.

ص: 113


1- هو أبو القاسم البلخيّ المعروف بالكعبيّ. راجع « المحصّل » : 420 ؛ « كشف المراد » : 283 ؛ « مناهج اليقين » : 163 ؛ « أنوار الملكوت » : 91 ؛ « شرح المواقف » 8 : 63 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 103 ؛ « إرشاد الطالبين » :1. 192.
2- « المحصّل » : 420 ؛ « كشف المراد » : 283 ؛ « مناهج اليقين » : 164 ؛ « أنوار الملكوت » : 88 ؛ « شرح المواقف » 8 : 64 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 102.
3- « شوارق الإلهام » : 505 - 509 ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.

اعلم أوّلا : أنّ العلم من الكيفيّات النفسانيّة المختصّة بذوات الأنفس الحيوانيّة ، بمعنى أنّها تكون من بين الأجسام للحيوان دون النبات والجماد ، فلا ينافي ثبوت بعضها لبعض المجرّدات كالعقول.

والكيفيّة إن كانت راسخة سمّيت ملكة. وإن كانت غير راسخة سمّيت حالا.

والعلم قد يطلق ويراد منه الصورة الحاصلة في الذهن ، وهي إن كانت إذعانا وقبولا للنسبة تسمّى تصديقا ، وإلاّ تصوّرا. والتصديق إن كان مع تجويز نقيضه يسمّى ظنّا ، وإلاّ يسمّى جزما واعتقادا. والجزم إن لم يكن مطابقا للواقع يسمّى جهلا مركّبا ، وإن كان مطابقا له ، فإن كان ثابتا - أي ممتنع الزوال بالتشكيك - يسمّى يقينا - ولو كان في النظريّات ؛ فإنّها أيضا لا تزول بالتشكيك بعد حصولها ولو حصل الغفلة عن مبادئها كما في المسائل الحسابيّة ؛ فإنّها إذا تيقّن بها عن مبادئها التي لا شبهة فيها ، لم يتطرّق إليها شكّ وإن غفل عن خصوص تلك المبادئ ، فلا يلزم انحصار العلم اليقيني في الضروريّات - وإلاّ يسمّى تقليدا.

وقد يطلق ويراد به اليقين فقط.

وقد يطلق ويراد به ما يتناول اليقين والتصوّر مطلقا. وفسّر العلم بهذا المعنى بأنّه صفة توجب لمحلّها تميّزا لا يحتمل متعلّق ذلك التميّز نقيض ذلك التميّز ، والصفة ما يقوم بغيره ، فيتناول العلم وغيره.

وبتقييدها بكونها موجبة لتمييز محلّها - الذي هو النفس - بشيء يخرج غير العلم من الصفات التي لا توجب التمييز ، بل توجب تميّز محلّها عن غيره كالقدرة ؛ فإنّها توجب تميّز محلّها عن العاجز لا تميّزه بشيء ، بخلاف العلم ؛ فإنّه يوجبهما معا.

وقيد « عدم احتمال متعلّق ذلك التميّز نقيضه » مخرج الصفات الإدراكيّة التي توجب التمييز مع احتمال متعلّقه نقيضه كالظنّ والجهل المركّب والتقليد ؛ فإنّا إذا قلنا : « زيد قائم » فقد حصل لنا تمييز متعلّق بنسبة القيام إلى زيد يحتمل السلب ، بمعنى أنّا لو أخطرنا هذا السلب بالبال ، فجوّزناه في الحال ، وفي صورة الجهل

ص: 114

المركّب والتقليد وإن لم نجوّزه في الحال ، لكن يمكن أن يظهر أمر يوجب أن يسلب القيام عن زيد ، فلم يبق في الحدّ من التصديقات إلاّ التصديق الجازم المطابق الثابت أعني اليقين ، وتناوله للتصوّرات بأسرها بناء على أنّها لا نقيض لها.

واعترض (1) على هذا الحدّ بأنّه يوجب أن لا يكون التصديق - أعني النفي والإثبات - علما ، بل ما يوجبهما ، وأن لا يكون التصوّر أيضا علما ، بل ما يوجبه ، فالصواب أن يقال : إنّه تمييز لا يحتمل متعلّقة نقيض ذلك التمييز ، فتأمّل.

وقد يقال (2) : إنّ العلم لا يحدّ ؛ لأنّه بديهيّ التصوّر ، والتحديد يكون للكسبي ، وما ذكروه في معرض التعريف تعريف له بحسب اللفظ ، والأشياء البديهيّة قد تعرّف بحسب اللفظ.

وردّ بأنّه إن أراد أنّ تصوّره بوجه ما بديهيّ ، فلا نزاع في بداهته ، وإن أراد تصوّره بكنه حقيقته ، فهو ممنوع ؛ لأنّه عين المتنازع فيه.

وقد يقال (3) : لا يمكن أن يحدّ العلم ؛ لأنّ غير العلم لا يعلم إلاّ بالعلم ، فلو علم العلم بغيره ، لزم الدور ؛ لتوقّف معلوميّة كلّ منهما على معلوميّة الآخر.

واعترض (4) عليه بأنّ معلوميّة غير العلم إنّما تكون بحصول علم جزئي متعلّق بذلك الغير ، لا بمعلوميّة حقيقة العلم ، والموقوف على معلوميّة الغير هو معلوميّة حقيقة العلم ، لا حصول العلم الجزئيّ ، فلا دور.

وبالجملة ، فهو قد يكون حصوليّا ، وقد يكون حضوريّا. لا بدّ في العلم الحصوليّ من انطباع شبح ومثال من المعلوم في النفس مغاير له ، لا نفسه ، فلا يلزم أن يكون

ص: 115


1- للتعرّف على الأقوال الواردة في تحديد العلم والاعتراضات عليها راجع « المحصّل » : 81 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 450 - 453 ؛ « نقد المحصّل » : 6 وما بعدها ؛ « كشف المراد » : 225 - 226 ؛ « أنوار الملكوت » : 12 - 13 ؛ « مناهج اليقين » : 86 - 87 ؛ « نهاية المرام » 2 : 5 - 8 ؛ « شروح الشمسية » 1 : 55 ؛ « شرح المواقف » 1 : 61 - 86 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 189 - 197 ؛ « إرشاد الطالبين » 101 - 102 ؛ « جامع العلوم » 2 : 341 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1220 - 1225 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 278 - 279 ؛ « شوارق الإلهام » : 416 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 249 - 250.
2- للتعرّف على الأقوال الواردة في تحديد العلم والاعتراضات عليها راجع « المحصّل » : 81 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 450 - 453 ؛ « نقد المحصّل » : 6 وما بعدها ؛ « كشف المراد » : 225 - 226 ؛ « أنوار الملكوت » : 12 - 13 ؛ « مناهج اليقين » : 86 - 87 ؛ « نهاية المرام » 2 : 5 - 8 ؛ « شروح الشمسية » 1 : 55 ؛ « شرح المواقف » 1 : 61 - 86 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 189 - 197 ؛ « إرشاد الطالبين » 101 - 102 ؛ « جامع العلوم » 2 : 341 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1220 - 1225 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 278 - 279 ؛ « شوارق الإلهام » : 416 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 249 - 250.
3- للتعرّف على الأقوال الواردة في تحديد العلم والاعتراضات عليها راجع « المحصّل » : 81 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 450 - 453 ؛ « نقد المحصّل » : 6 وما بعدها ؛ « كشف المراد » : 225 - 226 ؛ « أنوار الملكوت » : 12 - 13 ؛ « مناهج اليقين » : 86 - 87 ؛ « نهاية المرام » 2 : 5 - 8 ؛ « شروح الشمسية » 1 : 55 ؛ « شرح المواقف » 1 : 61 - 86 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 189 - 197 ؛ « إرشاد الطالبين » 101 - 102 ؛ « جامع العلوم » 2 : 341 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1220 - 1225 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 278 - 279 ؛ « شوارق الإلهام » : 416 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 249 - 250.
4- للتعرّف على الأقوال الواردة في تحديد العلم والاعتراضات عليها راجع « المحصّل » : 81 ؛ « المباحث المشرقية » 1 : 450 - 453 ؛ « نقد المحصّل » : 6 وما بعدها ؛ « كشف المراد » : 225 - 226 ؛ « أنوار الملكوت » : 12 - 13 ؛ « مناهج اليقين » : 86 - 87 ؛ « نهاية المرام » 2 : 5 - 8 ؛ « شروح الشمسية » 1 : 55 ؛ « شرح المواقف » 1 : 61 - 86 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 189 - 197 ؛ « إرشاد الطالبين » 101 - 102 ؛ « جامع العلوم » 2 : 341 ؛ « كشّاف اصطلاحات الفنون » 2 : 1220 - 1225 ؛ « الأسفار الأربعة » 3 : 278 - 279 ؛ « شوارق الإلهام » : 416 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 249 - 250.

النفس حارّا باردا مستقيما معوجّا إلى غير ذلك من الصفات المتضادّة الممتنعة الحصول للنفس.

وأمّا الحضوريّ - كعلمنا بذواتنا والأمور القائمة بها - فليس فيه ارتسام وانطباع ، بل هناك حضور المعلوم بحقيقته - لا بمثاله - عند العالم ، وهو أقوى من العلم الحصوليّ ؛ ضرورة أنّ انكشاف الشيء على آخر لأجل حضوره بنفسه عنده أقوى من انكشافه عليه لأجل حصول مثاله عنده.

وقد يقال (1) : إنّ علمه تعالى بالأشياء من هذا القبيل ؛ لامتناع حصول صور الأشياء في ذاته تعالى.

واستشكل بالنسبة إلى المعدومات خصوصا والممتنعات ، ولهذا قيل (2) : إنّ علمه تعالى بها بحصول صورها في مجرّد آخر. وتحقيقه سيأتي الإشارة إليه إن شاء اللّه.

والقول باتّحاد العالم بالمعلوم عند العلم أو بالعقل الفعّال (3) فاسد ؛ لأنّ الاثنين لا يتّحدان ، والعلم الواحد لا يتعلّق بمعلومين فصاعدا على التفصيل ، بل يختلف باختلاف المعلوم ، ولا يتحقّق العلم إلاّ بأن يكون هناك إضافة ، بمعنى أنّه أمر حقيقيّ يستلزم تلك الإضافة ، لا نفسها.

والإشكال بلزوم اجتماع صورتين متماثلتين في صورة اتّحاد العالم والمعلوم أعني صورة علم الشيء بنفسه ، وبأنّه للإضافة عند الاتّحاد ، فلا يتحقّق العلم ؛ لانتفاء لازمه الذي هو الإضافة مدفوع بأنّ علم الشيء بنفسه علم حضوريّ ، فلا اجتماع. وبأنّ إحدى الصورتين موجودة بوجود أصيل ، والأخرى بوجود ظلّيّ ، وبذلك

ص: 116


1- « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 70 - 76 ؛ « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 150 - 153.
2- القائل هو ثاليس الملطيّ ، على ما نقله الشهرستانيّ في « الملل والنحل » 2 : 62.
3- قال به فرفوريوس وأتباعه من المشّائين ، راجع « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 293 - 294 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 251 ؛ « شوارق الإلهام » : 417.

تمتازان ، فلا استحالة. وبأنّ التغاير الاعتباريّ كاف لتحقّق النسبة وهو حاصل ؛ لمغايرة كون الشيء عالما لكونه معلوما.

وهو عرض ؛ لوجود حدّه فيه.

وما قيل : من أنّ الصورة المعقولة من الجوهر جوهر لا عرض ؛ لصدق حدّ الجوهر عليها وهو أنّه ماهيّة إذا وجدت في الخارج ، كانت لا في الموضوع ؛ لأنّها وإن كانت بحسب الوجود الذهنيّ في الذهن ، لكنّها بحسب الوجود الخارجيّ لا يكون في موضوع كصورة الحيوان ؛ فإنّها إذا وجدت في الخارج كانت لا في موضوع والجوهريّة والعرضيّة بحسب الوجود الخارجيّ.

فمردود بأنّه من باب اشتباه العلم بالمعلوم ؛ فإنّ المعلوم كالحيوان - مثلا - عين كونه معلوما ، موجود في الذهن ، وإذا وجد في الخارج يكون لا في موضوع ، فيصدق عليه حدّ الجوهر دون العرض.

وأمّا صورته العقليّة - أعني العلم به - فليست موجودة في الذهن بل في الخارج ، وفي وجودها الخارجيّ موجودة في موضوع هو الذهن ، فهي قائمة بالذهن لا موجودة فيه ، فيصدق عليها حدّ العرض لا الجوهر.

والعلم إمّا أن يكون سببا لوجود المعلوم في الخارج كما إذا تصوّرت شيئا ففعلته ، ويسمّى فعليّا ، أو يكون مسبّبا عن وجود المعلوم كما إذا شاهدت شيئا فتعقّلته ، ويسمّى انفعاليّا ، لا هذا ولا ذاك كما إذا تصوّرت الأمور المستقبلة التي ليست فعلا لك.

وثانيا : (1) أنّ العلم ينقسم إلى الضروري ، والنظري المنقسم إلى الكسبيّ واللدنّيّ الموهبيّ.

ص: 117


1- عطف على قوله « اعلم أوّلا » في ص 113.

وأقسام الضروريّ ستّة : البديهيّات ، والمشاهدات ، والفطريّات ، والتجربيّات ، والحدسيّات ، والمتواترات ؛ لأنّ القضايا إمّا أن يكون تصوّر أطرافها - بعد شرائط الإدراك من الالتفات وسلامة الآلات - كافيا في حكم العقل ، أولا.

فالأوّل البديهيّات ، كالحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء ، وتسمّى أوّليّات أيضا.

والثاني إمّا أن يتوقّف على واسطة غير الحسّ ، أولا.

والثاني المشاهدات ، وتسمّى حسّيّات أيضا ، وتعمّ الإدراكات بالحواسّ الظاهرة والباطنة معا ، كالحكم بأنّ الشمس نيّرة ، أو بأنّي جائع ، ويسمّى ما يدرك بالباطنة وجدانيّات أيضا ، ومنها ما نجده بنفوسنا لا بالآلات البدنيّة كالتصديق بأنّي موجود.

والأوّل إن كان تلك الواسطة فيه لازمة يعني لا تعزب عن العقل عند تصوّر الأطراف ، فهي الفطريّات ، وتسمّى قضايا قياساتها معها أيضا ، كالحكم بأنّ الأربعة زوج ؛ لانقسامها بمتساويين. وإن كانت غير لازمة فإمّا أن يستعمل فيها الحدس ، أولا.

فالأوّل الحدسيّات ، كالحكم بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس ؛ لما يرى من اختلاف تشكّلات نوره بحسب اختلاف أوضاعه من الشمس.

والثاني إن كان الحكم فيها من شأنه أن يحصل بالإخبار ، فهي المتواترات ، كالحكم بأنّ الملائكة موجودة ، أولا ، فهي المجرّبات ، كالحكم بأنّ السقمونيا مسهل للصفراء.

وقد تقسّم الحسّيّات إلى الوهميّات إن كان المدرك هو الوهم ، وإلى المشاهدات إن كان غيره ، وجميع ذلك يفيض على الإنسان من المبدأ الفيّاض ، فهو قابل لا فاعل إلاّ أنّ فيضانها عليه يتوقّف على استعدادات مخصوصة.

أمّا الضروريّات فاستعداداتها باستعمال الحواسّ الظاهرة والباطنة. وأمّا النظريّات فاستعداداتها بهذه الضروريّات ، وله مراتب :

[ المرتبة ] الأولى : كونه بالقوّة المحضة ، وهو عدم العلم عمّا من شأنه العلم.

وهذه القوّة قد تكون بعيدة عن الفعل ، كما في العقل الهيولانيّ أعني كون النفس

ص: 118

في مبدأ الفطرة خالية عن العلوم ، مستعدّة لها ؛ فإنّها حينئذ شبيهة بالهيولى الخالية عن الصور مع كونها قابلة لها.

وقد تكون متوسّطة ، كما في العقل بالملكة ، أعني كونها مستعدّة لاكتساب النظريّات بحسب حصول العلوم الأوّليّة لها من جهة استعمال الآلات ، أعني الحواسّ الظاهرة والباطنة ؛ فإنّها حصل لها بسبب تلك الأوّليّات ملكة الانتقال إلى النظريّات.

وقد تكون قريبة من الفعل ، كما في العقل بالفعل ، أعني كونها بحيث حصل لها ملكة الاستحضار متى شاءت من غير تجشّم كسب جديد.

وأمّا إذا رتّبت النفس العلوم الأوّليّة ، وأدركت النظريّة مشاهدة إيّاها - وسمّي حالها بالعقل المستفاد ؛ لاستفادتها من العقل الفعّال - فهو خارج عن هذه المرتبة.

المرتبة الثانية : العلم الإجماليّ ، وهو حالة متوسّطة بين القوّة المحضة التي هي حالة الجهل ، وبين العقل المحض الذي هو حالة التفصيل.

[ المرتبة ] الثالثة : العلم التفصيليّ ، وهو أن يعلم الأشياء متمايزة في العقل ، منفصلا بعضها عن بعض ، ملحوظا واحد منها قصدا ، كمن علم مسألة ثمّ غفل عنها ، ثمّ سئل عنها ؛ فإنّه يحضر الجواب في ذهنه بعد السؤال وقبل الجواب ، وليس ذلك بالقوّة المحضة ؛ فإنّ عنده حالة بسيطة هي مبدأ تفاصيل تلك المسألة ، فلم يكن علمه بالقوّة من كلّ وجه ، بل هي بالفعل من وجه ، وبالقوّة من آخر ؛ فإنّه علم بالفعل نظرا إلى الجملة من حيث هي جملة ، وبالقوّة نظرا إلى التفاصيل في ضمنها.

وحصول العلم بعد النظر الصحيح لازم إمّا بطريق التوليد ، أو بجريان العادة ، أو من جهة لزوم الإفاضة. وشرطه - بعد شرائط العلم من الحياة ، والعقل ، وعدم النوم والغفلة ونحو ذلك - أمران :

الأوّل : عدم غاية النظر ، أعني العلم بالمطلوب ؛ لامتناع تحصيل الحاصل بغير ذلك التحصيل من حيث هو كذلك.

ص: 119

والثاني : عدم ضدّ الغاية ، أعني الجهل المركّب ؛ فإنّه صارف عن النظر وعن أثره.

وقد يزاد شرط آخر وهو حضور الغاية - أعني الشعور بالمطلوب - لئلاّ يلزم طلب المجهول مطلقا. وهو داخل فيما ذكرنا.

ثمّ اعلم أنّ العلم ينقسم بقسمة أخرى إلى قسمين :

الأوّل : الحصوليّ الذي يحصل بحصول المعلوم بأشباحه لا بماهيّته في العالم ، كعلمنا بالمبصرات ونحوها.

الثاني : الحضوريّ الذي يحصل بحضور المعلوم عند العالم حقيقة ، كعلمنا بمشاهداتنا ، أو حكما بمعنى عدم كون المعلوم غائبا عن العالم ، كعلمنا بأنفسنا.

وقد يحصل بحضور علّة المعلوم عند العالم حقيقة ، أو حكما كعلمنا بآثار النار ، وعلمنا بآثار أنفسنا قبل وجودها ، ولا يتصوّر الأوّل في الواجب ؛ لامتناع كونه محلاّ للحوادث ونحوها ، ولهذا قال بعض المحقّقين - على ما حكي (1) - : إنّ علمه تعالى حضوريّ بمعنى حضور المعلومات عنده وعدم غيبتها عنه تعالى.

ولمّا أشكل عليه الأمر بالنسبة إلى المعدومات ؛ لعدم تصوّر حضورها حال عدمها عنده ، قال بكون صورها في العقل الأوّل الحاضر عنده. (2)

ولا يخفى أنّه يستلزم احتياج الواجب إلى العقل الأوّل المنافي لوجوب الوجود ، وجهله بالمعدومات في مرتبة ذاته المقدّمة على مرتبة معلوله ، وهو محال.

فالصواب أن يقال : إنّ للأشياء مرتبتين من الوجود : إجماليّ وتفصيليّ.

والإجماليّ عبارة عن وجودها في مرتبة ذات علّتها بجميع ما لها من الأحوال والكيفيّات والكمّيّات ونحوها ؛ فإنّها أيضا من الأشياء المعلولة له تعالى ، بمعنى وجود علّتها من حيث إنّها علّتها ، لا وجودها حقيقة كما يقول من قال بوحدة الوجود ، ففي الإجمال في الحقيقة تفصيل.

ص: 120


1- حكاه الصدر الشيرازيّ في « الأسفار الأربعة » 6 : 181 واللاهيجيّ في « شوارق الإلهام » : 517.
2- راجع « شرح مسألة العلم » 28 - 29 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 306 - 307.

والتفصيلي عبارة عن وجودها في الخارج بجميع ما لها من الأحوال الخارجيّة.

[ علم الواجب تعالى بذاته وبما سواه بالعلم الحضوري ]

والواجب تعالى عالم بذاته بالعلم الذي هو عين ذاته ؛ لأنّ العلم عبارة عن منشأ انكشاف الأشياء ، وذاته تعالى كذلك ؛ لأنّ انكشافها حادث بحدوثها ، فلا بدّ له من مرجّح ، فهو إمّا غير ذاته ، أو ذاته.

ولا سبيل إلى الأوّل ، وإلاّ يلزم احتياج الواجب ونقصه ، فتعيّن الثاني ، فذاته منشأ لانكشاف الأشياء ، فهو العلم ، ومن الأشياء ذاته ، فهو عالم بذاته على ما هي عليه ، ويلزم من ذلك كونه عالما بجميع الأشياء على ما هي عليه من الكلّيّات والجزئيّات والمجرّدات والمادّيّات : الموجودات منها ، والمعدومات حتّى مفهوم الممتنعات ؛ لكونه من الممكنات ، وذاته وغير ذاته ؛ لوجود جميعها في مرتبة ذاته ، بمعنى أنّ ذاته موجودة حقيقة وهي علّة لجميع الممكنات التي منها مفهوم المعدومات ، الموجود في الذهن ، وذاته تعالى حاضرة عنده تعالى ، بمعنى عدم غيبوبة ذاته عن ذاته ، وحيث كان ذاته علّة لجميع الممكنات وكان حضور علّة المعلوم كافيا في العلم بالمعلوم قبل وجوده الخاصّ به ، لزم علمه تعالى بذاته وبما سواه بالعلم الحضوريّ ، بمعنى حضور المعلوم عند العالم ، بمعنى عدم غيبوبة المعلوم عن العالم ، وحضور علّة المعلوم بهذا المعنى عند العالم في مرتبة ذاته.

وقال بعض (1) الأعلام : علمه تعالى على عدّة أقسام :

ص: 121


1- نقل المحقّق الخوانساريّ نحو هذا القول عن بعض المحقّقين. انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » :1. 240. ولمزيد الاطّلاع عن مراتب علم الواجب تقدّست أسماؤه راجع « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ١٥١ _ ١٥٢ و ٣١٧ _ ٣١٨ ؛ « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : ١٢٤ _ ١٢٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ٢٩٠ _ ٣٠٦ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥٥٠ _ ٥٥٤ ؛ « شرح المنظومة » : ١٧٥ _ ١٧٧.

منها : العناية ، وهي عبارة عن علمه تعالى بالأشياء في مرتبة ذاته علما مقدّسا عن شوب الإمكان والتركيب بحيث تنكشف له الموجودات الواقعة في عالم الإمكان على أتمّ نظام وهي على بسيط واجب لذاته قائم بذاته ناشئ عنه العلوم التفصيليّة ، لا أنّها فيه.

ومنها : القضاء ، ويقال له : « أمّ الكتاب » وهو عبارة عن صور علميّة لازمة لذاته بلا جعل وتأثير وتأثّر ، وليست من أجزاء العالم ؛ إذ ليس لها جهة عدميّة ، والإمكانات واقعيّة ، فهو صور علم اللّه قائمة بالذات ، باقية ببقاء اللّه تعالى ، وهو الذي لا يردّ ولا يبدّل.

ومنها : القدر ، ويقال له : « كتاب المحو والإثبات » وهو عبارة عن وجود صور الموجودات في عالم النفس السماويّ على الوجه الجزئيّ ، مطابقة لما في موادّها الخارجيّة الشخصيّة ، مستندة إلى أسبابها وعللها ، واجبة بها ، لازمة لأوقاتها المعيّنة وأمكنتها المخصوصة ، ويشملها القضاء شمول العناية للقضاء ، بمعنى أنّ العالي إجمال للسافل ، والسافل تفصيل للعالي ، ومحلّهما اللوح والقلم ، الأوّل على سبيل الانفعال ، والثاني على سبيل الفعل والحفظ.

واللوح على قسمين : الأوّل : اللوح المحفوظ. والثاني : لوح المحو والإثبات.

والأوّل : عبارة عن النفس الكلّيّة الفلكيّة سيّما الفلك الأقصى ؛ إذ كلّ ما جرى في العالم ، أو يجري مكتوب مثبت فيها ، وكونها لوحا محفوظا باعتبار انحفاظ صورها الفائضة عليها على الدوام.

والثاني : عبارة عن النفوس المنطبعة الفلكيّة فإنّه تنتقش فيها صور جزئيّة متشخّصة بأشكال وهيئات مقدّرة مقارنة لأوقات معيّنة على مثال ما يظهر في المادّة الخارجيّة ، وهذه الصور - لجزئيّتها وشخصيّتها - متبدّلة متجدّدة مستمرّة على نسق واحد ، كالكبريات الكلّيّة.

والقلم عبارة عن الجواهر القدسيّة ، وهي العقول المترتّبة في الشرف والكمال

ص: 122

على مرتبة في القرب منه تعالى إلى العقل العاشر المؤثّر بنوريّته الضعيفة في النفوس السماويّة والناطقة باعتبار كونها مصوّرة لصور المعلومات ، ناقشة في قوابل النفوس والأجرام على وجه التجدّد. وهذه أصول وفروعها كلّ ما في الوجود من موضع شعور كالنفوس والقوى الحيوانيّة الوهميّة والخياليّة وغيرها من المدارك والمشاعر.

نعم ، العقلاء لا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء.

وبالجملة ، العلم على أقسام خمسة :

الأوّل : العلم الحصوليّ بمعنى ظهور المعلوم للعالم بحصول صورة ذلك المعلوم في ذلك العالم ، وهو المسمّى بعلم اليقين.

الثاني : العلم الحضوريّ بمعنى ظهور المعلوم للعالم بحضور ذلك المعلوم عند ذلك العالم مع المغايرة بينهما بالذات كالعلم.

الثالث : العلم الحضوريّ ، بمعنى ظهور المعلوم للعالم بحضور علّة ذلك المعلوم عند العالم كالعلم بالمحسوسات وبالآثار الاستقباليّة للمحسوسات عند العلم بكنه تلك المحسوسات. وهذان القسمان مسمّيان بعين اليقين.

الرابع : العلم الحضوريّ بمعنى ظهور المعلوم للعالم بحضور ذلك المعلوم عند ذلك العالم مع عدم التغاير بينهما إلاّ بالاعتبار كعلمنا بأنفسنا.

الخامس : العلم الحضوريّ بمعنى ظهور المعلوم عند العالم بحضور علّة ذلك المعلوم عند ذلك العالم مع عدم المغايرة بينهما إلاّ بالاعتبار كعلمنا بالآثار الاستقباليّة لأنفسنا عند علمنا بكنه أنفسنا. وهذان القسمان يسمّيان بحقّ اليقين.

وعلم اللّه تعالى من قبيل العلم الحضوريّ كما ذكرنا.

وما دلّ على أنّه لمّا وقع المعلوم وقع العلم عليه (1) - مع أنّه معارض بما دلّ على

ص: 123


1- إشارة إلى ما رواه الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق علیه السلام في « التوحيد » : 139 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 1.

خلافه من أنّ اللّه تعالى كان عالما والعلم ذاته ولا معلوم (1) - محمول على أنّ المعلوميّة حصلت للمعلوم في مقام الوجود الخارجيّ أو في مقام الذات بمعنى أنّه عالم أزل الآزال كما هو ظاهر قوله علیه السلام : « ولا معلوم » مع أنّ العقل القاطع سيّما عند التطابق مع النقل يدفع الظاهر ، مضافا إلى أنّ نفس النقل الأقوى مقدّم ، وأنّ الخبر الواحد عند عدم التطابق مع العقل غير حجّة في المسائل الاعتقاديّة والعلميّة كما لا يخفى ، وبالجملة فالعاقل إن عجز عمّا ذكرنا لا بدّ أن يعتقد أنّه عالم بالأشياء قبلها وإن لم يعلم كيفيّة علمها لا أن يقول بمقالته (2) ؛ فإنّ ذلك لو لم يكن بيّن الفساد وبعيدا عن الصواب ، فلا أقلّ من كونه محلّ الارتياب.

وقال الشيخ المعاصر (3) في رسالة « حياة النفس » في مبحث علم اللّه تعالى هذه العبارة :

« وعلمه قسمان : علم قديم هو ذاته ، وعلم حادث وهو ألواح المخلوقات ، كالقلم واللوح وأنفس الخلائق.

فأمّا العلم القديم ، فهو ذاته تعالى بلا مغايرة ولو بالاعتبار ؛ لأنّ هذا العلم لو كان حادثا كان تعالى خاليا منه قبل حدوثه ، فيجب أن يكون قديما لا يخلو إمّا أن يكون هو ذاته بلا مغايرة ، أولا ، فإن كان هو ذاته بلا مغايرة ، ثبت المطلوب ، وإن كان غير ذاته ، تعدّدت القدماء وهو باطل.

وأمّا العلم الحادث ، فهو حادث بحدوث المعلوم ؛ لأنّه لو كان قبل المعلوم ، لم يكن علما ؛ لأنّ العلم الحادث شرط تحقّقه وتعلّقه أن يكون مطابقا للمعلوم ، وإذا لم يوجد المعلوم لم يحصل المطابقة التي هي شرطه ، وأن يكون مقترنا بالمعلوم ، وقبله لم يتحقّق الاقتران ، وأن يكون واقعا على المعلوم ، وقبله لم يتحقّق الوقوع.

ص: 124


1- وهي رواية الكلينيّ في « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ، ح 1.
2- أي بمقالة الشيخ المعاصر.
3- هو الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائيّ المعاصر للمؤلّف.

وهذا العلم الحادث هو فعله ومن فعله ومن جملة مخلوقاته ، وسمّيناه علما لله تبعا لأئمّتنا علیهم السلام واقتداء بكتاب اللّه تعالى حيث قال : ( عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى ) (1) وقال : ( قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ) (2) ».

أقول : هذا - مع كونه خلاف الكتاب والسنّة ونحوهما من جهة كون إطلاق العلم على الصور اللّوحيّة (3) ونحوها لا محلّها وظروفها (4) - غفلة (5) عن أقسام العلم ؛ لأنّ العلم قد يكون حصوليّا يحصل بحصول صورة المعلوم في العالم.

وقد يكون حضوريّا حاصلا بحضور المعلوم بنفسه عند العالم مع المغايرة بينهما ، أو بدونهما ، بمعنى عدم غيبوبة المعلوم عن العالم.

وقد يكون حضوريّا حاصلا بحضور علّة المعلوم عند العالم مع المغايرة ، كما في العلم بالنار الحاضرة بالنسبة إلى الحرارة التي لم تحسّ ؛ فإنّه إذا علم كنه النار يعلم حرارتها وغيرها من لوازمها ومعلولاتها ، أو بدون المغايرة كما إذا علمنا نفسنا بكنهها علما موجبا للعلم بمقتضياتها ، بمعنى عدم الغيبوبة ، وعلم الواجب بالنسبة إلى الممكن قبل الإيجاد من هذا القبيل ، فيكفي وجود ذات العلّة في حصول العلم بالمعلوم من غير أن يحتاج إلى القول بأنّ للممكن نحوا من الوجود في مرتبة وجود العلّة وهو سبب يحقّق العلم ؛ لاستلزام ذلك على وجه القول بوحدة الوجود ، كما يقول الصوفيّة خذلهم اللّه ونحن من ذلك برآء.

وإطلاق العلّة عليه تعالى صحيح. أمّا الناقصة فلنقص المعلول لا العلّة ، وأمّا

ص: 125


1- طه (20) : 52.
2- ق (50) : 4.
3- يعني المكتوب في اللوح ، لا نفس اللوح.
4- كما زعمه الشيخ المعاصر.
5- خبر ل- « هذا ».

التامّة فبملاحظة المشيئة والإرادة. وعلى ما ذكره يلزم إيجاد المصنوع جهلا ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

مضافا إلى أنّ القول بأنّ العلم نفس المعلوم ينافي قوله : « إنّه حادث بحدوثه ، وأنّ شرطه أن يكون مطابقا للمعلوم ، ومقترنا به ، وواقعا عليه » لعدم تصوّر مطابقة الشيء لنفسه ، واقترانه بها ، ووقوعه عليها ، فهذا أيضا يوهم التدليس والطفرة.

فإن قلت : مراده أنّه يثبت بعد وجود الأشياء أحوالها كأرزاقها وآجالها في ملكه كاللوح بمعنى أنّه يوجد فيه العلم بها وضبط حدودها حين يوجدها ، لا أنّه يوجد لنفسه علما بها ؛ لأنّه عالم بها قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها ، كما إذا كان بينك وبين زيد حساب تكون عالما به غير ناس له ومع ذلك تكتبه في الدفتر ؛ لكونه أردع عن الإنكار ، ولهذا قال موسى لفرعون : ( فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى ) (1)

قلت : المراد أنّ ظاهر كلامه يقتضي ذلك من غير قرينة صارفة ، وبيان المراد من الخارج لا يدفع الإيراد ؛ فإنّه موجب للشبهة لأهل الشريعة ، مع أنّ في الكلام ما يمنع عن هذا التوجيه كما لا يخفى.

والحاصل : أنّ علمه تعالى بالنسبة إلى ذاته تعالى علم حضوريّ - بمعنى ظهور المعلوم - بحضور ذلك المعلوم بنفسه عند العالم بدون المغايرة بينهما إلاّ بالاعتبار ، بمعنى عدم غيبوبة المعلوم عن العالم كعلمنا بأنفسنا.

وعلمه تعالى بالنسبة إلى ما سواه من نحو الممكنات قبل إيجادها علم حضوريّ - بمعنى ظهور المعلوم - بحضور علّة المعلوم - وهي ذاته تعالى - عند العالم من غير مغايرة بينهما ، بمعنى عدم غيبوبة علّة المعلوم عن العالم ، فهو عالم بها في مقام الذات بالذات والصفات والأحوال والتغيّرات التي هي أيضا من المعلومات من غير لزوم تغيّر في الذات ؛ لكون التغيّر في المعلوم وكونه على وجهه معلوما في مقام

ص: 126


1- طه (20) : 52.

الذات ، فهو في الحقيقة علم تفصيليّ وإن كان بحسب الظاهر علما إجماليّا.

وعلمه تعالى بالنسبة إلى ما سواه بعد الإيجاد علم حضوريّ بحضور المعلوم بنفسه عند العالم مع المغايرة بينهما بسبب الإحاطة العلميّة بالممكنات.

والأولى حصل من باب العلم الحضوريّ بحضور المعلوم عند العالم بحضوره علّة وهو الواحد عند العالم يكون التغيّر في المعلوم لا العلم لئلاّ يلزم الجهل في مرتبة الذات ، أو تحصيل الحاصل في مرتبة الممكنات ، ومثل ذلك تفاصيل الممكنات وكيفيّاتها وكمّيّاتها وأمثالها ؛ فإنّ كلّ ذلك معلول للواجب بالذات ، وكلّ ما هو معلول له معلوم له في مقام الذات فالممكنات بتفاصيلها وأحوالها معلومة له تعالى في مقام الذات من باب العلم الحضوريّ بحضور علّة المعلوم عند العالم على الوجه المذكور والآتي ، فتوهّم كون علمه قسمين : ذاتي قديم ، وفعلي حادث ، وكون تعلّقه حادثا ، فاسد ؛ لما أشرنا.

وعلمه تعالى بالنسبة إلى أحوال الممكنات وصفاتها وآثارها المستقبلة علم حضوري بحضور علّة المعلوم عند العالم مع المغايرة بين العالم وعلّة المعلوم كالمعلوم ، فجميع الأشياء له تعالى في جميع الأحوال معلوم وهو تعالى عالم بها في الأزل ولا يزال وأزل الآزال ، وخلق السماوات وسائر الممكنات مع العلم والشعور والإرادة.

وكيف كان ، فالدليل على ثبوت العلم لله تعالى أمور :

منها : أنّ كلّ ما حكم العقل بكونه كمالا لموجود ما من حيث هو موجود ، ولا يوجب التجسّم والتغيّر والتركّب ونحوها ، وتحقّق في موجود من الموجودات ، كان ممكن التحقّق في الموجود الحقّ بالإمكان العامّ ، فيجب وجوده له تعالى لا محالة ، وإلاّ لكان فيه جهة إمكانيّة منافية للوجوب الذاتي ، ويلزم نقص الواجب في مرتبة ذاته وذات ذلك الكمال وإن كان أثره مترتّبا على ذاته كما يقول من يذهب

ص: 127

إلى كون ذاته تعالى نائبا عن الصفات (1) وهو محال ، وصفة العلم كذلك ، فيجب تحقّقه فيه من غير أن يكون زائدا على ذاته ليلزم تعدّد القدماء ، مضافا إلى ما مرّ وكون العينيّة كمالا بالنسبة إلى الزيادة ، ووجوب حصول كلّ كمال له تعالى.

ومنها : أنّ واجب الوجود واهب الكمال ومفيضه ومعطيه ، والمفيض لا يصلح أن يكون قاصرا عن ذلك الكمال إذا لم يوجب ما ذكر ، كما روي (2) أنّ النمل يقول : إن لله زبانيتين ، فهو تعالى عالم بما كان وما هو كائن وما يكون على وجه هي عليه في نفس الأمر ؛ لكونه علّة تامّة لما سواه على ترتّب ونظام ، وكونه عالما بالعلم التامّ بذاته ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة علّة تامّة للعلم بمعلولها ؛ إذ لا بدّ في كلّ علّة مستقلّة لمعلول أن يكون المعلول من لوازمه ، فالعلم بالعلّة التامّة يوجب العلم بالمعلول ، فعلمه تعالى بجميع ما عداه لازم لعلمه بذاته ، كما أنّ وجود ما عداه تابع لوجود ذاته.

فإن قلت : نحن عالمون بذواتنا التي هي علل لأفعالنا الآتية مع عدم علمنا بها قبلها.

قلت : ذواتنا ليست علّة مستقلّة لها ، بل محتاجة إلى دواع وأسباب خارجة ، بخلاف واجب الوجود ؛ فإنّه علّة مستقلّة لجميع معلولاته ، والداعي إلى الفعل - وهو العلم بالمصالح - عين ذاته ، غير مستفاد من خارج ، وغير محتاج إلى الآلات والأسباب ، مضافا إلى عدم علمنا بذواتنا بالكنه ، فلا يصحّ القياس بالناس.

وبيان كيفيّة هذا العلم على وجه لا يلزم منه تكثّر في ذاته ولا في صفاته الحقيقيّة ، ولا كونه فاعلا وقابلا ، ولا يبقى اشتباه بأنّ هذا العلم هل هو قبل الأشياء أو بعدها أو معها بأن لا يعلمها إلاّ حين وجودها ، فيكون لها فيه تأثير ، ويكون

ص: 128


1- قالت به المعتزلة كما في « شرح الأصول الخمسة » : 182 وما بعدها. ونقل عنهم في « مقالات الإسلاميّين » 1 : 244 وما بعدها ؛ « المحصّل » : 421 ؛ « شرح المقاصد » 4 :1. 71.
2- « الأربعون حديثا » البهائي : 81.

بسببها بحال لم يكن قبل على ذلك الحال ، فلا يكون واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الصفات؟ أنّ الواجب تعالى هو المبدأ الفيّاض لجميع الحقائق والماهيّات ، فيجب أن يكون ذاته - مع بساطته وأحديّته - كلّ الأشياء ، ويكون لكلّ واحد منها وجود إجمالي في مرتبة ذات العلّة ، فتعقّله لذاته تعقّل لجميع ما سواه ، وتعقّله لذاته مقدّم على وجود جميع ما سواه ، فيكون علمه تعالى بجميع الأشياء حاصلا في مرتبة ذاته بذاته قبل وجود ما عداه ، بمعنى أنّه لا بدّ عند ملاحظة ذاته تعالى وتعقّله وإدراكه على وجه واقع من ملاحظة جميع الممكنات المستندة إليه ؛ فإنّ من الوجوه التي لذات الواجب تعالى كونه قادرا على إيجاد الأشياء الممكنة ومؤثّرا فيها على وجه هي عليها ، وعلى أحوال تكون عليها آنا فآنا ، فتعقّله على هذا الوجه مستلزم لتعقّل جميع الأشياء ، فجميعها موجود بالوجود التعقّلي في ضمن تعقّل الذات كوجود الابن بالوجود التعقّلي في ضمن تعقّل الأبوّة ، وليس المراد وجودها في مرتبة الذات بالوجود الخارجيّ الحقيقيّ ، كما يقوله المتصوّفة (1) ؛ فإنّ ذلك مستلزم لإمكان الواجب ، أو وجوب الممكن كما لا يخفى ، بل هو خلاف الضروريّ من المذهب ، بل الدين.

والحاصل : أنّ العلم على قسمين : حصوليّ ، وحضوريّ. والحضوريّ قد يكون بحضور المعلوم عند العالم مع التغاير بينهما.

وقد يكون بحضور علّة المعلوم عنده كذلك.

وقد يكون على الوجه الأوّل من غير تغاير ، بمعنى عدم غيبوبة المعلوم عن العالم كما في العلم بالذات.

وقد يكون على الوجه الثاني من غير تغاير بين العالم وعلّة المعلوم ، بمعنى عدم غيبوبة علّة المعلوم عن العالم ، وكون انكشاف علّة المعلوم بالكنه على وجه

ص: 129


1- انظر « الأسفار الأربعة » 6 : 182 - 187 ؛ « شرح المنظومة » 2 : 574 - 575.

الحضور المذكور علّة انكشاف المعلوم في تلك المرتبة على وجه سيكون عليه من الأحوال والكيفيّات والتشخّص والتفاصيل الخارجيّة أو الذهنيّة.

وعلم اللّه تعالى بما عداه قبل الإيجاد من هذا القبيل ، فيكون الإجمال فيه عين التفصيل. وهذا هو العلم الكماليّ التفصيليّ من وجه والإجماليّ من وجه ، وذلك لأنّ المعلومات - على كثرتها وتفصيلها - موجودة بوجود في اتّصافه بوجوده [ لا يحتاج ] إلى شيء آخر ، حتّى يلزم أن يكون معلولا.

وبالجملة ، فادّعاء المخلوق لنفسه الإحاطة العلميّة بجلائل الملك ودقائق الملكوت ، وتسميته لنفسه فيلسوفا حكيما ، وسلب العلم عن خالقه الحكيم العليم - الذي أفاض ذوات العلماء ونوّر قلوبهم بمعرفة الأشياء - من أقبح القبائح وأفحش الأغلاط.

ومنها : أنّه تعالى فاعل فعلا محكما متقنا ، وكلّ من كان كذلك ، فهو عالم.

أمّا الكبرى ، فبالضرورة ، وينبّه عليه أنّ من رأى خطوطا مليحة أو سمع ألفاظا فصيحة تنبئ عن معان دقيقة وأغراض صحيحة ، علم أنّ فاعلها عالم.

وأمّا الصغرى ، فلما ثبت من أنّه تعالى خالق للأفلاك والعناصر وما فيها من الأعراض والجواهر وأنواع المعادن والنباتات وأصناف الحيوانات على إتقان وإحكام تحيّرت فيه العقول والأفهام ، ولا تفي بتفاصيلها الدفاتر والأقلام على ما يشهد بذلك علم الهيئة والتشريح ونحوهما مع أنّ الإنسان لم يؤت من العلم إلاّ قليلا ، ولم يجد إلى الكثير سبيلا. والمراد اشتمال الأفعال على لطائف الصنع وبدائع الترتيب وحسن الملاءمة للمنافع والمطابقة للمصالح على وجه الكمال ، فلا يقدح الاشتمال على نوع من الخلل والشرور بالعرض.

ومنها : أنّ اللّه تعالى فاعل بالقصد والاختيار ، ولا يتصوّر ذلك إلاّ مع العلم بالمقصد.

ومنها : أنّ البارئ تعالى مجرّد ، وكلّ مجرّد عاقل ؛ لأنّ التعقّل والتجرّد متلازمان ،

ص: 130

بمعنى أنّ كلّ عاقل مجرّد ، وكلّ مجرّد عاقل.

بيانه : أنّ التعقّل عبارة عن إدراك شيء لم يعرضه العوارض الجزئيّة التي تلحق بسبب المادّة في الوجود الخارجيّ من الكمّ والكيف والأين والوضع إلى غير ذلك.

والتجرّد عبارة عن كون الشيء بحيث لا يكون مادّة ولا مقارنا لها مقارنة الصورة والأعراض.

فنقول : وجه كون كلّ عاقل مجرّدا أنّ التعقّل إنّما يكون بارتسام صورة المعقول في العاقل ، ومحلّ الصورة يجب أن يكون مجرّدا ؛ إذ لو كان مادّيّا ، لكان منقسما ، ويلزم من انقسامه انقسام الحالّ فيه ؛ إذ لم يكن الحلول من حيث لحوق طبيعة أخرى به ، كما في النقطة الحالّة في الخطّ لا من حيث ذاتها ، بل من حيث إنّها طبيعة أخرى وهي كونها نهاية الخطّ ، والصورة المعقولة ليست كذلك ، فيلزم انقسامها ، وذلك الانقسام إمّا إلى الأجزاء المتشابهة في الحقيقة ، فيلزم أن تكون الصورة المعقولة المجرّدة عن اللواحق المادّيّة من المقدار والوضع معروضة لها ، أو إلى أجزاء متخالفة ، فيلزم تركّب تلك الصورة من أجزاء غير متناهية بالفعل ، وهو محال ؛ لبرهان التطبيق.

ووجه اللزوم : أنّ المحلّ لكونه مادّيّا يقبل القسمة إلى غير النهاية ، فيكون الحالّ أيضا كذلك ، والفرض أنّ الأجزاء متخالفة في الحقيقة ، فلا بدّ أن تكون حاصلة بالفعل في المركّب ، فيلزم تركّب الشيء من أجزاء غير متناهية.

وأورد عليه بأنّ كلّ تعقّل ليس بالارتسام - كما في تعقّل الواجب - إلاّ أن يخصّص بالعلم الحصوليّ ، وأنّه يمكن أن يكون ذو الصورة بريئا عن عوارض الجسم ، ولا يكون الصورة كذلك.

ووجه كون كلّ مجرّد عاقلا أنّ كلّ مجرّد يصحّ أن يكون معقولا لبراءته عن الشوائب المادّيّة ، فلا يحتاج إلى عمل يعمل به ليعقل ؛ فإن لم يعقل كان ذلك من جهة العاقلة ، وكلّ ما يصحّ أن يكون معقولا ، يصحّ أن يكون معقولا مع غيره ؛ لصحّة

ص: 131

الحكم عليه بالوجود ونحوه من الأمور العامّة المعقولة ، الموقوف على تصوّرهما معا ، فكلّ ما يصحّ أن يكون معقولا مع غيره ، يصحّ أن يكون مقارنا لمعقول آخر ، وكلّ ما هو كذلك ، يصحّ أن يكون عاقلا إذا كان مجرّدا قائما بذاته ؛ لجواز مقارنتهما في الخارج ؛ لأنّ صحّة المقارنة المطلقة مقدّمة عليها ، وهي مقدّمة على المقارنة في العقل ؛ فالصحّة مقدّمة عليها ، فلا تتوقّف عليها ، وإلاّ يلزم الدور ، فإذا وجد في الخارج مجرّد قائم بذاته ، يكون صحّة مقارنته المطلقة - التي لا تتوقّف على المقارنة في العقل - بأن يحصل فيه المعقول حصول الحالّ في المحلّ ، وذلك لأنّه إذا كان قائما بذاته ، امتنع أن تكون مقارنته للغير بحلوله فيه ، أو حلولهما في ثالث.

والمقارنة المطلقة تنحصر في هذه الثلاث ، فإذا امتنع اثنتان منها ، تعيّن الثالثة وهي أن تكون مقارنته للمعقول مقارنة المحلّ للحالّ ، ولا نعني بالتعقّل إلاّ مقارنة المعقول للموجود المجرّد القائم بذاته مقارنة الحالّ لمحلّه ، فكلّ مجرّد يصحّ أن يكون عاقلا لغيره ، وكلّ ما هو كذلك ، يصحّ أن يكون عاقلا لذاته ؛ لاستلزام تعقّله الغير إمكان تعقّل أنّه تعقّله ، وذلك يستلزم إمكان تعقّل ذاته ؛ لأنّ تعقّل القضيّة يستلزم تعقّل المحكوم عليه ، فكلّ مجرّد يصحّ أن يكون عاقلا لذاته ، فيجب أن يكون عاقلا لذاته دائما ؛ لأنّ تعقّله لذاته إمّا بحصول نفسه ، أو بحصول مثاله. والثاني باطل ؛ لاستلزامه اجتماع المثلين ، فتعيّن أن يكون تعقّله بحصول نفسه ، ونفسه دائما حاصلة لا تغيب أصلا ، فيكون التعقّل دائما حاصلا ، فثبت أنّ كلّ مجرّد عاقل.

وأورد عليه بأنّه لا يتمّ في علم الواجب تعالى إلاّ أن يقال : إنّه مخصوص بالعلم الحصوليّ ، وغيره يقاس عليه.

وبأنّ تقدّم المقارنة المطلقة على المقارنة الخاصّة إنّما يصحّ إذا كانت المقارنة المطلقة ذاتية لها وهو ممنوع.

وبأنّه يجوز أن يصحّ لذات المجرّد المقارنة المطلقة المتحقّقة في ضمن الفرد الخاصّ - أعني المقارنة العقليّة - لا لتوقّف المطلقة عليها ، بل لعدم قبول ذات

ص: 132

المجرّد إلاّ هذه المقارنة الخاصّة ، مع أنّ ما ذكر يدلّ على امتناع توقّف المقارنة المطلقة بالنسبة إلى القسم الثالث أيضا من جهة لزوم الدور فيه أيضا على الوجه المذكور.

وبأنّه يجوز أن يكون من خاصيّة بعض المجرّدات أن يعقل المعقولات ، ويمتنع عليه أن يعقل أنّه تعقّلها.

والقياس على ما يجده الإنسان من نفسه لا يفيد حكما كلّيّا يقينيّا.

وفي هذا الباب مذاهب أخر حكي كلّ عن بعض :

الأوّل (1) : القول بكون وجود صور الأشياء في الخارج - سواء كانت مجرّدات أو مادّيّات ، مركّبات أو بسائط - مناطا لعالميّته تعالى بها حتّى بذاته ؛ لكفاية التغاير الاعتباري من جهة صحّة العالميّة والمعلوميّة في تحقّق النسبة التي يقتضيها حصول العلم ، وعلمه تعالى بغيره بارتسام صوره ، بل بحضورها بأنفسها عنده كعلمنا بذواتنا والأمور القائمة بها. وهو أقوى من الأوّل ، فلا يلزم كثرة الصور في الذات الأحديّ من كلّ وجه بحسب كثرة المعلومات.

وتغيّر المعلوم لا يستلزم تغيّر ذاته من صفة إلى أخرى ، بل التغيّر في العلم إن قلنا : إنّه إضافة [ أو ] إن قلنا : إنّه صفة حقيقيّة ذات إضافة ، وتغيّر الإضافات ممكن.

ولمّا أمكن اجتماع الوجوب بالغير والإمكان الذاتي ، لا يلزم أن لا يعلم الواجب

ص: 133


1- قال به السهرورديّ وتبعه المحقّق الطوسيّ وابن كمّونة وقطب الدين الشيرازيّ وشمس الدين محمّد الشهرزوريّ. انظر « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ١ : ٣٥٨ _ ٣٦٥ ؛ « المطارحات » ١ : ٤٨٨ ؛ « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » ٢ : ١٥٠ _ ١٥٣ ؛ « شرح مسألة العلم » : ٢٨ _ ٢٩ ؛ « شرح حكمة الإشراق » لقطب الدين الشيرازيّ : ٣٥٨ _ ٣٦٥ ؛ « الأسفار الأربعة » ٦ : ١٨١ ؛ « شوارق الإلهام » : ٥١٦ _ ٥١٨.

الحوادث قبل وقوعها من جهة أنّه يستلزم وجوبها ، أو انقلاب علمه جهلا إن لم تكن واجبة ، مع أنّ العلم تابع للمعلوم لا علّة له ومفيد لوجوبه ، لا بمعنى أنّ العلم الأزليّ متأخّر عنه حتّى يلزم الدور ، بل بمعنى أصالة موازنة ، أعني المعلوم ؛ لأنّ العلم حكاية عنه ومثال له كصورة الفرس المنقوشة على الجدار بالنسبة إلى ذات الفرس ، فكما يصحّ أن يقال : إنّما كانت الصورة هكذا ؛ لأنّ ذات الفرس هكذا ، ولا يصحّ أن يقال : إنّما كانت ذات الفرس هكذا ؛ لأنّ صورته هكذا ، كذلك يصحّ أن يقال : إنّي علمت زيدا فاسقا ؛ لأنّه كان في نفسه فاسقا ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه كان في نفسه فاسقا ؛ لأنّي علمته فاسقا ، فاللّه سبحانه إنّما علمهم في الأزل كذلك ؛ لأنّهم كانوا فيما لا يزال كذلك ، لا أنّ الأمر بالعكس.

والإيراد بأنّه يلزم أن لا يكون علمه تعالى فعليّا مدفوع بأنّ العلم الفعليّ إنّما يكون تصوّرا وهذا من الأمور التصديقيّة التي لا بدّ لها من واقع يطابقه.

الثاني : أنّ علمه تعالى بارتسام صور الممكنات في ذاته تعالى وحصولها فيه حصولا ذهنيا على الوجه الكلّيّ (1).

الثالث : القول باتّحاده مع الصور المعقولة (2).

الرابع : القول بإثبات الصور المفارقة والمثل العقليّة ، وأنّها علوم إلهيّة بها يعلم اللّه الموجودات كلّها (3).

الخامس : القول بثبوت المعدومات الممكنة قبل وجودها ، فعلم البارئ تعالى

ص: 134


1- هذا هو قول المشّائين. انظر « التعليقات » للفارابيّ : 24 ؛ « فصوص الحكم » : 58 ؛ « الجمع بين رأيي الحكيمين » : 106 ؛ « التعليقات » لابن سينا :1. 32 و 81 - 82 و 116 و 119 - 120 و 149 و 153 و 156 ؛ « الشفاء » الإلهيات : 363 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة ؛ « الأسفار الأربعة » 6 : 180 ؛ « شوارق الإلهام » : 516.
2- نسب هذا القول إلى فرفوريوس. انظر « الأسفار الأربعة » 6 : 186 ؛ « شوارق الإلهام » : 516 ؛ « شرح المنظومة » : 167.
3- نسب هذا القول إلى أفلاطون ، كما في « الملل والنحل » 2 : 90 - 91 ؛ « الجمع بين رأيي الحكيمين » : 105 ؛ « الأسفار الأربعة » 6 : 181 ؛ « شوارق الإلهام » : 516 ؛ « شرح المنظومة » : 165.

بثبوت هذه الممكنات في الأزل (1).

السادس : القول بأنّ ذاته علم إجماليّ بجميع الممكنات ، فإذا علم ذاته ، علم بعلم واحد كلّ الأشياء ، فللواجب علمان بالأشياء : علم إجماليّ مقدّم عليها ، وعلم تفصيليّ مقارن لها (2).

السابع : القول بأنّ ذاته تعالى علم تفصيليّ بالمعلول الأوّل وإجماليّ بما سواه ، وذات المعلول الأوّل علم تفصيليّ بالمعلول الثاني وإجماليّ بما سواه وهكذا إلى آخر الموجودات (3).

ويعرف ما في كلّ منها بالتأمّل.

ومنها : ما أفاده بعض المحقّقين (4) - وهو بالنسبة إلى علمه تعالى بذاته - : أنّ حقيقة العلم على قسمين :

الأوّل (5) : علمه بذاته تعالى. والدليل عليه - مع بداهته على ما ذكر بعض المحقّقين - أنّ حقيقة العلم مرجعها إلى حقيقة الوجود بشرط سلب النقائص العدميّة وعدم الاحتجاب بالملابس الظلمانيّة ، وأنّ كلّ ذات مستقلّة الوجود مجرّدة عمّا يلابسها ، فهي حاصلة لذاتها ، فتكون معقولة لذاتها ، وعقلها لذاتها هو وجود ذاتها لا غير ، وهذا الحصول أو الحضور لا يستدعي تغايرا بين الحاصل والمحصول له ، والحاضر والذي حضر عنده ، لا في الخارج ولا في الذهن ، فكلّ ما هو أقوى وجودا وأشدّ تحصّلا وأرفع ذاتا من النقائص والقصورات فيكون أتمّ عقلا ومعقولا ، وأشدّ عاقليّة لذاته.

ص: 135


1- هذا قول المعتزلة ، كما في « شرح المقاصد » 4 : 124 ؛ « الأسفار الأربعة » 6 : 181 - 182 ؛ « شرح المنظومة » : 165.
2- نسب هذا القول إلى أكثر المتأخّرين ، كما عن « الأسفار الأربعة » 6 : 181 ؛ « شرح المنظومة » : 166.
3- ذكره في « الأسفار الأربعة » 6 : 181 من دون نسبته إلى قائل معيّن ، وفي « شرح المنظومة » : 168 نسبه السبزواريّ إلى بعض الحكماء ، وهو مختاره أيضا.
4- هو الصدر الشيرازيّ في « الأسفار الأربعة » 6 : 174 - 175.
5- أمّا القسم الثاني فلم يذكره المصنّف.

فواجب الوجود لمّا كان مبدأ سلسلة الوجودات المترتّبة في أعلى مراتب شدّة الوجود وتجرّده ، ويكون غير متناه في كمال شدّته ، وغيره من الموجودات وإن فرض كونها غير متناهية في القوّة بحسب العدّة والمدّة لكنّها ليست بحيث لا يمكن تحقّق مرتبة أخرى في الشدّة هي فوقها ، فواجب الوجود لكونه فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى كان وزان عاقليّته لذاته على هذا الوزان ، فنسبة عاقليّته في التأكّد إلى عاقليّة الذوات المجرّدة لذواتها كنسبة وجوده في التأكّد إلى وجودها ، فعلم الموجود الحقّ بذاته أتمّ العلوم وأشدّها نورية وجلاء وظهورا ، بل لا نسبة لعلمه بذاته إلى علوم ما سواه بذواتها كما لا نسبة بين وجوده ووجودها ، وكما أنّ وجودات الممكنات منطوية مستهلكة في وجوده ، فكذلك علوم الممكنات منطوية في علمه بذاته.

ومنها : كلّ ما حكم به العقل بأنّه كمال لموجود ما من حيث هو موجود ولا يوجب تخصّصا بشيء أدنى ولا تغيّرا ولا تجسّما أو تركّبا ، وتحقّق في موجود من الموجودات ، كان ممكن التحقّق في الموجود الحقّ بالإمكان العامّ ، فيجب وجوده له تعالى لا محالة ، وإلاّ لكان فيه تعالى جهة إمكانيّة مقابلة للوجوب الذاتيّ ، وواجب الوجود لذاته واجب الوجود من جميع الحيثيّات ، ولا شكّ أنّ العلم صفة كماليّة للموجود بما هو موجود ولا يقتضي تجسّما ولا تغيّرا ولا مكانا خاصّا وقد تحقّق في كثير من الموجودات كالذوات العاقلة ، فيجب حصوله لذاته تعالى على سبيل الوجوب بالذات.

ومنها : أنّه كيف يسوغ عند ذي فطرة عقليّة أن يكون واهب كمال ما ومفيضه قاصرا عن ذلك الكمال ، فيكون المستوهب أشرف من الواهب ، والمستفيد أعلى من المفيد؟! وحيث تكون جميع الممكنات مستندة إلى ذاته تعالى التي هي وجوب صرف وفعليّة محضة ، ومن جملة ما يستند إليه هي الذوات العالمة ، والمفيض لكلّ شيء أوفى بكلّ كمال لئلاّ يقصر معطي الكمال عنه ، فكان الواجب عالما بذاته ،

ص: 136

وعلمه غير زائد على ذاته ؛ لأنّ ذاته منشأ انكشاف الأشياء ، والعلم عبارة عن هذا.

وبالنسبة إلى علمه تعالى بما سواه - من الكلّيّات والجزئيّات ممّا كان وما يكون وما هو كائن على وجه هي عليه في نفس الأمر - أنّه تعالى علّة تامّة لما سواه على ترتيب ونظام ، وقد ثبت أنّه تعالى عالم بالعلم التامّ بذاته ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة علّة تامّة للعلم بمعلولها ؛ إذ لا بدّ في كلّ علّة مستقلّة لمعلول أن يكون المعلول من لوازمها ، فكلّ معلول من لوازم ذات علّته المقتضية إيّاه ، فكلّما حصلت تلك العلّة بخصوصها - سواء كان حصولها في ذهن أو خارج - حصل ذلك المعلول بخصوصه ؛ لأنّه من لوازم ذاتها ، ولا عكس ؛ فإنّ المعلول لا يقتضي إلاّ علّة ما من جهة إمكانه وافتقاره لا علّته بخصوصها ، وإلاّ لكانت العلّة معلولة لمعلولها.

فحصول العلّة برهان قاطع على وجود المعلول بخصوصه ، وحصول المعلول برهان قاطع على علّة ما ودليل ظنّيّ على ذات العلّة بخصوصها ، وإنّما سمّي الاستدلال من المعلول على العلّة قسما من البرهان ، وهو المسمّى بالبرهان الإنّيّ بالاعتبار الأوّل ، لا بالاعتبار الثاني.

وبالجملة ، فالعلم بالعلّة التامّة يوجب العلم بالمعلول ، بل العلم بذي السبب علما نظريّا متعلّقا بذاته المتعيّنة لا يحصل إلاّ من جهة العلم بسببه ؛ لأنّه إذا نظر إليه من حيث هو مع قطع النظر عن سببه ، امتنع الجزم برجحان أحد طرفيه على الآخر ؛ لتساويهما نظرا إلى ذات الممكن ، وإذا التفت إلى وجود سببه ، حكم بوجوده حكما قطعيّا ، فكان علمه تعالى بجميع ما عداه لازما لعلمه بذاته ، كما أنّ وجود ما عداه تابع لوجود ذاته.

وأمّا كيفيّة هذا العلم على وجه لا يلزم منه تكثّر في ذاته ولا في صفاته الحقيقيّة ، ولا كونه فاعلا وقابلا ، ولا يبقى اشتباه بأنّ هذا العلم هل هو قبل الأشياء أو بعدها أو معها بأن لا يعلمها إلاّ حين وجودها ، فيكون لها فيه تأثير ، ويكون بسببها بحال لم يكن قبل ذلك الحال ، فلا يكون واجب الوجود بالذات واجب الوجود من

ص: 137

جميع الجهات؟

فبيانها أنّ الواجب تعالى هو المبدأ الفيّاض لجميع الحقائق والماهيّات ، فيجب أن يكون ذاته مع بساطته وأحديّته كلّ الأشياء ، ويكون لكلّ واحد منها وجود إجماليّ في مرتبة ذات العلّة ، فعقله لذاته عقل لجميع ما سواه ، وعقله لذاته مقدّم على وجود جميع ما سواه ، فعقله لجميع ما سواه سابق على جميع ما سواه ، فيكون علمه تعالى بجميع الأشياء حاصلا في مرتبة ذاته بذاته قبل وجود ما عداه.

وهذا هو العلم الكماليّ التفصيليّ من وجه والإجماليّ من وجه ؛ وذلك لأنّ المعلولات على كثرتها وتفصيلها موجودة بوجود واحد بسيط ، ففي هذا المشهد الإلهيّ والمجلى الأزليّ ينكشف ويتجلّى الكلّيّ من حيث لا كثرة فيها ، ولا يلزم أن يكون الواجب تعالى ذا ماهيّة حتّى يلزم أن يكون معلولا ؛ لأنّ كون الشيء ذا ماهيّة عبارة عن كونه بحيث يفتقر في اتّصافه بوجوده إلى شيء آخر ، ولا يكون أيضا متحقّق الوجود في جميع المراتب الوجوديّة ، فيتحقّق قبل وجوده الخاصّ مرتبة لم يكن هو موجودا في تلك المرتبة مع تحقّق إمكان الوجود لماهيّته في تلك المرتبة ، ففي تلك المرتبة انفكّت الماهيّة عن وجودها الخاصّ بها ، وواجب الوجود ليس على هذا الوجه ؛ إذ لا حدّ له ولا نهاية لوجوده ؛ لكونه غير متناه في مراتب الشدّة والكمال ، كلّ مرتبة منها غير متناهية في عدّة الآثار والأفعال وهو واحد حقيقي غير ذي ماهيّة ، ولا تخلو عنه أرض ولا سماء ، ولا برّ ولا بحر ، ولا عرش ولا فرش ألا إلى اللّه تصير الأمور.

فعلمه تعالى بالأشياء في مرتبة ذاته ليس بصور زائدة مغايرة لذاته ، بل هي معان كثيرة غير محدودة انسحب عليها حكم الوجود الواجبي من غير أن يصير وجودا لكلّ منها أو لشيء منها ، بل كان مظهرا لكلّ منها.

فالقائل بأنّه تعالى ليس عالما بشيء من الموجودات غير ذاته وصفاته التي هي عين ذاته كالقائل بأنّه تعالى ليس عالما بشيء أصلا بناء على أنّ العلم عندهم عبارة

ص: 138

عن إضافة بين العالم والمعلوم ، والإضافة بين الشيء ونفسه أو صورة زائدة على ذات المعلوم مساوية له ، فيلزم تعدّد الواجب ، وإذا لم يعلم ذاته لم يعلم غيره ؛ إذ علم الشيء بغيره بعد علمه بذاته ، فقد ضلّ ضلالا بعيدا ، وخسر خسرانا مبينا ، فما أشنع وأقبح من أن يدّعي (1) مخلوق لنفسه الإحاطة العلميّة بجلائل الملك ودقائق الملكوت ، ويسمّي نفسه فيلسوفا حكيما ، ثمّ يرجع ويسلب العلم - بأيّ شيء كان من الأشياء - عن خالقه الحكيم العليم الذي أفاض ذوات العلماء ، ونوّر قلوبهم بمعرفة الأشياء.

والدليل النقليّ على هذا المطلب أيضا كثير ، كقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2) وقوله تعالى : ( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ) (3) وقوله تعالى : ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ ) (4) وقوله تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ ) (5) وقوله تعالى : ( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ) (6) ونحو ذلك.

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم اللّه عزّ وجلّ؟ قال : « لا ، بل كان في علمه قبل أن ينشئ السماوات والأرض ». (7)

وعن الرضا علیه السلام أنّه قال : « ... فلم يزل اللّه - عزّ وجلّ - علمه سابقا للأشياء قديما قبل أن يخلقها ... خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء » (8).

وعن جعفر بن محمّد ، عن أبيه علیهماالسلام أنّه قال : « إنّ لله علما خاصّا وعلما عامّا ،

ص: 139


1- تقدّمت المناقشة في ص 125.
2- الأنفال (8) : 75 ؛ التوبة (9) : 115 ؛ العنكبوت (29) : 62.
3- سبأ (34) : 3.
4- البقرة (2) : 255.
5- الأنعام (6) : 59.
6- الأعلى (87) : 7.
7- « التوحيد » : 135 باب العلم ، ح 6.
8- نفس المصدر : 137 ، ح 8.

فأمّا العلم الخاصّ فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين. وأمّا علمه العامّ فإنّه علمه الذي أطلع عليه ملائكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين. وقد وقع إلينا عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » (1).

وعن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال : « إنّ لله لعلما لا يعلمه غيره ، وعلما يعلمه ملائكته المقرّبون وأنبياؤه المرسلون ، ونحن نعلمه ». (2)

وعنه علیه السلام أنّه قال في العلم : « هو كيدك (3) منه » (4).

وعن الرضا علیه السلام أنّه قال بعد السؤال عن علمه تعالى قبل الأشياء : « إنّ اللّه هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء » (5).

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال بعد سؤال الزنديق : « هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة ، بل يسمع بنفسه ، ويبصر بنفسه ، وليس قولي : إنّه سميع بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر ، ولكنّي أردت عبارة عن نفسي ؛ إذ كنت مسئولا ، وإفهامك ؛ إذ كنت سائلا ، فأقول : يسمع بكلّه ، لا أنّ له بعضا لأنّ الكلّ لنا بعض ، ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي ، وليس مرجعي في ذلك كلّه إلاّ أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف معنى » (6) إلى غير ذلك من الأخبار ، كما سيأتي الإشارة إليها إن شاء اللّه تعالى.

وبالجملة ، فإلى بعض ما ذكرنا أشار المصنّف رحمه اللّه بقوله : ( والإحكام ، والتجرّد ، واستناد كلّ شيء إليه دلائل العلم ، والأخير عامّ ) فقد نظمت ذلك بقولي :

ص: 140


1- نفس المصدر : 138 ، ح 14.
2- نفس المصدر ، ح 15.
3- بمعنى أنّ العلم كمال له تعالى كما أنّ يدك كمال لك. ( منه رحمه اللّه ).
4- في المصدر : « وهو كيدك منك ».
5- « التوحيد » : 136 باب العلم.
6- « الكافي » 1 : 83 باب إطلاق القول بأنّه شيء ، ح 6 و: 109 باب آخر وهو من الباب الأوّل ، ح 2 ؛ « التوحيد » : 142 - 145 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 10.

كلّ من الإحكام والتجرّد *** ثمّ استناد الكلّ بالتعدّد

دليل علم أكمل العلوم *** وذلك الأخير ذو العموم

بمعنى أنّ اللّه تعالى فعل الأفعال المحكمة المتقنة في العالم ، وكلّ من كان كذلك فهو عالم.

أمّا الصغرى ، فبالحسّ والعيان ؛ لظهور آثار الحكمة والإتقان في العالم العلويّ والسفليّ من البسيط والمركّب الجماديّ والنباتيّ والحيوانيّ والأنفس والآفاق المشتملة على لطائف الصنع وبدائع الترتيب والمصالح والمنافع كما يطّلع عليه أهل علم الهيئة والتشريح ، بل يحكى عن أهل علم التشريح أنّهم وجدوا اثني عشر ألفا من الخواصّ في بدن الإنسان. إلى غير ذلك من الحكم كما يشير إليه ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال :

وتزعم أنّك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر(1)

وأمّا الكبرى فبالضرورة العقليّة ؛ لاستحالة وقوع المحكم المتقن من غير العالم.

وأنّ اللّه تعالى مجرّد ، وكلّ مجرّد عالم بذاته وبغيره.

أمّا الصغرى فلوجوب الوجوب المنافي للاحتياج الذي هو من لوازم عدم التجرّد.

وأمّا الكبرى فلأنّ التجرّد مستلزم لصحّة المعقوليّة والعاقليّة ؛ لإمكان المقارنة بحصوله معقولا أو عاقلا للآخر كما تقدّم.

وأنّ اللّه تعالى واجب وما سواه ممكن ، وكلّ ممكن مستند إلى الواجب تعالى بلا واسطة أو بواسطة.

واللّه تعالى عالم بذاته بالعلم التّام - بمعنى حضور ذاته عنده وعدم غيبوبة ذاته عن ذاته - وذاته علّة تامّة لجميع ما سواه ، والعلم التامّ بالسبب التامّ سبب تامّ للعلم

ص: 141


1- الديوان المنسوب للإمام عليّ علیه السلام : 178.

التامّ بالمعلول العامّ من الكلّيّ والجزئيّ وأحوالهما وكيفيّاتهما وكمّيّاتهما ونحو ذلك من الموجودات الخارجيّة والذهنيّة ، فلا يعزب عنه شيء من الممكنات ، بل الممتنعات.

وهذا معنى قوله : « والأخير عامّ » بمعنى أنّه يقتضي العلم بالكلّيّات والجزئيّات المجرّدة والمادّيّات.

وقال الفاضل اللاهيجيّ رحمه اللّه (1) : « أشار بقوله : والإحكام ، والتجرّد ، واستناد كلّ شيء إليه دلائل العلم. إلى دليلين مشهورين :

أوّلهما : في المشهور للمتكلّمين وهو يدلّ على ثبوت علمه تعالى بأفعاله أوّلا ، وبواسطته على ثبوت علمه بذاته. وإنّما قلنا : في المشهور ؛ لأنّ الحكماء أيضا يستدلّون به كما ستعلم.

وثانيهما : للحكماء وهو بالعكس من الأوّل ، أعني أنّه يدلّ على ثبوت علمه بذاته أوّلا ، وبواسطته على ثبوت علمه بمعلولاته.

أمّا الأوّل : فتقريره أنّ أفعاله تعالى محكمة متقنة ، وكلّ من كان فعله محكما متقنا ، فهو عالم.

أمّا الكبرى فبديهيّة بعد الاستقراء والاختبار ؛ فإنّ من رأى خطوطا مليحة أو سمع ألفاظا فصيحة تنبئ عن معان دقيقة وأغراض صحيحة ، لم يشكّ في أنّها صادرة عن علم ورويّة لا محالة.

فإن قيل : كيف يمكن ادّعاء الضرورة في الكبرى وقد أسند جمع من العقلاء الحكماء عجائب خلقة الحيوان وتكوّن تفاصيل الأعضاء إلى قوّة عديمة الشعور سمّوها المصوّرة؟!

قلنا : خفاء الضروري على بعض العقلاء جائز ، على أنّهم لم يجعلوا المصوّرة

ص: 142


1- « شوارق الإلهام » 509.

مستقلّة في ذلك ، بل هم معترفون بكونها مسخّرة تحت إرادة صانع خبير - جلّت صنعته - كما صرّح به الشيخ في مواضع من الشفاء (1) وسائر كتبه (2) ، وقد مرّ في مبحث القوى وفي مبحث إثبات الغايات للطبيعيّات من هذا الكتاب (3) ، هذا.

وأمّا الصغرى فلما في خلق الأفلاك والعناصر وأنواع الحيوان والنبات والمعادن على انتظام واتّساق ومن عجائب الصنع وغرائب التدبير وآثار الإتقان والإحكام بحيث تحار فيها العقول والأفهام ، ولا تفي بتفاصيلها الدفاتر والأقلام ، على ما شهد بذلك علم الهيئة والتشريح ، وعلم الآثار العلوية والسفلية ، وعلم الحيوان والنبات.

وإلى جميع ذلك أشير في قوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (4) فكيف إذا رقي إلى عالم الروحانيّات والمجرّدات النفسيّة والعقليّة مع أنّ الإنسان لم يؤت من العلم إلاّ قليلا ، ولم يجد إلى كثير منه سبيلا.

ناهيك في ذلك قول أفضل البشر بعد سيّدهم في خطبة من خطب نهج البلاغة : « وما الذي نرى من خلقك ، ونعجب له من قدرتك ، ونصفه من عظيم سلطانك ، وما تغيّب عنّا منه ، وقصرت أبصارنا عنه ، وانتهت عقولنا دونه ، وحالت سواتر الغيوب بيننا وبينه أعظم ، فمن فرّغ قلبه ، وأعمل فكره ، ليعلم كيف أقمت عرشك ، وكيف ذرأت خلقك ، وكيف علّقت في الهواء سماواتك ، وكيف مددت على مور الماء أرضك ، رجع طرفه حسيرا ، وعقله مبهورا ، وسمعه والها ، وفكره حائرا » (5) هذا.

ص: 143


1- « الشفاء » الطبيعيّات 1 : 48 وما بعدها ، والإلهيّات : 283 ، الفصل الخامس من المقالة السادسة.
2- « شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 227 - 229 و 3 : 15 و 361.
3- أي « شوارق الإلهام » : 240 - 251.
4- البقرة (2) : 164.
5- « نهج البلاغة » 295 ، الخطبة (160).

فإن قيل : إن أريد بالإحكام حسن الصنيعة ، أو مطابقة المنفعة من جميع الوجوه ، فلا نسلّم أنّ المخلوقات كذلك.

أمّا مطابقة المنفعة فلكثرة ما نشاهده في العالم من الآفات.

وأمّا حسن الصنيعة فلأنّا لا ندري أنّ تركيب السماوات والكواكب وأبدان الحيوانات على وجه أحسن ممّا هي عليه الآن ممكن ، أم لا؟ وإن أريد من بعض الوجوه ، فلا نسلّم دلالته على العلم ؛ فإنّ فعل النائم والساهي ، بل الجماد قد يستحسن وينفع من بعض الوجوه. وإن أريد شيء آخر ، فلا بدّ من بيانه.

قلت : المراد به حسن الصنيعة ومطابقة المنفعة غالبا وعلى سبيل الكثرة دون الندرة ، وما نحن بصدده كذلك ؛ إذ لا ريب في أنّ ترتيب السماوات والعناصر والكواكب سيّما الشمس والقمر ، وسيرهما في فلكيهما على وجه يقربان تارة ويبعدان أخرى ، فيتعلّق بذلك الحرّ والبرد ورطوبة الهواء ويبوسته وكثرة الأنداء والأمطار وشدّة الحرّ وإنضاج الثمار وتربية النبات وصلاح الأمزجة ترتيب مطابق للمنفعة ، مستحسن الصنعة غالبا.

وكذلك القول في أعضاء الحيوان وما ذكره الأطبّاء فيها وفي مواضعها من الحكم اللطيفة ، فإذا عنى بالإحكام مجموع الأمور الثلاثة ، فلا يرد فعل الساهي والنائم ؛ لكونه نادرا جدّا.

وكذلك الحركات الصادرة عن الجمادات إمّا أن لا تكون كثيرة ، أو لا تكون مستحسنة ، وإن كانت مستحسنة لم تكن مطابقة للمنفعة. كذا في « نقد المحصّل ». (1)

ولا بدّ أن نذكر هاهنا شيئا ممّا ذكره الحكماء في بيان حكمته تعالى في ترتيب هذا النظام المشاهد ، وأنّه في غاية الإتقان ونهاية الإحكام.

قال الشيخ في كتاب المبدأ والمعاد : « لمّا كان علم الأوّل بنظام الخير في الوجود

ص: 144


1- « نقد المحصّل » : 279 - 280.

علما لا نقص فيه ، وكان ذلك العلم سببا لوجود ما هو علم به ، حصل الكلّ في غاية الإتقان ، لا يمكن أن يكون الخير فيه إلاّ ما هو عليه ، ولا شيء ممّا يمكن أن يكون له إلاّ وقد كان له ، فكلّ شيء من الكلّ على جوهره الذي ينبغي له ، فإن كان فاعلا فعلى فعله الذي ينبغي ، وإن كان مكانيّا فعلى مكانه الذي ينبغي ، وإذا كان الخير فيه هو أن يكون منفعلا قابلا للأضداد ، فقوّته مقسومة بين الضدّين على البدل ، وإذا كان أحدهما بالفعل فهو الآخر بالقوّة ، والذي بالقوّة حقّ أن يصير بالفعل مرّة ، ولكلّ ذلك أسباب معدّة. وما عرض له من ذلك أن يزول عن كماله بالقسر فإنّ فيه قوّة تردّه إلى الكمال ، وجعلت الأسطقسّات قابلة للقسر حتّى يمكن فيها المزاج ، ويمكن بقاء الكائنات منها بالنوع ؛ فإنّ ما أمكن بقاؤه بالعدد أعطي السبب المستبقي له على ذلك ، وكانت القسمة العقليّة توجب باقيات بالعدد وباقيات بالنوع ، فوفّى الكلّ وجوده ، ورتّبت الأسطقسّات مراتبها ، فأسكن النار منها أعلى المواضع وفي مجاورة الفلك ، ولو لا ذلك لكان مكانها في موضع آخر ، وعند الفلك مكان جرم آخر يلزمه السخونة ؛ لشدّة الحركة ، فيتضاعف الحارّ بالفعل وبغليان سائر الأسطقسّات ، فيزول العدل.

ولمّا كان يجب أن يغلب في الكائنات - التي تبقى بالنوع - الجوهر اليابس والصلب ، ومكان كلّ كائن حيث يكون الغالب عليه ، وجب أن يكون الأرض أكثر بالكمّ في الحيوان والنبات ، ومع ذلك فقد كان يجب أن يكون مكانها أبعد من الحركات السماويّة ؛ فإنّ تلك الحركة إذا بلغت بتأثير الأجساد غيّرتها وأفسدتها ، فوضعت الأرض في أبعد المواضع عن الفلك ، وذلك هو الوسط ، وإذا كان الماء يتلو الأرض في هذا المعنى وكان مكانا أيضا لكثير من الكائنات وكان مشارك الأرض في الصورة الباردة ، جعل الماء يتلو الأرض ، ثمّ الهواء بهذا السبب ، ولأنّه يشارك النار في الطبيعة.

ولمّا كانت الكواكب أكثر تأثيرها بوساطة الشعاع النافذ عنها وخصوصا الشمس

ص: 145

والقمر وكانت هي المدبّرة لما في هذا العالم ، جعل ما فوق الأرض من الأسطقسّات مشفّا لينفذ فيها الشعاع ، وجعلت الأرض ملوّنة بالغبرة ليثبت عليها الشعاع ولم يحط بها الماء فيستقرّ عليها الكائنات.

والسبب الطبيعيّ في ذلك يبس الأرض وحفظها للشكل الغريب إذا استحال منه أو إليه ، فلا يبقى مستديرا بل مضرّسا ، ويميل الماء إلى الغور من أجزائه ، والأجرام السماويّة لم تخلق بجميع أجزائها مضيئة ، وإلاّ لتشابه فعلها في الأمكنة والأزمنة ، ولا بجميع أجزائها كثيفة ، وإلاّ لما نفذ عنها الشعاع ، بل خلق فيها كواكب ، ثمّ لم يجعل الكواكب ساكنة ، وإلاّ أفرط فعلها في موضع بعينه ، ففسد ذلك الموضع ولم يؤثّر في موضع آخر ، ففسد ذلك أيضا ، بل جعلت متحركة لينتقل التأثير من موضع إلى آخر ، ولا يبقى في موضع واحد فيفسد.

ولو كانت الحركة التي ترى لها غير سريعة ، لفعلت من الإفراط والتفريط ما يفعل السكون ، ولو كانت حركتها الحقيقيّة تلك السريعة بعينها ، للزمت دائرة واحدة وأفرط فعلها هناك ولم يبلغ سائر النواحي ، بل جعلت هذه الحركة فيها تابعة لحركة مشتملة على الكلّ ، ولها في نفسها حركة بطيئة تميل بها إلى نواحي العالم جنوبا وشمالا ، ولو لا أنّ للشمس مثل هذه الحركة لم يكن شتاء ولا صيف ولا فصول ، فخولف بين منطقتي الحركتين ، وجعلت الأولى سريعة وهذه بطيئة ، فالشمس تميل إلى الجنوب شتاء ليستولي على الأرض الشماليّة البرد ، وتتحقّق الرطوبات في باطن الأرض وتميل إلى الشمال بعد ذلك صيفا لتستولي الحرارة على ظاهر الأرض ، وتستعمل الرطوبات في تغذية النبات والحيوان ، وإذا جفّ باطن الأرض يكون البرد جاء ، والشمس مالت فتارة تحيل الأرض غذاء ، وتارة تعدّ.

ولمّا كان القمر يفعل شبيه ما يفعل الشمس من التسخين والتحليل إذا كان متبدّرا قويّ النور ، جعل مجراه في تبدّره مخالفا لمجرى الشمس ، فالشمس تكون في الشتاء جنوبيّة والبدر شماليّا لئلاّ يعدم السببان المسخّنان معا.

ص: 146

ولمّا كانت الشمس صيفا على سمت رءوس أهل المعمورة ، جعل أوجها هناك لئلاّ يجتمع قرب الميل وقرب المسافة معا ، ويشتدّ التأثير.

ولمّا كانت شتاء بعيدة عن سمت الرءوس ، جعل سمت حضيضها هناك لئلاّ يجتمع بعد الميل وبعد المسافة فينقطع التأثير.

ولو كانت الشمس دون هذا القرب ، أو فوق هذا البعد ، لما استوى تأثيرها الذي يكون عنها الآن.

وكذلك يجب أن يعتقد في كلّ كوكب وفي كلّ شيء ، ويعلم أنّه بحيث ينبغي أن يكون عليه » (1). انتهى كلام الشيخ.

وقوله : وكذلك يجب أن يعتقد ... معناه أنّه لمّا دلّ التدبير - التامّ المعلوم لنا في البعض - على علم الفاعل تعالى ، وأنّ هذا التدبير مسبّب عن علم كامل ، دلّ ذلك على التدبير في سائر أفعاله وإن لم نعلمه ، فليتدبّر.

فظهر أنّ الاستدلال بهذا الوجه غير مختصّ بالمتكلّمين ، بل هو أحرى بالحكماء ؛ لأنّ وجوه الإتقان والإحكام من التدابير الكلّيّة والمنافع الجزئيّة إنّما ظهرت بحسن سعيهم وشدّة اعتنائهم كما لا يخفى على المتدرّب في فهم العلوم الطبيعيّة والرّياضيّة ، فثبت علمه تعالى بأفعاله ، وأنّها صادرة عنه عالما بمصالحها ومنافعها.

فإن قيل : دليلكم منقوض بما قد يصدر عن بعض الحيوانات العجم من الأفعال المحكمة المتقنة في ترتيب مساكنها وتدبير معايشها كما لكثير من الوحوش والطيور ، على ما هو في الكتب مسطور ، وفيما بين الناس مشهور.

وكفى في ذلك ما يفعله النحل من البيوت المسدّسات المتساوية بلا مسطرة ولا فرجار ، واختيارها للمسدّس الذي هو أوسع من المثلّث والمربّع والمخمّس ،

ص: 147


1- « المبدأ والمعاد » لابن سينا : 88 - 90.

ولا يقع بين المسدّسات فرج كما يقع بين المدوّرات وما سواها من المضلّعات ، وهذا لا يعرفه إلاّ الحذّاق من أهل الهندسة.

وكذلك العنكبوت ينسج تلك البيوت ، وتجعل لها سدى ولحمة على تناسب هندسي بلا آلة مع أنّها ليست من أولي العلم.

قلنا : لا نسلّم أنّها ليست من أولي العلم مطلقا ؛ لجواز أن يكون فيها قدر ما يهتدي إلى ذلك بأن يخلقها اللّه تعالى عالمة بذلك ، أو يلهمها هذا العلم حين ذلك الفعل.

قال الشيخ في طبيعيّات الشفاء : « من الواجب أن يبحث الباحث ، ويتأمّل أنّ الوهم - الذي لم يصحبه العقل حال توهّمه - كيف ينال المعاني التي في المحسوسات عند ما ينال الحسّ صورتها من غير أن يكون شيء من تلك المعاني يحسّ؟

فنقول : إنّ ذلك للوهم من وجوه : من ذلك الإلهامات الفائضة على الكلّ من الرحمة الإلهيّة مثل حال الطفل ساعة يولد في تعلّقه بالثدي ، ومثل حال الطفل إذا أفل وأقيم ، فكاد يسقط من مبادرته إلى أن يتعلّق ويعتصم بشيء لغريزة جعلها فيه الإلهام الإلهيّ ، وإذا تعرّض لحدقته بالقذى ، بادر ، فأطبق جفنه قبل فهم ما يعرض له ، وما ينبغي أن يفعل بحسبه كأنّه غريزة لنفسه لا اختيار معه ، وكذلك للحيوانات إلهامات غريزيّة.

والسبب في ذلك مناسبات موجودة بين هذه الأنفس ومبادئها هي دائمة لا تنقطع غير المناسبات التي يتّفق أن تكون مرّة ، وأن لا تكون كاستعمال العقل وكخاطر الصواب ؛ فإنّ الأمور كلّها من هناك.

وهذه الإلهامات يقف بها الوهم على المعاني المخالطة للمحسوسات فيما يضرّ وينفع ، فيكون الذئب يحذره كلّ شاة وإن لم تره قطّ ولا أصابتها منه نكبة ، وتحذر الأسد حيوانات كثيرة ، وجوارح الطير يحذرها سائر الطير ويشنع عليها الطير

ص: 148

الضعاف من غير تجربة ، فهذا قسم (1). » ثمّ ذكر الأقسام الأخر. وفيما ذكرناه كفاية.

وعند الإشراقيّين أنّ لكلّ نوع من الجسمانيّات : البسائط والمركّبات عقلا مجرّدا مدبّرا له ذا عناية به ، معتنيا بشأنه ، حافظا إيّاه ، ويسمّون تلك العقول أرباب الطلسمات ، والطلسم عندهم عبارة عن النوع الجسمانيّ ، فكلّ من تلك العقول ربّ لطلسم أي مربّ إيّاه يربّي كلّ فرد منه ويوصله إلى كماله ، ويلهمه ويهديه إلى مصالحه (2).

وشيخ الإشراق يؤوّل ما ذهب إليه أفلاطن ومن سبقه من الفلاسفة كهرمس وفيثاغورس وأبناذقلس من القول بالمثل إلى ذلك (3).

وبالجملة ، فهذا السؤال ممّا يؤكّد إحكام أفعاله تعالى وإتقانها ، وتحقّق وجه الاستدلال بها على كمال علمه وتدبيره وعنايته تعالى بالمخلوقات ، كما لا يخفى.

وأمّا إيراد هذا السؤال على سبيل المنع على الكبرى ، فخارج عن القانون ؛ لادّعاء الضرورة فيها كما مرّ. وإذا ثبت علمه تعالى بأفعاله ، دلّ على علمه بذاته أيضا ؛ لأنّ كلّ من علم شيئا فله أن يعلم أنّه يعلمه ، وهذا ضروري ، وكلّ ما هو ممكن في حقّه تعالى فهو واجب له ؛ لبراءته عن القوّة والإمكان الخاصّ ، فهو يعلم ذاته بالفعل دائما وهو المطلوب.

قال الشيخ في الإشارات : إنّك تعلم أنّ كلّ شيء يعقل شيئا فإنّه يعقل بالقوّة القريبة من الفعل أنّه يعقله ، وذلك عقل منه لذاته ، فكلّ ما يعقل شيئا فله أن يعقل ذاته (4).

واعترض عليه الإمام بأنّ العقول المفارقة ليس منها شيء بالقوّة ، فهي إنّما تعقل

ص: 149


1- « الشفاء » الطبيعيات 2 : 162 - 163 ، الفصل الثالث من المقالة الرابعة من الظنّ السادس.
2- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 143.
3- نفس المصدر : 154 - 164.
4- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 2 : 382 - 383.

بالفعل ، فكان الواجب أن يقول : فإنّه يمكن أن يعقله بالإمكان العامّ (1).

وأجاب عنه المصنّف بأنّ الإمكان العامّ يقع على الإمكانات البعيدة حتّى على دائم العدم من غير ضرورة ، ولذلك لم يعبّر به الشيخ عن المقصود في هذا الموضع ، وعبّر بالقوّة القريبة التي هي العقل بالفعل ، وهو الذي يقتضي أن يكون للعاقل أن يلاحظ معقوله متى شاء.

فالمراد أنّ كلّ شيء يعقل شيئا فله أن يعقل بالفعل متى شاء أنّ ذاته عاقلة لذلك الشيء ؛ وذلك لأنّ تعقّله لذلك الشيء هو حصول ذلك الشيء ، وتعقّله لكون ذاته عاقلة لذلك هو حصول ذلك الحصول له ، ولا شكّ أنّ حصول الشيء لشيء لا ينفكّ عن حصول ذلك الحصول له إذا اعتبر معتبر ، فتعقّل الشيء مشتمل على تعقّل صدور التعقّل من المتعقّل بالقوّة القريبة ، فالمشتمل على القوّة القريبة هو التعقّل لا المتعقّل. وكون المتعقّل بحيث يجب أن يكون له بالفعل ما يكون لغيره بالقوّة بسبب يرجع إلى ذاته لا ينافي ذلك (2).

هذا ، وللمتكلّمين طريق آخر في إثبات علمه تعالى ، وهو أنّه تعالى فاعل بالقصد والاختيار - كما مرّ - ولا يتصوّر ذلك إلاّ مع العلم بالمقصود.

ويرد عليه منع استدعاء صدور الفعل الاختياريّ العلم بالمقصود ، مستندا بصدوره عن الحيوانات العجم مع خلّوها عن العلم.

وادّعاء الضرورة فيه لا يخلو عن إشكال ؛ لمكان فعل النائم والساهي ، ولا فرق بين القليل والكثير في ذلك ؛ إذ لو امتنع صدور الكثير بلا علم ، امتنع صدور الواحد ؛ لامتناع تحقّق المشروط بدون تحقّق الشرط.

فدعوى المواقف (3) ضرورة الفرق غير مسموعة ، والمفروض أنّه لا دخل للإتقان

ص: 150


1- نفس المصدر السابق.
2- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 2 : 383.
3- « شرح المواقف » 8 : 67.

في هذا الدليل ، فقول شارح المواقف (1) في توجيه كلام المصنّف - من أنّها يجوز صدور قليل من المتقن من قادر غير عالم ، ولا يجوز صدور كثير عنه - مبنيّ على الخلط ، كما لا يخفى.

وقال شارح المقاصد : إنّ المحقّقين من المتكلّمين على أنّ طريق القدرة والاختيار أوكد وأوثق من طريقة الإحكام والإتقان ؛ لأنّ عليها سؤالا صعبا ، وهو أنّه لم لا يجوز أن يوجب البارئ تعالى موجودا تسند إليه تلك الأفعال المتقنة المحكمة ، ويكون له العلم والقدرة؟

ودفعه بأنّ إيجاد مثل ذلك الموجود ، وإيجاد العلم والقدرة فيه يكون أيضا فعلا محكما ، بل أحكم ، فيكون فاعله عالما لا يتمّ إلاّ ببيان أنّه قادر مختار ؛ إذ الإيجاب بالذات من غير قصد لا يدلّ على العلم ، فيرجع طريق الإتقان إلى طريق القدرة ، مع أنّه كاف في إثبات المطلوب (2).

وفيه نظر.

ومنهم من يتمسّك في إثبات علمه تعالى بالأدلّة السمعيّة من الكتاب والسنّة والإجماع وليس بذلك ؛ إذ تصديق الرسل والكتب يتوقّف على التصديق بالعلم والقدرة.

وما قيل من أنّه إذا ثبت صدق الرسل بالمعجزات ، حصل العلم بكلّ ما أخبروا به وإن لم يخطر بالبال كون المرسل عالما ، ففيه أنّ دلالة المعجزة على صدق الرسل تتوقّف لا محالة على أن يكون المرسل عالما قادرا ؛ فإنّ طلب المعجزة ليس إلاّ طلب تصديق الرسول من المرسل ، فلا بدّ من كونه عالما بالطلب وقادرا على التصديق.

ص: 151


1- نفس المصدر السابق.
2- « شرح المقاصد » 4 : 112.

نعم ، يصحّ ذلك في صفة الكلام من غير لزوم دور ؛ فإنّ صدق الرسول لا يتوقّف على كون المرسل متكلّما ؛ لصحّة الإرسال من غير تكلّم بأن ينصب ما يدلّ على المراد.

وقد يقال : لعلّ تمسّكهم بالأدلّة السمعيّة إنّما هو في عموم العلم وشموله لجميع الموجودات كلّيّة كانت أو جزئيّة ، فلا يلزم الدور ، فتأمّل.

وأمّا الثاني من الطريقين على إثبات علمه تعالى بذاته وبما سواه - وهو المختصّ بالحكماء - فتقريره أنّه تعالى مجرّد عن المادّة وغواشيها ؛ لأنّ ملابسة الغواشي المادّيّة نقص وحاجة ، فهي ممتنعة عليه تعالى ، وكلّ مجرّد عاقل لذاته ؛ لما مرّ في مبحث التعقّل من مسألة العلم من مباحث الأعراض مستقصى.

ونقول هاهنا : إنّ حقيقة التعقّل إنّما هو حصول المجرّد لمجرّد سواء كان بقيامه به - كما في تعقّل النفس الناطقة لمعقولاتها - أو بنحو آخر كما في إدراكها لذاتها ، وكلّ مجرّد قائم بذاته ؛ فإنّ ذاته حاصلة لذاته ، غير فاقدة إيّاها بالضرورة ، فذاته - من حيث إنّها يصدق عليها أنّها مجرّدة حاصلة لمجرّد - هي معقولة ، ومن حيث إنّها مجرّدة قد حصل لها مجرّد هي عاقلة ، فكلّ مجرّد عاقل لذاته ، ومعقول لذاته.

قال الشيخ في التعليقات : إذا قلت : إنّي أعقل الشيء ، فالمعنى أنّ أثرا منه موجود في ذاته ، فيكون لذلك الأثر وجود ، ولذاتي وجود ، فلو كان وجود ذلك الأثر لا في غيره ، بل فيه ، لكان أيضا يدرك ذاته ، كما أنّه لو كان وجوده لغيره أدركه الغير (1) انتهى.

وإذا ثبت هذا ثبت أنّه تعالى عاقل لذاته وعالم بها ، ثمّ إنّه تعالى علّة لجميع ما سواه ؛ لكون جميع ما سوى اللّه ممكنات ؛ لبرهان التوحيد - على ما سيأتي - ولوجوب انتهاء الحاجة في الممكنات إلى واجب الوجود كما مرّ.

والعلم بالعلم يستلزم العلم بالمعلول. والمراد بها أنّ العلم التامّ بالعلّة - أي العلم

ص: 152


1- « شرح المقاصد » 4 : 112.

بجميع جهاتها واعتباراتها اللازمة لها - يستلزم العلم بما يلزمها ويجب بها على ما حقّقناه فيما مرّ في مسألة العلم.

وقد يقال : الحكم بكون الفاعل العالم بذاته عالما بما صدر عنه بديهيّ ، كما قال تعالى : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (1) هذا ، فثبت كونه تعالى عالما بذاته وبجميع ما سواه من معلولاته اللازمة له بأيّة جهة كانت ، وهو المطلوب.

وهذا الدليل كما دلّ على ثبوت علمه تعالى بالموجودات دلّ على شمول علمه تعالى بجميع الموجودات أيضا كلّيّة كانت أو جزئيّة.

لا يقال : المعلوم بعلّته إنّما هو ماهيّة كذا ، مع كونها معلّلة بكذا ، وكلّ منهما كلّيّ ، وتقييد الكلّيّ بالكلّيّ لا يفيد الجزئيّة ، فلا يدلّ هذا الدليل على علمه بالجزئيّات ، بل بالكلّيّات فقط.

لأنّا نقول : العلم بماهيّة العلّة كما يدلّ على العلم بماهيّة المعلول ، كذلك العلم بخصوصيّة العلّة يدلّ على العلم بخصوصيّة المعلول ، وهو تعالى عالم بخصوصيّة ذاته ، وجميع الموجودات بماهيّاتها وخصوصيّاتها مستندة إليه تعالى.

قال الشيخ في النمط السابع من الإشارات : واجب الوجود يجب أن يعقل ذاته بذاته على ما حقّق ، ويعقل ما بعده من حيث هو علّة لما بعده ، ومن وجوده يعلم سائر الأشياء من حيث وجوبها في سلسلة الترتيب النازل من عنده طولا وعرضا (2).

وقال المصنّف في شرحه : أشار إلى إحاطة علمه تعالى بجميع الموجودات ، فذكر أنّه يعقل ذاته بذاته ؛ لكونه عاقلا لذاته معقولا لذاته على ما تحقّق في النمط الرابع ، ويعقل ما بعده يعني المعلول الأوّل من حيث هو علّة لما بعده ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة يقتضي العلم بالمعلول ؛ فإنّ العلم بالعلّة التامّة لا يتمّ من غير العلم بكونها

ص: 153


1- الملك (67) : 14.
2- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 299 - 301.

مستلزمة لجميع ما يلزمها لذاتها ، وهذا العلم يتضمّن العلم بلوازمها التي منها معلولاتها الواجبة بوجوبها ، ويعقل سائر الأشياء التي بعد المعلول الأوّل من حيث وقوعها في سلسلة المعلوليّة النازلة من عنده إمّا طولا كسلسلة المعلولات المترتّبة المنتهية إليه تعالى في ذلك الترتيب ، أو عرضا كسلسلة الحوادث التي لا تنتهي في ذلك الترتيب إليه تعالى ، لكنّها منتهية إليه تعالى من جهة كون الجميع ممكنة محتاجة إليه ، وهو احتياج عرضي يتساوى جميع آحاد السلسلة فيه بالنسبة إليه تعالى (1). انتهى.

وإلى هذا أشار بقوله : ( والأخير عامّ ) (2) بخلاف الدليل الأوّل ؛ فإنّه يدلّ على علمه تعالى بما علم الإتقان فيه ممّا علم أنّه من معلولاته.

واعلم أنّ المشهور في كتب المتأخّرين تقرير هذا الدليل على أنّه دليلان :

الأوّل : أنّه تعالى مجرّد ، وكلّ مجرّد فهو عاقل لذاته ولغيره من المعلولات كما مرّ في مبحث التعقّل.

الثاني : أنّه تعالى عاقل لذاته - كما مرّ - وذاته علّة لما سواه ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول كما مرّ.

والشارحون أيضا حملوا كلام المصنّف على ذلك (3).

والأوجه ما ذكرنا كما لا يخفى على من تتبّع كتب الشيخ سيّما الإشارات تتبّع فحص وإتقان.

وظاهر كلام المصنّف وإن كان يوهم التثليث لكنّ الأظهر عند التدبّر خلافه ؛ إذ ليس مجرّد استناد الكلّ إليه دليل العلم ، بل بعد الضمّ إلى الدليل الدالّ على علمه بذاته ، ولذلك حمل بعضهم قوله : والأخير عامّ ، على أنّ المراد أنّه دليل لعموم العلم.

ص: 154


1- نفس المصدر السابق.
2- « تجريد الاعتقاد » : 192.
3- « كشف المراد » : 284 - 285 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 312 - 313.

والأولى - على تقدير التثليث - أن نحمل قوله : واستناد كلّ شيء إليه ، على أحد دليلين آخرين دالّين على أصل العلم وعمومه ، كما ذكرهما بعض الأعلام (1) :

أحدهما : أنّه تعالى لمّا كان مبدأ لجميع الموجودات التي منها العلماء مطلقا ، أو العلماء بذواتهم بلا شبهة ، كان عالما بذاته لا محالة ؛ لوجوب كون العلّة أكمل وأشرف من المعلول ، ثمّ من كونه تعالى عالما بذاته ومبدأ لجميع الموجودات يعلم كونه عالما بجميع الموجودات.

والثاني : أنّه تعالى لمّا كان مبدأ لجميع الموجودات التي منها الصور العلميّة ، كان مبدأ لفيضان العلوم على العلماء وكان عالما بالضرورة ، إذ فيّاض العلوم وملهمها أولى بأن يكون عالما ، ثمّ من كونه عالما مطلقا يعلم كونه عالما بذاته ومن كونه عالما بذاته ومبدأ لجميع الموجودات كونه عالما بجميع الموجودات.

ولمّا أثبت كونه تعالى عالما بذاته وبما سواه ، أراد أن يجيب عن أدلّة المنكرين لعلمه تعالى وهم فرقتان من الأوائل :

الأولى : من ينفي علمه تعالى مطلقا ، متمسّكا بأنّ العلم إمّا إضافة ، أو صفة ذات إضافة ، على ما مرّ في مسألة العلم.

وعلى التقديرين يستدعي نسبة بين العالم والمعلوم ، والنسبة تستدعي المغايرة بين الطرفين ، فلا يمكن تحقّقها حيث لا مغايرة أصلا ، فلا يمكن أن يعلم ذاته ، وإذا امتنع علمه بذاته ، امتنع علمه تعالى بما سواه ؛ لأنّ علمه بغيره يستلزم (2) علمه بذاته على ما مرّ.

والجواب منع استدعاء النسبة العلميّة المغايرة الحقيقيّة ، بل المغايرة الاعتباريّة كافية فيها كما في علمنا بذواتنا. وإلى هذا أشار بقوله : ( والتغاير اعتباريّ ).

ص: 155


1- منهم المحقّق الخفري في حاشيته على شرح تجريد العقائد للقوشجي ، انظر « الحاشية على حاشية الخفري على شرح التجريد » : 43 - 44.
2- لعلّ المراد هنا الاستلزام في مقام الإثبات دون الثبوت.

وتحقيق ذلك في الشفاء حيث قال : « واجب الوجود عقل محض ؛ لأنّه ذات مفارقة للمادّة من كلّ وجه ، وقد عرفت أنّ السبب في أن لا يعقل الشيء هو المادّة وعلائقها ، لا وجوده. وأمّا الوجود الصوريّ ، فهو الوجود العقليّ وهو الوجود الذي إذا تقرّر في الشيء صار للشيء به عقل ، والذي يحتمل نيله هو عقل بالقوّة ، والذي ناله العقل بعد القوّة هو العقل بالفعل على سبيل الاستكمال ، والذي هو له ذاته هو عقل بذاته ، ولذلك (1) هو معقول محض ؛ لأنّ المانع للشيء أن يكون معقولا هو أن يكون في مادّة وعلائقها وهو المانع عن أن يكون عقلا ، وقد تبيّن لك هذا ، فالبريء عن المادّة والعلائق ، المتحقّق بالوجود المفارق هو معقول لذاته ، ولأنّه عقل بذاته وهو أيضا معقول بذاته ، فهو معقول ذاته ، فذاته عقل وعاقل ومعقول لا أنّ هناك أشياء متكثّرة ؛ وذلك لأنّه بما هو هويّة مجرّدة عقل ، وبما يعتبر له أنّ هويّته المجرّدة لذاته ، فهو معقول لذاته ، وبما يعتبر له أنّ ذاته له هويّة مجرّدة ، فهو عاقل ذاته ؛ فإنّ المعقول هو الذي ماهيّته المجرّدة لشيء ، والعاقل هو الذي له ماهيّة مجرّدة لشيء ، وليس من شرط هذا الشيء أن يكون هو أو آخر ، بل شيء مطلقا والشيء مطلقا أعمّ من هو أو غيره ، فالأوّل باعتبارك أنّ له ماهيّة مجرّدة لشيء هو عاقل ، وباعتبارك أنّ ماهيّته المجرّدة لشيء هو معقول ، وهذا الشيء هو ذاته ، فهو عاقل بأنّ له ماهيّته المجرّدة التي لشيء هو ذاته ، ومعقول بأنّ ماهيّته المجرّدة هي لشيء هو ذاته ، وكلّ من تفكّر قليلا علم أنّ العاقل يقتضي شيئا معقولا ، وهذا الاقتضاء لا يتضمّن أنّ ذلك الشيء هو أو آخر (2).

ثمّ قال : فقد فهمت أنّ نفس كونه معقولا وعاقلا لا يوجب أن يكون اثنين في الذات ، ولا اثنين في الاعتبار أيضا ؛ فإنّه ليس تحصيل الأمرين إلاّ اعتبار أنّ ماهيّة

ص: 156


1- في « الشفاء » : « وكذلك » بدل « ولذلك ».
2- « الشفاء » الإلهيّات : 356 - 357 ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.

مجرّدة لذاته ، وأنّ ماهيّته مجرّدة ذاتها لها ، وهاهنا تقديم وتأخير في ترتيب المعاني ، والغرض المحصّل شيء واحد بلا قسمة فقد بان أنّ كونه تعالى عاقلا ومعقولا لا يوجب فيه كثرة البتّة (1). انتهى.

الثانية : من ينفي علمه بغيره مع كونه عالما بذاته ، متمسّكا بأنّ العلم صورة مساوية للمعلوم ومرتسمة في العالم كما مرّ في مسألة العلم ، فصور الأشياء المختلفة مختلفة على ما مرّ هناك أيضا ، فيلزم بحسب كثرة المعلومات كثرة الصور في الذات الأحديّة [ وكونها فاعلة قابلة ] (2) وكونها قابلة لتلك الصور وفاعلة لها ؛ لوجوب استنادها إليها ؛ لامتناع أن يكون تعالى محتاجا فيما هو كمال له إلى غيره.

قال المصنّف في شرح رسالة العلم : إنّ هذين المذهبين مذكوران في كتب المذاهب والآراء ، منقولان عن القدماء. (3)

والجواب يستدعي تمهيد مقدّمة ، هي أنّ العلم على قسمين : حصوليّ وحضوريّ ؛ لأنّ العلم عبارة عن حصول المعلوم لما من شأنه أن يكون عالما ، وهو المجرّد القائم بذاته ، وذلك الحصول قد يكون بارتسام صورة المعلوم في العالم حيث لا حضور لذاته لديه ، كما في علمنا بما سوى ذواتنا وقوانا والصور المرتسمة فينا.

وقد يكون بحضوره بنفس ذاته عند العالم من غير حاجة إلى ارتسام صورته فيه وقيامها به ، وذلك كما للمعلول عند العلّة ؛ فإنّ حصوله عندها لا يتوقّف على ارتسام صورته فيها ، بل يكفي فيه حضوره بنفس ذاته لديها ؛ إذ لا انفكاك بين ذات العلّة وذات المعلول في الوجود ، فحيثما وجدت العلّة وجد المعلول معها غير منفكّ عنها.

وهذا معنى حصوله لها ، فإذا كانت العلّة مجرّدة قائمة بذاتها ، فهي لا محالة عالمة بمعلولها ، كما أنّها عالمة بذاتها ؛ لكونها غير فاقدة إيّاه كما أنّها غير فاقدة لذاتها.

ص: 157


1- نفس المصدر : 358.
2- العبارة غير موجودة في « شوارق الإلهام » الطبعة الحجريّة.
3- « شرح رسالة العلم » : 27.

وما مرّ في مسألة العلم كان من أحكام العلم الحصوليّ ؛ لكونه من الكيفيّات النفسانيّة ( و ) البحث هنالك كان منها دون العلم الحضوريّ ، فإذا ثبت ذلك ثبت أنّه ( لا يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات عنده تعالى ) مرتسمة فيه ؛ لكونه علّة لذوات المعلومات غير فاقدة إيّاها ، فيكفي في علمه تعالى بها حضور ذواتها لديه وحصولها عنده ( لأنّ نسبة الحصول ) أي حصول المعلومات المعلولة له تعالى في كونه حصولا ( إليه تعالى أشدّ من نسبة حصول الصور المعقولة لنا ) الحاصلة في أنفسنا إلينا ؛ لكون تلك المعلومات معلولة له تعالى وصادرة عنه بدون مشاركة من غيره ، وكون هذه الصور صادرة عنّا ومعلولة لنا بمشاركة من غيرنا ؛ لكون أنفسنا قابلة لها فقط.

وأمّا العلّة الفاعلة لها المفيضة إيّاها ، فهي خارجة عن أنفسنا لا محالة ، فحصول الصور لنا حصول للقابل وهو بالإمكان ، وحصول المعلومات له حصول للفاعل المستقلّ وذلك بالوجوب ، ولا شكّ في كون الوجوب أشدّ من الإمكان ، فإذا كان الحصول هو حقيقة العلم ، وكان حصول المعقولات لنا علما ، كان حصول المعلومات له تعالى علما بالطريق الأولى.

فثبت أنّ علمه تعالى بالأشياء لا يتوقّف على ارتسام صورها فيه ليلزم التكثّر في ذاته الأحديّة ، وكونها فاعلة وقابلة.

واعلم أنّ هذا الكلام من المصنّف - مع كونه جوابا عن الدليل المذكور - إشارة إلى ما هو مختاره في كيفيّة علمه تعالى بالأشياء ؛ فإنّ للحكماء فيها اختلافا ، ولا بأس بأن نفصّل المقام ونبسط الكلام ، ونأتي بمرّ الحقّ في المرام فنقول :

[ في كيفيّة علمه تعالى بالأشياء ]

اختلف الحكماء في علمه تعالى بالأشياء إلى خمسة مذاهب :

[ المذهب ] الأوّل : مذهب انكسمانس الملطيّ ، وهو أنّ علمه تعالى بالأشياء إنّما

ص: 158

هو بصور زائدة على الأشياء مطابقة لها قائمة بذاته تعالى.

[ المذهب ] الثاني : مذهب ثالس الملطيّ ، وهو أنّ علمه تعالى بالأشياء بصور زائدة عليها ومطابقة لها قائمة بذات المعلول الأوّل لا بذاته كما نقل عنه في كتاب الملل والنحل أنّه قال :

إنّ القول الذي لا مردّ له هو أنّ المبدع كان ولا شيء مبدع ، فأبدع الذي أبدع ولا صورة له عنده في الذات ؛ لانّه قبل الإبداع إنّما هو فقط ، وإذا كان هو فقط ، فليس يقدح جهة وجهة حتّى يكون هو صورة ، أو حيث وحيث حتّى يكون هو ذا صورة ، والوحدة الخالصة تنافي هذين الوجهين هو يؤيّس ما ليس بأيس ، وإذا كان هو مؤيّس الأيسات ، فالتأييس لا من شيء متقادم ، فمؤيّس الأشياء لا يحتاج [ إلى ] (1) أن يكون عنده صورة.

ثمّ قال : وأيضا فلو كانت الصورة عنده ، أكانت مطابقة للموجود الخارج ، أم غير مطابقة؟ فإن كانت مطابقة فلتتعدّد تعدّد الموجودات ، ولتكن كلّيّاتها مطابقة للكلّيّات وجزئيّاتها مطابقة للجزئيّات ، ولتتغيّر بتغيّرها كما تتكثّر بتكثّرها ، وكلّ ذلك محال ؛ لأنّه ينافي الوحدة الخالصة. وإن لم تطابق الموجود الخارج فليست إذن صورة إنّما هي شيء آخر.

ثمّ قال : لكنّه أبدع العنصر الذي فيه صور الموجودات والمعلومات ، وانبعث من كلّ صورة موجود في العالم على المثال الذي في العنصر الأوّل ، فمحلّ الصور ومنبع الموجودات كلّها هو ذات العنصر ، وما من موجود في العالم العقلي والعالم الحسّي إلاّ في ذات العنصر صورة له.

قال : ومن كمال الأوّل الحقّ أنّه أبدع مثل هذا العنصر ، فما يتصوّره العامّة في ذاته تعالى أنّ فيها الصور - يعني صور المعلومات - فهو في مبدعه ، ويتعالى بوحدانيّته

ص: 159


1- الزيادة أثبتناها من المصدر.

وهويّته عن أن يوصف بما يوصف به مبدعه (1). انتهى.

[ المذهب ] الثالث : المذهب المنسوب إلى أفلاطن ، وهو أنّ تلك الصور قائمة بذواتها.

وقد اتّفقوا على بطلانها ؛ إذ لا معنى لكون الصور العلميّة قائمة بذواتها لا في محلّ ولا في موضوع ؛ لأنّها موجودات ظلّيّة لا عينيّة.

وقد بالغ الشيخ في الشفاء في إبطال المثل والتعليميّات بما لا مزيد عليه (2) ، بل أوجب أكثرهم تأويلها ، وأحسن التوجيهات أنّها عبارة عن أرباب الطلسمات وهي الجواهر العقليّة العرضيّة المدبّرة كلّ منها لنوع من الأنواع المادّيّة المسمّاة عندهم بالطلسمات (3).

وهذه المذاهب الثلاثة مشتركة في كون علمه تعالى بالأشياء بصورها المطابقة لها ، وهذا العلم هو المسمّى بالعلم الصوريّ (4) ، والأوّل منها بالحصوليّ.

[ المذهب ] الرابع : مذهب فرفوريوس ومن تبعه من المشّائين ، وهو القول باتّحاده تعالى مع المعقولات ، بناء على مذهبهم من القول باتّحاد العاقل والمعقول ، على ما مرّ في مسألة العلم من الأعراض مستقصى.

[ المذهب ] الخامس : مذهب صاحب الإشراق وهو القول بالعلم الحضوريّ الإشراقيّ ، وقد استفادها بزعمه في خلوته الذوقيّة عن روحانيّة أرسطاطاليس.

قال في التلويحات :

« كنت زمانا شديد الاشتغال ، كثير الفكر والرياضة ، وكان يصعب عليّ مسألة

ص: 160


1- « الملل والنحل » 2 : 62.
2- « الشفاء » الإلهيّات : 317 - 324 ، الفصل الثالث من المقالة السابعة.
3- انظر « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 143.
4- في « شوارق الإلهام » : « الحضوريّ » بدل « الصوريّ ».

العلم ، وما ذكر في الكتب لم يتنقّح لي ، فوقعت لي ليلة من الليالي خلسة في شبه نوم لي فإذا أنا بلذّة غاشية ، وبرقة لامعة ، ونور شعشعانيّ مع تمثّل شبح إنسانيّ ، فرأيته فإذا هو غياث النفوس وإمام الحكمة ، المعلّم الأوّل على هيئة أعجبتني ، وأبّهة أدهشتني ، فتلقّاني بالترحيب والتسليم حتّى زالت دهشتي ، وتبدّلت بالأنس وحشتي ، فشكوت إليه من صعوبة هذه المسألة ، فقال : ارجع إلى نفسك تنحلّ لك.

فقلت : وكيف؟ فقال : إنّك مدرك لنفسك ، فإدراكك لذاتك بذاتك ، أو غيرها؟ فيكون لك إذن قوّة أخرى ، أو ذات تدرك ذاتك ، والكلام عائد وظاهر استحالته ، وإذا أدركت ذاتك بذاتك ، أباعتبار أثر في ذاتك؟ فقلت : بلى.

قال : فإن لم يطابق الأثر ذاتك ، فليس صورتها ، فما أدركتها ، فقلت : فالأثر صورة ذاتيّ ، قال : صورتك لنفسك مطلقة ، أو متخصّصة بصفات أخرى؟ فاخترت الثاني ، فقال : كلّ صورة في النفس هي كلّيّة وإن تركّبت أيضا من كلّيّات كثيرة ، فهي لا تمنع الشركة لنفسها ، وإن فرض منعها تلك فلمانع آخر ، وأنت تدرك ذاتك وهي مانعة للشركة بذاتها ، فليس هذا الإدراك بالصورة.

فقلت : أدرك مفهوم أنا فقال : مفهوم أنا من حيث هو مفهوم أنا لا يمنع وقوع الشركة فيه ، وقد علمت أنّ الجزئيّ - من حيث هو جزئيّ لا غير - كلّيّ « وهذا » و « أنا » و « نحن » و « هو » لها معان كلّيّة من حيث مفهوماتها المجرّدة دون إشارة جزئيّة.

فقلت : فكيف إذن؟

فقال : فلمّا لم يكن علمك بذاتك بقوّة غير ذاتك ، فإنّك تعلم أنّك أنت المدرك لذاتك لا غير ، ولا بأثر غير مطابق ، ولا بأثر مطابق (1) ، فذاتك هي العقل والعاقل والمعقول.

ص: 161


1- في « شوارق الإلهام » : « لا بأثر مطابق ولا بأثر غير مطابق ».

فقلت : زدني.

فقال : ألست تدرك بدنك الذي تتصرّف فيه إدراكا مستمرّا لا تغيب عنه؟ فقلت : بلى.

قال : أبحصول (1) صورة شخصيّة في ذاتك وقد عرفت استحالته؟ فقلت : لا ، بل على أخذ صفات كلّيّة ، قال : وأنت تحرّك بدنك الخاصّ ، وتعرفه بدنا خاصّا جزئيّا ، وما أخذت من الصورة نفسها لا يمنع وقوع الشركة فيها ، فليس إدراكك لها إدراكا لبدنك الذي لا يتصوّر أن يكون مفهومه لغيره.

ثمّ أما قرأت من كتبنا أنّ النفس تتفكّر باستخدام المفكّرة وهي تفصل وتركّب الجزئيّات وترتّب الحدود الوسطى؟ والمتخيّلة لا سبيل لها إلى الكلّيّات ؛ لأنّها جزئيّة (2).

فإن لم يكن للنفس اطّلاع على الجزئيّات ، فكيف تركّب مقدّماتها؟! وكيف تنزع الكلّيّات من الجزئيّات؟! وفي أيّ شيء تستعمل المتفكّرة؟ وكيف تأخذ الخيال؟ وما ذا يفيدها تفصيل المتخيّلة؟ وكيف تستعدّ بالفكر للعلم بالنتيجة؟ ثمّ المتخيّلة جزئيّة (3) كيف تدرك نفسها والصورة المأخوذة عنها في النفس كلّيّة؟ وأنت تعلم بتخيّلك ووهمك الشخصين الموجودين ودريت أنّ الوهم ينكرها (4).

قلت : فأرشدني جزاك اللّه عن زمرة العلم خيرا ، قال : وإذا دريت أنّها تدرك لا بأثر يطابق ولا بصورة ، فاعلم أنّ التعقّل حضور الشيء للذات المجرّدة عن المادّة. وإن شئت قلت : عدم غيبته عنها ، وهذا أتمّ ؛ لأنّه يعمّ إدراك الشيء لذاته وغيره ؛ إذ الشيء لا يحضر لنفسه ولكن لا يغيب عنها. أمّا النفس ، فهي مجرّدة غير غائبة عن ذاتها ، بقدر تجرّدها أدركت ذاتها وما غاب عنها ، إذا لم يكن لها استحضار عينه

ص: 162


1- في المصدر المذكور : « الحصول ».
2- في المصدر : « الجرمية ».
3- في المصدر : « الجرمية ».
4- أي ينكر المتخيّلة بل نفسها أيضا أعني الواهمة ، والإنكار لا يحصل إلاّ بالإدراك. ( منه رحمه اللّه ).

كالسماء والأرض ونحوهما ، فاستحضرت صورته.

أمّا الجزئيّات ففي قوى حاضرة لها. وأمّا الكلّيّات ففي ذاتها ؛ إذ من المدركات صورة كلّيّة لا تنطبع في الأجرام ، والمدرك هو نفس الصورة الحاضرة لا ما خرج عن التصوّر.

وإن قيل للخارج : إنّه مدرك فذاك بقصد ثان ، فذاتها غير غائبة عن ذاتها ، ولا بدنها جملة ما ، ولا قوى مدركة لبدنها جملة ما ، وكما أنّ الخيال غير غائب عنها ، فكذلك الصور الخياليّة ، فيدركها النفس لحضورها لا لتمثّلها في ذات النفس ، ولو كان تجرّدها أكثر ، لكان الإدراك بذاتها أكثر وأشدّ ، ولو كان تسلّطها على البدن أشدّ كان حضور قواها وأجزائها لها أشدّ.

ثمّ قال لي : اعلم أنّ العلم كمال للموجود (1) من حيث مفهومه ، ولا يوجب تكثّرا ، فيجب للواجب وجوده [ لأنّه كمال للوجود (2) من حيث هو وجود (3) ، ولا يوجب تكثّرا ، فلا يمتنع ، والممكن العامّ على واجب الوجود يجب له ؛ إذ لا يمكن بالإمكان الخاصّ شيء عليه ، فيوجب فيه جهة إمكانيّة ، فيتكثّر ] (4).

ثمّ قال : فواجب الوجود ذاته مجرّدة عن المادّة وهو الوجود البحت والأشياء حاضرة له على إضافة مبدئيّة تسلّطيّة ؛ لأنّ الكلّ لازم ذاته ، فلا يغيب عنه ذاته ، ولا لازم ذاته ، وعدم غيبته عن ذاته أو لوازمه مع التجرّد عن المادّة هو إدراكه كما قرّرناه في النفس.

ورجع الحاصل في العلم كلّه إلى عدم غيبة الشيء عن المجرّد عن المادّة صورة كانت أو غيرها ، فالإضافة جائزة في حقّه تعالى ، وكذلك السلوب ، ولا يخلّ بوحدانيّته تكثّر أسمائه بهذه السلوب والإضافات ، ولو كان لنا على غير بدننا سلطنة

ص: 163


1- في المصدر : « للوجود ».
2- في « شوارق الإلهام » : « للموجود ... موجود ».
3- في « شوارق الإلهام » : « للموجود ... موجود ».
4- العبارة لم ترد في « التلويحات ».

كما على بدننا ، لأدركناه كإدراك البدن كما سبق من غير حاجة إلى صورة ، فتعيّن من هذا أنّه بكلّ شيء محيط ، وإدراك أعداد الوجود هو نفس الحضور له والتسلّط من غير صورة ومثال. ثمّ قال لي : كفاك في العلم هذا (1) انتهى كلام التلويحات.

وقال في حكمة الإشراق : لمّا تبيّن - يعني على قاعدة الإشراق - أنّ الإبصار ليس من شرطه انطباع شبح أو خروج شيء ، بل يكفي عدم الحجاب بين الباصر والمبصر ، فنور الأنوار ظاهر لذاته على ما سبق بيانه في كلّ مجرّد وغيره ظاهر له ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ؛ إذ لا يحجبه شيء عن شيء ؛ فعلمه وبصره واحد (2).

وقال أيضا : علمه بذاته هو كونه نورا لذاته وظاهرا لذاته ، وعلمه بالأشياء كونها ظاهرة له إمّا بأنفسها أو بمتعلّقاتها التي هي مواضع الشعور المستمرّ للمدبّرات العلويّة وذلك - أي علمه بالأشياء - إضافة - لكونه عبارة عن ظهور الأشياء - وعدم الحجاب سلبيّ.

والذي يدلّ على أنّ هذا القدر - أي ظهور الأشياء له - كاف في علمه بها هو أنّ الإبصار إنّما كان بمجرّد إضافة ظهور الشيء للمبصر مع عدم الحجاب ، فإضافته إلى كلّ ظاهر له ، إبصار وإدراك له ، وتعدّد الإضافات العقليّة - التي له إلى الأشياء الكثيرة - لا يوجب تكثّرا في ذاته (3). انتهى كلام حكمة الإشراق.

ومختار المصنّف هذا المذهب كما أشرنا إليه ؛ قال في شرح رسالة العلم : والحقّ أنّه ليس من شرط كلّ إدراك أن يكون بصورة ذهنيّة ؛ وذلك لأنّ ذات العاقل إنّما تعقل نفسه بعين صورته التي بها هي هي.

وأيضا المدرك للصورة الذهنيّة إنّما يدركها بعين تلك الصورة لا بصورة أخرى ،

ص: 164


1- « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 70 - 73.
2- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 150.
3- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 152.

وإلاّ لتسلسل ، ولزم مع ذلك أن يجتمع في المحلّ الواحد صور متساوية في الماهيّة ، مختلفة بالعدد فقط ، وذلك محال.

فإذن إنّما يحتاج في الإدراك إلى صورة المدرك. أمّا الاحتياج إلى صورة ذهنيّة ، فقد يكون حيث يكون المدرك غير حاضر عند المدرك ، وعدم الحضور يكون ، إمّا لكون المدرك غير موجود أصلا ، أو لكونه غير موجود عند المدرك ، أي يكون بحيث لا يصل إليه الإدراك البتّة ، وذلك إنّما يكون بسبب شيء من الموانع العائدة إمّا إلى المدرك نفسه ، أو آلة الإدراك ، أو إليهما جميعا (1).

ثمّ قال : وإدراك الأوّل تعالى إمّا لذاته ، فيكون بعين ذاته لا غير ، ويتّحد هناك المدرك والمدرك والإدراك ، ولا تتعدّد إلاّ بالاعتبارات التي تستعملها العقول.

وإمّا لمعلولاتها القريبة منه فيكون بأعيان ذوات تلك المعلولات ؛ إذ لا يتصوّر هناك عدم حضورها بالمعاني المذكورة أصلا ، وتتّحد هناك المدركات والإدراكات ، ولا يتعدّدان إلاّ بالاعتبار ، ويغايرهما المدرك.

وإمّا لمعلولاته البعيدة كالمادّيّات والمعدومات التي من شأنها إمكان أن توجد في وقت ، أو تتعلّق بموجود ، فيكون بارتسام صورها المعقولة في المعلولات القريبة التي هي المدركات لها أوّلا وبالذات ، وكذلك إلى أن ينتهي إلى إدراك المحسوسات بارتسامها في آلات مدركيها ؛ وذلك لأنّ الموجود في الحاضر حاضر ، والمدرك للحاضر مدرك لما يحضر معه ، فإذن لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ، ولا في السماء ، ولا أصغر منها ولا أكبر ، فيكون ذوات معلولاته مرتسمة بجميع الصور وهي التي يعبّر عنها تارة بالكتاب المبين ، وتارة باللوح المحفوظ ، ويسمّيها الحكماء بالعقول الفعّالة ، ولا يلزم على هذا التقدير شيء من المحالات المذكورة والمذاهب الشنيعة (2). انتهى كلامه.

ص: 165


1- « شرح رسالة العلم » : 28.
2- « شرح رسالة العلم » : 28 - 29.

وستعلم تلك المحالات والشنائع عن قريب.

وقال في شرح الإشارات : العاقل كما لا يحتاج في إدراك ذاته إلى صورة غير صورة ذاته التي بها هو هو ، فلا يحتاج أيضا في إدراك ما يصدر عن ذاته لذاته إلى صورة غير صورة ذلك الصادر ، التي بها هو هو ، واعتبر من نفسك أنّك تعقل شيئا بصورة تتصوّرها ، أو تستحضرها فهي صادرة عنك لا بانفرادك مطلقا ، بل بمشاركة ما من غيرك ، ومع ذلك فأنت لا تعقل تلك الصورة بغيرها ، بل كما تعقل ذلك الشيء بها كذلك تعقلها أيضا بنفسها من غير أن تتضاعف الصور فيك ، بل ربما تتضاعف اعتباراتك المتعلّقة بذاتك أو بتلك الصورة على سبيل التركّب ، وإذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة غيرك هذه الحال ، فما ظنّك بحال العاقل مع ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة غيره فيه؟

ولا تظنّنّ أنّ كونك محلاّ لتلك الصورة شرط في تعقّلك إيّاها ؛ فإنّك تعقل ذاتك مع أنّك لست بمحلّ لها ، بل إنّما كان كونك محلاّ لتلك الصورة شرطا في حصول تلك الصورة لك ، الذي هو شرط في تعقّلك إيّاها ، فإن حصلت تلك الصورة لك بوجه آخر غير الحلول فيك ، حصل التعقّل من غير حلول فيك ، ومعلوم أنّ حصول الشيء لفاعله في كونه حصولا لغيره ليس دون حصول الشيء لقابله ، فإذن المعلولات الذاتيّة للعاقل الفاعل لذاته حاصلة له من غير أن تحلّ فيه ، فهو عاقل إيّاها من غير أن تكون هي حالّة فيه (1).

ثمّ قال : وقد علمت أنّ الأوّل عاقل لذاته من غير تغاير بين ذاته وبين عقله لذاته في الوجود إلاّ في اعتبار المعتبرين على ما مرّ ، وحكمت أنّ عقله لذاته علّة لعقله لمعلوله الأوّل ، فإذن حكمت بكون العلّتين - أعني ذاته وعقله لذاته - شيئا واحدا في الوجود من غير تغاير يقتضي كون أحدهما مباينا للأوّل والثاني متقرّرا فيه ،

ص: 166


1- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 304 - 305.

فكما حكمت بكون التغاير في العلّتين اعتباريا محضا ، فاحكم بكونه في المعلولين كذلك ، فإذن وجود المعلول الأوّل هو نفس تعقّل الأوّل إيّاه من غير احتياج إلى صورة مستأنفة تحلّ ذات الأوّل ، تعالى عن ذلك.

ثمّ لمّا كانت الجواهر العقليّة تعقل ما ليس بمعلولات لها بحصول صور فيها وهي تعقل الأوّل الواجب ، ولا موجود إلاّ وهو معلول للأوّل الواجب ، كانت جميع صور الموجودات الكلّيّة والجزئيّة على ما عليه الوجود حاصلة فيها ، والأوّل الواجب يعقل تلك الجواهر مع تلك الصور لا بصور غيرها ، بل بأعيان تلك الجواهر والصور وكذلك الوجود على ما هو عليه ، فإذن لا يعزب عنه مثقال ذرّة من غير لزوم محال من المحالات المذكورة (1). انتهى كلام شرح الإشارات.

وفيه وجوه من البحث ؛ فإنّ قياس الوجود الصادر عن العاقل لذاته في عدم الحاجة إلى صورة زائدة ، على العاقل لذاته في ذلك قياس مع الفارق ؛ فإنّ العاقل إنّما لا يحتاج في إدراك ذاته إلى صورة زائدة ؛ لمكان الاتّحاد. وأمّا الصادر المباين ، فليس بهذه المثابة ، وكذا قياس الصادر عن العاقل بالاستقلال على الصورة الحاصلة في النفس بالمشاركة ؛ فإنّ الصورة الحاصلة إنّما لا تحتاج إلى صورة أخرى ؛ لأنّ الحصول هناك متحقّق بالقيام ، وهو كاف في العلم ، بخلاف الصادر المباين.

والحاصل : أنّ الحصول الذي يكفي في تحقّق العلم - على ما هو المسلّم - إنّما هو الحصول المتحقّق في ضمن الاتّحاد أو القيام ، وأمّا كفاية مطلق الحصول على أيّ نحو كان في ذلك ، فممنوعة ، وعلى من يدّعيه الإثبات. وسيأتي ما يتّضح به حقيقة ذلك.

وممّا ذكرنا يظهر ما في قوله : ولا تظنّنّ ... إلى آخره ، أيضا إلى غير ذلك.

وأمّا مذهب انكسمانس ، فهو من فلاسفة الإسلام مختار معلّمهم أبي نصر و

ص: 167


1- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 306.

رئيسهم ابن سينا وهو مختار أرسطو ، بل أفلاطن أيضا كما صرّح به الفارابيّ في كتاب الجمع بين الرأيين (1) ، وأوّل كلامه في المثل إلى ذلك.

أمّا الشيخ الرئيس ، فقال في إلهيّات الشفاء في فصل نسبة المعقولات إليه تعالى لبيان كون علمه تعالى بالأشياء بصورها العقليّة لا بأعيانها الخارجيّة بهذه العبارة : ولا يظنّ أنّ الإضافة العقليّة إليها إضافة إليها كيف وجدت ، وإلاّ لكان كلّ مبدأ صورة في مادّة - من شأن تلك الصورة أن تعقل بتدبير ما من تجريد وغيره - يكون هو عقلا بالفعل ، بل هذه الإضافة له إليها - وهي بحال - معقولة ، ولو كانت من حيث وجودها في الأعيان ، لكان إنّما يعقل ما يوجد في كلّ وقت ، ولا يعقل المعدوم منها في الأعيان إلى أن يوجد ، فيكون لا يعقل من نفسه أنّه مبدأ ذلك الشيء على ترتيب إلاّ عند ما يصير مبدأ ، فلا يعقل ذاته ؛ لأنّ ذاته من شأنها أن يفيض عنها كلّ وجود ، وإدراكها من حيث شأنها أنّها كذا يوجب إدراك الآخر وإن لم يوجد ، فيكون العالم الربوبيّ محيطا بالوجود الحاصل ، والممكن يكون لذاته إضافة إليها من حيث هي معقولة لا من حيث هي لها وجود في الأعيان (2).

ثمّ أشار إلى كون علمه تعالى بالأشياء بالصور الحاصلة في ذاته ؛ حيث قال ما ملخّصه : فبقي لك النظر في حال وجودها معقولة أنّها تكون موجودة في ذات الأوّل على أنّها أجزاء ذاته ، أو على أنّها كاللوازم التي تلحقه ، أو يكون لها وجود مفارق لذاته وذات غيره ، أو من حيث هي موجودة في عقل أو نفس ، إذا عقل الأوّل هذه الصور ، ارتسمت في أيّها كان ، فيكون ذلك العقل ، أو النفس كالموضوعة لتلك الصور المعقولة ، وتكون معقولة له على أنّها فيه ، ومعقولة للأوّل على أنّها عنه ، ويعقل الأوّل من ذاته أنّه مبدأ لها.

ص: 168


1- « كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين » : 105 - 109.
2- « الشفاء » الإلهيّات : 364 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.

فإن جعلت هذه المعقولات أجزاء ذاته ، عرض الكثرة في ذاته تعالى ، وإن جعلتها لواحق ذاته ، عرض لذاته أن لا يكون من جهتها واجب الوجود ؛ لملاصقته ممكن الوجود.

وإن جعلتها أمورا مفارقة لكلّ ذات ، عرضت الصور الأفلاطونيّة ، وإن جعلتها موجودة في عقل ما أو نفس ما ، عرض أنّه لما كانت تلك الأشياء المرتسمة في ذلك الشيء من معلولات الأوّل ، فيدخل في جملة ما الأوّل يعقل ذاته مبدأ له ، فيكون صدورها عنه لا على أنّه إذا عقله خيرا وجد ؛ لأنّها نفس عقله للخير ، أو يتسلسل الأمر ؛ لأنّه يحتاج أن يعقل أنّها عقلت وكذلك إلى ما لا نهاية له ، وذلك محال ، فهي نفس عقله للخير ، فإذا قلنا لما عقلها : وجدت ولم يكن معها عقل آخر ولم يكن وجودها إلاّ أنّها تعقّلات ، فإنّا نكون كأنّا قلنا : لأنّه عقلها عقلها ، أو لأنّه وجدت عنه وجدت عنه ، فينبغي أن تجتهد جهدك في التخلّص عن هذه الشبهة ، وتتحفّظ أن لا يتكثّر ذاته ، ولا تبالي بأن تكون ذاته مأخوذة مع إضافة ما ممكنة الوجود ؛ فإنّها من حيث هي علّة لوجود زيد ليست بواجبة الوجود ، بل من حيث ذاتها ، وتعلم أنّ العالم الربوبيّ عظيم جدّا (1). انتهى.

فقوله : « ولا تبالي » صريح في اختيار هذا الشقّ. وأمّا بيان عدم المبالاة بلزوم كون ذاته تعالى من هذه الجهة ممكنة الوجود ، فسيأتي ، فتأمّل ليظهر لك أنّ ما قيل نظرا إلى هذا الكلام - من أنّ الشيخ في الشفاء متحيّر شاكّ في أمر هذه الصورة (2) - توهّم محض.

وقال أيضا : اعلم أنّ المعنى المعقول قد يؤخذ من الشيء الموجود ، كما عرض أن أخذنا عن الفلك بالرصد والحسّ صورته المعقولة ، وقد يكون الصورة المعقولة

ص: 169


1- « الشفاء » الإلهيّات : 364 - 366 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
2- انظر « الأسفار الأربعة » 6 : 198.

غير مأخوذة من الموجود ، بل بالعكس ، كما أنّا نعقل صورة بنائيّة نخترعها ، ثمّ يكون تلك الصورة المعقولة محرّكة لأعضائنا إلى أن نوجدها ، فلا تكون وجدت ، فعقلناها ، ولكن عقلناها فوجدت ، ونسبة الكلّ إلى العقل الأوّل الواجب الوجود هو هذا ؛ فإنّه يعقل ذاته وما يوجبه ذاته ، ويعلم من ذاته كيفيّة كون الخير في الكلّ ، فيتبع صورته المعقولة صورة الموجودات على النظام المعقول عنده ، لا على أنّها تابعة اتّباع الضوء للمضيء والإسخان للحارّ ، بل هو عالم بكيفيّة نظام الخير في الوجود ، وأنّه منه ، وعالم بأنّ هذه العالميّة يفيض عنها الوجود على الترتيب الذي يعقله خيرا ونظاما (1).

ثمّ قال : ولا يظنّ أنّه لو كانت للمعقولات عنده صور وكثرة ، كانت كثرة الصور التي يعقلها أجزاء لذاته ، وكيف؟ وهي تكون بعد ذاته ؛ لأنّ عقله لذاته ذاته ، ومنه يعقل كلّ ما بعده ؛ فعقله لذاته علّة عقله ما بعد ذاته ؛ فعقله ما بعد ذاته معلول عقله لذاته ، على أنّ المعقولات والصور - التي له بعد ذاته - إنّما هي معقولة على نحو المعقولات العقليّة لا النفسانيّة ، وأنّ له إليها إضافة المبدأ الذي يكون عنه لا فيه ، بل إضافات على الترتيب بعضها قبل بعض ، وإن كانت معا لا تتقدّم ولا تتأخّر في الزمان ، فلا يكون هناك انتقال في المعقولات (2).

وقال في التعليقات :

تعليق : الأوّل تعالى يعرف كلّ شيء من ذاته ، لا على أن يكون الموجودات علّة علمه ، بل علمه علّة لها مثل أن يكون البنّاء يبدع في الذهن صورة بيت ، فيبنيه على ما هو في الذهن ، فلو لا تلك الصورة المتصوّرة من البيت في الذهن ، لم يكن ثمّ للبيت وجود ، فلم يكن صورة البيت علّة لعلم البنّاء ، بل الأمر بالعكس ، وما كان

ص: 170


1- « الشفاء » الإلهيّات : 363 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
2- نفس المصدر : 364.

بخلاف ذلك فإنّه كالسماء التي هي علّة لعلمنا بها ؛ فإنّ وجودها علّة لعلمنا ، وقياس الموجودات مع (1) علمه كقياس الموجودات التي نستنبطها بأفكارنا ، ثمّ نوجدها ؛ فإنّ الصور الموجودة من خارج علّتها الصور المبدعة في أذهاننا ، ولكنّ البارئ تعالى لم يكن يحتاج إلى استعمال آلة وإصلاح مادّة ، بل كما يتصوّر يجب وجود الشيء بحسب التصوّر.

وأمّا نحن ، فنحتاج - مع التصوّر - إلى استعمال آلات ، ونحتاج إلى شوق إلى تحصيل ذلك المتصوّر وطلب لتحصيلها ، فالأوّل غنيّ عن كلّ هذا.

تعليق. شبّه طاعة الموادّ والموجودات لتصوّره سبحانه بأن نتصوّر شيئا ، فإذا حصل منّا الإجماع لطلبه ، انبعثت القوّة التي في العضلات إلى تحريك الآلات من دون استعمال آلة أخرى في تحريك تلك الآلات. وهذا معنى قوله جلّ وعلا : ( كُنْ فَيَكُونُ ) (2). (3)

تعليق. العلم هو حصول صور المعلومات في النفس ، وليس يعنى به أنّ تلك الذوات تحصل في النفس ، بل آثار منها ورسوم ، وصور الموجودات مرتسمة في [ ذات ] (4) البارئ تعالى ؛ إذ هي معلولات ، وعلمه بها سبب وجودها (5).

وقال في رسالة منسوبة إليه : اعلم أنّ المعلوم ليس هو الصورة الموجودة من خارج وجودا عينيّا ؛ لأنّه لو كان كذلك ، لكان كلّ موجود وجودا عينيّا معلوما لنا ، ولكنّا لا نعلم المعدوم : لكنّا نحكم عليه حكما تصديقيّا ، كما نحكم على الخلاء بأنّه

ص: 171


1- في « شوارق الإلهام » : « قياس الموجودات إلى علّتها ».
2- البقرة (2) : 117 ؛ آل عمران (3) : 47 و 59 ؛ الأنعام (6) : 73 ؛ النحل (16) : 40 ؛ مريم (19) : 35 ؛ يس (36) : 83 ؛ غافر (40) : 68.
3- « التعليقات » : 192.
4- الزيادة أثبتناها من المصدر.
5- « التعليقات » : 82.

غير موجود ، فلو لم يكن متصوّرا لنا ، لم نحكم عليه بشيء.

وأيضا لو كان المعدوم غير متصوّر ، لم يتحقّق الكذب في الأقوال ؛ لأنّ قولنا : هذا الكلام كذب ، معناه أنّه ليس له في الوجود الخارجيّ مطابق ، فلو كان كلّ متصوّر في الذهن معبّر عنه بعبارة أمرا موجودا في الأعيان ، لما كان لقولنا : هذا الكلام كذب ، معنى ، بل كانت الأقوال كلّها صادقة ؛ إذ لها مطابق في الوجود الخارجيّ.

فقد تبيّن بيانا واضحا أنّ المعلوم ليس هو الموجود في الأعيان ، بل ذلك معلوم بالضرورة. والقول في المحسوس أيضا هكذا. ولا أيضا أثر يحصل من حصول المعلوم في الأذهان ، بل هو نفس حصوله في الأذهان.

والدليل عليه أنّه لو كان أثرا يحصل منه لم يخل الأمر إمّا أن يكون لهذا الأثر حصول بنفسه ، أولا ، فإن كان الثاني لم يحصل العلم البتّة ، بل كان الذهن كما كان قبل حصول صورة المعلوم. وإن كان الأوّل فأيّ فرق بين الحصول الأوّل والثاني؟ فإن لم يكن العلم هو حصول الصورة الأولى ، بل أثر يحصل منه ولهذا الأثر أيضا حصول ، فيجب أن لا يكون العلم هو نفس حصول الصورة الأولى ، بل هو أثر يحصل من حصول الصورة الثانية ويتسلسل ، فيبقى أنّ العلم هو حصول الصورة المعلومة وهو مثال مطابق للأمر الموجود دون الذهن. وهذا أمر مطّرد في العلم القديم والعلوم الحادثة.

ثم قال : اعلم أنّ العلم ينقسم قسمين :

أحدهما : ما هو حادث من وجود الشيء ، مثل علمنا بالفلك.

وثانيهما : علم حادث منه وجود الشيء ، مثل علم الباني بالبناء قبل وجود البناء ، وعلم البارئ من قبيل القسم الثاني ؛ لأنّه متقدّم على وجود المعلومات ، وقد قلنا : إنّ العلم فهو نفس مثل المعلومات وصورها لا أثر يحصل منها ، وإذا كان كذلك فصور المعلومات حاصلة عنده قبل أن أبدعها وأوجدها ؛ إذ لمّا ثبت تقدّمها على المعلومات ، ولم تكن هي نفس الموجودات الخارجيّة ، ولم يجز أن تكون في

ص: 172

موضوع مفارق لذات البارئ عزّ اسمه ؛ لأنّه يحتاج إلى سبب لكونها في ذات الشيء ، فإن كان السبب ذات البارئ تعالى ، كان ذلك المسبّب - الذي هو صورة تلك الموجودات - قبل كونه في ذلك الموضوع موجودا ؛ إذ قلنا : إنّ مثل ذلك العلم متقدّم على ذوات الموجودات الخارجيّة ، فإن كان ذلك العلم المتقدّم عليه في موضوع مفارق أيضا لذات البارئ ، كان الكلام باقيا ، وهكذا إلى غير النهاية ، فيتسلسل الأمر.

ويلزم التسلسل من وجه آخر أيضا ، وهو أنّ العلم المتقدّم على كون هذه الصورة في موضوع هو وجود تلك الصور ، فيلزم أن يكون علم فعلم ، أو وجد فوجد ، وهذا محال ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن لا يكون الشيء معلوما البتّة ، وإمّا أن يكون صور تلك الأشياء أجزاء ذاته تعالى ، وهذا يؤدّي إلى تكثّر في ذات الأحد الحقّ ، تعالى عن ذلك.

فلم يبق قسم إلاّ أن تكون لوازم الذات ؛ إذ لمّا ثبت وجود تلك الصور وتقدّمها ، وثبت أنّها غير الموجودات الخارجيّة وغير موجودة في موضوع آخر ، وبطل أن تكون موجودة مفارقة للموجودات الخارجيّة وللموضوع الآخر ولذات البارئ تعالى ، فتكون في صقع من الربوبيّة على ما عني من المثل الأفلاطونيّة المزيّفة في موضعها ، وثبت أنّها ليست عين الذات الأحد الحقّ ، بل هي غيره ، فبقي أنّها لوازم الذات ؛ إذ بطلت سائر الأقسام ، فلا بدّ من تعيين هذا الباقي.

وأنت إن لم تدرك حقيقة هذا فلا بأس ؛ لأنّ خطر العلم أضيق من أن يكون له إلى مثل ذلك الجناب تعالى مطمح نظر لا سيّما في دار الغربة ، فلا يلتمس من نفسك شيئا عجز عنه الملائكة المقرّبون والأنبياء المرسلون. انتهى ملخّصا.

وقال في الإشارات ما محصوله : إنّ إدراك الشيء مطلقا - سواء كان بآلة أو بغير آلة - هو أن تكون حقيقته متمثّلة عند المدرك ، حاضرة عند ما به الإدراك سواء كان ذاته أو آلته ، فإن كان تلك الحقيقة نفس حقيقة الشيء الخارج عن المدرك وآلته ، كان حقيقة ما لا وجود له بالفعل في الأعيان - مثل كثير من الأشكال الهندسيّة ،

ص: 173

بل كثير ممّا لا يمكن وجوده من الأمور الفرضيّة - غير متحقّقة أصلا ، فيمتنع تعلّق الإدراك ، هذا خلف ، فبقي أن يكون مثال حقيقة مرتسمة في ذات المدرك أو آلته غير مباين لهما (1).

وقال أيضا - بعد إبطال اتّحاد العاقل مع المعقول على ما مرّ في مسألة العلم - :

فيظهر لك من هذا أنّ كلّ ما يعقل فإنّه ذات موجودة تتقرّر فيها الجلايا تقرّر شيء في شيء آخر (2).

ثمّ قال : ولعلّك تقول : إن كانت المعقولات لا تتّحد بالعاقل ولا بعضها مع بعض ، ثمّ قد سلّمت أنّ واجب الوجود يعقل كلّ شيء ، فليس واحدا حقّا ، بل هناك كثرة ، فنقول : إنّه لمّا كان يعقل ذاته بذاته ، ثمّ يلزم قيّوميّته عقلا بذاته لذاته أن يعقل الكثرة ، جاءت الكثرة لازمة متأخّرة لا داخلة في الذات مقوّمة ، وجاءت أيضا على ترتيب ، وكثرة اللوازم من الذات - مباينة أو غير مباينة - لا تثلم الوحدة ، والأوّل تعالى تعرض له كثرة لوازم إضافيّة وغير إضافيّة وكثرة سلوب ، وبسبب ذلك كثرت الأسماء ولكن لا تأثير لذلك في وحدانيّة ذاته تعالى (3). انتهى.

والمراد من الترتيب ما بيّنه في التعليقات حيث قال : الأوّل تعالى هو سبب في لزوم المعلومات له ووجوبها عنه لكن على ترتيب وهو ترتيب السبب والمسبّب ؛ فإنّه مسبّب الأسباب وهو سبب معلوماته ، فيكون بعض الشيء مقدّما علميّته له على بعض ، فيكون بوجه ما علّة لأن عرف الأوّل معلولها ، وبالحقيقة فإنّه علّة كلّ معلوم وسبب لأن علم كلّ شيء.

مثال ذلك أنّه علّة لأن عرف العقل الأوّل ، ثمّ إنّ العقل الأوّل هو علّة لأن عرف لازم العقل الأوّل ، فهو وإن كان سببا لأن عرف العقل الأوّل ولوازمه ، فبوجه ما صار

ص: 174


1- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 293 - 297.
2- نفس المصدر.
3- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 302 - 303.

العقل الأوّل علّة لأن عرف [ الأوّل ] (1) لوازم العقل الأوّل (2). انتهى.

ثمّ إنّ المصنّف في شرح الإشارات ردّ على الشيخ ، فقال : لا شكّ في أنّ القول بتقرّر لوازم الأوّل في ذاته قول بكون الشيء فاعلا وقابلا معا ، وقول بكون الأوّل موصوفا بصفات غير إضافيّة ولا سلبيّة ، وقول بكونه محلاّ لمعلولاته الممكنة المتكثّرة ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، وقول بأنّ معلوله الأوّل غير مباين لذاته ، وبأنّه تعالى لا يوجد شيئا ممّا يباينه بذاته ، بل بتوسّط الأمور الحالّة فيه ، إلى غير ذلك ممّا يخالف الظاهر من مذهب الحكماء. والقدماء القائلون بنفي العلم عنه تعالى ، وأفلاطن القائل بقيام الصور المعقولة بذاتها ، والمشّاءون القائلون باتّحاد العاقل والمعقول إنّما ارتكبوا تلك المحالات حذرا من التزام هذه المعاني (3). انتهى.

أقول - وباللّه التوفيق - : قد حقّقنا فيما مرّ من مباحث العلّة والمعلول أنّ المراد من القبول في قولهم : الواحد لا يكون فاعلا وقابلا ، هو القبول الانفعاليّ ، أعني القبول من الغير ؛ فإنّ القابل هذا القبول يجب أن يتعرّى في حدّ ذاته عن المقبول ، والفاعل لا يمكن أن يتعرّى في حدّ ذاته عن المفعول ؛ ضرورة أنّ المفعول فائض عنه وصادر منه ويمتنع فيضان الشيء عن العاري عن ذلك الشيء ، وكذا يمتنع قبول الشيء من الغير ما لا يتعرّى في حدّ ذاته عنه.

وهذا معنى قولهم في الاستدلال على هذا المطلب : إنّ نسبة الفاعل إلى المفعول بالوجوب ، ونسبة القابل إلى المقبول بالإمكان ، فلو اجتمعا في شيء واحد ، لزم اجتماع الوجوب والإمكان في شيء واحد من جهة واحدة.

وأمّا قبول الشيء المقبول عن نفسه ، فلا يستدعي تعرية عنه في حدّ ذاته ، بل يمتنع ذلك فيه ، فلا ينافي كونه مفعولا لذلك الشيء كما أنّه مقبول له.

ص: 175


1- الزيادة أضفناها من المصدر.
2- « التعليقات » : 153.
3- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 304.

وهذا معنى قول الشيخ : إنّ عاقليّته تعالى لهذه المعقولات إنّما هي لكونها صادرة عنه لا لكونها حاصلة فيه (1) ، وذلك لأنّ المتبادر من الحصول في الشيء هو أن يكون حاصلا فيه من غيره لا من ذاته.

قال في الشفاء في فصل سابق على الفصل المذكور : وليس يجوز أن يكون واجب الوجود يعقل الأشياء من الأشياء ، وإلاّ فذاته إمّا متقوّمة بما يعقل ، فيكون تقوّمها بالأشياء ، وإمّا عارض لها أن تعقل ، فلا تكون واجبة الوجود من كلّ وجه وهذا محال. ويكون لو لا أمور من خارج لم يكن هو بحال ويكون له حال لا يلزم عن ذاته بل عن غيره ، فيكون لغيره فيه تأثير. والأصول السابقة تبطل هذا وما أشبهه (2).

وقال في التعليقات :

تعليق : نفس تعقّله لذاته نفس وجود هذه الأشياء عنه ، ونفس وجود هذه الأشياء نفس معقوليّتها له على أنّها عنه (3).

تعليق : هو يعقل الأشياء لا على أنّها تحصل في ذاته كما نعقلها نحن ، بل على أنّها تصدر عن ذاته وأنّ ذاته سبب لها (4).

تعليق : إن ورد على ذات البارئ تعالى شيء من الخارج يكون ثمّة انفعال ويكون هناك قابل له ؛ لأنّه يكون بعد ما لم يكن ، وكلّ ما يفرض أنّه يكون له بعد ما لم يكن فإنّه يكون ممكنا فيه ، فبطل أن يكون واجب الوجود ، فيؤدّي ذلك إلى تغيّر في ذاته أو تأثير من خارج فيه فإذن تعقّل كلّ شيء من ذاته (5).

تعليق : هذه الموجودات من لوازم ذاته ، ولوازمه فيه بمعنى أنّه يصدر عنه ، لا أنّه

ص: 176


1- « التعليقات » : 153 ، وانظر « الشفاء » الإلهيّات : 364 - 365 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
2- « الشفاء » الإلهيّات : 358 - 359 ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.
3- « التعليقات » : 153.
4- « التعليقات » : 153.
5- نفس المصدر : 117.

يصدر عن غيره فيه ثمّ قبله قبول انفعال.

وقولنا : فيه ، يعتبر على وجهين : أحدهما أن يكون فيه عن غيره. والآخر أن يكون فيه لا عن غيره ، بل فيه من حيث يصدر عنه (1).

تعليق : الأوّل - تعالى - يعقل الأشياء والصور على أنّه مبدأ لتلك الصور الموجودة المعقولة ؛ فإنّها فائضة [ عنه ] (2) مجرّدة غاية التجريد ليس فيه اختلاف صور مترتّبة متخالفة ، بل يعقلها بسيطة ومعا لا باختلاف ترتيب وليس يعقلها من خارج. وكما أنّ وجود الأوّل مباين لوجود الموجودات بأسرها ، فكذلك تعقّله مباين لتعقّل الموجودات ، وكذلك أحواله ، فلا يقاس حال من أحواله إلى حال ما سواه فهكذا يجب أن يعقل حتّى يسلم من التشبيه تعالى عن ذلك (3).

تعليق : إضافة البارئ - عزّ اسمه - إلى هذه المعقولات إضافة محضة معقولة ، لا إضافة المادّة إلى الصورة - أي القابل - أو وجود الصورة في المادّة ، بل الإضافة له إليها وهي معقولة لا من حيث هي موجودة ؛ لأنّه يعقلها من ذاته لا من خارج ، ويعقل من ذاته أنّه مبدأ لها ، وإن كان تعقّلها من حيث هي موجودة يكون إمّا أن يكون لا يعقل ذاته ويكون مدرك الشيء عند وجوده ، أو لا يكون مبدأ لها وهذا محال ؛ فإنّه يعقل ذاته وإدراكه لها من حيث شأنها أن يفيض عنها كلّ موجود ، وهذا الإدراك للذات يوجب الإدراك للأمر اللازم لذاته ، وهو صدور المعقولات عنه (4).

تعليق : القابل يعتبر فيه وجهان : أحدهما أن يكون يقبل شيئا من خارج ، فيكون ثمّة انفعال في هيولى تقبل ذلك الشيء الخارج. وقابل (5) من ذاته لما هو في ذاته

ص: 177


1- نفس المصدر : 119 - 120.
2- الزيادة أضفناها من المصدر.
3- « التعليقات » : 121.
4- نفس المصدر : 125.
5- هذا هو الوجه الثاني.

لا من خارج ، فلا يكون ثمّة انفعال ، فإن كان هذا الوجه الثاني صحيحا ، فجائز أن يقال على البارئ تعالى (1).

تعليق : وجوده - تعالى - مباين لسائر الوجودات ، وتعقّله لسائر التعقّلات ؛ فإنّه يعقله على أنّه عنه ، وتعقّل غيره على أنّه فيه (2).

تعليق : اللازم ما يلزم الشيء لأنّه هو ولا يقوّم الشيء ، واللوازم كلّها على هذا ، أي تلزم ملزومها لأنّه هو (3).

تعليق : لوازم الأوّل تكون صادرة عنه لا حاصلة فيه فلذلك لا يتكثّر بها ؛ لأنّه مبدؤها فلا يرد عليه من خارج ، ومعنى اللزوم أن يلزم شيء شيئا بلا واسطة شيء ، ولوازم الأوّل لمّا كان هو مبدؤها كانت لازمة له وصادرة عنه ، لا لازمة له عن غيره حاصلة فيه ، وصفاته لازمة لذاته على أنّها صادرة عنه لا على أنّها حاصلة فيه ؛ فلذلك لا يتكثّر بها فهو موجبها ، فتلك اللوازم وتلك الصفات تلزم ذاته لأنّه هو - أي هو سببها - لا شيء آخر ، واللوازم التي تلزم غيره لا تلزمه لأنّه هو فاللوازم كلّها حقيقتها أنّها تلزم الشيء لأنّه هو (4).

تعليق : لازم الأوّل لا يجوز إلاّ أن يكون واحدا بسيطا ؛ فإنّه لا يلزم عن الواحد إلاّ واحد ، ثمّ اللازم الآخر يكون لازم لازمه ، ثمّ يكون الأمر على ذلك ويكون كثرة اللوازم على هذا الوجه (5).

تعليق : واجب الوجود لا يصحّ أن يكون فيه كثرة حتّى يكون ذاته مجتمعة من أجزاء مثل بدن الإنسان ، أو من أجزاء كلّ واحد منها قائم بذاته كأجزاء البيت من الخشب والطين ، ولا من أجزاء كلّ واحد منها غير قائم بذاته كالمادّة والصورة

ص: 178


1- نفس المصدر : 115.
2- نفس المصدر : 157.
3- نفس المصدر : 180.
4- « التعليقات » : 180.
5- نفس المصدر.

للأجسام الطبيعيّة ؛ فإنّه لو كان ذاته متعلّقا بالأجزاء لكان وجوب وجوده يتعلّق بأسباب ، وكلّ وجود يتعلّق وجوبه بأسباب لا يكون واجب الوجود بذاته.

ولا يصحّ أيضا أن يكون فيها صفات مختلفة ؛ فإنّه لو كانت تلك أجزاء لذاته ، كان الحكم فيها ما ذكر.

وإن كانت تلك الصفات عارضة لذاته ، كان وجود تلك الصفات إمّا عن سبب من خارج ويكون واجب الوجود قابلا له ، ولا يصحّ أن يكون واجب الوجود بذاته قابلا لشيء ؛ فإنّ القبول لما (1) فيه معنى ما بالقوّة.

وإمّا أن تكون تلك العوارض توجد فيه عن ذاته ، فيكون إذن قابلا كما هو فاعل.

اللّهمّ إلاّ أن تكون تلك الصفات والعوارض لوازم ذاته ؛ فإنّه حينئذ لا تكون ذاته موضوعة لتلك الصفات ؛ لأنّ تلك الصفات موجودة فيه ، بل لأنّها لازمة له لأنّه هو.

وفرق بين أن يوصف جسم بأنّه أبيض ؛ لأنّ البياض يوجد فيه من خارج ، وبين أن يوصف بأنّه أبيض ؛ لأنّ البياض من لوازمه وإنّما وجد فيه لأنّه هو لو كان نحو ذلك في الجسم. وإذا أخذت حقيقة الأوّل على هذا الوجه ، ولوازمه على هذه الجهة ، استمرّ (2) هذا المعنى فيه ، وهو أنّه لا كثرة فيه وليس هناك قابل وفاعل ، بل هو - من حيث هو - قابل فاعل.

وهذا الحكم مطّرد في جميع البسائط ؛ فإنّ حقائقها هي أنّه تلزم عنها اللوازم ، وفي ذواتها تلك اللوازم على أنّها - من حيث هي - قابلة فاعلة ؛ فإنّ البسيط عنه وفيه شيء واحد ؛ إذ لا كثرة فيه ولا يصحّ فيه غير ذلك ، والمركّب ما عنه غير ما فيه ؛ إذ هناك كثرة ، وثمّ وحدة ، وحقيقته أنّه يلزمه ذلك ، فيكون عنه وفيه شيئا واحدا ، وكلّ اللوازم هذا حكمها ؛ فإنّ الوحدة في الأوّل هي عنه وفيه لأنّها من لوازمها ، والوحدة في غيره واردة عليه من خارج ، فهي « فيه » لا « عنه » وهو هناك قابل ، وفي

ص: 179


1- في « شوارق الإلهام » : « فإنّ القبول ما فيه معنى ما بالقوة ».
2- في « شوارق الإلهام » : « يستمرّ ».

الأوّل أيضا القابل والفاعل شيء واحد (1).

تعليق : النفس الإنسانيّة لا يصحّ أن تكون فاعلة للمعقولات ؛ لأنّها قابلة لها بعد أن لم تكن ومثل ذلك يجب أن يسبقه معنى ما بالقوّة ، فأمّا الشيء الذي حقيقته أنّه يلزمه المعقولات ، فلا يجب أن يكون فيه معنى ما بالقوّة ، ولمّا كانت النفس الإنسانيّة تعقل المعقولات بعد أن لم تكن متعقّلة ، كان فيها معنى ما بالقوّة (2).

تعليق : الذي يعقل (3) المعقولات لا يصحّ أن يكون فاعلا للمعقولات ؛ لأنّه لا يصحّ أن يكون شيء واحد فاعلا وقابلا بعد أن لم يكن قابلا وفاعلا ؛ لأنّه يسبقه معنى ما بالقوّة (4). انتهى كلام التعليقات.

وقال تلميذه بهمنيار : وإذا كان واجب الوجود تعقّل (5) ذاته فتعقّل أيضا لوازم ذاته ، وإلاّ فليس تعقّل ذاته بالتمام. واللوازم التي هي معقولاته وإن كانت أعراضا موجودة فيه ، فليس ممّا يتّصف بها أو ينفعل عنها ؛ فإنّ كونه واجب الوجود هو بعينه كونه مبدأ للوازمه أي معقولاته ، بل ما صدر عنه إنّما يصدر عنه بعد وجوده عنه وجودا تامّا ؛ وإنّما يمتنع أن يكون ذاته محلاّ لأعراض ينفعل عنها ، أو يستكمل بها ، أو يتّصف بها ، بل كماله في أنّه بحيث يصدر عنه اللوازم لا في أنّها توجد له ، فإذا وصف بأنّه تعقّل هذه الأمور ، فإنّه يوصف به لأنّه يصدر عنه هذه لا لأنّه محلّها ؛ ولوازم ذاته هي صور معقولاته لا على أنّ تلك الصور تصدر عنه فيعقلها ، بل نفس تلك الصور - لكونها مجرّدة عن الموادّ - تفيض عنه وهي معقولة له ، فنفس وجودها عنه نفس معقوليّتها له ، فمعقولاته إذن فعليّة (6). انتهى كلام التحصيل.

ص: 180


1- « التعليقات » : 181.
2- نفس المصدر : 182.
3- في المصدر : « لا يقبل ».
4- « التعليقات » : 182.
5- في « شوارق الإلهام » و « التحصيل » : « ويعقل ذاته فيعقل ... فليس يعقل ».
6- « التحصيل » : 574.

فبهذا التحقيق اندفع الأوّل والثاني من المفاسد.

وأمّا الثالث منها - وهو كونه محلاّ للمعلولات المتكثّرة (1) - فينحلّ إلى ثلاثة مفاسد :

أحدها : كونه محلاّ. وهذا أيضا قد اندفع به ؛ إذ لا فرق بينه وبين كونه قابلا.

وثانيها : كونه محلاّ للكثرة من حيث هي كثرة. وهذا مندفع ؛ لكون تلك الكثرة على الترتيب.

وثالثها : كونه محلاّ للمعلول من حيث هو معلول ؛ لأنّ الظاهر من مذاهب الحكماء هو اتّفاقهم على امتناع كونه تعالى محلاّ لشيء من معلولاته.

وهذا مع الوجهين الباقيين من تلك المفاسد مندفعة ، بأنّه على تقدير التسليم فالمراد من المعلول وكذا من الإيجاد ما يكون بحسب الوجود العينيّ ، فلا ينافي كونه محلاّ لمعلوله بحسب الوجود العقليّ ، ولا كونه غير مباين ، ولا كونه غير موجد لشيء من معلولاته بحسب الوجود الخارجيّ إلاّ بتوسّط ما هو حالّ فيه ومعلول له بحسب الوجود العقليّ.

وقد يجاب أيضا عن لزوم كون المعلول الأوّل غير مباين لذاته تعالى بأنّه إن أراد بعدم المباينة قيام صورته بذاته تعالى ، فهو عين محلّ النزاع.

وإن أراد به كون صورته عين ذاته تعالى - بناء على أنّ صدور كلّ معلول إذا كان بتوسّط صورته السابقة عليه ، فلو لم يكن صورة المعلول الأوّل عين الواجب ، لزم التسلسل - فجوابه أنّ هذه الصورة نفس وجودها عنه نفس عقله لها ، فهي من حيث هي موجودة معقولة ، ومن حيث هي معقولة موجودة ، فنفس إيجاده تعالى إيّاها عين علمه تعالى بها ، وكلّ إيجاد لا يكون نفس العلم يحتاج إلى علم سابق. وأمّا إذا كان الإيجاد والعلم واحدا وكانت الصورة العلميّة نفس الموجود ، فلا يحتاج إلى علم سابق ؛ فإنّ الإيجاد يجب أن يكون عن علم ، ولا يجب أن يكون العلم أيضا

ص: 181


1- تقدّم بيانها في ص 157.

عن علم ، هذا.

وينبغي أن يعلم أنّ بناء العلم الحصولي على وجوب كون هذه الموجودات عن علم متعلّق بهذا النظام والترتيب الواقعين على أكمل وجوه الخيريّة وأتمّها ، وامتناع صدور مثل ذلك النظام لا عن علم به بل بمحض اتّفاق أو طبع.

وهذا العلم يجب أن يكون متقدّما على الصدور ومتعلّقا بتفاصيل النظام ، فلا يجوز كونه عين تلك الأشياء ولا كونه إجماليّا كما سيأتي ، فثبت وجوب كون هذا النظام معقولا له تعالى سابقا على صدور الأشياء وسببا له.

وهو معنى قول الشيخ : إنّ هذه العالميّة يفيض عنها الوجود مع الترتيب الذي يفعله خيرا ونظاما (1) ، وأنّ الأشياء لمّا عقلت هكذا وجدت لا أنّها وجدت ثمّ عقلت. وهذا هو مرادهم من العناية (2).

قال في الإشارات : فالعناية هي إحاطة علم الأوّل بالكلّ وبالواجب أن يكون عليه الكلّ حتّى يكون على أحسن النظام وبأنّ ذلك واجب عنه وعن إحاطته به ، فيكون الموجود وفق المعلوم على أحسن النظام من غير انبعاث قصد وطلب من الأوّل الحقّ ، فعلم الأوّل بكيفيّة الصواب في ترتيب وجود الكلّ منبع لفيضان الخير في الكلّ (3).

وقال في كتاب المبدأ والمعاد : وأمّا وجود العناية من العلل العالية في العلل السافلة ، فهي أنّ كلّ علّة عالية فإنّها تعقل نظام الخير الذي يجب أن يكون عنه في كلّ ما يكون ، فيتبع معقوله وجود ذلك النظام ، وليس يمكننا أن ننكر التدبير في أعضاء الحيوان والنبات ، والزينة (4) الطبيعيّة ، ولا يمكننا أن نجعل القوى العالية بحيث

ص: 182


1- « الشفاء » الإلهيّات : 363 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة ، و 415 ، الفصل السادس من المقالة التاسعة. وانظر التعليقات : 157.
2- « الشفاء » الإلهيّات : 363 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة ، و 415 ، الفصل السادس من المقالة التاسعة. وانظر التعليقات : 157.
3- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 318.
4- في « شوارق الإلهام » و « التعليقات » : « الرتبة ».

تعمد (1) تكوّن هذه الفاسدات أو ما دونها فقد بيّنّا هذا ، بل الوجه المخلّص عن الباطل (2) أنّ كلّ واحدة منها تعقل ذاته ، وهو تعقّله مبدأ النظام الذي يجب أن يكون عنه وذلك صورة ذاته ، فيجوز أن يكون ذلك بالكلّيّة للمبدإ الأوّل.

وأمّا الجزئيّات والتغاير فلا يجوز أن تنسب إليه ، فإذا كان كذلك فإنّ تعقّل كلّ واحدة منها لصورة نظام الخير - الذي يمكن أن يكون عنه - مبدأ لوجود ما يوجد عنه على نظمه ، فالصور المعقولة التي عند المبدأ مبدأ للصور الموجودة للثواني. ويشبه أن يكون أفلاطن يعني بالصور هذه الصور ، ولكن ظاهر كلامه منتقض فاسد قد فرغ الفيلسوف من بيانه في عدّة كتب ، وإذا كانت كذلك ، كانت عناية اللّه مشتملة على الجميع (3). انتهى.

فظهر أنّ وجود العناية ممّا لا بدّ منه في وجود الموجودات ، وهو لا يكون إلاّ بتقدّم العلم الصوريّ بها عليها ، فأمّا وجوب كون هذه الصور المعقولة قائمة بذاته تعالى ، فإنّما لزم لاستحالة سائر الاحتمالات ، على ما مرّ فيما نقلناه عن الشيخ في رسالة منسوبة إليه. وأيضا لكون مناط المعقوليّة - على ما هو المعلوم المتحقّق - إمّا العينيّة أو القيام بالعاقل.

وأمّا كفاية مطلق الحضور والحصول في التعقّل ، فغير معلومة ، بل في محلّ المنع ؛ فإنّ كون حصول المعلول للعلّة أشدّ من حصول المقبول للقابل في كونه حصولا للغير ممنوع وإن كان الربط آكد.

وكون الأوّل بالوجوب والثاني بالإمكان لا يقتضي إلاّ ذلك ، وهل هذا إلاّ كما يقال : نسبة السواد إلى قابله بالإمكان وإلى فاعله بالوجوب ، والنسبة الأولى منشأ للاتّصاف فأن تكون النسبة الثانية منشأ للاتّصاف أولى.

وهذا ممّا لا يمكن للعقل تصديقه ، كيف؟ والعلم بالشيء يقتضي نسبة مخصوصة ،

ص: 183


1- في المصدر : « أن نجعل القوى العالية عشيقة بعمل يتكوّن عنها هذه الفاسدات ».
2- في المصدر : « الباطلين ».
3- « المبدأ والمعاد » لابن سينا : 84 - 85.

فلا يجدي تحقّق نسبة أخرى وإن كانت آكد من الأولى على ما قيل.

وعلى تقدير تسليم كفايته في مطلق التعلّق ، فلا يكفي فيما نحن بصدده ؛ لما عرفت من وجوب تقدّم هذا التعقّل على الوجود ، فظهر ضعف مختار صاحب الإشراق في علمه تعالى (1).

وهذا وارد على مذهب ثالس (2) أيضا ؛ فإنّه إذا كان حضور المعلولات بذواتها للعاقل غير كاف في كونها معقولات ، كان قيام صورها بما لا يكفي حضوره بذاته في كونه معقولا كذلك ، كما لا يخفى.

ويرد عليه أيضا صحّة كون زيد عالما بالأشياء بصور قائمة بذهن عمرو إلاّ أن يكون محلّ تلك المعقولات مرتبطا به تعالى ارتباط الآلة بذي الآلة ، وذلك أشنع.

وأيضا أن يكون صدور ذلك العقل الذي هو محلّ تلك الصور عن غير علم ، فلا يصدق في شأنه أنّه تعالى لمّا عقل خيرا وجد ، كما مرّ في كلام الشيخ.

فأحرى المذاهب بالقبول هو مختار الشيخ ؛ لسلامته عن المفاسد المذكورة إلى الآن كما عرفت.

وأمّا وجوب كون صفاته الكماليّة عين ذاته تعالى ، فلا ينافيه أيضا ؛ لأنّ الشيخ قد صرّح غير مرّة بأنّ كماله تعالى ومجده ليس بهذه الصور ، بل بأن يفيض عنه هذه الصور معقولة.

قال في الشفاء في صدر فصل نسبة المعقولات إليه تعالى : ثمّ يجب لنا أن نعلم أنّه إذا قيل للأوّل : عقل ، قيل على المعنى البسيط الذي عرفته في كتاب النفس ، وأنّه ليس فيه اختلاف صور مترتّبة متخالفة كما يكون في النفس ، فهو كذلك تعقّل (3)

ص: 184


1- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 150. وانظر « الأسفار الأربعة » 6 : 230 ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة :1. 166.
2- في « شوارق الإلهام » : « انكسيمايس ».
3- في « الشفاء » و « شوارق الإلهام » : « يعقل » بدل « تعقّل ».

الأشياء دفعة واحدة من غير أن يكثر بها في جوهره أو يتصوّر في حقيقة ذاته بصورها ، بل يفيض عنه صورها معقولة ، وهو أولى بأن يكون عقلا من تلك الصور الفائضة عن عقليّته ؛ لأنّه تعقّل ذاته وأنّها مبدأ كلّ شيء [ فيعقل من ذاته كلّ شيء ] (1).

وقال في التعليقات :

تعليق : ليس علوّ الأوّل ومجده هو تعقّل الأشياء بل علوّه ومجده بأن يفيض عنه الأشياء معقولة ، فيكون بالحقيقة علوّه ومجده بحيث يخلق ، لا بأنّ الأشياء خلقه ، فعلوّه ومجده إذن بذاته لا بلوازمه التي هي المعقولات (2).

وقال في رسالة الفصول :

فصل : ليس علوّ الأوّل ومجده بأن تعقّل الأشياء ، بل بأن يفيض عنه الأشياء معقولة ، فيكون بالحقيقة علوّه ومجده بذاته لا بلوازمه التي هي المعقولات. وكذلك الأمر في الخلق ؛ فإنّ علوّه ومجده بأنّه بحيث يخلق ، لا بأنّ الأشياء خلقها ، فعلوّه ومجده إذن بذاته (3).

وقال التلميذ في التحصيل : وليس مجده بحيث يحصل له تلك المعقولات ، بل مجده بحيث يصدر عنه تلك المعلومات وليس هو عالما لأنّ له تلك الصور ، بل هو عالم بمعنى أنّه يصدر عنه تلك الصور (4). انتهى.

وهذا هو ما قال المصنّف في شرح الرسالة :

كما أنّ الكاتب يطلق على من يتمكّن من الكتابة - سواء كان مباشرا للكتابة أو لم يكن - وعلى من يباشرها حال المباشرة باعتبارين ، كذلك العالم يطلق على من يتمكّن من العلم - سواء كان في حال استحضار المعلومات أو لم يكن - وعلى من

ص: 185


1- « الشفاء » الإلهيّات : 362 - 363 الفصل السابع من المقالة الثامنة.
2- « التعليقات » : 174.
3- الرسالة غير متوفّرة لدينا.
4- « التحصيل » : 575.

يكون مستحضرا حال الاستحضار باعتبارين ، فوقوع اسم العلم على الأمر الأوّل يكون بالاعتبار الأوّل ، وعلى الأمر الثاني بالاعتبار الثاني والعالم الذي يكون علمه ذاتيا فهو بالاعتبار الأوّل كأنّه بذلك الاعتبار لا يحتاج في كونه عالما إلى شيء غير ذاته (1). انتهى.

واعلم أنّ هذا العقل هو الذي سمّاه المتأخّرون العلم الإجماليّ.

بيانه ما قاله الشيخ في كتاب النفس من طبيعيّات الشفاء حيث قال :

« تصوّر المعقولات على وجوه ثلاثة :

أحدها : التصوّر الذي يكون في النفس مفصّلا منظّما ، وربما كان ذلك التفصيل والنظام غير واجب ، بل يصحّ أن يغيّر ، مثاله أنّك إذا فصلت في نفسك معاني الألفاظ التي يدلّ عليها قولك : كلّ إنسان حيوان ، وجدت كلّ معنى منها كلّيّا لا يتصوّر إلاّ في جوهر غير بدنيّ ، ووجدت لتصوّرها فيه تقديما وتأخيرا ، فإن غيّرت ذلك - حتّى كان ترتيب المعاني المتصوّرة الترتيب المحاذي لقولك : الحيوان محمول على كلّ إنسان - لم تشكّ أنّ هذا الترتيب من حيث هو ترتيب معان كلّيّة لم يترتّب إلاّ في جوهر غير بدنيّ ، وإن كان أيضا يترتّب من وجه ما في الخيال ، فمن حيث المسموع لا من حيث المعقول ، وكان الترتيبان مختلفين ، والمعقول الصرف منه واحد.

والثاني : أن يكون قد حصل واكتسب لكنّ النفس معرضة عنه فليست تلتفت إلى ذلك المعقول ، بل قد انتقلت عنه مثلا إلى معقول آخر ؛ فإنّه ليس في وسع أنفسنا أن تعقل الأشياء معا دفعة واحدة.

ونوع آخر (2) من التصوّر وهو مثل ما يكون عندك من مسألة تسأل عنها ممّا علمته أو ممّا هو قريب من أن تعلم ، فحضرك جوابها في الوقت وأنت متيقّن بأنّك تجيب عنها [ ... ] (3) عن يقين منك بالعلم به قبل التفصيل والترتيب.

ص: 186


1- « شرح مسألة العلم » : 28.
2- هذا بمنزلة قوله : « ثالثها ».
3- إشارة إلى زيادة وردت في « الشفاء » ولم ترد في « شوارق الإلهام ».

فيكون الفرق بين التصوّر الأوّل والثاني ظاهرا ؛ فإنّ الأوّل كأنّه شيء قد أخرجته من الخزانة وأنت تستعمله ، والثاني كأنّه شيء لك مخزون متى شئت استعملته.

والثالث يخالف الأوّل بأنّه ليس شيئا مرتّبا في الفكر البتّة ، بل هو مبدأ لذلك مع مقارنته لليقين ، ويخالف الثاني بأنّه لا يكون شيئا معرضا عنه ، بل منظورا إليه نظرا ما بالفعل يقينا ؛ إذ يتخصّص معه النسبة إلى بعض ما هو كالمخزون.

فإن قال قائل : إنّ ذلك علم أيضا بالقوّة ولكن قوّة قريبة من الفعل ، فذلك باطل ؛ لأنّ لصاحبه يقينا بالفعل حاصلا لا يحتاج إلى أن يحصّله بقوّة بعيدة أو قريبة ، فذلك اليقين إمّا (1) لأنّه متيقّن أنّ هذا حاصل عنده إذا شاء علمه ، فيكون تيقّنه بالفعل بأنّ هذا حاصل بالفعل تيقّنا به بالفعل ؛ فإنّ الحصول حصول لشيء ، فيكون هذا الشيء الذي نشير إليه حاصلا بالفعل ؛ لأنّه من المحال أن يتيقّن أنّ المجهول بالفعل معلوم عنده مخزون [ ... ] (2) فهو بهذا النوع البسيط معلوم عنده ، ثمّ يريد أن يجعله معلوما بنوع آخر.

ومن العجائب أنّ هذا المجيب حين يأخذ في تعليم غيره تفصيل ما هجس في نفسه دفعة يكون مع ما يعلّمه يتعلّم العلم بالوجه الثاني ، فيترتّب تلك الصور فيه مع ترتيب ألفاظه ، فأحد هذين هو العلم الفكري الذي إنّما يستكمل به تمام الاستكمال إذا ترتّب وتركّب. والثاني هو العلم البسيط الذي ليس من شأنه أن يكون له في نفسه صورة بعد صورة لكن هو واحد عنه يفيض الصور في قابل الصور ، فذلك علم فاعل للشيء الذي نسمّيه علما فكريّا ومبدأ له وذلك هو للقوّة العقليّة المطلقة من النفس المشاكلة للعقول الفعّالة. وأمّا التفصيل ، فهو للنفس من حيث هو نفس ، فما لم يكن له ذلك ، لم يكن له علم نفسانيّ (3). انتهى.

ص: 187


1- كلمة « إمّا » غير موجودة في « الشفاء ».
2- إشارة إلى زيادة وردت في « الشفاء » ولم ترد في « شوارق الإلهام ».
3- « الشفاء » الطبيعيات 2 : 213 - 215 ، الفصل السادس من المقالة الخامسة من الظنّ السادس.

ثمّ اعلم أنّه قد ظهر من هذا البيان أنّ التفاوت بين المعلوم بالعلم الإجماليّ البسيط ، وبين المعلوم بالعلم التفصيليّ ليس إلاّ في نحو الإدراك لا في نفس المدرك ؛ فإنّ المعلوم بالحالة الثالثة المسمّاة بالعلم الإجماليّ هو أنّ جميع ما له مدخل في الجواب عن هذه المسألة حاصل لي ، وهذه صورة علميّة واحدة مطابقة لجملة المقدّمات التي لها مدخل في الجواب من حيث الجملة وليست صورة كلّ واحدة من تلك المقدّمات ملحوظة بهذه الملاحظة فإذا أخذ في الجواب من حيث الجملة ، وليست صورة كلّ واحدة من تلك المقدّمات ملحوظة بهذه الملاحظة ، فإذا أخذ في الجواب والاستنباط تحصل كلّ مقدّمة بصورتها المخصوصة المطابقة إيّاها بخصوصها ، فتترتّب في النفس تلك المقدّمات ويتكثّر تلك الصور ، فيحصل الحالة الأولى المسمّاة بالعلم التفصيليّ الفكريّ ، فالمعلوم بكلتا الحالتين ليس إلاّ ما هو جواب عن المسألة لكن في إحداهما بصورة واحدة ، وفي الأخرى بصور متكثّرة.

ونظير ذلك في التصوّرات تصوّر المحدود كالإنسان ؛ فإنّه يكون بصورة واحدة ، وتصوّر الحدّ كالحيوان الناطق ؛ فإنّه بصور متعدّدة ، فالأوّل علم إجماليّ بحقيقة الإنسان ، والثاني علم تفصيليّ بها ، والمعلوم في كلا الحالين ليس إلاّ حقيقة الإنسان. يدلّ على ذلك صريحا قول الشيخ : وكان الترتيبان مختلفين والمعقول الصرف واحد (1).

هذا ، فما أبعد عن الحقّ من زعم أنّ العلم الإجماليّ بهذا المعنى حالة متوسّطة بين العقل المحض الذي هو العلم بالمعلومات مفصّلة ، متميّزا بعضها عن بعض ، وبين القوّة المحضة التي هي حالة اختزان المعلومات وحصول الأمر المسمّى بالملكة ؛ فإنّه علم بجملة مخصوصة من معلومات متعدّدة من حيث الجملة ، ومبدأ التفاصيل علوم متعلّقة بخصوصيّات تلك المعلومات ، فهو بالفعل من حيث إنّه علم بجملة تلك

ص: 188


1- مرّ في ص 186 من هذا الجزء.

المعلومات ، وبالقوّة من حيث العلم بخصوصيّات تلك المعلومات ؛ وذلك لأنّه ليس في المثال قوّة من حيث كونه علما بحقيقة الجواب ، بل من حيث إنّ هذه الصورة الواحدة قابلة للتحليل إلى صور كثيرة كلّ واحدة من هذه الصورة الواحدة وتلك الصور الكثيرة نحو على حدة من العلم بحقيقة الجواب. والعالم بالجواب بالنحو الأوّل ليس قابلا للعلم به بالنحو الآخر ؛ فإنّ أحدهما للقوّة العقليّة الصرفة ، والآخر للقوّة النفسانيّة ، فليتفطّن.

فإذا عرفت ما ذكرناه فمعنى كونه تعالى عقلا بسيطا بالأشياء هو كون ذاته تعالى نفس العلم بالموجودات بلا تكثّر صور في ذاته ، وهذا يمكن أن يكون مراد من قال باتّحاد العاقل والمعقول ، فالاتّحاد معقول في علمه تعالى بالأشياء ، وبالجملة ، في كلّ عقل مفارق بالقياس إلى معلولاته ، وغير معقول في عقلنا بالأوّل تعالى وبالمبادئ المفارقة ومعلولاتها. وهذا ما وعدناك سابقا في مبحث إبطال الاتّحاد من مسألة العلم.

وأمّا أنّه كيف يمكن ذلك - أعني كون ذاته تعالى علما بالأشياء المستلزم لمطابقتها إيّاها - ، فسيأتي منّا بيانه إن شاء اللّه.

والشيخ أيضا غير غافل عن ذلك - أعني عن اتّحاد العاقل والمعقول بالمعنى المذكور - بل صرّح به في التعليقات حيث قال :

تعليق : لا محالة أنّه تعالى يعقل ذاته ويعقلها مبدأ للموجودات ، فالموجودات معقولات له وهي غير خارجة عن ذاته ؛ لأنّ ذاته مبدأ لها ، فهو العاقل والمعقول وليصحّ هذا الحكم فيه ولا يصحّ فيما سواه ؛ فإنّ ما سواه يعقل ما هو خارج عن ذاته (1).

تعليق : كلّ ما يعقل عن ذاته فإنّه هو العقل والمعقول والعاقل ، وهذا الحكم

ص: 189


1- « التعليقات » : 159.

لا يصحّ إلاّ في الأوّل. وأمّا ما يقال - أنّا إذا عقلنا شيئا فإنّا نصير ذلك المعقول - فهو محال ؛ فإنّه يلزم أن نكون إذا عقلنا البارئ نتّحد معه ونكون هو ، فهذا الحكم لا يصحّ إلاّ في الأوّل ؛ فإنّه يعقل ذاته ، وذاته مبدأ المعقولات ، فهو يعقل الأشياء من ذاته ، فكلّ شيء حاصل له حاضر عنده معقول له بالفعل (1).

وقال في المبدأ والمعاد : وليس كون الكلّ عنه على سبيل الطبع بأن يكون وجود الكلّ عنه لا لمعرفة ولا رضى منه ، وكيف يصحّ هذا وهو عقل محض يعقل ذاته؟ فيجب أن يعقل أنّه يلزمه وجود الكلّ عنه ؛ لأنّه لا يعقل ذاته إلاّ عقلا محضا ومبدأ أوّلا. وتعقّل وجود الكلّ عنه على أنّه مبدؤه هو ذاته لا غير ذاته ؛ فإنّ العقل والعاقل والمعقول فيه واحد ، وذاته راضية لا محالة بما عليه ذاته ، ولكن تعقّله الأوّل وبالذات أنّه يعقل ذاته التي هي لذاتها مبدأ لنظام الخير في الوجود ، فهو عاقل لنظام الخير في الوجود كيف ينبغي أن يكون ، لا عقلا خارجا عن القوّة إلى الفعل ، ولا عقلا منتقلا من معقول إلى معقول ؛ فإنّ ذاته بريئة عمّا بالقوّة من كلّ وجه على ما أوضحنا قبل ، بل عقلا واحدا معا ، ويلزم ما يعقله من نظام الخير في الوجود أنّه كيف يمكنه ، وكيف يكون وجود الكلّ على مقتضى معقولة ؛ فإنّ الحقيقة المعقولة عنده هي بعينها - على ما علمت - علم وقدرة وإرادة.

وأمّا نحن ، فنحتاج في تنفيذ ما نتصوّره إلى قصد وإلى حركة وإلى إرادة ، وهذا لا يحسن فيه ، ولا يصحّ ؛ لبراءته عن الاثنينيّة (2). انتهى.

فالشيخ مع تفطّنه لذلك ذهب إلى القول بالعلم الصوري ؛ تحقيقا لأمر العناية وتحصيلا للعلم الذي هو سبب النظام ومقدّم عليه ؛ فإنّ العلم بالنظام وأمر العناية إنّما يتمّ بالعلم التفصيليّ ولا يكفي الإجماليّ فقط ، وأيضا فرارا من الشناعة الواردة على

ص: 190


1- نفس المصدر.
2- « المبدأ والمعاد » لابن سينا : 75 - 76.

القدماء في نفيهم علمه تعالى بما سوى ذاته كما شنع الغزاليّ في كتاب التهافت (1) على الفلاسفة بذلك ، وقال : إنّ جميعهم قائلون به إلاّ ابن سينا وصدّقه الحكيم ابن رشد في ذلك لكن قال : إنّ مرادهم أنّه لا يعلم الأشياء من خارج ذاته لئلاّ يلزم استكماله بالغير ، بل يعلمه من ذاته ، وأنّهم لا يقولون : إنّه يعلم غير ذاته لئلاّ يتوهّم أنّه يعلمه من خارج ذاته ، وأنّ ابن سينا أراد الجمع بين القول بأنّه لا يعلم غير ذاته ، وأنّه يعلم الأشياء كلّها بأنّه يعلمها من ذاته لا من خارج ذاته ، فهو لا يعلم ما هو خارج عن ذاته ، هذا.

وأمّا المعلّم الثاني ، فقال في كتاب الجمع بين الرأيين ما ملخّصه : أنّه لمّا كان البارئ - جلّ جلاله - بإنّيّته وذاته مباينا لجميع ما سواه وذلك له بمعنى أشرف وأفضل وأعلى بحيث لا يناسبه شيء في إنّيّته ولا يشاكله ولا يشبهه حقيقة ولا مجازا ، ثمّ مع ذلك لم يكن بدّ من وصفه وإطلاق اللفظ فيه من هذه الألفاظ المتواطئة عليه ؛ فإنّ الواجب الضروري أن يعلم أنّ مع كلّ لفظة نقولها في شيء من أوصافه معنى لذاته بعيد من المعنى الذي نتصوّره من تلك الألفاظ أشرف وأعلى حتّى إذا قلنا : إنّه موجود ، علمنا مع ذلك أنّ وجوده ليس كوجود سائر ما هو دونه ، وإذا قلنا : حيّ ، علمنا أنّه حيّ بمعنى أشرف ممّا نعلمه من الحيّ الذي هو دونه ، وكذلك الأمر في سائرها.

فحينئذ نقول : لمّا كان اللّه تعالى حيّا مريدا لهذا العالم بجميع ما فيه ، فواجب أن يكون عنده صور ما يريد إيجاده في ذاته ، ولو لم يكن للموجودات صور وآثار في ذات الموجد الحيّ فما الذي كان يوجده؟ وعلى أيّ مثال ينحو بما يفعله ويبدعه؟ أما علمت أنّ من نفى هذا المعنى عن الفاعل الحيّ المريد ، لزمه القول بأنّ ما يوجده إنّما يوجده جزافا وعلى غير قصد ولا ينحو نحو غرض مقصود بإرادته ، وهذا من

ص: 191


1- نقله عن ابن رشد في « تهافت التهافت » : 343.

أشنع الشناعات (1).

وقال في فصوصه :

« فصّ : واجب الوجود لا موضوع له ولا عوارض له [ ... ] فهو ظاهر (2). يعني أنّه ظاهر بذاته على ذاته ، والمراد إثبات كونه عالما بذاته ؛ لكونه مجرّدا.

ثمّ قال :

فصّ : واجب الوجود مبدأ كلّ فيض وهو ظاهر بذاته على ذاته ، فله الكلّ من حيث لا كثرة فيه ، فهو - من حيث هو ظاهر - ينال الكلّ من ذاته ، فعلمه بالكلّ بعد ذاته وعلمه بذاته ، [ ... ] ويتّحد الكلّ بالنسبة إلى ذاته ، فهو الكلّ في حدة (3).

فصّ : علمه الأوّل لا ينقسم ؛ لأنّه عين ذاته ، وعلمه الثاني عن ذاته إذا تكثّر لم يكن الكثرة في ذاته ، بل بعد ذاته ( وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها ) (4) و (5).

فصّ : كلّ ما عرف سببه من حيث يوجبه فقد عرف ، وإذا رتّبت الأسباب ، فقد انتهت أواخرها إلى الجزئيّات [ انتهاء على سبيل الإيجاب ] (6) فكلّ كلّيّ وجزئيّ ظاهر عن ظاهريّته الأولى لكن ليس يظهر له شيء منها عن ذواتها داخلة في الزمان والآن ، بل عن ذاته والترتيب الذي عنده شخصا فشخصا بغير نهاية ، فعالم علمه بالأشياء بذاته هو الكلّ الثاني [ لا نهاية له ولا حدّ وهناك الأمر ] (7) و (8). انتهى ما أردناه منه.

فقوله : هو الكلّ الثاني ، إشارة إلى اعتبار [ ذاته تعالى مع العلم الصوريّ المتأخّر

ص: 192


1- « الجمع بين رأيي الحكيمين » : 106.
2- « فصوص الحكم » للفارابيّ : 53 ، الفصّ 10.
3- نفس المصدر : 58 ، الفصّ 11.
4- الأنعام (6) : 59.
5- « فصوص الحكم » للفارابيّ : 60 ، الفصّ 14.
6- العبارات غير موجودة في « شوارق الإلهام » ، الطبعة الحجريّة.
7- العبارات غير موجودة في « شوارق الإلهام » ، الطبعة الحجريّة.
8- « فصوص الحكم » للفارابيّ : 59 ، الفصّ 13.

عن ذاته ، فيكون الكلّ الأوّل هو علمه بذاته الذي هو عين ذاته وعين علمه بالموجودات بالعلم الاتّحاديّ ] (1) الإجماليّ الذي هو عين ذاته وهو المراد من ظاهريّته الأولى.

وقال أيضا :

فصّ : لا يجوز أن يقال : إنّ الحقّ الأوّل يدرك الأمور المبتدعة عن قدرته من جهة تلك الأمور كما ندرك الأشياء المحسوسة من جهة حضورها وتأثيرها فينا ، فتكون هي الأسباب لعالميّة الحقّ ، بل يجب أن يعلم أنّه يدرك الأشياء من ذاته تقدّست ؛ لأنّه إذا لحظ ذاته لحظ القدرة المستقلّة ، فلحظ من القدرة المقدور ، فلحظ الكلّ ، فيكون علمه بذاته سبب علمه بغيره (2).

ثمّ قال :

ليس علمه بذاته مفارقا لذاته ، بل هو ذاته ، وعلمه بالكلّ صفة لذاته ليست هي ذاته ، بل لازمة لذاته ، وفيها الكثرة غير المتناهية ، فلا كثرة في الذات ، بل بعد الذات ؛ فإنّ الصفة بعد الذات لا بزمان ، بل بترتيب الوجود لكن تلك الكثرة ترتقي به ممّا يطول شرحه.

والترتيب يجمع الكثرة في نظام ، فالنظام وحدة ما ، وإذا اعتبر الحقّ ذاتا وصفات كان الكلّ في وحدة ، فإذا كان كلّ كلّ متمثّلا في قدرته وعلمه ، ومنهما يحصل حقيقة الكلّ مقرّرة ، ثمّ يكثر الموادّ ، فهو كلّ الكلّ من حيث صفاته وقد اشتملت عليها أحديّة ذاته » (3) انتهى.

فإن قلت : ما معنى قول الفارابيّ وكذا قول الشيخ : « إنّ كثرة الصور كثرة بعد الذات » وظاهر كون العرض متأخّرا عن الموضوع؟

ص: 193


1- العبارات غير موجودة في « شوارق الإلهام » ، الطبعة الحجريّة.
2- « فصوص الحكم » للفارابيّ : 97 ، الفصّ 66.
3- نفس المصدر : 99 ، الفصّ 67.

وأيضا فأيّ فائدة لكون الصور بعد الذات إذا تأدّت كثرتها إلى كثرة الذات ؛ فإنّ الظاهر أنّ المقصود من هذا الكلام هو دفع مفسدة لزوم الكثرة في الذات باعتبار اجتماع جهتي الفعل والقبول أو جهات الصدور؟

قلت : معناه أنّ كثرة تلك الصور وقيامها بالذات إنّما هو بعد كمال الذات وتمامها ؛ لما مرّ من أنّ كماله تعالى ليس بتلك الصور ، بل بأن يفيض عنه تلك : الصور ؛ وذلك لوجوب كون العلّة غير عارية في حدّ ذاتها عن المعلول ، وإلاّ لامتنعت الإفاضة ، بخلاف سائر الصور والأعراض ؛ فإنّ قيامها بمحالّها ليس بعد كمال محالّها ؛ لكون محالّها مستكملة لا محالة بها ، فيكون في ذات تلك المحالّ قوّة القبول لها ، فلو كان صدورها أيضا عن محالّها ، لزم تحقّق الكثرة في ذوات تلك المحالّ لا محالة.

ومن هذا التحقيق ظهر أنّ كثرة صور معقولاته تعالى ليست ككثرة الصور في النفس - أعني التفصيل الذي لا يكون إلاّ للنفس - ليرد أنّ هذا التفصيل لا يكون لما ليس له نفس ، كما مرّ في كلام الشيخ ، فكيف حكموا بكونه ثابتا له تعالى ولو بعد ذاته؟! وذلك لأنّ كثرة معقولاته تعالى ليست كثرة متجدّدة زمانيّة فكريّة ليلزم من ثبوتها لشيء ثبوت النفس له. والتفصيل - الذي قد مرّ في كلام الشيخ أنّه لا يكون إلاّ لما له نفس - إنّما هو الكثرة التفصيليّة الفكريّة.

وبالجملة ، قابل العلم التفصيليّ الفكريّ - الذي لا بدّ أن يفيض عن الغير - لا يكون إلاّ النفس من حيث هي نفس.

وأمّا قبول التفصيل الفائض عن ذات العاقل ، فلا يلزم وجود النفس ، بل يكون من شأن العقل - من حيث هو عقل - قبول ذلك ، وهذا هو القبول بمعنى مطلق الموصوفيّة لا القبول المستدعي للانفعال بخلاف القبول الذي ليس إلاّ للنفس ، فليتدبّر.

زيادة بسط في المقال لمزيد تحقيق الحال

ثمّ ينبغي لنا أن نزيد في بسط الكلام ليظهر أنّ الفلاسفة من أيّ جهة يقولون : إنّه

ص: 194

تعالى لا يعلم غيره؟ ومن أيّ جهة يجب أن يقال : إنّه عالم بجميع الموجودات؟ فنقول : قال أبو الوليد محمّد بن رشد الأندلسي في كتاب جامع الفلسفة (1) - بعد ذكر المبادئ المفارقة ووجوب انتهائها إلى مبدأ أوّل ، وأنّ كلاّ عاقل لذاته - : فلينظر هل يمكن في واحد واحد منها أن يعقل شيئا خارجا من ذاته ، أم لا؟ فنقول : إنّه قد تبيّن في كتاب النفس أنّ المعقول كمال العاقل وصورته ، فمتى أنزلنا واحدا منها يعقل غيره ، فإنّما يعقله على أنّه يستكمل به ، فذلك الغير مقدّم عليه وسبب في وجوده ، فمن البيّن أنّه ليس يمكن أن يتصوّر العلّة منها معلولها ، وإلاّ أمكن أن يعود العلّة معلولة ويستكمل الأشرف بالأقلّ شرفا ، وذلك محال.

ومن هنا يظهر - كلّ الظهور - أنّه إن وضع لها مبدأ أوّل ليس بمعلول لشيء - على ما تبيّن فيما سلف أنّه لا يتصوّر إلاّ ذاته وليس يتصوّر معلولاته وليس هذا شيئا يخصّ المبدأ الأوّل منها ، بل ذلك شيء يعمّ جميعها حتّى عقول الأجرام السماويّة - فإنّا لا نرى أنّها تتصوّر الأشياء التي دونها فإنّه لو كان كذلك لاستكمل الأشرف بالأخسّ ، وإذا كان الأمر على هذا ، فكلّ واحد من هذه المبادئ وإن كان واحدا - بمعنى أنّ العاقل والمعقول فيه واحد - فهي في ذلك متفاضلة ، وأحقّها بالوحدانيّة هو الأوّل البسيط ثمّ الذي يليه.

وبالجملة ، فكلّ ما احتاج في تصوّر ذاته إلى مبادئ أكثر ، فهو أقلّ بساطة وفيه كثرة ما وبالعكس ، فكلّ ما احتاج في تصوّر ذاته إلى مبادئ أقلّ فهو أكثر بساطة ، حتّى أنّ البسيط الأوّل بالتحقيق إنّما هو الذي لا يحتاج في تصوّر ذاته إلى شيء من خارج.

فهذا هو الذي أدّى إليه القول من أمر تصوّر هذه المبادئ إلاّ أنّه قد يلحق ذلك شناعات كثيرة إحداها أن تكون هذه المبادئ جاهلة بالأشياء التي هي لها مبادئ ،

ص: 195


1- في النسخ : « الفلاسفة » وما أثبتناه من « شوارق الإلهام ».

فيكون صدورها عنها كما تصدر الأشياء الطبيعيّة بعضها عن بعض مثل الإحراق الصادر عن النار ، والتبريد عن الثلج ، فلا يكون صدورها من جهة العلم ، ومحال أن يصدر عن العالم - من جهة ما هو عالم - شيء لا يعلمه.

وإلى هذا أشار بقوله جلّ وعزّ : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (1).

وأيضا فإنّ الجهل نقص ، والشيء الذي في غاية الفضيلة ليس يمكن أن يوجد فيه نقص ، فهذا أقوى الشكوك التي تلحق هذا الموضع ونحن نحلّها.

فنقول : إنّه لمّا كان الفاعل إنّما يعطي المفعول شبيه ما في جوهره ، وكان المفعول يلزم فيه أن يكون غيرا وثانيا بالعدد ، وجب ضرورة أحد أمرين :

إمّا أن يكون مغايرا له بالهيولى وذلك لازم متى كان المفعول هو الفاعل بالنوع من غير تفاضل بينهما بالصورة.

وإمّا أن يكون المغايرة التي بينهما في التفاضل في النوع الواحد ، وذلك بأن يكون الفاعل في ذلك النوع أشرف من المفعول ؛ فإنّ المفعول ليس يمكن فيه أن يكون أشرف من الفاعل بالذات ؛ إذ كانت ماهيّته إنّما تحصل عن الفاعل ، وإذا كان ذلك كذلك فهذه المبادئ التي ليست في هيولى إنّما يغاير فيها الفاعل المفعول والعلّة المعلول بالتفاضل في الشرف في النوع الواحد لا باختلاف النوعيّة.

ولمّا كان العقل الذي بالفعل منّا ليس شيئا أكثر من تصوّر الترتيب والنظام الموجود في هذا العالم ، وفي جزء جزء منه ، ومعرفة شيء شيء ممّا فيه بأسبابه البعيدة والقريبة حتّى العالم بأسره ، وجب ضرورة أن لا يكون العقل الفاعل لهذا العاقل منّا غير تصوّر هذه الأشياء ؛ ولذلك ما قيل : إنّ العقل الفاعل يعقل الأشياء التي هنا لكن يجب أن يكون يعقل هذه الأشياء بجهة أشرف ، وإلاّ لم يكن بيننا وبينه فرق ، ولقصور العقل الذي فينا احتاج في عقله إلى الحواسّ.

ص: 196


1- الملك (67) : 14.

ولذلك متى عدمنا حاسّة ما ، عدمنا معقولها ، وكذلك متى تعذّر علينا حسّ شيء ما ، فاتنا معقوله ولم يكن حصوله لنا إلاّ على جهة الشهرة ؛ ولذلك يمكن أن تكون هاهنا أشياء مجهولة الأسباب بالإضافة إلينا هي موجودة في ذات العقل الفعّال ، وبهذه الجهة أمكن إعطاء أسباب الرؤيا وغير ذلك من الإنذارات الإلهيّة ، وإنّما كان هذا القصور لنا لمكان الهيولى.

وكذلك يلزم أيضا أن لا يكون معقول العقل الفاعل للعقل الفعّال شيئا أكثر من معقول العقل الفعّال ؛ إذ كان وإيّاه واحدا بالنوع إلاّ أن يكون بجهة أشرف وهكذا الأمر حتّى يكون المبدأ الأوّل يعقل الموجود بجهة أشرف من جميع الجهات التي يمكن أن يتفاضل فيها العقول البريئة عن المادّة ؛ إذ كان معقوله ليس هو غير المعقولات الإنسانيّة بالنوع فضلا عن سائر معقولات سائر المفارقات وإن كان مباينا بالشرف جدّا للعقل الإنساني ، وأقرب شيء من جوهره هو العقل الذي يليه ، ثمّ هكذا على الترتيب إلى العقل الإنساني.

ولو كان ما يعقل المعلول من هذه المبادئ من علّته ما يعقل العلّة من ذاتها ، لم يكن هناك مغايرة بين العلّة والمعلول ، ولما كانت كثرة لهذه الأمور المفارقة أصلا.

فقد ظهر من هذا القول أنّه على أيّ جهة يمكن أن يقال : إنّها تعقل الأشياء كلّها ؛ فإنّ الأمر في ذلك واحد في جميعها حتّى في عقول الأجرام السماويّة ، وعلى أيّ جهة يقال فيها : إنّها ليست تعقل ما دونها ، وانحلّت بهذا الشكوك المتقدّمة ؛ فإنّها بهذه الجهة يقال : إنّها عالمة بالشيء الذي صدر عنها ؛ إذ كان ما يصدر عن العالم بما هو عالم يلزم ضرورة - كما قلنا - أن يكون معلوما ، وإلاّ كان صدوره كصدور الأشياء الطبيعيّة بعضها عن بعض.

وبهذا القول تمسّك القائلون بأنّ اللّه يعلم الأشياء. وبالقول الثاني تمسّك القائلون بأنّه لا يعلم ما دونه ، وذلك أنّهم لم يشعروا باشتراك اسم العلم ، فأخذوه على أنّه يدلّ

ص: 197

على معنى واحد ، فلزمهم عن ذلك قولان متناقضان على جهة ما يلزم في الأقاويل التي تؤخذ أخذا مهملا.

وكذلك الشنعة (1) التي قيلت فيما سلف تنحلّ بهذا وذلك بأنّه ليس النقص في أن نعرف الشيء بمعرفة أتمّ ولا نعرفه بمعرفة أنقص وإنّما النقص في خلاف هذا ؛ فإنّ من فاته أن يبصر الشيء بصرا رديئا وقد أبصره بصرا تامّا ليس ذلك نقصا في حقّه.

وهذا الذي قلنا هو الظاهر من مذهب أرسطو وأصحابه أو اللازم عن مذهبهم ، فقد تبيّن من هذا القول كيف تعقل هذه المبادئ ذواتها وما هو خارج عن ذواتها. انتهى كلامه في الجامع بأدنى تلخيص.

وقال في كتاب ردّ التهافت : ولمّا كانت معقولات الأشياء هي حقائق الأشياء ، وكان العقل ليس شيئا أكثر من إدراك المعقولات ، كان العقل منّا هو المعقول بعينه من جهة ما هو معقول ، ولم يكن هناك مغايرة بين العقل والمعقول إلاّ من جهة أنّ المعقولات هي معقولات أشياء ليست في طبيعتها عقلا ، وإنّما تصير عقلا بتجريد العقل صورها من الموادّ ، ومن قبل هذا لم يكن العقل منّا هو المعقول من جميع الجهات ، فإن ألقي شيء في غير مادّة فالعقل منه هو المعقول من جميع الجهات وهو عقل المعقولات ولا بدّ ؛ لأنّ العقل ليس شيئا هو أكثر من إدراك نظام الأشياء الموجودة وترتيبها ، ولكنّه يجب فيما هو عقل مفارق أن لا يستند (2) في عقل الأشياء الموجودة وترتيبها (3) ، إلى الأشياء الموجودة ، ويتأخّر (4) معقوله عنها ؛ لأنّ كلّ عقل هو بهذه الصفة فهو تابع للنظام الموجود في الموجودات ، ومستكمل به ، وهو ضرورة يقصر فيما يعقله من الأشياء ، ولذلك كان العقل منّا مقصّرا عمّا يقتضيه طبائع

ص: 198


1- في « شوارق الإلهام » : « الشبهة ».
2- الضمير المستتر في « يستند » راجع إلى العقل.
3- متعلّق ب- « لا يستند ».
4- عطف على « يستند ».

الأشياء (1) من الترتيب والنظام الموجود فيها ، فإن كانت طبائع الموجودات جارية على حكم العقل ، وكان هذا العقل منّا مقصّرا عن إدراك طبائع الموجودات ، فواجب أن يكون هاهنا علم بنظام وترتيب هو السبب في النظام والترتيب والحكمة الموجودة في موجود موجود ، وواجب أن يكون هذا العقل للنظام الذي منه هو السبب في النظام الذي في الموجودات ، وأن يكون إدراكه لا يتّصف بالكلّيّة فضلا عن الجزئيّة ؛ لأنّ الكلّيّات معقولات تابعة للموجودات ومتأخّرة عنها ، وذلك العقل الموجودات تابعة له ، فهو عاقل ضرورة بعقله من ذاته النظام والترتيب الموجود في الموجودات لا بعقله شيئا خارجا عن ذاته ؛ لأنّه كان يكون معلولا عن الموجود الذي يعقله لا علّة له وكان يكون مقصّرا.

وإذا فهمت هذا من مذهب القوم فهمت أنّ معرفة الأشياء بعلم كلّيّ هو علم ناقص ؛ لأنّه علم لها بالقوّة ، وأنّ العقل المفارق لا يعقل إلاّ ذاته ، وأنّه بعقل ذاته يعقل جميع الموجودات ؛ إذ كان عقله ليس شيئا أكثر من النظام والترتيب الذي في جميع الموجودات ، فإذا أنزلت أنّ العقل الذي هنالك شبيه بعقل الإنسان ، لحقت تلك الشكوك المذكورة ؛ فإنّ العقل الذي فينا هو الذي يلحقه التعدّد والكثرة ، وأمّا ذلك العقل ، فلا يلحقه شيء من ذلك ، وذلك أنّه بريء عن الكثرة اللاحقة لهذه المعقولات ، وليس يتصوّر فيه مغايرة بين المدرك والمدرك ، وأمّا العقل الذي فينا فإدراكه ذات الشيء غير إدراكه أنّه مبدأ للشيء وكذلك إدراكه غيره غير إدراكه ذاته بوجه ما ، ولكن فيه شبه من ذلك العقل وذلك العقل هو الذي أفاده ذلك الشبه.

بيان ذلك : أنّ العقل إنّما صار هو المعقول من جهة ما هو معقول ؛ لأنّ هاهنا عقلا هو المعقول من جميع الجهات ، وذلك أنّ كلّ ما وجدت فيه صفة ناقصة فهي موجودة له من قبل موجود فيه تلك الصفة كاملة ، مثال ذلك أنّ ما وجدت فيه حرارة

ص: 199


1- في « شوارق الإلهام » : « طبائع الموجودات ».

ناقصة فهي موجودة له من قبل شيء هو حارّ بحرارة كاملة ، وكذلك ما وجد فيه الحياة ناقصة فهي موجودة له من قبل حيّ بحياة كاملة ، فكذلك ما وجد عاقلا بعقل ناقص فهو موجود له من قبل شيء هو عاقل بعقل كامل ، وكذلك كلّ ما وجد له فعل عقلي كامل فهو موجود له من قبل عقل كامل ، فإن كانت جميع أفعال الموجودات أفعالا عقليّة كاملة وليست ذوات عقول ، فها هنا عقل من قبله صارت أفعال الموجودات أفعالا عقليّة.

ومن لم يفهم هذا المعنى من ضعفاء الحكماء هو الذي يطلب هل المبدأ الأوّل يعقل ذاته أو يعقل شيئا خارجا عن ذاته؟ فإن وضع أنّه يعقل شيئا خارجا عن ذاته لزمه أن يستكمل بغيره ، وإن وضع أنّه لا يعقل شيئا خارجا عن ذاته لزمه أن يكون جاهلا بالموجودات.

والعجب من هؤلاء القوم أنّهم نزّهوا الصفات الموجودة في البارئ تعالى وفي المخلوقات عن النقائص التي لحقتها في المخلوقات وجعلوا العقل الذي فينا شبيها بالعقل الذي فيه ، وهو أحقّ شيء بالتنزيه.

ثمّ قال : ليس يمتنع في العلم الأوّل أن يوجد فيه مع الاتّحاد تفصيل بالمعلومات ؛ فإنّه لم يمتنع عند الفلاسفة أن يكون يعلم غيره وذاته علما مفرّقا (1) من جهة أن يكون هناك علوم كثيرة.

وإنّما امتنع عندهم أن يستكمل العقل بالمعقول المعلول عنه ، فلو عقل غيره على جهة ما نعقله نحن لكان عقله معلولا عن الموجود المعقول لا علّة له وقد قام البرهان على أنّه علّة للموجودات ، والكثرة التي نفى الفلاسفة هو أن يكون عالما لا بنفسه ، بل بعلم زائد على ذاته ، وليس يلزم من نفي هذه الكثرة عنه تعالى نفي كثرة المعلومات ، لكنّ الحقّ في ذلك هو أنّه ليس تعدّد المعلومات في العلم الأزليّ

ص: 200


1- في « شوارق الإلهام » : « مفترقا ».

كتعدّدها في العلم الإنسانيّ ، وذلك أنّه تعدّد ليس شأن العقل منّا إدراكه ، ولذلك أصدق ما قال القوم : إنّ للعقول حدّا تقف عنده ولا تتعدّاه وهو العجز عن التكييف الذي في ذلك العلم.

وإنّما امتنع عندنا إدراك ما لا نهاية له بالفعل ؛ لأنّ المعلومات عندنا منفصل بعضها عن بعض ، فأمّا إن وجد هاهنا علم يتّحد فيه المعلومات ، فالمتناهية وغير المتناهية في حقّه سواء ، هذا كلّه ممّا يزعم القوم أنّه ممّا قام البرهان عليه عندهم ، وإذا لم نفهم نحن من الكثرة في العلم إلاّ هذه الكثرة وهي منتفية عنه ، فعلمه واحد لكن تكييف هذا المعنى وتصوّره بالحقيقة ممتنع على العقل الإنسانيّ ؛ لأنّه لو أدرك الإنسان هذا المعنى ، لكان عقله هو عقل البارئ تعالى وذلك مستحيل.

ولمّا كان العلم بالشخص عندنا هو العلم بالفعل ، علمنا أنّ علمه هو أشبه بالعلم الشخصيّ منه بالعلم الكلّي وإن كان لا كلّيّا ولا شخصيّا. ومن فهم هذا فهم معنى قوله تعالى : ( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ) (1) وغير ذلك من الآيات الواردة في هذا المعنى.

وقال أيضا : القوم إنّما نفوا أن يعرف غيره من الجهة التي بها ذلك الغير أخسّ وجودا ؛ لئلاّ يرجع المعلول علّة والأشرف وجودا أخسّ وجودا ؛ لأنّ العلم هو المعلوم ، ولم ينفوه من جهة أنّه يعرف ذلك الغير بعلم أشرف وجودا من العلم الذي نعلم نحن به الغير ، بل واجب أن يعلمه من هذه الجهة ؛ لأنّها الجهة التي من قبلها وجود الغير عنه.

وبالجملة ، لئلاّ يشبه علمه علمنا - الذي في غاية المخالفة له - فابن سيناء إنّما رام أن يجمع بين القول بأنّه لا يعلم إلاّ ذاته ، ويعلم سائر الموجودات بعلم أشرف ممّا يعلمها به الإنسان ؛ إذ كان ذلك العلم هو ذاته ، وذلك بيّن من قوله : « إنّ علمه

ص: 201


1- سبأ (34) : 3.

بنفسه وبغيره - بل بجميع الأشياء - هو ذاته. وإن كان لم يشرح هذا المعنى كما شرحناه وهو قول جميع الفلاسفة أو اللازم عن قول جميعهم.

ثمّ قال في موضع آخر : الكلام في علم البارئ تعالى بذاته وبغيره ممّا يحرّم على طريق الجدل في حال المناظرة فضلا عن أن يثبت في كتاب ؛ فإنّه لا تنتهي أفهام الجمهور إلى مثل هذه الدقائق ، وإذا خيض معهم في هذا بطل معنى الإلهيّة عندهم ؛ فلذلك كان الخوض في هذا العلم محرّما عليهم ؛ إذ كان الكافي في سعادتهم أن يفهموا من ذلك ما أطاقته أفهامهم ، ولذلك لم يقتصر الشرع - الذي قصده الأوّل تعليم الجمهور في تفهيم هذه الأشياء في البارئ تعالى - بوجودها في الإنسان كما قال تعالى : ( لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً ) (1) بل واضطرّ إلى تفهيم معان في البارئ تعالى بتمثيلها في الجوارح الإنسانيّة مثل قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ ) (2) وقوله : ( خَلَقْتُ بِيَدَيَ ) (3) فهذه المسألة هي خاصّة بالعلماء الراسخين الذين أطلعهم اللّه على الحقائق.

ولذلك لا يجب أن تثبت في كتاب إلاّ في الموضوعة على الطريق البرهانيّ ، وهي التي شأنها أن تقرأ على ترتيب بعد تحصيل آخر يضيق على أكثر الناس النظر فيها على النحو البرهانيّ إذا كان ذا فطرة فائقة مع قلّة وجود هذه الفطرة في الناس.

فالكلام في هذه الأشياء مع الجمهور هو بمنزلة من يسقي السموم أبدان كثير من الحيوانات التي تلك الأشياء سموم لها فإنّ السموم إنّما هي أمور مضافة ؛ فإنّه قد يكون سمّا في حقّ حيوان شيء هو غذاء في حقّ حيوان آخر ، وهكذا الأمر في الآراء مع الإنسان.

ثمّ قال : ولكن إذا تعدّى الشرير الجاهل فسقى السمّ من هو في حقّه سمّ على أنّه

ص: 202


1- مريم (19) : 42.
2- يس (36) : 71.
3- ص (38) : 75.

غذاء ، فقد ينبغي على الطبيب أن يجتهد بضاعته في شفائه ، ولذلك استجزنا نحن التكلّم في مثل هذه الكلّيّات ، وإلاّ فما كنّا نرى أنّ ذلك يجوز لنا ، بل هو من أكبر المعاصي أو من أكبر الفساد في الأرض ، وعقاب المفسدين معلوم بالشريعة ، وإذا لم يكن بدّ من الكلام في هذه المسألة ، فلنقل في ذلك بحسب ما تبلغه قوّة الكلام في هذا الموضع ، فنقول :

إنّ القوم لمّا نظروا إلى جميع المدركات ، وجدوا أنّها صنفان : صنف مدرك بالحواسّ وهي أجسام قائمة بذواتها ، مشار إليها ، وأعراض مشار إليها في تلك الأجسام. وصنف مدرك بالعقل وهي ماهيّات تلك الأمور المحسوسة وطبائعها أعني الجواهر والأعراض ، فلمّا تميّزت لهم الأمور المعقولة من الأمور المحسوسة وتبيّن لهم أنّ في المحسوسات طبيعتين : إحداهما قوّة ، والأخرى فعل ، نظروا أيّ الطبيعتين هي المتقدّمة للأخرى ، فوجدوا أنّ العقل مقدّم على القوّة ؛ لكون الفاعل متقدّما على المفعول ، ونظروا في العلل والمعلولات أيضا فأفضى بهم الأمر إلى علّة أولى هي بالفعل السبب الأوّل لجميع العلل ، فلزم أن تكون فعلا محضا ، وأن لا يكون فيها قوّة أصلا ؛ لأنّه لو كان فيها قوّة ، لكانت معلولة من جهة وعلّة من جهة ، فلم تكن أولى.

ولمّا كان كلّ مركّب من صفة وموصوف فيه قوّة وفعل ، وجب عندهم أن لا يكون الأوّل مركّبا من صفة وموصوف.

ولمّا كان كلّ بريء عن القوّة عندهم عقلا وجب أن يكون الأوّل عندهم عقلا ، فهذه هي طريقة القوم بجملة ، فإن كنت من أهل الفطرة المعدّة لقبول العلوم وكنت من أهل الثبات والفراغ ، ففرضك أن تنظر في كتب القوم وعلومهم لتقف على ما في علومهم من حقّ أو ضدّه ، وإن كنت ممّن نقصك واحد من هذه الثلاث ففرضك أن تفرغ في ذلك إلى ظاهر الشرع ولا تنظر إلى هذه العقائد المحدثة في الإسلام ؛ فإنّك إن كنت من أهلها لم تكن من أهل اليقين ، فهذا هو الذي حرّك القوم أن يعتقدوا أنّ هذه الذات - التي وجدوا أنّها مبدأ العالم - بسيطة ، وأنّها علم وعقل.

ص: 203

ولمّا رأوا أنّ النظام الموجود هاهنا في العالم وأجزائه هو صادر عن علم متقدّم عليه ، قضوا أنّ هذا العقل والعلم هو مبدأ العالم الذي أفاده أن يكون موجودا ، وأن يكون معقولا.

وقال أيضا في موضع آخر : والمحقّقون من الفلاسفة لا يصفون علمه تعالى بالموجودات لا بكلّيّ ولا بجزئيّ ، وذلك أنّ العلم الذي هذه الأمور لازمة له هو عقل منفعل ومعلول ، والعقل الأوّل هو عقل محض وعلّة ، فلا يقاس علمه على العلم الإنسانيّ ، فمن جهة ما لا يعقل غيره من حيث هو غير هو علم منفعل ، ومن جهة ما يعقل الغير من حيث هو ذاته هو علم فاعل.

وتلخيص مذهبهم أنّهم لمّا وقفوا بالبراهين على أنّه لا يعقل إلاّ ذاته ، فذاته عقل ضرورة ، ولمّا كان العقل بما هو عقل إنّما يتعلّق بالموجود لا بالمعدوم وقد قام البرهان على أنّه لا موجود إلاّ هذه الموجودات التي نعقلها نحن ، فلا بدّ أن يتعلّق علمه بها ، وإذا وجب أن يتعلّق علمه بهذه الموجودات ، فإمّا أن يتعلّق بها على نحو تعلّق علمنا بها ، وإمّا أن يتعلّق بها على وجه أشرف من جهة تعلّق علمنا بها ، وتعلّق علمه بها على نحو تعلّق علمنا بها مستحيل ، فوجب أن يكون تعلّق علمه بها على نحو أشرف ووجود أتمّ لها من النحو الذي تعلّق علمنا بها ؛ لأنّ العلم الصادق هو الذي يطابق الوجود ، فإن كان علمه أشرف من علمنا ، فعلم اللّه يتعلّق بالموجود بجهة أشرف من الجهة التي يتعلّق علمنا بها.

فللموجود إذن وجودان : وجود أشرف ، ووجود أخسّ ، والوجود الأشرف هو علّة الوجود الأخسّ ، وهذا هو معنى قول القدماء : إنّ البارئ تعالى هو هذه الموجودات كلّها وهو المنعم بها والفاعل لها ؛ ولذلك قال رؤساء الصوفيّة : لا هو إلاّ هو ، ولكن هذا كلّه هو من علم الراسخين في العلم ، ولا يجب أن يكتب هذا ولا أن يكلّف الناس اعتقاد هذا ، ولذلك ليس هو من التعليم الشرعي ، ومن أثبته في غير موضعه فقد ظلم ، كما أنّ من كتمه عن أهله فقد ظلم ، فأمّا أنّ الشيء الواحد له

ص: 204

أطوار من الوجود ، فذلك معلوم من النفس. انتهى ما أردنا من كلماته التي التقطناها من مواضع متفرّقة ؛ لكونها متلائمة بحسب المرام ، وملائمة جدّا للمقام.

مباحث متعلّقة بالمقام ، ممّا يزيد الاطّلاع عليها في توضيح المرام

[ المبحث ] الأوّل : اعترض الإمام الرازيّ في المباحث المشرقيّة على الحكماء - حيث ذهبوا إلى أنّ علوم المجرّدات بذواتهم هي نفس ذواتهم - بأنّه لو كان كذلك ، لكان من عقلها عقلها عاقلة لذواتها وليس كذلك ؛ إذ إثبات كونها عاقلة لذواتها يحتاج إلى تجشّم إقامة برهان ، وبيان إثبات علمها غير بيان إثبات وجودها ، وكذا ليس من أثبت وجود البارئ أثبت علمه بذاته ، بل يلزمه إقامة حجّة أخرى له (1).

وأجاب عنه أستادنا صدر المتألّهين قدس سره في كتابه الموسوم بالمبدإ والمعاد بأنّ معقوليّة الشيء عبارة عن وجوده لشيء له فعليّة الوجود والاستقلال ، أي كونه غير قائم بشيء آخر ، فالجوهر المفارق لمّا كان بحسب الوجود العينيّ غير موجود لشيء آخر ، بل موجودا لذاته ، كان معقولا لذاته ، وإذا حصلت ماهيّته في عقل آخر صارت بهذا الاعتبار موجودة لشيء آخر وجودا ذهنيّا لا لذاته ، فلا جرم صارت معقولة لذلك الشيء الآخر لا لذاته ، وإذا لم يكن ذاته بهذا الاعتبار - أي باعتبار وجودها في ذلك العاقل - عاقلة لذاتها ، فكيف يعقلها ذلك العاقل عاقلة لذاتها بهذا الاعتبار؟!

ومحصّل القول : أنّ عالميّة الجوهر المجرّد لذاته عين وجوده لا عين ماهيّته ، فلا يلزم من ذلك أنّ من عقل ماهيّته عقلها عاقلة لذاتها إلاّ فيما يكون وجوده عين ماهيّته كالواجب تعالى ، لكن لمّا استحال ارتسام حقيقته تعالى في ذهن من الأذهان بالكنه ، لا يلزم من تعقّلنا له تعقّلنا عقله لذاته ، بل يحتاج إلى استيناف بيان وبرهان (2).

ص: 205


1- « المباحث المشرقيّة » 1 : 461.
2- « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : 86.

واعترض بعضهم أيضا بأنّا نعلم بالضرورة أنّ كون الشيء عالما ينكشف له المعلومات حال خارجيّ مغاير لنفس حقيقة الأشياء ، فلا يكون نفس حقيقة العالم وحدها مصداقا لصدق العالم في علم شيء بنفسه ؛ فإنّ كلّ شيء في نفسه هو هو ، فلو تغيّر عمّا هو عليه في نفسه لاحتاج إلى مصداق آخر وراء ذاته ، فلا بدّ في كون الشيء عالما بنفسه - مثلا - من أمر آخر غير نفس ذاته يكون مصداقا لعالميّته ، فلا يكون العلم بالشيء نفس حصول ذلك الشيء فقط.

وأجيب بأنّ كون الشيء عالما خارجيا في علم الشيء بنفسه ممنوع ، فيجوز أن يكون نفس حقيقة الشيء مصداقا لكونه عالما بنفسه من غير أن يحتاج إلى مصداق مغاير لنفسه ؛ لأنّ صدق المفهومات المتغايرة على ذات واحدة لا يستدعي تغاير المصداقات إلاّ إذا استلزم ذلك الصدق تغيّرا خارجيّا في الذات ، والتغيّر الخارجيّ فيما نحن فيه - وهو علم الشيء بنفسه - ممنوع.

ولو سلّم فإنّما نسلّم في علم الشيء بغيره بعد ما لم يكن في حدّ ذاته كذلك.

[ المبحث ] الثاني : قد اتّفقوا على أنّ المعتبر في كون الشيء معقولا تجرّده عن المادّة فقط ، وفي كونه عاقلا تجرّده عن المادّة وكونه قائما بذاته معا ؛ لأنّ ما لا يكون قائما بذاته يكون حاصلا لغيره لا حاصلا لنفسه ، وما لا يكون حاصلا لنفسه فكيف يكون شيء آخر حاصلا له؟! وحقيقة العلم إنّما هو حصول شيء لشيء كما مرّ غير مرّة ، فلا يجوز كون شيء من الصور والأعراض عاقلا ، ولا يلزم كون المادّة - لكونها قائمة بذاتها - عاقلة ؛ لأنّ مرادهم من القائم بذاته أن يكون موجودا بالفعل وقائما بذاته ، ووجود المادّة في حدّ ذاتها ليس بالفعل ، بل بالقوّة ؛ فإنّ فعليّة المادّة إنّما هي بالصورة المقيمة لها لا بذاتها.

وما قيل - من أنّه لو كان حقيقة العلم هو الحصول ، لكان كلّ جماد عالما ؛ إذ ما من جماد إلاّ وقد حصل ماهيّته له والمعلوم من كلّ شيء إنّما هو ماهيّته -

ص: 206

فمندفع بأنّ الصور الجماديّة لمّا كانت قائمة بموادّها فماهيّتها كانت حاصلة لموادّها ، لا لأنفسها على ما مرّ.

وأيضا ما هو شرط في المعقوليّة - أعني التجرّد عن المادّة - مفقود في الصور الجماديّة ؛ لكونها مقارنة لموادّها.

[ المبحث ] الثالث : قد تلخّص من تضاعيف ما ذكرنا أنّ حقيقة العلم هي حصول مجرّد لمجرّد قائم بذاته ، وذلك الحصول يتصوّر على أنحاء ثلاثة :

أحدها : حصول الشيء بنفس ذاته العينيّة لشيء مستقلّ في الوجود بالفعل قائم بذاته حصولا حقيقيّا كحصول المعلول بحسب وجوده العينيّ لعلّته.

وثانيها : أن يكون ذلك الحصول حصولا حكميّا لا حقيقيّا كحصول ذات المجرّد لنفس ذاته ولا شكّ في كونه حكميا راجعا إلى كون ذات المجرّد غير فاقدة لذاتها.

وهذان القسمان هما المراد (1) بالعلم الحضوريّ ، وبهذا الاعتبار قيل : العلم هو حضور الشيء لمجرّد ، أو عدم غيبة شيء عن مجرّد.

وثالثها : حصول شيء بصورته وماهيّته - لا بنفس حقيقته العينيّة - لمجرّد قائم بذاته ، وهذا هو المسمّى بالعلم الحصوليّ المفسّر بحصول صورة الشيء في العقل. ولا شكّ عند الحكماء والمحقّقين في كفاية كلّ واحد من النحوين الأخيرين من الحصول لتحقّق العلم ، ولذلك اتّفقوا على أنّ علم العاقل بذاته إنّما هو عين ذاته ، وأنّ علمه بغيره هو بحصول صورته في العقل.

وأمّا أنّه هل يكفي النحو الأوّل من الحصول أيضا لتحقّق العلم؟ فلم يشتهر من الفلاسفة قبل صاحب الإشراق ما يدلّ على ذلك ، بل هو أوّل من صرّح (2) به وتبعه المصنّف وجماعة من المتأخّرين ، ومنعه جماعة أخرى منهم (3) ، وقد مرّ في كلام

ص: 207


1- كذا ، والأصحّ : « المرادان ».
2- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 150.
3- راجع « الأسفار الأربعة » 6 : 230.

الشيخ ما يدلّ على المنع. ومرّ أيضا بعض ما قيل على ذلك من أنّ كون الحصول للفاعل آكد من الحصول للقابل لا يدلّ على كون الحصول الآكد علما ؛ لجواز أن يكون تحقّق العلم موقوفا على القيام أو لاتّحاد ، بل الحقّ أنّ حصول المعلول إنّما هو حصول لنفسه إذا كان قائما بذاته ، أو لمحلّه إذا كان قائما بالمحلّ ، وليس حصولا للعلّة إلاّ على نحو من التجوّز.

وما الفرق في ذلك بين حصول المعلول للعلّة وبين حصول العلّة للمعلول؟ فلو كان حصول المعلول للعلّة علما لكان حصول العلّة للمعلول أيضا علما ، ولكنّا عالمين بعللنا بالعلم الحضوريّ ، وليس الأمر كذلك ، فتأمّل.

وأيضا لو كان مثل ذلك الحصول - أعني حصول المعلوم للعلّة - كافيا في العلم ، لكان اعتبار القيام بذاته في العاقل ضائعا ؛ ضرورة أنّ معلول الصورة المادّيّة حاصل للصورة لا لمادّتها وإنّما يكون الحصول للصورة حصولا لمادّتها إذا كان الحصول في ضمن القيام لا مطلقا ، فيلزم كون الصور الطبيعيّة عاقلة لآثارها الصادرة عنها ؛ لكون الربط - الذي اكتفوا به في العاقليّة - حاصلا بينهما.

وأيضا يلزم بمثل ذلك كون الصورة المادّيّة عاقلة لذاتها.

[ المبحث ] الرابع : قال بعض (1) من مقلّدة صاحب الإشراق : « حقيقة العلم مساوقة للحصول والوجود مطلقا ، فكلّ موجود يكون معلوما وعالما إلاّ أن يمنع عن ذلك مانع كالحصول لغيره ، فإن اعتبر بما هو ظاهر منكشف متميّز ذو نسبة إلى أمر صالح لأن يكون هذا الشيء ظاهرا له ، منكشفا عنده ، متميّزا لديه ، كان بهذا الاعتبار معلوما ، وذلك الشيء المنسوب إليه عالما.

وإن لم يعتبر بهذا الوجه واعتبر بنسبة أخرى أو بغير نسبة كان موجودا ، فالوجود

ص: 208


1- هو السيّد الفاضل الأمير نظام الدين أحمد الشيرازيّ رحمه اللّه ممّا كتب هو في حاشية الكتاب. ( منه رحمه اللّه ).

والحصول والعلم متّحدان بالذات ، متغايران بالاعتبار ؛ فإنّ العلم هو الحصول بوجه التميّز.

ثمّ إنّه من البيّن أنّ كل واحد من الموجودات ليس كذلك ، فلا بدّ في حصول أحد الأمرين الموجودين للآخر بوجه التميّز والانكشاف من أن تتحقّق بينهما علاقة ذاتيّة بحسب الوجود والحصول ، فيكون كلّ أمرين بينهما علاقة الحصول وربط وتعلّق من جهة الحصول عالما بصاحبه إلاّ لمانع ، وإذا لم يتحقّق بين أمرين علاقة ذاتيّة كذلك لا يكون أحدهما عالما أصلا ، فكلّ شيء مستقلّ في الوجود عالم بنفسه ؛ إذ لا علاقة آكد من الاتّحاد ، وكلّ علّة مستقلّة في الوجود عالمة بمعلولها ، وكلّ معلول كذلك عالم بعلّته إذا لم يكن المعلول جسمانيّا ، والعلّة مجرّدة ، فالجسمانيّ لا يتمكّن من أن يعلم المجرّد.

فظهر وتبيّن أنّ العلم إنّما يتحقّق بعلاقة ذاتيّة وجوديّة بين أمرين مستلزمة لحصول أحدهما للآخر وانكشافه لديه وامتيازه عنده ، وتلك العلاقة الذاتيّة الوجوديّة قد تكون بين ذات المعلوم بحسب وجوده العينيّ وذات العالم كما في العلم الحضوريّ بأنواعه ، وقد تكون بين صورة المعلوم وذات العالم كما في العلم الحصوليّ المتحقّق بحصول صورة الشيء في نفس ذات العالم أو في آلته حصولا ذهنيّا ، فالمعلوم الخارجيّ في هذه الصورة يكون معلوما بالعرض ؛ فإنّ العلاقة الوجوديّة المستلزمة للعلم في الحقيقة إنّما هي بين العالم والصورة بخلاف المعلوم بالعلم الحضوريّ بحسب وجوده العينيّ ؛ إذ المعلوم بالذات حينئذ هو نفس ذات الأمر العينيّ ؛ لتحقّق العلاقة الوجوديّة بين نفس ذات ذلك الأمر العينيّ والعالم به ، فالعلم الحضوريّ أتمّ أفراد العلم وأكملها. ومن ذهب إلى أنّ العلم بالغير منحصر في العلم الحصوليّ لا غير ، فقد أخطأ وأنكر أتمّ أفراد العلم وأكملها.

ثمّ قال : ولا يخفى على الخبير أنّه ممّا حقّقناه - من أنّ منشأ تحقّق العلم بين الأمرين إنّما هو علاقة ذاتيّة بينهما بحسب الوجود والحصول - يتّضح أنّ الأمر

ص: 209

القائم بغيره لا يحصل له نفسه ولا غيره أصلا ، فلا يكون عالما بنفسه ولا بغيره أيضا وضوحا تامّا بحيث لا يبقى فيه ريبة لمنصف. انتهى.

أقول - بعد ما مرّ من وجوه ما يرد على العلم الحضوريّ - : إنّه لا يخفى أنّ ما ادّعاه من مساوقة الوجود والعلم دعوى من غير بيّنة ، ولم يتّضح ذلك ممّا ادّعى اتّضاحها به.

نعم ، بين العلم وبين الحصول والوجود لمن له صلاحية العلم مساوقة لا مطلقا.

وما ذكره - من العلاقة الذاتيّة بين موجودين - إن كانت سببا لحصول أحدهما للآخر ، كانت موجبة للعلم ، لكنّ الكلام في أنّ العلاقة الذاتيّة التي بين العلّة والمعلول هل هي موجبة لحصول أحدهما للآخر ، أم لا؟

وقد عرفت أنّها ليست موجبة لذلك ؛ ومع تسليم ذلك كلّه فدعوى كون العلم الحضوريّ أتمّ أفراد العلم وأكملها إنّما تتمّ لو كان العلم الحصوليّ بحصول الشبح والمثال ، لا بحصول الحقائق أنفسها على ما هو مذهب المحقّقين بأجمعهم ؛ فإنّه على تقدير حصول الحقائق بأنفسها يكون المعلوم أو المنكشف بالذات في العلم الحصوليّ هو حقائق الأشياء وماهيّاتها وفي العلم الحضوريّ هو هويّات الأشياء وإنّيّاتها ، وكيف يصحّ القول بأنّ العلم بهويّات الأشياء أتمّ من العلم بماهيّاتها سيّما في الأمور الجسمانيّة المحفوفة بالغواشي المادّيّة؟! وهل هذا إلاّ مثل أن يقال : إنّ الإبصار أتمّ من العلم ، وأنّ الحسّ أكمل في باب الإدراك من العقل؟ ومن يجترئ على أمثال ذلك؟

نعم ، كثيرا ما يمثّل العلم بالبصر ، والمعقول بالمحسوس لكن للعقول العامّيّة الوهمانيّة والمدارك الجمهوريّة الهيولانيّة ، ولذلك قد شاعت الأمثال في الكلام الإلهي وكلمات الأنبياء بل الحكماء أيضا حيث كان المقصود تفهيم الجمهور. وأمّا فيما نحن بصدده فالخطب أعظم من ذلك ؛ ولذلك لم يقع التكليف بمعرفة كيفيّة علمه تعالى.

ص: 210

وأيضا حينئذ - أي حين كون الحاصل من الأشياء في الذهن هو حقائق الأشياء - فالمعلوم بالذات هو حقيقة الشيء الخارجي ، وليس المعلوم بالعرض إلاّ خصوص الفرد الخارجي من حيث هو فرد ، فما ذكره لبيان كون العلم الحضوريّ أتمّ من الحصوليّ لا يدلّ على ذلك ، هذا.

ثمّ إنّ هذا البعض اعترض على ما نقلنا من الشيخ في رسالة منسوبة إليه من أنّ المعلوم لو كان هو الصور العينيّة ، لكان كلّ موجود - وجودا عينيّا - معلوما لنا ، ولكنّا لا نعلم المعدوم : بأنّ هذا كلام في نهاية الضعف ؛ فإنّه لا يلزم من جواز كون الوجود الخارجيّ معلوما في الجملة أن يكون كلّ موجود خارجيّ معلوما لكلّ أحد ؛ لجواز أن يكون معلوميّته مشروطة بشرط لا يتحقّق في كلّ موجود خارجيّ بالنسبة إلى كلّ واحد.

وأيضا لا يلزم من معلوميّة الموجود الخارجيّ انحصار المعلوم فيه حتّى يقال : لو كان الموجود الخارجيّ معلوما ، لكنّا لا نعلم المعدوم.

بل الحقّ الحقيق بالتصديق أنّ العلم بالشيء عبارة عن حصول ذلك الشيء لمن له صلاحية العالميّة ، وحصول شيء لشيء قد يكون بصورته وذلك في العلم الحصوليّ ، وقد يكون بذاته وذلك في العلم الحضوريّ ، وليس كلّ موجود خارجيّ حاصلا بذاته لكلّ أحد ، بل إنّما يحصل الموجود العينيّ بذاته لأمر تحقّق بينهما علاقة وجوديّة مستلزمة لحصوله له كالعلّيّة والمعلوليّة (1). هذا كلامه.

وأقول : مراد الشيخ هو أنّ من المعلوم المتحقّق أنّ العلم بالشيء إنّما يتحقّق بأن يحصل أثر من ذلك الشيء في العالم ، فالعلم هو ذلك الأثر الحاصل في العالم لا الموجود في الخارج ، وإلاّ - أعني إن لم يكن الأثر الحاصل هو العلم ، بل الموجود في الخارج - لزم أن لا يحصل لنا علم بالمعدوم.

وأيضا لو كان وجود الشيء في الخارج كافيا في العلم به من دون أثر يحصل منه

ص: 211


1- في « شوارق الإلهام » : « كالعلّة والمعلول ».

في العالم ، لزم أن يكون كلّ أحد عالما بكلّ موجود يكون موجودا معه وفي زمانه ؛ إذ نسبته إلى كلّ موجود كذلك على السواء فيما له مدخل في العلم.

وما ذكره المعترض من علاقة العلّيّة والمعلوليّة لا مدخل لها في العلم أصلا ؛ إذ ليست هي ممّا يوجب حصول أحدهما للآخر حقيقة ؛ لما عرفت ممّا ذكرناه في المبحث السابق ، بل تلك العلاقة ممّا يوجب المعيّة في الوجود فقط في الحقيقة ، فلو كانت معيّة شيء مع شيء في الوجود حصولا لأحدهما عند الآخر ، لكان كلّ موجود حاصلا لكلّ موجود يكون موجودا معه وفي زمانه وكان معلوما له. هكذا يجب أن يفهم كلام الأعلام ، واللّه تعالى هو وليّ الفضل والإنعام.

[ المبحث ] الخامس : الظاهر - بل التحقيق - أنّ النفس الناطقة تدرك بدنها الجزئيّ وسائر آلاتها الجزئيّة بالقوّة المتخيّلة ، وكذا المتخيّلة تدرك نفسها ، ولا يلزم اجتماع المثلين في محلّها ؛ لأنّ الصور المتخيّلة ، بل الحسّيّة مطلقا إنّما هي أشباح وأمثلة للجزئيّات ، وليست حقائق لها ؛ فإنّ إدراك الحقائق شأن العقل لا الحسّ.

وبالجملة ، فهذا الاحتمال قادح في كون علم النفس بهذه الأمور بالمشاهدة الحضوريّة وجعل ذلك طريقا إلى العلم الحضوريّ للواجب بأعيان الموجودات على ما نقله صاحب الإشراق في خلسته عن إمام المشّائين (1) ، وهذا دليل على عدم الاعتماد على مجرّد الكشف الذي يدّعيه أرباب المجاهدات إلاّ ما ساعده البرهان ، وفي ذلك غنى عن ارتكاب تلك المخاطرات.

وبما ذكرنا ظهر ضعف ما زعمه الإشراقيّون من كون سائر الحيوانات ذوات نفوس مجرّدة (2) بناء على أنّ مدار إدراك الشيء لنفسه على التجرّد ، وأنّها مدركة

ص: 212


1- انظر « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 70 - 73.
2- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 203 - 207. وانظر « الأسفار الأربعة » 8 :2. 53 و 230 - 241.

لأنفسها ، وذلك لأنّ إدراك الشيء لنفسه - إذا كان بنفسه لا بحصول صورة - يستلزم التجرّد ، ولعلّ نفوس الحيوانات يدركون أنفسهم بحصول صورها في محلّ تلك النفوس كالمتخيّلة.

قال الشيخ رحمه اللّه في التعليقات : نفوس الحيوانات غير الإنسان ليست مجرّدة وهي لا تعقل ذواتها ؛ فإنّها إذا أدركت ذواتها فإنّها تدركها بقوّتها الوهميّة ، فلا تكون معقولة ، والوهم لها بمنزلة العقل من الإنسان (1). انتهى.

[ المبحث ] السادس : نفى صاحب الإشراق العلم المقدّم على الإيجادات كلّها ، وأبطل العناية رأسا ؛ زعما أنّ قبل كون الموجودات ووجودها ذهنا وخارجا كيف يتصوّر تحقّق العلم بها؟! فإنّ العلم بها لا يتصوّر بدون وجودها ذهنا أو خارجا ؛ ضرورة عدم تمايز المعدومات الصرفة ، ولا يمكن وجود الموجودات قبل وجودها ، أمّا خارجا ، فظاهر. وأمّا ذهنا ، فللزوم الكثرة في ذاته تعالى ، فليس للواجب علم فعليّ أصلا (2). تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، وذلك قادح في كون فعله تعالى اختياريّا ؛ إذ لا بدّ في الفعل الاختياريّ من مسبوقيّته بالعلم ولا يكفي مجرّد مقارنته للعلم.

وما قيل : إنّ الفعل الإراديّ غير منفكّ عن العلم بالمراد ؛ وأمّا وجوب السبق ، فممنوع ، بل هو مثل ما يدّعي المتكلّمون أنّ الإرادة يجب أن تكون سابقة على المراد سبقا زمانيّا ، وأنّه غير مسلّم منهم ، غاية الأمر أنّ وجوب السبق الذاتيّ في الإرادة مسلّم دون العلم ، بل مقارنة الشعور والعلم للفعل الناشئة من نفس الفاعل كافية في كونه إراديّا. ففيه تأمّل ، ومع ذلك يرد عليه ما يأتي.

وكذا ما قيل : إنّ وجود المعلول في الخارج وإن كان هو عين العلم بالذات ، لكنّه يغايره بالاعتبار ، فهو من حيث إنّه علم مقدّم وسبب له من حيث كونه موجودا في

ص: 213


1- « التعليقات » : 82.
2- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 150 - 153.

الخارج. ففيه أنّ المغايرة الاعتباريّة إنّما تتحقّق وتؤثّر حيث يعتبرها العقل ويتمايز المتغايران فيه فحيث لا عقل ولا ذهن ، فلا أثر لها أصلا.

ويرد عليهم أيضا عدم كون صفة العلم عين ذاته. وما قيل في توجيه كون صفاته تعالى عين ذاته : إنّ الصفة هاهنا بمعنى الخارج المحمول كالعالم والقادر والمريد وحينئذ فلا امتناع في كون العالم عين ذاته وإن كان العلم زائدا عليه ، فمشترك بين الواجب وغيره ؛ فإنّ صفات جميع الأشياء عين ذاته بهذا الوجه ، على ما ذكره المحقّق الدواني (1).

وقد تدفع هذه الشناعة عنهم بأنّ العلم الفعليّ له صورتان :

إحداهما أن يكون العلم من أسباب وجود المعلوم بالذات ، وهو الظاهر المشهور.

وثانيتهما أن يكون ذات العالم سببا لوجود المعلوم بالذات كما في الصورة المخترعة للعالم ؛ فإنّ نفس وجودها عنه نفس معلوميّتها له بالذات ، وذات الواجب بالنسبة إلى أعيان الموجودات من هذا القبيل ، فكما أنّ العالم يعلم الصورة الذهنيّة باختراعها ، يعلم الواجب العينيّ (2) الخارجيّ بإيجاده ، والعلم بالصورة حصولا (3) وبالعيني حضورا (4) كلاهما فعليّ ، ولا يلزم الإيجاب بناء على كون مقارنة الشعور كافية في الفعل الاختياري على ما مرّ.

وفيه : أنّه على تقدير التسليم يلزم أن لا يكون صدور الموجودات عنه تعالى على نحو العناية والتدبير ؛ إذ لا يصدق حينئذ أنّها لمّا علمت خيرا وجدت ، بل لمّا علمت علمت ، أو لمّا وجدت وجدت ، والتغاير الاعتباريّ بين المعلوميّة والوجود قد عرفت أنّه لا جدوى له هاهنا ، وفساد هذا اللازم ليس بأقلّ من مفسدة الإيجاب ، بل هو عينها عند التحقيق كما لا يخفى على الخبير.

ص: 214


1- لم نعثر عليه.
2- في « شوارق الإلهام » : « العين الخارجيّ ».
3- في المصدر : « بالصورة حقيقة حصولا ».
4- في « شوارق الإلهام » : « وبالعين حضورا ».

ولا يلزم ذلك في صدور الصور العلميّة عنه تعالى ؛ لأنّه نفس تعقّله الخير وعلمه به ، ولا يجب كون العلم مسبوقا بالعلم ، ولا كون التدبير مسبوقا بالتدبير ، بل يجب كون الوجود مسبوقا بالعلم والتدبير.

على أنّ القائل بالصور العلميّة الحاصلة في ذاته تعالى قائل بالعلم الإجماليّ البسيط الذي هو عين ذاته تعالى ، وتلك الصور إنّما هي تفصيل له ، فتكون مسبوقة به ، فليتدبّر.

ثمّ إنّه أعني صاحب الإشراق بعد إبطال العناية جعل النظام المشاهد في عالم الأجسام لازما عن النظام الواقع بين المفارقات العقليّة الطوليّة والعرضيّة ، وأضوائها المنعكسة من بعضها إلى بعض ، وجعل ذلك بدلا عن العناية في سببيّة النظام ، صرّح بذلك في حكمة الإشراق (1).

وأنت خبير بأنّ ذلك النظام الواقع بين المجرّدات أيضا لا بدّ له من سبب وإلاّ لتسلسل ، فلا بدّ من الانتهاء إلى علمه تعالى بنظام الكلّ ، أو صدور ذلك النظام عن طبع وإيجاب ، ولا بدّ من كون هذا العلم عين ذاته تعالى أو قائما بذاته من غير لزوم مفسدة الكثرة ، على ما عرفت مفصّلا.

وأمّا المصنّف - قدس سره - فلم ينسج على منواله في نفي العلم المقدّم على الإيجاد ، بل أثبت العلم الإجماليّ ؛ حيث قال في شرح رسالة العلم : كما أنّ الكاتب يطلق على من يتمكّن من الكتابة سواء كان مباشرا للكتابة أو لم يكن ، وعلى من يباشرها حال المباشرة باعتبارين ، كذلك العالم يطلق على من يتمكّن من أن يعلم سواء كان في حال استحضار المعلوم أو لم يكن ، وعلى من يكون مستحضرا له حال الاستحضار باعتبارين ، والعالم الذي يكون علمه ذاتيّا ، فهو بالاعتبار الأوّل ؛ لأنّه بذلك الاعتبار لا يحتاج في كونه عالما إلى شيء غير ذاته والعلم بهذا الاعتبار شيء واحد (2). انتهى.

ص: 215


1- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 152 - 155.
2- « شرح مسألة العلم » : 28.

لكنّ العلم الإجماليّ بهذا المعنى - أعني التمكّن من الاستحضار - إنّما هو الحالة الثانية لا الثالثة وهو ليس بجيّد ؛ لمقارنة القوّة ، فتدبّر.

[ المبحث ] السابع : قد ظنّ جماعة كالمحقّق الدواني في بعض رسائله وصاحب القبسات وغيرهما (1) : أنّ نسبة جميع الأزمنة إليه تعالى كآن واحد ، كما أنّ نسبة جميع الأمكنة إليه كأين واحد بمعنى أنّ أعيان الموجودات الزمانيّة - قديمة أو حادثة - حاضرة عنده تعالى دفعة بلا اختلاف في القبليّة والبعديّة والمعيّة والمضيّ والحال والاستقبال ؛ لكونه بريئا عن الوقوع في شيء من الأزمنة كبراءته عن الوقوع في شيء من الأمكنة ، بل هو محيط بقاطبة الزمانيّات والمكانيّات إحاطة واحدة ، وإنّما ذلك الاختلاف لها بقياس بعض (2) إلى بعض وفيما بينها ، لا بالقياس إلى الحضور عنده تعالى والغيبة عنه ، ومثّلوا ذلك بخيط مختلف الأجزاء بالسود والبيض ؛ فإنّه إذا نظر إليه الإنسان مثلا يلاحظ مجموع تلك الأجزاء المختلفة الألوان دفعة واحدة ، ويرى الجزء الأسود في موضعه والأبيض في موضعه كليهما معا وفي آن واحد ، بخلاف الحيوان الضيّق الحدقة كالنملة ؛ فإنّه يرى كلّ جزء يصل إليه في آن وصوله ، ولا يرى الجزء الذي بعده أو قبله في هذا الآن بل في آن هو بعد ذلك الآن أو قبله ، وهذا الظنّ لعلّه متوهّم من كلام المصنّف في شرح رسالة العلم (3) كما سننقله في بيان كيفيّة علمه تعالى بالجزئيّات المتغيّرة وسنبيّن حقيقة الأمر فيه.

وهو منظور فيه ؛ لأنّ نسبة الزمانيّات إلى الزمان لا يجب أن تكون بانطباق فقط ، وإلاّ لم يكن الأجسام - التي في زمان ولا يعرض لها التغيّر - زمانيّة ، بل تلك النسبة

ص: 216


1- انظر « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 116 - 120 ؛ « القبسات » : 3 و 159 ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 50 - 52 و 3 : 407 - 417 ؛ « شرح المنظومة » قسم الفلسفة : 203.
2- في « شوارق الإلهام » : « بعضها ».
3- « شرح مسألة العلم » : 38 - 41.

إنّما هي بالمعيّة في الوجود سواء كانت منطبقة أو غير منطبقة ، فهو تعالى وإن لم يكن واقعا في الزمان لكنّه مع الزمان معيّة وجوديّة.

واختلاف نسبة الزمان إلى ما مع الزمان يتصوّر على وجهين :

أحدهما : بالتغيّر في ذات ذلك الشيء الذي مع الزمان كما هو في الأشياء المختصّة (1) الوجود ببعض الأزمان كالحادث اليومي مثلا ؛ فإنّه في اليوم ؛ لكونه معه في الوجود ، لا في الأمس والغد ؛ لفقدانه فيهما.

وثانيهما : بالتغيّر في الزمان دون ما مع الزمان كالفلك ؛ فإنّه اليوم (2) في اليوم ؛ لكونه معه في الوجود ، دون الغد ؛ لفقدانه.

والوجه الأوّل وإن لم يتصوّر نسبته إليه تعالى ، لكن لا خفاء في تحقّق الوجه الثاني بالنظر إليه ؛ فإنّه في اليوم مع اليوم مثلا ؛ لكونه معه في الوجود دون الأمس والغد ؛ لفقدانهما لا لفقدانه ، تعالى عن ذلك ، فيتصوّر بالنظر إليه الماضي والحال والاستقبال بهذا الوجه ، إذ اليوم مثلا حال بالنظر إليه ؛ لكونه معه في الوجود حاضرا عنده ، والأمس ماض نظرا إليه ؛ لفقدانه اليوم مع تحقّقه قبل ذلك ، والغد مستقبل نظرا إليه ؛ لفقدانه اليوم مع كونه سيكون ، فالأزمنة الثلاثة وإن لم تتصوّر بالنظر إليه بالمعنى المختصّ بالحوادث ولكنّها - بمعنى أنّ الحال هو الزمان الحاضر الذي هو معه بالفعل ، والماضي هو الزمان المتقدّم على ذلك الزمان بالنظر إليه ، والمستقبل هو الزمان المتأخّر عنه بالنظر إليه - متحقّقة بلا شبهة ؛ فإنّ تحقّق الماضي والمستقبل بالنظر إلى شيء لا يقتضي كون ذلك الشيء مفقودا في الماضي والمستقبل مطلقا على ما مرّ. كذا قال سيّد المدقّقين وغيره.

وهذا مأخوذ من كلام المصنّف في نقد المحصّل ، حيث قال ما ملخّصه : أنّ القضيّة التي يدّعى استحالتها - وهي كون اللّه زمانيّا - تفسّر على وجهين :

ص: 217


1- في « شوارق الإلهام » : « المختلفة الوجود ».
2- في « شوارق الإلهام » : « اليومي في اليوم ».

أحدهما : أن يكون اللّه تعالى زمانيّا بمعنى أنّه يتغيّر أو يقبل التغيّر.

والثاني : أن يكون وجوده في أيّ حال فرض مقارنا لوجود جزء من الزمان.

وعلى هذا الوجه الثاني لا استحالة في كون البارئ تعالى زمانيّا ، وأيّ استحالة في أن يكون سبقه على هذا الجزء من الزمان ، بمعنى أنّه قارن وجوده وجود جزء آخر من الزمان لم يكن هذا الجزء متحقّقا حيث تحقّق ذلك الجزء؟

فإن قيل : هل يطلق على البارئ تعالى أنّ الزمان ظرف له ووعاء كما يطلق على عدم هذا الحادث أنّ الزمان السابق على وجوده ظرف له ووعاؤه؟

قيل : قول القائل : « إنّ عدم هذا الحادث وقع في زمان سابق على وجوده » من باب المجاز الذي دعا إليه ضيق العبارة ، وليس هناك ظرف ومظروف على الحقيقة ، وليس الزمان أمرا يتحقّق فيه معنى الاشتمال والاحتواء ليمكن أن يكون ظرفا ولا سيّما والحادث إنّما يحدث في آن ، والآن عند الأكثرين غير منقسم ، فهو أبعد من معنى الظرفيّة.

والمراد من قولنا : « إنّ عدم الحادث وقع في زمان سابق على زمان وجوده » أنّه صدق على عدم الحادث أنّه متحقّق حين صدق على زمان سابق على وجوده أنّه متحقّق ولم يكن زمان الوجود المشار إليه حينئذ متحقّقا ، ومثل هذا التفسير لا يستحيل إطلاقه على البارئ تعالى ؛ فإنّه يصدق عليه أنّه متحقّق حين صدق على جزء مخصوص من الزمان أنّه متحقّق (1). انتهى.

وأيضا : قياس الأزمنة على الأمكنة مع الفارق ؛ لتقضّي أحدهما وقرار الآخر ، وحضور الأمر التدريجي دفعة - ولو عند من لا يتغيّر أصلا - واضح البطلان ، وكيف يمكن حضور المعدوم؟! فالتمثيل المذكور غير مطابق للممثّل له إلاّ إذا كان أجزاء الخيط المذكور تدريجيّة ، ومع ذلك تكون حاضرة دفعة عند الشخص الإنسانيّ مثلا وغير حاضرة عند النملة ، ولا ريب أنّها إذا فرضت تدريجيّة لا تكون حاضرة دفعة

ص: 218


1- « نقد المحصّل » : 250 - 252.

عند الشخص الإنساني أيضا.

والحاصل : أنّه لمّا كان امتناع الإدراك في المثال المذكور ناشئا من جانب العالم ؛ لضعف قوّته ، فحيث لا ضعف أمكن الإدراك ، وامتناع الإدراك في الزمان ليس من جانب العالم ليختلف القويّ والضعيف في ذلك ، بل من جانب المعلوم ؛ لأنّه ينعدم شيئا فشيئا ، والمعدوم غير قابل للحضور ، فلا محالة لا يختلف القويّ والضعيف في ذلك.

ويتفرّع على ذلك أنّه لو كان ما ظنّوه حقّا ، لما احتيج إلى الفرق بين المعلولات القريبة والبعيدة في تعلّق العلم الحضوريّ بها بكون العلم بالقريبة بذواتها وبالبعيدة بصورها القائمة بالقريبة ؛ لكون الجميع على السواء في الحضور بالقياس إليه تعالى.

لكن كلام شرح رسالة العلم (1) وشرح الإشارات (2) صريح في الفرق بين القبيلين ، وكذا كلام حكمة الإشراق (3) ، لكن كلام التلويحات - أعني قوله : وإدراك أعداد الوجود نفس الحضور له والتسلّط من غير صورة ومثال (4) - ممّا يوهم الابتناء على الظنّ المذكور.

والمراد أنّه كذلك عند وجود تلك الأعداد وفي أوقات وجوداتها وإن كانت قبل أوقات وجوداتها معلومة بصورها المرتسمة في المدبّرات الفلكيّة ، كما يدلّ عليه كلامه في حكمة الإشراق (5) على ما نقلنا ، فتفصيل مذهبهم أنّ علمه تعالى بمعلولاته القديمة - سواء كانت مجرّدة أو مادّيّة - إنّما هو بحضور ذواتها عنده تعالى أزلا وأبدا ، وبمعلولاته (6) الحادثة بحضور ذواتها عنده في أوقات وجودها ، وأمّا قبل أوقات وجودها ، فبصورها الحاصلة في المعلولات القديمة ؛ فإنّ الحاصل في

ص: 219


1- راجع ص 164 - 166 من هذا الجزء.
2- راجع ص 164 - 166 من هذا الجزء.
3- راجع ص 164 - 166 من هذا الجزء.
4- « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 73.
5- راجع ص 164 من هذا الجزء.
6- في « شوارق الإلهام » : « وبمعلوماته ».

الحاضر عند الشيء حاضر عنده أيضا. هذا هو المصرّح به في كتبهم ، كما لا يخفى على من تتبّعها.

ثمّ إنّه يمكن أن يتصوّر هذا المظنون على وجهين :

أحدهما : أن يكون القدماء بالنسبة إليه تعالى كالحوادث في تخلّل الانفكاك بينهما وإن كان بلا تقدّر (1).

وثانيهما : أن يكون الحوادث كالقدماء في عدم الانفكاك.

وإلى الأوّل نظر صاحب القبسات (2) ، وبنى عليه حدوث العالم وسمّاه حدوثا دهريّا.

وبالنظر إلى الثاني قيل عليهم : إنّه لو كان كذلك ، لزم قدم الحوادث. وليس شيء منهما بشيء ؛ لكون كلّ منهما منقدحا بالآخر ، كما لا يخفى على المتدبّر.

[ المبحث ] الثامن : الحضور حقيقة إنّما يتحقّق لمادّي عند مادّي ، فلو كان لهذا المادّي الثاني ارتباط بمجرّد ارتباط الآلة بذي الآلة يتحقّق الحضور بالنسبة إلى ذلك المجرّد أيضا.

وأمّا حضور المادّي عند المجرّد المتبرّئ عن الآلة فممّا يتنفّر عنه العقل الصريح فضلا عن أن يتحقّقه.

وإذا عرفت هذا عرفت معنى ما نقلناه عن الشيخ من قوله : لا تظنّنّ أنّ الإضافة العقليّة إليها إضافة إليها كيف وجدت ، وإلاّ لكان كلّ مبدأ صورة في مادّة - من شأن تلك الصورة أن تعقل بتدبير ما من تجريد وغيره - يكون هو عقلا بالفعل ، بل هذه الإضافة إليها وهي - بحال - معقولة (3).

وأمّا قوله بعد ذلك : ولو كانت من حيث وجودها في الأعيان لكان إنّما يعقل

ص: 220


1- في « شوارق الإلهام » : « بلا تصوّر ».
2- « القبسات » : 3 وما بعدها.
3- « الشفاء » الإلهيات : 364 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.

ما يوجد في كلّ وقت ، فلا يعقل المعدوم منها في الأعيان (1) إلى آخره ، فهو دليل آخر على امتناع كون الصورة المادّيّة - من حيث هي مادّيّة - معقولة له تعالى ، مبنيّ على تحقّق المضيّ والاستقبال بالنسبة إليه تعالى على الوجه الذي قد مرّ آنفا ، فهذا الكلام المنقول من الشفاء مع المنقول من الرسالة المنسوبة إليه على ما وجّهناه مشتمل على أربع دلائل على عدم تحقّق العلم الحضوريّ ، فتعيّن العلم الحصوليّ ؛ لامتناع الأقسام الأخر بالاتّفاق.

وقد يستدلّ على العلم الحصوليّ بأنّ ذاته تعالى علّة للأشياء وهو عالم بذاته ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ؛ فيجب تحقّق العلم بالأشياء في الأزل ، والعلم لا معنى له إلاّ انكشاف المعلوم إمّا بذاته وإمّا بصورته بالضرورة والاتّفاق ، ولا يمكن تحقّق ذوات الأشياء في الأزل ، وإلاّ لزم قدم الحوادث ، فتعيّن تحقّق صورها فيه ، ولا يمكن قيامها بذواتها ولا بموجود آخر ؛ لما مرّ غير مرّة ، فتعيّن قيامها بذاته تعالى ، وهو المطلوب.

ويمكن أنّ يستدلّ بأنّ العلم صفة كمال لا محالة ، فهو صفة حقيقيّة ؛ إذ لا كمال له تعالى بالإضافيّات (2) ، فيجب أن يكون عين ذاته تعالى أو قائمة (3) بذاته من ذاته ؛ لامتناع أن يكون ما هو كمال له تعالى ثابتا له من خارج ، لكنّ العلم التفصيليّ بالأشياء يمتنع كونه عين ذاته تعالى ، فتعيّن كونه قائما بذاته من ذاته ، فيجب أن يكون صورا زائدة على ذوات الأشياء قائمة بذاته تعالى ؛ لكون العلم الحضوريّ عين ذوات الأشياء المباينة لذاته تعالى ، ويجب أيضا كونها متقدّمة على ذوات الأشياء ؛ لأنّ العلم المتأخّر عن ذوات الأشياء يكون مستفادا منها كعلمنا بالأشياء ، فيلزم كون ما هو كمال له تعالى مستفادا من خارج ، فتعيّن كون علمه تعالى بالأشياء

ص: 221


1- نفس المصدر.
2- في « شوارق الإلهام » : « بالإضافات ».
3- التأنيث باعتبار الصفة.

فعليّا متقدّما على ذوات الأشياء قائما بذاته تعالى من ذاته ، وهو المطلوب.

فإن قلت : قد مرّ أنّ كماله ومجده تعالى ليس بتلك الصور ، بل بأن تفيض عنه تلك الصور ، فكماله ومجده إذن بذاته لا بأمر زائد على ذاته ، فكيف يكون تلك الصور (1) كمالا له تعالى؟!

قلت : لا ريب في كون تلك الصور - لكونها علما - كمالا له تعالى ، لكنّ المراد ممّا مرّ أنّ تلك الصور لمّا كانت فائضة عن ذاته تعالى ، كان كماله تعالى في الحقيقة بذاته لا بأمر زائد على ذاته ، بخلاف ما لو كانت مستفادة من غيره ؛ فإنّه حينئذ يلزم أن يكون كماله بغيره لا بذاته.

ومن هنا ظهر - ظهورا بيّنا - معنى كون ذاته موضوعة لتلك الصور ، ومتّصفة بتلك اللوازم ؛ لكون تلك الصور واللوازم صادرة عنه تعالى ، لا لكونها حاصلة فيه على ما مرّ في كلام الشيخ غير مرّة.

[ المبحث ] التاسع : ناقض صاحب المطارحات (2) القائلين بالعلم الحصوليّ بما حاصله : أنّ القول بارتسام الصور في ذاته تعالى على الترتيب العلّيّ يستلزم أن يكون تعالى منفعلا عن الصورة الأولى ؛ لكونها علّة لاستكمال ذاته تعالى بحصول الصورة الثانية.

وأمّا أنّ تلك الصور كمالات له تعالى فلأنّ تلك الصور - لكونها ممكنات لا محالة - يكون حصولها له تعالى بالقوّة لا بالفعل نظرا إلى ذواتها ، فلذاته تعالى قوّة الاتّصاف بها باعتبار ذواتها الممكنة ، ولا ريب في أنّ كون ذاته تعالى بالقوّة - من أيّ جهة كانت - نقص ، وزوال تلك القوّة إنّما يحصل بوجود تلك الصور بالفعل في ذاته ،

ص: 222


1- في « شوارق الإلهام » : « فكيف حكمت بكون تلك الصور ... ».
2- « المطارحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 477 - 489.

فوجودها كمال له تعالى ، ومزيل النقص مكمّل ، وكلّ صورة سابقة من تلك الصور تكون مكمّلة لذاته تعالى بحصول الصورة اللاحقة على ما يقتضيه الترتيب العلّيّ.

ودفعه (1) أستادنا قدس سره أمّا أوّلا ، فبجريان دليله في صورة صدور الموجودات عنه تعالى فينتقض به.

وأمّا ثانيا فبأنّ فعليّة تلك الصور إنّما هي من جهة المبدأ ووجوبها مترتّب على وجوبه ، وليس هناك فقد ولا قوّة أصلا ، ولا لتلك الصور إمكان من الجهة المنسوبة إليه تعالى ، وإنّما يلزم الانفعال لو كان فيضان تلك الصورة على ذاته عن غيره تعالى وليس كذلك (2) ، هذا.

وممّا اعتمد عليه أستادنا قدس سره في كتاب المبدأ والمعاد (3) في ردّ مذهب الشيخ - بعد تزييفه ما أورده المصنّف وغيره عليه - هو أنّه يلزم على هذا المذهب صدور الكثير عن الواحد الحقيقيّ. (4).

بيانه : أنّ صورة العقل الأوّل تكون حينئذ واسطة في صدور العقل الأوّل وفي صدور صورة العقل الثاني معا عن الواجب ، فيكون قد صدر عن الواحد بوساطة أمر واحد - هو صورة العقل الأوّل - أمران ، هما : ذات العقل الأوّل ، وصورة العقل الثاني معا.

ولا يجوز أن يقال : ذات العقل الأوّل إنّما صدرت عن الواجب من حيث ذاته لا بوساطة الصورة ، وصدرت صورة العقل الثاني عنه بواسطة الصورة ، فلا يلزم صدور الاثنين عن الواحد من جهة واحدة ، بل من جهتين ؛ وذلك لأنّه يلزم أن لا يكون علم الواجب بالعقل الأوّل علما فعليّا ، وهو خلاف مذهبه ، وقادح فيما لأجله ذهب إلى العلم الحصوليّ.

ص: 223


1- لا زال الكلام للمحقّق اللاهيجي في « شوارق الإلهام ».
2- لا زال الكلام للمحقّق اللاهيجي في « شوارق الإلهام ».
3- « الأسفار الأربعة » 6 : 199 - 209.
4- « الأسفار الأربعة » 6 : 199 - 209.

وعندي أنّ ذلك ضعيف ؛ لأنّ صدور صورة العقل الثاني ليس بوساطة صورة العقل الأوّل ، بل بوساطة ذات العقل الأوّل ؛ فإنّ وجود العقل الأوّل لمّا كان من لوازمه وجود العقل الثاني ، والعلم بالعلّة والملزوم مستلزم للعلم بالمعلول واللازم صار العلم بالعقل الأوّل - أعني صورته - مستلزما للعلم بالعقل الثاني أعني بصورته ، وإنّما يلزم كون صدور صورة العقل الثاني بوساطة صورة العقل الأوّل لو كان وجود العقل الثاني من لوازم صورة العقل الأوّل ، وليس كذلك ، بل هو من لوازم وجود العقل الأوّل.

وهذا معنى كلام الشيخ في التعليقات حيث نقلناه (1) سابقا لبيان ترتيب السبب والمسبّب من قوله : مثال ذلك أنّه تعالى علّة لأن عرف العقل الأوّل ، ثمّ إنّ العقل الأوّل هو علّة لأن عرف لازم العقل الأوّل ، فهو تعالى وإن كان سببا لأن عرف العقل ولوازمه ، فبوجه ما صار العقل الأوّل علّة لأن عرف لوازم العقل الأوّل (2). انتهى.

وممّا اعتمد عليه أيضا أستادنا - قدس سره - أنّه لو كان علمه بالأشياء بحصول صورها فيه لم يخل إمّا أن تكون تلك اللوازم لوازم ذهنية له أو خارجيّة ، أو لوازم له مع قطع النظر عن الوجودين.

لا سبيل إلى الأوّل والثالث ؛ إذ لا يتصوّر للواجب إلاّ نحو واحد من الوجود ، وهو الوجود الخارجيّ الذي هو عين ذاته ، واللوازم الخارجيّة لا تكون إلاّ حقائق خارجيّة لا صورا علميّة ذهنيّة ، وذلك خلاف ما فرضناه ؛ لأنّ الصور العلميّة تكون جواهرها جواهر ذهنيّة وأعراضها أعراضا ذهنيّة وإن كان الكلّ ممّا يعرض لها في الخارج مفهوم العرض كما سلف تحقيقه (3).

وهذا أيضا ضعيف ؛ لأنّ انقسام اللازم إلى الأقسام الثلاثة إنّما يصحّ حيث يكون

ص: 224


1- انظر ص 174 - 175 من هذا الجزء.
2- « التعليقات » : 152.
3- « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : 104 - 107.

للملزوم ماهيّة غير الوجود ، والواجب تعالى ليس له ماهيّة سوى الوجود ، على ما مرّ في الأمور العامّة ، لكن يشبه أن يكون حكم معقولاته تعالى حكم اللوازم الذهنيّة ؛ لأنّها إنّما تلزمه من حيث عقله تعالى لذاته لا مطلقا ، وعقله لذاته وإن كان عين ذاته لكنّ الاعتبار مختلف ، فهو باعتبار عقله لذاته يلزمه أن يعقل الأشياء ؛ لكون ذاته علّة للأشياء ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول ، وذوات الأشياء تلزمه باعتبار ذاته ، ومعقولات الأشياء تلزمه باعتبار عقله لذاته.

وعلى هذا تكون جواهر تلك المعقولات جواهر ذهنيّة وأعراضها أعراضا ذهنيّة وإن كان ممّا يصدق عليه مفهوم العرض بحسب الخارج بلا إشكال.

[ المبحث ] العاشر : ذهب جماعة في كيفيّة العلم قبل الإيجاد إلى أنّ ذاته تعالى علم تفصيليّ ببعض الموجودات وهو المعلول الأوّل ، وعلم إجماليّ بسائرها (1).

وبيّن ذلك بعضهم (2) بما محصّله : أنّ العلم بمعنى ما به الانكشاف لا يجب أن يكون حقيقة المعلوم مساوية له في الماهيّة ، بل قد يكون كما في علم الشيء بالكنه ، وقد لا يكون كما في علم الشيء بالوجه.

وما يقال - أنّ حضور غير حقيقة الشيء أو حصوله لا يفيد العلم به ، والمعلوم في الحقيقة في المعلوم بالوجه إنّما هو كنه الوجه لا ذي الوجه - فإن أريد أنّ ذا الوجه ليس معلوما أصلا ، فممنوع ، والسند ظاهر. وإن أريد أنّه ليس معلوما بالكنه فممنوع ولا يضرّنا ، ولا يلزم في صورة العلم بالمعدوم تعلّق العلم بالمعدوم الصرف ؛ فإنّ المعدوم الصرف هو الذي لا يكون بحقيقته ولا بما ينكشف به حاصلا للعالم.

ثمّ إنّ العلم الفعليّ ما يكون سببا لوجود المعلوم ومقدّما عليه بالذات أو

ص: 225


1- « الأسفار الأربعة » 6 : 181 ؛ شرح المنظومة ، قسم الفلسفة : 165.
2- هو الأمير نظام الدين أحمد. منه رحمه اللّه .

بالطبع سواء كان علما بوجهه أو بكنهه ؛ فإنّ كون العلم مقدّما على المعلوم وسببا لوجوده لا يقتضي أن يكون علما بكنه حقيقته ، فالعلم بمعنى ما به الانكشاف عبارة عن أمر حاصل عند العالم ، له مناسبة مخصوصة إلى المعلوم ، بسببها يتميّز وينكشف ذلك المعلوم عند من حصل له ذلك الأمر سواء كان مساويا له في الماهيّة ، أو لا.

ولا ريب أنّ للعلّة مناسبة مخصوصة مع المعلول ، بها يصدر عنها ذلك المعلول المعيّن دون غيره ، فيجوز أن تكون نفس ذات العلّة علما بالمعلول ، فلا يبعد أن يكون علمه تعالى بذاته علما تفصيليّا بمعلوله الأوّل ، وإجماليّا بسائر معلولاته البعيدة بأن يعلم معلوله الأوّل قبل إيجاده علما تفصيليّا بنفس ذاته المقدّسة ، ويعلم المعلول الثاني كذلك بنفس ذات المعلول الأوّل وهكذا ، ولا يجب أن يكون علمه الفعلي التفصيليّ بجميع الموجودات في مرتبة واحدة ، بل ذلك ممتنع ؛ لامتناع أن يعلم بأمر واحد بسيط معلومات متكثّرة بخصوصيّاتها ، ممتازا بعضها عن بعض.

وعلى هذا وإن لزم احتياج الواجب في العلم التفصيليّ بأكثر الموجودات إلى معلولاتها المغايرة لذاته ، وكونه في مرتبة الذات غير عالم بحقائق الممكنات بالذات ، بل يتجدّد علمه بها بعد مرتبة الذات ، لكن احتياجه في علمه التفصيليّ إلى غيره غير ممتنع ؛ فإنّ كماله الذاتيّ إنّما هو في العلم الإجماليّ الذي هو عين ذاته ، والتغيّر في علمه إذا لم يكن بحسب الزمان بل بحسب الذات فلا دليل على امتناعه ، بل قد صرّحوا بأنّ علمه بذاته علّة لعلمه بمعلولاته ، وهذا تغيّر وتجدّد بحسب الذات. انتهى.

ولا يخفى ما فيه ؛ لأنّ الوجه يجب كونه محمولا على ذي الوجه ، متّحدا معه بوجه ما ؛ فإنّ وجه الإنسان هو الضاحك - مثلا - لا الضحك ، وليس العلّة مع معلولها الخارج عنها ، المباين لها كذلك. إلى غير ذلك على ما يظهر بالتأمّل.

ص: 226

واكتفى بعضهم (1) بكونه إجماليّا فقط من قبيل الحالة الثالثة من الحالات الثلاث المذكورة في كتاب النفس قال :

فأمّا أن يكون من قبيل الحالة الأولى ، فهو محال ؛ لأنّ العلم المفصّل هو العلم الإنسانيّ الذي لا يجتمع اثنان منه في النفس في حالة واحدة ، بل يضادّ واحدا واحدا ؛ فإنّ العلم نقش في النفس ، فكما لا يتصوّر أن يكون في شمعة نقشان وشكلان في حالة واحدة ، لا يتصوّر أن يكون في النفس علمان مفصّلان حاضران في حالة واحدة ، بل يتعاقب (2) على القرب بحيث لا يدرك تعاقبهما للطف الزمان ، أو يصير المعلومات الكثيرة بجملة كالشيء الواحد ، فيكون للنفس منها حالة واحدة نسبتها إلى كلّ الصور واحدة ، ويكون ذلك كالنقش الواحد.

وهذا التفصيل والانتقال لا يكون إلاّ للإنسان ، فإن فرض وجودها مفصّلا في حقّه تعالى كانت علوما متعدّدة بلا نهاية واقتضى كثرة ، ثمّ كانت متناقضات ؛ لأنّ الاشتغال بواحد يمنع من الآخر.

فإذن معنى كون الأوّل عالما أنّه على حالة بسيطة نسبتها إلى سائر المعلومات واحدة ، فمعنى عالميّته مبدئيّته لفيضان التفاصيل منه في غيره ، فعلمه هو المبدأ الخلاّق لتفاصيل العلوم في ذوات الملائكة والإنس ، فهو عالم بهذا الاعتبار ، وهذا أشرف من التفصيل ؛ لأنّ المفصّل لا يزيد على واحد ولا بدّ أن يتناهى ، وهذا نسبته إلى ما يتناهى وما لا يتناهى واحدة.

ومثاله أن نفرض ملكا معه مفاتح خزائن الأرض وهو يستغني عنها ، فلا ينتفع بذهب ولا فضّة ولا يأخذه ولكن يفيضه على الخلق ، فكلّ من له ذهب يكون منه أخذه ، وبوساطة مفتاحه وصل إليه ، فكذلك الأوّل تعالى عنده مفاتح علم الغيب

ص: 227


1- نسب إلى أكثر المتأخّرين. راجع « الأسفار الأربعة » 6 : 181 ؛ « المبدأ والمعاد » :1. 118 ؛ « شرح المنظومة » قسم الفلسفة : 167.
2- كذا ، والصحيح : « يتعاقبان ».

يفيض العلم بالغيب والشهادة على الكلّ ، وكما يستحيل أن لا يسمّى الملك الذي بيده المفاتيح غنيّا ، يستحيل أن لا يسمّى الذي عنده مفاتح العلم عالما ، فالفقير الذي يأخذ منه دنانير معدودة يسمّى غنيّا باعتبار أنّ الدنانير في يده ؛ والملك باعتبار أنّ الدنانير من يده وبإفاضته ويفيض منه الغنى على الكلّ كيف لا يسمّى غنيّا؟! فكذلك حال العلم (1). انتهى.

واعترض عليه بأنّه لو انحصر علمه في الإجماليّ ، لزم أن لا يعلم إلاّ ذاته بخصوصها ، ولا يعلم سائر الموجودات بخصوصيّاتها ، ولا يمتاز في نظره بعضها عن بعض.

وفساده أظهر من أن يذكر.

ولزم أيضا أن لا يصدر عنه موجود بالعلم ؛ إذ العلم الإجماليّ - كما صرّح به - نسبته إلى جميع الموجودات على السويّة ، فلا يصدر عنه معلول دون آخر ، وإلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح ، وعدم صدور الموجودات عنه بالعلم مناف لكون علمه تعالى فعليّا.

وبأنّه يجوز أن يعلم الواجب جميع الموجودات بعلوم كثيرة لكن بالتفات واحد ، فلا يشغله شأن عن شأن (2).

ومنهم من قال : إنّ ذاته علم إجماليّ بجميع الموجودات ، بمعنى أنّه علم بالفعل بخصوصيّات جميع الموجودات عليه وجه يتميّز بعضها عن بعض في علمه تعالى (3).

وعليه حمل كلام بعض العارفين ؛ حيث قال : نحو العلم هنالك على عكس نحو العلم عندنا ؛ فإنّ المعلوم هنالك يجري من العلم مجرى الظلّ من الأصل ، فما عند

ص: 228


1- نحوه في « الأسفار الأربعة » 6 : 242 ؛ « شرح المنظومة » قسم الفلسفة : 167 - 168.
2- « الأسفار الأربعة » 6 : 243 - 245.
3- قاله بعض المتأخّرين في الجواب عن القول السابق ، راجع « الأسفار الأربعة » 6 : 243 ؛ « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : 119.

اللّه هو الحقائق المتأصّلة التي تنزل الأشياء منها بمنزلة الصور والأشباح ، فما من الأشياء عند اللّه أحقّ بها ممّا عند أنفسها ، فالعلم هنالك في شيئيّة المعلوم أقوى من المعلوم في شيئيّة نفسه ؛ فإنّه مشيّئ الأشياء ومحقّق الحقيقة والشيء مع نفسه بالإمكان ؛ فإنّه بين أن يكون وأن لا يكون ، ومع مشيّئه بالوجوب ، ومشيّئ الشيء فوق الشيء ؛ فإنّه الشيء ويزيد ، وإن كان فهم هذا يحتاج إلى تلطّف شديد ، وإذا كان ثبوت نفس الشيء عند العالم حضورا له ، فثبوت ما هو أولى به من نفسه أولى بذلك.

وكذا كلام المحقّق الدواني من أنّ الذي يشبه أن يكون مذهب الحكماء هو أنّ ذاته تعالى عين العلم القائم بذاته ، فهو علم بذاته وعلم بمعلولاته إجمالا.

كما قال بعضهم : إنّ الصورة المحسوسة لو قامت بنفسها ، كانت حاسّة ومحسوسة ، فهذا العلم القائم بذاته هو علم بذاته باعتبار ، وعلم إجماليّ بمعلولاته باعتبار آخر ، والحيثيّة الأولى علّة للحيثيّة الثانية فالمعلولات كلّها حاضرة له تعالى من غير أن يكون فيها كثرة بحسب ذلك الحضور ؛ فإنّ الصورة العقليّة في العلم الإجماليّ واحدة مع كثرة المعلومات على ما تقرّر في موضعه (1). انتهى.

وأورد على هذا المذهب أنّه كيف يتميّز بصورة واحدة مباينة لحقائق مختلفة تلك الحقائق المختلفة في نظر العالم؟! وهل هذا إلاّ تمايز المعدومات الصرفة (2)؟

ومنهم من قال : إنّ ذاته تعالى علم إجماليّ بالموجودات كلّها بخصوصيّاتها لكن لا على أن يتميّز بعضها عن بعض ؛ فإنّ العلم شيء ، والتميّز شيء آخر ، والأوّل لا يوجب الثاني على ما حقّق في موضعه (3).

وهذا أيضا بعد التسليم كالأوّل في أنّه كيف يمكن أن يعلم معلومات مختلفة

ص: 229


1- انظر « الأسفار الأربعة » 6 : 238 - 240 ؛ « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : 119.
2- نفس المصدر.
3- قاله بعض المتأخّرين في الإيراد على القول السابق ، كما ذكر ذلك الصدر الشيرازيّ في « الأسفار الأربعة » 6 : 241.

بحقيقة واحدة مباينة لجميعها وإن لم يتميّز بعضها عن بعض؟! ويشتركان مع سابقهما في أنّ نسبة العلم الإجماليّ إلى جميع الموجودات على السواء ، فلا يترجّح صدور واحد دون آخر ، فلا يكون الصدور عن علم كما مرّ.

هذا آخر ما أردناه من إيراد المباحث المتعلّقة بهذا المقام ، وتلك عشرة كاملة في ذاتها ، مكمّلة للمرام ، وهو تعالى وليّ الفضل والإنعام.

تكميل عرشيّ

قد عرفت في تضاعيف ما ذكرنا في مباحث الوجود من الأمور العامّة من تحقيق مذهب الحكماء في حقيقة الوجود أنّ للوجود أفرادا حقيقيّة ، وأنّها حقائق مختلفة بالشدّة والضعف ، متّحدة مع الماهيّات في الخارج ، وزائدة عليها بحسب العقل فقط ، لا كما يقوله المتأخّرون من أنّ الوجود مفهوم مصدري اعتباري لا حقيقة له في الخارج ، وأنّ الماهيّة المتحقّقة في الخارج باعتبار صدورها عن الجاعل ونسبتها إليه وارتباطها به منشأ لانتزاع هذا المفهوم الاعتباري ؛ لئلاّ يلزم كونه اعتباريا محضا غير مطابق لما في نفس الأمر (1) ، ولا كما قاله الأشعريّ من كون الوجود مرادفا للماهيّة وعينا لها عينا وذهنا غير زائد عليها حقيقة ومفهوما (2) ، ولا كما نسبه صاحب الإشراق إلى المشّائين من كون الوجود زائدا على الماهيّة في الخارج قائما بها كالسواد والبياض (3) ؛ لفساد كلّ من هذه الثلاثة :

أمّا فساد الأخيرين فهو ظاهر ، ومع ظهوره مفروغ عنه في مقامه ، وقد مرّ في الكتاب مستقصى هناك.

وأمّا الأوّل فلما أومأنا إليه هناك غير مرّة.

ص: 230


1- هذا القول للسهرورديّ وأتباعه. انظر « شرح حكمة الإشراق » لقطب الدين الشيرازيّ :1. 191 ؛ « التلويحات » ضمن « مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 39 و 411 ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة : 10 - 11.
2- « المباحث المشرقيّة » 1 : 130.
3- « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 65 - 66.

وممّا يزيده بيانا أنّ حقيقة الجعل والصدور لا تتصحّح مع اعتباريّة الوجود ؛ لأنّ محصّل ما يتصوّر ويعقل منهما ليس إلاّ الفيض ، ولا معنى لأن يفيض من شيء ما لا يكون هو أو سنخه فيه ، فلا معنى لفيضان ماهيّة المجعول من ماهيّة العلّة ؛ لأنّ الماهيّات متضادّة متباينة موقوفة كلّ واحدة على مرتبتها غير قابلة للتشكيك والاختلاف بالشدّة والضعف ليمكن اشتمال ماهيّة على ماهيّة أخرى أو على سنخها أو شبهها ، فيعقل فيضان الأخرى من الأولى.

وما قالوا من أنّ معنى المجعوليّة هو أن يجعل الجاعل الماهيّة بحيث ينتزع منها الوجود ، ليس بشيء ؛ لأنّ تلك الحيثيّة إن كانت اعتباريّة أيضا ، فلا جدوى لها ، وإن كانت حقيقيّة من شأنها أن تفيض عن الجاعل ، فلا نعني بحقيقة الوجود سوى ذلك ؛ لأنّ التي نقول بها ليست فردا ذاتيّا للوجود المصدريّ ، بل هي فرد عرضيّ له يكون الوجود المصدريّ وجها من وجوهه ، وهي متصوّرة لنا بهذا الوجه ، لا بكنه حقيقتها ، والذي لأجله فرّوا من كون الوجود ذا فرد حقيقيّ هو توهّم قيامه على ذلك التقدير بالماهيّة بحسب الخارج قيام العرض بالموضوع ، واستحالته ظاهرة على ما سبق. فأمّا إذا قلنا بكونه عين الماهيّة في الخارج وزيادته عليها في العقل ، فلا مجال لقولهم (1) بالاستحالة.

وفرق بين قولنا : الوجود عين الماهيّة في الخارج ، وبين قولنا : ليس في الخارج إلاّ الماهيّة ، فليتدبّر. والأوّل هو ما نقوله. والثاني هو ما يقوله الانتزاعيّون.

فالحقّ الحقيق بالتصديق هو أنّ الفائض عن العلّة والصادر عنها بالذات إنّما هو وجود المعلول ، فإذا فاض الوجود من العلّة وباينها بالعدد ، يلزم أن يكون له هويّة امتاز بها عن العلّة ، وهذه الهويّة اللازمة هو المراد من الماهيّة ، فهذا الفائض من الجاعل أمر واحد في الخارج يحلّله العقل إلى أمرين :

أحدهما : ما يعبّر عنه بالكون وهو المراد من حقيقة الوجود.

ص: 231


1- في « شوارق الإلهام » : « لتوهّم » بدل « لقولهم ».

وثانيهما : الكائن بهذا الكون ، وهو المراد بالماهيّة ، فالمعبّر عنه بمنزلة ذات الشيء الموجود ؛ فإنّ الوجود بهذا المعنى يرادف الذات ، والمعبّر به من عوارضه ، ولفظ الوجود اسم مشترك بين هذين المعنيين. وما تواطئوا عليه - من كون الوجود مقولا بالتشكيك - هو الوجود بهذا المعنى لا الوجود الانتزاعيّ ؛ إذ لا معنى لكون الكون المصدريّ قابلا للتشكيك ، بل هو في الكلّ على السواء كما لا يخفى على الخبير ، فلنكتف هاهنا بهذا القدر من البيان ، ومن أراد الاستقصاء فليراجع ما حقّقناه في تضاعيف مباحث الوجود ، وفي نيّتنا أن نأتي برسالة مفردة لتمام التحقيق فيه بحيث ترتفع عنه جميع الأوهام والشكوك إن شاء اللّه العزيز.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الوجود العلّة أشدّ لا محالة من الوجود المعلول.

والمراد من الشدّة هو كون الشيء بحيث ينتزع منه أمثال شيء آخر ، فيكون الشيء الأوّل هو الشديد ، والثاني هو الضعيف ، فالأشدّ ما كأنّه يشتمل على عدّة أمثال الأضعف ، فالوجود العلّة - لكونه أشدّ من الوجود المعلول - يكون مشتملا على الوجود المعلول مع زيادة ، فالعلّة - التي هي مبدأ للعلل كلّها وينتهي إليها جميع المعلولات - كأنّها تشتمل على المعلولات كلّها ، فهي المعلولات كلّها بعنوان الوحدة ، وإذا صدرت عنها المعلولات وتباينت وتمايز بعضها عن بعض ، كانت جميعها هي العلّة بعنوان الكثرة من دون أن ينتقص من العلّة شيء ؛ إذ المعلول ليس جزءا من العلّة وبعضا منها حقيقة ، بل إنّما هو أثر منها ، وظلّ لها ، وما من المعلول في العلّة إنّما هو أصله وسنخه ؛ إذ فرق بين أن يفيض من شيء شيء ، وبين أن يقسّم شيء إلى شيء ، ومفاد العلّيّة والتأثير إنّما هو الأوّل لا الثاني ، فالوجود الواجبيّ يشتمل على جميع وجودات الممكنات التي هي عبارة عن ذواتها ، لا أقول : عن ماهيّاتها إذ فرق بين الماهيّة والذات على ما عرفت ، فعلمه تعالى بذاته عين العلم بجميع ذوات الأشياء ، وهذا هو المراد من كون ذاته تعالى علما إجماليّا بالأشياء وعقلا بسيطا لها على معنى ما حصّلناه من كلام الشيخ كما مرّ.

ص: 232

فظهر أنّه لا يعزب عن هذا العلم - الذي هو عين ذاته - مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء بلا تكلّف وتجوّز ، لكن لمّا لم يمكن التميّز بين أمثال الضعيف التي يشتمل عليها الشديد في الخارج ؛ لكونها متّحدة بحسبه ، بل هي - من حيث هي متميّزة - إنّما هي في العقل ، لم يكف هذا العلم في صدور النظام من حيث هو نظام ؛ لاستدعائه التفصيل كما عرفت أيضا وإن كان هذا العلم علما بالماهيّات أيضا من وجه لكن ليس علما بها من حيث هي ماهيّات ؛ حيث لم تتميّز الماهيّة عن الوجود بحسب الخارج ، بل إنّما يتميّز عنه في العقل فقط ، وفي العقل البسيط لا يكون تميّز أصلا لا بين وجود ووجود ، ولا بين وجود وماهيّة ، فبالاضطرار لزم القول بالعقل التفصيليّ المتحقّق بحصول صور الماهيّات في العاقل متميّزا بعضها عن بعض وعن الوجود في علمه تعالى بالأشياء.

وهذان العلمان هما المشار إليهما بالكلّ الأوّل والكلّ الثاني في كلام الفارابيّ في الفصوص على ما نقلناه (1).

وينبغي أن يعلم أنّ هذا الحصول ليس هو بالمعنى المشهور ؛ فإنّ المتبادر من الحصول في المشهور هو أن يكون الصور حاصلة من الأشياء في العاقل وفيما نحن فيه الأشياء حاصلة من الصور في الخارج ، وجميع المفاسد - التي أوردوها على القول بالعلم الحصوليّ في الواجب - مبنيّة على الاشتباه بين هذين المعنيين للحصول ، فعلى هذا لو قال قائل : إنّ علمه تعالى بالأشياء ليس حصوليّا كما أنّه ليس بحضوريّ ، لكان صوابا من هذا الوجه.

تدقيق إلهاميّ

يمكن أن يدقّق النظر ويقال : إنّ حديث الصور وحصولها في ذاته تعالى إنّما هو

ص: 233


1- انظر ص 192 من هذا الجزء.

لتفهيم كون ذاته تعالى علما بجميع الأشياء تفصيلا ، ويتبيّن معنى عنايته بها في صدورها عنه عن علم ، وذلك لا يستدعي حصول الصور حقيقة في ذاته تعالى متميّزا بعضها عن بعض ، بل يكفي فيه كون ذاته تعالى بحيث لو اعتبرها العقل وفصل ما اشتملت هي عليه بعنوان الوحدة من الموجودات المعلولة ، لحصل في العقل الصور المتكثّرة المطابقة لتلك الموجودات حقيقة ، فعبّروا عن تلك الحيثيّة - المستدعية لحصول الصور في العقل بالاعتبار المذكور - بحصول الصور في ذاته كما هو شائع في الاعتباريّات ؛ فإنّهم يقولون : إنّ الماهيّة البسيطة مركّبة من الأجزاء العقليّة ، ومعنى التركّب هو حصول الأجزاء في المركّب ، وليس للأجزاء العقليّة - كالجنس والفصل - حصول حقيقة في الماهيّة البسيطة ، بل حصولهما في الحقيقة إنّما هو في العقل ، لكن لمّا كان ذلك الحصول في العقل بسبب ملاحظته إيّاها من جهتين منها هما : جهتا ما به الاشتراك وما به الامتياز ، جعلوا حصولهما في العقل حصولا في الماهيّة ، واعتبروها مركّبة منهما في العقل ، وكذا الحال في الاعتبارات العرضيّة للماهيّات ، وكون ذاته تعالى العالمة بذاتها بالحيثيّة المذكورة كاف في صدور الأشياء عنه تعالى عن علم.

واستدعاء صدور النظام شيئا أزيد من الحيثيّة المذكورة ممنوع ، وكذا استدعاء علمه تعالى بالماهيّات - من حيث هي ماهيّات - ذلك ؛ فإنّ كونه تعالى عالما بشيء - من شأنه أن يحلّله العقل إلى ماهيّة ووجود - كاف في علمه تعالى بالماهيّة والوجود معا ، فليتفطّن.

وبهذا يمكن أن يوجّه ما مرّ في كلام ابن رشد من أنّ ذاته تعالى ليس شيئا أزيد من عقل (1) النظام ، فليتدبّر.

وممّا يؤيّد هذا التدقيق أنّ الغزاليّ في « التهافت » نقل مذهب الشيخ على أنّه قائل

ص: 234


1- في المصدر : « من تعقّل النظام ».

بكون ذاته تعالى علما تفصيليّا بجميع الأشياء وأنّه متفرّد من بين الفلاسفة بذلك ولم ينسب إليه القول بحصول الصور في ذاته ، وصدّقه ابن رشد في ذلك النقل (1) إلاّ أنّه جعله موافقا للفلاسفة في ذلك على ما مرّ ، فلو لا أنّ مراد الشيخ هو ما ذكرنا ، لما صحّ ذلك النقل وتصديقه فيه مع كون كتبه ورسائله مشحونة بحديث الصور على ما عرفت ، وعلى هذا يكون ما مرّ غير مرّة في كلام الشيخ - من أنّ اتّصافه تعالى بتلك الصور إنّما هو من حيث هي حاصلة فيه أو أنّها حاصلة فيه من ذاته لا من غيره وأمثال ذلك - إشارة إلى أنّ المراد من الحصول هاهنا ليس هو المعنى المشهور المتبادر ، بل هو معنى آخر ، فليتأمّل جدّا.

وهذا هو الكلام في العلم بالكلّيّات والطبائع المرسلة والجزئيّات المجرّدة ، وهذا العلم ثابت دائما غير متغيّر أصلا كالمعلوم.

[ في كيفيّة علمه تعالى بالجزئيّات الماديّة المتغيّرة ]

وأمّا العلم بالجزئيّات المادّيّة المبدعة والحادثة المتغيّرة ، فقد يكون أيضا دائما غير متغيّر وإن تغيّر المعلوم وذلك إذا كان العلم بها حاصلا من أسبابها وعللها المتأدّية إليها ، فيكون تعقّلا وغير محتاج إلى آلة ، وقد يكون متغيّرا ، فيكون حادثا بعد ما لم يكن ، وزائلا بعد ما كان ، وذلك إذا كان حاصلا من وجوداتها ، فيكون إحساسا ومحتاجا إلى آلة ، وعلم البارئ تعالى بالأشياء لمّا لم يجز أن يكون حاصلا له من وجودات الأشياء - لما عرفت - وجب أن يكون علمه بالجزئيّات حاصلا له من ذاته التي هي علّة للوجودات كلّها فينتهي إليها سلسلة العلل والأسباب ، فيكون تعقّلا ويكون ثابتا غير متغيّر أصلا وإن تغيّر المعلوم ؛ فإنّه تعالى يعلم كلاّ في وقته علما ثابتا قبل ذلك الوقت وفيه وبعده ، فيعلم وجوده بالأسباب المتأدّية إليه وعدمه بالأسباب المعدمة له ، ولا يتوقّف علمه بالوجود إلى حضور الآن والزمان الذي

ص: 235


1- انظر ص 190 - 191 من هذا الجزء.

يختصّ الوجود به ، ولا علمه بالعدم إلى حضور الآن والزمان الذي يختصّ به العدم ، فلا مدخل في علمه تعالى ماض ولا مستقبل ولا حال.

قال الشيخ في إلهيّات الشفاء : ولأنّه مبدأ كلّ وجود ، فيعقل من ذاته ما هو مبدأ له ، وهو مبدأ للوجودات (1) التامّة بأعيانها والوجودات (2) الكائنة الفاسدة بأنواعها أوّلا ، وبتوسّط ذلك بأشخاصها.

ومن وجه آخر لا يجوز أن يكون عاقلا لهذه المتغيّرات مع تغيّرها من حيث هي متغيّرة عقلا زمانيّا مشخّصا ، بل على نحو آخر نبيّنه ؛ فإنّه لا يجوز أن يكون تارة يعقل عقلا زمانيّا منها أنّها موجودة غير معدومة ، وتارة يعقل عقلا زمانيّا أنّها معدومة غير موجودة ، فيكون لكلّ واحد من الأمرين صورة عقليّة ولا واحدة من الصورتين تبقى مع الثانية ، فيكون واجب الوجود متغيّر الذات.

ثمّ الفاسدات إن عقلت بالماهيّة المجرّدة (3) وبما يتبعها ممّا لا يتشخّص ، لم تعقل بما هي فاسدة.

وإن أدركت بما هي مقارنة لمادّة وعوارض مادّة ووقت وتشخّص وتركيب ، لم تكن معقولة ، بل هي محسوسة أو متخيّلة ، ونحن قد بيّنّا في كتب أخرى أنّ كلّ صورة لمحسوس وكلّ صورة خياليّة فإنّما تدرك من حيث هي محسوسة ومتخيّلة بآلة متجزّئة ، وكما أنّ إثبات كثير من الأفاعيل للواجب الوجود نقص له ، كذلك إثبات كثير من التعقّلات ، بل الواجب الوجود إنّما يعقل كلّ شيء على نحو كلّيّ ، ومع ذلك فلا يعزب عنه شيء شخصيّ ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض. وهذا من العجائب التي يحوج تصوّرها إلى لطف قريحة (4).

ثمّ أشار إلى بيان النحو الآخر الذي عليه يجب أن يكون تعقّله لهذه المتغيّرات ،

ص: 236


1- في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « الموجودات ».
2- في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « الموجودات ».
3- في « شوارق الإلهام » : « المجرّدة بما ».
4- « الشفاء » الإلهيّات : 359 ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.

فقال : وأمّا كيفيّة ذلك ، فلأنّه إذا عقل ذاته ، وعقل أنّه مبدأ كلّ موجود ، عقل أوائل الموجودات عنه وما يتولّد عنها ، ولا شيء من الأشياء يوجد إلاّ وقد صار من جهة ما يكون (1) واجبا بسببه وقد بيّنّا هذا ، فتكون هذه الأسباب تتأدّى بمصادماتها إلى أن توجد عنها الأمور الجزئيّة ، فالأوّل يعلم الأسباب ومطابقاتها ، فيعلم ضرورة ما يتأدّى إليها ، وما بينها من الأزمنة ، وما لها من العودات ؛ لأنّه ليس يمكن أن يعلم تلك ولا يعلم هذا ، فيكون مدركا للأمور الجزئيّة من حيث هي كلّيّة ، أعني من حيث لها صفات. وإن تخصّصت بها شخصا ، فبالإضافة إلى زمان متشخّص ، أو حال متشخّصة لو أخذت تلك الحال بصفاتها ، كانت أيضا بمنزلتها ، لكنّها تستند إلى مبادئ ، كلّ واحد منها نوعه في شخصه ، فيستند (2) إلى أمور شخصيّة ، وقد قلنا : إنّ مثل هذا الاستناد قد يحصل للشخصيّات رسما ووضعا (3) مقصورا عليها (4) و (5).

ثمّ أورد لذلك مثالا ، فقال :

« كما أنّك تعلم حركات السماويّات كلّها ؛ فأنت تعلم كلّ كسوف وكلّ اتّصال وكلّ انفصال جزئيّ يكون ، بعينه ، ولكنّه على نحو كلّيّ ؛ لأنّك تقول في كسوف ما : إنّه كسوف يكون بعد زمان حركة يكون لكذا من كذا شماليّا نصفيّا ينفصل القمر منه إلى مقابله كذا ، ويكون بينه وبين كسوف مثله سابق له أو متأخّر عنه مدّة كذا ، وكذلك بين حال الكسوفين الآخرين حتّى (6) لا تقدّر عارضا من عوارض تلك الكسوفات إلاّ علمته ، ولكنّك علمته كلّيّا ؛ لأنّ هذا المعنى يجوز أن يحمل على كسوفات كثيرة كلّ واحد منها يكون حاله تلك الحال ، لكنّك تعلم بحجّة ما أنّ ذلك

ص: 237


1- كلمة « يكون » ليست في « الشفاء ».
2- كذا ، والأولى : « تستند ».
3- في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « رسما ووصفا ».
4- في الطبعة الحجريّة من « الشفاء » : « مقصودا عليها ».
5- « الشفاء » الإلهيّات : 359 - 360 ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.
6- في « شوارق الإلهام » : « حتّى لا نتصوّر ».

الكسوف لا يكون إلاّ واحدا بعينه.

وهذا لا يدفع الكلّيّة إن تذكّرت ما قلناه قبل ، ولكنّك مع هذا كلّه لم يجز أن تحكم في هذا الآن بوجود هذا الكسوف أولا وجوده إلاّ أن تعرف جزئيّات الحركات بالمشاهدة الحسّيّة (1).

ثمّ قال : فإن منع مانع أن يسمّى هذا معرفة للجزئيّ من جهة كلّيّة ، فلا مناقشة معه ؛ فإنّ غرضنا الآن في غير ذلك ، وهو في تعريفنا أنّ الأمور الجزئيّة كيف تعلم وتدرك علما وإدراكا يتغيّر معهما العالم ، وكيف تعلم وتدرك علما واحدا وإدراكا لا يتغيّر معهما العالم ؛ فإنّك إذا علمت أمر الكسوفات كما توجد أنت ، أو لو كنت موجودا دائما ، كان لك علم لا بالكسوف المطلق ، بل بكلّ كسوف كائن ، ثمّ كان وجود ذلك الكسوف وعدمه لا يغيّر منك أمرا ؛ فإنّ علمك في الحالين يكون واحدا ، وهو أنّ يكون كسوفا له وجود بصفات كذا بعد كسوف كذا ، أو بعد وجود الشمس في الحمل كذا ، في مدّة كذا ، ويكون بعد كذا ، وبعده كذا ، ويكون هذا القصد (2) منك صادقا قبل ذلك الكسوف ومعه وبعده ، فأمّا إن أدخلت الزمان في ذلك ، فعلمت في آن مفروض أنّ هذا الكسوف ليس بموجود ، ثمّ علمت في آن آخر أنّه موجود ، لم يبق علمك ذلك عند وجوده ، بل كان يحدث علم آخر ، ويكون فيك التغيّر الذي أشرنا إليه ، ولم يصحّ أن تكون في وقت الانجلاء على ما كنت قبل الانجلاء وأنت زمانيّ وآنيّ ، والأوّل الذي لا يدخل في زمان وحكمه ، فهو بعيد أن يحكم حكما في هذا الزمان ، وذلك الزمان من حيث هو فيه ومن حيث هو حكم جديد أو معرفة جديدة (3).

وقال في « الإشارات » : الأشياء الجزئيّة قد تعقل كما تعقل الكلّيّات من حيث

ص: 238


1- « الشفاء » الإلهيّات : 360.
2- في « شوارق الإلهام » و « الشفاء » : « العقد » بدل « القصد ».
3- « الشفاء » الإلهيّات : 361 - 362 ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.

تجب بأسبابها منسوبة إلى مبدأ نوعه (1) في شخصه يتخصّص (2) به كالكسوف الجزئي ؛ فإنّه يعقل وقوعه بسبب توافي أسبابه الجزئيّة وإحاطتها بها ، ويعقلها ، كما يعقل الكلّيّات (3) ، وذلك غير الإدراك الجزئيّ الزمانيّ لها الذي يحكم أنّه وقع الآن أو قبله ، أو يقع بعده ، بل مثل أن يعقل أنّ كسوفا جزئيا يعرض عند حصول القمر وهو جزئيّ ما ، في وقت كذا وهو جزئيّ ما ، في مقابلة كذا ، ثمّ ربما وقع ذلك الكسوف ولم يكن عند العاقل إحاطة بأنّه وقع أو لم يقع وإن كان معقولا له على النحو الأوّل ؛ لأنّ هذا إدراك آخر جزئيّ يحدث مع حدوث المدرك ويزول مع زواله ، وذلك الأوّل يكون ثابتا الدهر كلّه وإن كان علما بجزئيّ ؛ فإنّ العاقل يغفل أنّه بين كون القمر في موضع كذا وبين كونه في موضع كذا يكون كسوف معيّن في وقت من زمان أوّل الحالين محدود عقله (4) ، وذلك أمر ثابت قبل كون الكسوف ومعه وبعده (5).

ثمّ قسّم الصفات للأشياء ، ومحصّل القسمة أنّ من الصفة ما يتغيّر بتغيّرها الموصوف ، ومنها ما لا يتغيّر بتغيّرها الموصوف ، فالثاني لا يكون متقرّرا في ذات الموصوف مثل كونك يمينا وشمالا ، والأوّل يكون متقرّرا في ذات الموصوف ، وهذه إمّا أن لا يلزمها إضافة إلى غير الموصوف وهي الصفة الحقيقيّة المحضة مثل السواد والبياض ، وإمّا أن يلزمها إضافة إلى غيره. وهذه على قسمين : ما لا يتغيّر بتغيّر المضاف إليه ، وما يتغيّر بتغيّره.

فالأوّل كالقدرة ؛ فإنّها هيئة ما للذات ، بسببها يصحّ أن يصدر عن تلك الذات فعل

ص: 239


1- أي ينحصر في شخصه.
2- في المصدر : « يتشخّص ».
3- في المصدر : « وإحاطته بها وتعقّلها كما تعقل الكلّيّات ». وفي « الإشارات والتنبيهات » : « وإحاطة العقل بها أو تعقّلها كما تعقل الكلّيات ».
4- في « الإشارات والتنبيهات » : « ذلك » بدل « وذلك ».
5- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 307 - 308.

وهي تقتضي كون القادر مضافا إلى مقدور عليه ولا يتغيّر بتغيّر المضاف إليه ؛ فإنّ القادر على تحريك زيد لا يصير غير قادر في ذاته عند انعدام زيد ، ولكن يتغيّر إضافته تلك ؛ فإنّه حينئذ لا يكون قادرا على تحريك زيد وإن كان قادرا في ذاته.

والسبب في ذلك أنّ القدرة تستلزم الإضافة إلى أمر كلّيّ لزوما أوّليّا ذاتيّا ، وإلى الجزئيّات التي تقع تحت ذلك الكلّيّ لزوما ثانيا غير ذاتيّ ، بل بسبب ذلك الكلّيّ ، والأمر الكلّيّ الذي يتعلّق الصفة به لا يمكن أن يتغيّر ، فلأجل ذلك لا يتطرّق التغيّر إلى الصفة.

وأمّا الجزئيّات ، فقد تتغيّر ولتغيّرها يتغيّر الإضافات الجزئيّة العرضيّة المتعلّقة بها.

والثاني كالعلم ؛ فإنّه صورة متقرّرة في العالم تقتضيه الإضافة إلى معلومه ، ويتغيّر بتغيّر المعلوم ؛ فإنّ العالم بكون زيد في الدار يتغيّر علمه بخروجه عن الدار ؛ وذلك لأنّ العالم يستلزم الإضافة إلى معلومه المعيّن ، ولا يتعلّق بغير ذلك المعلوم بعين التعلّق الأوّل ، بخلاف القدرة ؛ فإنّ القدرة تتعلّق بالمقدور الكلّيّ أوّلا ، وبسببه بالمقدور الجزئيّ الذي يقع تحت ذلك الكلّيّ ثانيا. أمّا العلم ، فإنّه إذا تعلّق بالكلّيّ ، فلا يتعلّق بالجزئيّ الذي يقع تحت ذلك الكلّيّ البتّة إلاّ إذا استؤنف العلم وتجدّد وتعلّق بذلك الجزئيّ تعلّقا آخر ، مثلا العلم بأنّ الحيوان جسم لا يقتضي بانفراده العلم بكون الإنسان جسما ما لم يقترن إلى ذلك علم آخر هو العلم بكون الإنسان حيوانا فإذن العلم بكون الإنسان جسما علم مستأنف له إضافة مستأنفة وهيئة جديدة للنفس ، لها إضافة جديدة غير العلم بكون الحيوان جسما وغير هيئة تحقّق ذلك العلم.

ويلزم من ذلك أن يختلف حال الموصوف بالصفة التي تكون من هذا القسم باختلاف حال الإضافات المتعلّقة بها ، لا في الإضافات ، بل في نفس تلك الصفة (1).

ص: 240


1- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 311 - 314.

ثمّ بعد تمهيد ذلك قال ما محصّله : أنّ كلّ ما لا يكون موضوعا للتغيّر لا يجوز أن تتبدّل صفاته المتقرّرة المحضة ، ولا صفاته المتقرّرة المتعلّقة بالإضافة ، التي تتغيّر بتغيّر الإضافة ويجوز أن تتبدّل إضافاته اللازمة لصفاته المتقرّرة التي لا تتغيّر بتغيّر تلك الإضافات ، ولا محالة يكون ذلك في إضافات بعيدة لازمة لزوما ثانيا ، ولا يمكن أن يكون في إضافات قريبة لازمة لزوما أوّليا ؛ فإنّ التغيّر فيهما يقتضي التغيّر في نفس تلك الصفات ، وكذا يجوز أن يتبدّل إضافاته المحضة وهو ظاهر (1).

ثمّ قال : الواجب الوجود يجب أن لا يكون علمه بالجزئيّات علما زمانيّا حتّى يدخل فيه الآن والماضي والمستقبل ، فيعرض لصفة ذاته أن يتغيّر ، بل يجب أن يكون علمه بالجزئيّات على الوجه المقدّس العالي على الزمان والدهر (2).

وقال في التعليقات : « العالم إنّما يصير مضافا إلى الشيء المعلوم بهيئة تحصل في ذاته ، وليس الحال في العالميّة كالحال في التيامن والتياسر الذي إذا تغيّر الأمر الذي كان متيامنا ومتياسرا ، ولم يتغيّر هيئة فيمن كانت له هذه الإضافة إلاّ نفس هذه الإضافة أعني التيامن ؛ فإنّ الإضافة قد تكون في المضاف والمضاف إليه كالعاشق والمعشوق ، والعلم والمعلوم ، وقد لا تكون بهيئة كالحال في التيامن ؛ فإنّ العلم يبطل ببطلان هيئة كانت الإضافة بينه وبين المعلوم بسببهما (3) والتيامن لا يبطل منه هيئة ، ثمّ يبطل ببطلانه التيامن ، والإضافة بالحقيقة عارضة لتلك الهيئة التي في العالم والعاشق لا أنّ تلك الهيئة هي نفس الإضافة (4).

ثمّ قال : فالعلم ليس هو وجود المعلوم في ذاته ؛ إذ ليس وجود الشيء في ذاته سببا لحصول العلم ، وإلاّ لم يكن علم بالمعدوم ، بل العلم وجود هيئة في ذات العالم ،

ص: 241


1- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 314 - 315.
2- نفس المصدر.
3- في « شوارق الإلهام » : « نسبتها ».
4- « التعليقات » : 13.

فالشيء إذا كان معلوما ثمّ يصير لا معلوما فلحالة تتغيّر في العالم لا لنفس الإضافة مطلقة ، فواجب الوجود لو كان علمه زمانيّا - أعني زمانا مشارا إليه حتّى يعلم أنّ الشيء الفلانيّ في هذا الوقت غير موجود وغدا يكون موجودا - كان علمه متغيّرا ؛ فإنّه كما أنّ هذا الشيء غير موجود الآن ويصير موجودا غدا كذلك العالم به إمّا أن يعلمه كذلك فيكون متغيّرا ، وإمّا أن يكون علمه غدا كعلمه في هذا اليوم فلا يكون علما ؛ فإنّه يكون محالا ، أو لا يكون علمه غدا كعلمه في هذا اليوم بل قد يتغيّر.

وأمّا أنّه كيف يكون علمه فهو أن يكون بسبب ، أعني أن يكون يعرف الموجودات كلّها على وجه كلّيّ ، وإذا كانت الأشياء كلّها واجبة عنده إلى أقصى الوجود ، فإنّه يعرفها كلّها ؛ إذ كلّها من لوازمه ولوازم لوازمه ، وإذا علم أنّه كلّما كان كذا ، كان كذا أعني جزئيا آخر ، ويكون هذه الجزئيّات مطابقة لهذا الحكم ، يكون قد عرف الجزئيّات على الوجه الكلّيّ الذي لا يتغيّر ، الذي يمكن أن يتناول أيّ جزئيّ كان ، لا هذا المشار إليه (1).

ثمّ قال : ومثال هذا أنّ منجّما يعلم أنّ الكوكب الفلانيّ كان أوّلا في الدرجة الفلانيّة فصار إلى الدرجة الفلانيّة ، ثمّ بعد كذا ساعة قارن الكوكب الفلانيّ ، ثمّ دخل بعد كذا ساعة في ذلك الكسوف ، ثمّ بقي بعد كذا ساعة في ذلك الكسوف ، ثمّ فارق الشمس وانجلى ، وقد يكون قد عرف كلّ ذلك بأسبابه ، ولا يكون قد عرف أنّ هذا الكوكب في هذه الساعة في الدرجة الفلانيّة حتّى يكون الساعات التي بعدها مستندة إلى هذه المشار إليها ، ويتغيّر علمه بحسب تغيّر الأحوال وتجدّدها ، فإذا عرف على الوجه الذي ذكرناه - أعني بالسبب - كان حكمه في اليوم وغدا وأمس حكما واحدا والعلم لا يتغيّر ؛ فإنّه صحيح « دائما في هذا الوقت وفيما قبله وفيما بعده أنّ الكوكب الفلانيّ كذا ساعة يقارن الكوكب الفلانيّ.

ص: 242


1- « التعليقات » : 13 - 14.

فأمّا إن قال : إنّ الكوكب الفلانيّ في هذا الوقت الفلانيّ - المشار إليه المستفاد علمه من خارج - مقارن للكوكب الفلانيّ وغدا مقارن لكوكب آخر ، فإنّه إذا جاء الغد بطل الحكم الوقتيّ والعلم الوقتيّ.

فإذن الفرق بين العلمين ظاهر ، فواجب الوجود علمه على الوجه الكلّيّ علم لا يعزب عنه مثقال ذرّة ، وهذا الكسوف الشخصيّ وإن كان معقولا على الوجه الكلّيّ ؛ إذ قد علم بأسبابه ، والمعقول فيه بحيث يجوز حمله على كسوفات كثيرة كلّ واحد منها حاله حال هذا الكسوف ، فإنّ الأوّل تعالى يعلم أنّه مشخّص في الوجود وعلمه محيط بوحدانيّته ، فإنّه إن لم يعرف وحدانيّته لم يعرفه حقّ المعرفة ، وكذلك نظام الموجودات عنه وإن عرفه على وجه كلّيّ بحيث يكون معقوله يجوز حمله على كثيرين ، فإنّه يعلم أنّه واحد ، وكذلك يعلم أنّ العقل الفعّال واحد وإن كان عقله على وجه كلّيّ ، وعلمه بأنّ هذا الكسوف شخصيّ لا يرفع (1) المعقول الكلّيّ.

والعلم ما يكون بأسباب ، والمعرفة ما يكون بمشاهدة ، والعلم لا يتغيّر البتّة وإن كان جزئيّا ؛ فإنّ علمنا بأنّ الكسوف غدا يكون مركّبا من علم ومشاهدة ، ولو كان غدا لم يكن مشارا إليه ، بل كان معلوما بأسبابه لم يكن إلاّ علما كلّيّا ، ولم يكن يجوز أن يتغيّر ، ولم يكن زمانيّا ؛ فإنّ كلّ علم لا يعرف بالإشارة وبالاستناد إلى شيء مشار إليه كان بسبب ، والعلم بالمسبّب لا يتغيّر ما دام السبب موجودا ، لكنّ العلم الذي يتغيّر هو أن يكون مستفادا من وجود الشيء ومشاهدته ، فواجب الوجود تعالى منزّه عن ذلك ؛ إذ لا يعرف الشيء من وجوده ، فيكون علمه زمانيا ومستحيلا ومتغيّرا ، ولو كنّا نعرف حقيقة واجب الوجود وما يوجبه ذاته من صدور اللوازم كلّها عنه لازما بعد لازم إلى أقصى الوجود ، لكنّا نحن أيضا نعلم الأشياء بأسبابها ولوازمها ، وكان علمنا أيضا لا يتغيّر ، وإذا كان هو يعقل ذاته وما يوجبه ذاته ، فيجب

ص: 243


1- في « التعليقات » : « لا يدفع ».

أن يكون علمه كلّيّا بأسباب الشيء ولوازمه ، فلا يتغيّر (1). انتهى.

واعلم أنّه كما أنّه من هذا الطريق بتصحّح العلم بالجزئيّات المتغيّرة ، كذلك يتصحّح العلم بالجزئيّات المتشكّلة أيضا ؛ فإنّ إدراك المتشكّلات - إذا لم يكن من سبيل الجزئيّة المستندة إلى الإشارة والإحساس ، بل من سبيل التخصيص بصفات مستندة إلى مبدأ نوعه في شخصه - لا يستدعي الانطباع في آلة جسمانيّة.

واعلم أيضا أنّه لا يخرج من هذا الطريق عن إحاطة علمه تعالى شيء جزئيّ ، بل نفي علمه تعالى عن الجزئيّات على وجه الجزئيّة عبارة عن نفي الإحساس بها عنه تعالى كما هو الظاهر ، بل الصريح من كلام الشيخ ، ولا يلزم من نفي الإحساس بالشيء نفي العلم به.

فلا وجه لما أورده المصنّف في شرح الإشارات على الشيخ من أنّ : هذه السياقة قد تشبه سياقة الفقهاء في تخصيص بعض الأحكام بأحكام يعارضها في الظاهر ، وذلك لأنّ الحكم بأنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول إن لم يكن كلّيا ، لم يمكن أن يحكم بإحاطة الواجب بالكلّ ، وإن كان كلّيّا وكان الجزئيّ المتغيّر من جملة معلولاته ، أوجب ذلك الحكم أن يكون عالما به لا محالة ، فالقول بأنّه لا يجوز أن يكون عالما به ؛ لامتناع كون الواجب موضوعا للتغيّر تخصيص لذلك الحكم الكلّيّ بحكم آخر عارضه في بعض الصور ، وهذا دأب الفقهاء ومن يجري مجراهم ، ولا يجوز أن تقع أمثال ذلك من المباحث المعقولة ؛ لامتناع تعارض الأحكام فيها.

فالصواب أن يؤخذ بيان هذا المطلب من مأخذ آخر ، وهو أن يقال : العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول ، ولا يوجب الإحساس به ، وإدراك الجزئيّات المتغيّرة من حيث هي متغيّرة لا يمكن إلاّ بالآلات الجسمانيّة كالحواسّ وما يجري مجراها والمدرك بذلك الإدراك يكون موضوعا للتغيّر لا محالة. أمّا إدراكها على الوجه

ص: 244


1- « التعليقات » : 14 - 15.

الكلّيّ ، فلا يمكن إلاّ بالعقل ، والمدرك بهذا الإدراك يمكن أن لا يكون موضوعا للتغيّر ، فإذن الواجب الأوّل وكلّ ما لا يكون موضوعا للتغيّر ، بل كلّ ما هو عاقل يمتنع أن يدركها من جهة ما هو عاقل على الوجه الأوّل ، ويجب أن يدركها على الوجه الثاني (1). انتهى كلام شرح الإشارات.

وأنت بما نبّهنا عليه خبير بما فيه. هذا تصحيح العلم بالجزئيّات المتغيّرة على القول بارتسام الصور في ذاته تعالى بالمعنى الذي حقّقناه.

وأمّا تصحيحه على القول بالعلم الحضوريّ ، فواضح ؛ فإنّه لمّا لم يكن العلم مستدعيا لارتسام الصور في ذاته تعالى ، لم يكن تغيّر المعلوم موجبا لتغيّر ما هو صفة حقيقيّة له تعالى ، بل يتغيّر إضافة بينه وبين معلومه وهو جائز اتّفاقا.

وإلى هذا أشار المصنّف - قدس سره - بقوله : ( وتغيّر الإضافات ممكن ).

وقال في شرح رسالة العلم : وأمّا علم البارئ بالجزئيّات ، ففيه خلاف بين المتكلّمين والفلاسفة ؛ وذلك أنّ المتكلّمين قالوا : إنّ البارئ تعالى يعلم الحادث اليوميّ على الوجه الذي يعلم أحدنا أنّه موجود في هذا الوقت ولم يكن موجودا قبله ويمكن أن يوجد بعده أو لا يمكن ، ثمّ إذا تنبّهوا بوجوب تغيّر العلم بالمتغيّرات حسب تغيّرها ، التزم بعضهم جواز التغيّر في صفات اللّه تعالى ، أو في بعضها ، فقال القائلون بالإضافات فقط : إنّ تغيّر الإضافات في اللّه تعالى جائز عند جميع العقلاء كالخالقيّة والرازقيّة والإضافة إلى كلّ شخص.

وقال غيرهم : يجوز أن يكون ذاته محلاّ للحوادث كما جوّز طائفة من الحكماء كونه محلاّ للحوادث ، قابلا لصور المعلومات غير المتغيّرة. ومن لم يجوّز التغيّر في صفاته تعالى ، عاند في هذا الموضع ، وأنكر التغيّر أصلا وقال : العلم بما سيوجد هو العلم بوجوده حين وجوده » إلى أمثال ذلك من التمسّكات الواهية.

ص: 245


1- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 316.

وأمّا الحكماء ، فالظاهريّون من المنتسبين قالوا : إنّه تعالى عالم بالجزئيّات على الوجه الكلّيّ لا على الوجه الجزئيّ ، فقيل لهم : لا يمكن أن ينكر وجود الجزئيّات على وجه الجزئيّة المتغيّرة ، وكلّ موجود فهو في سلسلة الحاجة إلى البارئ تعالى الذي هو مبدؤه وعلّته الأولى ، وعندكم أنّ العلم التامّ بالعلّة التامّة يستلزم العلم التامّ بمعلولها ، وأنّ علم البارئ تعالى بذاته أتمّ العلوم ، فأنتم بين أن تعترفوا بعلمه تعالى بالجزئيّات على وجه الجزئيّة المتغيّرة ، وبين أن تقرّوا بانثلام إحدى المقدّمات المذكورة ؛ إذ من الممتنع أن يستثنى من الأحكام الكلّيّة العقليّة بعض جزئيّاتها الداخلة فيها ، كما يستثنى في الأحكام النقليّة بعضها ؛ لتعارض الأدلّة السمعيّة ، فهذه هي المذاهب المشهورة.

وأمّا التحقيق في هذا الموضع فيحتاج - كما تقدّم - إلى لطف قريحة.

ثمّ قال - بعد تمهيد مقدّمة محصّلها : أنّ الكثرة العدديّة إمّا أن تكون آحادها غير قارّة ، أو تكون قارّة.

والأوّل : لا يمكن أن يوجد إلاّ مع زمان ، أو في زمان ؛ لأنّ العلّة الأولى للتغيّر على هذا الوجه في الوجود هو الموجود غير القارّ لذاته الذي يتصرّم ويتجدّد على الاتّصال وهو الزمان.

والثاني : لا يمكن أن يوجد إلاّ في مكان ، أو مع مكان ؛ لأنّ العلّة الأولى للكثرة على هذا الوجه إنّما هو الموجود الذي يقبل الوضع لذاته ويلزمه التجزّؤ بأجزاء مختلفة الأوضاع وكلّ موجود يكون شأنه ذلك فهو مادّي ، فالطبائع إذا تحصّلت في أشخاص كثيرة ، يكون الأسباب الأولى لتعيّن أشخاصها إمّا الزمان كما للحركات ، أو المكان كما في الأجسام ، أو كليهما كما في الأشخاص المتغيّرة المتكثّرة الواقعة تحت نوع من الأنواع. وما لا يكون زمانيّا ولا مكانيّا فلا يتعلّق بهما ، ويتنفّر العقل من استناده إليهما كما إذا قيل : الإنسان من حيث طبيعته الإنسانيّة متى يوجد؟ أو أين يوجد؟ أو كون الخمسة نصف العشرة في أيّ زمان يكون؟ أو في أيّ بلدة

ص: 246

يكون؟ بل إذا تعيّن شخص منهما - كهذا الإنسان أو هذه الخمسة والعشرة - فقد يتعلّق بهما بسبب تشخّصهما - بهذه (1) العبارة : فنعود إلى المقصود ونقول : إذا كان المدرك متعلّقا بزمان أو مكان ، فإنّما يكون هذه الإدراكات منه بآلة جسمانيّة لا غير كالحواسّ الظاهرة والباطنة أو غيرها ؛ فإنّه يدرك المتغيّرات الحاضرة في زمانه ، ويحكم بوجودها ، ويفوته ما يكون وجوده في زمان غير ذلك الزمان ، ويحكم بعدمه ، بل يقول : إنّه كان ، أو سيكون ، وليس الآن ، ويدرك المتكثّرات التي يمكن له أن يشير إليها ، ويحكم عليها بأنّها في أيّ جهة منه ، وعلى أيّ مسافة إن بعدت عنه.

وأمّا المدرك الذي لا يكون كذلك ، ويكون إدراكه تامّا ، فإنّه يكون محيطا بالكلّ ، عالما به بأنّ أيّ حادث يوجد في أيّ زمان من الأزمنة وكم يكون من المدّة بينه وبين الحادث الذي يتقدّمه أو يتأخّر منه ، ولا يحكم بالعدم على شيء من ذلك بل بدل ما يحكم المدرك الأوّل بأنّ الماضي ليس موجودا في الحال يحكم هو بأنّ كلّ موجود في زمان معيّن لا يكون موجودا في غير ذلك الزمان من الأزمنة التي تكون قبله أو بعده ، ويكون عالما بأن كلّ شخص في أيّ جزء يوجد من المكان ، وأيّ نسبة يكون بينه وبين ما عداه ممّا يقع في جميع جهاته ، وكم الأبعاد بينهما جميعا على الوجه المطابق للوجود ، ولا يحكم على شيء بأنّه موجود الآن أو معدوم ، أو موجود هناك أو معدوم ، أو حاضر أو غائب ؛ لأنّه ليس بزمانيّ ولا مكانيّ ، بل نسبة جميع الأزمنة والأمكنة إليه نسبة واحدة.

وإنّما يختصّ بالآن ، أو بهذا المكان ، أو ذاك المكان ، أو بالحضور والغيبة ، أو بأنّ هذا الجسم قدّاميّ أو خلفيّ أو تحتيّ أو فوقيّ من يقع وجوده في زمان معيّن ومكان معيّن ، وعلمه تعالى بجميع الموجودات أتمّ العلوم وأكملها ، وهذا هو المعنيّ بالعلم بالجزئيّات على الوجه الكلّيّ ، وإليه أشير بطيّ السماوات التي هي جامعة

ص: 247


1- أي : ثمّ قال بعد تمهيد مقدّمة ... بهذه العبارة.

الأمكنة والأزمنة كلّها كطيّ السجلّ للكتب ؛ فإنّ القارئ للسجلّ يتعلّق نظره بحرف حرف على الولاء ، ويغيب عنه ما تقدّم نظره إليه أو تأخّر عنه.

أمّا الذي بيده السجلّ مطويّا فيكون نسبته إلى جميع الحروف نسبة واحدة لا يفوته شيء منها.

وظاهر أنّ هذا النوع من الإدراك لا يمكن إلاّ لمن يكون غير زمانيّ وغير مكانيّ ، ويدرك لا بآلة من الآلات ولا بتوسّط شيء من الصور ، ولا يمكن أن يكون شيء من الأشياء - كلّيّا أو جزئيّا ، على أيّ وجه كان - إلاّ وهو عالم به ، فلا يسقط من ورقة إلاّ يعلمها ، ولا حبّة في ظلمات الأرض ، ولا رطب ولا يابس إلاّ وجميعها يثبت عنده في الكتاب المبين ، الذي هو دفتر الوجود من كلّ شيء ممّا مضى أو حضر أو يستقبل أو يوصف بهذه الصفات على أيّ وجه كان.

أمّا العلم بالجزئيّات على الوجه الجزئيّ المذكور ، فهو إنّما يصحّ لمن يدرك إدراكا حسّيّا بآلة جسمانيّة في وقت معيّن (1).

وكما ترى أنّ البارئ تعالى يقال (2) : إنّه عالم بالمذوقات والمشمومات والملموسات ، ولا يقال (3) : إنّه ذائق أو شامّ أو لامس ؛ لأنّه منزّه عن أن يكون له حواسّ جسمانيّة ولا يثلم ذلك في تنزيهه تعالى ، بل يؤكّده ، فكذا نفي العلم بالجزئيّات المشخّصة على الوجه المدرك بالآلات الجسمانيّة عنه لا يثلم في تنزيهه بل يؤكّده ، ولا يوجب ذلك تغيّرا في ذاته الوحدانيّة ولا في صفاته الذاتيّة التي تدركها العقول [ و ] إنّما يوجب التغيّر في معلولاته (4) والإضافات بينه وبينها فقط ، فهذا ما عندي من التحقيق في هذا الموضع (5). انتهى كلام المصنّف في شرح الرسالة.

ص: 248


1- في المصدر و « شوارق الإلهام » : « في وقت معيّن ومكان معيّن ».
2- كذا ، والأصحّ : « يقال له » و « لا يقال له ».
3- كذا ، والأصحّ : « يقال له » و « لا يقال له ».
4- في المصدر و « شوارق الإلهام » : « في معلوماته ومعلولاته ».
5- « شرح مسألة العلم » : 38 - 41.

وأقول : على القول بالعلم الحضوريّ لا حاجة إلى ذلك التطويل ، ولا إلى الفرق بين من تعلّق بزمان ومكان ، ومن لم يتعلّق بهما ؛ فإنّ مناطه ليس إلاّ تحقّق الإضافة الحضوريّة ، ألا ترى أنّ صاحب الإشراق يرى الإبصار بالإضافة الإشراقيّة للنفس إلى المبصرات ، ويرى علمها بالبدن والقوى بالإضافة التسلّطيّة إليهما مع تعلّقهما بالزمان والمكان (1).

وهذه الإضافة الحضوريّة متحقّقة - على قولهم - بين البارئ تعالى ، وبين جميع معلولاته في أوقات وجوداتها.

ولا حاجة أيضا إلى كون نسبته تعالى إلى جميع الأزمنة واحدة في ذلك مع أنّ ذلك ليس من مذهبه ، وإلاّ فأيّ حاجة إلى الفرق بين المعلولات (2) القريبة والبعيدة بكون علمه تعالى بالأولى بحضور ذواتها العينيّة ، وبالثانية بحصول صورها في الأولى على ما عرفت من مذهبه؟ وحينئذ فلا حاجة أيضا إلى نفي حكمه تعالى بعدم شيء ممّا مضى أو يستقبل في الحال ، ولا فرق بينه وبين المدرك الأوّل في ذلك.

نعم ، أمثال ذلك إنّما تلائم مذهب من زعم أنّه ليس بالنسبة إليه تعالى ماض ولا حال ولا مستقبل ، بل نسبة جميع الأزمنة إليه تعالى كنسبة جميع الأمكنة ، وأنّه لا يتغيّر بالنسبة إليه تعالى شيء من الأشياء ، بل التغيّر إنّما هو فيما بينهما ، وبقياس بعضها إلى بعض ، كما مرّ في المباحث السابقة ، وقد قلنا هناك : إنّ هذا المذهب متوهّم من هذا الكلام من المصنّف. كيف؟ ولو كان مراد المصنّف ذلك ، لما صحّ منه ما ذكرناه ، ولما صحّ أن يحكم أنّ ذلك إنّما يوجب التغيّر في معلوماته ومعلولاته والإضافات التي بينه وبينها ؛ فإنّه إذا لم يكن التغيّر واقعا بالنسبة إليه تعالى ،

ص: 249


1- « المطارحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 484 - 487. وانظر « حكمة الإشراق » ضمن « مصنّفات شيخ الإشراق » 2 :1. 103.
2- في « شوارق الإلهام » : « بين المعلومات ».

لم يوجب تغيّر إضافته تعالى إليهما أيضا.

وبالجملة ، هذا الكلام من المصنّف ليس على ما ينبغي ، بل هو مناسب لمذهب القائلين بالعلم الحصوليّ ، ومأخوذ من كلام الشيخ وغيره من الحكماء في بيان كيفيّة علمه تعالى بالجزئيّات ، وأنّه لا يدخل في علمه تعالى ماض ومستقبل ولا حال ؛ لأنّ علمه تعالى ليس مستفادا من الأشياء ليمكن أن يدخل فيه شيء من ذلك حسب تعلّق الأشياء بالأزمنة الثلاثة ، بل علمه تعالى بالأشياء إنّما هو من ذاته المنزّهة عن الوقوع في شيء من الأزمنة ، وسابق بالذات على الأشياء ، فلا مجال لدخول شيء من الأزمنة فيه.

وكيف كان ، فظهر وثبت من تضاعيف ما ذكرناه في هذا المقام لمن تأمّل حقّ التأمّل أنّ الحقّ الحقيق بالتحقيق ، والقول الحريّ بالتصديق هو أنّ علمه تعالى بجميع الموجودات - الكلّيّة والجزئيّة والحادثة والقديمة - إنّما هو من ذاته تعالى في ذاته بحيث يطابقه الوجود ، وينطبق عليه النظام الموجود ، وهذا العلم هو سبب فيضان هذا النظام المعقول في الأشياء الموجودة من الأزل إلى الأبد في الطول والعرض ، فلا يعزب عن هذا العلم مثقال ذرّة في السماء ولا في الأرض سواء سمّي هذا العلم حصوليّا أو اتّحاديّا أو إجماليّا أو تفصيليّا بعد ما كان المراد من الحصول غير الحصول من الأشياء في ذاته ، ومن الاتّحاد غير الاتّحاد المعروف بين الاثنين الظاهر الاستحالة ، ومن الإجمال غير الذي فهمه المتأخّرون ، بل ما ذكرناه في تفسير كلام الشيخ المنقول من كتاب النفس ، ومن التفصيل غير التفصيل الذي تلزمه هذه الكثرة العارضة للموجودات على ما عرفت في كلام ابن رشد ، ولا يوجب تغيّر المعلوم تغيّر هذا العلم ؛ لكون العلم بالتغيّر غير مستفاد من الأشياء المتغيّرة ليلزم من تغيّرها تغيّره كما في علمنا بالجزئيّات المتغيّرة من طريق الحواسّ ، ومن سبيل الإشارة الحسّيّة على ما مرّ ، ولهذا - أعني لكون هذا العلم غير مستفاد من الأشياء - لا يصحّ كون هذا العلم حضوريا لو فرض كون حضور الأمر المباين كافيا في العلم

ص: 250

ولوجوب كون هذا العلم سببا لنظام جميع الموجودات لا يجوز أن يكون بالصور القائمة بذواتها أو بذات المعلول الأوّل ، وإلاّ لكانت هذه الصورة من جملة تلك الموجودات ، فيكون نظامها لا عن علم ، أو عن علم آخر ، ويتسلسل ، بل هذه الصورة هي عين ذاته تعالى من وجه ، وغير ذاته تعالى من وجه على ما مرّ في التكميل العرشي (1) ، أو عين ذاته تعالى حقيقة وغير ذاته تعالى اعتبارا على ما مرّ في التدقيق الإلهاميّ (2).

وممّا يدلّ على أنّ علمه تعالى لا يتفاوت قبل وجود الأشياء وبعدها ، وأنّه على حال واحد أزلا وأبدا لا يتغيّر بتغيّر المعلوم قبلا وبعدا - فلو كان علمه بحضور الأشياء أنفسها عنده بوجوداتها العينيّة ، لكان علمه تعالى بها عند وجوداتها أشدّ انكشافا ممّا كان قبلها على ما اعترفوا به وادّعوا الضرورة فيه سيّما والعلم قبل الإيجاد إجماليّ محض على زعم من ذهب منهم إليه - ما (3) رواه في الكافي عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سمعته يقول : كان اللّه ولا شيء غيره ، ولم يزل عالما بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه (4).

وعن أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسن علیه السلام يسأله عن اللّه عزّ وجلّ : أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها ، أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عند ما خلق وما كوّن عند ما كوّن؟ فوقّع بخطّه علیه السلام : لم يزل اللّه عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء (5).

ص: 251


1- انظر ص 230 وما بعدها من هذا الجزء. وكذا « شوارق الإلهام » :1. 542.
2- انظر ص 233 وما بعدها من هذا الجزء.
3- مبتدأ مؤخّر خبره قوله : « ممّا ».
4- « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ، ح 2.
5- نفس المصدر ، ح 4.

إلى غير ذلك ممّا روي عن أصحاب العصمة والطهارة ، من ورثة خير أهل الرسالة والسفارة ، صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين.

هذا آخر ما أردنا إيراده في شرح هذا المقام ، وتحقيق ذلك المرام ، واللّه تعالى وليّ الإنعام.

وأمّا قوله : ( ويمكن اجتماع الوجوب والإمكان باعتبارين ) فهو جواب عن إشكال على كونه تعالى عالما بالأمور المتجدّدة قبل وقوعها.

وتقريره : أنّها ممكنة لا محالة ؛ لحدوثها ، ويلزم على تقدير تعلّق علمه تعالى بها أن تكون واجبة أيضا ، وإلاّ لأمكن أن لا توجد ، فينقلب علمه تعالى جهلا ، وهو محال.

وتقرير الجواب : أنّها ممكنة لذواتها وواجبة لتعلّق علمه تعالى بها ، فيكون اجتماعهما باعتبارين ، وهو جائز.

فإن قيل : فيلزم وجوب صدور أفعال العباد عنه تعالى ، وهو ينافي كونها اختياريّة لهم ، كان الجواب ما مرّ في مسألة العلم من الأعراض ، وسيأتي من أنّ العلم تابع للمعلوم ، فلا يكون موجبا له ، ولا يلزم من وجوب الأمور المتجدّدة - لئلاّ ينقلب علمه تعالى جهلا - أن يكون وجوبها من العلم ؛ لجواز أن يكون ذلك لأسباب أخر كإرادة العبد في أفعاله على ما هو الحقّ كما سيأتي ، فتدبّر » (1).

المسألة الثالثة : في أنّه تعالى حيّ

اعلم أنّ الحياة - وهي عبارة عن صفة مصحّحة لاتّصاف الوجود (2) بالعلم والقدرة ؛ فإنّ الجسم بما هو جسم لا يصحّ أن يتّصف بهما ، وكذا الجماد من حيث هو جماد ، والنبات من حيث هو نبات. وأمّا الحيوان فهو من حيث إنّه حيوان يصحّ أن

ص: 252


1- « شوارق الإلهام » : 549.
2- في « أ » و « و» و « ز » : « الموجود ». وما أثبتناه من « ب » وهي النسخة التي عليها خطّ المصنّف.

يتّصف بهما بصفة مصحّحة للاتّصاف بهما ، وهي الحياة التي تقتضي الحسّ والحركة بشرط اعتدال المزاج اعتدالا نوعيّا ، فلا بدّ من البدن والروح الحيواني ، أعني الجسم اللطيف البخاريّ المتكوّن من لطائف الأخلاط المنبعث من التجويف الأيسر من القلب ، الساري إلى البدن في عروق نابتة من القلب.

والمراد هنا أنّ ذاته تعالى منشأ لصحّة اتّصافه بالعلم والقدرة ، كما أنّ غيره تعالى يتّصف بهما بسبب صفة زائدة على ذاته مسمّاة بالحياة ، فالحياة عبارة عن منشأ صحّة الاتّصاف بالعلم والقدرة ، وهي في الواجب تعالى عين الذات ، وفي الممكن صفة زائدة.

ودليل كونه تعالى حيّا أنّ المتّصف بالعلم والقدرة لا يمكن أن لا يكون حيّا وقد بيّنا اتّصافه تعالى بهما ، فيلزم اتّصافه بالحياة أيضا.

والدليل النقليّ على ذلك المطلب كثير ، كقوله تعالى : ( اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (1) ونحو ذلك ممّا سيأتي الإشارة إلى قليل منها.

وقال الفاضل اللاهيجي : « قد علم بالضرورة من الدين ، وثبت بالكتاب والسنّة ، وانعقد إجماع أهل الأديان ، بل جميع العقلاء على أنّ البارئ تعالى حيّ.

وليس المراد من الحياة ما هو من الكيفيّات النفسانيّة وهي صفة تقتضي الحسّ والحركة ، مشروطة باعتدال المزاج على ما مرّ في مباحث الأعراض ، بل صفة تصحّح الاتّصاف بالعلم والقدرة ، فالاتّصاف بالعلم والقدرة يدلّ ضرورة على صحّة الاتّصاف بها ، وهذا معنى قوله : ( وكلّ قادر عالم حيّ بالضرورة ).

والكلام في كون حياته تعالى صفة زائدة على ذاته تعالى ، أو عين ذاته كالكلام في سائر صفاته الثبوتيّة ، فعند الصفاتيّة (2) صفة زائدة على ذاته ، وعند غيرهم عين

ص: 253


1- البقرة (2) : 255 ؛ آل عمران (3) : 2.
2- هم الذين يثبتون لله تعالى صفات أزليّة من العلم والقدرة وغيرهما. انظر « الملل والنحل » للشهرستانيّ 1 : 92.

ذاته أو مرجعها (1) إلى السلب ، أي عدم استحالة كونه تعالى عالما قادرا ، أو هي نفس كونه قادرا عالما على ما قال الشيخ في الشفاء : إذا قال له : حيّ ، لم يعن إلاّ هذا الوجود العقليّ مأخوذا مع الإضافة إلى الكلّ المعقول أيضا بالقصد الثاني ؛ إذ الحيّ هو الدرّاك الفعّال (2). انتهى.

وقوله : « هذا الوجود العقليّ » أي ذاته المعقولة. وقوله : « مع الإضافة » أي الإضافة التي هي المبدئيّة للكلّ.

قال المصنّف قدس سره في « شرح رسالة العلم » : المسألة الخامسة عشرة في أنّ كونه حيّا هل يرجع إلى كونه عالما ، أو هو وصف زائد على ذلك؟

المستند في إثبات الحياة هو الذي ذكرناه وهو أنّ العقلاء قصدوا وصفه تعالى بالطرف الأشرف من طرفي النقيض ، ولمّا وصفوه تعالى بالعلم والقدرة ، ووجدوا كلّ ما لا حياة له ممتنع الاتّصاف بهما ، وصفوه بالحياة لا سيّما وهو أشرف من الموت الذي هو ضدّها عندهم.

ونعم ما قال عالم من أهل بيت النبوّة : هل سمّي عالما وقادرا إلاّ لأنّه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين ، وكلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم ، والبارئ تعالى واهب الحياة ، مقدّر الموت ، ولعلّ النمل الصغار تتوهّم أنّ لله تعالى زبانيين (3) [ ؛ فإنّ ذلك ] كمالها ؛ فإنّها تتصوّر أنّ عدمهما (4) نقصان لمن لا يكونان له هكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به فيما أحسب ، وإليه المفزع (5). انتهى (6).

ص: 254


1- في المصدر : « ومرجعها ».
2- « الشفاء » الإلهيّات : 238 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
3- في جميع النسخ والمصدر : « زبانيتين ». وما أثبتناه موافق لما في « الرواشح السماويّة ». وزبانيين تثنية زبانى. وزبانيا العقرب : قرناها.
4- في « علم اليقين » : « وتتصوّر أنّ عدمها ». وفي « بحار الانوار » : « ويتوهّم أنّ عدمها ».
5- « علم اليقين » 1 : 73 - 74 ؛ « بحار الأنوار » 66 : 292 - 293.
6- « شرح مسألة العلم » : 43. وانظر « شوارق الإلهام » : 549.
المسألة الرابعة : في إرادته تعالى

واعلم أنّ الإرادة في اللغة : المشيئة وقد اختلف في معناها الاصطلاحيّ ، فقيل : هي عبارة عن اعتقاد النفع - سواء يقينيا أو غيره - فالقادر الذي يكون نسبة قدرته إلى طرفي المقدور - أعني الفعل والترك - بالسويّة ، إذا اعتقد نفعا في أحد طرفيه ، يرجّح ذلك الطرف عنده ، وصار هذا الاعتقاد مع القدرة مخصّصا لوقوعه منه.

وقيل : هذا الاعتقاد هو المسمّى بالداعي إلى الفعل أو الترك. وأمّا الإرادة ، فهي ميل يعقب اعتقاد النفع ، كما أنّ الكراهة انقباض يعقب اعتقاد الضرر ؛ وذلك لأنّا كثيرا نعتقد نفعا في شيء ولا نريده إلاّ إذا أحدث فينا ميل بعد هذا الاعتقاد.

وردّ بأنّا لا نجعلها مجرّد اعتقاد النفع أو ظنّه ، بل نفع له أو لغيره ممّن يؤثر خيره بحيث يمكن وصول ذلك النفع إليه أو إلى غيره إذا لم يكن هناك مانع من تعب أو معارضة.

وما ذكر من الميل إنّما يحصل لمن لا يقدر على تحصيل ذلك الشيء قدرة تامّة كالشوق إلى المحبوب لمن لا يصل إليه. وأمّا القادر التامّ القدرة ، فيكفي فيه الاعتقاد المذكور.

وذهبت الأشاعرة - على ما حكي عنهم (1) - إلى أنّ الإرادة قد توجد بدون اعتقاد النفع أو ميل يتبعه ، فلا يكون شيء منهما لازما فضلا عن أن يكون نفسها ؛ فإنّ الهارب عن السبع إذا ظهر له طريقان متساويان في الإفضاء إلى المقصود يختار أحدهما باختياره من غير توقّف على ترجيح أحدهما لنفع يعتقده فيه ، ولا على ميل يتبعه ، بل يرجّح أحدهما على الآخر بمجرّد الإرادة ؛ إذ لا يخطر بباله طلب مرجّح ،

ص: 255


1- انظر « المحصّل » : 255 - 256 ؛ « شرح المواقف » 6 : 64 - 70 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 337 - 340.

ولهذا لم يتوقّف متفكّرا أصلا ، بل لا يخطر بباله سوى النجاة.

وكذلك العطشان إذا كان عنده قدحان متساويان من كلّ جهة.

وأجيب بأنّ المرجّح موجود وهو شاعر به وإن لم يكن شاعرا بأنّه شاعر لأجل الدهشة ؛ وذلك لأنّ الطبيعة تقتضي سلوك الطريق الذي على يساره ؛ لأنّ القوّة أكثر ، والقويّ يدفع الضعيف كما يشاهد فيمن يدور على عقبه.

وأمّا القدحان فيختار ما هو الأقرب إلى اليمين.

ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّ الهارب عن السبع ليس فيه إرادة وشعور أحيانا ، وفي صورة الشعور يرجّح أحد الطريقين ؛ لمرجّح يقتضيه.

وبالجملة ، فالإرادة على الأوّل عبارة عن العلم بالمصلحة أو المفسدة في الفعل أو الترك ، الذي يوجب الميل إلى أحدهما ، فمعنى كونه تعالى مريدا أنّه يفعل الأشياء بالقصد والشعور والإرادة والعلم بكونها ممّا فيه مصلحة.

والمشيئة عبارة عن الميل إلى أحدهما وطلبه.

والاختيار عبارة عن ترجيح الفعل أو الترك فيفعل أو يترك.

والثلاثة متلازمة الوجود بالنسبة إلى اللّه تعالى ؛ لأنّه تعالى غنيّ مطلق ، وقادر مطلق ، وفعل الأشياء وتركها منوطان إلى المصلحة والمفسدة الراجعتين إلى المخلوق ، فالعلم بالمصلحة المخصوصة بوقت يقتضي اختيار الفعل ؛ لعدم وجود المعارض والمنازع بالنسبة إليه تعالى واستحالة التردّد فيه تعالى بخلاف غيره تعالى ؛ فإنّه يمكن أن يعلم مصلحة شيء ولا يطلبه ، أو يطلبه ولا يختاره ؛ لعدم القدرة عليه.

وقد يحصل العلم بالمصلحة والمفسدة بعد التردّد وقد لا يحصل.

وكيف كان فإذا كان الإرادة من شعب العلم ، يكون وجه ثبوتها له تعالى ووجه كونها عين الذات ظاهرين ممّا مرّ ، مضافا إلى أنّ تخصيص بعض الممكنات بالوقوع دون بعض ، وفي بعض الأوقات دون بعض - مع استواء نسبته إلى الكلّ - لا بدّ له من

ص: 256

مخصّص غير خارج ؛ لئلاّ يلزم احتياج الواجب في فاعليّته إلى أمر منفصل ، وذلك المخصّص هو الإرادة.

ويظهر ممّا ذكر أنّه تعالى كاره ؛ لأنّ إرادة الشيء تستلزم كراهة ضدّه إن لم تكن نفسها ، مضافا إلى أنّه تعالى نهى العباد - بالنهي التنزيهي - عن المكروهات ، فهو تعالى يكون كارها لها ، فالكراهة من متفرّعات الإرادة ، وهذا في إرادة الواجب.

وأمّا إرادة الممكن ، فلها مراتب حاصلة بعد الخطور :

الأولى : الميل الحاصل من اعتقاد النفع.

والثانية : العزم الذي هو توطين النفس إلى أحد الأمرين بعد سابقة التردّد فيهما.

والثالثة : الجزم الحاصل بعد زوال التردّد بالكلّيّة.

ولا يستلزم شيء منها الفعل ؛ لإمكان أن يجزم بأنّه سيقصد الفعل وقد حصل زوال التردّد بالكلّيّة ؛ لزوال شرط من شرائط الفعل أو حدوث مانع من موانعه ، فلا يوجد الفعل ، فإذا لم يكن ذلك التوطين البالغ حدّ الجزم موجبا للفعل ، فالذي لم يبلغه كان أولى بعدم الإيجاب.

والرابعة : القصد ، وهي الإرادة المقارنة للفعل التي لم تنفكّ عنه ، فكلّ فعل اختياريّ للممكن مسبوق بالأحوال الخمسة ، بل الستّة إن قلنا بأنّ الشوق الحاصل من اعتقاد النفع المسمّى بالميل غير نفس ذلك الاعتقاد ، كما هو الظاهر.

والدليل النقليّ على ذلك قوله تعالى : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (1) وقوله تعالى : ( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) (2) ونحو ذلك.

وقال الفاضل اللاهيجي :

« الدليل على ثبوت الإرادة له تعالى - بعد ما اتّفق جميع أرباب العقول وأهل

ص: 257


1- يس (36) : 82.
2- هود (11) : 107 ؛ البروج (85) : 16.

الملل على إطلاق القول بأنّه تعالى مريد ، وشاع ذلك في كلام اللّه عزّ وجلّ وكلام الأنبياء علیهم السلام - هو كونه تعالى قادرا ؛ فإنّ القادر لا يصحّ أن يصدر عنه - من حيث هو قادر - أحد الطرفين بخصوصه ؛ لاستواء نسبة القدرة إلى الطرفين ، بل لا بدّ من أن يتخصّص ويترجّح أحد الطرفين ليصحّ صدوره عنه ، ويكون ذلك لا محالة بصفة شأنها ذلك ؛ لامتناع التخصيص من غير مخصّص ، واحتياج الواجب تعالى في فاعليّته إلى أمر منفصل.

ولا يمكن أن يكون المخصّص هو مطلق العلم ؛ لكونه كالقدرة في تساوي النسبة إلى الطرفين.

وإلى هذا أشار المصنّف بقوله : ( وتخصيص بعض الممكنات ) دون بعض ( بالإيجاد في وقت ) دون وقت ( يدلّ على إرادته ).

ثمّ الفرق بين الإرادة والاختيار هو أن الاختيار إيثار لأحد الطرفين وميل إليه ، والإرادة هو القصد إلى إصدار ما يؤثره ويميل إليه. وأمّا في البارئ تعالى ، فيشبه أن يكون كلاهما واحدا.

وأمّا المشيئة ففي شرح المقاصد : أنّه لا فرق بينها وبين الإرادة إلاّ عند الكراميّة ؛ حيث جعلوا المشيئة صفة واحدة أزليّة تتناول ما شاء اللّه بها من إحداث محدث ، والإرادة حادثة متعدّدة تعدّد (1) المرادات (2).

ثمّ اختلفوا في أرادته تعالى (3) : فعند الأشاعرة وجمهور معتزلة البصرة : صفة قديمة زائدة على الذات ، قائمة بها كسائر الصفات الحقيقيّة عندهم.

وعند الجبائيّة : صفة زائدة قائمة لا بمحلّ.

وعند الكرامية : صفة حادثة قائمة بالذات.

ص: 258


1- في المصدر : « بعدد ».
2- « شرح المقاصد » 4 : 134.
3- « شرح المقاصد » 4 : 132 - 136 ؛ « شرح المواقف » 8 : 81 - 87.

وعند ضرار : نفس الذات.

وعند النجّار : صفة سلبيّة هي كون الفاعل ليس بمكره ولا ساه.

وعند الفلاسفة : العلم بالنظام الأكمل.

وعند الكعبي : إرادته لفعله تعالى العلم به ، ولفعل غيره الأمر.

وعند المحقّقين من المعتزلة كأبي الحسن وجماعة من رؤساء المعتزلة كالنّظام والجاحظ والعلاّف والبلخيّ والخوارزميّ : العلم بما في الفعل من المصلحة. ويسمّيه أبو الحسين بالداعي ، واختاره المصنّف ، فقال : ( وليست زائدة على الداعي وإلاّ لزم التسلسل أو تعدّد القدماء ).

يعني لو كانت الإرادة زائدة على الداعي الذي هو عين الذات ، لكانت إمّا حادثة في الذات - على ما زعمه الكراميّة - أو لا في محلّ - على ما زعمه الجبائيّة - وعلى التقديرين يلزم التسلسل ؛ لأنّ حدوث الإرادة يستلزم ثبوت إرادة أخرى مخصّصة للأولى ، ويعود الكلام فيهما. وإمّا قديمة قائمة بذاته تعالى - على ما زعمه الأشاعرة - فيلزم تعدّد القدماء.

واعلم أنّ إرادته تعالى عند جمهور المتكلّمين عبارة عن القصد إلى إصدار الفعل كما في المشاهد (1).

وعند الفلاسفة يمتنع القصد على الواجب تعالى ؛ لأنّ الفاعل بالقصد يكون فعله لغرض ، وكلّ قاصد للغرض مستكمل به سواء كان الغرض عائدا إليه أو إلى غيره ؛ لأنّ إيصال النفع إلى الغير إذا كان عن قصد شوقي يكون استكمالا (2).

ص: 259


1- انظر « المحصّل » : 391 - 399 ؛ « نقد المحصّل » : 281 - 287 ؛ « مناهج اليقين » : 171 - 175 ؛ « أنوار الملكوت » : 67 - 68 ؛ « شرح المواقف » 8 : 81 - 87 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 128 - 137 ؛ « إرشاد الطالبين » : 203 - 205.
2- « الشفاء » الإلهيّات : 414 - 415 ، الفصل السادس من المقالة التاسعة ؛ « النجاة » : 284 - 285 ؛ « المبدأ والمعاد » لابن سينا : 88 - 90 ؛ « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 142 - 144 ؛ « شرح مسألة العلم » : 44 - 46.

قال الشيخ في الإشارات : الجود إفادة ما ينبغي لا لعوض ، ولعلّ من يهب السكّين لمن لا ينبغي ليس بجواد ، ولعلّ من يهب ليستعيض معامل ليس بجواد. وليس العوض كلّه عينا بل وغيره حتّى الثناء والمدح والتخلّص من المذمّة والتوسّل إلى أن يكون على الأحسن ، أو على ما ينبغي ، فمن جاد ليشرف ، أو ليحمد ، أو ليحسن به ما يفعل ، فهو مستعيض غير جواد ، فالجواد الحقّ هو الذي يفيض منه الفوائد لا لشوق منه وطلب قصديّ لشيء يعود إليه. واعلم أنّ الذي يفعل شيئا لو لم يفعله قبح به ، أو لم يحسن منه ، فهو [ بما ] (1) يفيده من فعله متخلّص (2). انتهى.

وما قيل (3) من أنّه لم لا يجوز أن يقصد أحد شيئا يحبّه بمجرّد أنّه خير في نفسه لا لأنّه خير له؟ فجوابه أنّ ما هو خير في نفسه لو لم يكن أولى به ، لم يكن إرادته قصدا ، بل يكون الداعي إلى فعله مجرّد العلم بخيريّته لا أمر آخر ، فيكون إرادته عقليّة محضة.

نعم ، البارئ تعالى يحبّ ذاته ويبتهج بها أجلّ ابتهاج ، فيحبّ أفعاله لأجل ذاته ؛ لأنّ من أحبّ شيئا أحبّ آثاره ، فيثبتون لأفعاله غرضا هو ذاته. وهذا معنى قولهم : إنّه هو الفاعل والغاية ، لكن بذلك لا يصحّح تعلّق القصد بأفعاله ؛ لأنّ القصد إنّما يكون عن شوق إلى ملائم أو موافق لو لم يحصل لم يكن الفاعل على كماله ، فواجب الوجود ليس فاعلا بالقصد عند الفلاسفة ، بل فاعلا بالعناية ، فإرادته تعالى عندهم عبارة عن عنايته أعني علمه بنظام الكلّ ، الذي هو السبب لهذا النظام المشاهد على ما مرّ.

قال الشيخ في إلهيّات الشفاء : فذلك النظام لأنّه يعقله هو مستفيض كائن موجود ، وكلّ معلوم الكون ، وجهة الكون عن مبدئه عند مبدئه وهو خير غير مناف وهو تابع

ص: 260


1- الزيادة أضفناها من المصدر.
2- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 145 و 150.
3- « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 145 و 150.

لخيريّة ذات المبدأ وكمالها المعشوقين لذاتيهما ، فذلك الشيء مراد ، لكن ليس مراد الأوّل على نحو مرادنا حتّى يكون له فيما يكون عنه غرض ، فكأنّك قد علمت استحالة هذا وستعلم ، بل هو لذاته مريد هذا النحو من الإرادة العقليّة (1).

ثمّ قال : فواجب الوجود ليست إرادته مغايرة الذات لعلمه ، ولا مغايرة المفهوم لعلمه ، فقد بيّنّا أنّ العلم هو بعينه الإرادة التي له. وهذه الإرادة - على الصورة التي حقّقناها ، التي لا تتعلّق بغرض في فيض الوجود - لا تكون غير نفس الفيض وهو الجود ، فقد كنّا حقّقنا لك من أمر الجود ما إذا تذكّرته ، علمت أنّ هذه الإرادة نفسها تكون جودا (2).

وقال في رسالته (3) في إثبات المبدأ الأوّل : فصل في بيان إرادته.

هذه الموجودات كلّها صادرة عن ذاته ، ومن مقتضى ذاته ، فهي غير منافية له ، ولأنّه يعشق ذاته ، فهذه الأشياء كلّها مرادة لأجل ذاته ، فكونها مرادة له ليس لأجل غرض ، بل لأجل ذاته ؛ لأنّها مقتضى ذاته ، فليس يريد هذه الموجودات لأنّها هي ، بل لأجل ذاته ، ولأنّها مقتضى ذاته.

مثلا لو كنت تعشق شيئا لكان جميع ما يصدر عنه معشوقا لك لأجل ذلك الشيء. ونحن إنّما نريد الشيء لأجل الشهوة أو اللذّة لا لأجل ذات الشيء المراد ، ولو كانت الشهوة أو اللذّة أو غيرهما من الأشياء شاعرة بذاتها ، وكان مصدرا لأفعال عنها ذاتها ، لكانت مريدة لتلك الأشياء لذاتها ؛ لأنّها صادرة عن ذاتها ، والإرادة لا تكون إلاّ لشاعر بذاته ، وكلّ ما يصدر عن فاعل فإنّه إمّا أن يكون بالذات أو بالعرض ، وما يكون بالذات يكون إمّا طبيعيّا وإمّا إراديا ، وكلّ فعل يصدر عن علم فإنّه لا يكون بالطبع ولا بالعرض ، فإذن يكون بالإرادة.

ص: 261


1- « الشفاء » الإلهيّات : 366 - 367 ، الفصل السابع من المقالة الثامنة.
2- نفس المصدر : 367.
3- الرسالة غير متوفّرة لدينا.

وكلّ فعل يصدر عن فاعل والفاعل يعرف صدوره عنه ، ويعرف أنّه فاعله ، فإنّ ذلك الفعل صدر عن علم ، وكلّ فعل صدر عن إرادة فإمّا أن يكون مبدأ تلك الإرادة علما أو ظنّا أو تخيّلا.

مثال ما يصدر عن العلم فعل المهندس أو الطبيب ، ومثال ما يصدر عن الظنّ التحرّز ممّا فيه خطر ، ومثال ما يصدر عن التخيّل فإمّا أن يكون شيئا يشبه شيئا عاليا ، أو طلبا لشيء يشبه شيئا حسنا ليخلصه بمشابهة الأمر العالي أو الأمر الحسن.

ولا يجوز أن يكون فعل واجب الوجود بحسب الظنّ أو بحسب التخيّل ؛ فإنّ ذلك يكون لغرض ، ويكون معه انفعال ؛ فإنّ الغرض يؤثّر في ذي الغرض فإذن ينفعل عنه ، وواجب الوجود بذاته واجب من جميع جهاته ، فإن حدث فيه غرض من جهة انفعاله عن الغرض ، فلا يكون واجب الوجود بذاته ، فإذن يجب أن يكون إرادته علميّة.

ثمّ قال : الأولى أن نفصّل أمر الإرادة ، فنقول : نحن إذا أردنا شيئا ، فإنّا نتصوّر ذلك الشيء تصوّرا إمّا ظنّيّا وإمّا تخيّليا وإمّا علميّا ، وأنّ ذلك الشيء المتصوّر موافق ، والموافق هو أن يكون حسنا أو نافعا ، ثمّ يتبع هذا التصوّر والاعتقاد شوق إليه وإلى تحصيله ، فإذا قوي الشوق والإجماع حرّكت القوّة التي في العضلات الآليّة إلى تخيّله.

ولهذا السبب تكون أفعالنا تابعة للغرض ، وقد بيّنّا أنّ واجب الوجود تامّ ، بل فوق التامّ ، فلا يصحّ أن يكون فعله لغرض ، فلا يصحّ أن يعلم أنّ شيئا هو موافق له ، فيشتاقه ثمّ يحصّله ، فإذن إرادته من جهة العلم أن يعلم أنّ ذلك الشيء كونه خير من لا كونه ، وأنّ وجود ذلك يجب أن يكون على الوجه الفلانيّ حتّى يكون وجودا فاضلا ، فلا يحتاج بعد هذا العلم إلى إرادة أخرى ليكون هذا الشيء موجودا ، بل نفس علمه بنظام الأشياء الممكنة على الترتيب الفاضل هو سبب موجب لوجود تلك الأشياء على النظام الموجود والترتيب الفاضل.

ص: 262

فلوازم ذاته - أعني المعلومات - لم يعلمها ، ثمّ رضي بها ، بل لمّا كان صدورها عن مقتضى ذاته ، كان نفس صدورها عنه رضاه بها ، فإذا لم يكن صدورها عنه منافيا لذاته ، بل مناسب لذات الفاعل ، وكلّ ما كان غير مناف وكان مع ذلك يعلم الفاعل أنّه فاعله ، فهو مراده ؛ لأنّه مناسب له ، فنقول : هذه المعلومات صدرت عن مقتضى ذات الواجب الوجود بذاته المعشوقة له مع علم منه بأنّه فاعلها وعلّتها ، وكلّ ما صدر عن شيء على هذه الصفة فهو غير مناف لذلك الفاعل ، وكلّ فعل يصدر عن فاعل - وهو غير مناف له - فهو مراده.

فإذن الأشياء كلّها مرادة لواجب الوجود. وهذا هو المراد الخالي عن الغرض ؛ لأنّ الغرض في رضاه بصدور تلك الأشياء عنه أنّه مقتضى ذاته المعشوقة ، فيكون رضاه بتلك الأشياء لأجل ذاته ، فيكون الغاية في فعله ذاته.

ومثال هذا إذا أحببت شيئا لأجل إنسان ، كان المحبوب بالحقيقة ذلك الإنسان ، فكذلك المعشوق المطلق هو ذاته.

ومثال الإرادة فينا أنّا نريد شيئا فنشتاقه ؛ لأنّا محتاجون إليه ، وواجب الوجود يريده على الوجه الذي ذكرنا ، ولكنّه لا يشتاق إليه ؛ لأنّه غنيّ عنه ، فالغرض لا يكون إلاّ مع الشوق ؛ فإنّه يقال : لم طلب هذا؟ فيقال : لأنّه يشتاقه ، وحيث لا يكون الشوق لا يكون الغرض. انتهى.

وهذا الذي نقلناه من هذه الرسالة ذكره بعينه في التعليقات أيضا (1).

وقال أيضا في التعليقات : والعناية هي أن يعقل الواجب الوجود بذاته أنّ الإنسان كيف يجب أن تكون أعضاؤه ، والسماء كيف يجب أن تكون حركتها ليكونا فاضلين ، ويكون نظام الخير فيهما موجودا من دون أن يتبع هذا العلم الشوق ، أو غرض آخر سوى علمه بما ذكرناه مع موافقة معلومه لذاته المعشوقة له ؛ فإنّ الغرض وبالجملة ،

ص: 263


1- « التعليقات » : 16 - 17 ، مع الاختلاف في بعض العبارات.

النظر إلى أسفل ، أعني (1) لو خلق الخلق طلبا لغرض ، أعني أن يكون غرض الخلق أو الكمالات الموجودة في الخلق - أعني ما يتبع الخلق - طلب كمال ، لم يكن لو لم يخلق. وهذا لا يليق بما هو واجب الوجود من جميع جهاته.

فإن قال قائل : إنّا قد نفعل أفعالا بلا غرض ولا يكون لنا فيها نفع كالإحسان إلى إنسان من دون أن يكون لنا فيه فائدة ، فكذلك يصحّ أن يكون واجب الوجود يخلق الخلق لأجل الخلق لا لغرض آخر كما نحسن إلى إنسان ما.

قلنا : إنّ مثل هذا الفعل لا يخلو عن غرض ؛ فإنّا نريد الخير بالغير ليكون لنا اسم حسن ، أو ثواب أو شيء هو أولى بأن يكون لنا من أن لا يكون (2). انتهى.

وقال في الرسالة : إنّ الغرض - أعني الغاية - هو السبب في أن يصير الفاعل فاعلا بعد أن لم يكن ، فلا يجوز أن يكون لواجب الوجود بذاته - الذي هو تامّ - أمر يجعله على صفة لم يكن عليها ؛ فإنّه يكون ناقصا عن تلك الجهة. وتلك الصفة إمّا أن تكون فضيلة أو نقصانا ، وعلى جميع الأحوال فإنّ ذلك لا يليق به لا النقصان ولا التكميل.

ثمّ قال : وقد عرفت إرادة واجب الوجود بذاته ، وأنّها بعينها علمه وهو بعينه عنايته ، وأنّ هذه الإرادة غير حادثة ، وبيّنّا أنّ منّا أيضا إرادة على هذا الوجه. انتهى.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الأشبه أنّ مراد محقّقي المعتزلة من كون الإرادة عين الداعي الذي هو العلم بالأصلح إنّما هو الذي ذهب إليه الفلاسفة على ما ذكرنا (3) ، فيكون الواجب تعالى عندهم أيضا فاعلا بالعناية [ بالمعنى ] (4) وإن لم يقولوا به

ص: 264


1- أي لو خلق الخلق طلبا لغرض لكان النظر إلى أسفل. وكلمة « أعني » الثانية تفسير ل- « الغرض ». وكلمة « أعني » الثالثة تفسير للكمالات.
2- « التعليقات » : 18.
3- راجع ص 259 من هذا الجزء.
4- ليست في « شوارق الإلهام ».

بحسب اللفظ.

والغرض تصحيح إطلاق الإرادة عليه تعالى التي هي هي بحسب اللغة والعرف بمعنى القصد التابع للشوق ؛ فإنّ ذلك ممتنع عليه تعالى.

وبالجملة ، القصد أمر معلوم بالوجدان لا يمكن أن يكون عين العلم ولا عين الذات ، فكلّ من قال بكون الإرادة عين العلم لا ينبغي أن يكون مراده بها هو القصد ، فيكون مراده أنّه تعالى فاعل بمجرّد العلم المتعلّق بالخيريّة والمصلحة في الفعل ، فتكون إرادته عقليّة محضة.

وهذا هو مراد الفلاسفة من الفاعل بالعناية ، فهؤلاء المحقّقون يوافقونهم في المعنى الذي هو مرادهم من العناية وإن لم يوافقوهم في اصطلاح الفاعل بالعناية بحسب اللفظ.

ثمّ من لم يقل بالعناية والعلم المقدّم في الواجب تعالى من المنتسبين إلى الفلاسفة ، كصاحب الإشراق قال بكونه تعالى فاعلا بالرضى ، وهو ما يكون فعله مقارنا للعلم والشعور من غير تقديم للعلم على الفعل (1).

وأنت خبير بأنّ هذا لا يكون من الفاعل بالإرادة والاختيار في شيء ؛ فإنّ الفاعل المختار ما يكون فعله صادرا عن علم سواء كان ذلك مستتبعا للقصد ، كما في الفاعل بالقصد ، أولا ، كما في الفاعل بالعناية ؛ فإنّ كليهما داخلان في الفاعل المختار.

فأمّا الفاعل بالرضى فليس فعله عن علم أصلا وإن كان مقارنا للعلم ، فلا يكون من الفاعل المختار ، بل هو من الفاعل بالإيجاب ؛ فإنّ الموجب ما لا يكون فعله عن

ص: 265


1- نسب إلى الإشراقيّين في « الأسفار الأربعة » 2 : 224 ؛ « الشواهد الربوبيّة » : 55 ؛ « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : 134 ؛ « شرح المنظومة » قسم الحكمة : 121. ولم نعثر على تصريح بذلك في مصنّفات شيخ الإشراق.

علم سواء كان مقارنا له كما في الفاعل بالرضى ، أو لا كما في الفاعل بالطبع ، فعند من ينفي العلم عن الواجب تعالى مطلقا - كما مرّ نقلا عن بعض الأوائل (1) - يكون تعالى فاعلا بالطبع ، تعالى عن ذلك. وعند من يقول بالعلم الحضوري المقارن فقط كصاحب الإشراق يكون فاعلا بالرضى. وكلاهما داخلان في الفاعل الموجب ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

واعلم أنّ الإمام الرازيّ أيضا في المباحث المشرقيّة رجع إلى سبيل التحقيق في إرادته تعالى ، فقال : فإذا كانت إرادة اللّه تعالى دائمة الوجود ، لم تكن تلك الإرادة قصدا إلى التكوين ؛ لأنّ القصد إلى الشيء يستحيل بقاؤه بعد حصول ذلك الشيء ، فثبت أنّ إرادة اللّه تعالى ليست عبارة عن القصد ، بل الحقّ في معنى كونه مريدا أنّه تعالى يعقل ذاته ويعقل نظام الخير الموجود في الكلّ أنّه كيف يكون ذلك النظام ويكون لا محالة كائنا مستفيضا ، وهو خير غير مناف لذات المبدأ الأوّل ، فعلم المبدأ بفيضانه عنه ، وأنّه غير مناف لذاته هو إرادته لذلك ورضاه.

ثمّ إنّا إذا حقّقناه ، حكمنا بأنّ الفرق بين المريد وغير المريد - سواء كان في حقّنا ، أو في حقّ اللّه تعالى - هو ما ذكرناه ؛ فإنّ إرادتنا ما دامت متساوية النسبة إلى وجود المراد وعدمه ، لم تكن صالحة لترجيح أحد ذينك الطرفين على الآخر ، وإذا صارت نسبتها إلى وجود المراد أرجح بالنسبة إلى عدمه ، وثبت أنّ الرجحان لا يحصل إلاّ عند الانتهاء إلى حدّ الوجوب ، لزم منه الوقوع ؛ لأنّ الإرادة الجازمة إنّما تتحقّق عند اللّه ، وهنا لك قد صارت موجبة للفعل.

فإذن ما يقال من الفرق بين الموجب والمختار : إنّ المختار يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل ، والموجب لا يمكنه أن لا يفعل ، كلام باطل ؛ لأنّا بيّنّا أنّ الإرادة متى كانت

ص: 266


1- « شوارق الإلهام » : 514. وانظر « شرح مسألة العلم » : 22 ؛ « الأسفار الأربعة » 6 : 180 ؛ « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : 90 ؛ « المباحث المشرقيّة » 2 :1. 498 ؛ « المحصّل » : 384 ؛ « نقد المحصّل » : 277 - 280 و 294 ؛ « شرح المواقف » 8 : 71 - 72.

متساوية النسبة ، لم تكن جازمة ، وهناك يمتنع حدوث المراد ، ومتى ترجّح أحد طرفيها على الآخر صارت موجبة للفعل ، ولا يبقى بينها وبين سائر الموجبات فرق من هذه الجهة ، بل الفرق ما ذكرناه أنّ المريد هو الذي يكون عالما بصدور الفعل غير المنافي عنه ، وغير المريد هو الذي لا يكون عالما بما يصدر عنه كالقوى الطبيعيّة وإن كان الشعور حاصلا لكنّ الفعل لا يكون ملائما له ، بل منافرا مثل الملجأ إلى الفعل ؛ فإنّ الفعل لا يكون مرادا (1). انتهى كلامه ، فتأمّل فيه ؛ فإنّه بظاهره يشعر بكون الفاعل بالرضى أيضا داخلا في المريد. والتحقيق ما ذكرناه ، هذا.

فإن قيل : إرادته تعالى لا يصحّ أن تكون عين علمه ؛ فإنّه تعالى يعلم كلّ شيء ولا يريد كلّ شيء ؛ فإنّه لا يريد شرّا ولا ظلما ولا كفرا ولا شيئا من القبائح والسيّئات ؛ فإرادته أمر آخر وراء علمه تعالى.

قلنا : لا يلزم من كون إرادته عين علمه بكلّ شيء أن يتعلّق إرادته أيضا بكلّ شيء ؛ فإنّ الإرادة ليست هو العلم مطلقا ، بل العلم بما فيه مصلحة وخير. وهذا كما أنّ سمعه وبصره راجعان عند المحقّقين إلى العلم ، ولا يلزم منه تعلّق السمع بما سوى المسموع ، ولا تعلّق البصر بما سوى المبصر ، فليتفطّن.

فإن قلت : ما ذا تقول فيما رواه ثقة الإسلام رئيس المحدّثين أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكلينيّ في كتاب الكافي (2) والشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن بابويه القمّيّ في كتابي التوحيد (3) والعيون (4) عن الأئمّة الطاهرين وسادتنا المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين في حدوث الإرادة والمشيئة ، وأنّهما من

ص: 267


1- « المباحث المشرقية » 2 : 513 - 515.
2- « الكافي » 1 : 109 - 110 باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ، ح2. 7.
3- « التوحيد » : 145 - 148 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 13 - 19 و: 336 - 344 باب المشيئة والإرادة ، ح 1 - 13.
4- « عيون أخبار الرضا » 1 : 179 - 191 ، الباب 13 ، ح 1.

صفات الفعل دون صفات الذات؟

وذكر محمّد بن يعقوب في الكافي (1) في الفرق بين صفات الفعل وصفات الذات ما حاصله : أنّ كلّ شيئين وصفت اللّه بهما ، وكانا جميعا في الوجود - كما أنّ في الوجود ما يريده وما لا يريده ، وما يرضاه وما يسخطه وما يحبّه ويبغضه - فهما من صفات الفعل ؛ فإنّهما لو كانا من صفات الذات كانت الصفات التي هي عين الذات ناقضا بعضها لبعض ، فيكون ما يريده ناقضا لما لا يريده ، وما يسخطه ناقضا لما يرضاه ، وما يبغضه ناقضا لما يحبّه ، وهذا محال.

وكلّ شيئين وصفته تعالى بأحدهما وكان في الوجود ، ولم يكن الآخر في الوجود مثل العلم والقدرة ؛ فإنّ في الوجود ما يعلمه ويقدر عليه ، وليس في الوجود ما لا يعلمه ولا يقدر عليه ، فهو من صفات الذات. هذا ، فإذا كانت الإرادة محدثة ومن صفات الفعل ، فكيف يجوز أن تكون عين العلم القديم الذي هو عين ذاته تعالى (2)؟!

قلت : لعلّ المراد من الإرادة في تلك الروايات إنّما هو القصد إلى الفعل على ما يفهمه الجمهور من لفظ الإرادة ، والخطاب إنّما معهم ، وعلى هذا فتخلّف المراد عن الإرادة بمعنى القصد نقص وعجز لا يليق بجنابه تعالى ، والمراد حادث ، فيجب كون الإرادة أيضا حادثة لكن نسبة القصد إليه تعالى ليست على الحقيقة ؛ لامتناعه عليه تعالى ، بل بمعنى ترتّب الغاية والأثر ، بمعنى أنّ كلّ ما يمكن أن يترتّب على القصد في غيره تعالى ، فهو مرتّب على ذاته تعالى فقط من غير توسّط القصد على ما قالوا في صفة الرحمة وغيرها ، فإطلاق لفظ القصد والإرادة في حقّه إنّما هو على سبيل التمثيل.

ص: 268


1- « الكافي » 1 : 111 - 112 ، آخر باب الإرادة أنّها من صفات الفعل.
2- « عيون أخبار الرضا » 1 : 179 - 191 ، الباب 13 ، ح 1.

وعلى هذا فيكون المراد من حدوث إرادته هو حدوث مراده تعالى حسب اقتضاء علمه تعالى بالمصلحة فيه.

وممّا يدلّ صريحا على ما ذكرنا : ما رواه في الكافي عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد اللّه علیه السلام فكان من سؤاله أن قال له : فله رضا وسخط؟ فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : نعم ، ولكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ، وذلك أنّ الرضا حال يدخل عليه ، فينقله من حال إلى حال ؛ لأنّ المخلوق أجوف معتمل مركّب ، للأشياء فيه مدخل ، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه ؛ لأنّه أحديّ الذات وأحديّ المعنى ، فرضاه ثوابه ، وسخطه عقابه ، من غير شيء يتداخله ، فيهيجه وينقله من حال إلى حال ؛ لأنّ ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين (1).

هذا كلامه صلوات اللّه عليه وسلامه.

ونعم ما قال بعض (2) أفاضل إخواننا الإلهيين - كثّر اللّه أمثاله في العالمين - في هذا المقام ما محصّله أنّ التحقيق أنّ للإرادة والمشيئة جهة ثبات هي أزليّة وعين ذاته تعالى ، وجهة تجدّد هي إضافة حادثة مع حدوث المشيء والمراد ، كما أنّ العلم والقدرة كذلك إلاّ أنّ جهة الثبات في العلم والقدرة أدلّ على الكمال والبهاء ؛ حيث يوجب (3) تخلّف متعلّقيهما عنهما تحقّق العلم والقدرة وإن لم يكن المقدور والمعلوم ، وذلك ممّا يعدّ غاية في كمال العلم والقدرة جدّا.

فلذلك عدّتا من صفات الذات ، وجهة التجدّد في المشيئة والإرادة أدلّ على العزّ والجلال ؛ حيث يوجب عدم تخلّف المشيء والمراد عنهما ، وذلك ممّا يعدّ في غاية

ص: 269


1- « الكافي » 1 : 110 باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ، ح 6.
2- في هامش « ب » : وهو مولانا محمّد محسن صاحب كتاب الوافي سلّمه اللّه من العاهات. منه رحمه اللّه .
3- في « ب » : « يوجد ».

العزّ والجلال ، فلذلك عدّتا من صفات الفعل. وخطاب الشارع إنّما هو مع الجماهير ، فينبغي أن يذكر في نعته تعالى معهم ما يكون أدلّ عندهم على الكمال ، وأظهر في العزّ والجلال هذا. ولنا في هذا المقام تحقيق آخر ذكرناه في كتابنا المسمّى بگوهر مراد (1) فليرجع إليه من أراد » (2).

المسألة الخامسة : في سمعه وبصره

اعلم أنّ الإدراك للمسموعات والمبصرات - الذي يراد ممّا ذكر في الآيات والأخبار من كونه تعالى سميعا بصيرا - هو علم متعلّق بالمسموعات والمبصرات ، بل بجميع الجزئيّات المحسوسة بإحدى الحواسّ ، فيكون إسناد السمع والبصر إليه تعالى مجازا ؛ إذ ليس له القوّة السامعة والباصرة ؛ لاستلزامهما النقص والاحتياج المنافيين لوجوب والوجود. والدليل النقليّ على ذلك قوله تعالى : ( سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (3) ونحو ذلك.

وقال الفاضل اللاّهيجي : « قد علم بالضرورة من الدين ، وثبت في الكتاب والسنّة ، وانعقد عليه إجماع أهل الأديان على أنّه تعالى سميع بصير وإليه أشار بقوله : ( والسمع (4) دلّ على اتّصافه تعالى بالإدراك ) أي السمع والبصر دون الذوق والشمّ واللّمس ؛ لعدم ورود السمع بها وإن الإدراك يشملها جميعا.

قال المصنّف في شرح رسالة العلم : الإدراك كالجنس للإدراك الحسّي والإدراك العلميّ ، والإدراك الحسّيّ إنّما يحصل بالآلات الجسمانيّة التي هي الحواسّ ، والإدراك العلمي إنّما يحصل للذات العاقلة من غير آلة ، ولذلك لا يدرك حسّ نفسه ولا آلته ؛ فإنّه لا آلة تتوسّط بينه وبينها ، ويدرك الذات العاقلة نفسها وآلاتها وتعقّلاتها.

ص: 270


1- « گوهر مراد » : 249 - 257.
2- انتهى كلام الفاضل اللاهيجي ، انظر « شوارق الإلهام » : 549 - 554.
3- الحجّ (22) : 61 و 75 ؛ لقمان (31) : 28 ؛ المجادلة (58) : 1.
4- في بعض نسخ التجريد : « النقل » بدل « السمع ».

أمّا البارئ تعالى ، فكلّ من يعتقد أنّه جسم أو مباشر للأجسام ، فقد يمكن له أن يصفه بالإدراك الحسّيّ ، وكلّ من ينزّهه عن ذلك ، ينزّهه أيضا عن هذا الوصف.

ولمّا كان السمع والبصر ألطف الحواسّ وأشدّها مناسبة للعقل ، عبّر بهما عن العلم في كثير من المواضع ، كما في قوله عزّ من قائل : ( وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ ) (1) وقوله تعالى : ( وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (2) وفي غير ذلك من المواضع التي لا يمكن أن تعدّ ، ولذلك وصفوا البارئ تعالى بالسميع والبصير دون الشامّ والذائق واللاّمس ، وعنوا بهما العلم بالمسموعات والمبصرات وفرّقوا بين السامع والسميع ، والمبصر والبصير ، وجميع ذلك من المباحث اللفظيّة ، وأكثر المتكلّمين يخصّصون الإدراك بالحسّ ويتنازعون في جواز وصف البارئ تعالى به ، ثمّ في المراد منه إذا وصفوه به ، فيذهب بعضهم إلى الإحساس ، وبعضهم إلى العلم بالمحسوسات (3). انتهى.

فقوله : ( والعقل على استحالة الآلات ) إشارة إلى تنزيهه تعالى عن الجسميّة ومباشرة الأجسام ، فوجب من مجموع الدلالتين القول بكونه سميعا بصيرا من دون آلة وجارحة.

وفي قوله : والسمع دلّ ، إشارة إلى ضعف ما استدلّ به بعضهم على كونه تعالى سميعا بصيرا وهو أنّه حيّ ، وكلّ حيّ يصحّ اتّصافه بالسمع والبصر ، وكلّ ما يصحّ في حقّه تعالى ، يجب أن يكون ثابتا له بالفعل ؛ لبراءته عن القوّة والإمكان ، وذلك لتوقّفه على أنّ الحياة في الغالب تقتضي صحّة السمع والبصر.

وغاية متشبّثهم في ذلك إمّا طريق السبر والتقسيم على ما ذكره إمام الحرمين (4) ؛ فإنّ الجماد لا يتّصف بقبول السمع والبصر ، وإذا صار حيّا اتّصف بهما إن لم يقم به

ص: 271


1- الملك (67) : 10.
2- الأعراف (7) : 198.
3- « شرح رسالة العلم » : 37 - 38.
4- « شرح المقاصد » 4 : 139.

آفة ، ثمّ إذا سبرنا صفات الحيّ ، لم نجد ما يصحّح قبوله لهما سوى كونه حيّا ، ولزم القضاء بمثل ذلك في حقّه تعالى.

وإمّا أنّه لا خفاء في أنّ المتّصف بهما أكمل ممّن لا يتّصف بهما ، فلو لم يتّصف البارئ تعالى بهما ، لزم كون الإنسان ، بل سائر الحيوانات أكمل منه تعالى ، وهو باطل قطعا ، على ما ذكره الغزاليّ (1).

ويرد على الأوّل : أنّه يتوقّف على كونه تعالى حيّا بحياة مثل حياتنا المصحّحة للسمع والبصر وهو ممنوع.

وعلى الثاني : أنّ كون المتّصف بهما أكمل ممّن لا يتّصف بهما مسلّم في الشاهد. وأمّا في الغائب ، فهو ممنوع ، بل هو أوّل المسألة.

وأيضا وجوب كونه تعالى منزّها عن النقائص ثابت عندهم بالإجماع ، والظواهر الدالّة على ثبوت السمع والبصر أقوى جدّا من الظواهر الدالّة على حجّيّة الإجماع ؛ لكثرة المنوع والاعتراضات عليها.

فالأولى التمسّك في إثبات السمع والبصر بالظواهر القطعيّة ابتداء.

قال شارح المواقف في المحصّل : إنّ المسلمين اتّفقوا على أنّه تعالى سميع بصير ، لكنّهم اختلفوا في معناه ، فقال الفلاسفة والكعبيّ وأبو الحسين البصريّ : ذلك عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات. وقال الجمهور منّا ومن المعتزلة والكراميّة : إنّهما صفتان زائدتان على العلم.

وقال ناقده : أراد فلاسفة الإسلام ؛ فإنّ وصفه تعالى بالسمع والبصر مستفاد من النقل ، وإنّما لم يوصف بالذوق والشمّ واللمس ؛ لعدم ورود النقل. وإذا نظر في ذلك من حيث العقل ، لم يوجد له وجه سوى ما ذكره هؤلاء ؛ فإنّ إثبات صفتين شبيهتين بسمع الحيوانات وبصرها لا يمكن بالعقل.

والأولى أن يقال : لمّا ورد النقل بهما آمنّا بذلك وعرفنا أنّهما لا يكونان إلاّ

ص: 272


1- نفس المصدر.

بالآلتين المعروفتين ، واعترفنا بعدم الوقوف على حقيقتهما (1). انتهى.

ولعلّ هذا هو معنى قوله : والنقل (2) دلّ على اتّصافه بالإدراك ، والعقل على استحالة الآلات ، فتدبّر.

وقريب من هذا ما قال الشارح العلاّمة - رحمه اللّه - في شرح هذا الكلام : اتّفق المسلمون كافّة على أنّه تعالى مدرك ، واختلفوا في معناه : والذي ذهب إليه أبو الحسين أنّ معناه علمه بالمسموعات والمبصرات. وأثبت الأشعريّة وجماعة من المعتزلة صفة زائدة على العلم.

والدليل على كونه تعالى سميعا بصيرا السمع ؛ فإنّ القرآن وإجماع المسلمين دلّ على ذلك.

إذا عرفت هذا ، فنقول : السمع والبصر في حقّنا إنّما يكونان بالآلات الجسمانيّة ، وكذا غيرهما من الإدراكات ، وهذا الشرط ممتنع في حقّه تعالى بالعقل ، فإمّا أن يرجع إلى ما ذهب إليه أبو الحسين ، وإمّا إلى صفة زائدة غير مفتقرة إلى الآلات في حقّه تعالى » (3). انتهى (4).

المسألة السادسة : في كلامه تعالى

قال الفاضل اللاهيجي : « اعلم أنّ لفظ الكلام حقيقة في هذا الملفوظ المسموع المركّب من الأصوات والحروف. وقد يطلق ويراد به التكلّم أعني القدرة على إلقاء الكلام بالمعنى الأوّل ، وهذا المعنى الثاني هو صفة المتكلّم وقائم به ، والكلام بالمعنى الأوّل هو ما به التكلّم ، وليس صفة للمتكلّم ولا قائما به ، بل هو قائم

ص: 273


1- « شرح المواقف » 8 : 89 - 90. وانظر « نقد المحصّل » : 288.
2- كذا في النسخ ، وفي « شوارق الإلهام » وبعض نسخ « تجريد الاعتقاد » : « السمع ».
3- « كشف المراد » : 289.
4- أي كلام الفاضل اللاهيجي. انظر « شوارق الإلهام » :4. 555.

بالهواء ؛ لكونه من جنس الأصوات ، كما عرفت في مباحث الأعراض.

وهذا - أعني التكلّم وإلقاء الكلام - يتوقّف فينا على آلة وجارحة لا محالة ، وقد أخبر الأنبياء علیهم السلام بأنّ اللّه تعالى متكلّم ، وجاءوا بكلام أخبروا أنّه كلام اللّه تعالى ، وهو منقسم إلى إخبار وأمر ونهي إلى غير ذلك من أقسام الكلام ، ودلّت المعجزة على صدقهم ، وهو أمر ممكن ؛ فإنّه وإن كان متوقّفا فينا على الآلة ويمتنع صدوره عنّا بدونها ، لكن لا يدلّ ذلك على كونه ممتنعا في حقّه تعالى أيضا بدون الجارحة والآلة ؛ لعموم قدرته التامّة وضعف قدرتنا الناقصة ، وكلّ ما أخبر الأنبياء علیهم السلام عن اللّه تعالى من الممكنات يجب تصديقهم فيه من غير تأويل وصرف عن ظاهره.

وهذا معنى قوله : ( وعموميّة قدرته تدلّ على ثبوت الكلام ) أي بعد ضمّ إخبار الأنبياء كما عرفت ، فالكلام الذي هو من صفته تعالى هو بمعنى التكلّم ؛ فإنّ المتكلّم من قام به التكلّم ، لا من قام به الكلام ، وهذا ظاهر جدّا.

والأشاعرة توهّموا أنّ الصفة هو الكلام بمعنى ما به التكلّم ، والمتكلّم من قام به الكلام بهذا المعنى ، وأطلقوا القول بأنّ القرآن قديم ، وأنّ من قال بخلق القرآن وحدوثه مبتدع ، بل كافر.

ثمّ لمّا رأوا أنّ الكلام بهذا المعنى - الذي حقيقته ليست إلاّ الأصوات والحروف الحادثة - لا يجوز أن يكون قديما قائما بذاته تعالى ، اخترعوا أمرا محالا سمّوه بالكلام النفسيّ ، وقالوا : إنّه مدلول الكلام اللفظيّ ، وأرادوا به غير العلم بمدلولات الألفاظ ، وغير إرادة إلقاء الكلام ، وغير القدرة على ذلك ، وغير حديث النفس. وقالوا : إنّه أمر واحد في نفسه ليس بخبر ولا أمر ولا نهي إلى غير ذلك ، ولا يدخل فيه ماض ولا حال ولا استقبال. وقالوا : إنّ الكلام حقيقة ليس إلاّ ذلك ، واللفظيّ سمّي كلاما ؛ لدلالته على ذلك (1).

ص: 274


1- انظر « شرح المواقف » 8 : 90 - 104 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 143 - 151.

وعمدة ما تمسّكوا به في ذلك أمران :

[ الأمر ] الأوّل - وهو ما عوّل عليه إمامهم في « المحصّل » - : هو قول الشاعر :

إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا(1)

وإنّما التعجّب أنّهم من أين عرفوا أنّ مراد الشاعر ممّا في الفؤاد غير الأمور المذكورة التي سمّوه كلاما نفسيا؟ مع أنّي لا أظنّ أنّ عاقلا يجد في نفسه هذا الأمر المحال.

ونعم ما قال المصنّف في نقد المحصّل : فقد صارت مسألة قدم الكلام - إلى أن قام العلماء فيها وقعدوا وضرب الخلفاء لأجلها الأكابر بالسوط ، بل بالسيف - مبنيّة على هذا البيت الذي قاله الأخطل (2). انتهى. والأعجب تكفيرهم من يأبى القول بهذا الأمر.

قال شارح المقاصد : وعلى البحث والمناظرة في ثبوت الكلام النفسيّ وكونه هو القرآن ينبغي أن يحمل ما نقل من مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف ستّة أشهر ، ثمّ استقرّ رأيهما على أنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر (3). انتهى.

[ الأمر ] الثاني : هو ما قالوا من أنّ المتكلّم من قام به الكلام لا من أوجد الكلام ولو في محلّ آخر ؛ للقطع بأنّ موجد الحركة في جسم آخر لا يسمّى متحرّكا.

والجواب ما مرّ من أنّ المتكلّم من قام به الكلام بمعنى التكلّم ، وهو القدرة على إيجاد الكلام بمعنى ما به التكلّم ، وهو ما يلقيه المتكلّم إلى غيره لإظهار ما في ضميره أعني الألفاظ الدالّة على المعاني بحسب الوضع ، وليس المتكلّم من قام به الكلام بمعنى ما به التكلّم ، وإلاّ لزم كون الهواء متكلّما ؛ لكون الألفاظ قائمة به ،

ص: 275


1- « المحصّل » : 408.
2- الموجود في « نقد المحصّل » : 292 كالتالي : « الاستدلال بهذا البيت ركيك ، وهو يقتضي أن يقال للأخرس : متكلّم ؛ لكونه بهذه الصفة ، والباقي ظاهر ».
3- « شرح المقاصد » 4 : 149.

وحينئذ يكون الأمر في صيغة الفاعل هاهنا وفي المتحرّك وأمثال ذلك على سبيل واحد ، كما لا يخفى.

وأمّا تمسّكهم في ثبوت الكلام النفسي بأنّ من يورد صيغة أمر ، أو نهي ، أو إخبار ، أو استخبار ، أو غير ذلك ، يجد في نفسه معاني ، ثمّ يعبّر عنها بالألفاظ التي نسمّيها الكلام الحسّيّ ، فهذا المعنى الذي يجده في نفسه ويدور في خلده (1) هو الذي نسمّيه الكلام النفسيّ.

فقد مرّ الجواب عنه في مبحث الأصوات من الأعراض عند شرح قول المصنّف : « ولا يعقل كلام غيره (2). وحاصله منع كون تلك المعاني التي يجدها غير الإرادة والطلب والعلم ، فمن أراد تفصيل الجواب وتحقيقه ، فليراجع إلى هناك ؛ فإنّا لا نطوّل الكلام بإعادة ذلك. وإلى بطلان الكلام النفسيّ والإشارة إلى ما أشار إليه هناك أشار هاهنا بقوله : ( والنفسانيّ غير معقول ) (3).

وقال الشارح القوشجي : « لصاحب المواقف كلام (4) في تحقيق الكلام النفسي محصّله : أنّ لفظ « المعنى » يطلق تارة على مدلول اللفظ ، وأخرى على الأمر القائم بالخير ، فالشيخ الأشعري لمّا قال : الكلام هو المعنى النفسيّ ، فهم الأصحاب منه أنّ مراده مدلول اللفظ وحده وهو القديم عنده ، وأمّا العبارات فإنّما تسمّى كلاما مجازا ؛ لدلالتها على ما هو كلام حقيقة حتى صرّحوا بأنّ اللفظ حادث على مذهبه أيضا ، لكنّها ليست كلاما حقيقة ، وهذا الذي فهموه من كلام الشيخ ، له لوازم كثيرة فاسدة : كعدم إنكار من أنكر كلاميّة ما بين دفّتي المصحف مع أنّه علم ضرورة كونه كلام اللّه حقيقة ، وكعدم المعارضة والتحدّي بكلام اللّه الحقيقيّ ، وكعدم كون المقروّ

ص: 276


1- الخلد : البال والقلب والنفس.
2- « شوارق الإلهام » : 414 - 415. وفي تجريد الاعتقاد : 168 « ولا يعقل غيره ».
3- إلى هنا نهاية كلام المحقق اللاهيجي ، راجع شوارق الإلهام : 555.
4- « شرح المواقف » 8 : 93 - 99.

والمحفوظ كلامه حقيقة إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على المتفطّن في الأحكام الدينيّة ، فوجب حمل كلام الشيخ على أنّه أراد به المعنى واللفظ ليكون الكلام النفسيّ عنده أمرا شاملا للّفظ والمعنى جميعا قائما بذات اللّه - تعالى - ، وهو مكتوب في المصاحف ، مقروء بالألسن ، محفوظ في الصور وهو غير الكتابة والقراءة والحفظ الحادثة.

وما يقال من أنّ الحروف والألفاظ مرتبة متعاقبة ، فجوابه أنّ ذلك المرتّب إنّما هو في التلفّظ بسبب عدم مساعدة الأدلة ، فالتلفّظ حادث والأدلّة الدالّة على الحدوث يجب حملها على حدوثه دون حدوث الملفوظ جمعا بين الأدلّة » (1).

أقول (2) : بيان ذلك أنّ الكلام على قسمين :

الأوّل : ما هو من صفاته تعالى وهو القدرة على إيجاد الكلام والألفاظ والحروف الدالّة على المعاني المقصودة وهي في الإنسان باللسان وفيه تعالى في مخلوقاته كلسان جبرئيل وشجرة موسى ونحوهما.

والثاني : ما هو غير صفته وهو أيضا على قسمين :

الأوّل الكلام بمعنى إيجاد ما يدلّ على المراد.

والثاني نفس ما يدلّ على المراد وهو بمعنى المتكلّم به المراد من قولنا للقرآن : إنّه كلام اللّه وهو غير صفته تعالى ؛ لكونه حادثا نوعا وشخصا. أمّا نوعا ، فعند النزول ، وأمّا شخصا ، فحين التلاوة ، ولا شيء من الحوادث صفة له تعالى.

ووجه ثبوت تلك الصفة [ له ] تعالى ، ووجه كونها من الصفات العينيّة أنّ دليل ثبوت القدرة وعينيّتها دليل لها أيضا ؛ لأنّها من شعبها.

ووجه حصول أثرها أنّ حصول الغرض من الخلق موقوف على إيجادها

ص: 277


1- « شرح تجريد العقائد » : 319. ما نقل عن القوشجي في « ب » و « ز » غير موجود في الشوارق ، وكلام الشارح باعتراف ابنه محمّد حسن يبتدئ من « أقول ».
2- إلى هنا كلام الفاضل اللاهيجي ، وقد جفّ قلمه ، وأتمّه الوالد الماجد بقوله : أقول ... [ محمّد حسن ابن الشارح ].

الألفاظ المذكورة ؛ لتوقّف العلم [ و ] الإيصال إلى النعيم الأبديّ الذي هو الغرض على تحصيل القابليّة ، وهذا يتوقّف على العمل بمقتضى ومباشرة الطاعات ، والاجتناب عن المعاصي ، وذلك موقوف على العلم بالأحكام الشرعيّة ، وهو موقوف على بيانه تعالى ، وهو موقوف على إيجاد الألفاظ المذكورة ، فالداعي على الإيجاد موجود والمانع عنه مفقود ، فالإيجاد لازم.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ كلام اللّه لفظيّ لا نفسيّ محض. بيانه أنّه لا خلاف لأرباب المذاهب أنّه تعالى متكلّم ، وإنّما الخلاف في معنى كلامه وقدمه وحدوثه ، وذلك لأنّ هاهنا قياسين متعارضين لهم - على ما حكي (1) عنهم - :

أحدهما : أنّ كلامه تعالى صفة له ، وكلّ ما هو صفة له فهو قديم ، فكلامه تعالى قديم.

وثانيهما : أنّ كلام اللّه تعالى مؤلّف من أجزاء مترتّبة متعاقبة في الوجود ، وكلّ ما هو كذلك فهو حادث ؛ فكلامه حادث.

فالحنابلة قالوا بالقياس الأوّل ومنعوا كبرى القياس الثاني ، وادّعوا قدم الحروف والأصوات القائمة بذاته تعالى.

[ و ] الكراميّة عكسوا ؛ حيث جوّزوا قيام الحوادث بذاته تعالى.

والمعتزلة قالوا بصحّة القياس الثاني أيضا ولكنّهم قدحوا في صغرى القياس الأوّل ؛ حيث ادّعوا أنّ كلام اللّه ليس قائما بذاته ، بل خلقه اللّه في غيره كجبرئيل والنبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فمعنى التكلّم عندهم خلق الكلام.

والأشاعرة عكسوا ؛ حيث قالوا : إنّ كلام اللّه معنى قائم بذاته يسمّى بالكلام

ص: 278


1- للتعرّف للأقوال في المسألة راجع « الأربعين في أصول الدين » 1 : 247 - 258 ؛ « المحصّل : 403 - 408 ؛ « نقد المحصّل » : 289 - 292 و 307 - 310 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 527 - 563 ؛ « كشف المراد » : 289 - 290 ؛ « مناهج اليقين » 193 - 194 ؛ « شرح المواقف » 8 : 91 - 99 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 143 - 151 ؛ « النافع يوم الحشر » : 16 - 18 ؛ « مفتاح الباب » : 121 - 126 ؛ « إرشاد الطالبين » : 208 - 213 و 219 - 221.

النفسيّ ، وهو مدلول الكلام اللفظيّ المركّب من الحروف.

وتمسّك المعتزلة بوجوه :

الأوّل : أنّه علم بالضرورة من دين النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّ القرآن هو هذا المؤلّف المفتتح بالتحميد ، المختتم بالاستعاذة.

الثاني : أنّ خواصّ القرآن الثابتة بالنصّ والإجماع - ككونه ذكرا وعربيّا ونحو ذلك - ثابتة لهذا المؤلّف لا المعنى.

الثالث : أنّ كلام اللّه لو كان أزليّا ، لزم الكذب في إخباره الذي يكون بطريق المضيّ ؛ لاقتضائه سبق وقوع النسبة.

وأجيب : بأنّ الاتّصاف بالمضيّ ونحوه ليس في الأزل ، بل فيما لا يزال بحسب التعلّقات.

وفيه : أنّه مناف للقول بأنّ الأزليّ مدلول اللفظيّ المتّصف بالمضيّ ونحوه.

الرابع : أنّ كلامه مشتمل على أمر ونهي ونحوهما ، فلو كان أزليّا ، يلزم الأمر بلا مأمور والنهي بلا منهيّ ونحو ذلك.

والإيراد هنا كالسابق.

والخامس : أنّه لو كان أزليّا ، لكان أبديّا ؛ لأنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ؛ فيلزم أبديّة التكليف ، وهو باطل إجماعا.

وأيضا لم يختصّ مكالمة موسى علیه السلام بالطور ونحو ذلك ، وهو باطل إجماعا.

وقد تذكر وجوه أخر ككون التكلّم صفة كمال ، وعدمه صفة نقص ، ولزوم عدم تكفير من أنكر كلاميّة ما بين الدفّتين إذا علم بالضرورة أنّه كلام اللّه تعالى ، ولزوم عدم المعارضة والتحدّي بكلام اللّه الحقيقي ، وعدم كون المقروء والمحفوظ كلامه حقيقة.

أقول : يرد - مضافا إلى ما ذكر - عدم كون القرآن من معجزات نبيّنا صلی اللّه علیه و آله من اللّه ؛ إذ الإعجاز إنّما هو بسبب الفصاحة والبلاغة اللتين هما من صفات اللفظ ، مع أنّه

ص: 279

من أعلى معجزاته صلی اللّه علیه و آله ، فلعلّ مراد بعض محقّقي الأشاعرة من الكلام النفسي هو الأمر القائم بالغير الشامل للّفظ والمعنى جميعا بأن يكون ترتّب الحروف وتعاقب الألفاظ في التلفّظ بسبب عدم مساعدة الآلة ، فالمتلفّظ حادث دون الملفوظ ، فتأمّل.

والدليل النقلي على ذلك قوله تعالى : ( وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً ) (1) ونحو ذلك.

المسألة السابعة : في أنّه تعالى صادق

كما أشار إليه المصنّف بقوله : ( وانتفاء القبح يدلّ على صدقه ).

بيان ذلك : أنّ الصدق قد يطلق على ضدّ الكذب ، وهو كون الخبر مطابقا للواقع والاعتقاد ، أو لأحدهما على الاختلاف.

وقد يطلق على القدرة على إيجاد الكلام المطابق للواقع والاعتقاد ، بمعنى أنّ ذاته منشأ لصدور الخبر المطابق للواقع عنه تعالى ، فيمتنع عليه الكذب المقابل للصدق ، وهذا المعنى هو المراد في مقام بيان الصفات الذاتيّة.

قال الشارح القوشجي : « اتّفق المسلمون على أنّ الكذب في كلام اللّه تعالى محال :

أمّا المعتزلة فلوجهين أشار المصنّف إلى أوّلهما ، وهو أنّ الكذب في الكلام - الذي هو عندهم من قبيل الأفعال دون الصفات ؛ لأنّ الكلام عندهم - كما ذكرنا آنفا - عبارة عن خلق الألفاظ الدالّة على المعاني المقصودة منها [ وخلقها على خلاف الواقع والاعتقاد (2) ] - قبيح وهو سبحانه لا يفعل القبيح. وهو بناء على أصلهم في إثبات حكم العقل بحسن الأفعال وقبحها.

ص: 280


1- النساء (4) : 164.
2- العبارة غير موجودة في « شرح تجريد العقائد » للقوشجي.

والثاني : أنّه ينافي مصلحة العالم ؛ لأنّه إذا جاز وقوع الكذب في كلام اللّه ، ارتفع الوثوق عن إخباره تعالى بالثواب والعقاب وسائر ما أخبر به من أحوال الآخرة والأولى ، وفي ذلك فوات مصالح لا تحصى [ مضافا إلى أنّ الصدق قد صلح بحال العباد (1) ] والأصلح واجب عليه تعالى عندهم ، فلا يجوز إخلاله به.

وأمّا الأشاعرة فلوجوه :

أوّلها : أنّه نقص ، والنقص عليه تعالى محال إجماعا. وأيضا فيلزم أن نكون نحن أكمل منه تعالى في بعض الأوقات أعني وقت صدقنا وكذبه تعالى.

قيل : هذا الوجه إنّما يدلّ على صدق الكلام النفسي الذي هو صفة قائمة بذاته تعالى ، وإلاّ لزم نقصان صفته تعالى مع كمال صفتنا ، ولا يدلّ على صدقه في الكلام اللفظيّ الذي يخلقه في جسم دالاّ على معنى مقصود منه ؛ لأنّه على هذا التقدير يلزم النقص في فعله تعالى. ولا فرق بين النقص في الفعل وبين القبح العقلي فيه وهم لا يقولون به.

اللّهمّ إلاّ أن يقصدوا بذلك إلزام المعتزلة مع أنّ الأهمّ بيان صدقه تعالى في الكلام اللفظيّ.

أقول : مرجع الصدق والكذب إنّما هو المعنى دون اللفظ. ولمّا كان الكلام النفسيّ عندهم مدلول الكلام اللفظيّ ومعناه ، كان كذب الكلام اللفظيّ راجعا إلى كذب الكلام النفسيّ ، ولزم النقص في صفته تعالى.

الثاني : أنّه لو اتّصف بالكذب لكان كذبه قديما ؛ إذ لا يقوم الحادث بذاته ، فيلزم أن يمتنع عليه الصدق المقابل لذلك الكذب ، وإلاّ لجاز زوال ذلك الكذب ، وهو محال ؛ فإنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، واللازم - وهو امتناع الصدق عليه - باطل ؛ فإنّا نعلم بالضرورة أنّ من علم شيئا أمكنه أن يخبر عنه على ما هو عليه.

ص: 281


1- العبارة غير موجودة في « شرح تجريد العقائد » للقوشجي.

أقول : لو تمّ هذا الدليل لدلّ على امتناع كذبه تعالى أيضا بأن يقال : إنّه تعالى لو اتّصف بالصدق ، لكان صدقه قديما فيمتنع عليه الكذب المقابل لذلك الصدق ، لكنّا نعلم ضرورة أنّ من علم شيئا أمكنه أن يخبر عنه لا على ما هو عليه.

فإن قيل : الإخبار عن الشيء لا على ما هو عليه نقص.

قلنا : كان رجوعا إلى الوجه الأوّل.

وقيل : هذا الوجه أيضا إنّما يدلّ على كون الكلام النفسيّ صادقا دون الكلام اللفظيّ.

أقول : لا يمكن الجواب بمثل ما ذكرنا في الوجه الأوّل - بأن يقال : كذب الكلام اللفظيّ راجع إلى كذب الكلام النفسيّ كما ذكرنا آنفا ، وكذب الكلام النفسيّ قديم ، فكذب اللفظيّ أيضا قديم ، ويلزم ما ذكر من المحذور - ؛ لأنّهم لمّا جوّزوا حدوث الكلام اللفظيّ مع قدم الكلام النفسيّ ، فلأن يجوّزوا حدوث صفة اللفظيّ - أعني حدوث كذبه - لكان أولى ، ولقبول العقول أحرى.

الثالث - وهو معتمد الأصحاب ؛ لدلالته على الصدق في الكلام اللفظيّ والنفسيّ معا ، ولبراءته عن المناقشات - : إجماع العلماء والأنبياء علیهم السلام ، وقد ثبت صدقهم بدلالة المعجزات من غير توقّف على ثبوت كلام اللّه تعالى فضلا عن صدقه ». (1)

أقول : أورد المقدّس الأردبيليّ رحمه اللّه على قوله : « أقول : لا يمكن ... » بأنّه لا يخفى أنّه يمكن الجواب بمثل ما تقدّم بعينه هنا أيضا بأن يقال : لمّا ثبت أنّ الكلام النفسيّ صادق ، ولا معنى لصدق الكلام اللفظيّ إلاّ صدق المعنى بناء على ما ذكره من أنّ كذبه راجع إليه ، وأن يقال : لا يمكن صدق الأوّل مع كذب الثاني ؛ فإنّ معنى صدق الأوّل مطابقته للواقع ، وكذب الثاني عدم مطابقة معناه للواقع ، ومعناه هو الكلام النفسيّ ، فيلزم كذبه على تقدير كذبه ، وهو ظاهر ؛ فإنّ قدم أحدهما لا يستلزم قدم

ص: 282


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 319 - 320.

الآخر وكذا الحدوث.

نعم ، لو استدلّ على صدق اللفظيّ بالدليل المتقدّم - بأن يقال : لو كان كاذبا لكان كذبه قديما - لصحّ (1) ما ذكره بأن يمنع لزوم قدم الكذب ؛ فإنّه لمّا جاز كون النفسيّ قديما واللفظيّ حادثا ، فجواز كون الكذب اللفظيّ حادثا أولى ولا يندفع.

ولكن قد عرفت أنّ المقصود أنّه يلزم من صدق الأوّل صدق الثاني ومن كذبه كذبه ؛ فإنّه قال في الأوّل : إنّ صدقه راجع إليه ، فتأمّل (2).

ثمّ أورد على قوله : « الثالث ... » بأنّه لا خصوصيّة له بالأشاعرة.

وأيضا لا دخل للإجماع ؛ إذ يكفي قول نبيّ واحد ؛ إذ ثبت صدقه بالمعجزة (3).

وهو جيّد ، فتدبّر.

المسألة الثامنة : في أنّه تعالى قديم أزلي أبدي سرمديّ

بمعنى أنّه غير مسبوق بالعدم ولو ذاتا وغير متناه في جانب الماضي والمستقبل ، وأنّه باق بالبقاء الذي هو نفس ذاته ؛ وذلك لأنّه موجود لذاته ، وما هو موجود لذاته فهو باق لذاته ؛ ضرورة أنّ ما بالذات لا يزول أبدا ، فالبقاء وجود مخصوص ، وهو الوجود المستمرّ الذي يعبّر عنه بالوجود بعد الوجود ، كما أنّ الحدوث وجود بعد العدم ، فهو باق بالبقاء الذي هو نفس ذاته ، كما هو أنّه موجود بالوجود الذي هو نفس ذاته.

وإليه أشار المصنّف بقوله : ( ووجوب الوجود يدلّ على سرمديّته ) لاقتضائه امتناع العدم ، المستلزم لاستمرار البقاء ، والقدم ، ودوام الوجود أزلا وأبدا.

ص: 283


1- في النسخ : « لصحّة » والصحيح ما أثبتناه في المتن.
2- « الحاشية على إلهيات الشرح الجديد للتجريد » للمحقّق الأردبيليّ : 87 - 88.
3- « الحاشية على إلهيات الشرح الجديد للتجريد » للمحقّق الأردبيليّ : 88.
المطلب الثاني :

المطلب الثاني (1) :

في أنّ الأوصاف الثمانية - التي هي الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة المسمّاة بصفات الكمال وصفات الذات - عين الذات وليست بزائدة عنها كعلمنا وقدرتنا وحياتنا الزائدة عن ذواتنا ، ردّا على الأشاعرة (2) ؛

وذلك لأنّ العينيّة صفة كمال لا تقتضي نقص صاحبها ، فهي ثابتة على وجه الوجوب له تعالى لئلاّ يلزم النقص والاحتياج ، أو كون فاقد القدرة قادرا على إيجاد القدرة لنفسه ، وتعدّد القدماء المستلزم لتعدّد الواجب الذي سيأتي نفيه.

ويطابقه النقل كما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « لم يزل اللّه عزّ وجلّ والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور (3) ».

وعن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال : « إنّه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع (4) » إلى غير ذلك من الأخبار (5).

وأمّا قوله علیه السلام : « إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزليّة ، كان اللّه عزّ وجلّ ولا متكلّم (6) » ، وقوله علیه السلام : « لم يزل عالما قادرا ثمّ أراد (7) » ، وقوله علیه السلام : « خلق اللّه

ص: 284


1- أي من مطالب الفصل الثاني في المقصد الثالث من مقاصد الكتاب الستّة ، التي أولها في الأمور العامة ، وثانيها في الجواهر والأعراض ، وثالثها في إثبات الصانع ، ورابعها في النبوّة ، وخامسها في الإمامة ، وسادسها في المعاد.
2- انظر « الملل والنحل » 1 : 95 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 19 وما بعدها ؛ « شرح المواقف » 8 : 44 وما بعدها.
3- « التوحيد » : 139 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 1 ؛ « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ، ح 1.
4- « التوحيد » : 144 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 9 ؛ « الكافي » 1 : 108 باب آخر وهو من الباب الأوّل ، ح 1.
5- راجع « التوحيد » : 139 - 148 ؛ « الكافي » 1 : 107 - 109.
6- « التوحيد » : 139 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 1 ؛ « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ، ح 1.
7- « التوحيد » : 146 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 15 ؛ « الكافي » 1 : 109 باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ، ح 1.

المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة (1) » ونحوها ممّا يدلّ على أنّ الكلام والإرادة من الصفات الزائدة ، فهي محمولة على زيادة الكلام ، بمعنى إيجاد ما يدلّ على المراد ، أو المتكلّم به ، لا القدرة على إيجاده.

وكذا الإرادة بمعنى القصد والمشيئة - كما هو المتعارف في المحاورات العرفيّة - لا بمعنى العلم بالمصلحة المقتضي لمشيئة الفعل ، والعلم بالمفسدة المقتضي لمشيئة الترك ، فلا يلزم المخالفة مع ما عليه المتكلّمون من كون الكلام والإرادة من الصفات العينيّة.

وقوله تعالى : ( أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ ) (2) أو نحوه محمول على نفي المشيئة ، كحمل قوله تعالى : ( وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ ... ) (3) على عدم حصول الامتياز الخارجيّ ، لا العلم الذاتي الذي هو نفس الذات المتميّز.

فإن قلت : العلم مثلا - بمعنى ظهور المعلوم للعالم ، أو انكشافه عنده بالحضور أو الحصول ، أو نحوهما ؛ والقدرة بمعنى التمكّن على الفعل والترك ؛ والحياة بمعنى صحّة الاتّصاف بالعلم والقدرة ونحو ذلك بسبب المصدريّة ، أو نحوها - من الأعراض التي لا يمكن أن تكون عين ذات الجواهر الممكنة ، فكيف تصحّ دعوى العينيّة بالنسبة إلى الواجب؟!

قلت : قد تطلق الألفاظ المذكورة على المعنى الوصفيّ والعرضيّ كما ذكر.

وقد تطلق على المعنى الاسميّ ، فالعلم يكون بمعنى منشأ انكشاف الأشياء وسبب ظهورها ، والقدرة بمعنى منشأ التمكّن على الفعل والترك ، والحياة بمعنى منشأ صحّة الاتّصاف بالعلم والقدرة ونحوه ، هي بهذه المعاني في الواجب عين

ص: 285


1- « التوحيد » : 148 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، ح 19 ؛ « الكافي » 1 : 110 باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ... ح 4.
2- المائدة (5) : 41.
3- آل عمران (3) : 142.

الذات ، وفي الممكن أعراض تعرض الذات ، والحمل في الواجب يكون بسبب التغاير الاعتباريّ ، والتعدّد والتكثّر إنّما يكون باعتبار الآثار الخارجيّة ، وإلاّ فهي في الخارج واحدة عين الذات.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف بقوله : ( ونفي الزائد ) بمعنى أنّ وجوب الوجود يقتضي عدم الوصف الزائد على ذاته تعالى ، وكون الصفات الذاتيّة المذكورة عين الذات ؛ حذرا عن لزوم النقص والاحتياج المنافيين لوجوب الوجود.

وقد يبيّن المراد بأنّ العلماء لمّا اختلفوا في أنّ البقاء صفة زائدة على الذات حتّى تكون الصفات ثمانية - كما عن الشيخ الأشعريّ - أم لا - كما عن الأكثرين -؟ (1) أشار بقوله : « ونفي الزائد » إلى أنّ البقاء ليس صفة زائدة ، بل هو عين الذات كسائر الصفات الذاتيّة ؛ فإنّه في مقام الآثار من شعب الحياة التي هي عين الذات ، وقد أشرنا إليه.

فلا يتوجّه ما تمسّك به الشيخ الأشعريّ من أنّ الواجب باق بالضرورة ، فلا بدّ أن يقوم به معنى هو البقاء كما في العالم والقادر ؛ لأنّ البقاء ليس من السلوب والإضافات وهو ظاهر ، وليس أيضا عبارة عن الوجود ، بل زائد عليه ؛ إذ الوجود متحقّق دونه كما في آن الحدوث.

مضافا إلى أنّه ردّ بالنقض بالحدوث ؛ فإنّه غير الوجود ؛ لتحقّق الوجود بعد الحدوث ، والحلّ (2) بأنّ البقاء وجود مخصوص ؛ فإنّه وجود مستمرّ كما أنّ الحدوث أيضا كذلك ؛ فإنّه وجود بعد العدم.

ص: 286


1- لمزيد المعرفة حول الأقوال في هذه المسألة راجع « الأربعين في أصول الدين » 1 : 259 - 265 ؛ « المحصّل » : 408 - 410 ؛ « نقد المحصّل » : 292 - 293 ؛ « كشف المراد » : 290 ؛ « مناهج اليقين » : 179 ؛ « شرح المواقف » 8 : 106 - 109 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 164 - 168 ؛ « إرشاد الطالبين » : 213 - 215 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 320 - 323.
2- أي وردّ بالحلّ.

وحكى الفاضل القوشجي عن الأكثرين - القائلين بأنّ البقاء ليس صفة زائدة - أنّهم استدلّوا عليه بوجوه :

« أحدها : أنّ المعقول منه استمرار الوجود ، ولا معنى لذلك سوى الوجود من حيث انتسابه إلى الزمان الثاني.

وثانيها : أنّ ذات الواجب لو كان باقيا بالبقاء الذي هو ليس نفس ذاته ، لما كان الوجود لذاته ؛ لأنّ ما هو موجود لذاته فهو باق لذاته ؛ ضرورة أنّ ما بالذات لا يزول أبدا ، وإذا فسّر البقاء بصفة يعلّل بها الوجود في الزمان الثاني ، لكان لزوم المحال أظهر ؛ لأنّه يؤول إلى أنّ الواجب موجود في الزمان الثاني لأمر سوى ذاته.

واعترض [ عليه ] صاحب الصحائف (1) بأنّ اللازم ليس إلاّ افتقار صفة إلى صفة أخرى ، ولا امتناع فيه كالإرادة تتوقّف على العلم ، والعلم على الحياة.

وردّ بأنّ افتقاره في الوجود إلى أمر سوى الذات ينافي الوجوب بالذات.

أقول : فيعود إلى الوجه الأوّل ؛ إذ لا بدّ في إتمامه من أنّ البقاء وجود خاصّ ، فباقي المقدّمات مستدرك.

وثالثها : أنّ الذات لو كان باقيا بالبقاء لا بنفسه ، فإن افتقر صفة البقاء إلى الذات ، لزم الدور ؛ لتوقّف ثبوت كلّ في الزمان الثاني على الآخر ، وإن افتقر الذات إلى البقاء مع استغنائه عنه ، كان الواجب هو البقاء لا الذات ، هذا خلف ، وإن لم يفتقر أحدهما إلى الآخر ، بل اتّفق تحقّقهما معا - كما ذكره صاحب المواقف (2) - لزم تعدّد الواجب ؛ لأنّ كلاّ من الذات والبقاء يكون مستغنيا عمّا سواه ؛ إذ لو افتقر البقاء إلى شيء آخر ، لافتقر إلى الذات ؛ ضرورة افتقار الكلّ إليه ، والمستغني عن جميع ما سواه واجب قطعا.

ص: 287


1- نقله التفتازانيّ عنه في « شرح المقاصد » 4 : 166 وكذا في « مفتاح الباب الحادي عشر » : 120.
2- « شرح المواقف » 8 : 107.

هذا ، مع أنّ ما فرض - من عدم افتقار البقاء إلى الذات - محال ؛ لأنّ افتقار الصفة إلى الذات ضروريّ.

ورابعها : أنّ البقاء لو كان صفة أزليّة زائدة على الذات ، قائمة به كانت بالبقاء ويتسلسل.

فإن قيل : هو باق بالبقاء لكن بقاؤه نفسه ليس زائدا عليه حتّى يتسلسل.

قلنا : فحينئذ يجوز أن يكون البارئ تعالى باقيا ببقاء هو نفسه » (1).

أقول : الدليل الإجماليّ على ثبوت تلك الصفات له تعالى أنّ ثبوتها كمال وعدمها نقص ، ولا شكّ في صحّة اتّصاف الموجود - بما هو موجود - بها ، بمعنى أنّ حيثيّة الموجود لا تنافي الاتّصاف بها وإن أمكن تحقّق المنافي لها في بعض الموجودات كالصورة والطبيعة الزائدة على وصف الموجوديّة ، فالموجود الذي ليس فيه إلاّ جهة الموجوديّة ليس فيه ما ينافي الاتّصاف بالكمال ، وواجب الوجود موجود بما هو موجود من غير خصوصيّة زائدة ؛ لما مرّ من أنّ حقيقته عين الوجود ، وليس حقيقته إلاّ الوجود ، فليس فيه خصوصيّة تكون فرعا لماهيّة زائدة على الوجود ، فليس فيه ما ينافي الاتّصاف بالكمالات ، وقد مرّ أنّ كلّ ما يمكن اتّصاف الواجب به ، فهو واجب الحصول ؛ لامتناع كون صفته تعالى بالقوّة ، فواجب الوجود متّصف بالكمالات المذكورة على وجه الوجوب.

وأيضا : فإنّ آثار تلك الصفات ، الصادرة عن الواجب - كانكشاف الأشياء ونحوه - إمّا أن تكون بلا منشأ أو معه. والأوّل مستلزم للترجيح بلا مرجّح ، أو الترجّح بلا مرجّح ، وكلاهما فاسد.

وعلى الثاني إمّا أن يكون المنشأ غير ذاته تعالى ، أو نفس ذاته.

وعلى الأوّل يلزم الاحتياج المنافي لوجوب الوجود ، وتعدّد الواجب إن كان ذلك

ص: 288


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 323.

الغير واجبا وتقدّم الشيء على نفسه إن كان ممكنا ؛ لاستناد ذلك الممكن إلى الواجب استنادا محوجا إلى القدرة والعلم ونحوهما ، وجميع ذلك محال ، فتعيّن الثاني ، فيلزم كون ذاته تعالى منشأ للآثار المترتّبة على الصفات كالعلم والقدرة ، فيكون ذاته منشأ لانكشاف الأشياء كما أنّ علمنا منشأ له ، وهكذا سائر الآثار ، فيثبت المطلوب.

وأيضا : لو لم يكن تلك الصفات ثابتة له تعالى ، يلزم نقص الواجب في مرتبة الذات ، وإن لم يتفاوت الأمر بالنسبة إلى الآثار بأن كان ذاته نائب الصفات مع أنّه تعالى معط لتلك الكمالات التي لا توجب نقص الذات ، ومعطي الشيء لا بدّ أن يكون واجدا له وغير فاقد له.

وأيضا : ظواهر الآيات والأخبار (1) - نحو قوله تعالى : ( عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) (2) وغيره - دالّة على كون ذاته تعالى صاحب الصفات لا نائب الصفات ؛ لأنّ المشتقّ حقيقة فيما ثبت له المبدأ لا ما ناب عنه ، فالقول بأنّ ذاته تعالى نائب الصفات مخالف لها (3).

ويجب أن يكون اتّصافه تعالى بتلك الصفات على طريق أكمل بمعنى أنّه تعالى في اتّصافه بها لا يحتاج إلى قيام صفة زائدة به ، بل ذاته تعالى بذاته متّصف بمفاهيمها بأن يترتّب عليه بذاته ما يترتّب على غيره بصفة زائدة ، وكما أنّ الصفات في غيره منشأ لحصول آثارها ، كذلك ذاته تعالى منشأ لحصولها ؛ لئلاّ يلزم النقص في الذات بالاحتياج إلى الصفات ، وتعدّد الواجب ، أو احتياج الواجب إلى غيره المستلزم للإمكان ، وتعدّد الواجب ، أو تقدّم الشيء على نفسه إن كان ذلك العين ممكنا محتاجا إلى الواجب المؤثّر فيه تأثيرا محتاجا إلى ثبوت القدرة والعلم

ص: 289


1- انظر المصادر المتقدّمة في ص 284 من هذا الجزء.
2- النحل (16) : 70 ؛ الشورى (42) : 50.
3- نسب هذا القول إلى المعتزلة ، كما في « الفرق بين الفرق » : 78 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 70 ؛ « شرح المنظومة » قسم الفلسفة : 161.

ونحوهما ، مع أنّ العينيّة كمال بالنسبة إلى الزيادة وقد مرّ أنّ كلّ كمال ممكن في حقّه تعالى ، وواجب الثبوت له تعالى.

وصل : الاعتقاد بأنّ الصانع الواجب بالذات صاحب الصفات لا نائب الصفات من أصول المذهب الجعفريّ ولو كمالا ، ومنكره - كشارح المواقف (1) - ليس له مذهب كامل ، ومن لم يعرف ذلك الاعتقاد الحقّ ولم ينكره ، كان من المستضعفين في المذهب ، كما أنّ منكر أصل من أصول الدين خارج عن الدين ، ومن لم يعرفه ولم ينكره كان من المستضعفين في الدين.

المطلب الثالث : في بيان أنّ الصانع الواجب بالذات منزّه عن صفات النقص والكدورات
اشارة

وهي الصفات المسمّاة بالصفات السلبيّة وصفات الجلال أيضا ، وهي صفات عديدة راجعة إلى أوصاف سبعة :

منها : أنّه تعالى ليس بجوهر ؛ إذ الجوهر عبارة عن الموجود لا في الموضوع ، أو المتقوّم بنفسه ، أو محلّ الأعراض. والأوّل يقتضي زيادة الوجود على الذات. والثاني يقتضي الانفعال والعدم. والثالث يقتضي النقص. وكلّ ذلك محال في حقّه تعالى ، مع أنّ غلبة إطلاق الجوهر على الممكن توهم إمكانه تعالى لو أطلق عليه تعالى.

ومنها : أنّه تعالى ليس بعرض ؛ لأنّ العرض محتاج في وجوده إلى الغير ، وهو مناف لوجوب الوجود ، ويلزم من هذا أن لا يكون ضدّ الشيء ، ولا يكون له ضدّ ؛ إذ الضدّان عرضان لا يمكن اجتماعهما وارتفاعهما في زمان واحد من جهة واحدة بالنسبة إلى شيء واحد.

ص: 290


1- « شرح المواقف » 8 : 44 - 49.

ومنها : أنّه تعالى ليس بجسم ؛ إذ كلّ جسم محتاج إلى الغير وهو مناف لوجوب الوجود ، ويلزم من هذا أنّه تعالى ليس متحيّزا ، واقعا في مكان كما يقوله المجسّمة ؛ تمسّكا بقوله تعالى : ( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) (1) ؛ إذ معنى « استوى » استولى وغلّب للقرينة العقليّة ؛ وكذا إنّه ليس حالاّ في شيء كما يقوله الحلوليّة من الصوفيّة من أنّه تعالى يحلّ في قلوب العارفين ، بل غيرها ، كما حكي عن أبي يزيد البسطاميّ أنّه قال : « ليس في جبّتي إلاّ اللّه (2) » وعن النصارى أنّهم قالوا : إنّه تعالى حلّ في عيسى (3) ؛ وكذا إنّه تعالى ليس له جهة ؛ إذ كلّ ذي جهة إمّا جسم ، أو جسمانيّ ، وكلاهما غير واجب الوجود.

ومنها : أنّه تعالى ليس مركّبا لا من الأجزاء العقليّة - أعني الجنس والفصل - ولا من الأجزاء الخارجيّة التي هي بإزاء الأجزاء العقليّة - أعني الهيولى والصورة - والتي هي مقابلة لهما كالعناصر وغيرها ؛ لاستلزام التركيب بجميع أقسامه الاحتياج المنافي لوجوب الوجود.

ومنها : أنّه تعالى ليس ذا شريك ؛ لما سيأتي.

ومنها : أنّه تعالى ليس بمعان بمعنى أنّ الصفات الثمان السابقة - أعني العلم والقدرة وغيرهما - عين ذاته تعالى ، وليست بمعان زائدة عليه ، قائمة به كما يقوله

ص: 291


1- طه (20) : 5.
2- حكاه عنه صاحب المثنويّ في الدفتر الرابع بنحو هذا الكلام. راجع « مثنويّ معنويّ » :2. 727 ، الدفتر 4 ، البيت 2119 - 2120. ونقل من دون نسبة إلى قائل معيّن في « مفاتيح الإعجاز في شرح گلشن راز » : 312 و 2. ونسب إلى بعض العرفاء في « شرح منازل السائرين » لعبد الرزّاق الكاشانيّ : 18 و 368. ونسب إلى أبي سعيد بن أبي الخير في « شرح شطحيات » : 2. الفصل 463 ؛ « مرصاد العباد » : 321 ، الفصل 19 من الباب الثالث.
3- « شرح الأصول الخمسة » : 292 - 298 ؛ « نقد المحصّل » : 261 - 262 ؛ « كشف المراد » : 293 ؛ « مناهج اليقين » : 203 - 204 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 165 - 167 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 57 - 60 ؛ « شرح المواقف » 8 : 29 - 31 ؛ « إرشاد الطالبين » : 227 ؛ « النافع ليوم الحشر » : 19 - 21.

الأشاعرة (1) ؛ لأنّها إن كانت واجبة في صورة الزيادة ، يلزم تعدّد القدماء والواجب وقد مرّ بطلانه. وإن كانت ممكنة تكون محتاجة إلى الغير.

فإن احتاجت إلى الذات يلزم كون الشيء الواحد من جهة واحدة فاعلا وقابلا ، مضافا إلى لزوم نقص الذات والدور ، أو التسلسل في القدرة والإرادة والحياة والعلم والإدراك والكلام ؛ لتوقّف التأثير في القدرة على قدرة أخرى وهكذا.

وعلى تقدير كون تأثير الذات بالاضطرار ، يلزم مضافا إلى النقص انقلاب الماهيّة المحال ، وكذا في غيرها ، ويلزم الحدوث بالنسبة إلى السرمديّة المنافي لوجوب الوجود.

وإن احتاجت إلى غير الذات يلزم الاحتياج المنافي لوجوب الوجود ، بل يلزم التغيّر في الذات وتعدّد الواجب ؛ لامتناع صدور ذلك الغير منه تعالى قبل القدرة على هذا التقدير ، بل لا بدّ إمّا كونه واجبا أو مستندا إلى واجب آخر ، وجميع ذلك محال. ويلزم من هذا أنّه تعالى ليس محلاّ للحوادث بمعنى أن تكون صفات كماله كالقدرة حادثة في ذاته تعالى ، وأنّه تعالى ليس محلاّ للآلام لا الآلام المزاجيّة الحسّيّة - أعني إدراك ما ينافي الكمال من حيث هو كذلك - و [ لا ] الآلام العقليّة المستندة إلى العقل ، لا إحدى الحواسّ الظاهرة و [ لا ] الباطنة ؛ لاستلزامهما (2) التغيّر والإمكان المنافيين لوجوب الوجود ، وهكذا اللذّة بقسميها.

ومنها : أنّه تعالى ليس محتاجا ، بل هو غنيّ عن المكان والزمان والشكل والصورة والمحلّ والمادّة ونحوها ؛ لمنافاة الجميع لوجوب الوجود.

ويتفرّع على هذا بعض ما ذكر وكذا عدم كونه مرئيّا. بيانه أنّ الرؤية على معان :

الأوّل : الرؤية بمعنى الانكشاف التامّ العلميّ ، ولا نزاع في جواز تعلّق هذا القسم

ص: 292


1- « المحصّل » : 421 - 427 ؛ « مناهج اليقين » : 180 - 188 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 69 ؛ « شرح المواقف » 8 : 44 - 49 ؛ « إرشاد الطالبين » : 215 - 217 ؛ « النافع ليوم الحشر » : 24.
2- أي استلزام كونه محلاّ للحوادث وكونه محلاّ للآلام.

بالبارئ ، كما قال سيّد الوصيّين : « اعبد اللّه كأنّك تراه (1) » و « كيف أعبد ربّا لم أره؟ » (2).

الثاني : الرؤية بمعنى الانكشاف الحسّيّ وهو عند الطبيعيّين ما يحصل بارتسام صورة المرئيّ في عين الرائي. وعند الرياضيّين ما يحصل من اتّصال شعاع مخروط خارج من عين الرائي بالمرئيّ بحيث يكون مركزه ورأسه متّصلا ببصره ، وقاعدته متّصلا بالمرئيّ ، ولا نزاع - كما قيل - في امتناع تعلّق هذا القسم بالواجب ؛ لاختصاصه بالممكن.

الثالث : الرؤية بمعنى المعرفة الزائدة الحاصلة بعد المعرفة الحاصلة من الحدّ أو الرسم ؛ فإنّا إذا عرّفنا الشيء بالحدّ أو الرسم تحصل معرفة علميّة ، فإذا أبصر ذلك الشيء فغمض البصر ولوحظ ثانيا حصل إدراك فوق الإدراك الأوّل ، وبعد فتح البصر يحصل إدراك فوق الإدراكين السابقين ، ويسمّى هذا الإدراك رؤية.

وقد اختلف في جواز تعلّقها بالواجب ، فجوّزه الأشاعرة (3) للمؤمنين في الدار الآخرة على وجه يتنزّه به الواجب الوجود عن الجهة والمكان ، ولهذا لا يمكن حصولها في الدنيا ؛ إذ الرؤية الدنيويّة لا تحصل بلا جهة ومكان ، والواجب منزّه عنهما.

والمشبّهة القائلون بأنّ اللّه تعالى ليس بجسم ولكنّه شبيه به ، والكراميّة القائلون بأنّه تعالى جسم لا كالأجسام الممكنة يقولون بجواز [ تعلّق ] الرؤية به تعالى مع الجهة والمكان.

ص: 293


1- « الدرّ المنثور » 1 : 714 ؛ « صحيح مسلم » 1 : 37 كتاب الإيمان ، ح 1 ؛ « سنن أبي داود » 4 : 224 كتاب السنّة ، باب في القدر ، ح 4695 ؛ « سنن ابن ماجة » 1 : 24 ، المقدّمة ، باب في الإيمان ، ح 63.
2- « بحار الأنوار » 4 : 54 ، ح 34 و 36 : 406 ، ح 16.
3- لمزيد الاطّلاع حول الأقوال في الرؤية راجع « شرح الأصول الخمسة » : 232 - 277 ؛ « المغني » : 4 : 243 ؛ « المحصّل » : 441 - 454 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 266 - 307 ؛ « نقد المحصّل » : 316 - 322 ؛ « كشف المراد » : 296 - 299 ؛ « مناهج اليقين » : 210 - 213 ؛ « شرح المواقف » : 8 : 115 - 143 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 181 - 211 ؛ « إرشاد الطالبين » : 241 - 249 ؛ « النافع ليوم الحشر » : 22 - 23 ؛ « شرح الأسماء » للسبزواريّ : 509 - 519.

وتمسّك الأشاعرة بسؤال موسى علیه السلام ؛ حيث قال : ( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ) (1) لأنّ موسى علیه السلام لم يكن ممّن يسأل عن الممتنع ، وتعليق الرؤية باستقرار الجبل الممكن يقتضي الإمكان أيضا ، وبقوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (2). ودلالته ظاهرة.

والجواب عن الأوّل أوّلا - بعد منافاة مقتضاه الظاهر لمدّعاهم ؛ حيث يدلّ على تقدير تسليم الدلالة على جواز رؤيته في الدنيا - أنّ سؤال موسى علیه السلام كان لإسكات قومه ولم يكن سؤالا حقيقيّا ، ولا أقلّ من كونه لحصول زيادة الاطمئنان كما في سؤال إبراهيم علیه السلام بقوله : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) (3) واستقرار الجبل لم يكن ممكنا كما لم يتحقّق.

وثانيا : أنّ الآية - على تقدير دلالتها - ظاهرة مدفوعة بالإجماع القاطع ، والعقل الذي هو النور الساطع.

وعن الثاني : أنّ كلمة « إلى » مشتركة بين المعنى الاسميّ - وهو معنى ما هو مفرد الآلاء بمعنى النعم - وبين المعنى الحرفيّ وهو انتهاء الغاية. والمراد هو الأوّل لا الثاني ، ولا أقلّ من الاحتمال المنافي للاستدلال. مضافا إلى أنّ الإجماع والعقل القطعيّين يدفعان الظاهر.

وأيضا : إن كان هذا الإدراك هو الانكشاف العلميّ ، فهو خارج عن محلّ النزاع.

وإن كان عبارة عن الانكشاف البصريّ - كما حكي عن بعضهم أنّه لا يمتنع أن يحصل لأبصار المؤمنين في الآخرة حالة بقدر معرفتهم ليشاهدوا بها نور الوجود الواجبيّ ، بناء على مبناهم الفاسد من جواز حصول كلّ شيء لكلّ شيء كحصول العلم بجميع

ص: 294


1- الأعراف (7) : 143.
2- القيامة (75) : 22.
3- البقرة (2) : 260.

الفنون للجماد بما هو جماد وحصول آثار النار للماء وبالعكس ونحوهما بسبب عدم مدخليّة القابليّة والاستعداد والمصالح والمفاسد في إيجاد الأشياء - فلا شبهة في امتناعه ؛ لاستلزامه الشكل والصورة والجهة والمكان وسائر ما يستلزمه الجسميّة ، وكلّ ذلك مستلزم للإمكان والاحتياج المنافيين لوجوب الوجود.

فالحقّ امتناع تعلّق الرؤية بالقسمين الأخيرين بالواجب تعالى ، كما قال تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) (1) ونحو ذلك من الآيات والأخبار ، بل هو ضروريّ المذهب ، ومنكره كافر بالكفر المقابل للإيمان ، المفضي إلى الخلود في النيران والبعد عن رحمة الرحمن ، أعاذنا اللّه عن ذلك بحقّ سيّدي شباب أهل الجنان.

وإلى ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان الشارح القوشجي بقوله : « ( والشريك ) يعني وجوب الوجود يدلّ على نفي الشريك في الوجوب أي لا يمكن تعدّد الواجب ، وإلاّ فالتعيّن الذي به الامتياز إن كان نفس الماهيّة الواجبة ، أو معلّلا بها ، أو بلازمها ، فلا تعدّد. وإن كان معلّلا بأمر منفصل ، فلا وجوب بالذات ؛ لامتناع احتياج الواجب في تعيّنه إلى أمر منفصل ؛ لأنّ الاحتياج في التعيّن يقتضي الاحتياج في الوجود ؛ إذ الشيء ما لم يتعيّن لم يوجد.

أقول : هذا من قبيل اشتباه المفهوم بما صدق ؛ فإنّ الماهيّة الواجبة أريد بها في أوّل شقّي الترديد مفهومها ، وفي الآخر ما صدقت هي عليه ليستقيم الكلام ؛ فإنّ قوله : « إن كان نفس الماهيّة الواجبة فلا تعدّد » إن أريد بالواجب ما صدق عليه ، ورد المنع على اللزوم ؛ فإنّه يجوز أن يوجد واجبان تعيّن كلّ واحد منهما نفس ذاته ، فلا محذور.

وكذا قوله : وإن كان معلّلا بأمر منفصل عن الواجب فلا وجوب بالذات ، إن أريد به المفهوم ، ورد المنع على اللزوم ؛ فإنّه يجوز أن يكون تعيّن كلّ واجب

ص: 295


1- الأنعام (6) : 103.

معلّلا بأمر منفصل عن مفهوم الواجب - أعني ذات الواجب - فلا محذور.

لا يقال : لا انفصال بين ذات الواجب ومفهومه.

لأنّا نقول : فحينئذ يكون شقّا خامسا نختاره في الجواب.

وأيضا : لو كان الواجب أكثر من واحد ، لكان لكلّ منهما تعيّن ضرورة وحينئذ إمّا أن يكون بين الوجوب والتعيّن لزوم ، أو لا ، فإن لم يكن بل جاز انفكاكهما لزم جواز الوجوب بدون التعيّن ، وهو محال ؛ لأنّ كلّ موجود متعيّن ، أو جواز التعيّن بدون الوجوب ، وهو ينافي كون الوجوب ذاتيا ، بل يستلزم كون الواجب ممكنا ؛ حيث تعيّن بلا وجوب.

وإن كان بين الوجوب والتعيّن لزوم ، فإن كان الوجوب بالتعيّن لزم تقدّم الوجوب على نفسه ؛ ضرورة تقدّم العلّة على المعلول بالوجود والوجوب ، وإن كان التعيّن بالوجوب أو كلاهما بالذات لزم خلاف المفروض ، وهو تعدّد الواجب ؛ لأنّ التعيّن المعلول لازم غير متخلّف ، فلا يوجد الواجب بدونه.

وإن كان التعيّن والوجوب لأمر منفصل ، لم يكن الواجب واجبا بالذات ؛ لاستحالة احتياجه في الوجوب والتعيّن ، بل في أحدهما إلى أمر منفصل ، وهو ظاهر.

أقول : قوله : لزم تقدّم الوجوب على نفسه ضرورة تقدّم العلّة على المعلول بالوجود والوجوب ، فيه أنّ تقدّم العلّة على المعلول بالوجود والوجوب إنّما هو على تقدير كون المعلول موجودا خارجيّا والمعلول هنا ليس كذلك ؛ لما سبق من أنّ الوجوب من الأمور الاعتباريّة ، ولو سلّم فالموقوف مغاير للموقوف عليه ؛ لأنّ أحدهما وجوب الذات ، والآخر وجوب التعيّن.

وأيضا قوله : إمّا أن يكون بين الوجوب والتعيّن لزوم أولا ، إن أراد بالتعيّن الواحد المعيّن من التعيّنين ، نختار أن لا لزوم بينه وبين الوجوب.

قوله : بل إن جاز انفكاكهما لزم جواز الوجوب بدون التعيّن. قلنا : ممنوع ، وإنّما يلزم لو لم يكن هناك تعيّن آخر.

ص: 296

وإن أراد بالتعيّن أحد التعيّنين لا على التعيين ، فقوله : وإن كان التعيّن بالوجوب أو كلاهما بالذات ، لزم خلاف المفروض وهو تعدّد الواجب ، ممنوع.

قوله : لأنّ التعيّن المعلول لازم غير متخلّف ، قلنا : ممنوع ؛ لكون لزوم أحد التعيّنين لا على التعيين لا ينافي التعدّد.

( و ) هو أعني وجوب الوجود يدلّ على نفي ( المثل ) أيضا أي الواجب لا يكون له مثل ، وإلاّ لكان لكلّ من المثلين ماهيّة مشتركة بينهما ، ووجود عارض ؛ لامتناع تركّب الواجب كما سيأتي ، لكنّ الواجب لا يكون وجوده عارضا ؛ لما تقدّم بيانه.

( و ) يدلّ على نفي ( التركيب ) أيضا ( بمعانيه ) يعني التركيب من الأجزاء العقليّة كالمركّب من الجنس والفصل ، والتركيب من الأجزاء الخارجيّة كالتركيب من الجدران والسقف ؛ لما بيّنّا أنّ الواجب لا يكون مركّبا لا ذهنا ولا خارجا.

( و ) على نفي ( الضدّ ) أيضا لأنّ الضدّ يقال لمشارك في الموضوع معاقب ، والواجب لا يكون في الموضوع

( و ) على نفي ( التحيّز ) أيضا يعني أنّ الواجب لا يكون متحيّزا ، وإلاّ لزم إمكان الواجب ووجوب الممكن ؛ لأنّه لو كان في مكان ، لكان محتاجا إليه ضرورة ، والمحتاج إلى الغير ممكن ، فيلزم إمكان الواجب ، ولكان المكان مستغنيا عنه ؛ لأنّ المكان قد يوجد بدون المتمكّن ؛ لإمكان الخلاء والمستغني عن الواجب يكون مستغنيا عمّا سواه ؛ إذ لو احتاج إلى الغير ، فذلك الغير إمّا واجب أو ممكن محتاج إلى الواجب ، وعلى التقديرين يلزم الاحتياج إلى الواجب ، وهو خلاف المفروض ، فيلزم وجوب الممكن.

أقول : اللازم من تحيّز الواجب هو الاحتياج إلى الغير في التمكّن لا في الوجود ،

ص: 297

والمتمكّن هو المحتاج إلى الغير في الوجود لا في أمر آخر غيره ، فلا يلزم إمكان الواجب.

وأيضا : استغناء المكان عن المتمكّن في وجوده ممنوع.

قوله : لأنّ المكان قد يوجد بدون المتمكّن ، قلنا : ممنوع لو لم يكن المتمكّن هو الواجب كما في فرضنا هذا.

وأيضا : لو كان متحيّزا ، فإمّا أن يكون في جميع الأحياز ، فيلزم تداخل المتحيّزات ، ومخالطة الواجب لما لا ينبغي من القاذورات ، وإمّا أن يكون في البعض دون البعض ، فإن كان المخصّص لزم احتياج الواجب إلى ذلك المخصّص ، وإلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح.

أقول : يجوز أن يكون المخصّص هو الإرادة ، على أنّ الاحتياج المستحيل هو احتياج الواجب في وجوده لا احتياجه في صفة أخرى ، كما ذكرنا آنفا.

وأيضا لو كان في مكان لكان المكان قديما ، وقد بيّنّا أنّ العالم حادث.

وأيضا لو كان متحيّزا ، لكان جوهرا ؛ لاستحالة كون الواجب عرضا ، فإمّا أن لا ينقسم ، وحينئذ يكون جزءا لا يتجزّأ وهو أحقر الأشياء ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا ، أو ينقسم وحينئذ يكون جسما ، وكلّ جسم حادث ؛ لما بيّنّا من حدوث الأجسام ، ومركّبا أيضا ، فيلزم حدوث الواجب وتركّبه.

( و ) على نفي ( الحلول ) أيضا وهو الحصول على سبيل التبعيّة ؛ فإنّه ينفي الوجوب الذاتي.

وأيضا إن حلّ في شيء ، فمحلّه إن قبل الانقسام لزم انقسامه بحسب انقسام المحلّ وتركّبه ، وإن لم ينقسم ، كان الواجب أحقر الأشياء.

أقول : هذا لا ينافي كونه حالاّ في مجرّد. وذهب بعض المتصوّفة إلى أنّ اللّه يحلّ في العارفين ، والنصارى إلى حلوله في عيسى علیه السلام فإن أرادوا بالحلول هذا المعنى فباطل. وإن أرادوا غير ذلك فلا يمكن نفيه وإثباته إلاّ بعد تصوّر معناه.

ص: 298

( و ) يدلّ على نفي ( الاتّحاد ) أيضا ؛ لما ذكرنا من أنّ الاثنين لا يتّحدان.

أقول : في جعله من فروع وجوب الوجود نظر لا يخفى على المتأمّل.

وقال بعض المتصوّفة : إذا انتهى العارف نهاية مراتبه انتفت هويّته ، فصار الموجود هو اللّه وحده ، وهذه المرتبة هو الفناء في التوحيد ، فإن كان المراد بالاتّحاد ما ذكرنا فلا شكّ أنّه باطل. وإن كان المراد غيره ، فلا يمكن نفيه أو إثباته إلاّ بعد تصوّر ما هو المراد.

( و ) يدلّ على نفي ( الجهة ) ؛ لأنّ كلّ ما هو في جهة فهو جسم وجسمانيّ ، وكلّ منهما ممكن ، بل حادث ؛ لما بيّنّا من حدوث الأجسام.

( و ) يدلّ على نفي ( حلول الحوادث فيه ) أيضا اتّفق الجمهور على أنّ الواجب يمتنع أن يتّصف بالحادث أي الموجود بعد العدم خلافا للكراميّة (1).

أمّا اتّصافه بالسلوب والإضافات الحاصلة بعد ما لم يكن (2) - ككونه غير رازق لزيد الميّت ، رازقا لعمرو الموجود - وبالصفات الحقيقيّة المتغيّرة المتعلّقات - ككونه عالما بهذا الحادث ، قادرا عليه - فجائز.

واستدلّوا عليه بوجوه :

الأوّل : أنّه لو جاز اتّصافه بالحادث لجاز النقصان عليه ، وهو باطل بالإجماع.

ووجه اللزوم : أنّ ذلك الحادث إن كان من صفات الكمال كان الخلوّ عنه مع جواز الاتّصاف به نقصا بالاتّفاق ، وقد خلا عنه قبل حدوثه ، وإن لم يكن من صفات الكمال امتنع اتّصاف الواجب ؛ للاتّفاق على أنّ كلّ ما يتّصف هو به يلزم أن يكون صفة كمال.

ص: 299


1- « إرشاد الطالبين » : 232 - 233 ؛ « النافع ليوم الحشر » : 21 - 22 ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : 136.
2- أي بعد ما لم يكن الاتّصاف.

واعترض بأنّا لا نسلّم أنّ الخلوّ عن صفة الكمال نقص ، وإنّما يكون لو لم يكن حال الخلوّ متّصفا بكمال يكون زواله شرطا لحدوث هذا الكمال ، وذلك بأن يتّصف دائما بنوع كمال متعاقب أفراده بغير بداية ونهاية ، ويكون حصول كلّ لاحق مشروطا بزوال السابق على ما ذكره الحكماء في حركات الأفلاك ، فالخلوّ عن كلّ فرد يكون شرطا لحصول كمال ، بل الاستمرار كمالات غير متناهية ، فلا يكون نقصا.

وأجيب بأنّ ذات الواجب حينئذ لا يخلو عن الحوادث ، فهو حادث ؛ إذ لو كان قديما لزم وجود الحادث في الأزل ، وأنّه محال.

أقول : الملازمة ممنوعة.

الثاني - وهو المعتمد عند الحكماء - : أنّ الاتّصاف بالحادث تغيّر ، وهو على اللّه تعالى محال.

واعترض عليه أنّه إن أريد بالتغيّر مجرّد الانتقال من حال إلى حال ، فالكبرى نفس المتنازع فيه.

وإن أريد تغيّر في الواجبيّة ، أو تأثّر وانفعال عن الغير ، فالصغرى ممنوعة ؛ لجواز أن يكون الحادث معلول الذات بطريق الاختيار ، أو بطريق الإيجاب بأن يقتضي صفة كماليّة متلاحقة الأفراد ، مشروطا ابتداء كلّ بانقضاء الآخر ، كحركات الأفلاك عندهم.

الثالث : أنّه لو اتّصف بالحادث لزم جواز أزليّة الحادث بوصف الحادث ، وهو باطل ؛ ضرورة أنّ الحادث ما له أوّل ، والأزليّ ما لا أوّل له.

ووجه اللزوم أنّه يجوز الاتّصاف بذلك الحادث في الأزل ؛ إذ لو امتنع لاستحال انقلابه إلى الجواز ، وجواز الاتّصاف بالشيء في الأزل يقتضي جواز وجود ذلك الشيء في الأزل ، فيلزم جواز وجود الحادث في الأزل.

وجوابه : أنّ اللازم من استحالة الانقلاب جواز الاتّصاف في الأزل على أن يكون الأزل قيدا للجواز ، وهو لا يستلزم إلاّ أزليّة جواز الحادث لا جواز الاتّصاف

ص: 300

في الأزل - على أن يكون الأزل قيدا للاتّصاف - ليلزم جواز أزليّة الحادث.

ولا خفاء في أنّ المحال جواز أزليّة الحادث بمعنى إمكان أن يوجد في الأزل لا أزليّة جوازه ، بمعنى أن يمكن في الأزل وجوده في الجملة.

وهذا كما يقال : إنّ قابليّة الإله لإيجاد العالم متحقّقة في الأزل ، بخلاف قابليّته تعالى لإيجاد العالم في الأزل أي يمكن في الأزل أن يوجده ، ولا يمكن أن يوجده في الأزل ، ومعنى الكلام أن يعتبر الحادث بشرط الحدوث ، وإلاّ فلا خفاء في إمكان وجوده في الأزل.

الرابع : أنّه لو جاز اتّصافه بالحادث لزم عدم خلوّه عن الحادث ، فيكون حادثا ؛ لما سبق من أنّ كلّ ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.

أمّا الملازمة ، فلوجهين :

أحدهما : أنّ المتّصف بالحادث لا يخلو عنه وعن ضدّه ، وضدّ الحادث حادث ؛ لأنّه ينقطع عن الحادث ، ولا شيء من القديم كذلك ؛ لما تقرّر من أنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه.

وثانيهما : أنّه (1) لا يخلو عنه وعن قابليّته وهي حادثة ؛ لما مرّ من أنّ أزليّة القابليّة تستلزم جواز أزليّة قابليّة المقبول ، فيلزم جواز أزليّة الحادث ، وهو محال.

وكلا الوجهين ضعيف :

أمّا الأوّل ، فلأنّه إن أريد بالضدّ ما هو المتعارف ، فلا نسلّم أنّ لكلّ صفة ضدّا ، وأنّ الموصوف لا يخلو عن الضدّين ، وإن أريد مجرّد ما ينافيه وجوديّا كان أو عدميّا حتّى أنّ عدم كلّ شيء ضدّ له ويستحيل الخلوّ عنهما ، فلا نسلّم أنّ ضدّ الحادث حادث ؛ فإنّ القدم والحدوث إن جعلا من صفات الموجود خاصّة ، فعدم الحادث قبل وجوده ليس بقديم ولا حادث ، وإن أطلقا على المعدوم أيضا باعتبار كونه غير مسبوق بالوجود ، أو مسبوقا به ، فهو قديم ، وامتناع زوال القديم إنّما هو في

ص: 301


1- أي المتّصف بالحادث.

الموجود ؛ لظهور زوال العدم الأزلي لكلّ حادث.

وأمّا الثاني ، فلأنّ القابلية اعتبار عقليّ معناه إمكان الاتّصاف ، ولو سلّم فأزليّتها إنّما تقتضي أزليّة جواز المقبول - أي إمكانه - لا جواز أزليّته ليلزم المحال ، وقد عرفت الفرق.

واحتجّ الخصم بوجوه :

الأوّل : الاتّفاق على أنّه تعالى متكلّم سميع بصير ، ولا يتصوّر هذه الأمور إلاّ بوجود المخاطب والمسموع والمبصر وهي حادثة ، فوجب حدوث هذه الصفات القائمة بذاته تعالى.

وأجيب بأنّ الحادث متعلّق تلك الصفات ، وأنّه إضافة يجوز تجدّدها.

الثاني : أنّ المصحّح للقيام به تعالى إمّا كونه صفة ، فيعمّ هذا المصحّح الحادث ، أو كونه صفة مع وصف القدم ، وهو كونه غير مسبوق بالعدم ، وأنّه [ سلب ] لا يصلح جزءا للمؤثّر في الصحّة ، فتعيّن الأوّل ، فيصحّ قيام الصفة الحادثة به.

والجواب منع الحصر ؛ لجواز أن يكون المصحّح حقيقة الصفة القديمة المخالفة لحقيقة الصفة الحادثة ، فلا يلزم اشتراك الصحّة.

ولو سلّم فيجوز أن يكون القدم شرطا أو الحدوث مانعا.

الثالث : أنّه تعالى صار خالقا للعالم بعد ما لم يكن وصار عالما ؛ لأنّه وجد بعد أن كان عالما بأنّه سيوجد ، فقد حدث فيه صفة الخالقيّة وصفة العلم.

وأجيب بأنّ التغيّر في الإضافات ؛ فإنّ العلم صفة حقيقيّة ، لها تعلّق بالمعلوم يتغيّر ذلك التعلّق بحسب تغيّره ، والخالقيّة من الصفات الإضافيّة ، أو من الحقيقيّة والمتغيّر تعلّقها بالمخلوق لا نفسها.

وقالت الكراميّة : أكثر العقلاء يوافقوننا في قيام الصفة الحادثة بذاته تعالى وإن أنكروه باللسان ؛ فإنّ الجبائيّة قالوا : إنّ الإرادة والكراهة حادثتان لا في محلّ ، لكنّ المريديّة والكارهيّة حادثتان في ذاته تعالى ، وكذا السامعيّة والمبصريّة تحدث

ص: 302

بحدوث المسموع والمبصر.

وأبو الحسين يثبت علوما متعدّدة. والأشعريّة يثبتون النسخ ، وهو إمّا رفع الحكم القائم بذاته تعالى ، أو انتهاؤه ، وهما عدم بعد الوجود ، فيكونان حادثين.

والفلاسفة قالوا بوجود الإضافات مع عروض المعيّة والقبليّة المتّحدتين لذاته تعالى.

وأجيب بأنّ التغيّر في الإضافات وهو جائز كما ذكرنا آنفا ، وتحرير محلّ النزاع أنّ الصفات على ثلاثة أقسام :

حقيقيّة محضة كالحياة ، وحقيقيّة ذات إضافة كالعلم والقدرة ، وإضافيّة محضة كالمعيّة والقبليّة ؛ وفي عدادها الصفات السلبيّة.

ولا يجوز بالنسبة إلى ذاته تعالى التغيّر في القسم الأوّل مطلقا. وأمّا القسم الثاني ، فإنّه لا يجوز التغيّر في نفسه ويجوز في تعلّقه.

أقول : الأدلّة المذكورة لو تمّت لدلّت على امتناع التغيّر في صفاته مطلقا أي من أيّ قسم كان ، وتخصيص الدعوى مع عموم الأدلّة خطأ.

( و ) يدلّ على نفي ( الحاجة ) أيضا يعني واجب الوجود لا يكون محتاجا في وجوده وفيما يتوقّف عليه وجوده إلى أمر غير ذاته ، وإلاّ لم يكن واجبا لذاته.

( و ) يدلّ على نفي ( الألم مطلقا ) يعني سواء كان مزاجيا أو عقليا ؛ فإنّ الواجب لا يتألّم أصلا ؛ لأنّ الألم إدراك المنافي من حيث هو مناف ، واللّه تعالى منزّه عن أن يكون شيء منافيا له ؛ إذ الشيء لا يكون منافيا لمبدئه.

( و ) يدلّ على نفي ( اللّذّة المزاجيّة ) لأنّها من توابع المزاج ، وظاهر أنّه مستحيل على واجب الوجود. وخصّ اللّذّة بالمزاجيّة ؛ لأنّ الحكماء يثبتون له (1) اللذّة العقليّة ؛

ص: 303


1- أي للمزاج.

فإنّهم يقولون : اللذّة إدراك الملائم من حيث هو ملائم ، فمن أدرك كمالا في ذاته التذّ به ، وذلك ضروريّ يشهد به الوجدان.

ثمّ إنّ كماله تعالى أجلّ الكمالات ، وإدراكه أقوى الإدراكات ، فوجب أن تكون لذّته أقوى اللذّات ، ولذلك قالوا : أجلّ مبتهج هو المبدأ الأوّل بذاته تعالى (1).

واعترض (2) عليه بأنّه إن أريد أنّ الحالة التي نسمّيها اللّذّة هي نفس إدراك الملائم ، فغير معلوم. وإن أريد أنّها حاصلة عند إدراك الملائم ، فربما يختصّ ذلك بإدراكنا دون إدراكه ؛ فإنّهما مختلفان قطعا.

( والمعاني والأحوال والصفات الزائدة عينا ) يعني وجوب الوجود يدلّ على نفي المعاني ، خلافا للشيخ أبي الحسن الأشعريّ (3) ؛ فإنّه قال : إنّ لله تعالى معاني قائمة بذاته هي العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام والسمع والبصر ، وعلى نفي الأحوال خلافا لأبي هاشم ؛ فإنّه قال : إنّ لله تعالى أحوالا مثل العالميّة والقادريّة والمريديّة والحيّية وغيرها ، وعلى نفي الصفات الزائدة في الأعيان خلافا لطائفة من المعتزلة ؛ فإنّهم قالوا : إنّ لله تعالى صفات زائدة في الأعيان ، واختار المصنّف نفي هذه الأمور كلّها ؛ لأنّ وجوب الوجود دلّ (4) على نفيها ؛ لأنّ هذه الأمور إن كانت واجبة لذواتها لزم تعدّد الواجب ، وقد أبطلناه. وإن كانت ممكنة لذواتها فالموجب لها إن كان هو ذات الواجب لزم أن يكون الواجب قابلا وفاعلا وهو باطل. وإن كان غيره لزم افتقار الواجب إلى غيره.

واعترض عليه بأنّه لم يثبت امتناع كون الواحد قابلا وفاعلا.

( و ) كذا وجوب الوجود يدلّ على نفي ( الرؤية ).

ص: 304


1- قاله ابن سينا ، كما في « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 3 : 359.
2- المعترض هو الفخر الرازيّ انظر المصدر السابق.
3- راجع ص 286 من هذا الجزء.
4- في المصدر : « دالّ ».

ذهب الأشاعرة إلى أنّه تعالى يجوز أن يرى ، وأنّ المؤمنين في الجنّة يرونه منزّها عن المقابلة والجهة والمكان. وخالفهم في ذلك جميع الفرق ؛ فإنّ المشبّهة والكراميّة إنّما يقولون برؤيته في الجهة والمكان ؛ لكونه عندهم جسما ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

ولا نزاع للنافين في جواز الانكشاف التامّ العلميّ ، ولا للمثبتين في امتناع ارتسام صورة من المرئيّ في العين ، أو اتّصال الشعاع الخارج من العين بالمرئيّ ، وإنّما محلّ النزاع أنّا إذا عرفنا الشمس - مثلا - بحدّ أو رسم ، كان نوعا من المعرفة ، ثمّ إذا أبصرناها وغمضنا العين ، كان نوعا آخر فوق الأوّل ، ثمّ إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأوّلين نسمّيها الرؤية ولا يتعلّق في الدنيا إلاّ بما هو في جهة ومكان ، فمثل هذه الحالة الإدراكيّة هل يصحّ أن يقع بدون المقابلة والجهة وأن يتعلّق بذات اللّه تعالى منزّها عن الجهة والمكان ، أولا؟

ولهم على الإمكان من المنقول قوله تعالى حكاية عن موسى : ( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ) (1).

والاحتجاج من وجهين :

أحدهما : أنّ موسى علیه السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالى مرئيّا ، لما سأل ؛ لأنّه حينئذ إمّا أن يعلم امتناعه ، أو يجهله ، فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال ؛ لأنّه عبث ، وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على اللّه تعالى ويمتنع لا يكون نبيّا كليما ، وقد وصفه اللّه تعالى بذلك في كتابه ، بل ينبغي أن لا يصلح للنبوّة ؛ إذ المقصود من البعث هو الدعوة إلى العقائد الحقّة والأعمال الصالحة.

وثانيهما : أنّه تعالى علّق الرؤية على استقرار الجبل ، وهو أمر ممكن في نفسه ، والمعلّق على الممكن ممكن ؛ لأنّ معنى التعليق أنّ المعلّق يقع على تقدير وقوع المعلّق عليه ، والمحال لا يقع على شيء من التقادير.

ص: 305


1- الأعراف (7) : 143.

واعترض على الأوّل بوجوه :

الأوّل : أنّ موسى علیه السلام لم يسأل الرؤية ، بل تجوّز بها عن العلم الضروريّ ؛ لأنّه لازمها ، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع سيّما استعمال رأى بمعنى علم وأرى بمعنى أعلم ، فكأنّه قال : اجعلني عالما بك علما ضروريّا.

وأجيب بأنّ الرؤية وإن استعملت بمعنى العلم لكن هاهنا يمتنع حملها عليه بوجوه :

الأوّل : أنّه لو كانت بمعنى العلم لكان النظر المترتّب عليها بمعناه أيضا ، لكنّ النظر الموصول بإلى نصّ في الرؤية.

الثاني : أنّه يلزم أن لا يكون موسى علیه السلام عالما بربّه ضرورة مع أنّه يخاطبه ، وذلك لا يعقل ؛ لأنّ المخاطب في حكم الحاضر المشاهد.

الثالث : أنّه لا يكون الجواب حينئذ مطابقا للسؤال ؛ لأنّ قوله : ( لَنْ تَرانِي ) نفي لرؤيته تعالى ، لا للعلم الضروريّ بإجماع المعتزلة.

الثاني : أنّ الكلام على حذف المضاف ، والمعنى أرني آية من آياتك أنظر إلى آيتك.

أجيب من ذلك بأنّه لا يستقيم أمّا أوّلا ، فلأنّ الجواب حينئذ لا يطابق السؤال ؛ لأنّ قوله : ( لَنْ تَرانِي ) على ما ذكرنا من الإجماع نفي لرؤيته تعالى ، لا لرؤية آية من آياته.

وأمّا ثانيا ، فلأنّ اندكاك الجبل أعظم آية من آياته تعالى ، فكيف يستقيم نفي رؤية الآية؟!.

وأمّا ثالثا ، فلأنّ الآية إنما هي عند اندكاك الجبل لا استقراره ، فكيف يصحّ تعلّق رؤيتها بالاستقرار؟!

الثالث : أنّ موسى علیه السلام إنّما سأل الرؤية بسبب قومه لا لنفسه ؛ لأنّه كان عالما بامتناعها ، لكن قومه اقترحوا عليه وقالوا : أرنا اللّه جهرة ، فسأل ليمنع ، فيعلم قومه امتناعها.

ص: 306

وأجيب بأنّه - مع مخالفته الظاهر ، حيث لم يقل : أرهم ينظروا إليك - فاسد من وجوه :

أمّا أوّلا ، فلأنّهم لمّا سألوا وقالوا : أرنا اللّه جهرة ، زجرهم اللّه تعالى وردعهم بأخذ الصاعقة ، فلم يحتج موسى في زجرهم إلى سؤال الرؤية ، وليس في أخذ الصاعقة دلالة على امتناع المسئول ؛ لجواز أن يكون ذلك بقصدهم إعجاز موسى علیه السلام عن الإتيان بما طلبوه تعنّتا ، لا لامتناع ما طلبوه.

وأمّا ثانيا ، فلأنّ تجويز الرؤية باطل ، بل كفر عند أكثر المعتزلة ، فلا يجوز لموسى علیه السلام تأخير الردّ وتقرير الباطل ، ألا ترى أنّهم لمّا قالوا : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، ردّ عليهم من ساعته بقوله : ( إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) (1).

وأمّا ثالثا ، فلأنّهم إن كانوا مؤمنين بموسى علیه السلام مصدّقين بكلامه ، كفاهم إخباره بامتناع الرؤية من غير طلب للمحال ، ومشاهدة لما جرت من الأحوال والأهوال ، وإلاّ لم يفسد الطلب (2) والجواب (3) ؛ لأنّهم وإن سمعوا الجواب فهو علیه السلام المخبر بأنّه كلام اللّه تعالى.

وردّ هذا بأنّهم كانوا مؤمنين لكن لمّا لم يعلموا مسألة الرؤية ، وظنّوا جوازها عند سماع الكلام ، فاختار موسى علیه السلام في الردّ عليهم طريق السؤال والجواب من اللّه ليكون أوثق عندهم ، وأهدى إلى الحقّ ؛ وأضاف موسى علیه السلام الرؤية إلى نفسه دونهم ؛ لئلاّ يبقى لهم عذر ، ولا يقولوا : لو سأله لنفسه لرآه ؛ لعلوّ قدره عند اللّه.

الرابع : أنّه سأل الرؤية مع علمه بامتناعها ؛ لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل العقل والسمع ، كما في طلب إبراهيم أن يريه كيفيّة إحياء الأموات.

ص: 307


1- الأعراف (7) : 138.
2- أي قوله : « أرني ».
3- أي قوله : « لن تراني ».

الخامس : أنّ معرفة اللّه لا تتوقّف على العلم بمسألة الرؤية ، فيجوز أن يكون (1) - لاشتغاله بسائر العلوم والوظائف الشرعيّة - لم تخطر بباله هذه المسألة حتّى سألوها منه ، فطلب العلم ، أو خطرت بباله وكان ناظرا فيها وكان طالبا للحقّ ، فاجترأ على السؤال ليتبيّن له جليّة الحال.

وأجيب بأنّ التزام جهل النبيّ المصطفى بالتكلّم [ ذاهل (2) ] في معرفة اللّه - سبحانه وتعالى - وما يجوز عليه ويمتنع ، دون آحاد المعتزلة ومن حصّل طرفا من علم الكلام هي البدعة الشنعاء والطريقة العوجاء التي لا يسلكها أحد من العقلاء.

وعلى الوجه الثاني (3) أيضا بأنّه لم يعلّق الرؤية على استقرار الجبل مطلقا ، أو حالة السكون ليكون ممكنا ، بل عقيب النظر ؛ بدلالة الفاء وهو حالة التزلزل والاندكاك ، ولا نسلّم إمكان الاستقرار حينئذ.

وأجيب بأنّها علّقت على استقرار الجبل من حيث هو من غير قيد بحال السكون أو الحركة ، وإلاّ لزم الإضمار في الكلام.

فإن قيل : استقرار الجبل واقع في الدنيا ، فيلزم وقوع الرؤية فيها.

قلنا : المراد استقرار الجبل من حيث هو من غير قيد بحال حركة أو سكون ، لكن في المستقبل وعقيب النظر ؛ بدليل الفاء « وإن » فلا يرد السكون السابق واللاحق.

فإن قيل : وجود الشرط لا يستلزم وجود المشروط.

قلنا : ذلك في الشرط بمعنى ما يتوقّف عليه الشيء ، ولا يكون داخلا. وأمّا الشرط التعليقيّ فمعناه ما يتمّ به علّيّة العلّة ، وآخر ما يتوقّف عليه الشيء وما جعل بمنزلة الملزوم لما علّق عليه.

وأيضا الاستقرار حال الحركة ممكن بأن يحصل بدل الحركة السكون ، ومن

ص: 308


1- الضمير المستتر راجع إلى موسى علیه السلام .
2- الكلمة غير موجودة في المصدر.
3- أي واعترض على الوجه الثاني من وجوه الاحتجاج.

المعقول أنّا نرى الأعراض كالألوان والأضواء وغيرهما من الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ، وذلك ظاهر ، ونرى الجواهر أيضا ؛ لأنّا نرى الطول والعرض في الجسم ؛ ولهذا نميّز الطويل عن العريض ، ونميّز الطويل عن الأطول ، وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم ؛ لما تقرّر من أنّه مركّب من الجواهر الفردة ، فالطول إن قام بجزء واحد منها ، فذلك الجزء يكون أكبر حجما من الجزء الآخر ، فتقبل القسمة ، هذا خلف. وإن قام بأكثر من جزء واحد ، لزم قيام العرض بمحلّين وهو محال ، فرؤية الطول هي رؤية الجواهر التي تركّب منها الجسم ، فيثبت أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض ، وهذه الصحّة ، لها علّة مختصّة بحال وجودهما ؛ وذلك لتحقّقها عند الوجود وانتفائها عند العدم ؛ فإنّ الأجسام والأعراض لو كانت معدومة لاستحال كونها مرئيّة بالضرورة والاتّفاق ، ولو تحقّق أمر مصحّح حال الوجود غير متحقّق حال العدم لكان اختصاص الصحّة بحال الوجود ترجيحا بلا مرجّح ؛ لأنّ نسبة الصحّة - على تقدير استغنائها عن العلّة - إلى طرفي الوجود والعدم على السواء وهذه العلّة المصحّحة للرؤية لا بدّ أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض ؛ لكون معلولها مشتركا بينهما ، وإلاّ لزم تعليل الأمر الواحد - وهو صحّة كون الشيء مرئيّا - بالعلل المختلفة وهي الأمور المختصّة إمّا بالجوهر ، وإمّا بالعرض ، وهو غير جائز ؛ لما مرّ في مبحث العلل.

وهذه العلّة المشتركة إمّا الوجود أو الحدوث ؛ إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما ؛ فإنّ الأجسام لا توافق الألوان في صفة عامّة يتوهّم كونها مصحّحة سوى هذين ، لكنّ الحدوث لا يصلح أن يكون علّة للصحّة ؛ لأنّه عبارة عن الوجود مع اعتبار عدم سابق ، والعدم لا يصلح أن يكون جزءا للعلّة ؛ لأنّ التأثير صفة إثبات ، فلا يتّصف به العدم ولا ما هو مركّب منه.

فإذن العلّة المشتركة هي الوجود ليس إلاّ ، وأنّه مشترك بينهما وبين الواجب ؛ لما تقدّم من اشتراك الوجود بين الموجودات كلّها ، فعلّة صحّة الرؤية متحقّقة في

ص: 309

الواجب ، فيجوز أن يرى ذاته تعالى ، وهو المطلوب.

أقول : شمول الرؤية للجواهر ممنوع ، وما ذكرنا من دليله - مع ابتنائه على إثبات الجوهر الفرد - مبنيّ على امتناع قيام عرض واحد بمحلّين وهو مسلّم بمعنى أن يقوم عرض بتمامه بمحلّ ، ثمّ يقوم ذلك العرض بتمامه بمحلّ آخر لا بمعنى أن يقوم عرض واحد بمجموع محلّين من حيث المجموع ، فإنّه ليس بممتنع ، واللازم هو القيام بالمعنى الثاني دون الأوّل.

وبعد تسليمه فقد اعترض عليه بوجوه يندفع (1) بما دلّ عليه كلام إمام الحرمين (2) من أنّ المراد بالعلّة هاهنا ما يصلح لتعلّق الرؤية ، لا المؤثّر في الصحّة على ما فهمه الأكثرون.

فالاعتراض الأوّل : أنّ الصحّة معناها الإمكان وهو أمر اعتباريّ لا يفتقر إلى علّة موجودة ، بل يكفيه الحدوث الذي هو أيضا اعتباريّ.

ووجه اندفاعه : أنّ ما لا تحقّق له في الأعيان لا يصلح متعلّقا للرؤية بالظاهر.

الثاني : أنّه لا حصر للمشترك بينهما في الحدوث والوجود ؛ فإنّ الإمكان أيضا مشترك ، فلم لا يجوز أن يكون هو العلّة؟

ووجه اندفاعه : أنّ الإمكان أمر اعتباريّ لا تحقّق له في الخارج ، فلا يكفي تعلّق الرؤية به.

وأيضا علّة الصحّة يجب أن تكون مختصّة بحال الوجود ، والإمكان ليس كذلك ؛ فإنّ المعدوم متّصف بالإمكان ، فيلزم أن يصحّح رؤيته وهو باطل بالضرورة.

الثالث : أنّ صحّة رؤية الجوهر لا تماثل صحّة رؤية العرض [ أو ذات أحدهما ليس هو الآخر (3) ] فلم لا يجوز أن يعلّل كلّ منهما بعلّة على الانفراد؟

ص: 310


1- الضمير يرجع إلى الاعتراض لا الوجوه ، أي يندفع الاعتراض.
2- « شرح المقاصد » 4 : 189.
3- في المصدر : « إذ لا يسدّ أحدهما مسدّ الآخر ».

ولو سلّم تماثلهما فالواحد النوعيّ قد يعلّل بعلّتين مختلفتين كالحرارة بالشمس والنار ، فلا يلزم أن يكون للمعلول المشترك علّة مشتركة. وما ذكرنا - من أنّ الأمر الواحد لا يعلّل بالعلل المختلفة - إنّما هو في الواحد بالشخص (1).

ووجه اندفاعه : أنّ متعلّق الرؤية لا يجوز أن يكون هو من خصوصيات الجوهريّة والعرضيّة ، بل يجب أن يكون ممّا يشتركان فيه ؛ للقطع بأنّا قد نرى وندرك له هويّة ما من غير أن ندرك كونه جوهرا أو عرضا فضلا عن أن ندرك ما هو زيادة خصوصيّة لأحدهما ، ككونه إنسانا أو فرسا ، سوادا أو خضرة ، بل ربما نرى زيدا بأن يتعلّق رؤية واحدة بهويّته من غير تفصيل لما فيه من الجواهر والأعراض ، ثمّ قد نفصّله إلى ما له من تفاصيل الجواهر والأعراض ، وقد نغفل عن التفاصيل بحيث لا نعلمها عند ما سئلنا عنها وإن استقصينا في التأمّل ، فعلم أنّ ما يتعلّق به الرؤية هو الهويّة المشتركة لا الخصوصيّات التي بها الافتراق. وهذا معنى كون علّة صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض.

قيل : إنّ الهويّة المطلقة المشتركة بين خصوصيّات الهويّات أمر اعتباريّ كمفهوم الماهيّة والحقيقة ، فلا يتعلّق بها الرؤية أيضا ، وأنّ المدرك من زيد في تلك الصورة هو خصوصيّة ذاته الموجودة إلاّ أنّ إدراكها إجماليّ لا يتمكّن به على تفاصيلها ؛ فإنّ مراتب الإجمال متفاوتة قوّة وضعفا ، فليس يجب أن يكون كلّ إجمال وسيلة إلى تفصيل أجزاء المدرك وما يتعلّق به من الأحوال.

الرابع : أنّه بعد ثبوت كون الوجود هو العلّة وكونه مشتركا بين الجوهر والعرض وبين الواجب ، لا يلزم من صحّة رؤيتهما صحّة رؤيته ؛ لجواز أن يكون خصوصيّة الجوهريّة أو العرضيّة شرطا لها ، أو خصوصيّة الواجبيّة مانعة عنها.

ووجه اندفاعه : أنّ صحّة الرؤية عند تحقّق ما يصلح متعلّقا لها ضروريّة ،

ص: 311


1- في المصدر : « الواحد الشخصيّ ».

بل لا معنى لصحّة الرؤية إلاّ ذلك ، ثمّ الشرطيّة أو المانعيّة إنّما تتصوّر لتحقّق الرؤية لا لصحّتها.

واعترض أيضا بوجوه أخر :

منها : لا نسلّم اشتراك الوجود بين الواجب وغيره ، كيف؟ وقد جزمتم معاشر الأشاعرة بأنّ وجود كلّ شيء عين حقيقته.

وأجاب الآمدي بأنّ المتمسّك بهذا الدليل إن كان ممّن يعتقد كون الوجود مشتركا كالقاضي وجمهور الأشاعرة (1) ، لم يرد عليه ما ذكرتموه. وإن كان ممّن لا يعتقد كالشيخ (2) ، فهو بطريق الإلزام ، ولا يجب كون الملزم معتقدا لما تمسّك به (3).

وقال بعض المحقّقين (4) : مفهوم الوجود مشترك بين الموجودات كلّها عند الشيخ أيضا ، والاتّحاد الذي ادّعاه أراد به أنّ الوجود ومعروضه ليس لهما هويّتان متمايزتان تقوم إحداهما بالأخرى كالسواد بالجسم ، ولا منافاة بين كون الوجود عين الماهيّة بالمعنى الذي صوّرناه ، وبين اشتراكه بين الموجودات كلّها ، والأكثرون توهّموا أنّ ما نقل عنه من أنّ الوجود عين الماهيّة ينافي دعوى اشتراكه بين الموجودات ؛ إذ يلزم منهما معا كون الأشياء كلّها متّفقة الحقيقة ، وهو ممّا لا يقول به عاقل.

ومنها : أنّه يلزم على ما ذكرتم صحّة رؤية كلّ موجود حتّى الأصوات والطعوم والروائح والاعتقادات والقدرة والإرادة وغير ذلك من الموجودات ، وبطلانه ضروري والشيخ الأشعريّ يلتزمه ، ويقول : إنّما لا يتعلّق به الرؤية بناء على جري عادة اللّه بأن لا يخلق فينا رؤيتها لا بناء على امتناع ذلك ، لكن يلزم فساد آخر وهو

ص: 312


1- لمزيد المعرفة حول الأقوال في اشتراك الوجود راجع « المحصّل » : 147 ؛ « مناهج اليقين » : 9 - 10 ؛ « شرح المواقف » 2 : 112 - 127 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 307 وما بعدها.
2- لمزيد المعرفة حول الأقوال في اشتراك الوجود راجع « المحصّل » : 147 ؛ « مناهج اليقين » : 9 - 10 ؛ « شرح المواقف » 2 : 112 - 127 ؛ « شرح المقاصد » 1 : 307 وما بعدها.
3- « شرح المواقف » 8 : 127.
4- هو السيد الشريف في « شرح المواقف » 8 : 126 - 127.

أن يكون المرئيّ من كلّ موجود مفهوم الوجود المطلق المشترك بين الموجودات بأسرها.

وقال الإمام الرازيّ في نهاية العقول : من أصحابنا من التزم ذلك وقال : إنّ المرئيّ هو الوجود فقط ، وإنّا نبصر اختلاف المختلفات ، بل نعلمها بالضرورة. وهذه مكابرة لا يرضاها العقل ، بل الوجود علّة لصحّة كون الحقيقة المخصوصة مرئيّة (1).

ومنها : نقض الدليل بصحّة المخلوقيّة بأنّها مشتركة بين الجوهر والعرض ، ولا مشترك بينهما يصلح علّة لذلك سوى الوجود ، فيلزم صحّة مخلوقيّة الواجب ، تعالى اللّه عن ذلك.

وأجيب بأنّها أمر اعتباريّ محض لا يقتضي علّة ؛ إذ ليست ممّا يتحقّق عند الوجود وينتفي عند العدم كصحّة الرؤية.

سلّمنا ، لكنّ الحدوث يصلح هاهنا علّة ؛ لأنّ المانع من ذلك في صحّة الرؤية إنّا هو امتناع تعلّق الرؤية بما لا تحقّق له في الخارج. وأمّا النقض بصحّة الملموسيّة فقويّ.

أقول : إنّ تعلّق الرؤية بشيء بمعنى كونه مرئيّا يقتضي كونه من الأمور العينيّة لا من الاعتبارات المحضة ، كذلك تعلّق الخلق بشيء بمعنى كونه مخلوقا يقتضي كونه مخلوقا يقتضي كونه ممّا له تحقّق في الأعيان ؛ فإنّ الأمور الاعتباريّة المحضة لا تكون مخلوقة.

والعجب من هذا المجيب أنّه سلّم ورود النقض بصحّة الملموسيّة ، ولا وجه له غير أن يقال : تعلّق اللمس بشيء بمعنى كونه ملموسا يقتضي كونه من الموجودات الخارجيّة ، وإلاّ فصحّة الملموسيّة عبارة عن إمكان كونه ملموسا ، والإمكان من الاعتبارات العقليّة التي لا تقتضي علّة ؛ إذ ليس ممّا يتحقّق عند الوجود ، وينتفي عند

ص: 313


1- حكاه عنه التفتازاني في « شرح المقاصد » 4 : 191.

العدم كصحّة الرؤية.

ولا تفاوت فيما ذكرنا بين صحّة الملموسيّة وصحّة المخلوقيّة ؛ إذ كلّ ما يقال في هذه يقال في تلك ، وبالعكس ، فمن أين سلّم ورود النقض بإحداهما وأجاب عن الأخرى؟

وعلى (1) الوقوع الإجماع والنصّ.

أمّا الإجماع ، فباتّفاق الأمّة قبل ظهور المخالفين على وقوع الرؤية وكون الآيات والأحاديث الواردة فيها على ظواهرها حتّى روى حديث الرؤية أحد وعشرون رجلا من كبائر الصحابة رضي اللّه عنهم.

وأمّا النصّ ، فمن الكتاب قوله تعالى : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (2) وبيان ذلك أنّ « النظر » في اللغة جاء بمعنى الانتظار ويستعمل بغير صلة ، وجاء بمعنى التفكّر ويستعمل بفي ، وجاء بمعنى الرأفة ويستعمل باللام ، وجاء بمعنى الرؤية ويستعمل بإلى ، والنظر في الآية موصول ب « إلى » فوجب حمله على الرؤية.

واعترض عليه بوجوه :

الأوّل : أنّا لا نسلّم أنّ لفظة إلى صلة للنظر ، بل هو واحد الآلاء ومفعول به للنظر بمعنى الانتظار ، فمعنى الآية نعمة ربّها منتظرة.

ولو سلّم ، فالنظر الموصول ب « إلى » قد جاء للانتظار ، قال الشاعر :

وشعث ينظرون إلى بلال (3) *** كما نظر الظماء (4) حباء الغمام

ومن المعلوم أنّ العطاش ينتظرون مطر الغمام ، فوجب حمل النظر المشبّه على الانتظار ليصحّ التشبيه.

ص: 314


1- عطف على قوله : « ولهم على الإمكان » في ص 305.
2- القيامة (75) : 22.
3- في المصدر : « هلال ».
4- في المصدر : « ماء الغمام ».

وقال :

وجوه ناظرات يوم بدر *** إلى الرحمن يأتي بالفلاح

أي منتظرات لإتيانه بالنصرة والفلاح.

وقال :

كلّ الخلائق ينظرون سجاله *** نظر الحجيج إلى طلوع هلال

أي ينتظرون عطاياه انتظار الحجيج الهلال.

وأجيب عنها بأنّ انتظار النعمة غمّ ؛ ولذا قيل : الانتظار موت أحمر ، فلا يصحّ الإخبار به بشارة مع أنّ سوق الآية بشارة المؤمنين وبيان أنّهم يومئذ في غاية الفرح والسرور.

على أنّ كون إلى اسما بمعنى النعمة لو ثبت في اللغة ، فلا خفاء في بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلّق النظر به ، ولهذا لم يحمل الآية عليه أحد من أئمّة التفسير في القرن الأوّل والثاني ، بل أجمعوا على خلافه.

وكون النظر الموصول بإلى سيّما المستند إلى الوجه بمعنى الانتظار ممّا لم يثبت عند الثقات ولم يدلّ عليه الأبيات ؛ لاحتمال أن يكون المعنى في الأوّل يرون بلالا (1) كما يرى الظمآن ماء وجده (2) بعد الاشتياق. ولا يمتنع حمل النظر الوارد بلا صلة على الرؤية بطريق الحذف والإيصال ، إنّما الممتنع حمل الموصول بإلى على غيرها.

وفي الثاني أي ناظرات إلى جهة اللّه تعالى وهي العلوّ في العرف ، ولذلك يرفع إليه الأيدي في الدعاء ، أو ناظرات إلى آثاره من الضرب والطعن الصادرين من الملائكة التي أرسلها اللّه تعالى لنصرة المؤمنين يوم بدر.

وذكر بعض الرواة أنّ الرواية هكذا :

ص: 315


1- في المصدر : « هلالا ».
2- في المصدر : « كما يرون الظماء ماء وجدوه ».

وجوه ناظرات يوم بكر.

وأنّ قائله شاعر من أتباع مسيلمة الكذّاب. والمراد بيوم بكر يوم القتال مع بني حنيفة ؛ لأنّهم بطن من بكر بن وائل. وأراد بالرحمن مسيلمة ، وعلى هذا فالجواب ظاهر.

وفي الثالث أي يرون سجاله ، ويجوز كون النظر المجرّد من الصلة للرؤية كما مرّ آنفا.

الثاني : النظر الموصول ب- « إلى » موضوع لتقليب الحدقة ، لا للرؤية ؛ لاتّصافه بما لا يتّصف به الرؤية مثل الشدّة ، والشزر ، والازورار ، والرضى ، والتجبّر ، والذلّ ، والخشوع ، وشيء منها لا يصلح صفة للرؤية ، بل هي أحوال يكون عليها عين الناظر عند تقليب الحدقة نحو المرئيّ ، ولتحقّقه مع انتفاء الرؤية يقال : نظرت إلى الهلال فما رأيته. ولو كان بمعنى الرؤية ، لكان تناقضا ، و: لم أزل أنظر إلى الهلال حتّى رأيته. ولو حمل على الرؤية لكان الشيء غاية لنفسه ، و: أنظر كيف ينظر فلان إليّ. والناظر لا ينظر إلى الرؤية ، بل ينظر إلى تقليب الحدقة.

وقال اللّه تعالى : ( تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (1) وتقليب الحدقة ليس هو الرؤية ، ولا ملزومها لزوما عقليّا حتّى يجب من تحقّقه تحقّقها ، بل لزوما عاديّا مصحّحا للتجوّز ، وجعله مجازا عن الرؤية ليس بأولى من حمله على حذف المضاف ، أي ناظرة إلى ثواب ربّها على ما ذكره عليّ علیه السلام (2) وكثير من المفسّرين (3).

وأجيب بأنّ النظر مع إلى نصّ في الرؤية ، بشهادة النقل عن أئمّة اللغة ، والتتبّع لموارد استعماله ، وليس حقيقة في تقليب الحدقة.

قولكم : يقال : نظرت إلى الهلال فلم أره. قلنا : لا يصحّ نقله من العرب ، بل يقال :

ص: 316


1- الأعراف (8) : 198.
2- « تفسير الطبريّ » 12 : 343 - 344 ؛ التفسير الكبير 10 : 731 - 732 ؛ « مجمع البيان » 10 : 198 - 201 ؛ « الصافي » 5 : 256 ، ذيل الآية 23 من سورة القيامة (75) ؛ « شرح المقاصد » 4 : 194 ؛ المغني » 4 : 229 - 230.
3- « تفسير الطبريّ » 12 : 343 - 344 ؛ التفسير الكبير 10 : 731 - 732 ؛ « مجمع البيان » 10 : 198 - 201 ؛ « الصافي » 5 : 256 ، ذيل الآية 23 من سورة القيامة (75) ؛ « شرح المقاصد » 4 : 194 ؛ المغني » 4 : 229 - 230.

نظرت إلى مطلع الهلال فلم أر الهلال. وكذا لم أزل أنظر إلى مطلع الهلال حتّى رأيت الهلال. ولو سلّم فمحمول على حذف المضاف.

والبواقي من الأمثلة كلّها مجازات ؛ حيث أطلق النظر على تقليب الحدقة إطلاقا لاسم المسبّب على السبب.

وعلى تقدير كون النظر مجازا عن الرؤية يجب الحمل عليه ؛ لأنّ الأشياء التي يمكن إضمارها كثيرة كنعمه وجهته وآثاره ، ولا قرينة - هاهنا - لتعيين المراد ، فالتعيين تحكّم لا يجوز لغة ، فوجب المصير إلى المجاز المتعيّن.

ومنه قوله تعالى : ( كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) (1) حقّر شأن الكفّار ، وخصّهم بكونهم محجوبين عن ربّهم ، فكان المؤمنون غير محجوبين ، وهو معنى الرؤية. والحمل على كونهم محجوبين عن رضوانه تعالى وكرامته خلاف الظاهر.

ومنه قوله تعالى : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ) (2) فسّر جمهور أئمّة التفسير « الحسنى » بالجنّة ، و « الزيادة » بالرؤية على ما ورد في الخبر (3) ، كما سيجيء ، وهو لا ينافي ما ذكره بعض من أنّ الحسنى هي الجزاء المستحقّ ، والزيادة هي التفضيل (4).

فإن قيل : الرؤية أجلّ الكرامة وأعظمها ، فكيف يعبّر عنها بالزيادة؟!

قلنا : للتنبيه على أنّها أجلّ من أن تعدّ في الحسنات وفي أجزية الأعمال الصالحات.

والنصّ من السنّة قوله علیه السلام : « إنّكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون هذا القمر

ص: 317


1- المطفّفين (83) : 15.
2- يونس (10) : 26.
3- « تفسير الطبريّ » 6 : 549 - 553 ؛ « التفسير الكبير » 6 : 240 - 241 ؛ « الدرّ المنثور » 4 : 356 - 360 ؛ « مجمع البيان » 5 : 179 ؛ « تفسير القرآن العظيم » لابن كثير 2 : 429 - 430 ؛ « الصافي » 2 : 400 ، ذيل الآية 26 من سورة يونس (10).
4- في المصدر : « الفضل ».

لا تضامّون (1) في رؤيته ». (2).

ومنها : ما روي عن صهيب أنّه قال : قرأ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله هذه الآية ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ) وقال : « إذا دخل أهل الجنّة الجنّة ، وأهل النار النار نادى مناد : يا أهل الجنّة! إنّ لكم عند اللّه موعودا يشتهي أن ينجزكموه » قالوا : ما هذا الموعود؟ ألم يثقّل موازيننا ، ويبيّض وجوهنا ، ويدخلنا الجنّة ، ويجرنا من النار؟ فيرفع الحجاب ، فينظرون إلى وجه اللّه عزّ وجلّ ، قال : « فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إلى ربّهم » (3).

ومنها : قوله صلی اللّه علیه و آله : « إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة من ينظر إلى جنّاته وأزواجه ونعمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنّة ، وأكرمهم إلى اللّه من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيّة ». ثمّ قرأ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (4). (5)

وقد صحّح هذه الأحاديث من يوثق به من أئمّة الحديث إلاّ أنّها آحاد.

والمنكرون احتجّوا بوجوه عقليّة وسمعيّة بعضها يمنع صحّة الرؤية ، وبعضها وقوعها.

فالعقليّة :

منها : أنّ الرؤية إمّا باتّصال شعاع العين بالمرئيّ ، أو انطباع شبح في المرئيّ في

ص: 318


1- من الضمم بمعنى الازدحام ، ويجوز أن يكون من الضيم بمعنى الظلم والفعل هنا مجهول.
2- « صحيح مسلم » 1 : 439 باب فضل صلاتي الصبح والعصر ... ح 211 ؛ « كنز العمّال » 14 : 2. ح 39206 ؛ « صحيح البخاريّ » 1 : 209 باب فضل صلاة الفجر ... ح 547 ؛ « سنن أبي داود » 5 : 97 باب في الرؤية من كتاب السنّة ، ح 4729 ؛ « مسند أحمد بن حنبل » 7 : 2. ح 19211.
3- « صحيح مسلم » 1 : 163 باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربّهم سبحانه وتعالى ، ح 297 ؛ « سنن ابن ماجة » 1 : 67 باب ما أنكر الجهميّة ... ح 187 ؛ « مسند أحمد بن حنبل » 6 : 3. ح 18957 ؛ « سنن الترمذيّ » 4 : 92 باب ما جاء في رؤية الربّ تبارك وتعالى ... ح 2676 ؛ « كنز العمّال » 14 : 3. ح 39205.
4- القيامة (75) : 22.
5- « مسند أحمد بن حنبل » 2 : 240 - 241 ، ح 5317 ؛ « سنن الترمذي » 4 : 93 باب ما جاء في رؤية الربّ ... ح 2677.

حدقة الرائي على اختلاف المذهبين ، وكلاهما في حقّ اللّه تعالى ظاهر الامتناع ؛ لتجرّده واختصاصهما بالجسمانيّات ، فتمتنع رؤيته.

وأجيب بمنع الحصر خصوصا في الغائب.

ومنها : أنّ شرط الرؤية - كما علم بالضرورة من التجربة - المقابلة أو ما في حكمها ، وهي مستحيلة في البارئ تعالى ؛ لتنزّهه عن المكان والجهة.

وأجيب بمنع الاشتراط سيّما في الغائب ؛ فإنّ الأشاعرة جوّزوا رؤية ما لا يكون مقابلا ولا في حكمه ، بل جوّزوا رؤية أعمى الصين بقّة أندلس.

ومنها : أنّه لو جازت لدامت لكلّ سليم الحاسّة في الدنيا والآخرة ، فيلزم أن نراه الآن وفي الجنّة على الدوام ، والأوّل منتف بالضرورة ، والثاني بالإجماع وبالنصوص القاطعة الدالّة على اشتغالهم بغير ذلك من اللذّات.

وجه اللزوم : أنّ للرؤية شرائط - عددناها فيما سلف - يجب الرؤية معها ، وتمتنع بدونها ، ولا يعقل من تلك الشرائط في حقّ رؤية اللّه تعالى إلاّ اثنان : سلامة الحاسّة ، وكون الشيء جائز الرؤية ؛ لاختصاص ما سواهما بالجسمانيّات ، فإن كفيا في رؤيته تعالى ولم تشترط بشرط آخر غيرهما ، لزم أن نراه الآن ؛ إذ لو جاز عدم الرؤية مع تحقّق شرائطها لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة لا نراها ، وتجويز ذلك سفسطة.

وإن لم يكفيا في ذلك ، لزم أن لا نراه الآن ، ولا نراه في الآخرة أيضا ؛ لأنّ الشرائط التي من قبلنا سوى سلامة الحاسّة فقد ذكرنا أنّها لا تعقل بالنسبة إليه تعالى ، وقد فرضنا أنّ سلامة الحاسّة متحقّقة ، والتي من قبله تعالى لا يتصوّر فيها التغيير والتبديل ؛ لأنّ كلّ حكم ثابت له تعالى فإمّا لذاته أو لصفة لازمة لذاته ؛ لامتناع اتّصافه بالحوادث ، فلو جازت رؤيته تعالى لجازت في الحالات كلّها.

وأجيب بأنّ قولكم : تجويز ذلك سفسطة. إن أردتم بالتجويز حكم العقل بأنّه من الأمور الممكنة التي لا يلزم من فرض وقوعها محال ، فهو ليس بسفسطة ، بل هو

ص: 319

صحيح مطابق للواقع.

وإن أردتم به تردّد العقل فيه وعدم جزمه بانتفائها ، فاللزوم ممنوع ؛ فإنّ انتفاءها من العاديّات القطعيّة الضروريّة ، كعدم صيرورة أواني البيت أناسا فضلاء عالمين بأشكل العلوم كالمجسطي والمخروطات ونحو ذلك ممّا يخلق اللّه تعالى ؛ للعلم الضروريّ بانتفائها وإن كان ثبوتها من الممكنات دون المحالات ، وليس الجزم به - أي بعدم الجبل المذكور - مبنيّا على العلم بأنّه تجب الرؤية عند وجود شرائطها ؛ لأنّ هذا الجزم حاصل لمن لا تخطر بباله هذه المسألة ، بل لمن يجحدها ويعتقد خلافها ، ولأنّه ينجرّ إلى أن يكون ذلك الجزم نظريّا مع اتّفاق الكلّ على كونه ضروريّا ، بل نقول : قد تتحقّق شرائط رؤية شيء بأجمعها ولا نرى ذلك الشيء ؛ لأنّا نرى الجسم الكبير من البعيد صغيرا ، وما ذلك إلاّ لأنّا نرى بعض أجزائه دون بعض مع تساوي الكلّ في حصول الشرائط ، فظهر أنّه لا تجب الرؤية عند اجتماعها.

لا يقال : أبعاد تلك الأجزاء عند البصر مختلفة ، فلا نرى ما هو أبعد.

لأنّا نقول : هذا التفاوت لا يزيد على مقدار قطر المرئيّ [ أبعد (1) ] الامتدادات الواقعة فيه ، فلو كان عدم رؤية بعض الأجزاء لأجل البعد ، وفرضنا أنّ هذا المرئيّ زاد بعده عن البصر بقدر قطره ، وجب أن لا يرى أصلا ، لكنّه يرى فلا أثر للبعد المذكور في عدم الرؤية.

قال المصنّف : لا يلزم من رؤيتنا جميع أجزائه أن نراه كبيرا ، وإنّما يلزم ذلك أن لو كان صغر المرئيّ وكبره بحسب رؤية الأجزاء وعدمها ، وليس كذلك ، بل صغر المرئيّ وكبره بحسب صغر الزاوية الجليديّة وكبرها على ما تبيّن في علم المناظر (2).

وقال صاحب المواقف : ضعفه ظاهر ، بناء على تركّب الجسم من أجزاء لا تتجزّأ ؛

ص: 320


1- في هامش « ب » : « أطول » بدل « أبعد ».
2- نقله صاحب المواقف عن بعض الفضلاء ، وفسرّه الشارح بصاحب اللباب. انظر « شرح المواقف » 8 :2. 137.

إذ على هذا التقدير إن رأى الأجزاء كلّها وجب أن يرى الجسم كما هو في الواقع سواء كان قريبا أو بعيدا ، وذلك لأنّ رؤية كلّ منها أو بعضها أصغر ممّا هو عليه توجب الانقسام فيما لا يتجزّأ ؛ لثبوت ما هو أصغر منه ، ورؤية كلّ من الأجزاء أكبر ممّا هو عليه بمثله أو أزيد منه توجب أن لا ترى (1) إلاّ ضعفا أو أكبر من ذلك وهو باطل قطعا ، ورؤيته أكبر بأقلّ من مثل توجب الانقسام ، ورؤية بعضها على ما هو عليه ، وبعضها أكبر بمثل توجب ترجيحا بلا مرجّح ، فوجب أن يرى الكلّ على حالها ، فلا تفاوت حينئذ في الصغر والكبر ، فتعيّن أن يكون التفاوت بحسب رؤية بعض دون بعض (2).

والنقليّة : منها : قوله تعالى : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) (3)

والتمسّك به من وجهين :

الأوّل : أنّ إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر ؛ وإسنادا إلى الآلة (4) ، والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتّحاد المفهومين أو تلازمهما ؛ والجمع المعرّف باللام - عند عدم قرينة العهد والبعضيّة - للعموم والاستغراق بإجماع أهل العربيّة والأصول ، وأئمّة التفسير ، وبمشاهدة استعمال الفصحاء ، وصحّة الاستثناء ، فاللّه سبحانه قد أخبر بأنّه لا يراه أحد في المستقبل ، فلو رآه المؤمنون في الجنّة لزم كذبه ، وهو محال.

والجواب : أنّ اللام في الجمع لو كان للعموم والاستغراق - كما ذكرتم - كان قوله : ( تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) موجبة كلّيّة ، فدخل عليها النفي ورفعها ، فرفعها رفع الإيجاب الكلّيّ ، ورفع الإيجاب الكلّيّ سلب جزئيّ.

ص: 321


1- أي الأجزاء.
2- انظر « شرح المواقف » 8 : 137.
3- الأنعام (6) : 103.
4- في المصدر : « استنادا للفعل إلى الآلة ».

ولو لم يكن للعموم كان قوله : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) سالبة مهملة في قوّة الجزئيّة ، وكان المعنى لا تدركه بعض الأبصار ، ونحن نقول بموجبة جزئيّة ، حيث لا يراه الكافرون ، بل نقول : تخصيص البعض بالنفي يدلّ على الإثبات للبعض الآخر ، فالآية حجّة لنا لا علينا.

سلّمنا عموم الأبصار ، وأنّ مدلول الكلام عموم السلب لا سلب العموم ، فلا نسلّم عمومه في الأحوال والأوقات ، فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا ؛ جمعا بين الأدلّة.

سلّمنا ولكن لا نسلّم أنّ الإدراك بالبصر هو الرؤية أو لازم لها ، بل رؤية مخصوصة ، وهو أن يكون على وجه الإحاطة بجوانب المرئيّ ؛ إذ حقيقته النيل والوصول مأخوذا من أدركت فلانا : إذا لحقته ، ولهذا يصحّ : رأيت القمر وما أدركه بصري ؛ لإحاطة الغيم به ، فلا يصحّ : أدركه بصري وما رأيته ، فيكون أخصّ من الرؤية ، ملزوما لها بمنزلة الإحاطة من العلم ، فلا يلزم من نفيه نفيها ، أو نقول (1) : الإدراك بالبصر هو الرؤية بالجارحة المخصوصة ، فلا يلزم من نفيه نفي الرؤية مطلقا ؛ إذ يمكن أن يرى لا بتلك الجارحة المخصوصة ، كما هو المدّعى ؛ فإنّ المثبتين لرؤية اللّه تعالى يدّعون أنّ الحالة المخصوصة التي تحصل لنا بالبصر في الدنيا - وتسمّى رؤية - تحصل لنا تلك الحالة بعينها بالنسبة إليه تعالى من غير توسّط تلك الجارحة.

وثانيهما : أنّه تعالى يمدح بكونه لا يرى فإنّه تعالى ذكره في أثناء المدائح ، وما كان - من الصفات - عدمه مدحا كان وجوده نقصا ، يجب تنزيه اللّه تعالى عنه ، فظهر أنّه تمتنع رؤيته ، وإنّما قلنا : من الصفات احترازا عن الأفعال كالعفو والانتقام ؛ فإنّ الأوّل فضل. والثاني عدل ، وكلاهما كمال.

والجواب : أنّ ما ذكرتم حجّة لنا على أنّ المنفيّ ليس هو الرؤية بالمعنى المتنازع

ص: 322


1- قسيم لقوله : « بل رؤية مخصوصة ».

فيه ، بل هو إدراك البصر بأحد المعنيين اللذين ذكرناهما ، أعني الإدراك على وجه الإحاطة بجوانب المرئيّ ، والإدراك بالجارحة المخصوصة ؛ لإشعارهما بسمات الحدوث والنقصان ، وذلك في الأوّل ظاهر. وأمّا في الثاني ، فلأنّ الإدراك بالجارحة المخصوصة إنّما يكون لما يقابلها كما علم بالضرورة من التجربة.

وأمّا رؤيته على الوجه المذكور - أعني من غير المقابلة ولا توسّط الآلة ، بل بمحض عناية من اللّه تعالى على عباده - فلا نسلّم أنّها نقص.

ومنها : أنّ اللّه تعالى حيثما ذكر في كتابه سؤال الرؤية استعظمه استعظاما شديدا واستكبره استكبارا بليغا حتّى سمّاه ظلما وعتوّا كبيرا ، كقوله تعالى : ( وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً ) (1).

وقوله تعالى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) (2).

وقوله تعالى : ( يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) (3) فلو جازت رؤيته لما كان كذلك.

والجواب : أنّ ذلك لتعنّتهم وعنادهم على ما يشعر به سياق الكلام - لا لطلبهم الرؤية ، ولهذا عوتبوا على طلب إنزال الملائكة عليهم والكتاب مع أنّهما من الممكنات وفاقا.

ولو سلّم ، فلطلبهم الرؤية في الدنيا وعلى طريق الجهة والمقابلة على ما عرفوا من حال الأجسام والأعراض.

ص: 323


1- الفرقان (25) : 21.
2- البقرة (2) : 55.
3- النساء (4) : 153.

وقوله تعالى حكاية عن موسى علیه السلام : ( تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) معناه التوبة عن الجرأة والإقدام على السؤال بدون الإذن ، أو عن طلب الرؤية في الدنيا ، ومعنى الإيمان التصديق بأنّه لا يرى في الدنيا وإن كانت ممكنة.

وما قال بعض السلف - من وقوع الرؤية بالبصر ليلة المعراج (2) - فالجمهور على خلافه. وقد روي أنّه سئل عليه الصلاة والسلام : هل رأيت ربّك؟ فقال : رأيته بفؤادي (3). وأمّا الرؤية في المنام ، فقد حكي القول بها عن كثير من السلف (4).

ومنها : قوله تعالى لموسى علیه السلام : ( لَنْ تَرانِي ) (5) ولن للتأبيد ، وإذا لم يره موسى أبدا ، لم يره غيره إجماعا.

والجواب : منع كون لن للتأبيد ، بل هو للنفي المؤكّد في المستقبل فقط ؛ لقوله تعالى : ( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) (6) أي الموت ، ولا شكّ أنّهم يتمنّوه في الآخرة للتخلّص عن العقوبة.

ومنها : قوله تعالى : ( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) (7) حصر تكليمه تعالى للبشر في الوحي إلى الرسل ، وتكليمه لهم من وراء الحجاب ، وإرساله إيّاهم إلى الأمم ليكلّمهم على ألسنتهم ، وإذا لم يره من يكلّمه في وقت الكلام ، لم يره في غيره إجماعا ، وإذا لم يره هو أصلا ، لم يره غيره أيضا ؛ إذ لا قائل بالفرق.

والجواب : أنّ التكليم وحيا قد يكون حال الرؤية ؛ فإنّ الوحي كلام يفهم بسرعة.

ص: 324


1- الأعراف (7) : 143.
2- « شرح المقاصد » 4 : 210.
3- « الدرّ المنثور » 7 : 648 ؛ « أنوار التنزيل » 3 : 337 ، ذيل الآية 11 من سورة النجم (53).
4- « شرح المقاصد » 4 : 210.
5- الأعراف (7) : 143.
6- البقرة (2) : 95.
7- الشورى (42) : 51.

والمصنّف - غفر اللّه له - ذهب إلى أنّه تعالى لا يمكن أن يرى ، وجعل ذلك من فروع وجوب الوجود محتجّا بما ذكرنا في احتجاج المنكرين للرؤية.

وقوله : ( وسؤال موسى لقومه ) إشارة إلى الثالث من الاعتراضات التي ذكرناها على الوجه الأوّل من وجهي احتجاج الأشاعرة بالآية الكريمة على إمكان الرؤية.

وقوله : ( والنظر لا يدلّ على الرؤية ) إشارة إلى الأوّل من الاعتراضين اللذين ذكرناهما على دليل الأشاعرة على وقوع الرؤية ، وهو أنّا لا نسلّم أنّ النظر بمعنى الرؤية ، بل هو بمعنى الانتظار ، وإلى بمعنى النعمة ، وهو واحد الآلاء ، أو صلة النظر بمعنى الانتظار.

وقوله : ( مع قبوله التأويل ) إشارة إلى الاعتراض الثاني ، وهو أنّ الكلام على حذف المضاف ، أي ناظرة إلى ثواب ربّها.

وقوله : ( وتعليق الرؤية باستقرار المتحرّك لا يدلّ على الإمكان ) إشارة إلى الاعتراض على الوجه الثاني من وجهي احتجاج الأشاعرة على إمكان الرؤية بالآية.

وقوله : ( واشتراك المعلولات لا يدلّ على اشتراك العلل ) إشارة إلى الثالث من الاعتراضات التي ذكرناها على الدليل العقليّ للأشاعرة على إمكان الرؤية.

وقوله : ( مع منع التعليل ) إشارة إلى الأوّل منها ، وهو أنّا لا نسلّم أنّ الصحّة تفتقر إلى علّة موجودة.

وقوله : ( والحصر ) - أي منع الحصر - إشارة إلى الثاني منها ، وهو أنّا لا نسلّم أنّ المشترك بين الجوهر والعرض منحصر في الحدوث والوجود ؛ فإنّ الإمكان أيضا مشترك بينهما » (1).

ص: 325


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 323 - 336.
المطلب الرابع :
اشارة

في أنّ الواجب بالذات - الذي هو صاحب الكمال ، ومنزّه عن صفات النقص ، وهو صاحب الجلال - صاحب صفات الجمال ، التي هي صفات الفعل والصفات الثبوتيّة الإضافيّة ، وهي كثيرة :

منها : الجود ، وهو عبارة عن إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي لا لغرض ولا لعوض (1).

ووجه ثبوته : أنّ واجب الوجود لو أعطى غير من هو أهل للإعطاء يلزم القبح ، ولو كان متعوّضا لكان ناقصا مستكملا ومحتاجا إلى غيره ، ولو كان إعطاؤه لغرض عائد إليه يلزم ذلك أيضا ، وكلّ ذلك ينافي وجوب الوجود.

ومنها : الملك ؛ لأنّ الملك هو الغنيّ المفتقر إليه ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه لا يفتقر إلى غيره ؛ لوجوب وجوده وجميع أغياره محتاج إليه ؛ لأنّه منه أو ممّا هو منه.

ومنها : التمام ، وهو الذي حصل له جميع ما يمكن أن يحصل لغيره ، وواجب الوجود كذلك ؛ لامتناع كون كمالاته بالقوّة كما مرّ ، وإلاّ يلزم التغيّر والانتقال المنافي لوجوب الوجود.

ومنها : فوق التمام ، وهو أن يحصل منه جميع ما يمكن أن يحصل لغيره ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّ وجود جميع أغياره مستند إليه ، مستفاد منه ، وكذلك سائر الصفات.

ومنها : الحقّيّة ، وهي بمعنى الثبوت والدوام وعدم قبول العدم والفناء ، وهي من فروع السرمديّة.

ومنها : الخيريّة ؛ وذلك لأنّه وجود محض والوجود خير محض ، فذات البارئ هو الخير.

ص: 326


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 323 - 336.

ومنها : الحكمة ، وهي العلم بالأشياء على ما هي عليه ، والعمل على وفق الصواب ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه تعالى عالم كما مرّ ، وكلّ ما يصدر عنه فهو على وفق المصلحة كما مرّ أيضا.

ومنها : الجبّاريّة ؛ لأنّ الجبّار هو الذي يجبر الشيء على ما لا يقتضيه ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه يجبر الممكنات على الوجود الذي ليس من مقتضيات ذاتها.

ومنها : القهّاريّة ؛ لأنّه يغلب الممكنات بانتزاع الصور والأعراض من موادّها وإفاضة الوجود عليها.

ومنها : القيموميّة ؛ لأنّه القائم بذاته ، المقيم لغيره.

ومنها : الرازقيّة ، وهي مثل الجود.

ومنها : الخالقيّة ، وهي من آثار القدرة.

ومنها : اليد ، وهي عبارة عن القدرة أو النعمة.

ومنها : الوجه ، وهو عبارة عن الوجود أو الحياة.

ومنها : الرحمة والكرم والرضا ، وهي راجعة إلى الإرادة ؛ لأنّها إرادات مخصوصة مقتضية للإحسان بسبب كما في الرحمة ، أو بدونه كما في الكرم ، أو لبقاء الإحسان على ما كان كما في الرضا.

ومنها : الصنع والإبداع والتكوين والإحداث.

والأوّل : عبارة عن إيجاد شيء مسبوق بالمادّة والمدّة كإيجاد المواليد.

والثاني : عبارة عن إيجاد شيء غير مسبوق بالمادّة والمدّة كإيجاد الفلك الأعظم.

والثالث : عبارة عن إيجاد شيء مسبوق بمدّة غير مسبوق بمادّة كإيجاد العناصر.

والرابع : عكسه كإيجاد الزمان.

وكلّ ذلك راجع إلى القدرة أو الإرادة.

وبالجملة ، فالإبداع أعلى مرتبة من الإحداث والتكوين وهما من الصنع ، ولكلّ من الإحداث والتكوين جهة رجحان ومرجوحيّة من جهة الاحتياج والعدم الزمانيّ.

ص: 327

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( وعلى ثبوت الجود ) « عطف على قوله : على سرمديّته (1). يعني وجوب الوجود كما يدلّ على سرمديّته (2) ، يدلّ على ثبوت هذه الأمور التي نذكرها الآن :

منها : الجود ، وهو إفادة ما ينبغي لا لعوض ؛ فإنّ واجب الوجود لو كان مستعوضا (3) بإفادة ما ينبغي للممكنات ، لكان ناقصا بذاته ، مستكملا بغيره ، فكان محتاجا إلى غيره.

( و ) منها : ( الملك ) ؛ لأنّ الملك هو الغنيّ الذي لا يستغني عنه شيء ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه لا يفتقر إلى غيره ، وكلّ ما هو غيره مفتقر إليه من أنّه منه أو ممّا هو منه.

( و ) منها : ( التامّ (4) ) ؛ لأنّ التامّ هو الذي حصل له جميع ما من شأنه أن يحصل له ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّه يمتنع عليه التغيّر والانفعال.

( و ) منها : ( فوقه ) أي فوق التمام ، وهو أن يحصل منه جميع ما من شأنه أن يحصل لغيره ، وواجب الوجود كذلك ؛ لأنّ الوجود كلّه مستند إليه ، مستفاد منه.

( و ) منها : ( الحقّيّة ) أي وجوب الوجود يدلّ على أنّه تعالى حقّ ، أي ثابت دائما ، غير قابل للعدم والفناء.

( و ) منها : ( الخيريّة ) أي وجوب الوجود يدلّ على أنّه تعالى خير ؛ وذلك لما سبق من أنّ الوجود خير محض ، والعدم شرّ محض ، وقد سبق أيضا أنّ وجوب الوجود يقتضي أن يكون ذات الواجب نفس الوجود ، فذات البارئ تعالى هو الوجود ، والوجود هو الخير ، فذات البارئ تعالى هو الخير.

ص: 328


1- في المصدر : « ونفي الزائد ».
2- في المصدر : « نفي الأمور المذكورة ».
3- كذا في النسخ والمصدر ، والأصحّ : « مستعينا ».
4- كذا في النسخ ، وفي المصدر و « تجريد الاعتقاد » : 195 و « كشف المراد » : 30 : « التمام » بدل « التامّ ».

( و ) منها : ( الحكمة ) وهي العلم بالأشياء على ما هي عليه ؛ لأنّ وجوب الوجود يقتضي التجرّد ، وكلّ مجرّد عالم بالأشياء كما هي.

( و ) منها : ( التجبّر ) ؛ لأنّ الجبّار هو الذي يجبر الشيء على ما لا يقتضيه ، ولا شكّ أنّ واجب الوجود كذلك ؛ لأنّ كلّ موجود سواه لا يقتضي الوجود وهو يوجده ويجبره على الوجود.

( و ) منها : ( القهر ) لأنّه يقهر عدم الممكنات بإعطاء الوجود وإفاضته عليها.

( و ) منها : ( القيّوميّة ) لأنّه هو القائم بذاته الذي يقيم به جميع الممكنات.

( وأمّا اليد والوجه والقدم والرحمة والكرم والرضا والتكوين ، فراجعة إلى ما تقدّم ) يعني أنّ اليد عبارة عن القدرة ، والوجه عن الوجود ، والقدم عن البقاء ، والرحمة والكرم والرضا كلّ واحدة منها إرادة مخصوصة ، والتكوين ليس أمرا وراء القدرة والإرادة.

وذهب الشيخ أبو الحسن الأشعريّ إلى أنّ اليد صفة مغايرة للقدرة ، والوجه صفة مغايرة للوجود. (1)

[ وذهب عبد اللّه بن سعيد (2) إلى أنّ القدم صفة مغايرة للبقاء ، وأنّ الرحمة والكرم والرضا صفات مغايرة للإرادة ] (3)

وذهب الحنفيّة (4) إلى أنّ التكوين صفة أزليّة زائدة على السبع المشهورة ، أخذا من قوله تعالى : ( كُنْ فَيَكُونُ ) (5) فقد جعل قوله : ( كُنْ ) مقدّما على كون الحادث ، أعني

ص: 329


1- « المحصّل » : 437 ؛ « كشف المراد » : 301 ؛ « مناهج اليقين » : 198 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 174.
2- « المحصّل » : 437 - 438 ؛ « كشف المراد » : 301 ؛ « مناهج اليقين » : 198 ؛ « شرح المواقف » 8 : 109 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 174.
3- الزيادة أضفناها من المصدر.
4- نسبه إليهم في المواقف كما في « شرح المواقف » 8 : 113 ، وفي « المحصّل » : 435 نسبه إلى بعض فقهاء الحنفيّة.
5- البقرة (2) : 117 ؛ آل عمران (3) : 47 و 51 ؛ الأنعام (6) : 73 وغيرها.

وجوده ، والمراد به التكوين والإيجاد والتخليق ، قالوا : وإنّه غير القدرة ؛ لأنّ القدرة أثرها الصحّة ، والصحّة لا تستلزم الكون ، فلا يكون الكون أثرا للقدرة ، وأثر التكوين هو الكون.

والجواب : أنّ الصحّة هي الإمكان ، وأنّه للممكن ذاتيّ ، فلا يصلح أثرا للقدرة ؛ لأنّ ما بالذات لا يعلّل بالغير ، بل بالإمكان يعلّل المقدوريّة ، فيقال : هذا مقدور ؛ لأنّه ممكن ، وذلك غير مقدور ؛ لأنّه واجب أو ممتنع ، فإذن أثر القدرة هو الكون - أعني كون المقدور ووجوده - لا صحّة إمكانه ، فاستغنى عن إثبات صفة أخرى يكون أثرها الكون.

فإن قيل : المراد بالصحّة - التي جعلناها أثرا للقدرة - هو صحّة الفعل بمعنى التأثير والإيجاد من الفاعل ، لا صحّة المفعول في نفسه ، وهذه الصحّة هي الإمكان الذّاتي الذي لا يمكن تعليله بغيره.

وأمّا الصحّة الأولى ، فهي بالقياس إلى الفاعل معلّلة بالقدرة ؛ فإنّ القدرة هي الصفة التي باعتبارها يصحّ من الفاعل طرفا الفعل والترك ، فلا يحصل بها منه أحدهما بعينه ، بل لا بدّ في حصوله من صفة أخرى تتعلّق به ، أي بذلك الطرف وحده ، فتلك الصفة هي التكوين.

قلنا : كلّ من ذينك الطرفين يصلح أثرا للقدرة ، وإنّما يحتاج صدور أحدهما بعينه عنه إلى مخصّص وهو الإرادة المتعلّقة بذلك الطرف ، وحينئذ لا حاجة إلى مبدأ للكون غير القدرة المؤثّرة فيه بواسطة الإرادة المتعلّقة به » (1).

[ أنّه تعالى واحد من جميع الجهات ]

ثمّ اعلم : أنّ المكلّف بعد معرفة اللّه تعالى - بأنّه خالق العالم والممكنات ، وأنّه

ص: 330


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 336 - 337.

الواجب الوجود بالذات ، وأنّه صاحب صفات الكمال والجمال ، وأنّه منزّه عن صفات النقص ، وصاحب الجلال ، وأنّ صفاته الذاتية عين الذات - لا بدّ أن يعتقد بالجنان ، ويقرّ باللسان بأنّ ذلك الواجب الوجود بالذات ، المعروف بتلك الوجوه الخمسة واحد من جميع الجهات من التوحيد الذاتيّ والجزئيّاتيّ والصفاتيّ والأفعاليّ والعباداتيّ ، ردّا على المشركين كالثنويّة القائلين باليزدان وأهرمن ، أو النور والظلمة (1) ، ومن اتّخذ آلهة ثلاثة (2) وأمثالهم. ولا بدّ أن يكون ذلك بالبراهين العقليّة والنقليّة من الكتاب والسّنّة.

أمّا البراهين العقليّة :

فمنها : أنّ التعدّد بوجود الشريك مفهوم من المفاهيم ، وكلّ مفهوم إمّا واجب ، أو ممكن ، أو ممتنع ، فالتعدّد إمّا واجب ، أو ممكن ، أو ممتنع.

لا سبيل إلى الأوّل ، وإلاّ يلزم عدم وجود الواجب أصلا ؛ لأنّ وجوب التعدّد لو كان لكان بمقتضى ذات الواجب ؛ لئلاّ تلزم المعلوليّة في الواجب ، فيكون وجود الواجب من غير تعدّد محالا ، وإلاّ يلزم عدم اللزوم ، أو انفكاك اللازم عن الملزوم فيلزم عدم تحقّقه في أفراده ؛ لأنّه في كلّ فرد واحد ، فيلزم ما ذكر ، وهو محال.

ولا سبيل إلى الثاني ، وإلاّ يلزم إمكان الواجب الذي يحصل به التعدّد ، وهو أيضا محال ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين ، فتعيّن الثالث ، وهو كون التعدّد ممتنعا ، وهو المطلوب.

ومنها : أنّ وجود الشريك لواجب الوجود بالذات ممتنع في الماهيّة والوجود.

أمّا امتناع وجود الشريك في الماهيّة ، فلأن الماهيّة المشتركة إن كانت تمام

ص: 331


1- انظر « شرح الأصول الخمسة » : 284 - 291 ؛ « الملل والنحل » 1 : 230 ؛ « مناهج اليقين » : 221 - 222 ؛ « شرح المواقف » 8 : 43 - 44 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 40.
2- هذا الكلام تعريض بالنصارى. انظر « الملل والنحل » 1 :2. 228 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 291 - 298 ؛ « مناهج اليقين » : 222 - 223 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 42.

حقيقة كلّ ، فهما متماثلان. وإن كانت جزء حقيقته ، فهما متجانسان ؛ لأنّ بعض الحقيقة المشترك إمّا جنس أو فصل بعيد يلزمه جنس ما ، فيلزم أن يكون لواجب الوجود جنس ، وكلّ ماله جنس فله فصل مختصّ مميّز له عن غيره لئلاّ ترتفع الاثنينيّة ، فيلزم التركّب في الواجب ، وهو محال ؛ لاستلزامه الاحتياج إلى الأجزاء ، وهو مناف لوجوب الوجود.

[ و ] على تقدير كونها تمام الحقيقة يلزم احتياج كلّ منهما إلى ما به الامتياز عن العوارض المشخّصة ، والمحتاج إلى الغير في الوجود لا يمكن أن يكون واجب الوجود. ومن هنا يعلم أنّ تشخّص الواجب عين ذاته كوجوده.

وأمّا امتناع الشريك في وجوب الوجود ، فلأنّ الوجود في الواجب عين حقيقته ، فلو وجد واجبان ، لكان حقيقة الوجود مشتركة بينهما ، والحقيقة المشتركة إمّا جنسيّة أو نوعيّة ، وعلى التقديرين يلزم تركّب الواجب كما مرّ وهو محال كما تقدّم ، فوجود الشريك يستلزم التركّب وهو محال ، فهو محال وهو المطلوب.

ومنها : أنّ وجود الشريك يستلزم عجز الواجب ؛ لأنّ كلاّ من الشريك (1) إمّا أن يقدر على الإتيان بما شاء بالنسبة إلى الآخر ، أم لا وعلى الأوّل ، فإمّا أن يقدر الآخر مع منع الأوّل أم لا ، والأوّل يستلزم عجز الأوّل ، والثاني عجز الثاني. وعلى الثاني يلزم عجز كليهما.

لا يقال : يشترط في القدرة إمكان المقدور ، والتأثير في الواجب ممتنع.

لأنّا نقول : تأثير الواجب في الواجب ليس بممتنع ؛ لأنّ الفاعل - وهو الواجب - كامل عن جميع الجهات ، والقابل متحقّق لا نقص فيه أصلا على هذا التقدير ، مضافا إلى إمكان التمثيل بمثال واضح كإماتة زيد وإبقائه ، وتحريك الفلك وتسكينه في آن واحد.

ص: 332


1- كذا ، والصحيح : « الشريكين ».

وقد حكي عن « ابن كمونة » في هذا المقام شبهة (1) ، وهي أنّ معنى عينيّة الوجود ليس إلاّ أنّ نفس حقيقة الواجب منشأ لانتزاع وجوده من دون حاجة إلى أمر خارج ، لا أنّ في الخارج حقيقة ووجودا [ هو ] عين تلك الحقيقة.

فعلى هذا يمكن أن يوجد في الخارج حقيقتان مختلفتان كلّ واحدة منهما تمام الحقيقة ، ويكون كلّ واحد منشأ لانتزاع وجوده ، ولم يكن الوجود إلاّ لازما منتزعا من نفس حقيقة كلّ منهما ؛ لجواز أن يكون للحقائق المختلفة لازم واحد ، فلا تلزم حقيقة مشتركة في الخارج ليلزم تركّب الواجب.

وجوابها : أنّ ماهيّة الواجب لمّا كانت عين مفهوم الوجود في الذهن الذي هو معنى واحد ، فلو كان ذلك المعنى الواحد منتزعا من حقيقتين مختلفتين في تمام الماهيّة ، يلزم أن تكون الماهيّة الواحدة تمام ماهيّة حقيقتين مختلفتين في تمام الماهيّة ، وهو بديهيّ البطلان.

بيان ذلك : أنّ الوجود - كما أفيد - على أقسام ثلاثة :

الأوّل : الوجود الحقّ ، وهو الوجود الواجب المقدّس عن كلّ ما سواه ، بل لا تطلق العبارة أيضا عليه ؛ فإنّ العبارة إنّما تطلق على العنوان وآثار صنعه ، وهذا الوجود لا يدرك بعموم ولا خصوص ، ولا إطلاق ولا تقييد ، ولا كلّ ولا جزء ، ولا كلّيّ ولا جزئيّ ، ولا كمّ ولا كيف ، ولا أين ولا وضع ، ولا إضافة ولا نحو ذلك ، بل إنّما يعرف بالوجوه والآثار كالبناء والبنّاء ونحو ذلك ، وكذا يعرف بضدّ ما للممكن مثل أنّه ليس بمحتاج ، ولا حادث ، ولا مركّب ، ولا ذي كيف وشبه ، ونحو ذلك ، ويعبّر عنه بالذات البحت ، بمعنى أنّه ذات بسيط ليس له وجود غير ماهيّته ، ولا ماهيّة غير وجوده ، ولا ذات غير صفته ، ولا صفة غير صفته.

ص: 333


1- حكاه في « المطارحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 394 - 395 ؛ « الأسفار الأربعة » 1 : 132 ؛ « شرح الهداية الأثيريّة » للصدر الشيرازيّ : 291 ؛ « المبدأ والمعاد » : 53.

الثاني : الوجود المطلق.

الثالث : الوجود المقيّد وهو الوجود الخاصّ الممكن.

والوجود المنتزع هو الوجود المطلق لا الوجود الحقّ ، فلو تعدّد الواجب يلزم الاشتراك في الوجود الحقّ ، فيحتاج إلى ما به الامتياز ، فيلزم التركّب الموجب للاحتياج إلى الأجزاء والمركّب ، المنافي لوجوب الوجود ، وإلاّ يلزم أن يكون الماهيّة الواحدة تمام ماهيّة حقيقتين مختلفتين في تمام الماهيّة ، وهو بديهيّ البطلان ، مضافا إلى أنّ ما ذكرنا آنفا يحسم مادّة تلك الشبهة ، كما لا يخفى.

وأمّا البراهين النقليّة الواردة في الكتاب :

فمنها : قوله تعالى : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا ) (1).

ومنها : قوله تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) (2).

بيان :

يمكن أن يكون المراد أنّه لو تعدّد الإله لكان كلّ فرد من أفراد الواجب الوجود بالذات ، وكاملا في الصفات كالعلم والقدرة والحياة ، فيكون كلّ فرد علّة مستقلّة في أفعاله ، فلا يمكن أن يكون مخلوق واحد مخلوقا للاثنين ؛ لامتناع توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد شخصيّ ؛ حذرا عن عدم استقلال كلّ منهما ، أو تحصيل الحاصل ، فيكون كلّ مخلوق مخلوقا لخالق على حدة ، فيذهب كلّ إله بما خلق ، ولعلا بعض المخلوقين على بعض ، بناء على وحدة محدّد الجهات المحيط بالعالم ، فيلزم التفاوت في المخلوق مع التساوي في الخالق ، وهو محال.

أو المراد أنّه لو تعدّد الإله ، فإمّا أن يكون كلّ فرد علّة مستقلّة ، أم يكون بعض الأفراد علّة مستقلّة ، وبعضها غير مستقلّة ، مستندا إلى الآخر ، محتاجا إليه.

ص: 334


1- الأنبياء (21) : 22.
2- المؤمنون (23) : 91.

فعلى الأوّل لذهب كلّ إله بما خلق ؛ حذرا عمّا ذكر.

وعلى الثاني لكان بعض الآلهة عاليا محتاجا إليه ، وبعضهم دانيا محتاجا ، وكلّ منهما فاسد ؛ إذ الأوّل - مع كونه خلاف الوجدان والعيان - خلاف اعتقاد المشركين القائلين بتعدّد الإله لكلّ مخلوق. والثاني يستلزم وحدة الإله المستقلّ ، بل عدم كون الشريك من أفراد الواجب بالذات الغنيّ بالذات ، وهو خلاف المفروض.

ومن هذا يمكن فهم المراد من الآية الأولى ؛ لاقتضاء استقلال كلّ فرد أن يتعلّق إرادة بعض ببقاء السماوات والأرض ، والآخر بإعدامهما ، فإذا تعارضا وتعادلا ، بقي المعلول بلا مبق ففسدتا ؛ الاحتياج الباقي إلى المؤثّر ، فلا يرد أنّ الغنيّ المطلق الكامل لا يعارض غنيّا آخر مثله ، وأنّه حال الممكن كالسلاطين الذين يدفع بعضهم بعضا. ويدلّ على ذلك أنّه قال : ( لَفَسَدَتا ) ولم يقل : لأفسدوا.

ومنها : قوله تعالى : ( اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) (1).

ومنها : قوله تعالى : ( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ) (2).

ومنها : قوله تعالى : ( وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللّهُ ) (3).

ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ ) الآية (4).

ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) الآية (5).

ص: 335


1- البقرة (2) : 255 ؛ آل عمران (3) : 2 ؛ النساء (4) : 87 ؛ طه (20) : 80 ؛ النحل (27) : 26 ؛ التغابن (64) : 13.
2- البقرة (2) : 163.
3- آل عمران (3) : 62.
4- آل عمران (3) : 64.
5- النساء (4) : 48 و 116.

ومنها : قوله تعالى : ( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ) (1).

ومنها : قوله تعالى : ( لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ) (2).

ومنها : قوله تعالى : ( لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً ) (3).

ومنها : قوله تعالى : ( لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً ) (4).

ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) (5).

ومنها : قوله تعالى حكاية عن لقمان : ( يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (6).

ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ* اللّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (7) وغير ذلك من الآيات الكثيرة الدالّة على نفي الشريك وهي - على ما عددتها - ثلاث وتسعون آية.

وأمّا الواردة في السّنّة :

فمنها : ما روي عن شريح بن هانئ ، قال : إنّ أعرابيّا مال يوم الجمل إلى أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين! أتقول : إنّ اللّه واحد؟ قال : فحمل الناس عليه وقالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين علیه السلام من تقسّم القلب؟ فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « دعوه ؛ فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ».

قال : « يا أعرابي! إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها

ص: 336


1- النساء (4) : 116.
2- النحل (16) : 51.
3- الإسراء (17) : 22.
4- الإسراء (17) : 39.
5- الأنبياء (21) : 98.
6- لقمان (31) : 13.
7- الإخلاص (112) : 1 - 4.

لا يجوزان على اللّه عزّ وجلّ ، ووجهان يثبتان فيه.

فأمّا اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال : إنّه ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّه تشبيه عزّ وجلّ ربّنا ، وتعالى عن ذلك.

وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود : لا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ (1) ».

ومنها : ما روي عن أبي هاشم الجعفريّ ، قال : قلت لأبي جعفر الثاني : ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) (2) ما معنى الأحد؟ قال : « المجمع عليه بالوحدانيّة أما سمعته يقول : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ ) (3) بعد ذلك له شريك وصاحبة (4)؟ »

بيان :

كلامه الأخير استفهام إنكاريّ ، أي كيف يكون له شريك وصاحبة بعد إجماع العقول على خلافه وكون غرائز الخلق كلّها مجبولة على الإذعان بتوحيده إذا تركوا العناد؟!

ومنها : ما روي في جواب سؤال الزنديق رواية (5) أبطل فيها مذاهب ثلاثة للثنويّة :

ص: 337


1- « التوحيد » : 83 - 84 باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ح 3.
2- الإخلاص (112) : 1.
3- العنكبوت (29) : 61.
4- « التوحيد » : 82 - 83 باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ح 1 - 2 ؛ « الكافي » 1 : 118 ، باب معاني الأسماء واشتقاقها ، ح 12.
5- « التوحيد » : 243 - 270 ، باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح 1 ، وأورد الكلينيّ قسما منه في « الكافي » 1 : 83 - 85 باب إطلاق بأنّه شيء ، ح 6.

الأوّل : مذهب الأيضائيّة (1) ، وهم أثبتوا أصلين : نورا وظلاما فالنور يفعل الخير قصدا واختيارا ، والظلام يفعل الشرّ طبعا (2).

الثاني : مذهب المانويّة أصحاب ماني الحكيم الذي ظهر بعد عيسى علیه السلام ، وأخذ دينا بين المجوسيّة والنصرانيّة ، وكان يقول بنبوّة المسيح دون الكليم ، وزعم أنّ العالم مصنوع مركّب من أصلين قديمين : أحدهما نور ، والآخر ظلمة ، وأنّهما أزليّان ، حسّاسان ، سميعان ، بصيران ، متضادّان في النفس والصورة ، والفعل والتدبير (3).

الثالث : مذهب المرقوبيّة أثبتوا أصلين متضادّين : أحدهما النور ، والثاني الظلمة ، وأثبتوا أصلا ثالثا وهو المعدّل الجامع وهو سبب المزاج ؛ فإنّ المتنافرين المتضادّين لا يمزجان إلاّ بجامع وهو دون النور وفوق الظلمة ، وحصل من الاجتماع والامتزاج هذا العالم ، كذا حكي عنهم (4).

ومنها : ما روي هشام [ بن ] الحكم أنّه قال : من سؤال الزنديق عن الصادق علیه السلام أن قال : لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟ قال أبو عبد اللّه - علیه السلام - : « لا يخلو قولك : إنّهما اثنان من أن يكونا قديمين قويّين ، أو يكونا ضعيفين ، أو يكون أحدهما قويّا والآخر ضعيفا ، فإن كانا قويّين فلم لا يدافع كلّ واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير؟ وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، ثبت أنّه واحد - كما نقول - للعجز الظاهر في الثاني. وإن قلت : إنّهما اثنان لم يخل من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة ، فلمّا رأينا الخلق منتظما ، والفلك حاويا ، واختلاف

ص: 338


1- ما نسبه إلى الأيضائيّة هنا نسبه الشهرستانيّ في « الملل والنحل » 1 : 250 إلى الديصانيّة ، فالأيضائيّة والديصانيّة إمّا مذهب واحد ، أو أنّ الأيضائيّة تحريف عن الديصانيّة.
2- انظر « الملل والنحل » 1 : 220 - 252 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 291 - 298 ؛ « مناهج اليقين » 222 - 223 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 40 - 44.
3- نفس المصادر السابقة.
4- نفس المصادر السابقة.

الليل والنهار ، والشمس والقمر ، دلّ صحّة الأمر والتدبير ، وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد (1) ».

وزيد في بعض الأخبار : « ثمّ يلزمك إن ادّعيت اثنين ، فلا بدّ من فرجة بينهما حتّى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثا بينهما ، قديما معهما ، فيلزمك ثلاثة ، وإن ادّعيت ثلاثة ، لزمك ما قلنا في الاثنين حتّى يكون بينهما فرجتان ، فيكون خمسة ، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة (2) ».

ومنها : ما روي عن هشام بن الحكم ، قال : قال أبو شاكر الديصانيّ : إنّ في القرآن آية هي قوّة لنا. قلت : وما هي؟ فقال : ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) (3) فلم أدر بما أجيبه ، فحججت ، فخبّرت أبا عبد اللّه علیه السلام ، فقال : « كلام زنديق خبيث إذا رجعت إليه فقل : ما اسمك بالكوفة؟ فإنّه يقول : فلان ، فقل : ما اسمك بالبصرة؟ فإنّه يقول : فلان ، فقل : كذلك اللّه ربّنا إنّه في السماء إله ، وفي الأرض إله ، وفي البحار إله ، وفي كلّ مكان إله ».

قال : فقدمت فأتيت أبا شاكر ، فأخبرته ، فقال : هذه نقلت من الحجاز (4). وغير ذلك من الأخبار التي لا تكاد تحصى ممّا دلّ على التوحيد ، ونفي الرؤية ونحو ذلك.

ومنها : ما روي في « الكافي » عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن أسماء اللّه واشتقاقها : اللّه ممّا هو مشتقّ؟ قال : فقال لي : « يا هشام! اللّه مشتقّ من أله ، والإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المسمّى فقد كفر ولم يعبد شيئا ؛ ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ؛ ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام!؟ ».

ص: 339


1- « التوحيد » : 243 - 244 باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح 1.
2- نفس المصدر.
3- الزخرف (43) : 84.
4- « الكافي » 1 : 128 - 129 ، ذيل باب الحركة والانتقال ، ح 10 ؛ « التوحيد » : 133 ، باب القدرة ، ح 16.

قال : فقلت : زدني ، فقال : « إنّ لله تسعة وتسعين اسما ، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان لكلّ اسم منها إلها ، ولكنّ اللّه معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره ، يا هشام! الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق ، أفهمت يا هشام! فهما تدفع به أعداءنا والملحدين مع اللّه جلّ وعزّ غيره؟ » قلت : نعم ، فقال : « نفعك اللّه به وثبّتك يا هشام ».

فقال هشام : فو اللّه ما قهرني أحد في التوحيد حتّى قمت مقامي هذا (1).

ومنها : ما روي فيه أيضا عن أبي بصير ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر علیه السلام فقال له : أخبرني عن ربّك متى كان؟ فقال : « ويلك ، إنّما يقال لشيء [ لم يكن فكان ] : متى كان ، إنّ ربّي - تبارك وتعالى - كان ولم يزل حيّا بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كون ، كيف (2) لم يكن؟ ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكانا ، ولا قوي بعد ما كوّن الأشياء ، ولا كان ضعيفا قبل أن يكوّن شيئا ، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ، ولا يشبه شيئا مذكورا ، ولا كان خلوا من الملك قبل إنشائه ، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه ، لم يزل حيّا بلا حياة ، وملكا قادرا قبل أن ينشئ ، وملكا جبّارا بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ، ولا له أين ، ولا له حدّ ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشيء ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلّها ، كان حيّا بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ، ولا حدّ محدود ، ولا أين موقوف عليه ، ولا مكان جاور شيئا ، بل حيّ يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحدّ ، ولا يبعّض ، ولا يفنى ، كان

ص: 340


1- « الكافي » 1 : 114 باب معاني الأسماء واشتقاقها ، ح 2 ؛ « التوحيد » : 220 - 221 باب أسماء اللّه تعالى ... ح 13.
2- في « أ » و « ب » : « ولا كان لكونه كون ، كيف لم يكن ولا كان له أين ». وفي « ز » : « ولا كان لكونه كيف لم يكن ولا كان له أين ». وفي المصدر : « ولا كان لكونه كون كيف ولا كان له أين ». وفي « التوحيد » للصدوق : « ولا كان لكونه كيف ، ولا كان له أين ».

أوّلا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين ، وكلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر ، تبارك اللّه ربّ العالمين » (1).

ومنها : ما روي فيه أيضا عن عليّ بن حمزة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم : أنّ اللّه تعالى جسم صمديّ نوريّ ، معرفته ضرورة يمنّ بها على من يشاء من خلقه ، فقال علیه السلام : « سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلاّ هو ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، لا يحدّ ، ولا يحسّ ولا يجسّ ، ولا يدركه الحواسّ ، ولا يحيط به شيء ، ولا جسم ولا صورة ، ولا تخطيط ولا تحديد » (2).

ومنها : ما قد روي عن مولانا الصادق علیه السلام أنّه قال : « من زعم أنّ لله وجها كالوجوه فقد أشرك ؛ ومن زعم أن لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر باللّه ، فلا تقبلوا شهادته ولا تأكلوا ذبيحته ، تعالى اللّه عمّا يصفه المشبّهون بصفة المخلوقين ، فوجه اللّه أنبياؤه وأولياؤه ، وقوله : ( خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ ) (3) القدرة كقوله : ( وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ) (4) فمن زعم أنّ اللّه في شيء ، أو على شيء ، أو يحول من شيء إلى شيء ، أو يخلو منه شيء ، أو يشغل به شيء ، فقد وصفه بصفة المخلوقين ، واللّه خالق كلّ شيء ، لا يقاس بالقياس ، ولا يشبه بالناس ، لا يخلو منه مكان ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، ذلك اللّه ربّنا لا إله غيره ، فمن أراد اللّه وأحبّه بهذه الصفة ، فهو من الموحّدين ، ومن أحبّه بغير هذه الصفة ، فاللّه منه بريء ، ونحن منه

ص: 341


1- « الكافي » 1 : 88 - 89 باب الكون والمكان ، ح 3.
2- « الكافي » 1 : 104 باب النهي عن الجسم والصورة ، ح 1 ؛ « التوحيد » : 98 باب أنّه عزّ وجلّ ليس بجسم ولا بصورة ، ح 4.
3- ص (38) : 75 ، وهو قوله تعالى : ( قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ) .
4- الأنفال (8) : 26.

برآء » (1) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على التوحيد ونفي الشريك. واللّه العالم.

تذنيبان :

[ التذنيب ] الأوّل : أنّه ورد في بعض الأخبار المعتبرة عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « إذا ظهرت البدع في أمّتي ، فعلى العالم أن يظهر علمه ، وإلاّ فعليه لعنة اللّه » (2).

وفي الآخر : « فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه » (3).

وروي أيضا أنّ « من علم علما وكتمه ، ألجمه اللّه تعالى يوم القيامة بلجام من النار » (4) فأقول : قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الحقّ تعدّد الوجود ، بمعنى أنّ الوجود على أقسام : منها : الوجود المطلق. ومنها : الوجود المقيّد الممكن. ومنها : الوجود الحقّ الواجبيّ.

وبعبارة أخرى : الوجود وجود عامّ ، ووجود خاصّ واجبيّ ، ووجود خاصّ ممكنيّ ، بالبرهان العقليّ والنقليّ والوجدان والعيان ، بمعنى أنّ الوجود الواجبيّ منشأ للوجود العلميّ الممكنيّ وهو منشأ للوجود العينيّ الممكنيّ الذي هو من آثار الوجود الواجبيّ سواء كان على وجه الإبداع غير المسبوق بالمادّة والمدّة ، كالسماوات ، أو الصنع المسبوق بالمدّة دون المادّة ، كالعناصر ، أو التكوين المسبوق بهما ، كالمواليد المركّبات أو نحو ذلك ، كما يستفاد من النقل ، خلافا لما ذهب إليه جماعة من الصوفيّة (5) الذين يسمّون أنفسهم بالعرفاء.

ص: 342


1- « كفاية الأثر » : 255 - 257.
2- « المحاسن » 1 : 361 باب إظهار الحقّ ، ح 776 ؛ « الكافي » 1 : 54 باب البدع والمقاييس ، ح 2 ؛ « غوالي اللآلئ » 4 : 70 ، ح 39.
3- « المحاسن » 1 : 361 باب إظهار الحقّ ، ح 776 ؛ « الكافي » 1 : 54 باب البدع والمقاييس ، ح 2 ؛ « غوالي اللآلئ » 4 : 70 ، ح 39.
4- « الأمالي » للطوسيّ : 377 ، المجلس 13 ، ح 808 ؛ « غوالي اللآلئ » 4 : 71 ، ح 40.
5- « شرح فصوص الحكم » للقيصريّ 1 : 13 - 29 ؛ « مصباح الأنس » : 46 - 47 ؛ « تمهيد القواعد » : 25 - 34 ؛ « الأسفار الأربعة » 1 : 48 - 49.

بيان ذلك : أنّ التحقيق أنّ الصوفيّة على سبع فرق بعدد أبواب جهنّم ؛ فإنّها أيضا سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم ، ومن زاد على هذه السبعة فهو من جعل قسم القسم قسما ، وعدّد الشعب من الأقسام ؛ لما لا يخفى.

الفرقة الأولى : من قال بوحدة الوجود والموجود ، بمعنى أنّ جميع ما في الكون هو الوجود الواجبيّ والموجود هو الواجب ، والتكثّر بحسب الشئونات أو الخيالات والتوهّمات كما عن الجامي انّه قال :

كلّ ما في الكون وهم أو خيال

أو عكوس في مرايا أو ظلال (1)

وعن بايزيد البسطاميّ أنّه قال : « ليس في جبّتي إلاّ اللّه » (2).

وعن بعض أنّه قال :

در مسجد ودر ميكده هرجا كه مى بينم توئى *** غير از تو در كون ومكان ، ديّار كو ديّار كو

وعن صاحب المثنوي أنّه قال :

هر لحظه به شكلى بت عيّار بر آمد *** دل برد ونهان شد

هر دم بلباس دگر آن يار بر آمد *** گه پير وجوان شد

نى نى كه همان بود كه مى آمد ومى رفت *** در صورت ومعنى

تا عاقبت آن شكل عرب وار بر آمد *** داراى جهان شد (3)

ص: 343


1- « نقد الفصوص في شرح نقش الفصوص » : 181.
2- تقدّم في ص 291.
3- لم نهتد إلى قائله.

إلى آخر الكلام.

وفي المثنوي :

چون كه بى رنگى أسير رنگ شد *** موسيى با موسيى در جنگ شد (1)

ونحو ذلك من الكلمات الظاهرة في وحدة الوجود والموجود ، وكون الممكن من الأمور الاعتباريّة الوهميّة والخياليّة ، ويعبّر عن هذا المذهب بالموج والدريا.

ولا يخفى أنّه موجب لإنكار النبوّة والإمامة والدين والمعاد والثواب والعقاب ؛ لعدم تعقّل تكليف اللّه نفسه وتعذيبها ونحو ذلك ممّا يتعلّق بالدين ، فهو إنكار للدين ، ومعتقده من أخبث الكافرين.

الفرقة الثانية : من قال بوحدة الوجود وتعدّد الموجود ، ويمثّلون بالفارسيّة بقولهم : « نم ويم » ويقولون :

چه (2) ممكن گرد إمكان برفشاند *** بجز واجب ، ديگر (3) چيزى نماند (4)

ويقولون : إنّ أحوال الممكن من تنزّلات وجود الواجب.

ويقولون :

ما ز بالائيم وبالا مى رويم.

ونحو ذلك من الكلمات الدالّة على أنّ صدور المعلول عن العلّة عبارة عن تنزّل العلّة إلى مرتبة وجود المعلول ، وتطوّرها بطور المعلول ، وأنّ الوجود بشرط عدم الماهيّة حقيقة الواجب ، وبشرط التعيّن بالماهيّة حقيقة الممكن.

وهم أيضا كالسابقين من الكافرين ؛ لما لا يخفى على أحد من المؤمنين المتفطّنين.

ص: 344


1- « مثنوىّ معنوىّ » : 126 ، الدفتر الأوّل ، البيت 2525.
2- في المصدر : « چو ».
3- في المصدر : « دگر ».
4- « گلشن راز » ضمن « مجموعة آثار الشيخ محمود الشبستريّ » : 86.

الفرقة الثالثة : الاتّحاديّة ، وهم من قال بالاتّحاد ، بمعنى أنّ العارف بعد الترقّي بالرياضة وتكميل النفس بها يتّحد مع الواجب ، ويصيران كالشيء الواحد. ويقولون :

گفت بوديم بهم شام وسحر *** بهم آميخته چون شير وشكر

وهذا المذهب يستلزم إنكار الضرورة والتجسّم بالجسم كالأجسام ، وهذا كفر بلا كلام.

الفرقة الرابعة : الواصليّة ، وهم من قال بالوصل باللّه كالباب والجدران بالترقّي والتكميل كما لا يخفى.

وصاحب هذا المذهب كالسابقين من الكافرين ؛ لما لا يخفى.

الفرقة الخامسة : الحلوليّة ، وهم من قال بحلول الواجب في الممكن العارف بعد التكميل.

وهم كالسابقين من الكافرين ؛ لإنكار ضروري الدين.

الفرقة السادسة : المباحيّة ، وهم من قال بإباحة جميع الأشياء حتّى اللواط والزنا بإطلاق النفس فيما تهويه ليصير الهمّ واحدا.

وهم أيضا منكرون لضروريّ الدين ، فهم أيضا من الكافرين.

الفرقة السابعة : الملامتيّة ، وهم من يقول بجواز تصوير الحلال بصورة الحرام كشرب الخلّ بصورة الخمر ؛ لبلود الناس ، ولئلاّ يحصل العجب والكبر.

وهم أيضا مثل السابقين من جهلة الكافرين ؛ لما لا يخفى. وغيرهم راجعون إليهم.

نعم ، بعضهم كالقائلين بوحدة الوجود من باب الظلّ وذي الظلّ ، أو الشجر والثمر - بمعنى أنّ الوجود بمعنى منشأ الأثر من غير أن يكون أثرا واحد ، وهو وجود الواجب ، وما عداه أثر ذلك الوجود - من الفاسقين ؛ لعدم إلقائهم عن موضع التهمة الواجب على وجه الإصرار ، وهو فسق بلا إنكار.

ويدلّ على فساد تلك الاعتقادات - مضافا إلى ما أشرنا إليه من نحو الضرورة -

ص: 345

بعض الأخبار المعتبرة الدالّة على براءة الأئمّة علیهم السلام ممّن قال بها من الصوفيّة كما أفاد بعض الأجلّة (1).

فعن المقدّس الأردبيليّ أنّه أفاد أنّه روي بسند صحيح عن أحمد بن أبي نصر البزنطيّ وإسماعيل بن بزيع ، عن مولانا الرضا علیه السلام أنّه قال : « من ذكر عنده الصوفيّة ولم ينكرهم بلسانه وقلبه فليس منّا ، ومن أنكرهم فكأنّما جاهد الكفّار بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » (2).

وفي الآخر : أنّه قال رجل من أصحابنا للصادق جعفر بن محمّد علیه السلام : وقد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم : الصوفيّة فما تقول فيهم؟ فقال علیه السلام : « إنّهم أعداؤنا ، فمن مال إليهم فهو منهم ويحشر معهم ، وسيكون أقوام يدّعون حبّنا ، ويميلون إليهم ، ويتشبّهون بهم ، ويلقّبون أنفسهم بلقبهم ، ويؤوّلون أقوالهم ، ألا فمن مال إليهم فليس منّا ، وإنّا منهم برآء ، ومن أنكرهم وردّ عليهم ، كان كمن جاهد بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (3).

وعن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « يا أبا ذرّ! يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون أنّ لهم الفضل بذلك على غيرهم ، أولئك يلعنهم اللّه وملائكة السماوات والأرض » (4).

وعن الإمام الحسن العسكريّ علیه السلام أنّه خاطب أبا هاشم الجعفريّ ، وقال علیه السلام : « يا أبا هاشم ، سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة ، وقلوبهم مظلمة منكدرة ، السّنّة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سنّة ، المؤمن بينهم محقّر ، والفاسق بينهم موقّر ، أمراؤهم جاهلون جائرون ، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون ، أغنياؤهم

ص: 346


1- « حديقة الشيعة » : 562 - 564.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.
4- « مكارم الأخلاق » 2 : 381 ، الفصل الخامس في وصية الرسول صلی اللّه علیه و آله لأبي ذرّ رضی اللّه عنه ، ح 2661 ، وعنه في « بحار الأنوار » 74 : 91 ، ح 3.

يسرقون زاد الفقراء ، أصاغرهم يتقدّمون على الكبراء ، كلّ جاهل عندهم خبير ، وكلّ عيّل عندهم فقير ، لا يميّزون بين المخلص والمرتاب ، ولا يعرفون الظانّ من الذابّ (1) ، علماؤهم شرار خلق اللّه على وجه الأرض ، ألا إنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف ، وأيم اللّه أنّهم من أهل العدوان والتحرّف ، يبالغون في حبّ مخالفينا ، ويضلّون شيعتنا وموالينا ، فإن نالوا منصبا لم يشبعوا من الرشاء ، وإن خذلوا عبدوا اللّه على الرياء ، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين ، والدعاة إلى نحلة الملحدين ، فمن أدركهم فليحذر ، وليصن نفسه وإيمانه ».

ثمّ قال علیه السلام : « يا أبا هاشم! هذا ما حدّثني أبي عن آبائه علیهم السلام عن جعفر بن محمّد علیه السلام وهو من أسرارنا ، فاكتمه إلاّ عن أهله » (2).

وعن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب أنّه قال : كنت مع الهادي عليّ بن محمّد علیهماالسلام في مسجد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فأتاه جماعة من أصحابه علیه السلام منهم أبو هاشم الجعفريّ ، وكان رجلا بليغا ، وكان له منزلة عظيمة عنده علیه السلام ، ثمّ دخل المسجد جماعة من الصوفيّة ، وجلسوا في جانبه مستديرا ، وأخذوا بالتهليل ، فقال علیه السلام : « لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخدّاعين ؛ فإنّهم خلفاء الشياطين ، ومخرّبو قواعد الدين ، يتزهّدون لإراحة الأجسام ، ويتهجّدون لصيد الأنعام ، يتجوّعون عمرا حتّى يدبّحوا (3) للإيكاف (4) حمرا ، لا يهلّلون إلاّ لغرور الناس ، ولا يقلّلون الغذاء إلا لملء العساس (5) ، واختلاس قلب الدفناس (6) ، يكلّمون الناس بإملائهم في الحبّ ،

ص: 347


1- في هامش « ز » : « الظاهر الصحيح : الضأن من الذئب ».
2- « حديقة الشيعة » : 562.
3- يدبّحوا - بالدال المهملة ، والباء الموحّدة ، والحاء المهملة - من دبّح تدبيحا بمعنى قتب ظهره وطأطأ رأسه ، كما عن القاموس منه راجع مادّة ( د. ب. ح ) وفيه : « بسط » بدل « قتب ».
4- والإيكاف مصدر آكف الحمار أي شدّ عليه الإكاف وهو بالفارسيّة پالان خر. منه رحمه اللّه .
5- والعساس - بكسر المهملة - ككتاب : الأقداح. منه رحمه اللّه . وهو جمع العسّ بمعنى القدح.
6- والدفناس : البخيل ، والأحمق الدنيء. منه رحمه اللّه .

ويطرحونهم باذليلائهم (1) في الجبّ ، أورادهم الرقص والتصدية ، وأذكارهم الترنّم والتغنية ، فلا يتبعهم إلاّ السفهاء ، ولا يعتقدهم إلاّ الحمقاء ، فمن ذهب إلى زيارة أحد منهم حيّا أو ميّتا فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبدة الأوثان ، ومن أعان أحدا منهم فكأنّما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان ».

قال رجل من أصحابه علیه السلام : وإن كان معترفا بحقوقكم؟ قال : فنظر إليه شبه المغضب ، وقال علیه السلام : « صحّ كلامك ، من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا ، أما تدري أنّهم أخسّ الطوائف الصوفيّة ، والصوفيّة كلّهم مخالفونا ، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا ، وإن هم إلاّ نصارى أو مجوس هذه الأمّة ، أولئك الذين يجهدون في إطفاء نور اللّه ، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون » (2).

وعن الرضا علیه السلام أنّه قال : « لا يقول بالتصوّف أحد إلاّ لخدعة ، أو ضلالة ، أو حماقة ؛ وأمّا من سمّى نفسه صوفيّا للتقيّة ، فلا إثم عليه » (3).

وزيد في الآخر « وعلامته أن يكتفي بالتسمية ، ولا يقول بشيء من عقائدهم الباطلة » (4).

إلى غير ذلك من الأدلّة الدالّة على فساد تلك العقائد وضلالة أهلها ممّن أشرنا إليهم أو غيرهم ممّن ذكر في حديقة الشيعة (5).

لا يقال : إنّ المريض الظاهري كما أنّه يحتاج في علاج مرضه إلى الطبيب الظاهر الذي يضع يده الظاهرة على نبضه الظاهر حتّى يعيّن مرضه الظاهر ، ويعالجه بالعلاج الظاهر ، كذلك المريض الباطنيّ يحتاج إلى الطبيب الباطنيّ الذي يضع يده الباطنة

ص: 348


1- والاذليلاء : الانطلاق في استخفاء. منه رحمه اللّه . وهو مصدر اذلولى من ذلي.
2- حديقة الشيعة : 602 نقلا عن ابن حمزة والسيّد مرتضى.
3- « حديقة الشيعة » : 605.
4- نفس المصدر.
5- نفس المصدر : 562 - 606.

على نبضه الباطنيّ حتّى يعيّن مرضه الباطنيّ ، ويعالجه بالعلاج الباطنيّ وهو العارف الإلهيّ ، فأهل العرفان محبوبون غير مبغوضين.

لأنّا نقول : إنّ اللّه قد بعث الحكيم الإلهي ، المظهر للأوامر والنواهي ، المتمّم لمكارم الأخلاق ، الطبيب لأهل الآفاق ، الرسول على الإطلاق ، فمن أراد السلوك إلى الحقّ ، يتبعه وأوصياءه وأمناءه ، ولكم في رسول اللّه أسوة حسنة وهم أطبّاء إلهيّون ، وحكماء ربّانيّون إيمانيّون ، وأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه ، ومرجعهم أهل الضلال والحكماء اليونانيّون. ونعم ما قال :

آنچه مى گويند أصحاب ضلال *** تار او وهمست وپود آن خيال

كما لا يخفى ذلك على أهل الإنصاف والعدل.

ويظهر ممّا ذكرنا أيضا ما ذكر في « الأسفار » حيث قال :

« اعلم أنّ مذهب الصوفيّة أنّ ذاته تعالى من حيث وجوده وهويّته مع قطع النظر عن الصفات والتعيّنات والمفهومات - حتّى مفهوم الذات والوجود والهويّة - مرتبة جمع الجمع ، وباعتبارها مرتبة الجمع ومقام الفرق ؛ إذ في هذه المرتبة تتميّز الصفة عن الذات وتتميّز الصفات بعضها عن بعض ، فيتميّز العلم عن القدرة وهي عن الإرادة ، فتتكثّر الصفات وبتكثّرها تتكثّر الأسماء وتتكثّر مظاهرها ، وإذا نزلت الحقائق من هذا العالم إلى مرتبة الصور النفسانيّة صارت إلى مقام فرق الفرق ، والحقائق المتأصّلة - كالإنسان وغيره من الأنواع - لكلّ منها أنحاء من الكون ، ودرجات ومقامات في الوجود ، ونشئات في الكمال ، كلّ ما هو أرفع وأشرف كان الوجود فيه أقدم ، ووحدته أقوى وإحاطته بما سواه أكثر ، وجمعيّته أشدّ ، ونوريّته أظهر ، وآثاره أوفر ، حتّى يبلغ إلى مقام يزول عنه النقائص كلّها حتّى الإمكان ، ففي هذا المقام وقع التصالح بين المتفاسدات ، والتعانق بين المتضادّات ، والتأحّد بين الكثرات ، فكانت موجودة بوجود واحد ، معلومة بعلم واحد ، كما عبّر عن هذا المقام لسان الرسول الختمي علیه السلام : لي مع اللّه وقت

ص: 349

لا يسعني فيه ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل (1). إنّما قال : وقت ، ولم يقل : مقام ؛ للفرق بين مرتبة الرسالة ومرتبة الولاية ؛ لأنّ دعوى الرسالة لا تلائم دعوى المقام هناك ، وإنّما تلائم دعوى الوقتيّة » (2).

[ التذنيب ] الثاني : أنّه قد روى في « الكافي » في كتاب التوحيد في باب حدوث العالم وإثبات المحدث عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه 7 أنّه 7 قال للزنديق : « ما اسمك؟ » فقال : اسمي عبد الملك. قال : « فما كنيتك؟ » فقال : كنيتي أبو عبد اللّه.

فقال له أبو عبد اللّه علیه السلام : « فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض ، أم من ملوك السماء؟ وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء ، أم عبد إله الأرض؟ قل ما شئت تخصم ».

إلى أن قال علیه السلام : « أتعلم أنّ للأرض تحتا وفوقا؟ » قال : نعم قال علیه السلام : « فدخلت تحتها؟ » قال : لا. قال : « فما يدريك ما تحتها؟ » قال : لا أدري إلاّ أنّي أظنّ أن ليس تحتها شيء ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « فالظنّ عجز لما لا يستيقن » (3).

ثمّ قال : « أفصعدت السماء؟ » قال : لا. قال : « فتدري ما فيها؟ » قال : لا.

قال علیه السلام : « عجبا لك لم تبلغ المشرق ، ولم تبلغ المغرب ، ولم تنزل الأرض ، ولم تصعد السماء ، ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهنّ وأنت جاحد بما فيهنّ وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟ ».

ص: 350


1- « بحار الأنوار » 18 : 36 ، ذيل ح 66 ؛ « كشف الحقائق » : 166 ؛ « شرح منازل السائرين » لعبد الرزّاق الكاشانيّ : 320 ؛ « لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام » : 156 ؛ « شرح فصوص الحكم » للقيصريّ 1 : 135 ؛ « الأسفار الأربعة » 6 : 368 ، 8 : 349 و 9 : 85.
2- « الأسفار الأربعة » 6 : 284 - 285.
3- في « الكافي » : « لما لا تستيقن » وفي « التوحيد » : « ما لم تستيقن ».

قال الزنديق : ما كلّمني بهذا أحد غيرك ، فقال علیه السلام : « فأنت من ذلك في شكّ ، فلعلّه هو ، ولعلّه ليس هو » فقال الزنديق : ولعلّ ذلك ، فقال علیه السلام : « أيّها الرجل ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم ولا حجّة للجاهل ، يا أخا أهل مصر! تفهّم عنّي ؛ فإنّا لا نشكّ في اللّه أبدا ، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان ويرجعان ، قد اضطرّا ليس لهما مكان إلاّ مكانهما ، فإن كانا يقدران على أن يذهبا ، فلم يرجعان؟ فإن كانا غير مضطرّين ، فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا؟ اضطرّا - واللّه - يا أخا أهل مصر! إلى دوامهما ، والذي اضطرّهما أحكم منهما وأكبر » فقال الزنديق : صدقت.

ثمّ قال علیه السلام : « يا أخا أهل مصر إنّ الذي تذهبون إليه وتظنّون أنّه الدهر ، إن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردّهم؟ وإن كان يردّهم لم لا يذهب بهم؟ القوم مضطرّون يا أخا أهل مصر! لم السماء مرفوعة ، والأرض موضوعة؟ لم لا تسقط السماء على الأرض؟ ولم لا تنحدر الأرض فوق أطباقها ولا يتماسكان ولا يتماسك من عليها؟ » قال الزنديق : أمسكهما اللّه ربّهما وسيّدهما. قال : فآمن الزنديق على يدي أبي عبد اللّه (1).

وأيضا فيه في رواية أخرى ، قال الصادق علیه السلام لابن أبي العوجاء ، فقال علیه السلام : « فإن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء - وهو على ما يقولون ، يعني أهل الطواف - فقد سلموا وعطبتم ، وإن يكن الأمر على ما تقولون - وليس كما تقولون - فقد استويتم وهم ».

قال ابن أبي العوجاء : فقلت له : يرحمك اللّه وأيّ شيء تقول؟ وأيّ شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلاّ واحد.

فقال علیه السلام : « وكيف يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون : إنّ لهم معادا وثوابا

ص: 351


1- « الكافي » 1 : 72 - 74 باب حدوث العالم ... ح 1 ؛ « التوحيد » :1. 295 باب إثبات حدوث العالم ، ح 4.

وعقابا ، ويدينون بأنّ في السماء إلها ، وأنّها عمران ، وأنتم تزعمون أنّ السماء خراب ليس فيها أحد؟ » قال : فاغتنمتها منه ، فقلت له : ما منعه - إن كان الأمر كما يقولون - أن يظهر لخلقه ، ويدعوهم إلى عبادته حتّى لا يختلف منهم اثنان؟ ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه ، لكان أقرب إلى الإيمان به.

قال : فقال لي : « ويلك ، وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك : نشوءك ولم تكن ، وكبرك بعد صغرك ، وقوّتك بعد ضعفك ، وضعفك بعد قوّتك ، وسقمك بعد صحّتك ، وصحّتك بعد سقمك ، ورضاك بعد غضبك ، وغضبك بعد رضاك ، وحزنك بعد فرحك ، وفرحك بعد حزنك ، وحبّك بعد بغضك ، وبغضك بعد حبّك ، وعزمك بعد أناتك ، وأناتك بعد عزمك ، وشهوتك بعد كراهتك ، وكراهتك بعد شهوتك ، ورهبتك بعد رغبتك ، ورغبتك بعد رهبتك ، ورجاءك بعد يأسك ، ويأسك بعد رجائك ، وخاطرك بما لم يكن في وهمك ، وغروب ما أنت معتقده عن ذهنك » ما زال يعدّد عليّ قدرته - التي هي في نفسي ، التي لا أدفعها - حتّى ظننت أنّه سيظهر فيما بيني وبينه (1).

وأيضا عنه علیه السلام في جواب سؤال عبد اللّه الديصانيّ عن هشام بن الحكم من أنّ اللّه يقدر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا يكبر البيضة ولا تصغر الدنيا بعد سؤال هشام عنه علیه السلام أنّه علیه السلام قال : « يا هشام! كم حواسّك؟ » قال : خمس. قال علیه السلام : « أيّها أصغر؟ » قال : الناظر.

قال : « وكم قدر الناظر؟ » قال : مثل العدسة أو أقلّ منه ، فقال علیه السلام له : « يا هشام! فانظر أمامك وفوقك ، وأخبرني بما ترى ».

فقال : أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وبراري وجبالا وأنهارا ، فقال له أبو عبد اللّه - علیه السلام - : « إنّ الذي يقدر أن يدخل الذي تراه العدسة ، أو أقلّ منها

ص: 352


1- « الكافي » 1 : 75 - 76 باب حدوث العالم ... ح 2 ؛ « التوحيد » :1. 127 باب القدرة ، ح 4.

قادر على أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة » فأكبّ هشام عليه ، وقبّل يديه ورأسه ورجليه ، وقال : حسبي ، فانصرف إلى منزله. وساق الحديث إلى أن قال الديصانيّ : يا جعفر بن محمّد! دلّني على معبودي ولا تسألني عن اسمي ، فقال له علیه السلام : « اجلس » وإذا غلام له صغير في كفّه بيضة يلعب بها ، فقال له علیه السلام : « ناولني يا غلام البيضة » فناوله إيّاها ، فقال علیه السلام : « يا ديصانيّ! هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ، ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة ، فهي على حالها لم يخرج منه خارج مصلح ، فيخبر عن صلاحها ، ولا دخل فيها مفسد ، فيخبر عن فسادها ، ولا يدرى أللذكر خلقت أم للأنثى تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبّرا؟ » وقال : فأطرق مليّا ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه (1). إلى آخره.

وأيضا عن أبي سعيد الزهريّ ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال علیه السلام : « كفى لأولي الألباب بخلق الربّ المسخّر ، وملك الربّ القاهر ، وجلال الربّ الظاهر ، ونور الربّ الباهر ، وبرهان الربّ الصادق ، وما أنطق به ألسن العباد ، وما أرسل به الرسل ، وما أنزل على العباد دليلا على الربّ عزّ وجلّ » (2).

وفي باب إطلاق القول بأنّه شيء عن أبي نجران ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التوحيد ، فقلت : أتوهّم شيئا؟ فقال : « نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام ، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصوّر في الأوهام؟! إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود » (3).

ص: 353


1- « الكافي » 1 : 79 - 80 باب حدوث العالم ... ح 4 ؛ « التوحيد » :1. 124 باب القدرة ، ح 1.
2- « الكافي » 1 : 82 باب حدوث العالم ... ح 6.
3- « الكافي » 1 : 82 باب إطلاق القول بأنّه شيء ، ح 1 ؛ « التوحيد » : 106 باب أنّه تبارك وتعالى شيء ، ح 6.

[ و ] عن الحسين بن سعيد ، قال : سئل أبو جعفر الثاني علیه السلام : يجوز أن يقال لله : إنّه شيء؟ قال : « نعم ، يخرجه من الحدّين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه » (1).

وأيضا عن أبي المغراء رفعه عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : قال : « إنّ اللّه خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه ، وكلّ ما وقع عليه اسم شيء ، فهو مخلوق ما خلا اللّه » (2).

وفي باب أنّه لا يعرف إلاّ به عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « قال أمير المؤمنين علیه السلام : اعرفوا اللّه باللّه ، والرسول بالرسالة ، وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان » (3).

ومعنى قوله علیه السلام : « اعرفوا اللّه باللّه » يعني أنّ اللّه خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعيان ، فالأعيان : الأبدان ، والجواهر : الأرواح ، وهو جلّ وعزّ لا يشبه جسما ولا روحا ، وليس لأحد في خلق الروح الحسّاس الدرّاك أمر ولا سبب ، هو المتفرّد بخلق الأرواح والأجسام ، فإذا نفى عنه الشبهين : شبه الأبدان ، وشبه الأرواح ، فقد عرف اللّه باللّه ، وإذا شبّهه بالروح أو البدن أو النور ، فلم يعرف اللّه باللّه (4).

[ و ] عن عليّ بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال : سئل أمير المؤمنين علیه السلام : بم عرفت ربّك؟ قال : « بما عرّفني نفسه ».

قيل : وكيف عرّفك نفسه؟

قال : « لا يشبهه صورة ، ولا يحسّ بالحواسّ ، ولا يقاس بالناس ، قريب في بعده ، بعيد في قربه ، فوق كلّ شيء ، ولا يقال : شيء فوقه ، أمام كلّ شيء ، ولا يقال : له أمام ، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء ، وخارج من الأشياء لا كشيء خارج

ص: 354


1- « الكافي » 1 : 82 ، ح 2 ؛ « التوحيد » : 107 ، ح 7.
2- « الكافي » 1 : 82 ، ح 3 ؛ « التوحيد » : 106 ، ح 5.
3- « الكافي » 1 : 85 باب أنّه لا يعرف إلاّ به ، ح 1 ؛ « التوحيد » ، 286 باب أنّه عزّ وجلّ لا يعرف إلاّ به ، ح 3.
4- من قوله : « معنى قوله ... » إلى هنا كلام الكلينيّ رحمه اللّه .

من شيء ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، ولكلّ شيء مبتدأ » (1).

وأيضا عن إبراهيم بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إنّ أمر اللّه كلّه عجيب إلاّ أنّه قد احتجّ عليكم بما عرّفكم من نفسه » (2).

وفي باب المعبود : عن غير واحد ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « من عبد اللّه بالتوهّم ، فقد كفر ؛ ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ؛ ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ؛ ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرّه وعلانيته ، فأولئك أصحاب أمير المؤمنين حقّا » (3). وفي حديث آخر « هم المؤمنون حقّا » (4).

وأيضا : عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن أسماء اللّه واشتقاقها : اللّه ممّا هو مشتقّ؟ قال : فقال لي : « يا هشام اللّه مشتقّ من أله ، والإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ؛ ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين ؛ ومن عبد المعنى دون الاسم ، فذاك التوحيد ؛ أفهمت يا هشام!؟ ».

قال : فقلت : زدني.

فقال : « إنّ لله تسعة وتسعين اسما ، فلو كان الاسم هو المسمّى ، لكان لكلّ اسم منها إلها ، ولكنّ اللّه معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره ، يا هشام! الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق ، أفهمت يا هشام! فهما تدفع به وتناظر به أعداءنا والملحدين مع اللّه جلّ وعزّ غيره؟ ».

قلت : نعم قال : فقال : « نفعك اللّه به وثبّتك يا هشام! » فقال هشام : فو اللّه ما قهرني

ص: 355


1- « الكافي » 1 : 85 - 86 باب أنّه لا يعرف إلاّ به ، ح 2.
2- نفس المصدر : 86 باب أدنى المعرفة ، ح 3.
3- نفس المصدر : 87 باب المعبود ، ح 1.
4- نفس المصدر.

أحد في التوحيد حتّى قمت مقامي هذا (1) :

وفي باب الكون والمكان : عن أبي بصير ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر علیه السلام ، فقال له : أخبرني عن ربّك متى كان؟ فقال : « ويلك ؛ إنّما يقال لشيء لم يكن : متى كان ، إنّ ربّي - تبارك وتعالى - كان ولم يزل حيّا بلا كيف ، ولم يكن له « كان » ولا كان لكونه « كون » كيف؟ (2) ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكانا ، ولا قوي بعد ما كوّن الأشياء ، ولا كان ضعيفا قبل أن يكوّن شيئا ، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ، ولا يشبه شيئا مذكورا ، ولا كان خلوا من الملك قبل إنشائه ، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه ، لم يزل حيّا بلا حياة ، وملكا قادرا قبل أن ينشئ شيئا ، وملكا جبّارا بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ، ولا له أين ، ولا له حدّ ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشيء ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلّها ، كان حيّا بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ، ولا حدّ محدود ، ولا أين موقوف عليه ، ولا مكان جاور شيئا ، بل حيّ يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك ، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحدّ ، ولا يبعّض ، ولا يفنى ، كان أوّلا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين ، وكلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين » (3).

وعن الرضا علیه السلام أنّه علیه السلام قال - بعد سؤال رجل من ما وراء نهر بلخ : أخبرني عن ربّك متى كان؟ وكيف كان؟ وعلى أيّ شيء كان اعتماده؟ - : « إنّ اللّه تبارك وتعالى أيّن الأين بلا أين ، وكيّف الكيف بلا كيف ، وكان اعتماده على قدرته » (4).

ص: 356


1- « الكافي » 1 : 114 باب معاني الأسماء ، ح 2 ؛ « التوحيد » : 220 - 221 باب أسماء اللّه تعالى ، ح 13.
2- في « التوحيد » : « ولا كان لكونه كيف ».
3- « الكافي » 1 : 88 - 89 باب الكون والمكان ، ح 3 ؛ « التوحيد » : 173 - 174 باب نفي المكان والزمان والسكون ... ح 2.
4- « الكافي » 1 : 88 باب الكون والمكان ، ح 2.

[ و ] عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال : متى كان ربّك؟ فقال : ثكلتك أمّك ، متى لم يكن حتّى يقال : متى كان ، كان ربّي قبل القبل بلا قبل ، وبعد البعد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنده ، فهو منتهى كلّ غاية » (1).

وفي باب النسبة عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « إنّ اليهود سألوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقالوا : انسب لنا ربّك ، فلبث ثلاثا لا يجيبهم ، ثمّ نزلت ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) » (2).

[ و ] عن عاصم بن حميد ، قال : قال : سئل عليّ بن الحسين علیه السلام عن التوحيد ، فقال : « إنّ اللّه - عزّ وجلّ - علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون ، فأنزل اللّه تعالى ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) والآيات من سورة الحديد - إلى أن قال - فمن رام وراء ذلك ، فقد هلك » (3).

وفي باب النهي عن الكلام في الكيفيّة : عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام : « تكلّموا في خلق اللّه ، ولا تتكلّموا في اللّه ؛ فإنّ الكلام في اللّه لا يزداد صاحبه إلاّ تحيّرا » (4).

وفي رواية أخرى : عن حريز : « تكلّموا في كلّ شيء ، ولا تتكلّموا في ذات اللّه » (5).

[ و ] عن أبي عبيدة الحذّاء ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام : « يا زياد! إيّاك والخصومات ؛ فإنّها تورث الشكّ ، وتحبط العمل ، وتردي صاحبها ، وعسى أن يتكلّم بالشيء

ص: 357


1- « الكافي » 1 : 89 - 90 باب الكون والمكان.
2- نفس المصدر : 91 باب النسبة ، ح 1.
3- « الكافي » 1 : 91 باب النسبة ، ح 3 ؛ « التوحيد » : 283 - 284 باب أدنى ما يجزي من معرفة التوحيد ، ح 2.
4- « الكافي » 1 : 92 باب النسبة ، ح 1 ؛ « التوحيد » : 454 باب النهي عن الكلام والجدال ... ح 1.
5- « الكافي » 1 : 92 باب النهي عن الكلام ، ح 1.

فلا يغفر له ؛ إنّه كان فيما مضى قوم تركوا علم ما وكّلوا به ، فطلبوا علم ما كفوه حتّى انتهى كلامهم إلى اللّه ، فتحيّروا حتّى أن كان الرجل ليدعى من بين يديه ، فيجيب من خلفه ، ويدعى من خلفه ، فيجيب من بين يديه » (1).

وفي رواية أخرى : « حتّى تا هوا في الأرض » (2).

[ و ] محمّد بن أبي عبد اللّه رفعه ، قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « يا بن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه ، وبصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطّاه ، تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض ، إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق اللّه ، فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول » (3).

وفي باب إبطال الرؤية : عن صفوان بن يحيى ، قال : سألني أبو قرّة المحدّث أن أدخله على أبي الحسن الرضا علیه السلام ، فاستأذنته في ذلك ، فأذن لي ، فدخل عليه ، فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتّى بلغ سؤاله إلى التوحيد ، فقال أبو قرّة : إنّا روّينا أنّ اللّه قسم الرؤية والكلام بين نبيّين ، فقسم الكلام لموسى ، ولمحمّد صلی اللّه علیه و آله الرؤية ، فقال أبو الحسن علیه السلام : « فمن المبلّغ عن اللّه إلى الثقلين من الجنّ والإنس؟ لا تدركه الأبصار ، ولا يحيطون به علما ، وليس كمثله شيء ، أليس محمّد صلی اللّه علیه و آله قال : بلى؟ قال : كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا ، فيخبرهم أنّه جاء من عند اللّه ، وأنّه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه ، فيقول : ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) (4) و ( لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) (5) و ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (6) ثمّ يقول : أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر؟!

ص: 358


1- نفس المصدر ، ح 4.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر : 93 ، ح 8.
4- الأنعام (6) : 103.
5- طه (20) : 110.
6- الشورى (42) : 11.

أما تستحيون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا [ إلاّ ] (1) أن يكون يأتي من عند اللّه بشيء ، ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر ».

قال أبو قرّة : فإنّه يقول : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) (2) فقال أبو الحسن علیه السلام : « إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى ؛ حيث قال : ( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) (3) يقول : ما كذب فؤاد محمّد صلی اللّه علیه و آله ما رأت عيناه ، ثمّ أخبر بما رأى ، فقال : ( لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ) (4) فآيات اللّه غير اللّه وقد قال اللّه : ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة » فقال أبو قرّة : فتكذّب بالروايات؟ فقال أبو الحسن علیه السلام : « إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علما ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء » (5).

[ و ] عن محمّد بن عبيد ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا علیه السلام أسأله عن الرؤية وما ترويه العامّة والخاصّة ، وسألته أن يشرح لي ذلك ، فكتب بخطّه : « اتّفق الجميع - لا تمانع بينهم - أنّ المعرفة من جهة الرؤية ضرورة ، فإذا جاز أن يرى اللّه بالعين وقعت المعرفة ضرورة ، ثمّ لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان.

فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا ، فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان ؛ لأنّها جنده ، فلا يكون في الدنيا مؤمن ؛ لأنّهم لم يروا اللّه عزّ ذكره.

وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا ، لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول أو لا تزول في المعاد ، فهذا دليل على أنّ اللّه - عزّ ذكره -

ص: 359


1- ليست في المصدر.
2- النجم (53) : 13.
3- النجم (53) : 11.
4- النجم (53) : 18.
5- « الكافي » 1 : 95 - 96 باب في إبطال الرؤية ، ح 2.

لا يرى بالعين ؛ إذ العين تؤدّي إلى ما وصفناه » (1).

[ و ] عن هشام بن الحكم ، قال : « الأشياء لا تدرك إلاّ بأمرين : بالحواسّ ، والقلب. والحواسّ إدراكها على ثلاثة معان : إدراك بالمداخلة ، وإدراك بالمماسّة ، وإدراك بلا مداخلة ولا مماسّة.

فأمّا الإدراك الذي بالمداخلة ، فالأصوات والمشامّ والطعوم.

وأمّا الإدراك بالمماسّة ، فمعرفة الأشكال من التثليث والتربيع ، ومعرفة الليّن والخشن والحرّ والبرد.

وأمّا الإدراك بلا مماسّة ولا مداخلة ، فالبصر ؛ فإنّه يدرك الأشياء بلا مماسّة ولا مداخلة في حيّز غيره ، ولا في حيّزه.

وإدراك البصر ، له سبيل وسبب ، فسبيله الهواء ، وسببه الضياء ، فإذا كان السبيل متّصلا بينه وبين المرئيّ والسبب قائم ، أدرك ما يلاقي من الأكوان والأشخاص ، فإذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه ، رجع راجعا ، فحكى ما وراءه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة ، فإذا لم يكن له سبيل ، رجع راجعا يحكي ما وراءه ، وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعا ، فيحكي ما وراءه ؛ إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره.

فأمّا القلب ، فإنّما سلطانه على الهواء ، فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهّمه ، فإذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجودا ، رجع راجعا ، فحكى ما هو في الهواء ، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجودا في الهواء من أمر التوحيد جلّ اللّه وعزّ ؛ فإنّه إن فعل ذلك ، لم يتوهّم إلاّ ما في الهواء موجود كما قلنا في أمر البصر تعالى اللّه أن يشبهه خلقه (2).

ص: 360


1- « الكافي » 1 : 96 - 97 باب في إبطال الرؤية ، ح 3 ؛ « التوحيد » : 109 - 110 باب ما جاء في الرؤية ، ح 8.
2- « الكافي » 1 : 99 - 100 باب إبطال الرؤية ، ح 12.

وفي باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه جلّ وتعالى : عن محمّد بن حكم (1) ، قال : كتب أبو الحسن موسى بن جعفر علیهماالسلام إلى أبي : « إنّ اللّه أعلى وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به نفسه ، وكفّوا عمّا سوى ذلك » (2).

وأيضا عنه علیه السلام : « لا تجاوز ما في القرآن » (3).

وفي باب النهي عن الجسم والصورة : عن عليّ بن حمزة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أنّ اللّه تعالى جسم ، صمديّ ، نوريّ ، معرفته ضرورة يمنّ بها على من يشاء من خلقه؟ فقال علیه السلام : « سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلاّ هو ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، لا يحدّ ، ولا يحسّ ، ولا يجسّ ، ولا يدركه الحواسّ ، ولا يحيط به شيء ، ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد » (4).

[ و ] عن حمزة بن محمّد ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : أسأله عن الجسم والصورة ، فكتب : « سبحان من ليس كمثله شيء ، لا جسم ولا صورة » (5).

[ و ] عليّ بن محمّد رفعه عن محمّد بن الفرج الرخجي ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : أسأله عمّا قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة ، فكتب : « دع عنك حيرة الحيران ، واستعذ باللّه من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان » (6).

وفي حدوث الأسماء : عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « إنّ اللّه

ص: 361


1- في المصدر : « حكيم ».
2- « الكافي » 1 : 102 باب إبطال الرؤية ، ح 6.
3- نفس المصدر ، ح 7.
4- نفس المصدر ، باب النهي عن الجسم والصورة ، ح 1.
5- نفس المصدر : 104 ، ح 3.
6- نفس المصدر ، ح 2.

تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف غير متصوّت ، وباللفظ غير منطق ، وبالشخص غير مجسّد ، وبالتشبيه غير موصوف ، وباللون غير مصبوغ ، منفيّ عنه الأفكار (1) ، مبعّد عنه الحدود ، محجوب عنه حسّ كلّ متوهّم ، مستتر غير مستور ، فجعله كلمة تامّة على أربعة أجزاء معا ليس منها واحد قبل الآخر فأظهر منها ثلاثة أسماء ؛ لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحدا منها وهو الاسم المكنون المخزون ، فهذه الأسماء ؛ التي ظهرت ، فالظاهر هو اللّه تبارك وتعالى ، وسخّر سبحانه لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركنا ، ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسما فعلا منسوبا إليها فهو : الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، الخالق ، البارئ ، المصوّر ، الحيّ ، القيّوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، العليم ، الخبير ، السميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، العليّ العظيم ، المصوّر ، القادر ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، البارئ ، المنشئ ، البديع ، الرفيع ، الجليل ، الكريم ، الرازق ، المحيي ، المميت ، الباعث ، الوارث ، فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتّى تتمّ ثلاثمائة وستّين اسما فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة ، وهذه الأسماء الثلاثة أركان ، وحجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة ، وذلك قوله تعالى : ( قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) » (2) و (3).

وفي باب صفات الذات : عن الكاهلي ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : في دعاء « الحمد لله منتهى علمه »؟ فكتب إليّ : « لا تقولنّ منتهى علمه ؛ فليس لعلمه منتهى ، ولكن قل منتهى رضاه » (4).

وفي باب المشيئة والإرادة : عن حريز بن عبد اللّه وعبد اللّه بن مسكان جميعا ،

ص: 362


1- في « الكافي » و « التوحيد » : « الأقطار ».
2- الإسراء (17) : 110.
3- « الكافي » 1 : 112 باب حدوث الأسماء ، ح 1.
4- « الكافي » 1 : 107 باب صفات الذات ، ح 3 ؛ « التوحيد » : 134 باب العلم ، ح 1.

عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ بهذه الخصال السبع : بمشيئة ، وإرادة ، وقدر ، وقضاء ، وإذن ، وكتاب ، وأجل ، فمن زعم أنّه يقدر على نقض واحدة فقد كفر » (1).

[ و ] عن عليّ بن إبراهيم الهاشميّ ، قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر علیهماالسلام يقول : « لا يكون شيء إلاّ ما شاء اللّه وأراد وقدّر وقضى ».

قلت : ما معنى « شاء »؟ قال : « ابتداء الفعل » قلت : ما معنى « قدّر »؟ قال : « تقدير الشيء من طوله وعرضه ».

قلت : ما معنى « قضى »؟ قال : « فإذا قضى أمضاه ، فذلك الذي لا مردّ له » (2).

[ و ] عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : سمعته يقول : « أمر اللّه ولم يشأ ، وشاء ولم يأمر ، أمر إبليس أن يسجد لآدم وشاء أن لا يسجد ، ولو شاء لسجد ، ونهى آدم عن أكل الشجرة وشاء أن يأكل منها ، ولو لم يشأ ، لم يأكل » (3).

[ و ] عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ عن أبي الحسن علیه السلام ، قال : « إنّ لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء ، أو ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك؟ ولو لم يشأ أن يأكلا ، لما غلبت مشيئتها مشيئة اللّه.

وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ، ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم علیه السلام مشيئة اللّه » (4).

وفي باب الخير والشرّ : عن عبد المؤمن الأنصاريّ ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قال اللّه عزّ وجلّ : أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ، خالق الخير والشرّ ، فطوبى لمن أجريت

ص: 363


1- « الكافي » 1 : 149 باب أنّه لا يكون شيء في السماء والأرض إلاّ بسبعة ، ح 1.
2- نفس المصدر : 150 باب المشيئة والإرادة ، ح 1.
3- نفس المصدر : 150 - 151 ، ح 3.
4- « الكافي » 1 : 151 باب المشيئة والإرادة ، ح 4.

على يديه الخير ، وويل لمن أجريت على يديه الشرّ ، وويل لمن يقول : كيف ذا ، وكيف هذا؟ » (1).

[ و ] عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « من زعم أنّ اللّه يأمر بالفحشاء فقد كذب على اللّه ؛ ومن زعم أنّ الخير والشرّ إليه فقد كذب على اللّه » (2).

[ و ] عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته ، فقلت : اللّه فوّض الأمر إلى العباد؟ قال : « اللّه أعزّ من ذلك » قلت : فجبرهم على المعاصي؟ قال : « اللّه أعدل [ من ذلك ] (3) وأحكم من ذلك » قال : « ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ : يا ابن آدم! أنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيّئاتك منّي ، عملت المعاصي بقوّتي (4) التي جعلتها فيك » (5).

ص: 364


1- نفس المصدر ، ح 3.
2- نفس المصدر : 156 - 157 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح 2.
3- الظاهر زيادة هذه العبارة من قلم الناسخ.
4- في « أ » و « ز » : « بقوّتك ».
5- « الكافي » 1 : 157 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح 3.

( الفصل الثالث ) في العدل

اشارة

الذي هو كمال الواجب الوجود بالذات ( في أفعاله تعالى ) كما أنّ التوحيد كماله تعالى في ذاته تعالى ، وهو بحسب المعنى التصوّري عبارة عن إيجاد الأفعال على وجه الاعتدال ، والتوسّط بين الإفراط والتفريط ، وبحسب المعنى التصديقيّ عبارة عمّا يجب تصديقه بالجنان وإقراره باللسان ، وهو أنّ اللّه تعالى عادل ، وفي جميع أفعاله كامل ، وعن الظلم هو المنزّه والمبرّأ ، وعن القبح والشرور هو المجرّد والمعرّى ، وجميع أفعاله حسنة ، وبالغرض والفائدة العائدة إلى العباد معلّلة ، وأفعاله مترتّبة على اللطف على وفق المصلحة ، وقد خلق العباد مع القدرة والاختيار من غير تفويض وإجبار.

والمراد وجوب اعتقاد كون الواجب الوجود متّصفا بفعل جميل مليح ، ومنزّها عن الظلم والفعل القبيح ، ووجوب الاعتقاد بأنّ أفعاله المتعلّقة بالعباد متّصفة بالكمال ، وتكون على حدّ التساوي والاعتدال ، وليس فيها شائبة الظلم والقبح والشر والمفسدة ، بل كلّها مع الحسن والمصلحة والفائدة ، التي هي إلى العباد عائدة ، وأنّ التكليف على قدر الطاقة ، واستحقاق الثواب على قدر الطاعة ، والعقاب على قدر المعصية ؛ لأنّه منزّه عن الظلم والحاجة ، مع إمكان العفو بنحو الشفاعة ، وأنّه تعالى خلقهم مع الاختيار ، فإن أطاعوا فباختيارهم بحيث لو شاءوا عصوا ،

ص: 365

فلمّا اختاروا الطاعة ، أجرى عليها لازمها وهو استحقاق الثواب ، وإن عصوا فباختيارهم بحيث لو شاءوا أطاعوا ، ولمّا اختاروا المعصية أجرى عليها لازمها ، وهو استحقاق العقاب مع جواز العفو ، وليس الأمر على وجه التفويض بأن لم يكن له أمر في أفعالهم حتّى يكون معزولا عن سلطانه ، ولا على وجه الإجبار بأن لم يكن للعبد دخل فيها ، وإلاّ لما كان لبعث الرسل وإنزال الكتب معنى ، ولما استحق ثوابا ولا عقابا ، ولكان العقاب ظلما ، بل الإقدار من اللّه بأن خلقهم قادرين على الفعل والترك ، فهو العلّة البعيدة ، والمباشرة من العبد ، فهو العلّة القريبة ، فليس العلّيّة منحصرة فيه تعالى كما يقوله أهل الإفراط وهم الأشاعرة (1) ، ولا منحصرة في العبد كما يقوله أهل التفريط وهم المعتزلة (2) ، بل الأمر بين الأمرين ، والعلّة مركّبة اعتباريّة حاصلة في البين كما هو المذهب الجعفريّ (3) ، كما روي عن مولانا جعفر بن محمّد علیهماالسلام : « لا جبر ولا تفويض بل الأمر بين الأمرين » (4) بمعنى أنّ المجموع المركّب من فعل اللّه تعالى التكوينيّ - بإيجاد العبد وإحيائه وإعطاء الأسباب كالقدرة ونحوها وإبقائها - ومن فعل العبد - بالمباشرة ونحوها من باب الجعل للمصلحة - علّة لحصول الفعل الاختياريّ للعبد وإن كانت الإرادة التكليفيّة على خلاف الإرادة التكوينيّة ، فالتركيب اعتباريّ في مقام الفعل ، لا في مقام الذات حتّى يلزم نحو الوحدة أو الاتّحاد ، ولا يلزم أيضا تعذيب أحد الشريكين للآخر ؛ لعدم التركيب في مقام المباشرة مع أنّ اعتباره بملاحظة مقام التكوين ، والتعذيب باعتبار التكليف المستند إلى اختيار العبد ومباشرته له.

ص: 366


1- « المطالب العالية » 9 : 9 وما بعدها ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 319 ؛ « المحصّل » : 455 - 474 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 324 ؛ « شرح المواقف » 8 : 145 - 173 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 219 وما بعدها.
2- نفس المصادر السابقة.
3- « نقد المحصّل » : 333 ؛ « مناهج اليقين » : 235 - 243 ؛ « كشف المراد » : 308 - 313 ؛ « النافع ليوم الحشر » : 155 - 160 ؛ « إرشاد الطالبين » : 263.
4- « الكافي » 1 : 160 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح 13.

فإن قلت : قد حقّق أنّ الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل أنّ صفات الذات ما لا يصحّ إثباته ونفيه عن ذاته تعالى ولو بالاعتبار ، بخلاف صفات الفعل ، وعلى هذا فلا يصحّ جعل العدل من كمال الأفعال ؛ لعدم صحّة نفيه ، لاستحالة وقوع الظلم.

قلت : يصحّ نفي العدل بإثبات الفضل الذي هو موقوف على الاستعداد من غير استحقاق معتبر في العدل ، فتوهّم أنّ التقابل بين العدل والظلم تقابل العدم والملكة فاسد ، مخالف للوجدان والشرع.

فإن قلت : الجور لازم للجبر ، فلا فائدة في الفرق.

قلت : الجور الاعتقاديّ مستلزم للكفر في مقابل الإسلام ، بخلاف الجور الاستلزاميّ ؛ فإنّه مستلزم للكفر في مقابل الإيمان - الموجب للخلود للنيران (1) - لا الكفر المقابل للإسلام.

وبالجملة ، فأفعال اللّه تعالى على أقسام خمسة : منها الإنشاء والاختراع ، ومنها الإبداع ، ومنها الصنع ، ومنها التركيب والتكوين ، ومنها التكليف ، وقد مرّ بيان ذلك في الأمور العامّة في المسألة التاسعة والثلاثين من مسائل الوجود ، فالكلام في هذا الأصل أيضا يقع في مقامات خمسة نذكرها على وفق ما أشار إليه المصنّف :

الأوّل : أنّ اللّه تعالى عادل بالعدل الذي هو مقابل الجور ، وأنّه تعالى منزّه عن الظلم والقبح والشرور ؛ وهو من أصول الدين ، ومنكره من الكافرين.

الثاني : أنّ جميع أفعاله تعالى حتّى التكليف حسنة بالحسن العقليّ الأصليّ أو العارضيّ - ولو لم يدركه العقل إلاّ بإرشاد النقل - كما يستفاد من العقل والنقل لا أنّ ما يفعله أو يأمر به يصير حسنا ، وما لا يكون كذلك يصير قبيحا ؛ وهو من أصول المذهب ؛ ردّا على الأشاعرة (2).

ص: 367


1- كذا في النسخ ، والأصحّ : « إلى النيران ».
2- حيث نفوا الحسن العقلي. انظر « المحصّل » :2. 481 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 346 - 349 ؛ « شرح المواقف » 8 : 181 - 195 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 282 - 294.

الثالث : أنّ أفعاله تعالى معلّلة بالأغراض والفائدة العائدة إلى العباد ؛ وهو أيضا من أصول المذهب ؛ ردّا على الأشاعرة (1).

الرابع : أنّ اللّه تعالى خلق العباد على وجه الاعتدال ، وأوجدهم قادرين ومختارين بالاختيار المستند إلى اختيار اللّه ، فهو عادل في إيجادهم كما أنّه عادل في سائر أفعاله ، بمعنى أنّ أمر العباد في أفعالهم الاختياريّة بين الأمرين لا على وجه الجبر والتفويض ؛ وهو أيضا من أصول المذهب ؛ ردّا على الأشاعرة والمعتزلة (2) ؛ فالعدل الذي هو مقابل الجور من أصول الدين ، والعدل الذي هو مقابل الجبر ونحوه من أصول المذهب.

الخامس : أنّ أفعاله تعالى مترتّبة على اللطف الواجب عليه تعالى على وفق ما هو الأصلح بحال العباد ، الذي لا يكون له مانع ؛ وهو أيضا من أصول المذهب ؛ ردّا على الأشاعرة (3).

وكيف كان ، فتفصيل الكلام في مبحث العدل أنّ

المقام الأوّل :
اشارة

في بيان أنّ اللّه تعالى عادل منفيّ عنه الظلم ، ولا يجوز عليه الظلم ، ولا يرضى به ؛ وذلك لأنّ الفعل - الذي يصدر عن الفاعل ، ولا يحتاج إلى حدّ ؛ لأنّه ضروريّ - لا يخلو إمّا أن يتّصف بأمر زائد على الحدوث وكونه فعلا صادرا عن فاعل فاهم - بأن اعتبر صدوره عن فاعل خاصّ - أم لا ، والأوّل هو فعل

ص: 368


1- « المحصّل » : 483 - 484 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 350 - 354 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 301 - 306.
2- راجع ص 366 ، المصادر المشار إليها في الهامش 1.
3- « المحصّل » : 481 - 483 ؛ « شرح المواقف » 8 : 196 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 321 - 323.

الفاعل المختار حتّى المباح ؛ لاتّصافه بتساوي الوجود والإيقاع مع العدم ، والثاني هو فعل غير المختار كفعل النائم والساهي والمضطرّ والبهائم ، وهذا لا يوصف بالحسن والقبح بالاتّفاق كما عن « شرح المواقف » مع حكاية الخلاف في أفعال الصبيان (1).

( الفعل المتّصف بالزائد إمّا حسن أو قبيح ) لأنّه إمّا أن يتعلّق بإيجاده ذمّ ، أم لا ، والأوّل هو الثاني ، والثاني هو الأوّل ، والقبيح يسمّى بالحرام ؛ والحسن بالحسن بالمعنى العامّ - وهو ما لا يتعلّق بفعله ذمّ تامّ - على أربعة أقسام : واجب ، ومندوب ، ومباح ، ومكروه ؛ وذلك لأنّه إمّا أن يستحقّ بفعله مدح ، أولا ، والأوّل واجب إن استحقّ بتركه ذمّ ، وإلاّ فمندوب ، والثاني مكروه إن استحقّ بتركه مدح ، وإلاّ فمباح. كذا أفاد الشارح القوشجي (2).

وربّما يقال : إنّ ما تعلّق بفعله مدح فهو حسن كالواجب والمندوب ، وما تعلّق بفعله ذمّ فهو قبيح كالحرام ، وما لا يتعلّق بفعله مدح ولا ذمّ فهو مباح مع تساوي الفعل والترك ، ومكروه مع رجحان الترك ، فعلى هذا لا يكون التقسيم حاصرا. وربّما يجعل المكروه داخلا في القبيح.

والأولى أن يقال : إنّ الفعل الاختياريّ إمّا أن يكون راجح الترك ، أولا.

والأوّل : هو القبيح الشامل للحرام والمكروه من جهة كون القبح تامّا أو ناقصا ؛ لأنّه إمّا أن يكون مع المنع من الفعل ، فهو الحرام المترتّب عليه استحقاق العقاب ، وإلاّ فهو المكروه المترتّب عليه استحقاق العتاب.

والثاني : هو الحسن بالحسن العامّ الشامل للواجب والمندوب والمباح ؛ لأنّه إمّا أن يكون مع رجحان الفعل مع المنع من الترك ، أو بدونه ، أو لا.

ص: 369


1- « شرح المواقف » 8 : 181.
2- « شرح تجريد العقائد » : 337.

والأوّل هو الواجب المترتّب على فعله استحقاق الثواب ، وعلى تركه استحقاق العقاب.

والثاني هو المندوب المترتّب على فعله استحقاق الثواب من غير ترتّب استحقاق العقاب على تركه.

والثالث هو المباح.

وذلك لأنّه المناسب للإذن والرخصة في الفعل من الحكيم على الإطلاق والعقلاء بنحو : كلوا واشربوا ، والنهي التحريميّ والتنزيهيّ بنحو : لا تسرفوا ولا تصرّفوا.

وبعبارة أخرى (1) : الفعل إمّا خير محض ، أو شرّ محض ، أو خير غالب ، أو شرّ غالب ، أو متساوي الخير والشرّ ؛ والخير المحض والخير الغالب حسنان ، والشرّ المحض والشرّ الغالب والمتساوي قبائح ، فالفعل إمّا حسن أو قبيح كما مرّ. هذا بحسب مذهب الحكماء والإماميّة والمعتزلة من كون أفعال العباد اختياريّة (2).

وأمّا على مذهب الأشاعرة من كون أفعال العباد غير اختياريّة (3) ، فلا يصحّ هذه القسمة من جهة عدم اتّصاف الفعل على ما زاد على الحدوث إلاّ على وجه المسامحة أو ملاحظة المقارنة للإرادة - وإن لم تكن مؤثّرة - وعدمها المقتضية لتسمية الأوّل اختياريّا بحسب الظاهر دون الثاني ، ولكنّ الأمر في ذلك هيّن.

وكيف كان ، فالفعل الصادر من اللّه تعالى لا يكون ظلما وشرّا وقبيحا ، بل يكون عدلا حسنا سالما عن الظلم والقبح.

لنا على ذلك المطلب برهانان : عقليّ قاطع ، ونقليّ ساطع.

أمّا البرهان القاطع العقليّ فهو أنّ اللّه تعالى لوجوب وجوده غنيّ مطلق ، عالم بجهات القبح ، والظلم قبيح بالقبح الذاتيّ ببديهة العقل ، فمع الغنى والعلم بالقبح

ص: 370


1- لا بدّ أن نشير هنا إلى أنّ بين التعريفين اختلافا معنويا ، وليس الاختلاف بينهما في العبارة فقط ، فإنّ المباح في التعريف الأوّل داخل في الحسن وفي الثاني داخل في القبيح ، فكيف يكون هذا عبارة أخرى لذلك؟!
2- راجع ص 428 - 429 من هذا الجزء.
3- راجع ص 428 - 429 من هذا الجزء.

لو صدر منه القبيح لزم الترجيح بلا مرجّح ، بل ترجيح المرجوح ، وكلاهما قبيح عقلا ، فيكون صدوره عن الحكيم المطلق محالا ، فتجويز صدور القبيح عنه تعالى تجويز لكونه موردا للذمّ عقلا ؛ لأنّ الظلم إمّا لدفع المفسدة ، أو لجلب المنفعة ، أو للجهل ، أو السفاهة ومع عدم تصوّر شيء من ذلك في حقّ العالم الغنيّ يلزم كونه موردا للذمّ ، وهو ممتنع ضرورة ، فصدور الظلم والكذب وسائر الشرور عنه تعالى قبيح ، فلا يكون الواجب تعالى خالقا للكفر والمعاصي ، وإلاّ لكان التعذيب عليهما [ قبيحا ] والقبيح لا يصدر عنه تعالى.

وأيضا إنّه تعالى أخبر بعدم صدور الظلم عنه تعالى ، فيلزم أن لا يكون واقعا ، وإلاّ لزم الكذب المحال ، وهكذا خلق الكفر والمعاصي وإرادة الكفر من الكفّار ، والفجور من الفجّار من جهة القبح ، فيكون المراد من الكفّار والفجّار الإيمان والطاعة بالإرادة والاختيار ، لا على وجه الإجبار ؛ إذ لا إكراه في الدين من غير مغلوبيّته تعالى وعجزه تعالى بسبب عدم إيمانهم وطاعتهم.

وأمّا البرهان النقليّ الذي هو النور الساطع ، فهو الآيات الكثيرة :

منها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) (1).

ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ) (2).

ومنها : قوله تعالى : ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (3).

ومنها : قوله تعالى : ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ) (4).

ومنها قوله تعالى : ( أَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (5).

ص: 371


1- يونس (10) : 61.
2- يونس (10) : 44.
3- غافر (40) : 31.
4- آل عمران (3) : 108.
5- آل عمران (3) : 182 ؛ الأنفال (8) : 51.

ومنها : قوله تعالى : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ ) (1).

ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ ) (2).

ومنها : قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (3) إلى غير ذلك من الآيات النافية للظلم ، المثبتة لعدالته.

ومثلها الأخبار المتكاثرة :

منها : ما روي عن الرضا علیه السلام أنّه قال : « خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق علیه السلام ، فاستقبله موسى بن جعفر علیهماالسلام فقال : يا غلام ممّن المعصية؟ فقال : « لا تخلو من ثلاثة : إمّا أن تكون من اللّه عزّ وجلّ - وليست منه - فلا ينبغي للكريم أن يعذّب عبده بما لم يكتسبه ، وإمّا أن تكون من اللّه عزّ وجلّ ومن العبد ، فلا ينبغي للشريك القويّ أن يظلم الشريك الضعيف ، وإمّا أن تكون من العبد - وهي منه - فإن عاقبه اللّه فبذنبه ، وإن عفا عنه فبكرمه وجوده » (4).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « الناس في القدر على ثلاثة أوجه : رجل زعم أنّ اللّه أجبر الناس على المعاصي ، فهذا قد ظلّم اللّه عزّ وجلّ في حكمه وهو « كافر » (5) إلى آخر الحديث على ما سيأتي.

ومنها : ما روي عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته فقلت : اللّه فوّض الأمر إلى العباد؟ قال : « اللّه أعزّ من ذلك » قلت : فجبرهم على المعاصي؟ قال : « اللّه أعدل وأحكم من ذلك » قال : ثمّ قال : « قال اللّه :

ص: 372


1- آل عمران (3) : 18.
2- يونس (10) : 4.
3- يونس (10) : 47.
4- « التوحيد » : 96 باب معنى التوحيد والعدل ، ح 2 ؛ « عيون أخبار الرضا » 1 : 138 ، الباب 11 ، ح 37.
5- « التوحيد » : 360 باب نفي الجبر والتفويض ، ح 5.

يا ابن آدم! أنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيّئاتك منّي ، عملت المعاصي بقوّتي التي جعلتها فيك » (1).

بيان

ذلك الحديث يدلّ على أنّ التفويض يوجب بطلان أمره تعالى ونهيه ، وعجزه عن التصرّف والتدبير والإعانة والخذلان ، واللّه تعالى أعزّ من ذلك ، بل له الأمر والنهي والتدبير والامتحان والاختبار حتّى أنّه لا يقع طاعة إلاّ بعونه ، ولا معصية إلاّ بخذلانه ، فبطل قول المعتزلة ، وأنّه يقبح من العدل الحكيم أن يجبر عبده على المعصية ، ثمّ يعذّبه بها ، بل يلزم أن لا يتّصف فعل عبد بقبح ؛ لكونه فعل اللّه ، وكون كلّ فعل من اللّه حسنا ولو من جهة أنّه فعله ، كما يقوله الأشاعرة الجبريّة ، فيدلّ على بطلان قولهم ، وعلى أنّه تعالى عادل غير ظالم ، وأنّ الأفعال صادرة عن العبد بالاختيار والقدرة المخلوقة فيهم من اللّه ، لا عنه تعالى بالقدرة الأزليّة ، كما زعمت الأشاعرة (2) ؛ لتنزّهه تعالى عن القبائح وامتناع اتّصافه بالظلم والجور ، ولا عن مجموع قدرة العبد وقدرته تعالى ، كما عن أبي إسحاق الأسفراينيّ (3) ؛ لامتناع أن يعذّب الشريك القويّ شريكه الضعيف على الفعل المشترك بينهما ، ولا بالتفويض إليهم ؛ لامتناع خروجه تعالى عن السلطنة وعدم احتياج الباقي إليه تعالى في البقاء والقدرة ، بل الحسنات تصدر منهم بالقوّة والقدرة التي خلقها اللّه فيهم بحيث يتمكّنون على الضدّين ، ولكنّها لحسنها صارت متعلّقة لرضائه تعالى ، فيضاف إلى تلك القدرة توفيقه تعالى بتوجيه أسبابها إليهم ، فهو أولى بها.

ص: 373


1- « الكافي » 1 : 157 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح 3 ؛ « التوحيد » : 362 باب نفي الجبر والتفويض ، ح 10.
2- « أصول الدين » لعبد القاهر البغداديّ : 134 - 137 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 324 ؛ « المطالب العالية » 9 : 19 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 319 ؛ « المحصّل » : 455 - 474 ؛ « شرح المواقف » 8 : 145 - 173.
3- نقله عنه الرازيّ في « المطالب العالية » 9 : 11 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 319 - 320 ، والتفتازانيّ في « شرح المقاصد » 4 : 223 ، والعلاّمة الحلّيّ في « كشف المراد » : 308 ؛ « مناهج اليقين » : 236.

وأمّا السيّئات ، فلقبحها تقتضي صرف وجه التوفيق واللطف عنهم ، فهم أولى بها وإن كان الكلّ كسبهم ، كما يستفاد من كلمة « أولى » ؛ لأنّ اسم التفضيل يدلّ على ثبوت أصل الفعل في المفضّل عليه عند الإطلاق. إلى غير ذلك من الأخبار الآتية المثبتة للعدل - الذي هو مقابل الجور - والجبر معا ، وكون الأمر بين الأمرين ، كما سيأتي.

وصل

العدل في مقابل الجور من أصول الدين ، ومنكره من الكافرين.

فإن قلت : الكافر - بالكفر المقابل للإسلام - من أنكر الإلهيّة أو النبوّة أو شيئا ممّا علم بالضرورة أنّه من دين النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ومنكر العدل ليس كذلك ؛ لأنّ الأشاعرة يقولون بالجبر المستلزم للجور ، فلا يكون العدل من أصول الدين ، وإلاّ يلزم تكفير الأشاعرة ، وهو خلاف المشهور المنصور.

قلت : الأشاعرة لا يقولون بالجور بمعنى الظلم ، كيف؟ وهم من أهل الكتاب ، والكتاب مصرّح بأنّ اللّه تعالى لا يظلم مثقال ذرّة.

نعم ، هم يقولون بالجبر ، واستلزامه للجور ليس سببا للكفر ؛ لأنّ السبب هو اعتقاد خلاف أصول الدين ونحوه ، لا الاعتقاد المستلزم له من غير اعتقاد به ، فلو قال أحد بأنّ اللّه تعالى جائر وظالم ، يحكم بكفره. وأمّا من قال : إنّه تعالى جائر يحمل العباد جبرا على أفعالهم ، فهو خارج عن المذهب ، لا الدين.

المقام الثاني

أنّ جميع أفعال اللّه تعالى كغيرها حسن بالحسن العقليّ - ولو لم يدركه العقل إلاّ بإرشاد النقل - كما يستفاد من العقل والنقل ، بمعنى أنّ حسن الأفعال وقبحها

ص: 374

عقليّان ، لا سمعيّان وشرعيّان ونقليّان ؛ وهو من أصول مذهب الإماميّة ؛ ردّا على الأشاعرة.

بيان ذلك يقع في مرحلتين :

الأولى : أنّ الحسن أو القبح على قسمين : عقليّ ونقليّ ؛ والعقليّ عبارة عمّا يحكم به العقل ولو لم يلاحظ النقل ، والنقليّ عبارة عمّا يحكم به الشرع بأن يكون الشرع هو المثبت له بسبب الأمر بشيء أو النهي عنه ، أو عدم الأمر به ، بمعنى أنّه ليس للفعل قبل ورود الشرع حسن ولا قبح ، بل الشرع يثبته على الوجه المذكور.

والعقليّ - كما يستفاد من إطلاقات العقلاء - على أقسام :

منها : الحسن بمعنى كون الصفة صفة الكمال ، والقبح بمعنى كون الصفة صفة النقص ، كما يقال : العلم حسن أي لمن اتّصف به كمال وارتفاع شأن ، والجهل قبيح أي لمن اتّصف به نقصان وانحطاط حال.

ومنها : الحسن بمعنى ملاءمة الطبع ، والقبح بمعنى منافرته ، كما يقال : الحلو حسن ، والبشع (1) قبيح ، ومثله حسن السلوك وقبحه وأمثال ذلك.

ومنها : الحسن موافقة الغرض ، والقبح بمعنى مخالفة الغرض ، فما وافق الغرض كان حسنا ، وما خالفه كان قبيحا ، كما إذا حصل من لقاء السلطان - مثلا - تعظيم للملاقي ، أو تحقير له ، أو إعطاء مال ، أو أخذ مال ، فيقال : صار حسنا ، أو صار قبيحا ، فما لم يكن موافقا ولا مخالفا لم يكن حسنا ولا قبيحا.

ومنها : الحسن بمعنى الاشتمال على المصلحة وكونه ممّا فيه جهة محسّنة ظاهرة أو كامنة ، والقبح بمعنى الاشتمال على المفسدة وكونه ممّا فيه جهة مقبّحة ولو كانت من الصفات الكامنة ، فيقال لما فيه المصلحة : إنّه حسن ، ولما فيه المفسدة : إنّه قبيح ، وما خلا عنهما لا يكون شيئا منهما ، وهذا المعنى - بل بعض ما تقدّم أيضا -

ص: 375


1- البشع : الخشن من الطعام واللباس والكلام. كذا في « لسان العرب » 1 : 416 « بشع ».

قد يجتمع في شيء واحد باعتبارين ، كما يقال : وجود زيد مصلحة لأوليائه ، ومفسدة لأعدائه ، أو بالعكس بالاعتبارين.

ومنها : الحسن بمعنى كون الفعل ممّا تعلّق به المدح.

وبعبارة أخرى : كون الفعل بحيث يستحقّ فاعله به المدح والتعظيم باعتبار العقل ، وكونه بحيث يستحقّ فاعله الثواب باعتبار الشرع ، أو كونه بحيث يستحقّ فاعله المدح والثواب بملاحظة العقل والنقل ، والقبح بمعنى كون الفعل بحيث يستحقّ فاعله الذمّ عقلا ، والعقاب أو العتاب شرعا ، فما تعلّق به مدحه تعالى في العاجل ، وثوابه في الآجل يسمّى حسنا ، وما يتعلّق به ذمّه تعالى في العاجل ، وعقابه أو عتابه في الآجل يسمّى قبيحا ، وما لا يتعلّق به شيء منهما ، فهو خارج عنهما ، هذا في أفعال العباد. وإن أريد ما يعمّ أفعال اللّه تعالى ، اكتفي بتعلّق المدح والذمّ وترك الثواب والعقاب ؛ لما لا يخفى.

ومحلّ النزاع بالنسبة إلى موضوع المسألة هو المعنى الأخير لا غيره ، كما صرّح به الشارح القوشجي ؛ حيث قال بالنسبة إلى المعنى الأوّل : « لا نزاع في أنّ هذا المعنى أمر ثابت للصفات في أنفسها ، وأنّ مدركه العقل » (1) وكذا بالنسبة إلى ما فيه مصلحة ومفسدة قال : « وذلك أيضا مدركه (2) العقل » (3).

وصرّح بما أشرنا أيضا صاحب « المواقف » وشارحه ؛ حيث قالا :

« ( ولا بدّ أوّلا ) أي قبل الشروع في الاحتجاج ( من تحرير محلّ النزاع ) ليتّضح المتنازع فيه ، ويرد النفي والإثبات على شيء واحد ( فنقول ) - وباللّه التوفيق - : ( الحسن والقبح يقال لمعان ثلاثة :

الأوّل : صفة الكمال والنقص ) فالحسن كون الصفة صفة كمال ، والقبح كون الصفة

ص: 376


1- « شرح تجريد العقائد » : 338.
2- في المصدر : « يدركه ».
3- « شرح تجريد العقائد » : 338.

صفة نقصان ( يقال : العلم حسن ) أي لمن اتّصف به كمال ، وارتفاع شأن ( والجهل قبيح ) أي لمن اتّصف به نقصان ، واتّضاع حال ( ولا نزاع ) في أنّ هذا المعنى أمر ثابت للصفات أنفسها و ( أنّ مدركه العقل ) ولا تعلّق له بالشرع.

( الثاني : ملاءمة الغرض ومنافرته ) فما وافق الغرض كان حسنا ، وما خالفه كان قبيحا ، وما ليس كذلك لم يكن حسنا ولا قبيحا.

( وقد يعبّر عنهما ) أي عن الحسن والقبح ( بالمصلحة والمفسدة ) فيقال : الحسن ما فيه مصلحة ، والقبيح ما فيه مفسدة ، وما خلا عنهما لا يكون (1) شيء منهما ( وذلك أيضا عقليّ ) أي مدركه العقل كالمعنى الأوّل ( ويختلف بالاعتبار ؛ فإنّ قتل زيد مصلحة لأعدائه ) وموافق لغرضهم ( ومفسدة لأوليائه ) ومخالف لغرضهم ، فدلّ هذا الاختلاف على أنّه أمر إضافي لا صفة حقيقيّة وإلاّ لم يختلف كما لا يتصوّر كون الجسم الواحد أسود وأبيض.

( الثالث : تعلّق المدح والثواب ) آجلا وعاجلا ( أو الذمّ والعقاب ) كذلك ، فما تعلّق به المدح في العاجل والثواب في الآجل يسمّى حسنا ، وما تعلّق به الذمّ في العاجل ، والعقاب في الآجل يسمّى قبيحا ، وما لا يتعلّق به شيء منهما فهو خارج عنهما ، هذا في أفعال العباد. وإن أريد ما يشمل أفعال اللّه تعالى اكتفي بتعلّق المدح والذّمّ ، وترك الثواب والعقاب ( وهذا ) المعنى الثالث ( هو محلّ النزاع ) » انتهى (2).

ومثل ما ذكر ذكر شارح « المقاصد » ؛ حيث قال :

« وليس النزاع في الحسن والقبح بمعنى صفة الكمال والنقص كالعلم والجهل ، وبمعنى الملاءمة للغرض وعدمها كالعدل والظلم ، وبالجملة كلّ ما يستحقّ المدح أو الذمّ في نظر العقول ومجاري العادات ؛ فإنّ ذلك يدرك بالعقل ورد الشرع أم لا ،

ص: 377


1- « لا يكون » هنا تامّة.
2- « شرح المواقف » 8 : 182.

وإنّما النزاع في الحسن والقبح عند اللّه تعالى بمعنى استحقاق فاعله في حكم اللّه تعالى المدح أو الذمّ عاجلا ، والثواب والعقاب آجلا. والتعرّض للثواب والعقاب على أنّ الكلام في أفعال العباد » (1). انتهى.

ومثل ذلك ذكر العلاّمة في « النهاية » (2).

وبالجملة ، فمحلّ النزاع بالنسبة إلى موضوع المسألة - كما ذكرنا - الحسن والقبح بالمعنى الأخير ، وبالنسبة إلى متعلّق الموضوع ما يعمّ أفعال اللّه تعالى وأفعال العباد ، وبالنسبة إلى المحمول ما أشرنا إليه من أنّ المراد من العقليّ ما يحكم به العقل ولو لم يلاحظ النقل ، والمراد من النقلي ما يحكم به الشرع خاصّة ، كما أفاد شارح المقاصد ، حيث قال :

« فعندنا ذلك بمجرّد الشرع بمعنى أنّ العقل لا يحكم بأنّ الفعل حسن أو قبيح في حكم اللّه تعالى ، بل ما ورد به الأمر به فحسن ، وما ورد به النهي عنه فقبيح من غير أن يكون للفعل جهة محسّنة أو مقبّحة في ذاته ، ولا بحسب جهاته واعتباراته حتّى لو أمر بما نهى عنه صار حسنا ، وبالعكس. وعندهم للفعل جهة محسّنة أو مقبّحة في حكم اللّه تعالى يدركها العقل بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضّارّ ، أو بالنظر كحسن الكذب النافع وقبح الصدق الضّارّ ، أو بورود الشرع كحسن صوم يوم عرفة ، وقبح صوم العيد.

فإن قيل : فأيّ فرق بين المذهبين في هذا القسم؟

قلنا : الأمر والنهي عندنا من موجبات الحسن والقبح بمعنى أنّ الفعل إن أمر به فحسن ، أو نهي عنه فقبيح ، وعندهم من مقتضياته بمعنى أنّه حسن فأمر به ، أو قبيح فنهي عنه ، فالأمر والنهي إذا وردا كشفا عن حسن وقبح سابقين حاصلين للفعل

ص: 378


1- « شرح المقاصد » 4 : 282.
2- أي كتاب « نهاية الوصول إلى علم الأصول ».

لذاته أو لجهاته » (1) انتهى.

فالمراد أنّ الفعل بحسب الواقع ونفس الأمر له حسن أو قبح أو حالة متوسّطة يمكن إدراكه للعقل وإن لم يلاحظ الشرع ، أو لم يصل إليه نقل ، لا أنّ جميع ذلك مدرك له بالفعل فضلا عن الضرورة أو الدوام ، فالقضيّة بحسب الجهة ممكنة باعتبار إدراك العقل إن اعتبر الكلّيّة في الموضوع ، وإلاّ فمطلقة عامّة ، أو وقتيّة ، أو منتشرة ودائمة ، بل ضروريّة باعتبار ثبوت صفة الحسن أو القبح ، بمعنى أنّ الحسن أو القبح ثابت للفعل في الواقع ونفس الأمر بالدوام أو بالضرورة ، وأنّ العقل يدركهما بالقوّة ، أو بالفعل على سبيل الممكنة ، أو المطلقة ، أو وقت الجلاء والالتفات ، أو وقتا ما على سبيل الوقتيّة ، أو المنتشرة.

فالمراد من عقليّة الحسن والقبح أنّه يكون للفعل بحسب الواقع حسن أو قبح ، ويمكن للعقل إدراك ممدوحيّة فاعل الأفعال في نفس الأمر ، أو مذموميّته كذلك إن لم يرد به شرع ، أو إدراك جهة ورود الشرع على تحسين الفعل أو تقبيحه إن ورد به شرع.

وعدم علم العقل بنفسه بجهات الحسن والقبح في بعض الأفعال غير قادح في عقليّتهما ؛ لأنّه يكون من جهة خفائهما وانغمار العقل بالشهوات الحيوانيّة والعلائق الجسمانيّة ، وكونه غريقا في لجّة الأغشية الناسوتيّة ، وبعيدا عن محطّ الأنوار اللاهوتيّة ، فبإدراك الحسن والقبح في بعض الأفعال - الذي ليس بمرتبة ما ذكر في الخفاء - يحكم بعدم القول بالواسطة ، الكاشف عن حكم اللّه الصانع القادر المقدّر أنّ الفعل الذي أمر به الشارع حسن في نفس الأمر ، وإلاّ لكان طلب الحكيم قبيحا ، وبأنّ الفعل الذي نهى عنه الشارع قبيح في نفس الأمر ، وإلاّ لكان النهي عنه مذموما.

والمراد من شرعيّة الحسن والقبح أنّه ليس للفعل قبل ورود الشرع حسن أو قبح

ص: 379


1- « شرح المقاصد » 4 : 282 - 283.

حتّى يمكن للعقل إدراكه.

وقد يقال : إنّ المراد من عقليّتهما اشتمال الفعل على الجهة المحسّنة أو المقبّحة وإن لم يتمكّن العقل لإدراكهما ، والمراد من شرعيّتهما أن لا يكون كذلك ، بل يكون حسنه أو قبحه بمجرّد ورود الأمر أو النهي من الشارع ، فيمكن التعاكس بورود الأمر على المنهيّ عنه في حال النهي عنه ، وبالعكس ، وعلى الأوّل لا يصحّ التعاكس إلاّ إذا اختلف الوقت وتغيّر المصلحة بالمفسدة ، أو العكس كما في نسخ الأحكام والأديان.

فإذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ العلماء المتكلّمين اختلفوا في هذه المسألة على قولين :

[ القول ] الأوّل : أنّ الحسن والقبح عقليّان وهو مختار الإماميّة والحكماء والمعتزلة (1). وأشار المصنّف رحمه اللّه إليه بقوله : ( وهما عقليّان ) بمعنى أنّ الحاكم بهما هو العقل فعلا أو قوّة ، وأنّ الفعل حسن أو قبيح في نفسه إمّا لذاته أو لصفة لازمة له ، أو بوجوه واعتبارات ، أو على وجه التركيب باعتبار الذات والصفات والاعتبارات على الاختلاف الآتي إن شاء اللّه ، فالشرع كاشف ومبيّن للحسن والقبح الثابتين له على أحد الأنحاء الثلاثة ، وليس له أن يعكس القضيّة من عند نفسه بأن يحسّن ما قبّحه العقل ويقبّح ما حسّنه إلاّ إذا اختلف حال الفعل في الحسن والقبح بالقياس إلى الأزمان ، أو الأشخاص ، أو الأحوال ؛ فإنّ له حينئذ أن يكشف عمّا يتغيّر الفعل إليه من حسنه أو قبحه في نفسه.

[ القول ] الثاني : أنّ الحسن والقبح شرعيّان بمعنى أنّه ليس للفعل حسن أو قبح

ص: 380


1- « تقريب المعارف » : 58 - 59 ؛ « قواعد المرام في علم الكلام » : 104 - 107 ؛ « نقد المحصّل » : 339 - 341 ؛ « كشف المراد » : 302 - 305 ؛ « مناهج اليقين » : 229 - 235 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 82 - 85 ؛ « النافع ليوم الحشر » : 25 - 26 ؛ « إرشاد الطالبين » : 254 - 263 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 326 ؛ « المغني في أبواب التوحيد والعدل » 6 : 7 وما بعدها ؛ « الأسفار الأربعة » 6 : 371 ؛ « أصول الفقه » للمظفّر : 223 - 248.

في نفس الأمر لأمر حقيقيّ حاصل فيه قبل الشرع حتّى يمكن للعقل إدراكه ، ويكون الشرع كاشفا عنه بل الشرع هو المثبت له والمبيّن ، فلا حسن للأفعال ولا قبح لها قبل ورود الشرع ، فلو عكس الشارع القضيّة فحسّن ما قبّحه ، وقبّح ما حسّنه ، لم يكن ممتنعا وانقلب الأمر ، فصار القبيح حسنا والحسن قبيحا كما في النسخ من الحرمة إلى الوجوب ، ومن الوجوب إلى الحرمة ، فكلّ ما أمر به الشارع فهو حسن ، وكلّ ما نهى عنه مثلا فهو قبيح ، ولو لا الشرع لم يكن حسن ولا قبيح. وهو مختار الأشاعرة (1) كالشارح القوشجي ، كما صرّح به في شرح الكتاب (2) ، وشارح « المقاصد » ؛ حيث قال : « فعندنا ذلك بمجرّد الشرع » (3) وصاحب المواقف وشارحه ؛ حيث قالا : « ( القبيح ) عندنا ( ما نهي عنه شرعا ) نهي تحريم أو تنزيه ( والحسن بخلافه ) ، أي ما لم ينه عنه شرعا كالواجب والمندوب والمباح ؛ لأنّ المباح عند أكثر أصحابنا من قبيل الحسن وكفعل اللّه تعالى ؛ فإنّه حسن أبدا بالاتّفاق.

وأمّا فعل البهائم ، فقد قيل : إنّه لا يوصف بحسن ولا قبح باتّفاق الخصوم ، وفعل الصبيّ مختلف فيه ( ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها ، وليس ذلك ) أي حسن الأشياء وقبحها ( عائدا إلى أمر حقيقيّ ) حاصل في الفعل قبل الشرع ( يكشف عنه الشرع ) كما يزعمه المعتزلة ( بل الشرع هو المثبت له والمبيّن ) فلا حسن ولا قبح للأفعال قبل ورود الشرع ( ولو عكس ) الشارع ( القضيّة فحسّن ما قبّحه وقبّح ما حسّنه لم يكن ممتنعا وانقلب الأمر ) فصار القبيح حسنا ، والحسن قبيحا ، كما في النسخ من الحرمة إلى الوجوب ، ومن الوجوب إلى الحرمة » (4) إلى غير ذلك من الكلمات.

ص: 381


1- « المحصّل » : 478 - 481 ؛ « المطالب العالية » 3 : 289 - 358 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 346 - 349.
2- « شرح تجريد العقائد » : 337 - 338.
3- « شرح المقاصد » 4 : 282.
4- « شرح المواقف » 8 : 181 - 182.

والثمرة - مضافا إلى الثمرة العلميّة - تظهر في تصحيح العقيدة والحكم بجواز ارتكاب القبيحين ، بل وجوبه فيما لم يصل بالنسبة إليه الشريعة في جواز التكليف بما لا يطاق وعدم حكم قبل الشريعة وأمثال ذلك كثيرة.

والحقّ مع الإماميّة ؛ لبراهين عقليّة :

الأوّل : أنّ الفعل لو لم يكن له رجحان وجودا أو عدما بحسب الواقع وفي نفسه ، لكان الأمر به أو النهي عنه ترجيحا بلا مرجّح ؛ لاقتضاء الأمر جعل الوجود راجحا على العدم ، بل جعل فعل من الأفعال راجحا على غيره من غير مرجّح ، واقتضاء النهي جعل الترك راجحا كذلك ، وجعل أحد المتساويين راجحا من غير مرجّح قبيح بالبديهة وإن قلنا بجواز الترجيح بلا مرجّح ، بمعنى اختيار أحد المتساويين من غير مرجّح ، كما في قدحي عطشان ، ورغيفي جوعان ؛ حيث يختار أحدهما من غير مرجّح ولو من جهة عدم الالتفات.

وبعبارة أخرى يلزم من شرعيّة الحسن والقبح عدم الأمر والنهي ، ويلزم من عدمهما عدم شرعيّة الحسن والقبح ؛ لما لا يخفى ، وما يلزم من وجوده عدمه فهو باطل.

الثاني : ما أشار إليه المصنّف بقوله : ( للعلم بحسن الإحسان وقبح الظلم من غير شرع ) بمعنى أنّ العلم بحسن الإحسان والعدل ، وقبح الإساءة والكذب والظلم كقتل النفس القدسيّة بلا جهة حاصل بالضرورة لكلّ عاقل من غير ملاحظة الشرع ؛ ولذلك يعترف بذلك منكر الشرائع كالدهريّ والزنديق أيضا ، فلو كان بحسب الشرع لما علم كذلك ، ومثل ذلك القطع بأنّه يقبح عند اللّه من العارف بذاته وصفاته أن يشرك وينسب إليه الزوجة والولد وما لا يليق به من صفات النقص وسمات الحدوث ، بمعنى أنّه يستحقّ الذمّ والعقاب في حكم اللّه تعالى سواء ورد الشرع ، أم لا.

وتوهّم أنّ كون قبح ذلك مركوزا في العقول من النقول يوهم كونه من مجرّد

ص: 382

العقول غير معقول.

فإن قلت : نمنع جزم العقل بالحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه.

نعم ، جزم العقل بالحسن والقبح - بمعنى الملاءمة والمنافرة ، أو صفة الكمال والنقص - مسلّم وهو غير نافع.

قلت أوّلا : إنّ العقل يحكم بديهة بأنّ قاتل الأنبياء بغير حقّ وبلا جهة مستحقّ للذمّ ؛ لظلمه ، والمحسن يستحقّ المدح ؛ لإحسانه ، والمنع مكابرة صريحة عند الإنصاف.

وثانيا : إنّ المسلّم فيما نحن فيه مستلزم للمتنازع فيه حيث يكون بالاختيار.

فإن قلت : قولنا : « العدل حسن ، والظلم قبيح » عدّ عند الحكماء من مقبولات العامّة للمصلحة العامّة والمفسدة وهي مادّة القياس الجدليّ ، فدعوى الضرورة - المعتبرة في اليقينيّات التي هي مادّة البرهان - غير مسموعة ؛ لعدم دلالة اتّفاق العقلاء عليها.

قلت : ضروريّة الحكمين المذكورين وعدم توقّفهما على النظر والفكر ضروريّة على وجه يكون إنكاره مكابرة ، ومدخليّة المصالح والمفاسد فيهما غير قادحة لصدورهما من العقل النظريّ بإعانة العقل العمليّ المزاول للأعمال ، والمباشر للأفعال بملاحظة المصالح والمفاسد من غير توقّف على النظر ، وهذا كتوقّف سائر البديهيّات إلى أمور غير النظر كالمشاهدة والملاحظة ، بل هما صادران من العقل مع قطع النظر عن المصلحة والمفسدة ؛ ولهذا يصدران من غير العارف بالمصالح والمفاسد ، ومن الغافل.

وعدّ الحكماء لهما من المقبولات مجرّد تمثيل للمصلحة العامّة والمفسدة العامّة ، فلهما جهة ضروريّة وجهة مقبوليّة ، فهما من اليقينيّات من جهة ضروريّتهما وعدم احتياجهما إلى النظر ، ومن المقبولات من جهة قبول عموم العقلاء لهما من جهة ملاحظة المصلحة والمفسدة العامّتين ، فعلى هذا يصحّ ذكرهما في البرهانيّات والجدليّات باعتبارين.

ص: 383

الثالث : أنّه لو لم يثبت الحسن والقبح إلاّ بالشرع ، لم يثبتا أصلا ؛ لأنّ العلم بحسن ما أمر به الشارع ، أو أخبر عن حسنه ، وبقبح ما نهى عنه ، أو أخبر عن قبحه يتوقّف على أنّ الكذب قبيح لا يصدر عنه ، وأنّ الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن سفه وعبث لا يليق به تعالى ، وذلك إمّا بالعقل والمفروض أنّه معزول لا حكم له ، وإمّا بالشرع فيدور. وإلى هذا أشار المصنّف بقوله : ( ولانتفائهما مطلقا لو ثبتا شرعا ).

فإن قلت : إنّ الدور إنّما يلزم إذا جعل الأمر والنهي دليلي الحسن والقبح ، ولكنّا لم نجعلهما دليلين لهما ، بل نجعل الحسن عبارة عن كون الفعل متعلّق الأمر والمدح ، والقبح عبارة عن كون الفعل متعلّق النهي والذمّ.

قلت أوّلا : إنّه خلاف ما صرّح به شارح المقاصد (1) الذي هو من فحول الأشاعرة ، كما مرّ (2) إليه الإشارة.

وثانيا : إنّ كون الفعل حسنا أو قبيحا - على تقدير كونهما شرعيّين - إنّما يعلم إذا كان الفعل متعلّق الأمر والنهي [ وكون الفعل متعلّق الأمر ] (3).

الرابع : ما أشار إليه المصنّف رحمه اللّه أيضا بقوله : ( ولجاز التعاكس ) بمعنى أنّه لو كان الحسن والقبح بالشرع لا بالعقل ، لجاز أن يعكس الشارع ، فيحسّن ما قبّحه ، ويقبّح ما حسّنه ، كما في النسخ ، فيلزم جواز حسن الإساءة وقبح الإحسان بالمعنى المتنازع فيه ، وذلك باطل بالضرورة.

الخامس : ما ذكره في شرح المقاصد من أنّه لو لم يكن وجوب النظر عقليّا لزم إفحام الأنبياء (4) ، وأنّه لو لم يقبح من اللّه تعالى شيء لجاز إظهار المعجزة على يد

ص: 384


1- « شرح المقاصد » 4 : 282 - 283.
2- مرّ في ص 378.
3- كذا في النسخ.
4- هذا هو الدليل الرابع من أدلّة المعتزلة على كون الحسن والقبح عقليّين ، كما في « شرح المقاصد » 4 : 290 - 291 وردّه التفتازانيّ في نفس الكتاب 2 : 293.

الكاذب ، وفيه انسداد باب إثبات النبوّة (1).

قال : والجواب أنّ الإمكان العقليّ لا ينافي الجزم بعدم الوقوع أصلا كسائر العاديّات (2).

وفيه الفرق بين الإمكان والقبح ، فهو ممكن لكنّه لم يقع ؛ لقبحه عقلا ولو بالاعتبار مضافا إلى الآيات والأخبار.

وتمسّك الأشاعرة بوجوه ذكرها في « شرح المقاصد » (3) :

الأوّل : أنّه لو حسّن العقل أو قبّح ، لزم تعذيب تارك الواجب ومرتكب الحرام سواء ورد الشرع أم لا - بناء على أصلهم في وجوب تعذيب من استحقّه إذا مات غير تائب - واللازم باطل ، لقوله تعالى : ( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (4).

الثاني : أنّه لو كان الحسن والقبح بالعقل ، لما كان من أفعال العباد حسنا ولا قبيحا عقلا ، واللازم باطل باعترافكم.

وجه اللزوم أنّ فعل العبد إمّا اضطراريّ وإمّا اتّفاقيّ ، ولا شيء منهما بحسن ولا قبيح عقلا.

أمّا الكبرى ، فبالاتّفاق. وأمّا الصغرى ، فلأنّ العبد إن لم يتمكّن من الترك فذاك ، وإن تمكّن فإن لم يتوقّف الفعل على مرجّح ، بل صدر منه تارة ولم يصدر أخرى ، كان اتّفاقيا ، على أنّه يفضي إلى الترجّح بلا مرجّح وفيه انسداد باب إثبات الصانع. وإن توقّف على مرجّح ، فذلك المرجّح إن كان من العبد ، ننقل الكلام إليه ويتسلسل ،

ص: 385


1- وهذا أيضا الدليل السادس من أدلّة المعتزلة ، كما في « شرح المقاصد » 4 : 290 - 291 ، وقد نقضه التفتازانيّ في « شرح المقاصد » 1 : 292.
2- هذا جواب التفتازانيّ عن الدليل الرابع للمعتزلة ، كما في « شرح المقاصد » 4 : 293.
3- « شرح المقاصد » 4 : 284 - 289.
4- الإسراء (17) : 15.

وإن لم يكن ، فمعه إن لم يجب الفعل - بل صحّ الصدور واللاصدور - عاد الترديد ولزم المحذور. وإن وجب فالفعل اضطراريّ (1) ، أو العبد مجبور بناء على عدم كفاية الإرادة ولزوم الانتهاء إلى مرجّح لا يكون من العبد ، ويجب معه الفعل ، ويبطل استقلال العبد.

الثالث : أنّه لو كان قبح الكذب لذاته لما تخلّف عنه في شيء من الصور ضرورة ، واللازم باطل فيما إذا تعيّن الكذب لإنقاذ نبيّ من الهلاك ؛ فإنّه يجب قطعا ، فيحسن. وكذا كلّ فعل يجب تارة ويحرم أخرى كالقتل والضرب حدّا وظلما ، بناء على أنّ الكذب - مثلا - من جهة تعيّن سبب الإنجاء فيه يصير حسنا ؛ لأنّ الحسن هو الإنجاء.

الرابع : أنّه لو كان الحسن والقبح ذاتيّين لزم اجتماع المتنافيين في إخبار من قال : « لأكذبنّ غدا » لأنّه إمّا صادق ، فيلزم بصدقه حسنه ، ولاستلزامه الكذب في الغد قبحه ، وإمّا كاذب فيلزم لكذبه قبحه ، ولاستلزامه ترك الكذب في الغد حسنه ، فيلزم اجتماع الحسن والقبح بناء على أنّ ملزوم الحسن حسن ، وملزوم القبيح قبيح ، وأنّ كلّ حسن أو قبح ذاتيّ.

الخامس : أنّ الفعل لو كان حسنا أو قبيحا لذاته ، لزم قيام العرض بالعرض وهو باطل باعتراف الخصم.

وجه اللزوم أنّ حسن الفعل مثلا أمر زائد عليه ؛ لأنّه قد يعقل الفعل ولا يعقل حسنه أو قبحه ، ومع ذلك فهو وجوديّ غير قائم بنفسه ، فهو عرض صفة للفعل الذي هو أيضا عرض ، فيلزم قيام العرض بالعرض بناء على منع كونه كإمكان الفعل ، وأنّ الحسن الشرعيّ قديم متعلّق بالفعل لا صفة له حتّى يلزم النقض بلزوم قيام العرض بالعرض.

ص: 386


1- كذا في النسخ ، والصحيح « والعبد » كما في « شرح المقاصد ».

السادس : أنّه لو حسن الفعل أو قبح لذاته أو لصفاته وجهاته ، لم يكن البارئ تعالى مختارا في الحكم ، واللازم باطل بالإجماع.

وجه اللزوم : أنّه لا بدّ في الفعل من حكم ، والحكم على خلاف ما هو المعقول قبيح لا يصحّ عن البارئ ، بل يتعيّن عليه الحكم بالمعقول الراجح بحيث لا يصحّ تركه ، وفيه نفي الاختيار ، الذي لا يجوز ولو كان لصارف (1) بناء على كون الحكم عندهم قديما متعلّقا بالأفعال غير مناف للاختيار.

السابع : أنّ قبح الفعل أو حسنه إذا كان صارفا عنه أو داعيا إليه كان سابقا عليه ، فيلزم قيام الموجود بالمعدوم بناء على منع كون الصارف والداعي هو العلم باتّصاف الفعل بالحسن والقبح عند الحصول.

والمصنّف - رحمه اللّه - أشار إلى الجواب عن وجوه أخر من وجوه الأشاعرة بقوله : ( ويجوز التفاوت في العلوم ؛ لتفاوت التصوّر ، وارتكاب أقلّ القبيحين مع عدم إمكان المخلص (2) ، والجبر باطل ).

بيان ذلك : أنّ الأشاعرة قالوا : إنّ الحسن والقبح لو كانا عقليّين ، لما وقع التفاوت في العلوم ؛ لاتّحاد السبب والمدرك وهو العقل ، والتالي باطل بالضرورة.

والجواب : أنّه يجوز التفاوت في العلوم بسبب التفاوت في تصوّر أطرافها ، فما كان تصوّره نظريّا يكون نظريّا ، وما كان تصوّره بديهيّا أوّليّا يكون بديهيّا أوّليّا ، وما كان تصوّره حدسيّا يكون كذلك ، وهكذا سائر مراتب العلم من الضروريّات والنظريات المحتاجة إلى النظر.

وقالوا أيضا : إنّ الحسن والقبح لو كانا عقليّين ، لما اختلفا أي لما حسن القبيح ، ولما قبح الحسن ، والتالي باطل ؛ لأنّه يحسن تخليص النبيّ صلی اللّه علیه و آله - مثلا - من يد الظالم

ص: 387


1- في « أ » : « الصارف ».
2- كذا في النسخ و « كشف المراد » وفي « تجريد الاعتقاد » : 197 و « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 339 : « التخلّص ».

بالكذب المقتضي له ، فالكذب يصير حسنا ، كما أنّ الصدق المهلك قبيح (1).

والجواب : أنّ الكذب في الصورة المذكورة قبيح في نفسه ، باق على قبحه ، وكذا الصدق حسن ، باق على حسنه إلاّ أنّ ترك إنجاء النبيّ أقبح ، فيصير الكذب الموجب للإنجاء من جهة اقتضائه دفع الأقبح حسنا بالعرض عند عدم إمكان التخلّص بغيره كالتعريض ، وكذا حكم الصدق ؛ فإنّه باق على حسنه إلاّ أنّه يصير قبيحا بالعرض عند عدم إمكان التخلّص عن الضرر إلاّ بتركه.

وقالوا أيضا : الجبر حقّ ، فينتفي الحسن والقبح العقليّان. وقد قرّر الشارح القوشجي هذا الوجه ، بأنّه لو كان الحسن والقبح بالعقل لما كان شيء من أفعال العباد حسنا ولا قبيحا عقلا ، واللازم باطل باعترافكم.

وجه اللزوم أنّ العبد مجبور في أفعاله ، ولا شيء من أفعال المجبور بحسن ولا قبيح عقلا.

أمّا الكبرى ، فبالاتّفاق. وأمّا الصغرى ، فلأنّ العبد إن لم يتمكّن من الترك فذاك ، وإن تمكّن فإن لم يتوقّف فعله على مرجّح ، بل صدر عنه تارة ولم يصدر أخرى بلا تجدّد أمر ، لزم الترجيح بلا مرجّح ، وانسدّ باب إثبات الصانع ، وإن توقّف ، فذلك المرجّح إن لم يجب معه الفعل ، بل يصحّ الصدور واللاصدور ، عاد الترديد ، وإن وجب فالفعل اضطراريّ والعبد مجبور (2).

والجواب : أنّ المرجّح هو الإرادة ؛ وصدور الفعل معها على سبيل الوجوب لا ينافي الاختيار ، فالجبر باطل كما سيأتي إن شاء اللّه ، فالصغرى المذكورة لإثبات الشرطيّة ممنوعة ، بل فاسدة ، فيكون الشرطيّة أيضا كذلك ، فلا يكون النتيجة صحيحة.

ص: 388


1- « شرح تجريد العقائد » : 339.
2- نفس المصدر.

وأمّا الجواب عن سائر الوجوه ، فيظهر بالتأمّل.

ثمّ اعلم أنّ القائلين بأنّ الحسن والقبح عقليّان اختلفوا في أنّهما ذاتيّان مطلقا - بمعنى أنّ كلّ ذات فعل له حسن أو قبح في الواقع ونفس الأمر ، لا أنّ كلّ حسن أو قبح منسوب إلى الذات ؛ لأنّ الظاهر أنّ صيرورة الحسن بالذات قبيحا بالعرض ، وبالعكس كالصدق الضارّ والكذب النافع المنجي للنفس المحترمة من الهلاك ممّا لا ينكره أحد - أو بالوجوه والاعتبارات ، أو نحو ذلك مطلقا ، أو بالتفصيل على أقوال ، ونحن نكتفي في ذلك بذكر كلمات بعض المتكلّمين.

ففي المواقف وشرحه : « ( ثمّ إنّهم اختلفوا ، فذهب الأوائل منهم ) إلى أنّ حسن الأفعال وقبحها لذواتها لا بصفات (1) فيها تقتضيهما.

وذهب بعض من بعدهم من المتقدّمين ( إلى إثبات صفة ) حقيقيّة ( توجب ذلك مطلقا ) أي في الحسن والقبح جميعا ، فقالوا : ليس حسن الفعل أو قبحه لذاته كما ذهب إليه من تقدّمنا من أصحابنا ، بل لما فيه من صفة موجبة لأحدهما.

( و ) ذهب ( أبو الحسين من متأخّريهم إلى إثبات صفة في القبيح ) مقتضية لقبحه ( دون الحسن ) ؛ إذ لا حاجة به إلى صفة محسّنة له ، بل يكفيه لحسنه انتفاء الصفة المقبّحة.

( و ) ذهب ( الجبائيّ إلى نفيه ) أي نفي الوصف الحقيقيّ ( فيهما مطلقا ) فقال : ليس حسن الأفعال وقبحها بصفات حقيقيّة فيها ، بل بوجوه اعتباريّة وأوصاف إضافيّة تختلف بحسب الاعتبار ، كما في لطم اليتيم تأديبا وظلما » (2) انتهى.

ومثله ذكر الشارح القوشجي في شرح الكتاب (3) وكذا غيره.

والحاصل : أنّ الأقوال في المسألة خمسة :

ص: 389


1- في المصدر : « لا لصفات ».
2- « شرح المواقف » 8 : 184.
3- « شرح تجريد العقائد » : 337 - 339.

الأوّل : أنّ الحسن والقبح ذاتيان بالمعنى المذكور كما عن القدماء.

الثاني : أنّهما لصفة لازمة لذات الشيء ، موجبة لهما.

الثالث : أنّهما بالوجوه والاعتبارات ؛ لترتّب مصلحة أو مفسدة ظاهرة أو كامنة ، ولكن حكم العقل مخصوص بالصورة الأولى.

الرابع : أنّ الحسن ذاتيّ ، والقبح لصفة مقبّحة كما عن أبي الحسين.

الخامس : أنّهما للقدر المشترك الأعمّ ، كما اختاره أستاذ الأستاذ (1) حاكيا عن غير المعتزلة ، وهو ظاهر المقدّس الأردبيليّ أيضا ؛ حيث قال : « ينبغي أن يختار أنّه قد يكون لذاته كما في الصدق والكذب ، وقد يكون لصفة ذاتيّة ، وقد يكون لوجوه واعتبارات كما في لطم اليتيم » (2). والحقّ هو الأوّل كما عن الأوائل (3).

ويشهد على كونهما ذاتيّين أنّ من استوى في تحصيل غرضه الصدق والكذب بحيث لا مرجّح أصلا ، ولا علم باستقرار الشرائع على تحسين الصدق وتقبيح الكذب ، فإنّه يؤثر الصدق قطعا ، ويترك الكذب حتما ، وما ذاك إلاّ لأنّ حسنه بالمعنى المتنازع فيه ذاتيّ ضروريّ عقليّ ، وكذا إنقاذ من أشرف على الهلاك حيث لا يتصوّر له نفع وغرض ولو كان مدحا وثناء.

وتوهّم أنّ إيثار الصدق لملاءمة الطبع والمصلحة العامّة ، وإنقاذ الهالك لرقّة الجنسيّة المجبولة في الطبيعة كأنّه يتصوّر لنفسه مثل تلك الحالة فيستحسنه من نفسه كما يستحسنه من غيره في حقّه فاسد ؛ لما لا يخفى.

فإن قلت : الذاتيّ لا يختلف ولا يتخلّف ، والحسن والقبح يختلفان ويتخلّفان

ص: 390


1- اختاره الحكيم السبزواريّ حاكيا عن الشيخ البهائيّ في « زبدة الأصول » وحواشيها. راجع « شرح الأسماء » : 322.
2- « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد للتجريد » : 120.
3- « كشف المراد » : 302 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 338 ؛ « شرح الأسماء » : 318 ؛ « شرح المواقف » 8 : 184.

كما في الصدق الضارّ والكذب النافع الموجب لنجاة النفس المحترمة ، فلا يمكن كونهما ذاتيين.

قلت : عدم تخلّف الذاتيّ إنّما هو بحسب نفس الأمر ، فلا ينافي صيرورة الحسن بالذات قبيحا بالعرض ، وبالعكس ، كما لا يخفى.

وبالجملة ، فالأحكام الشرعيّة الفرعيّة التكليفيّة كالوجوب والحرمة مترتّبة على الحسن والقبح الواقعيّين - ذاتيّين كانا أم عارضيّين لمصلحة بارزة أو كامنة - وتسمّى تلك الأحكام شرعيّة ؛ لكون الشرع كاشفا ، أو مؤكّدا لا جاعلا كما هو مذهب الأشاعرة ؛ حيث جعلوا العقل معزولا ، وجعلوا الشرع جاعلا في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة التكليفيّة كالوضعيّة.

وكيف كان ، فبعد ثبوت كون حسن الأشياء وقبحها عقليّين ذاتيّين نقول : إنّ أفعال اللّه تعالى كلّها - حتّى التكليف ونحوه - حسنة بالحسن العقليّ الذاتيّ أو العارضيّ بسبب الوجوه والاعتبار ، وليس فيها قبح وغبار ، كما أشار إليه المصنّف بقوله : ( واستغناؤه وعلمه يدلاّن على انتفاء القبح من أفعاله تعالى مع قدرته عليه ؛ لعموم النسبة ، ولا ينافي الامتناع اللاحق ).

بيان ذلك : أنّ اللّه تعالى عالم بالعلم الذاتيّ بجميع الأشياء التي منها حسن الأشياء وقبحها الواقعيّان كما تقدّم في بيان إثبات الصفات الثبوتيّة ، وهو الغنيّ المطلق كما مرّ في بيان التنزّه عن الصفات السلبيّة ، والعالم بقبح القبيح المستغني عنه لا يفعله ببديهة العقل ؛ لعدم الداعي إليه ووجود الصارف عنه ، مضافا إلى أنّه لو صدر عنه تعالى القبيح لزم ترجيح المرجوح ، فتجويز صدور القبيح عنه تعالى تجويز لكونه تعالى موردا للذمّ عقلا ، وهو ممتنع ضرورة ، فلا يكون خالقا للكفر والعصيان ، وإلاّ كان التعذيب عليهما قبيحا ، والقبيح لا يصدر عنه تعالى ، فيلزم أن لا يكون واقعا ، فيكون الإخبار بإيقاعه كذبا ، وهو محال عنه تعالى.

وبالجملة ، فهو تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، بل جميع أفعاله حسنة

ص: 391

بالحسن العامّ ؛ لأنّه عالم بالحسن ، وقادر على إيجاد الحسن من غير صارف ، فالداعي موجود ، والمانع مفقود ، فالأثر لازم ؛ لامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة.

وقال الشارح القوشجي : « قد أجمعت الأمّة إجماعا مركّبا على أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب ، فالأشاعرة من جهة أنّه لا قبيح منه ، ولا واجب عليه ، ولا يتصوّر منه فعل قبيح ولا ترك واجب. وأمّا المعتزلة فمن جهة أنّ ما هو قبيح يتركه ، وما يجب عليه يفعل ، لأنّ اللّه تعالى مستغن عن غيره - قبيحا كان أو حسنا - وعالم بحسن الأعمال وقبحها ، وقد علم بالضرورة أنّ العالم بالقبيح ، المستغني عنه لا يصدر عنه » (1).

وفيه أوّلا : أنّ الأشاعرة يقولون بقبح المعاصي شرعا ، ومع ذلك يقولون بأنّ اللّه تعالى يفعلها ويخلقها ؛ ولهذا قال العلاّمة في الشرح : « ونازع الأشعريّة في ذلك وأسندوا القبائح إليه تعالى » (2).

وقال الشارح القديم : « أمّا الأشاعرة ، فلأنّهم لمّا أسندوا جميع الممكنات الموجودة إلى اللّه تعالى ، جوّزوا صدور القبيح عنه » (3).

وثانيا : أنّ إطلاق الإجماع المركّب على ذلك الاتّفاق المدّعى - لو سلّم تحقّقه - خلاف مصطلح الأصوليّين ، كما لا يخفى.

وكيف كان ، فالقائلون بعدم صدور القبيح عن اللّه تعالى اختلفوا في أنّه تعالى قادر عليه ، أم لا؟ فالأكثر على أنّه تعالى قادر عليه. والنظّام - على ما حكي (4) عنه - اختار أنّه تعالى لا يقدر على خلق القبيح. واختار المصنّف مذهب

ص: 392


1- « شرح تجريد العقائد » : 339.
2- « كشف المراد » : 305.
3- الشرح القديم غير متوفّر لدينا.
4- حكي عنه في « المحصّل » : 418 ؛ « كشف المراد » : 306 ؛ « إرشاد الطالبين » : 188 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 339 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 213.

الأكثر ؛ فإنّه الصحيح.

واحتجّ عليه بأنّ نسبة القدرة إلى جميع الممكنات على السواء ، والقبائح منها ، فيكون قادرا عليها.

واحتجّ النظّام بأنّ فعل القبيح محال ؛ لأنّه يدلّ على الجهل ، أو الحاجة ، وكلاهما محال ، وما يؤدّي إلى المحال محال ، والمحال غير مقدور (1).

والجواب : أنّ الامتناع الوقوعيّ من جهة القبح لاحق للإمكان الأصليّ بالنظر إلى الحكمة ، فلا ينافي القدرة الذاتيّة ؛ فإنّ المحال الوقوعيّ مقدور ذاتيّ.

وصل

هذا الاعتقاد من أصول المذهب التي عليها بناء مذهب الاثني عشريّة ، فمن أنكره فهو خارج عن المذهب ، لا الدين ، كما لا يخفى.

المقام الثالث :

أنّ أفعال اللّه تعالى كلّها معلّلة بالأغراض والفائدة العائدة إلى العباد في الدنيا أو الآخرة.

اعلم : أنّ العلماء المتكلّمين اختلفوا في هذه المسألة على قولين :

الأوّل : أنّه تعالى يفعل لغرض ولا يفعل شيئا لغير فائدة ، وهو مختار الإماميّة والمعتزلة (2).

الثاني : أنّه لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائيّة. وهو

ص: 393


1- « المحصّل » : 418 ؛ « إرشاد الطالبين » : 188 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 399.
2- « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 89 ؛ « كشف المراد » : 306 ؛ « مناهج اليقين » : 246 ؛ « قواعد المرام » : 110 - 111 ؛ « النافع ليوم الحشر » : 29 ؛ « التعليقات » لابن سينا : 16 - 18 ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 259 - 286.

مذهب الأشاعرة (1).

والحقّ هو الأوّل ، كما اختاره المصنّف ؛ حيث قال : ( ونفي الغرض يستلزم العبث ) بمعنى أنّ الفعل الاختياريّ الصادر عن الفاعل المختار عند خلوّه عن الغرض عبث ، والعبث قبيح ، وصدور القبيح عن اللّه تعالى محال ، مع أنّ الفعل بلا غرض يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، وهو محال عليه تعالى ، فيكون فعله تعالى معلّلا بالغرض وهو الداعي المحرّك إلى ذلك الفعل كالمعرفة والطاعة والاستعداد لإفاضة فيض الآخرة ، الموجبة لحصول وصف الفيّاضيّة ؛ ولهذا يقال : إنّه تعالى غاية الغايات ، وغاية كلّ مقصود ، مع أنّه الأصل في الوجود.

وقيل : الغرض هو سوق الأشياء الناقصة إلى كمالاتها التي لا تحصل إلاّ بذلك السوق ، كما أنّ الجسم لا يمكن إيصاله من مكان إلى مكان إلاّ بتحريكه وهو الغرض من تحريكه.

وفيه : نظر ؛ فإنّ الإيصال أيضا لا بدّ له من غرض.

واحتجّ الأشاعرة بأنّ الفاعل لغرض مستكمل بذلك الغرض ، والمستكمل ناقص ، واللّه تعالى يستحيل عليه النقصان ؛ لوجوب وجوده المقتضي لكونه تماما ، بل فوق التمام.

بيان ذلك : أنّ الغرض لا يصلح أن يكون غرضا للفاعل إلاّ عند كون وجوده أصلح له من عدمه ؛ لأنّ ما استوى وجوده وعدمه بالنظر إلى الفاعل ، أو كان وجوده مرجوحا بالقياس إليه لا يكون باعثا على الفعل وسببا لإقدامه عليه بالضرورة ، فكلّ ما يكون غرضا يجب أن يكون وجوده أصلح للفاعل ، وأليق به من عدمه ، وهو معنى الكمال ، فإذن يكون الفاعل كاملا بوجوده وناقصا بدونه ، وهو محال في حقّ الواجب بالذات.

ص: 394


1- « المحصّل » : 483 - 484 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 350 - 354 ؛ « شرح المواقف » 8 : 202 - 206 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 301 - 306 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 340.

والجواب أوّلا : أنّ الأشاعرة ومن يحذو حذوهم قائلون بالقياس في الأحكام الشرعيّة ، والقياس فرع العلّة الباعثة والغرض الداعي للشارع على حكم الأصل ، المقيس عليه ، وإلاّ فلا يتصوّر التعدّي من المنطوق إلى المسكوت عنه ، فلا يتحقّق قياس ، فيلزم إمّا إنكار القياس ، أو نفي هذا الأصل المقتضي لعدم جواز كون الأفعال معلّلة.

وثانيا : ما أشار إليه المصنّف بقوله : ( ولا يلزم عوده إليه تعالى ) بمعنى أنّ النقص والاستكمال إنّما يلزمان لو كان الغرض عائدا إليه تعالى. وأمّا إذا كان الغرض عائدا إلى غيره - وهو الخلق كما هو الحقّ ، ولهذا يقال : إنّه تعالى يخلق العالم لنفعهم (1) - فلا يكون مستكملا بذلك الفعل ، بل يكون مكمّلا ، ولكنّ المقصود الأصلي هو النفع الأخرويّ لا الدنيويّ ؛ لأنّه المشوب بالآلام ، أو دفع الآلام ، ولهذا لم يجعل لسيّد الأنام ، ولا لغيره من الأنبياء والأوصياء والأولياء العظام.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ المتبادر من الغرض ما كان عائدا إلى الفاعل ، فلا يكون الغرض العائد إلى المخلوق غرضا حقيقيّا ، فيكون عبارة عن المصالح والحكم التي هي عبارة عمّا يرجع إلى الغير فيكون حكيما ؛ لأنّ الحكيم من لا يفعل فعلا بلا حكمة ومصلحة ، ولا يصدر عنه العبث.

فإن قلت : نفع غيره إن كان أولى بالنسبة إليه تعالى من عدمه ، جاء الإلزام ، وإلاّ لم يصلح أن يكون غرضا ؛ لما مرّ من العلم الضروريّ بذلك.

قلت : إيصال النفع في مقام الفعل أولى من عدمه للمخلوق ، وتلك الأولويّة كافية في ترجيح الوجود على العدم ، مع أنّ الكمال يكون للفعل لا للذات ، فلا يلزم الاستكمال المحال ؛ ولهذا يحسّن فعل من فعل شيئا لنفع غيره من غير ملاحظة نفع

ص: 395


1- نعم ما قيل بالفارسية : من نكردم خلق تا سودى كنم *** بلكه تا [ بر ] بندگان جودى كنم ( منه رحمه اللّه ). راجع « مثنوي معنوى » : 281 ، الدفتر الثاني ، البيت 1770.

لنفسه أو عدمه له ، كمن نجّى من ألقي في النار ، أو خلّص المظلوم مثلا لمجرّد نفعه ، لا نفع نفسه ، بل مع عدم النفع له أصلا.

وأيضا إذا جاز الفعل بلا غرض جاز لغرض عائد إلى الغير بطريق أولى.

وقد يقال : إنّ ذات الواجب مرجّح لا الأولويّة ؛ لأنّه فيّاض مقتضى ذاته إفاضة الفيض.

نعم ، لو كان الفعل الصادر منه تعالى غير نافع للغير ، يلزم الترجيح بلا مرجّح ؛ لأنّ ذاته ليس مقتضيا للفعل مطلقا ، بل ما ينفع الغير ، فلا مرجّح لما لا ينفعه فتكون ذاته محرّكا له في الفعل.

ولهذا يقال : إنّ ذاته علّة فاعليّة وغائيّة ؛ لأنّ العلّة الغائيّة ما كان محرّكا للفاعل على الفعل ، فإطلاق الغرض على الحكم والمصالح يكون من باب التشبيه ، بمعنى أنّها لو كانت في أفعالنا ، لكانت أغراضا ولو كانت نافعة للغير ؛ لأنّ إيصالنا النفع إلى غيرنا كمال لنا ، فيكون غرضا ، ولمّا لم يمكن حصول الكمال للواجب ، لا يكون غرضا ، بل شبيها به ، فظهر من هذا حسم مادّة شبهة الأشاعرة الموجبة لهم للقول بكون أفعاله تعالى غير معلّلة بالأغراض ، لا ممّا يقال : من أنّ مجرّد إيصال النفع إلى الغير - من غير أن يكون أولى بالنظر إلى الفاعل - يصحّ أن يكون مرجّحا ؛ لأنّ الإيصال واللاإيصال إذا تساويا بالنظر إلى الفاعل ، لا يمكن صدور الإيصال منه بلا رجحان ، والأولويّة إلى الغير لا يصحّ أن تكون مرجّحة لأحد المتساويين بالنظر إلى الفاعل ، ولهذا قال الحكماء - على ما حكي عنهم - : إنّه تعالى ليس فاعلها بالقصد ؛ لاقتضائه الأولويّة بالنظر إلى الفاعل المقتضية للاستكمال ، بل فاعل بالرضا.

ولعلّ مرادهم أنّ المقصود بالذات في فعله تعالى ذاته لا ما يشتمل عليه فعله كإيصال النفع إلى الغير. وأمّا الرضا بالذات ، فلا يلزم أن يتعلّق بالأولى ، بل يجوز أن يتعلّق بأحد المتساويين ، فلا يلزم كون المرضيّ راجحا بالنظر إلى الراضي ، بل يكفي رجحانه في نفس الأمر في الصدور ، فالفاعل بالرضا من كان ذاته مقتضيا للفعل

ص: 396

المشتمل على الحكمة والمصلحة ، كما أنّ الفاعل بالطبع - الذي هو مقابله - ما كان ذاته مقتضيا لفعل لا يشتمل على المصلحة من حيث هو مقتضاه وإن اشتمل ذلك الفعل عليها من جهة كون سببه مقتضي ذات يلزم أن يكون في فعله مصلحة وهو الواجب ، فإحراق النار ليس فيه مصلحة من جهة كون النار مقتضية له وإن كان فيه مصلحة من جهة كون طبيعة النار من مقتضيات ذات الواجب المقتضية للأفعال المحكمة.

وأمّا وجه حسن التكليف وكونه معلّلا بالغرض العائد إلى العباد ، فهو أنّ التكليف - لغة - عبارة عن الحمل على الكلفة والمشقّة ، وشرعا عبارة عن دعوة إلهيّة للعباد إلى أمور شاقّة دعوة مشتملة على الوعد بالثواب الأخرويّ الذي هو إيصال النفع على وجه التعظيم ، والوعيد بالعقاب الأخرويّ الذي هو إيصال الضرر على وجه الإهانة ، وهو على قسمين :

أحدهما : عقليّ ، كحكم العقل بوجوب الواجبات العقليّة ، وحرمة المحظورات العقليّة ؛ لأنّ حكمه دعوة إلهيّة حاملها العقل ، كما أنّ الشرع دعوة إلهيّة حاملها النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ولهذا يقال : إنّ العقل شرع من الداخل ، والشرع عقل من الخارج.

وثانيهما : التكليف شرعيّ ، كحكم الشرع بالواجبات الشرعيّة والمحرّمات الشرعيّة ، ولا شبهة في كون التكليف العقليّ حسنا بالحسن العقليّ بالمعنى الأخصّ ، وهو الذي لا يحتاج العقل في إدراك جهاته إلى الكشف من الشرع ويقابله الشرعيّ الذي يحتاج العقل في إدراك جهاته إليه ، وعند التجرّد عن القيدين يحصل العقليّ بالمعنى الأعمّ.

وأمّا التكليف الشرعيّ ، فاختلف فيه القائلون بالحسن والقبح العقليّين - المتّفقون في كونه حسنا عقليّا بالمعنى الأعمّ على ما حكي عنهم - فقال بعضهم : إنّه حسن عقليّ بالمعنى الأخصّ أيضا ، وأنكره آخرون (1).

ص: 397


1- « كشف المراد » : 319 - 321 ؛ « إرشاد الطالبين » : 272 - 273.

والحقّ أنّ العقل يدرك حسن التكاليف الشرعيّة بالنظر ، لا بالبديهة ، والدليل على حسنها أنّ النفس الناطقة ، لها قوّة عقليّة معدّة لتحصيل المعرفة واستحقاق القرب إلى ربّ العالمين ، وقوّة شهويّة يحفظ بها أمور نظام البدن التي يكون الغرض الأصليّ منها حفظ وجود الشخص والنوع. وأمّا سائر القوى ، فبعضها من أعوان الأولى ، وبعضها من أعوان الثانية ، وقد يصير الثانية أيضا بنوع من التدبير من أعوان الأولى من غير أن يحصل الضرر فيما هو الغرض منها ، وأقلّ مرتبة الإعانة أن لا تعارضها ولا تمنعها عمّا هو الغرض الأصليّ منها ، وقد يعكس الأمر ، فيبطل ما هو الغرض الأصليّ من إعطاء القوّة العقليّة ، بل ما هو الغرض من خلق الإنسان وإعطاء جميع القوى وهو استحقاق القرب إلى جوار ربّ العالمين ، فلا بدّ من التدبير المذكور ، وكيفيّة ضبط القوّة الشهويّة عن الميل إلى طرفي الإفراط والتفريط المؤدّي أوّلهما إلى فوات ما هو الغرض الأصليّ من العقليّة ، وثانيهما إلى فوت ما هو الغرض الأصليّ منها ، بل ما هو الغرض الأوّلي أيضا.

وذلك الضبط لا يمكن على وجه الكمال لأحد إلاّ بتعريف إلهي بالأمر والنهي اللذين يعبّر عنهما بالتكليف الشرعيّ ، فصدور التكليف عن الواجب تعالى حسن عقلا ؛ لاشتماله على فائدة عظيمة لا تحصل بدونه.

ويشترط فيه تقدّمه على زمان الفعل ليتهيّأ المكلّف له ، وإمكان ذلك الفعل ؛ لقبح التكليف بالمحال ، وعلم المكلّف بحسن الأفعال وقبحها ؛ لئلاّ يأمر بقبيح ، ولا ينهى عن حسن ، ويجزي على قدره ، ولا ينقص في الثواب ، ولا يزيد في العقاب ، وقدرة المكلّف على الفعل ، وإمكان تحصيل العلم بكيفيّته ؛ لقبح تكليف العاجز عن الفعل ، أو عن العلم بكيفيّته ، فلا بدّ من كون المكلّف عالما بقدرة المكلّف على الفعل وعلى تحصيل العلم بكيفيّته ؛ لئلاّ يصدر منه التكليف القبيح ، هذا كلّه مضافا إلى أنّ ما ذكر اجتهاد في مقابل النصّ من الكتاب والسّنّة الإسكاتيّة والسكوتيّة ،

ص: 398

فقد قال اللّه تعالى : ( ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (1) وقال اللّه تعالى : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (2) وقال تعالى : ( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (3) وقال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (4) وقال تعالى : ( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (5) ( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (6).

وقال تعالى : ( خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (7).

وعن مولانا الحسين بن عليّ علیهماالسلام أنّه قال : « أيّها الناس! إنّ اللّه - جلّ ذكره - ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه » فقيل له : ما معرفة اللّه عزّ وجلّ؟ فقال : « معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم إطاعته » (8).

يعني أنّ معرفة اللّه لا تتمّ إلاّ بمعرفة إمام الزمان ، أو لا تنفع إلاّ بها ، ولا تحصل إلاّ بها ؛ لأنّه السبيل إلى اللّه تعالى.

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال : « إنّ اللّه - تبارك وتعالى - لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى ، بل خلقهم لإظهار قدرته ، وليكلّفهم طاعته ، فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ، ولا ليدفع بهم مضرّة ، بل خلقهم لنفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد » (9).

ص: 399


1- الذاريات (51) : 56.
2- البقرة (2) : 29.
3- الأنبياء (21) : 16.
4- المؤمنون (23) : 115.
5- الأنبياء (21) : 16.
6- ص (38) : 28.
7- الجاثية (45) : 32.
8- « علل الشرائع » 1 : 9 ، الباب 9 ، ح 1.
9- نفس المصدر ، ح 2.

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال : « لم يجعل شيئا إلاّ لشيء » (1).

وفي الحديث القدسيّ : « كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف » (2).

وفي « البحار » في باب التوحيد عن المفضّل عن مولانا الصادق علیه السلام قال علیه السلام :

« نبتدئ يا مفضّل بذكر خلق الإنسان ، فاعتبر به فأوّل ذلك ما يدبّر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث : البطن وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ، ولا دفع أذى ، ولا استجلاب منفعة ، ولا دفع مضرّة ؛ فإنّه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذاءه حتّى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه على مباشرة الهواء ، وبصره على ملاقاة الضياء ، هاج الطلق بأمّه فأزعجه أشدّ إزعاج وأعنفه حتّى يولد ، وإذا ولد صرف ذلك الدم - الذي كان يغذوه من دم أمّه - إلى ثدييها ، فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشدّ موافقة للمولود من الدم ، فيوافيه في وقت حاجته إليه ، فحين يولد قد تلمّظ وحرّك شفتيه طلبا للرضاع ، فهو يجد ثديي أمّه كالإدواتين المعلّقتين لحاجته ، فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن ، رقيق الأمعاء ، ليّن الأعضاء حتّى إذا تحرّك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتدّ ويقوي بدنه ، طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس ليمضغ به الطعام فيلين عليه ويسهل له إساغته ، فلا يزال كذلك حتّى يدرك ، فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه ، فكان ذلك علامة الذكر وعزّ الرجل الذي يخرج به من حدّ الصبا وشبه النساء ، وإن كانت أنثى يبقى وجهها نقيّا من الشعر لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرّك الرجال ؛ لما فيه من دوام النسل وبقائه » إلى أن قال المفضّل : يا مولاي فقد رأيت من يبقى على حالته

ص: 400


1- في المصدر : « لم يجعل شيء ... ».
2- « التجلّيات الإلهيّة » : 100 ؛ « فصوص الحكم » : 203 ؛ « جامع الأسرار » : 102 ؛ « مصباح الأنس » : 164 ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 285.

ولا ينبت الشعر في وجهه وإن بلغ حال الكبر؟ فقال علیه السلام :

« ذلك بما قدّمت أيديهم ، وأنّ اللّه ليس بظلاّم للعبيد - إلى أن قال - : ولو كان المولود يولد فهما عاقلا ، لأنكر العالم عند ولادته ، ولبقي حيرانا ، تائه العقل إذا رأى ما لم يعرف ، وورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير إلى غير ذلك ممّا يشاهده ساعة بعد ساعة ، ويوما بعد يوم.

واعتبر ذلك بأنّ من سبي من بلد إلى بلد - وهو عاقل - يكون كالواله الحيران ، فلا يسرع في تعلّم الكلام وقبول الأدب كما يسرع الذي يسبى صغيرا غير عاقل.

ثمّ لو ولد عاقلا ، كان يجد غضاضة إذا رأى نفسه محمولا مرضعا معصّبا بالخرق مسجّى في المهد ؛ لأنّه لا يستغني عنه هذا كلّه لرقّة بدنه ورطوبته حين يولد ، ثمّ كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل - إلى أن قال - : لذهب موضع حلاوة تربية الأولاد ، وما قدر أن يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة ، وما يوجب التربية للآباء على الأبناء من المكلّفات بالبرّ والعطف عليهم عند حاجتهم إلى ذلك منهم ، ثمّ كان الأولاد لا يألفون آباءهم ولا يألف الآباء أبناءهم ؛ لأنّ الأولاد كانوا يستغنون عن تربية الآباء وحياطتهم (1) ، فيتفرّقون عنهم حين يولدون ، فلا يعرف الرجل أباه وأمّه ، ولا يمتنع من نكاح أمّه وأخته وذوات المحارم منه إذا كان لا يعرفهنّ ، وأقلّ ما في ذلك من القباحة - بل هو أشنع وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع لو خرج المولود من بطن أمّه وهو يعقل - أن يرى منها ما لا يحلّ له ولا يحسن به أن يراه ، أفلا ترى كيف أقيم كلّ شيء من الخلقة على غاية الصواب ، وخلا من الخطأ دقيقه وجليله؟

اعرف يا مفضّل! ما للأطفال في البكاء من المنفعة ، واعلم : أنّ في أدمعة الأطفال رطوبة إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة وعللا عظيمة من ذهاب البصر

ص: 401


1- أي حفظهم وتعهّدهم.

وغيره ، فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رءوسهم ، فيعقبهم ذلك الصحّة في أبدانهم ، والسلامة في أبصارهم ، أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ووالداه لا يعرفان ذلك؟ فهما دائبان ليسكتانه ويتوخّيان في الأمور مرضاته ؛ لئلاّ يبكي وهما لا يعلمان أنّ البكاء أصلح له وأجمل عاقبة ، فهكذا يجوز أن يكون في كثير من الأشياء منافع لا يعرفها القائلون بالإهمال ، ولو عرفوا ذلك لم يقضوا على الشيء أنّه لا منفعة فيه من أجل أنّهم لا يعرفونه ولا يعلمون السبب فيه ؛ فإنّ كلّ ما لا يعرفه المنكرون يعلمه العارفون وكثيرا ممّا يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جلّ قدسه ، وعلت كلمته.

فأمّا ما يسيل من أفواه الأطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة ، التي لو بقيت في أبدانهم ، لأحدثت عليهم الأمور العظيمة كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فأخرجته إلى حدّ البله والجنون والتخليط إلى غير ذلك من الأمراض المتلفة كالفالج واللقوة وما أشبههما ، فجعل اللّه تلك الرطوبة تسيل من أفواههم في صغرهم ؛ لما لهم في ذلك من الصحّة في كبرهم فتفضّل على خلقه بما جهلوه ، ونظر لهم بما لم يعرفوه ، ولو عرفوا نعمه عليهم ، لشغلهم ذلك عن التمادي في معصيته ، فسبحانه ما أجلّ نعمته ، وأسبغها على المستحقّين وغيرهم من خلقه ، وتعالى عمّا يقول المبطلون علوّا كبيرا.

انظر الآن يا مفضّل! كيف جعلت آلات الجماع في الذكر والأنثى جميعا على ما يشاكل ذلك ، فجعل للذكر آلة ناشزة تمتدّ حتّى تصل النطفة إلى الرحم إذ كان محتاجا إلى أن يقذف ماءه في غيره ، وخلق للأنثى وعاء قعر ليشتمل على الماءين جميعا ويحتمل الولد ويتّسع له ويصونه حتّى يستحكم ، أليس ذلك من تدبير حكيم لطيف ، سبحانه وتعالى عمّا يشركون؟

فكّر يا مفضّل! في أعضاء البدن أجمع ، وتدبير كلّ منها لمآرب ، فاليدان للعلاج ، والرجلان للسعي ، والعينان للاهتداء ، والفم للاغتذاء ، والمعدة للهضم ، والكبد

ص: 402

للتخليص ، والمنافذ لتنفيذ الفضول ، والأوعية لحملها ، والفرج لإقامة النسل ، وكذلك جميع الأعضاء إذا تأمّلتها وأعملت فكرك فيها ونظرك ، وجدت كلّ شيء منها قد قدّر لشيء على صواب وحكمة ».

قال المفضّل : فقلت : يا مولاي! إنّ قوما يزعمون أنّ هذا من فعل الطبيعة ، فقال : « سلهم عن هذه الطبيعة : أيّ شيء؟ له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال أم ليست كذلك؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق؟ فإنّ هذا صفته (1) ، وإن زعموا أنّها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة ، علم أنّ هذا الفعل للخالق الحكيم ، وأنّ الذي سمّوه طبيعة هو سنّة في خلقه جارية على ما أجراها عليه.

فكّر يا مفضّل! في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير ؛ فإنّ الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق دقاق واشجة بينها قد جعلت كالمصفى للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شيء فينكأها ، وذلك أنّ الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ، ثمّ إنّ الكبد تقبله ، فيستحيل بلطف التدبير دما ، وينفذ إلى البدن كلّه في مجار مهيّأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيّأ للماء حتّى يطرد في الأرض كلّها ، وينفذ ما يخرج منه إلى مفائض قد أعدّت لذلك ، فما كان منه من جنس المرّة الصفراء جرى إلى المرارة ، وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال ، وما كان من البلّة والرطوبة جرى إلى المثانة.

فتأمّل حكمة التدبير في تركيب البدن ، ووضع هذه الأعضاء منه مواضعها ، وإعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلاّ تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه ، فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير ، فوصف نشوء الأبدان ونموّها في الرحم من غير يد تنالها ويدبّرها إلى الكمال » - إلى أن قال - :

ص: 403


1- كذا ، وفي « بحار الأنوار » : « هذه صنعته ».

« يا مفضّل! انظر إلى ما خصّ به الإنسان في خلقه تشريفا وتفضيلا على البهائم ؛ فإنّه خلق ينتصب قائما ، ويستوي جالسا ليستقبل الأشياء بيديه وجوارحه ويمكنه العلاج والعمل بهما ، فلو كان مكبوبا على وجهه كذات الأربع ، لما استطاع أن يعمل شيئا من الأعمال.

انظر الآن يا مفضّل! إلى هذه الحواسّ - التي خصّ بها الإنسان في خلقه ، وشرّف بها على غيره - كيف جعلت العينان في الرأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكّن من مطالعة الأشياء ، ولم تجعل في الأعضاء التي تحتهنّ كاليدين والرجلين ، فتعرضها الآفات ، وتصيبها من مباشرة العمل والحركة ما يعلّلها ويؤثّر فيها وينقص منها ، ولا في الأعضاء التي هي وسط البدن كالبطن والظهر ، فيعسر تقلّبها واطلاعها نحو الأشياء ، فلمّا لم يكن لها في شيء من هذه الأعضاء موضع ، كان الرأس أسنى المواضع للحواسّ وهو بمنزلة الصومعة لها ، فجعل الحواسّ خمسا تلقى خمسا لكي لا يفوتها شيء من المحسوسات ، فخلق البصر ليدرك الألوان ، فلو كانت الألوان ولم يكن بصر يدركها ، لم يكن فيها منفعة ، وخلق السمع ليدرك الأصوات ، فلو كانت الأصوات ولم يكن سمع يدركها ، لم يكن فيها أرب ، وكذلك سائر الحواسّ.

ثمّ هذا يرجع متكافئا ، فلو كان بصر ولم يكن ألوان ، لما كان للبصر معنى ، ولو كان سمع ولم يكن أصوات ، لم يكن للسمع موضع ، فانظر كيف قدّر بعضها يلقى بعضا ، فجعل لكلّ حاسّة محسوسا يعمل فيه ، ولكلّ محسوس حاسّة تدركه ، ومع هذا فقد جعلت أشياء متوسّطة بين الحواسّ والمحسوسات لا تتمّ الحواسّ إلاّ بها كمثل الضياء والهواء ؛ فإنّه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون ، ولو لم يكن هواء يؤدّي الصوت إلى السمع لم يكن السمع يدرك الصوت ، فهل يخفى على من صحّ نظره وأعمل فكره أنّ مثل هذا الذي وصفت - من تهيئة الحواسّ والمحسوسات بعضها يلقى بعضا وتهيئة أشياء أخرتتم بها الحواسّ - لا يكون إلاّ بعمد وتقدير من لطيف خبير ».

ص: 404

فذكر ما ينال فاقد البصر من الخلل ، وكذا فاقد السمع حتّى عدّه كالغائب وهو شاهد ، وكالميّت وهو حيّ ، فقال : « فأمّا من عدم العقل ، فإنّه يلحق بمنزلة البهائم ، بل يجهل كثيرا ممّا يهتدي إليه البهائم.

فساق الكلام إلى أن قال المفضّل : فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح ، فيناله في ذلك مثل ما وصفته يا مولاي؟

قال علیه السلام : ذلك للتأديب والموعظة لمن يحلّ ذلك به ولغيره بسببه كما قد يؤدّب الملوك الناس للتكميل والموعظة ، فلا ينكر ذلك عليهم ، بل يحمد من رأيهم ، ويصوّب من تدبيرهم ، ثمّ إنّ للذين ينزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت - إن شكروا وأنابوا - ما يستصغرون معه ما ينالهم منها ، حتّى أنّهم لو خيّروا بعد الموت ، لاختاروا أن يردّوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب.

فكّر يا مفضل! في الأعضاء التي خلقت أفرادا وأزواجا ، وما في ذلك من الحكمة والتقدير ، والصواب في التدبير ، فالرأس ممّا خلق فردا ولم يكن للإنسان صلاح في أن يكون أكثر من واحد ، ألا ترى أنّه لو أضيف إلى رأس الإنسان رأس آخر ، لكان ثقلا عليه من غير حاجة إليه ؛ لأنّ الحواسّ التي يحتاج إليها مجتمعة في رأس واحد.

ثمّ كان الإنسان ينقسم قسمين لو كان له رأسان ، فإن تكلّم من أحدهما ، كان الآخر معطّلا لا أرب فيه ولا حاجة إليه ، وإن تكلّم منهما جميعا بكلام واحد ، كان أحدهما فضلا لا يحتاج إليه ، وإن تكلّم بأحدهما بغير الذي تكلّم به من الآخر ، لم يدر السامع بأيّ ذلك يأخذ.

واليدان ممّا خلق أزواجا ولم يكن للإنسان خير في أن يكون له يد واحدة ؛ لأنّ ذلك كان يخلّ به فيما يحتاج إلى معالجته من الأشياء ، ألا ترى أنّ النجّار والبنّاء لو شلّت إحدى يديه لا يستطيع أن يعالج صناعته ، وإن تكلّف ذلك لم يحكمه ولم يبلغ منه ما يبلغه إذا كانت له يدان تتعاونان على العمل.

أطل الفكر يا مفضّل في الصوت والكلام وتهيئة الآلة في الإنسان ، فالحنجرة

ص: 405

كالأنبوبة لخروج الصوت ، واللسان والشفتان والأسنان لصياغة الحروف والنغم ، ألا ترى أنّ من سقطت أسنانه لم يقم السين ، ومن سقطت شفته لم يصحّح الفاء ، ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء ، وأشبه شيء بذلك المزمار الأعظم ، فالحنجرة تشبه قصبة المزمار ، والرئة تشبه الزقّ الذي ينفخ فيه ليدخل الريح ، والعضلات - التي تقبض على الرئة ليخرج الصوت - كالأصابع التي تختلف في فم المزمار ، فتصوغ صفيره ألحانا غير أنّه وإن كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالدلالة والتعريف فإنّ المزمار في الحقيقة هو المشبّه بمخرج الصوت.

قد أنبأتك بما في الأعضاء من الغناء في صنعة الكلام وإقامة الحروف ، وفيها - مع الذي ذكرت لك - مآرب أخرى.

فالحنجرة ليسلك فيها هذا النسيم إلى الرئة فتروّح عن الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو احتبس شيئا يسيرا ، لهلك الإنسان.

وباللسان تذاق الطعوم ، فيميّز بينها ، ويعرف كلّ واحد منها : حلوها من مرّها ، وحامضها من مزّها ، ومالحها من عذبها ، وطيّبها من خبيثها ، وفيه مع ذلك معونة على إساغة الطعام والشراب.

والأسنان تمضغ الطعام حتّى يلين ويسهل إساغته وهي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما وتدعمهما من داخل الفم ؛ واعتبر ذلك أنّك ترى من سقطت أسنانه مسترخي الشفة ومضطربها.

وبالشفتين يترشّف الشراب حتّى يكون الذي يصل إلى الجوف منه بقصد وقدر لا يثجّ ثجّا ، فيغصّ به الشارب ، أو ينكأ في الجوف ، ثمّ هما بعد ذلك كالباب المطبق على الفم يفتحهما الإنسان إذا شاء ، ويطبقهما إذا شاء ففيما وصفنا من هذا بيان أنّ كلّ واحد من هذه الأعضاء ينصرف وينقسم إلى وجوه من المنافع » (1).

ص: 406


1- « بحار الأنوار » 3 : 62 - 72.

ثمّ ذكر فوائد أخرى كجعل منافذ البول والغائط أشراجا تضبطهما ؛ لئلاّ يجريا جريانا دائما ، فيفسد على الإنسان عيشه ، وجعل الكبد رقيقة ناعمة ؛ لقبول الصفو اللطيف من الغذاء ، وجعل المخّ الرقيق ؛ لحفظ العظام ، والدم السائل محصورا في العروق بمنزلة الماء في الظروف ؛ لضبطه فلا يفيض ، وجعل الأظفار على أطراف الأصابع ؛ وقاية لها ومعونة على العمل ، وجعل داخل الأذن ملتويا كهيئة الكواكب ليطّرد فيه الصوت حتّى ينتهي إلى السمع ولينكسر حمّة الريح فلا ينكأ في السمع ، وجعل اللحم على فخذي الإنسان ليقيه من الأرض فلا يتألّم من الجلوس عليها كما يتألّم من نحل جسمه وقلّ لحمه إذا لم يكن بينه وبين الأرض حائل يقيه صلابتها ، وجعل مخرج الغائط موضعا مستورا بالفخذين والأليتين ، وخلق الشعر والأظفار ليخرج آلام البدن بخروجهما ، ولذلك أمر الإنسان بالنورة وحلق الرأس وقصّ الأظفار في كلّ أسبوع ، ليسرع الشعر والأظفار في النبات ليخرج الآلام بخروجها ، وجعلهما عديمي الحسّ ؛ لئلاّ يؤلم الإنسان الأخذ منها ، وجعل الشبق ليقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل وبقاؤه ، وخلق الجاذبة لقبول الغذاء وإيراده على المعدة ، والممسكة لحبس الطعام حتّى تفعل فيه الطبيعة فعلها ، والهاضمة لطبخه واستخراج صفوه ، والدافعة لدفع الثفل الفاضل بعد أخذ الهاضمة حاجتها ، وإعطاء الفكر والوهم والعقل والحفظ (1) وغير ذلك (2) ممّا لا يصدر إلاّ من مدبّر حكيم قادر عليم بالأشياء قبل خلقه إيّاها ، لا يعجزه شيء وهو اللطيف الخبير.

ص: 407


1- « بحار الأنوار » 3 : 78 - 80.
2- كخلق الحبّ لطعامه ، والوبر لكسوته ، والشجر لثمرته ، وتدبير الأمر في الماء والخبز اللذين هما رأسا معاش الإنسان سيّما الماء ؛ فإنّ حاجة الإنسان إليه أكثر ؛ لأنّه يحتاج إليه في شربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه وسقي أنعامه وزرعه ، فجعل الماء مبذولا لا يشترى لتسقط عن الإنسان المئونة في طلبه وتكلّفه ، وجعل الخبز متعذّرا لا ينال إلاّ بالحيلة والحركة ليكون للإنسان في ذلك شغل يكفّه عمّا يخرجه إليه الفراغ من الاشتراء والعبث كمنع المعلّم الصبيّ عنهما وغير ذلك ممّا فيه المصلحة بتدبير الحكيم. منه ( دام ظلّه العالي ).

ومثل ذلك ما يدلّ على أنّ السماء كالسقف مرفوعة ، والأرض كالبساط ممدودة ، والنجوم كالمصابيح منضودة ، والجواهر كالذخائر مخزونة ، وضروب النبات لمآربه مهيّأة ، وصنوف الحيوان في منافعه ومصالحه مصروفة ، وأنواع العوالم بتقدير ونظام وحكمة متلائمة ، فقد خلق البيضة مشتملة على الذهبة المائعة والفضّة الذائبة فلا الذهبة تختلط بالفضّة ، ولا الفضّة تختلط بالذهبة يخرج منها الطواويس وسائر الطيور من الإناث والذكور.

إلى غير ذلك كبعض فقرات بعض خطب مولانا أمير المؤمنين علیه السلام المذكورة في نهج البلاغة ؛ حيث قال علیه السلام : « [ ثمّ أنشأ - سبحانه - ] فتق الأجواء ، وشقّ الأرجاء ، وسكائك الهواء ، فأجرى فيها ماء متلاطما [ تيّاره ]. حمله على متن الريح العاصفة والزعزع القاصفة ، فأمرها بردّه ، وسلّطها على شدّه ، وقرنها إلى حدّه ، الهواء من تحتها فتيق ، والماء من فوقها دفيق.

ثمّ أنشأ - سبحانه - ريحا اعتقم مهبّها ، وأدام مربّها ، وأعصف مجراها ، وأبعد منشأها ، فأمرها بتصفيق الماء الزخّار ، وإثارة موج البحار ، فمخضته مخض السقاء ، وعصفت به عصفها بالفضاء ، حتّى عبّ عبابه ، ورمى بالزبد ركامه ، فرفعه في هواء منفتق وجوّ منفهق ، فسوّى منه سبع سماوات ، جعل سفلاهنّ موجا مكفوفا ، وعلياهنّ سقفا محفوظا ، وسمكا مرفوعا.

ثمّ زيّنها بزينة الكواكب وضياء الثوابت ، وأجرى فيها سراجا مستطيرا ، وقمرا منيرا ، وجعل فيها الملائكة السفرة ، الكرام البررة.

ثمّ جمع من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنّها بالماء حتّى خلصت ، ولاطها بالبلّة حتّى لزبت ، فجعل منها صورة ذات أجزاء ووصول ، وأعضاء وفصول ، أجمدها حتّى استمسكت ، وأصلدها حتّى صلصلت.

ثمّ نفخ فيها من روحه ، فجعلها إنسانا ، وجعل له أذهانا وأركانا ولسانا وجوارح وحواسّ وعقولا يفرق بها بين الحقّ والباطل ، والملائم والمنافر ، وصفة

ص: 408

الكمال والنقص ، فأمر الملائكة بالسجود له ، فسجدوا إلاّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين.

ثمّ أسكن آدم دارا أرغد فيها عيشه وحذّره إبليس وعداوته ، فاغترّه عدوّه ، ثمّ ندم فتقبّل توبته ، ثمّ اصطفى من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم ، وعلى تبليغ الرسالة زمامهم إلى أن بعث خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ اختار له من المعصومين أوصياءهم حفظة شريعته وكواشف ملّته مبيّنين للحلال والحرام ، والفرائض والأحكام كوجوب الصلاة والصيام والزكاة وحجّ البيت الحرام ، واختار من خلقه سمّاعا أجابوهم وصدّقوهم » (1).

ونحو ذلك من الأغراض العائدة إلى العباد في الآخرة بسبب المعرفة والطاعة كنعم الجنّة وتزويج المؤمن ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيّبات وزوجتين من الحور العين يرى مخّ ساقها من وراء سبعين حلّة كبدها مرآته وكبده مرآتها (2).

ومثل ذلك ما فيه بيان كيفيّة خلق العالم وآدم وبني آدم ، ومفاده : أنّ اللّه خلق من نور عظمته - بعد أن كان ولم يكن شيء - نور محمّد وعليّ وذرّيّتهما المعصومين قبل الخلق بألفي عام أو أزيد على الاختلاف ، وكان نبيّنا صلی اللّه علیه و آله أوّل النبيّين ميثاقا ؛ ولهذا صار أفضلهم وخاتمهم وآخرهم مبعثا ، وأنّ نوره صلی اللّه علیه و آله كان يسبّح اللّه قبل خلق آدم بألف عام ، وأنّه تعالى خاطبه بأنّك مقصودي من خلق العالم ، ولولاك لما خلقت الأفلاك ، فسطع نوره صلی اللّه علیه و آله ، فخلق منه اثنا عشر حجابا : حجاب القدرة والعظمة والعزّة والهيبة والجبروت والرحمة والنبوّة والكبرياء والمنزلة والرفعة والسعادة والشفاعة ، فدخل نوره صلی اللّه علیه و آله في كلّ حجاب ، فسبّح اللّه سنين كثيرة ، فغاص في بحر العزّة

ص: 409


1- « نهج البلاغة » : 15 - 20 ، الخطبة الأولى. بتفاوت.
2- « تفسير علي بن إبراهيم » 2 : 82 ، ذيل الآية 19 من سورة الحجّ ، وعنه في « بحار الأنوار » 8 : 120 - 122 ، ح 11. وراجع « ثواب الأعمال وعقاب الأعمال » :2. 149 باب ثواب قراءة سورة الإنسان ، ح 1 ، وعنه في « بحار الأنوار » 8 : 192 ، ح 171 - 172.

ونحوها فخرج من البحار ، فنضح منه صلی اللّه علیه و آله مائة وعشرون وأربعة آلاف قطرة ، فخلق من كلّ قطرة نبيّا ، وكان أنوار النبيّين يطوفون حول نوره صلی اللّه علیه و آله مع تسبيحه لله ، فخلق من نوره صلی اللّه علیه و آله جوهرا فنصّفه ، فنظر إلى أحد النصفين نظر الهيبة ، فصار ماء عذبا حلوا ، ونظر إلى الآخر ، فخلق منه العرش ، وخلق من نور العرش الكرسيّ ، ومن نور الكرسيّ اللوح ، ومن نور اللوح القلم ، فأمر القلم أن يكتب فدهش وبعد التجلّي كتب بأمره تعالى : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، فسأل : يا ربّ! من محمّد الذي قرنت اسمه باسمك؟ فأوحى اللّه إليه : أنّه من لولاه لما خلقت الخلق ، فسلّم عليه القلم ، فردّ صلی اللّه علیه و آله علیه السلام ؛ ولهذا صار جواب السلام واجبا ، فخرج من الماء بخار ، فخلق منه السماوات ، وخلق من زبده الأرض والجبال لتسكن الأرض ، وخلق ملكا وحجرا عليه الملك ، وبقرا عليه الحجر ، وحوتا عليه البقر ، فنوّر العرش بنور الفضل والعدل ، فخلق من نور محمّد الشمس والقمر والنجوم ، فأمر جبرئيل أن ينزل إلى الأرض ليقبض طينا ليخلق به آدم فسبق إبليس ، فقال : إنّ اللّه يريد أن يخلق منك خلقا يعذّبه بالنار ، فاستعذي باللّه واستغيثي به ، ففعلت كذا ، فرجع جبرئيل ، فأمر ميكائيل ، ففعل كما فعل جبرئيل ، وكذا إسرافيل.

ولمّا أمر عزرائيل ، أخذ - حذرا عن ترك الامتثال - من وجه تمام الأرض من الأبيض والأسود ونحوهما ؛ ولهذا اختلفت ألوان بني آدم ، فخلق من تلك الطينة آدم ، فأمر الملائكة بالسجود له بعد نفخ الروح ، فنفخ روحه كرها إلى الدماغ فعطس ، فقال بإقداره : الحمد لله ، فقال اللّه : رحمك اللّه ، فلمّا وصل الروح إلى ساقه أراد أن يقوم فما تمكّن ، ثمّ نفخ إلى أقدامه فجلس ، فسجد الملائكة كلّهم إلاّ إبليس ، ثمّ نام آدم ، فخلق من فضل طينته حوّاء ، فلمّا استيقظ مال إليها ، فقال اللّه تعالى : اخطبها ، فزوّجها اللّه تعالى إيّاه ، وجعل مهرها أن يصلّي على محمّد وآله عشر مرّات ، فقال لها : أقبلي إليّ ، فقالت : بل أنت ، فأمر اللّه تعالى آدم أن يقوم إليها ، فقام فغشيها ، فولد قابيل وهابيل ، فلمّا قتل قابيل هابيل - من جهة إرادة تفويض أمر الوصيّة إلى هابيل

ص: 410

مع كونه أصغر ، لا من جهة إرادة تزويج أخت كلّ من الآخر ، كما عن العامّة - جزع عليه جزعا قطعه عن إتيان النساء فلم يستطع أن يغشى حوّاء خمسمائة عام ، ثمّ تجلّى ما به من الجزع فغشي حوّاء ، فوهب اللّه له شيثا يقال له : هبة اللّه وهو أوّل وصيّ أوصي إليه من الآدميّين في الأرض ، ثمّ ولد له يافث ، ثمّ أنزل اللّه بعد إدراكهما بعد العصر يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزل ، فأمر اللّه أن يزوّجها من شيث فزوّجها منه ، ثمّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء أخرى من الجنّة اسمها منزلة ، فأمر اللّه أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه ، فولد لشيث غلام ، وليافث جارية ، فأمر اللّه بعد إدراكهما أن يزوّج ابنة يافث من ابن شيث ، ففعل ، وهكذا فعل لا بني آخرين من آدم ، ثمّ رفعهنّ اللّه وزوّج هؤلاء الأربعة أربعة من الجنّ ، فصار النسل منهم بتزويج بنات العمّ من أبناء العمّ ، لا من تزويج بناته من بنيه ، كما عن العامّة ؛ لجريان القلم على تحريم الأخوات على الإخوة في جميع الشرائع ، فبثّ رجالا كثيرا ونساء ، فما كان من حلم فمن آدم ، وما كان من جمال فمن الحور ، وما كان من قبح أو سوء الخلق فمن الجنّ (1).

ولا يخفى أنّ ذلك أيضا يدلّ على أنّ إيجاد الخلق معلّل بالغرض العائد إلى الخلق ؛ لحصول (2) الرئاسة للنبيّ وإطاعتنا له ، وتحقّق الجسم للإنسان ونحو ذلك ممّا لا يخفى على المتأمّل.

وبالجملة ، فالعقل والنقل متطابقان على أنّ أفعال اللّه تعالى معلّلة بالأغراض والفوائد العائدة إلى العباد ، ولكن لمّا كان ذلك منافيا لما ذهب إليه الأشاعرة (3) - من أنّه تعالى مريد لكلّ ما هو كائن حسنا كان أم قبيحا ، فعلا كان أم تركا ؛ لعدم (4) الفائدة

ص: 411


1- « تفسير علي بن إبراهيم » 1 : 36 - 42 ؛ « بحار الأنوار » 4 : 25 وما بعدها ؛ و 11 : 99 - 246 و 15 : 3 - 38.
2- كذا في النسخ. ولا يعلم لقوله : « لحصول - إلى قوله - المتأمّل » معنى محصّل.
3- « المحصّل » : 472 - 473 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 343 - 345 ؛ « شرح المواقف » 8 : 173 - 179 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 274 - 281.
4- تعليل للمنافاة.

في فعل القبيح وترك الحسن ، والأمر بغير المراد ، والنهي عن المراد كما (1) روي مرفوعا عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّ ما شاء اللّه كان ، وما لم يشأ لم يكن (2) - أشار المصنّف رحمه اللّه إلى جوابه بما اختاره وفاقا للمعتزلة (3) من أنّه تعالى لا يريد القبيح سواء وقع أم لا ، ويريد الحسن سواء وقع أم لا. واحتجّ عليه بقوله :

( وإرادة القبيح قبيحة ، وكذا ترك إرادة الحسن ، والأمر والنهي (4) ) بمعنى أنّ اللّه تعالى كما لا يفعل القبيح ، كذلك لا يريد القبيح ؛ لقبح ذلك ، وأنّه تعالى كما لا يترك الحسن ، كذلك لا يريد تركه ؛ لقبح ذلك.

وأيضا أنّه تعالى أمر الكافر بالإيمان ونهاه عن الكفر ، فلو لم يكن إيمانه مرادا ، لكان الأمر به قبيحا ، ولو لم يكن كفره مكروها ، لكان النهي عنه قبيحا ، فقوله : « والأمر » عطف على قوله : « ترك » بمعنى أنّ الأمر الحقيقي بغير المراد أيضا قبيح ، وكذا النهي عن المراد أيضا قبيح ، وقبح ذلك كلّه ببداهة العقل ، فلا حاجة إلى الدليل ، فلا يتوجّه أنّه تصرّف في ملكه حيث شاء ، وكذا المنع بأنّه ربّما لا يكون غرض الآمر الإتيان بالمأمور ، كما إذا أمر العبد امتحانا بأنّه هل يطيعه أم لا ؛ فإنّه لا يريد شيئا من الطاعة والعصيان ، واعتذارا (5) عن ضربه بأنّه لا يطيعه فإنّه يريد منه العصيان ، وكالمكره على الأمر بنهب أمواله ، وكذا النهي.

والأولى أن يقال : إنّ الإرادة على قسمين : تكوينيّة وتكليفيّة. والإرادة التكوينيّة متعلّقة بكلّ كائن ولو بإعطاء الأسباب ، والإرادة التكليفيّة لا تتعلّق

ص: 412


1- استدلال لمسلك الأشاعرة.
2- « الأمالي » للصدوق : 395 ، المجلس 74 ، ح 1 ؛ ونقل عن أمير المؤمنين علیه السلام في « الخصال » : 631 ، ح 10 ؛ « عدّة الدّاعي » : 282.
3- « المحصّل » : 472 - 473 ؛ « شرح المواقف » 8 : 173 - 179 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 431 وما بعدها.
4- في « شرح تجريد العقائد » : 340 أورد المتن بهذه الصيغة : « ... وكذا ترك إرادة الحسن قبيح ، وكذا الأمر بما لا يراد قبيح والنهي عمّا يراد أيضا قبيح ».
5- كذا في النسخ ، والصحيح - كما عليه القوشجي - : « أو اعتذارا ».

بما ذكر ؛ لما ذكر.

واحتجّ الأشاعرة على أنّ اللّه يريد القبائح بأنّه تعالى فاعل لكلّ موجود ، ومن جملة الموجودات القبائح ، فيكون مريدا لها ؛ ضرورة أنّ الإرادة هي الصفة لأحد طرفي المقدور ، واللّه هو المرجّح ؛ إذ لا مؤثّر في الوجود إلاّ اللّه.

( و ) أجاب المصنّف - وفاقا للمعتزلة - عن هذا الدليل بأنّ ( بعض الأفعال مستندة إلينا ) بمعنى أنّا لا نسلّم أنّ اللّه تعالى فاعل لكلّ موجود بلا واسطة ؛ لكون بعض الأفعال مستندة إلينا بالضرورة كما سيأتي.

واحتجّوا على أنّ إرادة اللّه غير متعلّقة بما ليس بكائن بأنّه تعالى لو أراد الإيمان من الكافر والطاعة من العاصي - وقد صدر الكفر من الكافر ، والمعصية من العاصي - لزم أن لا يحصل مراد اللّه ، ويحصل مراد الكافر والعاصي ، فيلزم أن يكون اللّه تعالى مغلوبا ، والكافر والعاصي غالبين عليه.

( و ) أجاب المصنّف بأنّ ( المغلوبيّة غير لازمة ) لأنّ اللّه تعالى لم يرد الإيمان والطاعة مطلقا - ولو إجبارا - حتّى يلزم المغلوبيّة بسبب عدم وقوع مراده تعالى ، بل أرادهما على سبيل الاختيار وإرادة المكلّف ، ولا مغلوبيّة له تعالى في عدم الوقوع حينئذ كما لا يخفى ؛ فإنّه من لوازم الاختيار الذي أعطاه اللّه عباده.

واحتجّوا أيضا بأنّ اللّه تعالى علم عدم وقوع الإيمان من الكافر ، والطاعة من العاصي ، وكلّ ما علم اللّه وقوعه وجب وقوعه ، وكلّ ما علم عدم وقوعه امتنع وقوعه ؛ لاستحالة انقلاب علمه تعالى جهلا ، والعالم باستحالة الشيء لا يريده البتّة ؛ لقبح إرادة المحال.

( و ) أجاب المصنّف - رحمه اللّه - بأنّ ( العلم تابع للمعلوم ) كما مرّ ، فلا يؤثّر في إمكان الفعل وامتناعه ، مضافا إلى أنّ اللّه تعالى كما كان عالما بالعدم ، كذلك كان عالما بأنّه باختيار المكلّف ، فلو لم يكن مختارا لزم كون علمه تعالى جهلا ، وحيث كان مختارا جاز تعلّق إرادته تعالى.

ص: 413

وصل

هذا الاعتقاد أيضا من أصول المذهب الجعفريّ ، وصاحب المذهب من منكره بريء ولكنّه طاهر ظاهريّ.

المقام الرابع :
اشارة

في أنّ اللّه تعالى خلق العباد مع القدرة والاختيار من غير تفويض وإجبار في أفعالهم الاختياريّة ، بمعنى أنّ اللّه تعالى أوجد العباد على وجه الاعتدال وكونهم قادرين على الفعل والترك على وجه الأمر بين الأمرين بجعلهم قادرين ومختارين بالاختيار المستند إلى اختياره تعالى ، واحتياجهم في اختيارهم - حين اختيارهم - إليه تعالى ، فهو عادل في إيجادهم كسائر أفعاله تعالى ، فأمرهم في أفعالهم الاختياريّة ليس على وجه الجبر ولا التفويض ، بل يكون الأمر بين الأمرين. وتكون العلّة مركّبة في البين من العلّة البعيدة والقريبة ، بمعنى أنّ إعطاء الأسباب وإبقاءها من الربّ ، ومباشرة العبد بالاختيار المستند إلى اختياره تعالى علّة تامّة لحصول الأفعال الاختياريّة للعباد.

وحيث كان التركيب اعتباريّا في مقام الفعل التكوينيّ لا التكليفيّ لا يلزم الحلول والاتّحاد وتعذيب الشريك القويّ للشريك الضعيف ؛ لأنّ التعذيب باعتبار الاختيار والمباشرة ممنوعة في مقام التكليف ، لا التكوين ، ولا نحو ذلك. وحيث كان العلّيّة في مقام الفعل بجعل مسبّب الأسباب ، لا يكون كونها ناقصة مستلزما للنقص في الواجب كما لا يخفى ، فيصحّ كون الأمر بين الأمرين.

اعلم أنّ في الأفعال الاختياريّة للعباد ثلاثة مذاهب :

الأوّل : مذهب الأشاعرة ، وهو القول بالجبر.

ص: 414

والثاني : مذهب المعتزلة ، وهو القول بالتفويض.

والثالث : مذهب الإماميّة ، وهو نفي الجبر والتفويض ، والقول بالأمر بين الأمرين ، وهذا أيضا مذهب الحكماء على ما حكي عنهم.

فالأشاعرة يقولون : إنّ فعل العبد ليس باختياره ، بل هو مخلوق لله وحاصل من إرادته بلا واسطة إرادة العبد ، بل إرادة العبد مقارنة للفعل من غير أن يكون لها مدخليّة في صدوره ، وتلك المقارنة تسمّى كسبا عندهم ، ويفرّقون بين الاختياريّ والاضطراريّ - كحركة المرتعش - بمجرّد المقارنة في الأوّل دون الثاني ، فعلى هذا يكون العبد مجبورا في أفعاله عندهم ؛ تمسّكا بظاهر قوله تعالى : ( وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (1) ونحو ذلك.

وفساد هذا المذهب في غاية الظهور ؛ لاستلزامه كون التكليف عبثا ، بل قبيحا ، وبطلان الثواب والعقاب ، بل قبح العقاب سيّما عذابه الذي يقول في وصفه في كلامه : ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) (2) إلى غير ذلك من الآيات والأخبار ، بل لو كان له شركة ما ، لكان ذلك قبيحا أيضا ؛ لكون ذلك ظلما وهو تعالى لا يظلم أحدا مثقال ذرّة كما نطقت به الآيات والأخبار ، وانعقد عليه الإجماع ، وكون الزاني واللائط والسارق والمفسد والمكذّب للرسل وقاتل الأنبياء والأوصياء والأولياء وغير ذلك من الفواحش والقبائح هو اللّه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، فينسدّ إثبات باب النبوّة والشرع.

فإن قلت : استحالة صدور ما ذكر عنه تعالى بلا واسطة مسلّمة ، وبواسطة الآلة ممنوعة.

قلت : منشأ الاستحالة إن كان هو القبح العقليّ فهو عامّ مع أنّهم لا يقولون به ، وإن

ص: 415


1- الصافّات (37) : 96.
2- النساء (4) : 56.

كان الذات فهو أيضا عامّ ، وإن كان هو العلم بعادة اللّه ، ففيه أنّه إذا كان عادته المستمرّة هي الفواحش كالخديعة والكذب ، فكيف يمكن دعوى العلم بخلافه ، وأنّه هو عادته؟! هذا مضافا إلى أنّه لا شبهة في أنّ الأشاعرة محسّنون ومادحون لمن أحسن إليهم ، وذامّون لمن أساء بهم ، فإن كان فاعل الإحسان والإساءة هو اللّه فلا وجه للذّمّ والتوبيخ والعتاب ، بل لا يقبلون اعتذار فاعل السيّئة بأنّي ما فعلته ، ولهذا لو سبّ أحد الشيخين ، أو وجد فيه علامة الرافضة يضربونه ، بل يقتلونه ويأسرونه ويحكمون بكفره وجواز أسره وبيعه وشرائه كسائر الوثاق ، فلو كان فاعل ذلك هو اللّه لما كان لذلك وجه.

وبالجملة ، فالمواضع التي لا محيص لهم عن الإنكار في إسناد الفعل إلى العبد ومذمّته أكثر من أن تحصى ، كمن قصّر في حفظ ماله ، أو أتلفه عبثا ، أو نحو ذلك.

وأيضا نعلم بالوجدان - بل الضرورة والعيان - أنّا نقدر أن نضرب أحدا ، وأن لا نضربه ونحو ذلك بحيث إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل ، وإنكار ذلك تكذيب الوجدان والضرورة.

وبالجملة ، فالقول بالجبر مناف لبعث الرسل وإتمام الحجّة وبسط التكاليف والوعد والوعيد والمبالغة فيهما وفي التبليغ والاهتمام التامّ في الإرشاد والهداية والموعظة والنصيحة والجدّ والجهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحدود والقصاص والديات ونحو ذلك ممّا لا يحصى.

وكذا البناء على التقصير وعدمه ، والتفرقة بين المعذور وغيره ، والفرق بين العمد والنسيان ، والخطأ والغفلة ، والغرور والجهل ، والاختيار والاضطرار ونحو ذلك.

وكذا كون المباشر في أكثر الصور أقوى ، والسبب في بعضها أقوى وأمثاله.

وكذا لا يكون لقوله تعالى : ( وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (1)

ص: 416


1- النحل (16) : 118.

وقوله تعالى : ( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (1) و ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (2) ( أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) (3) ونحو ذلك معنى وهي لكثرتها تأبى عن وصول يد التأويل إليها.

فإن قلت : قد ورد في الآيات والأخبار ما يقتضي القول بالجبر كالآية المذكورة ونحوها من الآيات والأخبار والأدعية.

قلت أوّلا : إنّها لا تدلّ إلاّ على إسناد (4) أفعال العباد إلى اللّه تعالى في الجملة ، وهي أعمّ من الاستناد على وجه التأثير بلا واسطة ، والاستناد على وجه التأثير بواسطة ، والمرجعيّة والمفيد هو الأوّل لا الثاني ، والعامّ لا دلالة له على خصوص بعض الأفراد.

وثانيا : إنّها - لمعارضتها الأدلّة العقليّة والنقليّة الكثيرة التي لا حصر لها - لا بدّ من تأويلها بخلاف ما ذكرنا ؛ فإنّها - مع عدم وجود الداعي على تأويلها ، بل وجود الداعي على إبقائها على ظواهرها - لا يصل إلى أكثرها يد التأويل ، مضافا إلى أنّ قدرته تعالى عامّة ، فيقدر على خلق مخلوق قادر وإن كان قدرته مستندة إليه تعالى ، فالمقتضي - وهو عموم قدرته - موجود ، والمانع مفقود ، فلا بدّ من خلق مخلوق قادر.

فإن قلت : إنّه تعالى لمّا كان في الأزل عالما بفعل العبد ، فلو كان العبد قادرا بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، لزم كون علمه تعالى جهلا في صورة عدم الفعل ، فهو المانع عن كون العبد مختارا.

قلت : هذا مردود بالنقض والحلّ.

ص: 417


1- العصر (103) : 2.
2- الأنعام (6) : 164 ؛ الإسراء (17) : 15 ؛ فاطر (35) : 18 ؛ الزمر (39) : 7.
3- النجم (53) : 39.
4- في « أ » : « استناد ».

أمّا النقض فبأفعاله تعالى ؛ لأنّه تعالى عالم بأنّه يفعل في الاستقبال فعلا خاصّا ، فلو كان في ذلك الفعل عند إيجاده مختارا قادرا على الفعل والترك ، لزم صيرورة علمه جهلا في صورة الترك ، وكذا العلم الحاصل من عادة اللّه الذي يستدلّون به ، ولا يجوّزون التخلّف فيه ، فما هو جوابك فهو جوابنا.

وأمّا الحلّ فبأنّ علمه تعالى في الأزل حاصل بأنّ المعلوم الفلانيّ فيما لا يزال يتحقّق ، فالعلم يطابق المعلوم ، بمعنى أنّ العبد لمّا يكون فيما لا يزال فاعلا للفعل الخاصّ بالاختيار ، علم تعالى في الأزل ذلك ، لا أنّه لمّا علمه ، صار كذا ، بل لمّا كان كذا ، علمه ، مضافا إلى أنّه تعالى يكون في الأزل عالما بفاعليّة الفاعل واختياره معا ، فلو لم يكن مختارا ، لزم كون علمه تعالى جهلا.

فإن قلت : لعلّ المانع أمر آخر وهو أنّ فعل العبد إن كان لازم الصدور ، فلا يكون اختياريّا ، وإن كان ممّا يجوز صدوره وعدمه ، فإن افتقر إلى مرجّح ، فمع المرجّح يعود التقسيم بأنّه إن كان لازما فاضطراريّ ، وإلاّ احتاج إلى مرجّح آخر ، ولزم التسلسل ، وإن لم يفتقر إلى مرجّح ، بل يصدر منه تارة ولا يصدر أخرى من دون مرجّح في الحالين وصدور أمر من الفاعل ، فهو اتّفاقي ، فلا يكون اختياريّا أيضا.

قلت : هذا أيضا مردود بالنقض والحلّ.

أمّا النقض فبأفعال الواجب.

وأمّا الحلّ فباختيار الشقّ الثاني من الترديد الأوّل ، والشقّ الأوّل من الترديد الثاني.

ودفع الإيراد بأنّ المرجّح هو الإرادة المسبّبة عن وجود المصلحة ونحوها ، وحينئذ يكون لازما ، ولكنّ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار.

على أنّ هاتين الشبهتين على تقدير تماميّتهما لا تنفعان الأشاعرة ؛ لأنّ مقتضاهما كون العبد غير مختار ، لا أنّ فعله فعله تعالى ، وأنّه ليس له فعل.

فإن قلت : لعلّهم يقولون : للعبد قدرة كاسبة.

ص: 418

قلت : إن لم يقولوا بتأثيرها فلا فائدة فيها ، وإن قالوا به ، يلزم بطلان مذهبهم ، مع أنّ الشنائع السابقة بحالها ؛ لأنّه تعالى هو الشريك الأقوى ، بل الفعل فعله تعالى على سبيل الاختيار لا الاضطرار ؛ إذ بمجرّد كسب العبد لا يصير ملجأ ومضطرّا إلى الفعل قطعا.

وبالجملة فما ذكرنا ممّا لا خفاء فيه على العاقل فضلا عن الفاضل.

وأمّا المعتزلة (1) ، فهم يقولون : إنّ العبد مستقلّ في إيجاد فعله بلا مدخليّة إرادة الواجب فيه. نعم ، إنّه تعالى جعله مختارا ، فيفعل باختياره مستقلاّ ، ولا يفعل كذلك ، ويقال له : التفويض ، بمعنى تفويض اللّه تعالى إرادة الفعل إلى العبد.

وهذا المذهب أيضا فاسد ؛ لأنّ ذات العبد وصفاته من الممكنات ، وقد بيّنّا أنّ الممكن يحتاج إلى الواجب في أصل الوجود وفي البقاء أيضا ، فهو عند الفعل محتاج في ذاته وفي قدرته وتأثيره وإرادته وسائر ما يصدر منه إلى الواجب ، ومع هذا فلا معنى للاستقلال.

وأيضا فعل العبد لا يوجد بدون المرجّح الموجب ؛ لامتناع الترجيح بلا مرجّح ، ولأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، فالعلّة الموجبة إمّا ذات العبد بلا حاجة إلى أمر آخر ، أو مع الحاجة.

وعلى الأوّل يلزم امتناع تخلّف الفعل المعيّن من العبد ما دام موجودا سابقا ولاحقا ، وهو خلاف الواقع.

وعلى الثاني يبطل الاستقلال. وحيث بطل الجبر والتفويض يثبت كون الأمر بين الأمرين كما ورد : « لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين الأمرين » (2).

بيانه : أنّ كلّ فعل لا بدّ فيه - زيادة على ذات الفاعل - من أمر آخر ، وهو إرادته ،

ص: 419


1- هذا قسيم لقوله في ص 415 : « فالأشاعرة ... ».
2- الكافي 1 : 160 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ... ح 13 ؛ « التوحيد » : 362 باب نفي الجبر والتفويض ، ح 8 ؛ « عيون أخبار الرضا » 1 : 2. الباب 11 ، ح 17.

وحدوثها مستند إلى الحوادث المستندة إلى إرادة الحقّ ؛ لوجوب انتهاء سلسلة جميع الحوادث إلى الواجب ، فإرادة العبد علّة قريبة ، وإرادة الحقّ علّة بعيدة ، فالمباشرة من العبد والإقدار من اللّه تعالى ، فالأشاعرة قصروا أنظارهم إلى العلّة البعيدة ، فقالوا بالجبر ، والمعتزلة نظروا إلى مجرّد العلّة القريبة ، فمالوا إلى التفويض.

والحقّ أنّ وقوع الفعل موقوف على مجموع الإرادتين ، ولهذا يكون الأمر بين الأمرين.

فإن قلت : على ما ذكرت يلزم الجبر أيضا ؛ لاستناد فعل العبد إلى ما ليس معلولا له ، بل يكون مستندا إلى اللّه تعالى ، ولا فرق بين إيجاد العبد فعلا بلا إرادة ، وبين إيجاده فعلا بواسطة إرادة ليس العبد مستقلاّ فيها ؛ لعدم إمكان التخلّف في الصورتين ، فلم يكن مختارا قادرا على الترك.

قلت : ما ذكرنا إيجاب بالاختيار لا إكراه وإجبار ، والإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار ؛ لصدق أنّ العبد أراد وفعل ، وتلك الإرادة ممكنة صادرة منه بنفسها لا بإرادة أخرى ، كما أنّ الوجود موجود بنفسه لا بوجود آخر ، وبعد حصولها المستند إلى الواجب بالأخرة يكون الفعل ممتنع الترك ، فيكون الإيجاب بالاختيار الذي لا ينافي الاختيار ؛ إذ الإيجاب المنافي له هو الإيجاب بالطبع كإحراق النار ، والجبر إنّما يتحقّق لو لم يكن لإرادة العبد مدخليّة في الفعل حتّى يكون اضطراريّا ؛ إذ لا يصدق حينئذ أنّ العبد شاء وفعل ، ولا أقلّ من أنّه شاء وفعل غيره ، وهذا ينافي كون الفعل مع المشيّة ، الذي هو معنى اختياريّته.

ولو سلّم أنّ إرادة العبد واجبة الحصول ؛ لاستنادها إلى إرادة اللّه الواجبة ، نقول أيضا : إنّ وجوب الإرادة المستلزم لوجوب الفعل أيضا لا ينافي الاختيار ؛ إذ المعتبر في القدرة والاختيار كون الفعل جائز الترك على تقدير عدم الإرادة وإن كان ذلك العدم ممتنعا ، وليس المعتبر كون الإرادة أيضا مقدورة ، فحيث كان فعل العبد بإرادته يكون اختياريّا وإن لم تكن الإرادة اختياريّة ، بخلاف ما إذا لم يكن لإرادته

ص: 420

مدخل فيه ؛ فإنّه حينئذ يكون فعلا لغيره ، ولا يكون له اختيار فيه.

مثاله ما إذا ألجأ ظالم أحدا إلى فعل بحيث لا يمكنه الترك وإذا مال آخر إلى ذلك الفعل بسبب غضب لا يقدر به على الترك ، فيصدق عليهما أنّهما لا يتمكّنان من الترك ولكن أحدهما بإلجاء الغير ، والآخر من غير إلجاء.

والحاصل : أنّ ذات العبد علّة فاعليّة لوجوب الفعل بإعداد معدّ أو شرطيّة شيء ، لا أنّ غيره علّة فاعليّة له ، فلمّا كان العبد فاعلا للفعل ووجوبه ، لم يكن الفعل مخلوقا لله تعالى ، ولمّا كان فاعليّته لوجوب الفعل بسبب داع مستند بوسائط كثيرة إلى اللّه تعالى ، لم يكن الفعل مفوّضا إليه ، وهذا معنى كون الأمر بين الأمرين.

فإن قلت : ذات العبد مخلوق لله ، ففعله أيضا مخلوق له تعالى.

قلت : هذا ليس معنى الجبر ، بل معناه أن يكون الفعل مخلوقا له تعالى بلا واسطة وإن كان بآلة.

فإن قلت : هذا وإن لم يكن جبرا لكن يترتّب عليه ما يترتّب على الجبر من قبح التعذيب على العصيان.

قلت : هذا إذا كان خلق العاصي للعصيان بالذات. أمّا لو كان خلقه بالذات للمصلحة ولزم مفسدة العصيان بالعرض ، فلا.

والأولى الاعتماد بما ذكرناه أوّلا من كون الإرادة اختياريّة بالمعنى المذكور.

وقد روي عن حريز بن عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « الناس في القدر على ثلاثة أوجه :

رجل يزعم أنّ اللّه أجبر خلقه على المعاصي ، فهذا قد ظلّم اللّه تعالى في حكمه ، فهو كافر.

ورجل يزعم أنّ الأمر مفوّض إليهم ، فهذا قد وهّن سلطان اللّه ، فهو كافر.

ورجل يزعم أنّ اللّه تعالى كلّف العباد ما يطيقونه ولم يكلّفهم ما لا يطيقونه ، فإذا

ص: 421

أحسن حمد اللّه ، وإذا أساء استغفر اللّه ، فهو مسلم بالغ » (1).

وما دلّ على كون المعاصي من العباد غير قادح فيما ذكرنا ، كما لا يخفى ؛ لكون المشيئة التكوينيّة منهم من غير المشيئة التكليفيّة من اللّه تعالى ، كما في الخيرات.

ويشهد على مدخليّة المشيئة من اللّه ومن العبد - مضافا إلى ما ذكر ، وقوله تعالى : ( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) (2) وقوله علیه السلام : « لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين الأمرين » (3) - نحو قوله تعالى : ( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ ) (4) أيضا على وجه ؛ إذ يستفاد منه أنّ المشيئة التكوينيّة من العبد بالنسبة إلى الفعل الاختياريّ مقترنة بالمشيئة التكوينيّة من اللّه باعتبار إعطاء الأسباب وإبقائها كالحياة والقدرة والجوارح وإن لم تقترن بالمشيئة التكليفيّة عن اللّه في الشرور كالخيرات.

اعلم : أنّ التفويض قد يطلق على معان أخر :

منها : تفويض الخلق والرزق إلى الأئمّة من جهة اعتقاد كمالهم ورفعتهم وملاحظة صدور خوارق العادات عنهم ، إلى غير ذلك.

وهو فاسد ؛ لما لا يخفى.

ومنها : تفويض تقسيم الأرزاق.

ومنها : تفويض الأحكام والأفعال إليه بأن يثبت ما رآه حسنا ، ويردّ ما رآه قبيحا ، فيخيّر إليه إثباته وردّه مثل إطعام [ الجدّ ] السدس (5) ، وإضافة الركعتين في الرباعيّة ، والواحدة في المغرب ، والنوافل أربعا وثلاثين سنّة ، وتحريم كلّ مسكر عند تحريم الخمر ونحو ذلك. وظاهره مناف لظاهر ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) (6) إلاّ أن يقال : إنّ

ص: 422


1- « التوحيد » : 360 باب نفي الجبر والتفويض ، ح 5.
2- البقرة (2) : 256.
3- مرّ تخريجه في ص 419 ، التعليقة 2.
4- الإنسان (76) : 30 ؛ التكوير (81) : 29.
5- في مسألة إرث الأجداد مع وجود الأبوين. راجع « الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية » 8 : 122.
6- النجم (53) : 3.

الوحي تابع لإرادته كما يظهر من قوله : ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ) (1).

ومنها : تفويض الإرادة بأن يريد شيئا لحسنه ، ولا يريد شيئا لقبحه كإرادة تغيير القبلة فأوحى اللّه بما أراد.

ومنها : تفويض القول بما هو أصلح له وللخلق وإن كان الحكم الأصلي خلافه ، كما في صورة التقيّة.

ومنها : تفويض أمر الخلق ، بمعنى أنّه أوجب عليهم طاعته في كلّ ما يأمر وينهى سواء علم وجه الصحّة أم لا ، بل ولو كان بحسب ظاهر النظر عدم الصحّة ، فيكون الواجب عليهم القبول على وجه التسليم ؛ والمراد في هذا الفنّ هو المعنى الأوّل (2).

ثمّ اعلم أنّه لا شبهة في وقوع الشرور في عالم الكون والفساد ، وتلك الشرور ممكنة ، فلا بدّ لها من استنادها إلى الواجب بلا واسطة أو بواسطة أو بوسائط ؛ دفعا للتسلسل أو الدور ، فيلزم صدور الشرّ من الواجب وهو ممتنع ، ولهذا قال الثنويّة بوجود إلهين واجبي الوجود : أحدهما فاعل الخير وهو « يزدان ». وثانيهما فاعل الشرّ وهو « أهرمن » (3).

والجواب : أنّ الأفعال بحسب الاحتمال العقليّ على خمسة أقسام : الخير المحض ، والخير الغالب ، والخير المساوي ، والشرّ الغالب ، والشرّ المحض ؛ وصدور الأخيرين عن الواجب محال ، كما لا يخفى. وكذا الثالث ؛ للزوم العبث بعد ملاحظة تعارض الحسن والقبح وتساقطهما ، فبقي الأوّلان ، فكلّ فعل صادر عن الواجب إمّا خير محض كإيجاد العقول ، أو خير غالب كإيجاد الإنسان.

ص: 423


1- البقرة (2) : 144.
2- انظر تفصيل أقسام التفويض في « الفوائد الرجاليّة » للوحيد البهبهاني : 40.
3- للتعرّف على أقوال الثنويّة والمجوس راجع « الملل والنحل » 1 : 232 و 244 ؛ « المحصّل » : 417 - 418 ؛ « نقد المحصّل » : 300 ؛ « كشف المراد » : 283 ؛ « شرح المواقف » 8 : 62 - 63 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 102.

ووجه جواز الأخير (1) أنّ ترك الخير الكثير لأجل الشرّ اليسير [ أقبح ] (2) وارتكاب أقلّ القبيحين جائز عقلا ، فصدور الشرّ بالذات محال من الواجب وإن كان قليلا. وأمّا صدوره منه بتبعيّة الخير فلا ، فجميع الشرور صدوره من هذا الباب ، فلا يلزم إسناد الشرور بالذات إلى الواجب ، ولا القول بوجود إلهين ، بل الحقّ أنّ الشرور ليست مستندة إلى الواجب إلاّ باعتبار أنّ فاعلها مستند إليه ، وهذا ليس استنادا في الحقيقة.

وأمّا القضاء والقدر ، فقد وقع الاتّفاق ، ووردت الأخبار على أنّ الحوادث تحدث بهما (3) ، ومن جملتها أفعال العباد ، فيلزم عدم اختيارهم فيها ؛ لأنّ المقدّر كائن ، فهذا منشأ الإشكال.

والجواب : أنّ القضاء له معان :

منها : الخلق ، كما في قوله تعالى : ( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ) (4) وكذا القدر ، كما في قوله تعالى : ( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها ) (5) وهذا المعنى لا يتحقّق في جميع الحوادث ؛ إذ قد بيّنّا أنّ أفعال العباد ليست مخلوقة لله.

والثاني : الإيجاب والإلزام ، كما في قوله تعالى : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (6) أي أوجب ، وكذا القدر ، كما في قوله تعالى : ( نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ) (7) أي ألزمناه. وهذا المعنى لا يكون عامّا ؛ لاختصاصه بالواجب.

والثالث : الإعلام والتبيين ، كما في قوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ ) (8) الآية.

ص: 424


1- أي الأخير من الأوّلين وهو الخير الغالب.
2- أي الأخير من الأوّلين وهو الخير الغالب.
3- انظر « الكافي » 1 : 155 - 160 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ؛ « التوحيد » : 359 - 390 بابا نفي الجبر والتفويض ، والقضاء والقدر.
4- فصّلت (41) : 12.
5- فصّلت (41) : 10.
6- الإسراء (17) : 23.
7- الواقعة (56) : 60.
8- الإسراء (17) : 4.

وكذا القدر ، كما في قوله تعالى : ( إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) (1) أي أعلمنا بذلك وكتبنا في اللوح المحفوظ. وهذا المعنى يصحّ في جميع الحوادث.

وحاصله علم الواجب بجميع الموجودات الكلّيّة والجزئيّة ، كما يقال : إنّ القضاء علم إجماليّ كلّيّ ، والقدر علم تفصيليّ جزئيّ ، وعلمه تعالى لا يستلزم عدم الاختيار في العبد ؛ لما مرّ من أنّ العلم ليس علّة ، بل هو تابع للمعلوم بالمعنى المذكور.

وحاصله : أنّ اللّه تعالى أوجد العباد على وجه الاعتدال بكونهم قادرين على الفعل والترك من غير جبر وتفويض في الأمور ، بل الأمر بين الأمرين ، يدلّ على ذلك :

أوّلا : العقل ، من جهة استلزام الجبر كونه تعالى ظالما في تعذيب من يحمله على المعاصي كالقتل والزنى والشرك وغير ذلك ، واستلزام التفويض - مضافا إلى وهن السلطنة - صيرورة الممكن واجبا بالنسبة إلى الوجود بعد الوجود ، الذي يكون البقاء عبارة عنه ، وهو محال ؛ من جهة استحالة انقلاب الماهيّة ، وامتناع تعدّد الواجب ، وكون الامتياز هو الإمكان الذي هو علّة الافتقار ، فيكون العبد فاعلا للفعل بالمباشرة والعلّيّة القريبة ، ولكن بواسطة إقدار اللّه وإبقائه ونحو ذلك ، فلا يكون مخلوقا لله ، ولا مفوّضا إلى العبد ، بل يكون الأمر بين الأمرين ، بمعنى أنّ المجموع - المركّب من فعل اللّه التكوينيّ بإيجاد العبد وإحيائه وإعطائه الأسباب كالقدرة ونحوها وإبقائها ، ومن فعل العبد بالمباشرة ونحوها من باب الجعل للمصلحة - علّة لحصول الفعل الاختياريّ للعبد وإن كانت الإرادة التكليفيّة على خلاف الإرادة التكوينيّة ، فالتركيب اعتباريّ في مقام الفعل ، لا في مقام الذات حتّى يلزم نحو الوحدة أو الاتّحاد.

ص: 425


1- النمل (27) : 57.

وثانيا : النقل ، كما قال اللّه تعالى : ( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) (1) وقال تعالى : ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (2) وقال تعالى : ( فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا ) (3) وقال تعالى : ( الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ) (4) وقال تعالى : ( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (5) وقال تعالى : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (6) وقال تعالى : ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) (7) إلى غير ذلك من الآيات الآيات الدالّة على خلاف ذلك - كقوله : ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (8) و ( مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ ) (9) وقال تعالى : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ) (10) وقوله تعالى : ( أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ) (11) ونحو ذلك - محمولة على كون الضلالة بالاختيار كالطبيعة الشبيهة بالوصف الخلقي المجبول عليه كقلوب البهائم ، أو على وسم قلوبهم بما يعلم به الملائكة ضلالتهم وعدم اختيارهم الإيمان ، فيذمّونهم ويمدحون عليهم (12) حتّى كان اللّه تعالى شهد على ذلك ؛ إلى غير ذلك من المحامل.

وروي عن الرضا علیه السلام أنّه قال - بعد السؤال عن قول اللّه - عزّ وجلّ - : ( خَتَمَ اللّهُ

ص: 426


1- البقرة (2) : 256.
2- الرحمن (55) : 29.
3- النحل (16) : 34.
4- غافر (40) : 17.
5- الطور (52) : 16 ؛ التحريم (66) : 7.
6- الطور (52) : 19 ؛ المرسلات (77) : 43.
7- النجم (53) : 31.
8- غافر (40) : 33.
9- الزمر (39) : 37.
10- الجاثية (45) : 33.
11- النحل (16) : 108.
12- كذا في النسخ.

عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ) (1) - : « الختم هو الطبع على قلوب الكفّار عقوبة على كفرهم ، كما قال تعالى : ( بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (2) » (3).

وروي عن معاوية الشامي ، قال : دخلت على عليّ بن موسى الرضا علیه السلام بمرو ، فقلت : يا بن رسول اللّه روي لنا عن الصادق جعفر بن محمّد أنّه قال : « لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين أمرين » فما معناه؟ فقال : « من زعم أنّ اللّه يفعل أفعالنا ، ثمّ يعذّبنا عليها ، فقد قال بالجبر. ومن قال : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه علیهم السلام ، فقد قال بالتفويض ، فالقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك » فقلت له : يا بن رسول اللّه فما أمر بين أمرين؟ قال : « وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه » فقلت له : هل لله - عزّ وجلّ - مشيئة وإرادة في ذلك؟ فقال : « أمّا الطاعات ، فإرادة اللّه تعالى ومشيئته فيها الأمر بها والرضا لها والمعاونة عليها ، وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها ».

قلت : فلله - عزّ وجلّ - فيها القضاء؟ قال : « نعم ، ما من فعل خير أو شرّ إلاّ ولله فيه قضاء ».

قلت : فما معنى هذا القضاء؟ قال : « الحكم عليهم بما يستحقّونه على أفعالهم من الثواب والعقاب في الدنيا » (4).

إلى غير ذلك من الأخبار (5). وفي بعضها تفسير التفويض بتفويضه تعالى إلى العباد

ص: 427


1- البقرة (2) : 7.
2- النساء (4) : 155.
3- « عيون أخبار الرضا » 1 : 123 - 124 ، الباب 11 ، ح 16.
4- « عيون أخبار الرضا » 1 : 124 ، الباب 11 ، ح 17.
5- « الكافي » 1 : 155 - 160 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ؛ « التوحيد » : 359 - 360 باب الجبر والتفويض وباب القضاء والقدر.

اختيار أمره ونهيه (1) ، وهو المشهور من المفوّضة.

وفي هذا المقام يرد على الأشاعرة القائلين بالجبر والمعتزلة القائلين بالتفويض وأمثالهم. وبالجملة فإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف رحمه اللّه مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( والضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا ).

اختلفوا في أنّ أفعال العباد الاختياريّة واقعة بقدرتهم ، أم هي واقعة بقدرة اللّه تعالى؟ مع الاتّفاق على أنّها أفعالهم لا أفعاله ؛ إذ القائم والقاعد والآكل والشارب وغير ذلك هو الإنسان - مثلا - وإن كان الفعل مخلوقا لله تعالى ؛ فإنّ الفعل إنّما يستند إلى من قام به ، لا إلى من أوجده.

فذهب الشيخ الأشعريّ إلى أن ليس لقدرتهم تأثير فيها ، بل اللّه - سبحانه وتعالى - أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارا ، فإذا لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ، فيكون فعل العبد مخلوقا لله تعالى إبداعا وإحداثا ، ومكسوبا للعبد ، والمراد بكسبه إيّاه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك تأثير منه أو مدخل في وجوده سوى كونه محلاّ له (2).

وذهب الحكماء والمعتزلة إلى أنّها واقعة بقدرتهم على سبيل الاستقلال بلا إيجاب ، بل باختيار (3).

واختار المصنّف هذا المذهب وادّعى فيه الضرورة ؛ فإنّ كلّ أحد يجد من نفسه التفرقة بين حركتي المختار والمرتعش ، والصاعد باختياره إلى المنارة والهاوي منها ، ويعلم أنّ الأوّلين مستندان إلى قدرته واختياره ، وأنّه لولاهما لم يصدر عنه

ص: 428


1- « تحف العقول » : 463 ؛ « الاحتجاج » 2 : 491 - 492 ، احتجاجات الإمام علي بن محمد الهادي علیهماالسلام ، ح 328.
2- « المحصّل » : 455 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 320 ؛ « المطالب العالية » 9 : 9 ؛ « قواعد المرام » : 108 ؛ « إرشاد الطالبين » : 263 ؛ « النافع ليوم الحشر » : 27 ؛ « شرح المواقف » 8 : 145 - 146 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 223.
3- « شرح الأصول الخمسة » : 323 وما بعدها ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 101 ؛ « المطالب العالية » 9 : 12 ؛ « قواعد العقائد » ضمن « نقد المحصّل » : 452 ؛ « إرشاد الطالبين » : 263 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 224.

شيء منهما بخلاف الآخرين (1) ؛ إذ لا مدخل في شيء منهما لقدرته واختياره.

والأشاعرة أجابوا بأنّ الفرق بين الأفعال الاختياريّة وغير الاختياريّة ضروريّ ، لكنّه عائد إلى وجود القدرة والاختيار في الأولى وعدمهما في الثانية ، لا إلى تأثيرهما في الأولى وعدمه في الثانية ؛ إذ لا يلزم من دوران الشيء كالفعل الاختياريّ مع غيره ، كالقدرة والاختيار وجودا وعدما كون المدار علّة للدائر ، ولا من العلّيّة - إنّ سلّم ثبوتها - الاستقلال بها ؛ لجواز أن يكون المدار جزءا أخيرا من العلّة المستقلّة (2).

وتمسّك الأشاعرة بوجوه (3)أشار المصنّف إلى الجواب عنها :

منها : أنّ العبد لو كان موجدا لفعله بقدرته واختياره ، لتمكّن من فعله وتركه ؛ إذ القادر ما يصحّ منه الفعل والترك ، ولتوقّف ترجيح فعله على تركه على مرجّح.

أمّا على مذهب المعتزلة القائلين بوجوب المرجّح في الفعل الاختياريّ ، فظاهر.

وأمّا على مذهب غيرهم ، فإذن لا بدّ من الإرادة الحادثة ، وذلك المرجّح لا يكون صادرا عنه باختياره ، وإلاّ لزم التسلسل ؛ لأنّا ننقل الكلام إلى صدور ذلك المرجّح عنه ، ويكون الفعل عند ذلك المرجّح واجب الصدور عنه بحيث يمتنع تخلّفه عنه ؛ لأنّه إذا لم يجب الفعل حينئذ جاز أن يوجد معه الفعل تارة ويعدم أخرى ، فتخصيص أحد الوقتين بالوجود يحتاج إلى مرجّح آخر ولا يتسلسل ، بل ينتهي إلى مرجّح يجب معه صدور الفعل عنه ، وإذا كان الفعل مع المرجّح - الذي لا يكون صادرا عنه باختياره - واجب الصدور عنه ، فيكون ذلك الفعل اضطراريّا لازما ، لا اختياريّا.

ص: 429


1- في « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : « الأخيرين ».
2- « شرح المواقف » 8 : 152 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 248 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 341.
3- « المحصّل » : 456 - 458 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 321 - 327 ؛ « المطالب العالية » 9 : 21 ؛ « قواعد المرام » : 108 - 109 ؛ « مناهج اليقين » : 340 ؛ « شرح المواقف » 8 : 148 - 152 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 227 - 237 ؛ « إرشاد الطالبين » : 265 - 269.

أقول : بهذا التقرير - حيث عمّمنا المرجّح - سقط الجواب بأنّ ترجيح المختار أحد المتساويين جائز ، كما في طريقي الهارب وقدحي العطشان ؛ لأنّ الإرادة صفة شأنها الترجيح والتخصيص من غير احتياج إلى مرجّح ، وإنّما المحال الترجّح بلا مرجّح ، ولم يحتج إلى ما قال صاحب المواقف من أنّ هذا الدليل إلزام على المعتزلة القائلين بوجوب المرجّح في الفعل الاختياريّ ، لا القائلين بأنّه يجوز للقادر ترجيح المساوي بل المرجوح ؛ فإنّ الهارب يتمكّن من سلوك أحد الطريقين وإن كان مساويا للآخر ، أو أصعب منه (1).

وأجاب المصنّف بقوله : ( والوجوب للداعي لا ينافي القدرة كالواجب ) بمعنى أنّ القادر هو الذي يتمكّن من كلّ طرفي الفعل والترك قبل تحقّق الداعي إلى أحدهما وتعلّق الإرادة الجازمة به. أمّا بعده ، فيجب الطرف الذي تعلّق به الإرادة ، وهذا الوجوب لا ينافي القدرة ، بل يحقّقه.

وقوله : « كالواجب » إشارة إلى النقض الإجماليّ ، يعني (2) لو تمّ هذا الدليل ، لدلّ على أنّ الواجب تعالى لا يكون - أيضا - موجدا لفعله بالقدرة والاختيار ؛ فإنّ ما ذكرتموه جار في حقّه أيضا.

وأجاب الإمام عنه بأنّ إرادة العبد محدثة ، فتفتقر إلى أن تنتهي إلى إرادة يخلقها اللّه تعالى فيه بلا إرادة [ واختيار منه دفعا للتسلسل في الإرادات التي يفرض صدورها عنه ، وإرادة اللّه تعالى قديمة فلا تفتقر إلى إرادة ] (3) أخرى (4).

وردّه المصنّف بأنّه لا يدفع التسلسل المذكور (5) ؛ إذ يقال : إن لم يمكن الترك مع

ص: 430


1- « شرح المواقف » 8 : 152.
2- في « ب » و « ز » : « بمعنى لو يتمّ ».
3- الزيادة أضفناها من « شرح تجريد العقائد » للقوشجي.
4- « الأربعين في أصول الدين » 1 : 323 ؛ « شرح المواقف » 8 : 150.
5- في المصدر و « أ » : « فلا يدفع التقسيم المذكور ».

الإرادة القديمة ، كان موجبا لا قادرا مختارا ، وإن أمكن فإن لم يتوقّف فعله على مرجّح ، استغنى الجائز عن المرجّح ، وإن توقّف عليه ، كان الفعل معه واجبا ، فيكون اضطراريّا. والفرق الذي ذكرتموه في المدلول - مع الاشتراك في الدليل - دليل على بطلان الدليل ، وإنّما يندفع النقض إذا بيّن عدم جريان الدليل في صورة التخلّف.

وقال صاحب المواقف : في هذا الردّ نظر ؛ فإنّ مآل ما ذكر - من الفرق بين إرادة العبد وإرادة البارئ تعالى - إلى تخصيص المرجّح في قولنا : ترجيح فعله يحتاج إلى مرجّح ، بالمرجّح الحادث ، فيصير الاستدلال هكذا : إن تمكّن العبد من الفعل والترك ، وتوقّف الترجيح على مرجّح ، وجب أن لا يكون ذلك المرجّح منه ، وإلاّ لكان حادثا محتاجا إلى مرجّح آخر ، ولا يتسلسل بل ينتهي إلى مرجّح قديم لا يكون من العبد ويجب الفعل معه ولا يكون العبد مستقلاّ فيه.

وأمّا فعل البارئ ، فهو محتاج إلى مرجّح قديم يتعلّق في الأزل بالفعل الحادث في وقت معيّن ، وذلك المرجّح القديم لا يحتاج إلى مرجّح آخر ، فيكون تعالى مستبدّا مستقلاّ في الفعل ، وحينئذ لا يرد النقض ويتمّ الجواب (1).

أقول : محصول الفرق أنّ المرجّح في فعل العبد يجب أن لا يكون صادرا عنه قطعا ؛ للتسلسل ، بل صادرا عن غيره ، وحينئذ لا يكون العبد مستقلاّ في فعله ، والمرجّح في فعل البارئ تعالى يجب أن يكون صادرا عنه ، فلا يلزم عدم استقلاله في فعله.

وعلى التقديرين يكون الفعل اضطراريّا لازما ؛ لأنّ الفعل مع المرجّح - سواء كان صادرا عن الفاعل أو عن غيره - يصير واجبا ، والترك معه على التقديرين يصير ممتنعا ؛ لما ذكرنا آنفا.

ص: 431


1- « شرح المواقف » 8 : 151.

فهذا الفرق إنّما يفيد افتراق الصورتين في الاستقلال وعدمه ، وذلك لا يهمّنا ؛ لأنّه لا يفيد افتراقهما في الاضطرار وعدمه ، وهذا هو المطلوب ؛ لأنّ الناقض يدّعي لزوم كون البارئ تعالى مضطرّا في فعله لا مختارا.

على أنّ قوله : وجب أن لا يكون ذلك المرجّح منه ، وإلاّ لكان حادثا محتاجا إلى مرجّح آخر ، ممنوع ، وإنّما يلزم الاحتياج إلى المرجّح الآخر أن لو كان صادرا عنه باختياره ، أمّا إذا كان صادرا عنه لا باختياره ، فاللزوم ممنوع ، فيبطل ما ذكره من الفرق بين الصورتين بالاستقلال وعدمه أيضا.

ومنها : أنّ العبد لو كان موجدا لأفعاله ، لكان عالما بتفاصيلها ؛ إذ الإيجاد لا يتصوّر بدون العلم بالموجد ، ولهذا صحّ الاستدلال بفاعليّة الفاعل (1) على عالميّة الفاعل ، والتالي باطل ؛ لأنّ النائم يصدر عنه أفعال اختياريّة لا شعور له بتفاصيلها كمّيّاتها وكيفيّاتها ، والماشي - إنسانا كان أو غيره - تقطع مسافة معيّنة من غير شعور له بتفاصيل الأجزاء التي بين المبدأ والمنتهى ، والناطق يأتي بحروف مخصوصة على نظم مخصوص من غير شعور بالأعضاء التي هي مخارجها ، ولا بالهيئات ، ولا بالأوضاع التي تكون لتلك الأعضاء عند الإتيان بتلك الحروف ، والكاتب يصوّر الحروف والكلمات بتحريك الأنامل من غير شعور له بما للأنامل من الأعضاء والأجزاء ، أعني العظام والغضاريف والأعصاب والعضلات والرباطات ، ولا بتفاصيل حركاتها وأوضاعها التي تأتي بها تلك الصور والنقوش.

وأشار إلى الجواب عنه بقوله : ( والإيجاد لا يستلزم العلم إلاّ مع اقتران القصد ، فيكفي الإجماليّ ).

يعني لا نسلّم أنّ الإيجاد لا يتصوّر بدون العلم بالموجد ، والمثبتون لعلمه تعالى لا يستدلّون عليه بالإيجاد ، بل بإتقان الفعل وإحكامه.

ص: 432


1- في هامش « ب » : « بفاعلية العالم ».

نعم ، الإيجاد بالاختيار - لكونه مقارنا للقصد ، والقصد إلى الشيء لا يكون إلاّ بعد العلم به - يستلزمه ، لكنّ العلم الإجماليّ كاف ، وهو حاصل في الصور المذكورة ، لبطلان التالي.

ومنها : أنّ العبد لو كان موجدا لفعل نفسه بالاستقلال ، فإذا فرضنا أنّه أراد تحريك جسم في وقت معيّن ، وأراد اللّه تعالى سكونه في هذا الوقت ، فإمّا أن يقع المرادان جميعا وهو ظاهر الاستحالة ، أو لا يقع شيء منهما وهو أيضا محال ؛ لامتناع خلوّ الجسم في غير آن الحدوث عن الحركة والسكون ، ولأنّ التخلّف عن المقتضي لا يكون إلاّ لمانع ، ولا مانع لكلّ من المرادين سوى وقوع الآخر ، فلو امتنعا جميعا لزم أن يقعا جميعا وهو ظاهر الاستحالة.

وإمّا أن يقع أحدهما دون الآخر ، فيلزم الترجيح بلا مرجّح ؛ لأنّ التقدير استقلال كلّ من القدرتين بالتأثير من غير تفاوت.

وأجاب عنه المصنّف بقوله : ( ومع الاجتماع يقع مراده تعالى ).

يعني في الصورة المفروضة يقع مراده تعالى ؛ لكون قدرته أقوى ، إذ المفروض استواؤهما في الاستقلال بالتأثير ، وهو لا ينافي التفاوت في القوّة والشدّة.

ومنها : أنّ الفاعل يجب أن يكون مخالفا لفعله في الجهة التي بها يتعلّق الفعل ، وهو الحدوث ، فيجب أن يكون الفاعل للحدوث مخالفا لفعله في الحدوث والعبد محدث ، فلا يكون فاعلا للفعل الحادث.

وأجاب عنه بقوله : ( والحدوث اعتباريّ ) لا تأثير للفاعل فيه ، بل إنّما يؤثّر الفاعل في الماهيّة بأن يوجدها.

ومنها : أنّ العبد لو كان موجدا لفعل نفسه ، لجاز أن يوجد جسما أيضا ؛ لأنّ المصحّح لتعلّق الإيجاد بفعل نفسه هو الإمكان وهو متحقّق في الجسم.

وأجاب المصنّف عنه بقوله : ( وامتناع الجسم لغيره ).

يعني أنّ امتناع صدور الجسم عن العبد بسبب الغير ، وهو أنّ الجسم لا يجوز

ص: 433

أن يصدر عن الجسم كما بيّنّا ، فلا يلزم من تحقّق العلّة المصحّحة - أعني الحدوث (1) - جواز صدور الجسم عن العبد ؛ لتحقّق المانع.

ومنها : أنّه لو كان قادرا على إيجاد فعله ، لكان قادرا على إيجاد مثله أيضا ؛ لأنّ حكم الأمثال واحد ، لكنّا قاطعون بأنّه يتعذّر علينا أن نفعل الآن مثل ما فعلناه سابقا بلا تفاوت وإن بذلنا الجهد في التدبير والاحتياط.

وأجاب المصنّف عنه بقوله : ( وتعذّر المماثلة في بعض الأفعال لتعذّر الإحاطة ).

يعني أنّ بعض الأفعال لا يتعذّر فيه المماثلة مثل كثير من الحركات ، وبعضها يتعذّر فيه المماثلة لكن لا بسبب عدم وقوعه بالقدرة ، بل بسبب تعذّر الإحاطة الكلّيّة بما فعل في الزمان الأوّل.

ومنها : أنّه لو كان موجدا لأفعاله ، كان بعض أفعاله خيرا من أفعاله تعالى ؛ لأنّ الإيمان فعل العبد ، وخلق المؤذيات فعل اللّه تعالى ، ولا شكّ أن الإيمان خير من المؤذيات.

فأجاب عنه بقوله : ( ولا نسبة في الخيريّة بين فعلنا وفعله ).

يعني أنّ النسبة في الخيريّة إنّما تكون بين المتّحدين نوعا ، وما ذكرتم ليس كذلك.

ومنها : أنّ الأمّة مجتمعون على صحّة الشكر لله تعالى - بل وجوبه - على نعمة الإيمان فلو كان الإيمان بإيجاد العبد ، لم يصحّ الشكر لله تعالى عليه ؛ إذ لا معنى لشكر العبد على فعل نفسه.

وأجاب المصنّف عنه بقوله : ( والشكر على مقدّمات الإيمان ).

يعني أنّ شكر العبد لله تعالى ليس على نفس الإيمان ، بل على إقداره وتمكينه وتوفيقه على تحصيل أسبابه.

( والسمع متأوّل ، ومعارض بمثله ).

ص: 434


1- في المصدر و « أ » : « الإمكان » وهو الصحيح.

يعني أنّ الدلائل السمعيّة - التي تمسّك الأشاعرة بها وجعلوها أنواعا باعتبار خصوصيّات - يكون لبعض منها دون البعض مثل (1) الورود بلفظ الخلق لكلّ شيء ، أو لعمل العبد خاصّة ، أو بلفظ « الجعل » ، أو « الفعل » ، أو بغير ذلك.

فمن الوارد بلفظ الخلق لكلّ شيء صريحا قوله تعالى : ( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) (2) تمدّحا واستحقاقا للعبادة ، فلا يصحّ الحمل على أنّه خالق لبعض الأشياء كأفعال نفسه ؛ لأنّ كلّ حيوان عند المخالفين كذلك ، بل يحمل على العموم ، وتدخل فيه أعمال العبد.

وكذلك قوله تعالى : ( قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (3) وقوله تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) (4) وبدلالة (5) الحصر قوله : ( هُوَ اللّهُ الْخالِقُ ) (6) والحصر فيه ظاهر إذا كان هو ضمير الشأن أو ضمير إبهام يفسّره اللّه.

وأمّا إذا كان الخالق صفة ، فذكر الإمام أنّه لمّا كان اللّه علما والعلم لا يدلّ إلاّ على الذات المخصوصة بمنزلة الإشارة ، لم يجز أن يكون الحكم عائدا إليه ؛ إذ لا معنى لقولنا : إنّ هذا المعيّن ليس إلاّ هذا المعيّن ، ويلزم أن يكون عائدا إلى الوصف على معنى أنّه الخالق لا غير (7).

ولعمل العبد خاصّة قوله تعالى : ( وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (8). ومن هذا القبيل قوله تعالى : ( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ

ص: 435


1- قوله : « مثل الورود » اسم لقوله : « يكون ».
2- الأنعام (6) : 102.
3- الرعد (13) : 16.
4- القمر (54) : 49.
5- عطف على قوله : « صريحا » أي بالمنطوق.
6- الحشر (59) : 24.
7- « شرح تجريد العقائد » : 346.
8- الصافّات (37) : 99.

خَلَقَ ) (1) احتجّ على علمه تعالى بما في القلوب من الدواعي والعقائد والخواطر بكونه خالقا لها على طريق ثبوت اللازم ، أعني العلم بثبوت ملزومه ، أعني الخلق ، وفي أسلوب الكلام إشارة إلى أنّ كلاّ من اللزوم وثبوت الملزوم واضح لا ينبغي أن يشكّ فيه ؛ ولهذا استدلّ بالآية على عدم كون العبد خالقا لأفعاله على طريق نفي الملزوم - أعني خلقه - بنفي اللازم ، أعني علمه بتفاصيلها.

وبلفظ الجعل قوله تعالى : ( وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا ) (2) ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ) (3) ( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (4)

وبلفظ الفعل قوله تعالى : ( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) (5) ( يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ) (6) واللّه تعالى يريد الإيمان وسائر الطاعات اتّفاقا ، فيجب أن يكون موجدها هو اللّه تعالى.

وحمل الكلام على أنّه يفعل ما يريد فعله عدول عن الظاهر.

وبغير ما ذكر قوله : ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ) (7) ( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) (8) ( كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (9) ( أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى ) (10) ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (11) ( ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ ) (12) إلى غير ذلك.

ص: 436


1- الملك (67) : 13.
2- البقرة (2) : 128.
3- إبراهيم (14) : 40.
4- مريم (19) : 6.
5- البروج (85) : 16.
6- إبراهيم (14) : 27.
7- النساء (4) : 53.
8- النحل (16) : 53.
9- المجادلة (58) : 22.
10- النجم (53) : 43.
11- يونس (10) : 22.
12- النحل (16) : 79.

ومنها : ما تواتر معناه من الأحاديث الدالّة على كون كلّ كائن بتقدير اللّه ومشيئته (1) فجميعها متأوّل ، وقد ذكر العلماء تأويلها في المطوّلات ، ولها تأويل عامّ هو أنّ الفعل يجوز أن يسند إلى ما له مدخل في الجملة ، ولا شكّ أنّ اللّه تعالى مبدأ لجميع الممكنات ، ينتهي إليه الكلّ ؛ فلهذا السبب جاز استناد أفعال العباد إليه.

وأمّا الحصر عليه تعالى - كما يدلّ عليه بعض الآيات (2) - فبحسب الادّعاء ؛ لأنّ الإقدار والتمكين وتيسير الأسباب لمّا كان منه تعالى فكأنّه هو الفاعل لا غير ، ومعارض بمثله من النصوص الدالّة على أنّ أفعال العباد بقدرتهم واختيارهم وهو أيضا أنواع :

منها : الآيات الصحيحة الصريحة في إسناد الألفاظ الموضوعة للإيجاد إلى العباد وهي : العمل ، كقوله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ) (3) ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا ) (4) ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (5) ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها ) (6).

والفعل ، كقوله تعالى : ( وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ ) (7) ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) (8).

والصنع ، كقوله تعالى : ( لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ ) (9) ( وَاللّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ ) (10).

ص: 437


1- الكافي 1 : 150 - 152 باب المشيئة والإرادة ؛ « التوحيد » : 336 - 344.
2- مرّ في ص 415.
3- فصّلت (41) : 46 ؛ الجاثية (45) : 15.
4- النجم (53) : 31.
5- كما في البقرة (2) : 277 ويونس (10) : 9 وغيرهما.
6- غافر (40) : 40.
7- البقرة (2) : 197.
8- الحجّ (22) : 7.
9- المائدة (5) : 63.
10- العنكبوت (29) : 45.

والكسب ، كقوله تعالى : ( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ) (1) ( كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) (2) ( الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) (3).

والجعل ، كقوله تعالى : ( يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ ) (4) ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ ) (5).

والخلق ، كقوله تعالى : ( فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (6) ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) (7).

والإحداث ، كقوله تعالى حكاية عن الخضر علیه السلام : ( حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ) (8).

والابتداع ، كقوله تعالى : ( وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ) (9) وأمثال ذلك كثير في القرآن.

وأجيب بأنّه لمّا ثبت بالدلائل القاطعة أنّ الكلّ بقضاء اللّه وقدره ، وجب جعل هذه الألفاظ مجازا عن السبب العادي ، أو جعل هذه الإسنادات مجازا ؛ لكون العبد سببا لهذه الأفعال ، هذا في غير لفظ الكسب ، فإنّه يصحّ على حقيقته والخلق فإنّه بمعنى التقدير.

وأمّا على رأي الإمام - وهو أنّ مجموع القدرة والداعية مؤثّر في الفعل ، وذلك

ص: 438


1- آل عمران (3) : 25.
2- الطور (52) : 21.
3- غافر (40) : 17.
4- البقرة (2) : 19.
5- الأنعام (6) : 100.
6- المؤمنون (23) : 14.
7- آل عمران (3) : 49.
8- الكهف (18) : 70.
9- الحديد (57) : 27.

المجموع بخلق اللّه من غير اختيار للعبد (1) - فلا مجاز ولا إشكال ، ولا استقلال للعبد ولا اعتدال.

ومنها : الآيات الدالّة على توبيخ الكفّار والعصاة ، وأنّه لا مانع من الإيمان والطاعة ، ولا ملجئ إلى الكفر والمعصية ، كقوله تعالى : ( وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا ) (2) ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ ) (3) و ( ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ) (4) و ( فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (5) و ( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (6) ( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ ) (7) ( لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ) (8) وأمثال ذلك كثيرة في القرآن.

ومنها : الآيات الدالّة في القرآن على أنّ فعل العبد بمشيئته ، كقوله تعالى : ( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (9) ( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ) (10) ( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) (11) ( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) (12) ( فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (13).

وأجيب بما سيأتي من أنّ فعل العبد بإرادة اللّه تعالى ، لكنّها موافقة لإرادة العبد بطريق جري العادة ، فلذلك رتّب عليها.

ص: 439


1- « المطالب العالية » 9 : 11.
2- الإسراء (17) : 94.
3- البقرة (2) : 28.
4- ص (38) : 75.
5- الانشقاق (84) : 20.
6- المدّثّر (74) : 49.
7- آل عمران (3) : 71.
8- آل عمران (3) : 99.
9- الكهف (18) : 29.
10- فصّلت (41) : 40.
11- المدّثّر (74) : 37.
12- المدّثّر (74) : 55 ؛ عبس (80) : 12.
13- المزّمّل (73) : 19 ؛ الإنسان (76) : 29.

وأمّا على رأي الإمام فالجواب ظاهر ، وهو أنّ فعل العبد بمشيئته ومشيئته بمشيئة اللّه ، كقوله تعالى : ( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ ) (1).

ومنها : الآيات الواردة في الأمر والنهي ، والمدح والذمّ ، والوعد والوعيد ، وقصص الماضين للإنذار والاعتبار.

وأجيب بما سيأتي من أنّ هذه كلّها باعتبار الكسب الصادر من العبد.

ومنها : الآيات الدالّة على إسناد الأفعال إلى العباد إسناد الفعل إلى فاعله ، وهي أكثر من أن تحصى ، ولنبدأ من قوله تعالى : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) (2) إلى قوله : ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) (3).

وقد عرفت في تحرير محلّ النزاع أنّ هذا ليس من المتنازع في شيء ، والنصوص إذا تعارضت لم تقبل شهادتها خصوصا في المسائل اليقينيّة ، ووجب الرجوع إلى غيرها من الدلائل العقليّة القطعيّة.

( والترجيح معنا ) ؛ لأنّ الشواهد القطعيّة العقليّة على وفق مدّعانا كثيرة :

منها : أنّه لو لا استقلال العبد لبطل المدح والذمّ ، والأمر والنهي ، والثواب والعقاب ، وفوائد الوعد والوعيد ، وإرسال الرسل وإنزال الكتب ، والفرق بين الكفر والإيمان ، والإساءة والإحسان ، وفعل النبيّ والشيطان ، وكلمات التسبيح والهذيان وكذا بين ما يقع باختيار العبد على وفق إرادته و [ ما يقع لا باختياره وعلى وفق ] (4) إرادة غيره مع أنّ التفرقة مدركة بالوجدان ؛ لأنّ الكلّ بخلق (5) اللّه تعالى من غير تأثير للعبد فيه.

وأجيب بأنّه إنّما يرد على المجبّرة النافين لقدرة العبد واختياره ، لا على من يجعل فعله متعلّقا بقدرته وإرادته ، واقعا بكسبه وعقيب عزمه وإن كان بخلق اللّه تعالى ،

ص: 440


1- الإنسان (76) : 30 ؛ التكوير (81) : 29.
2- البقرة (2) : 3.
3- الناس (114) : 5 - 6.
4- الزيادة أثبتناها من المصدر.
5- في هامش المصدر : « بفعل اللّه ».

على أنّ المدح والذّمّ قد يكونان باعتبار المحلّيّة دون الفاعليّة كالمدح والذّمّ بالحسن والقبح وسائر الغرائز ، وأنّ الثواب لمّا كان فعل اللّه تعالى وتصرّفا فيما هو حقّه ، لم يتوجّه سؤال لمّيّته عنه كما لا يقال : لم خلق اللّه الإحراق عقيب مسّ النار؟ وأنّ عدم افتراق الفعلين في المخلوقيّة لله تعالى لا ينافي افتراقهما بوجوه أخر.

ومنها : أنّ من أفعال العباد قبائح يقبح من الحكيم خلقها كالظلم والشرك ونحو ذلك.

ومنها : أنّ فعل العبد في وجوب الوقوع وامتناعه تابع لقصده وداعيته (1) وجودا وعدما ، وكلّ ما هو كذلك لا يكون بخلق الغير وإيجاده.

أمّا الصغرى فللقطع بأنّ من اشتدّ جوعه وعطشه ووجد الطعام والماء بلا صارف ، يأكل ويشرب البتّة ، ومن علم أنّ دخول النار محرق ولم يكن له داع إلى دخولها ، لا يدخلها البتّة.

وأمّا الكبرى فلأنّ ما يكون بإيجاد الغير لا يكون في الوجوب والامتناع تابعا لإرادة العبد ؛ لجواز أن لا يحدثه عند إرادته ، ويحدثه عند كراهته.

وأجيب بأنّ ما ذكر في بيان الصغرى لا يفيد الوجوب والامتناع ، بل الوقوع واللاوقوع ، فربّ فعل يتبع إرادة الغير كما للخدم والعبيد ، فينتقض الكبرى.

ولو سلّم الوجوب والامتناع فلم لا يجوز أن يكون بتبعيّة إرادة اللّه تعالى وقد وافقت إرادة العبد بطريق جري العادة؟

ومنها : أنّه لو كان اللّه تعالى خالقا لأفعال المخلوقين ، لصحّ اتّصافه بها ؛ إذ لا معنى للكافر إلاّ فاعل الكفر ، فيكون كافرا ظالما فاسقا آكلا شاربا قائما قاعدا إلى ما لا يحصى.

وأجيب بأنّ هذه الأسامي إنّما تطلق على من قام به الفعل لا على من أوجد الفعل ، ألا ترى أنّ كثيرا من الصفات قد أوجدها اللّه تعالى في محالّها وفاقا ،

ص: 441


1- كذا ، والأولى : « داعيه ».

ولا يتّصف بها إلاّ المحالّ.

نعم ، لزمهم صحّة هذه التسمية بناء على أصلهم الفاسد في إطلاق المتكلّم على اللّه تعالى ؛ لإيجاده الكلام في بعض الأجسام.

واعلم أنّ المعتزلة لمّا أسندوا أفعال العباد إليهم ورأوا فيها ترتّبا ، ورأوا أيضا أنّ الفعل المترتّب على آخر يصدر عنهم وإن لم يقصدوا إليه ، فلم يمكنهم لهذا إسناد الفعل المترتّب إلى تأثير قدرتهم فيه ابتداء ؛ لتوقّفه على القصد ، قالوا بالتوليد (1) ، وهو أن يوجب فعل لفاعله فعلا آخر نحو حركة اليد وحركة المفتاح ؛ فإنّ الأولى منهما أوجبت لفاعلها الثانية سواء قصدها أو لم يقصدها ، فالأفعال عندهم تنقسم إلى مباشر ومتولّد ، فالفعل الحادث ابتداء من غير توسّط فعل آخر هو المباشر كحركة اليد ، والذي حدث بسبب فعل آخر هو المولّد كحركة المفتاح بسبب حركة اليد. واختلفوا في أنّ المولّد هل هو فعل العبد كالمباشر ، أو لا؟

فذهب المعتزلة إلى أنّه من فعلنا كالمباشر (2).

وذهب الأشاعرة إلى أنّ المولّد من فعل اللّه (3).

واختار المصنّف مذهب المعتزلة ، وقال : ( وحسن المدح ) على بعض الأفعال المولّدة ( و ) كذا حسن ( الذمّ على المتولّد ) من الأفعال ( يقتضي العلم بإضافته إلينا ).

قالت الأشاعرة : المتولّد غير مقدور لنا ؛ لأنّا لا نتمكّن من تركه ، لأنّه عند سببه - أعني الفعل الذي يترتّب هو عليه - يجب ، والواجب غير مقدور. والمعتزلة قالوا : هذا الوجوب إنّما يكون باختيار السبب ( والوجوب باختيار السبب وجوب لاحق ) لا ينافي الإمكان الذاتي ، فلا يكون منافيا لكونه مقدورا.

ص: 442


1- « المغني في أبواب التوحيد والعدل » 9 : 11 وما بعدها ، ونقله عنهم في « شرح المواقف » 8 : 159 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 271 ؛ « مناهج اليقين » : 242.
2- « شرح الأصول الخمسة » : 387 - 390 ؛ « شرح المواقف » 8 : 159 - 168 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 271 - 273 ؛ « كشف المراد » : 314 ؛ « مناهج اليقين » : 242 - 243.
3- نفس المصادر السابقة.

( والذمّ في إلقاء الصبيّ عليه ، لا على الإحراق ).

جواب اعتراض ربّما يورد على دليل المعتزلة ، فيقال : إنّ حسن الذمّ والمدح لا يدلّ على إسناد المتولّد إلينا ، وذلك لأنّ حسن الذمّ للمتولّد حاصل وإن علمنا إسناده إلى غيرنا ؛ فإنّا نذمّ على إلقاء الصبيّ في النار إذا أحرق بها مع أنّا نعلم أنّ المحرق غير الملقي.

وتقرير الجواب : أنّ الذمّ للإلقاء ، لا للإحراق ؛ فإنّ الإحراق عند الإلقاء حسن ؛ لما فيه من مراعاة العادة وعدم انتقاضها.

[ في القضاء والقدر ]

( والقضاء والقدر إن أريد بهما خلق الفعل لزم المحال ، أو الإلزام صحّ في الواجب خاصّة ، أو الإعلام صحّ مطلقا ).

اشتهر بين أكثر أهل الملل أنّ الحوادث بقضاء اللّه وقدره وهذا يتناول أفعال العباد ، فإن كان المراد بالقضاء والقدر هو الخلق - قال اللّه تعالى : ( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ) (1) أي خلقهنّ. وقال اللّه تعالى : ( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها ) (2) أي خلقها - لزم المحال - أي كون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى - وهو باطل عند القدريّة.

وإن كان المراد بهما الإيجاب والإلزام - كما في قوله تعالى : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (3) ، وقوله تعالى : ( نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ) (4) - فيكون الواجبات بالقضاء والقدر دون البواقي. وهذا معنى قوله : صحّ في الواجب خاصّة.

وإن كان المراد بهما الإعلام والتبيين - كقوله تعالى : ( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي

ص: 443


1- فصّلت (41) : 12.
2- فصّلت (41) : 10.
3- الإسراء (17) : 23.
4- الواقعة (56) : 60.

الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ ) (1) الآية ، وقوله تعالى : ( إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) (2) أي أعلمناها بذلك وكتبناه في اللوح المحفوظ - فعلى هذا جميع الأفعال بالقضاء والقدر. وإليه أشار بقوله : صحّ مطلقا.

( وقد بيّنه أمير المؤمنين علیه السلام في حديث الأصبغ ).

إشارة إلى ما روى الأصبغ بن نباتة من أنّ شيخا قام إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام بعد انصرافه من صفّين فقال : أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء اللّه وقدره؟ فقال : والذي خلق [ الحبّة ] (3) وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ، ولا هبطنا واديا ، ولا علونا تلعة إلاّ بقضاء اللّه وقدره.

فقال الشيخ : أحتسب عنائي ما أرى من الأجر شيئا ، فقال علیه السلام : مه أيّها الشيخ عظّم اللّه أجركم من مسيركم وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ، ولا إليها مضطرّين.

فقال الشيخ : كيف والقضاء والقدر ساقانا؟ فقال : ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ولو كان كذلك ، لبطل الثواب والعقاب ، والوعد والوعيد ، والأمر والنهي ، ولم يأت مذمّة من اللّه لمذنب ، ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ، ولا المسيء أولى بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان ، وجنود الشيطان ، وشهود الزور وأهل العمى عن الثواب ، وهم قدريّة هذه الأمّة ومجوسها إنّ اللّه أمر تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وكلّف يسيرا ، فلم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ، ذلك ظنّ الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار.

فقال الشيخ : وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلاّ بهما؟

ص: 444


1- الإسراء (17) : 4.
2- الحجر (15) : 60 ؛ النمل (27) : 57.
3- الزيادة أضفناها من المصدر.

قال : هو الأمر من اللّه ، والحكم من ذي الحكم ، ثمّ تلا قوله : ( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (1). وظاهر أنّ هذا الحديث (2) لا يوافق شيئا من المعاني المذكورة ، فإيراده للتأييد محلّ نظر.

( والإضلال : إشارة إلى خلاف الحقّ ، وفعل الضلالة ، والإهلاك ؛ والهدى مقابل له. والأوّلان منتفيان عنه تعالى ) يعني يطلق الإضلال على معان ثلاثة :

الأوّل : الإشارة إلى خلاف الحقّ.

الثاني : فعل الضلالة.

الثالث : الإهلاك.

والهدى مقابل له ، فيطلق على مقابلات المعاني الثلاثة المذكورة : الإشارة إلى الحقّ ، وفعل الهداية ، وعدم الإهلاك. والإضلال بالمعنيين الأوّلين منتف عنه ؛ لأنّه قبيح ، واللّه تعالى منزّه عن القبائح.

وأمّا الهدى فيجوز أن يسند إليه بالمعاني الثلاثة ، فما ورد في الآيات من إسناد الإضلال إليه تعالى فهو بالمعنى الثالث ، أعني الإهلاك والتعذيب ، كقوله تعالى : ( وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (3) وقوله : ( وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) (4) وقوله تعالى : ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ) (5) وغير ذلك.

وأمّا الأشاعرة فالإضلال عندهم بمعنى خلق الكفر والضلال بناء على أنّه لا يقبح منه تعالى شيء (6).

ص: 445


1- الإسراء (17) : 23.
2- « الكافي » 1 : 155 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح 1 ؛ « التوحيد » : 380 - 382 باب القضاء والقدر ، ح 28 ؛ « غوالي اللآلئ » 4 : 108 ، ح 163.
3- الرعد (13) : 23 ؛ الزمر (39) : 23 ؛ غافر (40) : 33.
4- الأعراف (7) : 178.
5- البقرة (2) : 26.
6- « شرح المقاصد » 4 : 309 - 311.

( وتعذيب غير المكلّف قبيح ).

اختلفوا في أنّ اللّه تعالى هل يعذّب غير المكلّف ، أم لا؟ فذهب الحشويّة إلى أنّه تعالى يعذّب أطفال الكفّار (1).

وردّه المصنّف بأنّ تعذيب غير المكلّف قبيح عقلا فلا يصدر من اللّه تعالى.

واحتجّت الحشويّة بوجوه :

الأوّل : قوله تعالى حكاية عن نوح علیه السلام : ( وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً ) (2) والكافر والفاجر يعذّبهما اللّه تعالى.

والمصنّف أجاب عنه بقوله : ( وكلام نوح علیه السلام مجاز ) فإنّه سمّاه فاجرا كفّارا ؛ تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه.

الثاني : أنّ الأطفال يستخدمهم أهل الجنّة ، والخدمة عقوبة.

والمصنّف أجاب عنه بقوله : ( والخدمة ليست عقوبة للطفل ) بل يكون إصلاحا له كالفصد (3) والحجامة.

والثالث : أنّ حكم الطفل حكم أبيه ؛ لأنّه منع من الدفن والتوارث والتزويج والصلاة عليه كأبيه ، فيعذّبه اللّه تعالى كأبيه.

والمصنّف أجاب عنه بقوله : ( والتبعيّة في بعض الأحكام جائزة ) ولا يلزم منه التبعيّة في سائر الأحكام كالتعذيب.

[ في حسن التكليف ووجوبه ]

( والتكليف حسن ؛ لاشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه )

اختلفوا في أنّ التكليف حسن ، أو لا (4)؟ واختار المصنّف الأوّل ، واحتجّ عليه بأنّ

ص: 446


1- « كشف المراد » : 318.
2- نوح (71) : 27.
3- الفصد : شقّ العرق ، « لسان العرب » 3 : 336 ( فصد ).
4- « المحصّل » : 484 - 487 ؛ « مناهج اليقين » : 247 - 249 ؛ « كشف المراد » : 319 ؛ « إرشاد الطالبين » : 274.

التكليف مشتمل على مصلحة لا تحصل بدونه وهي استحقاق التعظيم ؛ فإنّ التفضّل بالتعظيم من غير الاستحقاق قبيح.

واعترض عليه بوجوه :

الأوّل : أنّ التكليف لأجل إيصال النفع بمثابة جرح الإنسان ، ثمّ تداويه ، فكما أنّ ذلك قبيح ، فكذلك التكليف.

وأجيب بأنّ الجرح مضرّة صرفة ، والتداوي لا يكون إلاّ للتخلّص من تلك المضرّة ، بخلاف التكليف ؛ فإنّ فيه منافع عظيمة ، ليس هو (1) التخلّص من المشقّة الحاصلة بسببه. وإلى ذلك أشار بقوله : ( بخلاف الجرح ، ثمّ التداوي )

الثاني : أنّ التكليف لأجل إيصال النفع بمثابة المعاوضات وهي يشترط فيها رضاء المتعاوضين ، فكذلك التكليف ينبغي أن يشترط فيه رضاء المكلّف والمكلّف ، والتكليف ، بدون رضاء المكلّف قبيح.

وأجيب بأنّ الرضى في المعاوضات لاختلاف أغراض الناس في المعاملات ، بخلاف التكليف ؛ فإنّ الثواب الحاصل بسببه لم يختلف العقلاء في اختياره ، فلم يحتج إلى رضاء المكلّف.

الثالث : أنّا لا نسلّم أنّ التكليف لأجل إيصال النفع ، لم لا يجوز أن يكون التكليف شكرا على النعمة السابقة؟

وأجيب بأنّ التكليف لو كان شكرا لخرجت النعمة ؛ بسبب وقوع المشقّة في مقابلتها عن كونها نعمة.

وإلى هذين الجوابين أشار بقوله : ( والمعاوضات ، والشكر باطل ، ولأنّ النوع محتاج إلى التعاضد المستلزم للسنّة ، النافع استعمالها للرياضة وإدامة النظر في الأمور العالية وتذكّر الإنذارات المستلزمة لإقامة العدل مع زيادة الأجر والثواب ).

ص: 447


1- أي نفع التكليف.

أراد أن يشير إلى حسن التكليف على طريقة حكماء الإسلام.

بيان ذلك : أنّ اللّه خلق الإنسان بحيث لا يستقلّ وحده بأمور معاشة ؛ لاحتياجه إلى غذاء ولباس ومسكن وسلاح ، وغير ذلك من الأمور التي كلّها صناعيّ لا يقدر عليها صانع واحد مدّة حياته ، وإنّما تيسّر بجماعة يتعاضدون ويتشاركون في تحصيلها ، بأن يعمل كلّ لصاحبه بإزاء ما يعمل له الآخر ، مثلا يزرع ذاك لهذا ، ويخبز هذا لذاك ويخيط واحد لآخر ، ويتّخذ الآخر الإبرة له ، وعلى هذا قياس سائر الأمور ، فيتمّ أمر معاشه باجتماع من بني نوعه.

ولهذا قيل : إنّ الإنسان مدنيّ بالطبع ؛ فإنّ التمدّن باصطلاحهم عبارة عن هذا الاجتماع ، وهذا الاجتماع لا ينتظم إلاّ إذا كان بينهم معاملة وعدل ؛ لأنّ كلّ واحد يشتهي ما يحتاج إليه ، ويغضب على من يزاحمه فيه ، وذلك يدعوه إلى الجور على الغير ، فيقع من ذلك الهرج والمرج ، فيختلّ أمر الاجتماع ونظامه ، وللمعاملة والعدل جزئيّات غير محصورة لا تنضبط إلاّ بوضع قوانين هي السنّة والشرع ، فلا بدّ من شارع ليسنّ السنن وذلك على الوجه الذي ينبغي.

ثمّ إنّهم لو تنازعوا في وضع السنّة لوقع الهرج ، فينبغي أن يمتاز الشارع منهم باستحقاق الطاعة لينقاد الباقون له في قبول السنّة والشرع منه ، وهذا الاستحقاق إنّما يتقرّر باختصاصه بآيات تدلّ على أنّه من عند اللّه ، وتلك هي المعجزات.

ثمّ إنّ الجمهور من الناس يستحقرون اختلال (1) الشرع إذا استولى عليهم الشوق إلى مشتهياتهم ، فيقدمون على المعصية ومخالفة الشرع ، فإذا كان للمطيع ثواب ، وللعاصي عقاب يحملهم الخوف والرجاء على الطاعة وترك المعصية ، كان انتظام الشريعة أقوى ممّا إذا لم يكن كذلك ، فوجب عليهم معرفة الشارع والمجازي.

ولا بدّ من سبب حافظ لتلك المعرقة ؛ فلذلك شرعت العبادات المذكّرة لصاحب

ص: 448


1- في المصدر : « إخلال ».

الشرع والمجازي ، وكرّرت عليهم حتّى يستحكم التذكّر بالتكرير ، فينبغي أن يكون الشارع داعيا إلى التصديق بوجود خالق عليم قدير ، وإلى الإيمان بشارع مرسل إليهم من عنده صادق ، وإلى الاعتراف بوعد ووعيد ، وثواب وعقاب أخرويّين ، وإلى القيام بعبادات يذكر فيها الخالق بنعوت جلاله ، وإلى الانقياد لسنّته التي يحتاج الناس إليها في معاملاتهم حتّى يستمرّ بذلك الدعوة إلى العدل المقيم لنظام أمور النوع.

وتلك السنّة - أعني الطريقة التي يسنّها الشارع ويدعو إليها العباد - استعمالها نافع في أمور ثلاثة :

الأوّل : رياضة القوى النفسانيّة بمنعها عن متابعة الشهوة والغضب المانعين عن توجّه النفس الناطقة إلى جناب القدس.

الثاني : إدامة النظر في الأمور العالية المقدّسة عن العوارض المادّيّة والكدورات الحسّيّة المؤدّية إلى ملاحظة الملكوت.

الثالث : تذكّر إنذارات الشارع ووعده للمحسن ووعيده للمسيء لإقامة العدل في الدنيا مع زيادة الأجر والثواب في الآخرة ، فهذا بيان حسن التكليف على رأي حكماء الإسلام.

( وواجب ؛ لزجره عن القبائح ) اختلفوا في أنّ التكليف واجب ، أم لا؟ فمنعه الأشاعرة بناء على أصلهم من عدم وجوب شيء على اللّه تعالى (1).

وأثبته المعتزلة (2). واختاره المصنّف بأنّ التكليف زاجر عن ارتكاب القبائح ؛ لأنّ الإنسان بمقتضى طبعه يميل إلى الشهوات والمستلذّات ، فإذا علم أنّها حرام انزجر عنه ، والزجر عن القبائح واجب.

ص: 449


1- « المحصّل » : 481 - 483 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 321 - 334 ؛ « شرح المواقف » 8 : 196 - 200.
2- « شرح الأصول الخمسة » : 507 - 525 ؛ « مناهج اليقين » : 249 - 250 ؛ « إرشاد الطالبين » : 273 - 274 ؛ « قواعد المرام » : 115 - 116.

( وشرائط حسنه : انتفاء المفسدة ، وتقدّمه ، وإمكان متعلّقه ، وثبوت صفة زائدة على حسنه ، وعلم المكلّف بصفات الفعل وقدر المستحقّ عليه وامتناع القبيح عليه ، وقدرة المكلّف على الفعل ، وعلمه به ، وإمكانه (1) ، وإمكان الآلة ).

يشير إلى شرائط حسن التكليف : فمنها ما يرجع إلى نفس التكليف ، ومنها ما يرجع إلى الفعل المكلّف به ، ومنها ما يرجع إلى المكلّف ، ومنها ما يرجع إلى نفس المكلّف.

وأمّا ما يرجع إلى نفس التكليف ، فأمران :

الأوّل : انتفاء المفسدة بأن لا يكون التكليف مفسدة للمكلّف ، بأن يكون موجبا للإخلال بتكليف آخر له ، وأن لا يكون مفسدة لمكلّف آخر.

الثاني : تقدّم التكليف على الفعل زمانا يتمكّن المكلّف فيه من الاستقلال به ليباشر الفعل زمان وجوب إيقاعه فيه.

وأمّا ما يرجع إلى الفعل ، فأمران أيضا :

الأوّل : إمكان وجوده ، وإليه أشار بقوله : وإمكان متعلّقه ، فإنّ التكليف بالمحال خال عن الفائدة.

الثاني : اشتمال الفعل على صفة زائدة على حسنه بأن يكون واجبا أو مندوبا إن كان التكليف بفعل.

وأمّا ما يرجع إلى المكلّف فهو أن يكون عالما بصفات الفعل ؛ لئلاّ يكلّف بارتكاب القبائح واجتناب الواجب والمندوب ، وأن يكون عالما بقدر ما يستحقّ على الفعل من الثواب ؛ لئلاّ ينقض الثواب ، فيكون جورا ، وأن يكون القبيح ممتنعا عليه ؛ لئلاّ يخلّ بالواجب ، فلا يثبت المستحقّ للثواب.

وأمّا ما يرجع إلى المكلّف فهو أن يكون قادرا على الفعل ، وأن يكون عالما به أو متمكّنا من العلم ، وأن يتمكّن من آلة الفعل إن كان ذا آلة.

ص: 450


1- في المصدر و « كشف المراد » : « أو إمكانه » بدل « وإمكانه ».

( ومتعلّقه إمّا علم - عقلي ، أو سمعيّ - وإمّا ظنّ ، وإمّا عمل ) أي ما يكلّف به قد يكون علما ، وقد يكون ظنّا ، وقد يكون عملا.

أمّا العلم ، فقد يكون عقليّا محضا نحو العلم بوجود الإله تعالى ، وبكونه قادرا عالما إلى غير ذلك من الصفات التي لا تتوقّف على السمع ، وقد يكون سمعيّا لا يستقلّ العقل بتحصيله ، ولا سبيل إلى إثباته إلاّ من طريق الشرع وخبر النبيّ صلی اللّه علیه و آله مثل العلم بأحوال المعاد.

وأمّا الظنّ فنحو كثير من الأمور ، كظنّ القبلة وغيرها.

وأمّا العمل فكالصلاة والزكاة وغيرهما.

( وهو منقطع ؛ للإجماع ، ولإيصال الثواب ) التكليف لا بدّ وأن ينقطع من المكلّف ؛ وذلك للإجماع المنعقد على انقطاعه ، ولأنّ التكليف لو لم ينقطع لم يمكن إيصال الثواب إلى المكلّف ، والتالي ظاهر الفساد.

وبيان الملازمة : أنّ التكليف يستدعي المشقّة ، والثواب يستدعي الخلوص عن المشقّة ، فالجمع بينهما محال ، فلو تحقّق التكليف دائما انتفى الثواب دائما ، فلم يمكن إيصاله إلى المستحقّ.

( وعلّة حسنه عامّة ) أي علّة حسن التكليف - وهي التعريض للثواب - عامّة بالنسبة إلى المؤمن والكافر ( وضرر الكافر من سوء اختياره ) ولمّا كان للسائل أن يقول : من شرائط حسن التكليف انتفاء المفسدة بالنسبة إلى المكلّف كما مرّ آنفا ، وتكليف الكافر مفسدة له ؛ لأنّه مشقّة له في الدنيا ، وعقوبة في الآخرة ، أجاب بقوله : ( وهو مفسدة لا من حيث التكليف بخلاف ما شرطناه ) يعني أنّ هذه المفسدة للكافر لم تحصل من التكليف ، بل إنّما حصلت من سوء اختياره ، والمفسدة التي شرطنا عدمها في حسن التكليف هي المفسدة الحاصلة من التكليف.

( والفائدة ثابتة ) جواب سؤال مقدّر.

توجيهه : أنّ تكليف الكافر لا فائدة فيه ؛ لأنّ فائدة التكليف هي الثواب

ص: 451

ولا ثواب له ، فلا فائدة في تكليفه ، فكان عبثا.

تقرير الجواب : أنّا لا نسلّم أنّ تكليف الكافر لا فائدة فيه ، بل الفائدة ثابتة وهي التعريض للثواب لا الثواب ، كما بالنسبة إلى المؤمن ؛ وأمّا الثواب ، فإنّه فائدة امتثال المكلّف للمكلّف به لا فائدة التكليف » (1).

وصل

هذا الاعتقاد أيضا من أصول المذهب الجعفري ؛ ردّا على الأشاعرة والمعتزلة ؛ فإنّ العدل الذي هو مقابل الجور من أصول الدين. وأمّا العدل الذي هو مقابل الجبر والتفويض فهو من أصول المذهب الجعفري (2) ، وصاحب المذهب من منكره بريء.

المقام الخامس :
اشارة

أنّ أفعال اللّه تعالى مترتّبة على اللطف الواجب عليه تعالى على وفق ما هو الأصلح بحال العباد الذي لا يكون له مانع.

اعلم أنّ اللطف عبارة عن التفضّل المقرّب إلى الطاعات والمبعّد عن المعاصي بحيث لا يصل إلى حدّ الإلجاء الموجب [ لبطلان الثواب المترتّب على الفعل الاختياريّ والمبعّد عن المعاصي كذلك. (3) ]

والدليل على ذلك أنّ اللطف متمّم للغرض الذي لا يصحّ أن يكون فعل الواجب خاليا عنه.

ص: 452


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 341 - 352.
2- للتعرّف على الأقوال في المسألة راجع « شرح الأصول الخمسة » : 299 - 313 ؛ « مناهج اليقين » : 229 - 235 ؛ « كشف المراد » : 302 وما بعدها ؛ « النافع ليوم الحشر » : 25 - 26 ؛ « إرشاد الطالبين » : 352 ؛ « شرح المواقف » 8 : 181 - 200 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 282 - 296.
3- الزيادة أثبتناها من « أ ».

بيانه : أنّ التكليف فعل من اللّه تعالى ، ولا بدّ له من الغرض ، والغرض منه ليس إلاّ امتثال الأمر ، - الذي هو عبارة عن الطاعة - والانتهاء عن النواهي ، الذي هو عبارة عن ترك المعاصي ، فلا بدّ من التقريب إلى الطاعات والتبعيد عن المعاصي بالبيان ؛ ليتمّ الغرض منه ، ولا يلزم القبيح.

والحاصل : أنّ ترك اللطف نقض للغرض ، وهو قبيح ، واللطف واجب ، فإن كان ممّا لا يصدر إلاّ عن اللّه وجب عليه إيجاده ؛ وإن كان ممّا يمكن صدوره عن المكلّف وجب عليه إعلامه وإيجابه عليه إن كان متعلّقه غير قابل للبيان من اللّه بلا واسطة ، وإن كان من غيرهما فلا بدّ من العلم بوجوده منه في حسن التكليف ؛ لئلاّ يلزم نقض الغرض ، القبيح ، كما مرّ.

اعلم أنّ المصلحة - التي هي عبارة عمّا فيه منفعة من غير ترتّب مفسدة مانعة ، ولا يخلو فعل اللّه تعالى عنها كما مرّ - على قسمين :

إحداهما : ما يكون بالنسبة إلى جميع الموجودات وهو نظام الكلّ.

وأخراهما : مصلحة خاصّة بكلّ موجود. وعند التعارض يقدّم الأولى.

وقد اختلف في أنّ كلاّ منهما هل يجب أن يكون على وجه هو أتمّ الوجوه الممكنة - وهو الأصلح - أم لا؟.

والأوّل محكيّ عن الجمهور القائلين بالحسن والقبح العقليّين (1). والثاني عن منكريهما (2).

والحقّ هو الأوّل ؛ لوجود الداعي - وهو ذات الواجب الفيّاض ؛ إذ الفيض الزائد فيض غير ما يقابل الناقض (3) - ورفع المانع ؛ لأنّه المفروض ، وبلزوم (4) ترجيح

ص: 453


1- « شرح الأصول الخمسة » : 507 - 525 ؛ « كشف المراد » : 343 - 344 ؛ « مناهج اليقين » : 261 - 262.
2- « المحصّل » : 481 - 483 ؛ « شرح المواقف » 8 : 197 - 198 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 329 - 334.
3- كذا في النسخ.
4- كذا ، والأصحّ : « وللزوم ».

المرجوح ، الذي هو قبيح ، فيجب عقلا إيجاد الأصلح ، فلا يلزم مجرّد الوجوب منه بمعنى اللزوم كما هو مقتضى الدليل الأوّل ، بل يلزم الوجوب عليه بمعنى استحقاق الذمّ على الترك أيضا ، كما هو مقتضى الدليل الثاني.

فإن قلت : إنّ الأصلح بحال الكفّار الابتلاء بالأمراض المزمنة ، بل عدم الخلق ، والموت قبل التكليف ، أو عدم العقل ؛ لئلاّ يستوجبوا خلود النار ، وهكذا الأصلح بحال العباد وجود الأنبياء والأوصياء دائما ؛ ليهتدوا بهم ، وعدم إبليس وأعوانه ؛ لئلاّ يضلّوا ، فلم يقعا (1).

قلت : وجود الكفّار وصحّتهم وبقاؤهم وعقلهم ونحو ذلك أصلح لهم من حيث إنّها من مقتضيات استحقاق خلود الجنّة ، واستحقاقهم خلود النار من جهة سوء اختيارهم لا يستلزم عدم كون ما ذكر أصلح في نفسه ، وهكذا قد يكون عدم الأنبياء والأوصياء ووجود أضدادهم أصلح للعباد ؛ لكونهما من أسباب الرياضات النفسانيّة والابتداءة (2) في تحصيل العلوم الدينيّة ، والفوز إلى الدرجات العالية مضافا إلى أنّ مصلحة الجزء إذا تعارضت مصلحة الكلّ تقدّم مصلحة الكلّ كما أشرنا إليه ، فلعلّ [ مصلحة ] الكلّ كانت فيما ذكر.

فإن قلت : إنّ مقدورات اللّه تعالى غير متناهية ، فكلّ ما يفرض أصلح يكون ما فوقه ممكنا إلى غير النهاية ، فيلزم عدم إمكان تأدية اللّه ما هو الواجب عليه.

قلت : عدم تناهي مقدوراته إنّما هو بحسب الإمكان الذاتيّ لا الوقوعيّ ؛ للزوم المفاسد ، فكلّ أصلح لا يكون ما فوقه ممكنا بسبب نقص القابل.

فإن قلت : وجوب الأصلح يستلزم عدم استحقاقه تعالى الشكر ؛ إذ كلّ ما يفعله فهو أصلح ، وكلّ ما هو أصلح فهو واجب عليه.

ص: 454


1- أي لم يقع الأصلح بحال الكافر ولم يقع الأصلح بحال المؤمن.
2- كذا في النسخ ، واحتمال « الأبدانية » ليس ببعيد.

وأيضا يستلزم بطلان فائدة الدعاء والسؤال ، وعدم قدرته تعالى على دفع البليّات وإنجاح الحاجات ؛ إذ كلّ ما فعله فهو الأصلح الذي يكون واجبا ، ولا يمكن تغيّر الواجب.

قلت أوّلا : إنّ الوجوب هنا ليس بمعنى الاضطرار وعدم الاختبار حتّى ينافي استحقاق الشكر ، الذي هو على الفعل الاختياريّ ، ويستلزم عدم القدرة.

وثانيا : إنّ أصل الوجود غير واجب ؛ لعدم قبح ترك المقدور وإن كان فعل الأصلح - على تقدير اختيار الفعل على الترك - واجبا ؛ لقبح ترك الأحسن على تقدير الفعل مع القدرة على الأحسن.

لا يقال : أصل الوجود أيضا مبنيّ على الأصلح ، فيكون واجبا.

لأنّا نقول : تحقّق الأصلح موقوف على تحقّق ما له الأصلح وهو قبل الوجود غير متحقّق فبعد تحقّق إرادة الإيجاد وحصول نفسه يتصوّر الأصلح.

وأمّا الدعاء والسؤال ، فهما من الأسباب المقتضية للمصلحة في الأمور المعلّقيّة (1) لا الحتميّة ، فقد يكون المسئول عنه أصلح بسبب الدعاء ، فيصير واجبا حينئذ على اللّه تعالى.

والحاصل أوّلا : أنّ أفعال اللّه مترتّبة على اللطف المقرّب إلى الطاعات ، المبعّد عن المعاصي المتمّم للغرض الذي لا يصحّ أن يكون فعل اللّه تعالى خاليا عنه.

يدلّ على ذلك أوّلا العقل ؛ لأنّ اللطف متمّم للغرض اللازم ، فهو لازم وتركه نقص وقبيح.

وثانيا : النقل ، كما قال : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (2) وقال : ( وَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) (3) وقال تعالى : ( ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ

ص: 455


1- كذا في النسخ ، ولعلّ الصحيح : « المعلّقة ».
2- هود (11) : 7 ؛ الملك (67) : 2.
3- النور (24) : 10.

حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (1).

وعن الصادق علیه السلام قال : « ما زالت الأرض إلاّ ولله - تعالى ذكره - فيها حجّة يعرف الحلال والحرام ، ويدعو إلى سبيل اللّه عزّ وجلّ ، ولا تنقطع الحجّة من الأرض إلاّ أربعين يوما قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجّة أغلقت أبواب التوبة ، ولم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة أولئك شرار خلق اللّه وهم الذين تقوم عليهم الحجّة » (2) إلى غير ذلك من الأدلّة العقليّة والنقليّة.

وثانيا : أنّ أفعال اللّه تكون على الوجه الأصلح بحال العباد إمّا بالمصلحة الخاصّة أو العامّة.

ويدلّ على ذلك أوّلا : العقل ؛ لأنّ الداعي على إيجاد الأصلح - وهو ذات المبدأ الفيّاض - موجود ، والمانع عند عدم ترتّب المفسدة مفقود ؛ ولأنّ (3) اختيار غير الأصلح وعدم ترتّب المفسدة ترجيح للمرجوح وهو قبيح يمتنع صدوره من اللّه تعالى ؛ لأنّه مورد الذّمّ ، فيكون جميع أفعاله على وفق الأصلح حتّى وجود الكفّار والشيطان وغير ذلك ؛ لكونه من مقتضيات خلود الجنّة ، فاللّه أفاض الفيض ، والكفّار اختاروا بسوء اختيارهم ما استحقّوا بسببه خلود النار مع أنّه من جهة كونه سببا لترتّب مصلحة الكلّ وحصول كمال اللّذّة لأهل الآخرة له مصلحة زائدة.

وثانيا : النقل ، كما روي أنّه قال أمير المؤمنين علیه السلام : « فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيبا للرزق ، والصيام ابتلاء لإخلاص المحسن ، والحجّ تقوية للدين ، والجهاد عزّا للإسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوامّ ، والنهي عن المنكر دعاء للسفهاء ، وصلة الأرحام منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، وإقامة الحدود إعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ،

ص: 456


1- المائدة (5) : 6.
2- « كمال الدين » 1 : 339 ، الباب 23 ، ح 24.
3- والفرق بين الدليلين أنّ الأوّل مثبت للمدّعى بلا واسطة والثاني مثبت له عن طريق إبطال مقابل المدّعى.

ومجانبة السرقة إيجابا للعفّة ، وترك الزنى تحقيقا للنسب ، وترك اللواط تكثيرا للنسل ، والشهادات استظهارا على المجاحدات ، وترك الكذب تشريفا للصدق ، والسلام أمانا من المخاوف ، والأمانة نظاما للأمّة ، والطاعة تعظيما للسلطان » (1) إلى غير ذلك من الأدلّة. وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف رحمه اللّه مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( واللطف واجب لتحصّل الغرض به ) (2).

« اللطف ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية بحيث لا يؤدّي إلى الإلجاء ، وهو واجب عند المعتزلة ، واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بأنّ اللطف به يحصل غرض المكلّف ، فيكون واجبا ، وإلاّ وجب نقض الغرض.

بيان الملازمة : أنّ المكلّف إذا علم أنّ المكلّف لا يطيع إلاّ باللطف ، فلو كلّفه من دونه ، لكان ناقضا لغرضه ، كمن دعا غيره إلى طعامه وهو يعلم أنّه لا يجيبه إلاّ أن يستعمل معه نوعا من التأدّب ، فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدّب ، كان ناقضا لغرضه (3).

( وإن كان اللطف من فعله تعالى ، وجب عليه تعالى ، وإن كان من المكلّف ، وجب عليه تعالى أن يشعره به ويوجبه ، وإن كان من غيرهما ، شرط في التكليف بالملطوف فيه العلم بالفعل. ووجوه القبح منتفية ، والكافر لا يخلو من لطف ، والإخبار بالسعادة والشقاوة ليس مفسدة ) أشار إلى الأجوبة عن اعتراضات الأشاعرة على وجوب اللطف على اللّه تعالى.

تقرير الأوّل منها : أنّ اللطف إنّما يجب إذا خلا عن جهات القبح ؛ لأنّ جهة المصلحة لا تكفي في الوجوب ما لم تنتف جهات المفسدة ، فلم لا يجوز أن يكون اللطف الذي يوجبونه مشتملا على جهة قبح لا يعلمونه ، فلا يكون واجبا؟

ص: 457


1- « نهج البلاغة » : 703 - 704 ، قصار الحكم ، الرقم 252.
2- في « كشف المراد » و « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : « ليحصل الغرض به ».
3- في « كشف المراد » و « شرح تجريد العقائد » : « فإن كان ».

وتقرير الجواب : أنّ جهات القبح معلومة لنا ؛ لأنّا مكلّفون بتركها ، وليس هنا وجه قبح.

وتقرير الثاني : أنّ الكافر إمّا أن يكلّف مع وجود اللطف أو عدمه.

والأوّل باطل ، وإلاّ لزم أن يكون الكافر مؤمنا لا كافرا ؛ لأنّ معنى اللطف ما حصل الملطوف فيه عنده.

والثاني إمّا أن يكون عدمه مع عدم القدرة عليه ، فيلزم عجز اللّه تعالى ، أو مع وجودها ، فيلزم الإخلال بالواجب.

وتقرير الجواب : أنّ اللطف ليس معناه هو ما حصل الملطوف فيه عند حصوله ، بل اللطف - كما ذكرنا آنفا - هو ما يقرّب حصول الملطوف فيه ، ويرجّح وجوده على عدمه ، ويجوز أن يتحقّق مع وجود اللطف معارض أقوى ، فيغلب عليه كسوء اختيار الكافر.

وتقرير الثالث : أنّ اللطف لو كان واجبا عليه تعالى لما صدر عنه ما ينافيه ؛ إذ الجمع بين المتنافيين محال. أمّا صدور ما ينافي اللطف عنه تعالى ، فلأنّه تعالى أخبر بأنّ بعض المكلّفين من أهل الجنّة ، وبعضهم من أهل النار ، وكلاهما مفسدة ؛ لإفضاء الأوّل إلى الاتّكال ، والثاني إلى اليأس ، فلا يأتي بالطاعات ، بل يقدم على المعاصي.

وتقرير الجواب : أنّ هذا الإخبار ليس مفسدة ؛ لجواز أن يقترن بالإخبار بالجنّة من الألطاف ما يمتنع عنده من الإقدام على المعاصي والاجتناب عن الطاعات ، والإخبار بالنار إنّما هو بالنسبة إلى جاهل كأبي لهب ، والمفسدة منتفية فيه ؛ لأنّه لا يعلم صدق إخباره تعالى حتّى يفضي إلى اليأس.

( ويقبح منه تعالى التعذيب مع منعه دون الذمّ ).

المكلّف إذا منع المكلّف من اللطف قبح منه عقابه ؛ لأنّه بمنزلة الأمر بالمعصية والإلجاء إليها ، فيقبح التعذيب عنه حينئذ ؛ لأنّه على ذلك التقدير له أن يقول : لم ما لطّفت بي كما قال اللّه تعالى : ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا

ص: 458

لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً ) (1) فإنّه أخبر بأنّه لو منعهم اللطف في بعثة الرسول ، لكان لهم هذا السؤال ، ولا يكون لهم هذا السؤال إلاّ مع قبح إهلاكهم من دون البعثة ، ولا يقبح ذمّه ؛ لأنّ الذمّ حقّ يستحقّ على القبيح ، غير مختصّ بالمكلّف بخلاف العقاب المستحقّ للمكلّف ، ولهذا لو بعث الإنسان غيره على فعل القبيح ففعله ، لم يسقط من الباعث حقّ الذمّ كما أنّ لإبليس حقّ ذمّ أهل النار وإن كان هو الباعث على المعاصي.

( ولا بدّ من المناسبة ).

يعني لا بدّ وأن يكون بين اللطف والملطوف فيه مناسبة. والمراد بالمناسبة كون اللطف بحيث يكون حصوله داعيا إلى حصول الملطوف فيه ؛ لأنّه لو لا ذلك لم يكن كونه لطفا أولى من كون غيره من الأفعال لطفا ، فيلزم الترجيح من غير مرجّح ، ولم يكن أيضا كونه لطفا في هذا الفعل أولى من كونه لطفا في غيره من الأفعال ، وهو أيضا ترجّح من غير مرجّح.

وإلى هذين أشار بقوله : ( وإلاّ ترجّح بلا مرجّح بالنسبة إلى المنتسبين ) وعنى بالمنتسبين اللطف والملطوف فيه.

( ولا يبلغ (2) الإلجاء ).

يعني ينبغي أن لا يبلغ اللطف في استدعاء الملطوف فيه حدّ الإلجاء ، وإلاّ لم يكن اللطف لطفا ؛ ضرورة اعتبار عدم الإلجاء في مفهومه ، كما ذكرنا.

( ويعلم المكلّف اللطف إجمالا أو تفصيلا ).

يعني يجب كون اللطف معلوما للمكلّف إمّا بالإجمال أو التفصيل ؛ لأنّه إذا لم يعلمه ولم يعلم الملطوف فيه ولم يعلم المناسبة بينهما ، لم يكن داعيا إلى فعل

ص: 459


1- طه (20) : 134.
2- هذا وما عطف عليه ب « أن » المقدّرة عطفا على « المناسبة » أي لا بدّ من المناسبة ، وعدم بلوغ اللطف إلى الإلجاء ، وعلم المكلّف باللطف ، وهكذا.

الملطوف فيه ؛ فإن كان العلم الإجماليّ كافيا في الدعاء إلى الفعل لم يجب التفصيل ، وإن لم يكن كافيا وجب التفصيل.

أقول : فيه نظر ؛ لأنّ اللطف إنّما يكون داعيا إلى الفعل بسبب المناسبة التي بينهما في نفس الأمر سواء كان تلك المناسبة معلومة للمكلّف ، أم لا.

( ويزيد اللطف على جهة الحسن ).

يعني لا بدّ من أن يكون اللطف مشتملا على صفة زائدة على الحسن من كونه واجبا أو مندوبا.

( ويدخله التخيير ).

يعني لا يجب أن يكون اللطف فعلا معيّنا ، بل يجوز أن يكون كلّ واحد من الفعلين قد اشتمل على جهة المصلحة المطلوبة من الآخر ، فيقوم مقامه ، ويسدّ مسدّه كالكفّارات الثلاث.

( ويشترط حسن البدلين ).

يعني يشترط في كلّ واحد من الأمرين - اللذين يكون كلّ منهما لطفا ، ويقوم مقام الآخر - كون كلّ منهما حسنا ليس فيه وجه قبح.

( وبعض الألم قبيح يصدر عنّا خاصّة ، وبعضه حسن يصدر عن اللّه تعالى وعنّا ، وحسنه إمّا لاستحقاقه ، أو لاشتماله على النفع ، أو دفع الضرر الزائدين ، أو لكونه عاديّا ، أو على وجه الدفع ، ولا بدّ في المشتمل على النفع من اللطف ).

لمّا بيّن وجوب اللطف - وهو ضربان : مصلحة في الدين ، ومصلحة في الدنيا ، والمصلحة في الدنيا إمّا مضرّة أو منفعة ، والمضرّة إمّا ألم أو مرض أو غلاء أو غيرها ، والمنفعة إمّا سعة في الرزق أو صحّة أو رخص أو غيرها - أورد مباحث هذه الأمور عقيب اللطف.

واختلف في حسن الألم وقبحه ، فذهب الأشاعرة إلى أنّ الآلام الصادرة عنه

ص: 460

تعالى حسنة سواء كانت مبتدأ بها أو بطريق المجازاة ، وسواء تعقّبها عوض ، أو لا (1).

وذهب الثنويّة إلى قبح جميع الآلام لذاتها وهي صادرة عن الظلمة (2).

واختار المصنّف أنّ بعض الآلام يصدر منّا خاصّة كالآلام الصادرة عن بعض المكلّفين بالنسبة إلى من لا جرم له ، وبعضها حسن يصدر من اللّه تعالى ومنّا ، وعلّة حسنه إمّا الاستحقاق ، أو اشتماله على نفع زائد على الألم ، أو على دفع ضرر زائد عليه ، أو كونه على مقتضى العادة كما يفعله اللّه تعالى في الحيّ إذا ألقيناه في النار ، أو كونه واقعا على وجه الدفع كما إذا وقع دفعا للصائل (3) فإنّا إذا علمنا اشتمال الألم على واحد من هذه الأمور حكمنا بحسنه قطعا ، والألم الذي يفعله اللّه تعالى ابتداء - وهو المشتمل على النفع الحاصل للمتألّم - مشروط باللطف للمتألّم أو لغيره ؛ لأنّ خلوّه عن النفع يستلزم الظلم ، وعن اللطف يستلزم العبث وهما قبيحان على اللّه تعالى.

( ويجوز في المستحقّ كونه عقابا ) أي يجوز أن يقع الألم على المستحقّ مثل الفسّاق والكفّار بطريق العقاب ، ويكون تعجيله قد اشتمل على مصلحة لبعض المكلّفين كما في الحدود.

( ولا يكفي اللطف في ألم المكلّف في الحسن ).

يعني أنّ اللطف غير كاف في ألم المكلّف لكونه حسنا ، بل لا بدّ فيه أن يقع في مقابلته عوض من حصول نفع أو دفع ضرر ؛ لأنّ الطاعة الواقعة لأجل الألم بسبب اللطف تقابل الثواب المستحقّ ، فيبقى الألم مجرّدا عن النفع ، فيكون قبيحا.

( ولا يحسن مع اشتمال اللذّة على لطفه ).

يعني أنّ الألم لا يحسن إذا كان اللّذّة مشتملة على اللطف الذي في الألم ؛ لأنّ

ص: 461


1- « شرح الأصول الخمسة » : 483 ؛ « كشف المراد » : 329 ؛ « مناهج اليقين » : 255 ؛ « إرشاد الطالبين » : 279.
2- نفس المصادر السابقة.
3- الصائل : الواثب والمهاجم.

الألم إنّما يصير في حكم المنفعة إذا لم يكن طريق لتلك المنفعة إلاّ ذلك الألم ، ولو أمكن الوصول إلى المنفعة بدون الألم ، كان الألم ضررا وهو قبيح.

( ولا يشترط في الحسن اختيار المتألّم بالفعل ) أي لا يشترط في حسن الألم الواقع ابتداء من اللّه تعالى اختيار المتألّم العوض الزائد عليه بالفعل ؛ لأنّ اعتبار الاختيار إنّما يكون في النفع الذي يتفاوت فيه اختيار المتألّمين ، فأمّا النفع البالغ إلى حدّ لا يتفاوت فيه اختيار المتألّمين ؛ لكونه زائدا ، فهو حسن وإن لم يحصل الاختيار بالفعل ، وهذا هو العوض المستحقّ عليه تعالى.

( والعوض نفع مستحقّ خال عن تعظيم وإجلال ).

أراد أن يشير إلى عوض الألم الواقع ابتداء وأحكامه ، فقال : « العوض نفع مستحقّ خال عن تعظيم وإجلال » والنفع يجوز أن يقع تفضّلا من غير سابقة استحقاق ، ويجوز أن يقع بعد استحقاق ، فقوله : « مستحقّ » يخرج النفع المتفضّل ؛ فإنّه لا يكون عوضا. وقوله : « خال عن تعظيم وإجلال » يخرج الثواب.

( ويستحقّ عليه تعالى بإنزال الآلام ، وتفويت المنافع لمصلحة الغير ، وإنزال الغموم - سواء استندت إلى علم ضروريّ أو مكتسب أو ظنّ لا ما يستند إلى فعل العبد - وأمر عباده بالمضارّ أو إباحته ، وتمكين غير العاقل ، بخلاف الإحراق عند الإلقاء في النار والقتل عند شهادة الزور ).

أراد أن يشير إلى الوجوه التي يستحقّ بها العوض على اللّه تعالى :

منها : إنزال الآلام بالعبد كالمرض وغيره ؛ فإنّه يجب على اللّه تعالى عوضه ، وإلاّ لكان ظلما ، والظلم قبيح على اللّه تعالى.

ومنها : تفويت المنافع على العبد إذا كان التفويت من اللّه تعالى لمصلحة الغير ؛ لأنّه لا فرق بين إنزال المضارّ وتفويت المنافع.

ومنها : إنزال الغموم بأن يخلق اللّه تعالى أسباب الغمّ ؛ لأنّه بمنزلة الضرر سواء كان الغمّ مستندا إلى علم ضروريّ كنزول مصيبة أو وصول ألم ، أو مستندا إلى علم

ص: 462

مكتسب ؛ لأنّه تعالى هو الباعث على النظر ، فيكون اللّه تعالى سببا للغمّ ، فكان العوض عليه ، أو كان مستندا إلى ظنّ كأن يغتمّ عند أمارة وصول مضرّة أو فوات منفعة ؛ فإنّه هو الناصب لأمارة الظنّ ، فيكون الغمّ بسببه ، فيجب عليه تعالى العوض.

قوله : « لا ما يستند إلى فعل العبد » أي الغمّ المستند إلى العبد نفسه من غير سبب من اللّه تعالى لا عوض فيه على اللّه تعالى وذلك مثل أن يبحث العبد ، فيعتقد - جهلا - بنزول ضرر أو فوات منفعة ؛ لأنّه لا عوض فيه.

ومنها : أي من الوجوه التي يستحقّ بها العوض على اللّه تعالى أمر اللّه تعالى عباده بإيلام الحيوان أو إباحته سواء كان الأمر للإيجاب كالذبح للهدي والكفّارة والنذر ، أو الندب كالضحايا ؛ فإنّ العوض يجب على اللّه تعالى ؛ لأنّ الأمر بالإيلام يستلزم الحسن ، والألم إنّما يحسن إذا اشتمل على المنافع العظيمة البالغة في حدّ العظم (1) جدّا.

ومنها : تمكين غير العاقل مثل سباع الوحش للإيلام ؛ فإنّ العوض يجب على اللّه تعالى ؛ لأنّه مكّنه وجعله مائلا إلى الإيلام مع إمكان عدم الميل ، ولم يجعل له عقلا يميّز به الألم لحسن من الألم القبيح ، فكان ذلك بمنزلة الإغراء ، فيقبح منه أن لا يوصل إليه عوضا ، وهذا بخلاف الإحراق إذا ألقينا صبيّا في النار واحترق ، أو شهد أحدنا شهادة زور ، فقتل بسببها ؛ فإنّ العوض يجب علينا لا على اللّه.

أمّا إلقاء الصبيّ في النار ، فلأنّ فعل الألم واجب في الحكمة من حيث إجراء العادة ، واللّه قد منعنا من إلقائه ونهانا عنه ، فصار الملقي كأنّه أوصل الألم إليه ، فلذا يجب على الملقي العوض دونه. وأمّا شهادة الزور ، فلأنّ الشهود أوجبوا بشهادتهم على الإمام إيصال الألم من جهة الشرع فصاروا كأنّهم فعلوا.

( والانتصاف ) أي انتصاف المظلوم من الظالم ( واجب عليه ) أي على اللّه تعالى

ص: 463


1- في المصدر : « في العظم جدّا ».

( عقلا ) لأنّه لو لم ينتصف لأدّى إلى إضاعة حقّ المظلوم ؛ لأنّه تعالى مكّن الظالم وخلّى بينه وبين الظلم مع أنّه تعالى يقدر على منعه وما مكّن المظلوم من مكافأته ، فلو لم ينتصف منه لضاع حقّ المظلوم ، والتالي باطل ؛ لأنّ تضييع حقّ المظلوم قبيح عقلا ( و ) واجب ( سمعا ) أيضا ؛ لما ورد في القرآن من أنّ اللّه تعالى يقضي بين عباده بالحقّ (1).

( فلا يجوز تمكين الظالم من الظلم دون عوض في الحال يوازي ظلمه (2) ) فإن لم يكن له عوض تفضّل اللّه عليه بالعوض المستحقّ عليه ، ودفعه إلى المظلوم ( فإن كان المظلوم من أهل الجنّة ، فرّق اللّه أعواضه على الأوقات ) على وجه لا يتبيّن له انقطاعها فلا يتألّم به ( أو تفضّل اللّه عليه ) أي على المظلوم ( بمثلها ) أي بمثل الأعواض عقيب انقطاعها ؛ لئلاّ يتألّم بانقطاعها.

( وإن كان ) المظلوم ( من أهل العقاب ، أسقط اللّه بها ) أي بتلك الأعواض ( جزءا من عقابه ) يوازي تلك الأعواض ( بحيث لا يظهر له التخفيف بأن يفرّق الناقص على الأوقات ) ولا يحصل له السرور بحصول التخفيف.

وفي بعض النسخ « بحيث يظهر له التخفيف » وهو سهو من الناسخ.

( ولا يجب دوامه ) أي دوام العوض ( لحسن الزائد بما يختار معه الألم وإن كان منقطعا ) أي لأنّ العوض إنّما يحسن ؛ لأنّه يشتمل على نفع زائد على الألم زيادة يختار معه (3) المتألّم ألمه ومثل هذا النفع الزائد لا يستدعي أن يكون دائما ؛ لجواز أن يكون بحيث يختاره المتألّم مع كونه منقطعا ، فلا يجب دوامه. وهذا مذهب أبي هاشم (4).

ص: 464


1- قال تعالى : « واللّه يقضي بالحقّ ». غافر 1. : 20.
2- في المصدر : « الظلم ».
3- في المصدر : « معها ».
4- « كشف المراد » : 336 - 337 ؛ « مناهج اليقين » : 258 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 494 - 495.

وذهب أبو عليّ الجبائي (1) إلى أنّه يجب دوام العوض ؛ لأنّه لو انقطع لوجب أن يوصل إليه عاجلا ؛ لأنّ المانع من الإيصال في الدنيا هو انقطاع الحياة (2) المانع من دوامه وقد انتفى.

وردّه المصنّف بقوله : ( ولا يجب حصوله في الدنيا ؛ لاحتمال مصلحة التأخير ) يعني لا نسلّم أنّ المانع هو الدوام مع انقطاع الحياة المانع من دوامه ، بل لا يجب حصوله في الدنيا ؛ لاحتمال أن يكون لتأخيره مصلحة غير ظاهرة ، فالمانع هو انتفاء تلك المصلحة الخفيّة.

وقال أيضا : لو انقطع العوض ، لزم دوامه وجه اللزوم : أنّه لو انقطع العوض لتألّم بانقطاعه ، فيستدعي المتألّم عوضا ، فيجب أن يوصله ، فإن لم ينقطع لزم دوامه. وإن انقطع تألّم به واستدعى عوضا آخر وهلمّ جرّا ، فثبت أنّه لو انقطع وجب دوامه ، وما يؤدّي وجوده إلى العدم يكون محالا ، فالانقطاع محال.

وردّ المصنّف ذلك أيضا بقوله : ( والألم على القطع ممنوع ، مع أنّه غير محلّ النزاع ).

يعني أنّه لا نسلّم أنّه يتألّم بسبب انقطاع العوض ؛ إذ يجوز أن ينقطع من غير أن يشعر بانقطاعه ، فلا يتألّم به. مع أنّه غير محلّ النزاع ؛ فإنّ النزاع في العوض المستحقّ على الدوام ، لا في استلزام الألم الحاصل بالانقطاع لعوض آخر وهكذا دائما.

( ولا يجب إشعار صاحبه ) أي المستحقّ للعوض ( بإيصاله عوضا ) بخلاف الثواب ؛ فإنّه يجب أن يقارن التعظيم ، ولا يحصل التعظيم إلاّ بأن يشعر بأنّه ثواب له.

( ولا تتعيّن منافع ) لأن يكون عوضا ، بل يجوز أن يوصل عوضا كلّ ما يحصل

ص: 465


1- نفس المصدر.
2- في المصدر و « أ » : « هو الدوام مع انقطاع الحياة ».

فيه نفع بخلاف الثواب ؛ فإنّه يجب أن يكون من جنس ما ألفه المكلّف من ملاذّه كالأكل والشرب واللبس والتناكح ؛ لأنّه يرغب به في تحمّل المشاقّ بخلاف العوض.

( ولا يصحّ إسقاطه ) أي لا يجوز إسقاط العوض ممّن وجب عليه العوض لا في الدنيا ولا في الآخرة سواء كان العوض عليه تعالى أو علينا. هذا مذهب أبي هاشم (1).

وذهب أبو الحسين إلى أنّه يصحّ إسقاطه إن كان علينا إذا استحلّ الظالم من المظلوم وجعله المظلوم في حلّ بخلاف العوض عليه تعالى ؛ فإنّ إسقاطه عنه عبث ؛ لعدم انتفاعه به (2).

( والعوض عليه تعالى يجب تزايده إلى حدّ الرضا عند كلّ عاقل ).

يعني أنّ العوض إذا وجب عليه تعالى ، يجب أن يكون زائدا على الألم زيادة تنتهي إلى حدّ يرضى به كلّ عاقل. ( و ) إن كان العوض ( علينا ، يجب مساواته ) للألم ؛ لأنّ الزائد على قدر ما يستحقّ عليه من الضمان يكون ظلما.

( وأجل الحيوان الوقت الذي علم اللّه تعالى بطلان حياته فيه ، والمقتول يجوز فيه الأمران لولاه ) أي لو لا القتل يجوز موته في ذلك الوقت وحياته أيضا.

وقال أبو الهذيل : يموت البتّة في ذلك الوقت (3).

وقال الأشاعرة (4) : يعيش.

وقال كثير من المعتزلة : بل يعيش البتّة إلى أمد هو أجله (5).

( ويجوز أن يكون الأجل لطفا للغير لا للمكلّف ) أي يجوز أن يكون أجل

ص: 466


1- « كشف المراد » : 338.
2- نفس المصدر.
3- « كشف المراد » : 340 ؛ « مناهج اليقين » : 260 - 261 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 314.
4- نفس المصادر.
5- نفس المصادر.

الإنسان لطفا لغيره من المكلّفين ، ولا يجوز أن يكون لطفا للمكلّف نفسه ؛ لأنّه بالأجل ينقطع التكليف من المكلّف ، وعند انقطاع التكليف لا يكون اللطف متحقّقا.

( والرزق ما صحّ الانتفاع به ، ولم يكن لأحد منعه منه ) فطعام البهيمة قبل أن تستهلكه بالمضغ والبلع لا يكون رزقا لها ؛ لأنّ للمالك منعها منه ، والحرام أيضا لا يكون رزقا ؛ لأنّ اللّه تعالى منع من الانتفاع به وما كان حلالا مباحا ، فما أتى العبد منه بنصب وتعب فالعبد هو الرازق لنفسه واللّه ليس رازقا له في ذلك الرزق. وأمّا ما أتاه منه بغير فعله ، فهو من اللّه ، والرازق له في ذلك الرزق هو اللّه تعالى.

( والسعي في تحصيله قد يجب ) عند الحاجة ( وقد يستحبّ ) إذا طلب التوسعة على نفسه وعياله ( وقد يباح ) عند قصد تكثير المال من غير ارتكاب منهيّ عنه ( وقد يحرم ) عند ارتكاب المنهيّات كالغصب والسرقة والربا.

والرزق عند الأشاعرة هو ما ساقه اللّه تعالى إلى الحيوان فانتفع به (1) ، فيدخل رزق الإنسان والدوابّ وغيرهما من المأكول وغيره - مباحا أو حراما ، مملوكا أو غير مملوك - ويخرج ما لم ينتفع به وإن كان السوق للانتفاع ؛ لأنّه يقال فيمن ملك شيئا وتمكّن الانتفاع به ولم ينتفع : إنّ ذلك لم يصر رزقا. وعلى هذا يصحّ « إنّ كلّ أحد يستوفي رزقه » و « لا يأكل أحد رزق غيره ، ولا الغير رزقه ».

وذهب بعضهم إلى أنّ الرزق هو ما تولّى به (2) الحيوان من الأغذية والأشربة لا غير (3).

( والتسعير (4) تقدير العوض الذي يباع به الشيء ) طعاما كان أو غيره ( وهو رخص وغلاء ، ولا بدّ من اعتبار العادة واتّحاد الوقت والمكان ) في الرخص

ص: 467


1- « شرح المواقف » 8 : 172 ؛ « شرح المقاصد » 4 : 318.
2- في المصدر وهامش « أ » : « يربّى به ».
3- « شرح المواقف » 8 : 172.
4- في المصدر و « كشف المراد » : « والسعر ».

والغلاء ؛ فإنّ انحطاط العوض إنّما يكون رخصا إذا كان الانحطاط عمّا جرت العادة بكونه عوضا في ذلك الوقت وذلك المكان ، وكذا ارتفاع العوض إنّما يكون غلاء إذا كان الارتفاع عمّا جرت العادة بكونه عوضا في ذلك الوقت وذلك المكان.

وقد يستندان إلى اللّه تعالى بأن يقلّل جنس المتاع [ المعيّن ويكثّر رغبة الناس فيه فيحصل الغلاء ، أو يكثر جنس ذلك المتاع ] (1) ويقلّل رغبة الناس فيه فيحصل الرخص ( وقد يستندان أيضا إلينا ) (2) كأن يحمل السلطان الناس على بيع تلك السلعة بثمن غال ظلما منه ، أو يحتكر الناس ، إلى غير ذلك من الأسباب المستندة إلينا ، فيحصل الغلاء ؛ والرخص بخلاف ذلك.

( والأصلح قد يجب على اللّه لوجود الداعي ) والقدرة (3) ( وانتفاء الصارف ).

ذهب المعتزلة إلى أنّه يجب على اللّه تعالى ما هو أصلح لعباده (4).

واستدلّوا على ذلك بأنّه يجب الفعل عند وجود الداعي والقدرة وانتفاء الصارف.

واعترض عليه بأنّ ذلك وجوب الفعل عنه ، بمعنى اللزوم عند تمام العلّة ، والمدّعى هو الوجوب عليه ، بمعنى استحقاق الذّمّ على الترك ، فأين هذا من ذلك؟

واعلم أنّ مفاسد هذا الباب أكثر من أن تعدّ وتحصى ولنذكر نبذا من ذلك :

منها : أنّ الأصلح بحال الكافر المبتلى بالأسقام والآفات أن لا يخلق ، أو يموت طفلا ، أو يسلب عنه عقله بعد البلوغ ، فلم لم يفعل اللّه ذلك بالنسبة إليه وأبقاه حتّى يفعل ما يوجب خلوده في النار؟

ومنها : أنّه يلزم منه أن يكون إماتة الأنبياء والأولياء والمرشدين ، وتبقية إبليس وذرّيّاته المضلّين إلى يوم الدين أصلح لعباده ، وكفى بهذا فظاعة.

ص: 468


1- الزيادة أضفناها من المصدر.
2- في « كشف المراد » : « ويستندان إليه تعالى وإلينا أيضا ».
3- كلمة « والقدرة » غير موجودة في المصدر وفي « أ ».
4- « شرح الأصول الخمسة » : 507 - 525 ؛ « كشف المراد » : 343 - 344 ؛ « مناهج اليقين » : 261 - 262.

ومنها : أنّه يلزم أن لا يبقى للتفضّل مجال ، ولا يكون لله تعالى خيرة في الإنعام والإفضال ، بل يكون ما يفعله تأدية للواجب كردّ وديعة ، أو دين لازم قد يستوجب على فعله شكرا ، ويكون الدعاء لدفع البلاء وكشف البأساء والضرّاء سؤالا من اللّه تعالى أن يغيّر ما هو الواجب عليه.

ومنها : أنّ مقدورات اللّه تعالى غير متناهية فأيّ قدر يضبطونه في الأصلح فالمزيد عليه ممكن ، فيلزم أن لا يمكن تأدية اللّه تعالى ما هو الواجب عليه ، وفساده أظهر من أن يخفى » (1).

وصل

هذا الاعتقاد أيضا من أصول المذهب الجعفريّ ، ومنكره كالأشاعرة من المذهب بريء.

تذنيب : [ في خلق العالم ]

فيه ما هو غريب ، وذكره عجيب ، وإلى الطباع قريب.

فقد ذكر غوّاص بحار الأخبار في كتاب « بحار الأنوار » في المجلّد الرابع عشر المسمّى بكتاب السماء والعالم أمورا متعلّقة بأفعال اللّه ونحن نذكر جملة منها من الفوائد :

[ الفائدة ] الأولى : ما يتعلّق بحدوث العالم وبدء خلقه وكيفيّته وبعض كلّيات الأمور.

قال اللّه تعالى في البقرة : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2).

ص: 469


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 352 - 357.
2- البقرة (2) : 29.

وفي الأنعام : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ) (1).

وفي الأعراف : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) (2).

وفي هود : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (3).

وفي الأنبياء : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ) (4)

وفي السجدة : ( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ* فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) (5).

وفي النازعات : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها* رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها* وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها* وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها* أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها* وَالْجِبالَ أَرْساها* مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) (6).

ص: 470


1- الأنعام (6) : 1.
2- الأعراف (7) : 54.
3- هود (11) : 7.
4- الأنبياء (21) : 30.
5- فصّلت (41) : 9 - 12.
6- النازعات (79) : 27 - 33.
بيان :

قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) امتنان على العباد بخلق ما يتوقّف عليه أمور معاشهم ومعادهم وأبدانهم وأديانهم بالاستدلال والاختبار.

وبه يستدلّ على إباحة جميع الأشياء إلاّ ما أخرجه الدليل باستعمال اللام في كلّ جزئيّ من جزئيّات الانتفاع بقرينة مقام الامتنان ؛ لعدم الدليل على التعيين ، وعدم الفائدة في الإبهام.

و ( اسْتَوى ) بمعنى استولى وملك ، و ( فَسَوَّاهُنَ ) بمعنى عدّلهنّ وخلقهنّ مصونة من العوج والفطور. والسبع لا ينافي التسع الذي أثبتوها (1) أهل الرصد ؛ إذ الثامن والتاسع مسمّيان في لسان الشرع بالكرسيّ والعرش.

والخلق في ستّة أيّام من أيّام الدنيا ، أو الآخرة يكون كلّ يوم ألف سنة كما عن ابن عبّاس (2) - مع كونه تعالى قادرا على خلقها في طرفة عين بل أقلّ ؛ فإنّ أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون - إمّا لكون الاعتبار في التدريج أكثر ، أو ليعلّم الناس عدم الاستعجال في الأمور كما عن أمير المؤمنين علیه السلام (3).

وهي إمّا محمولة على الحقيقة - بناء على أنّ الزمان حاصل من حركة الفلك الأعظم وهو ظاهر ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « إنّ اللّه خلق الخير يوم الأحد ، وما كان ليخلق الشرّ قبل الخير ، وفي يوم الأحد والاثنين خلق الأرضين ، وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء ، وخلق السماوات في يوم الأربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة » (4) - أو على المجاز بناء على أنّه لم يكن

ص: 471


1- كذا ، والأصحّ : « أثبتها ».
2- « تفسير القرآن العظيم » لابن كثير 2 : 229 ، ذيل الآية 54 من سورة الأعراف (7).
3- نقل نحوه عن سعيد بن جبير. انظر « معالم التنزيل » 2 : 481 ؛ « زاد المسير » 3 : 143 ؛ « مجمع البيان » 4 : 3. ذيل الآية 54 من سورة الأعراف (7).
4- « الكافي » 8 : 127 ، ح 117.

قبل وجود الشمس يوم حقيقي ، فالمراد مقدارها أو مقدار حركة الفلك.

والقول بأنّ الزمان المادّي له زمان مجرّد كالنفس للجسد خارج عن طور العقل.

ومثله ما حكي عن الرازيّ من أنّ المراد ستّة أحوال : ذات السماء وصفاتها ، وذات الأرض وصفاتها ، وذات ما بينهما وصفاتها (1).

ومعنى قوله : ( « وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » ) يفهم ممّا تقدّم.

ومعنى الفتق بعد الرتق الفصل بعد الوصل بجعل كلّ منهما سبعا ، أو فتق السماء بالمطر ، والأرض بالنبات كما في الخبر (2) ، أو الرتق مجاز عن العدم ، والفتق مجاز عن الوجود.

والمراد بخلق الأرض في يومين مقدارهما ، أو أنّه خلق لها أصلا مشتركا ، ثمّ خلق لها صورا صارت بها أنواعا.

ويستفاد من بعض الأخبار أنّه كان عرش اللّه على الماء فأحدث اللّه في ذلك الماء سخونة ارتفع منه زبد ودخان ، فأحدث من الزبد الأرض ، ومن الدخان السماوات (3).

والتناقض الظاهريّ - المستفاد من الآيات بدلالة بعضها على تقدّم خلق الأرض على السماء وبعضها بالعكس - مدفوع بأنّ خلق الأرض متقدّم ، ودحوها متأخّر ، كما يشهد عليه قوله تعالى : ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) (4).

وعن أبي جعفر الثاني علیه السلام أنّه قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يزل متفرّدا بوحدانيّته ، ثمّ خلق محمّدا وعليّا وفاطمة ، فمكثوا ألف دهر ، ثمّ خلق جميع

ص: 472


1- « مفاتيح الغيب » 9 : 136 ، ذيل الآية 4 من سورة السجدة (32).
2- « مجمع البيان » 7 : 82 ، ذيل الآية 30 من سورة الأنبياء (21) ؛ « تفسير علي بن إبراهيم » 2 : 69 - 70 ؛ « الكافي » 8 : 95 ، ذيل الحديث 67 ؛ « الاحتجاج » 2 : 181 - 182 ، ح 207.
3- « تفسير عليّ بن إبراهيم » 1 : 329.
4- النازعات (79) : 30.

الأشياء ، فأشهدهم خلقها ، وأجرى طاعتهم عليها » (1).

وعن الرسول أنّه احتجّ على الدهريّة ، فقال : « ما دعاكم إلى القول بأنّ الأشياء لا بدء لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟ » فقالوا : لا نحكم إلاّ بما نشاهد ، ولم نجد للأشياء محدثا (2) ، فحكمنا بأنّها لم تزل ، ولم نجد لها انقضاء وفناء ، فحكمنا بأنّها لا تزال.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « أفوجدتم لها قدما ، أم وجدتم لها بقاء أبدا؟ فإن قلتم : إنّكم وجدتم ذلك ، أثبتّم لأنفسكم أنّكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك ، ولئن قلتم هذا ، دفعتم العيان وكذّبكم العالمون الذين يشاهدونكم ».

قالوا : بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبدا ، قال : « أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « أترونهما لم يزالا ولا يزالان؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟ » فقالوا : لا ، فقال صلی اللّه علیه و آله : « فإذن ينقطع أحدهما عن الآخر ، فيسبق أحدهما ، فيكون الثاني جاريا بعده » قالوا : كذلك هو ، فقال : « قد حكمتم بحدوث ما تقدّم من ليل ونهار ولم تشاهدوهما ، فلا تنكروا لله قدرة ».

ثمّ قال صلی اللّه علیه و آله : « أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه ، أم غير متناه؟ فإن قلتم : غير متناه ، فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوّله ، وإن قلتم : إنّه متناه ، فقد كان ولا شيء منهما » قالوا : نعم ، قال لهم : « أقلتم : إنّ العالم قديم ليس بمحدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه؟ » قالوا : نعم ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « فهذا الذي نشاهده من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر ؛ لأنّه لا قوام للبعض إلاّ بما يتّصل به ألا ترون البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض ، وإلاّ لم يتسق

ص: 473


1- « الكافي » 1 : 441 باب مولد النبيّ ... ح 5.
2- كذا في النسخ ، وفي بحار الأنوار : « حدثا ». والأولى : « حدوثا ».

ولم يستحكم ، وكذلك سائر ما ترون؟ فإن كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوّته وتمامه هو القديم ، فأخبروني أن لو كان محدثا كيف يكون؟ وكيف كان إذا كان تكون صفته؟ ».

قال : فبهتوا وعلموا أنّهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلاّ وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنّه قديم ، فوجّهوا وقالوا : سننظر في أمرنا. الخبر (1).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على حدوث العالم ، مثل ما حكي عن ابن طاوس قال :

« وجدت في صحف إدريس من نسخة عتيقة : أوّل يوم خلق اللّه - جلّ جلاله - يوم الأحد.

ثمّ كان صباح يوم الاثنين ، فجمع اللّه - جلّ جلاله - البحار حول الأرض وجعلها أربعة (2) بحار : الفرات ، والنيل ، وسيحان ، وجيحان.

ثمّ كان مساء ليلة الثلاثاء ، فجاء الليل بظلمته ووحشته.

ثمّ كان صباح يوم الثلاثاء ، فخلق اللّه - جلّ جلاله - الشمس والقمر - وشرح ذلك وما بعده شرحا طويلا وقال - :

ثمّ كان مساء ليلة الأربعاء ، فخلق اللّه ألف ألف صنف من الملائكة ، منهم على خلق الغمام ، ومنهم على خلق النار متفاوتين في الخلق والأجناس.

ثمّ كان صباح يوم الأربعاء ، فخلق اللّه من الماء أصناف البهائم والطير ، وجعل لهنّ رزقا في الأرض ، وخلق النار العظام وأجناس الهوامّ.

ثمّ كان مساء ليلة الخميس ، فميّز اللّه سباع الدوابّ وسباع الطير ، ثمّ كان صباح يوم الخميس ، فخلق اللّه ثمان جنان ، وجعل باب كلّ واحدة منهنّ إلى بعض.

ص: 474


1- « بحار الأنوار » 54 : 68 ، ح 45 و 9 : 261 - 262 ، ح 1 ؛ « التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري » : 534 - 537 ذيل الآية 112 من سورة البقرة (2).
2- في هامش « ب » : « أنهار ».

ثمّ كان مساء ليلة الجمعة ، فخلق اللّه النور الزهراء (1) ، وفتح اللّه مائة باب رحمة في كلّ باب جزء من الرحمة ، وو كلّ بكلّ باب ألفا من الملائكة الرحمة ، وجعل رئيسهم كلّهم ميكائيل ، فجعل آخرها بابا لجميع الخلائق يتراحمون به بينهم.

ثمّ كان صباح يوم الجمعة ، فتح اللّه له أبواب السماء بالغيث ، وأهبّ الرياح ، وأنشأ السحاب ، وأرسل الملائكة الرحمة للأرض ، [ و ] أمر السحاب تمطر على الأرض ، وزهرت الأرض بنباتها ، وازدادت حسنا وبهجة وغشي الملائكة النور ، وسمّى اللّه يوم الجمعة لذلك يوم أزهر (2) ويوم المزيد ، وقال اللّه : قد جعلت يوم الجمعة أكرم الأيّام كلّها وأحبّها إليّ.

- ثمّ ذكر شرحا جليلا بعد ذلك ، ثمّ قال - : إنّ الأرض عرّفها اللّه - عزّ وجلّ جلاله - أنّه يخلق منها خلقا ، فمنهم من يطيعه ، ومنهم من يعصيه ، فاقشعرّت الأرض واستعطفت اللّه ، وسألته أن لا يأخذ منها من يعصيه ويدخله النار ، وأنّ جبرئيل - علیه السلام - أتاها ليأخذ منها طينة آدم علیه السلام فسألته لعزّة اللّه أن لا يأخذ منها شيئا حتّى تتضرّع إلى اللّه تعالى ، وتضرّعت ، فأمره اللّه تعالى بالانصراف عنها.

فأمر اللّه ميكائيل علیه السلام فاقشعرّت وتضرّعت وسألت ، فأمره اللّه بالانصراف عنها فأمر اللّه تعالى إسرافيل بذلك ، فاقشعرّ ، وسألت ، وتضرّعت ، فأمره اللّه تعالى بالانصراف عنها.

فأمر عزرائيل ، فاقشعرّت وتضرّعت ، فقال : قد أمرني ربّي بأمر أنا ماض له سرّك ذاك ، أم ساءك ، فقبض منها كما أمره اللّه ، ثمّ صعد بها إلى موقفه ، فقال اللّه عزّ وجلّ له : كما وليت (3) قبضها من الأرض وهو (4) كاره ، كذلك تلي قبض أرواح كلّ

ص: 475


1- كذا في النسخ ، والأولى : « ملائكة الرحمة ».
2- من باب إضافة الموصوف إلى الصفة.
3- في « ب » : « ولّيت ».
4- كذا ، والأصحّ : « هي كارهة ».

من عليها وكلّ ما قضيت عليه الموت من اليوم إلى يوم القيامة.

فلمّا غابت شمس يوم الجمعة ، خلق اللّه النعاس فغشّاه ذوات الأرض ، وجعل النوم سباتا ، وسمّى الليلة لذلك ليلة السبت ، وقال : أنا اللّه لا إله إلاّ أنا خالق كلّ شيء خلقت السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى في ستّة أيّام من شهر نيسان وهو أوّل شهر من شهور الدنيا ، وجعلت الليل والنهار ، وجعلت النهار نشورا ومعاشا ، وجعلت الليل لباسا وسكنا.

ثمّ كان صباح يوم السبت فميّز اللّه لغات الكلام يسبّح جميع الخلائق لعزّة اللّه جلّ جلاله ، فتمّ خلق اللّه ، وتمّ أمره في الليل والنهار.

ثمّ كان صباح يوم الأحد الثاني اليوم الثامن من الدنيا ، فأمر اللّه ملكا تعجن طينة آدم ، فخلط بعضها ببعض ، ثمّ خمّرها أربعين سنة ، ثمّ جعلها لازبا ، ثمّ جعلها حمأ مسنونا أربعين سنة ، ثمّ جعلها صلصالا كالفخّار أربعين سنة ، ثمّ قال للملائكة بعد عشرين ومائة مذ خمّر طينة آدم : إنّي خالق بشرا من طين فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فقالوا : نعم ، فقال : في الصحف ما هذا لفظه « فخلق اللّه آدم على صورته التي صوّرها في اللوح المحفوظ » (1).

الفائدة الثانية ما ذكر (2) في مقام ذكر نبذ من الدلائل العقليّة الدالّة على حدوث العالم من براهين إبطال التسلسل فقال :

« الأوّل : برهان التطبيق وهو أمّ البراهين ، وله تقريرات :

الأوّل : لو تسلسلت أمور مترتّبة إلى غير النهاية بأيّ وجه من وجوه الترتيب اتّفق كالترتيب الوضعيّ أو الطبعيّ أو بالعلّيّة أو بالزمان - وسواء كانت عددا ، أو زمانا ، أو كمّا قارّا ، أو معدودا ، أو حركة ، أو حوادث متعاقبة - فنفرض من حدّ معيّن منها

ص: 476


1- « سعد السعود » : 32 - 33 ، صحائف إدريس علیه السلام .
2- أي صاحب البحار.

على سبيل التصاعد مثلا سلسلة غير متناهية ، ومن الذي من فوق الأخير أيضا سلسلة أخرى ، ولا شكّ في أنّه يتحقّق هناك جملتان إحداهما جزء للأخرى ، ولا في أنّ الأوّل من إحداهما منطبق على الأوّل من الأخرى والثاني على الثاني في نفس الأمر وهكذا حتّى يستغرق التطبيق كلّ فرد فرد بحيث لا يشذّ فرد ، فإن كان في الواقع بإزاء كلّ واحد من الناقصة واحد من الزائدة ، لزم تساوي الكلّ والجزء وهو محال ، أو لا يكون ، فقد وجد في الزائدة جزء لا يكون بإزائه من الناقصة شيء ، فتتناهى الناقصة ، أوّلا ، ويلزم تناهي الزائدة أيضا ؛ لأنّ زيادتها بقدر متناه هو ما بين المبدأين وقد فرضناهما غير متناهيين ، وهذا خلف.

واعلم أنّه لا حاجة في التطبيق إلى جذب السلسلة الناقصة ، أو رفع التامّة وتحريكهما عن موضعهما حتّى تحصل نسبة المجازات (1) بين آحاد أجزاء السلسلتين ويحصل التطبيق باعتبار هذه النسبة ، بل النسب كثيرة في الواقع ، متحقّقة بين كلّ واحدة من آحاد إحدى السلسلتين مع آحاد السلسلة الأخرى بلا تعمّد (2) من العقل ؛ فإنّه للأوّل من السلسلة التامّة نسبة إلى الأوّل من الناقصة ، وهو الخامس من السلسلة الأولى بعد إسقاط أربعة من أوّلها ، وللثاني من الأولى إلى السادس من الثانية ، وللثالث من الأولى إلى السابع من الثانية تلك النسبة بعينها ، وهكذا في جميع آحاد السلسلتين على التوالي حتّى يستغرق.

وكذا الأوّل من السلسلتين موصوف بالأوّليّة ، والثاني بالثانويّة ، والثالث بالثالثيّة وهكذا.

وباعتبار كلّ من تلك النسب والمعاني تنطبق السلسلتان في الواقع كلّ جزء على نظيره على التوالي ، ولمّا كان أوّل الناقصة منطبقا على أوّل الزائدة وتاليها على تاليها وهكذا على التوالي كلّ على نظيره حتّى يستغرق الكلّ ، ولا يمكن فوات

ص: 477


1- كذا في النسخ ، والصحيح : « المحاذاة » كما في « بحار الأنوار ».
2- كذا ، والأصحّ : « تعمّل ».

جزء من البين ؛ لترتّب الجملتين واتّساقهما ، فلا بدّ أن يتحقّق في الزائدة جزء لا يوجد في الناقصة نظيره ، وإلاّ لتساوى الجزء والكلّ ، فيلزم انقطاع الناقصة ، وزيادة الزائدة بقدر متناه.

واعترض على هذا الدليل بالنقض بمراتب العدد وكلّ متناه بمعنى لا يقف كأجزاء الجسم ، ومثل اللزوم ولزوم اللزوم وهكذا ، والإمكان ونظائرهما ؛ فإنّ الدليل يجري فيها.

والجواب : أنّ غير المتناهي اللايقفي يستحيل وجود جميع أفراده بالفعل لا لاستحالة وجود غير المتناهي ، بل لأنّ الحقيقة اللايقفيّة تقتضي ذلك ؛ لأنّه لو خرج جميع أفرادها إلى الفعل ولو كانت غير متناهية - يقف ما فرضنا أنّه لا يقف ، ويقسم في أجزاء الجسم الجزء الذي لا يتجزّأ ، وفي المراتب العدديّة أن لا يتصوّر فوقه عدد آخر ، وهو خلاف البديهة ، بل مفهوم الجميع ومفهوم اللايقف متناهيان كما قرّروه في موضعه. إذا قرّر هذا فنقول : لعلّه يكون وجود جميع الأفراد خارجا وذهنا مستحيلا.

نعم ، يمكن ملاحظتها إجمالا في ضمن الوصف العنوانيّ ، فلا يجري فيه البرهان ، وإنّما يتمّ النقض لو ثبت أنّ جميع مراتب الأعداد المستحيلة الخروج إلى الفعل موجودة مفصّلا مرتّبا في الواقع.

وإن أورد النقض بتحقّقها في علمه سبحانه ، فالجواب أنّ علمه سبحانه مجهول الكيفيّة لا تمكن الإحاطة ، وأنّه مخالف بالنوع لعلومنا ، وإنّما يتمّ النقض لو ثبت تحقّق جميع شرائط البرهان في علمه تعالى وفي المعلومات باعتبار تحقّقه في هذا النحو من العلم ، وهو ممنوع.

وفي خبر سليمان المروزيّ (1) في البداء إيماء إلى هذه الشبهة لمن فهمه. وقد مرّ

ص: 478


1- « التوحيد » : 441 باب ذكر مجلس الرضا 7 مع سليمان المروزيّ ، ح 1 ؛ « عيون أخبار الرضا » 1 : 179 ، الباب 113 ، ح 1.

في المجلّد الثاني والرابع.

الثاني : لو كانت الأمور المتناهية ممكنة ، لأمكن وقوع كلّ واحد من إحدى السلسلتين بإزاء واحد من الأخرى على سبيل الاستغراق إلى آخر الدليل.

وهذا الدليل جار في غير المرتّبة أيضا لكنّه في المرتّبة المتّسقة أظهر ، ومنع الإمكان الذاتيّ مكابرة ، وكيف يتوقّف الذكيّ في أنّ القادر الذي أوجده أوّلا مرتّبا يمكنه أن يوجده مرّة أخرى مرتّبا منطبقا ، وأن يرتّب غير المرتّبة؟ وإنكاره تحكّم ، ومنعه مكابرة.

الثالث : ما قرّره المحقّق الطوسيّ رحمه اللّه (1) ، وهذّبه الفاضل الدواني ، ولا يرد عليه شيء من الإيرادات المشهورة ، ويكون الانطباق فيه انطباقا برهانيا لا مجال لتشكيك الوهم فيه ، وتقع فيه الزيادة والنقصان في الجهة التي فرض فيها عدم التناهي ، وهو أن يقال : تلك السلسلة المترتّبة علل ومعلولات بلا نهاية في جانب التصاعد مثلا ، وما خلا المعلول الأخير علل غير متناهية باعتبار ومعلومات غير متناهية باعتبار ، فالمعلول الأخير مبدأ السلسلة المعلوليّة والذي فوقه مبدأ السلسلة العلّيّة فإذا فرضنا تطبيقهما - بحيث ينطبق كلّ معلول على علّته - وجب أن تزيد سلسلة المعلوليّة على سلسلة العلّيّة بواحد من جانب التصاعد ؛ ضرورة أنّ كلّ علّة فرضت ، لها معلوليّة وهي بهذا الاعتبار داخلة في سلسلة المعلول ، والمعلول الأخير داخل في جانب المبدأ في سلسلة المعلول دون العلّة فلمّا لم تكن تلك الزائدة بعد التطبيق من جانب المبدأ ، كانت في الجانب الآخر لا محالة ؛ لامتناع كونها في الوسط ؛ لاتّساق النظام ، فيلزم الانقطاع ، وأن يوجد معلول بدون علّة سابقة عليه ، تأمّل ؛ فإنّه دقيق.

ويجري هذا الدليل في غير سلسلة العلل والمعلوليّة من الجمل المرتّبة ؛ فإنّ كلّ

ص: 479


1- « نقد المحصّل » : 209 ، وعنه في « الأسفار الأربعة » 2 : 149 - 150.

جملة فإنّ آحادها موصوفة في الواقع بالسابقيّة والمسبوقيّة بأيّ نوع كان من السبق وغيرهما (1) من النسب الواقعيّة المتضايفة.

البرهان الثاني : برهان التضايف
اشارة

وتقريره : لو تسلسلت العلل إلى غير النهاية لزم زيادة عدد المعلوليّة على عدد العلّيّة ، والتالي باطل.

بيان الملازمة : أنّ آحاد السلسلة - ما عدا المعلول الأخير - لها علّيّة ومعلوليّة ، فيتكافأ عددهما ويتساوى فيما سواه وبقيت معلوليّة المعلول الأخير زائدا ، فيزيد عدد المعلوليّات الحاصلة في السلسلة على عدد العلّيّات الواقعة فيها بواحد.

وهذا الدليل يجري في كلّ سلسلة يتحقّق فيها الإضافة في كلّ فرد منها في الواقع لا بحسب اختراع العقل. وجريانه في المقادير المتّصلة مشكل ؛ فإنّ إثبات إضافة في كلّ حدّ من الحدود المفروضة فيها في الواقع مشكل.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : كلّ جزء من أجزاء المقدار المتّصل متّصف في الواقع - لا بمجرّد الفرض - بصفات حقيقيّة يتّصف باعتبارها بالتقدّم والتأخّر بحسب الوضع وهما متضايفان حقيقيّان.

ويؤيّد ذلك أنّهم قد صرّحوا بانّ أجزاء الجسم موجودة في الواقع بوجود الكلّ ، وليست القسمة إيجادا للجزءين من كتم العدم بل تمييز وتعيين حدّ بين الجزءين الموجودين فيه.

وفيه : أنّه يلزم انتهاء أجزاء الجسم ، ويلزم الجزء الذي لا يتجزّأ.

ثمّ اعلم : أنّ هذا البرهان في التسلسل في أحد الجانبيين فقط ظاهر. وأمّا في التسلسل في الجانبين فقد يتوهّم عدم جريانه.

ودفعه أنّا إذا أخذنا معلولا معيّنا ، ثمّ تصاعدنا أو تسافلنا ، يجب أن يكون

ص: 480


1- أي السابقيّة والمسبوقيّة.

المتضايفان الواقعان في تلك السلسلة متساويين ، ويتمّ الدليل ؛ ضرورة أنّ مضايف العلّيّة الواقعة في تلك القطعة هو المعلوليّة الواقعة فيها ، لا ما يقع فيما تحت القطعة من الأفراد ، مثلا إذا كان زيد علّة لعمرو وعمرو لبكر ، فمضايف معلوليّة عمرو هو علّيّة زيد ، لا غير ، بل الاثنان منها على التوالي متضايفان يتحقّق بينهما إضافة شخصيّة لا تتحقّق في غيرهما ، فالمضايف للمعلول الأخير المأخوذ في تلك القطعة هو العلّيّة القريبة التي فوقه لا غير ، فافهم.

والاعتراضات الواردة على هذا الدليل - من اعتباريّة المتضايفين وغيرها - مدفوعة بما مهّدناه من المقدّمات بعد التأمّل ، فلا نطيل الكلام بالتعرّض لدفعها.

البرهان الثالث : ما أبداه بعض الأزكياء من المعاصرين ، وسمّاه برهان العدد والمعدود ، وهو عندي متين.

وتقريره : أنّه لو تحقّقت أمور غير متناهية - سواء كانت مجتمعة في الوجود ، أم لا ، وسواء كانت مترتّبة ، أم لا - تحقّق لها عدد ؛ لأنّ حقيقة العدد هي مجموع الوحدات ، ولا ريب في تحقّق الوحدات وتحقّق مجموعها في السلسلة فيعرض العدد للجملة لا محالة ؛ إذ لا حقيقة للعدد إلاّ مبلغ تكرار الوحدات ، فيظهر من التأمّل في المقدّمات ذلك المطلوب أيضا كما لا يخفى.

وكلّ مرتبة يمكن فرضها من مراتب الأعداد على سبيل الاستغراق الشموليّ فهي متناهية ؛ لأنّه يمكن فرض مرتبة أخرى فوقها ، وإلاّ لزم أن تقف مراتب العدد ، وهو خلاف البديهة ، بل هي محصورة بين حاصرين : أحدهما الوحدة ، والآخر تلك المرتبة المفروضة أخيرا ، فالمعدود أيضا وهو مجموع السلسلة غير المتناهية أيضا - متناهية ؛ لأنّه لا يمكن أن يعرض للمجموع - بحيث لا يشذّ منه فرد - إلاّ مرتبة واحدة من مراتب العدد من جهة واحدة ، وكلّ مرتبة يمكن فرضها فهي متناهية كما مرّ.

نعم ، لو أمكن فرض جميع المراتب اللاّيقفيّة بالعدد ، وأمكن تصوّر خروج جميع

ص: 481

المراتب اللاّيقفيّة إلى الفعل ، وأمكن عروض أكثر من مرتبة واحدة للعدد للجملة الواحدة من جهة واحدة ، أمكن عروض العدد غير المتناهي لهذه الجملة لكنّه محال ؛ لأنّه لا يمكن أخذ المجموع من الأمور اللاّيقفيّة ، ولا يتصوّر خروج الجميع إلى الفعل ولو على سبيل التعاقب ، وإلاّ لزم أن يقف وهذا خلف ، وقد التزمه النظّام في أجزاء الجسم (1) بل نقول مفهوم اللاّيقفيّة ومفهوم المجموع متنافيان كما قرّر في محلّه.

وهذا البرهان واضح المقدّمات ، يجري في المجتمعة والمتعاقبة والمترتّبة وغير المترتّبة بلا تأمّل ، وكذا جريان برهان التطبيق والتضايف ظاهر بعد الرجوع في المقدّمات الممهّدة ، والنظر الجميل في التقريرات السابقة.

وذهب المحقق الطوسيّ في التجريد إلى جريان التطبيق والتضايف (2) فيها. وقال في نقد المحصّل - بعد تضييف أدلّة المتكلّمين على إبطال التسلسل في المتعاقبة - : فهذا حاصل كلامهم في هذا الموضع. وأنا أقول : إنّ كلّ حادث موصوف بكونه سابقا على ما بعده ، ولاحقا بما قبله والاعتباران مختلفان ، فإذا اعتبرنا الحوادث الماضية المبتدأة من الآن - تارة من حيث كلّ واحد منهما سابق ، وتارة من حيث هو بعينه لاحق - كانت السوابق واللواحق المتباينتان بالاعتبار متطابقتين في الوجود ، لا نحتاج في تطابقهما إلى توهّم تطبيق ، ومع ذلك يجب كون السوابق أكثر من اللواحق في الجانب الذي وقع النزاع فيه ، فإذن اللواحق متناهية في الماضي ؛ لوجوب انقطاعها قبل انقطاع السوابق ، والسوابق زائدة عليها بمقدار متناه ، فتكون متناهية أيضا (3). انتهى.

واعترض عليه بأنّه في التطبيق لا بدّ من وجود الآحاد على نحو التعدّد والامتياز. أمّا في الخارج ، فليس. وأمّا في الذهن ، فكذلك ؛ لعجز الذهن عن ذلك ، وكذا

ص: 482


1- « شرح المقاصد » 3 : 35.
2- « تجريد العقائد » : 154.
3- « نقد المحصّل » : 209.

لا يمكن للعقل تحصيل الامتياز ، ووجود كلّ واحد في الأوقات السابقة على زمان التطبيق لا يفيد ؛ لأنّه يرجع إلى تطبيق المعدوم ؛ فإنّ الوجود ضروريّ في التطبيق.

وأيضا لا بدّ في الانطباق من وجود مجموع الآحاد ، وذلك المجموع لا يمكن وجودها ؛ لأنّ ذلك المجموع لم يكن موجودا قبل الحادث الأخير وبعده ، ولم يبق شيء منه موجودا.

والقول بوجودها في مجموع الأوقات على سبيل التدريج كالحركة القطعيّة ، يدفعه أنّ وجود الكلّ في جميع الأوقات على هذا النحو يستلزم وجود الكلّ بدون شيء من أجزائه.

وفيه بحث ؛ إذ يكفي لوجود هذا الكلّ وجود أجزائه في أجزاء زمان الكلّ. انتهى.

والتحقيق : أنّ الموجود قد يوجد في طرف الزمان وهو الدفعيّات ، وقد يوجد في نفس الزمان وهو التدريجيّات ، والأمور التدريجيّة مجموعها موجودة في مجموع زمان وجودها على سبيل الانطباق ، وليس المجموع موجودا في أبعاض الزمان ، ولا في آن من الآنات ، فإن سئل : الحركة في اليوم هل هي موجودة في آن من آنات اليوم المفروض ، أو شيء من ساعاته؟ فالجواب أنّها ليست بموجودة أصلا ، بل في مجموع اليومين ، وقد بيّن ذلك بوجه شاف في مظانّه ، وانطباق الحوادث المتعاقبة الزمانيّة بعضها على بعض من قبيل الثاني.

فالتطبيق موجود في كلّ الزمان ، ولا في آن فآن ، والانطباق حكمه حكم المنطبقين كانطباق الحركة على الزمان وانطباق الحركة على المسافة ، وهذا ظاهر.

ألا ترى أنّ الكرة المدحرجة على سطح مستو تنطبق دائرة من محيط الكرة على المسافة جزما ، وانطباقها لا يمكن أن يكون في آن ؛ لأنّه لا يمكن التماسّ بين المستدير والمستوي إلاّ بنقطة ، فظهر أنّ انطباقهما تدريجي في كلّ الزمان ، أو لا تعلم أنّ الحركة والزمان متطابقان تدريجا في كلّ زمان الحركة ، ولو لم ينطبق الزمان على

ص: 483

الحركة ، لم يكن مقدارا لها سواء كانا موجودين في الخارج ، أولا.

ويمكن الجواب أيضا على القول بعدم وجود الزمانيّات بأنّه لا شكّ أنّ الآحاد المتعاقبة في إحدى السلسلتين منطبقة في الواقع على آحاد السلسلة الأخرى التي كانتا هما معا في الوجود في أزمنة وجودهما وإن لم يكونا موجودين حال حكمنا ، ووجودهما حال الحكم غير لازم في جريان البرهان ، بل وجودهما حين الانطباق ، وليس من قبيل تطبيق المعدوم على المعدوم ، بل من قبيل الحكم بانطباق المعدوم في حال الحكم على المعدوم الموجودين معا في حال الانطباق وذلك مثل سائر الأحكام الصادقة على الأمور الماضية.

وقيل أيضا : إنّ التطبيق يتوقّف على الترتيب ، وهو يتوقّف على تحقّق أوصاف ونسب وإضافات يسلكها في سلك الترتيب ، وفي المتعاقبة لا يوجد ذلك ؛ فإنّه فيما عدا الحادث الأخير لا يوجد شيء من طرفي النسبة ، وفي الحادث الأخير لا يوجد إلاّ طرف واحد ، فلا يتحقّق النسبة أيضا ؛ ضرورة أنّها فرع المنتسبين.

فإن قلت : لعلّ الاتّصاف في الذهن كما قالوا في اتّصاف أجزاء الزمان بالتقدّم والتأخّر.

قلت : لمّا كانت الحوادث لا نهاية لها ، فلا يمكن التفصيل في الأذهان ، فالمبادئ العالية والوجود الإجماليّ غير كاف ؛ لعدم الامتياز فيه. انتهى.

والجواب أنّه يجزم العقل بأنّ حوادث زمان الطوفان في الخارج قبل حوادث زمان البعثة وقبل الحوادث اليومي بلا ريب ، ولا يتفرّع على اعتبار العقل ، كيف؟ وهم معترفون بأنّ الحادث المتقدّم علّة معدّة للحادث المتأخّر بالعلّيّة والمعلوليّة الخارجيّة ؛ فإنّ العلّة ما لم توجد في الخارج من حيث إنّها علّة ، لم يوجد المعلول في الخارج وهما متضايفان.

فظهر أنّ النسبة بالعلّيّة والمعلوليّة متحقّقة بين المعلول والعلّة المعدّة ، ووجودها السابق وعدمها علّة ، فتحقّقت النسبة بين المعدوم والموجود.

ص: 484

والحقّ أنّ طرفي النسبة لا يمكن أن يكونا معدومين بالعدم المطلق ، وإذا تحقّقا نوع تحقّق - وإن لم يجتمعا في الوجود - فإنّ العقل يجوّز تحقّق النسبة بينهما ، ولم ينقبض عنه. ومن تصوّر حقيقة وجود الأعراض التدريجيّة ، تصوّر كيفيّة النسبة بين أجزائها المتعاقبة ، وقلّ استبعاده ، وأذعن بها.

ثمّ إنّ النسبة بالتقدّم والتأخّر بين أجزاء الزمان في الواقع من غير فرعيّة ولا اعتبار العقل وتصوّره ، واتّصافها بالصفات الثبوتيّة ، والحكم بالأحكام النفس الأمريّة ، بل الخارجيّة المستلزمة لثبوت المثبت له في الواقع ممّا لا يشكّ فيه أحد ، وليس من الأحكام المتفرّعة على اعتبار العقل ، الحاصلة بعد فرضه ، وليس بحاصل بالفعل إلاّ بعد الفرض ؛ فإنّه لو كان كذلك ، لكان حكم العقل بأنّ هذا الجزء متقدّم ، وذلك متأخّر في الخارج من الأحكام الكاذبة ؛ لأنّه في الخارج ليس كذلك في الحقيقة.

ألا ترى أنّه يصحّ الحكم على الذوات غير المتناهية من الحركة والزمان بالتقدّم والتأخّر والقسمة. والانتزاع الإجماليّ غير كاف لاتّصاف كلّ جزء جزء بالتقدّم والتأخّر ، والتفصيل يعجز عنه العقل عندهم ، فكيف تكون هذه الاتّصافات بعد فرض الأجزاء كما ذهبوا إليه؟!

وقد ذهب بعض المحقّقين في جواب شكّ من قال لم اتّصف هذا الجزء من الزمان بالتأخّر وذاك بالتقدّم؟ إلى أنّ هذه الاتّصافات مستندة إلى هويّات الأجزاء وتشخّصاتها الحاصلة لها ، فكما أنّه لا يصحّ السؤال بأنّ زيدا لم صار زيدا ، وعمرا عمرا؟ لا يصحّ السؤال بأنّه لم صار أمس أمس ، واليوم اليوم؟

وذهبوا أيضا إلى أنّ اختلاف أجزاء الفلك بالقطب والمنطقة مستند إلى هويّة الأجزاء ، ليس بفرض الفارض ، بل موجود فيه حقيقة ، ولكنّ الأجزاء وهويّاتها موجودة بوجود الكلّ بوجود واحد. وكما أنّ أجزاء الجسم وتشخّصاتها موجودة بوجود الجسم بوجود قارّ ، كذلك أجزاء الزمان والحركة موجودة بوجود الكلّ

ص: 485

بوجود تدريجي بلا تفاوت.

والمناقشة في هذه ناشئة من عدم تصوّر الوجود التدريجي كما ينبغي ، فلا ينافي اتّصال الزمان والحركة إذا كانت موجودة بوجود واحد ؛ فإنّ هذا النوع من الاختلاف لا يستلزم القسمة بالفعل ، والانفصال بعد الاتّصال (1) بوجود الكلّ.

ثمّ إنّهم قاطبة صرّحوا بأنّ الصفة لا يجب تحقّقها في طرف الاقتصار (2) ، والمحكوم به لا يجب وجوده في الحكم (3) مع أنّه نسبة.

وذهبوا أيضا إلى تساوي نسبة الممكن إلى طرفي الوجود والعدم ، وإلى صحّة الاتّصاف بنحو العمى من الأمور العدميّة في الخارج إلى غير ذلك من النظائر. ولا يخفى أنّه يمكن إجراء جميع ما ذكرنا - من جريان هذا الدليل في المتعاقبة - في جريان سائر البراهين فيها ، ولا نطيل بالتعرّض لخصوص كلّ منها.

البرهان الرابع : ما أورده الشيخ الكراجكي - روّح اللّه روحه - في الكنز بعد ما أورد برهان التطبيق بوجه مختصر أنيق ، قال : دليل آخر على تناهي ما مضى ، وهو أنّه قد مضت أيّام وليال وقفنا اليوم عند آخرها فلا تخلو إمّا أن تكون الأيّام أكثر عددا من الليالي ، أو الليالي من الأيّام ، أو يكونا في العدد سواء ، فإن كانت الأيّام أكثر من الليالي ، تناهت الليالي ؛ فإنّها أقلّ منها واقتضى ذلك تناهي الأيّام أيضا ؛ لبطلان اتّصالها قبل الليالي بغير ليال بينها ، فوجب على هذا الوجه تناهيهما معا.

وإن كانت الليالي أكثر من الأيّام ، كان الحكم فيهما نظير ما قدّمناه من تناهي الأوّل ، فتناهى الأيّام ؛ لزيادة الليالي عليها ، ويقتضي ذلك تناهي الليالي أيضا ؛ لما مرّ ، فيلزم تناهيهما معا.

ص: 486


1- في المصدر : « الاتّحاد ».
2- كذا ، وفي المصدر : « في ظرف الاتّصاف » وهو الصحيح.
3- كذا ، والمراد في ظرف الحكم.

وإن كانت الأيّام والليالي في العدد سواء ، كانا بمجموعهما أكثر عددا من إحداهما بانفراده ، وهذا يشهد بتناهيهما ؛ إذ لو كان كلّ واحد منهما في نفسه غير متناه ، ما تصوّرت العقول عددا أكثر منه ، وقد علمنا أنّ الأيّام مع الليالي أكثر عددا من أحدهما ، وهذا موضح عن تناهيهما.

وبهذا الدليل نعلم أيضا تناهي جميع ما مضى من الحركات والسكنات ، ومن الاجتماعات والافتراقات ، ومن الطيور والبيض والشجر والحبّ ، وما يجري مجرى ذلك (1). انتهى.

ثمّ اعلم : أنّه يمكن إبطال ما ادّعوه - من التسلسل في الأمور المتعاقبة ، بل في غير المترتّبة أيضا - بوجوه أخرى نذكر بعضها :

الأوّل : أنّهم قالوا بالحوادث غير المتناهية التي كلّ سابق منها علّة معدّة للاّحق على سبيل الاستغراق ، وأنّ إيجاد الواجب تعالى لكلّ منها مشروط بالسابق تحقيقا للإعداد ، وتصحيحا لارتباط الحادث بالقديم ، وأنّه تعالى ليس بموجب تامّ لواحد منها.

إذا تقرّر هذا ، فنقول : لو تسلسلت المعدّات - على ما ذهبوا إليه - لا إلى نهاية لزم أن يكون وجوب كلّ واحد منها وجوبا شرطيّا ، بمعنى أنّه يجب كلّ منها بشرط وجوب سابقه ، ولا ينتهي إلى الوجوب القطعي البتّة الذي يكون تعالى [ موجبا له لذاته بدون شرط ؛ لأنّه عندهم أنّه تعالى ليس بموجب تامّ لكل واحد من المعدّات بل الحوادث مطلقا وتأثيره تعالى ] (2) في كلّ منها موقوف على تأثيره في معدّ سابق عليه لا إلى نهاية ، فوجوب كلّ منها وجوب شرطي لا يجب حتّى يجب سابقه ، والوجوب الشرطي غير كاف لتحقّق واحد منهما (3) ؛ فإنّه بمنزلة قضايا شرطيّة

ص: 487


1- « كنز الفوائد » 1 : 36.
2- الزيادة أضفناها من المصدر.
3- أي من اللاحق والسابق.

غير متناهية مقدّم كلّ لاحق ، تال لسابقه ؛ فإنّه ما لم ينته إلى وضع مقدّم ، لم ينتج شيئا ، ولو توقّف تأثير الواجب في كلّ حادث ، وإيجاده إيّاه على إيجاد حادث آخر ، ولم تجب لذاتها تلك الإيجادات ، لكان يجوز للواجب ترك إيجاد الحوادث بالكلّيّة وما لم يمتنع هذا الاحتمال في نفس الأمر لم يجب واحد منها في الواقع ؛ لأنّ وجوب كلّ حادث إنّما هو بشرط إيجاد حادث آخر وهكذا والكلام في ترك الإيجاد رأسا وما لم يمتنع جميع أنحاء ارتفاعه وعدماته في الواقع لم يجب وجوده.

وتوهّم بعضهم أنّه لا يمكن ارتفاع جميع الحوادث ؛ لاستلزامه ارتفاع الطبيعة القديمة المستندة بلا شرط إلى الواجب تعالى شأنه.

وهو مردود بأنّه لا يعلم استناد الطبيعة بلا شرط إلى الواجب جل شأنه ؛ لأنّ الطبيعة عندهم إذا كانت ذاتيّة لما تحتها فإنّما هي مجعولة بجعل ما هي ذاتيّة له جعلا واحدا ، ولا يمكن تعلّق جعل على حدة بالطبيعة الكلّيّة قطعا ، وجعل كلّ فرد الطبيعة عندهم إنّما هو بشرط سبق معدّ.

نعم ، لو تحقّق تأثير منفرد في الطبيعة وراء التأثير في الأفراد ، لوجب أن يكون التأثير من الواجب فيها إمّا ابتداء أو بواسطة قديمة ، وتأثير الواجب في القديم بلا واسطة وشرط ، أو بواسطة قديمة إنّما هو منشأ استحالة انعدام القديم عندهم.

فظهر أنّ سلسلة الحوادث يجب أن تنتهي إلى حادث يجب وجوده عن الواجب بلا شرط معدّ ، فتنقطع سلسلة الحوادث بأنّه لا يجوز تقدّم شرط ومعدّ من الحوادث عليه.

وكذا يمكن إجراء كثير من براهين إثبات الواجب - التي لا تتوقّف على إبطال الدور والتسلسل - هنا بأدنى تصرّف ، ولا يخفى على الفطن اللبيب ؛ فإنّ تأثير الواجب تعالى عندهم في كلّ حادث يتوقّف على معدّ ، ووجود الواجب مع عدم المعدّ في حكم قوّة فرض عدمه تعالى - والعياذ باللّه - في عدم التأثير ، والعلّة التامّة

ص: 488

عندهم هو الواجب مع المعدّ ، ومجموع المركّب من الواجب والممكن ممكن ، فالعلل التامّة لجميع الحوادث غير المتناهية ممكنات ، فكما لا ينفع التزام التسلسل في مسألة إثبات الواجب ، لا ينفع التزامه هنا أيضا ؛ إذ الأدلّة الدالّة على إثبات الواجب بدون التمسّك بإبطال التسلسل تجري هنا بأدنى التفات.

الثاني : أن نقول : على تقدير تسلسل الحوادث على سبيل التعاقب يلزم أن يتقدّم على كلّ حادث من الحوادث على سبيل الاستغراق عدم أزليّ لحادث حادث ، فالحادث الأوّل والثاني يجتمعان في العدم ؛ إذ يوجد في الواقع مرتبة من المراتب كانا معدومين فيها ، واجتمع معهما عدم الحادث الثالث ؛ ضرورة أنّ عدم كلّ حادث أزلي ، وأنّ عدم الحادث المتأخّر وإن كان أطول امتدادا من [ عدم ] الحادث المتقدّم إلاّ أنّ الكلّ متحقّق في ظرف الزمان ؛ إذ طبيعة الزمان أزليّة عندهم ، والأعدام كلّها أزليّة ، فلا بدّ من اجتماعها قطعا في زمان ما.

ويجتمع مع هذه الأعدام الثلاثة عدم الحادث الرابع ، وكذا على ترتيب الآحاد على التوالي فإمّا أن يستغرق هذا الاجتماع أعدام جميع الآحاد ، فيكون جميع الحوادث معدوما في مرتبة ما من المراتب الواقعيّة ، فتأخّر تلك الحوادث عن تلك المرتبة الواقعيّة ، ويكون الجميع معدوما في تلك المرتبة ، فيكون لها مبدأ وانقطاع وهو المطلوب. وإن لم يستغرق فينتهي إلى حادث معيّن لا يجتمع عدمه مع عدم ما قبله من الحوادث ، إمّا لأنّ هذا الحادث لا يسبقه عدمه ، فيكون قديما بالشخص ، وإمّا لأنّ الحادث الذي قبله لا يسبقه عدم أزليّ ، فيكون ذلك قديما ؛ ضرورة أنّه لو تقدّمهما عدم أزليّ ، يجب اجتماعهما مع ما تأخّر عنهما ، فتنقطع سلسلة الحوادث على أيّ تقدير.

لا يقال : كلّ جملة متناهية يجتمع في العدم ويتحقّق عدم سابق على الجميع ، وأمّا جملة الحوادث غير المتناهية ، فلا.

لأنّا نقول : قد بيّنّا أنّ هذا الحكم مستغرق لجميع الآحاد على التوالي ، وقد مرّ في

ص: 489

المقدّمات الممهّدة أنّ أمثال هذه الأحكام على كلّ فرد تسري إلى الجملة ، فلا مجال لهذا التوهّم.

ولك أن تقول : هاهنا سلسلتان : إحداهما سلسلة وجودات الحوادث ، والأخرى سلسلة عدماتها ، فإذا أخذنا مجموع الوجودات بحيث لا يشذّ عنها فرد - وكذا العدمات - فلا شكّ أنّ جملة العدمات - بحيث لا يشذّ فرد - متقدّمة على جملة الوجودات ؛ لتقدّم كلّ فرد منها على نظيره وعديله ، ومثل هذا الحكم يسري من الآحاد إلى الجملة ، ولأنّ جملة العدمات لمّا كان كلّ فرد منها أزليّا ، فالجملة أزليّة ، وجملة الحوادث حادثة ، وتقدّم الأزليّ على الحوادث ضروريّ ، ولا شبهة في إمكان أخذ المجموع بحيث لا يشذّ [ ؛ فإنّه ليس من قبيل الجملة اللاّيقفيّة التي لا يمكن فيها أخذ المجموع بحيث لا يشذّ ] (1) وقد أخذوا جملة الممكنات في دليل إثبات الواجب ، فيكون ممكنا ، فلا يكون في تلك المرتبة شيء من الحوادث وهو الانقطاع.

ولنا أيضا أن نقول : يتقدّم على كلّ حادث عدم أزليّ وهو عدم لهذا الحادث ، وينعدم معه جميع ما بعده من الحوادث التي هو معدّ لها ، وصدق (2) هذا العدم يستوعب جميع آحاد سلسلة الحوادث ، وحكم الآحاد يسري إلى الجملة ، فيلزم عدم مجموع الحوادث رأسا وانقطاعها.

أو نقول : مجموع الحوادث واحد شخصيّ ؛ لأنّ كلّ جزء منه واحد شخصيّ ، وحادث أيضا ؛ لأنّ جميع أجزائه حادث ، فيلزم الانقطاع.

ونقول أيضا : السلسلة المذكورة معدّات عندهم ، والمعدّ يعتبر وجوده وعدمه في المعدود (3) المتأخّر ، وكلاهما سابق عليه ، فنأخذ سلسلة العدمات اللاحقة السابقة

ص: 490


1- الزيادة أضفناها من المصدر.
2- في المصدر : « سبق ».
3- في المصدر : « المعلول ».

على وجود المعلولات ، ونقول : إمّا أن يستغرق سبق كلّ فرد من العدمات لكلّ فرد من وجودات الحوادث ، النظير على النظير ، فيلزم تقدّم جملة سلسلة العدمات - إذا أخذنا بحيث لا يشذّ منها شيء - على سلسلة وجودات الحوادث ، وهو يستلزم الانقطاع وتقدّم عدم اللاحق على الموجود ، وهذا خلف ، وإن لم يستغرق فينتهي إلى فرد لا يسبقه عدم المعدّ ، فتنقطع سلسلة المعدّات.

وعلى هذه التقريرات لا يتوجّه ما قيل : أنّ الأزل ليس وقتا محدودا يجتمع فيه العدمات وغيرها ، بل مرجعه إلى أنّ قبل كلّ حادث حادث إلى غير النهاية ، وهكذا عدم الحوادث ، ولا محذور فيه ؛ لأنّ اجتماع العدم الأزليّ غير المتناهي في الماضي في زمان - مع عدم تناهي الزمان عندهم مع مثله بالغا ما بلغ سواء كانت الأعدام متناهية ، أم لا - بديهيّ ، ولا يلزمنا تعيين زمان معيّن للأزل.

وكذا ما قيل : وإن تحقّق في الأزل عدم الحوادث ، لكنّه عدم كلّ حادث مقرون بوجود حادث تقدّم على ذلك الحادث أبدا ، فلا يتحقّق وقت ينتفي فيه جميع الموجودات ، ويبقى صرف العدم.

وهذا - مع أنّه مدفوع بما قرّرنا - لو تمّ فهو فساد آخر نشأ من عدم تناهي الحوادث ؛ إذ جميع المفاسد التي ذكرنا إنّما نشأت من الحوادث إلى غير النهاية.

يمكن أن يقال أيضا : إنّ الحادث اليوميّ مسبوق بعدم معدّه ، وبعدم معدّ معدّه وهكذا إلى غير النهاية ، وعدم المعدّ البعيد بواسطة أطول امتدادا من عدم المعدّ القريب ، والمعدّ البعيد بواسطتين أطول منهما ، والمعدّ الأبعد بثلاث وسائط أطول من الثلاثة ، وكلّما تمتدّ سلسلة المعدّات تزايد امتداد الأعدام اللاحقة للمعدّات ، فلو ذهبت السلسلة إلى غير النهاية ، لزم أن يمتدّ العدم اللاحق لا إلى نهاية مع أنّه عدم لاحق مسبوق بوجود المعدّ ، واستحالته ظاهرة.

وهذا برهان لطيف قويّ لا يرد عليه ما يرد على برهان السلّم ؛ لأنّ جميع الأعلام

ص: 491

غير المتناهية جزء للعلّة التامّة للحادث اليومي ، متحقّقة في الواقع ، مجتمعة ، ووجودات المعدّات متحقّقة في الواقع ، متمايزة بخلاف برهان السلّم ؛ لأنّ ازدياد الانفراج هنا على سبيل اللاّيقف ، وموقوف على فرض النقاط في الساقين.

الثالث : قال بعض المحقّقين : إنّ الأمور غير المتناهية مطلقا تستلزم الأمور غير المتناهية المترتّبة ، ويلزم منه تناهي النفوس وحدوثها على بعض الوجوه كما سلف.

بيانه : أنّ المجموع متوقّف على المجموع إذا أسقط منه واحد ، وذلك المجموع على مجموع أقلّ منه بواحد ، وهكذا إلى غير النهاية ، فيجري التطبيق والتضايف بين المجموعات غير المتناهية ؛ إذ هي أمور موجودة مترتّبة » (1).

الفائدة الثالثة : فيما يتعلّق بأحوال العالم العلوي كاللوح والقلم والعرش والكرسيّ والأفلاك من السماء وما فيها من الآيات والأخبار على وجه الاختصار.

وفيها فصول :

الفصل الأوّل : فيما يتعلّق باللوح والقلم

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن سفيان الثوري ، قال : سألت جعفر بن محمّد علیهماالسلام عن ( ن ) فقال علیه السلام : « هو نهر في الجنّة ، قال اللّه : أجمد ، فجمد فصار مدادا ، ثمّ قال - عزّ وجلّ - للقلم : اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فالمداد مداد من نور والقلم قلم من نور ، واللوح لوح من نور ».

قال سفيان : فقلت له : يا ابن رسول اللّه! بيّن لي أمر اللوح والقلم والمداد فضل

ص: 492


1- « بحار الأنوار » 4 : 262 - 277 ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.

بيان ، وعلّمني ممّا علّمك اللّه ، فقال : « يا بن سعيد لو لا أنّك أهل للجواب ما أجبتك ، فنون : ملك يؤدّي إلى القلم وهو ملك والقلم يؤدّي إلى اللوح وهو ملك ، واللوح يؤدّي إلى إسرافيل ، وإسرافيل يؤدّي إلى ميكائيل ، وميكائيل يؤدّي إلى جبرئيل ، وجبرئيل يؤدّي إلى الأنبياء والرسل » قال : ثمّ قال علیه السلام : « قم يا سفيان فلا آمن عليك » (1).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام ما يقرب ذلك إلاّ أنّ فيه كون القلم من الشجر التي غرسها اللّه تعالى في الجنّة ، فقال لها : كوني قلما » (2).

ومنها ما روي عن إبراهيم الكرخيّ ، قال : سألت جعفر بن محمّد علیه السلام عن اللوح والقلم ، فقال : « هما ملكان » (3).

ومنها ما سأل ابن سلام النبيّ علیه السلام عن ( ن ، وَالْقَلَمِ ) قال : « النون : اللوح المحفوظ ، والقلم نور ساطع وذلك قوله تعالى : ( ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ) (4) ».

قال : صدقت يا محمّد! فأخبرني ما طوله؟ وما عرضه؟ وما مداده؟ وأين مجراه؟ قال : « طول القلم خمسمائة سنة ، وعرضه مسيرة ثمانين سنة ، له ثمانون سنّا ، يخرج المداد من بين أسنانه يجري في اللوح المحفوظ بأمر اللّه وسلطانه ».

قال : صدقت يا محمّد! فأخبرني عن اللوح المحفوظ ممّا هو؟ قال : « من زمرّدة خضراء أجوافه اللؤلؤ ، وبطانته الرحمة ».

قال : صدقت يا محمّد! ، قال فأخبرني كم لحظة لربّ العالمين في اللوح المحفوظ في كلّ يوم وليلة؟ قال : ثلاثمائة وستّون لحظة » (5).

ومنها ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ أمر القلم فجرى

ص: 493


1- « معاني الأخبار » : 22 - 23 باب معاني الحروف المقطّعة ... ح 1. وعنه في « بحار الأنوار » 54 : 368 ، ح 5.
2- « علل الشرائع » 2 : 402 ، الباب 14 ، ح 2.
3- « معاني الأخبار » : 30 باب معنى اللوح والقلم ، ح 1 ، وعنه في « بحار الأنوار » 54 : 369 ، ح 6.
4- القلم (68) : 1.
5- « الاختصاص » : 49 ، وعنه في « بحار الأنوار » 9 : 342 ، ح 20.

على اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة قبل خلق آدم بألفي عام ، وأنّ كتب اللّه كلّها فيما جرى فيه القلم ، منها هذه الكتب المشهورة في هذا العالم التوراة والإنجيل والزبور والقرآن أنزلها اللّه من اللوح المحفوظ على رسله صلوات اللّه عليهم أجمعين » (1). الخبر.

ما ورد في بعض الأخبار - أنّ اللوح والقلم ملكان (2) - لا ينافي ظاهره كما لا يخفى.

ويظهر من الأخبار أنّ لله لوحين : اللوح المحفوظ وهو لا يتغيّر ولا يتبدّل ، ولوح المحو والإثبات ، وفيه يكون البداء (3).

وقال الصدوق - رحمه اللّه - اعتقادنا في اللوح والقلم أنّهما ملكان (4).

الفصل الثاني : في العرش والكرسيّ

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سئل أمير المؤمنين عن قول اللّه : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (5) فقال : « إنّ السماوات والأرض وما فيهما من خلق مخلوق في جوف الكرسيّ ، وله أربعة أملاك يحملونه بإذن اللّه » (6).

ومنها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « إنّ اللّه لمّا خلق العرش خلق له ثلاثمائة وستّين ألف ركن ، وخلق عند كلّ ركن ثلاثمائة ألف وستّين ألف ملك لو أذن اللّه تعالى لأصغرهم ، فالتقم السماوات السبع والأرضين السبع ، ما كان ذلك

ص: 494


1- « علل الشرائع » 1 : 19 ، الباب 17 ، ح 2 ، وعنه في « بحار الأنوار » 11 : 223 ، ح 2.
2- « معاني الأخبار » : 30 باب معنى اللوح والقلم.
3- « الكافي » 1 : 146 - 149 باب البداء ؛ « التوحيد » : 331 - 336 باب البداء.
4- « اعتقاد الإماميّة » ضمن « تصحيح الاعتقاد » : 203 - 204.
5- البقرة (2) : 255.
6- « تفسير العيّاشي » 1 : 157 ، ح 459 ، وعنه في « بحار الأنوار » 55 : 33 ، ح 52.

بين لهواته إلاّ كالرملة في المفازة الفضفاضة ، وقال لهم اللّه : يا عبادي! احملوا عرشي هذا ، فتعاطوه فلم يطيقوا حمله ولا تحريكه ، فخلق اللّه بعدد كلّ واحد منهم واحدا فلم يقدروا أن يزعزعوه ، فخلق اللّه مع كلّ واحد عشره فلم يقدروا أن يحرّكوه ، فخلق اللّه بعدد كلّ واحد منهم مثل جماعتهم فلم يقدروا أن يحرّكوه ، فقال اللّه - عزّ وجلّ - لجميعهم : خلّوه عليّ أمسكه بقدرتي ، فخلّوه فأمسكه اللّه عزّ وجلّ بقدرته.

ثمّ قال لثمانية منهم : احملوا أنتم ، فقالوا : يا ربّنا! لم نطقه نحن وهذا الخلق الكثير والجمّ الغفير ، فكيف نطيقه الآن دونهم؟! فقال اللّه عزّ وجلّ : لأنّي أنا اللّه - المقرّب للبعيد ، والمخفّف للشديد والمستهلّ للعسير - أفعل ما أشاء وأحكم ما أريد ، أعلّمكم كلمات تقولونها يخفّف بها عليكم.

قالوا : وما هي؟ قال : تقولون : بسم اللّه الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيّبين ، فقالوها فحملوه ، وخفّف على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد قويّ.

فقال اللّه عزّ وجلّ لسائر تلك الأفلاك : خلّوا على هذه الثمانية عرشي ليحملوه ، وطوفوا أنتم حوله ، وسبّحوني ومجّدوني وقدّسوني ، فأنا اللّه القادر على ما رأيتم وعلى كلّ شيء قدير » (1).

ومنها : ما روي عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه علیهم السلام أنّه قال : « في العرش تمثال جميع ما خلق اللّه في البرّ والبحر » قال : « وهذا تأويل قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ ) (2) وإنّ بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان (3) الطير المسرع مسيرة ألف عام ، والعرش يكسى كلّ يوم سبعون ألف لون من النور

ص: 495


1- « التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ » : 146 - 148.
2- الحجر (15) : 21.
3- أي حركة الطير.

لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق اللّه ، والأشياء كلّها في العرش كحلقة في فلاة ، وإنّ لله تعالى ملكا يقال له : خرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام ، فخطر له خاطر : هل فوق العرش شيء؟ فزاده اللّه تعالى مثلها أجنحة أخرى ، فكان له ستّة وثلاثون ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام ، ثمّ أوحى اللّه إليه : أيّها الملك! أن طر ، فطار مقدار عشرين ألف عام لم ينل رأس قائمة من قوائم العرش ، ثمّ ضاعف اللّه له في الجناح والقوّة فأمره أن يطير ، فطار مقدار ثلاثين ألف عام لم ينل أيضا فأوحى اللّه إليه : أيّها الملك! لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوّتك لم تبلغ إلى ساق عرشي » (1).

الفصل الثالث : في الحجب والأستار والسرادقات

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن زيد بن وهب ، قال : سئل أمير المؤمنين علیه السلام عن الحجب ، فقال : « أوّل الحجب سبعة ، غلظ كلّ حجاب منها مسيرة خمسمائة عام ، وبين كلّ حجابين مسيرة خمسمائة عام ، والحجاب الثاني سبعون حجابا ، بين كلّ حجابين مسيرة خمسمائة عام ، حجبة كلّ حجاب منها سبعون ألف ملك ، قوّة كلّ ملك منهم قوّة الثقلين ، منها ظلمة ، ومنها نور ، ومنها نار ، ومنها دخان ، ومنها سحاب ، ومنها برق ، ومنها مطر ، ومنها رعد ، ومنها ضوء ، ومنها رمل ، ومنها جبال ، ومنها عجاج ، ومنها ماء ، ومنها أنهار ؛ وهي حجب مختلفة غلظ كلّ حجاب مسيرة سبعون ألف عام.

ثمّ سرادقات الجلال وهي ستّون سرادقا في كلّ سرادق سبعون ألف ملك ، بين كلّ سرادق مسيرة خمسمائة عام.

ثمّ سرادق العزّ ، ثمّ سرادق الكبرياء ، ثمّ سرادق العظمة ، ثمّ سرادق القدس ،

ص: 496


1- « روضة الواعظين » 1 : 47 ، وعنه في « بحار الأنوار » 55 : 34 ، ح 54.

ثمّ سرادق الجبروت ، ثمّ سرادق الفجر ، ثمّ سرادق النور الأبيض ، ثمّ سرادق الوحدانيّة وهو مسيرة سبعين ألف عام في سبعين ألف عام ، ثمّ الحجاب الأعلى » وانقضى كلامه علیه السلام وسكت ، فقال له : عمر لا بقيت ليوم لا أراك فيه يا أبا الحسن (1)!.

ومنها : ما روي عن جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن أبي طالب علیهم السلام ، قال : « إنّ اللّه تعالى خلق نور محمّد صلی اللّه علیه و آله قبل أن خلق السماوات والأرض والعرش والكرسيّ واللوح والقلم والجنّة والنار ، وقبل أن خلق آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وكلّ من قال اللّه عزّ وجلّ في قوله : ( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) إلى قوله تعالى : ( وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (2) وقبل أن خلق الأنبياء كلّهم بأربعمائة ألف وأربعة وعشرين ألف سنة ، وخلق معه اثني عشر حجابا : حجاب القدرة ، وحجاب العظمة ، وحجاب المشيّة ، وحجاب الرحمة ، وحجاب السعادة ، وحجاب الكرامة ، وحجاب المنزلة ، وحجاب الهداية ، وحجاب النبوّة ، وحجاب الرفعة ، وحجاب الهيبة ، وحجاب الشفاعة.

ثمّ حبس نور محمّد في حجاب القدرة اثني عشر ألف سنة وهو يقول : سبحان ربّي الأعلى وبحمده ، وفي حجاب العظمة أحد عشر ألف سنة وهو يقول : سبحان عالم السرّ ، وفي حجاب المشيّة عشرة آلاف سنة وهو يقول : سبحان من هو قائم لا يلهو ، وفي حجاب الرحمة تسعة آلاف سنة وهو يقول : سبحان الرفيع الأعلى ، وفي حجاب السعادة ثمانية آلاف سنة وهو يقول : سبحان من هو دائم لا يسهو ، وفي حجاب الكرامة سبعة آلاف سنة وهو يقول : سبحان من هو غنيّ لا يفقر ، وفي حجاب المنزلة ستّة آلاف سنة وهو ويقول : سبحان ربّي الكريم ، وفي حجاب

ص: 497


1- « الخصال » : 401 باب السبعة ، ح 109 ؛ « التوحيد » : 278 باب ذكر عظمة اللّه عزّ وجلّ ، ح 3.
2- الأنعام (6) : 84 - 87.

الهداية خمسة آلاف سنة وهو يقول : سبحان ذي العرش العظيم ، وفي حجاب النبوّة أربعة آلاف سنة وهو يقول : سبحان ربّ العزّة عمّا يصفون ، وفي حجاب الرفعة ثلاثة آلاف سنة وهو يقول : سبحان ذي الملك والملكوت ، وفي حجاب الهيبة ألفي سنة وهو يقول : سبحان اللّه وبحمده ، وفي حجاب الشفاعة ألف سنة وهو يقول سبحان ربّي العظيم وبحمده.

ثمّ أظهر - عزّ وجلّ - اسمه على اللوح ، فكان [ على اللوح ] (1) منوّرا أربعة آلاف سنة ، ثمّ أظهره على العرش فكان على ساق العرش مثبتا سبعة آلاف سنة إلى أن وضعه اللّه تعالى في صلب آدم علیه السلام » (2).

الفصل الرابع : في سدرة المنتهى والبيت المعمور

وفيه أخبار

منها : ما روي عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « قال رسول اللّه : لمّا أسري بي إلى السماء انتهيت إلى محلّ سدرة المنتهى وإذا الورقة منها تظلّ أمّة من الأمم ، فكنت من ربّي كقاب قوسين أو أدنى » (3) الخبر.

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « سدرة المنتهى في السماء السابعة ، وجنّة المأوى عندها » (4).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام : « السجّين : الأرض السابعة ، وعلّيّون : السماء السابعة » (5).

ص: 498


1- الزيادة أضفناها من المصدر.
2- « معاني الأخبار » : 306 - 308 ، ح 1 ؛ « الخصال » 2 : 482 - 483 ، ح 55.
3- « تفسير علي بن إبراهيم » 1 : 95 ذيل الآية 285 من سورة البقرة (2).
4- نفس المصدر السابق 2 : 335 ذيل الآية 13 من سورة النجم (53).
5- نفس المصدر السابق 2 : 410 ذيل الآية 7 من سورة المطففين (83).

ومنها : ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال :

« البيت المعمور في السماء الدنيا ، وفي السماء الرابعة نهر يقال له : الحيوان يدخل فيه جبرئيل علیه السلام كلّ يوم طلعت فيه الشمس ، وإذا خرج انتفض انتفاضة جرت منه سبعون ألف قطرة ، يخلق اللّه في كلّ قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور ، فيصلّوا فيه فيفعلون ، ثمّ لا يعودون إليه أبدا » (1).

وعنه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « البيت الذي في السماء يقال له : الضراح ، وهو بفناء البيت لو سقط سقط عليه يدخله كلّ يوم ألف ملك لا يعودون إليه أبدا » (2).

وقيل : البيت المعمور هو الكعبة ، البيت الحرام معمور بالحجّ والعمرة (3).

وعن الحسن : وهو أوّل مسجد وضع للعبادة في الأرض.

الفصل الخامس : فيما يتعلّق بالأفلاك من السماء وما فيها

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه سئل : ممّ خلق السماوات؟ قال : « من بخار الماء ».

وسئل : عن سماء الدنيا : ممّا هي؟ قال : « من موج مكفوف ».

وسئل : كم طول الكواكب وعرضه؟ قال : « اثنا عشر فرسخا في اثني عشر فرسخا ».

وسئل : عن ألوان السماء السبع وأسمائها ، فقال : « اسم السماء الدنيا « رفيع » وهي من ماء ودخان ، واسم السماء الثانية « قيدوم » وهي على لون النحاس ، والسماء الثالثة اسمها « الماروم » وهي على لون الشبه ، والسماء الرابعة اسمها « أرفلون » وهي

ص: 499


1- « مجمع البيان » 9 : 272 ذيل الآية 4 من سورة الطور (52).
2- نفس المصدر السابق.
3- نسبه إلى الحسن في « مجمع البيان » 9 : 272.

على لون الفضّة ، والسماء الخامسة اسمها « هيفوف » وهي على لون الذهب ، والسماء السادسة اسمها « عروس » وهي ياقوتة خضراء ، والسماء السابعة اسمها « عجماء » وهي درّة بيضاء » (1).

ومنها : ما سئل النبيّ صلی اللّه علیه و آله : ما بال النجوم تستبين صغارا وكبارا ومقدار النجوم كلّها سواء؟ قال : « لأنّ بينها وبين سماء الدنيا بحارا يضرب الريح أمواجها فلذلك تستبين صغارا وكبارا ومقدار النجوم كلّها سواء » (2).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « هذه النجوم التي في السماوات مدائن مثل المدائن التي في الأرض ، مربوطة كلّ مدينة إلى عمود من نور طول ذلك العمود في السماء مسير مائتين وخمسين سنة » (3).

ومنها : ما في خبر الشامي عن الرضا علیه السلام أنّه : « سأل رجل أمير المؤمنين علیه السلام عن مسائل ، فكان فيما سأله عن طول الشمس والقمر وعرضهما ، قال : تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ » (4).

ومنها : ما روي عن أبي ذرّ الغفاريّ ، قال : كنت آخذا بيد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ونحن نتماشى جميعا فما زلنا ننظر إلى الشمس حتّى غابت ، فقلت : يا رسول اللّه! أين تغيب؟ قال : « في السماء ، ثمّ ترفع من سماء إلى سماء حتّى ترفع إلى السماء السابعة العليا حتّى تكون تحت العرش ، فتخرّ ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكّلون بها ، ثمّ تقول : يا ربّ من أين تأمرني أن أطلع؟ أمن مغربي أم من مطلعي؟ فذلك قوله عزّ وجلّ : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) (5) يعني بذلك صنع الربّ العزيز

ص: 500


1- « عيون أخبار الرضا » 1 : 241 ، الباب 24 ، ح 1 ؛ « الخصال » 2 : 344 - 345 باب السبعة ، ح 11.
2- « علل الشرائع » 2 : 470 ، الباب 222 ، ح 33.
3- « تفسير علي بن إبراهيم » 2 : 218 - 219 ذيل الآية 3 من سورة الصافّات.
4- « عيون أخبار الرضا » 1 : 241 ، الباب 24 ، ح 1.
5- يس (36) : 38.

في ملكه بخلقه » قال : « فيأتيها جبرئيل بحلّة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله بالصيف ، أو قصره في الشتاء ، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع ، قال : فتلبس تلك الحلّة كما يلبس أحدكم ثيابه ، ثمّ تنطلق بها في جوّ السماء حتّى تطلع من مطلعها ».

قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « فكأنّي بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ، ثمّ لا تكسى ضوءا ، وتؤمر أن تطلع من مغربها ، فذلك قوله عزّ وجلّ : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) (1) والقمر كذلك من مطلعه ومجراه من أفق السماء ، ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة ، ويسجد تحت العرش ، وجبرئيل يأتيه بالحلّة من نور الكرسيّ ، فذلك قوله عزّ وجلّ : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ) (2) » (3).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : « إنّ الشمس تطلع ومعها أربعة أملاك : ملك ينادي : يا صاحب الخير! أتمّ وأبشر ، وملك ينادي : يا صاحب الشرّ! انزع واقصر ، وملك ينادي : أعط منفقا خلفا ، وآت ممسكا تلفا ، وملك ينضحها بالماء ، ولو لا ذلك ، لاشتعلت الأرض » (4).

ومنها : ما روي عن الأصبغ أنّه قال : سأل ابن الكوّاء أمير المؤمنين علیه السلام عن المحو الذي يكون في القمر قال : « اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء ، أما سمعت اللّه تعالى يقول : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (5) » (6) الخبر.

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « إذا كان يوم القيامة أتي بالشمس

ص: 501


1- التكوير (81) : 2.
2- يونس (10) : 5.
3- « التوحيد » : 280 باب ذكر عظمة اللّه جلّ جلاله ، ح 7.
4- « بحار الأنوار » 55 : 143 ، ح 3.
5- الإسراء (17) : 12.
6- « الاحتجاج » 1 : 615 ، احتجاج علي علیه السلام على ابن الكوّاء ، ح 139.

والقمر في صورة ثورين عقيرين فيقذفان بهما ومن يعبدهما في النار ، وذلك أنّهما عبدا فرضيا » (1).

وفي حديث كعب : إنّ الشمس والقمر ثوران عقيران في النار (2).

ومنها : ما روي عن إبراهيم بن أحمد اليقطيني ، قال : حدّثني ابن ذي العلمين ، قال : كنت واقفا بين يدي ذي الرئاستين بخراسان في مجلس المأمون وقد حضره أبو الحسن الرضا علیه السلام فجرى ذكر الليل والنهار ، وأيّهما خلق قبل؟ فخاضوا في ذلك فاختلفوا ، ثمّ إنّ ذا الرئاستين سأل الرضا علیه السلام عن ذلك وعمّا عنده فيه ، فقال له :

« أتحبّ أن أعطيك الجواب من كتاب اللّه أو من حسابك؟ » فقال : أريده أوّلا من جهة الحساب ، فقال : « أليس تقولون : إنّ طالع الدنيا السرطان ، وإنّ الكواكب كانت في شرقها؟ » قال : نعم ، قال : « فزحل في الميزان ، والمشتري في السرطان ، والمرّيخ في الجدي ، والزهرة في الحوت ، والقمر في الثور ، والشمس في وسط السماء في الحمل ، وهذا لا يكون إلاّ نهارا » قال : نعم ، فمن كتاب اللّه؟ قال : « قول اللّه عزّ وجلّ : ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ) (3) أي النهار يسبقه » (4).

الفصل السادس : في علم النجوم والعمل به وحال المنجّمين

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن الحسين بن عليّ علیه السلام أنّه قال : « نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن خصال

ص: 502


1- « علل الشرائع » 2 : 605 ، الباب 385 ، ح 78.
2- « النهاية في غريب الحديث والأثر » 3 : 275 ، « عقر ».
3- يس (26) : 40.
4- « بحار الأنوار » 55 : 162 ، ح 20.

- إلى أن قال - وعن النظر في النجوم » (1).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « قوم يقولون : إنّ النجوم أصحّ من الرؤيا ، وتلك كانت صحيحة حين لم يردّ الشمس على يوشع بن نون وعلى أمير المؤمنين علیهماالسلام ، فلمّا ردّ اللّه عليهما ضلّ فيها علماء النجوم » (2).

وعنه علیه السلام أيضا أنّه قال في جواب من سأله عن النجوم : « ما يعلمها إلاّ أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند » (3).

ومنها : ما روي عن عليّ بن الحسين علیهماالسلام أنّه قال : « الذنوب التي تظلم الهواء : السحر ، والكهانة ، والإيمان بالنجوم ، والتكذيب بالقدر (4).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه سئل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن الساعة ، فقال : عند إيمان بالنجوم وتكذيب بالقدر (5).

قيل : هذا يومئ إلى أنّ الإيمان بالنجوم متضمّن للتكذيب بالقدر.

ومنها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « أربعة لا تزال في أمّتي إلى يوم القيامة : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة » (6).

ومنها : ما روي عن سعيد بن جبير ، قال : استقبل أمير المؤمنين دهقان من دهاقين الفرس فقال له بعد التهنئة : يا أمير المؤمنين! تناحست النجوم الطالعات ، وتناحست السعود بالنحوس ، فإذا كان مثل هذا اليوم ، وجب على الحكيم الاختفاء ، ويومك هذا

ص: 503


1- « الخصال » 2 : 418 باب التسعة ، ح 10.
2- « بحار الأنوار » 55 : 242 ، ح 22.
3- « الكافي » 8 : 331 ، ح 55.
4- « معاني الأخبار » : 271 ، ح 2.
5- « الخصال » 1 : 62 باب الاثنين ، ح 87.
6- نفس المصدر : 226 باب الأربعة ، ح 60.

يوم صعب ، وقد انقلب منه كوكبان ، وانقدح من برجك النيران ، وليس من الحرب لك بمكان ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام :

« ويحك يا دهقان المنبئ بالآثار المحذّر من الأقدار! ما قصّة صاحب الميزان وقصّة صاحب السرطان؟ وكم المطالع من الأسد والساعات من المتحرّكات؟ وكم بين السواري والذراري؟ » قال : سأنظر وأومأ بيده إلى كمّه وأخرج منه أسطرلابا ينظر فيه ، فتبسّم علیه السلام ، فقال : « أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصين ، وانفرج برج ماجين ، وسقط سور سرانديب ، وانهزم بطريق الروم بأرمينية ، وفقد دنّان اليهود بإيلة ، وهاج النمل بوادي النمل ، وهلك ملك إفريقية ، أكنت عالما بهذا؟ » فقال : لا يا أمير المؤمنين ، فقال : « البارحة سعد سبعون ألف عالم ، وولد في كلّ عالم سبعون ألفا ، والليلة يموت مثلهم ، وهذا منهم » وأومأ بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي - لعنه اللّه - وكان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين ، فظنّ الملعون أنّه يقول : خذوه ، فأخذ بنفسه فمات.

فخرّ الدهقان ساجدا ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « ألم أرك من عين التوفيق؟ فقال : بلى يا أمير المؤمنين ، فقال : « أنا وصاحبي لا شرقيّ ولا غربيّ ، نحن ناشئة [ القطب ] (1) وأعلام الفلك ، وأمّا قولك : « انقدح من برجك النيران » فكان الواجب أن تحكم به لي ، لا عليّ ، أمّا نوره وضياؤه فعندي ، وأمّا حريقه ولهبه فذهب عنّي ، فهذه مسألة عميقة احسبها إن كنت حاسبا » (2).

الفصل السابع : في حقيقة الملائكة وصفاتهم وشئونهم وأطوارهم

اعلم أنّه ذكر في هذا المقام أخبار :

منها : ما روي بالإسناد إلى أبي محمّد العسكريّ فيما احتجّ رسول اللّه به

ص: 504


1- الزيادة أضفناها من المصدر.
2- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 62 - 63.

على المشركين : « والملك لا تشاهده حواسّكم ؛ لأنّه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ، ولو شاهدتموه - بأن يزداد في قوى أبصاركم - لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر » (1).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه سئل : أنّ الملائكة أكثر أم بنو آدم؟ فقال : « والذي نفسي بيده ملائكة اللّه في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض ، وما في السماء موضع قدم إلاّ وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه ، ولا في الأرض شجر ولا مدر إلاّ وفيها ملك موكّل بها ، يأتي اللّه كلّ يوم بعلمها واللّه أعلم بها ، وما منهم أحد إلاّ ويتقرّب كلّ يوم إلى اللّه بولايتنا أهل البيت علیهم السلام ، ويستغفر لمحبّينا ، ويلعن أعداءنا ، ويسأل اللّه أن يرسل عليهم العذاب إرسالا » (2).

ومنها : ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « الملائكة على ثلاثة أجزاء : فجزء لهم جناحان ، وجزء لهم ثلاثة أجنحة ، وجزء لهم أربعة أجنحة » (3).

وحكى في « البحار » (4) عن « الكافي » (5). « ولعلّ المراد أنّ أكثر الملائكة كذلك ، ولا ينافي ما ورد من كثرة أجنحة بعض الملائكة » (6).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « في خبر المعراج قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فصعد جبرئيل فصعدت معه إلى السماء الدنيا وعليها ملك يقال : إسماعيل ، وهو صاحب الخطفة التي قال اللّه عزّ وجلّ : ( إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ ) (7) وتحته سبعون ألف ملك ، وتحت كلّ ملك سبعون ألف ملك ، ثمّ مررت » و

ص: 505


1- « الاحتجاج » 1 : 54 ، احتجاج النبيّ صلی اللّه علیه و آله على عبد اللّه بن أبي أميّة ، ح 22.
2- « بحار الأنوار » 56 : 186 ، ح 7.
3- « الخصال » 1 : 153 باب الثلاثة ، ح 191.
4- « بحار الأنوار » 56 : 178 ، ذيل ح 11.
5- « الكافي » 8 : 272 ، ح 402.
6- هذا كلام صاحب البحار.
7- الصافّات (37) : 10.

ساق الحديث إلى أن قال : « حتّى دخلت السماء الدنيا فما لقيني ملك إلاّ ضاحكا مستبشرا حتّى لقيني ملك من الملائكة لم أر خلقا أعظم منه ، كريه المنظر ظاهر الغضب ، فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ قال : هذا مالك خازن النار ».

ثمّ ساق الحديث إلى قوله : « ثمّ مررت بملك من الملائكة جالس على مجلس وإذا جميع الدنيا بين ركبتين وإذا بيده لوح من نور مكتوب فيه كتاب ينظر فيه لا يلتفت يمينا وشمالا مقبلا عليه كهيئة الحزين ، فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا ملك الموت ، فقال رسول اللّه : ثمّ رأيت ملكا من الملائكة جعل اللّه أمره عجبا نصف جسده النار ، والنصف الآخر ثلج ، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار وهو ينادي بصوت رفيع ويقول : سبحان الذي كفّ حرّ هذا النار ، فلا تذيب الثلج ، وكفّ برد هذا الثلج ، فلا يطفئ حرّ هذه النار ، اللّهمّ يا مؤلّف بين الثلج والنار ، ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين ، فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا ملك وكّله اللّه بأكناف السماوات وأطراف الأرضين وهو أنصح ملائكة اللّه لأهل الأرض من عباده المؤمنين ، يدعو لهم بما تسمع منذ خلق ، ورأيت ملكين يناديان في السماء أحدهما يقول : اللّهمّ! أعط كلّ منفق خلفا والآخر يقول : اللّهمّ! أعط كلّ ممسك تلفا » (1).

ومنها : ما روي عن عدّة كتب ، عن ابن عبّاس ، قال : بينا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومعه جبرئيل يناجيه إذا انشقّ أفق السماء فأقبل جبرئيل يتضاءل ، ويدخل بعضه في بعض ، ويدنو من الأرض ، فإذا ملك قد مثّل بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال : يا محمّد! إنّ ربّك يقرئك السلام ويخيّرك بين أن تكون ملكا وبين أن تكون نبيّا عبدا ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : فأشار جبرئيل إليّ بيده أن تواضع ، فعرفت أنّه لي ناصح ، فقلت : عبد نبيّ فعرج ذلك الملك إلى السماء ، فقلت : يا جبرئيل! قد كنت أردت أن أسألك

ص: 506


1- « تفسير علي بن إبراهيم » 2 : 4 - 7 ذيل الآية من سورة الإسراء (17).

عن هذا فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة ، فمن هذا يا جبرئيل؟ قال : هذا إسرافيل خلقه اللّه يوم خلقه بين يديه صافّا قدميه لا يرفع طرفه ، بينه وبين الربّ سبعون نورا ما منها نور يدنو منه أحد إلاّ احترق ، بين يديه اللوح المحفوظ ، فإذا أذن اللّه في شيء في السماء أو في الأرض انقطع (1) ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه ، فإن كان من عملي أمرني به ، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به ، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به ، فقلت : يا جبرئيل! على أيّ شيء أنت؟ قال : على الرياح والجنود. قلت : على أيّ شيء ميكائيل؟ قال : على النبات والقطر. قلت : على أيّ شيء ملك الموت؟ قال : على قبض الأنفس وما ظننت أنّه هبط إلاّ لقيام الساعة ، وما ذاك الذي رأيت منّي إلاّ خوفا من قيام الساعة » (2).

قال في « البحار » : « وقال الرازيّ في تفسيره : إنّه لا خلاف من العقلاء في أنّ أشرف الرتبة للعالم العلوي هو وجود الملائكة فيه ، كما أنّ أشرف الرتبة للعالم السفلي هو وجود الإنسان فيه إلاّ أنّ الناس اختلفوا في ماهيّة الملائكة وحقيقتهم.

وطريق ضبط المذاهب أن يقال : الملائكة لا بدّ أن تكون ذوات قائمة بأنفسها ، ثمّ إنّ تلك الذوات إمّا أن تكون متحيّزة أو لا تكون.

أمّا الأوّل ، ففيه أقوال :

أحدها : أنّها أجسام لطيفة هوائيّة تقدر على التشكّل بأشكال مختلفة ، مسكنها السماوات. وهذا قول أكثر المسلمين.

وثانيها : قول طوائف من عبدة الأوثان ، وهو أنّ الملائكة في الحقيقة هذه الكواكب الموصوفة بالأسعاد والأنحاس ؛ فإنّها بزعمهم أحياء ناطقة ، وأنّ المسعدات

ص: 507


1- في المصدر : « ارتفع ».
2- « بحار الأنوار » 56 : 257 ، ح 22.

منها ملائكة الرحمة ، والمنحسات منها هي ملائكة العذاب.

وثالثها : قول معظم المجوس والثنويّة ، وهو أنّ هذا العالم مركّب من أصلين أزليّين وهما النور والظلمة وهما في الحقيقة جوهران شفّافان حسّاسان ، قادران مختاران ، متضادّا النفس والصورة ، مختلفا الفعل والتدبير ، فجوهر النور فاضل ، خير ، نقيّ ، طيّب الريح ، كريم النفس ، يسرّ ولا يضرّ ، وينفع ولا يمنع ، ويحيي ولا يبلي ، وجوهر الظلمة على ضدّ ذلك. ثمّ إنّ جوهر النور لم يزل يولّد الأولياء وهم الملائكة لا على سبيل التناكح ، بل على سبيل تولّد الحكمة من الحكيم والضوء من المضيء ، وجوهر الظلمة لم يزل يولّد الأعداء وهم الشياطين على سبيل تولّد السفه من السفيه لا على سبيل التناكح ، فهذه أقوال من جعل الملائكة أشياء متحيّزة جسمانيّة.

وأمّا الثاني ، فبأنّ الملائكة ذوات قائمة بأنفسها وليست بمتحيّزة ولا أجسام ، فهاهنا قولان :

أحدهما : قول طوائف من النصارى ، وهو أنّ الملائكة في الحقيقة هي الأنفس الناطقة بذاتها ، المفارقة لأبدانها على نعت الصفا والخيريّة ، وذلك لأنّ هذه النفوس المفارقة إن كانت صافية خالصة فهي الملائكة ، وإن كانت خبيثة كدرة فهي الشياطين.

وثانيهما : قول الفلاسفة ، وهي أنّها جواهر قائمة بأنفسها ليست بمتحيّزة البتّة ، وأنّها بالماهيّة مخالفة لنوع النفوس الناطقة البشريّة ، وأنّها أكمل قوّة منها ، وأكثر علما ، وأنّها للنفوس البشريّة جارية مجرى الشمس بالنسبة إلى الأضواء.

ثمّ إنّ هذه الجواهر على قسمين :

منها : ما هي بالنسبة إلى أجرام الأفلاك والكواكب كنفوسنا الناطقة بالنسبة إلى أبداننا.

ومنها : ما هي أعلى شأنا من تدبير أجرام الأفلاك ، بل هي مستغرقة في معرفة

ص: 508

اللّه ومحبّته ومشتغلة بطاعته. وهذا القسم هم الملائكة المقرّبون. ونسبتهم إلى الملائكة الذين يدبّرون السماوات كنسبة أولئك المدبّرين إلى نفوسنا الناطقة ، فهذان القسمان اتّفقت الفلاسفة على إثباتهما.

ومنهم من أثبت أنواعا أخر من الملائكة وهي الملائكة الأرضيّة المدبّرة لأحوال هذا العالم السفلي ، ثمّ إنّ مدبّرات هذا العالم السفلي إن كانت خيرات فهم الملائكة ، وإن كانت شرّيرة فهم الشياطين » (1).

الفائدة الرابعة : في البسائط والعناصر وما يتعلّق بها
اشارة

وفيها مقدّمة وفصول :

المقدّمة

قال في « البحار » : « اعلم أنّ المشهور بين الحكماء والمتكلّمين أنّ العناصر أربعة : النار ، والهواء ، والماء ، والأرض ، كما تشهد به الشواهد الحسّيّة والتجربيّة ، والتأمّل في أحوال التركيبات والتحليلات. ولقدماء الفلاسفة فيه اختلافات :

فمنهم : من جعل أصل العناصر واحدا والبواقي تحصل بالاستحالة ، فقيل : هو النار. وقيل : الهواء. وقيل : الماء. وقيل : الأرض. وقيل : البخار.

ومنهم : من جعله اثنين : فقيل : النار والأرض. وقيل : الماء والأرض. وقيل : الهواء والأرض.

ومنهم : من جعله ثلاثة : فقيل : النار والهواء والأرض ، وإنّما الماء هواء متكاثف ؛ وقيل : الهواء والماء والأرض ، وإنّما النار هواء شديدة الحرارة. وهذه الأقوال عندهم ضعيفة.

وقد ورد في الأخبار ما يدلّ على كون أصل العناصر ، بل الأفلاك الماء ، أو هو مع النار ، أو هما مع الهواء.

ص: 509


1- « بحار الأنوار » 56 : 204 - 206.

وبالجملة ، لا ريب في وجود تلك العناصر الأربعة تحت فلك القمر ، وإنّما الإشكال في وجود كرة النار. وعلى تقدير وجودها هل كانت هواء انقلبت نارا بحركة الفلك أو كانت في الأصل نارا؟ والمشهور أنّ هذه الأربعة عناصر المركّبات التامّة وأسطقسّاتها ، ومنها تتركّب ، وإليها تنحلّ.

وقيل : النار غير موجودة في المركّبات ؛ فإنّها لا تنزل عن الأثير إلاّ بالقسر ، ولا قاسر هناك. ثمّ المشهور أنّ صور البسائط باقية في المركّبات.

وقال الشيخ في « الشفاء » : لكنّ قوما اخترعوا في قريب من زماننا هذا مذهبا غريبا ، قالوا : إنّ البسائط إذا امتزجت وانفعل بعضها من بعض تأدّى ذلك بها إلى أن يخلع صورها ، فلا تكون لواحد منها صورته الخاصّة ، وليست حينئذ صورة خاصّة واحدة ، فتصير لها هيولى واحدة وصورة واحدة ، فمنهم من جعل تلك الصورة أمرا متوسّطا بين صورها. ومنهم من جعلها صورة أخرى من النوعيّات. واحتجّ على فساد هذا المذهب بوجوه تركناها.

وذهب انكساغورس وأصحابه إلى الخلط والكمون والبروز وأنكروا التغيير في الكيفيّة والصورة ، وزعموا أنّ الأركان الأربعة لا يوجد شيء منها صرفا ، بل هي تختلط من تلك الطبائع النوعيّة كاللحم والعظم والعصب ، والتمر والعسل والعنب وغير ذلك. وإنّما سمّي بالغالب الظاهر منها ، ويعرض لها عند ملاقاة الغير أن يبرز منها ما كان كامنا فيها ، فيغلب ويظهر للحسّ بعد ما كان مغلوبا غائبا ، لا على أنّه حدث ، بل على أنّه برز ، ويكمن فيها ما كان بارزا ، فيصير مغلوبا وغائبا بعد ما كان غالبا وظاهرا.

وبإزائهم قوم زعموا أنّ الظاهر ليس على سبيل البروز ، بل على سبيل النفوذ من غيره فيه كالماء مثلا ؛ فإنّه إنّما يتسخّن بنفوذ أجزاء ناريّة فيه من النار المجاورة له.

وهذان القولان سخيفان.

والمشهور عندهم أنّ العناصر يفعل بعضها في بعض ، فتستحيل في كيفيّاتها

ص: 510

وتحصل للجميع كيفيّة متوسّطة متشابهة هي المزاج ، فتستعدّ بذلك لإفاضة صورة مناسبة لها من المبدأ.

ثمّ المشهور بينهم أنّ النار التي تسطع عند ملاقاة الحجر والحديد ، أو عند احتكاك الخشبتين الرطبتين أو اليابستين إنّما هي بانقلاب الهواء الذي بينهما نارا بسبب حرارة حدثت فيه من الاصطكاك والاحتكاك ، لا بأن يخرج من الحجر أو الحديد أو الشجر نار. وظواهر الآيات والأخبار المتقدّمة لا تنافي ذلك.

وأمّا قوله علیه السلام في حديث هشام : « إنّ النار في الأجسام كامنة » فالمراد منها إمّا النار التي تركّب الجسم منها ومن سائر العناصر ، أو المعنى أنّ ما هو سبب لإحداث النار حاصل في الأجسام وإن انطفأت النيران المتولّدة منها وانقلبت هواء » (1) انتهى.

[1] فصل : في النار ، وفيه أخبار :

منها : ما روي عن المفضّل أنّه قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن النيران فقال : « النيران أربعة : نار تأكل وتشرب ، ونار تأكل ولا تشرب ، ونار تشرب ولا تأكل ، ونار لا تأكل ولا تشرب ، فالنار التي تأكل وتشرب فنار ابن آدم وجميع الحيوان ، والتي تأكل ولا تشرب فنار الوقود ، والتي تشرب ولا تأكل فنار الشجرة ، والتي لا تأكل ولا تشرب فنار القداحة والحاجب » (2).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال الزنديق له : أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره؟ قال : « يذهب فلا يعود » قال : فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا فات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا؟ قال : « لم تصب القياس ؛ إنّ النار في الأجسام كائنة (3) والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد ، فإذا ضرب

ص: 511


1- « بحار الأنوار » 56 : 331 - 332.
2- الحاجب - بالضمّ - : اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلاّ نارا ضعيفة مخافة الضيفان ، فضربوا بها المثل أو غير ذلك. انظر « صحاح الجوهري » مادّة ( ح. ج. ب ).
3- كذا في النسخ ، وفي المصدر : « كامنة ».

أحدهما بالآخر سطعت من بينهما نار يقتبس منها سراج له الضوء ، فالنار ثابتة في أجسامها والضوء ذاهب » (1).

ومنها : الخبر : « أربعة القليل منها كثير : النار القليل منها كثير ... » (2).

ومنها : ما حكي عن عليّ بن إبراهيم في تفسير ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) (3) وهو المرخ والعفار (4) يكون في ناحية بلاد العرب فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر ، ثمّ أخذوا عودا فحرّكوه فيه فيستوقدوا منه النار (5).

[2] فصل : في الهواء

وفيه خبران :

الأوّل : ما روي عن صفوان الجمّال ، قال : كنت بالحيرة مع أبي عبيد اللّه علیه السلام إذ أقبل الربيع وقال : أجب أمير المؤمنين ، فلم يلبث أن عاد ، قلت : أسرعت الانصراف؟ قال : « إنّه سألني عن شيء فاسأل الربيع عنه » فقال صفوان : وكان بيني وبين الربيع لطف ، فخرجت إلى الربيع وسألته وقال : أخبرك بالعجب إنّ الأعراب خرجوا يجمعون الكمأة فأصابوا في البرّ خلقا ملقى فأتوني به فأدخلته على الخليفة ، فلمّا رآه قال : تخبيه وادع جعفرا ، فدعوته ، فقال : يا أبا عبد اللّه أخبرني عن الهواء ما فيه؟ قال : « في الهواء موج مكفوف » قال ففيه سكّان؟ قال : « نعم » قال : وما سكّانه؟ قال : « خلق أبدانهم أبدان الحيتان ، ورءوسهم رءوس الطير ، ولهم أعرفة كأعرفة الديكة ، ونغانغ كنغانغ الديكة ، وأجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشدّ بياضا من الفضّة » فدعا

ص: 512


1- « بحار الأنوار » 56 : 330 ، ح 3.
2- نفس المصدر : 329 ، ح 1.
3- يس (36) : 80.
4- هما شجرتان فيهما نار ليس في غيرهما من الشجر.
5- « بحار الأنوار » 56 : 331 ، ح 4.

المنصور بالطشت فإذا الخلق فيها لا يزيد ولا ينقص ، فأذن له فانصرف ، ثمّ قال للربيع : ويلك يا ربيع! هذا الشجا المتعرّض في خلقي (1) من أعظم الناس (2).

والثاني : ما روي أنّ زرارة وهشاما اختلفوا في الهواء هو مخلوق ، أم لا؟ فرفع إلى الصادق علیه السلام بعض مواليه وقال : فإنّي أرى بعض أصحابنا يختلفون ، فقال : « ليس هذا بخلاف يؤدّي إلى الكفر والضلال » (3).

تبصرة (4) :

قد أفاد في « البحار » أنّ في عدد طبقات الهواء وسائر العناصر بين الحكماء اختلافا :

فقال نصير الملّة والدين في التذكرة : طبقات العناصر ثمان : طبقة للنار الصرفة ، ثمّ طبقة لما يمتزج من النار والهواء الحارّ تتلاشى فيها الأدخنة المرتفعة من السفل ، وتتكوّن فيها الكواكب ذوات الأذناب والنيازك (5) وما يشبهها من الأعمدة وذوات القرون ونحوها. وربما توجد هذه الأمور المتكوّنة في هذه الطبقة متحرّكة بحركة الفلك الأعظم ، ثمّ طبقة الهواء الغالب التي تحدث [ فيها ] الشهب ، ثمّ طبقة الزمهريريّة الباردة التي هي منشأ السحب والرعد والبرق والصواعق ، ثمّ طبقة الهواء الحارّ الكثيف المجاور للأرض والماء ، ثمّ طبقة الماء وبعض هذه الطبقة منكشفة عن الأرض عناية من الحضرة الإلهيّة ، لتكون مسكنا للحيوانات المتنفّسة. ثمّ طبقة الأرض المخالطة لغيرها التي تتولّد فيها الجبال والمعادن وكثير من النباتات والحيوانات ، ثمّ طبقة الأرض الصرفة المحيطة بالمركز.

وقيل : إنّها تسع : ثامنها الطبقة الطينيّة التي تختلط فيها الأرض بالماء ، وتاسعها

ص: 513


1- كذا في النسخ ، وفي المصدر : « هذا الشجا المعترض في حلقي من أعلم الناس ».
2- « بحار الأنوار » 56 : 338 ، ح 5.
3- رواه في « بحار الأنوار » 54 : 182 مرسلا.
4- في « أ » : « فصل » بدل « تبصرة ».
5- جمع نيزك ، وهو جسم يخترق طبقات الجوّ ، فيحتدم ويضيء ، ثمّ يسقط على الأرض.

الأرض الصرفة ، والبواقي على نحو ما ذكر.

وقيل : إنّها سبع : طبقة للنار ، وطبقة للماء ، والطبقات الثلاث الأخيرة التي تعلّقت بالأرض بحالها على النحو المذكور.

والهواء ينقسم إلى طبقتين باعتبار مخالطة الأبخرة وعدمها :

إحداهما : الهواء اللطيف الصافي من الأبخرة والأدخنة والهيئات المتصاعدة من كرتي الأرض والماء ، بسبب أشعّة الشمس وغيرها من الكواكب ؛ لأنّ تلك الهيئات تنتهي في ارتفاعها إلى واحد لا تتجاوزه ، وهو من سطح الأرض في جميع نواحيها أحد وخمسون ميلا وكسر وهو قريب من تسعة عشر فرسخا ، فمن هذه النهاية إلى كرة الأثير هو الهواء الصافي وهو شفّاف لا يقبل النور والظلمة والألوان كالأفلاك.

وثانيتهما : هو الهواء المتكاثف بما فيها من الأجزاء الأرضيّة والمائيّة لكن لا يبلغ في التكاثف بحيث يحجب ما وراءه [ عن الأبصار ] وهذه الكرة تسمّى كرة البخار وعالم النسيم وكرة الليل والنهار ؛ إذ فيها تهبّ الرياح دون ما فوقها ، وهي القابلة للنور والظلمة بما فيها من الأجزاء الأرضيّة والمائيّة (1).

[3] فصل : في الصبح والشفق
اشارة

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « إنّ اللّه تعالى خلق حجابا من ظلمة ممّا يلي المشرق ووكّل به ملكا ، فإذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيده ، ثمّ استقبل بها الغرب يتبع الشفق ويخرج من بين يديه قليلا قليلا ويمضي ، فيوافي المغرب عند سقوط الشفق ، فيسرح في الظلمة ، ثمّ يعود إلى المشرق ، فإذا طلع الفجر نشر جناحيه فاستاق الظلمة عن المشرق إلى المغرب حتّى يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس (2).

ص: 514


1- « بحار الأنوار » 56 : 341 - 342.
2- « الكافي » 3 : 279 باب وقت المغرب والعشاء ، ح 3.
تتمّة

قال في « البحار » : « اعلم أنّ المذكور في كتب الحكماء والرياضيين هو أنّ الصبح والشفق الأبيض والأحمر إنّما يظهر من وقوع [ ضوء ] الشمس على كرة البخار ، فالمستضيء بالشمس من كرة الأرض أكثر من نصفها دائما ؛ لما بيّن في محلّه أنّ [ الكرة ] الصغرى إذا قبلت الضوء من الكبرى ، كان المستضيء منها أعظم من نصفها ، وظلّ الأرض على هيئة مخروط يلازم رأسه مدار الشمس وينتهي في فلك الزهرة كما علم بالحساب ، والنهار مدّة كون المخروط تحت الأفق ، والليل مدّة كونه فوقه ، فإذا ازداد قرب الشمس من شرقيّ الأفق ، ازداد ميل المخروط إلى غربيّه ولا يزال كذلك حتّى يرى الشعاع المحيط به ، وأوّل ما يرى منه هو الأقرب إلى موضع الناظر ؛ لأنّه أصدق رؤية وهو موقع خطّ يخرج من بصره عمودا على الخطّ المماسّ للشمس والأرض فيرى الضوء مرتفعا عن الأفق ، مستطيلا ، وما بينه وبين الأفق مظلما ؛ لقربه من قاعدة المخروط الموجب له بعد الضوء هناك عن الناضر وهو الضوء الكاذب ، ثمّ إذا قربت الشمس جدّا ، يرى الضوء معترضا وهو الصبح الصادق ، ثمّ يرى محمرّا.

والشفق بعكس الصبح يبدأ محمرّا ، ثمّ مبيضّا معترضا ، ثمّ مرتفعا مستطيلا ، فالصبح والشفق متشابهان متشاكلان متقابلان وضعا ؛ لأنّ هيئة آخر غروب الشمس مثل أوّل طلوع الفجر ويختلفان لونا بسبب اختلاف كيفيّة الهواء المخلوط ؛ فإنّ لون البخار في جانب المشرق مائل إلى الصفار والبياض ؛ لاكتسابه الرطوبة من برودة الليل ، وفي جانب المغرب مائل إلى الصفرة ؛ لغلبة الجزء الدخاني المكتسب بحرارة النار » (1) و (2).

ص: 515


1- في المصدر : « النهار » بدل « النار ».
2- « بحار الأنوار » 56 : 334.
[4] فصل : في السحاب والمطر والشهاب والبرق والصواعق والقوس وسائر ما يحدث في الجوّ
اشارة

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن عليّ علیه السلام ، قال : « السحاب غربال المطر ، ولو لا ذلك لأفسد كلّ شيء يقع عليه » (1).

وعنه علیه السلام ما يقربه مع زيادة أنّه « ليس من قطرة تقطر إلاّ ومعها ملائكة حتّى تضعها موضعها ، ولم ينزل من السماء قطرة من مطر إلاّ بقدر معدود ووزن معلوم إلاّ ما كان يوم الطوفان على عهد نوح ؛ فإنّه نزل منها ماء منهمر بلا عدد ووزن » (2).

ومنها : ما في تفسير عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِي سَحاباً ) (3) أي يثيره من الأرض ، ثمّ يؤلّف بينه فإذا غلظ بعث اللّه رياحا فتعصره ، فينزل منه الماء وهو قوله : ( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) (4) أي المطر (5).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال علیه السلام : « ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه اللّه عزّ وجلّ ، ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ، ولأخرجت الأرض نباتها » (6).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام في خبر المعراج ، قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السماء الدنيا وعليها ملك يقال له : إسماعيل ، وهو صاحب الخطفة التي قال اللّه تعالى عزّ وجلّ : ( إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ

ص: 516


1- « بحار الأنوار » 56 : 373 ، ح 5.
2- « قرب الإسناد » : 73 ؛ « بحار الأنوار » 56 : 380.
3- النور (24) : 43.
4- النور (24) : 43.
5- « تفسير علي بن إبراهيم » 2 : 107.
6- « الخصال » : 626 ؛ « بحار الأنوار » 10 : 104 ، ح 10.

شِهابٌ ثاقِبٌ ) (1) وتحته سبعون ألف ملك تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك » (2).

ومنها : ما روي عن الرضا علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) (3) قال : « خوفا للمسافر وطمعا للمقيم » (4).

ومنها : ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « إنّ ربّكم يقول : لو أنّ عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل ، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولم أسمعهم صوت الرعد » وكان إذا سمع صوت الرعد يقول : « سبحان من يسبّح الرّعد بحمده » (5).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه سئل عن الرعد : أيّ شيء يقول؟ قال : « إنّه بمنزلة الرجل يكون في الإبل فيزجرها هاي هاي كهيئة ذلك ». وسئل عن البرق ، قال : « تلك مخاريق الملائكة تضرب السحاب وتسوقه إلى الموضع الذي قضى اللّه فيه المطر » (6).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « الصاعقة لا تصيب المؤمن » فقال له رجل : فإنّا رأينا فلانا يصلّي في المسجد الحرام فأصابته ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « إنّه كان يرمي حمام الحرم » (7) وعنه علیه السلام : « الصاعقة تصيب المؤمن والكافر ولا تصيب ذاكرا » (8).

ومنها : ما سأل ابن الكوّاء أمير المؤمنين ، فقال : يا أمير المؤمنين! أخبرني عن قوس قزح ، قال : « ثكلتك أمّك يا ابن الكوّاء لا تقل : قوس قزح ؛ فإن قزح اسم

ص: 517


1- الصافّات (37) : 10.
2- « بحار الأنوار » 18 : 321.
3- الرعد (13) : 12.
4- « معاني الأخبار » : 374 باب معنى الخوف والطمع.
5- « بحار الأنوار » 56 : 356.
6- « الفقيه » 1 : 525 ، ح 1496 ؛ « بحار الأنوار » 56 : 379.
7- « بحار الأنوار » 56 : 376 ، ح 7.
8- نفس المصدر.

الشيطان ولكن قل : قوس اللّه ، إذا بدت يبدو الخصب والريح » (1).

ومنها : ما روي عن أهل الكتابين أنّهم يقولون : لمّا هبط نوح علیه السلام من السفينة أوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا نوح إنّي خلقت خلقي لعبادتي ، وأمرتهم بطاعتي فقد عصوني وعبدوا غيري واستوجبوا بذلك غضبي فغرقتهم ، وإنّي قد جعلت قوسي أمانا لعبادي وبلادي وموثقا منّي بيني وبين خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق ومن أوفى بعهده منّي؟ ففرح نوح علیه السلام بذلك وتباشر وكانت القوس فيها سهم ووتر ، فنزع اللّه عزّ وجلّ السهم والوتر من القوس وجعلها أمانا لعباده وبلاده من الغرق (2).

تتميم :

يستفاد ممّا حكى صاحب البحار عن صاحب المقاصد أنّ البخار المتصاعد قد يلطف بتحليل الحرارة أجزاءه المائيّة ، فيصير هواء ، وقد يبلغ الطبقة الزمهريريّة فيتكاثف فيجتمع سحابا ويتقاطر قطرة إن لم يكن البرد شديدا ، وإن أصابه برد شديد يجمد السحاب قبل تشكّله بشكل القطرات نزل ثلجا ، أو بعد تشكّله بذلك نزل بردا صغيرا مستديرا إن كان من زمان بعيد لذوبان الزوايا بالحركة والاصطكاك وإلاّ فكبيرا غير مستدير في الغالب وإنّما يكون البرد في الهواء الربيعيّ أو الخريفيّ لفرط التحليل في الصيفي والجمود في الشتوي. وقد لا يبلغ البخار المتصاعد الطبقة الزمهريريّة فإن كثر صار ضبابا ، وإن قلّ وتكاشف ببرد الليل فإن انجمد نزل صقيعا وإلا فطلاّ ، فنسبة الصقيع إلى الطلّ نسبة الثلج إلى المطر.

وقد يكون السحاب الماطر من بخار كثير تكاثف بالبرد من غير أن يتصعّد إلى الزمهريريّة لمانع مثل هبوب الرياح المانعة للأبخرة من التصاعد والضاغطة إيّاها

ص: 518


1- نفس المصدر : 377 ، ح 13.
2- « علل الشرائع » 1 : 29 ، الباب 22 ، ح 1.

[ إلى الاجتماع ] بسبب وقوف الجبال قدّام الريح وثقل الجزء المتقدّم وبطء حركته ، وقد يكون مع البخار المتصاعد دخان فإذا ارتفعا معا إلى الهواء البارد - وانعقد البخار سحابا واحتبس الدخان فيه - فإن بقي الدخان على حرارته قصد الصعود ، وإن برد قصد النزول.

وقد يمزّق السحاب تمزيقا عنيفا ، فيحدث عن تمزيقه ومصاكّته صوت هو الرعد ، وناريّة لطيفة هي البرق ، أو كثيفة هي الصاعقة.

وقد يشتعل الدخان الغليظ بالوصول إلى كرة النار كما يشاهد عند وصول دخان سراج منطفئ إلى سراج مشتعل ، فيرى فيه الاشتغال ، فيرى كأنّه كوكب انقضّ وهو الشهاب.

وقد يكون لغلظه لا يشتعل ، بل يحترق ويدوم فيه الاحتراق ، فيبقى على هيئة ذؤابة أو ذنب أو حيّة أو حيوان له قرون ، وربما يقف تحت كوكب ويدور مع النار بدوران الفلك إيّاها ، وربّما تظهر فيه علامات هائلة حمر وسود بحسب زيادة غلظ الدخان ، وإذا لم ينقطع اتّصال الدخان من الأرض ونزل اشتعاله إلى الأرض ، يرى كأنّ تنّينا ينزل من السماء إلى الأرض وهو الحريق (1).

وقال صاحب البحار في موضع آخر : « قال بعض المحقّقين في تحقيق ألوان القوس : توضيح المقام يستدعي مقدّمتين :

[ المقدمة ] الأولى : أنّ سائر الألوان المتوسّطة بين الأسود والأبيض إنّما تحدث عن اختلاط هذين اللونين.

وبالجملة ، الأبيض إذا رئي بتوسّط الأسود أو بمخالطة الأسود حدثت عن ذلك ألوان أخر ، فإن كان النيّر هو الغالب رئي الأحمر ، وإن لم يكن غالبا رئي الكراثيّ والأرجواني ، وغلبته في الكراثي أكثر وفي الأرجواني أقلّ.

ص: 519


1- « بحار الأنوار » 56 : 391.

[ المقدمة ] الثانية : أنّ اللون الأسود هو بمنزلة عدم الإبصار ؛ لأنّا إذا لم نر الشمس والمضيء ظننّا أنّا نرى شيئا أسود ، فالمكان الذي يكون الأبيض فيه غالبا على ، الأسود نرى أحمر ، والمكان الذي يكون الأسود فيه غالبا نراه أرجوانيّا ، والمكان الذي فيه الأسود بين الغالب والمغلوب ، نراه كراثيا فإذا تمهّد هذا ، فنقول : إذا رأى البصر النيّر بتوسّط الغمام على تلك الشرائط رئي القوس على الأكثر ذات ألوان ثلاثة.

الأوّل : منها [ و ] هو الدور الخارج الذي يلي السماء - أحمر ؛ لقلّة سواده وكثرة بياضه.

والثاني - وهو الذي دونه : كرّاثي ؛ بتوسّطه بين الأوّل والثالث في قلّة السواد وكثرته ، وقلّة البياض وكثرته.

والدور الثالث ممّا يلي الأرض أرجوانيّ ؛ لكثرة سواده وقلّة بياضه.

وأمّا الدور الأصغر - الذي قد يرى أحيانا بين الدور الأحمر والكراثي - فإنّه ليس يحدث بنحو الانعكاس ، فإنّما يرى بمجاورة الأحمر اللون الكراثي ، والعلّة في ذلك أنّ الأبيض إذا وقع إلى جنب الأسود رئي أكثر بياضا ، ولمّا كان الدور الأحمر فيه بياض ما ، والكراثي مائلا إلى السواد رئي طرف الأحمر - لقربه من الكراثي - أكثر بياضا ، وما هو أكثر بياضا من الأحمر هو الأصفر ، فلهذا يرى طرف الدور الأحمر ، القريب من الكراثي أحمر ، وقد يظهر أحيانا قوسان معا كلّ واحدة منهما ذات ثلاثة ألوان على النحو الذي ذكرناه في الواحدة لكن وضع ألوان القوس الخارجة بالعكس من الداخلة يعني دورها الخارج الذي يلي السماء أرجوانيّ ، والذي يليه كرّاثيّ ، والذي يتلو هذا أحمر. ولا يبعد أن يكون أحد القولين عكسا للآخر » (1).

ص: 520


1- « بحار الأنوار » 56 : 395.
[5] فصل : في الرياح وأسبابها وأنواعها
اشارة

وفيه أمور :

[ الأمر ] الأوّل : في الأخبار الواردة في هذا الباب ، وهي أخبار كثيرة :

منها : ما روي عن عليّ علیه السلام أنّه قال : « إنّ للريح رأس وجناحان » (1).

ومنها : ما روي عن كامل ، قال : كنت مع أبي جعفر علیه السلام بالعريض ، فهبّت ريح شديدة ، فجعل أبو جعفر علیه السلام يكبّر ، ثمّ قال : « إنّ التكبير يردّ الريح » وقال علیه السلام : « ما بعث اللّه ريحا إلاّ رحمة أو عذابا ، فقولوا : اللّهمّ إنّا نسألك خيرها وخير ما أرسلت له ، ونعوذ بك من شرّها ومن شرّ ما أرسلت له ، وكبّروا وارفعوا أصواتكم بالتكبير ؛ فإنّه يكسرها » (2).

وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « ما خرجت ريح قطّ إلاّ بمكيال إلاّ زمن عاد ؛ فإنّها عتت على خزّانها فخرجت في مثل خرق الإبرة ، فأهلكت قوم عاد » (3).

وقال الصادق علیه السلام : « نعم الريح الجنوب ، تكسر البرد عن المساكين ، وتلقح الشجر ، وتسيل الأودية » (4).

وقال عليّ علیه السلام : « الرياح خمسة منها العقيم ، فنعوذ باللّه من شرّها وكان النبيّ صلی اللّه علیه و آله إذا هبّت ريح صفراء أو حمراء أو سوداء تغيّر وجهه واصفرّ ، وكان كالخائف الوجل حتّى ينزل من السماء قطرة من مطر ، فيرجع إليه لونه ويقول : جاءتكم بالرحمة » (5).

ومنها : ما روي عن العرزمي أنّه قال : سألت أبا عبد اللّه : من أين تهبّ الريح؟

ص: 521


1- « الفقيه » 1 : 544 ، ح 1517. ولعلّ الكلام مبنيّ على الاستعارة ، أي تشبه الطائر في أنّها تطير إلى كلّ جانب.
2- نفس المصدر ، ح 1518.
3- « الفقيه » 1 : 525 ، ح 1494.
4- « بحار الأنوار » 57 : 6 ، ح 4.
5- « الفقيه » 1 : 548 ، ح 1525.

فقال : « إنّ الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي ، فإذا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يرسل منها شيئا أخرجه إمّا جنوبا فجنوب ، وإمّا شمالا فشمال ، وإمّا صباء فصباء وإمّا دبورا فدبور - ثمّ قال - : ومن آية ذلك أنّك لا تزال ترى هذا الركن متحرّكا أبدا في الشتاء والصيف ، والليل والنهار » (1).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه أنّه قال - بعد ما سئل : لم سمّيت ريح الشمال شمالا؟ قال - : « لأنّها تأتي عن شمال العرش » (2).

ومنها : ما روي عن أحدهم : « الريح العقيم تحت هذه الأرض التي نحن عليها قد زمّت بسبعين ألف زمام من حديد ، وقد وكّل بكلّ زمام سبعون ألف ملك ، فلمّا سلّطها اللّه عزّ وجلّ على عاد ، استأذنت خزنة الريح ربّها عزّ وجلّ أن تخرج منها مثل منخري الثور ، ولو أذن اللّه لها ، لما ترك شيئا على ظهر الأرض إلاّ أحرقته ، فأوحى اللّه تعالى إلى خزنة الريح : أن أخرجوا منها مثل ثقب الخاتم ، فأهلكوا بها » (3).

[ الأمر ] الثاني : في سبب الرياح وحدّها

قال في البحار : « قال الرازي : حدّ الريح أنّه هواء متحرّك ، فنقول : كون هذا الهواء متحرّكا ليس لذاته ولا للوازم ذاته ، وإلاّ لدامت الحركة بدوام ذاته ، فلا بدّ وأن يكون بتحريك الفاعل المختار وهو اللّه جلّ جلاله.

وقالت الفلاسفة : هاهنا سبب آخر هو أنّه يرتفع من الأرض أجزاء أرضيّة لطيفة مسخّنة تسخينا قويّا شديدا ، فبسبب تلك السخونة الشديدة ترتفع وتتصاعد ، فإذا وصلت إلى القرب من الفلك كان الهواء الملتصق بمقعّر الفلك متحرّكا على استدارة الفلك بالحركة المستديرة التي حصلت لتلك الطبقة من الهواء وهي تمنع هذه

ص: 522


1- « الكافي » 8 : 271 ، ح 401.
2- « علل الشرائع » 2 : 576 ، الباب 382.
3- « علل الشرائع » 1 : 33 ، الباب 30 ، ح 1.

الأدخنة من الصعود بل تردّها عن سمت حركتها فحينئذ ترجع تلك الأدخنة وتتفرّق في الجوانب وبسبب ذلك التفرّق تحصل الرياح ، ثمّ كلّما كانت تلك الأدخنة أكثر ، وكان صعودها أقوى ، كان رجوعها أيضا أشدّ حركة ، فكانت الرياح أقوى وأشدّ » (1).

ثمّ قال : « وقال المنجّمون : إنّ قوى الكواكب هي التي تحرّك هذه الرياح وتوجب هبوبها » (2).

[ الأمر ] الثالث : في أقسام الرياح.

وقد روي في البحار عن ابن عمر : « الرياح ثمان : أربع منها رحمة وهي : الناشرات ، والمبشّرات ، والمرسلات ، والذاريات. وأربع منها العذاب وهي : العقيم ، والصرصر - وهما في البرّ - والعاصف ، والقاصف وهما في البحر » (3).

وفي رواية ابن عبّاس مكان الذاريات الرخاء (4).

وفي رواية أخرى : « الرياح سبع : الصبا ، والدبور ، والجنوب ، والشمال ، والخروق ، والنكباء ، وريح القائم » (5).

[6] فصل : في الماء

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن معلّى بن قيس ، قال : قلت : ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسّم ، ثمّ قال : « إنّ اللّه تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها : سيحان وهو نهر الهند ، وجيحان وهو نهر بلخ ، والخشوع وهو نهر التناش (6) ، ومهران وهو نهر الهند ، ونيل مصر ، ودجلة ، والفرات ، فما سقت أو استقت فهو لنا ،

ص: 523


1- « بحار الأنوار » 57 : 2.
2- نفس المصدر : 3.
3- نفس المصدر : 17 ، ح 22.
4- « بحار الأنوار » 57 : 18 ، ح 31.
5- نفس المصدر ، ح 32.
6- في المصدر : « الشاش ».

وما كان لنا فهو لشيعتنا ، وليس لعدوّنا منه شيء إلاّ ما غصب عليه » (1).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّ أوّل عين فاضت على وجه الأرض عين الحياة التي وقف بها موسى علیه السلام وفتاه ومعهما النون المالح ، فسقط فيها فحيي ، وهذا الماء لا يصيب ميّتا إلاّ حيي (2).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام ما يقربه (3).

ومنها : ما روي عن الصادق علیه السلام : « إنّ مهبّ الشمال أرفع من مهبّ الجنوب ، فما رفع اللّه كذلك إلاّ تنحدر المياه على وجه الأرض ، ثمّ تفيض آخر ذلك إلى البحر » (4).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام في جواب سائل سأل عن الجزر والمدّ فقال : « ملك موكّل بالبحار يقال له : رومان ، فإذا وضع قدميه في البحر فاض ، وإذا أخرجهما غاض » (5).

ومنها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « أربعة أنّها من الجنّة : الفرات ، والنيل ، وسيحان ، وجيحان ، فالفرات الماء في الدنيا والآخرة ، والنيل العسل ، وسيحان الخمر ، وجيحان اللبن » (6).

ومنها : ما روي عنه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : أنزل اللّه من الجنّة إلى الأرض خمسة أنهار : سيحان وهو نهر الهند ، وجيحان وهو نهر بلخ ، ودجلة ، والفرات وهما نهرا العراق ، والنيل وهو نهر مصر ، أنزلها اللّه من عين واحدة من عيون الجنّة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبرئيل فاستودعها الجبال ، وأجراها في الأرض

ص: 524


1- « الكافي » 1 : 409 باب أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام ، ح 5.
2- « إعلام الورى » 2 : 170.
3- « بحار الأنوار » 57 : 40 ، ح 5.
4- نفس المصدر 3 : 122.
5- « علل الشرائع » 2 : 554 ، الباب 342 ، ح 1.
6- « الخصال » : 250 ، ح 116.

وجعلها منافع للناس في أصناف معايشهم ، فذلك قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ) (1). فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج رفعها إلى السماء وذلك قوله تعالى : ( وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ ) (2) فعند ذلك فقد أهل الأرض خير الدنيا والآخرة » (3).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « نهران مؤمنان ، ونهران كافران ، فالمؤمنان نيل مصر والفرات ، والكافران نهر بلخ ودجلة ، فحنّكوا أولادكم بماء الفرات » (4).

[7] فصل : في الأرض
اشارة

وفيه مطالب :

الأوّل : في الأخبار الواردة في هذا المقام وهي أخبار عديدة :

منها : ما في خبر الشاميّ أنّه سئل أمير المؤمنين عن الأرض : ممّ خلق؟ قال علیه السلام : « من زبد الماء » (5).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « خلق الأرض قبل السماء ، ووضع الأرض على الحوت ، والحوت في الماء ، والماء في صخرة مجوّفة ، والصخرة على عاتق ملك ، والملك على الثرى ، والثرى على الريح ، والريح على الهواء ، والهواء تمسكه القدرة ، وليس تحت الريح العقيم إلاّ الهواء والظلمات ، ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق ولا شيء يتوهّم » (6).

ومنها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّ الأرض سبع طبقات وهي على ظهر

ص: 525


1- المؤمنون (23) : 19.
2- المؤمنون (23) : 19.
3- « تفسير القرطبي » 12 : 113 ؛ « الدرّ المنثور » 5 : 8.
4- « بحار الأنوار » 57 : 42 ، ح 11.
5- « علل الشرائع » 2 : 593.
6- « الاحتجاج » 2 : 100.

الديك ، والديك على الصخرة ، والصخرة على ظهر الحوت وهو في البحر المظلم ، والبحر المظلم في الهواء وهي في الثرى (1).

ومنها : ما روي عن أبان بن تغلب ، قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الأرض :

على أيّ شيء هي؟ قال : « هي على الحوت » قلت : فالحوت على أيّ شيء؟ قال : « على الماء » قلت : فالماء على أيّ شيء هو؟ قال : « على الصخرة » قلت : فعلى أيّ شيء الصخرة؟ قال : « على قرن ثور أملس » قلت : فعلى أيّ شيء الثور؟ قال : « على الثرى » قلت : فعلى أيّ شيء الثرى؟ فقال : « هيهات! عند ذلك ضلّ علم العلماء » (2).

ومنها : ما روي عن جعفر بن محمّد علیهماالسلام ، عن آبائه ، قال : « أقبل رجلان إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال أحدهما لصاحبه : اجلس على اسم اللّه تعالى والبركة ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : اجلس على أمّك ، فأقبل يضرب الأرض بعصاه ، فقال صلی اللّه علیه و آله : لا تضربها ؛ فإنّها أمّك وهي بكم برّة » (3).

وبهذا الإسناد ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « تمسّحوا بالأرض ؛ فإنّها أمّكم وهي بكم برّة » (4).

المطلب الثاني : في كرويّة الأرض وما ضاهاها

اعلم أنّه قد أفاد في « البحار » أنّ الطبيعيّين والرياضيّين اتّفقوا على أنّ الأرض كرويّة بحسب الحسّ ، وكذا الماء المحيط بها ، وصار بمنزلة كرة واحدة فالماء ليس بتمام الاستدارة ، بل هو على هيئة كرة مجوّفة قطع بعض منها وملئت الأرض على وجه صارت الأرض مع الماء بمنزلة كرة واحدة ومع ذلك ليس شيء من سطحيه

ص: 526


1- « بحار الأنوار » 57 : 83 ، ح 10.
2- « تفسير علي بن إبراهيم » 2 : 59.
3- « كتاب النوادر » للراونديّ : 104.
4- نفس المصدر.

صحيح الاستدارة ، أمّا المحدّب ، فلما فيه من الأمواج ، وأمّا المقعّر ، فللتضاريس فيه من الأرض وقد أخرج اللّه تعالى قريبا من الربع من الأرض من الماء بمحض عنايته الكاملة لتكون مسكنا للحيوانات المتنفّسة.

والتضاريس التي على وجه الأرض من جهة الجبال والأعوار لا تقدح في كرويّتها الحسّيّة ؛ إذ ارتفاع أعظم الجبال وأرفعها فرسخان وثلث فرسخ ، ونسبتها إلى جرم الأرض كنسبة جرم سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع ، بل أقلّ من ذلك (1).

ثمّ قال : « ثمّ إنّهم استعلموا بزعمهم مساحة الأرض وأجزاءها ودوائرها في زمان المأمون وقبله ، فوجدوا مقدار محيط الدائرة العظمى من الأرض ثمانية آلاف فرسخ ، وقطرها ألفين وخمسمائة وخمسة وأربعين فرسخا ونصف فرسخ تقريبا ، ومضروب القطر في المحيط مساحة سطح الأرض وهي عشرون ألف ألف وثلاثمائة وستّون ألف فرسخ ، وربع ذلك مساحة الربع المسكون من الأرض ، وأمّا المقدار المعمور من الربع المسكون - وهو ما بين الخطّ الاستواء والموضع الذي عرضه بقدر تمام الميل - فمساحته ثلاثة آلاف ألف وسبعمائة وخمسة وستّون ألفا وأربعمائة وعشرون فرسخا وهو قريب من سدس سطح جميع الأرض وسدس عشره. والفرسخ ثلاثة أميال بالاتّفاق ، وكلّ ميل أربعة آلاف ذراع عند المحدثين ، وثلاثة آلاف عند القدماء ، وكلّ ذراع أربعة وعشرون إصبعا عند المحدثين ، واثنان وثلاثون عند القدماء ، وكلّ إصبع بالاتّفاق مقدار ستّ شعيرات مضمومة بطون بعضها إلى ظهور بعض من الشعيرات المعتدلة » (2).

المطلب الثالث : في علّة حدوث الزلزلة

قال في « البحار » : « قالوا في علّة حدوث الزلزلة والرجفة : إذا غلظ البخار وبعض

ص: 527


1- « بحار الأنوار » 57 : 95 - 96.
2- نفس المصدر : 97.

الأدخنة والرياح في الأرض بحيث لا ينفذ في مجاريها ؛ لشدّة استحصافها (1) وتكاثفها اجتمع طالبا للخروج ولم يمكنه النفوذ ، فزلزلت الأرض ، وربما اشتدّت الزلزلة فخسفت (2) فتخرج منه نار ؛ لشدّة الحركة الموجبة لاشتعال البخار والدخان لا سيّما إذا امتزجا امتزاجا مقرّبا إلى الدهنيّة ، وربّما قويت (3) على شقّ الأرض ، فتحدث أصوات هائلة ، وربّما حدثت الزلزلة من تساقط عوالي وهدات في باطن الأرض ، فيتموّج بها الهواء المحتقن ، فيتزلزل به الأرض ، وقليلا ما يتزلزل بسقوط قلل الجبال عليها لبعض الأسباب ، وقد يوجد في بعض نواحي الأرض قوّة كبريتيّة ينبعث منها دخان وفي الهواء رطوبة بخاريّة فيحصل من اختلاط دخان الكبريت بالأجزاء الرطبة الهوائيّة مزاج دهني ، وربّما اشتعل بأشعّة الكواكب وغيرها ، فيرى بالليل شعل مضيئة » (4) انتهى ما أردنا ذكره.

وعن ابن عبّاس أنّه قال : خلق اللّه جبلا يقال له : قاف محيط بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض ، فإذا أراد اللّه أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فتحرّك العرق الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ، ويحرّكها ، ومن ثمّ تحرّك القرية دون القرية (5).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام « أنّ ذا القرنين لمّا دخل في الظلمات ، فإذا بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع ، فقال له : من أنت؟ قال : ملك من ملائكة الرحمن موكّل بهذا الجبل ، فليس من جبل خلقه اللّه عزّ وجلّ إلاّ وله عرق من هذا الجبل ، فإذا أراد اللّه أن يزلزل مدينة أوحى إليّ فزلزلتها » (6)

ص: 528


1- أي استحكامها.
2- « بحار الأنوار » 57 : 148 - 149.
3- في المصدر : « فخسفت الأرض ».
4- في المصدر : « قويت المادّة ».
5- « بحار الأنوار » 57 : 127 ، ح 18.
6- « الفقيه » 1 : 542 ، ح 1511 ؛ « تهذيب الأحكام » 3 : 290 ، ح 874.

وعنه علیه السلام أنّه قال : « إنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها ، فقالت : حملتها بقوّتي ، فبعث اللّه حوتا قدر شبر ، فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا ، فإذا أراد اللّه - عزّ وجلّ - أن يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة ، فزلزلت الأرض فرقا » (1).

« وعن أحدهم علیهم السلام أنّ اللّه - تبارك وتعالى - أمر الحوت بحمل الأرض وكلّ بلدة من البلدان على فلس من فلوسه ، فإذا أراد اللّه - عزّ وجلّ - أن يزلزل أرضا ، أمر الحوت أن يحرّك ذلك الفلس ، فيحرّكه ، ولو رفع الفلس لانقلبت الأرض بإذن اللّه » (2).

وفي « العلل » عن فاطمة علیهماالسلام أنّه قالت : « أصابت الناس زلزلة في عهد أبي بكر » وساقت الحديث إلى قولها : فقال لهم علیه السلام : « كأنّكم قد هالكم ما ترون قالوا : وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قطّ؟! قالت : فحرّك شفتيه ، ثمّ ضرب الأرض بيده ، ثمّ قال : مالك؟ اسكني فسكنت فقال : أنا الرجل الذي قال اللّه عزّ وجلّ : ( إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها* وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها ) وأنا الإنسان الذي يقول لها : مالك؟ ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ) (3) إيّاي » (4).

المطلب الرابع : في قسمة المعمور من الأرض بالأقاليم السبعة

اعلم أنّه قد أفاد في « البحار » أنّ الدائرة العظيمة - التي تحدث على سطح الأرض إذا فرض معدّل النهار قاطعا للعالم الجسمانيّ - تسمّى خطّ الاستواء ، وإذا فرضت عظيمة أخرى على وجه الأرض تمرّ بقطبيها انقسمت الأرض بهما أرباعا أحد القسمين الشماليّين هو الربع المسكون ، والباقية إمّا غامرة في البحار ، أو عامرة

ص: 529


1- « الفقيه » 1 : 542 ، ح 1512.
2- نفس المصدر ، ح 1513.
3- الزلزلة (99) : 1 - 4.
4- « علل الشرائع » 2 : 556 ، الباب 343 ، ح 7 ؛ « دلائل الإمامة » : 66.

غير معلومة الأحوال ، وطول كلّ ربع بقدر نصف الدائرة العظيمة ، وعرضه بقدر ربعها. وهذا الربع المسكون أيضا ليس كلّه معمورا ؛ إذ بعضه في جانب الشمال لفرط البرد لا يمكن التعيّش فيه ، وبعضه بحار وجبال وآكام وآجام وبطائح ومغايض وبراري.

ومبدأ العمارة عند المنجّمين من جانب المغرب ، وكان هناك جزائر تسمّى الجزائر الخالدات وهي الآن مغمورة في الماء ، فجعلها بعضهم مبدأ الطول. وآخرون جعلوا ساحل البحر الغربيّ مبدأ ، وبينهما عشر درجات.

ونهاية العمارة من الجانب الشرقيّ عندهم « كنك دز » هو مستقرّ الشياطين بزعمهم.

ثمّ قسموا المعمور من هذا الربع في جانب العرض بسبعة أقاليم بدوائر موازية لخطّ الاستواء ، طول كلّ إقليم ما بين الخافقين ، وعرضه بقدر تفاضل نصف ساعة في النهار الأطول.

فمبدأ الإقليم الأوّل في العرض عند الأكثر مواضع يكون عرضها اثنتي عشرة درجة وثلثي درجة ، ونهار هم الأطول اثنتا عشرة ساعة ونصف وربع. وبعضهم جعل مبدأه خطّ الاستواء.

ومساحة سطحه ستّمائة ألف واثنان وستّون ألف فرسخ وأربعة وأربعون فرسخا ونصف فرسخ.

وعدد البلاد المشهورة الواقعة فيه خمسون : كنجران ، وجند ، وصنعاء ، وسعدة ، وسندان ، وصحار.

وفيه من الجبال والأنهار العظيمة عشرون جبلا وثلاثون نهرا ، ولون أكثر أهله السواد.

وهو يبتدئ في الطول من المشرق وأراضي الصين ، ويمرّ على بعض البلاد الجنوبيّة من الهند والسند ، ثمّ على خليج فارس وجزيرة العرب وأكثر بلاد اليمن

ص: 530

كحضر موت وصنعاء ، وعلى دار ملك الحبشة وغاية معدن الذهب وبلاد بربر إلى المحيط.

ومبدأ الإقليم الثاني في العرض عشرون درجة ونصف ونهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة وربع.

ومساحته خمسمائة ألف واثنان وسبعون فرسخا وستّة وستّون فرسخا وثلث فرسخ.

والبلاد المشهورة الواقعة فيه أيضا خمسون : كمكّة ، والمدينة ، وجدّة ، وخيبر ، والأحساء ، والقطيف ، والبحرين ، وصومنات ، وفيه من الجبال عشرون ، ومن الأنهار مثلها ، ولون عامّة أهله بين السواد والسمرة.

وهو يأخذ في الطول من بلاد الصين ويمرّ بمعظم بلاد الهند ، ومنه إلى معظم بلاد السند ، ويصل إلى عمان ، ويقطع جزيرة العرب من أرض نجد ، ويمرّ بالطائف ومكّة والمدينة ويثرب ، ويقطع [ القلزم ... ] (1) ثمّ يقطع النيل ، ويمرّ بأوساط بلاد إفريقية ، ثمّ ببلاد البربر ، ويصل إلى المحيط.

ومبدأ الإقليم الثالث في العرض سبع وعشرون درجة ونصف ، ونهاية طول الأيّام ثلاث عشرة ساعة وثلاثة أرباع ساعة.

ومساحته أربعمائة وستّون ألف فرسخ وأحد وتسعون فرسخا وخمسا فرسخ.

والبلاد المشهورة الواقعة فيه مائة وثمانية وعشرون : كمصر ، وقسطنطينيّة ، وبيت المقدس ، ودمشق ، والكوفة ، وبغداد ، والمدائن والبصرة ، وشيراز ، وأصفهان ، وأردستان ، وطبس ، وكابل. وفيه من الجبال ثلاثة وثلاثون ، ومن الأنهار اثنان وعشرون ، ولون أكثر أهله السمرة.

وهو يبتدئ من شرقيّ أرض الصين ويمرّ بواسطة مملكة الهند وقندهار

ص: 531


1- الزيادة أضفناها من المصدر.

وكشمير وكرمان وفارس وأصفهان وبغداد ومصر وبيت المقدس ، ثمّ يمرّ ببلاد الإفريقيّة ، ثمّ بأراضي المغرب ، وينتهي إلى المحيط.

ومبدأ الإقليم الرابع في العرض ثلاث وثلاثون درجة وأربعون درجة وأطول نهاره أربع عشرة ساعة وربع.

ومساحة سطحه ثلاثمائة ألف وثمانية وسبعون ألف وثمانية وثلاثون فرسخا وربع.

والبلاد المشهورة فيه مائتان واثنا عشر : كالموصل ، وسلماس ، وخوي ، ومراغة ، وأردبيل ، وتبريز ، وقصر شيرين ، وزنجان ، ونهاوند ، وهمدان ، وبروجرد ، وأبهر ، وساوه ، وقزوين ، والديلم ، وقمّ ، وقاشان ، والريّ ، ولاهيجان ، وطبرستان ، وسمنان ، واسترآباد ، وطوس ، وهراة. وفيه من الجبال خمسة وعشرون ، ومن الأنهار اثنان وعشرون ، ولون أكثر أهله بين السمرة والبياض.

وهذا الإقليم وسط الأقاليم ووسط معظم عمارة العالم. ويبتدئ من شمال بلاد الصين ، ويمرّ إلى خطا وختن وبجبال كشمير وبدخشان وطوس ونيشابور وجرجان ومازندران وگيلان وأردبيل ومراغة وحلب وأنطاكية وطرطوس وجزيرة قبرس ورودس ، ويمرّ بأرض المغرب على بلاد فرنجة وطنجة ، وينتهي إلى المحيط.

ومبدأ الإقليم الخامس في العرض تسع وثلاثون درجة. وغاية طول أنهارهم أربع عشرة ساعة وثلاثة أرباع ساعة.

ومساحة سطحه مائتا ألف وتسعة وتسعون ألف فرسخ وأربعمائة وثلاثة وتسعون فرسخا وثلاثة أعشار فرسخ.

والبلاد المشهورة فيه مائتان : كبردعة ، وشيروان ، وتفليس ، وبيلقان ، وگنجة ، ونحشير ، ودرعان ، وسمرقند ، وساباط ، وكاسان. وفيه من الجبال ثلاثون ، ومن الأنهار خمسة عشر. ولون عامّة أهله البياض.

ص: 532

وهو يبتدئ من أقصى بلاد الترك ، ويمرّ إلى مواضع الأتراك المشهورة وإلى بيت المقدس وشيروان وخوارزم وبخارا وسمرقند وبحر خزر وديار أرمينية وبعض بلاد الروم وبلاد أندلس إلى أن ينتهي إلى المحيط.

ومبدأ الإقليم السادس في العرض ثلاث وأربعون درجة ونصف. وغاية طول نهاره خمس عشرة ساعة وربع.

ومساحة سطحه مائتا الف وخمسة وثلاثون ألف فرسخ وأربعة وثلاثون فرسخا وثلثا فرسخ.

والبلاد المشهورة الواقعة فيه تسعون : كجند ، وفاراب ، وخانبالق ، وقسطنطينيّة.

وفيه من الجبال أحد عشر ، ومن الأنهار أربعون ، ولون غالب أهله الشقرة.

وهو يبتدئ من المشرق ، ويمرّ بمساكن أتراك الشرق ، ويقطع وسط بحر طبرستان ، وباب الأبواب والروس ، ثمّ بمعظم بلاد الروم ، وبشمال أندلس ، وينتهي إلى المحيط.

ومبدأ الإقليم السابع حيث العرض سبع وأربعون درجة وأربع. وغاية طول نهاره خمس عشرة ساعة وثلاثة أرباع ساعة.

ومساحة سطحه مائة ألف وسبعة وثمانون ألف فرسخ وسبعمائة وواحد وعشرون فرسخا وثلثا فرسخ.

والبلاد المشهورة فيه اثنان وعشرون : ككرش ، وأرق ، وبلغار. وفيه من الجبال أحد عشر ، ومن الأنهار أربعون ، ولون أكثر أهله بين الشقرة والبياض.

وهو يبتدئ من المشرق ، ويمرّ بنهايات الأتراك الشرقيّة ، وبشمال بلاد يأجوج ومأجوج ، ثمّ على عياض وبلغار وروس والصقالبة ، ويقطع بحر الشام ، وينتهي إلى المحيط.

وبعض أهل بلاد هذا الإقليم يسكنون مدّة ستّة أشهر في الحمّامات ؛ لشدّة البرد.

وآخر الأقاليم - حيث عرضه خمسون درجة ونصف ، وغاية طول نهاره ستّ عشرة

ص: 533

ساعة وربع إلى عرض التسعين - لا يعدّونه من الأقاليم (1).

المطلب الخامس : في الممدوح من البلدان والمذموم منها فها هنا أمران :

الأوّل : في بيان البلدان الممدوحة وهي عديدة :

منها : مكة ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ) (2) ونحوه.

ومنها : المدينة.

ومنها : بيت المقدس.

ومنها : الكوفة ؛ لما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّ اللّه اختار من البلدان أربعة : التين ، والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين ، فالتين : المدنية ، والزيتون : البيت المقدس ، وطور سنين : الكوفة ، وهذا البلد الأمين : مكّة » (3).

ومنها : كربلاء ؛ لما روي عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « البقعة المباركة في القرآن هي كربلاء » (4).

ومنها : أرض سرانديب ؛ لما ورد من أنّه أكرم واد على وجه الأرض (5).

ومنها : قمّ ؛ لما روي أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « لمّا أسري بي إلى السماء ، حملني جبرئيل على كتفه الأيمن ، فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء ، أحسن لونا من الزعفران ، وأطيب ريحا من المسك فإذا فيها شيخ على رأسه البرنس فقلت لجبرئيل : ما هذه البقعة الحمراء؟ قال : بقعة شيعتك وشيعة وصيّك عليّ ، فقلت : من الشيخ صاحب البرنس؟ قال : إبليس ، قلت : فما يريد منهم؟ قال : يريد أن يصدّهم عن ولاية أمير المؤمنين علیه السلام ويدعوهم إلى الفسق والفجور فقلت : يا جبرئيل! أهو بنا

ص: 534


1- « بحار الأنوار » 57 : 130 - 138.
2- آل عمران (3) : 96.
3- « بحار الأنوار » 57 : 204 ، ح 2.
4- « بحار الأنوار » 57 : 203.
5- « علل الشرائع » 2 : 572 ، الباب 373 ، ح 1.

إليهم فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللامح فقلت : قم يا ملعون! فشارك أعداءهم [ في أموالهم وأولادهم ونسائهم ] (1) فإنّ شيعتي ليس لك عليهم من سلطان » (2) فسمّيت قمّ ، ونحو ذلك كالخبر المرويّ عن زرارة بن أعين عن الصادق علیه السلام قال : « أهل خراسان أعلامنا ، وأهل قمّ أنصارنا ، وأهل كوفة أوتادنا ، وأهل السواد منّا ونحن منهم » (3).

وعن عفّان البصري عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : قال لي : « أتدري لم سمّي قمّ؟ » قلنا : اللّه ورسوله أعلم فقال : « إنّما سمّي قمّ ؛ لأنّ أهله يجتمعون مع قائم آل محمّد ، ويقومون معه ويستقيمون عليه » (4).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « إنّ اللّه احتجّ بالكوفة على سائر البلاد ، وبالمؤمنين من غيرهم من أهل البلاد ، واحتجّ ببلدة أهل قمّ على سائر البلاد ، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجنّ والإنس ولم يدع اللّه قمّ وأهله مستضعفا بل وفّقهم وأيّدهم » (5). ثمّ قال : « إنّ الدين بقم وأهله ذليل (6) ولو لا ذلك لأسرع الناس إليهم فخرب قمّ وبطل أهله فلم يكن حجّة على سائر العباد » (7).

وعن الأئمّة علیهم السلام « لو لا القمّيّون لضاع الدين » (8).

ولكن ورد عن أبي الحسن الأوّل ، قال : « قمّ عشّ آل محمّد ، ومأوى شيعتهم ، ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بعقوق آبائهم والاستخفاف والسخريّة

ص: 535


1- العبارة لم ترد في « ز ».
2- « علل الشرائع » 2 : 572 ، ح 1.
3- « بحار الأنوار » 57 : 214 ، ح 30.
4- نفس المصدر : 216 ، ح 38.
5- نفس المصدر : 213 ، ح 22.
6- في « أ » : « إنّ الدين وأهله بقم ذليل ».
7- « بحار الأنوار » 57 : 213 ، ح 21.
8- نفس المصدر : 217 ، ح 43.

بكبرائهم ومشايخهم » (1).

ومنها : اليمن ؛ « لما روي أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغضهم أبغضني » (2).

ومنها : قزوين ؛ لما ورد من أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « قزوين باب من أبواب الجنّة » (3) وإن ورد عن الصادق علیه السلام أنّه « ملعون وشؤم » (4).

وأمّا الطالقان ، فعن أمير المؤمنين علیه السلام : « ويحا للطالقان [ فإنّ لله تعالى بها كنوزا ليست من ذهب ولا فضّة ] (5) ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا اللّه حقّ معرفته وهم أنصار المهديّ » (6).

ومنها : طوس ؛ لما روي أنّ بين الجبلين روضة من رياض الجنّة (7).

الثاني : في بيان البلدان المذمومة وهي عديدة :

منها : الريّ وساوة ؛ لما ورد عن الصادق علیه السلام : « أنّ ريّ وقزوين وساوة ملعونات وشؤمات » (8) وإن روي أنّه في التوراة مكتوب : « الريّ باب من أبواب الأرض وإليها متجر الناس » (9).

وقال الأصمعي : الريّ عروس الدنيا وإليها متجر الناس (10).

ولكنّه روي عن جعفر بن محمّد علیهماالسلام : « أنّ أهل الريّ هم أعداء اللّه ورسوله ،

ص: 536


1- نفس المصدر : 214 ، ح 31.
2- « كنز الفوائد » : 266.
3- « بحار الأنوار » 57 : 229 ، ح 57.
4- نفس المصدر ، ح 55.
5- الزيادة أضفناها من المصدر.
6- « بحار الأنوار » 57 : 229 ، ح 56.
7- « مدينة المعاجز » 7 : 181.
8- « بحار الأنوار » 57 : 229 ، ح 55.
9- نفس المصدر : 228 ، ح 65.
10- نفس المصدر ، ح 55.

وأعداء أهل بيته ، يرون حرب أهل بيته جهادا ومالهم مغنما ، ولهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا والآخرة ولهم عذاب مقيم » (1).

ومنها : الموصل ؛ لما روي عنه علیه السلام : « هم شرّ من على وجه الأرض » (2).

ومنها : البصرة ؛ لما روي أنّ عليّا علیه السلام لمّا أراد الخروج من البصرة ، قام على أطرافها ثمّ قال : « لعنك اللّه يا أنتن الأرض ترابا وأسرعها خرابا وأشدّها عذابا! فيك الداء الدويّ » (3).

وقد أفاد في « البحار » بأنّه يمكن الجمع بين الآيات والأخبار الواردة في مدح الشام ومصر وذمّه باختلاف أحوال أهله في الأزمان المختلفة (4).

الفائدة الخامسة : في المواليد الثلاثة ، أعني الجمادات ، والنباتات ، والحيوانات ، وفيها فصول :
الفصل الأوّل : في المعادن

وفيه أخبار :

منها : ما روي من أنّ ضبّاع بن نصر الهنديّ سأل عن الرضا علیه السلام : ما أصل الماء؟ قال : « أصل الماء خشية اللّه » ثمّ قال : كيف منها عيون نفط وكبريت وقار وملح وأشباه ذلك؟ قال : « غيّره الجوهر وانقلبت كانقلاب العصير خمرا ، وكما انقلبت الخمر فصارت خلًّا ، وكما يخرج من بين فرث ودم لبنا خالصا » قال : فمن أين أخرجت أنواع الجواهر؟ قال : « انقلب منها كانقلاب النطفة علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ خلقة

ص: 537


1- « الخصال » : 507 ، ح 4.
2- « بحار الأنوار » 57 : 206 ، ح 5.
3- نفس المصدر 47 : 357 ، ح 64.
4- نفس المصدر 57 : 208 ، ذيل ح 8.

مجمعة مبنيّة على المتضادّات الأربعة ».

ثمّ قال : إذا كانت الأرض خلقت من الماء والماء بارد رطب ، فكيف صارت الأرض باردة يابسة؟! قال : « سلبت النداوة وصارت يابسة » (1).

ومنها : ما روي عن الثمالي ، قال : مررت مع أبي عبد اللّه علیه السلام في سوق النحاس فقلت : جعلت فداك هذا النحاس أيّ شيء أصله؟ فقال : « فضّة إلاّ أنّ الأرض أفسدتها ، فمن قدر على أن يخرج الفساد منها انتفع بها » (2).

ومنها : ما روي عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « فكّر يا مفضّل في هذه المعادن وما يخرج منها من الجواهر المختلفة مثل الجصّ والكلس والجبسين والزرانيخ والمرتك والقوينا والزيبق والنحاس والرصاص والفضّة والذهب والزبرجد والياقوت والزمرّد وضروب الحجارة وكلّ ما يخرج منها من القار والموميا والكبريت والنفط وغير ذلك ممّا يستعمله الناس في مآربهم فهل يخفى على ذي عقل أنّ هذا كلّها ذخائر ذخرت للإنسان في هذه الأرض ليستخرجها فيستعملها عند الحاجة إليها؟ » (3).

الفصل الثاني : في النباتات ؛

وفيها أخبار :

منها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام : « أنّ أوّل شجرة غرست في الأرض العوسجة ، ومنها عصا موسى ، وأنّ أوّل شجرة نبتت في الأرض الدّبّاء وهي القرع » (4).

ص: 538


1- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 464.
2- « الكافي » 5 : 307 باب المملوك يتّجر ... ح 15.
3- « بحار الأنوار » 3 : 128.
4- نفس المصدر 10 : 78.

ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام : « أنّ أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض النخلة » (1).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « لم يخلق اللّه - عزّ وجلّ - شجرة إلاّ ولها ثمرة تؤكل ، فلمّا قال الناس : اتّخذ اللّه ولدا ، أذهب نصف ثمرها ، فلمّا اتّخذوا مع اللّه إلها ، شاك الشجر » (2).

ومنها : ما روي عنه علیه السلام أنّه قال : « لمّا أهبط اللّه - عزّ وجلّ - آدم من الجنّة ، أهبط معه عشرين ومائة قضيب ، أربعون منها ما يؤكل داخلها وخارجها ، وأربعون منها ما يؤكل داخلها ويرمى بخارجها ، وأربعون منها ما يؤكل خارجها ويرمى بداخلها ، وغرارة (3) فيها بذر كلّ شيء » (4).

ومنها : ما روي عنه علیه السلام أنّه قال : « خمس من فاكهة الجنّة في الدنيا : الرمّان الملاسي ، والتفّاح الأصفهاني ، والسفرجل ، والعنب ، والرطب المشان » (5).

ومنها : ما روي أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان يأكل الفاكهة الرطبة ، وكان أحبّها إليه البطّيخ والعنب (6).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه أخذ بطّيخة ليأكلها ، فوجدها مرّة ، فرمى بها وقال : « بعدا وسحقا » فقيل له : يا أمير المؤمنين علیه السلام ما هذه البطّيخة؟ فقال له : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّ اللّه عقد مودّتنا على كلّ حيوان ونبت ، فما قبل

ص: 539


1- « الأمالي » للطوسي : 215 ، ح 373.
2- « علل الشرائع » 2 : 573 ، الباب 374 ، ح 1.
3- في هامش « ب » : « في القاموس : الغرارة - بالكسر - الجوالق. وقال : البذر : كلّ حبّ يبذر للنبات - كذا في البحار ». منه رحمه اللّه .
4- « بحار الأنوار » 11 : 204 ، ح 4.
5- « المحاسن » 2 : 536.
6- « مكارم الأخلاق » : 29.

الميثاق كان عذبا طيّبا ، وما لم يقبل الميثاق كان ملحا زعاقا » (1).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « لكلّ شيء حلية ، وحلية الخوان البقل » (2).

ومنها : ما روي عن عليّ بن أبي طالب علیه السلام أنّه سئل : ممّا خلق اللّه الشعير؟ فقال علیه السلام : « إنّ اللّه تبارك وتعالى أمر آدم أن ازرع ممّا اخترت لنفسك ، وجاءه جبرئيل بقبضة من الحنطة فقبض آدم على قبضة وقبضت حوّاء إلى أخرى ، فقال آدم لحوّاء : لا تزرعي فلم تقبل أمر آدم فكلّما زرع آدم جاء حنطة ، وكلّما زرعت حوّاء جاء شعيرا » (3).

الفصل الثالث في الحيوانات ،

وفيها أخبار :

منها : ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة يعجّ إلى اللّه ويقول : يا ربّ إنّ هذا قتلني عبثا لم ينتفع بي ، ولم يدعني فآكل من حشارة (4) الأرض » (5).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « ما من طير يصاد في برّ ولا بحر ، ولا يصاد شيء من الوحوش إلاّ بتضييعه التسبيح » (6).

ومنها : ما روي عنه علیه السلام أنّه قال : « كانت الوحوش والطير والسباع وكلّ شيء

ص: 540


1- « علل الشرائع » 2 : 464 ، ح 10.
2- « الأمالي » للطوسيّ : 304 ، ح 606.
3- « علل الشرائع » 2 : 574 ، ح 2.
4- في « مستدرك الوسائل » 8 : 304 : « خشاش ».
5- « بحار الأنوار » 61 : 4 ، باب عموم أحوال الحيوان.
6- « الكافي » 3 : 505 باب منع الزكاة ، ح 18 ؛ « تفسير علي بن إبراهيم » 2 : 107.

خلق اللّه عزّ وجلّ مختلطا بعضه ببعض ، فلمّا قتل ابن آدم أخاه نفرت فرغب كلّ شيء إلى شكله » (1).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال في ذئب أتوا إليه علیه السلام : « أمرتهم أن لا يؤذوا وليّا لي ولأهل بيتي ، فضمنوا لي ذلك » (2).

وفي حلية لأبي نعيم ، قال : بلغني أنّ الأسد لا يأكل إلاّ من أتى محرّما (3).

ومنها : ما روي عن الحسين علیه السلام أنّه قال : « إذا صاح النسر ، فإنّه يقول : يا ابن آدم! عش ما شئت ؛ فإنّ آخرك الموت ، وإذا صاح الطاوس ، يقول : مولاي! ظلمت نفسي واغتررت بزينتي فاغفر لي ، وإذا صاح الديك ، يقول : من عرف اللّه لم ينس ذكره ، وإذا قرقرت الدجاجة ، تقول : يا إله الحقّ! أنت الحقّ ، وقولك الحقّ يا حقّ ، وإذا صاح الدرّاج ، يقول : الرحمن على العرش استوى ، وإذا صاح الغراب ، يقول : يا رزّاق! ابعث الرزق الحلال ، وإذا صاح اللقلق ، يقول : من تخلّى عن الناس نجا من أذاهم ، وإذا صاح الهدهد ، يقول : ما أشقى من عصى اللّه ، وإذا صاح العصفور ، يقول : أستغفر اللّه ممّا يسخط اللّه ، وإذا صاح البلبل ، يقول : لا إله إلاّ اللّه حقّا حقّا ، وإذا صاح الجمل ، يقول : كفى بالموت واعظا ، وإذا صاح الثور ، يقول : يا ابن آدم! مهلا مهلا ، يا ابن آدم! أنت بين يدي من يرى ولا يرى وهو اللّه ، وإذا صاح الفيل ، يقول : لا يغني عن الموت قوّة ولا حيلة ، وإذا صهل الفرس ، يقول : سبحان ربّنا سبحانه » (4).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « إنّ اللّه تعالى عرض أمانتي وولايتي على الطيور فأوّل من آمن بها البزاة البيض والقنابر ، وأوّل من جحد بها

ص: 541


1- « قصص الأنبياء » للراوندي : 64 ، ح 38.
2- « مدينة المعاجز » : 392 ، ح 127 ؛ « دلائل الإمامة » : 260.
3- لم نعثر عليه.
4- « الخرائج والجرائح » 1 : 252.

البوم والعنقاء. فأمّا البوم ، فلا تقدر أن تظهر بالنهار ؛ لبغض الطير لها. وأمّا العنقاء ، فغابت في البحار لا ترى ».

ومنها : ما سئل الحسن علیه السلام عن الآية الشريفة : ( إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) (1) : إنّ الفيل أعظم من الإبل في الأعجوبة؟ فقال علیه السلام : « أمّا الفيل فالعرب بعيد العهد بها ، ثمّ هو خنزير ، لا يركب ظهرها ، ولا يؤكل لحمها ، ولا يحلب ضرعها ، والإبل من أعزّ مال العرب وأنفسه ، تأكل النوى والقتّ ، وتخرج اللبن ، ويأخذ الصبيّ بزمامها فيذهب بها حيث يشاء مع عظمها في نفسها » (2).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : عليكم بالغنم والحرث ؛ فإنّهما يروحان بخير ، ويغدوان بخير » (3).

ومنها : ما روي عنه علیه السلام أنّه قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت ، والبقر إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أدبرت ، والإبل أعنان الشياطين إذا أقبلت أدبرت ، وإذا أدبرت أدبرت » (4).

ومنها : ما روي عنه علیه السلام « أنّ أفضل ما يتّخذه الرجل في منزله لعياله الشاة ، فمن كانت في منزله شاة قدّست له الملائكة في كلّ يوم ، وانتقل عنهم الفقر » (5).

ومنها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « أكرموا البقر ؛ فإنّها سيّد البهائم ما رفعت طرفها إلى السماء حياء من اللّه عزّ وجلّ منذ عبد العجل » (6).

وعن أمير المؤمنين مثله (7).

ص: 542


1- الغاشية (88) : 17.
2- « بحار الأنوار » 61 : 108.
3- « المحاسن » 2 : 643 ، ح 165.
4- « بحار الأنوار » 61 : 123 ، ح 6 ، عن معاني الأخبار.
5- « الخصال » : 617.
6- « بحار الأنوار » 13 : 209 ، ح 3.
7- « الفضائل » لابن شاذان : 147.

ومنها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « لمّا خلق اللّه الفرس ، قال لها : خلقتك عربيّا ، وجعلت الخير معقودا بناصيتك ، والغنائم محتازة على ظهرك ، وبوّأتك سعة في الرزق ، وأيّدتك على غيرك من الدوابّ ، وأعطفت عليك صاحبك ، وجعلتك تطيرين بلا جناح فأنت للطلب ، وأنت للهرب ، وإنّي سأجعل على ظهرك رجالا يسبّحوني ويحمدوني » (1).

وعنه صلی اللّه علیه و آله : « الخيل معقود بناصيتها الخير إلى يوم القيامة ، والمنفق عليها في سبيل اللّه كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها ، فإذا أعددت شيئا [ فأعدّه ] أقرح ، أرثم ، محجّل [ الثلاثة ] ، طلق اليمين ، كميتا ، ثمّ أغرّ تسلم وتغنم » (2).

ومنها : ما روي عن أبي الحسن علیه السلام أنّه قال : « من خرج من منزله أو من منزل غيره في أوّل الغدوة فلقي فرسا أشقر به وضح - وإن كانت به غرّة سائلة فهو العيش كلّ العيش - لم يلق في يومه ذلك إلاّ سرورا وإن توجّه في حاجة فلقي الفرس ، قضى اللّه حاجته » (3).

ومنها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال : « يمن الخيل في كلّ أحوى أحمر ، وفي كلّ أدهم أغرّ مطلق اليمين » (4).

ومنها : ما روي علیه السلام عنه أنّه قال : « من ارتبط فرسا عتيقا محيت عنه ثلاث سيّئات في كلّ يوم ، وكتب له إحدى وعشرون حسنة ، ومن ارتبط هجينا محيت عنه في كلّ يوم سيّئتان ، وكتب له سبع حسنات ، ومن ارتبط برذونا محيت عنه في كلّ يوم سيّئة ، وكتب له ستّ حسنات » (5).

ص: 543


1- « بحار الأنوار » 61 : 156 ، ح 7 ؛ « الدرّ المنثور » 3 : 195.
2- « الفقيه » 2 : 283 ، ح 2459.
3- « ثواب الأعمال » : 191 ، ثواب ارتباط الخيل.
4- « المستدرك » للنيسابوري 2 : 92.
5- « المحاسن » 2 : 631.

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « تسعة أعشار الرزق مع صاحب الدابّة » (1).

وعنه علیه السلام « إذا اشتريت دابّة فإنّ منفعتها لك ورزقها على اللّه » (2).

ومنها : ما روي أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لم يكن شيء أحبّ إليه بعد النساء من الخيل (3).

وعنه علیه السلام أنّه كان يكره الشكال من الخيل (4).

والشكال أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض ، أو في يده اليسرى ، أو في يده اليمنى ورجله اليسرى بياض. كذا وقع في تفسير صحيح مسلم (5).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّ البغال كانت تتناسل وكانت أسرع الدوابّ في نقل الحطب لنار إبراهيم ، فدعا عليها فقطع اللّه نسلها » (6).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال : « أحبّ المطايا إليّ الحمر » (7).

ومنها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله انّه قال : « أكثروا من الدواجن في بيوتكم لتشاغل بها الشياطين عن صبيانكم » (8).

ومنها : ما روي عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه أنّه قال : « كانوا يحبّون أن يكون في البيت دواجن مثل الحمام والدجاج أو العناق ليعبث به صبيان الجنّ ولا يعبثون بصبيانهم » (9).

ص: 544


1- « الكافي » 6 : 535 باب ارتباط الدابّة والمركوب ، ح 2.
2- « المحاسن » 2 : 625.
3- « بحار الأنوار » 61 : 181.
4- نفس المصدر.
5- « بحار الأنوار » 61 : 181.
6- نفس المصدر : 189.
7- « وسائل الشيعة » 8 : 360 ، ح 15354.
8- « بحار الأنوار » 60 : 74 ، ح 25.
9- « قرب الإسناد » : 93.

ومنها : ما روي عن الرضا علیه السلام أنّه قال : « في الديك الأبيض خمس خصال من خصال الأنبياء : معرفته بأوقات الصلاة ، والعزّة ، والسخاء ، والشجاعة ، وكثرة الطروقة » (1).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « إنّ لله ديكا في الأرض ورأسه تحت العرش ، جناح له في المشرق ، وجناح له في المغرب يقول : سبحان الملك القدّوس ، فإذا قال ذلك صاحت الديوك وأجابته فإذا سمع صوت الديك فليقل أحدكم : سبحان ربّي الملك القدّوس » (2).

ومنها : ما روي عنه علیه السلام أنّه قال : « ديك أفرق أبيض يحرس دويرته وسبع دويرات حوله ، ولنفضة من حمامة منمّرة أفضل من سبع ديوك فرق بيض » (3).

ومنها : ما روي أنّ عمر قال : أطيب اللحمان لحم الدجاج ، فقال أمير المؤمنين : « كلاّ إنّ ذلك خنازير الطيور ، وإنّ أطيب اللحمان لحم فرخ قد نهض أو كاد أن ينهض » (4).

ومنها : ما روي من أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان يقول : « الديك الأبيض الأفرق حبيبي وحبيب حبيبي جبرئيل ، يحرس بيته وستّة عشر بيتا من جيرانه » (5).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « اتّخذوا الحمام الراعبيّة في بيوتكم ؛ فإنّها تلعن قتلة الحسين علیه السلام » (6).

وعنه علیه السلام أنّه قال : « يستحبّ أن تتّخذ طيرا مقصوصا تأنس به مخافة الهوامّ » (7).

ص: 545


1- « بحار الأنوار » 62 : 5.
2- « الأصول الستّة عشرة » : 74.
3- « الكافي » 6 : 549 باب الديك ، ح 2.
4- « الكافي » 6 : 313 باب لحوم الطير ، ح 2.
5- « بحار الأنوار » 62 : 7.
6- « الكافي » 6 : 547 باب الحمام ، ح 13.
7- نفس المصدر : 546 ، ح 3.

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : من سرّه أن يقلّ غيظه ، فليأكل الدرّاج » (1).

وعنه علیه السلام أنّه قال : « من اشتكى فؤاده ، وكثر غمّه ، فليأكل الدرّاج » (2).

ومنها : ما روي عن جعفر بن محمّد أنّه قال : « المسوخ ثلاثة عشر : الفيل ، والدبّ ، والأرنب ، والعقرب ، والضبّ ، والعنكبوت ، والدعموص ، والجرّي ، والوطواط ، والقرد ، والخنزير ، والزهرة ، وسهيل » قيل : يا ابن رسول اللّه! ما كان سبب مسخ هؤلاء؟ قال :

« أمّا الفيل فكان رجلا جبّارا لوطيّا لا يدع رطبا ولا يابسا.

وأمّا الدبّ فكان رجلا مؤنّثا مخنّثا يدعو الرجال إلى نفسه.

وأمّا الأرنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا غير ذلك.

وأمّا العقرب فكان رجلا همّازا لا يسلم منه.

وأمّا الضبّ فكان رجلا أعرابيّا يسرق الحاجّ بمحجنه (3).

وأمّا العنكبوت فكانت امرأة سحرت زوجها.

وأمّا الدعموص فكان رجلا نمّاما يقطع بين الأحبّة.

وأمّا الجرّي ، فكان ديّوثا يجلب الرجال على حلائله.

وأمّا الوطواط ، فكان رجلا سارقا يسرق الرطب من رءوس النخل.

وأمّا القردة فاليهود اعتدوا في السبت.

وأمّا الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشدّ ما كانوا تكذيبا.

وأمّا سهيل فكان رجلا عشّارا باليمن.

ص: 546


1- نفس المصدر : 312 باب لحوم الطير ، ح 3.
2- « مكارم الأخلاق » : 161.
3- المحجن : عصا في رأسها اعوجاج. « تاج العروس » 9 : 171 « ح ج ن ».

وأمّا الزهرة فإنّها كانت امرأة تسمّى « ناهيد » وهي التي تقول الناس : إنّه افتتن بها هاروت وماروت (1) ».

وروي عن أبي الحسن علیه السلام « أنّ الزنبور أيضا من المسوخ وكان لحّاما يسرق في الميزان » (2).

ومنها : ما روي عن الرضا علیه السلام أنّه قال : « كان الخفّاش امرأة سحرت ضرّة لها فمسخها اللّه خفّاشا ، وأنّ الفأر كان سبطا من اليهود غضب اللّه عزّ وجلّ عليهم فمسخهم » قال : « إنّ البعوض كان رجلا يستهزئ بالأنبياء فمسخه ، وإنّ القملة من الجسد ، وإنّ نبيّا من أنبياء بني إسرائيل كان قائما يصلّي إذ أقبل إليه سفيه من سفهاء بني إسرائيل ، فجعل يهزأ به ويكلح في وجهه ، فما برح من مكانه حتّى مسخه اللّه قملة ، وإنّ الوزغ كان سبطا من أسباط بني إسرائيل يسبّون أولاد الأنبياء ويبغضونهم فمسخهم اللّه أوزاغا. وأمّا العنقاء ، فمن غضب اللّه - عزّ وجلّ - عليه فمسخه وجعله مثله ، فنعوذ باللّه من غضب اللّه ونقمته » (3).

ومنها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن قال : « إنّ القنفذ كان رجلا من صناديد العرب فمسخ ؛ لأنّه إذا نزل به الضيف ردّ الباب في وجهه ويقول لجاريته : اخرجي إلى الضيف وقولي له : إنّ مولاي غائب عن المنزل فيبيت الضيف بالباب جوعا ، ويبيت أهل البيت شباعا مخضبين » (4).

ومنها : ما روي عن الرضا علیه السلام أنّه قال : « الطاوس مسخ ، كان رجلا جميلا ، فكابر امرأة رجل مؤمن تحبّه فوقع بها ، ثمّ راسلته بعد ، فمسخهما اللّه طاوسين : أنثى

ص: 547


1- « علل الشرائع » 2 : 486.
2- « الكافي » 6 : 246 باب جامع في الدوابّ ... ح 14.
3- « علل الشرائع » 2 : 487 ، ح 3.
4- « بحار الأنوار » 62 : 228 ، ح 9.

وذكرا ، فلا تأكل لحمه وبيضه » (1).

الفصل الرابع : في الإنسان

وفيه أخبار مضافا إلى ما ذكرناه في باب التوحيد :

منها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « سمّي الإنسان إنسانا ؛ لأنّه ينسى ، وقال اللّه - عزّ وجلّ - : ( وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ ) (2) » (3).

ومنها : ما روي أنّه سئل النبيّ صلی اللّه علیه و آله : أنّ آدم خلق من الطين كلّه ، أو من طين واحد؟ قال : « بل من الطين كلّه ، ولو خلق من طين واحد ، لما عرف الناس بعضهم بعضا وكانوا على صورة واحدة » قال : فلهم في الدنيا مثل؟ قال : « التراب فيه أبيض ، وفيه أخضر ، وفيه أشقر ، وفيه أغبر ، وفيه أحمر ، وفيه أزرق ، وفيه عذب ، وفيه ملح ، وفيه خشن ، وفيه ليّن ، وفيه أصهب ؛ فلذلك صار الناس فيهم ليّن ، وفيهم خشن ، وفيهم أبيض ، وفيهم أصفر ، وأحمر ، وأصهب ، وأسود ، على ألوان التراب » (4).

ومنها : ما روي عن أبي الحسن الرضا علیه السلام أنّه سئل : لم خلق اللّه - عزّ وجلّ - الخلق على أنواع شتّى؟ ولم يخلقه نوعا واحدا؟ فقال : « لئلاّ يقع في الأوهام أنّه عاجز ، ولا يقع صورة في وهم ملحد إلاّ وقد خلق اللّه - عزّ وجلّ - عليها خلقا » (5).

ومنها : ما روي عن عليّ بن محمّد العسكريّ يقول : « عاش نوح ألفين وخمسمائة سنة ، وكان يوما في السفينة نائما ، فهبّت ريح فكشفت ، فضحك حام

ص: 548


1- « الكافي » 6 : 247 باب جامع في الدوابّ ... ح 13.
2- طه (20) : 115.
3- « علل الشرائع » 1 : 15 ، الباب 11 ، ح 1.
4- نفس المصدر 2 : 471 ، الباب 222 ، ح 33.
5- « علل الشرائع » 1 : 14 ، الباب 9 ، ح 11.

ويافث ، فزجرهما سام ، ونهاهما عن الضحك - وكان كلّما غطّى السام شيئا تكشفه الريح ، كشفه حام ويافث - فانتبه نوح علیه السلام فرآهم وهم يضحكون ، فقال : ما هذا؟ فأخبره سام بما كان ، فرفع نوح يده إلى السماء يدعو ويقول : اللّهمّ غيّر ماء صلب حام حتّى لا يولد إلاّ السودان ، اللّهمّ! غيّر ماء صلب يافث ، فغيّر اللّه ماء صلبهما فجميع السودان - حيث كانوا - من حام ، وجميع الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج ، والصين من يافث حيث كانوا ، وجميع البيض سواهم من سام ، فقال نوح لحام ويافث : جعل ذرّيّتكما خولا لذرّيّة سام إلى يوم القيامة ؛ لأنّه برّ بي وعققتماني ، فلا زالت سمة عقوقكما لي في ذرّيّتكما ظاهرة ، وسمة البرّ بي في ذرّيّة سام ظاهرة ما بقيت الدنيا » (1).

ومنها : ما روي في البحار أنّه ورد في الحديث : « إذا ولد المولود لبني آدم ، قرن إبليس به شيطانا ، وقرن اللّه به ملكا ، فالشيطان جاثم على أذن قلبه الأيسر ، والملك قائم على أذنه الأيمن ، فهما يدعوانه » (2).

ومنها : ما أفاد في البحار في تفسير الآية الشريفة ( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ ) (3) حيث قال : فيروى أنّ الشيطان لمّا قال هذا الكلام ، رقّت قلوب الملائكة على البشر ، فقالوا : يا إلهنا! كيف يتخلّص الإنسان من الشيطان مع كونه مستوليا عليه من هذه الجهات الأربع؟! فأوحى اللّه تعالى إليهم : أنّه بقي للإنسان جهتان : الفوق ، والتحت ، فإذا رفع يده إلى فوق في الدعاء على سبيل الخضوع ، أو وضع جبهته على الأرض على سبيل الخشوع ، غفرت له ذنب سبعين سنة » (4).

ص: 549


1- نفس المصدر 1 : 32 ، الباب 28 ، ح
2- « بحار الأنوار » 60 : 141.
3- الأعراف (7) : 17.
4- « بحار الأنوار » 60 : 155.
الفصل الخامس : في الجنّ
اشارة

وفيه أمور :

[ الأمر ] الأوّل : في ماهيّة الجنّ.

اعلم : أنّه قد أفاد في البحار أنّه أطبق الكلّ على أنّه ليس الجنّ عبارة عن أشخاص جسمانيّة كثيفة تجيء وتذهب مثل الناس والبهائم ، بل القول المحصّل فيه قولان :

الأوّل : أنّها أجسام هوائيّة قادرة على التشكّل بأشكال مختلفة ، ولها عقول وأفهام وقدرة على أعمال صعبة شاقّة.

والقول الثاني : أنّ كثيرا من الناس أثبتوا موجودات غير متحيّزة ولا حالّة في المتحيّز ، وزعموا أنّها موجودات مجرّدة عن الجسميّة (1).

الأمر الثاني : في وجود الجنّ.

اعلم أنّه اختلفوا في وجوده وعدمه على قولين ، والحقّ وجوده.

ويدلّ على ذلك - مضافا إلى الآيات - أخبار.

منها : ما روي أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لمّا أسري ، رأى عفريتا من الجنّ يطلبه بشعلة من نار كلّما التفت رآه ، فقال جبرئيل : ألا أعلّمك كلمات إذا قلتهنّ طفئت شعلته وصرفته؟ قل : أعوذ بوجه اللّه الكريم ، وبكلمات اللّه التامّات التي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر من شرّ ما ينزل من السماء ، ومن شرّ ما يعرج فيها ، ومن شرّ ما ينزل إلى الأرض ، ومن شرّ ما يخرج منها ، ومن شرّ فتن الليل والنهار ، ومن شرّ طوارق الليل والنهار إلاّ طارقا يطرق بخير يا رحمن » (2).

ص: 550


1- انظر « بحار الأنوار » 58 : 86 وما بعدها.
2- « الموطّأ » 2 : 951 ، ح 10 ؛ « بحار الأنوار » 60 : 329.

ومنها : ما قال في البحار : « اشتهر وبلغ مبلغ التواتر من خروج النبيّ صلی اللّه علیه و آله ليلة الجنّ ، وقراءته عليهم ، ودعوته إيّاهم إلى الإسلام » (1).

ومنها : ما روي عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنّه دخل على أبي سعيد الخدري ، قال : وجدته يصلّي ، فجلست أنتظره حتّى يقضي صلاته قال : فسمعت تحريكا تحت سريره في بيته ، فإذا حيّة نفرت فهممت أن أقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس ، فجلست أنتظره حتّى يقضي صلاته فلمّا انصرف من صلاته ، أشار إلى بيت في الدار ، فقال : ترى هذا البيت؟ قلت : نعم ، قال : إنّه كان فيه فتى من الأنصار قريب عهد بعرس - وساق الحديث إلى أن قال - : فرأى امرأته واقفة بين البابين فهيّأ الرمح ليطعنها بسبب الغيرة ، فقالت امرأته : ادخل بيتك لترى ، فدخل ، فإذا هو بحيّة على فراشه فوكزها فيها الرمح واضطربت الحيّة في رأس الرمح وخرّ الفتى ، فما يدرى أيّهما كان أسرع موتا : الفتى أم الحيّة؟ فسألنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال : « إنّ بالمدينة جنّيّا قد أسلموا (2) ، فمن بدا لكم منه فأذنوه ثلاثة أيّام ، فإن عاد فاقتلوه ؛ فإنّه شيطان » (3).

الأمر الثالث : في بيان أنّ الجنّ مخلوق من النار.

والدليل عليه قوله تعالى : ( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) (4) وقال تعالى حاكيا عن إبليس إنّه قال : ( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (5).

قال في البحار : « واعلم أنّ حصول الحياة في النار غير مستبعد ، ألا ترى أنّ الأطبّاء قالوا : إنّ المتعلّق الأوّل للنفس هو القلب والروح وهما في غاية السخونة » (6).

ص: 551


1- « بحار الأنوار » 60 : 329.
2- كذا ، والصحيح : « أسلم ».
3- « بحار الأنوار » 60 : 328.
4- الحجر (15) : 27.
5- الأعراف (7) : 12.
6- « بحار الأنوار » 60 : 330.

الأمر الرابع : أنّه اتّفقوا على أنّ الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون.

وأمّا الجنّ فإنّهم يأكلون ويشربون. قال علیه السلام : « الروث والعظم زاد إخوانكم من الجنّ » (1) وأيضا فإنّهم يتوالدون ، قال تعالى : ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي ) (2) واللّه أعلم.

وفي البحار في باب نهك العظام : « والظاهر أنّ الجنّ يشمّون العظم فإذا استقصي لا يبقى شيء لاستشمامهم ، فيسرقون من البيت » (3).

واختلف في أنّ الشياطين من جنس الجنّ أم طائفة مستقلّة.

قال في البحار حاكيا عن القاضي عياض : « الأكثر على أنّه أبو الجنّ كما أنّ آدم أبو البشر » (4).

وعن محمّد بن كعب القرظي أنّه قال : « الجنّ مؤمنون ، والشياطين كفّار ، وأصلهم واحدا » (5).

أقول : يستفاد من ظاهر قوله تعالى : إنّه ( كانَ مِنَ الْجِنِ ) (6) أنّ الشيطان من الجنّ.

وفي الخبر : « أنّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم » (7).

الأمر الخامس : في أنّ الجنّ مختارون ولا يعلمون الغيب ؛

إذ قد بيّن اللّه عزّ وجلّ في كتابه أنّهم بقوا في قيد سليمان وحبسه بعد موته مدّة وهم ما كانوا يعلمون موته ، وذلك يدلّ على أنّهم لا يعلمون الغيب.

ص: 552


1- نفس المصدر : 332.
2- الكهف (18) : 50.
3- « بحار الأنوار » 63 : 426 ، ح 1.
4- نفس المصدر 60 : 308.
5- نفس المصدر : 309.
6- الكهف (18) : 50.
7- « الكافي » 8 : 113 ؛ « عوالي اللآلئ » 1 : 273 ، ح 97.

ومثله قوله تعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ ) (1) إلى غير ذلك من الآيات والأخبار.

[ ربّ! عاملنا بفضلك وكرمك وجودك وإحسانك ، ولا تعاملنا بعدلك يا كريم ]. (2)

ص: 553


1- الأنعام (6) : 59.
2- قد تمّ تسويد هذه النسخة الشريفة الموسومة بالبراهين القاطعة بيد أقلّ الخليقة ، بل لا شيء في الحقيقة ، تراب أقدام الطالبين خلف المرحوم المغفور له حاج محمّد قاسم. اللّهمّ اغفر لهما ولجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها في يوم الاثنين من ١٤ شهر ربيع الثاني من شهور سنة ١٢٥٦ اللّهمّ احفظنا من شرور شياطين الجنّ والإنس بحقّ محمّد وآله.

ص: 554

الفهرس

في أقسام المسائل العلميّة ، وهي خمسة... 8

فيما أفاده بعض أفاضل العصر في أقسام الأدلّة وأنّها ثلاثة... 9

الأوّل : دليل الحكمة... 9

الثاني : دليل الموعظة الحسنة... 10

الثالث : دليل المجادلة بالتي هي أحسن... 11

بيان أنّ المراد من الحكمة هي المقالة المحكمة... 13

في أنّ البرهان الإنّي ، بل كثيرا من الصناعات الخمس من أدلّة المعرفة ... 13

في أقسام اليقين : علم اليقين ، عين اليقين وحقّ اليقين... 13

البرهان الممكن إقامته على إثبات الواجب هو البرهان الإنّي... 13

ما ينبغي لطالب كلّ علم معرفته... 14

المقصد الثالث في الأوّل من أصول الدين : في التوحيد

التوحيد بحسب المعنى التصوّري وبيان مراتبه... 17

التوحيد بحسب المعنى التصديقي... 20

في بيان ما لا بدّ معرفته في إثبات الصانع ... 21

ص: 555

أوّلا : معرفة اللّه بصفاته ... 21

ثانيا : معرفة جهات التوحيد ( التوحيد الذاتي والصفاتي )... 22

الكلام في إثبات الصانع وصفاته وآثاره وفيه فصول : ... 23

الفصل الأوّل : في إثبات الصانع... 25

في بيان أنّ الواجب الوجود بالذات موجود في الخارج... 25

في بيان استلزام وجود الممكن وجود واجب الوجود... 25

بيان الملازمة ... 26

مناهج الحكماء والمتكلّمين في الاستدلال على إثبات الواجب بتقرير المحقّق الفخري 27

تقرير الاستدلال على وجود الواجب بوجه آخر... 29

ذكر براهين أخر لإثبات وجود الواجب تعالى... 30

ومنها برهان التضايف ... 31

الأدلّة النقليّة على إثبات الصانع من الكتاب والسنّة... 33

الفصل الثاني : في الاعتقاد الثاني في صفاته تعالى... 43

في أقسام صفات واجب الوجود ، والفرق بين صفات الذات وصفات الفعل... 43

مطالب : ... 45

المطلب الأوّل في بيان الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة... 45

المسألة الأولى : في القدرة... 45

المقدّمة الأولى : في تعريف القدرة والإيجاب ، وتقسيمهما... 45

تحرير محلّ النزاع بالنسبة إلى القدرة والإيجاب في مقامات... 47

المقدّمة الثانية : في بيان القدم والحدوث... 48

الكلام في أمرين آخرين... 50

ص: 556

الأمر الأوّل : في أنّ تقدّم عدم الممكنات على وجودها هل هو تقدّم ذاتي أم زماني؟ 50

الأمر الثاني : في أنّ العالم حادث بالحدوث الزائد عن الذاتي ، أم لا؟... 51

الحقّ أنّ حدوث العالم حدوث سرمديّ مراتبيّ ... 54

اختلاف العلماء في أنّ صانع العالم صاحب الصفات ، أو نائب الصفات... 54

بيان الحقّ بأنّ الصانع تعالى صاحب الصفات... 58

تفصيل الكلام يقع في مسائل : ... 60

المسألة الأولى : في القدرة بمعنى أنّه تعالى صاحب القدرة ، وبيان اختلاف العلماء على قولين 60

بيان الحقّ في المسألة مع إقامة البرهان... 62

البراهين العقليّة مع بيان قول المصنّف « وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب »... 62

البراهين النقليّة من الآيات والأحاديث... 72

دلائل المخالفين النافين لقدرة اللّه مع الجواب عنها... 77

الوجه الأوّل : ما هو كالاعتراض على دليل المثبتين... 77

في معنى قول المصنّف : « والواسطة غير معقولة »... 85

بيان الحقّ في توجيه كلام المصنّف... 91

الوجه الثاني : أنّ اتّصاف الواجب بالقدرة ممّا يقتضي صحّة الفعل والترك ... 96

الجواب عن هذا الوجه مع تقرير كلام المحقّق الطوسي وتفسيره... 97

الوجه الثالث : أنّ القدرة على الأثر إمّا حال وجود الأثر ، وإمّا حال عدمه ، وكلاهما ينفي القدرة 99

الجواب عن الوجه الثالث بتقرير كلام المحقّق الطوسي... 100

طرح إيرادات على كلام الطوسي مع الجواب عنها... 100

في عموم قدرته تعالى ... 106

ص: 557

المنكرين لعموم قدرته طوائف... 109

المسألة الثانية : في الصفة الثانية أعني علمه تعالى... 113

في تعريف العلم وأنّه من الكيفيّات النفسانيّة... 114

في أقسام العلم وبيان مراتبه... 117

في تقسيم العلم إلى الحصولي والحضوري... 120

ما قاله بعض الأعلام في أقسام علم اللّه تعالى... 121

ما قاله الشيخ المعاصر في رسالة « حياة النفس » في مبحث علم اللّه... 124

في كيفيّة علم اللّه تعالى بالنسبة إلى ذاته وما سواه... 126

الأدلّة العقليّة على ثبوت العلم لله تعالى وكيفيّة علمه... 127

الأدلّة النقليّة على ثبوت العلم لله تعالى وكيفيّة علمه... 139

بيان قول المصنّف : « والإحكام ، والتجرد واستناد كلّ شيء إليه دلائل العلم ... » 140

تقرير طريق المتكلّمين على ثبوت علمه تعالى بذاته وبما سواه... 142

في بيان حكمته تعالى في ترتيب هذا النظام المشاهد... 144

طريق آخر للمتكلّمين في إثبات علمه تعالى بأنّه تعالى فاعل بالقصد والاختيار... 150

تقرير طريق الحكماء على إثبات علمه تعالى بذاته وبما سواه... 152

أدلّة المنكرين لعلمه تعالى والجواب عنها ، وهم فرقتان :... 155

من ينفي علمه تعالى مطلقا باستلزام المغايرة بين العالم والمعلوم ، والجواب عنها بكفاية المغايرة الاعتباريّة 155

من ينفي علمه بغيره مع كونه عالما بذاته ، باستلزام كثرة المعلومات كثرة الصور في الذات الأحديّة ، تقرير الجواب عنها برسم مقدّمة في كيفيّة العلم الحصولي والحضوري... 157

اختلاف الحكماء في علمه تعالى بالأشياء إلى خمسة مذاهب... 158

الأوّل : أنّ علمه تعالى بالأشياء إنّما هو بصور زائدة عليها ... قائمة بذاته... 158

ص: 558

الثاني : أنّ علمه تعالى بالأشياء إنّما هو بصور زائدة عليها ... قائمة بذات المعلول الأوّل 159

الثالث : أنّ تلك الصور قائمة بذواتها ... 160

الرابع : القول باتّحاده تعالى مع المعقولات ... 160

الخامس : القول بالعلم الحضوريّ الإشراقي ، وهو مختار المصنّف... 160

مختار أبي نصر الفارابي وابن سينا هو المذهب الأوّل... 167

تقرير الشيخ الرئيس لبيان كون علمه تعالى بالأشياء بصورها العقليّ... 168

في تقسيم العلم إلى ما هو حادث من وجود الشيء وعلم حادث منه وجود الشيء وأنّ علمه تعالى من قبيل الثاني 172

فيما أورده الماتن على قول الشيخ بتقرّر لوازم الأوّل في ذاته... 175

في دفع إيرادات الماتن وبيان المراد من القبول في قولهم : « الواحد لا يكون قابلا وفاعلا » ومعنى تعقّله للمعقولات 175

في دفع الوجوه الأخيرة التي أوردها المصنّف على الشيخ... 181

في بيان معنى قولهم : « وجوب وجود العناية من العلل العالية في العلل السافلة » 182

في بيان أنّ هذا العقل هو الذي سمّاه المتأخّرون العلم الإجمالي... 186

في بيان التفاوت بين المعلوم بالعلم الإجمالي البسيط ، وبين المعلوم بالعلم التفصيلي 188

في بيان معنى كونه تعالى عقلا بسيطا بالأشياء... 189

تقرير كلام المعلّم الثاني في كيفيّة علمه بذاته وبما سواه... 191

في معنى قول الفارابي والشيخ : « إنّ كثرة الصور كثرة بعد الذات » ... 193

في بيان قول الفلاسفة : « إنّه تعالى لا يعلم غيره ، وإنّه عالم بجميع الموجودات » 194

مباحث متعلّقة بالمقام... 205

المبحث الأوّل : اعتراض الإمام الرازي على ما ذهب إليه الحكماء بأنّ علوم المجرّدات بذواتهم هي نفس ذواتهم ، والجواب عنه 205

ص: 559

المبحث الثاني : اتّفاق الحكماء على أنّ المعتبر في كون الشيء معقولا تجرّده ... 206

المبحث الثالث : حقيقة العلم هي حصول مجرّد لمجرّد قائم بذاته... 207

المبحث الرابع : في بيان قول بعض من مقلّدة صاحب الإشراق : « حقيقة العلم مساوقة للحصول والوجود مطلقا ... » والردّ عليه... 208

المبحث الخامس : في أنّ النفس الناطقة تدرك بدنها الجزئي و ... بالقوّة المتخيّلة 212

المبحث السادس : في ردّ ما ذهب إليه صاحب الإشراق من نفي العلم المقدّم على الإيجادات وإبطال العناية رأسا 213

المبحث السابع : فيما ظنّه المحقّق الدواني وجماعة بأنّ نسبة جميع الأزمنة إليه تعالى كآن واحد ، كما أنّ نسبة جميع الأمكنة إليه كأين واحد ، والنظر فيه... 216

المبحث الثامن : في بيان امتناع حضور المادّي من حيث هو مادّي عند المجرّد... 220

المبحث التاسع : في ردّ نقض صاحب المطارحات على القائلين بالعلم الحصولي بأنّ القول بارتسام الصور في ذاته يستلزم أن يكون تعالى منفعلا عن الصورة الأولى... 222

المبحث العاشر : في كيفيّة العلم قبل الإيجاد هل أنّ ذاته تعالى علم تفصيليّ بالموجودات أو إجماليّ؟ 225

تكميل عرشيّ : في أنّ للوجود أفرادا حقيقيّة مختلفة بالشدّة والضعف متّحدة مع الماهيّات في الخارج 230

بيان المراد بالشدّة والضعف في الوجود... 230

تدقيق إلهامي : في أنّ حديث الصور وحصولها في ذاته تعالى إنّما هو لتفهيم كون ذاته تعالى علما بجميع الأشياء تفصيلا 233

في كيفيّة علمه تعالى بالجزئيّات المادّيّة المبدعة والحادثة المتغيّرة... 235

في أقسام الصفات للأشياء وأنّ علمه تعالى بالجزئيّات لا يكون زمانيّا... 239

في الخلاف بين الفلاسفة والمتكلّمين في أنّه هل يجوز التغيّر في علم اللّه بالجزئيّات بتغيّر الإضافات أم لا؟ 245

ص: 560

في أنّ الكثرة العدديّة إمّا أن تكون آحادها غير قارّة أو تكون قارّة... 246

التحقيق أنّ علمه تعالى بجميع الموجودات إنّما هو من ذاته تعالى في ذاته لا يوجب تغيّر المعلوم تغيّر هذا العلم 250

في إمكان اجتماع الوجوب والإمكان باعتبارين... 252

المسألة الثالثة : في أنّه تعالى حيّ... 252

في أنّ حياته تعالى عين ذاته كما في سائر صفاته الثبوتيّة... 253

المسألة الرابعة : في إرادته تعالى... 255

في معنى الإرادة... 255

في أنّ الإرادة عين ذاته تعالى... 256

في أنّ إرادة الممكن لها مراتب... 257

إقامة الدليل على ثبوت الإرادة له تعالى... 257

الفرق بين الإرادة والاختيار والمشيئة... 258

في بيان الخلاف في إرادته تعالى هل هي صفة زائدة على الذات ، أم ليست زائدة بل هي عين ذاته تعالى 258

في أنّه يمتنع القصد على الواجب تعالى وأنّ إرادته عين علمه... 259

في الفرق بين إرادة اللّه وأنّها ليس لأجل غرض ، وإرادة الإنسان وأنّها تابعة للغرض 261

في أنّ مراد محقّقي المعتزلة من كون الإرادة عين الداعي أنّ الواجب تعالى يكون فاعلا بالعناية 264

فيما ورد في بعض الروايات في حدوث الإرادة والمشيئة وأنّهما من صفات الفعل

المسألة الخامسة : في سمعه وبصره... 270

في أنّ إسناد السمع والبصر إليه تعالى مجاز... 270

في تنزيهه تعالى عن الجسميّة ومباشرة الأجسام... 271

ص: 561

المسألة السادسة : في كلامه تعالى... 273

في معنى الكلام وحقيقته... 273

عموميّة قدرته تعالى تدلّ على ثبوت الكلام... 274

فيما توهّمه الأشاعرة في معنى الكلام والمتكلّم ، والقول بأنّ القرآن قديم ومن قال بخلق القرآن مبتدع بل كافر 274

في أنّ الكلام النفسي غير معقول... 276

في أنّ الكلام اللّه تعالى على قسمين : ما هو من صفاته تعالى ، وما هو من غير صفته 277

بيان الخلاف في معنى كلامه تعالى وقدمه وحدوثه... 278

المسألة السابعة : في أنّه تعالى صادق... 280

بيان اتّفاق المسلمين على امتناع الكذب في كلام اللّه بتقرير الشارح القوشجي... 280

المسألة الثامنة : في أنّه تعالى قديم ، أزليّ ، أبديّ ، سرمديّ... 283

المطلب الثاني : في أنّ الأوصاف الثمانية الثبوتيّة عين الذات... 284

في أنّ البقاء ليس صفة زائدة... 286

في إقامة الدليل على ثبوت تلك الصفات لذاته تعالى وأنّه صاحب الصفات لا نائب الصفات 288

المطلب الثالث : في بيان أنّ الصانع الواجب بالذات منزّه عن صفات النقص... 290

الأوصاف المسمّاة بالسلبيّة راجعة إلى أوصاف سبعة... 290

في معنى الرؤية وأنّه تعالى لا يكون مرئيّا بمعنى الانكشاف الحسّي والإدراك بالبصر 292

في نفي الشريك في الوجوب... 295

في نفي المثل والتركيب والضدّ والتحيّز... 297

ص: 562

في نفي الحلول والاتّحاد... 298

في نفي الجهة وحلول الحوادث فيه... 299

في جواز اتّصافه بالسلوب والإضافات الحاصلة وبالصفات الحقيقيّة المتغيّرة... 299

في ذكر دلائل المانعين وردّها... 299

في نفي الحاجة والألم مطلقا واللذّة المزاجيّة... 303

في نفي المعاني والأحوال والصفات الزائدة عينا... 304

في نفي الرؤية وبيان مذاهب المجوّزين للرؤية... 304

في ذكر أدلّة المجوّزين وردّها... 305

في ذكر أدلّة وقوع الرؤية من القرآن والجواب عنها... 314

في ذكر أدلّة وقوع الرؤية من السنّة والجواب عنها... 317

في ذكر الأدلّة العقليّة للمنكرين للرؤية... 318

في ذكر الأدلّة النقليّة للمنكرين للرؤية... 321

في بيان مذهب المصنّف في نفي الرؤية مع الإشارة إلى الدلائل... 325

المطلب الرابع : في أنّ الواجب بالذات صاحب صفات الجمال... 326

في أنّ صفات الجمال هي صفات الفعل والصفات الثبوتيّة الإضافيّة... 326

في أنّه تعالى واحد من جميع الجهات... 330

البراهين العقليّة... 331

البراهين النقليّة الواردة في الكتاب... 334

البراهين النقليّة الواردة في السنّة... 336

تذنيبان... 342

التذنيب الأوّل : في فرق الصوفيّة وإبطال آرائهم... 342

فيما يدلّ على فساد اعتقاداتهم من الأخبار المعتبرة... 345

ص: 563

التذنيب الثاني : فيما رواه الكليني في الكافي في إثبات الصانع وصفاته... 350

الفصل الثالث : في العدل

العدل هو كمال الواجب الوجود بالذات في أفعاله تعالى... 365

الكلام في هذا الفصل يقع في مقامات خمسة... 368

المقام الأوّل : في بيان أنّ اللّه تعالى عادل منفيّ عنه الظلم... 368

في أنّ الفعل الاختياري إمّا أن يكون راجح الترك ، أو لا... 369

في أنّ الفعل الصادر من اللّه تعالى لا يكون ظلما و ... بل يكون عدلا... 370

البرهان العقلي على عدم كون أفعاله ظلما... 370

البرهان النقلي... 371

وصل : العدل في مقابل الجور من أصول الدين ، ومنكره كافر... 374

المقام الثاني : في أنّ جميع أفعال اللّه تعالى حسن بالحسن العقلي... 374

في أقسام الحسن والقبح وتحرير محلّ النزاع... 375

بيان المراد من الحسن والقبح العقلي والشرعي... 379

اختلاف المتكلّمين بأنّ الحسن والقبح عقليّان أو شرعيّان... 381

في الأدلّة على إثبات الحسن والقبح العقليّين... 382

تمسّك الأشاعرة للشرعيّان بوجوه... 385

وجوه أخر للأشاعرة والجواب عنها... 387

اختلاف القائلين بالحسن والقبح العقليّين في أنّهما ذاتيّان مطلقا أو بالوجوه والاعتبارات على خمسة أقوال 389

في أنّ أفعال اللّه تعالى كلّها حسنة بالحسن العقلي... 391

اختلاف القائلين بعدم صدور القبيح عنه تعالى في أنّه قادر عليه أم لا... 392

المقام الثالث : في أنّ أفعال اللّه تعالى معلّلة بالأغراض والفائدة العائدة إلى العباد... 393

ص: 564

في احتجاج الأشاعرة على أنّه لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض ، والجواب عنه بوجهين 394

في بيان وجه حسن التكليف وكونه معلّلا بالغرض العائد إلى العباد... 397

في بيان أنّ العقل يدرك حسن التكاليف الشرعيّة بالنظر... 398

في ذكر الآيات والروايات التي تدلّ على حسن التكاليف وكونها معلّلة بالأغراض والفوائد العائدة إلى العباد 398

في الجواب عمّا ذهب إليه الأشاعرة من أنّ اللّه تعالى مريد لكلّ ما هو كائن ، حسنا كان أم قبيحا 411

المقام الرابع : في أنّه لا جبر ولا تفويض في أفعال العباد... 414

في بيان مذهب الأشاعرة بأنّ أفعال العباد ليس باختيارهم ، وبيان فساده... 415

في بيان مذهب المعتزلة بأنّ العبد مستقلّ في إيجاد فعله بلا مدخليّة إرادة الواجب فيه ، وبيان فساده 419

في بيان أنّ وقوع الفعل من العبد موقوف على مجموع الإرادتين :... 420

في أنّ التفويض يطلق على معان... 422

في بيان مذهب الثنويّة القائلين بوجود إلهين : فاعل الخير ، وفاعل الشرّ... 423

في بيان معنى القضاء والقدر وأنّ علمه تعالى لا يستلزم عدم الاختيار في العبد... 424

في إقامة الدليل على الأمر بين الأمرين بالعقل والنقل... 425

في اختلاف القائلين بالجبر والتفويض في أنّ أفعال العباد الاختياريّة واقعة بقدرتهم ، أم هي واقعة بقدرة اللّه تعالى؟ 428

الوجوه العقليّة التي تمسّك بها الأشاعرة لقولهم بالجبر ، والجواب عنها... 429

في الدلائل السمعيّة للأشاعرة... 435

في تأويل ما استندوا إليه بما يدلّ عليه الآيات والروايات الصريحة في أنّ أفعال العباد بقدرتهم واختيارهم 437

ص: 565

في ذكر الشواهد القطعيّة العقليّة على وفق مدّعانا... 440

في بيان قول المعتزلة في أفعال العبد بالتوليد... 442

في بيان القول الصحيح في القضاء والقدر... 443

في أنّ الإضلال والإهلاك منتفيان عنه تعالى... 445

في أنّ تعذيب غير المكلّف منه تعالى قبيح... 446

في أنّ التكليف لاشتماله على مصلحة حسن... 446

في بيان حسن التكليف على طريقة حكماء الإسلام... 448

في أنّ التكليف واجب... 449

في بيان شرائط حسن التكليف... 450

المقام الخامس : في أنّ أفعال اللّه تعالى مترتّبة على اللطف الواجب عليه... 452

في بيان أنّ اللطف متمّم للغرض فيجب ، وتركه نقض للغرض فقبيح... 452

في أنّ المصلحة هل يجب أن تكون على أتمّ الوجوه ، أم لا؟... 453

في إقامة الدليل على أنّ اللطف متمّم للغرض اللازم... 455

في إقامة الدليل على أنّ أفعال اللّه تعالى تكون على وجه الأصلح... 456

في الأجوبة عن اعتراضات الأشاعرة على وجوب اللطف على اللّه تعالى... 457

في شرائط وجوب اللطف... 458

في بيان حسن الألم وقبحه وبيان مواردهما مع الأحكام... 460

في بيان الوجوه التي يستحقّ بها العوض على اللّه تعالى بإنزال الآلام... 462

فيما يجب أو لا يجب على اللّه تعالى بإنزال الآلام... 463

فيما ذهب إليه المعتزلة من أنّه يجب على اللّه تعالى ما هو أصلح بعباده... 468

تذنيب : فيه فوائد... 469

الفائدة الأولى : ما يتعلّق بحدوث العالم وبدء خلقه وكيفيّته... 469

بيان : في تفسير الآية الشريفة « هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ... » وما ورد من الأخبار في كيفيّة خلق السماوات والأرضين... 471

ص: 566

الفائدة الثانية : في ذكر نبذ من الدلائل العقليّة الدالّة على حدوث العالم... 476

الأوّل : برهان التطبيق ، وله تقريرات ثلاث... 476

الثاني : برهان التضايف... 480

الثالث : المسمّى ببرهان العدد والمعدود... 481

الرابع : ما أورده الكراجكي في الكنز... 486

في بطلان ما ادّعوه من التسلسل في الأمور المتعاقبة... 487

الفائدة الثالثة : فيما يتعلّق بأحوال العالم العلوي... 492

الفصل الأوّل : فيما يتعلّق باللوح والقلم... 492

الفصل الثاني : في العرش والكرسي... 494

الفصل الثالث : في الحجب والأستار والسرادقات... 496

الفصل الرابع : في سدرة المنتهى والبيت المعمور... 498

الفصل الخامس : فيما يتعلّق بالأفلاك من السماء وما فيها... 499

الفصل السادس : في علم النجوم والعمل به وحال المنجّمين... 502

الفصل السابع : في حقيقة الملائكة وصفاتهم و... 504

الفائدة الرابعة : في البسائط والعناصر... 509

المقدّمة : في اختلاف القدماء في العناصر... 509

فصل : في النار... 511

فصل : في الهواء... 512

تبصرة : في عدد طبقات الهواء... 513

فصل : في الصبح والشفق... 514

فصل : في السحاب والمطر والشهاب و... 516

تتميم : في البخار المتصاعد من الأرض... 518

في تحقيق ألوان القوس... 519

ص: 567

فصل : في الرياح وأسبابها وأنواعها... 521

الأمر الأوّل : في الأخبار الواردة... 521

الأمر الثاني : في سبب الرياح وحدّها... 522

الأمر الثالث : في أقسام الرياح... 523

فصل : في الماء... 523

فصل : في الأرض ، وفيه مطالب :... 525

المطلب الأوّل : في الأخبار الواردة... 525

المطلب الثاني : في كرويّة الأرض وما ضاهاها... 526

المطلب الثالث : في علّة حدوث الزلزلة... 527

المطلب الرابع : في قسمة المعمور من الأرض بالأقاليم السبعة... 529

المطلب الخامس : في الممدوح من البلدان والمذموم منها... 534

الفائدة الخامسة : في المواليد الثلاثة... 537

الفصل الأوّل : في المعادن... 537

الفصل الثاني : في النباتات... 538

الفصل الثالث : في الحيوانات... 540

الفصل الرابع : في الإنسان... 548

الفصل الخامس : في الجنّ... 549

الأمر الأوّل : في ماهيّة الجنّ... 550

الأمر الثاني : في وجود الجنّ... 550

الأمر الثالث : في بيان أنّ الجنّ مخلوق من النار... 551

الأمر الرابع : في أنّ الجنّ يأكلون ويشربون... 551

الأمر الخامس : في أنّ الجنّ مختارون ولا يعلمون الغيب... 552

ص: 568

المجلد 3

هوية الكتاب

المؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي

المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية

الناشر: مؤسسة بوستان كتاب

المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1426 ه.ق

ISBN (ردمك): 964-371-766-6

المكتبة الإسلامية

آثار مركز مطالعات وتحقيقات اسلامی 182

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

لمحمد جعفر الأسترآبادي المعروف ب«شريعتمدار»

الجزءالثالث

مركزالأبحاث والدراسات الإسلامية

قسم إحياء التراث الإسلامي

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الجزء الثالث

المقصد الرابع : في النبوّة... 9

الفصل الأوّل : في وجوب البعثة... 13

الفصل الثاني : في وجوب العصمة للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ... 18

الفصل الثالث : في المعجزة... 26

الفصل الرابع : في إثبات نبوّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ... 35

الفصل الخامس : في أفضليّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ... 64

تذنيبات :

الأوّل : فرق المسلمين... 70

الثاني : في دفع الشكوك عن الشريعة... 80

الرابع : في أسرار النبيّ وكراماته صلی اللّه علیه و آله ... 174

الخامس : في معجزات النّبيّ صلی اللّه علیه و آله ... 180

المقصد الخامس : في الإمامة... 205

الفصل الأوّل : في وجوب نصب الإمام... 215

الفصل الثاني : في وجوب العصمة للإمام... 224

الفصل الثالث : في الأعلميّة والأفضليّة... 232

ص: 5

الفصل الرابع : في المنصوبيّة والمنصوصيّة... 234

الفصل الخامس : في أنّ الأئمّة اثنا عشر... 238

المطلب الأوّل : في إثبات إمامة علي بن أبي طالب علیه السلام ... 238

فصل : في إثبات إمامته علیه السلام من طريق النصّ... 240

فصل : في أعلميّته وأفضليّته علیه السلام ... 279

مطاعن الخلفاء الثلاث... 327

خصائص عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 341

ذكر بعض الأدلّة العقليّة والنقليّة لإثبات إمامته علیه السلام ... 351

فصل : في اثبات إمامته علیه السلام بطريق المعجزة... 362

المطلب الثاني : في بيان إمامة سائر الأئمّة الاثني عشر... 428

المطلب الثالث : في وجود صاحب الزمان وغيبته... 441

في كيفيّة الرجعة... 445

فهرس الموضوعات... 451

ص: 6

المقصد الرابع: في الأصل الثالث من أصول الدين وهو في ( النبوة )

اشارة

ص: 7

ص: 8

( المقصد الرابع )

في الأصل الثالث من أصول الدين

وهو في ( النبوّة )

وهي كالأبوّة في كون الواو أصليّة غير منقلبة من الهمزة ، من « النّبوّة » و « النّباوة » بمعنى ما ارتفع من الأرض ، كما في الصحاح (1) ، فيكون نقل النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى الإنسان المبعوث من الحقّ إلى الخلق لشرافته على سائر الخلق وعلوّ شأنه وسطوح برهانه ، فيكون فعيلا بمعنى مفعول.

وكالمروّة في كون الواو منقلبة من الهمزة ، من « النبأ » بمعنى الخبر ، فيكون النقل لإنبائه عن اللّه تعالى ، فيكون فعيلا بمعنى فاعل.

وقد يجعل مأخوذا من « النبيّ » بمعنى الطريق ؛ لكونه وسيلة إلى الحقّ تعالى.

وكيف كان ، فلها معنى تصوّري ومعنى تصديقي.

والمعنى التصوّري عبارة عن : « كون الإنسان مبعوثا من الحقّ إلى الخلق » ، كما في شرح القوشجي (2) ، أو كون البشر المعصوم عن الذنوب والمنزّه عن العيوب ، المقترن بالمعجزة المصدّقة مبعوثا إلى المكلّفين لبيان أحكام الدين ، أو مخبرا عن اللّه بنحو الوحي عن أحكام الدين المتعلّقة بالعقائد ، أو أفعال المكلّفين مع الرئاسة

ص: 9


1- « الصحاح » 6 : 2500 « ن ب و».
2- « شرح تجريد العقائد 357.

الإلهيّة عليهم في أمر الدنيا والدين ، هذا إن جعل دالاّ على حال النبيّ.

وإن جعل مبيّنا لفعل اللّه تعالى ، يكون بمعنى بعث اللّه تعالى البشر المزبور ، أو جعله تعالى مبعوثا إلى المكلّفين لبيان أحكام الدين.

وبالجملة : فهي رئاسة إلهيّة بالأصالة للبشر المعصوم عندنا على المكلّفين كلاّ أو بعضا في أمر الدنيا والدين.

والمعنى التصديقي عبارة عمّا يجب تصديقه بالجنان وإقراره باللسان ، وهو أنّ نبيّنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد المناف المنتهي إلى عدنان ، رسول اللّه المبعوث إلى الإنس والجانّ مع المعجزات التي منها المعراج الجسماني ، وشقّ القمر ، والقرآن ، على سبيل اللزوم العقلي ، كسائر الأنبياء في سائر الأديان.

وهو بشر معصوم - كغيره من الأنبياء - عن العصيان والنسيان ، ومطهّر عن الذنوب والعيوب التي توجب تنفّر الإنسان ، وهو أفضل الأنبياء والمرسلين ، وخير الخلق أجمعين ، وأنّه خاتم النبيّين ، ودينه باق إلى يوم الدين ، وله إذن شفاعة العاصين ، بمعنى أنّ اللّه تعالى لمّا كان غنيّا مطلقا ، وخلق بمقتضى حكمته خلقا ، أحبّ أن بوصلهم بمقتضى الكرم إلى النعم ؛ لئلاّ يلزم العبث في إيجاد العالم.

ولمّا كان حكيما وجب أن يكون ما يتفضّل به جاريا على وفق الحكم ، فكلّف بما يحصل به الاستعداد لإيصال النعم ودفع النقم.

ولمّا لم يكن للكلّ علم بما فيه صلاحهم ، ولا قابليّة للتلقّي من اللّه بلا واسطة فرد من بني آدم ، وجب عقلا بمقتضى اللطف أن يختار من خلقه من كان قابلا للتلقّي من اللّه الخالق الحقّ ، والإلقاء إلى الخلق ؛ إتماما للغرض الأهمّ. ولا يتمّ ذلك إلاّ بالعصمة المعلومة بالمعجزة المصدّقة ، والتنزّه عمّا يوجب النفرة ؛ لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة ، فيجب بعث البشر المعصوم المخبر عن اللّه بنحو الوحي من غير اجتهاد ، المقترن بالمعجزة المصدّقة. فكلّ من ادّعى النبوّة الممكنة مع المعجزة المصدّقة فهو نبيّ بلا شبهة.

ص: 10

وقد تظافر وتواتر أنّه ظهر في مكّة محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله وادّعى النبوّة ، وأظهر اللّه على يده المعجزة المصدّقة كالقرآن الذي عجز عن الإتيان بمثله جميع الأمّة ، فهو نبيّ بلا ريبة.

وحيث ادّعى ختم النبوّة ، وأخبر اللّه تعالى به أيضا في الآية الشريفة (1) فهو خاتم النبيّين ، ودينه باق إلى يوم الدين.

فالكلام في هذا الأصل - الذي هو من أعظم الأصول - يقع في خمسة فصول :

الأوّل : أنّ بعثة النبيّ - المخبر عن اللّه بنحو الوحي من غير اجتهاد - حسن بالحسن التامّ ، فيكون واجبا عقلا مع أنّه واقع نقلا. وهذا من أصول المذهب من جهة ، ومن أصول الدين من أخرى ، فيكون ردّا على الأشاعرة وأمثالهم (2).

الثاني : أنّ النبيّ يجب أن يكون معصوما عن العصيان والنسيان ، بل عن جميع ما يوجب تنفّر الإنسان. وهو أيضا من أصول المذهب ، ردّا على العامّة (3).

الثالث : أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله يجب أن يكون مع المعجزة المصدّقة ، ردّا على من أنكر الوجوب على اللّه تعالى.

الرابع : أنّ نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله رسول اللّه المبعوث إلى الثقلين : الإنس والجانّ مع المعجزات التي منها المعراج الجسماني ، وشقّ القمر ، والقرآن. وهو من أصول الدين ، ردّا على كثير من الكافرين كاليهود والنصارى ، وأمثالهم من المعاندين الجاحدين.

وفي حكمهم من قال في دفع لزوم الخرق والالتئام في الأفلاك عند عروج النبيّ صلی اللّه علیه و آله : إنّ الصاعد كلّما صعد ألقى منه عند كلّ رتبة منها ، مثلا إذا أراد تجاوز كرة الهواء ألقى ما فيه من الهواء فيها ، وإذا أراد تجاوز كرة النار ألقى ما فيه منها فيها ، وإذا

ص: 11


1- الأحزاب (33) : 40.
2- راجع « كشف المراد » : 346.
3- المصدر السابق.

رجع أخذ ما له من كرة النار ، فإذا وصل الهواء أخذ ما له من الهواء ؛ بناء منه على أنّ العروج إنّما هو للجسم النوراني الهورقليائي دون العناصر المعروفة ؛ أو أنّ جسده الشريف علّة لوجود جميع الأجسام فكان محيطا بجميعها ، فلا يكون منها جزء إلاّ وهو محيط به ، فكان صلی اللّه علیه و آله في عروجه محيطا بجميع الأجسام والأرواح والنفوس والعقول ؛ فإنّه أيضا للحقّ من الجاحدين.

وأنّ نبيّنا صلی اللّه علیه و آله خاتم النبيّين ودينه باق إلى يوم الدين ، بمعنى أنّ اللّه تعالى بعث قبله الأنبياء والمرسلين وجعل نبيّنا خاتم النبيّين ؛ كما نطق به القرآن المبين (1) ، وروي عنه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « خلق اللّه عزّ وجلّ مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ أنا أكرمهم على اللّه تعالى » (2). وهو أيضا من أصول الدين ، ردّا على الجاحدين.

الخامس : أنّ نبيّنا صلی اللّه علیه و آله أفضل المخلوقين ، وله لهذا إذن شفاعة العاصين في يوم الدين. وهذا أيضا من أصول المذهب ظاهرا. خلافا لبعض القاصرين ، كما حكي عن بعض الأشاعرة وجمهور المعتزلة حيث قالوا بأفضليّة الملائكة للوجوه الركيكة (3).

وحكي عن الوعيديّة من لزوم الوعيد وعدم العفو والشفاعة.

وبالجملة ، فنقول :

ص: 12


1- الأحزاب (33) : 40.
2- « الخصال » 2 : 641 ، ح 18 و 19.
3- انظر « تلخيص المحصّل » : 374 - 376.

الفصل الأوّل : في أنّ بعث اللّه تعالى النبيّ - المخبر عن اللّه تعالى بنحو الوحي من غير اجتهاد - بالحسن التامّ ، فيكون واجبا عقلا مع أنّه واقع نقلا

بيان ذلك عقلا أنّ للبعثة فوائد :

الأولى : تقوية العقل في الأحكام التي يستقلّ بإدراكها ، والدلالة على ما لا يستقلّ فيه.

الثانية : تنبيه العقلاء على لزوم معرفة اللّه التي هي الأساس الموجب للحياة الأبديّة والسعادة الأخرويّة ؛ لانغمار العقول باللذائذ الجسمانيّة والشهوات الحيوانيّة والعلائق البدنيّة التي يميل إليها الطبع ، فالناس كلّهم لا بدّ لهم من الإيقاظ من نوم الغفلة والجهل بالدعوة النبويّة ليحصّلوا المعارف اليقينيّة.

الثالثة : إرشاد الناس إلى المنافع النفسانيّة والجسمانيّة ؛ إذ معرفة المنافع البدنيّة والمضارّ البدنيّة بالتجربة تتوقّف على مرور الدهور وهلاك كثير من الناس ، فلا بدّ ممّن يعرفها من اللّه ؛ ولهذا خلق اللّه قبل الكلّ نبيّا وهو آدم علیه السلام .

الرابعة : حفظ نوع الإنسان ؛ لأنّه مدني بالطبع ، بمعنى أنّه بالطبع محتاج إلى معاونة بعضهم بعضا في الغذاء واللباس والمسكن والآلات لدفع العدوّ ونحوه ، ولا يمكن لأحد من الأفراد الإتيان بجميع ما يحتاج بنفسه كما لا يخفى ، بل لا بدّ من اجتماع جماعة في موضع يمكن إعانة بعضهم بعضا لينتظم أمر معاشهم ويترتّب

ص: 13

عليه أمر معادهم ، ويسمّى ذلك الموضع مدينة.

وكون الإنسان مدنيّا عبارة عن احتياجه إلى الكون في المدينة لينتظم أمر معاشه ومعاده ، ولمّا كان اجتماعهم - من جهة كونهم ذوي غضب وشهوة - موجبا لوقوع الفتنة والظلم ، والهرج والمرج الموجبة لاختلال نظام أمر المعاش والمعاد ، وبطلان فائدة الاجتماع والتمدّن ، فلا بدّ من العدل الذي هو عبارة عن تسوية الحقوق ، وإحقاق الحقّ منها جزئيّات العدل في الحقوق الجزئيّة ، فلا بدّ من واضع وجاعل يقرّرها بحيث لا يمكن لأحد التخلّف عنها إلاّ وقد لزمه الهلاك ، فلا بدّ أن يكون ذا قدرة ؛ ليطيعه الناس طوعا وكرها ، ويكون أوامره ونواهيه نافذة في الناس ، ولا يمكن ذلك إلاّ بتأييد من اللّه بالآيات والمعجزات ؛ لئلاّ يكون لغيره له منازعة في استحقاق هذه الرئاسة العامّة. والمراد من النبيّ ليس إلاّ مثل هذا الفرد.

الخامسة : اشتمالها على اللطف ؛ إذ الإخبار بالثواب على الواجبات والعقاب على المنهيّات ، مقرّب إلى الطاعات ومبعّد عن المعاصي ، وحيث كان اللطف واجبا على اللّه كانت البعثة واجبة عليه تعالى.

والحاصل : أنّ بعثة الأنبياء لطف متمّم للغرض من جهة اقتضائها تنبيه العقول وتقويتها في العقائد ، وإرشاد الناس إلى المنافع الجسمانيّة والروحانيّة المعاشيّة والمعاديّة ، ومضارّهم كذلك. وحفظ نوع الإنسان الذي هو مدني بالطبع محتاج إلى الاجتماع في المكان والكون في المدينة ؛ لانتظام أمر المعاش والمعاد الموجب لوقوع الفتنة من جهة وقوع الغضب والشهوة المحتاج إلى مقنّن القوانين الرافعة لها ولو بالقهر والغلبة المعلوم كونه من جانب اللّه ، وصاحب العصمة المتمّمة للغرض بالمعجزة نقلا بما ورد في الكتاب والسنّة ، فإنّه قد قال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (1). وقال تعالى : ( وَما أَرْسَلْنا

ص: 14


1- النساء (4) : 165.

مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) (1). وقال تعالى : ( يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) (2).

وقال تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (3).

وروي عن هشام بن الحكم ، قال : سأل الزنديق الذي أتى أبا عبد اللّه علیه السلام فقال : فمن أين أثبت أنبياء ورسلا؟

قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيما ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا يلامسوه ، ولا يباشرهم ولا يباشروه ، ولا يحاجّهم ولا يحاجّوه ، فثبت أنّ له سفراء في خلقه يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ، يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، فثبت عند ذلك أنّ له معبّرين ، وهم الأنبياء وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدّبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، مؤيّدين من عند اللّه الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد ، من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، فلا تخلو أرض اللّه تعالى من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته » (4).

ومثله الآخران مسندا ومرسلا (5).

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف رحمه اللّه مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( البعثة

ص: 15


1- إبراهيم (14) : 4.
2- إبراهيم (14) : 10.
3- الحديد (57) : 25.
4- « التوحيد » : 249 ، الباب 36 ، ح 1.
5- المصدر السابق ، ح 2 و 3.

حسنة ؛ لاشتمالها على فوائد : كمعاضدة النقل (1) فيما يدلّ عليه العقل ) أي يستقلّ بمعرفته ، مثل وجود البارئ وعلمه وقدرته.

( واستفادة الحكم ) من النبيّ صلی اللّه علیه و آله ( فيما لا يدلّ ) أي لا يستقلّ به العقل ، مثل الكلام والرؤية والمعاد الجسماني ؛ لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرسل.

( وإزالة الخوف ) الحاصل عند الإتيان بالمحسّنات ؛ لكونه تصرّفا في ملك اللّه بغير إذنه ، وعند تركها ؛ لكونه تركا للطاعة. ( و ) استفادة ( الحسن والقبح ) في الأفعال التي تحسن تارة وتقبح أخرى من غير إهداء العقل إلى معرفتها. ( و ) استفادة ( النافع والضارّ ) أي معرفة منافع الأغذية والأدوية ومضارّهما التي لا تفي بها التجربة إلاّ بعد أدوار وأطوار مع ما فيها من الأخطار. ( وحفظ النوع الإنساني ) فإنّ الإنسان مدنيّ بالطبع يحتاج إلى التعاون ، فلا بدّ من شرع يفرضه شارع يكون مطاعا ، كما ذكرنا في بيان حسن التكليف على طريقة حكماء الإسلام. ( وتكميل أشخاصه ) أي تكميل النفوس البشريّة ( بحسب استعداداتهم المختلفة ) في العلميّات والعمليّات.

( ويعلّمهم الصنائع الخفيّة ) من الحاجات والضروريّات ( والأخلاق ) الفاضلة الراجعة إلى الأشخاص ( والسياسات ) الكاملة العائدة إلى الجماعات من المنازل والمدن ( والإخبار بالعقاب والثواب ) ترغيبا في الحسنات ، وتحذيرا عن السيّئات ، إلى غير ذلك. ( فيحصل اللطف للمكلّف ) أي بعثة الأنبياء لطف من اللّه تعالى بالنسبة ( إلى عباده ).

( وشبهة البراهمة ) وهي أنّ البعثة إمّا لأجل ما يوافق العقل فلا حاجة فيه إليهم ، أو لأجل ما يخالفه ، وما يخالف العقل غير مقبول ، فلا فائدة في بعثتهم ؛ ( باطلة ؛ لما تقدّم ) من أنّ ما يوافق العقل قسمان : أحدهما ما استقلّ العقل بإدراكه. والثاني ما لا يستقلّ بإدراكه. والحاجة إليهم في القسم الثاني ، بل في القسم الأوّل أيضا

ص: 16


1- في الأصل : « العقل » وما أثبتناه من المصدر.

ليتعاضد العقل بالنقل.

( وهي واجبة لاشتمالها على اللطف في التكاليف العقليّة ) فإنّ الإنسان إذا كان واقفا على التكاليف بحسب الشرع كان أقرب من فعل الواجبات العقليّة وترك المنهيّات العقليّة.

أقول : لا يخفى ما فيه من البعد. فالأقرب أن يحال بما بيّنته آنفا من اشتمالها على فوائد » (1).

ص: 17


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 357 - 358.

الفصل الثاني : في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يجب أن يكون معصوما عن العصيان والنسيان ، بل عن جميع ما يوجب تنفّر الإنسان

اعلم أنّ العصمة ملكة إلهيّة موهوبيّة بكمال الفطانة ، لا كسبيّة ولا ذاتيّة ، مانعة عن حصول الذنوب وصدور القبائح والعصيان في حالتي العمد والنسيان في مدّة عمر بعض أفراد الإنسان ، على وجه الاختيار لا على وجه الإكراه والإجبار ؛ كما هو ظاهر قوله : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي ) (1) وظاهر إطلاق لفظ « المعصوم » ، مضافا إلى أنّ الذاتيّة تقتضي نفي المدح والفضيلة مع أنّه لا إكراه في الدين.

وبعبارة أخرى : هي حالة نفسانيّة - غريزة - يمتنع بها صدور داعي الذنوب امتناعا وقوعيّا ، لا عقليّا وذاتيّا ، فيمتنع صدور الذنوب مع القدرة عليها.

وبالقيد الأوّل تمتاز عن العدالة ؛ إذ لا يعتبر فيها كون الملكة موجبة لامتناع صدور الذنوب. ويمكن الامتياز من جهة أخرى وهي إمكان صدور الذنوب مع العدالة ولكن مع التعسّر سيّما الصغيرة ، فيكون المنع عن صدور الذنوب فيها أغلبيّا لا كلّيّا. بخلاف العصمة ؛ فإنّ صدورها معها ممتنع وإن كان القدرة عليها متحقّقة ؛ إذ الامتناع بسبب عدم الداعي ، أو وجود المانع لا ينافي القدرة ، كما أنّ الوجوب بسبب

ص: 18


1- يوسف (12) : 53.

وجود الداعي لا ينافيها.

وظهر من القيد الأخير عدم امتناع صدور العصيان على وجه الإجبار ؛ إذ لا إكراه في الدين.

والأنسب أن يفسّر العصمة بحالة إلهيّة مانعة عن صدور مطلق القبيح والعصيان عن العمد والنسيان ، ونحوهما ممّا يعرض الإنسان مدّة العمر ، لا على وجه الإكراه.

وأمّا عصمة خاتم الأنبياء وأوصيائه فهي مانعة عن صدور ترك الأولى مطلقا وما يوجب النفرة والنقص ، وعدم إتمام الحجّة ، والشبهة في إتمام الحجّة أيضا ، كما هو مقتضى الوصول إلى مرتبة حقّ اليقين المشار إليه بقوله علیه السلام : « لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا » (1) ، ومقتضى الخشية ف- ( إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (2).

وبالجملة : فالعصمة لطف خصّصه اللّه تعالى بجمع يتوقّف حصول الغرض من وجودهم عليه وهم الأنبياء والأوصياء ، والغرض من وجودهم تبليغ أحكام اللّه إلى المكلّفين ، والغرض من التبليغ حصول العلم اليقيني بالأحكام ليسهل الغرض من خلق الإنسان وهو إيصال النعيم الأبدي الموقوف على القابليّة الموقوفة على العمل على وفق الحسن والقبح النفس الأمريّين بارتكاب الأوّل والاجتناب عن الثاني ، ولا يحصل ذلك إلاّ بالعلم بهما ، وهو لا يحصل إلاّ ببيان من اللّه بواسطة ، أو بدونها لنقصان عقولنا ، والأخير غير ممكن في الكلّ لنقص القابل ، فلا بدّ من الواسطة التي يحصل من بيانها العلم ، ولا يحصل ذلك إلاّ بالعصمة المانعة عن صدور الكذب ، بل السهو والنسيان ، فتجب عصمة الأنبياء من وجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّها لطف للأنبياء في التبليغ الذي هو لطف مخصوص بهم ؛ إذ اللطف ما يقرّب المكلّف إلى أداء التكليف ، وهي كذلك بالنسبة إليهم.

ص: 19


1- « بحار الأنوار » 40 : 153 ، ح 54.
2- فاطر (35) : 28.

والثاني : أنّها لطف للمكلّفين في تصديق الأنبياء الذي هو تكليف بالنسبة إليهم ؛ لما ذكر.

الثالث : أنّها لطف لهم في سائر التكاليف المعدّة لإيصال النعيم الأبدي ، فثبت أنّ عدمها نقض لغرض اللّه وهو قبيح ، فوجودها واجب.

مضافا إلى أنّ اختيار غير المعصوم - مع إمكان بعث المعصوم وعدم المانع عنه - ترجيح للمرجوح ، وهو قبيح لا يصدر عن اللّه ، فبعث المعصوم واجب ، فذانك برهانان من ربّك من جهة العقل ، ويطابقهما النقل ، كقوله تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1). وقوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2). الدالّ على حصر إرادته التي لا تتغيّر في إذهاب الرجس الممكن بحسب البشريّة ، ووجود قوّتي الغضبيّة والشهويّة ، وتطهيرهم عنه بالكلّيّة ، ونحو ذلك على ما يدلّ على أنّ بعث المعصوم علیه السلام واجب.

وطريق العلم بها لنا أن يعلم أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أتى بالمعجزة كما سيأتي ، ويحكم بها من جهة هذا العلم من قبيل البرهان الإنّي ، أو يخبر المخبر الصادق المعصوم بعصمة شخص آخر كإخبار النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعصمة أمير المؤمنين علیه السلام أو بإمامته الموقوفة عليها ، وهكذا.

وقد نقل الخلاف في أنّ عصمة الأنبياء يجب أن تكون في الكذب فقط ، أو في غيره أيضا ، وعلى الأوّل هل يجب أن يكون في الكذب في التبليغ فقط ، أو في غيره أيضا؟ وعلى الثاني هل يجب أن تكون بالنسبة إلى الكبيرة فقط ، أو إلى الصغيرة أيضا؟ وعلى الثاني هل يجب أن تكون بالنسبة إلى الخسيسة فقط ، أو بالنسبة إلى غيرها أيضا؟ وعلى التقادير هل يجب أن تكون بالنسبة إلى حال العمد فقط ، أو يجب أن تكون بالنسبة إلى حال السهو أيضا؟ وعلى أيّ تقدير هل يجب أن تكون

ص: 20


1- البقرة (2) : 124.
2- الأحزاب (33) : 33.

بالنسبة إلى ما بعد البعثة فقط ، أو يجب أن تكون بالنسبة إلى ما قبلها أيضا؟ (1)

والحقّ وجوب عصمتهم مطلقا من جهة الكذب مطلقا ، وغيره صغيرة وكبيرة مطلقا ، عمدا وسهوا ، بعد البعثة وقبلها.

أمّا عن الكذب في التبليغ فلمنافاته له. وأمّا عنه في غيره وعن غيره مطلقا فلوجوب الاتّباع المنافي لصدور الذنب عنه مطلقا ، أمّا بعد البعثة فظاهر ، وأمّا قبلها فلحصول النفرة المانعة عن الاتّباع ولو بعد البعثة ، ولصيرورته محلّ المناقشة والمشاجرة ، والمقصود أن يكون بعثهم بحيث لا يكون للناس على اللّه حجّة.

وهذا الوجه عامّ يقتضي امتناع صدور جميع المعاصي عنه في أيّ حال كان عمدا وسهوا ، وبعد البعثة وقبلها ، بل يقتضي لزوم تنزّههم علیهم السلام عن جميع العيوب الجسمانيّة ، والأخلاق الذميمة النفسانيّة ، والأمراض المزمنة ، وخساسة الذات ودناءتها وكفر الآباء والأمّهات ، ورذالة القبيلة ، وغيرها ممّا يوجب تنفّر الطبائع المانع عن الاتّباع والإرادة ، بل يجب اتّصافهم علیهم السلام بجميع صفات الكمال والأخلاق الحسنة ، والأقوال الممدوحة وكرامة الآباء وشرافة القبيلة ، ونحوها ممّا يوجب رغبة الناس إليهم وانقيادهم لهم ليحصل الغرض ، ويتحقّق اللطف الواجب على اللّه تعالى كما لا يخفى.

والحاصل : أنّه يدلّ على وجوب عصمة الأنبياء أوّلا العقل ؛ لأنّ بعث البشر المعصوم المرقوم لطف ؛ لعدم ارتباط الجميع بالملك - لو لم ندّع عدم الإمكان - إلاّ فيمن شذّ وندر ، فلا بدّ من بعثته - إتماما للحجّة - للغرض والحجّة ؛ مضافا إلى أنّ غيره مرجوح.

وثانيا : النقل كما قال تعالى : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ) (2).

ص: 21


1- انظر تفصيل هذا الخلاف في « كشف المراد » : 349 ، المسألة الثالثة في وجوب العصمة.
2- يوسف (12) : 109.

وقال تعالى : ( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) (1).

وقال تعالى : ( قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) (2).

وقال تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (3) وقال : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) (4). الآية - إلى أن قال : - ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (5).

وقال تعالى بعد ذكر من الأنبياء : ( وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ * وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (6).

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان شارح القوشجي بقوله : « ( وتجب في النبيّ العصمة ليحصل الوثوق بأقواله وأفعاله فيحصل الغرض من البعثة ) وهو متابعة المبعوث إليهم في أوامره ونواهيه ( ولوجوب متابعته وضدّها ) يعني لو صدر عنه الذنب ، لزم اجتماع وجوب الضدّين وهما متابعته ومخالفته.

أمّا الأوّل : فللإجماع المنعقد على وجوب متابعة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ولقوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) (7).

وأمّا الثاني : فلأنّ متابعة المذنب حرام. ( ولوجوب الإنكار عليه ) يعني لو صدر عنه الذنب ، لوجب منعه وزجره والإنكار عليه ؛ لعموم أدلّة الأمر بالمعروف والنهي

ص: 22


1- الشورى (42) : 51.
2- إبراهيم (14) : 11.
3- البقرة (2) : 124.
4- آل عمران (3) : 33 - 34.
5- الأنعام (6) : 90.
6- الأنعام (6) : 86 - 87.
7- آل عمران (3) : 31.

عن المنكر ، لكنّه حرام ؛ لاستلزامه الإيذاء المحرّم بالإجماع ؛ ولقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) (1). ولزم أيضا أمورا أخر كلّها منتفية :

منها : أن يكون شهادته مردودة ؛ إذ لا شهادة للفاسق بالإجماع ، ولقوله تعالى : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (2) واللازم باطل بالإجماع ؛ ولأنّ من لا تقبل شهادته في القليل الزائل بسرعة من متاع الدنيا كيف تسمع شهادته في الدين القيّم؟!

ومنها : استحقاقه العذاب واللعن واللوم ؛ لدخوله تحت قوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ) (3) ، وقوله تعالى : ( أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (4) ؛ وقوله : ( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (5) ؛ وقوله : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) (6).

لكن ذلك منتف بالإجماع ، ولكونه من أعظم المنفّرات.

ومنها : عدم نيله عهد النبوّة ؛ لقوله تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (7) ؛ فإنّ المراد به النبوّة أو الإمامة التي دونها.

ومنها : كونه غير مخلص ؛ لأنّ المذنب قد أغواه الشيطان والمخلص ليس كذلك ؛ لقوله تعالى حكاية عن إبليس : ( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (8).

ومنها : كونه من حزب الشيطان ومتّبعيه ، واللازم قطعيّ البطلان.

ومنها : عدم كونه متسارعا في الخيرات معدودا عند اللّه من المصطفين الأخيار ؛

ص: 23


1- الأحزاب (33) : 57.
2- الحجرات (49) : 6.
3- الجنّ (72) : 23.
4- هود (11) : 18.
5- الصفّ (61) : 2.
6- البقرة (2) : 44.
7- البقرة (2) : 124.
8- الحجر (15) : 39 - 40.

إذ لا خير في المذنب ، لكن اللازم منتف ؛ لقوله تعالى في حقّ بعضهم : ( إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ) (1) ، ( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ ) (2).

بقي الكلام في أنّ العصمة من أيّ معصية تجب ؛ فإنّ ما يتوهّم صدوره عن الأنبياء من المعاصي إمّا أن يكون منافيا لما تقتضيه المعجزة كالكذب فيما يتعلّق بالتبليغ ، أولا؟ والثاني إمّا أن يكون كفرا ، أو معصية غيره ، وهي إمّا أن تكون كبيرة كالقتل والزنى ، أو صغيرة منفّرة كسرقة لقمة والتطفيف بحبّة ، أو غير منفّرة ككذبة وشتمه وهمّ بمعصية ، كلّ ذلك إمّا عمدا أو سهوا ، بعد البعثة أو قبله.

والجمهور على وجوب عصمتهم عمّا ينافي مقتضى المعجزة ، وقد جوّزه القاضي سهوا ؛ زعما منه أن لا يخلّ في التصديق المقصود بالمعجزة وعن الكفر. وقد جوّزه الأزارقة من الخوارج ؛ بناء على تجويزهم الذنب ، مع قولهم بأنّ كلّ ذنب كفر. وجوّز الشيعة إظهاره تقيّة ؛ احترازا عن إلقاء النفس في التهلكة.

وردّ بأنّ أولى الأوقات بالتقيّة (3) ابتداء الدعوة ؛ لضعف الداعي وشوكة المخالف ، وكذا عن تعمّد الكبائر بعد البعثة ، وجوّزه الحشويّة.

وكذا عن الصغائر المنفّرة لإخلالها بالدعوة إلى الاتّباع ؛ ولهذا ذهب كثير من المعتزلة إلى نفي الكبائر قبل البعثة أيضا ، وبعض الشيعة إلى نفي الصغائر ولو سهوا ، والمذهب عند محقّقي الأشاعرة منع الكبائر والصغائر الخسيسة بعد البعثة مطلقا ، والصغائر غير الخسيسة عمدا لا سهوا.

وذهب إمام الحرمين من الأشاعرة ، وأبو هاشم من المعتزلة إلى تجويز الصغائر عمدا (4).

ص: 24


1- الأنبياء (21) : 90.
2- ص (38) : 47.
3- في الأصل : « بالبعثة » وما أثبتناه موافق لما ورد في « شرح القوشجي » : 357 - 359.
4- انظر تفصيل الأقوال في « كشف المراد » : 351 وما بعدها.

فالمصنّف إن أراد وجوب العصمة عن جميع المعاصي كما هو الظاهر من كلامه والظاهر من الشروح ، فلا يخفى أنّ ما ذكره من الأدلّة لا يفي بذلك ؛ فإنّ صدور الذنب عنه سيّما الصغيرة سهوا لا يخل بالوثوق بقوله وفعله ، والمتابعة قبل البعثة غير واجبة وبعد البعثة إنّما تجب فيما يتعلّق بالشريعة وتبليغ الأحكام ، وبالجملة فيما ليس بزلّة ولا طبع.

والإنكار على ما صدر عنهم سهوا غير جائز ، وردّ الشهادة إنّما يكون بكبيرة ، أو إصرار على صغيرة من غير إنابة أو رجوع ، ولزوم الزجر والمنع واستحقاق العذاب واللعن واللوم إنّما هو على تقدير التعمّد وعدم الإنابة ، ومع ذلك فلا يتأذّى به النبيّ صلی اللّه علیه و آله بل يبتهج. وبمجرّد كبيرة سهوا ، أو صغيرة ولو عمدا لا يعدّ المرء من الظالمين على الإطلاق ، ولا من الذين أغواهم الشيطان ، ولا عن حزب الشيطان سيّما مع الإنابة ، وعلى تقدير كون الخيرات لعموم كلّ فعل وتركه ، فمسارعة البعض إليها وكونه من زمرة الأخيار لا ينافي صدور ذنب من آخر سيّما سهوا ، أو مع التوبة.

وبالجملة : فدلالة الوجوه المذكورة على نفي الكبيرة سهوا ، والصغيرة غير المنفّرة عمدا محلّ نظر.

ويجب أيضا في النبيّ ( كمال العقل والذكاء والفطنة وقوّة الرأي ) لأنّ من لم يتّصف بها لم يرغب في متابعته والانقياد لأوامره ونواهيه.

( ويجب أيضا عدم السهو ) لئلاّ يسهو فيما أمر بتبليغه ، ولعلّ مراده أن لا يكون السهو في الأمور ديدنا له وعادة ( و ) عدم ( كلّ يتنفّر عنه من دناءة الآباء ، أو عمر الأمّهات ، والفظاعة والغلظة والأبنة وشبهها ) من الأمراض التي يتنفّر عنها الطبائع ، كالبرص والجذام وسلس البول والريح ، والأكل على الطريق وشبهه من الأمور الخسيسة » (1).

ص: 25


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 357 - 359.

الفصل الثالث : في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يجب أن يكون مع المعجزة المصدّقة ، بناء على أنّ طريق معرفة صدق النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ادّعاء النبوّة منحصر في ظهور المعجزة

اعلم أنّ المعجزة عبارة عن الأمر العجيب الواقعي ، الخارق للعادة المقترن لادّعاء النبوّة الممكنة ، ونحوها من الرئاسة الإلهيّة الممكنة مع المطابقة في المصدّقة.

بيان ذلك : أنّ كلّ حادث مسبّب عن سبب لاقتضاء مصلحة اللّه خلق الأشياء بالأسباب ، ويسمّى ذلك عادة. والأسباب المقدّرة لحدوث الحوادث على ثلاثة أنواع : الأرضيّة ، والسماويّة ، والمركّبة منهما.

والأرضيّة منحصرة في حركات الأفلاك والكواكب وأوضاعها ، والمركّبة ما حصل منهما ، كما يقال : إنّ الدواء الفلاني يؤثّر أثرا كذا إن استعمل في ساعة كذا ، وإلاّ فلا ، فكلّ ما حدث في هذا العالم بسبب قسم من الأقسام الثلاثة يكون واقعا على مجرى العادة ، وإن حدث بلا توسّط سبب من تلك الأسباب ، لكان على خلاف مجرى العادة ، ويكون خارقا للعادة ، كمجيء الشجرة عند دعوة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله كما سنبيّن إن شاء اللّه تعالى ، فإنّه لم يكن من جهة أسباب عاديّة ؛ إذ الأسباب العاديّة للحركة منحصرة في الإرادة والطبيعة والقسر ، ولا إرادة للشجر ، والطبيعة إمّا أن تقتضي

ص: 26

الحركة إلى الفوق أو التحت ، والقسر إمّا بالجذب أو بالدفع ، وحركة الشجر لم تكن داخلة في شيء من تلك الأقسام ، فتكون خارقة للعادة.

وقد يحدث الأمر بتوسّط سبب عادي خفيّ فيتوهّم كونه بلا سبب فيشتبه بخارق العادة كما في الشعبذة والطلسم والنيرنج ونحوها ، وقد لا يكون وجوده إلاّ بمجرّد التخييل من غير أن يكون له وجود الخارج كما في السحر.

والأمر الحادث لا من جهة سبب من الأسباب العاديّة يسمّى خارق العادة ، فإن اقترن بدعوى النبوّة ، أو الإمامة ، أو سائر ما لا يكون الاختصاص به إلاّ من اللّه وكان مطابقا لها يسمّى « معجزة » ، فما لم يكن يسمّى معجزة « مكذّبة » كما نقل أنّ مسيلمة الكذّاب لمّا سمع أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله دعا للأعور فصار بصيرا ، دعا لأعور فذهبت عينه الصحيحة.

وما كان دالاّ على البعثة وحدث قبلها يسمّى « إرهاصا » كتضليل الغمامة لنبيّنا صلی اللّه علیه و آله ، وتسليم الأحجار له صلی اللّه علیه و آله قبلها ، وسقوط أربع وعشرين شرفة من إيوان كسرى ليلة ولادته صلی اللّه علیه و آله ، وخمود نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ونحو ذلك ؛ إذ الإرهاص بمعنى الانتظار ، فكأنّه ينتظر البعثة.

وما كان غير منتظر مقترن بالدعوى المذكورة يسمّى « كرامة » كما كانت لمريم ؛ إذ ( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ) (1). وهكذا إطاعة الكلاب لسلمان ، وغير ذلك.

فالمعجزة حيث كانت لا عن سلب لا يمكن معارضتها ، بخلاف السحر فإنّه لكونه مسبّبا عن سبب خفيّ يمكن معارضته بتعلّم سببه ، فهي ممتازة عنه ، ولكن إذا كان رجل قادرا على الإتيان بأمر يكون سببه خفيّا ، ويكون مشتبها بالمعجزة عند الأكثر ، فلو ادّعى النبوّة أو نحوها وأتى طبق دعواه بذلك الأمر ، وجب على اللّه إبطاله ؛ دفعا

ص: 27


1- آل عمران (3) : 37.

للإضلال العامّ كما أبطل سحر فرعون بابتلاع عصا موسى.

فالمعجزة صادرة بمجرّد إرادة اللّه بلا توسّط سبب من الأسباب العاديّة ، ولهذا إذا اقترنت بالدعوى المذكورة وكانت مطابقة لها تدلّ على صدق المدّعى.

ووجه انحصار طريق معرفة صدق النبيّ صلی اللّه علیه و آله فيها أنّ دعوى النبوّة - مثلا - ادّعاء خصوصيّة موهبيّة لا كسبيّة ، ولا اطّلاع للعقل بسببها ، فلا يمكن له الاستدلال اللمّي ، فلا بدّ له من البرهان الإنّي الذي هو الاستدلال من الأثر إلى المؤثّر ، ولا بدّ أن يكون لذلك الأثر اختصاص تامّ بذلك المؤثّر حتّى يدلّ عليه. ولمّا كان النبيّ صلی اللّه علیه و آله بشرا لم يميّز من غيره إلاّ باستجماع الكمالات الذي هو أعمّ من النبوّة لا بدّ أن يكون له أثر مخصوص به من حيث إنّه نبيّ ، وليس ذلك المعجزة المقترنة المطابقة لدعواه ، فانحصر طريق إثبات النبوّة ونحوها في المعجزة إمّا بلا واسطة ، أو بواسطة كما في صورة بيان النبيّ صلی اللّه علیه و آله لنبيّ آخر ، أو نحوه.

والحاصل : أنّ المعجزة أمر واقعيّ خارج عن العادة ، بسبب كونه بلا توسّط سبب أرضيّ ، أو سماويّ أو مركّب ، وكونه ممّا لا يتمكّن الخلق على تحصيلها بالتكسّب والتعلّم ونحو ذلك - كما في الحوادث العاديّة المسبّبة عن سبب من تلك الأسباب جليّا كان السبب ، أو خفيّا - موجبا للاشتباه بخارق العادة في أمثال الشعبذة ، مع كون ذلك الأمر الخارق للعادة مقترنا بادّعاء نحو النبوّة الممكنة مطابقا له ، فيمتاز عن « الإرهاص » و « الكرامة » و « السحر » مفهوما ومصداقا.

وأنّ الحوادث المحسوسة إمّا وهميّة وخياليّة محضة ، أو واقعيّة ، والأولى قسم من السحر ، والثانية إمّا مسبّبة عن سبب أرضيّ ، أو سماويّ ، أو مركّب ، أو لا ، والأولى تسمّى بالعاديّة وهي قد تكون مسبّبة عن سبب خفيّ ، والثانية أيضا قسم من السحر.

وغير المسبّبة إمّا أن تكون لصاحب الرئاسة الإلهيّة أم لا ، وعلى الثاني تسمّى « كرامة ». وعلى الأوّل إمّا أن تكون قبل الادّعاء أو تكون مقترنة بالادّعاء ، وعلى

ص: 28

الأوّل تسمّى « إرهاصا » بمعنى حالة منتظرة للرئاسة كما في تظليل الغمام ونحوه للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وانشقاق جدار الكعبة للوصيّ ، وعلى الثاني تسمّى « معجزة ».

وحينئذ إمّا أن تكون مطابقة للدعوة كما في ثعبان موسى ، وإحياء الأموات ، وشقّ القمر لنبيّنا صلی اللّه علیه و آله ، أو مخالفة لها كما في مسيلمة الكذّاب. والأولى تسمّى معجزة مصدّقة ، والثانية معجزة مكذّبة.

فظهر الفرق بين السحر والمعجزة بأنّ السحر أعمّ من الوهمي والواقعي دون المعجزة ، وأنّ السحر الواقعي مسبّب عن سبب خفيّ ، والمعجزة من تصديق اللّه أو تكذيبه من غير سبب من العبد.

مضافا إلى أنّ السّحر عند الاختفاء والاشتباه ممّا يجب على اللّه إبطاله ، حذرا عن عدم إتمام الغرض في صدور القبح ، والمعجزة تكون باقية ويحصل التميّز في صورة الاشتباه بذلك ؛ وبأنّ السحر ممّا يمكن تعلّمه وتحصيله بالكسب دون المعجزة ؛ وبأنّ المعجزة غير مخصوصة بشيء دون شيء ، بل كلّما يريد المخاطب وجب على النبيّ والوصيّ إيقاعه بإذن اللّه ، بخلاف السحر :

وأنّه يدلّ على ذلك برهانان من ربّك :

أوّلا : العقل : لأنّ اللطف - الواجب المقتضي لبعث البشر المعصوم - موقوف على تعريف ذلك المعصوم ولا يتمّ إلاّ به ، وذلك لا يتمّ إلاّ بالمعجزة المصدّقة ؛ لخفاء العصمة وتوقّف ظهورها على تصديق اللّه له بالمعجزة ، فيكون الاقتران بها لازما مع أنّه راجح وتركه مرجوح ، واختيار المرجوح قبيح.

وثانيا : النقل كما قال : ( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) (1) ونحو ذلك.

وعن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : لأيّ علّة أعطى اللّه عزّ وجلّ أنبياءه ورسله وأعطاكم المعجزة؟ فقال : « ليكون دليلا على صدق من أتى بها ، والمعجزة علامة لله

ص: 29


1- الإسراء (17) : 101.

يعطيها أنبياءه ورسله وحججه ليعرف بها صدق الصادق وكذب الكاذب » (1). ونحو ذلك.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنف رحمه اللّه مع بيان الشارح القوشجي بقوله : « ( وطريق معرفته وصدقه ) أي صدق النبيّ صلی اللّه علیه و آله ( في ) دعوى النبوّة ( ظهور المعجزة على يده ، وهو ثبوت ما ليس بمعتاد ، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى ) قيّد بذلك احترازا عن الكرامات ؛ فإنّها لا تكون مطابقة للدعوى ؛ ضرورة عدم الدعوى ، لكنّه يخرج الإرهاص والمعجزة المكذّبة لمدّعي النبوّة أيضا ، والمصنّف يسمّيها معجزة ، كما سيأتي.

وأمّا قوله : مع خرق العادة فهو لغو محض ، ولعلّه من طغيان القلم ؛ لكنّه ينبغي أن يذكر هاهنا قيدا آخر ، وهو عدم المعارضة ، ليميّز عن السحر والشعبذة.

والمشهور في تعريف المعجزة أنّه أمر خارق للعادة ، ومقرون بالتحدّي مع عدم المعارضة.

وقيل : ينتقض بما إذا دلّ على خلاف دعواه كمن ادّعى النبوّة ويقول : معجزتي أن أنطق الحجر ، فنطق ، لكنّه قال : إنّه كاذب.

فالأولى في تعريفها أن يزاد على المشهور قولنا : ومطابقة الدعوى.

أقول : قد تطلق المعجزة على مثله كما سيأتي في كلام المصنّف رحمه اللّه .

وإنّما كان ظهور المعجزة طريقا لمعرفة صدقه ؛ لأنّ اللّه تعالى يخلق عقيبها العلم الضروري بالصدق ، كما إذا قام رجل في مجلس ملك بحضور جماعة وادّعى أنّه رسول هذا الملك إليهم ، فطالبوه بالحجّة؟ فقال : هي أن يخالف هذا الملك عادته ويقوم على سريره ثلاث مرّات ويقعد ففعل ، فإنّه يكون تصديقا له ومفيدا للعلم الضروري بصدقه من غير ارتياب.

ص: 30


1- « علل الشرائع » 1 : 148 ، الباب 100 ، ح 1 ؛ « بحار الأنوار » 11 : 71 ، ح 2.

فإن قيل : [ هذا تمثيل و ] (1) قياس للغائب على الشاهد - وهو على تقدير ظهور الجامع إنّما يعتبر في العمليّات ؛ لإفادة الظنّ - قد اعتبرتموه بلا جامع لإفادة اليقين في العلميّات التي هي أساس ثبوت الشرائع ، على أنّ حصول العلم فيما ذكرتم من المثال إنّما هو لما شوهد من قرائن الأحوال.

قلنا : التمثيل إنّما هو للتوضيح والتعريف دون الاستدلال ، ولا مدخل لمشاهدة القرائن في إفادة العلم الضروري ، لحصوله في الغائبين عن هذا المجلس عند تواتر القصّة إليهم ، وللحاضرين فيما إذا فرضنا الملك في بيت ليس فيه غيره ودونه حجب لا يقدر على تحرّيها أحد سواه ، وجعل مدّعي الرسالة حجّته ؛ لأنّ الملك يحرّك تلك الحجب من ساعته ففعل.

( وقصّة مريم وغيرها تعطي جواز ظهورها على الصالحين ) اختلفوا في جواز وقوع ما هو خارق العادة على يد غير النبيّ صلی اللّه علیه و آله الصالحين - أعني المواظبين على الطاعات ، المجتنبين عن المعاصي - فذهب المعتزلة إلى منعه ؛ تمسّكا بما سيأتي ، والأشاعرة إلى ثبوته. واختاره المصنّف واحتجّ عليه بقصّة مريم كما دلّ عليه قوله تعالى : ( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ) (2) وغيرها مثل قصّة آصف بن برخيا كما دلّ عليه قوله تعالى : ( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (3) وغيرها. وأجاب عن أدلّة المعتزلة وهي وجوه :

منها : أنّه لو صدر عن غير النبيّ لكثر وقوعه ، ولصدوره عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالطريق الأولى وعن غيره أيضا فخرج [ عن ] أن يكون معجزا ؛ لخروجه عن أن يكون أمرا خارقا للعادة لكثرة وقوعه.

ص: 31


1- الزيادة أضفناها من المصدر.
2- آل عمران (3) : 37.
3- النمل (27) : 40.

وتقرير الجواب : أنّا لا نسلّم خروجه عن حدّ الإعجاز ، فإنّ صدوره من الأنبياء والأولياء لا يجعله عادة معتادة. وإلى هذا أشار بقوله : ( ولا يلزم خروجه عن حدّ الإعجاز ).

ومنها : أنّه لو جاز ظهور خارق العادة على [ يد ] غير النبيّ صلی اللّه علیه و آله لزم التنفّر عن الأنبياء ؛ لأنّ الباعث على اتّباعهم انفراد هم عن غيرهم ، وعجز غيرهم عن مشاركتهم فإذا شاركوهم هان الخطب ولزم النفرة عن اتّباعهم بمشاركة الأولياء لهم كما لا يلزم [ ذلك ] بمشاركة نبيّ آخر. وإلى هذا أشار بقوله : ( ولا النفرة ).

ومنها : أنّ تميّز النبيّ صلی اللّه علیه و آله عن غيره إنّما هو بظهور الأمر الخارق على يده ، فلو ظهر على يد غيره أيضا ، لزم عدم تمييز النبيّ عن غيره.

وتقرير الجواب : أنّا لا نسلّم لزوم عدم التميّز وإنّما يلزم لو لم يحصل التميّز بأمر آخر ، وهو ممنوع ؛ فإنّ النبيّ يتميّز عن الوليّ بدعوى النبوّة.

وإلى هذا أشار بقوله : ( ولا عدم التميّز ) أي لا يلزم عدم التميّز.

ومنها : أنّه لو صدر عن غير النبيّ صلی اللّه علیه و آله لبطلت دلالته على صدق النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ لأنّ مبنى الدلالة على اختصاصه بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله فإذا بطل الاختصاص بطلت الدلالة.

والجواب : منع الزوم ، وإنّما يلزم لو ادّعى دلالة كلّ خارق على صدق النبيّ صلی اللّه علیه و آله وليس كذلك ، بل لها شرائط.

منها : مقارنة الدعوى ، وإلى هذا أشار بقوله : ( ولا إبطال دلالته ).

ومنها : أنّه لو جاز ظهوره على يد صادق غير النبيّ صلی اللّه علیه و آله لجاز ظهوره على يد كلّ صادق ، فيلزم عموميّة ظهور المعجزة.

والجواب : منع اللزوم ؛ لأنّ مبنى ظهور الخارق للعادة كرامة صاحبه ، وهي إنّما توجد في الأنبياء والصالحين من عباد اللّه وهم الأولياء. وإلى هذا أشار بقوله : ( ولا العموميّة ، ومعجزاته قبل النبوّة تعطي الإرهاص ).

اختلفوا في ظهور المعجزة على سبيل الإرهاص - وهو إحداث أمر خارق للعادة

ص: 32

دالّ على بعثة نبيّ قبل بعثته - أنّه هل يجوز أم لا؟

واختار المصنّف الجواز ، واحتجّ عليه بظهور معجزات نبيّنا قبل نبوّته مثل : انكسار إيوان كسرى ، وانطفاء نار فارس ، وتظليل الغمامة ، وتسليم الأحجار عليه ( وقصّة مسيلمة وفرعون وإبراهيم تعطي جواز ظهور المعجزة على العكس )

اختلفوا في أنّه هل يجوز المعجزة على الكاذبين على العكس من دعواهم إظهارا لكذبهم؟ فالذين منعوا ظهور الكرامات على غير الأنبياء منعوا من ذلك ، والذين جوّزوا ظهور الكرامات على غير الأنبياء جوّزوا ذلك ، واختاره المصنّف واحتجّ عليه بالوقوع ؛ لأنّ الوقوع دليل على الجواز.

وممّا وقع : ما نقل عن مسيلمة الكذّاب أنّه لمّا ادّعى النبوّة ، فقيل له : إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله دعا لأعور فارتدّ بصيرا ؛ فدعا مسيلمة لأعور فذهبت عينه الصحيحة.

وكما نقل أنّ فرعون لمّا ضرب موسى لبني إسرائيل طريقا في البحر يبسا ، قال فرعون : إنّا نمرّ أيضا على هذا الطريق فأتبعهم بجنوده فغشيهم الموج فأغرقوا جميعا.

وكما نقل أنّ إبراهيم علیه السلام لمّا جعل اللّه تعالى عليه النار بردا وسلاما ، قال عمّه : أنا أجعل النار على نفسي بردا وسلاما فجاءت نار فاحترقت لحيته.

( ودليل الوجوب يعطي العموميّة ، ولا تجب الشريعة )

اختلفوا في أنّه هل تجب البعثة في كلّ زمان بحيث لا يجوز خلوّ زمان عن بعثة نبيّ؟

قال الأشاعرة : لا تجب البعثة في كلّ زمان بناء على نفي الحسن والقبح العقليّين.

وقال الإماميّة : تجب البعثة في كلّ زمان ، واختاره المصنّف واحتجّ عليه بأنّ الدليل الدالّ على وجوب البعثة يعطي عموميّة الوجوب في كلّ وقت ؛ لأنّ الحثّ على الطاعات والنهي عن القبائح لا يحصل إلاّ بالبعثة ، فتكون لطفا ، فتكون واجبة

ص: 33

في جميع الأوقات.

واختلفوا في أنّه هل تجب الشريعة للنبيّ المبعوث أم لا؟ فذهب أبو عليّ وأتباعه إلى أنّه يجوز بعثة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ لتأكيد ما في العقول ، ولا يجب أن تكون له شريعة فإنّه يجوز بعثة نبيّ لشريعة واحدة فكذا يجوز بعثة نبيّ بمقتضى ما في العقول.

وذهب أبو هاشم وأصحابه إلى أنّه لا يجوز أن يبعث النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلاّ بشريعة ؛ لأنّ العقل كاف في العلم بالعقليّات ، فلو لم يكن للنبيّ شريعة ، يلزم أن تكون بعثته عبثا.

وأجاب المصنّف بأنّه يجوز أن يكون البعثة قد اشتملت على نوع من المصلحة ، بأن يكون العلم بنبوّته ودعوته إيّاهم إلى ما في العقول مصلحة لهم ، فلا يكون البعثة عبثا » (1).

ص: 34


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي ، 359 - 361 ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.

الفصل الرابع : في أنّ نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه وآله رسول اللّه المبعوث إلى الثقلين : الجنّ ، والإنس مع المعجزات التي منها : المعراج الجسماني ، وشقّ القمر ، والقرآن ، وأنّه صلى اللّه عليه وآله خاتم النبيّين ، ودينه باق إلى يوم الدين

اشارة

فلنذكر أوّلا نسبه ، وثانيا حسبه :

أمّا نسبه فهو صلی اللّه علیه و آله أنّه محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب ابن المسمّى بشيبة بن عمرو ، المعروف بهاشم بن المغيرة ، المعروف بعبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان بن أدّ بن أدر بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن ثابت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل بن تارخ بن ناخور بن شروغ بن رارعو بن فالخ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن ملك بن متّوشلخ بن أخنوخ بن الناذر بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم علیهم السلام .

وأمّا حسبه فهو أنّه رسول اللّه المبعوث إلى الثقلين ، وخاتم النبيّين بدلالة معجزاته المطابقة لدعواه.

اعلم أنّ معجزاته صلی اللّه علیه و آله على قسمين : ظاهرة ، وخفيّة. فالظاهرة عبارة عن

ص: 35

القرآن المجيد ؛ لكونه ثابتا بالتواتر والتظافر المفيدين للقطع واليقين ، كما في العلم بالبلاد النائية ، والقرون الماضية ، والملوك الحالية ، وذوي السخاوة والشجاعة والعدالة ، ومؤلّف الكتب بحيث لا يمكن إنكاره ولا يقبل التشكيك.

وهكذا حصل القطع واليقين أنّ محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله قد ادّعى النبوّة وأتى على طبقها بالقرآن المجيد ، وتحدّى بطلب معارضته ، وعجز عن المعارضة الفصحاء والبلغاء المشهورون ، ولم يقدروا على معارضته مع تطاول الأزمنة ، فهذا العجز والتعذّر معجز خارق للعادة.

فأمّا الذي يدلّ على أنّه صلی اللّه علیه و آله ادّعى النبوّة ، وأتى بالقرآن ، وادّعى أنّ جبرئيل يهبط عليه ، وأنّ اللّه قد أبانه به ، فهو اتّفاق الموافق والمخالف ، وكونه ضروريّا عند الكلّ ، والقرآن ناطق بذلك ، كقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (1) ونحو ذلك.

وأمّا الذي يدلّ على انتفاء المعارضة منهم فهو أنّه لو وقعت المعارضة ، لوجب ظهوره ونقله ، وحيث لم ينقل قطعنا بانتفائه.

وأمّا وجوب النقل والظهور ؛ فلتوفّر الدواعي وشدّة الاهتمام بإطفاء نوره صلی اللّه علیه و آله ، كيف لا؟ وقد نقل عن مسيلمة الكذّاب حين ادّعى النبوّة والوحي من اللّه ما ليس قابلا للنقل مثل قوله : « الفيل ما الفيل ، وما أدراك ما الفيل ، له ذنب وبيل ، وخرطوم طويل » (2).

وأمّا انتفاء النقل فهو ظاهر ؛ إذ لم ينقل من المتصدّين لإطفائه خبر واحد دالّ على الإتيان بما يعارض القرآن فضلا عن المتواتر ، حتّى نقل أنّ الوليد بن المغيرة - من جهة نهاية حسده وعداوته وإجابة قومه - كان في الليالي متفكّرا في الإتيان

ص: 36


1- البقرة (2) : 23.
2- انظر « إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة » : 175.

بما يعارضه ، فلمّا كان الصباح جاءه قومه رجاء منه أن يأتي بما يعارضه ، فلمّا كانوا بالغين في الفصاحة عارفين قبح الكلام ، عرفوا قبح ما قاله الوليد فلم يظهروه.

وقد نقل من الوليد أنّه مرّ على النبيّ صلی اللّه علیه و آله وقد كان تاليا لسورة « حم السجدة » ولمّا أتى قومه ، قال لهم : « لقد سمعت من محمّد صلی اللّه علیه و آله آنفا كلاما ، ما هو من كلام الإنس والجنّ إنّ له لحلاوة ، وإنّ له لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّه ليعلو ولا يعلى. فقال قومه : صبا الوليد ؛ نظرا إلى تحسينه إلى الحدّ المذكور » (1).

فإن قلت : لعلّ عدم النقل كان من جهة وجود المانع منه وهو الخوف من أهل الإسلام ، وقد بلغوا من الكثرة إلى حدّ يخاف من مثلهم.

قلت : إنّ الخوف لا يقتضي انقطاع النقل من كلّ وجه وإنّما يمنع من التظاهر به ، كما أنّ فضائل أمير المؤمنين علیه السلام وغيره من الأئمّة علیهم السلام قد نقلت ولم ينقطع النقل بها مع الخوف الشديد من بني أميّة وغيرهم ، مضافا إلى أنّ أعداء الإسلام يعارضون الآن بما هو أشدّ من نقل المعارض ، فلو كان المعارض موجودا لكان ثابتا في كتبهم ، وكان نقل المعارض عند المعارضة أهمّ من أنّهم لا يتمسّكون إلاّ بإنكار بعض المعجزات ، أو عدم إعجاز القرآن بسبب عدم الاطّلاع على لطائفه - كما نقل عن بعضهم - مع أنّ الكثرة في الإسلام حصلت بعد الهجرة ، وكان يجب نقل المعارضة قبل ذلك في مدّة مقامه بمكّة ونحوها من أزمنة كان الأعداء فيها كثيرين مجادلين ، بل محاربين ، ولو نقلت لم يكن قوّة الإسلام موجبة لخفائها ، كيف؟ وقد نقل محاربة عمرو وكسر سنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله ونحو ذلك ممّا كان فيه إهانة ظاهرة.

فإن قلت : لعلّ المعارضة وقعت بعد الهجرة.

قلت : في ذلك كفاية في ثبوت المعجزة وحصول خرق العادة ، على أنّ الإسلام وإن قوي حينئذ بالمدينة فقد كان لأهل الكفر ممالك كثيرة وبلاد واسعة ، ومملكة

ص: 37


1- « تهذيب سيرة ابن هشام » : 61.

الفرس كانت ثابتة ، وممالك الروم وغيرها كانت عريضة ، فكان الواجب ظهور المعارضة في هذه البلاد.

فإن قلت : غاية ما ذكرت عدم الوجدان ، وهو لا يدلّ على عدم الوجود.

قلت : العلم الحدسي حاصل بعدم الوجود على وجه أشرنا إليه.

وأمّا الذي يدلّ على أنّ انتفاء المعارضة كان للتعذّر ، فهو أنّا علمنا أنّ كلّ فعل لا يقع من فاعله - مع توفّر دواعيه إليه - فإنّه يدلّ على تعذّره ، وهو إمّا أن يكون بسبب وجود المانع أو بسبب عدم القدرة ، ولا سبيل إلى الأوّل ؛ لما مرّ من انتفاء المانع في جميع البلاد سيّما في صدر الإسلام ، فتعيّن الثاني وهو المعنيّ من العجز والتعذّر ، مضافا إلى أنّهم تركوا المعارضة بالحروف على المقاتلة بالسيوف ، ولا شبهة أنّ الأخيرة أشدّ من الأولى بمراتب لا تحصى ؛ لاقتضائها هلاك كثير منهم ، وأسرهم ، وإفناء أموالهم ونحو ذلك ، ممّا ثبت بالتواتر المعنوي ، فترك الأسهل وارتكاب الأصعب من الماهرين البالغين في البلاغة والغاية ، وصاحب الحميّة الجاهليّة ليس إلاّ للعجز عنه.

فإن قلت : لا يلزم من العجز كون المأتيّ به من اللّه ؛ لاحتمال أكمليّة الآتي من غيره بحيث لا يقدر غيره على الإتيان بمثله ، أو تعلّمه في زمان طويل لم يتمكّنوا مع قصر الزمان من معارضته.

قلت أوّلا : إنّه يجب على اللّه إبطال ما يأتي به غير الحقّ إذا كان ذلك المأتيّ ممّا يعجز عنه غيره في صورة ادّعاء أمر مخصوص ، ولا يكون إلاّ من اللّه كالنبوّة والإتيان بذلك المأتيّ لبيان حقّيّته ، فلو كان نبيّنا صلی اللّه علیه و آله مبطلا كان الواجب على اللّه إبطال ما أتى به. فلو أبطله لنقل ذلك ولو بخبر واحد ، ولم ينقل فلم يبطل ، فيكون محقّا وهو المطلوب.

وثانيا : إنّ الأفصح ليس ممّا لا يمكن الإتيان بما يقاربه ، مع أنّ الأفصح إنّما يمتنع مساواته مجازاته في جميع كلامه أو أكثر كلامه ، ولا يمتنع في البعض على من هو

ص: 38

دون طبقته كما نرى في الطبقة المتأخّرة من الشعراء فإنّهم قد يساوون للمتقدّمة منهم في بعض الأبيات ، بل قد يزيدون عليهم في بعض ، فحيث وقع التحدّي بسورة قصيرة من سور القرآن ولم تكن الأفصحيّة مانعة عن الإتيان بمثله ، ولم يقدروا على الإتيان بمثل سورة من القرآن ، بل بما يدانيه وإلاّ لأتوه ، ولو أتوه لاشتهر كما مرّ ، علم أنّه خارق العادة وليس من البشر ، بل من اللّه العزيز.

وأمّا احتمال أنّه تعمل زمانا طويلا. ففيه - بعد تسليمه - أنّه كان ينبغي للمعارضين أيضا أن يراجع مثله فيعارضوه به - مع امتداد الزمان - لما مرّ فثبت التعذّر الخارق للعادة إمّا لكون القرآن نفسه خارقا للعادة بفصاحته ؛ لكونه في الطبقة العليا من الفصاحة ، والدرجة القصوى من البلاغة على ما لا يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم وعلماء الفرق بمهارتهم في فنّ البيان ؛ فلذلك عجزوا عن معارضته كما عن الأكثر.

أو لكون أسلوبه الغريب ونظمه العجيب مخالفا لأسلوب كلام العرب ونظمه في الأشعار والخطب والرسائل ، أو لمجموع الأمر الأوّل والثاني.

ولأنّ اللّه تعالى صرفهم عن معارضته ، ولولاه لعارضوه لقدرتهم عليها. وعلى أيّ تقدير يثبت المطلوب حتّى في الصورة الأخيرة ؛ لأنّ اللّه لا يصدّق كاذبا ولا يخرق العادة لمبطل ، بل يبطل ما يأتي به إن اشتبه بالمعجزة كما مرّ.

فنقول : إنّ محمّد بن عبد اللّه قد ادّعى النبوّة ، وأظهر المعجزة بالقرآن - كما يثبت بالتواتر - وكلّ من ادّعى النبوّة وأتى بالمعجزة فهو نبيّ ؛ لما بيّنا من أنّ المعجزة دالّة على صدق صاحبها ، فينتج أنّ محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله نبيّ وهو المطلوب.

وأمّا المعجزات الباهرة الظاهرة بالمعنى الدالّة على نبوّته سوى القرآن :

[1] فمنها : شقّ القمر نصفين بمكّة ، وقد نطق به القرآن (1).

ص: 39


1- الانشقاق (84) : 1.

وعن عبد اللّه بن مسعود أنّه قال : « انشقّ القمر حتّى صار فرقتين ، فقال كفّار أهل مكّة ؛ هذا سحر سحركم به ، قال : فسئل السفار وقد قدموا من كلّ وجه ، فقالوا : رأيناه » (1).

وبيانه على ما روي عن الصادق علیه السلام : « أنّه كان في الليلة الرابعة عشرة من ذي الحجّة باستدعاء أربعة عشر نفرا من أصحاب العقبة - بعد تخيير النبيّ صلی اللّه علیه و آله لهم في اختيار أيّ معجزة يريدون واختارهم شقّ القمر - ونزل جبرئيل من اللّه تعالى واختاره فيه بأنّ جميع مكوّنات العالم العلوي والسفلي مطيعة له ، فعند ذلك أمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله للقمر بالانشقاق ، فانشقّ ، فسجد النبيّ صلی اللّه علیه و آله والمؤمنون شكرا ، وبعد رفع الرأس قال المنافقون : قل للقمر أن يرجع إلى حاله الأوّل ، فأمر ، فرجع ، ثمّ لمّا قالوا : قل له أن ينشق ثانيا ، فانشقّ ، فقالوا : إخواننا في السفر إلى الشام واليمن فإذا رجعوا نسألهم عن حال القمر فإن رأوا كما رأيناه ، علمنا أنّه من اللّه ، وإلاّ فنقول : هذا سحر مستمرّ » (2).

ودفعه أنّه لو كان سحرا لما وقع ذلك ، ولمّا كان.

[2] ومنها : مجيء الشجرة إليه صلی اللّه علیه و آله ، فعن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « لقد كنت معه صلی اللّه علیه و آله لمّا أتاه الملأ من قريش فقالوا : يا محمّد ، إنّك قد ادّعيت عظيما لم يدّعه آباؤك ، ولا أحد من بيتك ، ونحن نسألك أمرا إن أجبنا إليه وأريناه علمنا أنّك نبيّ ورسول ، وإن لم تفعل علمنا أنّك ساحر كذّاب ، فقال لهم : وما تسألون؟ » قالوا : تدعو لنا هذه الشجرة حتّى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك ، فقال صلی اللّه علیه و آله : إنّ اللّه على كلّ شيء قدير ، فإن فعل ذلك بكم تؤمنون وتشهدون بالحقّ؟ قالوا : نعم ، قال : فإنّي سأريكم ما تطلبون ، وإنّي لأعلم أنّكم لا تفيئون إلى خير ، وإنّ فيكم من يطرح في

ص: 40


1- « إعلام الورى » 1 : 84.
2- « بحار الأنوار » 17 : 351 - 352 ، ح 1 ، بتفاوت يسير.

القليب ، ومن يحزب الأحزاب ، ثمّ قال : أيّتها الشجرة ، إن كنت تؤمنين باللّه واليوم الآخر ، وأنّي رسول اللّه فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ بإذن اللّه. والذي بعثني بالحقّ لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دويّ شديد وقصف كقصف أجنحة الطير حتّى وقفت بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مرفوعة ، وألقت بغصنها الأعلى على رسول اللّه ، وبعض أغصانها على منكبين وكنت على يمينه صلی اللّه علیه و آله ، فلمّا نظر القوم إلى ذلك قالوا - علوّا واستكبارا - : فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها ، فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها بأعجب إقبال وأشدّ دويّ ، وكادت تلتف برسول اللّه ، فقالوا - كفرا وعتوّا : - فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه ، فأمره صلی اللّه علیه و آله فرجع ، فقلت أنا : لا إله إلاّ اللّه إنّي أوّل مؤمن بك يا رسول اللّه ، وأوّل من آمن بأنّ الشجرة فعلت ما فعلت بأمر اللّه تصديقا بنبوّتك وإجلالا لكلمتك ، فقال القوم : بل ساحر كذّاب عجيب السحر خفيف فيه ، فهل يصدّقك في أمرك غير هذا؟ يعنونني » (1).

[3] ومنها : خروج الماء من بين أصابعه ، وذلك كما قيل : إنّهم كانوا في سفر فشكوا أن لا ماء معهم وأنّهم بمعرض التلف وسبيل العطب ، فقال : « كلاّ إنّ معي ربّي ، عليه توكّلت » ثمّ دعا بركوة فصبّ فيها ماء ما كان ليروي رجلا ضعيفا ، وجعل يده فيها ، فنبع الماء من بين أصابعه ، فصيح في الناس فشربوا وسقوا حتّى نهلوا أو علوّا - وهم ألوف - وهو يقول : « أشهد أنّي رسول اللّه » (2).

[4] ومنها : حنين الجذع الذي كان يخطب صلوات اللّه عليه عنده ، وذلك كما روي أنّه كان في مسجده بالمدينة يستند إلى جذع فيخطب الناس ، فلمّا كثر الناس اتّخذوا إليه منبرا ، فلمّا صعده حنّ الجذع حنين الناقة التي فقدت ولدها ، فنزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فضمّه إليه وكان يئنّ أنين الصبيّ الذي يسكت (3).

ص: 41


1- « إعلام الورى » 1 : 74 - 75 ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.
2- المصدر السابق 1 : 76 ، نقله بتفاوت يسير.
3- المصدر السابق 1 : 76.

[5] ومنها : حديث شاة أمّ معبد ، وذلك أنّه صلی اللّه علیه و آله عند مهاجرته من مكّة - مع أبي بكر وغيره - مرّ على أمّ معبد فسألوا تمرا أو لحما ليشتروا ، فلم يصيبوا عندها شيئا إلاّ شاة بلا لبن خلقها الجهد ، فبعد الاستئذان للحلب دعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بإناء ، فحلب فيه ، فسقاها حتّى رويت ، وسقى أصحابه حتّى رووا ، فشرب صلی اللّه علیه و آله فقال : « ساقي القوم آخرهم شربا » فشربوا جميعا عللا بعد نهل ، ثمّ حلب فيه ثانيا ، ثمّ ارتحلوا عنها ، الخبر (1).

[6] ومنها : خبر سراقة بن جعشم ، وهو أنّه تبعه صلی اللّه علیه و آله وهو متوجّه إلى المدينة فساخت قوائم فرسه حتّى تغيّبت بأجمعها في الأرض ، وهو بموضع جدب وقاع صفصف ، فعلم أنّ الذي أصابه أمر سماويّ ، فنادى : يا محمّد ، ادع ربّك يطلق لي فرسي ، وذمّة اللّه عليّ أن لا أدلّ عليك أحدا ، فدعا له فوثب جواده كأنّه أفلت من أنشوطة ، (2) فعلم بما رأى أنّه سيكون له نبأ ، فقال : اكتب أمانا ، فكتب وانصرف (3).

[7] ومنها : حديث الغار ، وهو أنّه صلی اللّه علیه و آله لمّا أوى عند الهجرة إلى غار بقرب مكّة ، فخرج القوم يطلبه ، فأعمى اللّه أثره - وهو نصب أعينهم - وبعث سبحانه العنكبوت فنسجت في وجه النبيّ صلی اللّه علیه و آله فسترته ، وبعث حمامتين وحشيّتين فوقعتا بفم الغار ، فمن تعجّل منهم لينظر من في الغار بقدر أربعين ذراعا رجع إلى أصحابه ، فقالوا له : ما لك لا تنظر في الغار؟ فقال : رأيت حماما بفم الغار فعلمت أن ليس فيه أحد ، وسمع النبيّ صلی اللّه علیه و آله ما قال (4).

[8] ومنها : كلام الذئب. بيانه أنّ رجلا كان في غنمه يرعاها ، فأغفلها سويعة من نهاره. فعرض ذئب فأخذ منها شاة ، فأقبل يعدو خلفه ، فطرح الذئب الشاة ، ثمّ كلّمه

ص: 42


1- المصدر السابق.
2- الأنشوطة هي العقدة التي يسهل انحلالها. انظر « المعجم الوسيط » : 922 « ن. ش. ط ».
3- « الكافي » 8 : 218 - 219 ، ح 378 ؛ « إعلام الورى » 1 : 77 - 78 ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.
4- « إعلام الورى » 1 : 78 - 79.

بكلام فصيح ، فقال : تمنعني رزقا ساقه اللّه إليّ؟ فقال الرجل : يا عجبا الذئب يتكلّم ، فقال : أنتم أعجب وفي شأنكم للمعتبرين عبرة ، هذا محمّد يدعو إلى الحقّ ببطن مكّة وأنتم عنه لاهون ، فأبصر الرجل رشده وأقبل حتّى أسلم ، وأبقى يراجع شرفا لا تخلقه الأيّام يفتخرون به ، ويقولون : إنّا بنو مكلّم الذئب (1).

[9] ومنها : كلام الشاة المسمومة المهداة من اليهوديّة بخيبر ، حيث دعا أصحابه إليه فوضع يده ، ثمّ قال : « ارفعوا فإنّها تخبرني بأنّها مسمومة » وقد كان صلی اللّه علیه و آله تناول منها قليلا قبل أن كلّمته ، ليعلم أنّه مخلوق وعبد (2).

وصار ذلك سبب الشهادة مع عوده كلّ سنة.

[10] ومنها : إشباع الألوف من قومه يوم الأحزاب بقوت رجل أو رجلين بعد دعوة رجل من أصحابه إليها واحتفال القوم معه ، وأمره صلی اللّه علیه و آله بتغطية الإناء ، وأكل القوم كلّهم منه حتّى شبعوا كأن لم يجوعوا ، والطعام بحاله بلا نقص (3).

[11] ومنها : إشباع قومه في غزوة تبوك بفضلة زاد لهم وهي بضع عشرة تمرة ، حيث شكوا الجوع ، فطرحت تلك التمرة بين يديه فوضع يده عليها وقال : « كلوا بسم اللّه » فأكل القوم حتّى شبعوا وهي بحالها يرونها عيانا (4).

[12] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله ورد ماء لا يبلّ حلق أحد والقوم عطاش ، فشكوا ذلك إليه ، فأخذ سهما من كنانة فدفعه إلى رجل من أصحابه ، فغرزه في الركي بأمره ، فملأ من الماء إلى أعلاه فروي القوم وأخذوا منه للظعن ، وهم ثلاثون ألفا (5).

[13] ومنها : تكلّم الظبية معه صلی اللّه علیه و آله - حين وقعت في شبكة - وتخليتها لإرضاع

ص: 43


1- المصدر السابق : 79.
2- « كنز الفوائد » 1 : 173 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 27 ؛ « إعلام الورى » 1 : 80.
3- « الخرائج والجرائح » 1 : 27 ؛ « إعلام الورى » 1 : 80.
4- « كنز الفوائد » 1 : 27 ؛ « إعلام الورى » 1 : 80.
5- « الخرائج والجرائح » 1 : 28 ؛ « إعلام الورى » 1 : 81.

ولدها ، واعتذاره صلی اللّه علیه و آله أنّ صاحبها غائب ، حيث قالت : إنّى أرجع ، فخلاّها وجلس حتّى رجعت الظبية وجاء صاحبها ، فشفع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حتّى خلّى سبيلها ، فاتّخذ القوم من ذلك الموضع مسجدا (1).

[14] ومنها : أنّ قوما شكوا إليه صلی اللّه علیه و آله ملوحة مائهم فجاء معهم في جماعة من أصحابه حتّى أشرفوا على بئرهم ، فتفل فيها ، ثمّ انصرف ، ففار الماء المالح وانفجرت الماء العذب والفرات ، وبها يتفاخر أهلها (2). وحصل عكسه لمسيلمة عند طلب منه.

[15] ومنها : أنّ امرأة أتت بصبيّ ذي عاهة ، فمسح يده على رأسه فاستوى شعره وبرئ داؤه (3). وحصل عكسه لمسيلمة عند طلب مثله عنه.

[16] ومنها : أنّ قوما من عبد القيس أتوه بغنم لهم فسألوه أن يجعل لها علامة يذكر بها ، فغمز إصبعه في أصول آذانها فابيضّت ، وهي معروفة النسل (4).

[17] ومنها : حديث المطر ، حيث كثر حتّى أشفقوا من خراب دور المدينة وانهدام بنيانها ، فدعا فتنحّ السحاب عن المدينة وأطاف حولها مستديرا مطير الشمس طالعة في المدينة يرى المؤمن والكافر (5).

[18] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله أخذ يوم بدر ملء كفّه من الحصى فرمى بها وجوه المشركين فملأ أعينهم ، وجعل المسلمون والملائكة يقتلونهم ويأسرونهم ، ويجدون كلّ رجل منهم منكبّا على وجهه لا يدري أين يتوجّه ، فعالج التراب بنزعه من عينيه (6).

[19] ومنها : أمر ناقته حين افتقدت فأرجف المنافقون ، وقالوا : نبّئنا بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فلمّا خاف صلی اللّه علیه و آله على المؤمنين وساوس الشيطان دلّهم

ص: 44


1- « الخرائج والجرائح » 1 : 37 ؛ « إعلام الورى » 1 : 81.
2- « الخرائج والجرائح » 1 : 28 ؛ « إعلام الورى » 1 : 82.
3- « الخرائج والجرائح » 1 : 29 ؛ « إعلام الورى » 1 : 82.
4- « كنز الفوائد » 1 : 171 ؛ « الخرائج والجرائح » 1 : 29.
5- « الخرائج والجرائح » 1 : 29 ؛ « إعلام الورى » 1 : 83 ؛ « صحيح البخاري » 2 : 35.
6- « كنز الفوائد » 1 : 169 ؛ « إعلام الورى » 1 : 83.

عليها ، ووصف لهم حالها فأتوها فوجدوها كما وصف (1).

[20] ومنها : أنّ رجلا من أصحابه أصيب بإحدى عينيه في بعض مغازيه فسالت حتّى وقعت على خدّه ، فأتاه مستغيثا به ، فأخذها بيده فردّها مكانها ، فكانت أحسن عينيه وأصحّهما وأحدّهما نظرا (2).

[21] ومنها : برء أبي براء من داء الاستسقاء بشرب طين تفل صلی اللّه علیه و آله فيه مخلوطا بالماء ، وقد أخذ لبيد من الرسول صلی اللّه علیه و آله بالتعجّب والاستهزاء (3).

[22] ومنها : شكوى البعير إليه - عند رجوعه إلى المدينة من غزوة بني ثعلبة - بأنّ صاحبه عمل عليه إلى الكبر فأراد نحره ، فأخبره صلی اللّه علیه و آله جابرا ، فقال له : « فأتني به » فقال : واللّه ما أعرف صاحبه ، قال : « هو يدلّك » فخرج معه حتّى انتهى إلى صاحبه ، فأتى به مع البعير إليه فبيّن له ما قال البعير ، فقال صاحبه : قد كان ذلك يا رسول اللّه ، فاشتراه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بعد عدم قبول الإهداء ، فتركه يرعى في نواحي المدينة ، ومنحه من يريد الغدوة والروحة من أصحابه (4).

[23] ومنها : أنّ أبا جهل عاهد اللّه أن يفضخ رأسه صلی اللّه علیه و آله بحجر إذا سجد في صلاته ، فاحتمل الحجر عند قيامه في الصلاة بين الركنين الأسود واليماني ، فلمّا أدناه رجع متنقّعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره ، حتّى قذف الحجر من يده ، وقام إليه رجال من قريش ، فقالوا : ما لك يا أبا الحكم؟ قال : عرض لي دونه فحل من الإبل ما رأيت مثل هامته قصرته ولا أنيابه لفحل قطّ ، فهمّ أن يأكلني (5).

[24] ومنها : أنّ أبا جهل اشترى من رجل إبلا فبخسه أثمانها ولواه (6) بحقّه ، فأتى

ص: 45


1- « كنز الفوائد » 1 : 170 ؛ « إعلام الورى » 1 : 84.
2- « الخرائج والجرائح » 1 : 32 ؛ « إعلام الورى » 1 : 84.
3- « إعلام الورى » 1 : 84.
4- « إعلام الورى » 1 : 85 - 86.
5- المصدر السابق 1 : 86 ، بتفاوت يسير.
6- أي مطله وجحده إيّاه.

الرجل نادى قريشا ، مستجيرا بهم وذكّرهم حرمة البيت ، فأحالوه على النبيّ صلی اللّه علیه و آله استهزاء به ، فأتاه مستجيرا به فمضى معه ودقّ الباب على أبي جهل ، فعرفه وخرج مبهوتا فقال : أهلا بأبي القاسم ، فقال له : « أعط هذا حقّه » قال : نعم ، فأعطاه من فوره ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّي رأيت ما لم تروا ، رأيت واللّه على رأسه تنّينا فاتحا فاه ، واللّه لو أبيت لالتقمني (1).

[25] ومنها : ستره صلی اللّه علیه و آله عن نظر أمّ جميل حين جاءت إليه صلی اللّه علیه و آله [ وهي تقول : مذمّما أبينا ] (2) بعد نزول ( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ) (3) فرأت أبا بكر ولم تر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقالت : يا أبا بكر ، أخبرت أنّ صاحبك هجاني ، فقال : لا وربّ البيت ما هجاك ، فولّت (4).

[26] ومنها : ستره عمّن أرادوا قتله من بني مخزوم ، ومنهم أبو جهل حيث أرسلوا الوليد [ ليقتله ] (5) فانطلق حتّى انتهى إلى المكان الذي كان يصلّي فيه ، فجعل يسمع قراءته ولا يراه ، فانصرف إليهم فأعلمهم ذلك ، فأتاه أبو جهل وغيره ، فلمّا انتهوا إلى ذلك المكان الذي سمعوا صوته ، وذهبوا إلى الصوت ، فإذا الصوت من خلفهم ، وهكذا ، وذلك قوله تعالى : ( وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ) (6) الآية.

[27] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله كان في غزاة الطائف ومسيره ليلا على راحلته بواد بقرب الطائف يقال له : « نجيب » ذو شجر كثير من سدر وطلح ، فغشي وهو في وسن النوم سدرة في سواد الليل ، فانفجرت السدرة له بنصفين فمرّ بين نصفيها ، وبقيت السدرة

ص: 46


1- « إعلام الورى » 1 : 86.
2- الزيادة أثبتناها من « إعلام الورى » 1 : 87.
3- المسد (111) : 1.
4- « دلائل النبوّة » للبيهقي 2 : 195 ؛ « إعلام الورى » 1 : 87.
5- الزيادة أثبتناها من « إعلام الورى » 1 : 88.
6- « دلائل النبوّة » للبيهقي 2 : 197 ؛ « إعلام الورى » 1 : 88 ، والآية في سورة يس (36) : 9.

منفرجة على ساقين ، وتسمّى سدرة النبيّ صلی اللّه علیه و آله (1).

وبالجملة : فمعجزاته أكثر من أن تحصى ، كإخباره صلی اللّه علیه و آله بالمقاتلة مع أمير المؤمنين (2) علیه السلام وقتل الحسين علیه السلام ومصارع أهل بيته (3) ، ونحو ذلك.

وعن بعض أنّ أعلامه تبلغ ألفا (4) فالأولى الاقتصار على ما ذكرنا. وتلك المعجزات وإن كان كلّ واحدة منها منقولة بخبر واحد بحسب الكيفيّة في [ البعض ] (5) والأصل في البعض ، إلاّ أنّه يحصل من جميعها القطع بصدور المعجزة من النبيّ صلی اللّه علیه و آله ويقال له : المتواتر المعنوي ، كالعلم بجود حاتم ، وشجاعة رستم ، وعدل نوشيروان ، بالحكايات المنقول كلّ واحدة منها بخبر واحد.

فنقول : إنّ محمّد بن عبد اللّه ادّعى النبوّة وختم الرسالة ، وعمومها بالنسبة إلى الثقلين ، ونسخ ملل السابقين ، وأظهر المعجزة على طبقها. وكلّ من كان كذلك فهو نبيّ من عند اللّه ، وما ادّعاه حقّ ، محمّد بن عبد اللّه نبيّ من عند اللّه وما ادّعاه من ختم الرسالة وعمومها ونحوهما حقّ.

فإن قلت : إن كان في الملل المنسوخة مفسدة فوضعها قبيح ، وإلاّ فرفعها قبيح ، ولا سبيل إلى الأوّل ؛ لأنّه تعالى وضعها ويمتنع كون ما صدر منه تعالى قبيحا كما مرّ ، فتعيّن الثاني ، فتكون الملّة الثانية لموسى علیه السلام بالاتّفاق غير مرفوعة ، فيكون ملّة محمّد صلی اللّه علیه و آله التي تكون ناسخة لها غير ثابتة.

قلت : ذلك مدفوع بالنقض والحلّ. أمّا النقض فبالملل السابقة على ملّة موسى علیه السلام المنسوخة بها وغيرها ، كما قيل : إنّه ورد في التوراة أنّه كان أكل جميع ما يدبّ على

ص: 47


1- « الخرائج والجرائح » 1 : 26 ؛ « إعلام الورى » 1 : 88.
2- « إعلام الورى » 1 : 92.
3- المصدر السابق 1 : 93.
4- المصدر السابق 1 : 89.
5- بين المعقوفتين منّا أضفناه لاستقامة المتن.

الأرض حلالا على آدم علیه السلام وحوّاء ، وحرّم أكل بعض الحيوانات على نوح علیه السلام ، وأنّ الختان كان جائزا لنا حراما على نوح ، وصار واجبا فوريّا على من تأخّر عنه من الأنبياء ، وأنّ الجمع بين الأختين كان حلالا في شريعة آدم ونوح علیهماالسلام وصار حراما في شريعة موسى علیه السلام كما في شريعتنا.

وأمّا الحلّ فبأنّ حسن الأشياء وقبحها على قسمين : ذاتي ، وعرضي ، فقد يصير الحسن بالذات قبيحا بالعرض كالصدق الضارّ ، وبالعكس كالكذب النافع ، فبحسب المصالح يختلف الحال ، فلعلّ الملل المنسوخة كانت في زمانها فيها مصلحة اقتضت وضعها ، ولمّا انتفت تلك المصلحة في الزمان المتأخّر عنه ، بل اقتضت المصلحة خلافها ونسخت ووضعت خلافهما.

فيمكن أن تكون المنسوخة قبيحة بالذات ، حسنة بالعرض ، والناسخة بالعكس في زمان المنسوخة ، ولمّا انتفت المصلحة الموجبة لحسن المنسوخة القبيحة ، وقبح الناسخة الحسنة ، حكم بمقتضى حكم الحسن والقبح الذاتيّين بالنسبة إلى الناسخ والمنسوخ ؛ لأنّ الضرورة تتقدّر بقدرها ، كما في أكل الميتة عند الضرورة ، ويمكن أن يكون الأمر بالعكس ، فلمّا تحقّقت المصلحة الموجبة لقبح المنسوخة الحسنة ، وحسن الناسخة القبيحة ، حكم بمقتضى الحسن والقبح العرضيين المقتضي أوّلهما وجود المصلحة في الناسخ ، وثانيهما تحقّق المفسدة في المنسوخ ، فلا إشكال.

فإن قلت : إنّ اليهود أخبروا عن موسى علیه السلام قوله : « تمسّكوا بالسبت أبدا » فما دام السبت باقيا كانت شريعة موسى علیه السلام باقية.

قلت أوّلا : إنّه غير ثابت النقل منهم ، بل هو موضوع أوقع بين اليهود.

والدليل على ذلك أنّه لو كان ثابتا لوجب محاجّة اليهود مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله بذلك ، ولو وقعت المحاجّة لنقلت ، ولم تنقل.

ولو سلّمنا بثبوته بين اليهود ، نمنع صدوره عن موسى علیه السلام ؛ لعدم اتّصال عدد

ص: 48

التواتر من أزمان اليهود إلى زمان موسى علیه السلام ؛ لاستئصال بخت نصّر لهم ، بحيث لم يبق منهم عدد التواتر كما قيل ، ولا أقلّ من عدم العلم.

وثانيا : إنّ مثل هذا الكلام يسمّى عرفيّة ، فالمعنى المفهوم منه عرفا : تمسّكوا بالسبت أبدا ما دامت شريعتكم باقية ، كما يقال : اكتب بالقلم أبدا ، والمعنى ما دمت كاتبا.

وأمّا الأدلّة النقليّة فهي في هذا الباب أيضا كثيرة :

منها : قوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (1) الآية.

ومنها : قوله تعالى : ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (2) الآية.

ومنها : قوله : ( كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّهُ ) (3) الآية.

ومنها : قوله تعالى : ( وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) (4) الآية.

ومنها : قوله تعالى - حكاية عن عيسى علیه السلام - ( وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الآية (5).

ومنها : قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (6).

ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ ) (7).

ص: 49


1- آل عمران (3) : 144.
2- الأحزاب (33) : 40.
3- الشورى (42) : 3.
4- المنافقون (63) : 1.
5- الصفّ (61) : 6.
6- البقرة (2) : 23.
7- الأعراف (7) : 158.

ومنها : قوله تعالى : ( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (1).

ومنها : قوله تعالى : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) (2) الآية.

والحاصل أوّلا : أنّ محمّد بن عبد اللّه بن هاشم بن عبد مناف رسول اللّه ونبيّه المعصوم المنزّه عمّا ذكر ، المقترن بالمعجزات التي منها المعراج الجسماني ، وشقّ القمر ، والقرآن.

يدلّ على ذلك أنّه صلی اللّه علیه و آله ادّعى النبوّة الممكنة ، وأتى على طبقها المعجزة - كالقرآن الذي عجز عن معارضته الفصحاء ، كفصحاء عدنان - فهو حقّ. أمّا الصغرى ؛ فلتوافر القطع ، وأمّا الكبرى ؛ فللبرهان العقلي ؛ لقبح صدور المعجزة في يد الكاذب ؛ لاستلزامه فوات الغرض ، والإغراء بالجهل ، والإضلال ، مضافا إلى النقل كالآيات المذكورة : قال اللّه تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (3).

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) (4).

وقال تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ ) (5). وقال : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ ) (6).

وقال تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ) (7).

ص: 50


1- النجم (53) : 2 - 4.
2- آل عمران (3) : 3.
3- آل عمران (3) : 144.
4- محمّد (47) : 2.
5- الفتح (48) : 29.
6- الأعراف (7) : 157.
7- الأحزاب (33) : 46.

وقال تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1). وقال تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2). وقال تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (3). وقال تعالى : ( لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (4).

وقال تعالى : ( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى * ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) (5).

وقال تعالى : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) (6).

[ حديث المعراج ]

وقد روي عن الباقر علیه السلام والصادق علیه السلام في حديث المعراج ما حاصله : « أنّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل جاءوا بالبراق - الذي هو أصغر من البغل ، وأكبر من الحمار مضطرب الأذنين ، عينه في حافره ، وخطاه مدّ بصره ، إذا انتهى إلى جبل قصرت يداه ، وطالت رجلاه ، أهدب العرف الأيمن ، له جناحان من خلفه وفخذه ، وهي دابّة من دوابّ الجنّة ، وأحسن الدوابّ لونا ، لو أذن اللّه تعالى لجالت الدنيا والآخرة في جرية واحدة خدّه كخدّ الإنسان ، وذنبه كذنب البقر ، وعرفه كعرف

ص: 51


1- البقرة (2) : 124.
2- الأحزاب (33) : 33.
3- البقرة (2) : 23.
4- الإسراء (17) : 88.
5- النجم (53) : 2 - 11.
6- القمر (54) : 1.

الفرس ، وقوائمه كقوائم الإبل - إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهو نائم في مكّة في دار أمّ هاني أخت عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، على قول.

فقال جبرئيل : قم يا محمّد ، فقام وخرج معه إلى الباب ، وأخذ واحد باللجام ، وواحد بالركاب وسوّى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت فلطمها جبرئيل علیه السلام ثمّ قال : اسكتي يا براق ما ركبك نبيّ قبله ولن يركبك بعده مثله ، فركب علیه السلام إلى بيت المقدس ، وناداه في مسيره مناد عن يمينه ، فلم يجبه ولم يلتفت إليه وإلاّ لتهوّدت أمّته بعده ؛ لكون المنادي داعي اليهود ، ثمّ ناداه مناد عن يساره وهو داعي النصارى فلم يجبه ولم يلتفت إليه ، وإلاّ لتنصّرت أمّته بعده ، ثمّ استقبلته امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : يا محمّد تنظرني حتّى أكلّمك ، فلم يلتفت إليها ، فلو كلّمها لاختارت أمّته الدنيا على الآخرة ، ثمّ سمع صوتا ، قال جبرئيل : هو صوت صخرة قذفها على شفير جهنّم واستقرّت بعد سنين.

فلمّا انتهى إلى بيت المقدس نزلت ملائكة للبشارة من ربّ العزّة وعرض عليه جبرئيل محاريب الأنبياء وآثارهم ومنازلهم ، فربط البراق بالحلقة التي كانت تربط بها فوجد إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء اللّه من الأنبياء ، فلمّا استووا أخذ جبرئيل بيده وقدّمه صلی اللّه علیه و آله عليهم فصلّى وركب وصعد إلى سماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له : إسماعيل وصاحب الخطفة تحته سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك ، فقال : يا جبرئيل من هذا معك؟ فقال : محمّد صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ فتح الباب ودخل فرأى عجائبها ، فسلّم عليه واستغفر له وقال : مرحبا بالأخ الصالح ، وملائكتها يسلّمون عليه ضاحكين مستبشرين عليه ، حتّى لقيه ملك عظيم كريه المنظر ظاهر الغضب ، فدعا له ، إلاّ أنّه لم يضحك ، فقال : يا جبرئيل ، من هذا فإنّي قد فزعت منه؟

قال : كلّنا نفزع منه ، هذا خازن النار لم يضحك قطّ ، فطلب إراءة النار ، فكشف عنها غطاءها وفتح بابا منها فخرج منها لهب ساطع في السماء فهاب ، فسدّ.

ثمّ صعد إلى السماء الثانية فرأى فيها عيسى ويحيى ، ثمّ صعد إلى السماء الثالثة

ص: 52

فرأى فيها يوسف ، ثمّ صعد إلى الرابعة فرأى فيها إدريس ، ثمّ صعد إلى الخامسة فرأى هارون ، ثمّ صعد إلى السادسة فرأى إبراهيم ، ثمّ صعد إلى أعلى علّيّين قرب العرش فرأى الجنّة ، فكلّمه ربّه بما كلّمه بلسان عليّ بن أبي طالب علیه السلام قائلا : بأنّي لم أجد في قلبك أحبّ منه ، ثمّ رجع إلى مكّة فلمّا أصبح حدّث بما وقع ، فكذّبه أبو جهل والمشركون ، فأخبرهم بما أطّلع عليه من أمور الغيب فلم ينفع » (1).

اعلم أنّ ظاهر الآيات والأخبار ، بل مقتضى الضرورة أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله عرج بتمام جسمه الشريف إلى مقام « قاب قوسين أو أدنى » ، ولزوم الخرق والالتئام - مضافا إلى منع امتناعهما فيما دون الفلك الأعظم وهو العرش ؛ لعدم تمام دليل المانع مع غير محدّد الجهات كما بيّن في محلّه ، بل مطلقا ، لعموم قدرة اللّه - غير مانع في المقام ؛ لأنّ المعراج الجسماني معجزة ، وكلّ معجزة لا بدّ من كونها خارقة للعادة ، وكونها مستندة إلى فعل اللّه القادر على ما يشاء ، والفعّال لما يريد ، فاستبعاد ذلك أو اعتقاد خلاف ما ذكر عن العاقل بعيد.

[ ما قاله الشيخ المعاصر في كيفيّته المعراج ]

والعجب أنّ الشيخ المعاصر قال في جواب السؤال عن معراج محمّد صلی اللّه علیه و آله بجسمه من غير لزوم خرق والتئام ، وعن معنى رؤية الأنبياء ، وصلاته بالملائكة ، وصلاة الربّ ، ووقوفه ، ما يخالف ظاهره ذلك حيث قال : « إنّ حقيقة المعراج هو العروج على ظاهره ولا جهل فيه ، وإنّما الجهل في معرفة جسد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وفي معرفة الأفاعيل الإلهيّة ، وفي معرفة الخرق والالتئام.

فنقول : اعلم أنّ اللّه سبحانه خلق قلوب المؤمنين من فاضل طينة جسم محمّد صلی اللّه علیه و آله وأهل بيته ، والفاضل إذا أطلق في الأخبار وفي عبارات العارفين

ص: 53


1- « تفسير القمّي » 1 : 395 ذيل الآية 1 من سورة الإسراء (17) ؛ « بحار الأنوار » 18 : 319 - 332 ، ح 34. وقد صحّحنا النقل على المصدر.

بالأسرار يراد به الشعاع ، وهي واحد من سبعين ، ممثّلا جسم النبيّ صلی اللّه علیه و آله قرص الشمس ، وقلوب شيعتهم خلقوا من الشعاع الواقع على الأرض من قرص الشمس ، فإذا عرفت هذا عرفت أنّه يصعد بجسمه ولا يكون خرق ولا التئام.

بقي شيء وهو أنّا نقول : الجسم هو كذلك ، ولكنّه ليس بصورة البشريّة التي تحسّ وهي متّحدة وحكمها حكم سائر الأجسام الجماديّة ، والصعود بها يلزم الخرق والالتئام.

ونجيب بأنّ الصورة البشريّة عند إرادة صعوده يجوز فيها احتمالان في الواقع ، هما سواء في الظاهر : الأوّل أبعد عن العقول ، والآخر أقرب.

فالأوّل : أنّ الصاعد كلّما صعد ألقى منه عند كلّ رتبة منها ، مثلا إذا أراد تجاوز كرة الهواء ألقى ما فيه من الهواء فيها ، وإذا أراد تجاوز كرة النار ألقى ما فيه منها فيها ، وإذا رجع أخذ ماله من كرة النار ، فإذا وصل الهواء أخذ ماله من الهواء.

لا يقال على هذا : إنّ هذا قول بعروج الروح خاصّة ؛ لأنّه إذا ألقي ما فيه عند كلّ رتبة لم يصل إلاّ الروح.

لأنّا نقول : إنّا لو قلنا بذلك فالمراد بها أعراض ذلك ؛ لأنّ ذوات ذلك لو ألقاها بطلت نبيّته ، ونبيّته باقية لا تنقل ، وإنّما مرادنا الجسم بالنسبة إلى عالم الكون ، وإلاّ فهو على ما هو عليه من التجسّد والتخطيط.

والثّاني : أنّ الصورة البشريّة التي هي المقدار والتخطيط تابعة للجسم في لطافته وكثافته ، فإنّ الملك مثل جبرئيل إذا رجع في صورة البشر كصورة دحية بن خليفة الكلبي يخرج بقدر دحية ، مع أنّه يملأ ما بين السماء والأرض ، ولو شاء حينئذ من في ثقب الإبرة وأصغر ؛ لأنّ الأجسام اللطيفة النورانيّة تكون بحكم الأرواح وإلاّ لا تزاحم فيها ولا تضايق ، ولهذا يبلغ المعصوم علیه السلام من مشرق الدنيا إلى مغربها في أقلّ من طرفة عين ولا يستغربه السامع ، وهذا هو ذلك بعينه ، فافهم.

وأمّا معرفة الأفاعيل الإلهية فلأنّه إنّما توهّم من توهّم من جهة أنّ العالم على

ص: 54

وضع واحد لو اختلّ النظام ، فإذا خرق حصلت حال مروره فرجة بانحباس من الأجزاء المختلفة ، فإذا وقف وقفت أجزاء الفلك ، على أنّه لا فرجة فيه ولا يمكن تخلّل أجزائه ولا تلزمها فأين تذهب أجزاء الفرجة المفروضة؟

ومع هذا كلّه فيلزم فساد النظام ، والالتئام إنّما يكون بانبساط الأجزاء إلى الفرجة ولا يكون ذلك إلاّ مع التخلّل والرفق ولا يمكن فيه ذلك ، وأمثال ذلك. وهذا جار على حسب أفاعيل العباد.

وأمّا الأفاعيل الإلهيّة - على تقدير تسليم امتناع الخرق والالتئام - فنقول على ظاهر العبارة : إنّ المعراج معجز والمعجز يجري فيه ما لا يجري في العادة وفيما نعرفه ، فيجوز أنّ الأجزاء التي يقدر جسمه الشريف حال عروجه فنيت في بقاء جسمه - كما فنيت الحبال والعصا في جسم عصا موسى - وكان جسمه الشريف قائما مقامها في إمداد العالم السفلي من أحكام الحياة في سماء الدنيا ، والفكر في الثانية ، والخيال في الثالثة ، والوجود في الرابعة ، والوهم في الخامسة ، والعلم في السادسة ، والعقل في السابعة ، والصور في الثامنة ، والتسخير والتقدير في التاسعة ، بحيث لا تفقد قوّة منها ؛ لأنّ جسده هو علّة هذه الأسباب فهو أقوى منها قطعا ، وكلّما تعدّى شيئا رجع ما فرّ منه بحيث لا يحصل خرق ولا التئام ، ويكون في سيره في ذلك كلّه موازيا للخطوط الخارجة عن مركز العالم إلى المحيط بها في كلّ ذلك ، فيدور معها على التوالي ، ولو قلنا : إنّه يسير على خطّ مستقيم جاز وكان ما اعترضه من الأجزاء - التي يكون اصطفافها بالنسبة إلى خطّ سيره المستقيم صوريّا - يكون مستهلكا في بقائه ، وعائدا بعد تجاوزه كما مرّ على حدّ واحد.

ولمّا كان جسده الشريف علّة لوجود جميع الأجساد ، وجسمه علّة لجميع الأجسام ، كان محيطا بجميعها فلا يكون منها جزءا إلاّ هو محيط به ، فكان صلی اللّه علیه و آله في عروجه محيطا بجميع الأجسام والأرواح والنفوس والعقول ؛ لأنّ عقله علّة العقول ، وروحه علّة الأرواح ، ونفسه علّة النفوس إحاطة المنير بأشعّته ، فمرّ في عروجه

ص: 55

بكلّ شيء ورأى كلّ شيء ، كلاّ في رتبته ؛ لأنّ من غلب عليه الوهم - مثلا - رآه في السماء الخامسة ، ومن غلب عليه العلم رآه في السماء السادسة ، ومن غلب عليه العقل رآه في السماء السابعة.

ومعنى صلاته بالملائكة صلاة الظهر - وهو إنّما عرج بالليل - : لأنّ عروجه على سمت بدء الوجود والشمس قائمة على قمّة الرأس في التاسع عشر من برج الحمل والسرطان طالع الدنيا ، فأوّل ما تحرّك الفلك وجب فرض الظهر وهو أوّل صلاة صلاّها.

فإن قلت : كيف تكون هذه أوّل صلاة صلاّها وهو إنّما عرج إلى السماء بعد النبوّة بسنتين؟

قلت : هذا في الزمان ، والتي صلاّها ليلة المعراج في الدهر ، وذلك قبل خلق الأجسام بألفي عام ، وليلة المعراج عرج صلّى اللّه عليه

وآله في السماء بجسمه ، وفي السرمد بروحه بعروج واحد ، وصلّى بالملائكة في الدهر وسبغ الوضوء من « صاد » وهو بحر تحت العرش ، وعروجه إنّما كان في الليل بجسده. وأمّا في جسمه الشريف فهو في النهار وقبل الزوال بقليل قدر ألفي عام.

واعلم أنّ هذا الجواب ما يمكن بيانه لكلّ أحد ، ومن يجوز البيان له لا يكفي له ما ذكر ، بل لا بدّ من المشافهة ؛ لأنّ الفرق بين الزمان والدهر ممّا انسدّ بابه عن فحول العلماء وإن عبّروا عنه بعبارة حسنة مأثورة عن الوصيّ ، ولكن أكثرهم لا يعلمون.

ومعنى صلاة الربّ أنّ الاسم « المربّي » له ، الذي هو روح العقل الأوّل وهو اسم « اللّه » البديع لقيه في أعلى مراتبه ، وهو مقام « أو أدنى » فلك الولاية المطلقة وهو يصلّي لله.

ومعنى آخر : يصل ما أمر اللّه به أن يوصل ، يصل الولاية بالنبوّة. ومعنى آخر : يصل الولاية بالألوهيّة ، فهو من « الصلة » أو من « الوصل » أو هما معا.

ومعنى صلاته يقول : « سبّوح قدّوس أنا ربّ الملائكة والروح ، سبقت رحمتي

ص: 56

غضبي » (1). وكان محمّد صلی اللّه علیه و آله واقعا في انقطاع سيره واتّصاله بذلك الربّ ، فكان بينهما حجاب النفس المطمئنّة حجاب من زبرجد ، وإن أريد بالربّ هذه الكلمة التي انزجر لها العمق الأكبر وهي المشيئة جاز ؛ لأنّ الاسم البديع هو كينونيّة هذه الكلمة وهو الماء الأوّل ، وهذه الكلمة هي السحاب المتراكم الثقال.

وإن أريد به المعبود بالحقّ سبحانه فمعنى « فصلّى » : يفيض الرحمة التي هي صفة الرحمن وهي التي وسعت كلّ شيء ، والتي هي صفة الرحيم وهي الرحمة المكنونة للمؤمنين ؛ ولهذا قال في الحديث ما معناه : « من لأمّتك يا محمّد ، من بعدك؟

قال : اللّه أعلم. قال - : عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (2) و(3).

أقول : لا يخفى أنّ مقتضى كلماته السابقة عروج الجوهر النوري المكنون الكامن في هذا الجسم كما هو مذهبه في المعاد كما سيأتي ، ومقتضى كلماته اللاحقة تداخل الأجسام ، الفلكيّة في جسده صلی اللّه علیه و آله وكونه علّة فاعليّة للأفلاك.

وما أدري أيّ داع دعاه إلى مثل ذلك التأويل في الظواهر والخروج عن الظاهر ، بل عن اعتقاد المسلمين الموجب للخروج عن الدين؟ وما أدري أنّه بأيّ آية ، وبأيّ حديث ، وبأيّ دليل يقول ما يقول؟!! إذ قال اللّه تعالى : ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (4) مع أنّ من قال بامتناع الخرق والالتئام قال بامتناع تداخل الأجسام ، مع اعتراف بعضهم باختصاص دليل امتناع الخرق والالتئام - لو تمّ - بالفلك الأطلس ، فالقول بدخول أجزاء الأفلاك في جسم النبيّ صلی اللّه علیه و آله من غير تفاوت في حجمه وتداخل ، ممتنع عندهم.

فإن قلت : إنّ ذلك من باب الإعجاز.

ص: 57


1- « الكافي » 1 : 442 - 443 ، باب مولد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ووفاته ، ح 13.
2- المصدر السابق.
3- الظاهر أنّ العبارة من ص 53 إلى هذا - بطوله - للشيخ المعاصر.
4- يونس (10) : 59.

قلت : الخرق والالتئام أيضا من باب الإعجاز ، فلأيّ داع تقول بأحدهما وتنكر الآخر؟!! مع أنّ الخالق الذي خلق الأفلاك من العدم ، وجعلها فتقا بعد الرتق قادر على خرقها والتئامها ، إلى غير ذلك من المفاسد.

وثانيا : (1) أنّ نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله أفضل المرسلين وخاتم النبيّين ، وأنّه لا نبيّ بعده ، وأنّ دينه باق إلى يوم الدين - كما هو اتّفاق جميع أهل الملل - وإن وقع الخلاف في تعيين ذلك الخاتم.

ووجه ذلك أنّ ختم النبوّة ما ادّعاه النبيّ الذي ثبت نبوّته ، وكلّ ما هو كذلك فهو حقّ. وكما قال تعالى : ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (2).

فإن قلت : الآية تدلّ على ختمه على قراءة من قرأ خاتم النبيّين - بكسر التاء - كما عن غير عاصم ، وأمّا على قراءة فتح التاء - كما عن عاصم ، وهي ممّا تداول بين أهل الشرع - فلا ؛ لأنّ الخاتم - بفتح التاء - اسم لما يجعل في الاسم أو ما يختم به المكتوب فيكون من باب التشبيه البليغ ، ويكون وجه الشبه ما هو من خواصّ المشبّه به كالزينة فلا تكون الآية على هذا دالّة على كونه صلی اللّه علیه و آله آخر النبيّين كما هو المدّعى.

قلت أوّلا : إنّ خاتم النبيّين - بفتح التاء - مفسّر بآخر النبيّين.

وثانيا : إنّ من خواصّ المشبّه به كونه محيطا للفصّ (3) والإصبع بقدره ، فيستفاد كونه محيطا ؛ لكونه أوّل النبيّين ميثاقا وآخرهم مبعثا ، أو محيطا لعلوم جميع النبيّين وأخلافهم كما في قوله تعالى : ( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (4) فيكون أفضل ، فيجب كونه ناسخا

ص: 58


1- مرّ الأوّل في صفحة 50 « والحاصل أوّلا ».
2- الأحزاب (33) : 40.
3- كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : « كالفصّ ».
4- الأنعام (6) : 90.

لا منسوخا ؛ حذرا عن ترجيح المرجوح.

وثالثا : إنّ بعض المفسّرين جعل خاتم النبيّين ختم النبوّة. وعن الرضا علیه السلام أنّه قال : « قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : خلق اللّه عزّ وجلّ مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ أنا أكرمهم على اللّه ، ولا فخر ، وخلق اللّه عزّ وجلّ ألف وصيّ وأربعة وعشرين ألف وصيّ فعليّ أكرمهم وأفضلهم » (1).

روي عنه صلی اللّه علیه و آله أنّه : قال : « لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل » (2).

مضافا إلى قوله تعالى : ( فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (3) ، وقوله تعالى : ( إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (4) ، واقتضاء ختم النبوّة الأفضليّة كما لا يخفى.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( وظهور معجزة القرآن وغيره مع اقتران دعوى عليه يدلّ على ثبوته ) يعني أنّ نبيّنا محمّدا صلی اللّه علیه و آله ادّعى النبوّة واقترن بدعواه ظهور المعجزة ، وكلّ من كان كذلك كان نبيّا ؛ لما بيّنّا آنفا.

أمّا أنّه ادّعى النبوّة ؛ فللتواتر. وأمّا أنّه أظهر المعجزة ؛ فلأنّه أتى بالقرآن وهو معجز. وأمّا أنّه أتى بالقرآن ، فللتواتر.

وأمّا أنّه معجز ؛ فلأنّه صلی اللّه علیه و آله تحدّى به ودعا إلى الإتيان بسورة من مثله مصاقع (5) البلغاء والفصحاء من العرب العرباء - مع كثرتهم كثرة رمال الدهناء ، وحصى البطحاء وشهرتهم لغاية العصبيّة ، ولحميّة الجاهليّة وتهالكهم على المباهاة والمباراة - فعجزوا حتّى آثروا المقارعة بالسيوف على المعارضة بالحروف ، وبذلوا المهج والأرواح

ص: 59


1- « الخصال » : 641 ، ح 18 و 19 ؛ « بحار الأنوار » 11 : 30 ، ح 21.
2- « بحار الأنوار » 79 : 243 باب علل الصلاة ... ذيل ح 1.
3- الأنعام (6) : 90.
4- القلم (68) : 4.
5- مفردها « مصقع » وهو الشخص البليغ الذي لا يرتج في كلامه.

دون المدافعة بالأبدان والأشباح ، فلو قدروا على المعارضة لعارضوا ، ولو عارضوا لنقل إلينا ؛ لتوفّر الدواعي وعدم الصارف ، والعلم بجميع ذلك قطعي كسائر العاديّات لا يقدح فيها احتمال أنّهم تركوا المعارضة مع القدرة عليها ، أو عارضوا ولم ينقل إلينا لمانع كعدم المبالاة والاشتغال بالمهمّات.

وإلى هذا أشار بقوله : ( والتحدّي مع الامتناع وتوفّر الدواعي يدلّ على الإعجاز ) وأيضا أتى بأمور أخر خارقة للعادة بلغت كلّها حدّ التواتر وإن كانت تفاصيلها من الآحاد.

وإلى هذا أشار بقوله : ( والمنقول معناه متواترا من المعجزات يعضده.

وإعجاز القرآن قيل : لفصاحته ، وقيل : لأسلوبه وفصاحته معا ، وقيل : للصرفة ، والكلّ محتمل ).

الجمهور على أنّ إعجاز القرآن لكونه في الطبقة العليا من الفصاحة ، والدرجة القصوى من البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم ، وعلماء الفرق بمهارتهم في فنّ البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام.

والمراد بالفصاحة في عبارة المتن ما هو أعمّ منها ، ومن البلاغة وإطلاقها على هذا المعنى شائع.

وقال بعض المعتزلة : إعجازه لأسلوبه الغريب ونظمه العجيب المخالف لما عليه كلام العرب في خطبهم والرسائل والأشعار.

وقال القاضي الباقلاني وإمام الحرمين : إنّ وجه الإعجاز هو اجتماع الفصاحة مع الأسلوب المخالف لأساليب كلام العرب من غير استقلال لأحدهما ؛ إذ ربما يدّعى أنّ بعض الخطب والأشعار في كلام أعاظم البلغاء لا ينحطّ عن جزالة القرآن انحطاطا [ القرآن ] (1) انحطاطا بيّنا قاطعا للأوهام ، وربما تفيد نظم ركيك يضاهي نظم

ص: 60


1- الزيادة أضفناها من المصدر.

القرآن على ما روي من ترّهات مسيلمة الكذّاب : الفيل ما الفيل ، وما أدراك ما الفيل ، له ذنب وبيل ، وخرطوم طويل.

وذهب النظّام ، وكثير من المعتزلة ، والمرتضى من الشيعة إلى أنّ إعجازه بالصرفة ، وهي أنّ اللّه تعالى صرف همم المتحدّين عن معارضته مع قدرتهم عليها ؛ وذلك إمّا بسلب قدرتهم ، أو بسلب دواعيهم.

واحتجّوا بوجهين :

الأوّل : أنّا نقطع بأنّ فصحاء العرب كانوا قادرين على التكلّم مثل مفردات السورة ومركّباتها القصيرة مثل : الحمد لله ، ومثل : ربّ العالمين ، وهكذا إلى الآخر ، فيكونون قادرين على الإتيان بمثل السورة.

والثاني : أنّ الصحابة عند جمع القرآن كانوا يتوقّفون في بعض السور والآيات إلى شهادة الثقات ، وابن مسعود قد بقي متردّدا في الفاتحة والمعوّذتين ، ولو كان نظم القرآن معجزا لفصاحته لكان كافيا في الشهادة.

والجواب عن الأوّل : أنّ حكم الجملة قد يخالف حكم الأجزاء ، وهذه بعينها شبهة من نفى قطعيّة الإجماع والخبر المتواتر ، ولو صحّ ما ذكر لكان كلّ من آحاد العرب قادرا على الإتيان بمثل قصائد فصحائهم كامرئ القيس وأقرانه ، واللازم قطعي الدلالة (1).

وعن الثاني بعد صحّة الرواية وكون الجميع بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله لا في زمانه وكون كلّ سورة مستقلّة بالإعجاز - أنّ ذلك للاحتياط والاحتراز عن أدنى تغيير لا يخلّ بالإعجاز ، وأنّ إعجاز كلّ سورة ليس ممّا يظهر لكلّ أحد بحيث لا يبقى له تردّد أصلا.

واستدلّ على بطلان الصرفة بوجوه :

الأوّل : أنّ فصحاء العرب إنّما كانوا يتعجّبون عن حسن نظمه وبلاغته وسلاسته

ص: 61


1- كذا في الأصل ، وفي المصدر : « البطلان » بدل « الدلالة ».

في جزالته ، ويرقصون رءوسهم عند قوله تعالى : ( يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ ) (1) لذلك ، لا لعدم تأتّي المعارضة مع سهولتها في نفسها.

الثاني : أنّه لو قصد الإعجاز بالصرفة لكان الأنسب ترك الاعتناء ببلاغته وعلوّ طبقته ؛ لأنّه كلّما كان أنزل في البلاغة وأدخل في الركاكة ، كان عدم تيسّر المعارضة أبلغ في خرق العادة.

الثالث : قوله تعالى : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (2) فإنّ ذكر الاجتماع والاستظهار بالغير في مقام التحدّي إنّما يحسن فيما لا يكون مقدورا للبعض ، ويتوهّم كونه مقدورا للكلّ فيقصد نفي ذلك.

( والنسخ تابع للمصالح ). إشارة إلى ردّ ما قال اليهود من إبطال نبوّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله من أنّ شريعة موسى مؤبّدة ؛ لأنّ النسخ باطل ؛ لأنّ المنسوخ إن كان متضمّنا لمفسدة كان إعماله قبيحا ، وإن لم يكن متضمّنا لمفسدة لكان رفعه قبيحا ، وإذا بطل النسخ يلزم أن تكون شريعة موسى مؤبّدة فيلزم بطلان شريعة محمّد صلی اللّه علیه و آله ؛ لكونها ناسخة شريعة موسى علیه السلام . تقرّر الردّ بناء على قول المعتزلة : إنّ الأحكام تابعة للمصالح ، وهي مختلفة بحسب الأشخاص والأوقات.

وأكدّ جواز النسخ ببيان وقوعه ، فقال : ( وقد وقع حيث حرّم على نوح بعض ما أحلّ لمن تقدّم ) فإنّه جاء في التوراة : إنّ اللّه تعالى قال لآدم وحوّاء : قد أحلّ لكما كلّ ما دبّ على وجه الأرض ، وقد حرّم على نوح علیه السلام بعض الحيوانات ( وأوجب الختان ) على الفور على الأنبياء المتأخّرين عن نوح ( بعد تأخيره ) يعني مع إباحة

ص: 62


1- هود (11) : 44.
2- الإسراء (17) : 88.

تأخيره على نوح علیه السلام ( وحرّم الجمع بين الأختين ) في شريعة موسى وشريعة نبيّنا مع إباحته في شريعة آدم ونوح علیهماالسلام وغير ذلك من الأحكام التي نسخت في بعض الأديان.

( وخبرهم عن موسى بالتأييد مختلق ) يعني خبر اليهود عن تأبيد شريعة موسى علیه السلام أي ما روي عن موسى علیه السلام أنّه قال : تمسّكوا بالسبت ما دامت السماوات.

ودوام السبت يدلّ على دوام شريعته مفترى لم تثبت هذه الرواية عن اليهود. وقيل : اختلقه ابن الراوندي. ( ومع تسليمه ) أي تسليم ثبوت هذه الرواية عنهم ( لا يدلّ على المراد قطعا ) لأنّه غير متواتر ؛ لأنّ بخت نصّر استأصلهم وأفناهم بحيث لم يبق منهم عدد التواتر.

( والسمع دلّ على عموم نبوّته صلی اللّه علیه و آله ) أي الدلائل السمعيّة دلّت على أنّه مبعوث إلى الثقلين لا إلى العرب خاصّة على ما زعم بعض اليهود والنصارى ، زعما منهم أنّ الاحتياج إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله إنّما كان للعرب خاصّة دون أهل الكتابين ، مثل قوله : ( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ ) (1). ( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) (2). ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ ) (3) الآية. ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (4) ومثل قوله صلی اللّه علیه و آله : بعثت إلى الأسود والأحمر » (5).

وصل : هذا الاعتقاد من أصول الدين ، ومنكره - كاليهود والنصارى - من الكافرين ، ومع التقصير في النار خالدين.

ص: 63


1- سبأ (34) : 28.
2- الأعراف (7) : 158.
3- الجنّ (72) : 1.
4- التوبة (9) : 33.
5- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 261 - 263. والحديث رواه المجلسي في « بحار الأنوار » 16 : 308.

الفصل الخامس : أنّ نبيّنا صلى اللّه عليه وآله وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين ، بل أفضل المخلوقين حتّى الملائكة المقرّبين

اشارة

وله لهذا إذن شفاعة العاصين في يوم الدين كما يستفاد من الكتاب المبين.

اعلم أنّ مذهبنا أفضليّة الأنبياء - بل الأئمّة كما هو ظاهر بعض الأخبار - على الملائكة ، وعن بعض الأشاعرة وجمهور المعتزلة القول بالعكس (1).

والحقّ هو الأوّل ، سواء قلنا بكون الملائكة أجساما لطيفة ، أو جواهر مجرّدة متعلّقة بالأجسام أو غير متعلّقة ؛ لأنّ النفوس الناطقة إذا صارت مهذّبة وكملت في قوّتيها العلميّة والعمليّة مع وجود ما يضادّ ، والقوّة العقليّة من الشهويّة والغضبيّة وشواغل الحواسّ الظاهرة والباطنة مع كونها بالذات مجرّدة ، حصلت لها المراتب العالية بسبب الرياضات البدنيّة والمجاهدات النفسانيّة ، فتكون أشدّ استحقاقا للمدح بالنسبة إلى من يكون علمه فطريّا وليس له داع إلى المخالفة ، وليس له تلك الرياضات والمجاهدات أضعافا مضاعفة بحسب كثرة المجاهدات في كسب العلم والعمل ، وقلّتها ، وهو المعني من الأفضليّة ، وكون العقول المجرّدة غير المتعلّقة

ص: 64


1- انظر « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 363.

بالأجسام أقرب إلى المبدإ من حيث الوجود والوساطة في الغلبة.

وكونها أشرف من هذه الجهة لا ينافي ما ذكرنا ؛ إذ الفضل غير الشرف ، مضافا إلى أنّ النفس الناطقة لمّا كانت بحسب الفطرة قابلة للترقّيات يمكن أن يحصل لها شرف أعلى من شرفهم فتجمع بين الكمال الشرفي والفضلي ، وتصير قابلة لإفاضته الفيض بلا واسطة كما روي أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل » (1).

فنقول : إنّ للأنبياء مع وجود المانع كمالا يكون للملائكة مع عدمه ، وكلّ من كان له مع المانع كمال يكون للآخر بلا مانع ، يكون أفضل من ذلك الآخر ، فيكون الأنبياء أفضل من الملائكة.

ويدلّ عليه أمر الملائكة بالسجود لآدم علیه السلام وتعليم آدم لهم ، وما يكون مقتضاه اصطفاء الأنبياء على العالمين الذين يكون الملائكة منهم لأفضليّة المسجود له من الساجدين - وإلاّ يلزم القبح - وأفضليّة المعلّم من المتعلّم والمصطفى من غيره.

وأقوى الأدلّة المنقول عن المخالف أنّ العقول المجرّدة فيّاضة للعلوم والكمال على النفوس الناطقة ، والمفيض أفضل من المستفيض بالضرورة ، وقوله تعالى : ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ) (2) ؛ إذ المراد منه جبرئيل علیه السلام فإذا كان جبرئيل معلّما لنبيّنا صلی اللّه علیه و آله يكون أفضل منه.

والجواب عن الأوّل : منع كونها مفيضة ، بل هي واسطة لإفاضة اللّه تعالى - على تقدير تسليم وجودها - وأفضليّة الواسطة من المستفيض ممنوعة.

وعن الثاني : أنّ المراد من التعليم هو التبليغ ، لصراحة الآيات الأخرى أنّ روح الأمين كان منزّلا للقرآن على قلب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وأفضليّة المبلّغ من المبلّغ إليه

ص: 65


1- « بحار الأنوار » 79 : 243 باب علل الصلاة ... ح 1.
2- النجم (53) : 5.

ممنوعة ؛ إذ الأمر كثيرا ما يكون بالعكس ، بخلاف تعليم آدم فإنّه على حقيقته الموجبة لظهور استحقاق آدم لكونه خليفة في الأرض ؛ إذ لا يظهر ذلك إلاّ على تقدير كونه كذلك كما لا يخفى ؛ ولهذا ورد في الخبر في بيان قوله تعالى : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ) (1). « واللّه هي الشفاعة » (2). إلى غير ذلك من الآيات والأخبار الدالّة على تحقّق إذن الشفاعة والعفو بها ؛ لقوله تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) (3). ونحوه ، خلافا للوعيديّة القائلين بلزوم الوعيد على اللّه تعالى وعدم تحقّق العفو في مقابل النصّ.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف رحمه اللّه مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( وهو أفضل من الملائكة ، وكذا غيره من الأنبياء ؛ لوجود المضادّ للقوّة العقليّة وقهره على الانقياد عليها ).

ذهب جمهور الأشاعرة (4) إلى أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة ، خلافا للحكماء والمعتزلة والقاضي أبي بكر وأبو عبد اللّه الحليمي منهم ، وصرّح بعضهم بأنّ عوامّ البشر من المؤمنين أفضل من عوامّ الملائكة ، وخواصّ الملائكة أفضل من عوامّ البشر ، واختار المصنّف مذهب الأشاعرة ؛ تمسّكا بأنّ للبشر أمورا متضادّة للقوّة العقليّة ، وشواغل عن الطاعات العلميّة والعلميّة كالشهوة والغضب ، وسائر الحاجات الشاغلة والموانع الخارجة والداخلة. والمواظبة على العبادات وتحصيل الكمالات بالقهر والغلبة على ما يضادّ القوّة العقليّة تكون أشقّ وأبلغ في استحقاق الثواب ، ولا معنى للأفضليّة سوى زيادة استحقاق الثواب والكرامة.

وقد يتمسّك بوجوه نقليّة :

ص: 66


1- الضحى (93) : 5.
2- أورده الطبرسي في « مجمع البيان » 10 : 505 ذيل الآية 5 من سورة الضحى.
3- البقرة (2) : 255.
4- لمعرفة التفاصيل حول هذا المبحث راجع « اللوامع الإلهيّة » : 297 ، اللامع العاشر في النبوّة.

منها : أنّ اللّه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم علیه السلام والحكيم لا يأمر بسجود الأفضل للأدنى ، وإباء إبليس معلّلا بأنّه خير من آدم ؛ لكونه من نار وآدم من طين (1) يدلّ على أنّ المأمور به كان سجود تكرمة وتعظيم لا سجود تحيّة وزيارة.

ومنها : أنّ آدم علیه السلام علّمهم الأسماء ، والمعلّم أفضل من المتعلّم ، وسوق الآية ينادي على أنّ الغرض إظهار ما خفي عليهم من أفضليّة آدم ؛ ولذا قال : ( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (2) وبهذا يندفع ما يقال : إنّ لهم أيضا علوما جمّة أضعاف العلم بالأسماء ؛ لما شاهدوا من اللوح المحفوظ وحصّلوا في الأزمنة المتطاولة بالتجارب والأنظار المتوالية.

ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) (3). وقد خصّ من آل إبراهيم وآل عمران غير الأنبياء بدليل الإجماع ، فيكون آدم ونوح وجميع الأنبياء مصطفين على العالمين الذين منهم الملائكة ؛ إذ لا مخصّص للملائكة من العالمين ، ولا جهة لتفسيره بالكثير من المخلوقات.

واحتجّ المخالفون أيضا بوجوه نقليّة وعقليّة :

أمّا النقليّات :

فمنها : قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) (4) خصّصهم بالتواضع وترك الاستكبار في السجود ، وفيه إشارة إلى أنّ غيرهم لا يكون كذلك ؛ لأنّ أسباب التكبير والتعظيم حاصلة لهم ، ووصفهم باستمرار الخوف وامتثال

ص: 67


1- إشارة إلى قوله تعالى : ( قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) . الأعراف 1. : 11.
2- البقرة (2) : 33.
3- آل عمران (3) : 33.
4- النحل (16) : 49 - 50.

الأوامر ، ومن جملتها اجتناب المنهيّات.

ومنها : قوله تعالى : ( وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) (1) ، وصفهم بالقرب والشرف عنده بالتواضع ، والمواظبة على الطاعة والتسبيح.

ومنها : قوله تعالى : ( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) إلى أن قال : ( وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) (2) ، وصفهم بالكرامة المطلقة ، والامتثال ، والخشية ، وهذه الأمور أساس كافّة الخيرات.

والجواب : أنّ جميع ذلك إنّما يدلّ على فضيلتهم لا على أفضليّتهم سيّما على الأنبياء.

ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ) (3) ؛ فإنّ مثل هذا الكلام إنّما يحسن إذا كان الملك أفضل ، فكأنّه قال : لا أثبت لنفسي مرتبة فوق البشريّة كالملكيّة.

والجواب : أنّه لمّا نزل قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ) (4). والمراد قريش استعجلوه بالعذاب تهكّما به وتكذيبا له فنزلت بيانا ؛ لأنّه ليس له إنزال العذاب من خزائن اللّه يفتحها ، ولا يعلم أيضا متى نزل بهم العذاب منها ، ولا هو ملك فيقدر على إنزال العذاب عليهم كما يحكى أنّ جبرئيل قلّب بأحد جناحيه المؤتفكات ، فقد دلّت الآية على أنّ الملك أقدر وأقوى لا على أنّه أفضل من البشر.

ومنها : قوله تعالى : ( ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ ) (5) ، أي

ص: 68


1- الأنبياء (21) : 19 - 20.
2- الأنبياء (21) : 26 - 28.
3- الأنعام (6) : 50.
4- الأنعام (6) : 49.
5- الأعراف (7) : 20.

إلاّ لكراهة أن تكونا ملكين [ أو تكونا من الخالدين ] (1) يعني أنّ الملكيّة بالمرتبة الأعلى وفي الأكل من الشجرة ارتقاء إليها.

والجواب : أنّهما رأيا الملائكة أحسن صورة وأعظم خلقا وأكمل قوّة فمنّاهما مثل ذلك وخيّل إليهما أنّه الكمال الحقيقي والفضيلة المطلوبة ، ولو سلّم فغايته التفضيل على آدم قبل النبوّة.

ومنها : قوله : ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) (2) ، أي لا يترفّع عيسى علیه السلام عن العبوديّة ولا من هو أرفع منه درجة ، كقولك : لا يستنكف من هذا الأمر الوزير ولا السلطان ولو عكست لأخللت.

والجواب : أنّ الكلام سيق لردّ مقالة النصارى وغلوّهم في المسيح ، وادّعائهم فيه مع النبوّة البنوّة ، بل الألوهيّة والترفّع [ عن العبوديّة لكونه روح اللّه ولد بلا أب ، ولكونه يبرئ الأكمه والأبرص ، ولا يترفّع ] (3) عيسى عن العبوديّة ، ولا من هو فوقه في هذا المعنى وهم الملائكة الذين لا أب لهم ولا أمّ يقدرون على ما لا يقدر عليه عيسى ، ولا دلالة على الأفضليّة بمعنى كثرة الثواب وسائر الكمالات.

ومنها : اطّراد تقديم ذكر الملائكة على ذكر الأنبياء والرسل ، ولا تعقل له جهة سوى الأفضليّة.

والجواب : أنّه يجوز أن يكون لجهة تقدّمهم في الوجود ، أو في قوّة الإيمان بهم ، فإنّ وجود الملائكة أخفى فالإيمان بهم أقوى ، فيكون تقديم ذكرهم أولى.

وأمّا العقليّات :

فمنها : أنّ الملائكة روحانيّة مجرّدة في ذواتها متعلّقة بالهياكل العلويّة ، مبرّأة عن

ص: 69


1- هذه العبارة لم ترد في « شرح القوشجي ».
2- النساء (4) : 172.
3- الزيادة أضفناها من « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 264.

الشهوة والغضب اللذين هما مبدأ الشرور والقبائح ، متّصفة بالكمالات العلميّة والعمليّة بالفعل من غير شوائب الجهل والنقص ، والخروج من القوّة إلى الفعل على التدريج ومن احتمال الغلط ، قويّة على الأفعال العجيبة وإحداث السحب الزلازل وأمثال ذلك ، مطّلعة على أسرار الغيب ، سابقة إلى أنواع الخيرات ، ولا كذلك حال البشر.

والجواب : أنّ ذلك مبنيّ على قواعد الفلسفة دون الملّة.

ومنها : أنّ أعمالهم المستوجبة للمثوبات أكثر ؛ لطول الزمان ، وأدوم ؛ لعدم تخلّل الشواغل ، وأقوم ؛ لسلامتها عن مخالطة المعاصي المنقّصة للثواب.

والجواب : أنّ هذا لا يمنع كون الأنبياء أفضل وأكثر ثوابا بجهات أخر كقهر المضادّ والمنافي ، وتحمّل المتاعب والمشاقّ ونحو ذلك على ما مرّ » (1).

وصل : هذا الاعتقاد من أصول المذهب الجعفريّ ، ومنكره - كالوعيديّة القائلين بلزوم الوعيد وعدم العفو بنحو الشفاعة (2) - خارج عن المذهب.

تذنيبات :
[ التذنيب ] الأوّل : [ في فرق المسلمين ]

أنّه قد روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة ناجية ، والباقون في النار » (3).

بيان ذلك : أنّ أولاد آدم علیه السلام كانوا على شريعته إلى أنّ إدريس علیه السلام نشر العلوم العقليّة والرياضيّة بطريق المكاشفة والإشراق ، ومن الآخذين منه بوسائط : ثاليس والكساغورس وفيثاغورس وسقراط وأفلاطون. وحيث كان التعليم والتعلّم حينئذ

ص: 70


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 363 - 365.
2- انظر « الملل والنحل » 1 : 114.
3- « الخصال » : 585 ، ح 11 ؛ « بحار الأنوار » 28 : 4 ، ح 3.

على سبيل الإشراق من غير ميزان للأفكار وقع الخطأ والاختلاف بين الفلاسفة ، إلاّ أنّ المعلّم الأوّل - أرسطو - وضع المنطق ؛ ليكون ميزانا للأفكار ، وأسّس أساس تدوين الكتب وترتيب المسائل والتعليم البياني ، وحصّل منه الرواقيّون الآخذون منه في المجلس ، والمشّاءون الآخذون منه لعدم الفرصة عند المشي ، وعند ذلك حصل بقراط وأقليدس وبطليموس ، وذيمقراطيس وأمثالهم من الحكماء ، وهم اختلفوا في العقائد ووضعوا بحسب معتقداتهم مذاهب من غير اعتقاد بنبيّ من الأنبياء ، وهم أرباب النحل التابعون لآرائهم المتفرّقون إلى السوفسطائي الذي لا يقول بالمعقول والمنقول ، بل هو قائل بالوهم ، والطبعيّين الذين لا يقولون بالمعقول ، ويقولون لا عالم سوى المحسوس ، كالدهريّة ، والفلاسفة الذين يقولون بالمعقول والمحسوس وبالمبدإ دون الشريعة.

وأمّا أرباب الملل فهم قائلون بالنبوّة ، وتابعون لنبيّ من الأنبياء ، ومعتقدون بشبه كتاب كالمجوس ، أو بكتاب من كتب اللّه تعالى ، كاليهود والنصارى والمسلمين.

والمسلمون افترقوا إلى أهل السنّة. القائلين بخلافة أبي بكر ، وكون عليّ علیه السلام خليفته في المرتبة الرابعة ، وإلى الناصبي المبغوضون له ، وإلى الغلاة القائلين بالهيئة ، وإلى الشيعة القائلين بكونه خليفة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بالحقّ بلا فصل ، بالعقل والنقل.

والشيعة افترقوا على ستّ عشرة فرقة :

الأولى : الكيسانيّة ، القائلون بإمامة محمّد بن الحنفيّة.

الثانية : المختاريّة ، العادلون عن الكيسانيّة إلى اعتقاد انحصار الإمامة في عليّ والحسنين علیهم السلام ظاهرا.

الثالثة : الهاشميّة ، القائلون بإمامة هاشم بن محمّد الحنفيّة بعد أبيه.

الرابعة : البيانيّة ، القائلون بإمامة بيان بن سمعان بعد هاشم.

الخامسة : الرزاميّة ، القائلون بإمامة عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس بعد هاشم بحسب الوصيّة ، وهم من أصحاب رزام بن سالم.

ص: 71

السادسة : الزيديّة ، القائلون بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين علیه السلام .

السابعة : الجاروديّة ، القائلون بإمامة محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بعد زيد.

الثامنة : السليمانيّة ، من أصحاب سليمان ، القائلون بإمامة عليّ علیه السلام من غير بغض الشيخين مع مذمّة عثمان وطلحة والزبير.

التاسعة : الصالحيّة ، من أصحاب حسن بن صالح ، وهم كالسليمانيّة إلاّ أنّهم توقّفوا في ذمّ عثمان وقالوا بكون العشرة المبشّرة من أهل الجنّة ، وأفضليّة علي علیه السلام .

العاشرة : الواقفيّة ، القائلون بوقوف الإمامة في موسى بن جعفر بن محمّد علیه السلام .

الحادية عشرة والثانية عشرة : فرقتان من الناووسيّة المنسوبين إلى ناووس ، وهم قائلون بوقوف الإمامة في جعفر بن محمّد علیه السلام وكونه حيّا ، وفرقة أخرى قائلون بموته.

الثالثة عشرة : الشميطيّة ، من أصحاب يحيى بن شميط ، القائلون بإمامة جعفر بن محمّد ، وكون المهديّ الموعود من أولاده بلا واسطة.

الرابعة عشرة : الفطحيّة ، القائلون بإمامة جعفر بن عبد اللّه الأفطح.

الخامسة عشرة : الإسماعيليّة ، القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر علیه السلام .

السادسة عشرة : الإماميّة ، القائلون بإمامة عليّ بن أبي طالب علیه السلام وأحد عشر من أولاده إلى المهدي علیه السلام الغائب الذي سيظهر بالنصّ الصحيح ، والعقل الصريح. (1)

وأهل السنّة متفرّقون إلى المعتزلة ، والأشاعرة ، وغيرهما. والمعتزلة متفرّقون إلى اثنتي عشرة فرقة :

[1] إلى الواصليّة من أصحاب واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري ، القائلين بكون صفات اللّه عين ذاته ، والعبد فاعل الخير والشرّ ، وصاحب الكبيرة غير مسلم

ص: 72


1- انظر « الملل والنحل » 1 : 162.

ولا كافر ، وكون أحد الفريقين من أصحاب الجمل وصفّين - لا على التعيين - مخطئا ، [2] وإلى الهذليّة من أصحاب أبي الهذيل ، القائلين باعتباريّة صفات اللّه تعالى ، وكون العبد كاسبا ، وانقطاع الجنّة والنار ، وانحصار الرزق في الحلال. (1)

[3] وإلى النظّاميّة من أصحاب إبراهيم النظّام ، القائلين بجسميّة الروح كماء الورد فيه ، وعدم قدرة اللّه تعالى على الشرّ ، وبالجزء الذي لا يتجزّأ وبالطفرة ، وكون إعجاز القرآن بالإخبار من القرون الماضية لا بالفصاحة ، وبحجّيّة القياس ، والعصيان لا يصير فسقا إلاّ إذا بلغ إلى حدّ النصاب وهو كونه مائتين.

[4] وإلى الخابطيّة من أصحاب محمّد بن خابط ، القائلين بكون حساب الخلق في القيامة إلى عيسى بن مريم علیهماالسلام ، وبالتناسخ والرؤية العقليّة.

[5] وإلى البشيريّة من أصحاب بشير بن معمّر ، القائلين بانحصار الإدراك في السمع والبصر ، وبعدم وجوب الأصلح على اللّه تعالى ، وكون الاستطاعة عبارة عن الصحّة البدنيّة.

[6] وإلى المعمّريّة من أصحاب معمّر بن عباد ، القائلين بانحصار المخلوق في الأجسام وكون الأعراض من معلومات الأجسام مع عدم تناهيها ، وكون الإرادة غير الذات والصفات وعدم نسبة القدم إلى اللّه تعالى.

[7] وإلى المرداريّة من أصحاب أبي موسى عيسى بن صبيح الملقّب بمردار ، القائلين بقدرة الناس على الإتيان بمثل القرآن.

[8] وإلى الثماميّة من أصحاب ثمام بن أشرس ، القائلين بعدم حشر الكفّار والمشركين والزنادقة وأطفال المسلمين ، بل هم كالبهائم يصيرون ترابا ، ويكون الإرادة عين الفعل.

[9] وإلى الهشاميّة من أصحاب هشام بن عمرة ، القائلين بأنّ الإماميّة لا تقع

ص: 73


1- انظر المصدر السابق 1 : 46.

باتّفاق الأمّة ، وبعدم خلق الجنّة والنار.

[10] وإلى الجاحظيّة من أصحاب عمرو بن بحر الجاحظ ، القائلين بأنّ تحصيل العلوم والمعارف ليس من أفعال العبد ، وبعدم خلود أهل النار.

[11] وإلى الخيّاطيّة من أصحاب أبي الحسن الخيّاط ، القائلين بجواز إطلاق الشيء على المعدوم ، وكون الجوهر والعرض في حال العدم جوهرا وعرضا. (1)

[12] وإلى الجبّائيّة من أصحاب أبي عليّ الجبّائيّ ، القائلين بحدوث الإرادة.

وأمّا سائر أهل السنّة وأهل الضلالة كالغلاة والجبريّة ، القائلين بعدم القدرة للعبد ، وكون كلّ فعل من اللّه ، فهم متفرّقون إلى فرق.

الأولى : الجهميّة ، من أصحاب جهم بن صفوان ، القائلون بحدوث علم اللّه تعالى بالنسبة إلى الحادث ، وعدم الخلود في الجنّة والنار وعدم الاعتبار بالإنكار اللساني بالنسبة إلى العقائد.

الثانية : النجّاريّة ، من أصحاب حسن بن محمّد النجّار ، القائلون بكون اللّه تعالى مريدا للخير والشرّ والنفع والضرر ، وبحضور ذاته تعالى بعينه بمعنى العلم في كلّ مكان.

الثالثة : الضراريّة ، من أصحاب ضرار بن عمرو ، والقائلون بكون الصفات بمعنى نفي الضدّ ، فالعلم بمعنى عدم الجهل وهكذا ، وجواز انقلاب الأعراض بالأجسام ، وجواز توارد العلّتين المستقلّتين في معلول واحد شخصي.

الرابعة : الصفاتيّة ، القائلون بعدم الفرق بين صفات الذات والفعل.

الخامسة : المشبّهة ، القائلون بثبوت اليد والجوارح لله تعالى ، بل جواز المصافحة والملامسة معه تعالى ، ومنهم من قال بأنّه تعالى بكى في طوفان نوح حتّى حصل له الرمد ، ونحو ذلك من ألفاظ الكفر ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا (2).

ص: 74


1- انظر « الملل والنحل » 1 : 53 - 76.
2- المصدر السابق 1 : 86 - 92.

السادسة من الأشاعرة : الكراميّة ، من أصحاب محمّد بن كرام القائلون بالتجسّم والتشبّه وكون اللّه تعالى جالسا على العرش مربّعا ، وقيام الحوادث بذاته تعالى ، وثبوت الإمامة بالإجماع (1).

السابعة : الوعيديّة ، القائلون بالخلود في الجنّة والنار وكون صاحب الكبيرة كافرا وكون أطفال المشركين والزنادقة أهل جهنّم.

الثامنة : المرجئة اليونسيّة من أصحاب يونس بن غيري ، القائلون بجواز تأخير العذاب وعدم إضرار معصية مع الإيمان وعدم نفع طاعة مع الكفر (2).

التاسعة : العبيديّة ، من أصحاب عبيد ، القائلون بكون اللّه تعالى على صورة الإنسان ، وأنّ العبد لو كان موحّدا لم تضرّه معصيته.

العاشرة : الغسّانيّة ، من أصحاب غسّان الكوفي ، القائلون بعدم ضرر معصيته مع معرفة اللّه ورسوله.

الحادية عشرة : الثوبانيّة ، من أصحاب أبي ثوبان ، القائلون بعدم دخول أحد من المؤمنين في النار.

الثانية عشرة : التومنيّة ، من أصحاب أبي معاد التومني ، القائلون بعدم كون السجدة للشمس والقمر كفرا ، بل هو علامة له ، وأنّ قتل النبيّ ليس كفرا لأصل الفعل ، بل الاستخفاف.

الثالثة عشر : الصالحيّة ، من أصحاب صالح بن عمرو ، القائلون بكفاية اعتقاد كون الصانع للعالم في الإيمان وإن كان منكرا للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ، وبجواز العمل بالقياس والرأي والاستحسان كما أنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت الكوفيّ ومالك بن أنس كانا من تلامذة مولانا الصادق واعتزلا عنه علیه السلام بدعوة المنصور العبّاسيّ بالتطميع الدنيويّ

ص: 75


1- المصدر السابق 1 : 108.
2- المصدر السابق 1 : 114.

فأحدثا مذهبين بالقياس والرأي والاستحسان ، وبعدهما الشافعيّ محمّد بن إدريس من تلامذة مالك ، وأحمد بن حنبل من تلامذة الشافعيّ ، فصارت المذاهب الباطلة أربعة في زمان المنصور (1).

الرابعة عشرة : السبّابيّة ، من أصحاب عبد اللّه السبّاب من الغلاة ، القائلون بحلول الألوهيّة في عليّ علیه السلام وهو المهدي الموعود.

الخامسة عشرة : الكامليّة ، من الغلاة من أصحاب أبي كامل ، القائلون بحلول جزء من الألوهيّة في عليّ علیه السلام وبكفر من ترك بيعته.

السادسة عشرة : العلبائيّة ، من أصحاب علباء بن ذراع ، وبعضهم قائلون بأفضليّة عليّ على النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، بل كون النبيّ عاصيا من جهة أنّ عليّا علیه السلام بعثه لدعوة الناس إليه فدعاهم إلى نفسه ، وبعضهم قائلون بأنّهما إلهان ، وبعضهم قالوا بألوهيّة آل العباء.

السابعة عشرة : المغيريّة ، من أصحاب المغيرة بن سعد ، القائلون بأنّ عليّا إله أصله من النور ، وعليه تاج من نور ، وحصل من عرقه بحر عذب وأجاج ، فخلق الشمس والقمر ، وخلق المؤمن من البحر العذب والكافر من البحر الأجاج.

الثامنة عشرة : المنصوريّة ، من أصحاب أبي منصور ، القائلون بأنّ عليّا علیه السلام نزل من السماء ثمّ عرج وصافح مع اللّه وهو ابن اللّه.

التاسعة عشرة : الخطّابيّة ، من أصحاب أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأسديّ ، القائلون بألوهيّة عليّ بن جعفر بن محمّد ، وأنّ جعفر بن محمّد إله هذا الزمان.

العشرون : الكيّاليّة ، من أتباع أحمد الكيّال ، القائلون بإلهيّة عليّ علیه السلام ، وكون أحمد الكيّال مهديّا موعودا (2).

الحادية والعشرون : النصيريّة ، القائلون بأنّ اللّه تعالى بعد رسوله صلی اللّه علیه و آله صار

ص: 76


1- المصدر السابق 1 : 140 - 144.
2- المصدر السابق 1 : 174 - 181.

بصورة عليّ علیه السلام وبعده بصورة سائر الأئمّة ، وأنّ عليّا خالق الموت والحياة (1).

الثانية والعشرون : الأزرقيّة ، من الخوارج المتفرّقة إلى أربع وعشرين فرقة من أصحاب نافع بن الأزرق الخارج على الإمام من البصرة القائلون بكفر عليّ علیه السلام وحقّيّة ابن ملجم ، وكفر من فرّ عن الحرب وصاحب الكبيرة ، وجواز نبوّة من كان كافرا ، وعدم جواز التقيّة ونحو ذلك.

الثالثة والعشرون : النجديّة ، من أصحاب نجدة بن عامر ، القائلون بحلّيّة دماء أهل الذمّة وأموالهم ، وجواز التقيّة في الدم والمال ، وجواز القعود عن الحرب.

الرابعة والعشرون : البيهتيّة ، من أصحاب بيهت ، القائلون بجواز الإنكار عن الحلال ، والتفويض وكون أطفال المؤمنين مؤمنين ، وأطفال الكفّار كفّارا.

الخامسة والعشرون : العجاردة ، من أصحاب عبد الكريم بن عجرد ، القائلون بكفر صاحب الكبيرة ، وعدم كون سورة يوسف من القرآن ؛ لعدم كون قصّة العشق فيه جائزا ، وكون أطفال المشركين معهم في النار (2).

السادسة والعشرون : الصلتيّة ، من أصحاب عثمان بن أبي الصلت ، القائلون بعدم كون الأطفال مؤمنين ولا كافرين ، ووجوب تولّي المسلمين والتبرّي عن المشركين. (3)

السابعة والعشرون : الميمونيّة ، من أصحاب ميمون بن ماكان ، القائلون بكون الخير والشرّ من العبد ، وجواز نكاح بنات البنات وبنات أولاد الأخوات ، وعدم كون سورة يوسف من القرآن. (4)

الثامنة والعشرون : الحمزيّة ، من أصحاب حمزة بن أدراك ، وهم كالميمونيّة مع زيادة اعتقاد خلود أطفال المشركين والمخالفين في النار. (5)

ص: 77


1- المصدر السابق 1 : 188.
2- المصدر السابق 1 : 118 - 129.
3- المصدر السابق 1 : 129.
4- المصدر السابق 1 : 130.
5- المصدر السابق 1 : 130.

التاسعة والعشرون : الأطرافيّة ، وهم كالحمزيّة إلاّ أنّهم قالوا بأنّه ليس حرج على الساكنين في أطراف البلاد الذين لم يسمعوا صيت الإسلام. (1)

الثلاثون : الخلفيّة ، من أصحاب خلف الخارجي ، القائلون بكون الخير والشرّ من اللّه. (2)

الحادية والثلاثون : الحازميّة ، من أصحاب حازم بن عليّ ، المتوقّفون في أمر عليّ علیه السلام . (3)

الثانية والثلاثون : الشعيبيّة ، من أصحاب شعيب بن محمّد ، القائلون بخلق الأعمال ، مع شدّة العداوة لعليّ علیه السلام (4).

الثالثة والثلاثون : الثعلبيّة ، من أصحاب ثعلبة ، وهم كالشعيبيّة مع القول بجواز أخذ الزكاة من العبيد. (5)

الرابعة والثلاثون : الأخنسيّة ، من أصحاب أخنس بن قيس ، القائلون بعدم الحكم بإيمان من لم يثبت إيمانه وإن كان من أهل القبلة ، وجواز القتل والسرقة سرّا لا جهرا (6).

الخامسة والثلاثون : المعبديّة ، وهم كالثعلبيّة إلاّ أنّهم قالوا بجواز جعل سهام الصدقة حال التقيّة سهما واحدا (7).

السادسة والثلاثون : المعلوميّة ، القائلون بكون الفعل مخلوق العبد ، وعدم كون الجاهل بأسماء اللّه وصفاته تعالى ولو واحدا مؤمنا (8).

السابعة والثلاثون : المجهوليّة ، الناصبون لعليّ علیه السلام القائلون بأنّ جهل بعض

ص: 78


1- المصدر السابق 1 : 130.
2- المصدر السابق 1 : 130.
3- المصدر السابق 1 : 131.
4- المصدر السابق 1 : 131.
5- المصدر السابق 1 : 131 - 132.
6- المصدر السابق 1 : 132.
7- المصدر السابق 1 : 132.
8- المصدر السابق 1 : 133.

أسماء اللّه تعالى وبعض صفاته غير قادح في الإيمان (1).

الثامنة والثلاثون : الرشيديّة ، من أصحاب الرشيد الطوسيّ ، القائلون بكون الزكاة عشرا؟.

التاسعة والثلاثون : الشيبانيّة ، من أصحاب شيبان بن سلمة ، القائلون بالجبر ، ونفي العلم من اللّه تعالى (2).

الأربعون : المكرميّة ، من أصحاب مكرم العجليّ ، القائلون بكون تارك الصلاة كافرا ، وعدم إيمان السارق والزاني (3).

الحادية والأربعون : الإباضيّة ، من أصحاب عبد اللّه بن إباض ، القائلون بكفر مخالف المذهب وإن كان من أهل القبلة ، وشرك المنافق (4).

الثانية والأربعون : الزيديّة ، القائلون بأنّ اللّه تعالى يبعث رسولا وكتابا في العجم نسخا للشريعة الأحمديّة (5).

الثالثة والأربعون : الحفصيّة ، القائلون بأنّ من عرف اللّه ليس بشرك وإن كان منكرا للرسول والكتاب وارتكب الكبائر (6).

الرابعة والأربعون : الحارثيّة ، وهم كالمعتزلة (7).

الخامسة والأربعون : الأصفريّة ، القائلون بجواز القعود عن حرب غير المشركين ، وجواز قتل أطفال المسلمين والمشركين (8).

ص: 79


1- المصدر السابق 1 : 133.
2- المصدر السابق 1 : 132.
3- المصدر السابق 1 : 133.
4- المصدر السابق 1 : 134.
5- المصدر السابق 1 : 154.
6- المصدر السابق 1 : 135.
7- المصدر السابق 1 : 136.
8- المصدر السابق 1 : 137.

فثبت أنّ المجموع - الستّ عشرة من فرق الشيعة ، والخمس والعشرون من فرق أهل السنّة ، والثمان من فرق الغلاة ، والأربع والعشرون من فرق الخوارج - ثلاث وسبعون فرقة ، والفرقة الناجية منهم الفرقة الإماميّة الاثني عشريّة - القائلون بأنّ اللّه واحد أزليّ ، قديم منزّه عن مشابهة المخلوقات ، عادل حكيم منزّه عن الظلم والقبائح ، خالق للعباد ، قادر على الفعل والترك مع وجوب إرسال الرسل وإنزال الكتب وثواب المطيع عقلا وجواز العفو عن المعاصي ، وكون فعله مع الغرض العائد إلى العباد في المعاد ، وكون الأئمّة معصومين منصوبين اثني عشر - من غير جواز العمل بالقياس والرأي والاستحسان - ومن عداهم من الفرق في النار (1).

وقد ورد « أنّ أمّة موسى افترقوا إحدى وسبعين فرقة ، وأمّة عيسى على اثنتين وسبعين فرقة » (2).

هدانا اللّه تعالى إلى سواء السبيل في أمور الدين ، وحشرنا اللّه مع النبيّ وآله الطاهرين.

[ التذنيب ] الثاني : في دفع الشكوك

المحكيّة عن بعض المبطلين القاصدين لنفي شريعة سيّد المرسلين ، وإنكار نبوّة خاتم النبيّين ممّن هو من أهل عصرنا ، وقد دوّن الكتب والرسائل كثير من العلماء والأفاضل بأمر سلطان زماننا في الأوائل.

اعلم أنّه حكي عن بعض القاصرين من المعاصرين المنكرين لهذه الشريعة إيراد شبهات واهية في نفي النبوّة لنبيّنا عليه آلاف صلاة وتحيّة فينبغي بيانها على وجه الإشارة ، والإشارة على جوابها حذرا عن وقوع الشبهة ، فنقول : إنّها شكوك عديدة :

ص: 80


1- المصدر السابق 1 : 169 - 172.
2- « بحار الأنوار » 28 : 3 - 4 ، ح 2 و 3.

منها : ما يتعلّق بالمعجزة لنفي إعجاز القرآن المستلزم لنفي النبوّة - بناء على انحصار المعجزة فيه - وهو أنّ المعجزة ما يكون خارقا للعادة الإنسانيّة ، فإنّ الغرض منها إفادة كون من أتى بها مبعوثا من اللّه ، وذلك لا يكون إلاّ بكون العمل فوق طوق كلّ البشر ، وخارقا لعادة كلّي الإنسان ، بأن لا يقدر أحد من أفراده [ قادرا ] (1) على الإتيان بمثله بنفسه ولو بالكسب ونحوه حتّى يتميّز عن السحر وغيره ممّا لا يكون أمرا عجيبا واقعيّا ، كأن يكون خياليّا بالتصّرف في الحسّ المشترك ، أو كان ولم يكن خارقا للعادة ، كأن يكون ذا سبب أرضيّ أو سماويّ ، أو مركّب خفي كإلقاء الزئبق في الحبل الأجوف ، أو لم يكن مقترنا بادّعاء النبوّة الممكنة ، أو الإمامة الممكنة على وجه المطابقة ، كإحياء الموتى الصادر عن عيسى ، فإنّه لا يمكن أن يكون بالطبّ ونحوه من الكسب والتدبير ، بل هو بمجرّد التكلّم بالإرادة وتصديق اللّه ، بخلاف القرآن فإنّه ادّعى كلّ واحد من العرب الإتيان بمثله ولا أقلّ من عدم العلم بعجز كلّ فرد من أفراد الإنسان من الإتيان بمثله من جهة البلاغة.

والجواب - مضافا إلى أنّها شبهة في مقابل البديهة ، وإنكار للضرورة ، ومغالطة وسفسطة - أوّلا : منع انحصار معجزة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله في القرآن ؛ لتظافر صدور معجزات أخر كإحياء الموتى ، وشقّ القمر ، والمعراج الجسمانيّ ، والإتيان بالشجر ، وحنين الجذع ، وتصحيح الأعور ، ونحوها ممّا ثبت بالنقل المعتبر كما لا يخفى على المتتبّع المستبصر.

وثانيا : أنّ فصحاء قحطان وبلغاء عدنان وغيرهم من العرب العرباء ، وأمثالهم من البلغاء - مع كمال عداوتهم وحرصهم على إبطال ما كان نبيّنا صلی اللّه علیه و آله يدّعيه وتحدّيه بإتيان سورة من مثله - عجزوا عن المقابلة بالحروف ، وبدّلوها بالمقاتلة بالسيوف ، واختاروا ارتكاب المشقّة ، وإتلاف أموالهم وأنفسهم ، وإلقائهم في التهلكة.

ص: 81


1- كذا في الأصل ، والأولى حذفها.

ولا يخفى أنّ ذلك يوجب حصول العلم القطعي بعجز الكلّ عن المعارضة ، وكون القرآن منزلا من عند اللّه على سبيل المعجزة ، ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة ؛ فإنّ إتيان الأمّي - الذي لم يكن كثير المعاشرة مع العلماء - بكلام لم يقدر أحد على الإتيان بمثله مع كمال الفصاحة وحرصهم على المعارضة - مضافا إلى اشتماله على المصالح والمحاسن والخصائص الكثيرة - لا يكون إلاّ على وجه المعجزة بلا شبهة ، سواء كان العجز من جهة علوّ المرتبة في الفصاحة والبلاغة ، أو من جهة تعجيز اللّه عن الإتيان بالمثل عند إرادة المعارضة.

قد يقال - مضافا إلى المعارضة بالمثل بعدم العلم بكون إحياء الموتى من عيسى معجزة ؛ لاحتمال كونه من دعائه باسم اللّه الأعظم كما في دعاء ابن باعور الكافر على موسى ، أو نحو ذلك - : إنّ نسبة العادة إلى الإنسان مغالطة ، فإنّها منسوبة إلى طبائع الأشياء وغرائزها ولو بملاحظة الكيفيّة المخصوصة ؛ إذ العمل على خلاف مقتضى طبائعها معجزة كجعل العصا تنّينا ، وكذا نزول الغيث الخارج عن المعتاد في غير وقته بمجرّد دعوة النبيّ ، أو الوصيّ ، أو الوليّ دفعة ، ونحو ذلك ممّا لا يكون مسبّبا عن سبب ، بل يكون بإرادة إلهيّة.

وإعجاز القرآن من القسم الثاني ، فإنّه وإن كان من جنس الكلام الصادر عن الإنسان فليس بمعجزة بذاته إلاّ أنّ كونه على أسلوب غريب وطور عجيب ، ونحو ذلك ممّا لا يقدر على الإتيان بمثله أحد من البلغاء معجزة ، فهو معجزة بحسب الخصوصيّة ، فتأمّل.

وأيضا إذا كان المناط في المعجزة كون الفعل على خلاف مقتضى الطبيعة كان اعتبار أفراد الإنسان كلاّ أو بعضا مغالطة ، فتأمّل.

وأيضا التسوية بين الواحد والكثير من المغالطات ، وكذا اعتبار الكلّ والبعض في العجز ، فإنّه إذا علم كون الفعل على خلاف مقتضى الطبيعة ولو بملاحظة الخصوصيّة

ص: 82

علم كونه معجزة من غير فرق بين اعتبار عجز الكلّ أو البعض ، ومن هنا يعلم عدم اعتبار كون المعجزة بالنسبة إلى فنّ يكون أهل عصر صاحبها عالمين بذلك الفنّ كالطبّ في زمان عيسى ، والسحر والإتيان بأمر الغريب في زمان موسى ، والفصاحة والبلاغة في زمان نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ، فتأمّل.

ومنها : أنّ أكثر الناس لا يفهمون إعجاز القرآن ، وكلّ معجزة لا يفهم الأكثر إعجازها فهي ناقصة.

والجواب : أنّ أهل العلم يفهمون إعجازه بلا واسطة ، وغيرهم يدركون بواسطتهم ، وملاحظة عجزهم عن الإتيان بمثله - مع كمال حرصهم على المعارضة - فيرتفع النقص ، مضافا إلى ما يقال : إنّ إعجاز القرآن غير منحصر في البلاغة ، بل قد يكون بوجه آخر أيضا كقضاء الحوائج ، وشفاء المرضى عند التوسّل ، وتحصيل المقامات عند التدبّر ، والإخبار بالمغيّبات ، وبيان الخير والشرّ في الاستخارات ، ونحو ذلك ممّا يدركه الخواصّ والعوامّ بلا شبهة وكلام.

ومنها : أنّ اختلاف القرّاء والمفسّرين في القراءات وشأن النزول والمقاصد من الآيات يوجب عدم استفادة معنى معيّن من القرآن ، وذلك ينفي الإعجاز حتّى بالنسبة إلى المواضع المشتملة على المغيّبات ، كقوله : ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (1). ونحو ذلك من المواضع المعدودة التي صارت بسبب ما ذكر مجملة ، غير جليّة الدلالة ، فلا يمكن الحكم بأنّها معجزة ؛ لأنّها باعتبار البلاغة وهي من جهة التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة ، فحيث لا يفهم المعنى لا يمكن الحكم بالبلاغة والإعجاز.

والجواب أوّلا : - مضافا إلى بعض ما تقدّم - أنّ الإعجاز الثابت بالتواتر والتظافر ونحوهما إنّما هو بالنسبة إلى زمان النزول المتقدّم على الاختلاف في القراءة وشأن

ص: 83


1- الروم (30) : 1 - 4.

النزول ، فإنّ القطع حاصل بأنّ أهل عصر النبيّ صلی اللّه علیه و آله ومن بحكمهم - مع كمال بلاغتهم وحرصهم على المعارضة - عجزوا عن الإتيان بمثله ، فيظهر كونه من اللّه تعالى.

وثانيا : أنّ البلاغة حاصلة بالنسبة إلى كلّ معنى يستفاد من القراءات المختلفة ولو باعتبار شأن النزول ، والاختلاف لا يقدح في حصول البلاغة ، كما لا يخفى على من له أدنى مسكة ؛ لحصول التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة.

وثالثا : أنّ الاختلاف في بعض المفردات لا يوجب خفاء المعنى التركيبي وعدم حصول العلم بالبلاغة.

ورابعا : أنّ عدم العلم بإعجاز ما اختلف فيه لا يوجب عدم العلم بإعجاز ما اتّفق عليه ممّا وقع التحدّي بمثله ، كسورة الفاتحة في الجملة ، والتوحيد ، ونحوهما.

وخامسا : أنّ عدم العلم بالإعجاز من جهة عدم العلم بالبلاغة استقلالا لا يوجب عدم العلم به من وجه آخر كما أشرنا إليه.

مضافا إلى ما يقال : من أنّ الاختلاف لو كان سببا لنفي الحقّ لكان الاختلاف في وجود الصانع ووحدته وعدله ، ونبوّة الأنبياء والأوصياء ونحو ذلك سببا لنفي ما ذكر وهو بديهيّ الفساد ، مع عدم الاختلاف في نحو ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ ) (1) الآية ، لفظا ومعنى ، وكذا سائر ما يشتمل على المغيّبات من السور والآيات كقوله تعالى : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ ) (2) إلى آخره ، حيث أخبر بأحوال المنافقين قبل الوقوع ؛ ولهذا ندب إلى قراءة تلك السورة في الركعة الثانية في جميع الجمعات عند جمع الجماعات ، وكذا الإخبار عن أحوال بني أميّة وأمثالهم في سورة الإسراء (3) وكذا سورة محمّد ، والمعوّذتين (4) حيث أنزلتا لإخراج السحر المستور سيّما

ص: 84


1- الروم (30) : 1 - 2.
2- المنافقون (63) : 1.
3- الإسراء (17) : 45 - 47.
4- أي سورتا الفلق والناس.

ما عقدوه بالحبل وجعلوه في البئر وأخرجه عليّ بن أبي طالب علیه السلام بعد النزول (1) ، وكذا سورة النجم المشتملة على الإخبار بانشقاق القمر ، ونزول النجم ، والمعراج الجسمانيّ ونحو ذلك ممّا لا يخفى كونه على وجه الإعجاز ، وكذا آيات سورة التحريم كقوله تعالى : ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) (2) ، وغير ذلك من الآيات المشتملة على الإخبار بأسرار المنافقين وتدبير الكفّار والمشركين في دفع سيّد المرسلين ، ونحو ذلك ممّا لا يقدح الاختلاف - لو كان - في كونه من الإعجاز كما أشرنا إليه على وجه الإيجاز.

ومنها : أنّ اشتمال القرآن على العلوم والأحكام ونحو ذلك لا يقتضي كونه من اللّه تعالى ككثير من كتب الكفّار والحكماء.

والجواب أوّلا : أنّ اشتمال القرآن على أسرار الأنبياء وأحكام الأوصياء ، وتطابقه لسائر الكتب السماويّة في بيان العلوم ، والأحكام ، والآداب المتحيّرة فيه عقول الخواصّ والعوامّ من الأمّي الذي لم يخالط أهل العلم ، ولم يتعلّم من أحد من العلماء الأعلام ، ومن دون رياضة وتفكّر وتأمّل كما أنّ ذلك طريقة الكلّ ، بل مع الاشتغال بالعبادة وأمر العباد ، ونحو ذلك كالجهاد لا يمكن إلاّ بكونه من اللّه.

وثانيا : أنّ كلّ عالم لاحظ القرآن اعترف بإعجازه وكونه خارجا عن طوق البشر ، واستند إليه في مطالبه ، بل كلّما يذكر العلماء كلاما من القرآن في كلماتهم كان مثله مثل درج الجوهر الثمين والدرّ المبين في سلسلة الحصى ، كما لا يخفى على من أحصى.

ومنها : أنّ معجزات محمّد صلی اللّه علیه و آله غير متواترة ، ومعجزات سائر الأنبياء متواترة ؛

ص: 85


1- انظر « مجمع البيان » 10 : 492.
2- التحريم (66) : 3.

لتواتر التوراة ونحوها ممّا يشتمل على معجزاتهم على وجه موجب لعدم إمكان إنكار معجزات موسى وعيسى مثلا لأحد ، بخلاف معجزات محمّد صلی اللّه علیه و آله .

والجواب أوّلا : أنّ معجزات محمّد صلی اللّه علیه و آله كشقّ القمر ، والإتيان بالشجر متواترة عند المسلمين ، كما أنّ معجزات سائر الأنبياء متواترة عند أممهم لو لم يتنازع فيه من جهة تحريف التوراة ، وتنازع اليهود والنصارى ، وإحراق بخت نصّر التوراة ، ونحو ذلك ممّا يكفيه احتماله في منع التواتر فيه ، فتخصيص قتل بخت نصّر ببعض الطوائف ومنع تعرّضه للدين والتوراة - مع أنّه خلاف ما كتب في التواريخ - غير نافع عند عدم الثبوت ؛ لكفاية الاحتمال ، وعدم ثبوت التواتر عند أمثالكم من جهة عدم الاطّلاع على كتب المسلمين غير قادح ، كما أنّ عدم ثبوت تواتر معجزات سائر الأنبياء عند كثير من المسلمين من جهة عدم الاطّلاع على كتبكم غير قادح.

وثانيا : أنّ إثبات نبوّة سائر الأنبياء ومعجزاتهم بواسطة خاتم الأنبياء وما جاء به فهو نوع ثبوت حقيّته وحقيّة دينه.

وثالثا : أنّ التوراة والإنجيل أيضا مخبران بمجيء خاتم الأنبياء ، كما لا يخفى على من لاحظ احتجاج جاثليق مع مولانا الرضا علیه السلام .

وكيفيّة ذلك - كما في الاحتجاج - : أنّ مولانا الرضا علیه السلام لمّا قدم على المأمون أراد المأمون أن يناظر معه علیه السلام سائر علماء الأديان مثل : الجاثليق ، ورأس الجالوت ، ورؤساء الصابئين ، والهربذ الأكبر ، وأصحاب زردشت ، وقسطاس الرومي ، والمتكلّمين ، ليسمع كلامه علیه السلام وكلامهم ، فجمعهم الفضل بن سهل ، ثمّ أعلم المأمون باجتماعهم ، فقال : أدخلهم عليّ ، فرحّب بهم المأمون ثمّ قال لهم : إنّما جمعتكم لخير ، وأحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ ، فإذا كان بكرة فاغدوا عليّ ولا يتخلّف منكم أحد ، قالوا : السمع والطاعة يا أمير المؤمنين ، نحن مبكّرون إن شاء اللّه تعالى.

فدخل ياسر متولّي أمر أبي الحسن علیه السلام فقال : يا سيّدي ، إنّ أمير المؤمنين يقرؤك

ص: 86

السّلام ويقول : فداك أخوك إنّه اجتمع إليّ أصحاب المقالات ، وأهل الأديان ، والمتكلّمون من جميع الملل ، فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم ، وإن كرهت ذلك فلا تتجشّم ، وإن أحببت أن نصير إليك خفّ علينا ذلك ، فقال أبو الحسن علیه السلام : « أبلغه السّلام وقل : قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بكرة إن شاء اللّه ».

فلمّا دخل الرضا علیه السلام قام المأمون وجميع بني هاشم فما زالوا وقوفا - والرضا علیه السلام جالس مع المأمون - حتّى أمرهم بالجلوس فجلسوا ، فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدّثه ساعة ، ثمّ التفت إلى الجاثليق ، فقال : يا جاثليق ، هذا ابن عمّي عليّ بن موسى بن جعفر ، وهو من ولد فاطمة بنت محمّد نبيّنا ، وابن عليّ بن أبي طالب علیه السلام فأحبّ أن تكلّمه وتحاجّه وتنصفه ، فقال الجاثليق : يا أمير المؤمنين ، كيف يحاجّ رجل عليّ بكتاب أنا منكره ، ونبيّ لا أومن به؟!

فقال الرضا علیه السلام : « يا نصرانيّ فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟ ».

قال الجاثليق : وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل؟ نعم ، واللّه أقرّ به على رغم أنفي. فقال له الرضا علیه السلام : « سل عمّا بدا لك واسمع الجواب ».

قال الجاثليق : ما تقول في نبوّة عيسى وكتبه هل تنكر منهما شيئا؟ قال الرضا علیه السلام : « أنا مقرّ نبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به أمّته وأقرّت به الحواريّون ، وكافر بنبوّة كلّ عيسى لم يقرّ بنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله وكتابه ولم يبشّر به أمّته ».

قال الجاثليق : أليس إنّما يقطع الأحكام بشاهدي عدل؟ قال : « بلى ».

قال : فأقم شاهدين من غير أهل ملّتك على نبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله ممّن لا تنكره النصرانيّة ، وسلمنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا.

قال الرضا علیه السلام : الآن جئت بالنصفة يا نصرانيّ ، ألا تقبل من العدل المقدّم عند المسيح عيسى بن مريم؟ ».

قال الجاثليق : ومن هذا العدل؟ سمّه لي ، قال : « ما تقول في يوحنّا الديلميّ؟ » قال : بخّ بخّ ذكرت أحبّ الناس إلى المسيح.

ص: 87

قال : « فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنّا قال : إنّ المسيح أخبرني بدين محمّد العربي ، وبشّرني به إنّه يكون من بعدي فبشّرت الحواريّون به فآمنوا به؟ ».

قال الجاثليق : قد ذكر ذلك يوحنّا عن المسيح ، وبشّر بنبوّة رجل ، وبأهل بيته ووصيّه ، ولم يلخّص متى يكون ذلك ، ولم يسمّ لنا القوم فنعرفهم.

قال الرضا علیه السلام فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمّد وأهل بيته وأمّته أتؤمن به؟ » قال : شديدا (1) ، قال الرضا علیه السلام لقسطاس الرومي : « كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟ » قال : ما أحفظني له ، ثمّ التفت لرأس الجالوت قال : « ألست تقرأ الإنجيل » قال : بلى لعمري. قال : « فخذ عليّ السفر الثالث ، فإن كان فيه ذكر محمّد وأهل بيته وأمّته فاشهدوا لي ، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي » ثمّ قرأ علیه السلام عليه السفر الثالث حتّى إذا بلغ [ ذكر ] (2) النبيّ صلی اللّه علیه و آله وقف ، ثمّ قال : « يا نصرانيّ ، إنّي أسألك بحقّ المسيح وأمّته أتعلم أنّي عالم بالإنجيل؟ » قال : نعم ، ثمّ تلا ذكر محمّد وأهل بيته ، ثمّ قال : « ما تقول يا نصرانيّ هذا قول عيسى بن مريم ، فإن كذّبت بما ينطق به الإنجيل فقد كذّبت موسى وعيسى علیهماالسلام ، ومتى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل ؛ لأنّك تكون قد كفرت بربّك وبنبيّك وبكتابك ».

قال الجاثليق : ولا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وأنّي لمقرّ به.

قال الرضا علیه السلام : « اشهدوا على إقراره » ثمّ قال : « يا جاثليق ، سل عمّا بدا لك ».

قال الجاثليق : أخبرني عن حواريّ عيسى بن مريم كم كان عدّتهم ، وعن علماء الإنجيل كم كانوا؟

قال الرضا علیه السلام : « أمّا الحواريّون فكانوا اثني عشر رجلا ، وكان أفضلهم وأعلمهم : الوقاء. وأمّا علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال : يوحنّا الأكبر - باج - ويوحنّا

ص: 88


1- كذا في الأصل ، وفي المصدر : « أمر سديد ».
2- الزيادة أضفناها من المصدر.

بقرقيسيا ، ويوحنّا الديلميّ بن جار وعنده كان ذكر النبيّ صلی اللّه علیه و آله وذكر أهل بيته وهو الذي بشّر أمّة عيسى وبني إسرائيل به » ثمّ قال : « يا نصرانيّ ، إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمّد صلی اللّه علیه و آله - إلى أن قال علیه السلام : بعد قول الجاثليق : إنّ عيسى كان صائم الدهر ، قائم الليل - : « فلمن كان يصوم ويصلّي؟ » فخرس الجاثليق وانقطع.

ثمّ أورد علیه السلام عليه بأنّه « لو كان كلّ من أحيا الموتى ربّا ، لكان اليسع وحزقيل ربّين ؛ لأنّهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى ، وكذا موسى حيث أحيا اللّه بدعائه سبعين رجلا احترقوا ، فاتّخذ هؤلاء كلّهم أربابا ، ما تقول يا نصرانيّ؟ ».

فقال الجاثليق : القول قولك ولا إله إلاّ اللّه.

ثمّ التفت إلى رأس الجالوت ، فقال : « يا يهوديّ ، أقبل عليّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران ، هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمّد صلی اللّه علیه و آله وأمّته إذا جاءت الأمّة الأخيرة أتباع راكب البعير ، يسبّحون الربّ جدّا جدّا ، تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد ، فليفزع بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم ليطمئنّ قلوبهم؟ » فقال رأس الجالوت : نعم ، إنّا لنجد ذلك كذلك.

ثمّ قال للجاثليق : « يا نصرانيّ كيف علمك بكتاب شعيا؟ » قال : أعرفه حرفا حرفا ، قال لهما : « أتعرفان هذا من كلامه : يا قوم ، إنّي رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور ، ورأيت راكب البعير ضوءه مثل ضوء القمر؟ » فقال : قد قال ذلك شعيا ، قال الرضا علیه السلام : « يا نصرانيّ ، هل تعرف في الإنجيل قول عيسى علیه السلام : إنّي ذاهب إلى ربّي وربّكم ، والبارقليطا جاء ، هو الذي يشهد لي بالحقّ كما شهدت له ، وهو الذي يفسّر لكم كلّ شيء ، وهو الذي ألمح الأمم وهو الذي يكسر عمود الكفر؟ ». فقال الجاثليق : ما ذكرت شيئا من الإنجيل إلاّ ونحن مقرّون به - إلى أن قال رأس الجالوت - : من أين تثبت نبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله ؟ قال الرضا علیه السلام : « شهد بنبوّته موسى بن عمران ، وعيسى بن مريم ، وداود خليفة اللّه في الأرض » فقال علیه السلام : تعلم يا يهوديّ أنّ موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم : إنّه سآتيكم نبيّ من إخوانكم فيه

ص: 89

فصدّقوا ، ومنه فاسمعوا ، فهل تعلم أنّ لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل وإسماعيل والسبب الذي بينهما من قبل إبراهيم؟ ».

فقال رأس الجالوت : هذا قول موسى لا ندفعه ، فقال له الرضا علیه السلام : « أفليس قد صحّ هذا عندكم؟ » قال : نعم ، ولكن أحبّ أن تصحّحه لي من التوراة ، فقال له الرضا علیه السلام : « هل تنكر أنّ التوراة تقول لكم : جاء النور من قبل طور سينا ، وأضاء للناس من جبل ساعير ، واستعلن علينا من جبل فاران؟ » قال رأس الجالوت : أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها.

قال الرضا علیه السلام : « أنا أخبرك به. أمّا قوله : جاء النور من قبل طور سينا فذلك وحي اللّه تبارك وتعالى الذي أنزل على موسى علیه السلام على جبل طور سينا.

وأمّا قوله : وأضاء للناس من جبل ساعير فهو الجبل الذي أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى عيسى بن مريم وهو عليه.

وأمّا قوله : واستعلن علينا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكّة ، وبينه وبينها يومان ، قال شعيا النبيّ صلی اللّه علیه و آله - فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة - رأيت راكبين أضاءت لهما الأرض ، أحدهما على حمار ، والآخر على جمل ، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟ ».

قال رأس الجالوت : لا أعرفهما فخبّرني بهما ، قال علیه السلام : « أمّا راكب الحمار فعيسى ، وأمّا راكب الجمل فمحمّد صلی اللّه علیه و آله أتنكر هذا من التوراة؟ » قال : لا ، ما أنكره.

ثمّ قال الرضا علیه السلام : « هل تعرف حيقوق النبيّ؟ » قال : نعم ، إنّي به لعارف ، قال علیه السلام : « فإنّه قال - فكتابكم ينطق به - : جاء اللّه تعالى بالبيان من جبل فاران ، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأمّته ، تحمل خيله في البحر كما تحمل في البرّ ، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس ، يعني بالكتاب : القرآن ، أتعرف هذا وتؤمن به؟ » قال رأس الجالوت : قد قال ذلك حيقوق النبيّ ولا تنكر قوله.

قال الرضا علیه السلام : « فقد قال داود في زبوره - وأنت تقرأه - : اللّهمّ ابعث مقيم السنّة

ص: 90

بعد الفترة فهل تعرف نبيّا أقام السنّة بعد الفترة غير محمّد صلی اللّه علیه و آله ؟ » قال رأس الجالوت : هذا قول داود نعرفه ولا ننكره ، ولكن عنى بذلك : عيسى ، وأيّامه (1) هي الفترة.

قال له الرضا علیه السلام : « جهلت ، إنّ عيسى لم يخالف (2) السنّة ، وكان موافقا لسنّة التوراة حتّى رفعه اللّه إليه ، وفي الإنجيل مكتوب : إنّ ابن البرّة ذاهب والفار قليطا جاء من بعده وهو يخفّف (3) الآصار ، ويفسّر لكم كلّ شيء ، ويشهد لي كما أشهد له ، أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل ، أتؤمن هذا في الإنجيل؟ » قال : نعم ، لا أنكره.

فقال الرضا علیه السلام : « أسألك عن نبيّك موسى علیه السلام ؟ » فقال : سل ، قال : « ما الحجّة على أنّ موسى علیه السلام ثبّت نبوّته؟ » قال اليهودي : جاء بما لم يجئ به أحد من الأنبياء قبله.

قال له : « مثل ما ذا؟ ». قال : مثل فلق البحر ، وقلبه العصا حيّة تسعى ، وضربه الحجر فانفجرت منه العيون ، وإخراجه يده البيضاء للناظرين ، وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها.

قال الرضا علیه السلام : « صدقت في أنّها كانت حجّته على نبوّته أنّه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله ، أفليس كلّ من ادّعى أنّه نبيّ ، ثمّ جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟ » قال : لا ؛ لأنّ موسى علیه السلام لم يكن له نظير ؛ لمكانه من ربّه وقربه منه ، ولا يجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها حتّى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به.

قال الرضا علیه السلام : « فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى علیه السلام ولم يفلقوا البحر ، ولم يفجّروا من الحجر اثنتي عشرة عينا ، ولم يخرجوا أيديهم مثل إخراج موسى علیه السلام يده بيضاء ، ولم يقلبوا العصا حيّة تسعى؟ » قال له اليهودي : قد خبّرتك أنّه متى جاءوا على نبوّتهم من الآيات بما لم يقدر الخلق على مثله ، ولو جاءوا بما

ص: 91


1- كذا في الأصل ، وفي المصدر : « أمامه ».
2- كذا في الأصل : « يخلف » وما أثبتناه من المصدر.
3- في المصدر : « يحفظ » بدل « يخفّف ».

لم يجئ به موسى علیه السلام أو كانوا على ما جاء به موسى ، وجب تصديقهم.

قال الرضا علیه السلام : « يا رأس الجالوت ، فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم وقد كان يحيى الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثمّ ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللّه؟ ». قال رأس الجالوت : يقال : إنّه فعل ذلك ولم نشهده.

قال الرضا علیه السلام : « رأيت ما جاء به موسى علیه السلام من الآيات وشاهدته ، أليس إنّما جاءت الأخبار من ثقات أصحاب موسى علیه السلام أنّه فعل ذلك؟ » قال : بلى. قال : « فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم ، فكيف صدّقتم بموسى صلی اللّه علیه و آله ولم تصدقوا بعيسى؟ » فلم يجد (1) جوابا.

قال الرضا علیه السلام : « وكذلك أمر محمّد صلی اللّه علیه و آله وما جاء به ، وأمر كلّ نبيّ بعثه اللّه ، ومن آياته أنّه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلّم كتابا ، ولم يختلف إلى معلّم ، ثمّ جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء علیهم السلام وأخبارهم حرفا حرفا ، وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة ، ثمّ كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم ، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى ».

قال رأس الجالوت : لم يصحّ عندنا خبر عيسى ، ولا خبر محمّد ، ولا يجوز لنا أن نقرّ لهما بما لم يصحّ عندنا.

قال الرضا علیه السلام : « فالشاهد الذي يشهد لعيسى ومحمّد صلی اللّه علیه و آله شاهد زور؟ » فلم يجد (2) جوابا.

ثمّ دعا بالهربذ الأكبر ، فقال له الرضا علیه السلام : « أخبرني عن زردشت الذي تزعم أنّه نبيّ ، ما حجّتك على نبوّته؟ » قال : إنّه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده ، ولكنّ الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنّه أحلّ لنا ما لم يحلّ غيره فاتّبعناه ، قال علیه السلام :

ص: 92


1- كذا في الأصل ، وفي المصدر : « يحر ».
2- كذا في الأصل ، وفي المصدر : « يحر ».

« أفليس إنّما أتتكم الأخبار فاتّبعتموه؟ » قال : بلى ، قال : « فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون وأتى به موسى وعيسى ومحمّد صلی اللّه علیه و آله فما عذركم في ترك الإقرار لهم ؛ إذ كنتم إنّما أقررتم بزردشت من قبل الأخبار المتواترة بأنّه جاء بما لم يجئ به غيره؟ » فانقطع الهربذ مكانه.

فقال الرضا علیه السلام : « يا قوم ، إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم » فقام إليه عمران الصابي - وكان واحدا في المتكلّمين - فقال : يا عالم الناس ، لو لا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل ، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ، ولقيت المتكلّمين فلم أقف على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيّته ، أفتأذن أن أسألك؟

قال الرضا علیه السلام : « إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو » ، قال : أنا هو ، قال : « سل يا عمران ، وعليك بالنصفة ، وإيّاك والخطل والجور » فقال : واللّه يا سيّدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئا أتعلّق به ، فلا أجوزه ، قال : « سل عمّا بدا لك » فازدحم الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض ، فقال عمران : أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق؟

فأجاب علیه السلام بذكر صفات اللّه وأفعاله كما ينبغي ، فقال : « فهمت يا عمران؟ » قال : نعم ، يا سيّدي فهمت ، وأشهد أنّ اللّه على ما وصفت ووحّدت ، وأنّ محمّدا صلی اللّه علیه و آله عبده المبعوث بالهدى ودين الحقّ ، ثمّ خرّ ساجدا نحو القبلة وأسلم.

فلمّا نظر المتكلّمون إلى كلام عمران الصابي - وكان جدلا لم يقطعه من حجّته أحد قطّ - لم يدن من الرضا علیه السلام أحد منهم ، ولم يسألوه عن شيء ، فنهض المأمون والرضا علیه السلام فدخلا ، وانصرف الناس ، فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلّمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتّى اجتنبوه ، وولاّه الرضا علیه السلام صدقات بلخ » (1).

انتهى ما أردنا نقله وهو كاف لمن تابع عقله.

ص: 93


1- « الاحتجاج » 2 : 415 - 425.

ومنها : أنّ محمّدا صلی اللّه علیه و آله اعترف في مواضع من القرآن بانحصار معجزته فيه ، بنحو قوله : ( هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً ) (1) مع عدم ثبوت غيره من المعجزات التي تدعونها لا بالخبر المتواتر ، ولا بالواحد المحفوف بالقرينة القطعيّة ، ولم يذكر اسمه في كتاب من الكتب السماويّة ، بخلاف معجزات عيسى فإنّها ممّا كتبها ثلاثة رجال ، أو أربعة كتبوا الإنجيل ، وكذا بعض الحواريّين ممّن شاهدها ، وأخبار هؤلاء معتبرة في غاية الاعتبار ، واسمه مذكور في الكتاب السماويّ.

والجواب مثل ما مرّ ، مضافا إلى ما يقال : من أنّ اعترافه بأنّ معجزات عيسى علیه السلام وصلت بواسطة العدد المذكور ، يقتضي عدم حصول القطع بها سيّما بالنسبة إلى جميع النصارى ، وكذا أصل الإنجيل ، وبيان أحوال عيسى علیه السلام على التفصيل ؛ لاقتضاء ما ذكر عدم تحقّق ما يوجب القطع بما ذكر ، مع أنّ المعتبر في أصول الملل ما يفيد القطع بالقطع ، كما أنّا ندّعي القطع في معجزات نبيّنا محمّد صلی اللّه علیه و آله ؛ لثبوتها في الكتاب والسنّة ، مع القرينة والاشتهار المفيد للقطع بصدور ما يعجز سائر الخلق عن الإتيان بمثله حتّى أنّ المشركين قالوا : إنّ هذا سحر مبين ، ونحو ذلك.

وإنكار ذلك لا يصدر إلاّ ممّن كان في قلبه زيغ ، ويكون تابعا للخيالات والأوهام الفاسدة ، خارجا عن طريقة العقل ، فإنّ العقل يحكم بامتناع تواطؤ المخبرين - بأنّ القرآن من نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله - على الكذب ، أو العادة تحكم بالقطع بذلك ولو بانضمام القرائن ، فإنكار ذلك إنكار القطع الضروريّ ، وصادر من عدم التتبّع والسماع الكاشفين عن حكم الحقّ ، وذكر نبيّنا صلی اللّه علیه و آله في الكتب السماويّة ، وكونه صاحب المعجزات الكثيرة - كما مرّت إليه الإشارة - مع أنّ الذكر غير لازم كما في النبيّ المتقدّم ، بل المناط هو المعجزة المصدّقة.

ص: 94


1- الإسراء (17) : 93.

مضافا إلى ما حكي أنّه ورد في الإنجيل ما معناه أنّ المسيح قال : « أطلب من أبى أن يعطيكم فارقليطا آخر ويبقى معكم أبدا » (1).

وأيضا قال في موضع آخر : وفارقليط روح مقدّس يرسله أبي ، ويعلّمكم كلّ شيء ، ويذكّركم جميع ما قلت لكم » (2).

وأيضا قال في موضع آخر : « أقول لكم ما هو الحقّ من أنّ ذهابي أولى لكم ؛ لأنّي إن لم أذهب لا يجيء إليكم فارقليط وإن ذهبت أرسله إليكم » (3).

وأيضا قال : « إذا جاء الروح الحقّ علّمكم ما هو الحقّ ، ولا ينطق من عند نفسه ، ويعظّمني ، ويبشّر جميع الطوائف بالجنّة » (4). ونحو ذلك غير ما ذكر من الآيات الإنجيليّة الدالّة على أنّ اللّه تعالى ذكر نبيّنا صلی اللّه علیه و آله في الإنجيل ؛ لأنّ فارقليط اسمه فيه ، كما لا يخفى على المتتبّع.

وقوله : « أبي » - لو سلّم كونه من عيسى علیه السلام وعدم كونه من الموضوعات - لعلّه تكلّم على زعمهم ، أو محمول على معنى الترتبيّة ونحو ذلك.

ومنها : أنّ حاكي المعجزات بعد البعثة من كان ناقلا لها في أيّام الجاهليّة فلا اعتماد بقولهم أصلا.

الجواب واضح ؛ لأنّ إنكار حصول العلم بالتواتر والتظافر ، والخبر المحفوف بالقرائن القطعيّة إنكار للبديهة ، مع اختلاف الناقلين بالبديهة.

ومنها : أنّ محمّدا روّج دينه بالقوّة البشريّة ، لا الإلهيّة كسائر الأنبياء.

والجواب واضح أيضا ؛ لأنّ المعجزة الثابتة كما بيّنّا لا تكون إلاّ بتصديق اللّه وإعانته ، وكذا بعض حروبه ، كما قال اللّه تعالى : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) (5).

ص: 95


1- حكاه المجلسي في « بحار الأنوار » 15 : 210 - 211.
2- حكاه المجلسي في « بحار الأنوار » 15 : 210 - 211.
3- حكاه المجلسي في « بحار الأنوار » 15 : 210 - 211.
4- حكاه المجلسي في « بحار الأنوار » 15 : 211.
5- التوبة (9) : 25.

ومنها : أنّ جميع دين محمّد كان على وفق هوى نفسه كما قال : « إنّ اللّه جعل لذّتي في النساء والطيب » (1). وحلّل لنفسه تسع زوجات ولغيره أربع زوجات ، واختار زوجة زيد لعشقه بها بآية وضعها ، وحنث الحلف الذي أوقعه في تحريم مارية بوضع آية أخرى بقوله : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ ) (2) وحرّم نساءه على أمّته ، إلى غير ذلك ، ومثل ذلك تفويض سلطنته إلى أقاربه.

والجواب واضح أيضا ؛ لأنّ الميل إلى النساء من الكمال ، بملاحظة أنّ فيه بقاء بني آدم وتكثير العباد ، وتحليل تسع زوجات مع العدل دليل على قوّة نفسه وكماله ، وتحليل زوجة زيد يقتضي توسعة أمر الناس في جواز تزويج حلائل الأدعياء ، وكذا فوائد سائر ما وقع ، ونيابة أقربائه - كنيابة هارون لموسى علیهماالسلام للزوم تفضيل الفاضل ، وتعيين المعصوم الأعلم ، وترجيحه على غيره ، وكون الموصوف بما ذكر من عيّنه دون غيره.

وبالجملة : فهذا الكلام لا ينبغي إلاّ عن الجاهل المتعسّف والغبيّ الذي هو غير منصف.

ومنها : أنّا نلاحظ القرآن ونراه خاليا عن البلاغة ؛ لعدم اشتماله على النظم والترتيب.

والجواب : يظهر ممّا مرّ.

ومنها : أنّ القرآن مشتمل على التكرار الركيك كما في قوله : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) (3) و ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) (4) ونحو ذلك ، وبعض الفقرات لمجرّد القافية ، وبعضها بلا فائدة ، وبعضها بلا معنى كقوله : ( أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ

ص: 96


1- « مكارم الأخلاق » 34 : « بحار الأنوار » 16 : 249.
2- التحريم (66) : 1.
3- المرسلات (77) : 15.
4- الرحمن (55) : 13.

بِكُمْ ) (1) وهو مشتمل على المعاني البديهيّة ، كما في قوله : ( وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ) (2) وعلى غير الواقع ، مثل ما دلّ على أن آمن ذا القرنين ، مع أنّ المستفاد من كتب التواريخ ونحوها أنّه لم يؤمن ، بل كان صنميّا - وعلى الاختلاف الذي حملوه على الناسخ والمنسوخ اللذين ليسا في التوراة والإنجيل حتّى أنّ الإنجيل [ جاء ] لتكميل التوراة من غير أن يكون ناسخا.

ولا ريب أن الاختلاف غير جائز من اللّه العالم بجميع الأشياء بحسب الماضي والحال والاستقبال.

والحاصل : أنّ من علم نبوّة أحد ثمّ رأى منه نحو تلك الأقوال والأعمال لا بدّ له من تأويلها. وأمّا من لم يكن عالما بنبوّة شخص ورأى منه نحو ما ذكر من الأمور المنكرة يحصل له اليقين بعدم نبوّته ، ولو صدر منه أمر غريب يحكم بأنّه ليس من اللّه.

والجواب عن نفي البلاغة واضح ممّا مرّ ، فإنّ حسن نظم القرآن وترتيبه حسّي لا يحتاج إلى البيان سيّما بعد ملاحظة العجز عن الإتيان بمثله لبلغاء عدنان وقحطان ، وأنّ المعاندين تركوا المقابلة بالحروف وارتكبوا المقاتلة بالسيوف.

وبالجملة : بلاغة الكلام إنّما هي بسبب كونه بمقتضى المقام ، ولو كان على خلاف النظم الطبيعيّ والترتيب الظاهريّ ، بسبب كونهما من أسباب تغيّر المخاطب وتحرّك سبب شرّه وعدم قبوله الحقّ ، وبين البلاغة والترتيب الطبيعيّ عموم من وجه ، والمعترض لم يدركها بوجه.

وعن الاشتمال على التكرار : أنّ التكرار لفائدة ومناسبة مطلوب في العرف والعادة ، سيّما في مقام الإرشاد والهداية وإتمام الحجّة ، كما لا يخفى على من له أدنى

ص: 97


1- النحل (16) : 15.
2- البقرة (2) : 92.

مسكة ، وكذا حسن القافية فإنّها موجبة لميل النفوس والطبيعة ، الموجب لحصول الهداية وفهم المعجزة وقبول الشريعة.

وعن نحو كون بعض الفقرات بلا فائدة : أنّه ممنوع بلا شبهة ، بل المعلوم لكلّ أهل المعرفة أنّ لكلّ آية ظهرا وبطنا إلى بطون سبعة ، وأقلّ ما يتصوّر في نحو ما ذكر بيان سوء سلوك الأمّة وإتمام الحجّة ، ونحو ذلك من الفوائد الظاهرة كالاشتمال على جميع ما في الكتب السماويّة ، وبيان النعمة والقدرة وأمثال ذلك.

وعن إيراد ذي القرنين : أنّه مبنيّ على عدم الفرق بين الإسكندرين : الروميّ الصنميّ ، وغيره الصالح ، حتّى قيل : إنّه كان نبيّا ، ولعلّ الشبهة إنّما نشأت من صدور بناء السدّ بين يأجوج ومأجوج وغيرهم من كلّ منهما كما أفيد.

وعن الاختلاف : أنّ إنكار الاختلاف والنسخ يستلزم إنكار تعدّد الأديان ، وكون الناس من زمان آدم إلى الخاتم على دين واحد ، وهو خلاف البديهة مع أنّ العقل حاكم باختلاف الأحكام باختلاف المصالح في الأنام.

والحاصل : أنّ مناط التصديق على ثبوت الادّعاء بالمعجزة من غير فرق بين الأوّل والآخر ، وقد بيّنّا أنّ نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ادّعى النبوّة ، وأتى بالمعجزة المصدّقة ، فهو حقّ بحكم القوّة العاقلة ، فلو صدر منه صلی اللّه علیه و آله ما يكون ظاهره محلّ الريبة لا بدّ من التأويل ، أو الحمل على المصلحة الكامنة والحكمة الباطنة ، أو نحو ذلك كما مرّ إليه الإشارة.

ومنها : أنّه جعل في الإسلام سبب النجاة عن عذاب الآخرة منحصرا في التوبة ، من غير أن يكون شيء من الأعمال الحسنة ، والعفو من اللّه ، أو كليهما سببا للنجاة ، لكون جزاء الأعمال الحسنة ما وعد اللّه [ لاهبط ] (1) السيّئة ، فلا يحصل بسببها النجاة.

والجواب : أنّه افتراء محض ومحض افتراء ؛ لشهادة الآيات والأخبار على أنّ

ص: 98


1- كذا في الأصل.

الشفاعة ، والأعمال الحسنة ، والبكاء على مصائب الأئمّة علیهم السلام سيّما سيّد الشهداء ، ونزول البلاء والمصائب ، ونحو ذلك من أسباب النجاة ، كالتوبة التي هي أيضا من المسقطات في جميع الأمم ، بل بالنسبة إلى آدم وبني آدم وغيرهم - كما لا يخفى على من لاحظ ما بيّن أحوال الأنبياء وغيرهم - مضافا إلى أنّ أمثال ذلك الاعتراض بعد ثبوت النبوّة أو الإمامة بالمعجزة المصدّقة من أفحش الأغلاط.

ومنها : أنّ كتب الأنبياء السابقين مشتملة على الإشارة إلى بعث عيسى وأفعاله ، كما ورد في التوراة : « أنّ الأبناء يأخذون ابن السلطان ، والشيطان يلسع عقبه ، ووعد اللّه إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يبارك في أولادهم ».

وفي شعيا : « أنّ بنتا باكرة تحمل وتضع ابنا » [ و ] غير ذلك من الإشارات ؛ ولهذا يكذّبه اليهود وسكتوا حتّى جرى دينه وانتشرت أحكامه التي هي على خلاف أهواء أنفسهم وهو من المعجزات.

والجواب - مضافا إلى كذبه ؛ لأنّ اليهود كذّبوا عيسى علیه السلام وقصدوا قتله ، وأنّ كونه ابنا خلاف العقل والنقل ، فيكون ما يدلّ عليه من الموضوعات والمحرّفات - : أنّا بيّنّا أنّ الكتب السماويّة مشتملة على بيان بعث نبيّنا محمّد صلی اللّه علیه و آله ، كما أنّ عيسى علیه السلام قال : ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ ) (1).

مع أنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، فبعد الإتيان بالمعجزات المصدّقة والبراهين القاطعة لا بدّ من تصديق من أتى بها ، ونبيّنا محمّد صلی اللّه علیه و آله ادّعى النبوّة الممكنة وأتى بالمعجزة المصدّقة بالتواتر والتظافر المفيدين للقطع العقلي كسائر القطعيّات ، وكلّ من ادّعى النبوّة الممكنة وأتى بالمعجزة المصدّقة فهو حقّ بلا شبهة ؛ لقبح إظهار المعجزة المصدّقة على يد الكاذب بالبديهة العقليّة ، فنبيّنا محمّد صلی اللّه علیه و آله نبيّ مطلق

ص: 99


1- الصفّ (61) : 6.

ورسول بالحقّ من الحقّ إلى الخلق قاطبة - كما ادّعاه صلی اللّه علیه و آله - بلا ريبة ، فهو مبعوث من اللّه لتكميل عقول خلق اللّه ، وتهذيب نفوسهم من رئيسهم ومرءوسهم ، وتعليم الآداب والحكم لاستعداد الوصول إلى النعم بقدر القابليّة الإمكانيّة على وجه لا يمكن وقوع أكمل منه ؛ ولهذا صار خاتم النبيّين ، وتكون شريعته باقية إلى يوم الدين ، كما يستفاد من الكتب المنزّلة من اللّه الحقّ المبين ، ولا يرتاب فيه أهل التتبّع والإنصاف وإن اعترض أهل القصور والاعتساف ؛ إذ قد تبيّن الرشد من الغيّ (1) ، وامتاز الميّت من الحيّ ولقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون (2) ، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم (3) ، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم (4) ، قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون. (5)

[ ما ورد في التوراة من الآيات الدالّة على نبوّته صلی اللّه علیه و آله ]

هذا كلّه مضافا إلى أنّه ورد في التوراة - في السفر الخامس ، في الفصل الثامن عشر في الپاراش الشوفطيم ، في الآية الخامسة عشرة إلى آخر الفصل ، البالغة إلى ثمان آيات من آيات التوراة ما يدلّ على نبوّة نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله وحقّيّته وكفر منكره.

بيان ذلك : أنّ التوراة المنزّلة من السماء من اللّه تعالى خمسة أسفار ، ألحق بها ثلاثة وعشرون من كتب أنبياء بني إسرائيل ككتاب دانيال ، وحزقيل ، وحيقوق ، وأمثالهم ، وجزّأ بنو إسرائيل تلك الأسفار على وجه يتمّ قراءتها مرّة في كلّ سنة

ص: 100


1- اقتباس من الآية 256 من البقرة (2).
2- اقتباس من الآية 7 من يس (36).
3- اقتباس من الآية 14 من النمل (27).
4- اقتباس من الآية 146 من البقرة (2).
5- اقتباس من الآية 4 من المنافقون (63).

بقراءة كلّ سبت جزءا بأجزاء أربعة وخمسين جزءا مسمّاة بالپاراش. (1)

والسفر الأوّل من الأسفار الخمسة للتوراة اثنا عشر پاراشا ، واحد منها پاراش لخلخا ، وكلّها خمسون فصلا ، وهو مشتمل على صحيفة آدم ونوح وإبراهيم.

والسفر الثاني : أحد عشر پاراشا وأربعون فصلا.

والسفر الثالث : عشر پاراش وسبعة وعشرون فصلا.

والسفر الرابع : عشر پاراش وستّة وثلاثون فصلا.

والسفر الخامس : أحد عشر پاراشا وأربعة وثلاثون فصلا ، على ما أفاد بعض من كان من علماء اليهود ، فاستبصر وصار مسلما مؤمنا.

وحيث كان كلّ ذلك بالخطّ العبري - واللسان العبري الذي كان لإبراهيم علیه السلام الساكن في محلّ العبور وأولاده إلاّ إسماعيل الذي كان بلسان عربي من جهة أمّه التي كانت من أولاد السلطان ، أو جارية من أهل مصر وبلسان عربي - وكان قراءة ذلك عسيرا على كثير ، جمعت تلك الآيات بالخطّ العربي الذي [ يساوي ] العبري - بعد كتابة حروف التهجّي التي يكتب بها التوراة ، ثمّ أكتبها بالخط العربي الذي يكتب به القرآن - مع الترجمة والبيان.

فأقول أوّلا : إن صورة حروف التهجي مكان حروف أبجد هذه :

الصورة

ص: 101


1- الصحيح على ما ورد في العهد العتيق وصرّح به بعض محقّقي دين اليهود ، « پاراشا ».

الصورة

ص: 102

وثانيا : إنّ صورة الآيات المذكورة بالخطّ الذي يكتب به القرآن الآن مع الترجمة بالفارسيّة والبيان للضبط اللفظي والمعنى الإفرادي والتركيبي هذه :

نابيء ميقر بخام أحخا كاموني يا قيم لخا أدوناي إلهيخا إليوه تيشماعون كخل أشر إهيه أشر إهيه شا ألتا معيم أدوناي إلهيخا بحورب بيوم هقا هال لئمر لأ اسف لشموع إت قول أدوناي الهاي وإت ها إش هكدلا هزأت لأ إرءه عود ولأ آموت ويأمر أدوناي إلاي.

هيطيبو أشر ديبرو نابيء آقيم لاهم ميقرب أحهم كاموخا وناتتي دباري بپيو ودبير إليهم إت كل أشر اصونو وهاياه ها إيش أشر لأيشمع إل دباري أشر يدبر بشمي آنخي إدرش معيمو أخ هي نابي أشر يا زيد لدبر دابار بشمي إت أشر لأصيويتيو لدبر وأشر يدبر بشم الهيم أحريم وومت هي نابئ ههوأ وخي تؤمر بيلبابي خا إيخاه ندع إت هي دابار أشر لادبرو أدوناي اشر يدبر هي نابيء بشم أدوناي ولأييه ييه هى دابارو ولأيابؤهؤ هي دابار أشر لأدبرو ادوناي بزادون دبرو هي نابي لأتاغورمي م نو.

بيان « نابي » - بالنون المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ الباء الموحّدة المكسورة التي تقرأ بالواو التي هي كالمشدّدة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة المقروءة على وجه يتولّد بعدها الهمزة لفظا لا خطّا - بمعنى النبيّ المخبر عن اللّه.

« ميقربخا » - بالميم المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي تتولّد منها الياء ، ثمّ القاف المكسورة ، ثمّ الراء المهملة الساكنة ، ثمّ الباء الموحّدة المفتوحة ، ثمّ الخاء المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف لفظا لا خطّا - بمعني من بنيك.

« م » - ميم مكسورة - بمعنى : من.

« أحخا » - بالهمزة المفتوحة ، والحاء المهملة المكسورة على وجه الإمالة ، ثمّ الخاء المعجمة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف - بمعنى إخوتك ،

ص: 103

ومع الياء الفاصلة بين الحاء والخاء يكون ، بمعنى : أخيك ، مفرد الإخوة ، والخاء المفتوحة قائمة مقام كاف الخطاب.

« كاموني » - بالكاف المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف لفظا ، ثمّ الميم المضمومة بالضمّة الإشباعيّة التي تتولّد منها الواو لفظا ، ثمّ النون المكسورة ، ثمّ الياء - بمعني كمثلي.

« يا قيم » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف لفظا لا خطّا - ولكن كتابتي بالألف هنا وفي أمثاله من جهة الحفظ من الخطإ في القراءة والتلاوة فلا بأس بعد البيان - ثمّ القاف المكسورة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الميم الساكنة - بمعنى : يقيم ويبعث.

« لخا » - باللام المفتوحة على وجه الإمالة ، ثمّ الخاء المعجمة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف لفظا لا خطّا كما تقدّم ، وتسمّى تلك الفتحة بالقامص - بمعنى : لك.

« أدوناي » - بالهمزة المفتوحة ، ثمّ الدال المهملة المضمومة بالضمّة الإشباعيّة التي تتولّد منها الواو لفظا لا خطّا ، ولكن في هذا اللفظ قد تثبت خطّا أيضا ، ثمّ النون المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف لفظا لا خطّا ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة - بمعنى : اللّه المولى الكبير المتعالي.

« إلهيخا » - بالهمزة المكسورة ، ثمّ اللام المضمومة ، ثمّ الهاء المكسورة على وجه الرخاوة والإمالة كأنّه تتولّد منها الهمزة ويكشف عنه الياء المثنّاة التحتانيّة التي لا تظهر في القراءة ، ثمّ الخاء المعجمة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي يتولّد منها الألف المسمّاة بالقامص كما مرّ ، بمعنى : خالقك.

« إليوه » - بالهمزة المكسورة ، ثمّ اللام المفتوحة كأنّها مع الإشباع المستفاد من الياء التحتانيّة التي لا تظهر في القراءة ، ثمّ الواو الساكنة - بمعنى : وله.

« تيشماعون » - بالتاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي يتولّد

ص: 104

منها الياء لفظا لا خطّا ، ثمّ الشين المعجمة ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف لفظا لا خطّا المسمّاة بالقامص كما سبق ، ثمّ العين المهملة المضمومة ، ثمّ الواو الساكنة ، ثمّ النون الساكنة ، بمعنى تسمعون ، المستعمل في الإنشاء الطلبي - بمعنى : اسمعوا له وأجيبوه وأطيعوه.

« كخل » - بالكاف المفتوحة على وجه الإمالة ، ثمّ الخاء المعجمة المضمومة ، ثمّ اللام الساكنة - بمعنى : ككلّ.

« أشر » - بالهمزة المفتوحة ، والشين المعجمة المكسورة ، والراء المهملة الساكنة - بمعنى : كلّما ، لعموم الأشياء. ومنه ما في الدعاء.

« إهيه أشر إهيه » - بكسر همزة إهيه والياء والهاء - بمعنى : كنت كلّما كنت ، لا إهيّا شراهيّا كما يقرأ.

« شاألتا » - بالشين المعجمة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي يتولّد منها الألف لفظا لا خطّا كما مرّ ، ثمّ الهمزة المفتوحة [ ثمّ اللام الساكنة ] ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة ، بمعنى : سألت ، بتاء الخطاب.

« معيم » - بالميم المكسورة ، ثمّ العين المهملة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي يتولّد منها الياء لفظا لا خطّا ، ثمّ الميم الساكنة - بمعنى : من عند.

« أدوناي إلوهيخا » قد مرّ بيانهما.

« بحورب » - بالباء الموحّدة المفتوحة على وجه الإمالة ، ثمّ الحاء المهملة المضمومة بالضمّة الإشباعيّة التي يتولّد منها الواو لفظا لا خطّا في التوراة - وإن كان في كتابنا مع الواو خطّا أيضا لأمر مرّ الإشارة إليه - ثمّ الراء المهملة المكسورة ، ثمّ الباء الموحّدة الساكنة التي تقرأ بالواو - بمعنى : في حورب الذي هو اسم مكان مخصوص وقع فيه جبل سيناء.

« بيوم » - بالباء الموحّدة - بمعنى : في - فالياء المثنّاة التحتانيّة المضمومة ، فالواو والميم - بمعنى : اليوم.

ص: 105

« هقاهال » - بالهاء المفتوحة - للإشارة مثل : « ذلك » - فالقاف المفتوحة بالفتحة المسمّاة بالقامص الموجبة لتولّد الألف ، ثمّ الهاء المفتوحة كذلك ، ثمّ اللام الساكنة - بمعنى الجماعة ، يعني : هؤلاء الجماعة.

« لئمر » - باللام المكسورة - فالهمزة الساكنة ، فالميم المضمومة ، فالراء المهملة الساكنة - بمعنى : « للقول الذي » فسّره قوله.

« لأ أسف » إلى آخر الآية - باللام المضمومة ، فالهمزة الساكنة - بمعنى : « لا » النافية.

« أسف » - بالهمزة المضمومة ، فالسين المهملة المكسورة ، فالفاء الساكنة - بمعنى : أزيد وأكثر.

« لشموع » - باللام المكسورة كاللام الجارّة في العربيّة ، فالشين المعجمة الساكنة ، فالميم المضمومة ، فالعين المهملة المفتوحة ولكن بزيادة الواو قبلها في اللفظ دون الخطّ في التوراة ونقل الفتحة إليها وقراءة العين بالسكون - بمعنى : لسماع.

« إت » - بالهمزة المكسورة والتاء المثنّاة الساكنة - بمعنى : لام التقوية في العربيّة ، كما في نحو قوله تعالى : ( لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ ) (1).

« قول » - بالقاف المضمومة ، فالواو الساكنة التي لم تظهر في القراءة ، فاللام الساكنة - بمعنى : الصوت والقول.

« أدوناي » مرّ بيانه.

« إلهاي » - بالهمزة المكسورة ، فاللام المضمومة ، فالهاء المضمومة ، فالهاء المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة ، فالياء الساكنة - بمعنى : خالقي.

و « إت » مرّ بيانه.

« ها » - بالهاء المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة - بمعنى : ذلك.

« إش » - بالهمزة المكسورة ، والشين المعجمة الساكنة - بمعنى : النار.

ص: 106


1- يوسف (12) : 43.

« هكدلاه » - بالهاء المفتوحة للإشارة ، والكاف المفتوحة المقروءة بلا توفيق كما في « كفت » بالفارسيّة المسمّاة بالكيمال ، والدال المهملة المضمومة ، واللام المفتوحة الإشباعيّة ، ثمّ الهاء الساكنة - بمعنى : تلك الكبيرة.

« هزأت » - بالهاء المضمومة ، فالزاي المعجمة المضمومة ، فالهمزة الساكنة ، والتاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة - بمعنى : هذه.

« لأ » - باللام المضمومة ، فالهمزة الساكنة - بمعنى : « لا » النافية.

« إرءه » - بالهمزة المكسورة ، والراء المهملة الساكنة ، ثمّ الهمزة المكسورة مع الهاء الساكنة وإن لم تظهر في اللفظ - بمعنى : أرى.

« عود » - بالعين المهملة المضمومة ، والواو والدال المهملة الساكنتين - بمعنى : بعد ذلك.

« لأ آموت » - « لا » مثل ما مرّ و « آموت » - بالهمزة المفتوحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ الميم المضمومة ، فالواو الساكنة الظاهرة في التلفّظ ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة - بمعنى : أمرت.

و « يأمر » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المضمومة ، مع الهمزة الساكنة - ثمّ الميم المكسورة ، مع الراء المهملة الساكنة - بمعنى : أمر.

« أدوناي » مرّ بيانه.

« إلاي » - بالهمزة المكسورة ، فاللام المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى : إليّ.

« هيطيبو » - بالهاء المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة التي لا تظهر في القراءة ، فالطاء المهملة المشالة المكسورة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة الظاهرة في التلاوة ، فالباء الموحّدة المضمومة ، فالواو الساكنة - بمعنى : أحسنوا وفعلوا الحسن.

« أشر » مرّ بيانه.

« ديبرو » - بالدال المهملة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة يتولّد منها الياء الساكنة

ص: 107

التي تكون في اللفظ دون الكتابة ، ثمّ الباء الموحّدة المكسورة ، فالراء المهملة المضمومة ، مع الواو الساكنة - بمعنى : تكلّموا وقالوا.

« نابئ » مرّ بيانه.

« آقيم » - بالهمزة المفتوحة الإشباعيّة ، ثمّ القاف المكسورة ، ثمّ الياء والميم الساكنتين - بمعنى : أقيم وأبعث.

« لاهم » - باللام المفتوحة الإشباعيّة ، ثمّ الهاء المكسورة ، مع الميم الساكنة - بمعنى : لهم.

« ميقرب » مرّ بيانه.

أحهم » - بالهمزة المفتوحة ، فالحاء المهملة المكسورة ، فالهاء المكسورة ، مع الميم الساكنة - بمعنى : إخوتهم.

« كاموخا » - بالكاف المفتوحة الإشباعيّة ، ثمّ الميم المضمومة ، مع الواو الساكنة التي لا تظهر في القراءة وإن كانت ثابتة في الكتابة ، ثمّ الخاء المعجمة بالفتحة الإشباعيّة - بمعنى : كمثلك.

و « ناتتي » - بالنون المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة ، مع المقروءة مع الشدّة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى : نؤتي.

« دباري » - بالدال المهملة المفتوحة ، فالباء المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي يتولّد منها الألف ، ثمّ الراء المهملة المضمومة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى : كلاماتي.

« بپيو » - بالباء الموحّدة المفتوحة - بمعنى : « في » - ثمّ الياء العبريّة كالفارسيّة المشتملة على ثلاث نقط تحتانيّة على المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة والواو الساكنة - بمعنى فمه - ف- « پي » بمعنى الفم ، والواو بمعنى : ضمير الغائب.

و « دبير » - بالدال المهملة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي يتولّد منها الياء لفظا

ص: 108

لا خطّا في التوراة ، ثمّ الباء الموحّدة المكسورة مع الراء المهملة الساكنة - بمعنى : ويتكلّم.

« أليهم » - بالهمزة المفتوحة ، فاللام المكسورة مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة التي تثبت خطّا لا لفظا ، ثمّ الهاء المكسورة ، فالميم الساكنة - بمعنى : معهم.

« إت » مرّ بيانه.

« كل » - بالكاف المضمومة واللام الساكنة - بمعنى : كلّ.

« أشر » مرّ.

« أصونو » - بالهمزة المفتوحة ، فالصاد المهملة المفتوحة ، والواو المكسورة ثمّ النون المضمومة مع الواو الساكنة مكان الضمير للغائب - بمعنى آمره وأطلب منه.

و « هاياه » بالهاء المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة مع الهاء الساكنة الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى : وليكن.

« هاإيش » - بالهاء المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي يتولّد منها الألف - بمعنى : ذلك.

و « ايش » - بالهمزة المكسورة مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ومع الشين المعجمة الساكنة - بمعنى : الرجل.

« أشر » مرّ.

« لأ » مرّ.

« يشمع » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة ، فالشين المعجمة الساكنة ، فالميم المفتوحة ، فالعين المهملة الساكنة - بمعنى يسمع.

« إل » - بالهمزة المكسورة ، فاللام الساكنة - بمعنى : على ، والباء.

« دباري » مرّ بيانه.

« أشر » مرّ.

« يدبر » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة ، والدال المهملة المفتوحة والباء

ص: 109

الموحّدة المكسورة والراء المهملة الساكنة - بمعنى : يتكلّم.

« بشمي » - بالباء الموحّدة المكسورة ، والشين المعجمة الساكنة ، والميم المكسورة ، والياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى : باسمي ، بالباء الجارّة المختتم بياء المتكلّم.

« آنخي » - بالهمزة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي يتولّد منها الألف ، ثمّ النون المضمومة ، فالخاء المعجمة المكسورة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى : إنّي.

« إدرش » - بالهمزة المكسورة مع الدال المهملة الساكنة ، ثمّ الراء المهملة المضمومة مع الشين المعجمة الساكنة بمعنى : أؤاخذ وأعاقب وأطالب بسبب عدم السماع.

« معيمو » - بالميم المكسورة ، فالعين المهملة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي يتولّد منها الياء لفظا لا خطّا ، ثمّ الميم المضمومة بالضمّة المتداولة من غير إشباع وإن كان بعدها الواو خطّا لا لفظا - بمعنى : من عنده.

« أخ » - بالهمزة المفتوحة مع الخاء المعجمة الساكنة - بمعنى : مهما.

« هي » - بالهاء المفتوحة - بمعنى : ذاك.

« نابئ » مرّ بيانه.

« أشر » مرّ بيانه.

« يازيد » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف الساكنة ، ثمّ الزاي المعجمة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، مع الدال المهملة الساكنة - بمعنى : يقصد ، والمراد القصد النفسانيّ الشهوانيّ.

« لدبر » - باللام المفتوحة بالفتحة التي هي كالممالة ، فالدال المهملة المفتوحة بالفتحة الظاهرة ، فالباء الموحّدة المكسورة ، فالراء المهملة الساكنة - بمعنى للتكلّم.

« دابار » - بالدال المهملة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف لفظا لا خطّا في التوراة ، ثمّ الباء الموحّدة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها [ الألف ] لفظا لا خطّا في التوراة ، ثمّ الراء المهملة الساكنة - بمعني الكلام.

« بشمي إت أشر » مرّت ، وكذا « لأ ».

ص: 110

« صيويتيو » - بالصاد المهملة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي تتولّد منها الياء الساكنة الثابتة لفظا لا خطّا في التوراة ، ثمّ الواو المكسورة مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ المثنّاة الفوقانيّة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة والواو الساكنة - بمعنى : لا أمرته.

« لدبر وأشر يدبر » مرّت.

« بشم » - بالباء الموحّدة المفتوحة بالفتحة التي هي كالممالة ، والشين المعجمة المكسورة ، والميم الساكنة - بمعنى : باسم.

« إلهيم » - بالهمزة المكسورة ، واللام المضمومة ، والهاء المكسورة مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، والميم الساكنة - بمعنى : الآلهة.

« أحريم » - بالهمزة المفتوحة ، فالحاء المهملة المكسورة ، فالراء المهملة المكسورة مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، والميم الساكنة - بمعنى : آخرين.

« وومت » - بالواو المضمومة بالضمّة الإشباعيّة ، ثمّ الميم المكسورة ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة - بمعنى : واجب القتل الذي يجب قتله.

« هى نابئ » مرّا.

« ههوء » - بالهاء المفتوحة ، فالهاء المضمومة مع الواو والهمزة الساكنتين - بمعنى : هو.

« وخي » - بالواو المفتوحة بالفتحة التي هي كالممالة ، والخاء المعجمة المكسورة مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى : « لما » الرابطة ، أو « إن » الشرطيّة ، أو « إذا ».

« تؤمر » - بالتاء المثنّاة الفوقانيّة المضمومة مع الهمزة الساكنة ، ثمّ الميم المفتوحة مع الراء المهملة الساكنة - بمعنى : تقول.

« بيلبابي خا » - بالباء الموحّدة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة ، مع اللام الساكنة ، ثمّ الباء الموحّدة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ الباء المكسورة بالكسرة الممدودة قليلا ، ثمّ الخاء المعجمة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة

ص: 111

كما مرّ - بمعنى : في قلبك.

« إى خاه » - بالهمزة المكسورة ، مع الياء الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الخاء المعجمة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة مع الهاء المكتوبة التي لا تظهر في التلفّظ - بمعنى : « كيف » للاستفهام.

« ندع » - بالنون المكسورة ، فالدال المهملة المفتوحة ، مع العين المهملة الساكنة - بمعنى نعلم.

إت هى دابار أشر » مرّت ، وكذا « لأ ».

« دبرو » - بالدال المهملة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة ، ثمّ الباء الموحّدة المفتوحة ، فالراء المهملة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا في حكم ضمير الغائب المفرد المذكّر - بمعنى : تكلّم به.

« أدوناي » مرّ بيانه.

« أشر يد برهى نابئ بشم أدوناي » مرّ بيانها ، وكذا « ولأ ».

« بيه ييه » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة مع الهاء الساكنة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة بالكسرة الممدودة قليلا ، مع الهاء الساكنة - بمعنى : يصير ويقع ويتحقّق.

« هى دابار » مرّ بيانهما ، وكذا « ولأ ».

« يابؤ » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ الباء الموحّدة المضمومة ، مع الهمزة الساكنة - بمعنى : يأتي ، أي لا يجيء ولا يقع.

« هوء » - بالهاء المضمومة ، مع الواو والهمزة الساكنتين - بمعنى : « ذلك » و « هو ».

« هى دابار أشر لأدبر وأدزى نا » مرّ بيانهما.

« بزادون » - بالباء الموحّدة المفتوحة بالفتحة التي هي كالممالة ، فالزاي المعجمة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ الدال المهملة المضمومة مع

ص: 112

الواو التي تثبت خطّا لا لفظا ، والنون الساكنة - بمعنى : في القصد ، أي في رأيه وهواه.

« دبر وهى نابى » مضى بيانها ، وكذا « لأ ».

« تاغور » - بالتاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ الغين المعجمة المضمومة ، مع الواو الساكنة ، والراء المهملة الساكنة - بمعنى : تخاف ، أي لا تخشى.

« مي م نو » - بالميم المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي يتولّد منها الياء ، ثمّ الميم المكسورة بالكسرة المطلقة ، فالنون المضمومة مع الواو الساكنة - بمعنى : منه ، مع تضمّنه معنى منّا ، أي لا تخف منه ولا منّا في قتل ذلك الكاذب ، ولعلّه لذا كرّرت الميم بمعنى : من.

فإذا عرفت ما ذكرنا نقول : إنّ المعنى التركيبي المستفاد من الآيات المذكورة أنّ موسى علیه السلام يخبر عن اللّه تعالى - في السفر الخامس من التوراة الذي هو كالمثنّى لما تقدّم من باب التذكرة لمن تقدّم ، والتبصرة لمن تأخّر ، ولهذا يسمّى مشته ثورى - :

بأنّه تعالى يبعث لك نبيّا من بنيك من إخوتك كمثلي فاسمعوا له وأطيعوه ، وكلّ ما سألت من عند اللّه الخالق في الحورب في يوم الاجتماع بهذا القول لا أزيد في الطلب بطلب سماع صوت اللّه الذي هو خالقي ، ولا أرى تلك النار الكبيرة والصاعقة المهلكة بعد ، ولا أموت بتأثيرها ، ويأمر اللّه ويقول لي : أحسنوا فيما قالوا من عدم طلب صوت اللّه. وقال اللّه تعالى : نبيّا أبعث لهم من بين إخوتهم كمثلك وأعطني كلامي في فيه وهو يتكلّم معهم بكلّ ما أوصيه ، وأحكم به - يعني بطريق الوحي - إليه كما إلى موسى ، ولكن من غير صاعقة موحشة مهلكة ؛ بحيث أدري أنا ويدري هو من غير إدراك غيرنا مثل كلام أهل النجوى والمشورة ، كما هو حال الوحي من اللّه إلى خاتم الأنبياء ، وقال اللّه تعالى : وكلّ من لا يسمع كلماتي التي يتكلّم ذلك النبيّ بها باسمي أنا أؤاخذ منه وأعاقبه ، ومن ادّعى النبوّة وقصد هوى نفسه في التكلّم باسمي بما لا أوصيه للتكلّم ، أو تكلّم باسم آلهة أخرى فهو واجب القتل.

ص: 113

وإن خطر ببالك من أين ، وكيف نعلم أنّ ذلك الكلام ممّا لم يتكلّم به اللّه؟

قلت - في مقام بيان علامة يعرف بها الحقّ والباطل ، وكون ما يتكلّم به كلاما ألقاه اللّه في فيه - إنّ كلّ ما يتكلّم به ذلك النبيّ باسم اللّه ولا يقع ولا يأتي ، كلّ ذلك ممّا لم يتكلّم به اللّه ، بل يقصده وهو نفسه تكلّم ذلك النبيّ ، لا تخف منه فاقتله » (1).

ويستفاد من ذلك أنّ النبيّ الموعود لا بدّ أن يكون صاحب الشريعة المستقلّة المشتملة على الأحكام الجديدة اللاحقة - كموسى - المستلزمة لنسخ ما تقدّم ولو في الجملة ولا بدّ أن يكون مدّعيا للنبوّة ، ومخبرا عن اللّه لا عن الأصنام والأنداد ، ومخبرا للغيب الاستقباليّ الذي يصير واقعا بعد إخباره. وذلك النبيّ هو محمّد بن عبد اللّه بلا شبهة ؛ لأنّه ادّعى النبوّة بالتواتر والضرورة ، وأخبر عن اللّه بالبديهة كما يشهد عليه نحو قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (2).

وأخبر بالمغيبات التي صارت واقعة بعد إخبارها كما يشهد عليه نحو قوله تعالى : ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ) (3) ، وقوله تعالى : ( لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (4) ، وأنّه لا نبيّ بعده في قوله تعالى : ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (5) ، وواقعة كربلاء في « كهيعص » (6) فقد ورد أنّ « الكاف » إشارة إلى كربلاء ، و « الهاء » إلى هلاك العترة الطاهرة للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ، والياء إلى يزيد ، و « العين » إلى عطشهم ، و « الصاد » إلى صبر الحسين علیه السلام (7).

ص: 114


1- « العهد العتيق » ، سفر التثنية ، 18 ، الآية 15 - 22.
2- النساء (4) : 58.
3- البقرة (2) : 24.
4- الإسراء (17) : 88.
5- الأحزاب (33) : 40.
6- مريم (19) : 1.
7- « الاحتجاج » 2 : 463 ؛ « بحار الأنوار » 14 : 178 ، ح 14.

وكذا الإخبار الغيبي الاستقباليّ بالنسبة إلى أهل الروم بقوله تعالى : ( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (1). إلى غير ذلك من الأخبار الغيبيّ الاستقباليّ الذي يعدّ أخباره واقعا ، كما يشهد به التتبّع والاستقراء في التواريخ والأفواه على وجه التكاثر والتواتر.

فإن قلت : مقتضى قوله تعالى : « ميقرب أخهم » - أي : من بين إخوتهم - أنّ ذلك النبيّ لا بدّ أن يكون سبطا من أسباط بني إسرائيل ، وهو عيسى الذي كان من بني إسرائيل.

قلت أوّلا : إنّ الضمير عائد إلى بني إسرائيل ، وعيسى علیه السلام كان منهم ومن أولاد يهودا لا من إخوتهم ، فإن كان هو المراد لزم أن يقول : منهم ، كما قال اللّه تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ) (2).

فلا يمكن أن يقال : إنّ النبيّ الموعود الذي يوجد اللّه كلامه في فيه وله الأحكام المستقلّة المخالفة لأحكام موسى علیه السلام هو عيسى علیه السلام أو سيجيء من بني إسرائيل.

ويشهد على ذلك قوله : « م اخحا » فإنّه جعل جميع بني إسرائيل في حكم الواحد وأضيف إليهم ما هو بمعنى الإخوة ، فيستفاد منه أنّه لا بدّ أن يكون ذلك النبيّ من غير بني إسرائيل كما لا يخفى على من له أدنى إدراك وإنصاف.

فتعيّن أن يكون هو نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله الذي هو من أولاد إسماعيل الذي هو أخ لإسحاق ، الذي هو أب ليعقوب الملقّب بإسرائيل ؛ لتولّدهما من إبراهيم الخليل.

والحاصل : أنّ كلّ من تولّد من إسرائيل سمّوا ببني إسرائيل ، وكلّ من تولّد من إسماعيل سمّوا ببني إسماعيل ، فالنبيّ الموعود الذي وعدنا اللّه أن يبعثه من إخوة بني إسرائيل - لا منهم - لا بدّ أن يكون من بني إسماعيل ويكون كموسى صاحب

ص: 115


1- الروم (30) : 1 - 4.
2- الجمعة (62) : 2.

تكلّم من اللّه ، وصاحب الشريعة المستقلّة ، والأحكام التي هي مباينة لأحكام موسى في الجملة ، حتّى تكون أحكاما على حدة - كما يستفاد من الآيات المذكورة - وهو نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛ إذ ليس من بني إسماعيل نبيّ مثل موسى في الرتبة والشريعة المستقلّة غيره صلی اللّه علیه و آله بالبديهة ، كما تشهد به التواريخ والأخبار المتكاثرة.

واحتمال كون ذلك النبيّ الموعود ممّن يجيء بعد ذلك - مع أنّ النصراني المعارض لا يقول به وهو إبطال له - مدفوع بأنّ ذلك النبيّ لو كان غير نبيّنا وكان نبيّنا كاذبا لوجب على اللّه إبطاله ، فعدم الإبطال يوجب إبطال ذلك الاحتمال.

كما حكي عن كتاب أرمياء ، في الفصل الثامن والعشرين : أنّ صباه بن عزور - الذي كان نبيّا صدّيقا - افترى على اللّه أنّه رفع ما أوعد من غلّ بخت نصّر على أعناقهم ، فأمر أرمياء بتكذيبه ، وأنّه يموت في تلك السنة ، ومات (1). مع أنّ وجود العلامة - أعني الإخبار بالغيب مع وقوعه بعد الإخبار - يقتضي الحقّيّة وبطلان ذلك الاحتمال.

وبهذا يظهر جواب آخر عن أصل السؤال ، فإنّ إثبات شيء لشيء لا ينفيه عمّا عداه ، فبعد وجود الإخبار بالغيب على وجه التطابق للواقع يحكم بحقّيّة المخبر كائنا من كان ، بحكم الآيات المذكورة في التوراة.

وثانيا : إنّه ورد في الفصل الرابع والثلاثين آخر فصول السفر الخامس - آخر التوراة الأصليّة - ما يدلّ على أنّه لا يجيء في بني إسرائيل نبيّ مثل موسى في الرتبة والتكلّم معه بلا واسطة (2). فيجب أن يكون ذلك النبيّ المماثل لموسى علیه السلام في الرتبة والتكلّم معه بلا واسطة من غير بني إسرائيل ، أو من إخوتهم ، وهو نبيّنا صلی اللّه علیه و آله والآية المشار إليها بالخطّ العبري الذي يكتب به التوراة هذه الآية وبالخطّ العربي الذي يكتب به القرآن هذه : « ولأقام نابي عودد باسرائيل كموشه أشر يدا عو أدوناي پانيم

ص: 116


1- « العهد العتيق » ، كتاب إرميا ، الباب 28 ، الآية 15.
2- « العهد العتيق » : السفر الخامس ( تثنية ) ، الباب 34 ، الآية 10.

إل پانيم » (1). فإنّ هذه الآية من اللّه تعالى بلا خلاف.

نعم ، اختلفوا في أنّ المخبر بها هل هو موسى عند قرب موته ، أو يوشع بن نون النبيّ الذي كان وصيّه بلا فصل بعد موته بلا فصل؟ ولا شكّ أنّها تدلّ على أنّ النبيّ الموعود ليس عيسى الذي كان من بني إسرائيل من ذريّة يهودا ، فتدلّ على فساد اعتقاد النصرانيّ المعارض المدّعي بأنّه عيسى ، فيكون غيره الذي ادّعى النبوّة ، وأخبر عن اللّه ، وأخبر بالغيب الاستقبالي الذي صار واقعا ، وهو نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله .

بيان ذلك : أنّ الألفاظ مرّ بيان كلّها إلاّ « يداعو » و « پانيم » :

و « يداعو » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة ، والدال المهملة المفتوحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ العين المهملة المضمومة مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى : لعلمه ، من الإعلام.

« پانيم » - بالياء المثلّثة التحتانيّة العبريّة ، المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ النون المكسورة مع الياء التحتانيّة ، والميم الساكنتين - بمعنى : الوجه ، وبعد ضمّ « إل » - بكسر الهمزة - بمعنى : « على » ، يكون بمعنى المشافهة.

فتدلّ الآية المزبورة على أنّه لا يجيء من بني إسرائيل نبيّ مثل موسى يتكلّم معه اللّه بالمشافهة ، فيجب أن يكون من غيره ممّن له علامة الصدق المذكورة وهو نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله كما مرّ.

فإن قلت : إنّ ذلك النبيّ الموعود لعلّه من أولاد « عسو » أخي يعقوب المتولّد معه توأمين.

قلت : مع أنّه لم يجئ من نسله أحد يدّعي ذلك ، ولا يمكن إهمال العباد الذين حملهم محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله على دينه - على تقدير كذبه - أنّ « عبدياه » النبيّ صلی اللّه علیه و آله أخبر عن اللّه أنّ عسو منقرض النسل ، وأنّه لم يبق منه أحد.

ص: 117


1- المصدر السابق.

وصورته بالخطّ العبري هذا :

الصورة

وبالخطّ العربي صورته هذه : « وهاياه بيت يعقوب اش ربت يوسف لهاباه وبيت عسو لقش ودالقو باهم واخالوم ولأيه يه ساريد لبيت عسوكي ادوناى دبر ».

بيان : « وهاياه » قد مرّ بيانه.

« بيت » - بالباء الموحّدة المكسورة مع الياء المثنّاة والتحتانيّة التي تثبت خطّا لا لفظا ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة - بمعنى البيت.

« يعقوب » اسم لنبيّ معروف ، ولكن من غير ظهور الواو في العبري ، وكذا مع فتح العين المهملة.

« إش » - بكسر الهمزة مع الشين المعجمة الساكنة - بمعنى النار ، كما مرّ.

و « بت » مرّ.

« يوسف » - بالياء المضمومة من غير ظهور الواو ، والسين المهملة المكسورة مع الفاء الساكنة - اسم لنبيّ معروف.

« لهاباه » - باللام المكسورة ، فالهاء المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي يتولّد منها الألف ، ثمّ الباء الموحّدة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف. مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى اللّهب.

ص: 118

و « بيت » مرّ.

« عسو » - بالعين المهملة المكسورة ، والسين المهملة المفتوحة الإشباعيّة ، مع الواو الساكنة - اسم لأخي يعقوب.

« لقش » - باللام المفتوحة الممالة ، والقاف المفتوحة ، مع الشين المعجمة الساكنة - بمعنى الأجزاء الدقيقة الجافّة من نحو الحشيش التي يقال لها بالفارسيّة : « خاشاك ».

« ودالقوبا » - بالواو المفتوحة ، فالدال المهملة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف لفظا لا خطّا في التوراة ، مع اللام الساكنة ، فالقاف المضمومة مع الواو الساكنة - بمعنى يتلهّب.

« باهم » - بالباء الموحّدة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ الهاء المكسورة ، مع الميم الساكنة - بمعنى بهم وفيهم.

« وأخالوم » - بالواو المفتوحة بالفتحة الطويلة ، فالهمزة المفتوحة كذلك ، فالخاء المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ اللام المضمومة ، مع الواو والميم الساكنتين - بمعنى وأكلوهم وأحرقوهم.

« ولايه يه » مرّ بيانه بمعنى ولا يمكن.

« ساريد » - بالسين المهملة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ الراء المهملة المكسورة مع الياء المثنّاة التحتانيّة ، والدال المهملة الساكنتين - بمعنى الجثّة أي أحد منهم ، وذي نفس منهم.

« لبيت » باللام المفتوحة. ، و « بيت » مرّ بيانها.

« عسو » مرّ.

« كي » - بالكاف المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى اللام التعليل ، أو « لمّا » الرابطة ، أو مطلق الربط نحو « كه » في الفارسيّة.

« أدوناي دبر » مرّ بيانهما بمعنى حيث قال اللّه تعالى.

والمعنى التركيبي المستفاد من تلك المفردات أنّه يصير أولاد يعقوب كالنار ،

ص: 119

وذرّية يوسف كاللّهب ، وذرّية « عسو » كالحشيش الجافّ ، ويأخذ تلك النار واللّهب ذلك الذي كالوقود من الحطب ، وتهلكانه وتحرقانه وتأكلانه كما تأكل النار الحطب ، بحيث لم يبق ذو نفس من نسل « عسو » حيث تكلّم اللّه به ، فيستفاد من تلك الآية عدم بقاء نسل « عسو » وانقراضهم فلم يبق احتمال كون ذلك النبيّ الموعود من نسله ، فتعيّن كونه من غيرهم ممّن يكون من ذرّيّة إسماعيل الذي يكون من إخوتهم ولو مجازا ، من جهة تعذّر الحقيقة وأقرب المجازات ، وكونه من له العلامة المذكورة وهو محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله .

وممّا ذكرنا يظهر أنّ من جاء بعد موسى من أنبياء بني إسرائيل - مع الإخبار بالغيب الاستقبالي الذي صار واقعا ك « هيلا » النبيّ الذي أخبر بواقعة كربلاء ونحوها كما سيأتي - ليس ذلك النبيّ الموعود ، من جهة عدم إيجاد اللّه كلامه في فيهم ، وعدم كونهم ذوي الأحكام الجديدة مع كونهم من بني إسرائيل الذين أخبر اللّه بعدم مجيء مثل موسى منهم مع إخباره بأنّ ذلك النبيّ مثل موسى علیه السلام .

وبالجملة : فإنكار اليهود والنصارى لنبيّنا صلی اللّه علیه و آله إنكار لدينهم وكتابهم كما لا يخفي على من لاحظ ما ذكرنا من آيات التوراة كما بيّنّا ، فهو في [ حقّ ] (1) كثير من باب اللجاج والاعتساف والخروج عن الإنصاف واتّباع الهوى ومخالفة اللّه.

فإن قلت : يمكن عند حمل الإخوة على أولاد إسماعيل حملها على إخوته من سائر أولاد إبراهيم الخليل ، فقد حكي أنّه كان له غير إسماعيل وإسحاق أولاد ستّة من قطوراه منقطعة إبراهيم علیه السلام - : زمران ، يافشان ، مدان ، مديان ، يشباق ، شووح أيضا.

قلت أوّلا - مع أنّه أيضا ينفي مراد ذلك النصراني المعارض - : إنّ مقتضى ما ذكرنا من الآيات التوراتيّة أنّ من ادّعى النبوّة من اللّه ، وأخبر بالغيب الاستقبالي الذي صار واقعا فهو حقّ يجب إطاعته والسماع منه ، وأنّ ترك ذلك يوجب المؤاخذة

ص: 120


1- كذا في الأصل.

الإلهيّة كما تقدّم ، وقد بيّنّا أنّ نبيّنا صلی اللّه علیه و آله كان كذلك ، فيجب إطاعته والسماع منه كلّ ما ادّعاه ، ومنه أنّه : « لا نبيّ بعدي ». فلا يبقى للاحتمال المذكور سبيل.

وثانيا : إنّه حكي إفادة التوراة نفي ذلك الاحتمال أيضا ، فلا يكون ذلك الاحتمال إلاّ من اللجاج والعناد ، فإنّه حكي عن إبراهيم علیه السلام في السفر الأوّل من التوراة أنّه أبعد الستّة المسطورين إلى بلاد المشرق بعد أن متّعهم ما يكتفون به ، ولا يدّعون الإرث بعده ، وأنّه لم يكن عند وفاته إلاّ إسماعيل وإسحاق ، وأنّ إسماعيل علیه السلام كان أعزّ أولاده ، فيكون من نسل المحبوب لا المبغوض.

وبالجملة : فيظهر ممّا ذكرنا أنّ إنكار نبوّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ليس غالبا إلاّ من العصبيّة ، أو حبّ الرئاسة فإنّها بعد ملاحظة ما ذكرنا تكون كالشمس في رابعة النهار ، بل أظهر من الشمس وأبين من الأمس ؛ فإنّا أوضحنا برهانها ، وشيّدنا بنيانها ، وأحكمنا أركانها ، وأورقنا أغصانها بذكر الأدلّة العقليّة والنقليّة عند كلّ فرقة ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيّ عن بيّنة ، فلم يبق للمنكرين محيص ، بل جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ، ولقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ، فلا إفادة في الزيادة فإنّها إعادة أو كالإعادة.

فينبغي بعد ذلك أن يقال : ( يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ * وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) (1) كما أمر نبيّنا صلی اللّه علیه و آله أن يقول في جوابهم ذلك ، فالعاقل تكفيه الإشارة والجاهل لا تفيه العبارة ، ومن لم يستضئ بالمصباح لم يستضئ بالإصباح.

ثمّ اعلم أنّ جماعة من الفضلاء الذين عاصرناهم ، وغيرهم أفادوا في مقام الجواب عن شبهة ذلك النصرانيّ المعارض أجوبة كثيرة ينبغي الإشارة إلى بعضها ، فأقول :

ص: 121


1- الكافرون : (109) : 1 - 6.
[ ما أفاده الفاضل الكاشاني في مقام الردّ على النصراني ]

منهم : العالم الربّاني ، الفاضل الكاشاني حيث أفاد في مقام الردّ على ذلك النصرانيّ الذي أورد على نبوّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ما أشرنا إليه ، مع جوابه أمور :

منها : « أنّ نوع الإنسان الذي هو أشرف أنواع الأكوان مدنيّ بالطبع ، محتاج إلى التمدّن والاجتماع في المدينة والمكان ، ورفع كلّ لحاجة غيره في الغذاء ، واللباس ، والمسكن ، ودفع الأسقام بالأدوية البسيطة ، أو المركّبة وأمثال ذلك من أمور المعاش والمعاد ، وحيث كان التركّب من القوى البهيميّة السبعيّة والملكيّة موجبا للتشاجر والجدال ، والقيل والقال ، والنزاع والقتال ، ونهب الأموال ، وأسر النساء والأطفال ، ونحو ذلك من أسباب الاختلال ، كان اللازم على الحكيم المتعال بحكم صريح العقل من تعيين مقنّن القوانين ، الرادع للاضمحلال ، حذرا عمّا ينافي الغرض من خلق العالم السافل والعال ، وذلك في كمال الظهور وأظهر من الشمس وأبين من الأمس ، بل كأنّه محسوس بالحواسّ الخمس ، مضافا إلى إجماع جميع أهل الملل على بعث الرسل وإنزال الكتب للإرشاد إلى السبل والتكاليف المعاشيّة والمعاديّة التي لا يمكن بيانها إلاّ من قبل اللّه بلسان رسول من اللّه ، كما لا يخفى » (1).

« والإيراد - بأنّ نصب الرئيس إنّما يحتاج إليه عند عدم الإحاطة وعدم التمكّن على حفظ الكلّ بنفسه ، وأمّا بالنسبة إلى العالم القدير المحيط المسلّط على الكلّ فلا - مدفوع بأنّ النقص من القابل ؛ لعدم قابليّة الكلّ للتلقّي من اللّه بلا واسطة كما هو المشاهد المحسوس المعلوم بالوجدان والعيان ، فلا بدّ من الرئيس المطاع الرافع للقتال والنزاع ؛ حذرا عمّا ينافي الغرض من الصنع والإبداع وهو الاستعداد لنعيم الآخرة المترتّب على المعرفة والطاعة الموقوفتين على نظم أمر المعيشة ، وقد اعترف بما ذكرنا النصرانيّ المشار إليه بالنسبة إلى أمثال موسى وعيسى ، والتوراة

ص: 122


1- « سيف الأمّة » : 45 - 46 ، طبعة حجريّة.

والإنجيل ، وإن أنكره الزنديق » (1).

ومنها : « أنّه إذا تعلّق مشيئة اللّه بإرسال رسول إلى قوم ، وأمرهم بإطاعته لا بدّ من إعطاء علامة دالّة على صدق ذلك الرسول ، فيهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيّ عن بيّنة ، ولئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة ، فلله الحجّة البالغة ، وتلك العلامة هي المعجزة المصدّقة ، كثعبان موسى ، وإحياء عيسى.

وقد صرّح بذلك في كتاب من كتب خمسة للتوراة حيث قال : سيأتي نبيّ من لم يؤمن به ، انتقم منه ، فقالوا هم : تعرف ذلك النبيّ صلی اللّه علیه و آله وأنّه حقّ؟ قال : إنّه يعد شيئا فانظروا إن وعد ، إن حصل آمنوا به ، وإلاّ فلا ، فجعل الإخبار بالغيب من المعجزة.

وتوهّم عدم الفرق بين المعجزة وبين نحو السحر والشعبذة - ممّا يثبت به نحو النبوّة - فاسد ؛ فإنّ المعجزة أثر عجيب واقعي خارق للعادة مقترن بادّعاء ، نحو النبوّة الممكنة على وجه المطابقة لما واقع عليه المطالبة ، فلا يمكن التعلّم بالكسب والرياضة ، بخلاف غيرها كالسحر والشعبذة فإنّه ممّا يمكن تعلّمه بالكسب والرياضة.

وقد يتحقّق في ضمن الخيالي غير الواقع ، مع أنّه لو اقترن بادّعاء نحو النبوّة الممكنة يجب على اللّه إبطاله لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة ، فلا يتحقّق الاقتران والمطابقة كما هو في صورة الإتيان بما هو غير محلّ المطالبة ، كشفاء الأعمى عند مطابقة إنطاق الجماد ونحوه ممّا هو خارق العادة ، فالفرق واضح عند عدم من له أدنى مسكة ، فتنحسم مادّة الشبهة بلا شبهة.

وكذا تمتاز المعجزة عن الأرض والكرامة ، ككسر بناء كسرى ، وغور ماء ساوه ، وخمود النار ، ونحوها من خوارق العادة.

ص: 123


1- المصدر السابق : 49 - 50.

وبعبارة أخرى المعجزة الخارقة للعادة المقترن بالتحدّي المطابق للدعوى ، ومطلوب الخصم غير المقصور على أمر أو أمور خاصّة ، ولا المترتّب على سبب ظاهر ، ويستحيل صدوره عن الكاذب ، بل يجب على اللّه إبطاله » (1).

ومنها : « أنّ الدليل على ثبوت الرسالة الخاصّة لصاحب الرئاسة الإلهيّة العامّة سيّد الأنبياء محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله أمور :

الأوّل : أنّ اللّه بعث رسولا واجب الإطاعة لعباده أم لا؟ لا سبيل إلى الثاني باتّفاق الفريقين - مع أنّه خلاف اللطف الواجب - فتعيّن الأوّل ، فنقول : إنّ ذلك الرسول إمّا ممّن اشتهر ادّعاؤهم كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلی اللّه علیه و آله أو غيرهم ممّن لا يعلم؟

لا سبيل إلى الثاني باتّفاق الفريقين - مع أنّه تكليف بما لا يعلم فتعيّن الأوّل ، فنقول : إنّ ذلك المبعوث الذي وجب إطاعته إمّا كلّهم ، أو بعضهم ، لا دليل إلى الثاني ، إن كان المراد هو البعض لا على التعيين بالاتّفاق ، مع أنّه مثبت للمدّعى.

وإن كان المراد هو البعض المعيّن فنقول : إنّ التعيّن بدون الدليل خلاف الاتّفاق فلا بدّ من الدليل ، فنقول : إن كان لكلّ دليل فإمّا أن يكون الحقّ مع البعض دون بعض ، أو يكون مع الكلّ ، والأوّل باطل بالبديهة ، فتعيّن الثاني. وحينئذ لا يخلو إمّا أن يكون الكلّ ممّن يجب طاعته على الكلّ على وجه التشريك ، أو على وجه الترتيب والتوزيع ، والأوّل باطل بالبديهة ؛ لاستحالة وجوب طاعته المتأخّر المتقدّم - مضافا إلى التناقض والنسخ - فتعيّن حقّيّة الكلّ على الترتيب والتوزيع بحسب الزمان. ومن المعلوم أنّ نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله ادّعى النبوّة الممكنة ، وأتى بالمعجزة المصدّقة أكثر من أن تحصى كما سطرت في الكتب والرسائل على وجه التظافر والتواتر اللذين لا بدّ فيهما من الالتفات والتخلية ، بل هي أظهر ممّا حكى اليهود من معجزات

ص: 124


1- المصدر السابق : 50 - 53.

موسى ، والنصارى من معجزات عيسى ، فيجب تصديقه وإطاعته كتصديقهما وإطاعتهما » (1).

« فإن قلت : إنّ إطاعة عيسى علیه السلام ممّا اتّفق عليه المسلمون والنصارى ، وإطاعة محمّد صلی اللّه علیه و آله ممّا اختلفوا فيه ولا يجوز اختيار المختلف فيه مع وجود المتّفق عليه.

قلت : إنّ النزاع في إطاعة أهل هذا الزمان ، ولم يقل أحد من المسلمين بوجوب إطاعة هذا الزمان لعيسى علیه السلام ، بل يقولون بحرمتها ، ونسخ دينه ، ووجوب طاعة صلی اللّه علیه و آله فهذا غلط ناشئ من عدم تحرير محلّ النزاع.

ومثله شبهة أنّ محمّدا صلی اللّه علیه و آله اعترف بنبوّة عيسى علیه السلام فإنّ محمّدا صلی اللّه علیه و آله صرّح بانتهاء زمان عيسى في أمثال هذا الزمان ، فإن أقرّ عيسى بأنّ محمّدا - الذي يأتي ويقول بذلك - حقّ ورسول ، فنحن نصدّقه بتصديق محمّد صلی اللّه علیه و آله وإلاّ فلا.

والحاصل : أنّ عيسى كان رسولا على أهل زمانه وأمثاله ، والنزاع في أهل زماننا ، فلا يجري فيه الاستصحاب أيضا ، مع أنّ حجيّته موقوفة على ثبوت نبوّة نبيّنا ؛ لانحصار دليل الحجيّة على الصحيح في النقل عن أمنائه » (2).

مضافا إلى أنّه مدرك غير علمي فلا يصحّ ابتناء المسألة العلميّة عليه.

وبالجملة : ادّعى محمّد صلی اللّه علیه و آله النبوّة الممكنة وأتى بالقرآن الذي هو معجزة ، فإنّه طلب المعارضة بقوله : ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) (3) و ( فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ ) (4) ونحو ذلك ، ولم يقدر أحد من الفصحاء البلغاء على الإتيان بمثله - مع كمال حرصهم على ردّه ونفيه ، بحيث إنّهم - بعد عجزهم عن المقابلة بالحروف - ارتكبوا المقاتلة بالسيوف ، ولا ريب أنّ كلّ أمر أتى به مدّعي النبوّة الممكنة ، وطلب

ص: 125


1- المصدر السابق : 56 - 58.
2- المصدر السابق : 58 - 62.
3- البقرة (2) : 23.
4- هود (11) : 13.

المعارضة بالإتيان بمثله ، ولم يقدر أحد عليه - مع كونهم في صدده - فهو معجزة وإن كان من الأمور السهلة ، مع أنّ القرآن كان بحيث لم يمكن ولا يمكن الإتيان بمثله في الفصاحة والبلاغة والحلاوة ، وعدم الانزجار مع كثرة التلاوة ، والاشتمال على الحقائق والدقائق والمطالب العالية والمضامين الكاملة ، بحيث يعجز عن إدراكها الفحول ، وفي الاشتمال على خواصّ السور والآيات ، وحصول الشفاء عن الأمراض بها ، وقصص الأنبياء وغيرهم من غير تعلّم ، والاشتمال على المغيّبات ونحوها.

مضافا إلى اتّصافه بالصفات الحسنة ، والأخلاق الجميلة ، والأعمال المستحسنة ، والأقوال المطبوعة وكون مدفنه ومدفن أوصيائه محلّ ظهور الكرامات واستجابة الدعوات ، كما هو المشاهد لمن حضر في المشاهد. (1)

الثاني : أنّ إرسال الرسل ليس إلاّ للإرشاد ورفع الضلالة عن العباد كما في الأزمنة السابقة ، ولا شكّ أنّ ظهور الطغيان والكفر والعصيان كان قبل بعثة خاتم الأنبياء أكثر من جميع الأزمنة ، فكان بعث الرسول في زمانه لازما ولم يكن غيره صلی اللّه علیه و آله داعيا إلى الحقّ مانعا عن الكفر مع ادّعاء النبوّة ، فهو النبيّ بالحقّ. (2)

الثالث : في أنّه أخبر جميع كتب الأنبياء السابقين بمجيء نبيّنا صلی اللّه علیه و آله مع ذكر أوصافه وعلائمه ، كما قال اللّه تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ) (3).

وقال : ( إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (4).

ص: 126


1- « سيف الأمة » : 74 - 79.
2- المصدر السابق : 82 - 84.
3- الأعراف (7) : 157.
4- الصفّ (61) : 6.

ولهذا قال : ( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ) (1).

وبالجملة : أخبر اللّه تعالى في آيات كثيرة من التوراة بما يدلّ على نبوّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله . (2)

منها : ما قال لإبراهيم الخليل بقوله : وليشمئل - إلى قوله - كادل ، كما يحكى في موضع آخر. وفيه ما فيه.

ومنها : غير ذلك من آيات التوراة الأصليّة والإلحاقيّة ، والآيات الزبوريّة ، والآيات الإنجيليّة ، بل من كتاب جاماسب الحكيم المعروف ب- « زند پازند » الذي يقال له : أسرار العجم ، وفيه استخراج أحوال الحوادث الآتية وإخفاء المجوس ، ولكن وجد بعضه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه ويحكى فيه عن زردشت ما يبيّن أحوال الأنبياء والملوك ، وعن أحوال خاتم الأنبياء ، وأنّه من العرب يظهر بين جبال مكّة ، وأنّه يركب كقومه على الناقة.

إلى غير ذلك من البراهين التي في تماميّة بعضها إشكال من ملاحظة ما ذكرنا ، ولكن بعضها جيّد وإن كان مع التكرار والإطناب. (3)

[ ما أفاده بعض المعاصرين في جواب النصراني ]

ومنهم : بعض الثقات من الفضلاء المعاصرين ، فإنّه أفاد في جواب النصراني المشار إليه : أنّ اللّه تعالى أشار إلى نبوّة نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله في مواضع من التوراة والإنجيل - مضافا إلى إخبار بعض أنبياء بني إسرائيل - وقال ما حاصله :

« أنّه تعالى قال في السفر الأوّل من التوراة في الجزاء المعروف ب- « لخلخا » بعد ما تمنّى الخليل بعد تولّد إسماعيل إكرامه تعالى عليه ، هذا الكلام : وليشماعئل شمعتيخا هينه برختي أوتو وهفريتي أوتو وهربيتي أوتو بمأدمأد شنيم عاشار

ص: 127


1- البقرة (2) : 146.
2- « سيف الأمّة » : 84 - 87.
3- المصدر السابق : 87 - 129.

نسيئيم يوليد ونتتيو لغوي كادول ».

بيان ذلك أنّ :

« يشماعئل » اسم إسماعيل.

و « شمعتيخا » بمعنى استمعتك وسمعتك.

و « هينه » للتنبيه.

و « برختي أوتو » بمعنى أباركه.

و « هفريتي أوتو » بمعنى أصيّره صاحب الثمر والولد وأنبت منه.

و « هربيتي أوتو » بمعنى أكثّره كثيرا.

والمراد « بمأدمأد » محمّد صلی اللّه علیه و آله كما عن كتاب دانيال ونحوه ممّا هو من الكتب المعتبرة عند اليهود ، مضافا إلى كونهما موافقين في العدد بحساب الجمل ، فإنّ كلاّ منهما بحسب العدد اثنان وتسعون كما لا يخفى.

« وشينم عاشار » بمعنى اثني عشر.

و « نسيئيم » بمعنى كبير معصوم لم يصدر منه خطأ ، صادق صالح كامل ما ينطق عن الهوى.

و « يوليد » بمعنى يلد.

و « نتتيو » بمعنى نعطيه.

و « لغوي » بمعنى الكبير ، أو الطائفة.

و « كادول » بمعنى كثير الكبر والعظم ، فالمعنى أنّ اللّه تعالى قال لإبراهيم [ لإسماعيل ] (1) اسمعتك أن أباركه وأنبت منه وأكثره كثيرا وأصيّره كثير الثمر. بمحمّد اثنا عشر من شرفاء الناس ، صدّيقون معصومون يتولّدون منه ونعطيهم جلاله ، أو طائفة عظيمة.

ص: 128


1- كذا في الأصل.

وقد حكى عن جميع من أسلم من اليهود أنّهم قالوا : إنّ الاثني عشر هم الأئمّة الاثنا عشر ، بل عن بعض تفاسير اليهود العنود ، وعن بعض نسخ التوراة غير الناقصة ذكر أئمّة [ الإمام ] (1).

وما حكي عن بعض أهل اللجاج منهم من حمله على الاثني عشر من أولاد إسماعيل ، ومنهم قيدار النبيّ المدفون في السلطانيّة ، فمردود بأنّ « مأدمأد » في التوراة اسم محمّد صلی اللّه علیه و آله فالاثني عشر الذين مع محمّد صلی اللّه علیه و آله هم الأئمّة الاثنا عشر ، مضافا إلى عدم تحقّق الاثني عشر العظام الكرام من أولاد إسماعيل إلاّ الأئمّة الاثني عشر.

وتوهّم عدم تحقّق ما وعد اللّه إبراهيم من إعطاء محمّد والاثني عشر وكونه بعد ذلك أعني صاحب الزمان - أو كونهم مبعوثين إلى غير بني إسرائيل ، أو كونهم من السلاطين لا النبيّين - مدفوع بأنّ صاحب الأمر عندهم من أولاد داود وهو من إسرائيل ، والكلام المذكور يدلّ على أنّه من بني إسماعيل وليس من بني إسماعيل إلاّ نبيّنا صلی اللّه علیه و آله وأئمّتنا علیهم السلام وبذلك يندفع توهّم كون النبيّ صلی اللّه علیه و آله الموعود هو عيسى ؛ لأنّه أيضا من بني إسرائيل لا من بني إسماعيل مع أنّهم ينكرونه.

مضافا إلى ما في السّفر الخامس : وقام نابئ عود بيسرائيل كموشه. بمعنى أنّه لا يقوم نبيّ آخر بعد ذلك من بني إسرائيل كموسى في الرتبة ، وأنّ نبيّنا بمقتضى الكلام سالم عن العصيان والنسيان وقد ادّعى أنّه رسول مبعوث إلى الكلّ بقوله : ( إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) (2) ، و ( ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ ) (3).

وأورد عليه بأنّ « مأدمأد » بمعنى غاية النهاية في العبري ، لا محمّد ، وأنّ إسماعيل علیه السلام له اثنا عشر ولدا بلا واسطة ، فليس المراد الأئمّة ، ولا أقلّ من

ص: 129


1- كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : « الأمّة ».
2- الأعراف (7) : 158.
3- سبأ (34) : 28.

الاحتمال المتّصل للاستدلال ، وأولاد إسماعيل بلا واسطة : نبايت ، وقيدار ، وادبئل ، ومئبسام ، ومشماع ، دوماه ، ومسّاه ، وحدار ، ونيما ، يطور ، ونافيش ، وقدماه. كذا في السفر الأوّل بعد لخلخا في الپاراش المعروف بحي سارا ، في الفصل الخامس والعشرين. (1)

قال : وقال تعالى في السفر الخامس : « نابيء آقيم لا هم ميقرب أحهم كاموخا وناتتي دباري بپيو ودبير إليهم إت كل اشر أصونو ».

وفسّر بأنّ اللّه تعالى قال : نبيّا أبعث إليهم من بين أولاد إخوتهم مثلك ونعطي كلامنا بلسانه ، وهو يتكلّم بما تأمره على طريق الوحي إليه كما إلى موسى ، ولكن من غير صاعقة موحشة هنا بل نوحي إليه ، بحيث أنا أدري وهو يدري من غير إدراك غيرنا مثل كلام أهل النجوى والمشورة ، كما هو حال الوحي من اللّه إلى خاتم الأنبياء.

وذلك أيضا في غاية الظهور ؛ إذ لم يكن أحد من أولاد إسماعيل الذي هو أخ إسرائيل مع كونه متّصفا بما ذكر إلاّ نبيّنا محمّد صلی اللّه علیه و آله كما لا يخفى ، فإنّ إسماعيل وإسحاق كانا أخوين متولّدين من خليل اللّه إبراهيم علیه السلام وكلّ من ولد من إسحاق الملقّب بإسرائيل سمّوا ببني إسرائيل وكلّ من تولّد من إسماعيل سمّوا ببني إسماعيل ، فالنبيّ المبعوث من بني إسماعيل - مثل موسى من بني إسرائيل - حقّ ، وهو نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله ، واحتمال كونه غيره ممّن بعث بعد ، مدفوع بأنّهم من بني إسرائيل لا من بني إسماعيل ، مع عدم كونهم مثل موسى في الرتبة والإتيان بشريعة على حدة وهو مقتضى ما ذكر ».

أقول : لا يخفى أنّ مقتضى ما ذكرنا عدم كفاية هذا القدر من كلمات التوراة في إثبات المراد.

ص: 130


1- « العهد العتيق » ، السفر الأول ، الباب 25 ، الآية 13 - 15.

وأفاد ذلك الفاضل أيضا أنّه قال : « وأيضا ورد في كتاب يشعياء النبيّ ، في الفصل الثاني والأربعين آيات دالّة على مرادنا حيث قال :

هن عبدي إتماخ بو بحيري راصتاه نفشي ناتتّي روحي عالاو مشپاط لكوييم يوصياه لا يصعق ولا يسا ولا يشميع بحوص قولوه قانه راصوص لا يشبور ويشتاه خهاه لا يخبناه لامت يوصيا مشپاط لايخهه ولأياروص عد يا سيم با آرص مشپاط ولتوراتو إييم يييلوكه أمر هاءل أدوناي بورا هشامييم ونوطيهم رقع ها آرص وصإصائيها نتن نشاماه لا عام عاليها ورووح لهلخيم باه.

فإنّ ما ذكر يدلّ على الإخبار بأنّه يجيء نبيّ محبوب من اللّه ، يعطيه الوحي والشريعة لأقوام ، وأنّه لا يفتر ، ولا يصرخ ، ولا يكسر القصب الصغير ، ولا يطفئ الفتيل من الكتّان ، ويجيء بالشريعة ، وينتظره أهل الجزائر.

ولا ريب أنّ الشخص الموصوف بهذه الصفات - المبعوث بعد من سبق إلى كافّة الناس سيّما أهل الجزائر - ليس إلاّ نبيّنا صلی اللّه علیه و آله .

وأيضا ورد في الفصل الثاني من كتاب حيقوق النبيّ :

ويعني أدوناي ويأمر كتب حازون وبائر أعل هلوهوت لمعن ياروص قورابو كي عد حازون لموعد ويا فيح لقص ولا يكزب إيم يتمهمه حكه لوكي بايابا لأ يأحر هينه عوفلاه لأياشراه نفشوبو وصدّيق بامونا تو يحيه.

وفي الفصل الثالث من الكتاب المسطور ورد هذا الكلام :

إلوه متيمان يابو وقادوش مهر پاران سلاه كيساه هشامييم هودو وتهيلاتو مالئاه ها آرص.

فإنّه يستفاد من ذلك أنّه يجيء نبيّ آخر لا يكذب ويتكلّم عن أحوال القيامة ولا تيأسوا عند بطء مجيئه ؛ لأنّه يجيء البتّة ولا يؤخّر عن وقته ، ومن لم يطعه ليس صالحا ، ومن آمن به يحيا حياة طيّبة. ويظهر ذلك النبيّ من جبل فاران وهو نبيّنا محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى غيره ، كعيسى أو صاحب الزمان علیه السلام الذي طال زمان

ص: 131

ظهوره ولكنّه خاتم أوصيائه ، وسيظهر ويخرّب الداليان ، وهي مدينة في الفرنج ».

[ ما أفاده بعض المعاصرين الأخر ]

ومنهم : بعض الثقات الأخر من المعاصرين فإنّه استدلّ بنحو ما ذكر وغيره ، وكان ممّا يستدلّ به في هذا المقام ما حكي من إخبار الصغير المعروف بهيلد ، يعني ذلك المولود ، ويطلق ذلك اللفظ إلى زمان البلوغ ، وبعد التميّز إلى ثمان عشرة سنة يطلق عليه نعو ، ويقال لإخباره بالفارسيّة : « وحي كودك » وبالعبري : « نبؤت هيلد ».

بيان ذلك : أنّه كان من بني إسرائيل رجل عالم صالح مستجاب الدعوة بالاسم الأعظم ، اسمه : « ربي پنجاس » وكان له زوجة صالحة اسمها : « راحل » وكانت عقيمة عاقرة ، وكانت تستغيث إلى اللّه لطلب الولد - مع التضرّع والبكاء - والتمست من زوجها الاستغاثة من اللّه لذلك ، وأحلفته بالاسم الأعظم ، فترحّم فاستغاث ، فاستجاب له ربّه دعاءه ، فتولّد منهما ولد ذكر كان مدّة حمله ستّة أشهر ، ووضع في اليوم الأوّل من الشهر السابع أوّل نهار يوم الخميس أوّل التشرين بعد أربعمائة وعشرين سنة بعد التخريب الثاني لبيت المقدس - قبل ولادة خاتم الأنبياء بثمانين الدنيا ، وكان اسمه : « نجمان » فقال أبوه : اسكت يا نجمان ، فسكت ولم يتكلّم إلى اثنتي عشرة سنة ، فتضرّعت أمّه ، فدعا أبوه فانطلق لسانه ، فقال له : كلّ ما تقول اذكره على وجه الإجمال بحيث لا يفهمه أحد إلى أن يقع ويتحقّق ، فتكلّم بكلمات عديدة بفصول خمسة :

منها : أتيا أومّثا مزعزع بيرياتا عبدا هدمدتا بيد بني أمتا.

ومنها : ليشبيرت آبابا دمستيما ميبا لا يهوي ليه أركاد يصمح ملكا.

ومنها : محمّد كأيّاه آعا بأيّا ديطمع هوياه وييهيه كليليا.

ومنها : نهراكد مطاولؤت قص مطا ميثعبد قطاطاه وهوه حسف طينا داملطا.

ومنها : سغر پوحا وتوشباحا وازيل كسحا نفق نفشيه پحا.

ص: 132

ومنها : عفا عزا ونافل عزيزا وباطلاه كوزا ودي شلطت شميا وكزا.

ومنها : صيهرا شاهاه وسيبا وها شاطا وشامعا وعرق بها.

ومنها : ما ذكر في الفصل الثاني وهو هذا :

شيتا شيقا ومشتيحا عقا ومعقا غيقا ودبيقاه مستنقا رعصا مترصا وناصا وحالصاه ديّسا قفيصا ميتعرفا على يدي ساده سافاه كصورفا بتروفاه نتپساه لحوپا صبوعاه نصپعاه نسرفا ونفرعا وميوداعا يديعاه بشوعاه نشتعشع.

أقول : بيان الألفاظ المسطورة بحسب الضبط اللفظي ، والمعنى الإفرادي حذرا عن حصول الالتباس يقع في فصول :

فصل [1] : فيما يتعلّق بما حكى عن الجزء الأوّل من السفر الأوّل من التوراة فأقول :

« وليشماعئل » - بالواو المضمومة ، واللام الساكنة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة ، فالشين المعجمة الساكنة ، فالميم المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، مع العين المهملة الساكنة ، ثمّ الهمزة المكسورة ، مع اللام الساكنة - بمعنى ولإسماعيل.

« شمعتيخا » - بالشين المعجمة المفتوحة ، فالميم المفتوحة ، مع العين المهملة الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة ، مع الياء التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الخاء المعجمة المفتوحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف - بمعنى سمعتك.

« هينه » - بالهاء المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي تتولّد منها الياء لفظا لا خطّا في التوراة ، ثمّ النون المكسورة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى هذا الزمان.

« برختي » - بالباء الموحّدة المكسورة والراء المهملة المفتوحة ، مع الخاء المعجمة الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى باركته وخلقته مع البركة.

« أوتو » - بالهمزة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة

ص: 133

المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى « إيّاه » الذي هو الضمير الغائب المنصوب المنفصل ، ويقع على مدلوله فعل الفاعل ، فمعنى الكلّ : باركته وخلقته مع البركة.

و « هفريتي » - بالهاء المكسورة بالكسرة التي يجوز إشباعها ، مع الفاء الساكنة ، ثمّ الراء المهملة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ثم التاء المثناة الفوقانيّة المكسورة مع الياء المثناة التحتانيّة الساكنة - بمعنى أبثّ وأكثر.

« أوتو » مرّ بيانه.

و « هربيتي » - بالهاء المكسورة بالكسرة التي يجوز إشباعها ، مع الراء المهملة الساكنة ، ثمّ الباء الموحّدة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى أكثّر.

« أوتو » مرّ.

« بمأد » - بالباء الموحّدة المكسورة بالكسرة التي يجوز إشباعها ، مع الميم الساكنة ، ثمّ الهمزة المضمومة ، مع الدال المهملة الساكنة - بمعنى الغاية.

« مأد » - بالميم المفتوحة ، فالهمزة المضمومة ، فالدال المهملة الساكنة - بمعنى النهاية.

وتوهّم كون « بمأدمأد » كلمة واحدة عبارة عن محمّد - كما هو مبنى المستدلّ - مردود ، وخلاف ظاهر كتابة التوراة التي شاهدتها.

« شنيم » - بالشين المعجمة المفتوحة ، فالنون المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الميم الساكنة - بمعنى اثني.

« عاشار » - بالعين المهملة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة المولّدة للألف لفظا لا خطّا في التوراة ، ثمّ الشين المهملة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة المولّدة للألف ، مع الراء المهملة الساكنة - بمعنى عشر.

« نسيئيم » - بالنون المفتوحة ، فالسين المهملة المكسورة ، مع الياء المثنّاة

ص: 134

التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الهمزة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي يتولّد منها الياء الثابتة لفظا لا خطّا في التوراة مع الميم الساكنة - بمعنى رؤساء الطائفة وأجلّتهم.

« يوليد » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ اللام المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة وكذا الدال المهملة الساكنة بمعنى يولّد.

« ونتتيو » - بالواو المضمومة ، مع النون الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتحة الطولانيّة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، والواو الساكنة - بمعنى وأعطيه.

« لغوي » - باللام المفتوحة كالممالة ، فالغين المعجمة المضمومة ، مع الواو والياء الساكنتين - بمعنى القوم.

« كادول » - بالكاف العبريّة والعجميّة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ الدال المهملة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، واللام الساكنة - بمعنى كبير بالكثرة والعدد ، والمعنى التركيبي مرّ بيانه وما فهّمه المستدلّ ، مع ما فيه.

فصل [2] : فيما يتعلّق بما حكي من كتاب يشعياء النبيّ ، فأقول :

« هن » - بالهاء المكسورة ، مع النون الساكنة - بمعنى هذا الزمان.

« عبدي » واضح.

« إتماخ » - بالهمزة المكسورة ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي يتولّد منها الألف ، مع الحاء المعجمة الساكنة - بمعنى أخذ إبطيه وأعينه.

« بو » - بالباء الموحّدة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى به.

« بحيري » - بالباء الموحّدة المفتوحة ، فالحاء المهملة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الراء المهملة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى منتجبي ومختاري.

ص: 135

« راصتاه » - بالراء المهملة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، مع الصاد المهملة الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى المرضيّ.

« نقشي » - بالنون المفتوحة ، مع الفاء الساكنة ، ثمّ الشين المعجمة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة - بمعنى نفسي.

« ناتتي » - بالنون المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي تتولّد منها الألف ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة على وجه الشدّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى أعطيت.

« روحي » - بالراء المهملة المضمومة ، مع الواو الساكنة ، ثمّ الحاء المهملة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى إلهامي لأجل (1) النبوّة.

« عالاو » - بالعين المهملة المفتوحة بالفتحة الإشباعيّة التي يتولّد منها الألف - ويقال لها القامص وهي المرادة من القامص عند البيان الآتي - ثمّ اللام المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الواو الساكنة - بمعنى عليه.

« مشپاط » - بالميم بالمكسورة مع الشين المعجمة الساكنة ثمّ الپاء مكان الباء الموحّدة في العبريّة والعجميّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الطاء المهملة الساكنة - بمعنى الأحكام.

« لكوييم » - باللام المفتوحة ، فالكاف العجميّة المضمومة ، مع الواو الساكنة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة بالكسرة الإشباعيّة التي يتولّد منها الياء الأخرى الساكنة - وهي المرادة بالحيرق عند البيان الآتي - مع الميم الساكنة - بمعنى لأقوام وطوائف.

« يوصيا » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ

ص: 136


1- في « د » : « لأهل » بدل « لأجل ».

الصاد المهملة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، والهمزة الساكنة - بمعنى يخرج ويظهر ، من الإخراج والإظهار والبيان ، بمعنى أنّ ذلك النبيّ المبعوث - المعان له الأحكام الشرعيّة المستقلّة - [ للطوائف الكثيرة ممّن عدا بني إسرائيل ، وأيضا من غير أن ] (1) يكون مروّجا لدين موسى فقطّ كما يقال في حقّ عيسى ، وذلك ليس في بني إسرائيل باعتقاد هم فيكون في غيرهم ، وليس إلاّ محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله كما مرّ.

« لا يصعق » - بضمّ اللام ، مع الألف الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى لا النافية - ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة ، مع الصاد المهملة الساكنة ، ثمّ العين المهملة المفتوحة ، مع القاف الساكنة - بمعنى لا يصيح.

« ولا يسا » - بالياء المثنّاة التحتانيّة الحيرقيّة ، ثمّ السين المهملة المفتوحة القامصة ، مع الألف - بمعنى لا يستعلي ولا يظهر العلوّ مع العلوّ.

« ولا يشميع » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة ، مع الشين المعجمة الساكنة ، ثمّ الميم المكسورة الحيرقيّة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة ، مع العين المهملة الساكنة - بمعنى لا يسمع ، من الإسماع.

« بحوص » - بالباء الموحّدة المفتوحة ، فالحاء المهملة المضمومة ، مع الواو والصاد المهملة الساكنتين - بمعنى في الخارج ، أي لا يتكلّم على وجه يسمع في الخارج.

« قولو » - بالقاف المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ اللام المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى صوته ، ولعلّ المراد أنّه مع السكينة والوقار والحياء والأدب بحيث يتكلّم على وجه التوسّط ويسلك مع الناس مع التواضع من غير إظهار الجلال والعلوّ ، ومن دون الدناءة والعمل بما ينافي السكينة ، فإنّ خير الأمور أوسطها فإنّه عدل.

ص: 137


1- في « د » : « للطوائف الكثيرة من بني إسرائيل أيضا من غير أن ... ».

« قانه » - بالقاف المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ النون المكسورة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى القصب.

« راصوص » - بالراء المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الصاد المهملة المضمومة ، مع الواو والصاد المهملة الساكنتين - بمعنى الصغير ، أو المكسور.

« لا يشبور » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة - على سبيل جواز الحيرق - مع الشين المعجمة الساكنة ، ثمّ الباء الموحّدة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، والراء المهملة الساكنة - بمعنى لا يكسره.

« ويشتاه » - بالواو المضمومة ، فالياء المعجمة العجميّة المكسورة الحرقيّة ، مع الشين المعجمة الساكنة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة القامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى الكتّان.

« خها » - بالخاء المعجمة المكسورة ، فالهاء المفتوحة القامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى الحطب المحترق بالنار المنطفئ التهابها ، فصارت ضعيفة كالمنطفئة.

« لا يخبناه » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة ، فالخاء المعجمة المفتوحة ، فالباء الموحّدة المكسورة بالكسرة المستطيلة ، فالنون القامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى لا يطفأ ما ذكر.

« لامت » - باللام المكسورة بالكسرة المستطيلة ، فالهمزة كذلك ، فالميم كذلك ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة - بمعنى بالصدق والصواب.

« يوصيا مشپاط » - مرّ بيانهما.

« لايخحه » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة ، مع الخاء المعجمة الساكنة ، ثمّ الخاء المكسورة ، مع الحاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى لا يعجز في الجهاد والحروب والقتال.

« ولأياروص » - بالياء المثنّاة التحتانيّة القامصة ، ثمّ الراء المهملة المضمومة ، مع

ص: 138

الواو الساكنة والصاد المهملة الساكنة - بمعنى لا يعدو أو لا يفرّ من الحرب.

« عد » - بالعين المهملة المفتوحة ، مع الدال المهملة الساكنة - بمعنى إلى أن ، أو لكي.

« ياسيم » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المقامصة ، ثمّ السين المهملة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، والميم الساكنة - بمعنى يضع.

« بارص » - بالباء الموحّدة القامصة ، ثمّ الهمزة القامصة ، ثمّ الراء المهملة المكسورة ، مع الصاد المهملة الساكنة - بمعنى في الأرض.

« مشپاط » - مرّ بيانه.

« ولتوراتو » - بالواو المضمومة ، مع اللام الساكنة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الراء المهملة المفتوحة القامصة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى كتابه المشتمل على أحكام شريعته.

« اييم » - بالهمزة المكسورة الحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة الحيرقيّة ، مع الميم الساكنة - بمعنى الجزائر.

« يييلو » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة كالممالة - ويقال لتلك الفتحة شوى - فالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة الظاهرة التي يقال لها فتح ، فالياء المهملة المكسورة ، فاللام المضمومة ، مع الواو الساكنة - بمعنى يرجو منه.

« كه » - بالكاف المضمومة ، مع الهاء الساكنة - بمعنى هكذا.

« أمر » - بالهمزة المفتوحة القامصة ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتح ، مع الراء المهملة الساكنة - بمعنى أمر.

« هاءل » - بالهاء المفتوحة القامصة ، ثمّ الهمزة المكسورة ، مع اللام الساكنة - بمعنى ذلك الخالق.

« أدوناي » مرّ.

ص: 139

« بورا » - بالباء الموحّدة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الراء المهملة المكسورة ، مع الهمزة الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى الصانع الباري.

« هشامييم » - بالهاء المفتوحة ، والشين المعجمة المفتوحة القامصة ، ثمّ الميم المفتوحة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة الحيرقيّة ، مع الميم الساكنة - بمعنى ملك السماوات.

« ونوطيهم » - بالواو العاطفة المفتوحة ، فالنون المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الطاء المهملة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا - في العبري - لا لفظا ، ثمّ الهاء المكسورة ، مع الميم الساكنة - بمعنى من عليهم.

« رقع » - بالراء المهملة المضمومة ، ثمّ القاف المفتوحة بالفتحة ، مع العين المهملة الساكنة - بمعنى المطبق.

« ها آرص » - بالهاء المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الهمزة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الراء المهملة المكسورة ، مع الصاد المهملة الساكنة - بمعنى تلك الأرض.

« وصإصائيها » - بالواو المفتوحة بالفتحة الفوقانيّة ، فالصاد المهملة المكسورة ، فالهمزة المكسورة ، فالصاد المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الهمزة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الهاء المفتوحة بالفتحة القامصة - بمعنى نتائجها.

« نتن » - بالنون المضمومة ، بالتاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة ، مع النون الساكنة - بمعنى المعطي.

« نشاماه » - بالنون المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالشين المعجمة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى النفس.

« لاعام » - باللام المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ العين المهملة المفتوحة بالفتحة

ص: 140

القامصة ، مع الميم الساكنة - بمعنى القوم.

« عاليها » - بالعين المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ اللام المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الهاء المفتوحة بالفتحة القامصة - بمعنى عليها.

« ورووح » - بالواو العاطفة المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالراء المهملة المضمومة ، مع الواو الساكنة ، ثمّ الواو المفتوحة بالفتحة ، مع الحاء المهملة الساكنة - بمعنى الروح.

« لهلخيم » - باللام المفتوحة بالفتحة ، فالهاء المضمومة ، مع اللام الساكنة ، فالخاء المعجمة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة ، والميم الساكنة - بمعنى للماشين.

« باه » - بالباء الموحّدة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الهاء الساكنة - بمعنى فيه.

فصل [3] : فيما يتعلّق بالألفاظ المذكورة في كتاب حيقوق النبيّ ، فأقول :

قوله : « ويعني » - بالواو العاطفة المفتوحة بالفتحة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة ، والعين المهملة المفتوحة بالفتحة ، فالنون المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الياء الساكنة - بمعنى أجابني.

« أدوناي » مرّ بيانه.

« ويأمر » أيضا مرّ بيانه.

« كتب » - بالكاف المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة المضمومة ، مع الباء الموحّدة الساكنة - بمعنى أكتب.

« حازون » - بالحاء المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الزاي المعجمة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، والنون الساكنة - بمعنى النبوّة.

« وبائر » - بالواو العاطفة المضمومة بالضمّة الإشباعيّة ، ثمّ الباء الموحّدة

ص: 141

المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الهمزة المكسورة ، مع الراء المهملة الساكنة - بمعنى أوضح.

« أعل » مرّ بيانه.

بمعنى : على.

« هلوهذوت » - بالهاء المفتوحة بالفتحة ، فاللام المضمومة بالضمّة الإشباعيّة ، ثمّ الهاء المهملة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، والتاء المثنّاة الفوقانيّة - بمعنى تلك الأرواح.

« لمعن » - باللام المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالميم المفتوحة بالفتح ، فالعين المهملة المفتوحة كذلك ، مع النون الساكنة - بمعنى لأجل.

« ياروص » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الراء المهملة المضمومة بالضمّة الإشباعيّة ، مع الواو والصاد المهملة الساكنتين - بمعنى يسرع.

« قورا » - بالقاف المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الراء المهملة المكسورة ، مع الهمزة الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى القارئ.

« بو » - بالباء الموحّدة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى فيه.

« كى » - بالكاف المكسورة الحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى « لمّا » الرابطة.

« عد » - بالعين المهملة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، والدال المهملة الساكنة - بمعنى بعد ذلك ، كما مرّ.

« حازون » مرّ بيانه.

« لموعد » - باللام المفتوحة بالفتحة ، فالميم المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ثمّ العين المهملة المكسورة مع الدال المهملة الساكنة - بمعنى لوعد.

« ويافيح » - بالواو العاطفة المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الفاء المكسورة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة

ص: 142

بالفتحة الثابتة لفظا لا خطّا في العبري ، مع الحاء المهملة الساكنة - بمعنى يتكلّم.

« لقص » - باللام المفتوحة بالفتح ، فالقاف المكسورة ، مع الصاد المهملة الساكنة - بمعنى للأخرى ، أي لليوم الآخر وهو يوم القيامة.

« ولا » مرّ بيانه.

« يكزب » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالكاف المفتوحة بالفتح ، فالزاي المعجمة المكسورة ، مع الباء الموحّدة الساكنة - بمعنى يكذب.

« إيم » - بالهمزة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الميم الساكنة - بمعنى إن.

« يتمهمه » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، والتاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتح ، مع الهاء الساكنة ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتح ، مع الهاء الساكنة ثمّ الميم مع الهاء كذلك - بمعنى يتسامح.

« حكه » - بالحاء المهملة المفتوحة بالفتح ، فالكاف المكسورة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى أرجو ، أي كن راجيا.

« لو » - باللام المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى له.

« كى » كما مرّ بيانه.

« باء » - بالباء الموحّدة المضمومة ، مع الألف الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى المجيء.

« يابا » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الباء الموحّدة المضمومة ، مع الألف الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى يجيء.

« لأ » مرّ بيانه.

« ياحر » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالهمزة المفتوحة بالفتح ، فالحاء المهملة المكسورة ، مع الراء المهملة الساكنة - بمعنى يؤخّر.

« هينه » - بالهاء المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، ثمّ النون المكسورة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى ما يدلّ على الإشارة على وجه التصغير ، ويعبّر عنه بالفارسيّة بقولهم : ابنك.

ص: 143

« عوفلاه » - بالعين المهملة المضمومة بالضمّة الإشباعيّة ، مع الفاء الساكنة ، ثمّ اللام المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - الطاغي.

« لأ » مرّ بيانه.

« ياشراه » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الشين المعجمة الساكنة ، ثمّ الراء المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى يميل.

« نفشو » - بالنون المفتوحة بالفتح ، مع الفاء الساكنة ، فالشين المعجمة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى نفسه.

« بو » - بالباء الموحّدة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى به وفيه.

« وصدّيق » - بالواو العاطفة المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالصاد المهملة المفتوحة بالفتح ، فالدال المهملة المشدّدة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، مع القاف الساكنة - بمعنى صديق.

« باموناتو » - بالباء الموحّدة المكسورة ، فالهمزة كذلك ، فالميم المضمومة بالضمّة الإشباعيّة ، مع الواو الساكنة ، ثمّ النون المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى سابق في إيمانه بذلك النبيّ.

« يحيه » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الحاء المهملة الساكنة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى يحيا.

« الوه » - بالهمزة المكسورة ، فاللام المضمومة ، فالواو المفتوحة بالفتح ، مع الهاء الساكنة - بمعنى الإله الخالق.

« متيمان » - بالميم المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتحة

ص: 144

القامصة ، مع النون الساكنة - بمعنى من الجنوب.

« يابو » مرّ بيانه.

« وقادوش » - بالواو العاطفة المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالقاف المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الدال المهملة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، والشين المعجمة الساكنة - بمعنى المقدّس.

« مهر » - بالميم المكسورة ، فالهاء المفتوحة بالفتح ، مع الراء المهملة الساكنة - بمعنى من جبل.

« پاران » - بالپاء المثلّثة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف الثابتة ، خطّا لا لفظا ، ثمّ الراء المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع النون الساكنة - وهو اسم جبل فاران.

« سلاه » - بالسين المهملة المكسورة ، فاللام المفتوحة بالفتحة القامصة ، والهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى دائما.

« كيساه » - بالكاف المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، ثمّ السين المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، والهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى كسا.

« هشامييم » مرّ بيانه.

« هود » - بالهاء المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ثمّ الدال المهملة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى جلاله.

« وتهيلاتو » - بالواو العاطفة المضمومة الإشباعيّة ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة ، ثمّ الهاء المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، ثمّ اللام المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى تهليله وتمجيده.

« مالئاه » - بالميم المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع اللام الساكنة ، ثمّ الهمزة المفتوحة بالفتحة القامصة ، والهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى يملأ.

« ها ارص » مرّ بيانه.

ص: 145

فصل [4] : فيما يتعلّق بالألفاظ المذكورة في أخبار « هيلد » التي يقال لها : نبؤت هيلد ، المعروفة ب- « وحي كودك » فأقول :

قوله : « اتيا » - بالهمزة المفتوحة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى « اتى » المستعمل في معنى « يأتي ».

« أومّتا » - بالهمزة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الميم المشدّدة المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالثاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى أمّة.

« وامتاء » الثانية تأكيد للأوّل.

« مزعزع » - بالميم المفتوحة الشوائيّة ، والزاي المعجمة المفتوحة بالفتح ، مع العين المهملة الساكنة ، ثمّ الزاي المعجمة المفتوحة ، مع العين المهملة الساكنة - بمعنى ترعش.

« بيرياتا » - بالباء الموحّدة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الراء المهملة الساكنة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة كأنّها مع الشدّة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى البريّة.

« عبدا » - بالعين المهملة المفتوحة بالفتح ، مع الباء الموحّدة الساكنة ، ثمّ الدال المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى بدا وظهر.

« هدمدتا » - بالهاء المفتوحة بالفتح ، مع الدال المهملة الساكنة ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتح ، مع الدال المهملة الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى الإطفاء.

« بيد » - بالباء الموحّدة المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالفتح ، مع الدال المهملة الساكنة - بمعنى بيد.

ص: 146

« بني » - بالباء الموحّدة المفتوحة الشوائيّة ، فالنون المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى ابن ، أو بني.

« أمتا » - بالهمزة المفتوحة بالفتح ، مع الميم الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى الأمّة.

« لشبيرت » - باللام المكسورة بالحيرقيّة ، مع الشين المعجمة الساكنة ، ثمّ الباء الموحّدة المكسورة بالحرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الراء المهملة المفتوحة بالفتح ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة - بمعنى للمكسورة.

« آبابا » - بالهمزة المفتوحة بالفتح ، فالباء الموحّدة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الباء الموحّدة كذلك ، مع الألف - بمعنى الباب.

« دمستيما » - بالدال المهملة المفتوحة بالشوائيّة ، فالميم المكسورة الحيرقيّة ، مع السين المهملة الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة المفتوحة بالفتح ، فالميم المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى المغلّقة.

« ميبا » - بالميم المكسورة الحيرقيّة ، فالباء الموحّدة المفتوحة القامصة ، مع الألف - بمعنى من التردّد في المجيء.

« لا » - باللام المفتوحة ، مع الألف - بمعنى « لا » النافية.

« يهوي » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة ، مع الهاء الساكنة ، ثمّ الواو المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى يكون.

« ليه » - باللام المكسورة ، والياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا ، مع الهاء الساكنة - بمعنى له.

« اركا » - بالهمزة المفتوحة بالقامصة ، مع الراء المهملة الساكنة ، ثمّ الكاف المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى العلاج.

« ديصمح » - بالدال المهملة المفتوحة بالفتح ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة بالحيرقيّة ، مع الصاد المهملة الساكنة ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتح ، مع الحاء المهملة

ص: 147

الساكنة - بمعنى لينبت ويأتي.

« ملكا » - بالميم المفتوحة بالفتح ، مع اللام الساكنة ، ثمّ الكاف المفتوحة بالقامصة ، مع الألف الساكنة - بمعنى ملك.

« محمّد » اسم نبيّنا.

« كأيّاه » - بالكاف الكيمال المفتوحة بالفتح ، مع الهمزة الساكنة ، ثمّ الياء المشدّدة المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى صاحب المرتبة.

« آعا » بالهمزة المفتوحة بالقامصة فالعين المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى الشجر.

« بأيّا » - بالباء الموحّدة المفتوحة بالفتح ، مع الهمزة الساكنة ، ثمّ الياء المثنّاة المشدّدة المفتوحة بالقامصة مع الألف - بمعنى لائق.

« ديطمع » - بالدال المهملة المفتوحة بالفتح الشوائيّة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الطاء المهملة الساكنة ، ثمّ الميم المفتوحة بالفتح ، مع العين المهملة الساكنة - بمعنى يضمحلّ ويزول.

« هوياه » - بالهاء المفتوحة بالفتح ، مع الواو الساكنة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى كائن وثابت.

« ويهيه » - بالواو العاطفة المفتوحة بالشوائيّة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الهاء الساكنة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المكسورة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى ويصير.

« كليليّا » - بالكاف المفتوحة بالفتح ، فاللام المكسورة بالحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ اللام المفتوحة بالشوائيّة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى صاحب التاج والمجموعة.

« نهرا » - بالنون المفتوحة بالفتح ، مع الهاء الساكنة ، ثمّ الراء المهملة المفتوحة

ص: 148

بالقامصة ، مع الألف - بمعنى يضيء.

« كد » - بالكاف المفتوحة بالفتح ، مع الدال المهملة الساكنة - بمعنى حين أو « لمّا » الرابطة.

« مطا » - بالميم المفتوحة بالفتح ، فالطاء المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى يصل.

« ولؤت » - بالواو العاطفة المضمومة الإشباعيّة ، مع اللام الساكنة ، ثمّ الهمزة المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة - بمعنى ولعلامة.

« قص » مرّ بيانه.

« ومطا » أيضا مرّ بيانه بمعنى يوصل.

« ميثعبد » - بالميم المكسورة الحيرقيّة ، مع الثاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة ، ثمّ العين المهملة المفتوحة بالفتح ، فالباء الموحّدة المكسورة ، مع الدال المهملة الساكنة - بمعنى فاعل يفعل.

« قطاطاه » - بالقاف المفتوحة بالشوائيّة ، والطاء المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، ثمّ الطاء كذلك ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى الحرب والجهاد.

« وهوه » بالواو العاطفة المفتوحة بالشوائيّة ، فالهاء المفتوحة بالفتح ، فالواو المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى ويكون.

« حسف » - بالحاء المهملة المفتوحة بالفتح ، فالسين المهملة كذلك ، مع الفاء الساكنة - بمعنى خزف.

« طينا » - بالطاء المهملة المكسورة بالحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ النون المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى طين.

« دا » - بالدال المهملة المفتوحة ، مع الألف الساكنة ، بمعنى هذا على وجه التصغير.

« ملطا » - بالميم المفتوحة بالفتح ، مع اللام الساكنة ، ثمّ الطاء المهملة المفتوحة

ص: 149

بالقامصة ، مع الألف - بمعنى مطلق.

« سغر » - بالسين المهملة ، فالغين المعجمة المفتوحتين بالفتح ، مع الراء المهملة الساكنة - بمعنى يشدّ وينظم.

« پوحا » - بالپاء المثلّثة التحتانيّة المضمومة ، مع الواو الساكنة ، ثمّ الحاء المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى السدّ المستحكم.

« وتوشباحا » - بالواو المعيّة المفتوحة بالشوائيّة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة المضمومة ، مع الواو الساكنة والشين المعجمة كذلك ، ثمّ الباء الموحّدة المفتوحة بالقامصة ، فالحاء المهملة المفتوحة كذلك ، مع الألف الساكنة - بمعنى المدح والتحسين.

« وازيل » - بالواو العاطفة المفتوحة الشوائيّة ، فالهمزة المفتوحة بالفتح ، فالزاي المعجمة المكسورة بالحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة ، واللام الساكنتين - بمعنى يذهب ويروح.

« كسحا » - بالكاف المفتوحة بالفتح ، مع السين المهملة الساكنة ، ثمّ الحاء المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى القاطع الصارم.

« نفق » - بالنون المفتوحة بالفتح ، فالفاء كذلك ، مع القاف الساكنة - بمعنى ينزع ويخرج.

« نفشيه » - بالنون المفتوحة بالفتح ، مع الفاء الساكنة ، ثمّ الشين المعجمة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا ، مع الهاء الساكنة - بمعنى النفس والروح.

« پحا » - بالپاء المثلّثة التحتانيّة المفتوحة بالفتح ، فالحاء المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى الأمير الجليل.

« عفا » - بالعين المهملة المفتوحة بالفتح ، فالفاء المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى يستر ويزيل.

ص: 150

« عزا » - بالعين المهملة المفتوحة بالفتح ، فالزاي المعجمة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى القويّ.

« ونافل » - بالواو العاطفة المفتوحة بالشوائيّة ، فالنون المفتوحة بالقامصة ، ثمّ الفاء المفتوحة بالفتح ، مع اللام الساكنة - بمعنى يسقط من المرتبة.

« عزيزا » - بالعين المهملة المفتوحة بالفتح ، فالزاي المعجمة المكسورة بالحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الزاي المعجمة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى صاحب العزّة والجلال.

« وباطلاه » - بالواو العاطفة المضمومة الإشباعيّة ، مع الباء الموحّدة المفتوحة القامصة ، مع الطاء المهملة الساكنة ، ثمّ اللام المفتوحة القامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى ويبطل.

« كوزا » - بالكاف الكيمال المضمومة ، مع الواو الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ الزاي المعجمة المفتوحة القامصة ، مع الألف - بمعنى الضمّ.

« ودي » - بالواو العاطفة المفتوحة بالشوائيّة ، والدال المهملة المكسورة الحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة - بمعنى كلّما ذا.

« شلطت » - بالشين المعجمة المفتوحة بالفتح ، مع اللام الساكنة ، ثمّ الطاء المهملة المفتوحة بالفتح ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة - بمعنى يتسلّط.

« شميا » - بالشين المعجمة المفتوحة بالفتح الشوائيّة ، فالميم المفتوحة بالفتح ، فالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى السماوات.

« وكزا » - بالواو العاطفة المفتوحة الشوائيّة ، فالكاف الكيمال المفتوحة بالفتح ، فالزاي المعجمة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى مرّ ، مضى.

« صيهرا » - بالصاد المهملة المكسورة بالحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الهاء المفتوحة بالفتح ، فالراء المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى القمر.

ص: 151

« شاهاه » - بالشين المعجمة المفتوحة بالقامصة ، والهاء كذلك ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى مكث.

« وسيبا » - بالواو العاطفة المفتوحة الشوائيّة ، فالسين المهملة المكسورة الحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الباء الموحّدة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى وانشقّ وصار نصفين.

« وها » - بالواو العاطفة المفتوحة بالفتحة الشوائيّة ، فالهاء المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى وهذا على وجه التصغير.

« شاطا » - بالشين المعجمة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف الساكنة ، ثمّ الطاء المهملة المفتوحة بالفتحة القامصة ، مع الألف - بمعنى تهيّأ وانتظر.

« وشامعا » - بالواو العاطفة المفتوحة الشوائيّة ، فالشين المعجمة المفتوحة بالقامصة ، مع الميم الساكنة ، ثمّ العين المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى وسمعت.

« وعرق » - بالواو العاطفة المفتوحة بالشوائيّة ، فالعين المهملة المفتوحة بالفتح ، فالراء المهملة كذلك ، مع القاف الساكنة - بمعنى أسرع في الحركة كالعدو والفرار.

« بها » - بالباء الموحّدة المفتوحة بالشوائيّة ، فالهاء المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى بتلك الحالة.

« شيتا » - بالشين المعجمة المكسورة بالحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى الستّ نفر وأشخاص.

« شيقا » - بالشين المعجمة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ القاف المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى ذوي الآمال.

« ومشتيخا » - بالواو العاطفة المضمومة بالضمّة الإشباعيّة ، فالميم المفتوحة بالفتح ، فالشين المعجمة الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المكسورة بالحيرقيّة ، مع

ص: 152

الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الحاء المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى الواقع في الشبكة للصيد.

« عقا » - بالعين المهملة المفتوحة بالفتح ، فالقاف المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى الضيق.

« ومعقا » - بالواو العاطفة المضمومة الإشباعيّة ، فالميم الساكنة ، ثمّ العين المهملة المفتوحة بالفتح ، فالقاف المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى تضيّق ، وتحمل الضيق والمشقّة.

« غيقا » - بالغين المهملة المكسورة ، فالياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا ، ثمّ القاف المفتوحة القامصة ، مع الألف - بمعنى تضيّقا.

« ودبيقاه » - بالواو العاطفة المضمومة بالإشباعيّة ، مع الدال المهملة الساكنة ، ثمّ الباء الموحّدة المكسورة بالكسرة الحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ القاف المفتوحة بالقامصة ، والهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى اللصيق ، أو اللصق أي من لصق لسانه بحكّه من العطش ، أو من لحق بهؤلاء الستّة من سائر الشهداء ممّن عدا أولاد فاطمة علیهاالسلام .

« مستنقا » - بالميم المكسورة بالحيرقيّة ، مع السين المهملة الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتح ، فالنون المفتوحة بالشوائيّة ، فالقاف المفتوحة القامصة ، مع الألف - بمعنى يكلّون من شدّة العطش ، أو كثرة الجدال.

« رعصا » - بالراء المهملة المفتوحة بالفتح ، مع العين المهملة الساكنة ، ثمّ الصاد المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى يتجزّء.

« مترصا » - بالميم المكسورة بالحيرقيّة ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة ، ثمّ الراء المهملة المفتوحة بالفتح ، فالصاد المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى ينكسر.

« وناصا » - بالواو العاطفة المفتوحة بالشوائيّة ، فالنون المفتوحة بالقامصة ، مع

ص: 153

الألف ، ثمّ الصاد المهملة المفتوحة بالقامصة مع الألف - بمعنى ويسرع.

« وحالصاه » - بالواو العاطفة المفتوحة بالشوائيّة ، فالحاء المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع اللام الساكنة ، ثمّ الصاد المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى يفرك بالشدّة وللاضمحلال.

« ديّسا » - بالدال المهملة المفتوحة بالفتح ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة المشدّدة الساكنة ، ثمّ السين المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى الهريسة على وجه التشبيه.

« قفيصا » - بالقاف المفتوحة بالفتح ، فالفاء المكسورة بالحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ الصاد المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى القاطع المعوجّ.

« ميتعرفا » - بالميم المكسورة بالحيرقيّة ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة ، ثمّ العين المهملة المفتوحة بالفتح ، مع الراء المهملة الساكنة ، ثمّ الفاء المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى يقطع من القفا.

« على » بمعنى « على » مرّ بيانه.

« يدي » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالشوائيّة ، فالدال المهملة المكسورة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى السمت والجانب.

« ساده » - بالسين المهملة المفتوحة بالقامصة ، فالدال المهملة المكسورة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى الصحراء.

« سافاه » بالسين المهملة المفتوحة بالقامصة ، فالفاء المفتوحة كذلك ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى الشقّة. والمراد شطّ النهر.

« كصورفا » - بالكاف المفتوحة بالشوائيّة ، فالصاد المهملة المضمومة ، مع الواو والراء المهملة الساكنتين ، ثمّ الفاء المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى كدقّ.

« بتروفاه » - بالباء الموحّدة المكسورة الحيرقيّة ، فالتاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة ،

ص: 154

ثمّ الراء المهملة المضمومة ، مع الواو الساكنة ، ثمّ الفاء المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى الأدوية وما يدقّ.

« نتپساه » - بالنون المكسورة بالحيرقيّة ، مع التاء المثنّاة الفوقانيّة الساكنة ، ثمّ الپاء المثلّثة التحتانيّة المفتوحة بالفتح ، فالسين المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى المأخوذ باللامسة.

« لحوپا » - باللام المفتوحة بالشوائيّة ، فالحاء المهملة المضمومة الإشباعيّة ، مع الواو الساكنة ، ثمّ الپاء المثلّثة التحتانيّة المفتوحة بالشوائيّة ، بمعنى حجلة الصهر ومنزل العروس حين الزفاف.

« صبوعاه » - بالصاد المهملة المفتوحة بالشوائيّة ، فالباء الموحّدة المضمومة بالإشباعيّة ، فالواو الساكنة ، ثمّ العين المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى المصبوغة ، والمراد الخيمة المصبوغة.

« نصپعاه » - بالنون المكسورة بالحيرقيّة ، فالصاد المهملة الساكنة ، ثمّ الپاء المثلّثة التحتانيّة المفتوحة بالفتح ، فالعين المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى الأولاد ولو كان الولد نسلا.

« نسرفا » - بالنون المكسورة بالحيرقيّة ، مع السين المهملة الساكنة ، ثمّ الراء المهملة المفتوحة بالفتح ، ثمّ الفاء المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى يحرق.

« ونفرعا » بالواو العاطفة المفتوحة بالشوائيّة ، فالنون المكسورة بالحيرقيّة ، مع الفاء الساكنة ، ثمّ الراء المهملة المفتوحة بالفتح ، فالعين المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الألف - بمعنى يرى بالحجر.

« وميوداعا » - بالواو العاطفة المضمومة بالإشباعيّة ، مع الميم الساكنة ، ثمّ الياء المثنّاة التحتانيّة المضمومة الإشباعيّة ، مع الواو الساكنة ، ثمّ الدال المهملة المفتوحة بالقامصة ، فالعين المهملة كذلك ، مع الألف - بمعنى والمعلومات.

« يديعاه » - بالياء المثنّاة التحتانيّة المفتوحة بالشوائيّة ، فالدال المهملة المكسورة

ص: 155

بالحيرقيّة ، مع الياء المثنّاة التحتانيّة الساكنة ، ثمّ العين المهملة المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى يظهر ويتّضح.

« بشوعاه » - بالباء الموحّدة المفتوحة بالشوائيّة ، فالشين المعجمة المضمومة بالإشباعيّة ، مع الواو الساكنة ، ثمّ العين المفتوحة بالقامصة ، مع الهاء الثابتة خطّا لا لفظا - بمعنى في الحكايات.

« نشتعشع » بالنون المكسورة بالحيرقيّة ، مع الشين المعجمة الساكنة ، ثمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة المفتوحة بالفتح ، مع العين المهملة الساكنة ، ثمّ الشين المعجمة المفتوحة بالفتح ، مع العين المهملة الساكنة - بمعنى يحكي ويروي ، ويحدّث وينقل في المجالس والمحافل.

والمعنى التركيبي المستفاد ممّا تقدّم من كلام « هيلد » - على وفق ما يحكي من بعض أنبياء بني إسرائيل ، كدانيال ونحوه - أنّه يأتي من ترتعش به الخلائق ، وتنطفئ به نار فارس لباب مكسور مسدود - لعلّه باب الكعبة - وهو محمّد الجليل الناسخ لما كان من الملل الباقي دينه إلى يوم القيامة ، وهو المجاهد في سبيل اللّه المبعوث من طائفة ضعيفة ممزّقة وهم العرب ، وهو الناظم للأمور ، القاتل لصناديد القريش ، ومبطل للأصنام ومكسّرها ، وصاحب المعراج إلى السماء ، وشقّ القمر مع الاتّصال بعد الانشقاق.

والمستفاد من الكلام الأخير أنّ من علامات خاتم الأنبياء : أنّ ستّة أشخاص من أهل الآمال من أهل بيته صلی اللّه علیه و آله من أولاد فاطمة علیهاالسلام وهم الحسين علیه السلام وولديه ، وثلاثة من أولاد الحسن علیه السلام لمن بالشدّة فوق الشدّة والصعوبة ، يصرعون في الصحراء ويبتلون بأنواع العذاب والإيذاء ، ويهلكون بالتمام ، ويقطع الرأس من القفاء من القاطع المعوجّ وهو الخنجر ، ويوطئون بالخيول كدقّ الأدوية ، وفي شطّ نهر في صحراء يمتحنون ، ويبتلى بحجل العرس وكسر الزفاف ، ويحرق الخيام التي هي مجالس النتائج ويظهر أقوامهم الأعزّة.

ص: 156

ولا يخفى أنّ ذلك إشارة إلى ما وقع على أهل بيت نبيّنا صلی اللّه علیه و آله في كربلاء ، وابتلاء ستّة من المقرّبين من الشهداء من أولاد فاطمة علیهاالسلام ، وأفضلهم سيّد الشهداء علیه السلام الذي قطع رأسه من القفاء بالخنجر ، وإلى زفاف القاسم بن الحسن علیهماالسلام وقتال العبّاس وغيره عند نهر الفرات ، وحرق خيام أهل بيت الرسول علیهم السلام وأسرهم في البلاد ، ونحو ذلك.

[ ما أفاده الميرزا محمد رضا جديد الإسلام ]

ومنهم : من كان من علماء اليهود فصار في عصرنا مستبصرا مسلما مؤمنا وهو المسمّى بالميرزا محمّد رضا جديد الإسلام ، فإنّه تمسّك - مضافا إلى ما تقدّم - بما ذكر في « كمارا » (1) الذي ألّفه العلماء وهو من الكتب المعتبرة عندهم وهو أمور :

منها : أنّ النبيّ لو قال : اترك التوراة ، لزم تركها إلاّ عبادة الصنم فإنّها لا تجوز ، ولا يعمل بقوله فيها ، ولو حبس الشمس في السماء فإنّه يدلّ على عدم دوام شريعة موسى في الفروع كدوام عدم جواز عبادة الصنم ، كما يدلّ على توقيتها التوراة أيضا ، فإنّه يدلّ على أنّ العمل بها إنّما يكون عند كونهم في بيت المقدس ، مع علمه تعالى بأنّهم سيخرجون عنه ويتفرّقون في البلاد بتخريب بيت المقدس ، فلا بدّ من شريعة أخرى ، وهي شريعة محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله بدلالة المعجزة كما مرّ إليها الإشارة.

ومنها : أنّه قال : « إلياهو » المعروف عندنا بإلياس أنّه ليس العالم بأقلّ من الخمس والثمانين يؤبل ، ويؤبل عبارة عن الخمسين سنة ، والمجموع عبارة عن أربعة آلاف ومائتين وخمسين سنة ، وذكر احتمال يؤبل آخر فيصير الكلّ أربعة آلاف وثلاثمائة سنة ، وأنّه يأتي بعد ذلك من يقال له : بن داود ، وذلك مطابق لولادة خاتم الأنبياء محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فإنّه مضى من خلقة العالم إلى زماننا هذا - الذي هو بحسب الهجرة النبويّة عبارة عن السنة الخامسة والخمسين بعد المائتين والألف - خمسة

ص: 157


1- في هامش نسخة « ق » : « اسم للكتاب الذي ألّفه علماء بني إسرائيل ، وجعلوا فيه أحكام أنبيائهم ».

آلاف سنة وستّمائة إلاّ قليل بحسب الشهور ، فإذا أخرج منها ألف سنة وثلاثمائة سنة التي هي من زمان ولادة نبيّنا إلى زماننا هذا - الذي مرّ بيانه - يبقى أربعة آلاف وثلاثمائة سنة التي ذكر إلياس النبيّ.

ووجه تسميته بابن داود ؛ لعلّه أنّ داود بلسان العبري بمعنى العمّ ، ومحمّد بن عبد اللّه من أولاد إسماعيل الذي هو عمّ بالنسبة إلى بني إسرائيل ، فلا ينبغي أن يقرأ داود بالألف فإنّه ما جاء مكان حمله أيضا عليه.

فإن قلت : ما ذكر لا يدلّ على أنّ ذلك الشخص محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله ولو سلّم فهو لا يدلّ على كونه نبيّا ، سيّما كونه خاتم الأنبياء.

قلت : اعتقادهم أنّ ذلك الشخص الذي يجيء بعد ذلك نبيّ يدعو الناس جميعا إلى شريعة واحدة مع عدم جواز دخول غير بني إسرائيل في شريعة موسى باعتقادهم ، فيكون ذلك النبيّ محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله بشهادة المعجزة كما مرّت إليه الإشارة.

نعم ، يعبّرون عنه ب- « الماشيح » الذي هو المعبّر عنه عندنا بالمسيح ، وحيث كان ذلك الإخبار بعد عيسى بن مريم بمائتين سنة لا بدّ أن يكون ذلك النبيّ غيره وهو نبيّنا صلی اللّه علیه و آله الذي أتى بالشريعة التي فيها المسح في الوضوء والتيمّم ، مع أنّ ما تقدّم دلّ على عدم بعث نبيّ من بني إسرائيل.

ومنها : أنّه أخبر بعض الأنبياء ك « يشعيا » بأنّ بيت المقدس يصير مصلّى لجميع الأقوام ولم يكن ذلك في شريعة موسى ، بل هو مخصوص بشريعة محمّد بن عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله كما هو المعلوم بالوجدان ، وأنّ نسل « قيدار » الساكنين في البوادي يسكنون في المعمورة سيمجّدون اللّه ويجلّلونه في العوالي كما هو حال المؤذّنين في هذه الشريعة ، وأنّ جميع الأقوام يركعون لله بفخذهم كما هو حال أهل صفوف الجماعة في هذه الشريعة وأنّهم يحلفون بذات اللّه ، وأنّ اللّه يذلّل عبدة الأصنام ، وأنّ اللّه تعالى قال : إنّه يخرج شريعة من عندي وأحكام لإضاءة أقوام ،

ص: 158

وأهل الجزائر يرجون من أعضادي وأعواني ، إلى غير ذلك من العلائم المخصوصة بهذه الشريعة التي لا ينكرها إلاّ كافر مكابر وعنود كافر ، أعاذنا اللّه من ذلك بحقّ الأكابر.

[ مناظرة السيد بحر العلوم مع اليهود ]

[ التذنيب ] الثالث : في بيان ما أفاده بحر العلوم السيّد المرحوم ، السيّد المهدي الطباطبائي النجفي ، فقد حكي عنه : « أنّه سافر من المشهد الغروي إلى زيارة سيّد الشهداء علیه السلام في شهر ذي الحجّة من السنة الحادية عشرة بعد المائتين والألف من الهجرة ، وكان معه جماعة من تلامذته من الطلبة المحصّلين فعبر بهم الطريق على محلّ ذي الكفل ، وكان فيه يومئذ جماعة من اليهود زهاء من ثلاثة آلاف نفس ، فبلّغهم وروده رحمه اللّه عليهم ، وقد سمعوا ما سمعوا من شائع فضله ، وبلغهم ما بلغهم من ساطع شرفه ونبله ، وفيهم من يدّعي العرفان ، ويظنّ أنّه على بيّنة ممّا هو عليه وبرهان. فلحقه جماعة من عرفائهم للسير مجدّين ، ولأثره للمناظرة تابعين ، حتّى وصل إلى الرباط الذي أمر قدس سره بنيانه للزوّار والمتردّدين - فوردوا ثمّة ساحة جلاله وجلسوا متأدّبين بين يديه وعن يمينه وشماله ، فكانوا كالخفافيش ؛ إذ لا قرار لهم إلاّ في ظلمة ، فرحّب بهم - كما هو عن عادته وأخلاقه المرضيّة المستقيمة - وقال لهم قولا ليّنا عسى أن يتذكّر أحد منهم أو يخشى ، وكان فيهم رجلان يدّعيان المعرفة : أحدهما داود ، والآخر عزرا.

فابتدأ داود الكلام وقال : نحن ومعاشر الإسلام من دون سائر الملل موحّدون ، وعن الشرك مبرّءون ، وباقي الفرق والأمم كالمجوس والنصارى بربّهم مشركون وللأصنام والأوثان عابدون ، ولم يبق على التوحيد سوى هاتين الطائفتين.

فقال له السيّد المؤيّد : كيف ذلك وقد اتّخذ اليهود العجل وعبدوه ولم يبرحوا عليه عاكفين إلى أن رجع موسى من ميقات ربّه ، وأمرهم في ذلك أشهر من أن يذكر ،

ص: 159

وأعرف من أن ينكر ، ثمّ إنّهم عبدوا الأصنام في زمان « برد عام بن نواط » (1) وهو أحد غلمان سليمان بن داود علیهماالسلام ومن قصّته أنّ سليمان علیه السلام قد كان تفرّس منه طلب الملك ، وتوسّم فيه علامات الرئاسة والسلطنة. وقد كان « أخيّا الشيلوني » قد أخبر بردعام بذلك وشقّ عليه ثوبا جديدا كان عليه ، وقطعه اثنتي عشرة قطعة ، وأعطاه منها عشرة قطع وقال له : إنّ لك بعدد هذه القطع من بني إسرائيل عشرة أسباط تملكهم ولا يبقى من بعد سليمان مع ابنه « رجوعام » (2) وأولاده غير سبطين ، وهما : يهوذا وبنيامين ، فهرب بردعام بن نواط من سليمان واتّصل [ إلى ] « ثيشاق » عزيز مصر ، وبقي عنده حتّى توفّي سليمان علیه السلام فرجع إلى الشام ، وأجمع رأيه ورأي بني إسرائيل جميعا على نصب رجوعام بن سليمان علیه السلام ملكا ، فملّكوه عليهم ، ثمّ أتوا إليه واستعطفوه في وضع الآصار والمشاقّ التي كانت عليهم في أيّام سليمان علیه السلام ، فقال لهم رجوعام : [ إنّ ] خنصري أمتن من خنصر أبي ، لئن كان أبي وضع عليكم أمورا صعبة وحمّلكم التكاليف الشاقّة ، فأنا أحمّلكم وأضع عليكم ما هو أشقّ وأصعب ، فتفرّقوا عنه ، ونصبوا بردعام بن نواط وملّكوه ، واجتمعوا عليه عشرة أسباط من بني إسرائيل.

وانفرد رجوعام بن سليمان بسبطين منهم ، ولمّا كان بنو إسرائيل يحجّون كلّ سنة [ إلى ] بيت المقدس ، خاف « بردعام » على ملكه إن أذن لهم في الحجّ إليه من رجوعام وأتباعه أن يصرفوهم عنه ، أو يميلوا إلى ابن سليمان ، فصنع لهم صنمين من ذهب ووضعها في دان وبيت إيل ، وأمر الناس بعبادتهما والحجّ إليهما ، فأطاعوه وصاروا بذلك مشركين شركا آخر بعد عبادة العجل؟ فكيف يا أخا اليهود تقول : إنّ اليهود ما أشركوا باللّه تعالى وما اتّخذوا إلها غير اللّه ، وإنّهم كانوا موحّدين ، وعن غير

ص: 160


1- كذا في النسختين ، وفي المصدر : « يربعام بن نباط ».
2- كذا في النسختين ، وفي المصدر : « رحبعام ».

اللّه معرضين؟

فأقرّ - حينئذ - بما ذكر من عبادتهم للأصنام بنحو ما ذكر لهم وعجبوا من اطّلاعه على ما لم يطّلع عليه أحد من أمرهم.

ثمّ قال لهم السيّد : « كيف جاز لسليمان علیه السلام أن يهمّ لقتل « بردعام » قبل جنايته وليس ذلك جائزا في [ شريعة موسى ولا في ] (1) شريعة غيره من الأنبياء علیهم السلام وكان سليمان على شريعة موسى علیه السلام ، ولو جاز له ما لم يكن جائزا لموسى علیه السلام كان النسخ جائزا - وأنتم تنكرون النسخ -؟ فسكتوا.

وقال كبيرهم - داود - : كلامكم يا سيّدي على العين وفوق الرأس.

فقال لهم السيّد : أخبروني هل كان بينكم يا معاشر اليهود خلاف ، أو في كتابكم تباين واختلاف؟ فقالوا : لا.

فقال لهم : كيف ذلك وقد اختلفتم على ثلاث فرق وتشعّب ، منها إحدى وسبعون فرقة ، وهذه السامرة طائفة عظيمة من اليهود ، تخالف اليهود في أشياء كثيرة ، والتوراة التي في أيديهم مغايرة لما في أيدي باقي اليهود؟ فقالوا : لم ندر لم وقع هذا الاختلاف ، ولكن نعلم بمخالفة كتاب سامرة لكتابنا ، وكذلك مخالفتهم لنا في أمور كثيرة.

فقال لهم السيّد : فكيف تنكرون الاختلاف وتدّعون اتّفاقكم على شيء واحد؟

ثمّ قال لهم السيّد : هل زيد في التوراة التي أنزلها اللّه تعالى على موسى علیه السلام [ شيء ] أم نقص منها شيء؟

فقالوا : هي [ على ] حالها إلى الآن لا زيادة فيها ولا نقصان.

فقال لهم السيّد : كيف يكون ذلك وفي هذه التوراة التي في أيديكم أشياء منكرة ظاهرة القبح والشناعة؟

ص: 161


1- الزيادة أثبتناها من المصدر.

منها : ما وقع في قصّة العجل من نسبة اتّخاذه إلها لبني إسرائيل إلى هارون النبيّ علیه السلام وهذه ترجمة عبارة التوراة في فصل نزول الألواح واتّخاذ العجل ، وهو الفصل العشرون من السفر الثاني : « ولمّا رأوا القوم أنّ موسى علیه السلام قد أبطأ عن النزول عن الجبل تحرّفوا إلى هارون وقالوا : قم فاصنع لنا آلهة يسيرون قدّامنا ، فإنّ ذلك الرجل - موسى - الذي أصعدنا من بلد مصر لا نعلم ما كان منه ، قال لهم هارون : فكّوا شفوف الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها ، ففعلوا ذلك جميع القوم ونزعوا أقراط الذهب التي كانت في آذانهم ، وأتوا بها إلى هارون ، فأخذها منهم وصوّرها بقالب ، وجعلها عجلا مسبوكا ، فاتّخذوه إلها وعبدوه ، ثمّ إنّه لمّا جاء موسى علیه السلام من ميقات ربّه ورأى ما صنع هارون علیه السلام وأنكر ذلك ووبّخ فاعتذر إليه ، فقال : لا تلمني على ذلك فما فعلته إلاّ خشية تفرّق بني إسرائيل.

فهذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أنّ التوراة التي عندكم محرّفة ، وأنّ فيها زيادة على التوراة التي أنزلت على موسى ؛ لأنّ مثل هذا العمل لا يصدر من جاهل غبيّ ، فكيف يصدر من مثل هارون النبيّ؟! وكيف تأتّي له ذلك الاعتذار عند موسى علیه السلام ؟! وتفرّق بني إسرائيل - على تقديره - أهون من تصوير هارون لهذه [ الصورة ] واتّخاذها إلها يعبد ، وكيف خشي على بني إسرائيل من التفرّق ولم يخش عليهم من الشرك والكفر ، وقد قال له موسى : ( هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (1)؟!

وقال داود - ومن معه من اليهود - : وأيّ مانع من ذلك وقد أعان على ذلك أيضا جبرائيل ، وقصّته مذكورة في التوراة كقصّة هارون علیه السلام ؟.

فقال لهم السيّد : إنّ جبرائيل لم يعن على ذلك ، ولا في التوراة شيء ممّا هناك ، وإنّما السامري وجد أثر الحياة من أثر فرس جبرائيل ، فأغوى القوم بهذه الوسيلة ،

ص: 162


1- الأعراف (7) : 142.

وما على جبرائيل من ذلك شيء ، ولا على اللّه سبحانه وتعالى ؛ حيث خلق السبب الذي به وقعت الفتنة كما خلق أسباب الزنى والقتل ، وغيرهما من المعاصي ، فإنّها لا تقع إلاّ بأسباب وآلات مخلوقة ، وليس ذلك من باب الإعانة على الكفر والمعصية ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

وفي الفصل الرابع من السفر الخامس في ذكر العجل وتوبيخ بنى إسرائيل على عبادته قال : « وعلى هارون توجّد اللّه جدّا ، وكان ينفذه فاستغفرت له أيضا في ذلك ». وهذا صريح في شناعة هذا العمل وفظاعته ، وأنّ اللّه قد توجّد به على هارون فكيف تقول : إنّه لا مانع منه؟.

ويقرب من هذه القصّة ما وقع في التوراة من قصّة لوط مع ابنتيه ، فإنّ في الفصل الثالث والعشرين من السفر الأوّل : أنّ لوطا لمّا صعد من صوغر وأقام في الجبل وابنتاه معه - وقد هلك قومه - قالت الكبرى منهما للصغرى : أبونا شيخ كبير وليس في الأرض رجل يدخل علينا كسبيل أهل الأرض ، تعالي نسق أبانا خمرا ونضاجعه ونستبق منه نسلا ، فسقتا [ أباهما ] خمرا في تلك الليلة ، وجاءت الكبرى فاضطجعت مع أبيها ولم يعلم بنومها وقيامها ، فلمّا كانت من الغد ، قالت الكبرى للصغرى : هو ذا ، قد ضاجعت البارحة أبي ، فنسقيه خمرا الليلة وادخلي واضطجعي ، فسقتاه خمرا في هذه الليلة أيضا ، فقامت الصغرى فضاجعته ولم يعلم بنومها ولا قيامها ، فحملتا ابنتا لوط من أبيهما وولدت الكبرى [ ابنا ] وسمّته موآب ، هو أبو بني موآب إلى هذا اليوم ، وولدت الصغرى ابنا وسمّته عمّون ، وهو أبو بني عمّون إلى هذا اليوم.

نصّ به التوراة التي بيد اليهود وترجمتها حرفا حرفا. وهذا كذب صريح وبهتان قبيح. ومن الممتنع في العقول وقوع مثل هذا العار والشنار من رسل اللّه وأنبيائه بما تبقى شناعته مدى الدهر وما بقي هذا النسل.

وموآب وعمّون : أمّتان عظيمتان بين البلقاء وجبال الشراة ، وقد كانت جدّة داود

ص: 163

وبل سليمان من بني موآب ، فيكون هذا النسل كلّه عند اليهود من زنيم ؛ لعدم حصوله من نكاح صحيح ، فإنّ تحريم الأب والبنت ممّا اتّفقت عليه الشرائع والأديان ، وقد كانت الأخت محرّمة في الملل السابقة ؛ ولذا قال إبراهيم علیه السلام - لما سأله المعرّبون عن سارة - : إنّها أختي. حتّى لا يظنّ أنّها زوجته فيقتلوه ، ولا ريب أنّ البنت أولى بالتحريم من الأخت.

ومن المستبعد في العادة إيلاد الشيخ الطاعن في السنّ في ليلتين متعاقبتين مع السكر المفرط - الذي ادّعوه - وقد كان لوط علیه السلام من بعد قضيّة « سدوم قد قارب المائة - كما قيل - ثمّ كيف ظنت البنتان خلوّ العالم عن الرجال - مع علمهما بأنّ الهالك هم قوم لوط خاصّة - وقد علمتا أنّ إبراهيم علیه السلام وقومه في قرية جيرون ، ولم يكن بينهما وبينه إلاّ مقدار فرسخ - إلى أن قال - : ومثله - ممّا وقع في توراتكم يا معاشر اليهود - دليل على وقوع التحريف والزيادة فيها ، ولو أردنا تفصيل ما وقع في هذه التوراة [ من ] التناقض والاختلاف وما لا يليق بالباري عزّ وجلّ من الجسم والصورة والندم والأسف والعجز والعجب لطال الكلام ولم يسعها المقام. ولكن أخبروني هل تخلو شريعة من الشرائع عن الصلاة؟ فقالوا : لا ، إنّ الصلاة ثابتة في جميع الشرائع وما خلت شريعة منها.

فقال السيّد : أخبروني عن صلاتكم هذه ما أصلها؟ ومن أين مأخذها؟ وهذه التوراة وهي خمسة أسفار قد سبرناها وعرفنا ما فيها سفرا سفرا ، فلم نجد لشيء من الصلاة فيها اسما ولا ذكرا.

فقال بعضهم : قد علم أمرها من فحوى الكلام ، لا من صريحه ، فإنّ التوراة قد اشتملت على الأمر بالذكر والدعاء.

فقال لهم : ليس الكلام في الذكر والدعاء ، بل في خصوص هذه الصلاة المعهودة عندكم في ثلاث أوقات : الصبح ، والعصر ، والعشاء ، وهي التي تسمّونها : تفلات شحريت وتفلات منحات وتفلات عربيت. وأمّا الذكر والدعاء فكلاهما أمر عامّ

ص: 164

لا يختصّ بوقت دون وقت ، ولا جهة دون أخرى ، وأنتم تتوجّهون في هذه الصلاة إلى بيت المقدس ، وليس ذلك شرطا في مطلق الذكر والدعاء ، ويلزمكم في اشتراط التوجّه إلى بيت المقدس شيء آخر لا أراكم تخلصون منه. وهو أنّ بيت المقدس خطّه داود علیه السلام وبناه ابنه سليمان علیه السلام ، وكان بين موسى وسليمان أكثر من خمسمائة عامّ ، فكيف كانت صلاة موسى ومن بعده إلى زمان سليمان ، وبنائه لبيت المقدس؟!

ومثل ذلك يلزم عليكم في أمر الحجّ فإنّ الحجّ عندكم إلى بيت المقدس ولم يكن له وجود في زمن موسى ومن بعده من الأنبياء إلى زمن سليمان علیه السلام فهل ذلك شيء اخترعتموه أنتم من قبل أنفسكم ، أم لكم على ذلك بيّنة وبرهان؟ فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

فقالوا : قد علمنا ذلك من كلام الأنبياء من بعد موسى علیه السلام وكتبهم ، وتفسير علمائنا للتوراة.

فقال لهم السيّد : إنّ الأنبياء من بعد موسى كلهم على شريعته متّبعون له في أحكامه يحكمون بما في التوراة لا يزيدون عليها شيئا ولا ينقصون.

وأيضا فإنّكم - معشر اليهود - لا تجيزون النسخ في الشرائع ، وكيف جاز لكم إحداث هذه الأشياء التي لم تكن في زمن موسى علیه السلام ؟ وكيف جاز لعلمائكم تفسير التوراة بما هو خارج عن شريعة موسى؟! وكيف ادّعيتم على الأنبياء أنّهم وضعوا هذه الشرائع الخارجة عن التوراة؟!

فبهتوا من هذا الكلام ، وتحيّروا وانقطعوا وعجبوا من غزارة علمه واطّلاعه على حالهم ، ووقوفه على مذهبهم ومقالتهم ، ثمّ جسر واحد منهم فقال : نحن نقول : ما كان في زمن موسى من صلاة فما الذي يلزم علينا أن نقول بذلك؟.

فقال لهم السيّد : أنتم الآن أقررتم أنّ الصلاة ثابتة في كلّ الشرائع ، وكيف تخلو منها شريعة موسى علیه السلام التي هي عندكم من أعظم الشرائع وأتمّها؟! ومع ذلك فما

ص: 165

الذي دعاكم إلى تجشّم فعل هذه الصلاة التي لم تكن في زمن نبيّكم ، ولا أنّها في كتابكم؟.

فانقطعوا عن الجواب وضحك كبيرهم ممّا اتّفق من معارضاتهم في مجلس واحد.

ثمّ قال : ليس في القرآن تفصيل للصلاة التي تصلّونها أنتم يا معشر المسلمين فكيف عرفتم ذلك مع خلوّه عنه؟

فأجاب السيّد : إنّ الصلاة مذكورة في عدّة مواضع من القرآن وقد عرفنا أعدادها وقبلتها ، وكثيرا من أحكامها من القرآن ، وعلمنا سائر أحكامها وشرائطها من البيانات النبويّة ، والأخبار المتواترة - إلى أن قال كبيرهم - : كيف لا تحكمون يا معاشر المسلمين بحكم التوراة وفي القرآن : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (1)؟.

فقال السيّد : إنّه لمّا ثبت عندنا نبوّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ونسخه للشرائع السابقة ، كان الواجب علينا اتّباع هذه الشريعة الناسخة دون الشرائع المنسوخة ، فهذا مثل ما وجب عليكم من اتّباع شريعة موسى علیه السلام والعمل بما في التوراة دون ما تقدّمها من الأديان ، وقد بقي جملة من أحكام التوراة لم تنسخ كأحكام الجراح والقصاص وغيرهما ، فنحن نحكم بها ؛ لوجودها في القرآن لا لوجودها في التوراة.

فقال : ما معنى قوله : ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (2) ، وأيّ فرق بين النسخ والإنساء؟ وما الفائدة في نسخ الشيء والإتيان بمثله؟

فقال السيّد : الفرق بين النسخ والإنساء أنّ النسخ رفع الحكم ، وإن بقي لفظه والإنساء رفع لفظه الدالّ عليه. وإنساؤه : محوه من الخاطر بالكلّيّة.

ص: 166


1- المائدة (5) : 44.
2- البقرة (2) : 106.

والمراد بالمثل هو الحكم المماثل للأوّل بحسب المصلحة ، بحيث يساوي مصلحته في زمانه مصلحة الأوّل في زمانه ، لا أن تتساوى المصلحتان في زمن واحد ، حتّى يلزم خلوّ النسخ عن الفائدة.

فضحكوا وتعجّبوا من جودة جوابه وحسن محاوراته في خطابه.

ثمّ قال لهم السيّد : يا معشر اليهود ، لو علمنا لكم ميلا واعتناء بطلب الحقّ ، لأتيناكم بالحجج الباهرة والبراهين القاهرة ، لكنّي أنصحكم لإتمام الحجّة ، وأوصيكم بالإنصاف ، وترك التقليد واتّباع الآباء والأجداد ، وترك العصبيّة والحميّة والعناد ، فإنّ الدنيا فانية منقطعة وكلّ نفس ذائقة الموت ، ولا بدّ لعباد اللّه من لقاء اللّه تعالى ، وهو يوم عظيم ليس بعده إلاّ نعيم مقيم أو عذاب أليم ، والعاقل من استعدّ لذلك اليوم وأهمّ به وشمّر في هذه الدار لتصحيح العقائد والقيام بما كلف به من الأعمال ، وتأمّل في هذه الملل المختلفة والمذاهب المتشعّبة ، وأنّ الحقّ لا يكون في جهتين متناقضتين ، وأن لا عذر لأحد في تقليد أب ولا جدّ ، ولا الأخذ بملّة أو بمذهب بغير دليل ولا حجّة ، فالناس من جهة الآباء والأجداد شرع سواء ولو كان ذلك منجيا لنجا الكلّ وسلم الجميع ، فيلزم من ذلك بطلان الشرائع والأديان ، وتساوي الكفر والإيمان ، فإنّ الكفّار وعباد الأوثان يقتفون آثار آبائهم ولا عذر لهم في ذلك ، ولا ينجيهم التقليد من العطب والمهالك.

وذكر السيّد من النصح - إلى أن قال - : وإن كنتم لا تحبّون الناصحين.

فقالوا : كلامكم على أعيننا وفوق رءوسنا ونحن طالبون للحقّ ، راغبون في الصواب والصدق.

فقال لهم السيّد : فما الباعث لكم على اختيار مذهب اليهوديّة وترجيحها على الملّة الإسلاميّة؟

فقالوا : قد اتّفق أصحاب الملل - وهم اليهوديّة والنصارى والمسلمون - على نبوّة موسى وثبوت شريعته ونزول التوراة عليه ، واختلفوا في نبوّة عيسى ونبوّة

ص: 167

محمّد صلی اللّه علیه و آله وفي الإنجيل والقرآن ، فنحن أخذنا بالذي اتّفق عليه الجميع ، وتركنا ما اختلفوا فيه.

فقال السيّد : إنّ المسلمين ما اعتقدوا بنبوّة موسى وصدقه في دعواه إلاّ بإخبار نبيّهم الصادق الأمين ، وذكره في كتابهم المبين ، ولو لا ذلك ما اعترفوا بنبوّة موسى وعيسى علیهماالسلام ولا بالتوراة والإنجيل.

وأيضا فأنتم لا تقبلون شهادة النصارى والمسلمين في شيء من الأشياء ، فكيف تقبلون شهادتهم - وهم يشهدون عليكم بالكفر والزيغ عن الحقّ ولم يبق لكم إلاّ شهادتكم لأنفسكم وهي غير مجدية لكم نفعا؟! فتحيّروا من كلامه وتحقيقه البليغ المتين ونظر بعضهم إلى بعض ، ثمّ سكتوا طويلا.

فقال عزرا - وهو الشابّ الذي كان بينهم - : يا سيّدي أنا أقول لك كلاما مختصرا نافعا من باب النصح والمحبّة ، فاستمع وتأمّل فيه وأنصف وهو حجّة عليك.

فقال السيّد : نعم ، ما هذا المقال؟ فقال : إنّ في كتابنا : يجيء نبيّ بعد موسى إلاّ أنّه من بني إخوتنا لا من بني إسرائيل.

فقال السيّد : هذه البشارة قد جاءت بها التوراة في الفصل الثاني عشر من السفر الخامس ، وصورتها أنّه تعالى قال لموسى : إنّي أقيم لهم - أي لبني إسرائيل - نبيّا من بني إخوانهم مثلك فليؤمنوا وليسمعوا ، وإخوان بني إسرائيل هم بنو إسماعيل فإنّ إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق أخي إسماعيل ، فالنبيّ الموعود به هو من ولد إسماعيل وهذه حجّة لنا لا علينا.

فخجل عزرا - إلى أن قال السيّد - : ...

فقالوا : نحن نعتقد بنبوّة موسى بالمعجزات الباهرات والآيات الظاهرات.

فقال لهم السيّد : هل كنتم في زمن موسى ورأيتم بأعينكم تلك المعجزات والآيات؟

ص: 168

فقالوا : قد سمعنا ذلك.

فقال لهم السيّد : أو ما سمعتم أيضا ، بمعجزات محمّد صلی اللّه علیه و آله وبراهينه وآياته فكيف صدّقتم بذلك وكذّبتم بهذا - مع بعد ذلك عنكم وقرب هذا منكم؟! - ومن المعلوم أنّ السماع يختلف قوّة وضعفا بحسب الزمان قربا وبعدا ، وكلّما طال المدى كان أبعد ، وكلّما قصر كان إلى التصديق أقرب ، وأمّا نحن معاشر المسلمين فقد أخذنا بالسماعين وجمعنا بين الحجّتين ، وقلنا بنبوّة النبيّين ولم نفرّق بين أحد من رسله وكتبه ، ولم نقل - كما قلتم - : نؤمن ببعض ونكفر ببعض. فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه ، لقد جاءت رسل ربّنا بالحقّ.

ثمّ قال لهم السيّد : لو سألكم إبراهيم علیه السلام وقال لكم : لم تركتم ديني وملّتي وصرتم إلى ملّة موسى ودينه فما تقولون في جوابه؟

قالوا : كنّا نقول لإبراهيم : أنت السابق وموسى اللاحق ولا حكم للسابق بعد اللاحق.

فقال لهم السيّد : فلو أنّ محمّدا صلی اللّه علیه و آله قال لكم : لم لم تتبعوا ديني وأنا اللاحق وموسى السابق وقد قلتم : لا حكم للسابق بعد اللاحق ، وقد أتيتكم بالآيات الظاهرات والمعجزات الباهرات والقرآن الباقي مدى الزمان ، فما كان جوابكم عن ذلك؟ فانقطع كلّ منهم وتحيّروا ولم يأتوا بشيء يذكر ، فبهت الذي كفر.

ثمّ عطف السيّد على كبيرهم وقال : إنّي أسألك عن شيء فاصدقني ، ولا تقل إلاّ حقّا. هل سعيت في طلب الدين وتحصيل العلم واليقين من أوّل تكليفك إلى هذا الحين؟

فقال : الإنصاف إنّي إلى الآن ما كنت بهذا الوادي ، ولا خطر ذلك في ضميري وفؤادي غير أنّي اخترت دين موسى علیه السلام ؛ لأنّه كان نبيّا ، ولم يظهر لنا دليل على نسخ نبوّته ولم نفحص عن دين محمّد صلی اللّه علیه و آله حقّ الفحص ولم نبحث عمّا جاء به حقّ البحث ونحن نتأمّل في ذلك ونأتيك أخبارنا فيما يحصل لدينا ممّا هنالك.

ص: 169

وعلى ذلك انطوى المجلس وانقطع الكلام » (1).

[ ما أفاده الفاضل القمّي ]

وقال الفاضل القمي رحمه اللّه في باب الاستصحاب : « هاهنا لطيفة يعجبني أن أذكرها من باب التفريع على هذا الأصل ألهمني اللّه به ببركة دين الإسلام ، وهو أنّ بعض سادة الفضلاء الأذكياء ذكر لي حكاية ما جرى بينه وبين أحد من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، من أنّه تمسّك بأنّ المسلمين قائلون بنبوّة نبيّنا علیه السلام ، فنحن وهم متّفقون على حقّيّته ونبوّته في أوّل الأمر ، فعلى المسلمين أن يثبتوا بطلان دينه.

ثمّ ذكر أنّه أجاب بما هو المشهور ، من أنّا لا نسلّم نبوّة نبيّ لا يقول بنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله فموسى أو عيسى علیهماالسلام الذي يقول بنبوّته اليهود أو النصارى نحن لا نعتقد ، بل نعتقد بموسى أو عيسى وكتابه [ الذي أخبر عن نبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله وصدّقه ، وهذا مضمون ما ذكره الرضا علیه السلام في جواب الجاثليق ، فإنّه قال له علیه السلام : ما تقول في نبوّة عيسى وكتابه ] (2) هل تنكر منهما شيئا؟ قال الرضا علیه السلام : « أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه ، وما يبشّر به أمّته ، وما أقرّت به الحواريّون. وكافر بنبوّة كلّ عيسى لم يقرّ بنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله وبكتابه ويبشّر به أمّته ».

قال الفاضل : « ما مضى بيّن بأنّ عيسى بن مريم - المعهود الذي لا يخفى على أحد حاله وشخصه - أو موسى بن عمران - المعلوم الذي لا يشتبه حاله على أحد من المسلمين ، ولا أهل الكتاب - جاء بدين وأرسله اللّه نبيّا ، وهذا القدر مسلّم الطرفين ولا يتفاوت ثبوت رسالة هذا الشخص بدين بين أن يقول بنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله أم لا.

فنحن نقول : دين هذا الرجل المعلوم باق بحكم الاستصحاب فعليكم بإبطاله. فأفحم

ص: 170


1- « رسالة مناظرة السيّد بحر العلوم مع اليهود » المطبوعة ضمن « رجال بحر العلوم » 1 : 50 - 65 ، وقد صحّحنا النقل عليها.
2- الزيادة أثبتناها من « قوانين الأصول » 2 : 70.

ذلك الفاضل المذكور في الجواب فتأمّلت هوينا.

فقلت في إبطال الاستصحاب - بعد فرض تسليم جواز التمسّك به في أصول الدين - : إنّ موضوع الاستصحاب لا بدّ أن يكون متعيّنا حتّى يجري على منواله ، ولم يبق إلاّ النبوّة في الجملة ، وهو كلّي إلى آخر الأبد ، بأن يقول اللّه تعالى : أنت نبيّ وصاحب دين إلى يوم القيامة ، وللنبوّة الممتدّة إلى زمان محمّد صلی اللّه علیه و آله بأن يقول : أنت نبيّ ودينك باق إلى زمان محمّد صلی اللّه علیه و آله ، ولأن يقول : « أنت نبيّ » بدون أحد القيدين ، فعلى المخالف أن يثبت إمّا التصريح بالامتداد إلى آخر الأبد وأنّى له بإثباته؟

والمفروض أنّ الكلام ليس فيه أيضا. وإمّا الإطلاق فهو أيضا في معنى التقييد ، ولا بدّ من إثباته. ومن الواضح أنّ مطلق النبوّة غير النبوّة المطلقة ، والذي يمكن استصحابه هو النبوّة المطلقة لا مطلق النبوّة ؛ إذا الكلّي لا يمكن استصحابه إلاّ بما يمكن من أقلّ أفراده امتدادا واستعدادا كما ذكرنا.

ولنأت بمثال لتوضيح المقام ، وهو أنّا إذا علمنا أنّ في هذه القرية حيوانا ولكن لا نعلم أيّ نوع هو من الطيور ، أو البهائم ، أو الحشار ، أو الديدان ، ثمّ غبنا عنها مدّة فلا يمكن لنا الحكم ببقائه في مدّة يعيش فيها أطول الحيوان عمرا ، فترى أنّ الفرس أطول عمرا من الغنم ، والعصافير أطول عمرا من الخطاطيف ، والفئران من الديدان وهكذا ، فإذا احتمل عندنا كون الحيوان الذي في بيت خاصّ إمّا عصفور ، أو فأرة ، أو دود قزّ ، فكيف يحكم بسبب العلم بحصول القدر المشترك باستصحابها إلى زمان ظنّ بقاء أطولها أعمارا؟! فبذلك بطل تمسّك أهل الكتاب ؛ إذ على فرض التسليم والتنزّل والمماشاة معهم تقول : إنّ القدر الذي ثبت لنا من نبوّتهما هو القدر المشترك بين أحد المقيّدات الثلاثة ، فمع إمكان كونها النبوّة الممتدّة إلى زمان نبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله كيف يجري الاستصحاب إلى آخر الأبد؟

ثمّ إنّك - بعد ما بيّنّا لك سابقا - لا أظنّك رادّا علينا أمر الاستصحاب [ في الحكم الشرعي بما ذكرنا في هذا المقام بأن تقول يمكن أن يردّ الاستصحاب فيها. بمثل

ص: 171

ذلك ويقال إنّ الأحكام الواردة في الشرع إنّما يسلّم جريان الاستصحاب ] (1) فيها إن ثبت كونها مطلقات لم يكن مقيّدة إلى وقت خاصّ واختفى علينا ، أو ممتدّة إلى آخر الأبد ، والذي يجوّز إجراء الاستصحاب فيه هو الأوّل وذلك ؛ لأنّ التتبّع والاستقراء يحكمان بأنّ غالب الأحكام الشرعيّة في غير ما ثبت في الشرع له حدّ ، ليست بانيّة ، ولا محدودة إلى حدّ معيّن وأنّ المشهور يكتفي فيما ورد عنه مطلقا في استمراره ويظهر من الخارج أنّه أراد منه الاستمرار ، فإنّ تتبّع أكثر الموارد واستقرائها يحصّل الظنّ القويّ بأنّ مراده عن تلك المطلقات هي الاستمرار إلى أن يثبت الواقع عن دليل عقلي أو نقلي.

فإن قيل : هذا مردود عليك في حكاية النبوّة.

قلنا : ليس كذلك ، لأنّ الغالب في النبوّات هو التحديد ، بل إنّما الذي ثبت علينا ونسلّمه من الامتداد القابل لأن نمتدّه إلى الأبد هو نبوّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله .

مع أنّا لا نحتاج في إثباته إلى التمسّك بالاستصحاب حتّى يتمسّك الخصم بأنّ ثبوته أيضا مردّدة بين الأمور الثلاثة ، بل نحن متمسّكون بما نقطع به من النصوص والإجماع.

نعم ، لو تمسّكنا بالاستصحاب في الدوام لا ستظهر علينا الخصم بما نبّهناه عليه.

فإن قيل : قولكم بالنسخ يعيّن الإطلاق ويبطل التحديد ؛ لأنّ إخفاء المدّة وعدم بيان الآخر مأخوذ في ماهيّة النسخ ، وهو بعينه مورد الاستصحاب.

قلنا : ما سمعت من مخاصمتنا مع اليهود في تصحيح النسخ وإبطال قولهم في بطلانه إنّما هو من باب المماشاة معهم في عدم تسليمهم التحديد ، وإبطال قولنا بقبح النسخ ، وإلاّ فالتحقيق أنّ موسى وعيسى علیهم السلام أخبرا بنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله وكتابهما ناطق به ، لا أنّ نبوّتهما مطلقة ونحن نبطلهما بالنسخ ، فلمّا كان اليهود منكرا [ لنطو ] كتابهم

ص: 172


1- الزيادة أثبتناها من المصدر.

ونبيّهم بذلك وزعموا دوام دينهم ، أو إطلاق النبوّة تمسّكوا بالاستصحاب من باب المماشاة معنا ، وتمسّكوا ببطلان النسخ بناء عليه أيضا فنحن نخاصمهم على هذا الفرض في تصحيح النسخ ، وهذا ما لا يضرّ ما رددنا عليهم في تمسّكهم بالاستصحاب.

فإن قيل : أحكام شرع عيسى علیه السلام مثلا مطلقات ، والنسخ بالأحكام؟

قلنا : إطلاق الأحكام - مع اقترانهما ببشارة عيسى علیه السلام برسول بعده اسمه أحمد صلی اللّه علیه و آله لا ينفعهم ؛ لاستلزامه بوجوب قبول رسالته صلی اللّه علیه و آله ، وبعد قبوله فلا معنى لاستصحاب أحكامهم كما لا يخفى. فافهم ذلك واغتنم » (1).

أقول : لا يخفى - مضافا إلى عدم حكاية ما ذكر للواقع كما مرّ - أوّلا : أنّ الاستصحاب لا بدّ فيه من ثبوت الحكم آنا ما على وجه الإجمال وكان الشكّ في البقاء في الآن المتأخّر ، ولا شكّ في عدم ثبوت الحكم بالتديّن بدين عيسى علیه السلام لأمثال أهل هذا الزمان باعتقاد المسلمين ، فلا وجه للاستصحاب.

وثانيا : أنّ الاستصحاب يشترط فيه بقاء الموضوع ، ولا شكّ في فناء من كان مأمورا بالتديّن بدين عيسى علیه السلام ، فلا وجه للاستصحاب.

وثالثا : أنّ الاستصحاب لو كان حجّة كان حجّة فقاهيّة في الأحكام الفرعيّة وليس حجّة اجتهاديّة فيها فضلا عن الأحكام الأصليّة العلميّة.

ورابعا : أنّ الاستصحاب حجّة في الأحكام الثابتة على وجه الإجمال لا المحدودة بالمبدإ والمنتهى ، والمسلم لا يقول إلاّ بثبوت دين عيسى إلى زمان بعثة نبيّنا ، فلا وجه للاستصحاب بالنسبة إلى المسلم.

وخامسا : أنّ الاستصحاب حجّة لو لم يقم دليل قطعي على خلافه ، ومعجزات نبيّنا صلی اللّه علیه و آله عند المسلم أدلّة قاطعة على خلافه عنده ، فلا وجه للاستصحاب.

مضافا إلى أنّ الاستصحاب حجّة بقول نبيّنا وأمنائه فمع إنكارهم لا وجه لاستصحاب.

ص: 173


1- « قوانين الأصول » 2 : 70 - 74 ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.

[ التذنيب ] الرابع : في بيان ما ذكر في بعض كتب الأخبار من الأسرار للنبيّ صلی اللّه علیه و آله وآله الأطهار.

فمن ذلك في أسرار مولده : « ما رواه زياد بن منذر ، عن ليث بن سعيد قال : قلت لكعب الأحبار - وهو عند معاوية - : كيف تجدون صفة مولد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؟ وهل تجدون لعترته فضلا؟ فالتفت إلى معاوية لينظر كيف هو؟ فأنطقه اللّه تعالى فقال : هات يا أبا إسحاق ، فقال كعب : إنّي قرأت اثنين وسبعين كتابا نزلت من السماء ، وقرأت صحف دانيال ، ووجدت في الكلّ مولده ومولد عترته ، وأنّ اسمه لمعروف ، ولم يولد نبيّ نزلت عليه الملائكة قطّ ما خلا عيسى وأحمد ، وما ضرب على آدمية حجب الجنّة غير مريم وآمنة ، وكان من علامة حمله أن ينادي مناد في السماء في الليلة التي حملت به آمنة علیهاالسلام : ابشروا يا أهل السماء ، فقد حملت الليلة بأحمد ، وفي الأرض كذلك حتّى في البحور ، ولقد بني في الجنّة ليلة ولادته سبعون ألف قصر من ياقوتة حمراء وسبعون ألف قصر من اللؤلؤ الرطب ، وسمّيت قصور الولادة ، وقيل للجنّة : اهتزّي وازّيّني ، فإنّ نبيّ أوليائك قد ولد ، فضحكت الجنّة يومئذ ، فهي ضاحكة إلى يوم القيامة ، وبلغنا أنّ حوتا من حيتان البحر - يقال له : طموسا وهي سيّدة الحيتان - لها سبعمائة ألف ذنب يمشي على ظهور سبعمائة ألف ثور الواحد أكبر من الدنيا ، لكلّ ثور منها سبعمائة ألف قرن من زمرّد أخضر اضطرب فرحا لمولده ، ولو لا أنّ اللّه تعالى يثبته ، لجعل عاليها سافلها ، وبلغنا يومئذ أنّه ما بقي جبل إلاّ لقي صاحبه بالبشارة ويقول : لا إله إلاّ اللّه ؛ ولقد خضعت الجبال - إلاّ أبي قبيس - كرامة لمحمّد صلی اللّه علیه و آله ولقد قدّست الأشجار أربعين يوما بأفنانها وأزهارها وأثمارها فرحا بمولده ؛ ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عمودا من نور ؛ ولقد بشّر آدم بمولده فزاد في حسنه سبعون ضعفا ؛ ولقد بلغني أنّ الكوثر اضطرب فرحا؟ وطما ملؤه حتّى رمى ألف قصر من قصور الجنّة من الدرّ والياقوت نثارا لمولده ،

ص: 174

ولقد ذمّ إبليس وكبّل وألقي في الحفر أربعين يوما ؛ ولقد تنكّست الأصنام كلّها وصاحوا وسمعوا صوتا من الكعبة يقول : يا قريش جاءكم البشير ، جاءكم النذير ، معه عمر الأبد ، والرمح الأكبر ، وهو خاتم الأنبياء ؛ ونجد في الكتب أنّ عترته خير البشر ، لا تزال الناس في أمان من العذاب ما دامت عترته في الدنيا ، فقال معاوية : يا أبا إسحاق ، ومن عترته؟ فقال : ولد فاطمة ، فعبس معاوية وجهه ، وعضّ على شفتيه ، وقام من مجلسه » (1).

ومن ذلك من خواصّ مولده صلی اللّه علیه و آله ما نزل في الإنجيل : « يا عيسى جدّ في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع يا بن الطهر البتول ، خلقتك من غير فحل آية للعالمين ، فاعبد وعليّ فتوكّل ، خذ الكتاب بقوّة وفسّر لأهل سوريا بالسريانيّة تلمح من بين يديك إنّي أنا اللّه الدائم ، صدّقوا النبيّ الأمّي صاحب الجمل والدرع والتاج - وهي العمامة - والبغل والهراوة - وهي القضيب - الأكحل العين ، الصلت الجبين ، الواضح الخدّين ، الأقنى الأنف ، المفلّج الثنايا ، كأنّ عنقه إبريق فضّة ، كأنّ الدهن يجري في تراقيه ، أسمر اللون ، إذا مشى كأنّما ينقلع من صخر وينحدر من صبب ، عرقه في وجهه كاللؤلؤ أو ريح المسك ، لم يره قبله ولا بعده مثله ، نكّاح النساء ، قليل النسل ، وإنّما نسله من مباركة لها بيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ، يكفّلها في آخر الزمان كما كفّل زكريّا أمّك ، لها فرخان يستشهدان ، كلامه القرآن ، ودينه الإسلام ، وأنا السلام ، طوبى لمن أدرك زمانه وسمع كلامه » (2).

ومن ذلك ما رواه ابن عبّاس عنه من نطقه بالغيب وإخباره بالملاحم ، قال : « حججنا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حجّة الوداع ، فجاء حتّى أخذ بحلقة باب الكعبة ، ثمّ أقبل علينا بوجهه وهو كالشمس في الضحى ، ثمّ قال : « ألا أخبركم بأشراط

ص: 175


1- « مشارق أنوار اليقين » : 71 - 72.
2- المصدر السابق : 72.

الساعة؟ » فقلنا : بلى يا رسول اللّه ، فقال : « إنّ من أشراط الساعة إضاعة الصلاة ، واتّباع الشهوات ، وتعظيم المال ، وبيع الدين بالدنيا ، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء لما يرى من المنكر ، فلا يستطيع إنكاره.

فقال سلمان : وكلّ هذا كائن؟ فقال : « إي والذي نفس محمّد صلی اللّه علیه و آله بيده ، فعندها يليهم الأمراء الجور ، والوزراء الفسق ، والعرفاء الظلم ، والأمناء الخيانة ، فعندها يكون المنكر معروفا ، والمعروف منكرا ، ويصدّق الكاذب ويكذّب الصادق ، وتتأمّر النساء ، وتشاور الإماء ، وتعلو الصبيان المنابر ، ويكون الفجور ظرفا ، والزكاة مغرما ، والفيء مغنما ، ويجفو الرجل والديه ، ويبرّ صديقه ، ويطلع الكوكب المذنّب ، فعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ، ويكون المطر غيضا ، والأولاد غيظا ، فإذا دخلت السوق فلا ترى إلاّ ذامّا لربّه ، هذا يقول : لم أبع شيئا ، وهذا يقول : لم أربح شيئا ، فعندها يملكهم قوم إن تكلّموا قتلوهم ، وإن سكتوا استباحوهم ، يسفكون دماءهم ويملئون قلوبهم رعبا ؛ فلا تراهم إلاّ خائفين مرعوبين ، فعندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب ، فالويل لضعفاء أمّتي منهم والويل لهم من اللّه ، لا يرحمون صغيرا ، ولا يوقّرون كبيرا ، قلوبهم قلوب الشياطين ، فعندها يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، ويغار على الغلام كما تغار على الجارية في بيت أهلها ، ويشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، وتعلو السروج الفروج ، فعلى أولئك من أمّتي لعنة اللّه.

فعندها تزخرف المساجد والمصاحف ، وتعلو المنابر ، وتكثر الصفوف ، قلوب متباغضة ، وألسن مختلفة ، فعندها تحلّى ذكور أمتي بالذهب ، ويلبسون الحرير والديباج ، ويظهر الربا ، ويتعاملون بالرشوة ، ويستعملون الغيبة ، فعندها يكثر الطلاق ، فما يقام له حدّ ، فعندها يحجّ ملوك أمّتي للنزهة ، وتحجّ أوساطهم للتجارة ، ويحجّ فقراؤهم للرياء والسمعة ، فعندها يتعلّمون القرآن لغير اللّه ، ويتّخذونه مزامير ، ويتفقّهون للجدال ، ويكثر أولاد الزنى ، ويغنّون بالقرآن ، ويتهافتون على الدنيا ، فإذا

ص: 176

انتهكت المحارم واكتسبت المآثم ، سلّط الأشرار على الأخيار ، فعند ذلك يغشّ الكذب ، ويتهافتون في اللباس ، ويمطرون في غير أوان المطر ، وينكرون الأمر بالمعروف في ذلك الزمان حتّى يكون المؤمن أذلّ الأمّة ، ويظهر قرّاؤهم فيما بينهم التلاوة والعداوة ، أولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس ، فهناك يخشى الغني من الفقير أن يسأله ، ويسأل الناس في محافلهم فلا يضع أحد في يده شيئا ، فعندها يتكلّم من لم يكن متكلّما ، فلم يثبتوا هنالك إلاّ قليلا حتّى تخور الأرض خورة حتّى يظنّ كلّ نفس أنّها خارت في ناحيتهم ثمّ يمكثون ما شاء اللّه ، ثمّ يمكثون في مكثهم فتلقى لهم الأرض أفلاذ أكبادها ذهبا وفضّة ، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضّة » (1).

ومن ذلك في إخباره بالغيب : أنّه مسح بالتراب عن وجه عمّار بن ياسر يوم الخندق ، وقال : « تقتلك الفئة الباغية ». وقال لأبي ذرّ : « كيف أنت إذا طردت ونفيت وأخرجت إلى الربذة؟ ».

وقال : « تبنى مدينة بين دجلة والفرات وقطربل ، تجبى إليها خزائن الأرض ، يخسف بها ، يعني بغداد (2) ».

ومن كراماته صلی اللّه علیه و آله أنّه لمّا اشتدّ الأمر على المسلمين يوم الخندق ، صعد مسجد الفتح فصلّى ركعتين ، ثمّ قال : « اللّهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد بعدها في الأرض » فجاءت الملائكة فقالت : يا رسول اللّه ، إنّ اللّه قد أمرنا بالطاعة لك فمرنا بما شئت ، فقال : « زعزعوا المشركين واطردوهم ، وكونوا من ورائهم ». ففعلوا ذلك ، فقال أبو سفيان لأصحابه : إن كنّا نقاتل أهل الأرض فلنا القدرة عليهم ، وإن كنّا نقاتل أهل السماء فلا طاقة لنا بأهل السماء (3).

ص: 177


1- « مشارق أنوار اليقين » : 72 - 73 : « تفسير الصافي » 5 : 25 - 27.
2- « مشارق أنوار اليقين » : 73 - 74 : « بحار الأنوار » 18 : 113 ، ح 18.
3- « مشارق أنوار اليقين » : 174.

ومن ذلك في أسرار مولده : إنّ الملك سيف بن ذي يزن قال لعبد المطّلب رضی اللّه عنه : إنّي لأجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون أنّه إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، ولكم الزعامة إلى يوم القيامة ، يموت أبوه وأمّه ويكفّله جدّه وعمّه ، وولد في عام الفيل وتوفّي أبوه وهو ابن شهرين ، وماتت أمّه وهو ابن أربع سنين ، ومات عبد المطّلب وهو أبو ثمان سنين وكفّله عمّه أبو طالب علیه السلام . (1)

ومن كراماته صلی اللّه علیه و آله أنّ أبا ذر رضي اللّه لمّا جاء إليه وأسلم على يده ، قال له : « ارجع إلى بلادك فإنّ ابن عمّك قد مات ، وقد خلّف مالا فاحتو عليه والبث في بلادك إلى وقت كذا وأتني ». فرجع إلى اليمن فوجد كما أخبره رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فاحتوى على المال ، وبقي في بلاده حتّى ظهر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأتى إليه. (2)

ومن ذلك ما رواه وهب بن منبّه ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « لمّا عرج بي إلى السماء ناداني ربّي جلّ جلاله : يا محمّد ، إنّي أقسمت بي وأنا الذي لا إله إلاّ أنا إنّي أدخل الجنّة جميع أمّتك إلاّ من أبى ، فقلت : ربّي ومن يأبى دخول الجنّة؟

فقال : إنّي اخترتك نبيّا ، واخترت عليّا وليّا ، ومن أبى عن ولايته فقد أبى عن دخول الجنّة ؛ لأنّ الجنّة لا يدخلها إلاّ محبّه ، وهي محرّمة على الأنبياء حتّى تدخلها أنت وعليّ وفاطمة وعترتهم وشيعتهم ، فسجدت لله شكرا ، ثمّ قال لي : يا محمّد ، إنّ عليّا هو الخليفة بعدك وإنّ قوما من أمّتك يخالفوه ، وإنّ الجنّة محرّمة على من خالفه وعاداه وبشّر عليّا أنّ له هذه الكرامة منّي ، وإنّي سأخرج من صلبه أحد عشر نقيبا منهم سيّد يصلّي خلفه المسيح بن مريم ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

فقلت : ربّي متى يكون ذلك؟ فقال : إذا رفع العلم ، وكثر الجهل ، وكثر القرّاء وقلّ العلماء ، وقلّ الفقهاء ، وكثر الشعراء ، وكثر الجور والفساد ، واكتفى الرجال بالرجال ،

ص: 178


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.

والنساء بالنساء ، وصار الأمناء خونة ، وأعوانهم ظلمة ، فهناك أظهر خسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب ، ثمّ يظهر الدجّال بالمشرق ، ثمّ أخبرني ربّي بما كان وبما يكون من الفتن من بني أميّة وبني العبّاس ثمّ أمرني أن أوصل كلّ ذلك إلى عليّ علیه السلام فأوصلت إليه عن أمر اللّه. (1)

ومن ذلك من كراماته صلی اللّه علیه و آله : ما رواه ابن عبّاس ، قال : لمّا زوّج النبيّ صلی اللّه علیه و آله عليّا علیه السلام بفاطمة علیهاالسلام استدعى تميرات وفضلة من سمن عربي ، وجفنة من سويق وجعلها في قصعة كانت لهم ، ثمّ حرّكه بيده الشريفة التي هي منبع البركات ومعدن الخيرات وفيّاض النعمات ورحمة أهل الأرض والسماوات ، ثمّ قال : قدّموا الصحاف والجفان والقصاع ، فقدّمت ؛ فلم يزل يملأ من ذلك الجفن الجفان ويحملوها إلى بيوت المهاجرين والأنصار ، والقصعة تمتلئ وتفيض حتّى اكتفى سائر الناس والقصعة على حالها. (2)

ومن كراماته ومكاشفاته صلی اللّه علیه و آله ما تكلّم به عند موته والناس حوله ، فقال : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه ، وسعد أقوام وشقي آخرون ، سعد أصحاب الكساء الخمسة وأنا سيّدهم ولا فخر ، عترتي عترة اللّه ، أهل بيتي السابقون السابقون السابقون ، أولئك هم المقرّبون ، سعد من اتّبعهم وشايعهم على ديني ودين آبائي ، أنجزت موعدك يا ربّ ، واسودّت وجوه أقوام يردون ظمأ إلى نار جهنّم مرق البغل الأوّل الأعظم ، والآخر والثاني ، حسابهم على اللّه ، وثالث ورابع. كلّ امرئ بما كسبت رهين ، وعلّقت الرهون ، واسودّت الوجوه ، هلكت الأحزاب ، وقادت الأمراء بعضها بعضا إلى النار ، مبغض عليّ وآل عليّ في النار ، ومحبّ عليّ وآل عليّ في الجنّة » (3).

ص: 179


1- المصدر السابق : 74 - 75.
2- المصدر السابق : 75.
3- المصدر السابق.

[ التذنيب ] الخامس : في نبذ من المعجزات الصادرة عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله على وفق ما انتخبت من كتاب بحار الأنوار - عدا ما مرّ - وهي كثيرة :

[1] : منها : ما روي من أبي محمّد العسكري علیه السلام : « أنّه جاء قوم من المشركين ، فقالوا له : يا محمّد ، تزعم أنّك رسول ربّ العالمين ، فإنّك لا ترضى بذلك حتّى تزعم أنّك سيّدهم وأفضلهم ، وإن كنت نبيّنا فأتنا بآية كما تذكره عن الأنبياء من قبلك مثال نوح الذي جاء بالغرق ، ونجا في سفينته مع المؤمنين ، وإبراهيم الذي ذكرت أنّ النار جعلت عليه بردا وسلاما ، وموسى الذي زعمت أنّ الجبل رفع فوق رءوس أصحابه حتّى انقادوا لمّا دعاهم اللّه إليه صاغرين داخرين ، وعيسى الذي كان ينبّئهم بما كانوا يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ، وصار هؤلاء المشركون فرقا أربعا ، هذه تقول : أظهر لنا آية نوح ، وهذه تقول : أظهر لنا آية موسى ، وهذه تقول : أظهر لنا آية إبراهيم ، وهذه تقول : أظهر لنا آية عيسى ، فقال رسول اللّه : إنّما أنا لكم نذير مبين آتيكم بآية بيّنة. هذا القرآن الذي تعجزون أنتم والأمم وسائر العرب عن معارضته ، وهو بلغتكم وهو حجّة اللّه وحجّة نبيّه عليكم ، وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربّي ، وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين إلى المقرّين بحجّة صدقه ، وآية حقّه ، وليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجّة على ربّه ما يقترحه عليه المقترحون لا يعلمون أهل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون.

فجاء جبرئيل علیه السلام فقال : يا محمّد إنّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السّلام ويقول : إنّي سأظهر لهم هذه الآية ، وأنّهم يكفرون بها إلاّ من أعصمه منهم ، ولكنّي أريهم ذلك زيادة في الاعتذار والإيضاح بحججك ، وقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح علیه السلام : امضوا إلى جبل أبي قبيس فإذا بلغتم سفحه فترون آية نوح علیه السلام ، فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان بين يديه.

وقل للفريق الثاني المقترحين لآية إبراهيم علیه السلام : امضوا إلى حيث تريدون من

ص: 180

ظاهر مكّة فترون آية إبراهيم علیه السلام في النار ، فإذا غشيكم البلاء فترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها فتعلّقوا به لتنجيكم من الهلكة وتردّ عنكم النار.

وقل للفريق الثالث المقترحين لآية موسى علیه السلام : امضوا إلى ظلّ الكعبة فأنتم سترون آية موسى علیه السلام ، وسينجيكم هناك عمّي حمزة.

وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبو جهل : وأنت يا أبا جهل ، فاثبت عندي ليصل بك أخبار هؤلاء الفرق الثلاثة ، فإنّ الآية التي اقترحتها أنت تكون بحضرتي.

فقال أبو جهل للفرق الثلاثة : قوموا فتفرّقوا ليتبيّن لكم بطلان قول محمّد ، فذهبت الفرقة الأولى إلى جبل أبي قبيس ، فلمّا صاروا في الأرض وإلى جانب الجبل نبع الماء من تحتهم ، ونزل من السماء الماء من فوقهم من غير غمام ولا سحاب ، وكثر حتّى بلغ أفواههم فألجمها وألجأها إلى صعود الجبل ؛ إذ لم يجدوا منجى سواه ، فجعلوا يصعدون الجبل والماء يعلو من تحتهم إلى أن بلغوا ذروته وارتفع الماء حتّى ألجمهم وهم على قلّة الجبل ، ويفتنوا بالغرق ؛ إذ لم يكن مفرّ فرأوا عليّا علیه السلام واقفا على متن الماء فوق قلّة الجبل ، وعن يمينه طفل ، وعن يساره طفل ، فناداهم عليّ : خذوا بيدي أنجيكم ، أو بيد من شئتم من هذين الطفلين فلم يجدوا بدّا من ذلك ، فبعضهم أخذ بيد عليّ ، وبعضهم أخذ بيد أحد الطفلين ، وبعضهم أخذ بيد الطفل الآخر ، وجعلوا ينزلون بهم إلى الجبل ، والماء ينزل وينحطّ من بين أيديهم حتّى أوصلوهم إلى القرار ، والماء يدخل بعضه في الأرض ويرتفع بعضه إلى السماء حتّى عادوا كهيئتهم إلى قرار الأرض ، فجاء عليّ علیه السلام بهم إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهم يبكون ويقولون : نشهد أنّك سيّد المرسلين ، وخير الخلق أجمعين ، رأينا مثل طوفان نوح علیه السلام وخلّصنا هذا وطفلان كانا معه لسنا نراهما الآن.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ألا إنّهما سيكونان هما الحسن والحسين سيولدان لأخي هذا ، هما سيّدا شباب أهل الجنّة وأبوهما خير منهما. اعلموا أنّ الدنيا بحر عميق قد غرق فيها خلق كثير ، وأنّ سفينة نجاتها آل محمّد صلی اللّه علیه و آله ، عليّ هذا وولداه اللذان

ص: 181

رأيتموهما سيكونان ، وسائر أفاضل أهلي ، فمن ركب هذه السفينة نجا ، ومن تخلّف عنها غرق.

ثمّ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : فكذا الآخرة حميمها ونارها كالبحر ، وهؤلاء سفن أمّتي يعبرون بمحبّيهم وأوليائهم إلى الجنّة.

ثمّ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أما سمعت هذا يا أبا جهل؟ قال : بلى أنظر إلى الفرقة الثانية فيبكون ويقولون : نشهد أنّك رسول ربّ العالمين ، وسيّد الخلق أجمعين ، مضينا إلى صحراء ملساء ونحن نتذاكر بيننا قولك ، فنظرنا السماء قد تشقّقت بجمر النيران يتناثر عنها ، ورأينا الأرض قد انصدعت ولهب النيران يخرج منها ، فما زالت كذلك حتّى طبقت الأرض وملأتها ، ومسّنا من شدّة حرّها حتّى سمعنا لجلودنا نشيشا من شدّة حرّها ، وأيقنّا بالاشتواء والاحتراق بتلك النيران ، فبينما نحن كذلك إذ رفع لنا في الهواء شخص امرأة قد أرخت خمارها ، فتدلّى طرفه إلينا بحيث تناله أيدينا ، وإذا مناد من السماء ينادينا : إن أردتم النجاة فتعلّقوا ببعض أهداب هذا الخمار ، فتعلّق كلّ واحد منّا بهدبة من أهداب ذلك الخمار ، فرفعنا في الهواء ونحن نشرف جمر النيران ولهبها لا يمسّنا شررها ، ولا يؤذينا حرّها ، ولا نثقل على الهدبة التي تعلّقنا بها ، ولا تنقطع الأهداب في أيدينا على رقّتها ، فما زال كذلك حتّى جازت بنا تلك النيران ، ثمّ وضع كلّ واحد منّا في صحن داره سالما معافى ، ثمّ خرجنا فالتقينا فجئناك عالمين بأنّه لا محيص عن دينك ، ولا معدل عنك ، وأنت أفضل من لجئ إليه واعتمد بعد اللّه عليه ، صادق في أقوالك ، حكيم في أفعالك.

فقال رسول اللّه : هذه الفرقة الثانية قد أراهم اللّه آية إبراهيم علیه السلام . قال أبو جهل حتّى أنظر إلى الفرقة الثالثة وأسمع مقالها.

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لهذه الفرقة الثانية لمّا آمنوا - : يا عباد اللّه ، إنّ اللّه أغاثكم بتلك المرأة تدرون من هي؟ قالوا : لا.

قال : تلك تكون بنتي فاطمة علیهاالسلام وهي سيّدة النساء ، إنّ اللّه تعالى إذا بعث

ص: 182

الخلائق من الأوّلين والآخرين نادى منادي ربّنا من تحت عرشه : يا معشر الخلائق من الأوّلين والآخرين غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء العالمين على الصراط ، فتغضّ الخلائق كلّهم أبصارهم ، فتجوز فاطمة على الصراط ، لا يبقى أحد في القيامة إلاّ غضّ بصره عنها إلاّ محمّد وعليّ والحسن والحسين والطاهرين من أولادهم علیهم السلام فإنّهم محارمها ، فإذا دخلت الجنّة بقي مرطها ممدودا على الصراط ، طرف منه بيدها وهي في الجنّة ، وطرف في عرصات القيامة ، فينادي منادي ربّنا : يا أيّها المحبّون لفاطمة تعلّقوا بأهداب مرط فاطمة سيّدة نساء العالمين ، فلا يبقى محبّ لفاطمة إلاّ تعلّق بهدبة من أهداب مرطها حتّى يتعلّق بها أكثر من ألف فئام وألف فئام وألف فئام. قالوا : وكم فئام واحد يا رسول اللّه؟ قال : ألف ألف وينجون بها من النار.

قال : ثمّ جاءت الفرقة الثالثة باكين يقولون : نشهد يا محمّد ، أنّك رسول ربّ العالمين وسيّد الخلق أجمعين ، وأنّ عليّا أفضل الوصيّين ، وأنّ آلك افضل آل النبيّين صلّى اللّه عليهم أجمعين وصحابتك خير صحابة المرسلين ، وأنّ أمّتك خير الأمم أجمعين ، رأينا من آياتك ما لا محيص لنا عنها ، ومن معجزاتك ما لا مذهب لنا سواها. قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : وما الذي رأيتم؟ قالوا : كنّا قعودا في ظلّ الكعبة لنذكّر أمرك ونهزأ بخبرك وأنّك ذكرت أنّ لك آية مثل آية موسى علیه السلام من رفع الجبل ، فبينا نحن كذلك إذا ارتفعت الكعبة عن موضعها وصارت فوق رءوسنا ، فركزنا في مواضعنا ولم نقدر أن نريمها فجاء عمّك حمزة وقال : بزجّ رمحه هكذا تحتها فناولها واحتبسها على عظمها فوقنا في الهواء ، ثمّ قال لنا : اخرجوا ، فخرجنا من تحتها ، فقال : ابعدوا فبعدنا عنها ، ثمّ أخرج سنان الرمح من تحتها فنزلت إلى موضعها فاستقرّت فجئناك بذلك مسلمين.

فقال رسول اللّه لأبي جهل : هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك وأخبرتك بما شاهدت.

فقال أبو جهل : لا أدري صدقوا هؤلاء أم كذبوا ، أم حقّق لهم أم خيّل إليهم ، فإن رأيت ما اقترحه عليك من نحو آيات عيسى بن مريم فقد لزمني الإيمان بك ، وإلاّ فليس

ص: 183

يلزمني تصديق هؤلاء ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا أبا جهل ، فإن كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم وشدّة تحصيلهم فكيف تصدّق بمآثر آبائك ومساوئ أسلاف أعدائك؟ وكيف تصدّق من الصين والعراق والشام إذا حدّثت عنها؟ هل المخبرون عن ذلك إلاّ دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات مع سائر من شاهدها منهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يتخرّصونه إلاّ كان بإزائهم من يكذّبهم ويخبر بضدّ إخبارهم؟ ألا وكلّ فرقة من هؤلاء محتجّون بما شاهدوا ، وأنت يا أبا جهل ، محجوج بما شاهدوا.

ثمّ أقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على الفرقة الثالثة فقال لهم : هذا حمزة عمّ رسول اللّه بلغه اللّه تعالى المنازل الرفيعة والدرجات العالية ، وأكرمه اللّه بالفضائل ؛ الشدّة حبّه لمحمّد صلی اللّه علیه و آله وعليّ بن أبي طالب علیه السلام أما إنّ حمزة عمّ محمّد لينحّي جهنّم عن محبّه كما نحّى عنكم اليوم الكعبة أن تقع عليكم.

قيل : وكيف ذلك يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّه يسري يوم القيامة إلى جانب الصراط عالم كثير من الناس لا يعرف عددهم إلاّ اللّه تعالى هم كانوا محبّي حمزة وكثير منهم أصحاب الذنوب والآثام ، فتحول حيطان بينهم وبين سلوك الصراط والعبور إلى الجنّة ، فيقولون : يا حمزة ، قد ترى ما نحن فيه ، فيقول حمزة لرسول اللّه ولعليّ بن أبي طالب صلی اللّه علیه و آله : قد تريان أوليائي كيف يستغيثون بي؟ فيقول محمّد رسول اللّه لعليّ وليّ اللّه : يا عليّ أعن عمّك على إغاثة أوليائه ، واستنقاذهم من النار ، فيأتي عليّ بن أبي طالب علیه السلام إلى الرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء اللّه تعالى في الدنيا ، فيناوله إيّاه ويقول : يا عمّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ويا عمّ أخي رسول اللّه ، ذد الجحيم عن أوليائك برمحك هذا كما كنت تذود به عن أولياء اللّه في الدنيا أعداء اللّه ، فتناول حمزة الرمح بيده فيضع زجّه في حيطان النار الحائلة بين أوليائه وبين العبور إلى الجنّة على الصراط ، ويدفعها دفعة فينحّيها مسيرة خمسمائة عام ، ثمّ يقول لأوليائه والمحبّين الذين كانوا له في الدنيا : اعبروا ، فيعبرون على الصراط آمنين سالمين قد

ص: 184

انزاحت عنهم النيران وبعدت عنهم الأهوال ، ويردون الجنّة غانمين ظافرين.

ثمّ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لأبي جهل : يا أبا جهل ، هذه الفرقة الثالثة ، قد شاهدت آيات اللّه ومعجزات رسول اللّه ، وبقي الذي لك ، فأيّ آية تريد؟. قال أبو جهل : آية عيسى علیه السلام كما زعمت أنّه كان يخبر بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ، فأخبرني بما أكلت اليوم وادّخرته في بيتي ، وزد على ذلك أن تحدّثني بما صنعته بعد أكلي لمّا أكلت كما زعمت أنّ اللّه قد زادك في المرتبة فوق عيسى علیه السلام ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أمّا ما أكلت وما ادّخرت فأخبرك به وأخبرك بما فعلته في خلال أكلك ، وهذا يوم يفضحك اللّه فيه لاقتراحك ، فإن آمنت باللّه لم تضرّك هذه الفضيحة ، فإن أصررت على كفرك أضف لك إلى فضيحة الدنيا وخزيها خزي الآخرة الذي لا يبيد ولا ينفد ولا يتناهى. قال : وما هو؟

قال : قعدت يا أبا جهل ، تناولت من دجاجة مسمّنة استطبتها ، فلمّا وضعت يدك عليها استأذن عليك أخوك أبو البختري بن هشام فأشفقت أن يأكل منها وبخلت ، فوضعتها تحت ذيلك وأرخيت عليها ذيلك حتّى انصرف عنك.

فقال أبو جهل : كذبت يا محمّد ، ما من هذا قليل ولا كثير ولا أكلت من دجاجة ولا ادّخرت منها شيئا ، فما الذي فعلته بعد أكلي الذي زعمته؟ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : كان معك ثلاثمائة دينار لك وعشرة آلاف دينار ودائع الناس عندك ، المائة والمائتان والخمسة والسبعمائة والألف ونحو ذلك إلى تمام عشرة آلاف قال : كلّ واحد في صرّة وكنت قد عزمت على أن تختانهم ، وقد كنت جحدتهم ومنعتهم ، واليوم لمّا أكلت من هذه الدجاجة وأكلت زورها وادّخرت الباقي ، ودفنت هذا المال مسرورا فرحا باختيانك عباد اللّه ، واثقا بأنّه قد حصل لك ، وتدبير اللّه في ذلك خلاف تدبيرك. فقال أبو جهل : وهذا أيضا يا محمّد ؛ فما أصبت منه قليلا ولا كثيرا وما دفنت شيئا ، وقد سرقت تلك العشرة آلاف دينار والودائع التي كانت عندي ، فقال رسول اللّه : يا أبا جهل ، ما هذا من تلقائي فتكذّبني وإنّما هذا جبرئيل الروح الأمين

ص: 185

يخبرني به عن ربّ العالمين وعليه تصحيح شهادته وتحقيق مقالته.

ثمّ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : هلمّ يا جبرئيل بالدجاجة التي أكل منها ، فإذا الدجاجة بين يدي رسول اللّه ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أتعرفها يا أبا جهل؟ فقال أبو جهل : ما أعرفها وما أخبرت عن شيء ، ومثل هذه الدجاجة المأكول بعضها في الدنيا كثير ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا أيّتها الدجاجة إنّ أبا جهل قد كذّب محمّدا على جبرئيل ، وكذّب جبرئيل على ربّ العالمين ، فاشهدي لمحمّد بالتصديق وعلى أبي جهل بالتكذيب ، فنطقت فقالت : أشهد أنّك يا محمّد ؛ رسول اللّه وسيّد الخلق أجمعين ، وأنّ أبا جهل هذا عدوّ اللّه المعاند الجاحد للحقّ الّذي يعلمه أكل منّي هذا الجانب وادّخر الباقي ، وقد أخبرته بذلك وأحضرتنيه فكذّب به ، فعليه لعنة اللّه ولعنة اللاعنين ، فإنّه مع كفره بخيل ، استأذن عليه أخوه فوضعني تحت ذيله إشفاقا من أن يصيب منّي أخوه ، فأنت يا رسول اللّه ، أصدق الصادقين من الخلق أجمعين ، وأبو جهل الكاذب المفتري اللعين.

فقال رسول اللّه : أما كفاك ما شاهدت؟ آمن لتكون آمنا من عذاب اللّه عزّ وجلّ ، قال أبو جهل : إنّي لأظنّ أنّ هذا تخييل وإيهام ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : فهل تفرّق بين مشاهدتك واستماعك لكلامها ، وبين مشاهدتك لنفسك ولسائر قريش والعرب سماعك لكلامهم؟ قال أبو جهل : لا ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : فما يدريك أنّ جميع ما تشاهد وتحسّ بحواسّك تخييل؟

قال أبو جهل : ما هو تخييل ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ولا هذا بتخييل وإلاّ كيف يصحّ أنّك ترى في العالم شيئا أوثق منه؟! قال : ثمّ وضع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يده على الموضع المأكول من الدجاجة ، فمسح يده عليها فعاد اللحم عليه أوفر ما كان ، ثمّ قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا جبرئيل ، فأتنا بالأموال التي دفنها هذا المعاند للحقّ ، لعلّه يؤمن ، فإذا هو بالصرر بين يديه كلّها ، ما كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قاله إلى تمام عشرة آلاف وثلاثمائة دينار ، فأخذ رسول اللّه - وأبو جهل ينظر إليه - صرّة منها ، فقال : ائتوني

ص: 186

بفلان بن فلان ، فأتي به وهو صاحبها ، فقال : هاكها يا فلان ما قد اختانك فيه أبو جهل ، فردّ عليه ما له ، ودعا بآخر حتّى ردّ العشرة آلاف كلّها على أربابها ، وفضح عندهم أبو جهل ، وبقيت الثلاثمائة دينار بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال : الآن آمن لتأخذ ثلاثمائة دينار ويبارك اللّه تعالى لك فيها حتّى تصير أيسر قريش قال : لا آمن ولكن آخذها فهي مالي ، فلمّا ذهب يأخذها صاح رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بالدجاجة : دونك أبا جهل ، وكفّيه عن الدنانير وخذيه ، فوثبت الدجاجة على أبي جهل فتناولته بمخالبها ورفعته في الهواء وطارت به إلى سطح بيته فوضعته عليه ، ودفع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله تلك الدنانير إلى بعض فقراء المؤمنين.

ثمّ نظر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى أصحابه فقال : معاشر أصحاب محمّد هذه آية أظهرها ربّنا عزّ وجلّ لأبي جهل فعاند ، وهذا الطير الذي حيي يصير من طيور الجنّة الطيّارة عليكم فيها ، فإنّ فيها طيورا كالبخاتي عليها من جميع أنواع المواشي تطير بين سماء الجنّة وأرضها ، فإذا تمنّى مؤمن محبّ للنبيّ وآله أكل من شيء منها وقع ذلك بعينه بين يديه ، فتناثر ريشه وانشوى وانطبخ ، فأكل من جانب قديدا ، ومن جانب منه مشويّا بلا نار ، فإذا قضى شهوته ونهمته ، قال : الحمد لله ربّ العالمين ، عادت كما كانت ، فطارت في الهواء وفخرت على سائر طيور الجنّة تقول : من مثلي وقد أكل منّي وليّ اللّه عن أمر اللّه » (1).

[2] ومنها : ما روي « أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يمشي بمكّة وأخوه عليّ يمشي معه وعمّه أبو لهب خلفه يرمي عقبه بالأحجار وقد أدماه ينادي : معاشر قريش ، هذا ساحر كذّاب فاقذفوه واهجروه واجتنبوه. وحرّش عليه أوباش قريش فتبعوهما ، فما منها حجر أصابه إلاّ أصاب عليّا علیه السلام ، فقال بعضهم : يا عليّ ، ألست المتعقّب لمحمّد والمقاتل عنه والشجاع لا نظير لك مع حداثة سنّك وأنّك لم تشاهد الحروب ، ما بالك

ص: 187


1- « بحار الأنوار » 17 : 239 - 248 ، ح 2 ، نقلا عن « التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري » : 439 - 441 ، ح 292.

لا تنصر محمّدا ولا تدفع عنه؟

فناداهم عليّ علیه السلام : معاشر أوباش قريش ، لا أطيع محمّدا بمعصيتي له ، لو أمرني لرأيتم العجب ، وما زالوا يتّبعونه حتّى خرج من مكّة فأقبلت الأحجار على حالها تتدحرج ، فقالوا : الآن تشدخ هذه الأحجار محمّدا وعليّا ونتخلّص منهما وتنحّت قريش عنه خوفا على أنفسهم من تلك الأحجار ، فرأوا تلك قد أقبلت على محمّد وعليّ كلّ حجر ينادي : السّلام عليك يا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف ، السّلام عليك يا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف ، السّلام عليك يا رسول ربّ العالمين وخير الخلق أجمعين ، السّلام عليك يا سيّد الوصيّين ويا خليفة رسول ربّ العالمين ، وسمعها جماعات قريش فوجموا ، فقال عشرة من مردتهم وعتاتهم : ما هذه الأحجار تكلّمهما ، ولكنّهم رجال في حفرة بحفرة الأحجار قد خبأهم محمّد تحت الأرض ، تكلّمهما ليفرّونا ويخدعونا ، فأقبلت عند ذلك عشرة من تلك الصخور وارتفعت فوق العشرة المتكلّمين بهذا الكلام ، فما زالت تقع بهاماتهم وترتفع وترضّضها حتّى ما بقي من العشرة أحد إلاّ سال دماغه ودماؤه من منخريه ، وقد تخلّل رأسه وهامته ويافوخه ، فجاء أهلوهم وعشائرهم يبكون ويضجّون يقولون : أشدّ من مصابنا بهؤلاء تبجّح محمّد وتبذّخه بأنّهم قد قتلوا بهذه الأحجار آية له ودلالة ومعجزة ، وأنطق اللّه عزّ وجلّ جنائزهم : صدق محمّد وما كذّب وكذّبتم أنتم وما صدّقتم. واضطربت الجنائز ورمت من عليها وسقطوا على الأرض ونادت وقالت : ما كنّا ننقاد ليحمل علينا أعداء اللّه إلى عذاب اللّه.

فقال أبو جهل لعنه اللّه : إنّما هو سحر محمّد هذه الجنائز كما سحر تلك الأحجار والجلاميد والصخور حتّى وجد منهما من النطق ما وجد ، فإن كانت قتل هذه الأحجار هؤلاء لمحمّد آية له وتصديقا لقوله وتبيينا لأمره ، فقولوا له : يسأل من خلقهم أن يحييهم؟

ص: 188

فقال رسول اللّه : يا أبا الحسن ، قد سمعت اقتراح الجاهلين وهؤلاء عشرة قتلى ، كم جرحت بهذه الأحجار التي رمانا بها القوم يا عليّ؟ قال عليّ علیه السلام : جرحت أربع جراحات. وقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : وقد جرحت أنا ستّ جراحات ، فليسأل كلّ واحد منّا ربّه أن يحيي من العشرة بقدر جراحاته ، فدعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لستّة منهم فنشروا ، ودعا عليّ علیه السلام لأربعة منهم فنشروا ، ثمّ نادى المحيون : معاشر المسلمين إنّ لمحمّد وعليّ شأنا عظيما في الممالك التي كنّا فيها ، لقد رأينا لمحمّد صلی اللّه علیه و آله مثالا على سرير عند البيت وعند العرش ، ولعليّ مثالا عند البيت المعمور وعند الكرسيّ وأملاك السماوات والحجب وأملاك العرش يحفّون بهما ويعظّمونهما ويصلّون عليهما ، ويصدرون عن أوامرهما ، ويقسمون على اللّه عزّ وجلّ لحوائجهم إذا سألوه بهما ، فآمنوا منهم سبعة نفر وغلب الشقاء على الآخرين ». الحديث (1).

[3] ومنها : ما روي أنّه قال محمّد بن عليّ الباقر علیهماالسلام : « إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمّا قدم المدينة وظهرت آيات صدقه وآيات حقّه وبيّنات نبوّته ، كادته اليهود أشدّ كيد ، وقصدوه أقبح قصد ، يقصدون أنواره ليطمسوها وحججه ليبطلوها ، وكان من قصده للردّ عليه وتكذيبه مالك بن الصيف ، وكعب بن الأشرف ، وحيّ بن أخطب ، وأبو لبابة بن عبد المنذر ، وشعبة. فقال مالك لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يا محمّد ، تزعم أنّك رسول اللّه؟

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : كذلك قال اللّه خالق الخلق أجمعين ، قال : يا محمّد ، لن نؤمن أنّك رسول اللّه حتّى يؤمن لك هذا البساط الذي تحتنا ، ولن نشهد أنّك عن اللّه جئتنا حتّى يشهد لك هذا البساط.

وقال أبو لبابة بن عبد المنذر : لن نؤمن لك أنّك رسول اللّه ، ولا نشهد لك حتّى يؤمن لك ويشهد لك هذا السوط في يدي.

وقال كعب بن الأشرف : لن نؤمن لك أنّك رسول اللّه ، ولن نصدّقك حتّى يؤمن لك

ص: 189


1- « بحار الأنوار » 17 : 259 - 264 ، ح 5 ، نقلا عن « التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري » : 373 - 379 ، ح 260 - 263.

هذا الحمار الذي كان راكبه.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّه ليس للعباد الاقتراح على اللّه ، بل عليهم التسليم لله والانقياد لأمره والاكتفاء بما جعله كافيا ، أما كفاكم إن أنطق التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم بنبوّتي ودلّ على صدقي وتبيّن لكم فيها ذكر أخي ووصيّي وخليفتي وخير من أتركه على الخلائق بعدي عليّ بن أبي طالب ، فأنزل عليّ هذا القرآن الباهر للخلق أجمعين ، المعجز لهم أن يأتوا بمثله ، وأن يتكلّفوا شبهه ، فأمّا هذا الذي اقترحتموه [ فلست أقترحه على ربّي عزّ وجلّ ، بل أقول : إنّ ما أعطانيه ربّي من دلالة هو حسبي وحسبكم ، فإن فعل عزّ وجلّ ما اقترحتموه ] (1) فذاك زائد في تطوّله علينا وعليكم ، وإن منعنا ذلك فلعلمه بأنّ الذي فعله كاف فيما أراده منّا.

فلمّا فرغ رسول اللّه من كلامه هذا أنطق اللّه البساط ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، إلها واحدا أحدا صمدا قيّوما أبدا ، لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يشرك في حكمه أحدا ، وأشهد أنّك يا محمّد ، عبده ورسوله ، أرسلك بالهدى ودين الحقّ ليظهرك على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف أخوك ووصيّك وخليفتك في أمّتك ، وخير من تركته على الخلائق بعدك ، وأنّ من والاه فقد والاك ، ومن عاداه فقد عاداك ، ومن أطاعه فقد أطاعك ، ومن عصاه فقد عصاك ، وأنّ من أطاعك فقد أطاع اللّه واستحقّ السعادة برضوانه ، وأنّ من عصاك فقد عصى اللّه واستحقّ أليم العذاب بنيرانه.

قال : فعجب القوم ، فقال بعضهم لبعض ، ما هذا إلاّ سحر مبين ، فاضطرب البساط وارتفع ، ونكّس مالك بن الصيف وأصحابه عنه حتّى وقفوا على رءوسهم ووجوههم ، ثمّ أنطق اللّه تعالى البساط ثانيا ، فقال : أنا بساط أنطقني اللّه وأكرمني بالنطق بتوحيده وبتحميده والشهادة لمحمّد نبيّه ، وأنّه سيّد الأنبياء ، ورسوله إلى خلقه

ص: 190


1- الزيادة أثبتناها من « بحار الأنوار ».

والقائم بين عباد اللّه بحقّه وإمامة أخيه ووصيّه ووزيره وشقيقه وخليله ، وقاضي ديونه ، ومنجز عداته ، وناصر أوليائه ، وقامع أعدائه ، والانقياد لمن نصبه إماما ووليّا ، والبراءة ممّن اتّخذه منابذا وعدّوا فما للكافرين أن يطئوني ولا يجلسوا عليّ ، وإنّما يجلس عليّ المؤمنون ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لسلمان والمقداد وأبي ذرّ وعمّار : « قوموا فاجلسوا عليه ، فإنّكم بجميع ما شهد هذا البساط لمؤمنون. فجلسوا.

ثمّ أنطق اللّه سوط أبي لبابة بن عبد المنذر ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه خالق الخلق ، باسط الرزق ، ومدبّر الأمور ، والقادر على كلّ شيء وأشهد أنّك يا محمّد عبده ورسوله صفيّه وخليله وحبيبه ووليّه ونجيّه ، جعلك السفير بينه وبين عباده ليحيا بك السعيد ويهلك بك الأشقياء ، وأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام المذكور في الملإ الأعلى بأنّه سيّد الخلق بعدك ، وأنّه المقاتل على تنزيل كتابك ليسوق مخالفيه إلى قبوله طائعين وكارهين ، ثمّ المقاتل بعده على تأويله المنحرفين الذين غلبت أهواؤهم عقولهم ، فحرّفوا تأويل كتاب اللّه وغيّروه ، والسابق إلى رضوان اللّه أولياء اللّه ، والقاذف في نيران اللّه أعداء اللّه بسيف نقمته والمؤثّرين لمعصيته ومخالفته.

قال : ثمّ انجذب السوط من يد أبي لبابة وجذب أبا لبابة ، فخرّ لوجهه ، ثمّ قام بعد فجذبه السوط فخرّ لوجهه ، ثمّ لم يزل كذلك مرارا حتّى قال أبو لبابة : ويلي ، ما لي؟

فأنطق اللّه عزّ وجلّ السوط ، فقال : يا أبا لبابة إنّي سوط قد أنطقني اللّه بتوحيده ، وأكرمني بتحميده ، وشرّفني بتصديق نبوّة محمّد سيّد عبيده ، وجعلني ممّن والى خير خلق اللّه بعده ، وأفضل أولياء اللّه من الخلق غيره ، والمخصوص بابنته سيّدة النسوان ، المشرف ببيتوتته على فراشه أفضل الجهاد ، والمذلّ بأعدائه بسيف الانتقام ، والبائن في اللّه بعلوم الحلال والحرام والشرائع والأحكام ، لا ينبغي الكافر مجاهر بالخلاف على محمّد أن يبتذلني ويستعملني ، لا أزال أجذبك حتّى أثخنك ، ثمّ أقتلك وأزول عن يدك ، أو تظهر الإيمان بمحمّد صلی اللّه علیه و آله فقال أبو لبابة : أشهد بجميع ما شهدت به أيّها السوط واعتقده وأؤمن به ، فنطق السوط : ها أنا ذا قد تقرّرت في يدك ؛ لإظهارك

ص: 191

الإيمان واللّه أعلم بسريرتك وهو الحاكم لك أو عليك في يوم الوقت المعلوم.

قال علیه السلام : ولم يحسن إسلامه وكان منه هنات وهنات ، فقام القوم من عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فجعلت اليهود يسرّ بعضها إلى بعض بأنّ محمّدا لمؤتى له ومبخوت في أمره وليس بنبيّ صادق ، وجاء كعب الأشرف يركب حماره فشبّ به الحمار وصرعه على رأسه فأوجعه ثمّ عاد ، فركبه فعاد إليه الحمار بمثل صنيعه ، ثمّ عاد ليركبه فعاد عليه الحمار بمثل صنيعه ، فلمّا كان في السابعة أنطق اللّه تعالى الحمار فقال : يا عبد اللّه ، بئس العبد أنت ، شاهدت آيات اللّه وكفرت بها ، أنا حمار قد أكرمني اللّه بتوحيده ، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، خالق الأنام ذو الجلال والإكرام ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله سيّد أهل دار السّلام ، مبعوث لإسعاد من سبق في علم اللّه بالسعادة ، وإشقاء من سبق الكتاب عليه بالشقاوة ، وأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب وليّه ووصيّ رسوله ، ليسعد اللّه به من يسعده إذا وفّقه لقبول موعظته والتأدّب بآدابه والائتمار بأوامره والانزجار بزواجره ، وأنّ اللّه تعالى بسيوف سطوته وصولات نقمته يبكّت ويخزي أعداء محمّد صلی اللّه علیه و آله حتّى يسوقهم بسيفه الباتر ودليله الواضح الباهر إلى الإيمان به ، أو يقذفه في الهاوية إذا أبى إلاّ تماديا في غيّه وامتدادا في طغيانه وعمهه ، ما ينبغي لكافر أن يركبني بل لا يركبني إلاّ مؤمن باللّه ، مصدّق بمحمّد رسول اللّه في جميع أقواله ، منصوب له في جميع أفعاله ، وفي فعل أشرف الطاعات في نصبه أخاه عليّا وصيّا ووليّا ، ولعلمه وارثا ، وبدينه قيّما ، وعلى أمّته مهيمنا ، ولديونه قاضيا ، وبعداته منجزا ، ولأوليائه مواليا ، ولأعدائه معاديا.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا كعب بن أشرف ، حمارك أعقل منك قد أبى أن تركبه ولن تركبه أبدا ، فبعه من بعض إخواننا المؤمنين. فقال كعب : فلا حاجة لي فيه بعد أن ضرب بسحرك ، فناداه حماره : يا عدوّ اللّه ، كفّ عن تجهّم محمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله واللّه لو لا كراهيّة مخالفته لقتلتك ووطيتك بحوافري ، ولقطعت رأسك بأسناني ، فخزي

ص: 192

وسكت ، واشتدّ جزعه ممّا سمع من الحمار ، ومع ذلك غلب عليه الشقاء واشترى الحمار منه ثابت بن قبيس بمائة درهم ، فكان يركبه ويجيء إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهو تحته هيّن ليّن ذليل كريم ، يقيه التلف ويرفق به في المسالك ، فكان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول له : يا ثابت هذا لك وأنت مؤمن مرتفق بمرتفقين. فلمّا انصرف القوم من عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ولم يؤمنوا أنزل اللّه يا محمّد ، ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ ) في العظة ( أَأَنْذَرْتَهُمْ ) فوعظتهم وخوّفتهم ( أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (1) لا يصدّقون بنبوّتك ، وهم قد شاهدوا هذه الآيات وكفروا فكيف يؤمنون بك عند قولك ودعائك؟! » (2).

[4] ومنها : ما روي : « أنّه لمّا نزلت هذه الآية ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) (3) في حقّ اليهود والنواصب ، قالوا له : يا محمّد ، زعمت أنّه ما في قلوبنا شيء من مواساة الفقراء ومعاونة الضعفاء والنفقة في إبطال الباطل وإحقاق الحقّ ، وأنّ الأحجار ألين من قلوبنا وأطوع لله منّا وهذه الجبال بحضرتنا ، فهلمّ بنا إلى بعضنا فاستشهده.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله للجبل : إنّي أسألك بجاه محمّد وآله الطيّبين الذين بذكر أسمائهم خفّف اللّه العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم إلاّ اللّه عزّ وجلّ ، وبحقّ محمّد وآله الطيّبين الذين بذكر أسمائهم ، وسؤال اللّه بهم في رفع إدريس في الجنّة مكانا لما شهدت لمحمّد صلی اللّه علیه و آله بما أودعك اللّه بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم وتكذيبهم في جحدهم بقول محمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله . فتحرّك الجبل وتزلزل وفاض عنه ماء ونادى : يا محمّد ، أشهد أنّك رسول اللّه ربّ العالمين وسيّد الخلائق

ص: 193


1- البقرة (2) : 6.
2- « بحار الأنوار » 17 : 302 - 307 ، نقلا عن « التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري » : 92 - 98 ، ح 52.
3- البقرة (2) : 74.

أجمعين ، وأشهد أنّ قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجّرا ، وأشهد أنّ هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقذفونك من الفرية على ربّ العالمين.

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : وأسألك أيّها الجبل أمرك اللّه بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمّد وآله الطيّبين الذين بهم نجّى اللّه تعالى نوحا من الكرب العظيم ، وبرّد اللّه النار على إبراهيم وجعلها عليه سلاما ، ومكّنه في جوف النار على سرير وفراش وثير لم ير ذلك الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين وأنبتت من حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة ، وعمّر ما حوله من أنواع النور بما لا يوجد إلاّ في فصول أربعة؟

قال الجبل : بل أشهد لك يا محمّد ، وأشهد أنّك لو اقترحت على ربّك أن يجعل رجال الدنيا قردة وخنازير لفعل ، أو يجعلهم ملائكة فعل ، وأن يقلب النيران جليدا والجليد نيرانا لفعل ، أو يهبط السماء إلى الأرض ، أو يرفع الأرض إلى السماء ، أو يصيّر أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلّها صرّة كصرّة الكيس لفعل ، وأنّه قد جعل الأرض والسماء طوعك ، والجبال والبحار تنصرف بأمرك ، وسائر ما خلق اللّه من الرياح من الصواعق وجوارح الإنسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة وأمرتها به من شيء ائتمرت.

فقالت اليهود : يا محمّد ، أعلينا تشبه وتلتبس قد احتبست مردة من أصحابك خلف صخور هذا الجبل فهم ينطقون بهذا الكلام ونحن لا ندري السمع من الرجال أم من الجبال؟! لا يغترّ بمثل هذا إلاّ ضعفاؤك الذين تبحبح في عقولهم ، فإن كنت صادقا فتنحّ من موضعك هذا إلى ذلك ، القرار وأمر هذا الجبل أن ينقطع من أصله فيسير إليك إلى هناك ، فإذا حضرك ونحن نشاهده فأمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه ، ثمّ ترتفع السفلى من قطعته فوق العليا وتنخفض العليا تحت السفلى ، فإنّ أصل الجبل قلّته وقلّته أصله ؛ لنعلم أنّه من اللّه لا يتّفق بمواطاة ولا لمعاونة متوهّمين متمرّدين.

ص: 194

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله - وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال - : أيّها الحجر تدحرج ، فتدحرج ، فقال لمخاطبه : خذ وقرّبه من أذنك فيعيد عليك بما سمعت فإنّ هذا جزء من ذلك ، فأخذه الرجل فأدناه إلى أذنه فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل أوّلا من تصديق رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وفيما ذكره عن قلوب اليهود فيما غبر (1) به من أنّ نفقاتهم في دفع أمر محمّد صلی اللّه علیه و آله باطل ووبال عليهم ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أسمعت هذا؟ أخلف هذا الحجر أحد يكلّمك يوهمك أنّه الحجر يكلّمك؟ قال : لا ، فأتني بما اقترحت في الجبل ، فتباعد رسول اللّه إلى فضاء واسع ، ثمّ نادى : أيّها الجبل بحقّ محمّد وآله الطيّبين الذين بجاههم ومساءلة عباد اللّه بهم أرسلت على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية تنزع الناس كأنّهم أعجاز نخل خاوية ، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة في قوم صالح حتّى صاروا كهشيم المحتظر لما انقطعت من مكانك بإذن اللّه ، وجئت إلى حضرتي هذه. ووضع يده على الأرض بين يديه ، فتزلزل الجبل وسار كالقارح الهملاج حتّى دنا من إصبعه أصله فلزق بها ووقف وناداها : أنا ذا سامع لك مطيع يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وإن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين فأمرني ائتمر بأمرك.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّ هؤلاء اقترحوا عليّ أن آمرك أن تنقلع من أصلك فتصير نصفين ، ثمّ ينحطّ أعلاك ويرتفع أسفلك ، فتصير ذروتك أصلك وأصلك ذروتك.

فقال الجبل : أتأمرني بذلك يا رسول ربّ العالمين؟ قال : بلى ، فانقلع نصفين وانحطّ أعلاه إلى الأرض وارتفع أسفله فوق أعلاه فصار فرعه أصله وأصله فرعه ، ثمّ نادى الجبل : معاشر اليهود ، هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنّكم به مؤمنون!!!

فنظر اليهود بعضهم إلى بعض ، فقال بعض : ما عن هذا محيص ، وقال آخرون منهم : هذا رجل مبخوت مؤتى له ، والمبخوت تتأتّى له العجائب ، ولا يغرّنّكم

ص: 195


1- أي مضى.

ما تشاهدون ، فناداهم الجبل : يا أعداء اللّه ، قد أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى ، هلاّ قلتم لموسى : إنّ قلب العصا ثعبانا ، وانفلاق البحر طرقا ، ووقوف الجبل كالظلّة فوقكم إنّما تأتّى لك ؛ لأنّك مؤتى لك يأتيك جدّك بالعجائب ، فلا يغرّنا ما نشاهده؟!! فألقمهم الجبل بمقالتهم ولزمتهم حجّة ربّ العالمين » (1).

[5] ومنها : ما روي عن عمّار بن ياسر أنّه كان مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في بعض أسفاره قال : نزلنا يوما في بعض الصحاري القليلة الشجر ، فنظر إلى شجرتين صغيرتين ، فقال لي : « يا عمّار ، صر إلى الشجرتين ، فقل لهما : يأمركما رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن تلتقيا حتّى يقعد تحتكما » فأقبلت كلّ واحدة إلى الأخرى حتّى التقتا ، فصارتا كالشجرة الواحدة ومضى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خلفهما ، فقضى حاجته ، فلمّا أراد الخروج قال : « لترجع جميع كلّ واحدة إلى مكانها. فرجعتا كذلك » (2).

[6] ومنها : ما روي أنّه صلی اللّه علیه و آله « لمّا غزا بتبوك كان معه من المسلمين خمسة وعشرون ألفا سوى خدمهم ، فمرّ علیه السلام في مسيره بجبل يرشح الماء من أعلاه إلى أسفله من غير سيلان ، فقالوا : ما أعجب رشح هذا الجبل! فقال : « إنّه يبكي » قال : « أتحبّون أن تعلموا ذلك؟ » قالوا : نعم ، قال : « يا أيّها الجبل ، ممّ بكاؤك؟ » فأجابه الجبل بلسان فصيح : يا رسول اللّه ، مرّ بي عيسى بن مريم وهو يتلو : ( ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ) (3) فأنا أبكي عند ذلك اليوم خوفا من أن أكون من تلك الحجارة ، فقال : « اسكن مكانك فلست منها ، إنّما تلك الحجارة الكبريت » فجفّ ذلك الرشح من الجبل في الوقت حتّى لم ير ذلك الرشح وتلك الرطوبة التي كانت (4).

ص: 196


1- « بحار الأنوار » 17 : 336 - 339 ، نقلا عن « التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري » : 286 - 290.
2- « بحار الأنوار » 17 : 364 ، ح 3 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 155 ، ح 243.
3- التحريم (66) : 6.
4- « بحار الأنوار » 8 : 297 - 298 ، ح 50 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 169 ، ح 250.

[7] ومنها : ما روي عن الصادق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن محمّد بن عبد الجبّار الكوفي ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « لمّا انتهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الركن الغربي فجازه ، فقال الركن : يا رسول اللّه ، ألست قعيدا من قواعد بيت ربّك؟

فما بالى لا أستلم؟ فدنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : اسكن عليك السّلام غير مهجور ، ودخل حائطا فنادته العراجين من كلّ جانب : السّلام عليك يا رسول اللّه ، وكلّ واحد منها يقول : خذ منّي ، فأكل ، ودنا من العجوة فسجدت ، فقال : اللّهمّ بارك عليها وانفع بها ، فمن ثمّ روي أنّ العجوة من الجنّة.

وقال صلی اللّه علیه و آله : إنّي لأعرف حجرا بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث إنّي لأعرفه الآن ولم يكن صلی اللّه علیه و آله يمرّ في طريق يتبعه أحد إلاّ عرف أنّه سلكه من طيب عرفه ، ولم يكن يمرّ بحجر ولا شجر إلاّ سجد له » (1).

[8] ومنها : ما روي عن ابن عبّاس رضی اللّه عنه قال : جاء أعرابي إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله وقال : بم أعرف أنّك رسول اللّه؟ قال : « أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة فأتاني : أتشهد أنّي رسول اللّه؟ ».

قال : نعم ، قال : فدعا العذق. فجعل العذق ينزل من النخل حتّى سقط على الأرض ، فجعل يبقر حتّى أتى النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ قال : « ارجع ». فرجع حتّى عاد إلى مكانه ، فقال : أشهد أنّك لرسول اللّه وآمن العامري ، فخرج العامري يقول : يا آل عامر بن صعصعة واللّه لا أكذّبه بشيء أبدا (2).

[9] ومنها : ما روي كان رجل من بني هاشم يقال له : ركانة - وكان كافرا من أفتك الناس - يرعى غنما له بواد يقال له : وادي إضم ، فخرج النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى ذلك الوادي فلقيه ركانة ، فيقال : لو لا رحم بيني وبينك ما كلّمتك حتّى قتلتك ، أنت الذي تشتم آلهتنا؟ ادع إلهك ينجيك منّي ، ثمّ قال : صارعني فإن أنت صرعتني فلك عشرة من

ص: 197


1- « بحار الأنوار » 17 : 367 - 368 ، ح 16.
2- المصدر السابق ، ح 17.

غنمي ، فأخذه النبيّ صلی اللّه علیه و آله وصرعه وجلس على صدره ، فقال ركانة : فلست بي فعلت هذا إنّما فعله إلهك ، ثمّ قال ركانة : عد ، فإن أنت صرعتني فلك عشرة أخرى ، فصرعه النبيّ صلی اللّه علیه و آله الثانية ، فقال : إنّما فعله إلهك ، عد فإن أنت صرعتني فلك عشرة أخرى ، فصرعه النّبي صلی اللّه علیه و آله الثالثة ، فقال ركانة : خذلت اللات والعزّى ، فدونك ثلاثين شاة فاخترها ، فقال له النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « ما أريد ذلك ولكنّي أدعوك إلى الإسلام يا ركانة ، وانفس ركانة تصير إلى النار ، إنّك إن تسلم تسلم ». فقال له ركانة : لا إلاّ أن تريني آية.

فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « باللّه شهيد عليك الآن ، إن دعوت ربّي فأريتك آية لتجيبني إلى ما أدعوك؟ » قال : نعم ، وقربت منه شجرة مثمرة قال : « اقبلي بإذن اللّه ». فانشقّت باثنين وأقبلت على نصفها بساقها كانت بين يدي نبيّ اللّه ، فقال ركانة : أريتني شيئا عظيما فمرها فلترجع ، فقال له النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « شهيد إن أنا دعوت ربّي يأمرها فرجعت لتجيبني إلى ما أدعوك إليه؟ » قال : فأمرها فرجعت حتّى التأمت بشقّتها ، فقال له النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « تسلم ». فقال ركانة : أكره أن تتحدّث نساء المدينة أنّي إنّما أجبتك لرعب دخل في قلبي منك ، ولكن فاختر غنمك ، فقال صلی اللّه علیه و آله : ليس لي حاجة إلى غنمك إذا أبيت أن تسلم » (1).

[10] ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام : قال : « لمّا ماتت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين جاء عليّ علیه السلام إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فقال رسول اللّه : يا أبا الحسن مالك؟

قال : أمّي ماتت ، قال : فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : وأمّي واللّه ، ثمّ بكى ، وقال : وا أمّا ، ثمّ قال لعليّ علیه السلام : هذا قميصي فكفّنها فيه ، وهذا ردائي فكفّنها فيه ، فإذا فرغتم فآذنوني ، فلمّا أخرجت صلّى عليها النبيّ صلی اللّه علیه و آله صلاة لم يصلّ قبلها ولا بعدها على أحد مثلها ، ثمّ نزل على قبرها فاضطجع فيه ، ثمّ قال لها : يا فاطمة ، قالت : لبّيك يا رسول اللّه ، قال : فهل وجدت ما وعد ربّك حقّا؟ قالت : نعم ، فجزاك اللّه خيرا ، وطالت مناجاته في

ص: 198


1- المصدر السابق ، ح 17.

القبر ، فلمّا خرج قال : يا رسول اللّه ، لقد صنعت بها شيئا في تكفينك إيّاها ثيابك ودخولك في قبرها وطول مناجاتك وطول صلاتك وما رأيناك صنعته بأحد قبلها؟

قال : أمّا تكفيني إيّاها فإنّي لمّا قلت لها : يعرض الناس يوم يحشرون من قبورهم ، فصاحت وقالت : وا سوأتاه ، فلبستها ثيابي وسألت اللّه في صلاتي عليها أن لا يبلي أكفانها حتّى تدخل الجنّة ، فأجابني إلى ذلك.

وأمّا دخولي في قبرها فإنّي قلت لها يوما : إنّ الميّت إذا دخل في قبره وانصرف الناس عنه ، دخل عليه ملكان : منكر ، ونكير فيسألانه ، فقالت : وا غوثاه باللّه ، فما زلت أسأل ربّي في قبرها حتّى فتح لها بابا من قبرها إلى الجنّة ، وجعله روضة من رياض الجنّة » (1).

[11] ومنها : روي عن عليّ بن محمّد علیهماالسلام : « أنّ رجلا من الثقيف - كان أطيب الناس - يقال له : حارث بن كلدة الثقفي جاء إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : يا محمّد ، جئت أداويك من جنونك ، فقد داويت مجانين كثيرة فشفوا على يدي ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أنت تفعل فعل المجانين وتنسبني إلى الجنون؟

قال الحارث : وما ذا فعلته من أفعال المجانين؟ قال : نسبتك إيّاي إلى الجنون من غير محنة منك ولا تجربة ولا نظر إلى صدقي أو كذبي. فقال الحارث : أو ليس قد عرفت كذبك وجنونك بدعواك النبوّة التي لا تقدر لها؟ فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : وقولك : لا تقدر لها أفعال المجانين ؛ لأنّك لم تقل : لم قلت كذا؟ ولا طالبتني بحجّة فعجزت عنها.

فقال الحارث : صدقت أنا أمتحن أمرك آية أطالبك بها ، إن كنت نبيّا فادع تلك الشجرة - يشير بشجرة عظيمة بعد عمقها - فإن أتتك علمت أنّك رسول اللّه وشهدت له بذلك ، وإلاّ فأنت ذلك المجنون الذي قيل لي فرفع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يده إلى تلك الشجرة ، وأشار إليها أن تعالي ، فانقطعت تلك الشجرة بأصولها وعروقها وجعلت

ص: 199


1- المصدر السابق 18 : 6 - 7 ، ح 6.

تخدّ في الأرض أخدودا عظيما كالنهر حتّى دنت من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فوقفت بين يديه ونادت بصوت فصيح : ها أنا ذا يا رسول اللّه ، ما تأمرني؟

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : دعوتك لتشهدي لي بالنبوّة بعد شهادتك لله بالتوحيد ، ثمّ تشهدي بعد شهادتك لي لعليّ هذا بالإمامة ، وأنّه سندي وظهري وعضدي وفخري وعزّي ، ولولاه ما خلق اللّه عزّ وجلّ شيئا ممّا خلق ، فنادت : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّك يا محمّد عبده ورسوله أرسلك بالحقّ بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى اللّه بإذنه وسراجا منيرا ، وأشهد أنّ عليّا ابن عمّك هو أخوك في دينك ، أوفر خلق اللّه من الدين حظّا ، وأجزلهم من الإسلام نصيبا ، وأنّه سندك وظهرك ، قامع أعدائك ، وناصر أوليائك ، وباب علومك في أمّتك ، وأشهد أنّ أولياءك الذين يوالونه ويعادون أعداءه حشو الجنّة ، وأنّ أعداءه الدين يوالون أعداءه ويعادون أولياءه حشو النار ، فنظر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى الحارث بن كلدة فقال : يا حارث ، أو مجنونا يعدّ من هذه آياته؟ فقال الحارث بن كلدة : لا واللّه يا رسول اللّه ، ولكنّي أشهد أنّك رسول ربّ العالمين ، وسيّد الخلق أجمعين. وحسن إسلامه » (1).

[12] ومنها : ما روي « أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمّا ظهر بالمدينة اشتدّ حسد ابن أبيّ له ، فدبّر عليه أن يحفر له حفيرة في مجلس من مجالس داره ، ويبسط فوقها بساطا ، وينصب في أصل الحفيرة أسنّة رماح ، ونصب سكاكين مسمومة ، وشدّ أحد جوانب البساط والفراش إلى الحائط ليدخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وخواصّه مع عليّ علیه السلام ، فإذا وضع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله رجله على البساط وقع في الحفيرة ، وكان قد نصب في داره ، وخبّأ رجالا بسيوف مشهورة يخرجون على عليّ علیه السلام ومن معه عند وقوع محمّد في الحفيرة فيقتلونهم بها ، ودبّر أنّه إن لم ينشط للقعود على ذلك البساط أن يطعموه من طعامهم المسموم ليموت هو وأصحابه جميعا.

ص: 200


1- المصدر السابق 17 : 316 - 317 ، ح 14.

فجاءه جبرئيل فأخبره بذلك وقال : إنّ اللّه يأمرك أن تقعد حيث يقعدك ، وتأكل ممّا يطعمك ، فإنّه مظهر عليك آياته ، ومهلك أكثر من تواطأ على ذلك فيك ، فدخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وقعد على البساط ، وقعدوا عن يمينه وشماله وحواليه ، ولم يقع في الحفيرة ، فتعجّب ابن أبيّ ونظر وإذا قد صار ما تحت البساط أرضا ملتئمة ، فأتى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّا علیه السلام وصبحهما بالطعام المسموم ، فلمّا أراد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وضع يده في الطعام ، قال : يا عليّ ، ارق هذا الطعام بالرقية النافعة.

فقال عليّ علیه السلام : بسم اللّه الشافي ، بسم اللّه الكافي ، بسم اللّه المعافي ، بسم اللّه الّذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.

ثمّ أكل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ ، ومن معهما حتّى شبعوا ، ثمّ جاء أصحاب عبد اللّه بن أبيّ وخواصّه فأكلوا فضلات رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وصحبه وظنّوا أنّه قد غلطوا ولم يجعل فيه سموما لمّا رأوا محمّدا وصحبه لم يصبهم مكروه ، وجاءت بنت عبد اللّه بن أبيّ إلى ذلك المجلس المحفور تحته المنصوب فيها ما نصب ، وهي كانت دبّرت ذلك ونظرت فإذا ما تحت البساط أرض ملتئمة ، فجلست على البساط واثقة فأعاد اللّه الحفيرة بما فيها فسقطت فيها وهلكت.

فوقعت الصيحة ، فقال عبد اللّه بن أبيّ : إيّاكم أن تقولوا : إنّها سقطت في الحفيرة ، فيعلم محمّد ما كنّا قد دبّرنا عليه ، فبكوا وقالوا : ماتت العروس - وبعلّة عرسها كانوا دعوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله - ومات القوم الذين أكلوا فضلة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

فسأل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن سبب موت الابنة والقوم ، فقال ابن أبيّ : ابنتي سقطت من السطح ولحق القوم تخمة ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : اللّه أعلم بما ذا ماتوا ، وتغافل عنهم » (1).

إلى غير ذلك من المعجزات التي أشرنا إلى بعضها في باب النبوّة.

ص: 201


1- المصدر السابق 17 : 328 - 330 ، ح 14.

ص: 202

( المقصد الخامس ) : في الأصل الرابع وهو ( الإمامة )

اشارة

ص: 203

ص: 204

( المقصد الخامس )

في الأصل الرابع وهو ( الإمامة )

قال الشارح القوشجي : « وهي رئاسة عامّة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله . وبهذا القيد خرجت النبوّة ، وبقيد العموم مثل القضاء والرئاسة في بعض النواحي ، وكذا رئاسة من جعله الإمام نائبا عنه على الإطلاق » (1).

وقال العلاّمة رحمه اللّه في الألفين : « الإمام هو الإنسان الذي له الرئاسة العامّة في أمور الدين والدنيا بالأصالة في دار التكليف ونقض بالنبيّ ، وأجيب بوجهين :

الأوّل : التزام دخوله في الحدّ ؛ لقوله تعالى : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) (2).

والثاني : تعديل قولنا : « بالأصالة » بالنيابة عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

وقيل : الإمامة عبارة عن خلافة شخص من الأشخاص للرسول صلی اللّه علیه و آله في إقامة قوانين الشرع وحفظ حوزة الملّة ، على وجه يجب اتّباعه على الأمّة كافّة » (3).

والأولى أن يقال : إنّ الإمامة رئاسة إلهيّة عامّة على وجه النيابة الخاصّة للبشر المعصوم المنصوب المنصوص الأعلم بعد الرسول الأكرم عن خاتم النبيّين على

ص: 205


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 365.
2- البقرة (2) : 124.
3- « الألفين » : 12.

جميع المكلّفين في أمر الدنيا والدين.

وهي بحسب المعنى التصوّري عبارة عن كون البشر المنصوب المعصوم الأعلم بعد الرسول الأكرم رئيسا بالرئاسة الإلهيّة العامّة ، على وجه النيابة الخاصّة عن خاتم النبيّين على جميع المكلّفين في أمر الدنيا والدين.

وبحسب المعنى التصديقي عبارة عمّا يجب تصديقه في الجنان وإقراره باللسان ، وهو أنّ حجّة اللّه الأعظم ، المعصوم ، المنصوب ، المنصوص ، الأعلم ، الإمام المفترض مودّته وطاعته الأعلى أشرف الأمم ، النور الساطع والبرهان القاطع ، خليفة اللّه الرابع ، أسد اللّه الغالب عليّ بن أبي طالب علیه السلام الذي هو أمير المؤمنين ، والخليفة بلا فصل لخاتم النبيّين ، والوليّ بالولاية الخاصّة الخاصّة لربّ العالمين مع الأحد عشر من أولاده الطاهرين المعصومين الأعلمين المنصوبين المنصوصين بعد خاتم النبيّين رؤساء وأئمّة بالحقّ ، مع الترتيب على المكلّفين بتنصيص اللّه وسيّد المرسلين ، ويجب عليهم مودّتهم وإطاعتهم في أمر الدنيا والدين :

والإمام الأوّل : عليّ بن أبي طالب علیه السلام .

والثاني : ولده الأكبر الإمام الحسن بن عليّ علیه السلام .

والثالث : ولده الآخر الإمام الحسين بن عليّ علیه السلام .

والرابع : الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين علیه السلام .

والخامس : الإمام محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام .

والسادس : الإمام جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام .

والسابع : الإمام موسى بن جعفر الكاظم علیه السلام .

والثامن : الإمام عليّ بن موسى بالرضا علیه السلام .

والتاسع : الإمام محمّد بن عليّ التقيّ علیه السلام .

والعاشر : الإمام عليّ بن محمّد النقيّ علیه السلام .

والحادي عشر : الإمام الحسن بن عليّ العسكري علیه السلام .

ص: 206

والثاني عشر : الإمام محمّد بن الحسن المهديّ ، وهو آخر الأئمّة وصاحب الزمان علیه السلام ، وهو موجود ، حيّ الآن ، غائب عن أعين الأعيان ، وسيظهر بإذن اللّه المنّان ، ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت جورا وظلما ، عجّل اللّه فرجه وسهّل مخرجه.

ووجهه - إجمالا - : أنّه لمّا ثبت أنّ بعث النبيّ صلی اللّه علیه و آله لطف يتمّ به النظام ، ويبقى به لأمر الدين والدنيا قوام ، وأنّه لا يبقى إلى آخر التكليف ، بل يجري عليه الموت كما قال تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ ) (1) ، وجب بمقتضى اللطف والحكمة نصب خليفة ورئيس يقوم مقامه ، ويحفظ شريعته وأحكامه ؛ لئلاّ يبطل الحجّة.

ويجب أن يكون النائب كالمنوب عنه في العلم والعصمة والتنزّه عمّا يوجب النفرة وعدم إتمام الحجّة ؛ لأنّ ذلك أيضا لطف واجب في الحكمة ، ويجب على العباد الطاعة ، ولا يعلم ذلك إلاّ بالمعجزة أو بتنصيص صاحب المعجزة ، ولم يكن بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله في الأمّة إلاّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام - المماثل له في كلّ فضيلة إلاّ النبوّة - وأولاده المذكورون بلا ريبة ، فيجب على اللّه تعالى بالوجوب العقليّ نصبهم ؛ حفظا للشريعة ، وإتماما للحجّة وإبقاء القائم المنتظر الذي سيظهر بمقتضى الحكمة ، ففي هذا الأصل - الذي هو أيضا من الأصول - يقع الكلام في خمسة فصول :

الأوّل : في ثبوت الإمامة المطلقة لواحد من أهل الدين على وجه النيابة الخاصّة عن خاتم النبيّين على جميع المكلّفين في أمر الدنيا والدين ، بثبوت الرئاسة ووجوب الطاعة إمكانا وفعلا في الجملة ، بل ثبوتهما في الجملة لأمير المؤمنين علیه السلام الّذي به إكمال الدين كما نصّ به القرآن المبين ، وهذا الاعتقاد من أصول الدين ، فالمخالف - كالخوارج - خارج عن الدين.

الثاني : في العصمة ، بمعنى أنّ الإمام علیه السلام يجب أن يكون معصوما ، وهو من أصول

ص: 207


1- الزمر (39) : 30.

المذهب ردّا على العامّة (1).

الثالث : في المنصوصيّة ، بمعنى أنّ الإمام يجب أن يكون منصوبا منصوصا من اللّه ورسوله ، وهو أيضا من أصول المذهب ردّا على العامّة (2).

الرابع : في الأعلميّة ، بمعنى أنّ الإمام يجب أن يكون أعلم عصره في الأحكام الشرعية ، بل الأديان الإلهيّة والأعيان الخارجيّة والأحوال الواقعيّة ولغات المحاورات العرفيّة ؛ ليحصل إتمام الحجّة ، وهو أيضا من أصول المذهب ردّا على العامّة (3).

الخامس : في الاثني عشريّة ، بمعنى أنّ الأئمّة اثنا عشر : عليّ بن أبي طالب وأولاده علیهم السلام الأحد عشر على الترتيب المذكور مع وجود القائم الغائب المستور وظهوره بعد ذلك لإطفاء نائرة الكفر وإعلاء دائرة الإسلام.

وهو أيضا من أصول المذهب ردّا على العامّة وأمثالهم من الشيعة غير الاثني عشريّة (4) ، فإنّهم أيضا خارجون عن المذهب الحقّ ، فإنّ الحقّ مع الاثني عشريّة القائلين بأنّ الأئمّة اثنا عشر ، وهم الأئمّة المعصومون المنصوبون المنصوصون الذين هم أعلم أهل عصرهم ، ويجب مودّتهم وإطاعتهم على المكلّفين ، وأوّلهم عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين علیه السلام على وجه الخلافة بلا فصل لخاتم النبيّين مع الولاية الخاصّة من غير زيادة ونقيصة ، وهذا هو مذهب الموالي على خلاف الناصب المفرّط القالي والمفرط الغالي اللذين يكونان من الكافرين.

ولهذا يكفّر من قال في بيان ما ورد من أنّ سيّدنا محمّدا ووصيّه عليّا أوّل الخلق وعلّة الموجودات ، وأمّا العلّيّة فهي فاعليّة كما ورد : « نحن صنائع اللّه والخلق بعد

ص: 208


1- انظر « شرح المقاصد » 5 : 241 و 249.
2- المصدر السابق : 241 و 253.
3- المصدر السابق : 246 - 247.
4- المصدر السابق : 267 - 290.

صنائع لنا » (1) مع إثبات سائر أنواع العلّة أيضا ، فإنّ ذلك يقتضي إثبات الألوهيّة والربوبيّة لهما بل سائر الأئمّة الطاهرين كما هو مفاد سائر كلماته ، وذلك غلوّ وإنكار لضروري الدين ، فيكون من الكافرين.

ومثله ما حكي عن بعض من تبعه من أنّه قال - في بيان وجه ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام من قوله علیه السلام : « عرفت ما كان وما يكون » (2) - : « إنّ الموجودات كلّها - بسماواتها وأرضها وعرشها وكرسيّها وملائكتها وجنّها وحيوانها ونباتها وجمادها ، وكلّ ما يحصل من قرانها وأوضاعها وجميع ما يرى وما لا يرى ، ومن يتقلّب في الجنّة والنار وحقيقتهما وحقائق الأنبياء وسائر ما خلق اللّه عزّ وجلّ كلّها - على العموم الاستغراقي الحقيقي بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام نسبة أعمالك وحركاتك من قيامك وقعودك وكلامك بالنسبة إليك ، فكلّ الوجود آثاره وأعماله وظهوراته وشئوناته بالاختيار ، كما أنّك تقوم وتقعد وتتكلّم وتسكت ، لكنّه ليس مستقلاّ فيها ، وقد ظهرت منه هذه الأعمال والوجودات كلّها بسرّ الأمر بين الأمرين ، فهو علیه السلام حامل اللواء والذات في الذوات للذات ، فالعالم بيته الذي بناه بقدرة اللّه تعالى وكلّ ما في العالم آلات البيت التي أحدثها على حكم المقتضيات والأوضاع ، أنشأ مادّتها باللّه تعالى باختراعه لا من شيء ، وصورتها لا من شيء فهو - روحي فداه - صاحب البيت ورسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فخره وسيّده ، واللّه تعالى من ورائهم محيط.

فظهرت قدرة اللّه فيهم فتحمّلوا أوامره ونواهيه وأحكامه الوجوديّة والشرعيّة ، كما قال في الحديث القدسي : « ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن » (3) ، فهم وسعوا جميع أحكام الربوبيّة ، فظهرت لهم أحكامها ، ولمّا تمحّضوا

ص: 209


1- « جوامع الكلم ، الرسالة الرشتيّة » : 157 ؛ « بحار الأنوار » 33 : 58.
2- لم نعثر عليه فيما لدينا من المصادر.
3- حديث قدسي رواه المجلسي في « بحار الأنوار » 55 : 39.

في العبوديّة ودكّوا جبال الإنّيّة بلغوا مقام الحديدة المحميّة ، فصار فعلهم فعل اللّه ، وقولهم قول اللّه ، وحكمهم حكم اللّه ، وأمرهم أمر اللّه ، ونهيهم نهي اللّه - إلى أن قال : - ولمّا كانت الأشياء متقوّمة بهم ومبتدئة بهم وصادرة عنهم علیهم السلام وهم لا ينظرون إليهم نظر الاستقلال فصارت التعبيرات تختلف بالنسبة إليهم علیهم السلام فمرّة يعبّر عنهم باليد ، ومرّة بالقدرة ، ومرّة بالعلم ، ومرّة بالاسم ، ومرّة بالتوحيد ، ومرّة بركن التوحيد ، ومرّة بالجلال ، ومرّة بالجمال ، ومرّة بالعظمة ، ومرّة بالرحمة ، ومرّة بالألوهيّة ، ومرّة بالهويّة ، ومرّة بالوجه ، ومرّة بالجنب ، ومرّة بالاسم ، ومرّة بالمسمّى ، ومرّة بالمعنى وهكذا سائر التعبيرات.

ومرجع كلّ ذلك إلى ما ذكرنا لك من سرّ الأمر بين الأمرين ، فإذا صحّ أنّ الوجودات كلّها آثارهم الصادرة عنهم باللّه عزّ وجلّ فوجودها عندهم كالنقطة في الدائرة ، ولا شكّ أنّ المؤثّر محيط وعالم بجميع جهات أثره ممّا أحدثه وممّا يحدثه فيما بعد ، كلّ ذلك حاضر عنده موجود لديه ، كما أنّك تعلم ما تريد أن تصنع فيما بعد من آثارك إلاّ أنّه أعطاهم قدرة كلّيّة جامعة عامّة شاملة وأعطاك قدرة جزئيّة ضعيفة ، فأنت أثر الوليّ كما أنّ قيامك أثرك ، فأنت أثر بالنسبة إليه كما أنّ قيامك ذات بالنسبة إلى صفاته وأحواله العارضة له ، كما أنّك تعمل بالأمر بين الأمرين أعمالك ، كذلك الوليّ علیه السلام علمه السماوات والأرض وما كان وما يكون إلى يوم القيامة إلى ما لا نهاية له ؛ لأنّه وجه اللّه الذي لا تعطيل له في كلّ مكان ، ويده المبسوطة بالبرّ والامتنان ، ورحمته الواسعة ، وقدرته الكاملة الشاملة ، فيعلم ما يكون حين ما كان قبل أن يكون. انتهى. - إلى أن قال - : فالمستقبل عندهم عين الماضي والماضي عين الحال ، ومعنى ذلك رفع الماضي والحال والاستقبال ، فالوقت الذي عرفوا القيامة الكبرى - مثلا - هو الوقت الذي عرفوا وجود آدم أبينا علیه السلام ؛ لأنّ زمانهم سرمد بالنسبة إلى الأنبياء - إلى أن قال - : فالأشياء كلّها في جميع أحوالها حاضرة لديهم

ص: 210

معلومة لهم » (1). انتهى ما أردنا نقله.

ولا يخفى ما فيه على من لاحظ عقله لاقتضائه الغلوّ بالنسبة إلى أمير المؤمنين علیه السلام وإنكار ما هو ضرورة الدين ، ومثله ما قاله في موضع آخر : « بل الموجودات الكائنة من العينيّة والشهوديّة كلّها متقوّمة بتخيّلات الإمام وتصوّراته ، إذا سكن عنهما انعدم العالم ، فتصوّرهم علیهم السلام علّة للكون كما أنّ تصوّرك للكتابة والقيام مثلا علّة لهما لا يمكن تحقّقهما بدونه - إلى أن قال - : قوام تلك الخزائن المنقسمة إلى تينك الخزانتين بالإمام بسرّ الأمر بين الأمرين ».

ثمّ قال : « والهاء هو المخفّف من اللّه وإذا أشبعت كانت هو ؛ لأنّ الضمّ بالإشباع يتولّد منه الواو و « هو » إذا نزلت في رتبة الأسماء عن رتبة المسمّى كان الاسم المقدّس العليّ ؛ ولذا قال عزّ وجلّ - إشارة إلى ما ذكرنا من غير الإشباع في قوله تعالى - : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (2) ومع الإشباع في قوله عزّ وجلّ : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) » (3) فافهم ، فإنّ ذلك خارج عن الدين.

والحاصل : أنّ الكلام في هذا المقام بل كلّ مقام يمكن أن يقع في الإمكان الذاتي والوقوعي والوقوع ، وفي مرحلة الوقوع يمكن أن يكون المنع من جهة الدليل على العدم ، ويمكن أن يكون من جهة عدم الدليل ، فلا بدّ للمثبت المستدلّ من إقامة البرهان والدليل السالم عن المعارض أو الراجح ، فنقول فيما نحن فيه :

إنّ الكلام إن كان في الإمكان الذاتي بمعنى عدم ترتّب الاستحالة على فرض الإيجاد فالحقّ مع المثبت بالنسبة إلى عالم الأنوار ، نظير ما يدّعيه الحكماء في العقول العشرة سيّما العقل العاشر.

نعم ، ذلك محال بالنسبة إلى عالم الأجساد والأجسام ؛ لبداهة تأخّره عن كثير

ص: 211


1- لم نعثر على قول هذا البعض.
2- الزخرف (43) : 4.
3- البقرة (2) : 255.

من المخلوقات ، فيلزم من القول بالعلّية تقدّم الشيء على نفسه أو تأثير المعدوم ونحو ذلك من المحالات العقليّة ، ولكن ما ذكر غير مراد وغير نافع كما لا يخفى.

وإن كان الكلام في الإمكان الوقوعي بمعنى عدم ترتّب القبح على الوقوع فللمانع أن يقول : إنّه غير ممكن ؛ لاستلزامه ما ينافي الغرض ، ونقض الغرض قبيح ؛ وذلك لأنّ جعل اللّه تعالى غيره علّة للخلق والرزق موجب لتوهّم ألوهيّة ذلك الغير ، وذلك كفر موجب لعدم الاستعداد لإفاضة الفيض الأخروي الذي هو الغرض من الإيجاد ، كما يستفاد من بعض الأخبار حيث يدلّ على أنّ سبب إظهار عجز الأئمّة علیهم السلام وتسليط الأعادي كابن ملجم عليهم مع النهي عن إيذائهم وقتلهم دفع توهّم الألوهيّة مع جهة اتّصافهم بصفات كماليّة ، مضافا إلى أنّ ذلك أيضا غير مراد وغير نافع كما لا يخفى.

وإن كان الكلام في الوقوع كما هو الواقع فللمانع أوّلا : أن يقول : إنّ ذلك خلاف ظاهر الكتاب والسنّة ؛ فإنّ اللّه تعالى قال : ( اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ، (1) ولفظ « خالق » لا بدّ أن يحمل على الخالق بلا واسطة ؛ حذرا عن لزوم التجوّز الخاصّ أو عموم المجاز من غير قرينة ، فيستفاد كون « كلّ شيء » من المجرّدات والماهيّات البسائط والمركّبات ، وجميع أفراد الإنسان وأمثالهم مخلوقا بلا واسطة من اللّه حذرا عن التخصيص أو التقييد بلا دليل.

وأيضا قال اللّه تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ ) (2) ، و ( إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ) (3) ، و ( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ ) (4) ، ونحو ذلك ممّا يدلّ - من جهة الاشتمال على

ص: 212


1- الزمر (39) : 62.
2- الحجر (15) : 86.
3- الذاريات (51) : 58.
4- الزخرف (43) : 32.

تعريف المسند مع ضمير الفصل المفيد للحصر ونحوه - على عدم خالقيّة غيره تعالى ، مضافا إلى الضرورة القاضية بأنّ السماء والأرض وما بينهما ممّا خلقه اللّه تعالى بلا واسطة.

وعن بعض الأئمّة علیهم السلام كالرضا علیه السلام ما يدلّ على أنّ إسناد الخلق والرزق إلينا شرك ، كما روي عن الشامي ، قال : دخلت على عليّ بن موسى الرضا علیه السلام بمرو فقلت له : يا بن رسول اللّه ، روي لنا عن الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال : « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين » ما معناه؟.

فقال : « من زعم أنّ اللّه تعالى يفعل أفعالنا ثمّ يعذّبنا عليها فقد قال بالجبر ، ومن زعم أنّ اللّه عزّ وجلّ فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه علیهم السلام فقد قال بالتفويض ، فالقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك » (1) ، إلى آخر الحديث المذكور في محلّه.

ثانيا : أنّ عدم الدليل على مثل هذا الاعتقاد كاف في الحكم بالعدم ؛ لقوله تعالى : ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (2) ، وقوله تعالى : ( أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (3) ، ونحو ذلك.

وما ينسب إلى بعض الأئمّة علیهم السلام - مع عدم صحّة سنده - غير علميّ معارض بالأقوى ، ولا يصحّ الاعتقاد بمثله في المسألة العلميّة ، سيّما ما يكون من أصول الدين والمذهب كما لا يخفى.

فإن قلت : إنّ عيسى بن مريم خلق الطير - كما هو المستفاد من الكتاب وغيره - وعليّ بن أبي طالب علیه السلام أو غيره من الأئمّة علیهم السلام ليس أدنى منه بل أعلى ، كما هو مقتضى المذهب وبعض الأخبار ، فلم لا تجوّز الخلق بالنسبة إليه؟

قلت أوّلا : إنّ الكتاب صريح في أنّ عيسى خلق كهيئة الطير كالفخّار لا الطير ، وأمّا

ص: 213


1- « الاحتجاج » 2 : 397 - 398.
2- يونس (10) : 59.
3- البقرة (2) : 80.

كينونيّة طيرا فهي بإذن اللّه وأمره وجعله.

وثانيا : إنّه اجتهاد في مقابل النصّ الصريح في أنّ نسبة الخلق إليهم علیهم السلام شرك.

وثالثا : إنّ المانع هنا موجود - كما هو المستفاد ممّا تقدّم - بخلاف عيسى علیه السلام .

ورابعا : إنّ القياس في الأحكام باطل فضلا عن الأحوال الثابتة للأعيان الخارجيّة ، مع أنّ خلق السماوات ونحوها أكبر وإن كان عليّ أعلى ، فالقياس مع الفارق.

وخامسا : إنّه غير صحيح في أصول الدين والمذهب كما لا يخفى. هذا كلّه مضافا إلى أنّ المدّعى لا بدّ له من إقامة البيّنة والبرهان أو أنّه يكفي للمنكر عدم الدليل ، فإنّ عدم الدليل دليل العدم.

وبالجملة ، فمثل هذا الاعتقاد لم يكن في الآباء والأجداد والعلماء الأمجاد ، فنقول لصاحبه : إن كان هذا هو الحقّ كان آباؤك من الكفّار وأمثال الكلاب ؛ إذ ما كان بعد الحقّ إلاّ الضلال. وإن كان باطلا فأنت كافر كالكلب أو ابن الكافر كالكلب ، وما ترضى بشيء من ذلك ، فلا ترض بهذا الاعتقاد ، ولا تكن غاليا كما لست قاليا بل كن واليا ، فإنّه وسط وخير الأمور أوسطها ، وقل في جواب من تمسّك في خالقيّة مولانا عليّ بن أبي طالب علیه السلام بخالقيّة عيسى علیه السلام مضافا إلى النقض برفعه اللّه في السماء عند إرادة قتله بما أشرنا إليه ، مع أنّ عيسى كان فاعلا لهيئة الطير كالفخّار ، وكان كينونتها طيرا بإذن اللّه ( يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَ ) (1) ، ثمّ قل : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) (2) ، ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (3) ، وكيف كان فنقول :

ص: 214


1- النساء (4) : 171.
2- النساء (4) : 174.
3- الأنفال (8) : 42.

الفصل الأوّل من فصول الإمامة : في الاعتقاد الأوّل من الاعتقادات الخمسة

وهو أنّه يجب نصب الإمام على اللّه عقلا مطلقا ، وتثبيت الإمامة المطلقة لواحد من أهل الدين على وجه النيابة الخاصّة عن خاتم النبيّين على جميع المكلّفين بثبوت الرئاسة ووجوب الطاعة إمكانا وفعلا في الجملة على وجه المطلقة العامّة ، بل ثبوتهما في الجملة لعليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين علیه السلام الذي به إكمال الدين ، كما نطق به القرآن المبين على وجه المطلقة الخاصّة ، الذي يكون من حيث الإمكان والوقوع في الجملة من أصول الدين وإن كان من حيث الوجوب من أصول المذهب ، بمعنى أنّه يجب نصب الإمام على اللّه تعالى عقلا مطلقا.

خلافا لطوائف من الخوارج ، حيث يقولون بعدم وجوبه مدّعين بوجوب الخروج عليه لو ادّعى الإمامة على ما حكي عنهم ؛ ولجمهور أهل السنّة فقالوا بوجوبه على الأمّة سمعا على ما حكي عنهم ، ولجمهور المعتزلة والزيديّة فقالوا بوجوبه عليهم عقلا ، ولبعض فقال بوجوبه عند الخوف وظهور الفتن ، وأمّا مع الأمن فلا يجب ، ولآخر فقال بالعكس.

لنا : أنّ وجود الإمام بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله وعدم إمكانه بسبب ختم النبوّة مع بقاء التكاليف الشرعيّة - سيّما ما يوجب اجتماع الناس وازدحامهم كسدّ الثغور وتجهيز

ص: 215

الجيوش للجهاد والدفاع ونحو ذلك ممّا فيه مظنّة وقوع الفتن - لطف على المكلّفين ؛ إذ لا يتمّ الغرض - وهو الاستعداد للنعيم الأبدي - إلاّ به كما لا يخفى ، فهو واجب في الصورة المفروضة بدلا عن النبوّة ؛ لأنّ الوقائع غير محصورة والحوادث غير مضبوطة بحيث لا يكفي الكتاب والسنّة ، بمعنى أنّه لا يكفي - كما نشاهد - أنّ فرق الأمّة ثلاث وسبعون ، وكلّهم يقرءون القرآن ، ويزعم كلّ فريق أنّه على الحقّ ، فلو كان القرآن في رفع الحيرة كافيا لما وقع ذلك ، فلا بدّ من إمام منصوب من قبل اللّه المتعال معصوم عاصم عن الضلال لو فقد المانع ، ويحصل التمكّن من الامتثال لقوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (1).

والاعتراض بإمكان حصول اللطف من جهة كون جميع المكلّفين معصوما فلم يحتاجوا إلى الإمام من أفحش الأغلاط ؛ لامتناع ما فرض عادة ، سيّما أنّ المكلّفين الموجودين بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله مع كونهم غير معصومين ضرورة كانوا محتاجين إلى الإمام علیه السلام ، والعجب أنّهم يوبّخون القائل بوجود معصوم واحد ويجوّزون عصمة كلّ الناس.

وما يقال من أنّه يحتمل أن يكون مفسدة مانعة عن نصب الإمام فلا يجب على اللّه وإن لم تكن المفسدة معلومة لنا.

ففيه أنّ المفسدة إمّا دينيّة أو دنيويّة ، وكلاهما في نصب الإمام العادل المعصوم منفيّان.

أمّا الأولى فظاهرة ؛ لأنّه حافظ للشريعة ، ففيه مصلحة لا مفسدة.

وأمّا الثانية ؛ فلأنّها راجعة إلى مصالح العباد ومفاسدهم في الحياة الدنيويّة وحفظ النظام وإخلاله ، وليس في تلك الأمور ما يحكم العقل بكون نصب الإمام علیه السلام مفسدة بالنظر إليه ، بل هو جازم بأنّ سدّ مفاسد أمور المعاش لا يمكن إلاّ بوجود سلطان

ص: 216


1- النحل (16) : 43 ؛ الأنبياء (21) : 7.

قاهر عادل عالم معصوم ، فيجب على اللّه تعالى نصبه ؛ لئلاّ يختلّ نظام المعاش اختلالا موجبا لاختلال نظام المعاد الموجب لعدم حصول الغرض ، الموجب لكون أفعال اللّه تعالى قبيحة.

فإن قلت : هذا مناف لما هو مذهبكم من جواز غيبة الإمام علیه السلام وجواز عدم تعرّضه للأحكام عند حضوره مرّ الأيّام ؛ إذ لا لطف مع عدم الظهور ولا مع الظهور بلا تنفيذ الأحكام.

قلت : أوّلا : إنّ المانع - وهو الخوف من الأعداء - موجود ، ويشترط في كلّ واجب عدم المانع ولو كان منعه بالنظر إلى حال العباد.

وثانيا : إنّ اللطف مع الغيبة موجود أيضا ؛ لأنّه يحفظنا ويردعنا عن الضلالة ، فمثله كمثل الشمس تحت السحاب.

وثالثا : إنّ من اعتقد وجوده وعلم أنّ غيبته بسبب الخوف ، وجوّز ظهوره في كلّ ساعة بسبب زوال المانع ، انزجر عن كثير من المعاصي ، بخلاف ما إذا اعتقد بعدم وجوده أو بعدم وجوب إيجاده ، فوجوده مع الغيبة أيضا لطف وإن كان حضوره لطفا آخر ، وكذا تنفيذ الأحكام ، فحيث حصل من جهة الأنام مانع عن الأخيرين سقطا فبقي الأوّل على حاله.

ورابعا : إنّ من انتظر ظهوره يحصل له فوز عظيم أخرويّ ، وهو أيضا لطف.

وخامسا : إنّ الرياضات الجسمانيّة والروحانيّة - المقتضية لحصول الاستعداد لنعيم الآخرة في حال الغيبة - أكثر ، ففيها لطف.

وبالجملة ، فالواجب على اللّه تعالى إيجاد الإمام ، وأمّا تسليطه على التصرّف في الأمور فهو باختيارنا ، لئلاّ يلزم الجبر.

فعمدة أدلّة أهل السنّة - على ما حكي عنهم - إجماع الصحابة على وجوب تعيين الإمام علیه السلام بعد فوت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حتّى جعلوا ذلك من أهمّ الواجبات واشتغلوا عن دفن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وكذا عقيب موت كلّ إمام من أئمّتهم ، كما روي

ص: 217

أنّه لمّا مات الرسول صلی اللّه علیه و آله خطب أبو بكر وقال : أيّها الناس من كان يعبد محمّدا فإنّ محمّدا مات ، ومن كان

يعبد ربّ محمّد فإنّه حيّ لا يموت ، فلا بدّ لخلافته من تقوم به فعيّنوه بآرائكم ، فقالوا : صدقت ولم يكذّبه أحد ، وهو المعنيّ من الإجماع على وجوب تعيين الإمام. (1)

ويرد عليهم أنّ أمر الخلافة إذا كان بهذه المرتبة بحيث يجوز ترك تجهيز النبيّ صلی اللّه علیه و آله بل هو تالي النبوّة الموجب لحفظ الشريعة وحصول السعادة والشقاوة بالمتابعة والمخالفة ، فكيف يجوز ترك النبيّ صلی اللّه علیه و آله لبيانه وإهماله وتفويضه على رأي من لا يتمكّن من إدراك الكمالات الظاهريّة فضلا عن الباطنيّة التي لا يستحقّ الخلافة بدونها ، وقد بيّن لما هو أخسّ الأمور كالتخلّي؟ ومسائل عديدة ولم يفوّضه إلى رأي الأمّة ، فكيف يتعقّل منه إهمال ما هو من أصول الدين وعدم بيانه بل عدم الأمر بتعيينه بعده ، مع أنّه مبعوث لبيان الواجبات وغيرها من أحكام اللّه تعالى وقد بلّغ جميعها حتّى آداب دخول الحمّام وأكل الطعام والتخلّي ونحو ذلك ، مع أنّ دأبه صلی اللّه علیه و آله - كما قيل - كان نصب الخليفة حين الحياة بسبب أدنى الغيبة من المدينة ونصب الأمير لجنوده وسريّته؟ فكيف يتصوّر منه تخلية جميع الأمّة بعد وفاته بلا رئيس حافظ للشريعة؟

وأيضا فإنّ الأصحاب - الذين تركوا تجهيز النبيّ صلی اللّه علیه و آله واشتغلوا بخطبة أبي بكر - لا اعتبار بإجماعهم.

وأيضا فإنّ أبا بكر تكلّم بكلام فيه سوء الأدب بالنسبة إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله كما لا يخفى ، ونسب العبوديّة إليه صلی اللّه علیه و آله فمثل هذا كيف يصلح للخلافة؟! ختم اللّه على قلوبهم.

ص: 218


1- يعدّ هذا الدليل واحدا من الأدلّة التي ساقها أهل السنّة على وجوب نصب الإمام ، وذكر التفتازاني أنّه العمدة بحيث إنّ الصحابة قدّموه وجعلوه من أهمّ الواجبات واشتغلوا به عن دفن الرسول صلی اللّه علیه و آله . انظر « شرح المقاصد » 5 : 236.

مضافا إلى أنّ الإجماع الذي ليس فيه رئيس الملّة وهو عليّ بن أبي طالب علیه السلام ومن يعتنى به كالعبّاس وسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار وحذيفة وغير ذلك ، ليس به اعتناء ، وقد نقل إجماعهم أنّ الجماعة المذكورين لم يكونوا حاضرين ، بل كانوا بتجهيز الرسول صلی اللّه علیه و آله مشغولين.

وأيضا فإنّ الوجوب النقلي قد ثبت بعد الإجماع بزعمهم فقبل تحقّقه بأيّ شيء استندوا حيث تركوا تجهيز النبيّ صلی اللّه علیه و آله وقالوا : إنّ تعيين الإمام من أهمّ الواجبات ، مع أنّهم لا يقولون بالوجوب العقلي ، ولم يتحقّق حينئذ الوجوب النقلي ، فإن كان تمسّكهم بسمع آخر فلم لم ينقلوه ولم تمسّكوا بالإجماع الفاسد؟

ومن هذا ظهر بطلان مذهب المعتزلة والزيديّة ؛ لعدم تصوّر إمكان نصب الخليفة لنا. نعم ، يتصوّر منّا نصب رئيس وأمير لحفظ النظام في الدنيا ، وهذا غير مراد ، وحيث بيّنّا وجوب تعيين الخليفة على اللّه والرسول لم يكن للقول بوجوب نصب الرئيس المذكور وجه.

والحاصل : أنّه يجب على اللّه نصب الإمام عقلا ، من جهة كونه سببا لبقاء نظام المعاش والمعاد ، وكونه لطفا وإن كان في الإظهار والإنفاذ مانع ؛ ردّا على طوائف كالخوارج وجمهور أهل السنّة والمعتزلة وأمثالهم ، كما قال تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (1) ، وقد فسّر في الخبر بأنّ كلّ إمام هاد للقوم الذي هو فيهم.

وعن الصادق علیه السلام « أنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام حتّى يعرف » (2).

وعنه علیه السلام عن عليّ بن الحسين علیه السلام أنّه قال : « لم تخل الأرض منذ خلق اللّه آدم علیه السلام من حجّة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة اللّه فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد اللّه » قيل له علیه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب

ص: 219


1- الرعد (13) : 7.
2- « الاختصاص » : 268.

المستور؟ قال : « كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب » (1) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( الإمام لطف فيجب نصبه على اللّه تعالى تحصيلا للغرض ).

اختلفوا في أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمان النبوّة هل يجب أم لا؟ وعلى تقدير وجوبه على اللّه تعالى أم علينا عقلا أم سمعا؟

فذهب أهل السنّة إلى أنّه واجب علينا سمعا. وقالت المعتزلة والزيدية بل عقلا.

وذهب الإماميّة إلى أنّه واجب على اللّه عقلا ، واختاره المصنّف. وذهب الخوارج إلى أنّه غير واجب مطلقا. وذهب أبو بكر الأصمّ إلى أنّه لا يجب مع الأمن ؛ لعدم الحاجة إليه ، وإنّما يجب عند الخوف وظهور الفتن. وذهب الغوطي وأتباعه إلى عكس ذلك ، أي يجب مع الأمن ؛ لإظهار شعائر الشرع ولا يجب عند ظهور الفتن ؛ لأنّ الظلمة ربّما لا يطيعونه وصارت سبب زيادة الفتن.

تمسّك أهل السنّة بوجوه :

الأوّل : - وهو العمدة - إجماع الصحابة حتّى جعلوا ذلك أهمّ الواجبات واشتغلوا به عن دفن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وكذا عقيب موت كلّ إمام.

روي أنّه لمّا توفّي النبيّ صلی اللّه علیه و آله خطب أبو بكر فقال : يا أيّها الناس ، من كان يعبد محمّدا صلی اللّه علیه و آله فإنّ محمّدا قد مات ، ومن كان يعبد ربّ محمّد فإنّه حيّ لا يموت ، لا بدّ لهذا الأمر ممّن يقوم به ، فانظروا وهاتوا آراءكم رحمكم اللّه ، فتبادروا من كلّ جانب ، وقالوا : صدقت لكنّا ننظر في هذا الأمر ، ولم يقل أحد أنّه لا حاجة إلى الإمام. (2)

الثاني : أنّ الشارع أمر بإقامة الحدود وسدّ الثغور وتجهير الجيوش للجهاد وكثير

ص: 220


1- « إكمال الدين » : 119 - 120 ؛ « الأمالي » للصدوق : 112.
2- هذه الرواية ذكرها التفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 236.

من الأمور المتعلّقة بحفظ النظام وحماية بيضة الإسلام ممّا لا يتمّ إلاّ بالإمام ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به وكان مقدورا فهو واجب على ما مرّ.

الثالثة : أنّ في نصب الإمام استجلاب منافع لا تحصى ، واستدفاع مضارّ لا تخفى ، وكلّ ما هو كذلك فهو واجب.

أمّا الصغرى فتكاد أن تكون من الضروريّات بل المشاهدات ، وتعدّ من العيان الذي لا يحتاج إلى البيان ؛ ولهذا اشتهر أنّ ما يزع السلطان أكثر ممّا شرّع القرآن ، وما يلتئم بالسنان لا ينتظم بالبرهان ؛ وذلك لأنّ الاجتماع المؤدّي إلى صلاح المعاش والمعاد لا يتمّ بدون سلطان قاهر يدرأ المفاسد ، ويحفظ المصالح ، ويمنع ما تتنازع إليه الطباع وتتنازع عليه الأطماع ، وكفاك شاهدا ما يشاهد من استيلاء الفتن والابتلاء بالمحن بمجرّد هلاك من يقوم بحماية الحوزة ، ورعاية البيضة ، وإن لم يكن على ما ينبغي من الصلاح والسداد ، ولم يخل عن شائبة شرّ وفساد ، ولهذا لا ينتظم أمر أدنى اجتماع - كرفقة طريق - بدون رئيس يصدرون عن رأيه ومقتضى أمره ونهيه ، بل ربّما يجري مثل هذا فيما بين الحيوانات العجم - كالنحل - لها عظيم يقوم مقام الرئيس ينتظم به أمرها ما دام فيها ، وإذا هلك انتشرت الأفراد انتشار الجراد ، وشاع فيما بينهم الهلاك والفساد.

لا يقال : فغاية الأمر أنّه لا بدّ في كلّ اجتماع من رئيس مطاع منوط به النظام والانتظام ، لكن من أين يلزم عموم رئاسته جميع الناس وشمولها أمر الدين على ما هو المعتبر في الإمام.

لأنّا نقول : انتظام أمر عموم الناس على وجه يؤدّي إلى صلاح الدين والدنيا يفتقر إلى رئاسة عامّة فيهما ؛ إذا لو تعدّد الرؤساء في الأصقاع والبقاع لأدّى إلى مخاصمات ومنازعات موجبة لاختلال أمر النظام ، ولو اقتصرت رئاسته على أمر الدنيا لفات انتظام أمر الدين الذي هو المقصود الأهمّ والعمدة العظمى.

وأمّا الكبرى فبالإجماع ، واحتجّ المصنّف بأنّ الإمام لطف من اللّه تعالى في حقّ

ص: 221

عباده ؛ لأنّه إذا كان لهم رئيس يمنعهم في المحظورات ، ويحثّهم على الواجبات كانوا معه أقرب إلى الطاعات ، وأبعد عن المعاصي ، وهو لطف ومفقود منهم بدونه ، واللطف واجب عليه تعالى بناء على أصلهم.

واعترض عليه بأنّ نصب الإمام إنّما يكون لطفا إذا خلا عن المفاسد كلّها ، وهو ممنوع ؛ فإنّ أداء الواجب وترك الحرام مع عدم الإمام أكثر ثوابا ؛ لكونهما أقرب إلى الإخلاص ؛ لانتفاع احتمال كونهما من خوف الإمام. (1)

ولو سلّم فإنّما يجب لو لم يقم لطف آخر مقامه كالعصمة مثلا لم لا يجوز أن يكون زمان يكون الناس فيه معصومين مستغنين عن الإمام علیه السلام ؟

وأيضا إنّما يكون لطفا إذا كان الإمام ظاهرا قاهرا زاجرا عن القبائح قادرا على تنفيذ الأحكام وإعلاء لواء الإسلام ، وهذا ليس بلازم عندكم ، فالإمام الذي ادّعيتم وجوبه ليس بلطف ، والذي هو لطف ليس بواجب.

والمصنّف أشار إلى الجواب عن الأوّل بقوله : ( والمفاسد معلومة الانتفاء ). وعن الثاني بقوله : ( وانحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء ). والظاهر أنّهما مجرّد دعوى.

وأشار إلى الجواب عن الثالث بقوله : ( ووجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّا ). يعني أنّ وجود الإمام لطف سواء تصرّف أو لم يتصرّف على ما نقل عن عليّ علیه السلام أنّه قال : « لا تخلو الأرض عن قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهر مشهور أو خائف مغمور ؛ لئلاّ يبطل حجج اللّه تعالى وبيّناته » (2).

وتصرّفه الظاهر لطف آخر ، وإنّما عدم تصرّفه من جهة العباد وسوء اختيارهم ، حيث أخافوه وتركوا نصرته ففوّتوا اللطف على أنفسهم.

وردّ بأنّا لا نسلّم أنّ وجوده بدون التصرّف لطف.

ص: 222


1- انظر « شرح المقاصد » 5 : 237 وما بعدها.
2- « الإرشاد » 1 : 228 ، من كلامه علیه السلام في مدح العلماء وتصنيف الناس وفضل العلم والحكمة.

فإن قيل : إنّ المكلّف إذا اعتقد وجوده كان دائما يخاف ظهوره وتصرّفه ، فيمتنع من القبائح.

قلنا : مجرّد الحكم بخلقه وإيجاده في وقت ما كاف في هذا المعنى ، فإنّ ساكن القرية إذا انزجر عن القبيح خوفا من حاكم من قبل السلطان مختف في القرية بحيث لا أثر له كذلك ينزجر خوفا من حاكم علم أنّ السلطان يرسله إليها متى شاء ، وليس هذا خوفا من المعدوم بل من موجود مترقّب كما أنّ خوف الأوّل من ظهور مترقّب » (1).

أقول : لا يخفى ما فيه فيما ذكره الشارح القوشجي عن الردّ والإيراد لمن لاحظ ما ذكرناه بعين الإنصاف لا العناد.

وصل : هذا الاعتقاد من أصول الدين من جهة ملاحظة ثبوت الإمامة المطلقة لواحد من أهل الدين على وجه النيابة الخاصّة عن خاتم النبيّين على جميع المكلّفين في أمر الدنيا والدين بحسب إمكان ذلك ووقوعه في الجملة ، بل ثبوتها في الجملة لعليّ بن أبي طالب علیه السلام الذي يكون سببا لإكمال الدين كما نطق به القرآن المبين حيث قال : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (2) ، بعد نصب الرسول صلی اللّه علیه و آله له في غدير [ خم ] كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى ، بمعنى أنّ الاعتقاد بثبوت الإمامة المطلقة العامّة بل الخاصّة في الجملة من أصول الدين ، ومنكره كالخوارج خارج عن الدين وإن كان من حيث الاعتقاد بوجوبه ، وكون ذلك الثبوت على وجه الوجوب من أصول المذهب ، وكان منكره كالأشاعرة خارجا عن المذهب كما أشرنا إليه.

ص: 223


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 365 - 366.
2- المائدة (5) : 3.

الفصل الثاني : في العصمة

بمعنى أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما كالنبيّ ، كما هو من أصول المذهب خلافا للعامّة.

بيان ذلك : أنّ عصمة الإمام لطف أيضا ، بل لا يتحقّق كون إيجاده لطفا بدونها ؛ لأنّ غير المعصوم لا يؤمن من الحيف والميل الموجبين لوقوع الفتن والاختلال في أمر الدين والدنيا ، وهذا مناف للّطف.

وأيضا فإنّ الغرض من نصب الإمام حصول الاطمئنان والانقياد ، ولا يحصل ذلك إلاّ بكونه معصوما ؛ إذ المخطئ أو العاصي لا يجب إطاعته ، بل يجب مخالفته ، مع أنّ النائب يجب أن يكون مثل المنوب عنه في العصمة عمّا ينافي نصبه ، مضافا إلى أنّ غير المعصوم علیه السلام تتنفّر طباع ذوي العقول في أمر المعاش والمعاد عنه كما لا يخفى ، حيث يجوز منه الكذب والخطأ والغفلة ونحوها ، فلا يكون قابلا للرئاسة العامّة التي يكون المقصود منها إتمام الغرض بالاستعداد للفيض الأبدي ، فيجب كونه معصوما ؛ لئلاّ يلزم القبح على اللّه تعالى.

وأيضا فإنّ حفظ الشريعة وبقاءها مع عدم النبوّة ممّا لا بدّ فيه من معصوم ؛ لئلاّ يتحقّق النسيان والإهمال والإخلال والتحريف والتغيير للأغراض الفاسدة التي تقتضي ارتفاع الشريعة مع أنّها باقية إلى يوم القيامة ، فلا بدّ في كلّ زمان من

ص: 224

معصوم حافظ للشريعة.

وأيضا فإنّ كلّ زمان يتحقّق فيه وقائع خاصّة لا بدّ من استنباطها من الآيات التي لا يعلم تأويلها إلاّ اللّه والراسخون في العلم ، ولا بدّ من بيانها منها أو من غيرها ، ولا يمكن ذلك لغير المعصوم ؛ لاحتمال الخطإ فيه ، وزماننا لا يخلو عن ردع المعصوم مع أنّ المراد وجوب وجوده حتّى لو احتيج إليه رفع الاحتياج فيما لولاه لاختلّ أمر الدين ، كما هو حال من يكون في زمان يكون زمان ظهور الإمام علیه السلام .

فظهر ممّا ذكرنا وجوب كون الإمام علیه السلام معصوما عن الصغائر والكبائر عمدا وسهوا بل عن الأخلاق الذميمة والعيوب والأمراض المزمنة ، وغير ذلك ممّا يوجب تنفّر الطباع المنافي للغرض ممّا ذكرنا في النبوّة ، ووجوب اتّصافه بالكمالات والأخلاق الحميدة وكرامة الآباء والأمّهات وعلوّ النسب وشرافة القبيلة وتفرّده في الكمالات بل ذلك في الإمام أهمّ ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قد صار سببا لحصول الكمالات للأمّة ، فصعب عليهم امتثال من ليس بمتفرّد في الكمالات ، بل يستقبح ذلك.

وما ذكرنا وإن لم يكن داخلا في حقيقة العصمة لكنّه يجب تحقّقه ، فلا بدّ من حمل العصمة على معنى يشمله ، فيقال : إنّه مثل غريزة مانعة عن حدوث الذنب مطلقا وموجبة للتنزّه عن النقائص مطلقا والاتّصاف بالكمالات كذلك. وهذا المعنى واجب الحصول ؛ ليحصل التقريب إلى الطاعات والتبعيد عن المعاصي ، وذلك هو اللّطف الواجب على اللّه.

وممّا ذكرنا يظهر وجه ما سيأتي من أنّه يجب أن يكون الإمام أفضل من غيره ؛ لئلاّ يلزم تقديم المفضول أو أحد المتساويين الذي هو قبيح ، ولا يلزم الاختلاف وعدم قبول الطباع ، وأن يكون منصوصا من اللّه ورسوله ؛ لأنّ عصمته التي لا بدّ منها أمر مخفيّ يغفل عنه غالبا ؛ للغفلة عن دليله ، فيلزم الضلالة ، فلا بدّ من إظهار المعجزة أو تنصيص المخبر الصادق من اللّه ، فحيث انتفى الأوّل وجب الثاني.

والحاصل : أنّ التنصيص لطف في معرفة الإمام ، فهو واجب على اللّه تعالى ،

ص: 225

ويجب على الرسول تبليغه وإظهاره وإن خفي على بعض ؛ بسبب تقصير الأمّة وعدم إيصال الشاهد منهم إلى الغائب ، فاندفع ما يقال من أنّه لو ورد نصّ لنقل إلينا ، ولما تردّد الصحابة ، ولما احتاج تحقّق الخلافة إلى البيعة ؛ إذ الصحابة لم يكونوا معصومين ، فبعضهم أنكروه لداعية الرئاسة ، وبعضهم أخفوه لتوقّعها له أو لمن ينتفع به ، أو نحو ذلك من الأغراض الفاسدة الدنيويّة ، مع أنّ الدليل العقلي إذا اقتضى وجوب التنصيص فنفيه بمثل ذلك الاحتمال ليس إلاّ من فرط التعصّب والعناد ، أو من نقص الإدراك والاستعداد ، حرسنا اللّه عنه بالنبيّ وآله الأمجاد.

والحاصل : أنّ الإمام علیه السلام لا بدّ أن يكون بشرا معصوما منصوصا أو في حكمه ، وأفضل في العلم والعمل ونحوهما ممّا له دخل في الرئاسة العامّة في أمر الدين وإتمام الحجّة على المكلّفين ردّا على العامّة العمياء ؛ لأنّ ذلك لطف واجب على اللّه تعالى.

مضافا إلى النقل كما قال اللّه تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) ، وقال اللّه تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى ) (2).

وقال : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (3) ، أي يختار من يشاء للنبوّة ، والإمامة لا تكون إلاّ بالإمام الذي له الرئاسة في أمر الدين والدنيا لا برأي الناس.

وقال اللّه تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (4) ، وقال اللّه تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) (5).

ص: 226


1- البقرة (2) : 124.
2- يونس (10) : 35.
3- القصص (28) : 68.
4- النحل (16) : 43.
5- آل عمران (3) : 33 - 34.

وعن سعد بن عبد اللّه قال : سألت القائم في حجر أبيه فقلت : أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم ، قال : « مصلح أو مفسد؟ » قلت : مصلح قال : « هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد »؟.

قلت : بلى ، قال : « فهي العلّة أيّدتهما لك ببرهان ينقاد له عقلك؟ » ، قلت : نعم ، فذكر اختيار موسى سبعين رجلا ظنّ أنّهم من الصالحين وقد كانوا من المنافقين (1).

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال : « عرج بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى السماء مائة وعشرين مرّة ، ما من مرّة إلاّ وقد أوحى اللّه عزّ وجلّ فيها إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالولاية لعليّ علیه السلام والأئمّة علیهم السلام أكثر ممّا أوحاه بالفرائض » (2).

وعنه علیه السلام : « الإمام يعرّف الإمام الذي يكون من بعده » (3). إلى غير ذلك من الأخبار.

وبالجملة فوجوب عصمة الإمام من قطعيّات مذهب الإماميّة. واحتجّ المصنّف عليه بوجوه :

منها : ما أشار إليه بقوله : « وامتناع التسلسل يوجب عصمته » ، بمعنى أنّ الإمام لو لم يكن معصوما يلزم التسلسل ، والتسلسل باطل ، فعدم كون الإمام معصوما باطل.

وجه اللزوم أنّ المحوج إلى الإمام جواز الخطإ المنافي للغرض على الأمّة في العلم والعمل ، فلو جاز الخطأ على الإمام أيضا لوجب إمام آخر وهكذا ، فيلزم التسلسل وهو باطل ؛ لما مرّ فيما تقدّم من برهان التطبيق ونحوه ، فوجب عصمة الإمام كما هو مذهب الإماميّة والإسماعيليّة ، خلافا لسائر الفرق كالأشاعرة ؛ تمسّكا

ص: 227


1- « كمال الدين » 2 : 461 و 462 ، ح 21.
2- « الخصال » 2 : 601 ، ح 3.
3- « الكافي » 1 : 277 ، باب أنّ الإمام يعرّف الإمام ... ح 6.

بمنع كون المقتضي لوجوب نصب الإمام هو تجويز الخطإ على الرعيّة ، بل العمدة هو الإجماع ونحوه.

ولا يلزم منه أن يكون معصوما ، وهذا خطأ وشبهة ؛ لعدم الإجماع سيّما من جهة واحدة ، مع أنّ نحو : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (1) ، و ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى ) (2) ، و ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (3) ، كالعقل القاطع يقتضي وجوب نصب الإمام الهادي إلى الأحكام المنزّه عن الظلم والآثام.

ومنها : ما أشار إليه بقوله : « ولأنّه حافظ للشرع » ، بمعنى أنّ الإمام حافظ للشرع بالتمام ، وكلّ حافظ للشرع بالتمام يجب أن يكون معصوما ، فالإمام يجب أن يكون معصوما.

أمّا الصغرى فلأنّ الشرع لا بدّ له من حافظ ؛ لئلاّ ينتفي الغرض من الخلقة ، والحافظ إمّا العقل أو النقل - الكتابي والنبويّ - أو الإجماع أو السيرة أو الإمام ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لعدم وفائه في عشر من أعشار الأحكام التفصيليّة فضلا عن تمامها كما لا يخفى على من راجع وجدانه ، وكذا الكتاب والسنّة النبويّة ؛ لمثل ما مرّ إليه الإشارة كما لا يخفى على المتتبّع في الكتاب والسنّة ؛ لأنّ آيات الأحكام - مع قلّتها وتكرّرها - كثيرا ما تكون دلالتها على وجه الإجمال ، وكثيرا ما لا يستفاد منها إلاّ بنزر يسير من الأحكام التفصيليّة وكذا السنّة النبويّة وكذا الإجماع والسيرة ؛ لكثرة الاختلاف سيّما عند أهل المذاهب الأربعة وخصوصا في الفروض الجديدة والمسائل التي لم يتعرّضها السابقون ، ولا يستفاد ممّا مرّ آنفا.

والرجوع إلى البراءة الأصليّة أو أصل البراءة ينفيه العلم بالاشتغال في الجملة ، مع أنّه يقتضي عدم وجوب بعثة الأنبياء.

ص: 228


1- الرعد (13) : 7.
2- يونس (10) : 35.
3- البقرة (2) : 124.

وأمّا القياس فهو - مع كونه موجبا للهرج والمرج والاختلال باختلاف أهله - غير كاف في جميع الأحكام ، كما لا يخفى على من كان من ذوي الأفهام ، فتعيّن أن تعيها أذن واعية ، ويكون من يتلقّى من النبيّ ، ولا تخفى عليه خافية ، ويكون هاديا للأنام وهو الإمام.

وأمّا الكبرى فلأنّ غير المعصوم يمكن أن يكون مع العصيان أو الخطإ والنسيان ، وجعله حافظا للشرع مناف للغرض ومستلزم للتعبّد بما يحتمل الخطأ وهو في نفسه قبيح ، وعند إمكان التعبّد بما لا يحتمل الخطأ ترجيح للمرجوح ، فلا يكون جائزا إلاّ إذا صار ذلك القبيح بالذات حسنا بالعرض من جهة دفع الأقبح ، كالخروج عن الشريعة من باب جواز ارتكاب أقلّ القبيحين عقلا - كما في أمثال زماننا - مضافا إلى أنّ عدم العصمة توجب النفرة ، وعدم إتمام الحجّة ، والترجيح للمرجوح أو من غير مرجّح ، والأمر بطاعة من علم خطؤه في قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (1).

وممّا ذكرنا يظهر وجه اندفاع ما ذكره الشارح القوشجي بقوله : « وأجيب بأنّه ليس حافظا بذاته ، بل بالكتاب والسنّة وإجماع الأمّة واجتهاده الصحيح وإن أخطأ في اجتهاده ، فالمجتهدون يردّون ، والآمرون بالمعروف يصدّون ، وإن لم يفعلوا أيضا فلا نقص للشريعة القويمة » (2).

وكذا ما ذكره شارح آخر من عدم جواز الخطإ على إجماع الأمّة لقوله صلی اللّه علیه و آله : « رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان » (3) ، وقوله صلی اللّه علیه و آله : « لا تجتمع أمّتي على الضلالة » (4) ، لعدم الإجماع في نحو المسائل المتجدّدة مع الخطإ في معنى الرواية ، والعجب كلّ

ص: 229


1- النساء (4) : 59.
2- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 367.
3- « الخصال » : 417 ، ح 9.
4- « سنن ابن ماجة » 2 : 1303 ، ح 3950.

العجب من اهتمام العقلاء سيّما العلماء في إفساد الدين لإصلاح أمر الظالمين ، ألا لعنة اللّه على الظالمين.

ومنها : ما أشار بقوله : « ولوجوب الإنكار لو أقدم على المعصية ، فيضادّ أمر الطاعة ويفوت الغرض عن نصبه » ، بمعنى أنّ الإمام لو لم يجب كونه معصوما لجاز إقدامه على المعصية ، ولو جاز إقدامه على المعصية لوجب إنكاره ؛ لصريح نحو قوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (1) ، وهو مضادّ لوجوب الطاعة الثابت بنحو قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (2).

وأيضا ذلك مفوّت للغرض من نصبه ؛ لأنّ الغرض منه امتثال أوامره ، والانزجار عمّا نهى عنه ، واتّباعه فيما يفعله ، ولا يتحقّق ذلك مع الإنكار.

وأورد عليه بأنّ وجوب الطاعة إنّما هو فيما لا يخالف الشرع ، وأمّا فيما يخالفه فالردّ والإنكار وإن يتيسّر فسكوت عن الاضطرار.

وفيه أنّه مستلزم للتقييد في الأمر الواحد المطلق المتعلّق بالرسول وأولي الأمر ؛ حذرا عن لزوم استعمال اللفظ الواحد في المطلق والمقيّد وكون الرسول الذي ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (3) ، ويكون شارعا مبيّنا للأحكام فاعلا لما يوجب إنكاره مع اختيار اللّه القادر المختار المرجوح وترك الراجح عند الأخيار والأشرار.

ومنها : ما أشار بقوله : « ولانحطاط درجته عن أقلّ العوامّ » ، بمعنى أنّه لو أقدم على المعصية ، لكان أقلّ درجة من العوام ؛ لأنّه أعقل وأعرف بقبح المعاصي وحسن الطاعات ، فصدور المعصية منه أقبح منه من العوامّ ، فيلزم من جعله رئيسا ترجيح

ص: 230


1- آل عمران (3) : 104.
2- النساء (4) : 59.
3- النجم (53) : 3.

المرجوح على الراجح ، مضافا إلى حصول النفرة وعدم إتمام الحجّة.

ولمّا اختلف القائلون بالعصمة في أنّ المعصوم هل يتمكّن من فعل المعصية أم لا؟ فمنهم من زعم أنّه لا يتمكّن منه ، ومنهم من زعم أنّ المعصوم يختصّ في بدنه أو نفسه بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على المعصية ، ومنهم من قال : إنّ العصمة هي القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية ، ومنهم من ذهب إلى تمكّنه منه وكونه أمرا يفعله اللّه تعالى بالعبد من الألطاف المقرّبة إلى الطاعات التي يعلم منها أنّه لا يقدم على المعصية بشرط أن لا ينتهي الأمر إلى الإلجاء ، أو ملكة نفسانيّة لا تصدر معها عن صاحبها المعاصي ، أو لطفا يفعله اللّه بصاحبه لا يكون له معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية ، بأن يكون لنفسه أو لبدنه خاصيّة تقتضي ملكة مانعة من الفجور ، أو يكون له علم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات.

واختار المصنّف المذهب الأخير قال : ( ولا تنافي القدرة العصمة ) بل المعصوم قادر على فعل المعصية ، وإلاّ لما استحقّ المدح على ترك المعصية ، ولا الثواب ، ولبطل الثواب والعقاب في حقّه ، بل كان خارجا عن التكليف ، وذلك باطل بالضرورة ، فيجب تعريف العصمة - كما مرّ - بأنّها ملكة نفسانيّة إلهيّة حاصلة من كمال المعرفة البالغة إلى مرتبة حقّ اليقين وكمال الفطانة الموجبة لإدراك الحسن والقبح على وجههما ، وتكون مانعة عن صدور العصيان والقبح في حالتي العمد والنسيان في تمام عمر الإنسان ، بل تكون مانعة عن صدور ما يوجب النفرة وعدم إتمام الحجّة بالنسبة إلى نبيّنا صلی اللّه علیه و آله والأئمّة علیهم السلام .

ص: 231

الفصل الثالث : في الأعلميّة والأفضليّة

بمعنى أنّ الإمام يجب أن يكون أعلم عصره وأفضل من غيره في العلم والعمل ونحوهما من الفضائل النفسانيّة والبدنيّة ، كالشجاعة وغيرها ، ممّا له دخل في الرئاسة العامّة في أمر الدنيا والدين ، وإتمام الحجّة على المكلّفين ودفع شبه الملحدين وإبطال إضلال المضلّين بسبب العلم بأديانهم ولغاتهم ، ونحو ذلك ممّا له دخل في إحقاق الحقّ وإبطال الباطل ، فإنّ ذلك من أصول المذهب ردّا على العامّة ؛ لأنّ ذلك لطف واجب على اللّه تعالى ، مضافا إلى قبح تقديم المفضول ، بل عدم تعقّل أن يقال للعالم أن يتعلّم من الجاهل ؛ فإنّه - مع أنّه تحصيل للحاصل - غير معقول ، وكذا تقديم أحد المتساويين ؛ لمثل ما ذكر ، مع أنّه يستلزم الاختلاف وعدم قبول الطباع وعدم إتمام الحجّة.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف بقوله : ( وقبح تقديم المفضول معلوم ولا ترجيح في التساوي ) ويطابقه قوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى ) (1) ، وقوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (2) ، وقوله

ص: 232


1- القصص (28) : 68.
2- الأنبياء (21) : 7.

تعالى : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (1) ، إلى غير ذلك من الأدلّة النقليّة.

فإن قلت : إذا كان المفضول موصوفا بصفات يصلح بسببها لأن يقوم بأمر الإمامة لا يقبح تقديمه لا عقلا ولا شرعا.

وأيضا الإمامة منصب من المناصب الشرعيّة كالإمامة في الصلاة ، فلو امتنعت إمامة المفضول مع وجود الفاضل ، لكانت إمامة المفضول في الصلاة ممتنعة مع وجود الفاضل ، والتالي باطل بالإجماع.

بيان الملازمة : أنّ الامتناع إنّما كان لقبح تقديم الأدنى على الأعلى والنفرة المانعة من المتابعة ، ويلزم من ذلك امتناع تقديم المفضول على الفاضل في الصلاة.

وأيضا لو لم يوجد من أهل الإمامة إلاّ شخصان أحدهما أفقه ، والآخر أعرف بالسياسة وأمور الإمامة فإمّا أن يجعل كلاّ منهما إماما أو يجعل أحدهما دون الآخر أو لا هذا ولا ذاك.

والأوّل محال بالاتّفاق ، والثالث أيضا باطل ؛ لامتناع خلوّ الزمان عن الإمام ، فلم يبق إلاّ القسم الثاني ، وأيّا ما كان يلزم [ تقديم ] المفضول بالنسبة إلى ما اختصّ به الآخر.

قلت : هذا خروج عن المفروض ؛ لأنّ الأعلم والأفضل الذي لا بدّ من إيجاده من باب اللطف الواجب على اللّه - كما مرّ - لا بدّ أن يكون متّصفا بجميع الصفات الكاملة مع الزيادة على غيره في العلم والعمل ونحوهما - كما أشرنا - فيندفع الأوّل والثالث.

وأمّا الثاني فدفعه واضح ؛ لكمال الفرق بين الرئاسة العامّة على الكلّ في العلم والعمل وبين الرئاسة الخاصّة ، كالسلطنة والإمامة في الصلاة ، فهو قياس مع الفارق ، وهو باطل عند أهله ، مضافا إلى أنّه اجتهاد في مقابل نصّ القرآن.

وصل : هذا الاعتقاد من أصول المذهب - كما أشرنا إليه - والمخالف كالعامّة بريء منه أصل المذهب.

ص: 233


1- الزمر (39) : 9.

الفصل الرابع : في المنصوبيّة والمنصوصيّة

بمعنى أنّ الإمام يجب أن يكون منصوبا منصوصا من اللّه ورسوله ، كما أشرنا إليه بقوله : ( والعصمة تقتضي النصّ وسيرته ). بمعنى أنّ العصمة المعتبرة في الإمام من الأمور الخفيّة التي لا يعلمها إلاّ عالم السرائر ، فيجب أن يكون الإمام منصوصا من عند اللّه.

وأيضا سيرة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله وطريقته تقتضي التنصيص بالإمام ؛ لأنّه كان أشفق للأمّة من الوالد لولده ؛ ولهذا لم يقصّر في إرشاد أمور جزئيّة مثل ما يتعلّق بالاستنجاء وقضاء الحاجة ، وكان في غاية الحرص في الهداية ، وكان إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمر المسلمين ، فمن هو بهذه المثابة من الإشفاق كيف يهمل أمرهم فيما هو أهمّ المهمّات ولا ينصّ على من يتولّى أمرهم بعده؟!

فيجب أن يكون الإمام منصوصا عليه - كما هو مذهب الإماميّة - خلافا للعامّة والعبّاسيّة والزيديّة وأمثالهم ؛ فإنّ المحكيّ عن العبّاسيّة : أنّ الطريق إلى تعيين الإمام النصّ أو الميراث. وعن الزيديّة : أنّ تعيين الإمام بالنصّ أو الدعوة إلى نفسه. وعن باقي المسلمين : أنّ الطريق إنّما هو النصّ أو باعتبار أهل الحلّ والعقد بمعنى أنّ اختيار الأمّة أيضا طريق في إثبات الإمامة. (1)

ص: 234


1- انظر « شرح المقاصد » 5 : 232 وما بعدها ؛ « الأربعين في أصول الدين » للفخر الرازي : 255 وما بعدها.

ومختار الإماميّة وأكثر طوائف الشيعة : أن لا طريق غير التنصيص من الرسول صلی اللّه علیه و آله أو الإمام بالعقل والنقل :

أمّا العقل ؛ فلأنّ التنصيص لطف واجب ولو بدلا عن نحو المعجزة فيكون واجبا.

وأمّا النقل ؛ فلقوله تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (1) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) (2).

وعن سعد بن عبد اللّه قال : سألت القائم في حجر أبيه فقلت : أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم ، قال : « مصلح أو مفسد؟ » قلت : مصلح ، قال علیه السلام : « هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ ».

قلت : بلى ، قال علیه السلام : « فهي العلّة أيّدتها لك ببرهان ينقاد له عقلك؟ » ، قلت : نعم ، فذكر اختيار موسى سبعين رجلا ظنّ أنّهم من الصالحين وقد كانوا من المنافقين (3).

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال : « عرج بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى السماء مائة وعشرين مرّة ما من مرّة إلاّ وقد أوصى اللّه عزّ وجلّ فيها النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالولاية لعليّ علیه السلام والأئمّة علیهم السلام أكثر ممّا أوصاه بالفرائض » (4).

وعنه علیه السلام : « الإمام يعرّف الإمام الذي يكون من بعده » (5). إلى غير ذلك من الأخبار.

والحاصل : أنّ الإمام له حقوق خمسة لا بدّ للمكلّف أن يعرفها :

ص: 235


1- القصص (28) : 68.
2- آل عمران (3) : 33 - 34.
3- « كمال الدين » 2 : 461 ، ح 21 ، بتفاوت في بعض الألفاظ.
4- « الخصال » 2 : 601 ، ح 2.
5- « الكافي » 1 : 277 ، باب أنّ الإمام يعرّف الإمام الذي يكون بعده ، ح 6.

الأوّل : العصمة بمعنى كونه صاحب ملكة إلهيّة مانعة من صدور العصيان والقبح في حالتي العمد والنسيان في تمام عمر الإنسان من جهة كمال الفطانة والمعرفة البالغة إلى مرتبة حقّ اليقين المانعة عن الغفلات ، كما أنّ عين اليقين مانعة عن الخطرات دون الغفلات ، وعلم اليقين مانع عن الشبهات دون الخطرات ، فلا يصدر من صاحب العصمة الكاملة العصيان والنسيان ، بل ترك الأولى أيضا.

الثاني : الأعلميّة والأفضليّة في العلم والعمل وكون الإمام عالما بالأحكام والأحوال والأديان وكيفيّة حفظ الدين ودفع الكافرين ورفع شبه المبطلين ودعوة الناس إلى الحقّ المبين.

الثالث : المنصوبيّة والمنصوصيّة ، بمعنى كون الإمام ذا رئاسة إلهيّة على وجه التنصيص من اللّه ورسوله من غير أن تكون رئاسة خلقيّة.

الرابع : ما يستفاد من قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (1) ، من وجوب المودّة والمحبّة بالحبّ الربّاني لا الحيواني والشهواني والإنساني والإحساني ، بمعنى جعله كالرأس وإفداؤه بنفسه وأبيه وأمّه وأخيه وعشيرته وأهله وعياله وماله وحاله ، كإفداء الرأس باليد ونحوها عند نزول سهم البلاء وجعل غيره هدفا ليسلم كما يشير إليه قوله علیه السلام في مقام الإرشاد : « بأبي أنتم وأمّي ونفسي ... » (2) إلى آخره.

الخامس : فرض الطاعة وكونه مفترض الطاعة في الدين والدنيا والمال والحال والأهل والعيال ، كما يستفاد من نحو قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (3) ، وقوله تعالى : ( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ

ص: 236


1- الشورى (42) : 23.
2- « الأنوار اللاّمعة في شرح الزيارة الجامعة » : 26 و 193.
3- النساء (4) : 59.

بَعْضاً ... ) (1) ، ( أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (2) ، كما أن تلك الحقوق في كلّ واحد من أئمّتنا ، ويزيد مولانا عليّ بن أبي طالب علیه السلام بحقوق ثلاثة :

الأوّل : الإمارة بكونه صاحب لقب أمير المؤمنين من جانب اللّه.

[ الثاني : ] الخلافة بلا فصل من رسول اللّه.

والثالث : الولاية خاصّة الخاصّة المنتقلة من النبيّ صلی اللّه علیه و آله المتعلّقة بجميع من كان له صلی اللّه علیه و آله عليه رئاسة حتّى فاطمة علیهاالسلام والحسنين علیهماالسلام ، التي تستفاد من قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ ) (3) إلى آخره.

مضافا إلى الولاية التي هي عامّة العامّة ، والعامّة التي بجميع أولياء اللّه بسبب الرئاسة على أنفسهم والعامّة للمجتهدين والخاصّة لأئمّة الدين.

نعم ، الأخصّ مختصّة بالرسول ؛ إذ الرئاسة بالأصالة لا بالنيابة. وبالجملة ف- ( هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (4).

وصل : هذا الاعتقاد أيضا من أصول المذهب ومنكره بريء منه أصل المذهب.

ص: 237


1- النور (24) : 63.
2- الأحزاب (33) : 36.
3- المائدة (5) : 55.
4- يوسف (12) : 108.

الفصل الخامس في الاثني عشريّة

اشارة

بمعنى وجوب الاعتقاد بأنّ الأئمّة اثنا عشر : عليّ بن أبي طالب مع أولاده الأحد عشر المعصومين المذكورين ، الذين يجب مودّتهم ويفترض طاعتهم على المكلّفين على الترتيب المذكور مع وجود الغائب المستور ، وظهوره بعد ذلك لإطفاء نائرة الكفر والطغيان ، وإعلاء دائرة الإسلام والإيمان ، وينبغي إثبات إمامة كلّ واحد من الأئمّة بالوجوه الخمسة : طريقة العصمة ، والنصّ ، والأعلميّة ، وكونه صاحب المعجزة المصدّقة ، والموعظة الحسنة.

وبالجملة ، ففي هذا الفصل مطالب عديدة :

المطلب الأوّل : في إثبات إمامة مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بكلّ واحد من الوجوه الخمسة
اشارة

فنقول : اعلم أنّه اختلف أهل الإسلام في أنّ خليفة الرسول بلا فصل هل هو أبو بكر بن أبي قحافة - كما عليه جمهور أهل السنّة - أو العبّاس - كما حكي (1) عن

ص: 238


1- راجع « شرح المقاصد » 5 : 263.

قليل منهم - أو عليّ بن أبي طالب المسمّى ب- « عبد مناف » أو عمران بن عبد المطّلب المسمّى ب- « شيبة الحمد » ، وقد لقّبه اللّه تعالى في الغدير ب- « أمير المؤمنين » حيث قال : « سلّموا على عليّ بأمير المؤمنين » (1) ، وأوّل من سلّم عليه بهذا اللقب عمر حيث قال : « بخّ بخّ لك يا عليّ صرت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة » (2).

وقد روي أنّه لا يقبل هذا اللقب غيره إلاّ إذا كان من الزنى (3).

وروي أيضا أنّه سئل أبو عبد اللّه علیه السلام أنّه هل يجوز أن يسلّم على قائم آل محمّد بأمير المؤمنين؟ قال : « لا ، ذاك اسم سمّى اللّه به أمير المؤمنين لم يسمّ به أحد قبله ولا يسمّى به بعده إلاّ كافر ».

فسئل : كيف يسلّم عليه؟ قال : « قولوا : السّلام عليك يا بقيّة اللّه » ، فقرأ ( بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (4) » (5).

ولهذا ذهب بعض المجتهدين - على ما حكي عنه - إلى عدم جواز إطلاقه على غيره ولو كان من المعصومين ، ولكن حكي عن آخر تقييد المنع بغير المعصوم.

وألقابه كثيرة.

وقد حكي عن بعض علماء أهل السنّة أنّه قال : وتنعقد الإمامة ببيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس من الذين يتيسّر حضورهم الموصوفين بصفات الشهود كإمامة الصدّيق ، أو لبعضهم كإمامة الفاروق. (6)

وحكي عن بعضهم أنّه قال : لا ينعزل الإمام بالفسق والجور ؛ لأنّه قد ظهر الفسق

ص: 239


1- « الإرشاد » للمفيد 1 : 28 ، الرقم 4.
2- « فرائد السمطين » 1 : 77.
3- جاء في الروايات : « يا عليّ لا يبغضكم إلاّ ثلاثة : ولد زنى ومنافق ومن حملت به أمّه وهي حائض ». انظر « بحار الأنوار » 27 : 151 باب أنّ حبّهم علیهم السلام علامة طيب الولادة من كتاب الإمامة.
4- هود (11) : 86.
5- « الكافي » 1 : 412 ، باب نادر ، ح 1.
6- انظر في ذلك كتاب « الأحكام السلطانيّة » للماوردي : 7 وما بعدها.

وانتشر الجور من الأئمّة والأمراء بعد الخلفاء ، والسلف كانوا ينقادون لهم ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهم. (1)

وعن بعضهم أنّه قال : لا يحدّ الإمام حدّ الشرب ؛ لأنّه نائب من اللّه. (2)

ولا ريب في فساد جميع ذلك كما يظهر ممّا سبق. وبالجملة فالحقّ هو المذهب الثالث.

لنا : كلّ واحد من الطرق الخمسة فهو في فصول خمسة :

فصل [1] : في طريق العصمة.

فنقول : أمّا طريقة العصمة فلأنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ؛ لما مرّ ، وليس بين الثلاثة معصوم إلاّ عليّ بن أبي طالب بالاتّفاق من الشيعة والعامّة ؛ ولأنّ عدم عصمة غيره قطعيّ ، فلو لم يكن هو أيضا معصوما لزم عدم تحقّق الإمام المنافي لوجوب اللطف ، ولا أقلّ من كون عصمته قطعيّا وعدم كون عصمة غيره كذلك ( فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (3).

ويؤيّد ذلك أنّ فواتح السور إذا حذفت مكرّراتها تكون مشتملة على حروف « صراط عليّ حقّ نمسكه » أو « عليّ صراط حقّ نمسكه » سيّما أنّ غيره كان مسبوقا بالكفر فكان ظالما ، فلا يكون قابلا للإمامة كما قال تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (4) ؛ إذ المراد من كان ظالما سابقا وإلاّ لم يتطابق السؤال والجواب ؛ لقبح سؤال إبراهيم عن جعل اللّه من كان ظالما إماما في حال ظلمه ؛ لأنّه لا يتصوّر عن عاقل فضلا عن رسول عظيم ، بخلاف عليّ بن أبي طالب فإنّه أسلم حين الصبا فلم يسبق بالكفر.

ص: 240


1- « روضة الطالبين » للنووي 5 : 410 ؛ « تفسير ابن كثير » 1 : 76 ؛ « المبسوط » للسرخسي 9 : 105.
2- « روضة الطالبين » للنووي 5 : 410 ؛ « تفسير ابن كثير » 1 : 76 ؛ « المبسوط » للسرخسي 9 : 105.
3- الأنعام (6) : 81.
4- البقرة (2) : 124.

فنقول : الإمام يجب أن يكون معصوما ؛ لما مرّ ، والمعصوم من الصحابة ليس إلاّ عليّا بالتواتر والاتّفاق ، فالإمام لا يكون إلاّ عليّا.

وأيضا إذا ثبت إمامة الأوّلين بعدم العصمة اللازمة فيها ، ثبت إمامة عليّ بن أبي طالب بالإجماع المركّب الكاشف عن حكم النبيّ صلی اللّه علیه و آله الذي هو المعصوم الذي يكون حكمه حقّا ؛ للاتّفاق على عدم إمامة غير هؤلاء الثلاثة.

وأيضا كلّ من قال بوجوب عصمة الإمام علیه السلام قال بإمامة عليّ علیه السلام وكلّ من قال بعدم خلافته بلا فصل قال بعدم وجوب العصمة ، فالقول بوجوب العصمة وعدم إمامة عليّ علیه السلام خرق للإجماع المركّب ، وحيث ثبت وجوب العصمة - بما مرّ - ثبتت إمامة عليّ علیه السلام لئلاّ يلزم خرق الإجماع المركّب وهو المطلوب.

فصل [2] : في طريق النصّ.
اشارة

فنقول : وأمّا طريق النصّ - بناء على وجوب وجود النصّ على تعيين الإمام ؛ لعدم إمكان الاطّلاع على العصمة المعتبرة فيه بدونه أو بدون المعجزة ، بل يتعيّن هنا الأوّل لوجوبه على النبيّ - كما مرّ - من كونه من أهمّ الواجبات التي يجب على النبيّ صلی اللّه علیه و آله بيانه مع عدم رضائه بإهمال أمر أمّته وإبقائهم على الحيرة الموجبة للاختلاف باختلاف الآراء والأهواء - فبيانه أنّ النصّ لم يرد إلاّ في شأن عليّ علیه السلام بلا خلاف من الخصم ظاهرا. والنصّ على قسمين :

الأوّل : ما هو ظاهر الدلالة غير محتاج إلى الاستدلال ، ويسمّى بالنصّ الجليّ.

والثاني : ما هو بخلافه ، ويسمّى بالنصّ الخفيّ.

أمّا النصّ الجليّ فمثل ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « عليّ إمامكم وخليفتي عليكم من بعدي » (1).

ص: 241


1- « معاني الأخبار » : 272 ، وفيه « أنّ عليّا إمامكم بعدي وخليفتي عليكم ».

وقال : « سلّموا عليه بإمرة المؤمنين » (1).

وقال لعليّ : « أنت الخليفة بعدي » (2).

وقال - وقد أخذ بيده - : « هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا » (3).

ونحو ذلك.

واحتمال الكذب من ناقليها من جهة الطمع - كما في غير ذلك - منتف ؛ لعدم كون المرويّ فيه من أهل الدنيا ليتصوّر الطمع أو الخوف منه ، بل كانت الرئاسة والثروة لمخالفيه فكان الداعي على ترك روايتها موجودا ، والاختلاف في تواترها إنّما هو من جهة عدم لزوم الفرديّة في التواتر ؛ لأنّه قد يكون كسبيّا ، مع أنّ حصول العلم موقوف على خلوّ الذهن عن الاعتقاد بنقيضه ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين ، وعن الشبهة السابقة الراسخة الحاصلة من تكذيب المخالفين.

وأمّا النصّ الجليّ الوارد بطريق العامّة ، وهو الذي يكون دليلا إسكاتيّا وإثباتيّا كما أنّه يكون سكوتيّا وثبوتيّا مع أنّ الفضل ما شهدت به الأعداء :

فمنه : ما نسب إلى أحمد بن حنبل أنّه روى في مسنده عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « كنت أنا وعليّ بن أبي طالب نورا بين يدي اللّه من قبل أن يخلق آدم علیه السلام بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق اللّه تعالى آدم علیه السلام ركّب ذلك النور في صلبه ، فلم نزل في نور واحد حتّى افترقنا في صلب عبد المطّلب ، ففيّ النبوّة وفي عليّ الخلافة » (4).

وعن جابر بن عبد اللّه بعد قوله : « عبد المطّلب » زيادة قوله : « حتّى قسمنا جزءين : جزءا في صلب عبد اللّه ، وجزءا في صلب أبي طالب ، فأخرجني نبيّا

ص: 242


1- « تفسير العيّاشي » 2 : 290 ، الرقم 64 ، ذيل الآية 92 من النحل (16).
2- « الإرشاد » 1 : 156.
3- « تفسير فرات » 1 : 301 - 303.
4- « الطرائف » : 15.

وأخرج عليّا وصيّا » (1).

وقد نقل إجماع الفريقين على نقل ذلك الحديث ، وهو في أعلى مرتبة الصراحة في خلافة مولانا عليّ بن أبي طالب علیه السلام .

ومنه : ما نسب إليه - أيضا - وإلى غيره أنّه لمّا نزلت آية ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (2) جمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أولاد عبد المطّلب - وهم أربعون نفرا - وهيّأ من الخبز واللحم واللبن مقدار قوت رجل واحد مع أنّ كلّ واحد منهم - على ما نقل - كان يأكل إبلا مشويّة مطبوخة وغنما كذلك أو عجلا كذلك مع ملء زقّ من اللبن ، فأكل جميعهم ممّا ذكر وشبعوا وامتلئوا وكان الطعام بحاله ، فلمّا رأوا تلك المعجزة ، عرض صلی اللّه علیه و آله عليهم الإسلام وبشّرهم بمنافع الدنيا والآخرة وحصول المقاصد فيهما وإعزازهم وامتيازهم عن أغيارهم ودخولهم الجنّة والوصول إلى الدرجات العالية ، فقال صلی اللّه علیه و آله : « من أطاعني فيما قلت له وأمدّني في تبليغ الرسالة كان أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي » (3). فلم يتعرّض أحد منهم للجواب إلاّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام .

وقد روي أنّ ذلك قد وقع ثلاث مرّات من النبيّ صلی اللّه علیه و آله فلم يجبه إلاّ عليّ علیه السلام فبشّره بالأخوّة والخلافة والوصاية ونحوها ، وكان من عداهما إذا لقوا أبا طالب هنّئوه استهزاء.

وهذا الحديث أيضا كالسابق في الصراحة على المدّعى وعن مسند [ ابن ] حنبل عن سلمان رضی اللّه عنه أنّه قال : قلت لرسول صلی اللّه علیه و آله : يا رسول اللّه ، من وصيّك؟

فقال : « يا سلمان ، من كان وصيّ موسى؟ » قلت : يوشع بن نون ، فقال صلی اللّه علیه و آله : « إنّ

ص: 243


1- « المناقب » لابن المغازلي : 121 - 122 ، ح 1332.
2- الشعراء (26) : 214.
3- « الطرائف » : 21 ، ح 13.

وصيّي ووارثي وقاضي ديني ووافي مواعيدي عليّ بن أبي طالب » (1).

وعن كشف الغمّة مثله بزيادة سؤاله صلی اللّه علیه و آله بعد جواب سلمان : عن وصيّي موسى عن سبب جعله وصيّا ، وجواب سلمان بكونه أعلم القوم في ذلك اليوم.

وعن المناقب بعد الجواب الأوّل هكذا : « فإنّ وصيّي في أهلي وخير من أخلفه بعدي عليّ بن أبي طالب » (2).

والمناقشة - بأنّه إن كان المراد أنّ الوصيّ بمعنى حافظ الشريعة فممنوع ولكنّه غير نافع ، وإن كان المراد بمعنى الخليفة فممنوع وإلاّ خالفت الصحابة ، وعلى تقدير مخالفتهم لما أطاعهم غيرهم ، وعلى تقدير إطاعة بعضهم لما أطاعهم الأنصار - مدفوعة بأنّ معنى الأوّل أيضا راجع إلى المعنى الثاني كما لا يخفى ، مضافا إلى أنّ سؤال النبيّ عن وصيّ موسى الذي كان خليفة قرينة على إرادة المعنى الثاني.

وعن رجل عن الشافعي بسنده عن الرسول صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « لكلّ نبيّ وصيّ ووارث وإنّ وصيّي ووارثي عليّ بن أبي طالب » (3).

وعن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « يا عليّ ، أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني » (4).

وروي عن ابن عبّاس قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّ عليّا وصيّي وخليفتي ، وزوجته فاطمة سيّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ولداي ، من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني » (5) ، إلى آخر الحديث.

وتلك الأخبار مفيدة للقطع بمضمونها إمّا بالتسامع والتظافر أو بالتواتر.

ص: 244


1- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 58 ، فصل في أنّه الوصيّ والوليّ.
2- المصدر السابق.
3- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 58 ، « بحار الأنوار » 36 : 329.
4- « الأمالي » للصدوق : 523 ، المجلس 94 ، ح 6.
5- المصدر السابق : 382 ، المجلس 72 ، ح 6.

بيان ذلك أنّ العلم بالأشياء بسبب الأخبار قد يكون بسبب رواية عدد يمنع العقل عن تواطئهم على الكذب في اللفظ والمعنى أو أحدهما ، سواء كانت بلا واسطة - كما إذا أخبر جماعة بالغة إلى الحدّ المذكور بوقوع فتنة في بلد خاصّ عن مشاهدة أو نحوها - أو بواسطة كما إذا كان إخبار المخبرين على الوجه المذكور عن أمثالهم بمرتبة أو أزيد لمشابهة لهم ، لتكون كلّ مرتبة منهم بالغة إلى الحدّ المذكور.

وهذا العلم تارة يكون بدون الكسب كما في ضروريّات الدين ، فإنّها وإن كانت لا تنفكّ عن المقدّمات المنتهية إلى البديهي كالسماع ، لكنّها لا تحتاج إلى المراجعة إلى المقدّمات ما دامت ضروريّة.

وتارة يكون مسبوقا بالكسب كالمسائل العلميّة المحتاجة إلى التتبّع وملاحظة الكتب ، وملاقاة أهل العلم ، والاستماع أصوليّة كانت أو فروعيّة ، ثمّ ملاحظة أنّ هؤلاء الجماعة الكثيرين لا يتواطئون على الكذب. ومن علامات النظري أنّه إذا حصل الذهول عن المقدّمات بعد حصول العلم أيضا قد يتزلزل القاطع ، وهو ممّا يحصل في كثير من المتواترات.

وقد يكون بسبب أنّ أهل العصر قاطبة مجمعون على شيء إمّا بالتصريح أو بظهور أنّ سكوتهم مبنيّ على عدم بطلان هذا النقل ونحو ذلك ، فكثرة تداول ما ذكر على الألسنة ، وعدم وجود مخالف فيه أصلا ، أو عدم مخالف يعتدّ به وإن وجد مخالف علم أنّ مخالفته لأجل عناده أو نحو ذلك تفيد القطع بصحّته ، كعلمنا بالبلاد النائية أو الخالية والأمم الماضية ، ومنه أحوال حاتم ورستم وغيرهما ؛ لأنّنا لم نسمعها إلاّ ممّن عاصرنا ، وهم لم يرووا لنا عن سلفهم أصلا فضلا عن عدد يحصل به التواتر ، وذلك هو العلم الحاصل بالتظافر ، وكان العلماء عمّموا التواتر فلم يفرّقوا بينه وبين التظافر في مقام بيان الأمثلة وإن شرطوا في تعريف التواتر حصول العدد المذكور ، وقد يكون بالقرائن.

ص: 245

وإذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الأخبار المذكورة - عند من وصلت إليه على وجه الإسناد كالعنعنة على وجه حصل له به العلم بصحّة مضمونها - تكون متواترة ولو بالتواتر المعنوي ، وعند من لم تصل إليه على الوجه المذكور - ولكن تظافرها اقتضى العلم بصحّة مضمونها - تكون متظافرة ، وكلّ منهما أمر وجدانيّ لا اعتراض لفاقده على واجده ؛ إذ ليس لمن لا يعلم على من يعلم سبيل.

على أنّ اجتماع المخبرين البالغين إلى الحدّ المذكور على الكذب على الرسول على وجه الاتّفاق لمّا كان ممتنعا عادة ؛ لعدم الداعي عليه كما في صورة الصدق فإنّه واقع قطعا ، وكذا الاتّفاق على وجه المواطأة والمواضعة ، لكون الرواة متباعدي البلاد على وجه امتنع اجتماعهم عادة في مكان واحد فضلا عن وقوعه ؛ إذ لو وقع لشاع وامتنع عدم ظهوره مع وجود الداعي على نشره ، وهو عداوة العامّة وتعصّبهم وإظهار ما يسرّ به أرباب السلطنة على وجه العدوان ، وكذا اجتماعهم بالمكاتبة ؛ لعدم المعارفة ولو وقع لشاع ؛ لما ذكر ، مضافا إلى عدم وجود الداعي على المواضعة ؛ لأنّها إمّا لأمر الدين أو الدنيا ، والأوّل مناف للكذب والثاني فاسد ؛ إذ لم يكن من ادّعى النصّ فيه من أهل الدنيا قطّ ، بل لم يكونوا ذوي سلطنة قاهرة داعية إليها من جهة الخوف بل كان الواقع خلافه ، لا يكون على مدّعي التواتر إيراد من تلك الجهة.

والإيراد - بأنّها لو كانت متواترة ، لكان العلم بها كالعلم بضروريّات الدين ونحوها - مدفوع بأنّ التواتر قد يكون كسبيّا كما أشرنا إليه ، مضافا إلى أنّ حصوله مشروط بعدم سبق شبهة مقضية للاعتقاد بنقيضه ونحو ذلك ، مع أنّه ممّا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.

وأمّا النصّ الخفيّ فهو على قسمين :

الأوّل : ما كان مذكورا في الفرقان ، وهي آيات كثيرة :

الأولى : قوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ

ص: 246

الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (1).

بيان كيفيّة الاستدلال موقوف على بيان لفظ « الوليّ » وشأن النزول.

أمّا لفظ « الوليّ » وهو على ما يظهر في الصحاح على معان منها : القريب ، ومنها : المحبّ وضدّ العدوّ ، ومنها : الصهر ، ومنها : كلّ من ولي أمر واحد ، ومنها : التابع ، ومنها : السلطان ، ومنها : الناصر - كما أنّ المولى لهذا المعنى مع زيادة المعتق والمعتق وابن العمّ والجار (2).

ومنها - على ما في القاموس - : « الصديق » ، وفيه : « المولى : المالك والعبد والمعتق والمعتق والصاحب والقريب كابن العمّ ونحوه والجار والحليف ، أو ابن العمّ والنزيل والشريك وابن الأخت والوليّ والربّ والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحبّ والتابع والصهر ». وفيه أيضا : « وأولى على اليتيم : أوصى ، وهو أولى : أحرى » (3).

وفي مجمع البيان : « الوليّ الذي يلي النصرة والمعونة ، والوليّ الذي يلي تدبير الأمر » (4).

وأمّا النزول فقد روي عن أبي ذرّ الغفاري رحمه اللّه أنّه قال : إنّي صلّيت مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يوما من الأيّام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فلم يعطني أحد شيئا. وكان عليّ علیه السلام راكعا فأومى بخنصره اليمنى إليه وكان يتختّم بها ، فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبيّ صلی اللّه علیه و آله فلمّا فرغ النبيّ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي * يَفْقَهُوا

ص: 247


1- المائدة (5) : 55.
2- « الصحاح » للجوهري 6 : 2528 - 2529.
3- ترتيب « القاموس المحيط » 4 : 658 ، « و. ل ي ».
4- « مجمع البيان » 3 : 361 - 362 ، ذيل الآية 55 من سورة المائدة (5).

قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (1). فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما ) (2) ، « اللّهمّ وأنا محمّد نبيّك وصفيّك ، اللّهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا أشدد به ظهري ».

قال أبو ذر : فو اللّه ما استتمّ رسول اللّه حتّى نزل عليه جبرئيل من عند اللّه فقال : يا محمّد ، اقرأ ، قال : « وما أقرأ؟ » قال : « اقرأ : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية » (3).

كذا عن أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره ، وعن أبي بكر الرازيّ والطبريّ والرمّانيّ ومجاهد والسدي أيضا أنّها نزلت في عليّ حين تصدّق بخاتمه وهو راكع ، وهو المرويّ عن أبي جعفر علیه السلام وأبي عبد اللّه علیه السلام وجميع علماء أهل البيت علیهم السلام (4).

وعن الكلبي نزلت في عبد اللّه بن سلام وأصحابه لمّا أسلموا فقطعت اليهود موالاتهم (5).

ولا يخفى بعده عن ظاهر الآية مع كونه خلاف ما اشتهر وما ذكر من الإجماع وغيره ، مع أنّ الأوصاف المذكورة في الآية منحصرة في مولانا عليّ بن أبي طالب علیه السلام فيكون هو المراد ، فتكون الآية دالّة على كونه علیه السلام مثل الحقّ العليّ والنبيّ العالي في كونهما أولى وأحقّ في التصرّف في أمر الدين والدنيا بالنسبة إلى الناس وفي وجوب إطاعتهما ؛ إذ الوليّ هنا لا يصحّ أن يكون بمعنى القريب والصهر والتابع المعتق والمعتق وابن العمّ والجار والصديق كما لا يخفى ، وبقي أربعة أخرى أعني المحبّ ، ومتولّي الأمر ، والسلطان والناصر.

ص: 248


1- طه (20) : 25 - 32.
2- القصص (28) : 35.
3- « مجمع البيان » 3 : 361 - 362 ، ذيل الآية 55 من سورة المائدة (5).
4- المصدر السابق.
5- المصدر السابق.

والحصر المستفاد من كلمة « إنّما » يقتضي عدم إرادة المحبّ والناصر ؛ لعمومهما جميع المؤمنين كما يقتضي قوله تعالى : ( الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (1) ، وإلاّ يلزم كون التصدّق في حال الركوع من شروط تولّي المؤمن ، مضافا إلى أنّ مقتضى تلاؤم أجزاء الكلام أن لا يكون الوليّ هنا بمعناهما ؛ إذ لو كان بمعناهما كان المناسب « اتّخذوا اللّه ورسوله والذين آمنوا أولياء » ليدلّ على أنّ في مقابل ما جعله طرفا عليهم أعني اتّخاذ الكفّار وأمثالهم أولياء.

فتعيّن أحد الآخرين وكلّ منهما واف بإثبات المطلوب ؛ لاقتضاء الآية حينئذ كون المتولّي في أمور دنياهم ودينهم أو السلطان عليهم فيهما هو اللّه ورسوله وعليّ لا غيرهم ، والموصوف بهذا الوصف بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله إمام ، فيلزم أن يكون إماما دون غيره وهو المطلوب.

[ فى بعض ما أورد على الاستدلال بآية الولاية ]

وأورد بعض المعاندين على هذا الاستدلال إيرادات واهية نوردها مع أجوبتها ، حذرا عن اختفائها على بعض الناظرين :

الأوّل : أنّ الوليّ يحتمل أن يكون بمعنى الناصر والمحبّ ، على ما يناسب ما قبل الآية ، وهو قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) الآية (2) ؛ لعدم كون تلك الولاية بمعنى الإمامة ، بل تكون بمعنى النصرة والمحبّة ، وما بعدها وهو قوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية (3) ، لكون التولّي هنا بمعنى المحبّة والنصرة دون الإمامة ، فيجب أن يكون ما بينهما أيضا كذلك ، ليتلاءم أجزاء الكلام.

ص: 249


1- التوبة (9) : 71.
2- المائدة (5) : 51.
3- المائدة (5) : 56.

والجواب يظهر ممّا أشرنا إليه في طيّ تحرير الاستدلال ، مضافا إلى أنّ الآية يمكن أن تكون في حكم التعليل عن السابق لو قطعنا النظر عن الفصل المانع عن اعتبار التلاؤم مع ما ذكرنا ، والمعنى المطلوب أنسب بالتعليل كما لا يخفى ، مع أنّ هذا الإيراد وارد على عثمان حيث رتّب الآيات كثيرا ما بدون الملاءمة.

والثاني : عن كون الآية في شأن عليّ علیه السلام تنافي ما يقولون : إنّه كان في صلاته خاضعا بحيث لم يكن [ قادرا ] على إخراج النصل من رجله مطلقا.

والجواب : أنّ المراد بعد تسليم الرواية أنّه علیه السلام لم يكن حين صلاته ملتفتا إلى غير اللّه تعالى ، وما ذكر عين الالتفات إلى عبادة اللّه تعالى.

والثالث : أنّ تحريك الخاتم إلى السائل وإخراجه والإشارة إلى السائل فعل كثير مبطل للصلاة.

والجواب - بعد وضوح جزافة ذلك السؤال من جهة كونه في مقابل قوله تعالى وتقرير رسوله ونحو ذلك - : أنّه لم يصدر عنه علیه السلام إلاّ فعل واحد وهو التحريك ، مضافا إلى منع كون ما ذكر فعلا كثيرا مع احتمال صدوره على التفريق.

والرابع : أنّ كلمة « إنّما » إنّما يؤتى بها لرفع التوهّم أو التردّد ، ولم يكن حين النزول تردّد ولا تشاجر في الإمامة.

والجواب : أنّها في الآية لرفع التردّد الآتي لا الواقع ومثل هذا كثير ، مع إمكان وقوع التردّد حين النزول أيضا في قلوب المؤمنين وإن لم يكن ظاهرا ، مضافا إلى أنّ الحصر إنّما هو بالنسبة إلى الولاية الملتزمة إلى الإمامة بالنسبة إلى عليّ علیه السلام وليست عينها ، وإلاّ فلم يكن إثباتها بالنسبة إلى اللّه ورسوله صحيحا ، والولاية في الجملة ممّا يمكن وقوع التردّد فيه حين النزول أيضا.

والخامس : أنّ كلمة « الذين » موضوعة للجمع فلا وجه لاستعمالها في الواحد بدون القرينة.

والجواب : أنّ الإتيان بصيغة الجمع إشعار باستحقاق كلّ من كان كذلك ، ولكن

ص: 250

كان الواقع شخصا واحدا ، مع أنّ التعظيم كثير في العرف مضافا إلى احتمال كون سائر الأئمّة كذلك ، فبيّن حالهم لتغليب الموجود الأشرف.

والسادس : أنّه يمكن أن يكون جملة « وهم راكعون » غير حاليّة ، بأن تكون مخرجة لمن لا يكون راكعا في صلاته كاليهود.

والجواب : أنّه خلاف ظاهر تغيير أسلوب الكلام من الفعليّة إلى الاسميّة بل خلاف المتبادر.

والسابع : أنّ الركوع قد يكون بمعنى الخضوع والخشوع فينفي ولاية غير الخاضع ، ولا يثبت ولاية خصوص عليّ.

والجواب : أنّ المتبادر من الركوع هو المعنى الشرعي ، فالصرف عنه بلا قرينة فاسد ، مضافا إلى أنّ المراد لو كان ذلك لكان ذكر الخضوع أولى لكونه أظهر وأشمل ، مع أنّه حكي إجماع المفسّرين على نزول الآية حين تصدّق عليّ علیه السلام بالخاتم للسائل راكعا.

والثامن : أنّ ظاهر الآية ثبوت الولاية بالفعل ، ولا شبهة في أنّ إمامة عليّ علیه السلام إنّما كانت بعد النبيّ ، وصرف الآية إلى ما يكون في المال دون الحال لا يستقيم في حقّ اللّه ورسوله.

والجواب : أنّه كان له علیه السلام ولاية التصرّف في أمر المسلمين في حياة النبيّ صلی اللّه علیه و آله أيضا ، وكانت الإمامة اللاحقة من لوازم الولاية السابقة لا عينها - كما مرّ إليه الإشارة - مضافا إلى أنّ التغليب باب واسع.

التاسع : أنّ قول المفسّرين : إنّ الآية نزلت في شأن عليّ لا يقتضي اختصاصها به وكونه إماما.

والجواب : أنّ عدم اتّصاف غيره بالأوصاف المذكورة في الآية ، بل عدم العلم بالاتّصاف كاف في الحكم بالاختصاص المستلزم للإمامة.

[2] ومن الآيات قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ

ص: 251

تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (1).

وجه الاستدلال : أنّ الآية نزلت حين منازعة وفد نجران من النصارى مع رسول اللّه في أمر عيسى من جهة تولّده من غير أب ، فلمّا دعاهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى المباهلة استنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك فلمّا رجعوا إلى رجالهم قال لهم الأسقف : انظروا محمّدا في غد فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه فإنّه على غير شيء ، فلمّا كان من الغد جاء النبيّ صلی اللّه علیه و آله آخذا بيد عليّ علیه السلام والحسن والحسين بين يديه يمشيان وفاطمة تمشي خلفه ، وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم فلمّا رأى النبيّ قد أقبل بمن معه سأل عنهم فقيل له : هذا ابن عمّه وزوج ابنته وأحبّ الخلق إليه ، وهذان ابنا بنته من عليّ ، وهذه الجارية بنته فاطمة أعزّ الناس عليه وأقربهم إلى قلبه.

وتقدّم رسول اللّه فجثا على ركبتيه فقال أبو حارثة الأسقف : جثا واللّه كما جثا الأنبياء للمباهلة فكعّ (2) ولم يقدم على المباهلة ، فقال له السيّد : ادن يا با حارثة للمباهلة فقال : لا إنّي أرى رجلا جريئا على المباهلة ، وإنّي أخاف أن يكون صادقا ، ولئن كان صادقا لم يحل واللّه علينا الحول وفي الدنيا نصرانيّ يطعم الماء ، فقال الأسقف : يا أبا القاسم ، إنّا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ننهض به ، فصالحهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على ألفي حلّة من حلل الأواقي ، قيمة كلّ حلّة أربعون درهما فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك ، وعلى عارية ثلاثين درعا وثلاثين رمحا وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد ورسول اللّه ضامن حتّى يؤدّيها ، وكتب لهم كتابا (3) ، كذا روي.

ص: 252


1- آل عمران (3) : 61.
2- أي ضعف وجبن.
3- « مجمع البيان » 2 : 309 - 310 ، ذيل الآية 61 من سورة آل عمران (3).

فهذه الآية تدلّ على أولويّة عليّ بن أبي طالب في الإمامة واستحقاقه للخلافة بوجوه :

الأوّل : أنّ اللّه تعالى جعل عليّ بن أبي طالب بمنزلة نفس النبيّ ؛ لأنّه المراد من « أنفسنا » ؛ إذ لا معنى لدعاء الإنسان نفسه كما لا معنى لأمره لنفسه ، وليس المراد به فاطمة والحسن والحسين ؛ لاندراجهم في الأبناء والنساء ، فلا بدّ أن يكون المراد شخصا آخر غير نفسه وغير فاطمة وغير الحسن والحسين ، وليس غير عليّ علیه السلام بالإجماع ، فتعيّن أن يكون هو المراد ، فيستفاد كونه مساويا للنبيّ صلی اللّه علیه و آله في جميع الصفات إلاّ ما خرج بالدليل كالنبوّة ، ولمّا كان النبيّ صلی اللّه علیه و آله أفضل البشر يلزم أن يكون عليّ علیه السلام الذي بمنزلة نفسه أيضا أفضلهم حتّى الأنبياء ، فمع وجود الأفضل الأكمل الأعلم الأورع الأتقى لا يجوّز أحد خلافة غيره ، المستلزمة ترجيح المرجوح على الراجح وتفضيل المفضول على الفاضل ، الذي هو الباطل عند كلّ عاقل.

الثاني : أنّ مقتضى التشبيه المطلق المستفاد فيما نحن فيه من قوله تعالى : « أنفسنا » اتّصاف المشبّه بصفات المشبّه به ، سيّما صفاته الشائعة المتبادرة ، ولا شكّ أنّ كون النبيّ صلی اللّه علیه و آله رئيسا للمؤمنين وواجب الإطاعة لهم من الصفات المتبادرة ، فيلزم أن يكون عليّ علیه السلام أيضا رئيسا وواجب الإطاعة بعد النبيّ بل في حال حياته أيضا فغيره غاصب لحقّه.

والثالث : أنّ الغرض من المباهلة هو الغلبة على الأعداء بإجابة الدعاء ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالقرب من اللّه ؛ ولهذا لم يستظهر النبيّ صلی اللّه علیه و آله بغير الأربعة من أصحاب الكساء فهم أقرب العباد إلى اللّه ورسوله فتقديم غيرهم عليهم وعدم اعتقاد إمارتهم ورئاستهم لا يصدر إلاّ عن معاند حاسد أو قاصر كاسد.

والرابع : أنّ دعاءه للمباهلة يدلّ على أنّه في غاية الشفقة والمحبّة لعليّ علیه السلام وإلاّ لقال المنافقون : إنّ الرسول لم يدع للمباهلة من يحبّه ويحذر عليه العذاب ، فهو أولى من غيره ، فلا يجوز تقديم غيره.

ص: 253

والخامس : أنّ العاقل إذا لاحظ كون عليّ علیه السلام موصوفا بمثل هذا الوصف الذي لم ينكره أحد من العامّة والخاصّة وكون غيره ممّن اختلف فيه يحكم عقله بأخذ عليّا علیه السلام إماما حتّى كأنّه يقول : أيّ الفريقين أحقّ بالأمن؟ إذ لا وجه للجمع بين المتباينين وتأخير قطعي القابليّة.

وبالجملة : فالإيراد بأنّه لا وجه لتساوي عليّ علیه السلام مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله مع أنّه أفضل الأنبياء وغيرهم ، وعليّ علیه السلام من جملة المفضولين ، وأنّه خاتم الأنبياء ، وليس تلك الصفة موجودة في عليّ علیه السلام مدفوع بما أشرنا إليه من أنّ ما خرج بالدليل خارج عن المراد ، مع أنّ إفادة التساوي كناية عن كمال القرب والاتّحاد كما هو شائع في العرف.

ويؤيّد ما ذكرنا ما حكي عن بعض أهل السنّة من أنّ عليّا علیه السلام قال يوم الشورى : « أحلفكم باللّه هل يكون منكم من يكون أقرب إلى الرسول منّي وقد جعل الرسول نفسه نفسه وأبناءه أبناءه وامرأته امرأته؟ » فقالوا : « اللّهمّ لا » ، فتصديقهم واعترافهم بكونه علیه السلام أقربهم إلى الرسول دليل على فساد مذهبهم.

وقد فسّر البيضاوي الآية بقوله : « أي يدع كلّ منّا ومنكم نفسه وأعزّة أهله وألصقهم بقلبه إلى المباهلة ».

ثمّ قال : « وهو دليل على نبوّته وفضل من أتى بهم من أهل بيته » (1). فاعترف بفضل أمير المؤمنين.

والشارح القوشجي مع كمال عصبيّته وذكر الأجوبة الواهية عن كلّ دليل لم ينكر تلك الآية ولم يذكر للاستدلال بها جوابا.

وعن صاحب الكشّاف أنّه قال : « وفيه دليل لا أبين ولا أقوى منه على فضل أصحاب الكساء » (2) ، فالمنكر مكابر وفي الحقيقة كافر.

ص: 254


1- « تفسير البيضاوي » 1 : 266 ذيل الآية 61 من سورة آل عمران (3).
2- « الكشّاف » 1 : 370 ذيل الآية 61 من سورة آل عمران (3).

[3] ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) ، فإنّها نزلت في شأن عليّ علیه السلام وفاطمة والحسنين بالإجماع المحكيّ عن مفسّري الشيعة وأهل السنّة. (2)

وقد حكي عن مسند ابن حنبل وصحيح مسلم وأبي داود أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان ذات يوم نائما في حجرة أمّ سلمة ، فدخل الحسنان وجلسا عنده ، فجاءت فاطمة علیهاالسلام فجاء عليّ علیه السلام فجلسا عنده ، ولمّا استيقظ ورآهم مجتمعين فرح ، فأجلس الحسنين على حجره ، وقرّب عليّا وفاطمة إلى نفسه بحيث اتّصلا به ، فألقى عباءة الخيبريّ عليهم وقال : « اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهل بيت ، وهؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا » (3) ، فنزل جبرئيل بهذه الآية.

فيستفاد منها كون عليّ علیه السلام [ من ] أهل بيت الرسول ، وطاهر [ من ] دنس المعاصي وأرجاس العلائق الدنيويّة والحقد والحسد ، وغير ذلك ممّا يوجب البعد عن اللّه تعالى ، ويكون من مقتضى طباع غالب الناس على وجه الاختيار وإن لم يكن موجودا في أهل البيت علیهم السلام ، فتدلّ الآية على عصمة عليّ علیه السلام فيكون هو الأولى بالخلافة.

فإن قلت : إنّ الآية واردة في تلو المخاطبة مع أزواج النبيّ صلی اللّه علیه و آله فلا بدّ أن تكون واردة في شأنها ، وتذكير الضمير يوجب إدخال جميع أهل البيت من الرجال ، أعني عليّا والحسنين والنساء.

قلت أوّلا : إنّ ما ذكر أيضا مثبت لما هو المرام من دلالة الآية على رجحان عليّ علیه السلام على غيره من الصحابة.

وثانيا : إنّ الوقوع في التلو لا يقتضي كون اللاحق في حقّ من له السابق ؛ إذ الآيات يكون بعضها في مورد وبعضها في مورد آخر.

ص: 255


1- الأحزاب (33) : 33.
2- « مجمع البيان » 8 : 156 - 158 ذيل الآية 33 من سورة الأحزاب (33).
3- « الطرائف » : 125 و 129 و 130.

وثالثا : إنّ تذكير الضمير لمّا منع عن اعتبار المناسبة مع السابق وجب تعيين المراد من وجه آخر ، وقد عيّن للحديث المذكور والإجماع المزبور كون المراد عليّا وفاطمة والحسنين.

وحكي عن إمام المشكّكين (1) شكوك :

الأوّل : أنّ الإرادة لا تستلزم الفعل.

وفيه : أنّ إرادة اللّه مستلزمة له وإلاّ يلزم العجز أو الجهل أو السفه ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

الثاني : أنّ ذهاب الرجس لا يستلزم العصمة ؛ لتصوّره في ضمن العدالة أيضا.

وجوابه : أنّ قوله : الرجس اسم جنس معرّف باللام وهو حقيقة في تعريف الحقيقة ، فيقتضي نفي ماهيّة المستلزم بنفي جميع أفرادها من باب العموم الطبيعي ولا أقلّ من إفادة الاستغراق أو العموم الحكمتي ؛ إذ العموم فروقا غير صحيح ، والتعيين غير واقع فتثبت العصمة مع أنّ إظهار اللّه تعالى لعدالة عليّ يقتضي أفضليّته وأشرفيّته المقتضية للمطلوب ، على ما مرّ.

الثالث : أنّ الحصر المذكور في الآية مستلزم لعدم عصمة الأنبياء السلف ، وهو فاسد.

والجواب أوّلا : أنّه إيراد على اللّه وهو كفر.

وثانيا : أنّ الحصر بالنسبة إلى الموجودين في الحال أو الاستقبال لا الماضي بقرينة صيغة المضارع.

ثالثا : أنّ الحصر إضافي بالنسبة إلى أمّة النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

[4] ومنها : قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (2) ؛ لما

ص: 256


1- أي الفخر الرازي.
2- الشورى (42) : 23.

حكي عن مسند ابن حنبل وتفسير الثعلبي وغيرهما أنّه لمّا نزلت هذه الآية ، قال الأصحاب : يا رسول اللّه ، من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ فقال : « عليّ وفاطمة وابناهما » (1) ؛ فإنّه إذا جعل مودّة عليّ جزاء ما ناله صلی اللّه علیه و آله من المصائب من جهة تبليغ الرسالة وإرشاد الأمّة ونسبته صلی اللّه علیه و آله إلى السحر والكذب والجنون ونحوها وجب إطاعته في الأمر والنهي واعتقاد حجيّة فعله وقوله وتقديمه على غيره ؛ إذ لا عداوة أعظم من تقديم غيره ، سيّما عدوّه عليه اختيار الموجب لكون المقدّم مورد الآية ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) (2).

[5] ومنها : قوله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (3) ؛ حيث نزل في سورة « هل أتى » المشتملة على هذه الآية في شأن عليّ علیه السلام وفاطمة والحسن والحسين بإجماع الأمّة - على ما حكي - عند إرادة عليّ وفاطمة وفضّة وفاء نذرهم بصيام ثلاثة أيّام عند شفاء الحسنين ، وصيامهم وإعطائهم ما أرادوا أن يفطروا به في المسكين في الليلة الأولى ، واليتيم في الثانية ، والأسير في الثالثة ، وعدم ذوقهم إلاّ الماء القراح ، وأخذ عليّ يد الحسنين وإقبالهم على رسول اللّه مع الارتعاش من شدّة الجوع وإساءة ذلك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وإقبال الكلّ إلى فاطمة وهي في محرابها قد لصق ظهرها ببطنها من شدّة الجوع ، وغور عينها وجزع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من ذلك بقوله : « وا غوثاه باللّه ، أهل بيت محمّد يموتون جوعا » (4) ؛ فإذا كان عليّ علیه السلام موردا لمثل هذه السورة وموصوفا بما تضمّنه يكون أهلا للإمامة

ص: 257


1- « مجمع البيان » 9 : 48 ذيل الآية 23 من سورة الشورى (42) ؛ « الكشّاف » 3 : 220 ذيل الآية 23 من سورة الشورى (42).
2- مريم (19) : 59.
3- الإنسان (76) : 8.
4- « الأمالي » للصدوق : 215 ، المجلس 44 ، ح 11.

دون غيره ، ولله درّ من قال :

قوم أتى في مدحهم هل أتى *** ما شكّ في ذلك إلاّ ملحدا

[6] ومنها : قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ ) (1) ؛ للاتّفاق على أنّ المراد عليّ بن أبي طالب ، حيث نام على فراش النبيّ صلی اللّه علیه و آله حين أراد المشركون قتله عند إرادته الهجرة في السنة الثالثة عشرة من البعثة لإيذاء المشركين له صلی اللّه علیه و آله على وجه الاجتماع ، لينتهي أمر القصاص إلى الدية لكثرة القتلة ، وأخبر جبرئيل ما أراده ، وأمره من اللّه أن يبيت عليّا علیه السلام فراشه وأخرج من بيته ، وفرح عليّ علیه السلام من ذلك بعد سماعه من النبيّ صلی اللّه علیه و آله واطّلاعه على كون ذلك سببا لحراسة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فرضي بجعل نفسه فراء له صلی اللّه علیه و آله مع أنّ الخليل قال عند إرادة ملك الموت قبض روحه : « هل رأيت خليلا يميت خليله » (2) ، فقال ملك الموت : « هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه ». فرضي الخليل.

وقد روي أن الربّ الجليل قال في ذلك الوقت لجبرئيل وميكائيل : إنّي جعلت بينكما مؤاخاة ، وجعلت عمر أحدكما أطول فمن يرضى منكما بقصر عمره؟

فما يرضى أحد منهما ، فباهى اللّه به علیه السلام عليهما فقال له علیه السلام جبرئيل حين نزوله مع ميكائيل لحراسته : بخّ بخّ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة؟ (3) فيستفاد فضيلته المقتضية لاستحقاقه الإمامة والخلافة.

وما يقال - من أنّ الآية في شأن المقداد والزبير حيث صلب كفّار مكّة حبيب بن عدي ، فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « من يجاهد بنفسه في سبيل اللّه فينجيه » (4) ، فاختاره فنزلت - مدفوع بأنّ الأمر المذكور كان حين إقامته صلی اللّه علیه و آله في المدينة. والآية مكيّة.

ص: 258


1- البقرة (2) : 207.
2- « الأمالي » للصدوق : 164 ، المجلس 36 ، ح 1.
3- « الطرائف » : 37 ؛ « كشف الغمّة » : 1 : 310.
4- « تفسير البغوي » 1 : 266 - 367 ذيل الآية 207 من سورة البقرة (2).

[7] ومنها : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ) (1) ، فإنّه نزل حين تكثّر الأغنياء في مجلس الرسول إلى أن تضيّق على الفقراء ، وصعب ذلك على النبيّ صلی اللّه علیه و آله فلم يعمل بمقتضاه إلاّ عليّ علیه السلام حيث باع دينارا أو شيئا آخر - على الاختلاف - بعشرة دراهم ، وتصدّق عشرة مرّات ، وناجى الرسول كلّ مرّة فنسخت الآية حكما.

وروي عن عبد اللّه بن عمر أنّه قال : ثلاث كنّ لعليّ لو أنّ لي واحدة منهنّ كانت أحبّ من حمر النعم : تزويجه بفاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى. (2)

وبالجملة ، فمسابقته علیه السلام لامتثال أمر اللّه ، بل انحصاره فيه ، دليل على أفضليّته المستلزمة لتقدّمه على غيره في الخلافة.

والإيراد باحتمال عدم وسعة الوقت لغيره مدفوع بعدم جواز التكليف بما يفضل عن وقته - كما قرّر في الأصول - مع أنّه حكي عن الأكثر كون النسخ بعد عشرة أيّام.

وما يقال - من كون الصدقة موجبة لكسر قلوب الفقراء فالترك كان أفضل - مدفوع باستلزامه أن يكون أمر اللّه أمرا بالمرجوح ، وهو قبيح ، وبمنافاته لتمنّي عبد اللّه بن عمر.

[8] ومنها : قوله تعالى : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ) (3) الآية ، فإنّه روي عن جمهور مفسّري أهل السنّة وفاقا للإماميّة عن ابن عبّاس أنّه قال : سئل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ما تلك الكلمات؟ فقال صلی اللّه علیه و آله : « قال آدم : إلهي بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين تقبّل توبتي فتقبّلها فتاب عليه » (4).

ص: 259


1- المجادلة (58) : 12.
2- « كشف الغمّة » 1 : 168 ، في وصف زهد أمير المؤمنين علیه السلام .
3- البقرة (2) : 37.
4- « مجمع البيان » 1 : 174 ، ذيل الآية 37 من سورة البقرة (2).

وقد حكي عن بعض أهل السنّة أنّه قال : « المراد من الكلمات هذه : يا حامد بحقّ محمّد ، ويا عليّ بحقّ عليّ ، ويا فاطر بحقّ فاطمة ، ويا محسن بحقّ الحسن ، ويا قديم الإحسان بحقّ الحسين فاغفر لي ، فتاب عليه ».

وروي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « لو كانت البحار مدادا والأشجار أقلاما والسماوات صحافا والإنس والجنّ كتابا ، لنفد المداد وفنت الصحف وكلّت الأقلام ولم يكتبوا عشر معاشر فضل عليّ علیه السلام » (1).

وبالجملة ، فإذا كان عليّ علیه السلام سببا لقبول : توبة أبي الأنبياء وصفيّ اللّه ، فكيف يجوّز عاقل أن لا يجعل رئيسا وإماما ، بل جعل مرءوسا ومأموما لمن هو مفضول لو سلّم أصل الفضل لغيره.

[9] ومنها : قوله تعالى : ( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) - إلى قوله تعالى - : ( عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) (2) ، فإنّه قد حكي عن الصحاح الستّة وتفاسير أهل السنّة (3) وفاقا للإماميّة أنّه نزل في شأن عليّ علیه السلام عند مفاخرة العبّاس بسقاية الحاجّ من زمزم ، وطلحة بكون مفتاح الكعبة في يده ، وأمير المؤمنين بإيمانه قبل جميع الناس بستّة أشهر والجهاد وإرادة ردّ الأمر إلى رسول اللّه ، فتصديق اللّه لعليّ علیه السلام وتفضيله على العبّاس ومن يماثله دليلان على تقدّمه على غيره.

ومثل ذلك قوله تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً ) (4) ؛ لكون عليّ علیه السلام كاملا في تلك الصفات.

[10] ومنها : قوله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها

ص: 260


1- « كشف الغمّة » 1 : 112 ، في فضل مناقبه.
2- التوبة (9) : 19.
3- « التفسير الكبير » 6 : 12 ، ذيل الآية 19 من سورة التوبة (9).
4- التوبة (9) : 20.

بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) (1) ؛ إذ قد روي عن الثعلبي أنّه روي بإسناده عن أنس بن مالك أنّه سئل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بعد نزولها : أيّ بيوت تلك البيوت؟ [ قال : « بيوت ] الأنبياء » فسأل آخر : بيت عليّ وفاطمة منها؟ قال : « بلى ، وهو أفضلها » (2) ، فيدلّ على كمال فضله وعلوّ شأنه ، فمع وجوده لا يصحّ تقديم من هو مفضول بالنسبة إليه عند أحد من العقلاء.

[11] ومنها : قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (3) ، فقد روي عن جمهور أهل السنّة عن ابن مسعود أنّه قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ لم يسجد أحدنا قطّ للصنم فاتّخذني نبيّا واتّخذه وصيّا » (4).

مضافا إلى انعقاد الإجماع على عدم كون عليّ عاصيا ظالما ، وكون من تقدّم عليه مسبوقا بالشرك الذي هو ظلم عظيم ، فالآية تدلّ على إمامته وإمامة ذرّيّته المعصومين وكون غيرهم من الغاصبين.

فإن قلت : غيرهم لم يكونوا ظالمين عند الإمامة.

قلت : يكفي ظلمهم السابق في المنع ؛ لأنّ مراد الخليل ليس تمنّي إمامة الظالم من ذرّيّته حين الظلم ؛ لقبحه ، بل مراده تمنّي إمامة الصالح من ذرّيّته على الإطلاق على وجه كان شاملا للظالم سابقا وغيره ، فنفى اللّه تعالى نيل عهده الذي هو الإمامة إلى من كان ظالما ليتطابق الجواب مع السؤال.

[12] ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (5) ، فقد حكي عن كتاب

ص: 261


1- النور (24) : 36.
2- « مجمع البيان » 7 : 253 ، ذيل الآية 36 من سورة النور (24).
3- البقرة (2) : 124.
4- « بحار الأنوار » 25 : 207.
5- الرعد (13) : 7.

الفردوس ، عن كتب المخالفين ، عن ابن عبّاس أنّه قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « أنا النذير والمنذر ، وعليّ الهادي وبك يا عليّ يهتدي المهتدون » (1).

وقد روي أنّ نزول الآية كان هكذا : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (2) ، فتدلّ الآية على رئاسة عليّ وإمامته ، كما لا يخفى.

[13] ومنها : قوله تعالى : ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (3) ، فإنّه روي أنّ جماعة من بني هاشم كانوا جالسين عند رسول اللّه فانقضّ كوكب ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من نزل هذا الكوكب في بيته فهو وصيّي » (4) ، فنزل في بيت أمير المؤمنين ، فقال بعض الحاسدين : إنّك يا رسول اللّه ، لفي ضلال مبين في حبّ أمير المؤمنين ، فنزلت الآيات المذكورة.

وعن الصادق علیه السلام تفسير الكوكب بقلب النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، ومكيّة الآية غير قادحة ؛ لاحتمال كونها نازلة في حجّة الوداع أو عام الفتح ، واستبعاد النسبة المذكورة عن الأصحاب مدفوع بصدور مثلها عن أبناء يعقوب حيث قالوا : ( إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (5) ، و ( إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) (6) ، مع أنّهم أولى بعدم صدور مثل ذلك عنهم ، واحتمال عدم إرادة الإمامة من الوصاية مدفوع بأنّها المتبادرة منها عند الإطلاق سيّما إنّ التقييد لا بدّ له من دليل ، وهو مفقود.

[14] ومنها : سورة والعاديات حيث نزلت في شأن أمير المؤمنين عند غلبته على قاصدي إضرار أهل المدينة بعد غلبتهم على أبي بكر وعمر وعمرو بن عاص ، فتدلّ على فضيلته المقتضية للمطلوب.

ص: 262


1- « الاحتجاج » 1 : 80.
2- الرعد (13) : 7.
3- النجم (53) : 1 - 4.
4- « الأمالي » للصدوق : 453 ، المجلس 83 ، ح 4.
5- يوسف (12) : 8.
6- يوسف (12) : 95.

[15] ومنها : قوله تعالى : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ ) (1) ( ... يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) (2) ؛ لدلالته على فضيلته ؛ لما روي عن أكثر (3) أهل السنّة عن أنس ، عن ابن عبّاس أنّ المراد من البحرين : عليّ وفاطمة ، ومن البرزخ : رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومن اللؤلؤ والمرجان : الحسنان ، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما ؛ فإنّ البحر إنّما يسمّى بحرا لسعته ، ولا يبغي أحدهما على صاحبه ؛ لوجود برزخ بينهما ، وهو إطاعة شرع الرسول أو محبّتهما.

[16] ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (4) ، فإنّه روي عن صحيح مسلم أنّ الرسول صلی اللّه علیه و آله سئل عن كيفيّة الصلاة عليه ، فقال : « قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد » (5). كذا عن صحيح البخاري (6). ولا شكّ أنّ أمير المؤمنين هو من الآل ، فالأمر بالصلاة عليه يقتضي كمال فضله ، وأصل الحكمة في ذلك الآل بالصلاة في دين نبيّنا صلی اللّه علیه و آله الإشارة إلى لزوم أخذ أحكامه من الآل بعده لبقاء دينه بخلاف دين غيره ، ودفع توهّم الأعداء كون نبيّنا صلی اللّه علیه و آله أبتر ومنقطع النسل ، وكفانا فخرا وجوب ذكر الآل في الصلاة وبطلانها بدونه كما حكي عن الشافعي أنّه قال في آخر نظم له في مدح آله صلی اللّه علیه و آله :

كفا كم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (7)

فهم أولى بالمتبوعيّة.

ص: 263


1- الرحمن (55) 19 و 20.
2- الرحمن (55) : 22.
3- منهم السيوطي في « الدرّ المنثور » 7 : 697.
4- الأحزاب (33) : 56.
5- « صحيح مسلم » 1 : 305 ، ح 406 ، باب 17 الصلاة على النبيّ صلی اللّه علیه و آله .
6- « صحيح البخاري » 3 : 1233 ، الباب 13 ، ح 3190.
7- « ديوان الشافعي » : 72.

[17] ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً* وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) (1) ؛ فإنّه روي أنّه لمّا نزلت الآية الأولى أخذ النبيّ بشعرة منه فقال : « يا عليّ ، من آذى بشعرة منك فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه ، ومن آذى اللّه فعليه لعنة اللّه » (2) ، وورد مثل ذلك في حقّ فاطمة ، وأنّ الآية الثانية نزلت في شأن المؤمنين عند إيذاء جمع من المنافقين له. وهاتان الآيتان تدلاّن على كمال فضله وكون من اختار غيره مؤذيا له ملعونا.

ومنها : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (3) الآية ؛ لما روى الثعلبي أنّه نزلت في شأن أمير المؤمنين. كذا عن الصادق علیه السلام (4).

[18] ومنها : قوله تعالى : ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (5) ؛ لما روي عن الرسول أنّه قال بعد نزوله لعليّ علیه السلام : « إنّي سألت اللّه أن يجعل أذنك واعية » (6).

وروي أنّه صلی اللّه علیه و آله قال لعليّ علیه السلام : « يا عليّ ، أمرني اللّه أن لا أباعد منك وأعلّمك وتستمع وتتعلّم » (7) فنزلت الآية.

وعن تفسير الثعلبيّ أنّه صلی اللّه علیه و آله قال لعليّ علیه السلام : « إنّي دعوت اللّه أن يجعل أذنك واعية » (8) فنزلت الآية.

ص: 264


1- الأحزاب (33) : 57 - 58.
2- « مجمع البيان » 8 : 181 ، ذيل الآية 57 من سورة الأحزاب (33).
3- المائدة (5) : 54.
4- « مجمع البيان » 3 : 359.
5- الحاقّة (69) : 12.
6- « تفسير الطبري » 29 : 31.
7- « مجمع البيان » 10 : 107.
8- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 95 ، الرقم 99.

[19] ومنها : سورة والعصر ؛ لما روي عن ابن عبّاس أنّ المراد من المستثنى عليّ علیه السلام فهو الموصوف بما ذكر ، فهو أولى بالخلافة (1).

[20] ومنها : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (2) ؛ لأنّ الصادقين الذين لا يصدر عنهم الكذب هم المعصومون ، ولا معصوم من الصحابة إلاّ عليّ ، فالأمر بمتابعته يقتضي كونه إماما.

وقد روي عن ابن عبّاس أنّه نزلت في شأن عليّ علیه السلام .

[21] ومنها : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) (3) ؛ لما اشتهر من أنّه أمر اللّه محمّدا صلی اللّه علیه و آله أن ينصب عليّا للناس ، فيخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول اللّه أن يقولوا جاء في ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، كما روي أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمّا نصب عليّا وشاع ذلك وبلغ الحارث بن النعمان أتى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على ناقته حتّى أتى الأبطح ، فنزل عن ناقته فأناخها وعقلها ، وأتى النبيّ وهو في ملإ من أصحابه فقال : يا محمّد ، أمرتنا عن اللّه تعالى أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلّي خمسا فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نزكّي أموالنا فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نحجّ بالبيت فقبلناه منك ، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت عضد ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت : « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » ، فهذا شيء منك أم من اللّه؟ فقال : « واللّه الذي لا إله إلاّ هو إنّه من أمر اللّه » (4) ، فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللّهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتّى رماه اللّه بحجر فسقط على هامته وخرج

ص: 265


1- « تفسير القمّي » 2 : 441.
2- التوبة (9) : 119.
3- المائدة (5) : 67.
4- « مجمع البيان » 10 : 119 ، ذيل الآية 1 من سورة المعارج (70).

من دبره فقتلته ، فأنزل اللّه ( سَأَلَ سائِلٌ ) (1) الآية.

وبالجملة ، فأوحى اللّه إليه هذه الآية في غدير خم - موضع بين مكّة والمدينة بالجحفة بعد رجوعه من حجّة الوداع - فجمع الناس وجمع الرحال وصعد عليها فأخذ وقال مخاطبا : « يا معاشر المسلمين ، ألست أولى بكم من أنفسكم؟ » قالوا : بلى ، قال : « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله » (2).

فهذه الآية في غاية الظهور على إمامة مولانا عليّ بن أبي طالب علیه السلام سيّما أنّ اللّه تعالى جعل ترك تبليغ أمر إمامته وكتمانه كأنّه لم يبلّغ شيئا من رسالات ربّه في استحقاق العقوبة.

مضافا إلى أنّ الحديث المذكور قطعيّ إمّا بالتواتر أو بالتسامع والتظافر ، ولا خفاء في عدم مناسبة إرادة المعتق أو المعتق والجار والحليف وابن العمّ ، وعدم الوجه لإرادة الناصر ؛ لكونه ظاهرا غير محتاج إلى البيان ، سيّما مع كثرة التعب فيه من جهة جمع الناس في يوم كان في غاية الحرّ وغير ذلك ، مع عدم انحصاره في عليّ علیه السلام لقوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (3). فالمراد هو الأولى بالتصرّف في أمور الناس مثل النبيّ في أمر النشأتين ، وهو معنى الإمامة.

وممّا ذكرنا ظهر وجه اندفاع ما أورد الشارح القوشجي من كون الخبر غير متواتر ، بل مقدوح في صحّته ؛ إذ القطعية ولو بالمعنى كافية ، وهكذا إيراده باحتمال إرادة الناصر والمحبّ ؛ لأنّ بيان مثل ذلك على الوجه المذكور موجب للسفاهة ولا أقلّ من التقبيح ، ولا يدفعه احتمال كون الغرض هو التنصيص على هذا ليكون أبعد من التخصيص الذي تحتمله أكثر العمومات ، وكونه أوفى بإفادة الشرف ؛ حيث قرن

ص: 266


1- المعارج (70) : 1.
2- « مسند أحمد بن حنبل » 6 : 401 ، ح 18506 ؛ « مجمع البيان » 3 : 274 ؛ « الخصال » 1 : 311 ، باب الخمسة.
3- التوبة (9) : 71.

بموالاة النبيّ صلی اللّه علیه و آله مع أنّ ذلك يقتضي كمال فضله المقتضي لإمامته كما لا يخفى.

وأمّا إيراده بأنّه لو سلّم أنّ المراد بالمولى هو الأولى فأين الدليل على أنّ المراد هو الأولى بالتصرّف والتدبير ، بل يجوز أن يراد الأولى في الاختصاص به والقرب منه كما قال اللّه تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) (1) ، وكما يقول التلامذة : نحن أولى بأستادنا ، والأتباع : نحن أولى بسلطاننا ؛ ولا يريدون الأولويّة في التدبير والتصرّف ، وحينئذ لا يدلّ الحديث على الإمامة؟

فجوابه أوّلا : أنّ سؤال النبيّ : « ألست أولى بكم من أنفسكم » ، وتفريع قوله : « فمن كنت مولاه » إلى آخره عليه صريح في أنّ المراد هو الأولى بالتصرّف على وجه لا سترة فيه إلاّ على الذين على أبصارهم غشاوة.

وثانيا : أنّ الأولى بمعنى الاختصاص ينسب إلى الداني بالنسبة إلى العالي ، كما في الأمثلة التي ذكرها هذا المتعصّب ؛ إذ يستقبح في العرف جعل العالي مختصّا بالداني كما لا يخفى.

وثالثا : أنّ المراد من المولى بالنسبة إلى عليّ علیه السلام يجب أن يكون مثل ما هو المراد من المولى بالنسبة إلى النبيّ ؛ لكون أحدهما واقعا في الشرط والآخر في الجزاء ، ولا بدّ من التماثل معنى ليصحّ المجازاة ، ولا ريب أنّ المولى بالنسبة إلى النبيّ ليس إلاّ الأدنى التصرّف في أمر النشأتين فلا بدّ أن يكون المراد منه بالنسبة إلى عليّ علیه السلام أيضا ذلك بلا تفاوت لتتمّ المجازاة.

ورابعا : أنّ الأولى إذا أطلق يجب حمله على الجميع الشامل لمثل ما نحن فيه سيّما إذا كان مثل ما نحن فيه أظهر كما هو الواقع إلاّ إذا دلّ دليل على خلافه ، كما في بعض الأمثلة التي ذكرها هذا المعاند ؛ إذ التقييد لا بدّ له من دليل ، وهو في المقام مفقود.

ص: 267


1- آل عمران (3) : 68.

وخامسا : أنّ المتبادر من المولى هو السيّد المدبّر في الأمور ولو كان بسبب الكلام أو المقام ؛ لاستبعاد كون المراد بيان الاختصاص على الوجه الذي كان في غاية الصعوبة.

وأمّا إيراده بأنّه لو سلّم فغايته الدلالة على استحقاق الإمامة وثبوتها في المال ، لكن من أين يلزم نفي الأئمّة الثلاثة الباقية قبله؟.

فجوابه أوّلا : أنّ بيان المرتبة للأولى والثانية والثالثة أهمّ من بيان المرتبة الرابعة ، فلو كان للأوّل والثاني والثالث استحقاق لوجب بيانه ؛ إذ إهمال الأمر الواجب - الذي لا يستقيم أمر الدين إلاّ به بالنسبة إلى أوّل زمان الحيرة وهو زمان رحلته - مستلزم للإغراء بالجهل والرضى بحيرة الأمّة وترك إرشادهم مع أنّه مبعوث له ، مضافا إلى أنّ تارك الواجب سيّما مثل الواجب المذكور لا يستحقّ للنبوّة بل لما هو أدنى منها.

فإن قلت : إنّ المقصود بيان حال الرابع.

قلت : كان الواجب على تقدير كونه رابعا بيان حاله على ما هو حقّه ؛ لئلاّ يلزم ترك الواجب الآخر ، أعني بيان إمامة الأئمّة الثلاثة.

وثانيا : أنّ مراده لو كان ما ذكره لزم الإغراء بالجهل بالنسبة إلى حال عليّ علیه السلام ؛ إذ لم يبيّن مرتبته مع أنّه في غاية الاحتياج ؛ لأنّه كان رافعا للحيرة والاختلاف اللذين كان المقصود من البعثة رفعهما.

وثالثا : أنّ كلمة « الفاء » وإن كانت جزائيّة لكنّها تفيد التعقيب بلا مهلة أيضا.

[22] ومنها : قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (1) ؛ لما روي من أنّها نزلت بعد أن نصب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عليّا للخلافة قبل أن يتفرّق الناس ، فقال صلی اللّه علیه و آله : « اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الربّ برسالتي أو بالولاية لعليّ من بعدي » ، ثمّ قال : « من كنت مولاه

ص: 268


1- المائدة (5) : 3.

فعليّ مولاه » (1) إلى آخره ، فتدلّ تلك الآية على حقيقة خلافة عليّ علیه السلام ، وأنّ ما عدا إمامة أمير المؤمنين من الواجبات - أصوليّة كانت أو فروعيّة - ليس مثلها ، وأنّها لو لم تكن لم يكن دين كامل ، وأنّها من أصول الدين لا أصول المذهب فقط.

[23] ومنها : قوله تعالى : ( وَأَذانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) (2) ؛ لما روي عن مسند أحمد بن حنبل من أنّه على حين أذن بالآيات من سورة البراءة حين أنفذها النبيّ صلی اللّه علیه و آله مع أبي بكر وأتبعه بعليّ فردّه ومضى بها عليّ علیه السلام وقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « قد أمرت أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو واحد منّي » (3).

فيستكشف من هذا أنّ أبا بكر لم يكن قابلا لتبليغ تلك الآيات المعدودة ، فلا يكون قابلا لحفظ جميع أحكام شريعة النبيّ وتبليغها بطريق أولى ، وأنّ القابل هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، وعدم اختياره أوّلا إنّما هو لدفع توهّم أنّ غيره أيضا قابل ، وليس اختياره علیه السلام لدفع عدم الاعتناء بحميمه علیه السلام من جهة أخذ غير حميمه ميثاقه ، كما يتوهّم أنّه كان مقرّرا عند العرب وإلاّ لما كان ترك اختياره أوّلا وجه ؛ إذ لا يتصوّر اختفاء القاعدة المقرّرة في قوم النبيّ صلی اللّه علیه و آله عليه لو كانت.

[24] ومنها : قوله تعالى : ( اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (4) ؛ لما روي عن الحسن البصري أنّ المراد من « المشكاة » فاطمة ، ومن « المصباح » الحسنان ، ومن « الزجاجة » فاطمة أيضا كأنّها بين النساء كوكب درّيّ ، و « من الشجرة المباركة »

ص: 269


1- « مجمع البيان » 3 : 274 ، ذيل الآية 3 من سورة المائدة (5).
2- التوبة (9) : 3.
3- « الطرائف » : 38 - 39.
4- النور (24) : 35.

إبراهيم (1) ، ومن « كونه لا شرقيّة ولا غربيّة » أنّه لا يهود يتمكّنون في الشرق أو يصلّون إليه ، ولا نصرانيّون يتمكّنون في الغرب أو يصلّون إليه ، ومن قوله : « يكاد زيتها يضيء » علم بلغ منه إلى غيره ، ومن قوله « نور على نور » إمام بعد إمام يكون باقيا إلى قيام القيامة ويهدي اللّه به الناس ، فإنّه إذا كان الإمام من ذرّيّة عليّ علیه السلام هاديا للناس ، يجب أن يكون خليفة ، ويلزم من ذلك كون عليّا علیه السلام خليفة بلا فصل ؛ إذ لا قائل بكون ذرّيّة عليّ علیه السلام إماما وعدم كونه علیه السلام إماما أو كونه إماما وخليفة مع الفصل.

وأيضا فإنّه أكمل وأفضل فهو أقدم.

وعن الصادق علیه السلام : أنّ المراد من « مثل نوره » قلب محمّد ، ومن « المصباح » نور علم النبوّة ، ومن « الزجاجة » قلب عليّ علیه السلام ؛ لأنّه في غاية الصفاء كوكب درّيّ ، ومن « الشجرة المباركة » عليّ بن أبي طالب علیه السلام ؛ فإنّه لا يهوديّ ولا نصرانيّ بالمعنى المذكور ، بل هو على ملّة إبراهيم حنيفا ، ومن قوله تعالى : ( يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ) ظهور العلم من عالم من

آل محمّد صلی اللّه علیه و آله قبل أن يسأل ، ومن : « النور على النور » إمام بعد إمام (2).

وعن طلحة بن زيد عن مولانا الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام في هذه الآية قال : « بدأ بنور نفسه تعالى ثمّ مثل نوره مثل هداه في قلب المؤمن » ( كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ) المشكاة جوف المؤمن ، والقنديل قلبه ، والمصباح النور الذي جعله اللّه في قلبه ( يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ ) قال : الشجرة : المؤمن ( زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) قال : على سواء الجبل لا غربيّة أي لا شرق لها ولا شرقيّة أي لا غرب لها إذا طلعت الشمس طلعت عليها وإن غربت غربت عليها ( يَكادُ زَيْتُها )

ص: 270


1- « الطرائف » : 135.
2- « معاني الأخبار » : 15 ؛ « التوحيد » : 157 - 158.

يعني يكاد النور الذي جعله اللّه فيه قلبه ( يُضِيءُ ) وإن لم يتكلّم ( نُورٌ عَلى نُورٍ ) فريضة على فريضة وسنّة على سنّة ( يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ ) فهذا مثل ضربه اللّه للمؤمن.

ثمّ قال : فالمؤمن يتقلّب في خمسة من النور (1) : « مدخله نور ومخرجه نور وعلمه نور وكلامه نور ومسيره يوم القيامة إلى الجنّة نور ».

قلت لجعفر بن محمّد : جعلت فداك يا سيّدي إنّهم يقولون : مثل نور الربّ؟ قال : « سبحان اللّه ليس لله مثل ما قال اللّه تعالى : ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ) (2) » (3). ونحو ذلك من الأخبار المبيّنة لباطن الآية الشريفة.

[25] ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ) (4) ؛ فإنّه روي عن أبي نعيم بإسناده إلى ابن عبّاس قال : نزلت في عليّ علیه السلام قال : والودّ محبّة في قلوب المؤمنين (5).

وعن تفسير الثعلبي عن البراء بن عازب قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لعليّ بن أبي طالب : « يا عليّ ، قل اللّهمّ اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في قلوب المؤمنين محبّة » (6). فأنزل اللّه ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) فيكون عليّ أفضل من غيره من الصحابة فيكون هو الإمام.

[26] ومنها : قوله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (7) ؛ لما روي عن

ص: 271


1- كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : « الأنوار ».
2- النحل (16) : 74.
3- « تفسير القمّي » 2 : 103.
4- مريم (19) : 96.
5- « مجمع البيان » 6 : 454.
6- المصدر السابق : 455.
7- الواقعة (56) : 10.

أبي نعيم عن ابن عبّاس قال في هذه الآية : سابق هذه الأمّة عليّ بن أبي طالب كيوشع بن نون إلى موسى علیه السلام ، وحبيب النجّار إلى عيسى (1) علیه السلام ، فيكون عليّ أفضل ، فيكون خليفة الرسول صلی اللّه علیه و آله بلا فصل.

[27] ومنها : قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) (2) ؛ لما روي عن أبي نعيم عن أبي هريرة قال : مكتوب على ساق العرش : لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، محمّد عبدي أيّدته بعليّ بن أبي طالب ، وذلك قوله تعالى في كتابه : ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) يعني عليّ بن أبي طالب (3) ، وهذا من أعظم الفضائل التي لم تحصل لغيره فيكون هو الإمام علیه السلام .

[28] ومنها : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) ؛ لما روي عن أبي نعيم قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب علیه السلام وهذه فضيلة مقتضية لكونه علیه السلام خليفة الرسول صلی اللّه علیه و آله (5).

[29] ومنها : قوله تعالى : ( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (6) ؛ لما روي عن الحافظ أبي نعيم عن ابن الحنفيّة قال : هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام .

وعن تفسير الثعلبي عن عبد اللّه بن سلام قلت : من هذا الذي عنده علم الكتاب؟

فقال صلی اللّه علیه و آله : إنّما ذلك عليّ بن أبي طالب (7). فيكون أفضل وهو الإمام.

[30] ومنها : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (8) ؛

ص: 272


1- « تأويل الآيات الظاهرة » 2 : 641 ؛ « مجمع البيان » 9 : 359.
2- الأنفال (8) : 62.
3- « تأويل الآيات الظاهرة » 1 : 195 ؛ « تاريخ بغداد » 11 : 173.
4- الأنفال (8) : 64.
5- « تأويل الآيات الظاهرة » 1 : 196.
6- الرعد (13) : 43.
7- « مجمع البيان » 5 : 140.
8- التوبة (9) : 119.

لما روي عن أبي نعيم عن ابن عبّاس أنّها نزلت في عليّ (1) علیه السلام مضافا إلى أنّ معلوم الصدق ليس إلاّ المعصوم ؛ لاحتمال كذب غيره ، ولا معصوم من الأربعة إلاّ عليّ علیه السلام .

[31] ومنها : قوله تعالى : ( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (2) ، لما روي بالإسناد السابق أنّها نزلت في رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ خاصّة ، وهما أوّل من صلّى وركع (3) ، فيكون عليّ علیه السلام أفضل وإماما ورئيسا.

[32] ومنها : قوله تعالى : ( وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ) (4) في مدح أهل البيت علیهم السلام ؛ لما روي عن مسند أحمد بن حنبل بإسناده إلى زيد بن أبي أوفى قال : دخلت على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في مسجده فذكرت عليه قصّة مؤاخاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بين أصحابه فقال عليّ علیه السلام : « لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة » فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « والذي بعثني بالحقّ نبيّا ما أخّرتك إلاّ لنفسي فأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي وأنت معي في قصري في الجنّة ومع ابنتي فاطمة ، وأنت أخي ورفيقي » (5) ، ولا شكّ أنّ المؤاخاة تستدعي المناسبة التامّة ، فلمّا اختصّ عليّ علیه السلام بمؤاخاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان هو الإمام.

[33] ومنها : قوله تعالى : ( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ) (6) ؛ لما حكي من إجماع المفسّرين على أنّ صالح

ص: 273


1- « الكافي » 1 : 229.
2- البقرة (2) : 43.
3- « تأويل الآيات الظاهرة » 1 : 53 ؛ « شواهد التنزيل » 1 : 85.
4- الحجر (15) : 47.
5- « تفسير فرات الكوفي » 1 : 227 ، ح 304.
6- التحريم (66) : 4.

المؤمنين هو عليّ علیه السلام (1).

وعن أبي نعيم بإسناده إلى أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول اللّه يقرأ هذه الآية ( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (2) عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (3) ، واختصاصه بذلك يدلّ على أفضليّته المقتضية لخلافته وإمامته.

إلى غير ذلك من الآيات مثل قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (4) ؛ إذ المراد من أولي الأمر ليس إلاّ المعصوم ؛ إذ تفويض أمور المسلمين إلى غير المعصوم ترك اللطف الواجب على اللّه ، و [ هو ] قبيح عليه.

القسم الثاني من النصّ الخفيّ كان بطريق السنّة المنقولة عن النبيّ ، وهي عديدة :

[1] منها : حديث غدير خمّ المتواتر أو المتظافر ، وقد مرّ مشروحا مع ذكر إيرادات بعض المعاندين وأجوبتهما على وجه يزيل الريبة عن قلوب المنصفين.

[2] ومنها : قوله صلی اللّه علیه و آله لعليّ علیه السلام : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » (5) ؛ لأنّ عموم المنزلة - كما يدلّ عليه الاستثناء المتّصل الذي لا يصحّ بدونه - يقتضي كونه خليفة له ؛ إذ من منازل هارون أنّه كان خليفة لموسى ووليّا في تدبير الأمر ورئيسا للعامّة ومفترض الطاعة ، ولو عاش بعده لكان خليفة أيضا ، بل كان للخلافة حينئذ أولى.

وإذ قد صرّح بنفي النبوّة تكون الإمامة هي الباقية بعد الاستثناء والعامّ المخصوص حجّة في تمام الباقي ، كما حقّق في محلّه.

ص: 274


1- « مجمع البيان » 10 : 59.
2- التحريم (66) : 4.
3- « مجمع البيان » 10 : 60 - 61.
4- النساء (4) : 59.
5- « مسند أحمد بن حنبل » 1 : 361 ، ح 1464 و 375 ، ح 1532 و 391 ، ح 1608.

وكون الأخوّة من المنازل غير قادح ؛ إذ خروج ما هو معلوم الخروج لا ينافي دخول ما ليس كذلك ، مضافا إلى أنّ الحديث يشعر بأنّ عليّا كان قابلا للنبوّة لو كانت ممكنة بعد النبيّ حيث احتاج إلى نفيها.

وقد روي عن مسند أحمد وصحيح البخاري ومسلم : أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال لعليّ علیه السلام - بعد أن جعله خليفة في المدينة عند إرادة غزوة تبوك وقال عليّ علیه السلام له صلی اللّه علیه و آله : « لا أرضى أن لا أكون معك » - : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؟ » (1).

ولا ريب أنّ ذلك أيضا يدلّ على المطلوب ؛ إذ لو كان المراد مجرّد النيابة في حال الحياة لما كان للاستثناء المشتمل على الحكم بعد الوفاة وجه ، مع أنّه لم يعزله إلى زمان وفاته فيعمّ الأزمان والأمور ؛ لعدم القول بالفصل ، بل الحاجة إلى الخليفة بعد الوفاة أشدّ منه في حال الغيبة.

وبالجملة فحينئذ لا وجه لإنكار تواتر ذلك الحديث كما صدر عن بعض الأشقياء ؛ إذ الفضل ما شهد به الأعداء ، مضافا إلى أنّه قطعيّ بالتظافر لو لم يكن كذلك بالتواتر.

ومنع العموم من أفحش الأغلاط ؛ لمكان الاستثناء الذي هو حقيقة في المتّصل الذي لا يصحّ بدونه كما مرّ.

وادّعاء كون الإجماع على خلافه فاسد ؛ لما سيأتي إن شاء اللّه.

[3] ومنها : ما روي عن الجمهور بأجمعهم أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لمّا حاصر خيبر بضعا وعشرين ليلة ، وكانت الراية لأمير المؤمنين فلحقه رمد أعجزه عن الحرب ، وخرج مرحب يتعرّض للحرب ، فدعا رسول اللّه أبا بكر فقال له : « خذ الراية » فأخذها في جمع من المهاجرين فاجتهد ولم يغن شيئا ورجع منهزما ، فلمّا كان من الغد تعرّض

ص: 275


1- تقدّم في الصفحة السابقة.

لها عمر فسار قليلا ثمّ رجع يجبّن أصحابه ، فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « جيئوني بعليّ » فقيل : إنّه أرمد ، فقال : « أرونيه ، تروني رجلا يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ليس بفرّار » ، (1) فجاءوا بعليّ علیه السلام فتفل في يده ومسحها على عينه ورأسه فبرئ ، فأعطاه الراية ففتح اللّه على يديه وقتل مرحبا ، ولا شكّ أنّ توصيفه صلی اللّه علیه و آله لعليّ علیه السلام بما ذكر يقتضي بقرينة المقام على انتفاء ما ذكر في غيره ، فيكون هو الأفضل ، فيكون هو الإمام.

[4] ومنها : ما روي عن أنس قال : لمّا كان يوم المباهلة وآخى النبيّ صلی اللّه علیه و آله بين المهاجرين والأنصار وعليّ واقف يراه ويعرف مكانه ، ولم يؤاخ بينه وبين أحد ، فانصرف عليّ باكي العينين ، فافتقده النبيّ صلی اللّه علیه و آله فقال : « ما فعل أبو الحسن؟ » قالوا : انصرف باكي العينين.

قال : « يا بلال اذهب فأتني به » فمضى إليه قد دخل منزله باكي العينين ، فقالت فاطمة : « ما يبكيك لا أبكى اللّه عينيك؟ » قال : « آخى النبيّ مع المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني لم يؤاخ بيني وبين أحد » ، قالت : « لا يحزنك اللّه لعلّه إنّما أخّرك لنفسه » ، فقال بلال : يا عليّ ، أجب النبيّ ، فأتى النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال له : « ما يبكيك يا أبا الحسن؟ » قال : « آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول اللّه ، وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تؤاخ بيني وبين أحد » ، قال : « إنّما أخّرتك لنفسي ألا يسرّك أن تكون أخا نبيّك؟ » قال : « بلى يا رسول اللّه أنّى لي بذلك؟ ».

فأخذ بيده فأرقاه المنبر ، فقال : « اللّهمّ إنّ هذا منّي وأنا منه إلاّ أنّه بمنزلة هارون من موسى ، ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » (2) ، فانصرف عليّ قرير العين فأتبعه عمر ، فقال : بخّ بخّ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم (3).

ص: 276


1- « مسند أحمد بن حنبل » 1 : 214 ، ح 778 ؛ « سنن ابن ماجه » 1 : 43 ، ح 117 ، المقدّمة.
2- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 211 و 213 ؛ « عمدة عيون صحاح الأخبار » لابن البطريق 1 : 215 ، الفصل 19 ، ح 269 - 271 ؛ « الجامع الصحيح » 5 : 636 ، كتاب المناقب ، ح 3720.
3- « تاريخ بغداد » 8 : 290.

ولا شبهة أنّ المؤاخاة سيّما على الوجه المذكور تدلّ على الأفضليّة فيكون هو الإمام.

[5] ومنها : ما روي عن الجمهور كافّة أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أتي بطائر ، فقال : « اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليّ يأكل معي من هذا الطائر » فجاء عليّ فدقّ الباب ، فقال أنس بن مالك : إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله على حاجة ، فرجع ، ثمّ قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله كما قال أوّلا ، فدقّ علي علیه السلام الباب ، فقال أنس : أولم أقل لك : إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله على حاجة؟ فرجع ، ثمّ قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله كما قال في الأوليين ، فجاء عليّ علیه السلام فدقّ الباب أشدّ من الأوليين فسمعه النبيّ صلی اللّه علیه و آله - وقد قال له أنس : إنّه على حاجة - فأذن له بالدخول فقال : « يا عليّ ، ما أبطأك عنّي؟ » قال : « جئت فردّني أنس ثمّ جئت فردّني ثمّ جئت فردّني » فقال : « يا أنس ما حملك على هذا؟ » فقال : رجوت أن يكون الدعاء لأحد من الأنصار ، فقال : « يا أنس أو في الأنصار خير من عليّ؟ أو في الأنصار أفضل من عليّ؟ » (1) فإذا كان عليّ أحبّ الخلق إلى رسول اللّه أو إلى اللّه - على نسخة « إليك » مكان « إليّ » - كان أفضل فيكون هو الإمام.

[6] ومنها : قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « لضربة عليّ يوم الخندق خير من عبادة الثقلين » (2).

ووجهه : أنّ ضربته يومئذ كانت سببا لاستحكام أمر الدين.

[7] ومنها : ما روي عن الجمهور من أنّه صلی اللّه علیه و آله أمر أصحابه بأن يسلّموا على عليّ علیه السلام بإمرة المؤمنين وقال : « إنّه سيّد المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين » (3) ، وقال : « هذا وليّ كلّ مؤمن بعدي » (4) ، وقال : « إنّ عليّا منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة » (5) ، وكلّ ذلك دليل على المطلوب.

ص: 277


1- « الجامع الصحيح » 5 : 636 - 637 ، كتاب المناقب ، باب 21 ، ح 3721 ؛ « المناقب » لابن المغازلي » : 164 - 176.
2- « التفسير الكبير » 11 : 231 ذيل الآية 3 من سورة القدر.
3- « المناقب » لابن المغازلي : 131 ، ح 146.
4- المصدر السابق : 211 ، ح 276.
5- المصدر السابق : 207 - 208 ، ح 270.

[8] ومنها : ما روي عن الجمهور من قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (1).

وقال : « مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » (2) ، فيجب التمسّك بقول أهل بيته وسيّدهم عليّ علیه السلام فيكون واجب الطاعة على الكلّ ، فيكون هو الإمام دون غيره من الصحابة.

[9] ومنها : ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال لعليّ علیه السلام : « يا عليّ ، إنّي رأيت اسمك مقرونا في ثلاثة (3) مواطن فأنست بالنظر إليه : إنّي لمّا بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرتها : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره ، فقلت لجبرئيل : من وزيري؟ فقال : عليّ بن أبي طالب.

فلمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها : إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي محمّد صفوتي من خلقي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره ، فقلت لجبرئيل : من وزيري؟ فقال : عليّ بن أبي طالب علیه السلام .

فلمّا جاوزت السدرة انتهيت إلى عرش ربّ العالمين جلّ جلاله فوجدت مكتوبا على قوائمه : إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي محمّد حبيبي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره » (4).

إلى غير ذلك من الأخبار المفيدة بتظافرها القطع بما هو المقصود من خلافة عليّ بن أبي طالب علیه السلام بلا فصل للرسول صلی اللّه علیه و آله مضافا إلى الأدلّة المستنبطة من أحواله الدالّة على إمامته وخلافته بلا فصل.

ص: 278


1- المصدر السابق : 214 ، ح 281.
2- المصدر السابق : 148 ، 149 ، ح 173 و 175.
3- في المصدر : « أربعة ».
4- « الخصال » : 207 ، باب الأربعة ، ح 26.
فصل [3] : في الأعلميّة
اشارة

بمعنى أنّ عليّ بن أبي طالب كان أعلم أهل عصره في الأحكام والأديان والأحوال وغيرها.

والمراد أنّه علیه السلام كان أعلم الناس بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؛ لكونه في غاية الذكاء والفطنة ، شديد الحرص على التعلّم ، ولازم رسول اللّه الذي هو أكمل الناس وأولاهم تعليما ليلا ونهارا من صغره إلى زمان وفاة الرسول صلی اللّه علیه و آله وإذا كان القائل كاملا والفاعل تامّا يكون التأثير بلا نقصان كما قال صلی اللّه علیه و آله : « أقضاكم عليّ » (1) ، و « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » (2).

وقال حين نزل ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (3) : « اللّهمّ اجعلها أذن [ عليّ ] (4) » ، (5) وقال علیه السلام : « ما نسيت بعد ذلك شيئا » (6).

وقال علیه السلام : « علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم وانفتح لي من كلّ باب ألف باب » (7).

وقال علیه السلام : « لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير بسم اللّه الرحمن الرحيم - أو - فاتحة الكتاب » (8) على اختلاف نسخ الكتاب.

ص: 279


1- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 41 ، فصل في المسابقة بالعلم.
2- « المناقب » لابن المغازلي : 116 ، ح 121.
3- الحاقّة (69) : 12.
4- الزيادة أثبتناها من المصدر.
5- « مجمع البيان » 10 : 107 ، ذيل الآية 12 من سورة الحاقّة (69).
6- « التفسير الكبير » 30 : 107 ، ذيل الآية 12 من سورة الحاقّة (69).
7- « بصائر الدرجات » : 303 - 304.
8- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 53 ، في المسابقة بالعلم.

وعن الرسول صلی اللّه علیه و آله قال : « أعلم أمّتي بعدي عليّ بن أبي طالب » (1) ، وقال : « قسمت الحكمة على عشرة أجزاء فأعطي عليّ تسعة وللناس جزء واحد » (2).

وقد نقل أنّ عالما من اليهود مرّ به علیه السلام فتعجّب من فصاحته ، وقال : لو أنّك تعلّمت الفلسفة ، لكان يكون منك شأن من شأن ، فقال علیه السلام : « ما تعني بالفلسفة؟ أليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه ، ومن صفا مزاجه قوي أثر النفس فيه ، ومن قوي أثر النفس فيه سما إلى ما يرتقيه ومن سما إلى ما يرتقيه فقد تخلّق بالأخلاق النفسانيّة ، ومن تخلّق بالأخلاق النفسانيّة فقد صار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان ، فقد دخل في باب الملكي الصوري وليس له غير هذه الغاية » (3) ، فزادت حيرة اليهودي فقال : اللّه أكبر يا بن أبي طالب فقد نطقت بالفلسفة جميعا بهذه الكلمات رضي اللّه عنك.

بل جميع العلوم مستفادة منه علیه السلام : أمّا النحو فهو واضعه (4).

وأمّا الفقه فما للإماميّة بل لقاطبة الشيعة يكون منتهيا إليه علیه السلام وما لغيرهم أيضا كذلك ؛ لما قيل من أنّ أحمد بن حنبل أخذه من الشافعي ، وهو من أبي حنيفة ، وهو من الصادق ، ولا شبهة أنّ علم الصادق منه علیه السلام وأنّ مالكا أخذه من ربيعة الرازي وهو من عكرمة وهو من عبد اللّه بن عبّاس وهو منه علیه السلام .

وأمّا الكلام فلأنّ العامّة بل كلّ الشيعة أخذوا منه ، والمعتزلة انتسبوا إلى واصل بن عطاء وهو تلميذ أبي هاشم عبد اللّه بن محمّد بن الحنفيّة ، وهو تلميذ أبيه ، وهو تلميذ عليّ والأشعريّة تلامذة أبي الحسن عليّ بن أبي بشر الأشعري ، وهو تلميذ أبي علي الجبائي وهو شيخ من مشايخ المعتزلة. كذا قيل.

ولا بدّ من دفع ما يرد من أنّ المذهبين الأخيرين فاسدان ، فكيف يصحّ كونهما

ص: 280


1- المصدر السابق : 40.
2- المصدر السابق : 40.
3- « الصراط المستقيم » 1 : 213 ، الفصل 18.
4- « الخصائص » 3 : 309 - 310.

مستندي لان إلى منبع الحقّ بأنّ الحقّ الصادر منه علیه السلام أنّ إرادة الحقّ علّة بعيدة للأفعال وإرادة العبد علّة قريبة لها ووقوع الفعل موقوف عليهما ، كما أخبر الصادق من أهل البيت حيث قال : « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين » (1). ولكن الأشعريّة قصّروا فقصروا النظر على العلّة البعيدة فقالوا بالجبر ، والمعتزلة قصّروا فقصروا النظر على العلّة القريبة ، فقالوا بالتفويض فالتقصير من القابل بل لا من الفاعل.

ومثل ذلك انتساب علم الطريقة وهو علم التصوّف إليه علیه السلام .

وأمّا علم التفسير فإليه منسوب ؛ لأنّ ابن عبّاس كان تلميذه فيه كما روي عنه أنّه قال : حدّثني أمير المؤمنين في تفسير الباء من ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) من أوّل الليل إلى آخره (2).

وأمّا علم الفصاحة فهو منبعه حتّى قيل في كلامه : إنّه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق. ويشهد عليه نهج البلاغة وغيرها.

ويدلّ على أعلميّته ما حكي أنّ عمر قال في اثنين وسبعين موضعا : « لو لا عليّ لهلك عمر » (3) ، كما هو مسطور في بعض كتب العامّة بعد أن ردّه عليّ علیه السلام عن القضاء بالباطل الذي أراده أن يفعله جهلا ولعلّه ستأتي إلى بعضها الإشارة.

وممّا يدلّ عليه أنّه جاء إليه شخصان كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة ، فجلسا يأكلان فجاءهما ثالث وشاركهما ، فلمّا فرغوا رمى لهما ثمانية دراهم فطلب صاحب الأكثر خمسة فأبى عليه صاحب الأقلّ فتخاصما ورجعا إلى عليّ علیه السلام فقال : « قد أنصفك » فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ حقّي أكثر وأنا أريد مرّ الحقّ ، فقال : « إذا كان كذلك فخذ درهما واحدا وأعطه الباقي » (4).

ص: 281


1- « التوحيد » : 206 باب أسماء اللّه تعالى ، ح 10.
2- « كشف اليقين » : 59.
3- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 403 - 405.
4- « الصواعق المحرقة » : 129 ، باختلاف.

وأنّه واقع مالكان جارية لهما جهلا في طهر واحد فحملت فأشكل الحال فترافعا إليه علیه السلام فحكم بالقرعة فصوّبه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وقال : « الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود » (1) يعني القضاء بالإلهام.

وأنّه ركبت جارية جارية أخرى فنخستها (2) ثالثة فوقعت الراكبة فماتت فقضى بثلثي ديتها على الناخسة والقامصة (3) وصوّبه النبيّ (4) صلی اللّه علیه و آله .

وأنّه قتلت بقرة حمارا فترافع المالكان إلى أبي بكر فقال : بهيمة قتلت بهيمة لا شيء على ربّها ، ثمّ مضيا إلى عمر فقضى بذلك أيضا ، ثمّ مضيا إلى عليّ علیه السلام فقال : « إن كانت البقرة دخلت على الحمار في منامه فعلى ربّها قيمة الحمار لصاحبه ، وإن كان الحمار دخل على البقرة في مأمنها فقتلته فلا غرر على صاحبها » فقال النبيّ : « لقد قضى عليّ بن أبي طالب بينكما بقضاء اللّه عزّ وجلّ (5).

وأنّه جيء بشارب الخمر إلى أبي بكر فأمر بحدّه ، فقال الرجل : إنّي تعيّشت في جمع يعتقدون بحلّية الشراب ، ولم أكن عالما بحرمته ، فتحيّر أبو بكر فأرشده بعض الأصحاب إلى عليّ ، فأرسل إليه علیه السلام : فقال علیه السلام : « قل لأبي بكر : أرسل مع الشارب رجلين إلى مجالس المهاجرين والأنصار هل قرئ عليه آية تحريم الخمر أو أخبر به أم لا؟ فإن شهدا على الأوّل حدّ الرجل وإلاّ فلا » (6) ففعل فكان الرجل صادقا في دعواه فنجا عن الحدّ الذي لم يكن مشروعا.

وأنّه قال رجل لآخر إنّي احتلمت على أمّك فتخاصما ، فأمر أبو بكر بالحدّ فقيل

ص: 282


1- « الإرشاد » للمفيد 1 : 195 ، قضاء عليّ علیه السلام في اليمن.
2- نخست بمعنى غرزت جنبها أو مؤخّرها بعود أو نحوه.
3- القامصة : النافرة الضاربة برجلها. انظر « لسان العرب » 7 : 3. « قمص ».
4- « الإرشاد » للمفيد 1 : 196.
5- المصدر السابق : 198.
6- « بحار الأنوار » ، 40 : 298 ، ح 73.

له : لا بدّ من التأمّل فتحيّر ، فرجعوا إلى عليّ علیه السلام فقال : « النوم كالظلّ فإن أرادوا أقاموا الرجل في الشمس وحدّوا على ظلّه ولكن لا بدّ من تهديد الرجل لئلاّ يعود إلى مثل ذلك من الإيذاء » (1) ، وإلى غير ذلك من القضايا.

وأنّه جيء بقاتل ولد شخص إلى عمر فدفعه إلى وارثه فضربوه إلى أن زعموا أنّه قتل ، ولكنّه ما مات فبعد صحّته خرج من بيته فجاءوا به إلى عمر ، فأمر بقتله فأرسل القاتل إلى عليّ علیه السلام فمنع علیه السلام عمر ، فسأل الوارث ضياع دم ولده ، فقال علیه السلام : « كما أنّ لك عليه حقّا كذلك له عليك حقّ الضرب والجرح ، فاصبر حتّى يضربك ويجرحك ، فإذا صرت صحيحا فاقتله » ، فعفا الوارث وصالح حقّه مع حقّ القاتل ، فقال عمر : الحمد لله أرسلكم أهل البيت لهداية الناس ، لو لا عليّ لهلك عمر (2).

وأنّه أمر عمر برجم الحاملة من الزنى فمنعه عليّ علیه السلام لقوله تعالى : ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (3) ، وقال علیه السلام : « اصبر حتّى تضع الحمل ووجد من يكفله فارجمها » ، فلمّا وضعته ماتت ولمّا أخبر عمر بذلك ، قال : « لو لا عليّ لهلك عمر » (4).

وأنّ عمر أمر برجم امرأة سافر زوجها ، وولدت بعد ستّة أشهر فمنعه عليّ علیه السلام لقوله تعالى : ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) (5) ، فرضي الرجل والمرأة فقال عمر : لو لا عليّ لهلك عمر (6).

وأنّه أمر عمر بجلد خمسة رجال وامرأة فمنعه عليّ علیه السلام فأمر بقتل الأوّل وجلد الثاني ورجم الثالث ونصف الحدّ على الرابع وثلاث لطمات على الخامس ، فتحيّر

ص: 283


1- « علل الشرائع » 2 : 264 ، الباب 333.
2- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 408 ، في ذكر قضاياه علیه السلام في عهد عمر.
3- الإسراء (17) : 15 ؛ فاطر (35) : 18.
4- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 404.
5- البقرة (2) : 233.
6- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 407 ؛ « إرشاد القلوب » للديلمي 2 : 213.

عمر فسأل الناس عليّ عن السبب فقال علیه السلام : إنّ الأوّل يهوديّ وقد أفسد في دينه فيجب قتله ، والثاني زان فيجب جلده ، والثالث محصن فيجب رجمه ، والرابع عبد فينتصف حدّه ، والخامس مجنون فيجب تأديبه (1) ، فقال عمر : لو لا عليّ لهلك عمر.

إلى غير ذلك من القضايا.

وأنّه أرسل في عهد عثمان تاجر ولده وعبده إلى الكوفة للتجارة وكانا متشابهين سنّا وشكلا وقامة ، فادّعى العبد من شدّة الخدمات كونه مولى ، فترافعا إلى الحكّام فتحيّروا ، فجاء إلى عليّ علیه السلام فأمر قنبرا أن يعمل روزنتين في جدار ففعل ، فأمر المتخاصمين أن يخرجا رءوسهما من الروزنتين ففعلا ، فأمر قنبرا بضرب عنق العبد ، فلمّا حرّك السيف جرّ العبد رأسه إلى العقب فامتاز من المولى فأدّب علیه السلام العبد لما فعل. (2)

وأنّه جاء رجل من الروم إلى معاوية فسأله عن أشياء ، منها عن شيء لا شيء فتحيّر ، فأرسل بمشاورة عمرو بن العاص فرسا إلى جنود الإمام عليّ علیه السلام قائلا لقائده : إنّ ثمنه شيء لا شيء إذا سئل بكم الفرس فأمر علیه السلام قنبرا بشراء الفرس وإراءة السراب لصاحبه عند الضحى ؛ متمسّكا بقوله تعالى : ( يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ) (3) ، فتعلّم معاوية فأسكت السائل بل ملك الروم. ونحو ذلك من القضايا الدالّة على كمال علمه وتفوّقه فيه على غيره ، المستلزمة للأفضليّة المقتضية للخلافة والإمامة. (4)

ومنها : أنّه كان أزهد الناس بعد النبيّ حتّى طلّق الدنيا ثلاثا وقال : « يا دنيا إليك عنّي أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ ، هيهات هيهات غرّي غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيك : فعيشك قصير وخطرك يسير وأملك حقير ، آه آه من

ص: 284


1- « الكافي » 7 : 265 ، باب النوادر ، ح 26 ؛ « تهذيب الأحكام » 10 : 50 ، ح 188.
2- « الكافي » 7 : 425 ، باب النوادر ، ح 8 ؛ « تهذيب الأحكام » 6 : 307 - 308 ، ح 851.
3- النور (24) : 39.
4- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 425 - 426.

قلّة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظم المورد » (1).

وعن بعض الروايات « وخشونة المضجع » (2). مع قدرته عليها لاتّساع أبوابها عليه ، وكان قوته جريش الشعير ، وكان يختمه لئلاّ يضع [ أحد ] فيه إداما ، وكان يلبس خشن الثياب ، وكان نعله من ليف ، وقلّ أن يأتدم فإن فعل فبالملح أو الخلّ ، فإن ترقّى فنبات الأرض وإن ترقّى فبلبن ، وكان لا يأكل اللحم إلاّ قليلا ، ويقول : « لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات » (3).

ومنها : أنّه كان أعبد الناس ، وكان لا يلتفت إلى غير اللّه حين العبادة حتّى استخرج من جسده حالة الصلاة النصل الذي لم يكن إخراجه قبلها ممكنا ، وكان يصلّي في نهاره وليلته ألف ركعة ، ولم يخل في صلاة الليل حتّى في ليلة الهرير ، وعتق ألف عبد بكسبه ، وكان يرقب الشمس في حربه فقيل له : ما ذا تصنع؟ فقال : « أنظر إلى الزوال لأصلّي » فقيل : في هذا الوقت؟! فقال : « إنّما نقاتلهم على الصلاة » (4).

وروي أنّ جبهته صارت كركبة البعير لطول سجوده.

ومنها : كان أحلم الناس حتّى أوصى إلى الحسن علیه السلام أن لا يضرب على ابن ملجم أكثر من ضربة ، ويعطي من المأكل ما كان يأكل علیه السلام ، وعفا عن كثير من أعدائه ، ولمّا حارب معاوية سبق أصحاب معاوية إلى الشريعة فمنعوا من الماء ، فلمّا اشتدّ عطش أصحابه حمل عليهم وفرّقهم وهزمهم وملك الشريعة ، فأراد أصحابه أن يفعلوا ذلك بهم ، وقال : « افسحوا لهم عن بعض الشريعة » (5).

ومنها : أنّه كان أشجع الناس ، وبسيفه ثبتت قواعد الإسلام ، وما انهزم في موطن

ص: 285


1- « نهج البلاغة » : 666 ، الرقم 77.
2- « بحار الأنوار » 40 : 345 ، ح 28.
3- « شرح نهج البلاغة » ، لابن أبي الحديد 1 : 26.
4- « إرشاد القلوب » للديلمي 2 : 217.
5- « بحار الأنوار » 41 : 145.

قطّ. وقد نقل عن صعصعة في جواب معاوية أنّه قال : إنّه كان فينا كأحدنا يأكل معنا ويشرب ويجيبنا إلى ما ندعو ، وكان في غاية التواضع ومع ذلك كنّا نهابه مهابة الأمير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه. وورد فيه : « أنّه إذا علا قدّ وإذا وسط قطّ » ومحارباته التي نزل في بعضها « والعاديات ».

ومنها : قلع [ باب ] خيبر وغيره ممّا لا يمكن أن يصدر من غيره ، ولا ينكره مخالف وموافق.

ومنها : إخباره بالغيب ولو قبل تحقّقه ، كإخباره بأنّه يقتل في شهر رمضان ، وإخباره بقتل ذي الثدية ؛ لمّا لم يجده أصحابه بين القتلى فتفحّصوا فكان كذلك ، وإخباره بعدم عبور أهل النهروان ، لمّا أخبره أصحابه بالعبور مرّتين وكان كذلك ، وإخباره بملك بني العبّاس وأخذ الترك الملك منهم ، ونحو ذلك من المغيّبات.

ومنها : أنّه كان مستجاب الدعوة. روي أنّه دعا على زيد بن أرقم بالعمى فعمي.

ومنها : رجوع الشمس له مرّتين :

إحداهما : في زمن النبيّ صلی اللّه علیه و آله حين تغشّاه الوحي وتوسّد فخذ أمير المؤمنين ، فلم يرفع رأسه حتّى غابت الشمس فصلّى عليّ علیه السلام العصر بالإيماء ، فلمّا استيقظ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال له : « سل اللّه يردّ عليك ، لتصلّي العصر قائما » (1).

والأخرى : بعده صلی اللّه علیه و آله حين أراد أن يعبر الفرات ببابل واشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم. وصلّى بنفسه في طائفة من أصحابه العصر ، وفاتت كثيرا منهم ، فتكلّموا في ذلك ، فسأل اللّه ردّ الشمس فردّت. (2)

ومنها : أنّه كان أسخى الناس كما يشهد عليه ما سبق من بيان شأن نزول سورة ( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ) (3) ، وآية ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... ) (4).

ص: 286


1- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 317.
2- « إرشاد القلوب » للديلمي 2 : 227 - 228.
3- الإنسان (76) : 1.
4- المائدة (5) : 55.

ومنها : أنّه كان أفضل ؛ لكثرة جهاده وعظم بلائه في وقائع النبيّ صلی اللّه علیه و آله بأجمعها ، ولم يبلغ أحد درجته في غزوة بدر ، حيث قتل بنفسه نصف المشركين ، وقتل النصف الآخر غيره من المسلمين وثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين ، وفي غزوة أحد حيث قتل تسعة نفر من أصحاب الراية واحدا بعد واحد ، فانهزم المشركون ، واشتغل المسلمون بالغنائم ، فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبيّ صلی اللّه علیه و آله فضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتّى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى عليّ علیه السلام فينظر النبيّ صلی اللّه علیه و آله إليه بعد إفاقته وقال له : « اكفني هؤلاء » (1) ، فهزمهم عنه فكان أكثر المقتولين منه.

وفي يوم الأحزاب حيث قتل عمرو بن عبد ود وأحكم بنيان الإيمان ، وغير ذلك من الوقائع المأثورة والغزوات المشهورة ، فيكون عليّ علیه السلام أفضل ؛ لقوله تعالى : ( فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ) (2) فيكون هو الإمام لا غيره ؛ لقبح ترجيح المفضول والجاهل ، ولكن مثله علیه السلام - كما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله - مثل عيسى حيث أبغضه اليهود ، وقال النصارى في حقّه ما ليس حريّا له من كونه إلها (3) ، فإنّ الغلاة قالوا بإلهيّته علیه السلام ، والنواصب أبغضوه ، وغيرهم من العامّة خذلوه ؛ ولهذا قال علیه السلام - كما روي عنه - : « الدهر أنزلني أنزلني حتّى قيل : معاوية وعلي » (4). ونعم ما حكي عن الشافعي من أنّه قال :

أنا عبد لفتى أنزل فيه هل أتى *** إلى متى أكتمه أكتمه إلى متى (5)

وبالجملة إن أردنا بيان أوصافه يعجز اللسان عن تقريرها ويكلّ لسان القلم عن

ص: 287


1- « الإرشاد » للمفيد 1 : 82 ؛ « كشف المراد » : 382.
2- النساء (4) : 95.
3- « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 219 ؛ « الفردوس بمأثور الخطاب » 5 : 319 ، الرقم 8309.
4- انظر في هذا المعنى : « بحار الأنوار » 33 : 87.
5- « روضة الواعظين » 2 : 131 ، مجلس في ذكر فضائل أمير المؤمنين.

تحريرها ، كما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « ولو أنّ الرياض أقلام والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (1) ، ونحن لا نثني ثناء عليه وهو علیه السلام كما أثنى على نفسه بقوله المرويّ عنه علیه السلام : « جميع ما في الكتب السماوية في القرآن ، وجميع ما في القرآن في الفاتحة ، وجميع ما في الفاتحة في بسم اللّه ، وجميع ما في بسم اللّه في باء بسم اللّه ، وجميع ما في باء بسم اللّه في نقطة الباء وأنا النقطة » (2).

وقد ينسب إليه علیه السلام أنّه قال : « أنا آدم الأوّل ، أنا نوح الأوّل ، أنا آية الجبّار ، أنا حقيقة الأسرار ، أنا مورق الأشجار ، أنا مونع الثمار ، أنا مفجّر العيون ، أنا مجري الأنهار - إلى أن قال - : أنا الأسماء الحسنى التي أمر اللّه أن يدعى بها ، أنا ذلك النور الذي اقتبسه موسى من الهدى ، أنا صاحب الصور ، أنا مخرج من في القبور ، أنا صاحب يوم النشور ، أنا صاحب نوح ومنجيه ، أنا صاحب أيّوب المبتلى وشافيه ، أنا أقمت السماوات بأمر ربّي » (3) ، وقال : « أنا الذي لا يتبدّل القول لديّ ، وحساب الخلق إليّ » (4).

وقال : « أنا أقيم القيامة ، أنا مقيم الساعة ، أنا الواجب له من اللّه الطاعة ، أنا الحي الّذي أموت وإذا مت لم أمت ، أنا سرّ اللّه المخزون ، أنا العالم بما كان وما يكون ، أنا صلاة المؤمنين وصيامهم ، أنا مولاهم وإمامهم ، أنا صاحب النشر الأوّل والآخر ، أنا صاحب المناقب والمفاخر ، أنا صاحب الكواكب ، أنا عذاب الواجب ، أنا مهلك الجبابرة الأولى ، أنا مزيل الأوّل ، أنا صاحب الزلازل والرجف ، أنا صاحب الكسوف والخسوف - إلى أن قال - : أنا الطور ، أنا الكتاب المسطور ، أنا البيت المعمور ، أنا الذي بيده مفاتيح الجنان ومقاليد النيران ، أنا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في الأرض والسماء ، أنا المسيح حيث لا روح يتحرّك ولا نفس تنفّس غيري ، أنا صاحب القرون الأولى ،

ص: 288


1- « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 231 ؛ « المناقب » للخوارزمي : 32 ، ح 2 ؛ « ينابيع المودّة » : 143.
2- « مصابيح الأنوار » 1 : 435 ، ح 84.
3- لم نعثر على من نسب هذا القول لأمير المؤمنين علیه السلام .
4- لم نعثر على من نسب هذا القول لأمير المؤمنين علیه السلام .

أنا الصامت ومحمّد صلی اللّه علیه و آله الناطق ، أنا جاوزت بموسى في البحر وأغرقت فرعون وجنوده ، أنا أعلم هماهم البهائم ومنطق الطير ، أنا الذي أحرز السماوات السبع والأرضين السبع في طرفة عين ، أنا المتكلّم على لسان عيسى في المهد ، أنا الذي يصلّي عيسى خلفي - إلى أن قال - : أنا محمّد ومحمّد أنا - إلى أن قال - : أنا صاحب سيل العرم ، أنا صاحب عاد والجنّات ، أنا صاحب ثمود والآيات ، أنا مدمّرها ، أنا منزلها ، أنا مرجعها ، أنا مهلكها ، أنا مدبّرها ، أنا بانيها ، أنا داحيها ، أنا مميتها ، أنا محييها ، أنا الأوّل ، أنا الظاهر ، أنا الباطن ، أنا مع الكور قبل الكور ، أنا مع الدور قبل الدور ، أنا مع القلم قبل القلم ، أنا مع اللوح قبل اللوح » (1) ، إلى غير ذلك من الأوصاف علیه السلام .

وقد روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « الصراط [ صراطان : ] صراط في الدنيا وصراط في الآخرة ، فأمّا صراط الدنيا فهو عليّ بن أبي طالب ، وأمّا صراط الآخرة فهو صراط جهنّم ، من عرف صراط الدنيا جاز على صراط الآخرة » (2).

هذا مضافا إلى أنّ غيره غير صالح للإمامة ؛ لصدور قبائح فضيحة منهم سوى الكفر والظلم السابقين.

منها : أنّه خالف أبو بكر وأخواه كتاب اللّه في منع إرث الرسول لخير موضوع ؛ إذ لو كان حقّا لكان أهل البيت أدرى به ، ولما عارضوه (3).

وقد روي عن العامّة أنّ فاطمة خرجت من الدنيا وهي ساخطة على الشيخين ،

ص: 289


1- « مشارق أنوار اليقين » : 170 - 171 ، وذكر بعض ألفاظ الرواية.
2- « تأويل الآيات » 1 : 29 ، وفي بعض الروايات : « فأنا صراط الدنيا ... » وفي بعضها : « الصراط المستقيم أمير المؤمنين علیه السلام » كما في « معاني الأخبار » :2. 33 باب معنى الصراط. وانظر « تفسير نور الثقلين » 5 :2. 22 ؛ « تفسير الصافي » 1 : 72 - 73 ؛ « تفسير كنز الدقائق » 1 : 69 - 72.
3- « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 265 - 270 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 16 : 212 ؛ « صحيح مسلم » 3 : 1380 كتاب الجهاد ، ح 52 ؛ « صحيح البخاري » 3 : 1126 أبواب الخمس ، ح 2926.

وهذا يدلّ على إيذائهما لها ، وقد روي عنهم عن الرسول أنّ إيذاءها إيذاء النبيّ صلی اللّه علیه و آله (1) ، وإيذاء النبيّ إيذاء اللّه ، وهو كفر ومباشره ملعون كما في القرآن (2).

ومنها : تخلّف الثلاثة عن جيش أسامة مع أمر النبيّ أن ينفذوا (3).

ومنها : جهلهم بالأحكام كما أشرنا إليه (4).

ومنها : إرادة بيت أمير المؤمنين وضرب الباب على بطن فاطمة حتّى ألقت جنينا (5).

ومنها : حكم عمر بغير ما أنزل اللّه ، كما مرّ سابقا (6).

ومنها : أنّه خرّق كتاب فاطمة حين ردّ أبو بكر عليها فدك ، وكتب لها كتابا ، وقصّت لعمر قصّتها فأخذه حيلة وخرّقه (7).

ومنها : أنّه ولى عثمان الوليد في أمر المسلمين ، وقد ظهر منه شرب الخمر ، وصلّى بالناس وهو سكران (8).

ومنها : أنّه ضرب عمّارا حتّى أصابه فتق ، وضرب أبا ذرّ وأرسله إلى الربذة (9).

ومنها : أنّه أسقط القود عن ابن عمر وقد قتل الهرمز ، إلى غير ذلك من المعايب

ص: 290


1- « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 270 ؛ « الإمامة والسياسة » 1 : 13 - 14.
2- الأحزاب (33) : الآية 57.
3- « السيرة الحلبيّة » 3 : 228 ؛ « الملل والنحل » 1 : 22 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 1 : 159 - 161 ؛ « الطرائف » 2 : 449 ؛ « الشافي » 4 : 144.
4- « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 276 - 280 ؛ « الطرائف » 2 : 471 - 474 ؛ « الشافي » 4 : 157 - 158.
5- « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 271 ؛ « الاحتجاج » 1 : 209 - 212 ؛ « الملل والنحل » 1 : 57 ؛ « إثبات الوصيّة » : 154 - 155.
6- مرّ في ص 283.
7- « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 16 : 274 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 365 ، الرقم 231.
8- « الإصابة في تمييز الصحابة » 6 : 322 ، الرقم 9148 ؛ « الاستيعاب » 4 : 1554 ، الرقم 2721 ؛ « الأعلام » للزركلي 8 : 122.
9- « إثبات الهداة » 4 : 367 ، الرقم 244 - 245 ؛ « الشافي » 4 : 288 - 290 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 3 : 55.

الموجبة لعدم القابلية لتولية حكم من الأحكام فضلا عن جميعها (1).

[ فيما قاله القوشجي من أفضليّة غيره والجواب عنه ]

والشارح القوشجي قال بعد أن ذكر المحقّق مناقب مولانا عليّ علیه السلام : « وأجيب بأنّه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتّصافه علیه السلام بالكمالات واختصاصه بالكرامات إلاّ أنّه لا يدلّ على الأفضليّة - بمعنى الزيادة في الثواب والكرامة - بعد ما ثبت من الاتّفاق الجاري مجرى الإجماع على أفضليّة أبي بكر ثمّ عمر ، ودلالة الكتاب والسنّة والآثار والأمارات على ذلك.

أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى* وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) (2). فالجمهور على أنّها نزلت في أبي بكر (3) ، والأتقى أكرم ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ ) (4) ، ولا يعني بالأفضل إلاّ الأكرم وليس المراد به عليّا ؛ لأنّ للنبيّ صلی اللّه علیه و آله عنده نعمة تجزى وهي نعمة التربية.

وأمّا السنّة فقوله صلی اللّه علیه و آله : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر (5) ، ودخل في الخطاب عليّ علیه السلام فيكون مأمورا بالاقتداء ، ولا يؤمر الأفضل ولا المساوي بالاقتداء سيّما عند الشيعة.

وقوله علیه السلام لأبي بكر وعمر : هما سيّدا كهول أهل الجنّة ما خلا النبيّين والمرسلين (6).

وقوله علیه السلام : خير أمّتي أبو بكر ثمّ عمر (7).

ص: 291


1- « طبقات ابن سعد » 5 : 16 ؛ « الشافي » 4 : 230 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 3 : 59.
2- الليل (92) : 17 - 19.
3- « التفسير الكبير » 11 : 187 ؛ « تفسير روح المعاني » 30 : 152 ؛ « تفسير روح البيان » 10 : 451.
4- الحجرات (49) : 13.
5- « مسند أحمد » 9 : 74 ، ح 23305 ؛ « الجامع الصحيح ( سنن الترمذي ) » 5 : 609 ، ح 3662 ؛ « المستدرك على الصحيحين » 3 : 75 ؛ « مجمع الزوائد » 9 : 40 - 41 ، ح 14359 ؛ « كنز العمّال » 11 : 652 ، ح 32656 - 32657.
6- « مجمع الزوائد » 9 : 40 - 41 ، ح 14359 ؛ « كنز العمّال » 11 : 561 ، ح 32652 وص 562 ، ح 32654.
7- ذكره القوشجي « في « شرح تجريد العقائد » : 379 ، ولم أعثر عليه في المصادر الحديثيّة.

وقوله علیه السلام : لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدّم عليه غيره (1).

وقوله علیه السلام : لو كان بعدي نبيّ لكان عمر (2) ، إلى غير ذلك من الأخبار الموضوعة التي افتروا بها على الرسول (3).

ثمّ قال : وأمّا الآثار فعن محمّد بن الحنفيّة قلت لأبي : أيّ الناس أفضل بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : أبو بكر ، قلت : ثمّ من؟ قال : عمر ، فخشيت أن أقول ثمّ فيقول : عثمان قلت : ثمّ أنت؟ قال : ما أنا إلاّ رجل من المسلمين (4).

وعن عليّ علیه السلام : خير الناس بعد النبيّين أبو بكر ثمّ عمر ثمّ اللّه أعلم (5) و(6).

ثمّ قال : وأمّا الآثار والأمارات فما تواتر في أيّام أبي بكر من اجتماع الكلمة وتألّف القلوب وقهر أهل الردّة وتطهير جزيرة العرب عن الشرك ونحو ذلك ، وفي أيّام عمر من فتح جانب المشرق إلى أقصى خراسان ، وتقوية الضعفاء ، وإعراضه عن متاع الدنيا وطيّباتها ، ونحو ذلك. وفي أيّام عثمان من فتح البلاد وإعلاء الإسلام ، وجمع الناس على مصحف واحد مع ماله من الورع والتقوى ، ونحو ذلك ككونه ختنا للنبيّ على ابنتين ، وتشرّفه بقوله صلی اللّه علیه و آله : عثمان أخي ورفيقي في الجنّة (7). وقوله صلی اللّه علیه و آله : ألا يستحيي ممّن يستحيي منه ملائكة السماء. وقوله صلی اللّه علیه و آله : إنّه يدخل الجنّة بغير حساب (8) ». انتهى كلامه خذله اللّه.

والجواب عن قوله : « إلاّ أنّه لا يدلّ على الأفضليّة » إلى آخره :

ص: 292


1- « كنز العمّال » 11 : 547 ، ح 32567 ، وفيه : « أن يؤمّهم غيره ».
2- « الجامع الصحيح » 5 : 619 ، ح 3686 ؛ « مجمع الزوائد » 9 : 67 ، ح 14433.
3- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 379.
4- « صحيح البخاري » 3 : 1342 ، ح 3468.
5- ذكره القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 379 ، ونقله في « سنن ابن ماجة » 1 : 39 ، ح 106 بلفظ آخر.
6- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 379.
7- « سنن ابن ماجة » 1 : 40 ، ح 109 ؛ « مجمع الزوائد » 9 : 106 ، ح 14544.
8- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 380.

أوّلا : أنّ المناقب التي سلّمها كان منها كونه أعبد ، ولا ريب أنّ الزيادة في الثواب تترتّب على الزيادة في العبادة ؛ لكون ترتّب الثواب مأخوذا في حدّ الوجوب الذي هو ممّا يتحقّق في كثير من العبادات ، وهكذا الاستحباب.

وثانيا : أنّ المقصود من الإمامة إرشاد الناس ولا دخل فيه لزيادة الثواب ، وإنّما المناط فيه الأعلميّة ونحوها ، فبعد تسليم المناقب التي من جملتها الأعلميّة تكون المخالفة من أفحش الأغلاط.

والجواب عن الإجماع أوّلا : أنّه ممنوع ؛ فإنّ جماعة بني هاشم لم يوافقوا على ذلك ، وجماعة من أكابر الصحابة كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار وحذيفة وسعد بن عبادة وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد وخالد بن سعيد بن العاص ، حتّى أنّ أباه أنكر ذلك وردّ الاعتذار بأنّه أكبر الصحابة منّا بأنّي أكبر منه ، وبني حنيفة كافّة لم يحملوا الزكاة إليه حتّى سمّاهم أهل الردّة وقتلهم وسباهم ، وأنكر عمر عليه ، وردّ السبايا أيّام خلافته ، سيّما أنّ رئيس المؤمنين كان غائبا حين اجتمع بعض العصاة على خلافته ابتداءً بالاتّفاق ، فأيّ اعتماد على مثل هذا الإجماع؟ فما خلا إجماعهم من علّة ؛ إذ قد خلا عنه رئيس الملّة.

وثانيا : أنّ الإجماع ليس أصلا بنفسه وحجّة برأسه إلاّ بالاستناد إلى حجّة حقيقيّة من العقل أو النقل من اللّه أو رسوله أو نحوه ، والعقل إن لم يكن دليلا على خلافه لا يكون دليلا عليه.

والنقل عندهم غير واقع ؛ إذ القرآن خال منه ، والنبيّ - على زعمهم - مات من غير وصيّة ولا نصّ على إمامته ، وما نقلوا منه سيأتي الجواب عنه.

وثالثا : أنّ الإجماع إمّا أن يعتبر فيه قول كلّ الأمّة أو بعضهم.

وعلى الأوّل لا ريب في عدم حصوله بل عدم حصول إجماع أهل المدينة أيضا كما لا يخفى.

وعلى الثاني يلزم كون إجماع الناس على قتل عثمان حقّا ؛ لإجماع أكثرهم عليه.

ص: 293

ورابعا : أنّ النصّ القاطع والنور الساطع وردا على خلافة أمير المؤمنين ، والإجماع على خلافهما فاسد خطأ. وما دلّ على عدمه - على تقدير صحّته - غير قادح ؛ لعدم إجماع تمام الأمّة.

وخامسا : أنّ حصول الإجماع تدريجيّ قطعا وبديهة ، فلو اكتفى النبيّ صلی اللّه علیه و آله به لزم إهمال أمر الدين في مدّة مديدة وإبقاؤهم في الحيرة قبل حصوله ، وهذا لم يصدر عن أبي بكر حيث نصب عمر عندهم فكيف يصدر عن النبيّ؟

وسادسا : أنّ بيان الإمامة من أهمّ الواجبات حتّى أنّهم أعرضوا عن دفن رسول اللّه وتجهيزه واشتغلوا بانضباط أمرها ، فكيف يتصوّر ترك الرسول ذلك مع أنّه لم يبعث إلاّ لبيان الأحكام وإكمال الدين على أكمل النظام كما قال اللّه الملك العلاّم : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) (1).

ويشهد على ذلك أنّه ذكر في آداب الشراب وأكل الطعام ودخول الحمّام ، بل أحكام الخلوة - التي هي من أخسّ الأحكام - أحكاما كثيرة ولم يفوّضه على رأي الأمّة ، فكيف ذاك الأمر الجسيم والخطب العظيم؟

وسابعا : أنّ الرسول لم يأمر بنصب الإمام بعده ، فلو كان واجبا على الأمّة وجب عليه النصّ عليه.

وثامنا : أنّ أمير المؤمنين كان أعلم فكان أحقّ بالإمامة ، لقوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى ) (2).

وتاسعا : أنّ متابعة أمير المؤمنين علیه السلام ممّا لا كلام للخصم عليه بخلاف متابعة أبي بكر ، فأيّ الفريقين أحقّ بالأمر إن كنتم تعلمون؟

وعاشرا : أنّ كلّ واحد من الأمّة يجوز عليه الخطأ ، فلو لم يكن فيهم من كان معصوما عنه ، كما كان أمر إجماعهم كذلك ، لخلوّه عن عليّ علیه السلام يكون محتمل الخطإ ،

ص: 294


1- المائدة (5) : 3.
2- يونس (10) : 35.

فلا يصلح للتمسّك. وتلك عشرة كاملة يكفي للمنصف واحد منها بالبديهة.

والجواب عن الآية أوّلا : أنّها نزلت في أبي الدحداح حيث اشترى نخلة شخص يهوديّ وقد مال غصنها إلى بيت فقير مسلم جار له يمنع أولاده ذلك اليهوديّ عن أكل ما كان يسقط من تمرها ، حتّى كان يخرجه من فيهم بعد أن شكا ذلك الفقير عن ذلك عند الرسول ، وقد عرض النبيّ صلی اللّه علیه و آله على صاحب النخلة نخلة في الجنّة فأبى ، فسمع أبو الدحداح فاشتراها بعد الإصرار ببستان له ، فوهبها للرسول وأعطاها الرسول للفقير وجعل لأبي الدحداح بستانا في الجنّة عوضها (1).

وثانيا : أنّ المراد عليّ بن أبي طالب ؛ وفاقا لما حكي عن أكثر المفسّرين (2) ، كما يؤيّده قوله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ ) - إلى قوله - ( لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ) (3).

وما قيل من أنّ عليّا كان عنده للنبيّ صلی اللّه علیه و آله نعمة التربية فمدفوع بالنقض والحلّ.

[ أمّا النقض ] فبأنّ أبا بكر أيضا عنده للنبيّ نعمة الهداية والإخراج عن الضلالة وسائر الإحسانات.

وأمّا الحلّ فبأنّ المراد من ال « أحد » من يعطى له المال كما تشهد عليه الآية المذكورة.

وثالثا : أنّ الآية لو كانت نازلة في شأنه لتمسّك بها في السقيفة.

ورابعا : أنّ الاحتمال يوجب الإجمال فلا يبقى سبيل للاستدلال.

وخامسا : أنّ الآيات النازلة في شأن عليّ علیه السلام أكثر من أربعين آية ، فلو كانت آية واحدة سببا للفضيلة فما ظنّك بالآيات الكثيرة في الغاية!

والجواب عن السنّة [ أوّلا ] : أنّ من جملة رواة الحديث الأوّل عبد الملك بن ربيع

ص: 295


1- « قرب الإسناد » : 355 - 356 ، الرقم 1273 ؛ « مجمع البيان » 10 : 375 ؛ « تفسير نور الثقلين » 5 : 589 ، الرقم 9 ؛ « تفسير القمّي » 2 : 425 - 426.
2- « تفسير البرهان » 4 : 471 ؛ « تأويل الآيات الظاهرة » : 780 ؛ « تفسير كنز الدقائق » 11 : 391.
3- الإنسان (76) : 8 - 9.

وهو - كما قال بعض الأجلّة - من مبغضي عليّ بن أبي طالب علیه السلام فلا اعتماد به.

وثانيا : أنّ ذلك الحديث منقول بعبارات مختلفة ففي بعضها أبو بكر بالرفع ، وفي بعضها أبا بكر بالنصب وفي بعضها أبي بكر بالجرّ.

وعلى الأوّل يحتمل أن يكون المعنى : اقتدوا أيّها الناس وأبو بكر وعمر باللذين من بعدي : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، كما يشهد عليه حديث « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي » (1). وعدم ذكر عثمان وعليّ مع أنّ السكوت في معرض البيان يفيد الحصر.

وعلى الثاني يحتمل أن يكون المعنى اقتدوا باللذين من بعدي يا أبا بكر وعمر.

وبالجملة فاضطراب متن الحديث يمنع عن الاستدلال لو لم يكن موضوعا.

وثالثا : أنّ ذلك الحديث معارض بما رووه من قوله علیه السلام : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » (2) ، مع إجماعهم على عدم إمامتهم.

ورابعا : أنّ أبا بكر وعمر اختلفا في كثير من الأحكام كتحريم المتعتين وعدمه ، فلا يمكن الاقتداء بهما.

وخامسا : أنّ الاقتداء لا يستلزم الإمامة.

والجواب : عن الحديث الثاني أوّلا أنّه موضوع.

وثانيا : أنّه مناف لما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « أهل الجنّة يدخلون الجنّة جردا مردا مكحّلين » (3).

ص: 296


1- « إكمال الدين » : 64 - 94 ؛ « الأمالي » للصدوق : 422 ، المجلس 79 ، ح 1 ؛ « الطرائف » 1 : 114 - 117 ؛ « النهاية في غريب الحديث » 1 : 216 ؛ « مجمع الزوائد » 9 : 256 - 257 ، ح 14957 - 14962 ؛ « مسند أحمد بن حنبل » 4 : 30 ، ح 7 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 214 - 215 ، ح 281 - 284.
2- « تلخيص الحبير » 4 : 190 - 191 ، ح 2098 ؛ « ميزان الاعتدال » 1 : 413 ، الرقم 1511 ؛ « لسان الميزان » 2 : 118 ، الرقم 488 ؛ « إتحاف السادة المتّقين » 2 : 223 ؛ « كشف الخفاء » 1 : 147 ، الرقم 381.
3- « مناقب آل أبي طالب » 1 : 193 ؛ « الجامع الصحيح » 4 : 679 ، الرقم 2539 ؛ « الترغيب والترهيب » 4 : 500 ، ح 10 - 11 ؛ « إتحاف السادة المتّقين » 10 : 549 ؛ « كشف الخفاء » 1 : 271 ، الرقم 614 وص 305 ، الرقم 806.

وأمّا فتح البلاد فلا شكّ أنّه يصدر من الظالمين كثيرا ، كما نشاهد أنّ أظلم السلاطين افتحهم للبلاد ، مع أنّ مولانا كان على مرّ الحقّ وكان الحقّ مرّا صارت إطاعته كبيرة إلاّ على المتّقين الخاشعين.

وأمّا الشيخان فقد خلطا الحقّ مع الباطل فوافقا طباع الناس ، وحيث كان عثمان على الباطل الصرف تنفّر عنه الطباع كما لا يخفى.

وثالثا : أنّ الإمامة تستلزم الرئاسة العامّة ، فلا وجه للاختصاص بالكهول التي لا تشمل شباب أهل الجنّة ، وأنّ أهل الجنّة شباب كلّهم وأنّه لا يدخلها العجز.

ويظهر ممّا ذكرنا الجواب عمّا عدا ما أجبنا عنه مع عدم احتياجنا إلى الجواب عنه ؛ لكونه موضوعا في مقابل العقل والنقل سيّما ما دلّ على كون عليّ بمنزلة نفس النبيّ ونحوه ممّا لا ينكره أحد من المخالف والموافق. ويكفي في ذلك ما حكي عن ابن أبي بكر وابن عمر ومن التجأ إليهما إلى عليّ حين موتهما من عذاب اللّه. ونعم ما قال الشافعي في مدحه علیه السلام :

كفى في فضل مولانا عليّ *** وقوع الشكّ فيه أنّه اللّه

ومات الشافعيّ وليس يدري *** عليّ ربّه أم ربّه اللّه

أنا عبد لفتى أنزل فيه هل أتى *** إلى متى أكتمه أكتمه إلى متى

قوم أتى في مدحهم هل أتى *** ما شكّ في ذلك إلاّ ملحدا (1)

فلعن اللّه من خذل عليّا علیه السلام حتّى قال : « الدهر أنزلني أنزلني أنزلني حتّى قيل : معاوية وعليّ » (2) ، مع أنّه كان شمس فلك الحقيقة ، وبدر بروج الطريقة ، وقطب سماء المعرفة ، ومركز دائرة الشريعة ، وما حي أهواء الطبيعة ، ومروّج الملّة.

والحاصل أنّ البشر المعصوم المنصوص الأفضل الذي هو الخليفة بلا فصل

ص: 297


1- « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 16 : 115 ، أقوال حكيمة في وصف الدنيا.
2- « فرحة الغري » : 7.

لخاتم النبيّين هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام ردّا على العامّة العمياء يدلّ على ذلك - مضافا إلى أنّه منصوص بالتواتر ، وادّعى الإمامة الممكنة مع المعجزة ، وأنّه أعلم فهو راجح ، وأنّه معصوم بلا ريبة فهو مقدّم - ما رواه في « الكافي » عن أبي عبد اللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) (1) قال : « هي ولاية أمير المؤمنين » (2).

وعنه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ ) (3) قال : « بما جاء محمّد من الولاية [ ولم يخلطوها بولاية ] (4) فلان وفلان فهو الملبّس بالظلم » (5).

وعنه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) (6) فقال : « عرّف اللّه إيمانهم بولايتنا وكفرهم بها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم علیه السلام وهم ذرّ » (7).

وعن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ) (8) قال : « الولاية » (9).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) - في ولاية علي وللأئمّة من بعده - ( فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً ) (10) هكذا نزلت » (11).

ص: 298


1- الأحزاب (33) : 72.
2- « الكافي » 1 : 413 ، باب فيه نكت ... ح 2.
3- الأنعام (6) : 82.
4- الزيادة أثبتناها من « الكافي » 1 : 413.
5- « الكافي » 1 : 413 ، باب فيه نكت ... ح 3.
6- التغابن (64) : 2.
7- « الكافي » 1 : 413 ، باب فيه نكت ... ح 4.
8- المائدة (5) : 66.
9- « الكافي » 1 : 413 ، باب فيه نكت ... ح 6.
10- الأحزاب (33) : 70.
11- « الكافي » 1 : 414 ، باب فيه نكت ... ح 8.

وفي مرفوعة محمّد بن عبد اللّه في قوله تعالى : ( لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وَوالِدٍ وَما وَلَدَ ) (1) قال : « أمير المؤمنين علیه السلام وما ولد من الأئمّة » (2).

وعنه علیه السلام في قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (3) قال : « لأمير المؤمنين وللأئمّة علیهم السلام » (4).

وعنه علیه السلام في قوله تعالى : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) (5) قال : « هم الأئمّة » (6).

وعنه علیه السلام في قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ) قال : « أمير المؤمنين علیه السلام والأئمّة » ( وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) (7) قال : « فلان وفلان » (8).

إلى غير ذلك من الآيات والأخبار ، وقد ذكرنا كثيرا منها في كتاب المصباح.

وحيث ورد في فضيلة حجّة اللّه الأعظم المعصوم المنصوب المنصوص الأعلم ، إمامنا المفترض الطاعة والمودّة أمير المؤمنين وخليفة رسول ربّ العالمين.

عليّ حبّه جنّة *** قسيم النار والجنّة

وصيّ المصطفى حقّا *** إمام الإنس والجنّة (9)

الحديث النبويّ « من كتب فضيلة من فضائل عليّ بن أبي طالب لم تزل الملائكة

ص: 299


1- البلد (90) : 1 - 3.
2- « الكافي » 1 : 414 ، باب فيه نكت ... ح 11.
3- الأنفال (8) : 41.
4- « الكافي » 1 : 414 ، باب فيه نكت ... ح 12.
5- الأعراف (7) : 181.
6- « الكافي » 1 : 414 ، باب فيه نكت ... ح 13.
7- آل عمران (3) : 7.
8- « الكافي » 1 : 414 - 415 ، باب فيه نكت ... ح 14.
9- « المناقب » 2 : 160.

تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر » (1).

والحديث النبويّ صلی اللّه علیه و آله : « زيّنوا مجالسكم بذكر عليّ بن أبي طالب » (2).

مضافا إلى الحديث النبوي : « لو أنّ الرياض أقلام والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (3).

[ أربعون حديثا فى فضائله علیه السلام ]

كان المناسب ذكر أربعين حديثا فصاعدا في الفضائل عملا بحديث الأربعين.

فأقول :

[1] منها : ما رواه أنس بن مالك قال : سمعت رسول اللّه يقول : « كنت أنا وعليّ على يمين العرش نسبّح اللّه قبل أن يخلق آدم علیه السلام بألفي عام ، ثمّ اختار اللّه لنا اسمين اشتقّهما ، فاللّه محمود وأنا محمّد ، واللّه العليّ وهذا عليّ ، فأنا للنبوّة والرسالة وعليّ للوصيّة والقضيّة » (4).

[2] ومنها : ما روي عن عبد اللّه بن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « خلقت أنا وعليّ من نور واحد » (5).

[3] ومنها : ما روي عن عبد اللّه بن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « عليّ منّي وأنا من عليّ ، لحمه من لحمي ودمه من دمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى » (6).

ص: 300


1- « الأمالي » للصدوق : 119 ، المجلس 28 ، ح 9 ؛ « بحار الأنوار » 26 : 229.
2- « بشارة المصطفى » : 60 - 61 ، « المناقب » لابن المغازلي : 199 ، ح 255.
3- تقدّم في ص 288 ، هامش (1).
4- « الأمالي » للطوسي : 183 ، المجلس 8 ، الرقم 308 ؛ « علل الشرائع » 1 : 162 - 163.
5- « بحار الأنوار » 39 : 266 ، ح 40 ؛ « الفوائد المجموعة » للشوكاني : 342 - 343 باب مناقب الخلفاء ... ح 40 ؛ « تنزيه الشريعة المرفوعة » 1 : 351 باب مناقب الخلفاء ... ح 30.
6- « الأمالي » للطوسي : 50 ، المجلس 2 ، ح 65 ؛ « كشف اليقين » : 280 ؛ « المناقب » للخوارزميّ : 32 ، ح 2.

[4] ومنها : ما روي عن عليّ بن هلال عن عليّ بن موسى الرضا علیه السلام عن آبائه قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « قال اللّه تعالى : ولاية عليّ بن أبي طالب حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي » (1) وفي حديث آخر « من ناري ».

[5] ومنها : ما روي عن مولانا الباقر علیه السلام قال : « قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : يا عليّ ، إنّ على يمين العرش لمنابر من نور وموائد من نور ، فإذا كان يوم القيامة جئت أنت وشيعتك ، تجلسون على تلك المنابر تشربون وتأكلون والناس في الموقف يحاسبون » (2).

[6] ومنها : ما روي عن الرسول قال : « يا عليّ أنت والأوصياء من ولدك أعراف اللّه بين الجنّة والنار ، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفكم وعرفتموه ، ولا يدخل النار إلاّ من أنكركم وأنكرتموه » (3).

[7] ومنها : ما روي عن جماعة منهم معاذ بن عمر قالوا : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة ، وبغضه سيّئة لا تنفع معها حسنة » (4).

[8] ومنها : ما روي عن أبي حذيفة قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « ما من عبد ولا أمة يموت وفي قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّ عليّ بن أبي طالب إلاّ أدخله اللّه عزّ وجلّ الجنّة » (5).

[9] ومنها : ما روي عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه : « قال اللّه عزّ وجلّ : لو اجتمع الناس كلّهم على ولاية عليّ ما خلقت النار » (6).

ص: 301


1- « جامع الأخبار » : 13 - 14 ؛ « الأمالي » للصدوق : 195 ، المجلس 41 ، ح 9 ؛ « معاني الأخبار » 2 : 136 باب خبر نادر عن الرضا.
2- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 268.
3- « تفسير العيّاشي » 2 : 22 ، ح 44 ؛ « بصائر الدرجات » : 497 باب 16 ، ح 7 ؛ « الخصال » 1 : 150 باب الثلاثة ، ح 183.
4- « كشف الغمّة » 1 : 93 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 3 : 229 ؛ « بحار الأنوار » 39 : 266 ، ح 40 ؛ « بشارة المصطفى » : 94 - 95 ؛ « الفردوس بمأثور الخطاب » 2 : 142 ، الرقم 2725.
5- « الأمالي » للطوسي : 330 ، المجلس 11 ، الرقم 660.
6- « الأمالي » للصدوق : 523 ، المجلس 94 ، ح 7.

وفي آخر : قال النبيّ : « إنّ الناس لو اجتمعوا على حبّ عليّ بن أبي طالب لما خلق اللّه النار » (1).

وفي آخر : قال جبرئيل ليلة المعراج : « يا محمّد ، والذي بعثك بالحقّ نبيّا لو أنّ أهل الأرض يحبّون عليّا كما يحبّه أهل السماوات لما خلق اللّه نارا يعذّب بها أحد » (2).

[10] ومنها : ما روي عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه : « إنّي لأرجو لأمّتي في حبّ عليّ علیه السلام كما أرجو في قول : لا إله إلاّ اللّه » (3).

[11] ومنها : ما روي عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : حبّ عليّ بن أبي طالب يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب » (4).

[12] ومنها : ما روي عن سلمان قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لعليّ : « يا أبا الحسن ، مثلك في أمّتي مثل ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) فمن قرأها مرّة فقد قرأ ثلث القرآن ، ومن قرأها ثلاث مرّات فقد ختم القرآن كلّه ، فمن أحبّك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الإيمان ، ومن أحبّك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الإيمان ، والذي بعثني بالحقّ نبيّا يا عليّ ، لو أحبّك أهل الأرض كما أحبّك أهل السماء ، لما عذّب أحد بالنار » (5).

وفي حديث ابن عبّاس تتمة الحديث هكذا : « من أحبّك بقلبه ، كان له ثلث ثواب العباد ، ومن أحبّك بقلبه ولسانه كان له ثلثا ثواب العباد ، ومن أحبّك بقلبه ولسان

ص: 302


1- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 274 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 99 ؛ « المناقب » للخوارزمي : 67 ؛ « بشارة المصطفى » : 75 ؛ « كشف اليقين » : 225 - 226.
2- نقله المجلسي في « بحار الأنوار » 39 : 248 ، ح 11.
3- « بشارة المصطفى » : 145.
4- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 230 ؛ « كنز العمّال » 11 : 626 ، ح 33021 ؛ « تهذيب تاريخ دمشق » 4 : 162.
5- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 232 ؛ « معاني الأخبار » : 234 - 235 باب معنى قول رسول اللّه ... ؛ « الأمالي » للصدوق :5. 38 المجلس 9 ، ح 5 ؛ « روضة الواعظين » 1 : 106.

وبدنه كان له ثواب العباد أجمع » (1). ومثله رواية نعمان بن بشير عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله .

[13] ومنها : عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّ أمير المؤمنين علیه السلام كان يخرج في كلّ ليلة جمعة إلى ظاهر المدينة ولا يعلم أحد أين يمضي ، قال : فبقي على ذلك برهة من الزمان ، فلمّا كان في بعض الليالي قال عمر بن الخطّاب : لا بدّ أن أخرج وأبصر أين يمضي عليّ بن أبي طالب ، فقعدت عند باب المدينة حتّى خرج ومضى على عادته وتبعه عمر ، فوصل في زمان قليل إلى بلدة عظيمة ذات نخل وشجر ومياه غزيرة.

ثمّ إنّ أمير المؤمنين دخل إلى حديقة بها ماء جار فتوضّأ ، ووقف بين النخل يصلّي إلى أن مضى من الليل أكثره ونام عمر ، ولمّا قضى وطره على الصلاة عاد إلى المدينة وصلّى الصبح مع رسول اللّه ، فانتبه عمر فلم ير أمير المؤمنين علیه السلام ورأى قوما لا يعرفونه فسأله رجل : من أنت ، ومن أين أتيت؟ فقال : من يثرب مدينة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال : يا شيخ متى خرجت؟ فقال : البارحة! فقال : اسكت ، إنّ النّاس لو سمعوا يقولون : هذا مجنون ، بيننا وبين مدينة رسول اللّه أزيد من مسيرة سنين ، فحكى القصّة ، ودخل المدينة فرأى الناس كلّهم يلعنون ظالمي آل محمّد صلی اللّه علیه و آله ويسمّونهم بأسمائهم ، فضاقت الأرض على عمر بما رحبت فبقي إلى الجمعة الآتية ، فمضى إلى ذلك المكان فجاء أمير المؤمنين علیه السلام فصلّى فتبعه عمر حتّى وصلا إلى المدينة وصلّيا خلف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فسأله النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « أين كنت يا عمر لا نراك أسبوعا؟ » فحكى القصّة فقال : « لا تنس ما شاهدت » فلمّا سأله غيره عن حاله ، قال : نفذ فيّ سحر بني هاشم (2).

[14] ومنها : ما روي عن عمر بن الخطّاب على ما حكي عن فضائل أحمد قال :

ص: 303


1- نفس المصادر السابقة.
2- لم نعثر عليه فيما لديّ من المصادر.

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « حبّ عليّ براءة من النار » (1).

[15] ومنها : ما روي عن زيد بن أرقم قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « من أحبّ أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي عزّ وجلّ وغرس قضبانها بيده ، فليتولّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام فإنّه لم يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة » (2).

[16] ومنها : ما روي عن أبي سعيد قال : قال رسول اللّه : « إنّ اللّه خلق قضيبا من نور فعلّقه ببطان عرشه ، لا يناله إلاّ عليّ ومن تولاّه من شيعته » (3) ، ومثل ذلك أخبار أخر.

[17] ومنها : ما روي عن سلمان قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من أحبّ عليّا فقد أحبّني ، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني » (4).

[18] ومنها : ما روي عن عمّار بن ياسر قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « يا عليّ ، طوبى لمن أحبّك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك » (5).

[19] ومنها : ما روي عن أبي أيّوب الأنصاري قال : قال رسول اللّه لعليّ بن أبي طالب : « لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق أو ولد زنية أو حملته أمّه وهي طامث » (6).

[20] ومنها : ما روي عن أنس قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « عنوان صحيفة المؤمن : حبّ

ص: 304


1- « الفردوس بمأثور الخطاب » 2 : 142 ، الرقم 2723 ؛ « بحار الأنوار » 39 : 258.
2- « المعجم الكبير » للطبراني 5 : 194 ، الرقم 5067 ؛ « مجمع الزوائد » 9 : 137 ، الرقم 14639 ؛ « حلية الأولياء » 4 : 349 - 350 ، الرقم 277 ؛ « كنز العمّال » 11 : 611 ، الرقم 32959 ؛ « بشارة المصطفى » : 159.
3- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 233 ؛ « بحار الأنوار » 39 : 259.
4- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 238.
5- « مجمع الزوائد » 9 : 179 ، الرقم 14756 ؛ « المستدرك على الصحيحين » 3 : 135 ؛ « كنز العمّال » 11 : 622 - 623 ؛ « عمدة عيون صحاح الأخبار » : 272 ، الرقم 354 باختلاف يسير ؛ « بحار الأنوار » 39 : 293.
6- « علل الشرائع » 1 : 174 باب 120 ، ح 12.

عليّ بن أبي طالب » (1).

[21] ومنها : ما روي عن الثمالي ، عن مولانا الباقر علیه السلام قال : قال رسول اللّه : « يا عليّ ، ما ثبت حبّك في قلب امرئ مؤمن فتزلّ به قدم على الصراط إلاّ ثبت له قدم أخرى حتّى يدخله اللّه بحبّك الجنّة » (2).

[22] ومنها : ما روي عن الصادق علیه السلام قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا عليّ ، أنا مدينة العلم وأنت بابها ، وهل يؤتى المدينة إلاّ من بابها؟ يا عليّ ، أهل مودّتك كلّ أوّاب حفيظ ، يا عليّ ، محبّوك جيران اللّه في دار الفردوس لا يتأسّفون على ما خلّفوا من الدنيا.

يا عليّ ، أنا وليّ لمن واليت ، وأنا عدوّ لمن عاديت ، يا علي ، أنت وشيعتك على الحوض يسقون من أحببتم وتمنعون من كرهتم ، وأنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر في ظلّ العرش.

يا عليّ ، شيعتك الذين يتنافسون في الدرجات ، يا عليّ ، إنّ أعمال شيعتك تعرض عليّ كلّ يوم جمعة فأفرح بصالح ما يبلغني من أعمالهم وأستغفر لسيّئاتهم ». وذكر في الحديث (3) مناقب كثيرة.

[23] ومنها : ما روي ما بلغني عن أبي سعيد قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « المراد من « العالين » الذين هم أعلى من الملائكة أجمعين في قوله تعالى : ( أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ) (4) ، أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين كنّا في سرادق العرش نسبّح اللّه ، وتسبّح الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق اللّه آدم بألفي عام ، فنحن باب اللّه

ص: 305


1- « بشارة المصطفى » : 154 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 2 : 173 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 219 - 220 ، الرقم 290 ؛ « عمدة عيون صحاح الأخبار » : 430 - 431 ، الرقم 656.
2- « فضائل الشيعة » : 48 ، ح 4 ؛ « الأمالي » للصدوق : 467 ، المجلس 85 ، ح 28.
3- « فضائل الشيعة » : 55 - 59 ؛ « الأمالي » للصدوق : 450 - 452 ، المجلس 83 ، ح 2 ؛ « بشارة المصطفى » : 180 - 182.
4- ص (83) : 75.

الذي يؤتى منه ، فبنا يهتدي المهتدون ، فمن أحبّنا أحبّه اللّه تعالى وأسكنه جنّته ، ومن أبغضنا أبغضه اللّه وأسكنه ناره ، لا يحبّنا إلاّ من طاب مولده » (1).

[24] ومنها : ما روي عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « يا عليّ ، الكوثر نهر يجري تحت عرش اللّه تعالى عزّ وجلّ ماؤه أشدّ بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، حصاه الزبرجد والياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الأذفر ، مراكده تحت عرش اللّه عزّ وجلّ ، يا عليّ ، إنّ هذا النهر لي ولك ولمحبّك من بعدي » (2).

[25] ومنها : ما روي عن الصادق علیه السلام قال : « ولايتي لعليّ بن أبي طالب أحبّ إليّ من ولادتي منه ؛ لأنّ ولايتي لعليّ بن أبي طالب فرض وولادتي منه فضل » (3).

[26] ومنها : ما روي عن عبد اللّه بن مسعود قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « يا عليّ ، لو أنّ عبدا عبد اللّه مثل ما قام نوح في قومه ، وكان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل اللّه ، ومدّ في عمره حتّى حجّ ألف حجّة ، ثمّ قتل بين الصفا والمروة ، ثمّ لم يوالك يا عليّ لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها.

أما علمت يا عليّ ، أنّ حبّك جنّة لا تضرّ معها سيّئة ، وبغضك سيّئة لا تنفع معها طاعة ، يا عليّ ، لو نثرت الدرّ على المنافق ما أحبّك ، ولو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك ؛ لأنّ حبّك إيمان وبغضك نفاق ، لا يحبّك إلاّ مؤمن تقيّ ، ولا يبغضك إلاّ منافق شقيّ » (4).

[27] منها : ما روي عن مولاتنا فاطمة الزهراء قالت : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : هذا جبرئيل يخبرني أنّ السعيد كلّ السعيد من أحبّ عليّا في حياته وبعد موته ، وأنّ

ص: 306


1- « فضائل الشيعة » : 49 - 50 ؛ « تفسير البرهان » 4 : 64 - 65 ، ح 3 ؛ « تأويل الآيات الظاهرة » : 497 - 498.
2- « تفسير فرات الكوفي » 2 : 609 ، الرقم 766 ؛ « الأمالي » للمفيد : 294 ، المجلس 35 ، ح 5 ؛ « الأمالي » للطوسي : 69 - 70 ، المجلس 3 ، الرقم 102.
3- « الفضائل » : 123 ؛ « بحار الأنوار » 39 : 299.
4- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 229 - 230 ؛ « المناقب » للخوارزمي : 67 - 68 ، ح 40 ؛ « بشارة المصطفى » : 94 - 95 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 102.

الشقيّ كلّ الشقيّ من أبغض عليّا في حياته وبعد موته » (1).

[28] ومنها : ما روي عن أنس قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّ اللّه خلق خلقا لا هم من الجنّ ولا من الإنس يلعنون مبغض عليّ علیه السلام » قيل : يا رسول اللّه من هم؟ قال : « القنابر ينادون في السحر على رءوس الأشجار : ألا لعنة اللّه على مبغض عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (2).

[29] ومنها : ما روي عن أحمد بن مظفر العطّار قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « يا عليّ ، لا تبارك بمن مات وهو مبغض لك ؛ فمن مات على بغضك مات يهوديّا أو نصرانيّا » (3).

[30] ومنها : ما روي عن مولانا الرضا علیه السلام قال : « قال رسول اللّه : يقول اللّه : من آمن بي وبرسولي وتولّى عليّا أدخلته الجنّة على ما كان من عمله » (4).

[31] ومنها : ما روي عن ابن مسعود قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « حرّمت النار على من آمن بي وأحبّ عليّا وتولاّه ، ولعن اللّه من مارى عليّا وناواه ، عليّ منّي كجلدة ما بين العين والحاجب » (5).

[32] ومنها : ما روي عن جابر قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « من أحبّ أن يجاور الجليل في داره ويأمن من حرّ ناره فليتولّ عليّ بن أبي طالب » (6).

ونقل عن جابر أنّه كان يقول في مجالس الأنصار : « عليّ خير البشر من أباه فقد كفر » (7).

ص: 307


1- « الأمالي » للصدوق : 153 ، المجلس 34 ، ح 8 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 93 ؛ « بشارة المصطفى » : 149 ؛ « المناقب » للخوارزمي : 79 ؛ « المعجم الكبير » للطبراني 22 : 415 ، ح 1026.
2- « مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب » : 154 ، الرقم 187.
3- « بحار الأنوار » 39 : 250 ، ح 15.
4- « الأمالي » للطوسي : 366 ، المجلس 13 ، الرقم 778 ؛ « بحار الأنوار » 39 : 247 - 248 ، ح 7.
5- « الأمالي » للطوسي : 295 ، الرقم 579 ؛ « بحار الأنوار » 39 : 247 ، ح 5.
6- « الأمالي » للطوسي : 295 ، الرقم 580 ؛ « بحار الأنوار » 39 : 247 ، ح 6.
7- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 82 ؛ « علل الشرائع » 1 : 142 ، باب 120 ؛ « إعلام الورى » 1 : 319 ؛ « الأمالي » للصدوق : 1. المجلس 18 ، ح 6 ؛ « كنز العمّال » 11 : 625 ، ح 23045 ؛ « تنزيه الشريعة » 1 : 353 ، الرقم 39 ؛ « الفوائد المجموعة » للشوكاني : 348 ، عن ابن مسعود لا عن جابر.

[33] ومنها : ما روي عن طلحة بن زيد ، عن مولانا جعفر الصادق قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّ اللّه يقول : بشّر أخاك عليّا بأنّي لا أعذّب من تولاّه ، ولا أرحم من عاداه » (1).

[34] ومنها : ما روي عن رزين قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّ عليّا منّي ، وأنا منه ، من آذى عليّا فقد آذاني (2) ».

[35] ومنها : ما روي عن ابن مسعود ، قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « اعلم أنّ اللّه خلقني وعليّا من نور قدرته قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ؛ إذ لا تسبيح ولا تقديس ، ففتق نوري فخلق اللّه منه السماوات والأرضين ، وأنا واللّه أجلّ من السماوات والأرضين ، وفتق نور عليّ بن أبي طالب فخلق منه العرش والكرسيّ ، وعليّ بن أبي طالب أفضل من العرش والكرسيّ ، وفتق نور الحسن صلوات اللّه عليه فخلق منه اللوح والقلم ، والحسن علیه السلام واللّه أفضل من اللوح والقلم ، وفتق نور الحسين فخلق منه الجنان والحور العين ، ثمّ أظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلى اللّه أن يكشف عنهم الظلمة فتكلّم اللّه جلّ جلاله كلمة ، فخلق منها روحا ، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نورا ، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام الأرض ، وزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء ، ولذلك سمّيت زهراء ؛ لأنّ نورها زهرت به السماء. يا بن مسعود ، إذا كان يوم القيامة يقول اللّه عزّ وجلّ لي ولعليّ : أدخلا الجنّة من شئتما وأدخلا النار من شئتما وذلك قوله تعالى : ( أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ) (3) ، فالكافر من جحد نبوّتي ، والعنيد من جحد بولاية

ص: 308


1- « الأمالي » للصدوق : 42 ، المجلس 10 ، ح 8 ؛ « بشارة المصطفى » : 16.
2- « الأمالي » للطوسي : 133 - 134 ، الرقم 215 ؛ « الطرائف » : 75.
3- ق (50) : 24.

عليّ بن أبي طالب علیه السلام والجنّة لشيعته » (1).

[36] ومنها : ما روي عن سلمان الفارسي قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّ جبرئيل هبط عليّ يوم الأحزاب وقال : إنّ ربّك يقرئك السّلام ويقول لك : إنّي قد افترضت حبّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام ومودّته على أهل السماوات وأهل الأرض فلم أعذّب في محبّته أحدا ، فمر أمّتك بحبّه فمن أحبّه فبحبّي وبحبّك أحبّه ، ومن أبغضه فببغضي وبغضك أبغضه ، أما إنّه ما أنزل اللّه كتابا ولا خلق خلقا إلاّ وجعل له سيّدا ، فالقرآن سيّد الكتب المنزلة ، وشهر رمضان سيّد الشهور ، وليلة القدر سيّدة الليالي ، والفردوس سيّد الجنان ، وبيت اللّه الحرام سيّد البقاع ، وجبرئيل سيّد الملائكة ، وأنا سيّد الأنبياء ، وعليّ سيّد الأوصياء ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ولكلّ امرئ من عمله سيّد ، وحبّي وحبّ عليّ بن أبي طالب سيّد الأعمال وما تقرّب به المتقرّبون من طاعة ربّهم » (2).

[37] ومنها : ما روي عن أبي ذرّ قال : كنت جالسا عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله ذات يوم في منزل أمّ سلمة ورسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يحدّثني وأنا أسمع إذ دخل عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقال رسول اللّه : « يا أبا ذرّ ، هذا الإمام الأزهر وباب اللّه الأكبر ، فمن أراد اللّه فليدخل الباب. يا با ذرّ ، هذا القائم بقسط اللّه ، والذابّ عن حريم اللّه ، والناصر لدين اللّه ، وحجّة اللّه على خلقه ، إنّ اللّه تعالى لم يزل يحتجّ به على خلقه في الأمم ، كلّ أمّة يبعث فيها نبيّا.

يا با ذرّ ، إنّ اللّه جعل على كلّ ركن من أركان عرشه سبعين ألف ملك ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلاّ الدعاء لعليّ وشيعته والدعاء على أعدائه.

يا با ذرّ ، لو لا عليّ ما بان الحقّ من الباطل ولا المؤمن من الكافر ولا عبد اللّه ؛ لأنّه

ص: 309


1- « بحار الأنوار » 40 : 43 - 44 ، ح 81.
2- المصدر السابق 40 : 54 ، ح 89.

ضرب رءوس المشركين حتّى أسلموا وعبدوا اللّه ، ولو لا ذلك لم يكن ثواب ولا عقاب ، ولا يستره من اللّه سترة ، ولا يحجبه من اللّه حجاب ، وهو الحجاب والستر » (1).

[38] ومنها : ما روي عن عمر بن الخطّاب قال : سمعت رسول اللّه يقول في عليّ بن أبي طالب خصال لأن يكون في إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها (2).

[39] ومنها : ما روي عن ابن عبّاس قال : قال النبيّ : « عليّ منّي مثل رأسي من بدني » (3).

[40] ومنها : ما روي عن أنس قال : قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « عليّ خير البشر من شكّ فقد كفر » (4) ، وفي رواية : « من أبى فقد كفر » (5).

[41] ومنها : عن جابر بن عبد اللّه قال : كنت عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في حفر الخندق وقد حفر الناس وحفر عليّ علیه السلام فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « بأبي من يحفر وجبرئيل يكنس التراب بين يديه ويعينه ميكائيل ، ولم يكن يعين قبله أحدا من الخلق » (6).

ثمّ قال النبيّ لعثمان : « احفر » فغضب عثمان ، فقال : لا يرضى محمّد أن أسلمنا على يده حتّى أمرنا بالكدّ ، فأنزل اللّه تعالى على نبيّه صلی اللّه علیه و آله : ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) (7) الآية. (8)

ص: 310


1- المصدر السابق 40 : 54 ، ح 90.
2- « الأمالي » للطوسي : 362 ، المجلس 13 ، الرقم 752.
3- « الأمالي » للطوسي : 353 ، المجلس 12 ، الرقم 732 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 123 - 124 ، ح 135 - 136 ؛ « الفردوس بمأثور الخطاب » 3 : 62 ، الرقم 4174.
4- « الفردوس بمأثور الخطاب » 3 : 62 ، ح 4175 ؛ « بحار الأنوار » 40 : 77.
5- « الأمالي » للصدوق : 71 ، المجلس 18 ، ح 5 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 3 : 82 ؛ « كنز العمّال » 11 : 625 ، الرقم 33045 ؛ « الموضوعات لابن الجوزي » 1 : 348 ؛ « تنزيه الشريعة » 1 : 353 ؛ « اللآلئ المصنوعة » 1 : 328.
6- « مدينة المعاجز » 1 : 467 ؛ « تأويل الآيات » 2 : 608.
7- الحجرات (49) : 17.
8- « تفسير البرهان » 4 : 215 ؛ « تأويل الآيات الظاهرة » : 588.

[42] ومنها : عن سعد الخفّاف ، عن زاذان أبي عمرو قال : قلت له : يا زاذان إنّك لتقرأ القرآن فتحسن قراءته فعلى من قرأت؟ قال : فتبسّم ، ثمّ قال : إنّ أمير المؤمنين مرّ بي وأنا أنشد الشعر ، وكان لي خلق حسن فأعجبه صوتي فقال : « يا زاذان ، فهلاّ تقرأ القرآن؟ » قلت : يا أمير المؤمنين وكيف بي بالقرآن؟ فو اللّه ما أقرأ إلاّ بقدر ما أصلّي به ، قال : « فادن منّي » ، فدنوت فتكلّم في أذني بكلام ما عرفته ولا علمت ما يقول.

ثمّ قال لي : « افتح فاك » فتفل في فيّ ، فو اللّه ما زالت قدمي من عنده حتّى حفظت القرآن بإعرابه وهمزه ، وما احتجت أن أسأل عنه أحدا بعد موقفي ذلك. قال سعد : فقصصت قصّة زاذان على أبي جعفر قال : « صدق زاذان إنّ أمير المؤمنين علیه السلام دعا لزاذان بالاسم الأعظم الذي لا يردّ » (1).

[43] ومنها : « عليّ في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض ، وفي السماء الدنيا كالقمر في الليل في الأرض. أعطى اللّه عليّا من الفضل جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم ، وأعطى اللّه عليّا من الفهم جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم ، ... عليّ محمود عند الحقّ مزكّى عند الملائكة وخاصّتي وخالصتي ومصباحي وجنّتي ورفيقي آنسني به ربّي.

[44] ومنها : « أمير المؤمنين أفضل عند اللّه من الأئمّة كلّهم ، وله ثواب أعمالهم وعلى قدر أعمالهم فضّلوا » (2).

[45] ومنها : ما روي عن صاحب مدينة الحكمة : أنّ جبرئيل علیه السلام كان جالسا عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله فدخل عليّ علیه السلام فقام له جبرئيل علیه السلام فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله لجبرئيل : « أتقوم لهذا الفتى؟ » فقال جبرئيل : إنّ هذا له عليّ حقّ التعليم ، فقال صلی اللّه علیه و آله : « كيف ذلك التعليم يا جبرئيل؟ » فقال : لمّا خلقني اللّه تعالى سألني : من أنت؟ وما اسمك؟ ومن أنا؟

ص: 311


1- « الخرائج والجرائح » 1 : 195.
2- « كامل الزيارات » : 38.

وما اسمي؟ فتحيّرت في ردّ الجواب ، وبقيت ساكتا ، ثمّ حضر هذا الشابّ في عالم الأنوار ، وعلّمني الجواب ، فقال هذا : « قل : أنت الربّ الجليل ، وأنا العبد الذليل ، واسمي جبرئيل » ؛ ولهذا قمت إجلالا له وعظّمته.

فقال النبيّ : « كم عمرك يا جبرئيل؟ » فقال : إنّ لله نجما يطلع من العرش في كلّ ثلاثين ألف سنة مرّة واحدة ، وقد شاهدته طالعا ثلاثين ألف مرّة ، فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إذا رأيت ذلك النجم هل تعرفه؟ » فقال : كيف لا أعرفه؟! فقال النبيّ لعليّ : « خذ العمامة من جبهتك » فلمّا كشفها ورآها جبرئيل علیه السلام رأى ذلك النجم في جبهة عليّ (1).

[46] ومنها : بعض فقرات دعاء الندبة من قول النبيّ صلی اللّه علیه و آله ففيه : « فلمّا انقضت أيّامه أقام وليّه عليّ بن أبي طالب علیه السلام صلواتك عليهما وآلهما هاديا إذ كان هو المنذر ولكلّ قوم هاد ، فقال والملأ أمامه : ألا من كنت مولاه فعليّ مولاه ، وقال : من كنت نبيّه فعليّ أميره ، وقال : أنا وعليّ من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتّى وأحلّه محلّ هارون من موسى ، فقال : عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وزوّجه ابنته سيّدة نساء العالمين ، وأحلّ له من مسجده ما حلّ له ، وسدّ الأبواب إلاّ بابه ، ثمّ أودعه علمه وحكمته فقال : أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها ، ثمّ قال له : أنت أخي ووصيّي ووارثي ، لحمك من لحمي ودمك من دمي ، وسلمك سلمي وحربك حربي ، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأنت غدا على الحوض خليفتي ، وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي ، وشيعتك على منابر من نور مبيضّة وجوههم حولي في الجنّة وهم جيراني ، ولو لا أنت يا عليّ ، لم يعرف المؤمنون بعدي » (2).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ فضائل مولانا عليّ بن أبي طالب أكثر من

ص: 312


1- « الأنوار النعمانيّة » 1 : 15.
2- « مفاتيح الجنان » : 977 - 979 ، دعاء الندبة.

أن تحصى كما في بعض الأخبار ، ولكن المكلّف لا بدّ أن يحبّه على سبيل التوسّط بين الإفراط والتفريط بأن يكون واليا لا غاليا ولا قاليا.

[ فيما صدر عن الأحسائى بأنّ أهل البيت علیهم السلام علّة الموجودات ]

فلا يوافق الشرع النبوي ما صدر عن الشيخ المعاصر في بعض رسائله في جواب الشيخ أحمد بن الشيخ صالح بن سالم بن طوق بعد ما سئل عمّا ورد من أنّ سيّدنا محمّدا ووصيّه عليّا أوّل الخلق وعلّة الموجودات وأنّهما كانا نورا واحدا حتّى افترقا في صلب عبد اللّه وأبي طالب (1) علیهماالسلام إلى أن قال : « فما معنى هذا السبق وهذه العليّة؟ وأيّ العلل هي؟ أفاعليّة أم صوريّة أم مادّيّة أم غائيّة ، أم علل متعدّدة ، أم الكلّ متّحدة؟ وما حقيقة المختار؟ وما معنى هذا الافتراق؟ وهل تعود تلك الوحدة بعد الافتراق أم لا؟ ... » (2) إلى آخره ، حيث قال : إنّ الوجودات ثلاثة : « وجود حقّ ، ووجود مطلق ، ووجود مقيّد. والوجود الحقّ ذات الواجب مع قطع النظر عن الصفات ، والوجود المطلق فعل اللّه ومشيئته وإرادته ، والوجود المقيّد المعقولات بأسرها من المجرّدات والماديّات » (3).

إلى أن قال : « والوجود المقيّد من الوجود المطلق مثل الوجود المطلق من الوجود الحقّ. فمراتب الوجود متناسبة صعودا ونزولا فمحمّد صلی اللّه علیه و آله هو السراج المنير ، والسراج مركّب من دهن ونار ، فالدهن في السراج هو أرض الاستعداد ، والنار هي نار المشيئة والوجود المطلق ؛ ولذا قالوا : « نحن محالّ مشيئة اللّه » (4) ، إلى

ص: 313


1- « علل الشرائع » 1 : 134 - 135 باب 115 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 120 - 122 ، ح 130 - 132 ؛ « الفردوس بمأثور الخطاب » 2 : 191 ، ح 2952.
2- هذا الكلام ليس للشيخ المعاصر ، وإنّما الأسئلة التي سألها الشيخ أحمد بن طوق منه.
3- « جوامع الكلم » ، الرسالة القطيفيّة : 156 ، نقله باختصار.
4- المصدر السابق.

أن قال : « فمحض ممّا قرّرنا وبيّنّا أنّ محمّدا أوّل ما خلق اللّه ، وأنّه علّة الموجودات فالسبق بهذا المعنى ؛ لأنّ السبق على أنحاء سبعة : السبق الطبيعي ، والذاتي ، والشرفي ، والمكاني ، والزماني ، والسبق الحقيقي وهو تقدّم عالم المشيئة والإبداع على سائر المفعولات ؛ إذ هو سبق بكلّ من هذه الحيثيّة المتقدّمة وزيادة سبق السرمديّة ، والسبق الحقّي وهو تقدّم الواجب على من سواه ؛ إذ هو السبق بكلّ سبق من الستّة المتقدّمة وزيادة سبق الأزليّة الأبديّة المطلقة » (1).

ثمّ قال بهذه العبارة : « وأمّا العلّة فهي فاعليّة كما قال علیه السلام : « نحن صنائع اللّه والخلق بعد صنائع لنا » (2) ، كما في قوله علیه السلام لكميل : « نور أشرق من صبح الأزل فتلوح على هياكل التوحيد آثاره » (3) ، فالنور هو المشار إليه ، وصبح الأزل هو الموجود المطلق وعالم المشيئة ، وهياكل التوحيد الصور القائمة بمرايا الوجود المطلق ؛ فإنّها فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه ، والآثار مظاهر الوجود المطلق وتجلّياته ، فإنّ هيئاتها تحكي كينوناته ، فالصور صفاته بالذات أو بالعرض ، فتلوح تجليّات الوجود أي تبرز على هيئات تلك الهياكل ، فجميع الصور صور شئونه صلی اللّه علیه و آله وتطوّراته ، وإليه الإشارة بقول : عليّ علیه السلام : « وإنّا نتقلّب في الصور كيف ما شاء اللّه ، من رآهم فقد رآني ، ومن رآهم فقد رآهم » (4) ، فهو صلی اللّه علیه و آله العلّة الصوريّة ، وهو أيضا علّة مادّيّة ؛ لأنّ الوجودات بأسرها أشعّة أنوارها وصدى أصوات خطاباته ، فإنّ جميع ما في الإمكان غيرهم فإنّما خلقوا من أشعّة أنوارهم ، فجميع موادّ الأشياء من تلك الأشعّة ، والأشياء مركّبة من الموادّ والصور. أمّا الموادّ فعرفتها كما قلنا لك.

ص: 314


1- المصدر السابق : 156 - 157.
2- « الاحتجاج » 2 : 563. بتفاوت يسير.
3- « جوامع الكلم » ، الرسالة القطيفيّة : 157.
4- المصدر السابق : 157.

وأمّا الصور فجنسيّة ونوعيّة وشخصيّة كلّها كينونات تلك الأشعّة سواء كانت موادّ نوريّة وموادّ عنصريّة ؛ لأنّ الموادّ العنصريّة من المواد النوريّة كالثلج من الماء ، فظهر أنّهم علیهم السلام علّة مادّيّة وعلّة صوريّة وهو صلی اللّه علیه و آله أيضا علّة غائيّة ؛ لأنّ الموجودات بأسرها إنّما خلقت لمصالحهم وشئونهم وجميع الخلق أنعامهم وغنمهم كما أشار الصادق علیه السلام من قوله لعبيد بن زرارة : والذي فرّق بينكم هو داعيكم الذي استرعاه اللّه أمر غنمه ، فإن شاء فرّق بينها لتسلم ثمّ يجمع بينهما لتسلم ... (1) إلى آخره.

ومثله قوله علیه السلام : « نحن صنائع اللّه ربّنا والخلق بعد صنائع لنا » (2) على أحد التأويلين ، وهو أنّ اللّه سبحانه صنع لنا الخلق ، والوجه الثاني تقدّم. وأمّا الوجه المستشهد به هنا فيجري عليه تأويل قوله : ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ ) (3).

وقوله سلّمه اللّه : « أم متعدّدة ». قد تقدّم جوابه أنّها متعدّدة في كلّ شيء بحسبه ، أمّا في الباطن فلأنّه صلی اللّه علیه و آله كما أنّه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلى خلقه في تبليغ الشرائع والتأديبات الشرعيّة التكليفيّة دقيقها وجليلها ».

إلى أن قال : « وأمّا قوله : ما معنى هذا الاتّحاد والوحدة؟ فجوابه أنّ الاتّحاد إنّما يقال لشيئين قد تحقّقت بينهما الاثنينيّة فطرأ عليهما الاتّحاد ، والاتّحاد قد منع تحقّقه المحقّقون وأحاله المدقّقون ، فلا يقال : ما هذا الاتّحاد إلاّ مجازا ، أو المراد به على المجاز البساطة ، وليس المراد بالبساطة عدم الأجزاء وعدم تحقّق التشخّص ؛ لأنّ ذلك من صفات الأجسام والجسمانيّات ونفوسها المقارنة لها غير القدسيّة ، بل التعدّد متحقّق في أصل الخلقة إلاّ أنّه تعدّد كتعدّد الضوء من الضوء ، فإنّ السراج إذا

ص: 315


1- المصدر السابق.
2- مرّ تخريج الحديث في الصفحة السابقة ، هامش (2).
3- النحل (16) : 80.

اشتعل من السراج ليس بينهما كثرة باعتبار الوحدة الجنسيّة والنوعيّة ، وأمّا باعتبار الوحدة الشخصيّة وباعتبار فعل النبوّة وفعل الولاية ومتعلّقها ومقامها والترتيب إلى غير ذلك من المشخّصات.

فالتعدّد موجود وهو معنى : فقسّمه بنصفين. فإذا تطاولت المدد في العود وعاد كلّ شيء إلى ما منه بدأ حصل بينهما عود مجاورة لا عود ممازجة ، وأمّا محلّ الأئمّة فهو كالشجرة وأغصانها أو ثمرها ، والشيعة الورق الملتفّ بالثمر وكالضوء من الضوء » (1).

إلى أن قال في جواب قوله : « فمتى أنّه في الزمان وهو وعاء عالم الأجسام ، وفي الدهر وعاء عالم الجبروت والملكوت ، وفي السرمد هو وعاء عالم المشيئة وعالم الأمر والإبداع » (2).

وقال في شرح الزيارة : « ففي البصائر عن الثمالي عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( صِراطِ اللّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) (3) ، يعني عليّا أنّه خازنه على ما في السماوات وما في الأرض من شيء وائتمنه عليه » (4).

قال : أقول : ما يفيد العموم فكلّ شيء عندهم خزائنه وهم خزائنه وعندهم مفاتحه وهم مفاتحه. وأمّا قوله « يعني عليّا » يريد أنّ معنى ( أَلا إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) أنّها تصير إلى عليّ علیه السلام وبيان ذلك : أنّ الأمور حادثة مخلوقة ، والحادث المخلوق لا يصل إلى القديم ولا يرجع إليه سبحانه ؛ لأنّه متعال عن كلّ شيء ، وإنّما المعنى أنّ الأمور ترجع وتصير إلى أمره تعالى ، وأمره تعالى جعله عند وليّه فالمصير إليه مصير إلى اللّه والرادّ إليه رادّ إلى اللّه ، وقد قال اللّه تعالى : ( إِنَّ إِلَيْنا

ص: 316


1- « جوامع الكلم » ، الرسالة القطيفيّة : 157.
2- المصدر السابق : 158.
3- الشورى (42) : 53.
4- « بصائر الدرجات » 2 : 106 باب 19 ، ح 16.

إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ) (1) » إلى أن قال : « فهذا معنى قوله علیه السلام ( أَلا إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) - يعني عليّا - مراده إلى اللّه سبحانه لقول ( أَلا إِلَى اللّهِ ) أي ألا إلى عليّ علیه السلام جعله اللّه وليّ الأمور ، فالرجوع إلى اللّه رجوع إليه.

ثمّ إنّه بيّن معنى قوله : « يعني عليّا » فقال : « إنّه جعل عليّا خازنا له على ما في السماوات وما في الأرض من شيء وائتمنه عليه ، وهذا ظاهر » (2).

وقال - في جواب من قال : ما الدليل على أنّ « أئمّتنا » أفضل من « أولي العزم » مع تلقّي النبيّ الوحي بنفسه ومعاينة الملك دون الإمام؟ - : « قد دلّ الدليل العقلي والنقلي على أنّ نبيّنا محمّدا صلی اللّه علیه و آله خير الخلق من جميع ما خلق اللّه من غائب وشاهد ومتحرّك وساكن ، ودلّ الدليل أيضا على أنّ الأئمّة مساوون له في جميع ما له من الفضائل والمراتب إلاّ الخواصّ التي اختصّ بها ولم يكن لأحد من خلق اللّه ذلك لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل أولي العزم وغيرهم حتّى أنّ عليّا علیه السلام قال ما معناه : وإنّما أوتي موسى ما أوتيت أقلّ من جزء من مائة ألف جزء من مثقال ذرّة ».

إلى أن ذكر ما رواه جابر : « أنّ مروان بن الحكم في خلافته صعد منبر رسول اللّه ، وخطب وسبّ عليّا فخرجت من القبر الشريف يد كلّ من حضر عرف أنّها يد رسول اللّه مكتوب عليها : يا عدوّ اللّه أكفرت بالذي خلقك من تراب ، ثمّ من نطفة ، ثمّ سوّاك رجلا؟! هو واللّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين ، ثمّ عقد بيده ثلاثا وعشرين فما لبث إلاّ ثلاثا وعشرين ليلة ، ثمّ مات » (3).

إلى أن قال : « إنّ قوله تعالى : ما وسعني أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن. (4) وهو هو صلی اللّه علیه و آله ونفسه عليّ علیه السلام ومع هذا فلم يصل النبيّ صلی اللّه علیه و آله وحي ولا خطاب إلاّ بلسان

ص: 317


1- الغاشية (88) : 25 - 26.
2- « جوامع الكلم » ، الرسالة القطيفيّة : 131.
3- المصدر السابق.
4- « المحجّة البيضاء » 5 : 26 ؛ « بحار الأنوار » 55 : 39.

الوليّ علیه السلام والأنبياء كلّهم ما هم منه إلاّ ذرّات من الوجود ومعنى أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله يرى الملك والإمام يسمع الصوت ولا يرى الشخص : أنّ الملك ما يظهر بالوحي إلاّ للنبيّ صلی اللّه علیه و آله والإمام يسمع كلام الملك والوحي إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله وإنّما لم يظهر له ؛ لأنّه إنّما جاء للوحي فظهوره بالوحي لمحمّد صلی اللّه علیه و آله لأنّ الإمام لا يراه ، كيف؟ ولا يصدر إلاّ بإذنه كما قال عليّ علیه السلام : واللّه ما أعلم أنّ ملكا في السماء يخطو قدما بغير إذني إلاّ وقد احترق. ولمّا كان رسول اللّه لم يمت حتّى كمل الدين وانقطع الوحي عند موته انقطاع كمال لا انقطاع نقصان ، وإلاّ لم يكن خاتم النبيّين ، فلا يحتاج إلى نزول الملك في تأسيس الأحكام ، وإنّما تتنزّل الملائكة على الإمام بالأمر افعل ولا تفعل عن أمر أجراه ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون » (1).

أقول :

يرد عليه أوّلا : أنّ عدم كون النبيّ صلی اللّه علیه و آله وعليّ بن أبي طالب علیه السلام وأولاده علیهم السلام علّة فاعليّة وخالقا لمن عداهم من ضروريّات الدين ظاهرا ، فما ذكر إنكار للضروريّ ، واحتمال الحمل على العلّة الغائيّة مع ذكرها أيضا بابه مسدود.

وثانيا : أنّ تغيير الأسلوب في قوله علیه السلام : « صنائع لنا » (2) بذكر اللام وعدم الإضافة - كما في صدر [ الرواية ] دالّ على كون المراد في الذيل مخالفا للصدر باعتبار الفاعليّة والغائيّة كما لا يخفى.

وثالثا : أنّ اللام من الحروف ، والحروف تستعمل في خصوصيات الكلّي بالاتّفاق ، فالمستعمل فيه إن لم يكن خصوص جزئي من جزئيّات العلّة الغائيّة فلا أقلّ من الإجمال ، فإنّ الاستعمال في جزءين من الكلّيّين - كما يظهر من كلامه - خلاف الظاهر.

ورابعا : أنّ ملاحظة السياق وسائر الأخبار والاعتبار ممّا يقتضي كون المراد أن

ص: 318


1- « جوامع الكلم » ، الرسالة القطيفيّة : 132.
2- تقدّم في ص 314 هامش (2).

يجعلهم رؤساء آمرين ممّا لا بدّ فيه من إيجاد المرءوسين المأمورين ؛ لئلاّ يبقى الأمر بلا مأمور ، فالمراد أنّ الخلق مصنوع لإطاعتنا. وإن تنزّلنا سلّمنا كون المراد لمصالحنا.

وخامسا : أنّ الحديث لو سلّمت دلالته معارض بالكتاب الدالّ على حصر إيجاد الخلق في اللّه تعالى كقوله تعالى : ( وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) (1) ؛ لإفادة تعريف المسند الحصر ، كما حقّق في محلّه ، ونحو ذلك من الآيات.

وسادسا : أنّه يلزم أن يعتقد أنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام خلق أباه وأمّه ثمّ تولّد منهما.

سابعا : أنّه يلزم كون مخلوقه قاتله.

وثامنا : أنّ حديث البصائر - على ما حكي عن الصافي - هكذا : ( صِراطِ اللّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) (2) « يعني عليّا » (3) فقوله : « عليّا » تفسير للصراط ، لا للذي تصير الأمور إليه.

وتاسعا : أنّ عليّا علیه السلام إن كان قديما يلزم تعدّد الواجب والشرك ، وإن كان حادثا يلزم ما فرّ منه من ارتباط الحادث بالقديم.

وعاشرا : أنّ ارتباط الحادث بالقديم ارتباط صدور جائز وواقع ، والمحال ارتباط القيام المستلزم لكونه محلّ العرض. إلى غير ذلك.

ومثل ما ذكرنا إثبات إمامة مولانا عليّ بن أبي طالب علیه السلام بالمعجزة المصدّقة ، والتي هي كثيرة قد أشرنا إلى بعضها ، وسيأتي الإشارة إلى بعض آخر ، وكذا بالموعظة الحسنة بأن يقال : إنّ التمسّك بعليّ علیه السلام لا خلاف فيه بين الشيعة والمحقّقين من أهل السنّة ، بل جلّهم بل كلّهم إلاّ من لا يعتنى به بخلاف القول بكونه خليفة رابعا ، فإنّ مذهب الإماميّة أنّه ضلالة مصيرها النار ، فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون؟

ص: 319


1- يس (36) : 81.
2- الشورى (42) : 53.
3- « تفسير الصافي » 4 : 382.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع شرح الشارح القوشچي بعد قوله : والعصمة تقتضي النصّ وسيرته علیه السلام بقوله : « ( وهما ) أي العصمة والتنصيص ( مختصّان بعليّ علیه السلام ) اختلفوا في أنّ الإمام الحقّ بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من هو؟ حدّث الإماميّة إلى أنّه عليّ علیه السلام واختاره المصنّف وذهب الباقون إلى أنّه أبو بكر.

واحتجّ المصنّف بأنّ العصمة والنصّ كلاهما مختصّان بعليّ علیه السلام أي المعصوم والمنصوص عليه بالإمامة هو عليّ دون أبي بكر ، فهو الإمام دونه.

أقول : دعوى انحصار العصمة في عليّ علیه السلام تنافي ما يقال من أنّها خفيّة لا يعلمها إلاّ اللّه ، وما قيل. من أنّهما مختصّان بعليّ علیه السلام لأنّ عليّا أفضل الصحابة بما سيأتي ، والأفضل يجب أن يكون إماما ؛ لما بيّنا أنّ إمامة المفضول قبيحة ، وإذا كان إماما يجب أن يكون منصوصا عليه ، وأن يكون معصوما ؛ لأنّ الإمامة مشروط بالعصمة لا تتحقّق العصمة بدون التنصيص. ففيه مصادرة لا تخفى.

( والنصّ الجليّ في قوله علیه السلام ) مخاطبا لأصحابه ( سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ) (1) والإمرة - بالكسر - الإمارة من أمر الرجل إذا صار أميرا.

وقوله علیه السلام لعليّ علیه السلام : ( أنت الخليفة بعدي ) (2) وغيرها مثل قوله صلی اللّه علیه و آله مشيرا إلى عليّ : وأخذ اللّه هذا خليفتي فيكم من بعدي فاستمعوا ما سمعوا له وأطيعوا (3).

وقوله علیه السلام وقد جمع من عبد المطّلب : أيّكم يبايعني ويوازرني يكون أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي. (4) فبايعه عليّ.

ص: 320


1- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 65 ؛ « تأويل الآيات الظاهرة » : 265 ؛ « تفسير القمّي » 1 : 389 ؛ « إتحاف السادة المتّقين » 2 : 222.
2- « كفاية الأثر » : 133 و 157 و 195.
3- « تاريخ الطبري » 2 : 321 ؛ « معالم التنزيل في التفسير والتأويل » 4 : 279 ؛ « كنز العمّال » 13 : 133 ، ح 36419 ؛ « تفسير القرآن العظيم » 3 : 364.
4- تقدّمت آنفا.

وأجيب بأنّه لو كان في مثل الأمر الخطير المتعلّق بمصالح الدين والدنيا لعامّة الخلق مثل هذه النصوص الجليّة لتواتر واشتهر فيما بين الصحابة ولم يتوقّعوا في العمل بموقعه ولم يتردّدوا حين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتعيين الإمام تردّدهم حيث قال الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير ، ومالت طائفة إلى أبي بكر وطائفة إلى العبّاس وأخرى إلى عليّ ولم يترك عليّ علیه السلام محاجّة الأصحاب ومخاصمتهم وادّعاء الأمر له والتمسّك بالنصّ عليه بل قام بأمره وطلب حقّه كما قام به حين أفضت النوبة إليه ، وقاتل حتّى أفنى الخلق الكثير مع أنّ الخطب إذ ذاك أشدّ وفي أوّل الأمر أسهل وعهدهم بالنبيّ أقرب وهمّتهم في تنفيذ الأحكام أرغب ، وكيف يزعم من له أدنى مسكة أنّ أصحاب رسول اللّه مع أنّهم بذلوا مهجهم وقتلوا أقاربهم وعشائرهم في نصرة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وإقامة شريعته وانقياد أمره واتّباع طريقته أنّهم خالفوه قبل أن يدفنوه مع وجود هذه النصوص القطعيّة الظاهرة الدالّة على المراد ، بل هاهنا أمارات وروايات ربّما تفيد باجتماعهما القطع بعدم مثل تلك النصوص ، وهي أنّها لم تثبت عمّن يوثق به من الحديث مع شدّة حبّهم لأمير المؤمنين ونقلهم الأحاديث الكثيرة في مناقبه وكمالاته في أمر الدنيا والدين ، ولم ينقل عنه في خطبه ورسائله ومفاخراته ومخاصماته وعند تأخّره عن البيعة إشارة إلى تلك النصوص ، وجعل عمر الخلافة شورى بين ستّة ودخل عليّ في الشورى وقال العبّاس لعليّ علیه السلام : امدد يدك أبايعك حتّى يقول الناس : هذا عمّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بايع ابن عمّه فلا يختلف فيك اثنان ، فقال أبو بكر : وددت أنّي سألت النبيّ صلی اللّه علیه و آله عن هذا الأمر فيمن هو وكنّا لا ننازعه ، وحاجّ عليّ معاوية ببيعة الناس لا بنصّ من النبيّ.

ولقوله تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (1) وإنّما جمعت الأوصاف فى عليّ ).

ص: 321


1- المائدة (5) : 55.

بيان ذلك أنّها نزلت باتّفاق المفسّرين في عليّ بن أبي طالب علیه السلام حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته ، وكلمة « إنّما » للحصر بشهادة النقل والاستعمال ، و « الوليّ » كما جاء بمعنى الناصر فقد جاء بمعنى المتصرّف والأولى والأحقّ بذلك ، كما يقال : أخو المرأة وليّها والسلطان وليّ من لا وليّ له وفلان وليّ الدم. وهذا هو المراد هاهنا ؛ لأنّ الولاية بمعنى النصرة يعمّ جميع المؤمنين لقوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (1) ، فلا يصحّ حصرها بالمؤمنين الموصوفين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حال الركوع والتصرّف من المؤمنين في أمر الإمامة بكونه هو الإمام ، فتعيّن عليّ لذلك ؛ إذ لم توجد الصفات في غيره.

وأجيب بمنع كون الوليّ بمعنى المتصرّف في أمر الدين والدنيا والأحقّ بذلك على ما هو خاصّة الإمام بل الناصر والمولى والمجيب على ما يناسب ما قبل الآية وهو مثل قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (2) ، وولاية اليهود والنصارى المنهيّ عن اتّخاذها ليست عليل التصرّف والإمامة بل النصرة والمحبّة وما بعدها وهو قوله : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) (3) ؛ فانّ التولّي هاهنا بمعنى المحبّة والنصرة دون الإمامة ، فيجب أن يحمل ما بينهما أيضا على النصرة ليلائم أجزاء الكلام.

على أنّ الحصر إنّما يكون نفيا لما وقع فيه تردّد ونزاع ، ولا خفاء في أنّ ذلك عند نزول الآية لم يكن في إمامة الأئمّة الثلاثة.

وأيضا ظاهر الآية ثبوت الدلالة بالفعل في الحال ولا شبهة في أنّ إمامة عليّ علیه السلام إنّما كانت بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله والقول بأنّه كانت له ولاية التصرّف في أمر المسلمين في

ص: 322


1- التوبة (9) : 71.
2- المائدة (5) : 51.
3- المائدة (5) : 56.

حياة النبيّ صلی اللّه علیه و آله أيضا مكابرة. وصرف الآية إلى ما يكون في المآل دون الحال لا يستقيم في حقّ اللّه سبحانه ورسوله صلی اللّه علیه و آله .

وأيضا و ( الَّذِينَ آمَنُوا ) صيغة جمع فلا يصرف إلى الواحد إلاّ بدليل. وقول المفسّرين : إنّ الآية نزلت في حقّ عليّ علیه السلام لا يقتضي اختصاصها به واقتصارها عليه.

ودعوى انحصار الأوصاف فيه مبنيّة على جعل ( وَهُمْ راكِعُونَ ) حالا من ضمير ( يُؤْتُونَ ) وليس بلازم ، بل يحتمل العطف بمعنى أنّهم يركعون في صلاتهم لا كصلاة اليهود خالية عن الركوع أو بمعنى أنّهم خاضعون.

( ولحديث الغدير المتواتر )

بيانه : أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قد جمع الناس يوم غدير خمّ - موضع بين مكّة والمدينة بالجحفة - وذلك بعد رجوعه عن حجّة الوداع وجمع الرحال وصعد عليها وقال مخاطبا : يا معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى ، قال : « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » (1). وهذا الحديث أورده عليّ يوم الشورى عند ما حاول ذكر فضائله ولفظ « المولى » قد يراد به المعتق ، والمعتق ، والحليف ، والجار ، وابن العمّ ، والناصر ، والأولى بالتصرّف قال اللّه تعالى : ( وَمَأْواكُمُ النَّارُ ) (2) هي تولاّكم هي أولى بكم ، ذكره أبو عبيدة.

وقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها » (3) - أي الأولى بها في التصرّف والمالك لتدبير أمرها - ومثله في الشعر كثير.

وبالجملة ، استعمال المولى بمعنى المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتصرّف شائع

ص: 323


1- « الطرائف » 1 : 144 - 153 ، ح 218 - 239 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 192 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 3 : 29 و 36 - 37 و 45 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 67 - 78 ، ح 24 و 39.
2- العنكبوت (29) : 25 ؛ الجاثية (45) : 34 ؛ الحديد (57) : 15.
3- « مسند أحمد » 9 : 335 ، الرقم 24426 ؛ « مجمع الزوائد » 4 : 525 ، الرقم 7513 ؛ « النهاية في غريب الحديث » 5 : 229 ؛ « سنن الدارمي » 2 : 137 ؛ « فتح الباري » 9 : 239 باب 41 ... ح 5135.

في كلام العرب منقول عن أئمّة اللغة. والمراد أنّه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى لتعرض بأنّه ليس من صفة اسم التفضيل وأنّه لا يستعمل استعماله ، وينبغي أن يكون المراد به في الحديث هو هذا المعنى ليوافق صدر الحديث أعني قوله : « ألست أولى بكم من أنفسكم » ، ولأنّه لا وجه للخمسة الأوّل وهو ظاهر ولا للسادس ؛ لظهوره وعدم احتياجه إلى بيان وجمع الناس لأجله سيّما وقد قال اللّه تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (1) ، ولا خفاء في أنّ الأولويّة بالناس والتولّي والمالكيّة لتدبير أمرهم والتصرّف فيهم بمنزلة النبيّ صلی اللّه علیه و آله هو معنى الإمامة.

وأجيب بأنّه غير متواتر بل هو خبر واحد في مقابل الإجماع ، كيف؟ وقد قدح في صحّته كثير من أهل الحديث ولم يفعله المحقّقون منهم كالبخاري ومسلم والواقدي وأكثر من رواه لم ترو المقدّمة التي جعل دليلا على المراد بالوليّ الأوّل بالتصرّف وبعد صحّة الرواية فمؤخّر الخبر أعني قوله : « اللّهمّ وال من والاه » يشعر بأنّ المراد بالمولى هو الناصر والمجيب بل مجرّد احتمال ذلك كاف في دفع الاستدلال.

وما ذكر من أنّ ذلك معلوم ظاهر من قوله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) ، لا يدفع الاحتمالات ؛ لجواز أن يكون الغرض التنصيص على موالاته ونصرته ؛ ليكون أبعد من التخصيص الذي تحتمله أكثر العمومات ، وليكون أوفى بإفادة الشرف وحيث قرن أكثر موالاة النبيّ صلی اللّه علیه و آله ولو سلّم أنّ المراد بالمولى هو الأولى فأين الدليل؟ على أنّ المراد هو الأولى بالتصرّف والتدبير ، بل يجوز أن يراد الأولى في الاختصاص به والقرب منه كما قال اللّه تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) (2) وهنا النبيّ وكما يقول التلامذة : نحن أولى بأستاذنا ، والأتباع : نحن

ص: 324


1- التوبة (9) : 71.
2- آل عمران (3) : 68.

أولى بسلطاننا ، ولا يريدون الأولويّة في التدبير والتصرّف ، وحينئذ لا يدلّ الحديث على إمامته.

ولو سلّم معاينة الدلالة على استحقاق الإمامة وثبوتها في المال ، لكن من أين يلزم نفي إمامة الأئمّة الثلاثة قبله؟.

( ولحديث المنزلة المتواتر )

( ولحديث المنزلة المتواتر ) (1)

بيانه : أنّ « المنزلة » اسم جنس أضيف فعمّ ، كما إذا عرّف باللام بدليل صحّة الاستثناء ، وإذا استثنى منها مرتبة النبوّة بقيت عامّة في باقي المنازل التي من جملتها كونها خليفة له ، ومتولّيا في تدبير الأمر ، ومتصرّفا في مصالح العامّة ، ورئيسا مفترض الطاعة لو عاش بعده ؛ إذ لا يليق لمرتبة النبوّة زوال هذه المرتبة الرفيعة الثابتة في حياة موسى علیه السلام بوفاته ، وإذ قد صرّح بنفي النبوّة لم يكن ذلك إلاّ بطريق الإمامة.

وأجيب بأنّه غير متواتر بل خبر واحد في مقابلة الإجماع ، وبمنع عموم المنازل ، بل غاية الاسم المفرد المضاف إلى العلم الإطلاق ، وربّما يدّعى كونه معهودا معيّنا كغلام زيد. وليس الاستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة بمنزلة قولك : إلاّ النبوّة ، بل منقطع بمعنى لكن ، فلا يدلّ على العموم ، كيف ومن منازله الأخوّة ولم يثبت لعليّ ، اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّها بمنزلة المستثنى لظهور انتفائها.

ولو سلم العموم فليس من منازل هارون الخلافة والتصرّف بطريق النيابة على ما هو مقتضى الإمامة ؛ لأنّه شريك له في النبوّة. قوله : « اخلفني » ليس استخلافا بل مبالغة وتأكيدا في القيام بأمر القوم.

ولو سلّم فلا نسلّم دلالته على بقائها بعد الموت ، وليس بقاؤها بموت المستخلف عزلا ولا نقصا بل ربّما يكون عودا إلى حالة أكمل وهي الاستقلال بالنبوّة والتبليغ

ص: 325


1- « الطرائف » 1 : 51 - 54 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 2 : 336 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 79 ، ح 40 ؛ « المناقب » للخوارزمي : 55 ؛ « صحيح البخاري » 3 : 1359 باب 9 ، الرقم 3503 ؛ « صحيح مسلم » 4 : 1870 - 1871 ، الرقم 2404 باب من فضائل عليّ بن أبي طالب ، ح 30 - 32.

من اللّه ، فتصرّف هارون ونفاذ أمره لو بقي بعد موسى إنّما يكون لنبوّته وقد انتفت النبوّة في حقّ عليّ فينتفي ما يبتني عليها ويتسبّب عنها ، وبعد اللّتيا واللّتي لا دلالة على نفي إمامة الثلاثة قبل عليّ علیه السلام .

( ولاستخلافه على المدينة في غزوة تبوك ) (1) وعدم عزله إلى زمان وفاته ( فتعمّ ) الأزمان والأمور ( للإجماع ) على عدم الفصل ، بل الحاجة إلى الخليفة بعد الوفاة أشدّ منه حال البعثة.

وأجيب بأنّه على تقدير صحّته لا يدلّ على بقاء خلافته بعد وفاته دلالة قطعيّة مع وقوع الإجماع على خلافته.

( ولقوله صلی اللّه علیه و آله : أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني ) (2) - بكسر الدال -.

وأجيب : بأنّه خبر واحد في مقابلة الإجماع ، ولو صحّ لما خفي على الصحابة والتابعين والمهرة المتعيّن من المحدّثين سيّما على أولاده الطاهرين ، ولو سلّم فغايته إثبات خلافته لا نفي خلافة الآخرين.

( ولأنّه أفضل ) من غيره من الأئمّة ، لما سيأتي ( وإمامة المفضول قبيحة عقلا ).

وأجيب بمنع المقدّمات.

( ولظهور المعجزة ) نفس الكرامة ( على يده كقلع باب خيبر ) (3) وعجز من إعادته تسعون رجلا من الأقوياء ، ( ومخاطبة الثعبان ) على منبر الكوفة فسئل عنه ، فقال : « إنّه من حكّام الجنّ أشكل عليه مسألة أجبته عنها » (4).

ص: 326


1- انظر التعليقة (1) من الصفحة السابقة.
2- « الطرائف » 1 : 133 ، الرقم 211 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 230 - 231 ، ح 309 ؛ « عيون أخبار الرضا » 2 : 6 باب 30 ، ح 13.
3- « إعلام الورى » 1 : 207 - 208 ؛ « إرشاد القلوب » : 245 - 246 ؛ « بحار الأنوار » 41 : 279 - 283.
4- « الكافي » 1 : 396 باب أنّ الجنّ يأتيهم ... ح 6 ؛ « كتاب الفضائل » : 71 ؛ « بشارة المصطفى » : 164 ؛ « الإرشاد » للمفيد 1 :4. 349 ؛ « إعلام الورى » 1 : 351 - 352.

( ودفع الصخرة عن القليب ) ، روي أنّه لمّا توجّه إلى صفّين مع أصحابه أصابهم عطش عظيم فأمرهم أن يحفروا بقرب دير ، فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها ، فنزل فأقلعها ودحا بها مسافة عظيمة ، فظهر قليب فيه ماء فشربوا عنها ثمّ أعادها ولمّا رأى ذلك صاحب الدير أسلم (1) ، ( ومحاربة الجنّ ) روي أنّ جماعة من الجنّ أرادوا وقوع الضرر ما ليس حين سيره إلى بني المصطلق فحارب عليّ علیه السلام معهم وقتل منهم جماعة كثيرة (2).

( وردّ الشمس (3) وغير ذلك ) من الوقائع التي نقلت عنه.

( وادّعى الإمامة فيكون صادقا ) يعني أنّه علیه السلام ادّعى الإمامة وظهرت على وفق دعواه أمور خارقة للعادة فيكون صادقا في دعواه.

وأجيب : بأنّا لا نسلّم أنّه ادّعى الإمامة قبل أبي بكر. ولو سلّم فلا نسلّم ظهور تلك الأمور في مقام التحدّي.

ثمّ أراد أن يثبت إمامة عليّ علیه السلام بأن يبيّن عدم صلوح غيره للإمامة حتّى يثبت إمامته ضرورة ، فذكر أوّلا دلائل عامّة تظهر لهم بأسرهم ، ثمّ ذكر مطاعن واحد واحد.

أمّا الدلائل العامّة

فمنها ما أشار إليه بقوله : ( ولسبق كفر غيره فلا يصلح للإمامة غيره فتعيّن هو ) ؛ وذلك لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله حين بعث لم يكن عليّ بالغا سنّ التكليف ، فلم يكن كافرا بخلاف من عداه من الأئمّة فإنّهم كانوا بالغين فكانوا كافرين ، والكافر ظالم ؛ لقوله

ص: 327


1- « إعلام الورى » 1 : 346 - 348 ؛ « الإرشاد » للمفيد 1 : 334 - 337.
2- « إعلام الورى » 1 : 352 - 354 ؛ « الإرشاد » للمفيد 1 : 339 - 341 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 2 : 103.
3- « الطرائف » 1 : 84 ، الرقم 117 - 118 ؛ « الإرشاد » للمفيد 1 : 345 ؛ « إعلام الورى » 1 : 350 - 351 ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 246 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 126 - 127 ، ح 140 - 141 ؛ « ينابيع المودّة » : 162 - 164 ، الباب 47 في ردّ الشمس بعد غروبها.

تعالى : ( وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (1) والظالم لا يصلح للإمامة ؛ لقوله تعالى : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (2) في جواب إبراهيم حين طلب الإمامة.

وأجيب : بأنّ غاية الأمر ثبوت التنافي بين الظلم والإمامة لا محذور إذا لم يجتمعا.

ومنها : ما أشار بقوله : ( ولقوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (3) ) مضمون الآية الكريمة هو الأمر بمتابعة المعصومين ؛ لأنّ الصادقين هم المعصومون ، وغير عليّ علیه السلام من الصحابة ليس بمعصوم بالاتّفاق ، فالمأمور بمتابعته إنّما هو عليّ.

وأجيب بمنع المقدّمات.

ومنها : ما أشار بقوله : ( وقوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (4) أمر بالطاعة المعصومين ؛ لأنّ أولي الأمر لا يكونون إلاّ معصومين ؛ لأنّ تفويض أمور المسلمين إلى غير المعصومين قبيح عقلا ، وغير عليّ علیه السلام غير معصوم بالاتّفاق فالأمر بإطاعته لا غير.

وأجيب بمنع المقدّمات.

( ولأنّ الجماعة غير عليّ غير صالح للإمامة لظلمهم بتقدّم كفرهم ) هذا تكرار لما سبق آنفا فكأنّه من طغيان القلم.

وأمّا مطاعن أبي بكر

[1] فمنها : أنّه ( خالف أبو بكر كتاب اللّه تعالى في منع إرث رسول اللّه بخبر رواه ) وهو « نحن معاشر الأنبياء لا نورث فما تركناه صدقة » (5) وتخصيص

ص: 328


1- البقرة (2) : 254.
2- البقرة (2) : 124.
3- التوبة (9) : 119.
4- النساء (4) : 59.
5- « صحيح مسلم » 3 : 1380 كتاب الجهاد ، ح 52 ؛ « صحيح البخاري » 3 : 1126 أبواب الخمس ، ح 2926 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 384 - 385 ، الرقم 292 - 293.

الكتاب إنّما يجوز بالخبر المتواتر دون الآحاد.

وأجيب : بأنّ خبر الواحد وإن كان ظنّيّ المتن فقد يكون قطعيّ الدلالة فيخصّص به عامّ الكتاب ؛ لكونه ظنّيّ الدلالة وإن كان قطعيّ المتن ؛ جمعا بين الدليلين.

وتحقيق ذلك في أصول الفقه. على أنّ الخبر المسموع من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إن لم يكن فوق المتواتر في كونه بمنزلته فيجوز للسامع المجتهد أن يخصّص به عامّ الكتاب.

[2] ومنها : أنّه ( منع فاطمة علیهاالسلام من فدك ) وهي قرية بخيبر ( مع ادّعاء النحلة لها وشهد بذلك عليّ وأمّ أيمن ) فلم يصدّقهم ( وصدق الأزواج ) أي أزواج النبيّ صلی اللّه علیه و آله ( في ادّعاء الحجرة لهنّ ) من غير شاهد ، ومثل هذا الجور والميل لا يليق بالإمام ( ولهذا ردّها عمر بن عبد العزيز ) أي فدك إلى أولاد فاطمة.

( وأوصت فاطمة أن لا يصلّي عليها أبو بكر فدفنت ليلا ) (1).

فإنّ هذين الأمرين - أي ردّ عمر بن عبد العزيز فدك إلى أولاد فاطمة علیهاالسلام ووصيّتها من حضر أن لا يصلّي عليها أبو بكر - يدلاّن على أنّه ظلم فاطمة.

وأجيب : بأنّه لو سلّم صحّة ما ذكره فليس على الحاكم أن يحكم بشهادة رجل وامرأة وإن فرض عصمة المدّعي والشاهد ، وله الحكم لا علمه يقينا وإن لم يشهد به شاهد.

[3] ومنها : ما أشار إليه بقوله : ( ولقوله : أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم ) (2).

بيان ذلك أنّه إذا كان صادقا في هذا الكلام لم يصلح للإمامة ، وإن كان كاذبا لم يصلح أيضا لاشتراط العصمة في الإمامة.

[4] ومنها : ما أشار إليه بقوله : ( ولقوله : إنّ له شيطانا يعتريه ) (3). يعني أنّه قال : إنّ

ص: 329


1- راجع « الاحتجاج » 1 : 234 - 242 ؛ « طرائف الحكم » : 247 - 275 ؛ « تفسير القمّي » 2 : 155 - 159 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 16 : 209 ؛ « مسند أحمد » 1 : 25 ، ح 25 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 383 ، الرقم 158.
2- « مناقب آل أبي طالب » 4 : 380 ؛ « عيون أخبار الرضا » 2 : 231 باب 57 ؛ « الفضائل » : 131 ؛ « الاحتجاج » 1 : 199 ؛ « مجمع الزوائد » 5 : 334 ، الرقم 8929 ؛ « الصواعق المحرقة » : 11 ؛ « الإمامة والسياسة » : 14.
3- « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 17 : 158 ؛ « تاريخ الطبري » 3 : 224 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 4 : 380 ؛ « كنز العمّال » 5 : 631 ، الرقم 14112.

لي شيطانا يعتريني ، فإن أصبت أعينوني ، وإن عصيته جنّبوني ، وبيانه كما في المتقدّم من أنّه إن كان صادقا لم يصلح للإمامة ، وإن كان كاذبا لم يصلح أيضا ، لانتفاء العصمة.

وأجيب بأنّه على تقدير صحّته قصد به التواضع وهضم النفس ، وقد ورد في الحديث « أنّ كلّ مولود له شيطان » (1). وقوله : « عصيته » شرطيّة لا يقتضي صدقها وقوع الطرفين.

[5] ومنها : ما أشار بقوله ( ولقول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ) (2) ، يعني أنّها لو كانت فجأة عن خطإ لا عن تدبير وتأمّل.

وأجيب بأنّ المعنى أنّها كانت فجأة وبغتة وقى اللّه شرّ الخلاف الذي كاد يظهر عندها ، فمن عاد إلى مثل تلك المخالفة الموجبة لتبديل الكلمة ، فكيف يتصوّر منه القدح في إمامة أبي بكر ، مع ما علم من مبالغته في تعظيمه وانعقاد البيعة له ومن صيرورته خليفة باستخلافه؟

[6] ومنها : أنّه ( شكّ عند موته في استحقاقه للخلافة ) (3) ؛ حيث قال : وددت أنّي سألت النبيّ صلی اللّه علیه و آله عن هذا الأمر فيمن هو؟ وكنّا لا ننازع أهله.

وأجيب بمنع صحّة الخبر ، وعلى تقدير صحّته أراد به المبالغة في طلب الحقّ ونفي الاحتمال البعيد.

[7] ومنها : أنّه ( خالف الرسول في الاستخلاف عندهم ) (4) والرسول مع أنّه أعرف

ص: 330


1- « بحار الأنوار » 67 : 40 - 41 ، وفيه : « ما منكم من أحد إلاّ وله شيطان ».
2- « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 2 : 23 و 26 ؛ « الاحتجاج » 2 : 319 ؛ « عيون أخبار الرضا » 2 : 231 باب 57 ، ح 1 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 301 ، الرقم 101.
3- « نهج الحقّ وكشف الصدق » : 265 ؛ « مروج الذهب » 2 : 308 - 309 ؛ « تأريخ اليعقوبي » 2 : 24 - 25 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 301 ، الرقم 102.
4- حيث نصّ على عمر بالخلافة من بعده ، فخالف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله - على زعمهم - لأنّه كان يزعم أنّه لم يستخلف النبيّ أحدا من بعده ، وهو قد استخلف عمر من بعده وترك الشورى!

بالمصالح والمفاسد وأوفر شفقة على الأمّة لم يستخلف أحدا.

وأجيب بأنّه لا نسلّم أنّه صلی اللّه علیه و آله عزل عمر بل نقصد لم يستخلف أحدا بل استخلف إجماعا ، أمّا عند الأشاعرة فأبا بكر ، وأمّا عند الشيعة فعليّا.

[8] ومنها : أنّه خالف الرسول ( في تولية من عزله ) ؛ فإنّه ولى عمر جميع أمور المسلمين مع أنّ النبيّ عزله مقدّما ولاّه أمر الصدقات.

وأجيب بأنّا لا نسلّم أنّه صلی اللّه علیه و آله عزل عمر بل أنقض توليته بانقضاء شغله ، كما إذا ولّيت أحدا عملا فأتمّه فلم يبق عاملا ، فإنّه ليس من العزل في شيء.

وأيضا لا نسلّم أنّ مجرّد فعل ما لم يفعله التي مخالفة له وترك لاتّباعه وإنّما المخالفة أو الفعل ما نهى عنه أو ترك ما أمن.

[9] منها : أنّه خالف الرسول صلی اللّه علیه و آله ( في التخلّف عن جيش أسامة مع علمهم بقصد البعد ) (1) ؛ والنبيّ صلی اللّه علیه و آله [ أمر ] أبا بكر وعمر وعثمان في أن ينفّذوا جيش أسامة ، فإنّه قال في مرضه الذي قضى فيه نحبه : « نفّذوا جيش أسامة » وكان الثلاثة في جيشه وفي جملة من يجب عليه النفوذ معه ولم يفعلوا ذلك ، مع أنّهم عرفوا قصد النبيّ ؛ لأنّ غرضه من التنفيذ في المدينة بعد الثلاثة عنها بحيث لا يتواثبوا على الإمامة بعد موت النبيّ ؛ ولهذا جعل الثلاثة في الجيش ولم يجعل عليّا.

وأجيب بمنع صحّة ذلك.

( وولى أسامة عليهم فهو أفضل وعليّ لم يولّ عليه أحد فهو أفضل من أسامة ) يعني في تولية أسامة عليهم دليل على تفضيله عليهم ، فهو ولا شكّ لأحد في أنّ عليّا علیه السلام أفضل من أسامة فعليّ أفضل منهم ، فهو المتعيّن للإمامة.

وأجيب بأنّ تولية أسامة عليهم لو ثبت فلعلّه لغرض غير الأفضليّة مثل كونه

ص: 331


1- « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 1 : 159 - 160 ؛ « الملل والنحل » 1 : 23 ؛ « السيرة الحلبيّة » 3 : 227 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 302 ، الرقم 105 ؛ « الشافي » 4 : 124 وما بعدها.

أعلم بقيادة الجيش.

[10] ومنها : أنّ أبا بكر ( لم يتولّ عملا في زمانه ) وبعثه النبيّ إلى مكّة ( وأعطاه سورة براءة ) ليقرأ على الناس ( فنزل جبرئيل وأمر بردّه وأخذ السورة منه وأن لا يقرأها إلاّ هو أو واحد من أهله فبعث بها عليّا ) (1) ، وأمره أن يأخذ منه السورة ويقرأها على أهل مكّة.

وأجيب بأنّه لا نسلّم أنّه لم يتولّ عملا في حياة النبيّ صلی اللّه علیه و آله فإنّه أمّره على الحجيج في سنة تسع من الهجرة ، واستخلفه في الصلاة في مرضه وصلّى عليّ خلفه.

وأيضا لا نسلّم أنّه عزله عن قراءة سورة براءة ، بل المرويّ أنّه ولاّه الحجيج وأردفه بعليّ علیه السلام بقراءة سورة براءة وقال : « لا يؤدّي عنّي إلاّ رجل منّي » (2) ؛ وذلك لأنّ عادة العرب أنّهم إذا أخذوا المواثيق والعهود كان لا يفعل ذلك إلاّ صاحب العهد أو رجل من بني أعمامه ، فجرى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على سابق عهدهم.

[11] ومنها : أنّه ( لم يكن عارفا بالأحكام حتّى قطع يسار سارق وأحرق بالنار ) فجاءة السلمي ، وقد نهى النبيّ صلی اللّه علیه و آله عن ذلك وقال : « لا يعذّب بالنار إلاّ ربّ النار » ( ولم يعرف الكلالة ) فإنّه سئل عنها فلم يقل فيها ، ثمّ قال : أقول في الكلالة بذاتي ، فإن أصبت فمن اللّه ، وإن أخطأت فمن الشيطان.

( ولا ميراث الجدّة ) (3) سألته جدّة عن ميراثها قال : لا أجد لك شيئا في كتاب اللّه ولا سنّة نبيّه فأخبره المغيرة ومحمّد بن مسلمة أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أعطاها السدس.

( واضطرب في كثير من أحكام ) ، وكان يستفتي من الصحابة ، وهذا دليل واضح

ص: 332


1- راجع « مسند أحمد » 9 : 19 ، الرقم 23054 ؛ « الطرائف » 1 : 55 - 59 ؛ « الشافي » 4 : 152 ؛ « تفسير البرهان » 2 : 100 ؛ « مجمع البيان » 5 : 8 - 9 ؛ « الكشّاف » 2 : 234 ؛ « تفسير الصافي » 2 : 319 - 320 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 277 ، الرقم 42.
2- راجع « مسند أحمد » 9 : 19 ، الرقم 23054 ؛ « الطرائف » 1 : 55 - 59 ؛ « الشافي » 4 : 152 ؛ « تفسير البرهان » 2 : 100 ؛ « مجمع البيان » 5 : 8 - 9 ؛ « الكشّاف » 2 : 234 ؛ « تفسير الصافي » 2 : 319 - 320 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 277 ، الرقم 42.
3- « إثبات الهداة » 4 : 302 ، الرقم 106 ؛ « منهاج السنّة النبويّة » لابن تيمية 3 : 194 وما بعدها ؛ « الشافي » 4 : 157 وما بعدها ؛ « بحار الأنوار » 30 : 506 وما بعدها.

على قصور علمه فلم يصلح للإمامة.

وأجيب عنه بأنّه إن أريد به أنّه ما كان جميع أحكام الشريعة حاضرة عنده على سبيل التفصيل ، فهو مسلّم ، ولكن ليس هذا من خواصّ أبي بكر ، بل جميع الصحابة مشاركون في هذا المعنى ، ولا يقدح في استحقاق الإمامة. وإن أريد به أنّه لم يكن من أهل الاجتهاد في المسائل الشرعيّة والقدرة على معرفتها باستنباطها من مداركها فهو ممنوع.

وقطع يسار السارق لعلّه من غلط الجلاّد ، وأضيف إليه ؛ لأنّ أصل القطع كان بأمره ، ويحتمل أنّه كان كذلك في المرّة الثانية على ما هو رأي أكثر الفقهاء.

وإحراق فجاءة السلمي بالنار من غلطه في اجتهاده فكم مثله في المجتهدين.

وأمّا مسألة الكلالة والجدّة فليس بدعا من المجتهدين ويبحثون عن المدارك في الأحكام ، ويسألون من أحاط بها علما ؛ لهذا رجع عليّ في بيع أمّهات الأولاد إلى قول عمر ، وذلك لا يدلّ على عدم علمه بأحكام الشريعة.

[12] ومنها : أنّه ( لم يحدّ خالدا ولا اقتصّ منه ) حيث قتل مالك بن نويرة وهو مسلم ؛ طمعا في التزوّج بامرأته لجمالها ؛ ولذلك تزوّج بها من ليلته وصاحبها ، فأشار إليه عمر بقتله قصاصا ، فقال : لا أغمد سيفا شهره اللّه على الكفّار ، فأنكر عمر عليه ذلك ، وقال لخالد : لئن ولّيت الأمر لأقيدنّك به (1).

وأجيب عنه بأنّا لا نسلّم أنّه وجب على خالد الحدّ والقصاص فإنّه قد قيل : إنّ خالدا إنّما قتل مالكا ؛ لأنّه تحقّق منه الردّة وتزوّج امرأته في دار الحرب ؛ لأنّه من المسائل المجتهد فيها بين أهل العلم.

وقيل : إنّ خالدا لم يقتل مالكا ، بل قتله بعض أصحابه ؛ لظنّه أنّه ارتدّ وكانت

ص: 333


1- « الكامل في التأريخ » 2 : 357 - 359 ؛ « تأريخ الطبري » 3 : 278 - 280 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 1 : 179 ؛ « الشافي » 4 : 161 - 162.

زوجته مطلّقة منه وقد انقضت عدّتها ، وإنكار عمر عليه لا يدلّ على قدحه في إمامة أبي بكر ، ولا على قصده إلى القدح فيها ، بل إنّما أنكر كما ينكر بعض المجتهدين.

[13] ومنها : أنّه ( دفن في بيت رسول اللّه وقد نهى اللّه دخوله في حياته ) (1) بغير إذن النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

وأجيب عنه بأنّ الحجرة كانت ملكا لعائشة ، وقد دفن فيها بإذنها. والمنع من دخول المؤمنين بيت النبيّ صلی اللّه علیه و آله بغير إذنه حال حياته لا يقتضي عدم دفن أبي بكر في بيته إذا كان ملكا لغيره.

[14] ومنها : أنّه ( بعث إلى بيت أمير المؤمنين لمّا امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة وجماعة من بني هاشم ) (2).

وأجيب عنه بأنّه تأخّر عليّ علیه السلام عن بيعة أبي بكر لم يكن عن شقاق ومخالفة ، وإنّما كان لعذر وطروّ أمر ؛ ولهذا اقتدى به وأخذ من إعطائه ، وكان منقادا له في جميع أوامره ونواهيه معتقدا صلاحيّته للإمامة وصحّة بيعته وقال : « خير هذه الأمّة بعد نبيّنا أبو بكر وعمر » (3).

[15] ومنها : أنّه ( ردّ عليه الحسنان لمّا بويع ). روي أنّه : لمّا صعد أبو بكر المنبر بعد البيعة ليخطب الناس جاء الحسن والحسين علیهماالسلام وقال : « هذا مقام جدّنا ولست أهلا له » (4).

وأجيب بمنع صحّة الرواية.

[16] ومنها : أنّه ( كشف بيت فاطمة علیهاالسلام ) وقال : ليتني تركت بيت فاطمة

ص: 334


1- وهو قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ... ) . الأحزاب 1. : 53.
2- « تأريخ الطبري » 3 : 202 ؛ « العقد الفريد » 5 : 13 ؛ « الإمامة والسياسة » 1 : 12 ؛ « تأريخ اليعقوبي » 2 : 11 ؛ « إثبات الهداة » 2 : 281 ؛ « الطرائف » 1 : 238.
3- راجع صفحة 291 - 292 ، المتقدّمة.
4- ذكره العلاّمة في « كشف المراد » : 377 ، وأورده الطبرسي بألفاظ أخرى في « الاحتجاج » 2 : 77 - 161.

ولم أكشفه (1). وهذا يدلّ على خطإ في ذلك.

وأجيب بأنه لم يثبت.

وأمّا مطاعن عمر

[1] فمنها : أنّه ( أمر عمر برجم امرأة حاملة وأخرى مجنونة فنهاه عليّ علیه السلام ) وقال في الأوّل : « إن كان لك عليها سبيل فلا سبيل على حملها » ، وقال في الثاني : « القلم مرفوع عن المجنون » ، فقال : لو لا عليّ لهلك عمر (2).

وأجيب عنه بأنّه لم يعلم الحمل والجنون. وقوله : « لو لا عليّ لهلك عمر » باعتبار عدم مبالغته في البحث عن حالهما ، يعني لو لم ينبّه عليّ على تلك الحالة ورجمها لكان يناله من الأسف على ترك المبالغة في البحث عن حالهما ما هو أفرع من حالة الهلاك.

[2] ومنها : أنّه ( تشكّك في موت النبيّ صلی اللّه علیه و آله ) حتّى قبض فقال : واللّه ما مات محمّد ، ولا يترك هذا القول حتّى يقطع أيدي رجال وأرجلهم ولم يسكن إلى موت النبيّ صلی اللّه علیه و آله ( حتّى تلا عليه أبو بكر ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (3) فقال : كأنّي لم أسمع هذه الآية ) (4).

وأجيب بأنّ قصّته في حال موت النبيّ صلی اللّه علیه و آله لا تدلّ على جهله بالقرآن ؛ فإنّ تلك الحالة كانت حالة تشويش البال ، واضطراب الحال ، والذهول عن الجليّات ، والغفلة عن الواضحات حتّى أنّه قيل : إنّ بعض الصحابة في تلك الحالة طرأ عليه الجنون ، وبعضهم صار أعمى ، وبعضهم صار أخرس ، وبعضهم هام على وجهه ، وبعضهم صار

ص: 335


1- « الإمامة والسياسة » : 18 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 357 ، الرقم 208 ؛ « الخصال » 1 : 171 - 172 باب الثلاثة ، ح 228.
2- « فتح الباري » 12 : 145 باب 22 ، الرقم 6816 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 12 : 202 - 203 ؛ « الشافي » 4 : 179.
3- الزمر (39) : 30.
4- « إثبات الهداة » 4 : 324 - 325 ، الرقم 141 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 12 : 195.

مقعدا لا يقدر على القيام. وفي قوله : « كأنّي لم أسمع » دلالة على أنّه سمعها وعلمها ولكن ذهل عنها. ويحتمل أنّه فهم من قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (1) ، وقوله ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ) (2) أنّه يبقى على تمام هذه الأمور ظهورها غاية الظهور.

[3] ومنها : أنّه ( قال : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدّرات في الحجال لمّا امتنع من المغالاة في الصداق ) روي أنّه قال يوما في خطبته : من غالى في صداق ابنته جعلته في بيت المال ، فقالت له امرأة : كيف تمنعنا ما أحلّه اللّه تعالى في كتابه بقوله : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) (3)؟ فقال هذا القول (4).

وأجيب بأنّه لم ينه نهي تحريم ، بل إنّما نهاه على معنى أنه وإن كان جائزا شرعا فتركه أولى ؛ نظرا إلى أمر المعاش. وقوله : كلّ الناس أفقه من عمر فعلى طريق التواضع وكسر النفس.

[4] ومنها : أنّه ( أعطى أزواج النبيّ صلی اللّه علیه و آله وأفرض ومنع فاطمة وأهل البيت من خمسهم ) (5).

[5] ومنها : أنّه ( قضى في الحدّ بمائة قضيّة ) (6).

[6] ومنها : أنّه ( فضّل في القسمة ) والعطاء المهاجرين على الأنصار والأنصار على غيرهم ، والعرب على العجم ولم يكن ذلك في زمن النبيّ (7) صلی اللّه علیه و آله .

ص: 336


1- التوبة (9) : 33.
2- النور (24) : 55.
3- النساء (4) : 20.
4- « منهاج السنّة النبويّة » 3 : 232 ؛ « تفسير الدرّ المنثور » 2 : 466.
5- « إثبات الهداة » 4 : 364 ، الرقم 230 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 12 : 210.
6- « الشافي » 4 : 193 ؛ « فتح الباري » 12 : 23 باب 9 ؛ « كنز العمّال » 11 : 58 ، الرقم 30612 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 12 : 246 - 247.
7- « الشافي » 4 : 185 - 186 ؛ « منار الهدى » : 441.

[7] ومنها : أنّه ( منع متعتين ) ؛ فإنّه صعد على المنبر وقال : يا أيّها الناس ، ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ ، وهي متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل. (1)

وأجيب عن الوجوه الأربعة بأنّ ذلك ليس ممّا يوجب قدحا فيه ، فإنّ مخالفة المجتهدين لغيره في المسائل الاجتهاديّة ليس ببدع.

[8] ومنها : أنّه ( حكم في الشورى بضدّ الصواب ) (2) ؛ فإنّه خالف النبيّ صلی اللّه علیه و آله حيث لم يفوّض تعيين الإمام إلى اختيار الناس ، وخالف أبا بكر ؛ حيث لم ينصّ على إمامة واحد معيّن واختار الشورى وجعل الإمامة في ستّة نفر.

وأجيب بأنّ ذلك ليس من المخالفة في شيء كما مرّ من أنّ تنصيص أبي بكر على واحد معيّن ليس مخالفة للنبيّ.

[9] ومنها : أنّه ( خرق كتاب فاطمة علیهاالسلام ) (3) على ما روي من أنّ فاطمة علیهاالسلام لمّا طالت المنازعة بينها وبين أبي بكر ردّ أبو بكر عليها فدك ، وكتب لها بذلك كتابا فخرجت والكتاب في يدها ، فلقيها عمر فسألها عن شأنها فقصّت له قصّتها ، فأخذ منها الكتاب فخرقه ، ودخل على أبي بكر وعابه على ذلك ، واتّفقا على منعها عن فدك.

وأجيب عنه بمنع صحّة هذا الخبر ، كيف؟ ولم يردّه أحد من الثقات.

وأمّا مطاعن عثمان

[1] فمنها : أنّه ( ولى عثمان من ظهر فسقه حتّى أحدثوا في أمر المسلمين ما أحدثوا ) ؛ فإنّه ولى الوليد بن عتبة وظهر منه شرب الخمر ، وصلّى بالناس وهو

ص: 337


1- « التفسير الكبير » 4 : 43 - 44 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 374 ؛ « مسند أحمد » 5 : 72 ، الرقم 14486.
2- « الشافي » 4 : 199 وما بعدها ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 2 : 256.
3- « إثبات الهداة » 4 : 365 ، الرقم 231 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 16 : 274.

سكران ، واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة وظهر منه ما أخرجه أهل الكوفة عنها ، وولى عبد اللّه بن أبي شريح مصرا فأساء التدبير فشكاه أهله وتظلّموا منه ، وولى معاوية الشام فظهرت منه الفتن العظيمة (1).

وأجيب عنه بأنّه إنّما ولى من ولاّه لظنّه أنّه أهل الولاية ، ولا اطّلاع له على السرائر ، وإنّما عليه الأخذ بالظاهر والعزل عند تحقق الفسق ومعاوية كان على الشام في زمن عمر أيضا وإنّما ظهر منه الفتن في زمان عليّ علیه السلام .

[2] ومنها : أنّه ( آثر أهله وأقاربه بالأموال ) العظيمة من بيت المال (2) وفرّقها عليهم مبذّرا في التفريق حتّى نقل أنه دفع إلى أربعة نفر منهم أربعمائة ألف دينار.

وأجيب بأنّها لم تكن من بيت المال بل من خاصّة نفسه ، وتموّله وثروته مشهور ، وإيثار أقاربه بأموال خاصّة مستحسن شرعا وعرفا.

[3] ومنها : أنّه ( حمى الحمى لنفسه عن المؤمنين ) (3) وذلك خلاف الشرع ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله جعل الناس في الماء والكلإ شرعا.

وأجيب بأنّ أخذ الحمى لم يكن لنفسه بل لنعم الصدقة والجزية والضوالّ ، وكان ذلك في زمن الشيخين أيضا إلاّ أنّه زاد في عهد عثمان لازدياد شوكة الإسلام.

[4] ومنها : أنّه ( أوقع أشياء منكرة في حقّ الصحابة ، فضرب ابن مسعود حتّى مات ، وأحرق مصحفه ، وضرب عمّارا حتّى أصابه فتق ، وضرب أبا ذرّ ونفاه إلى الربذة ) (4).

ص: 338


1- انظر « الإصابة في تمييز الصحابة » 6 : 323 ، الرقم 9148 ؛ « الاستيعاب » 4 : 1554 ، الرقم 2721 ؛ « الأعلام » للزركلي 8 : 122 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 3 : 11 - 12 ؛ « الإمامة والسياسة » : 32 ؛ « الشافي » 4 : 225.
2- « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 1 : 199.
3- المصدر السابق 3 : 39.
4- المصدر السابق 1 : 199.

وأجيب بأنّ ضرب ابن مسعود إن صحّ فقد قيل : إنّه لمّا أراد عثمان أن يجمع الناس على مصحف واحد ويرفع الاختلاف بينهم في كتاب اللّه تعالى طلب مصحفه منه فأبى ذلك مع ما كان فيه من الزيادة والنقصان ، ولم يرض أن يجعل موافقا لما اتّفق عليه أجلّ الصحابة ، فأدّبه عثمان لينقاد ، ولا نسلّم أنّه مات من ذلك.

وضرب عمّار كان لما روي أنّه دخل عليه وأساء الأدب عليه وأغلظ له في القول بما لا يجوز الاجتراء بمثله على الأئمّة ، وللإمام التأديب لمن أساء الأدب عليه وإن أفضى ذلك إلى هلاكه ، ولا إثم عليه ؛ لأنّه وقع عن ضرورة فعل ما هو جائز له. كيف؟ وإنّ ما ذكره لازم على الشيعة حيث قيل : إنّ عليّا علیه السلام قتل أكثر الصحابة في حربه ، فإذا جاز القتل لمفسدة جاز التأديب بالطريق الأولى.

وضرب أبا ذرّ ؛ لأنّه قد بلغه أنّه كان في الشام إذا صلّى الجمعة وأخذ الناس في مناقب الشيخين يقول لهم : أرأيتم ما أحدث الناس بعدهما؟ شيّدوا البنيان ، ولبسوا الناعم ، وركبوا الخيل ، وأكلوا الطيّبات. وكاد يفسد بأقواله الأمور ويشوّش الأحوال ، فاستدعاه من الشام فكان إذا رأى عثمان قال : ( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ) (1) فضربه عثمان بالسوط على ذلك تأديبا له. وللإمام ذلك بالنسبة إلى كلّ من أساء الأدب عليه وإن أفضى ذلك التأديب إلى هلاكه ، ثمّ قال : إمّا أن تكفّ وإمّا أن تخرج إلى حيث شئت ، فخرج إلى الربذة غير منفيّ ومات بها.

[5] ومنها : أنّه ( أسقط القود عن ابن عمر ) (2) ومنها أنّه أسقط ( الحدّ عن الوليد مع وجوبهما عليهما ). أمّا وجوب القود على عبد اللّه بن عمر ؛ لأنّه قتل الهرمزان ملك الهوازن ، وقد أسلم بعد ما أسر في فتح أهواز.

ص: 339


1- التوبة (9) : 35.
2- « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 3 : 59 ؛ « طبقات ابن سعد » 5 : 16 ؛ « الشافي » 4 : 230 ؛ « أسد الغابة » 3 : 342 - 343.

وأمّا وجوب الحدّ على الوليد بن عتبة ؛ فلأنّه شرب الخمر (1).

وأجيب عن الأوّل بأنّه اجتهد ورأى أنّه لا يلزمه حكم هذا القتل ؛ لأنّه وقع قبل عقد الإمامة. وعن الثاني بأنّه أخّر الحدّ ليكون على ثقة من شربه الخمر. وقبل أن يتيقّن قضى نحبه وآل الأمر إلى عليّ علیه السلام .

[6] ومنها : أنّه ( خذلته الصحابة حتّى قتل ، وقال أمير المؤمنين عليّ : « قتله اللّه » ولم يدفن إلى ثلاث ) (2) ، يعني أنّ الصحابة خذلوه وكان يمكنهم الدفع عنه ، فلو لا علمهم باستحقاقه لذلك لما ساغ لهم تأخير نصرته سيّما الخذلان.

وقول عليّ علیه السلام يشعر بأنّ قتله كان بحقّ. وعدم دفنهم إلى ثلاثة أيّام دليل على شدّة غيظهم عليه ، وما ذلك إلاّ لسلوكه طريقة غير مرضيّة.

وأجيب عنه بأنّ حديث خذلان الصحابة ، وتركهم دفنه من غير عذر لو صحّ لكان قدحا فيهم لا فيه ، ونحن لا نظنّ بالمهاجرين والأنصار عموما ولعليّ علیه السلام خصوصا أن يرضوا لقتل مظلوم في دارهم وترك دفن ميّت في جوارهم ، سيّما من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما وعاكفا طول النهار وذاكرا وصائما شرّفه رسول اللّه بابنتيه وبشّره بالجنّة وأثنى عليه ، وكيف يخذلونه وقد كان من زمرتهم وطول العمر في نصرتهم ، وعلموا سابقته في الإسلام وخاتمته إلى دار السّلام ، لكنّه لم يأذن لهم في المحاربة ولم يرض بما حاولوا من المدافعة تجانبا عن إراقة الدماء ورضى بسابق القضاء ، ومع ذلك لم يدع الحسن والحسين علیهماالسلام في الدفع عنه مقدورا.

[7] ومنها : أنه لم يحضر المشاهد الثلاثة ، وإليه أشار بقوله : ( وعابوا عثمان غيبته عن بدر وأحد والبيعة ) (3) ، أي بيعة الرضوان ، وذلك نقص بيّن في حقّه.

ص: 340


1- « الشافي » 4 : 253 ؛ « كشف المراد » : 380 - 381.
2- « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 3 : 62 - 63.
3- « إثبات الهداة » 4 : 367 ، الرقم 367 ؛ « كشف المراد » : 381.

وأجيب بأنّ غيبته كانت بأمر النبيّ صلی اللّه علیه و آله وكفى منقبة أنّه صلی اللّه علیه و آله أقام يده في البيعة مقام يده.

[ في خصائص عليّ علیه السلام ]

( وعليّ علیه السلام أفضل لكثرة جهاده وعظم بلائه في وقائع النبيّ صلی اللّه علیه و آله بأجمعها ولم يبلغ أحد درجته في غزاة بدر ) وهي أوّل حرب امتحن بها المؤمنون لقلّتهم وكثرة المشركين ، فقتل عليّ الوليد بن عتبة ، ثمّ شيبة ، ثمّ ابن ربيعة ، ثمّ العاص بن سعد ، ثمّ سعد بن العاص ، ثمّ حنظلة بن أبي سفيان ، ثمّ طعيمة بن عدي ، ثمّ نوفل بن خويلد ، ولم يزل يقاتل حتّى قتل نصف المشركين ، والباقي من المسلمين وثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين قتلوا النصف الآخر ، ومع ذلك كانت الراية في يد عليّ (1).

وفي غزاة ( أحد ) جمع له رسول اللّه بين اللواء والراية ، وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة ، وكان يسمّى كبش الكتيبة فقتله عليّ فأخذ الراية غيره فقتله عليّ علیه السلام ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد حتّى قتل تسعة نفر ، فانهزم المشركون واشتغل المسلمون بالغنائم ، فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبيّ ، وضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتّى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى عليّ علیه السلام فنظر إليه النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعد إفاقته وقال له : « اكفني هؤلاء » فهزمهم عنه فكان أكثر المقتولين منه (2).

وفي ( يوم الأحزاب ) وقد بالغ في هذا اليوم في قتل المشركين ، وقتل عمرو بن عبد ودّ ، وكان بطل المشركين وطلب البراز مرارا فامتنع عنه المسلمون وعليّ يروم مبارزته والنبيّ صلی اللّه علیه و آله يمنعه من ذلك لينظر صنيع المسلمين فلمّا رأى امتناعهم أذن له وعمّمه بعمامته ودعا له. قال حذيفة : لمّا دعا عمرو إلى المبارزة أحجم المسلمون عنه كافّة ما خلا عليّا علیه السلام فإنّه برز إليه ، فقتله اللّه تعالى على يد

ص: 341


1- « كشف المراد » : 382 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 3 : 143 ؛ « المعجم الكبير » 11 : 311 ، الرقم 12101.
2- « كشف المراد » : 382 ؛ « الإرشاد » للمفيد 1 : 82 ؛ « شرح نهج البلاغة » 15 : 7.

عليّ علیه السلام ، والذي نفس حذيفة بيده لعمله في ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمّد صلی اللّه علیه و آله إلى يوم القيامة ، وكان الفتح في ذلك اليوم على يد عليّ ، وقال النبيّ : لضربة عليّ خير من عبادة الثقلين (1).

( وفي غزاة خيبر ) واشتهار جهاده فيها غير خفيّ وفتح اللّه تعالى على يده ؛ فإنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله حصر حصنهم ستّة عشر يوما ، وكانت الراية بيد عليّ فأصابه رمد فسلّم النبيّ صلی اللّه علیه و آله الراية إلى أبي بكر ، وانصرف مع جماعة فرجعوا منهزمين خائفين ، فدفعها من الغد إلى عمر ففعل مثل ذلك ، فقال : « لأسلمنّ الراية غدا إلى رجل يحبّه اللّه ورسوله ، ويحبّ اللّه ورسوله كرّارا غير فرّار ائتوني بعليّ » فقيل : به رمد ، فتفل في عينيه فدفع الراية إليه فقتل مرحبا ، فانهزم أصحابه وغلقوا الأبواب وفتح عليّ الباب واقتلعه وجعله جسرا على الخندق وعبروا وظفروا ، فلمّا انصرفوا أخذه بيمينه ورماه أذرعا وكان يغلقه عشرون رجلا ، وعجز المسلمون من نقله حتّى نقله سبعون رجلا ، وقال عليّ : « ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانيّة ولكن قلعته بقوّة ربّانيّة » (2).

وفي غزاة ( حنين ) وقد سار النبيّ صلی اللّه علیه و آله في عشرة آلاف من المسلمين فتعجّب أبو بكر من كثرتهم وقال : لن نغلب اليوم لقلّة ، فانهزموا بأجمعهم ولم يبق مع النبيّ صلی اللّه علیه و آله سوى تسعة نفر : عليّ والعبّاس وابنه الفضل ، وأبو سفيان بن الحارث ، ونوفل بن الحارث ، وعبد اللّه بن الزبير ، وعتبة ومصعب ابنا أبي لهب فخرج أبو جزول فقتله عليّ فانهزم المشركون وأقبل النبيّ وسارقوا العدوّ فقتل عليّ أربعين وانهزم الباقون وغنمهم المسلمون (3).

ص: 342


1- « كشف المراد » : 382 - 383 ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 376 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 3 : 159 وما بعدها.
2- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 152 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 176 - 185 ؛ « الأمالي » للصدوق : 415 ، المجلس 77 ، ح 10 ؛ « إثبات الهداة » 4 : 479 ، الرقم 73.
3- « إعلام الورى » 1 : 386 ؛ « كشف المراد » : 383 ؛ « الإرشاد » للمفيد 1 : 140 وما بعدها.

( وغيرها من الوقائع ) (1) المأثورة والغزوات المشهورة التي نقلها أرباب السير.

فيكون عليّ أفضل ؛ لقوله تعالى : ( فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ) (2) ؛ ( ولأنّه أعلم لقوّة حدسه ، وشدّة ملازمته للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ) ؛ لأنّه في صغره كان في حجره وفي كبره كان ختنا له يدخله كلّ وقت ، وكثرة استفادته منه ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان في غاية الحرص على إرشاده.

وقال حين نزل قوله تعالى : ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (3) : « اللّهمّ اجعلها أذن عليّ علیه السلام » ، قال عليّ علیه السلام : « ما نسيت بعد ذلك شيئا » (4) ، وقال : « علّمني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ألف باب من العلم فانفتح لي من كلّ باب ألف باب من العلم » (5).

( ورجعت الصحابة إليه في أكثر الوقائع بعد غلطهم ، وقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « أقضاكم عليّ » (6) فاستند الفضلاء في جميع العلوم إليه ) كالأصول الكلاميّة والفروع الفقهيّة وعلم التفسير وعلم التصوّف وعلم النحو وغيرها ، فإنّ حرفة المشايخ تنتهي إليه وابن العبّاس رئيس المفسّرين تلميذه ، وأبو الأسود الدؤلي دوّن النحو بإرشاده (7).

( وأخبر هو بذلك ) حيث قال : « واللّه لو كسرت إليّ الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، واللّه ما نزلت من آية في برّ أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو

ص: 343


1- كغزوة بني قريظة والحديبيّة ويوم فتح مكّة وغيرها.
2- النساء (4) : 95.
3- الحاقّة (69) : 12.
4- « نور الثقلين » 5 : 402 ، الرقم 10 - 11 ؛ « مجمع البيان » 10 : 107 ؛ « تفسير البرهان » 4 : 376.
5- « الإرشاد » للمفيد 1 : 34 ؛ « إعلام الورى » 1 : 267.
6- « تهذيب الأحكام » 6 : 221 ، ح 521 ؛ « وسائل الشيعة » 27 : 19 ، أبواب صفات القاضي ، ح 9 ؛ « دعائم الإسلام » 1 : 92.
7- « الفصول المختارة » : 91 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 1 : 18 - 20.

أرض أو ليل أو نهار إلاّ أنا أعلم فيمن نزلت؟ وفي أيّ شيء نزلت من آية؟ » (1) وإذا كان أعلم كان أفضل.

( ولقوله تعالى : ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (2) ) ليس المراد به نفسه ؛ لأنّ أحدا لا يدعو نفسه. كما لا يأمر نفسه.

وليس المراد فاطمة والحسن والحسين علیهم السلام ؛ لأنّهم اندرجوا في قوله تعالى : ( أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) (3) فلا بدّ وأن يكون شخصا آخر غير نفسه وغير فاطمة والحسن والحسين علیهم السلام وليس غير عليّ بالإجماع ، فتعيّن أن يكون عليّا.

وبيان دلالته على كونه أفضل الصحابة أنّ دعاءه للمباهلة يدلّ على أنّه في غاية الشفقة والمحبّة لعليّ وإلاّ لقال المنافقون : إنّ الرسول لم يدع للمباهلة من يحبّه ويحذر عليه من العذاب.

( ولكثرة سخائه على غيره ) يدلّ على ذلك ما اشتهر عنه من إيثار المحاويج على نفسه وأهل بيته حتّى جاد بقوته وقوت عياله وبات طاويا هو وإيّاهم ثلاثة أيّام حتّى أنزل اللّه في حقّهم : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (4).

وتصدّق في الصلاة بخاتمه ونزل في شأنه : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (5).

( وكان أزهد الناس بعد النبيّ ) لما تواتر ، وتصدّق مرّة أخرى بجميع ما يملكه وقد كان يملك حينئذ أربعة دراهم لا غير فتصدّق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا ، وإعراضه عن لذّات الدنيا مع اقتداره عليها ؛ لاتّساع أبواب الدنيا عليه ، ولهذا قال : « يا دنيا يا دنيا إليك عنّي أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك هيهات غرّي غيري ،

ص: 344


1- « تفسير فرات الكوفي » 1 : 188 ، الرقم 239 - 21.
2- آل عمران (3) : 61.
3- آل عمران (3) : 61.
4- الإنسان (76) : 8.
5- المائدة (5) : 55.

لا حاجة لي فيك قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير » (1).

وقال : « واللّه فدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم » (2).

وكان أخشن الناس أكلا وشربا ولم يشبع من طعام.

وقال عبد اللّه بن رافع : دخلت يوما فقدّم جرابا مختوما ، فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا ، فأكلنا منه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لم ختمته؟ فقال : « خفت هذين الولدين يلتّانه بزيت أو سمن » (3).

وهذا شيء اختصّ به عليّ علیه السلام ولم يشاركه غيره فيه ولم ينل أحد بعض درجته ، وكان نعلاه من ليف ويرقع قميصه بجلد تارة وبليف أخرى ، وقلّ أن يأتدم ، فإن فعل فبالملح أو الخلّ ، فإن ترقّى فبنبات الأرض ، فإن ترقّى فبلبن. وكان لا يأكل اللحم إلاّ قليلا ويقول : « لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان » (4).

( وأعبدهم ) حتّى روي أنّ جبهته صارت كركبة البعير لطول سجوده ، وكان يحافظ على النوافل ، وكانوا يستخرجون النصول من جسده وقت الصلاة ؛ لالتفاته بالكليّة إلى اللّه تعالى واستغراقه في المناجاة معه (5).

( وأحلمهم ) حتّى ترك عبد الرحمن بن ملجم في دياره وجواره يعطيه العطاء مع علمه بحاله ، وعفا عن مروان حين أخذ يوم الجمل مع شدّة عداوته له ، وقوله فيه : « ستلقى الأمّة منه ومن ولده يوما أحمر » ، وعفا عن سعيد بن العاص وكان عدوّا له غاية العداوة ، ولمّا حارب معاوية سبق أصحاب معاوية إلى الشريعة فمنعوه من

ص: 345


1- « نهج البلاغة » : 666 ، الرقم 77.
2- المصدر السابق : 702 ، الرقم 236 ، قصار الحكم.
3- « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 1 : 148.
4- المصدر السابق 1 : 26.
5- المصدر السابق : 27.

الماء ، فلمّا اشتدّ عطش أصحابه حمل عليهم وفرّقهم وملك الشريعة ، فأراد أصحابه أن يفعلوا ذلك فنهاهم عن ذلك ، وقال : « افسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حدّ السيف ما يغني عن ذلك » (1).

( وأشرفهم خلقا وأطلقهم وجها ) حتّى نسب إلى الدعابة به مع شدّة بأسه وهيبته.

قال صعصعة بن صوحان : كان فينا كأحدنا في لين جانب وشدّة تواضع وسهولة قياد ، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه (2).

( وأقدمهم إيمانا ) يدلّ على ذلك ما روي أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « بعثت يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء ، ولا أقرب من هذه المدّة » (3) ، وقوله صلی اللّه علیه و آله : « أوّلكم إسلاما عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (4).

وما روي عن عليّ أنّه كان يقول : « أنا أوّل من صلّى وأوّل من آمن باللّه ورسوله ، لا يسبقني إلى الصلاة إلاّ نبيّ اللّه » (5) ، وكان قوله مشهورا بين الصحابة ولم ينكر عليه منكر فدلّ على صدقه ، وإذا ثبت أنّه أقدم إيمانا من الصحابة كان أفضل منهم ؛ لقوله تعالى : ( السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (6) وروي أنّه قال علیه السلام على المنبر بمشهد من الصحابة : « أنا الصدّيق الأكبر آمنت قبل إيمان أبي بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم » (7) ، ولم ينكر عليه منكر فيكون أفضل من أبي بكر.

( وأفصحهم لسانا ) على ما يشهد به كتاب نهج البلاغة ، وقال البلغاء : إنّ كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق (8) ، ( وأسدّهم رأيا وأكثرهم حرصا على إقامة

ص: 346


1- المصدر السابق : 22 - 24.
2- المصدر السابق : 25.
3- « كنز الفوائد » : 21.
4- « المستدرك » للنيسابوري 3 : 136.
5- « بحار الأنوار » 38 : 203 و 241 و 257.
6- الواقعة (56) : 10.
7- « الاحتجاج » 2 : 311.
8- راجع « بحار الأنوار » 41 : 145.

حدود اللّه تعالى ) ولم يتساهل في ذلك أصلا ، ولم يلتفت إلى القرابة والمحبّة ( وأحفظهم لكتاب اللّه العزيز ) ؛ فإنّ أكثر أئمّة القراءة كأبي عمرو وعاصم وغيرهما يسندون قراءتهم إليه ، فإنّهم تلامذة أبي عبد الرحمن السلمي ، وهو تلميذ عليّ علیه السلام .

( ولإخباره بالغيب ) وذلك كإخباره بقتل ذي الثدية ، ولمّا لم يجده أصحابه بين القتلى قال : « واللّه ما كذبت » (1) ، فاعتبر القتلى حتّى وجده وشقّ قميصه ووجد على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعر ينجذب كتفه مع جذبها ويرجع مع تركها.

وقال له أصحابه : إنّ أهل النهروان قد عبروا فقال علیه السلام : « لم يعبروا » فأخبروه مرّة ثانية ، فقال : « لم يعبروا » فقال جندب بن عبد اللّه الأزدي في نفسه : إن وجدت القوم قد عبروا كنت أوّل من يقاتله ، قال : فلمّا وصلنا النهر لم نجدهم عبروا فقال : « يا أخا الأزد أتبيّن لك الأمر » (2) ، وذلك يدلّ على اطّلاعه على ما في ضميره.

وأخبر علیه السلام بقتل نفسه في شهر رمضان.

وقيل له : قد مات خالد بن عويطة بوادي القرى ، فقال : « لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن حمّاد » (3) ، فقام رجل من تحت المنبر وقال : واللّه إنّي لك لمحبّ وأنا حبيب ، قال : « إيّاك أن تحملها ولتحملنّها فتدخل لها من هذا الباب » وأومأ إلى باب الفيل ، فلمّا بعث ابن زياد عمر بن سعد إلى الحسين علیه السلام جعل على مقدّمته خالدا وحبيب صاحب رايته ، فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل (4) ، ( واستجابة دعوته ) فإنّه لغاية شهرته غنيّ عن البيان.

( وظهور المعجزات عنه ) وقد أشير إلى ذلك فيما تقدّم.

ص: 347


1- « خصائص الأئمّة » : 61 ؛ « بحار الأنوار » 33 : 390.
2- « بحار الأنوار » 41 : 312.
3- « المناقب » 2 : 270 ؛ نفس المصدر السابق 42 : 162.
4- « بحار الأنوار » 34 : 298.

( واختصاصه بالقرابة والأخوّة ) ؛ فإنّه علیه السلام لمّا آخى بين الصحابة اتّخذ عليّا أخا لنفسه (1).

( ووجوب المحبّة ) ؛ فإنّه علیه السلام كان من أولي القربى ومحبّة أولي القربى واجبة ؛ لقوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (2).

( والنصرة ) لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يدلّ عليه قوله تعالى في حقّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله : ( فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (3). والمراد بصالح المؤمنين عليّ علیه السلام على ما صرّح به المفسّرون (4). والمراد بالمولى هو الناصر.

( ولمواساة الأنبياء ) يدلّ على ذلك قوله صلی اللّه علیه و آله : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب » (5) ، أوجب مساواته للأنبياء في صفاتهم ، والأنبياء أفضل من باقي الصحابة ، فكان عليّ أفضل من باقي الصحابة ؛ لأنّ المساوي للأفضل أفضل.

( وخبر الطائر ) ، أهدي إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله طائر مشويّ فقال : « اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي » (6) ، فجاء عليّ وأكل ، والأحبّ إلى اللّه تعالى أفضل.

( وخبر المنزلة وخبر الغدير ) وقد مرّ ذكرهما ( وغيره ) من الأخبار التي تقدّم ذكر بعضها.

ص: 348


1- « كشف الغمّة » 1 : 326 - 330 ؛ « العمدة » لابن بطريق 1 : 209.
2- النور (24) : 22 ؛ الروم (30) : 38 ؛ الشورى (42) : 23.
3- التحريم (66) : 4.
4- « مجمع البيان » 10 : 59 ؛ « الدرّ المنثور » 8 : 224 ؛ « نور الثقلين » 5 : 370 ؛ « تفسير البرهان » 4 : 353.
5- « الأمالي » للمفيد : 14 ، المجلس 2 ، ح 3 ؛ « الأمالي » للطوسي : 416 - 417 ، المجلس 14 ، ح 938 ؛ « البداية والنهاية » 7 : 357 ؛ « اللآلئ المصنوعة » 1 : 356.
6- « كشف الغمّة » 1 : 150 ؛ « بشارة المصطفى » : 165 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 163 - 176 ، ح 189 - 212 ؛ « العمدة » لابن بطريق : 303 - 313 ؛ « كنز العمّال » 13 : 167 ، الرقم 36507 و 36508.

( ولانتفاء سبق كفره ) فإنّه لم يكفر بل من حين بلوغه كان مسلما مؤمنا بخلاف باقي الصحابة ، فإنّهم كانوا قبل بعثة النبيّ كفرة.

( ولكثرة الانتفاع به ) ، يعني انتفاع المسلمين به أكثر من انتفاعهم بغيره ، يدلّ على ذلك كثرة حروبه وشدّة بلائه وقوّة شوكة الإسلام به.

( وتميّزه بالكمالات النفسانيّة ) كالعلم والشجاعة والسخاوة وحسن الخلق ( والبدنيّة ) كمزيد القوّة وشدّة البأس ( والخارجيّة ) من كونه ابن عمّ رسول اللّه وزوج البتول وأبا السبطين إلى غير ذلك.

وأجيب بأنّه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتّصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات ، إلاّ أنّه لا يدلّ على الأفضليّة ، بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند اللّه تعالى ، بعد ما ثبت من الاتّفاق الجاري مجرى الإجماع على أفضليّة أبي بكر ثمّ عمر ، ودلالة الكتاب والسنّة والآثار والأمارات على ذلك.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) (1) على أنّها نزلت في أبي بكر ؛ لأنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله عنده نعمة تجزى وهي نعمة التربية.

وأمّا السنّة : فقوله صلی اللّه علیه و آله : « اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر » ، (2) ودخل في الخطاب عليّ علیه السلام فيكون مأمورا بالاقتداء ، ولا يؤمر الأفضل والمساوي بالاقتداء سيّما عند البيعة.

وقوله علیه السلام : « لو كنت متّخذا خليلا دون ربّي لاتّخذت أبا بكر خليلا ، لكن هو شريكي في ديني وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار وخليفتي في أمّتي » (3).

وقوله صلی اللّه علیه و آله : « وأين مثل أبي بكر كذّبني الناس وصدّقني وآمن بي ، وزوّجني ابنته

ص: 349


1- الليل (92) : 17 - 19.
2- « مسند أحمد » 9 : 74 ، ح 23305 ؛ « مجمع الزوائد » 9 : 40 ، ح 14356.
3- « صحيح البخاري » 3 : 1338 ، ح 3456 - 3458 ؛ « لقط اللآلئ » : 51.

وجهّزني بماله وواساني بنفسه ، وجاهد معي ساعة الخوف » (1).

وقوله لأبي الدرداء حين كان يمشي أمام أبي بكر : « أتمشي أمام من هو خير منك واللّه ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيّين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر » (2).

ومثل هذا الكلام وإن كان ظاهره نفي أفضليّة الغير ، لكن إنّما يساق لإثبات أفضليّة المذكور ؛ ولهذا أفاد أنّ أبا بكر أفضل من أبي الدرداء.

والسرّ في ذلك أنّ الغالب من حال كلّ اثنين هو التفاضل دون التساوي ، فإذا نفيت أفضليّة أحدهما ثبتت أفضليّة الآخر.

وعن عمرو بن العاص قال : قلت لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال : « عائشة » قلت : من الرجال؟ قال : « أبوها » قلت : ثمّ من؟ قال : « عمر » (3).

وقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « لو كان بعدي نبيّ لكان عمر » (4).

وعن عبد اللّه بن حنطب أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله رأى أبا بكر وعمر فقال : « هذان السمع والبصر » (5).

وأمّا الأثر : فعن ابن عمر كنّا نقول - ورسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حيّ - : أفضل أمّة النبيّ بعده أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان.

وعن محمّد بن الحنفيّة قلت لأبي : أيّ الناس أفضل بعد النبيّ؟ قال : « أبو بكر » ، قلت : ثمّ من؟ قال : « عمر » ، وخشيت أن أقول : من؟ فيقول : عثمان ، قلت : ثمّ أنت؟

قال : « ما أنا إلاّ رجل من المسلمين » (6).

ص: 350


1- « الموضوعات » 1 : 317.
2- « كنز العمّال » 11 : 556 ، ح 32622.
3- « صحيح البخاري » 3 : 1339 ، ح 3462 ، « صحيح مسلم » 4 : 1856 ، ح 1384.
4- « المعجم الكبير » 17 : 310 ، ح 857 ؛ « كنز العمّال » 11 : 578 ، ح 32745.
5- « كنز العمّال » 11 : 562 ، ح 32653.
6- « صحيح البخاري » 3 : 1342 ، ح 3468.

وعن عليّ علیه السلام : « خير الناس بعد النبيّين أبو بكر ثمّ عمر ثمّ اللّه أعلم » (1).

وعنه علیه السلام لمّا قيل له : أما توصي؟ « ما أوصى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حتّى أوصي ، ولكن إن أراد اللّه بالناس خيرا جمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيّهم على خيرهم » (2).

وأمّا الأمارات : فما تواتر في أيّام أبي بكر من اجتماع الكلمة وتألّف القلوب وتتابع الفتوح وقهر أهل الردّة وتطهير جزيرة العرب عن الشرك وإجلاء الروم عن الشام وأطرافها وطرد فارس عن حدود السواد وأطراف العراق مع قوّتهم وشوكتهم ووفور أموالهم وانتظام أحوالهم.

وفي أيّام عمر من فتح جانب المشرق إلى أقصى خراسان وقطع دولة العجم وثلّ عرشهم الراسبي البنيان الثابت الأركان ، ومن ترتيب الأمور وسياسة الجمهور وإفاضة العدل وتقوية الضعفاء ، ومن إعراضه عن متاع الدنيا وطيّباتها وملاذّها وشهواتها.

وفي أيّام عثمان من فتح البلاد وإعلاء لواء الإسلام وجمع الناس على مصحف واحد ، مع ما كان له من الورع وتجهيز جيوش المسلمين والاتّفاق في نصرة الدين والمهاجرة هجرتين وكونه ختنا للنبيّ صلی اللّه علیه و آله على ابنتين والاستحياء من أدنى شين ، ولشرفه بقوله عليه الصلاة والسّلام : « عثمان رفيقي في الجنّة » (3) وقوله صلی اللّه علیه و آله : « إنّه يدخل الجنّة بغير حساب (4) » (5).

[ ذكر بعض الأدلة على إمامة عليّ علیه السلام ]

اعلم أنّ العلاّمة رحمه اللّه قد ذكر في الألفين ألف دليل على إمامة سيّد الوصيّين

ص: 351


1- « سنن ابن ماجة » 1 : 39 ، ح 106.
2- ذكره القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 379.
3- « كنز العمّال » 11 : 587 ، الرقم 32808 و 32855 - 32857.
4- انظر « الرياض النضرة في مناقب العشرة » 3 : 34.
5- انتهى ما نقله المصنّف عن الشارح القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : 367 - 380.

عليّ بن أبي طالب علیه السلام أمير المؤمنين ، وألف دليل على إبطال شبه الطاعنين فينبغي ذكر أدلّة متينة منها لتحصل زيادة اطمئنان وبصيرة فيها فأقول :

[1] من جملة تلك الأدلّة : أنّ الإمامة عندنا من جملة ما هو أعظم أركان الدين ، وأنّ الإيمان لا يثبت بدونها ، وعندهم أنّها ليست من أركان الدين بل من فروع الدين ، لكنّها من المسائل الجليلة والمطالب العظيمة ؛ فكيف يجوز استناد مثل هذا الحكم إلى اختيار المكلّف وإرادته ، ولو جاز ذلك فجاز فيما هو أدون منه من أحكام الفروع.

[2] ومنها : أنّ اللّه تعالى في غاية الرحمة والشفقة على الخلق ، فكيف يهمل تعالى أمر نصب الرئيس مع شدّة الحاجة إليه ووقوع النزاع العظيم من تركه أو مع استناده إلى اختيار المكلّفين ، فإنّ كلّ واحد منهم يختار رئيسا ، وذلك فتح باب عظيم للفساد ، ومناف للحكمة الإلهيّة؟! تعالى اللّه من ذلك.

[3] ومنها : أنّ اللّه تعالى قد بيّن جميع الأحكام الشرعيّة أجلّها وأدونها ، حتّى بيّن تعالى كيفيّات الأكل والشرب وأحكام دخول الخلاء والخروج منه والعلامات الجليلة والحقيرة ، فكيف يهمل مثل هذا الأصل العظيم ، ويجعل أمره إلى اختيار المكلّفين مع علمه تعالى بتباين آرائهم وتنافر طباعهم؟!

[4] ومنها : أنّ القول باستناد الإمامة إلى الاختيار مناقض للغرض ومناف للحكمة ، والقصد من نصب الإمام امتثال الخلق لأوامره ونواهيه والانقياد إلى طاعته وسكون نائرة الفتن وإزالة الهرج والمرج ، وإبطال التغلّب والمقاهرة ، وإنّما يتمّ هذا الغرض ويكمل المقصود لو كان الناصب للإمام غير المكلّفين ؛ لأنّه لو استند إليهم الاختيار لاختار كلّ منهم من يميل طبعه إليه ، وفي ذلك ثوران لفتن عظيمة ووقوع هرج ومرج بين الناس ، فيكون نصب الإمام مناقضا للغرض من نصبه ، وهو باطل.

[5] ومنها : أنّ وجوب طاعة الإمام حكم عظيم من أحكام الدين ، فلو جاز استناده إلى المكلّفين لجاز استناد جميع الأحكام إليهم ، وذلك يستلزم الاستغناء من

ص: 352

بعثة الأنبياء ؛ لأنّهم إنّما بعثوا كبعث الأحكام ، فإذا كان أصلها مستغنى عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان غيره أولى.

[6] ومنها : أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما فيجب أن يثبت التعيين بالنصّ لا بالاختيار ؛ لخفاء العصمة عنّا ، لأنّها من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى.

[7] ومنها : أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل أهل زمانه دينا وورعا وعلما وسياسة ، فلو ولّينا أحدنا باختيارنا لم نأمن أن يكون باطنه كافرا أو فاسقا ، فيخفى علينا أمر علمه والمقايسة بينه وبين غيره في الكمالات ، وإذا جهلنا الشرط كيف يصحّ أن يناط هذا الأمر ويستند إلى اختيارنا.

[8] ومنها : أنّ الإمام كما أنّه لطف باعتبار أنّ الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد من التنازع والهرج والمرج ، وكان ذلك علّة في وجوب نصبه كذلك كونه منصوصا عليه معيّنا من عند اللّه ، فإنّ الناس مع الإمام المنصوص عليه من قبل اللّه تعالى أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الهرج والمرج ممّا إذا كان تعيينه مستندا إلى اختيار المكلّفين ومفوّضا إلى تعيين العامّة ، فإنّه لا فساد أعظم من ذلك ولا اختلاف أشدّ منه ، فيكون تعيينه من قبل اللّه تعالى واجبا ، كما وجب أصل تعيينه.

وإنكار كون الناس أقرب إلى الصلاح مع التنصيص على الإمام وبعدهم مع التفويض إلى الاختيار مكابرة محضة وإنكار للضرورة ؛ فإنّ كلّ عاقل يجزم بذلك ، ويحكم بأنّ المنكر معاند جاحد.

[9] ومنها : أنّ الصفات المشترطة في الإمام خفيّة لا يمكن الاطّلاع للبشر كالإسلام والعدالة والعفّة والشجاعة وغيرها من الكيفيّات النفسيّة ، فلو كان نصبه منوطا باختيار العامّ لكان إمّا أن يشترط العلم بحصولها في المنصوب بالاختيار ، وهو تكليف ما لا يطاق أو يشترط الظنّ وقد نهي من اتّباعه في الآيات ، وتجويزه في بعض المواضع لا يخرجه عن الحجيّة في غير محلّ التخصيص.

[10] ومنها : أنّه لو ثبت الإمام بالاختيار لكان لمن أثبتها باختياره أن يبطلها

ص: 353

ويزيلها باختياره ، كما في الأمير والقاضي ، والتالي باطل والمقدّم مثله. وتوهّم كونه كوليّ المرأة في أنّه يملك التزويج دون الطلاق فاسد ؛ فإنّ الشارع جعل لإزالة قيد النكاح سببا مخصوصا غير منوط باختيار العامّة لمصلحتهم.

[11] ومنها : أنّ الإمام خليفة اللّه والرسول ، فلو ثبتت إمامته بالاختيار ، لما كان خليفة لهما ؛ لأنّهما لم يستخلفا ولم ينصّا عليه وعدم كفاية التفويض إلى اختيارنا في الاستناد إليه تعالى كما في الأحكام الفرعية.

[12] ومنها : أنّه قد أوجب اللّه تعالى الوصيّة كما في كتابه وحثّ عليها رسول اللّه ، حتّى قال : « من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهليّة » (1) ، فكيف يليق أن ينسب النبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى ترك هذا الواجب المجمع على وجوبه المنصوص في القرآن والمتواتر عليها من الأخبار؟ فكيف يوجب على الأمّة ثمّ يتركه من غير نسخ ولا إبطال؟ ولو نسب الكفّار إلى نبيّنا صلی اللّه علیه و آله شيئا لم ينسبوا بأعظم من ذلك ، وإذا امتنع منه أن يترك الوصيّة بطل القول بالاختيار مع أنّ الوصيّة في الدين أعظم من الوصيّة في الأمور الدنيويّة فكيف يتصوّر من النبيّ صلی اللّه علیه و آله الذي هو مبدأ الخير ومنبع الدين ومعلّمه والمرشد إليه والدالّ عليه أن يهملها ويجعلها منوطة بمن يتلاعب بها ويوصلها إلى غير مستحقّها؟ فيجب أن يوصي النبيّ صلی اللّه علیه و آله كما وصّى إبراهيم لبنيه وكذلك يعقوب.

[13] ومنها : أنه لو وجب لغير الإمام نصبه لوجب أن يكون أعلم منه ، من جهة العلم بعلمه وفضله ، وأنّه أفضل من الآخر من غير واسطة وإخبار غيره ، فيكون أولى منه.

[14] ومنها : أنّه لو وجب نصب الرعيّة على أهل جميع البلاد المتباعدة والأصقاع المتعدّدة يلزم الهرج والمرج وإثارة الفتن وانتشار التنازع بين الرؤساء لو اختار أهل كلّ بلد رئيسا أو الإخلال بالواجب لو ترك الكلّ أو البعض ، ولو وجب على أهل

ص: 354


1- « وسائل الشيعة » 19 : 259 ، ح 8 ؛ « المقنعة » : 666 ، باب الوصيّة.

بعض البلاد يلزم الترجيح بلا مرجّح واللوازم باطلة ، فالمقدّم أيضا باطل ، فيجب على اللّه تعالى.

[15] ومنها : أنّ الإجماع واقع على أنّ قوله تعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) (1) ، ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (2) ، وغيرهما من الآيات مطلقة غير مقيّدة ، فالخطاب إمّا للأمّة أو للإمام ، والأوّل باطل ، للإجماع على أنّ الحدود لا يتولاّها إلاّ الإمام أو من أذن له الإمام ، وأنّه ليس للأمّة أن يأمر الجلاّد بالقطع من دون أن يتولّى ذلك الأمر الإمام. والحمل على وجوب نصب الأئمّة على الأمّة إخراج الكلام عن حقيقته من غير ضرورة ولا دلالة.

[16] ومنها : أنّ الإنسان مدني بالطبع لا يمكن أن يعيش منفردا ؛ لافتقاره في بقائه إلى مأكل وملبس ومسكن لا يمكن أن يفعلها بنفسه بل يفتقر إلى مساعدة غيره ، بحيث يفرغ كلّ منهم لما يحتاج إليه صاحبه حتّى يتمّ نظام النوع ، ولمّا كان الاجتماع في مظنّة التغالب والتناوش فإنّ كلّ واحد من الأشخاص قد يحتاج إلى ما في يد غيره ، فتدعوه قوّته الشهويّة إلى أخذه وقهره عليه وظلمه فيه فيؤدّي ذلك إلى وقوع الهرج والمرج وإثارة الفتن ، فلا بدّ من نصب إمام معصوم يصدّهم عن الظلم والتعدّي ، ويمنعهم من التغلّب والقهر ، وينتصف للمظلوم من الظالم ، ويوصل الحقّ إلى مستحقّه لا يجوز عليه الخطأ ولا السهو ولا المعصية ، وإلاّ لم يتمّ النظام.

[17] ومنها : أنّ اللّه تعالى قادر على نصب الإمام المعصوم ، والحاجة داعية إليه ، ولا مفسدة فيه ، والكلّ ظاهر فيجب نصبه.

[18] ومنها : أنّه لو كان الإمام غير معصوم لزم تخلّف المعلول عن علّته التامّة ، لكنّ التالي باطل ، فالمقدّم مثله.

ص: 355


1- المائدة (5) : 38.
2- النور (24) : 2.

بيان الملازمة : أنّ تجويز الخطإ على المكلّف موجب لإيجاب كونه مرءوسا لإمام من غير احتياج إليه.

[19] ومنها : أنّه اختلفت الأمّة في مسائل ليست في كتاب اللّه ولا السنّة المتواترة والإجماع عليها ، والقياس ليس بحجّة ؛ لما بيّن في الأصول ، وأخبار الآحاد لا تصلح للإفادة الشرعيّة ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (1) ، فلا بدّ من معصوم يعرف الحقّ والباطل ، وذلك هو الإمام.

[20] ومنها : أنّ القرآن إنّما أنزل ليعلم ويعمل به ، وهو مشتمل على ألفاظ مشتركة مجملة وآيات متشابهة ومتعارفة ، وقد وقع الاختلاف فيها بين المفسّرين ، فلا بدّ من عالم معصوم يبيّن الحقّ من الباطل ، ويعتمد عليه وهو الإمام.

[21] ومنها : قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (2) ، وكلّ من أمر اللّه بطاعته فهو معصوم ؛ لاستحالة إيجاب طاعة غير المعصوم مطلقا ؛ لأنّه قبيح عقلا.

[22] ومنها : قوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ... ) (3) ، فإنّ طريق غير المعصوم قد يكون غير الصراط المستقيم ، فلا بدّ من المعصوم في كلّ زمان ؛ إذ لا يختصّ هذا الدعاء لقوم دون قوم.

[23] ومنها : قوله تعالى ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) (4) ؛ إذ كلّ من صدر منه ذنب في وقت ما كان للشيطان عليه سلطان في الجملة ، وهو ينافي قوله تعالى : ( لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) (5) بمقتضى النكرة المنفيّة ، ويدلّ هذا على عصمة قوم من

ص: 356


1- النجم (53) : 28.
2- النساء (4) : 59.
3- الفاتحة (1) : 6.
4- الحجر (15) : 42.
5- الإسراء (17) : 65.

ابتداء وجودهم إلى آخر عمرهم من الصغائر والكبائر عمدا وسهوا وتأويلا ، وكلّ من أثبت ذلك أثبت عصمة الإمام ؛ إذ كلّ من قال بعصمة الأنبياء قال بعصمة الإمام ، فالفرق خرق للإجماع المركّب.

[24] ومنها : قوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) ؛ فإنّ غير المعصوم لا يهدي إلاّ أن يهدى ، وقد لا يهدي مع أنّه يهدى فلا يجوز اتّباعه.

[25] ومنها : قوله تعالى : ( الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) (2) ؛ إذ نفي الريب من جميع الوجوه وفي جميع الأزمنة لا يكون إلاّ بوجود معصوم مبيّن لمعانيه ، وذلك هو الإمام.

[26] ومنها : قوله تعالى : ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (3).

وجه الاستدلال أنّه تعالى وصفهم بالعدالة المطلقة لأجل الشهادة على الناس ، ولا بدّ أن يكون الشاهد منزّها عن مخالفة الرسول في شيء أصلا حتّى يكون للمشهود عليه لمخالفته حجّة عليه ، ولا يكون كذلك إلاّ المعصوم.

[27] ومنها : أنّ غير المعصوم إمّا أن يكفي في تقريب نفسه من الطاعة وتبعيده عن المعصية أو لا يكفي ، فإن كان الأوّل استغنى عن الإمام مطلقا ولم يحتجّ إلى إمام ، وإن كان الثاني فإذا لم يكف في تقريب نفسه فالأولى أن يكفي في تقريب غيره ، ولا يصلح.

[28] ومنها : أنّ الجزم بالنجاة يحصل باتّباع الإمام المعصوم لا غيره.

[29] ومنها : قوله تعالى : ( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ) (4) ؛ فإنّ الأمر بالمقاتلة

ص: 357


1- يونس (10) : 35.
2- البقرة (2) : 1 - 2.
3- البقرة (2) : 143.
4- البقرة (2) : 190.

يقتضي وجود رئيس معصوم ؛ لئلاّ يتحقّق سفك الدماء وإتلاف الأموال بغير حقّ.

[30] منها : قوله تعالى : ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) (1) ؛ لدلالته على أنّ مقامه تعالى في كلّ الأوقات إخراج المؤمنين من كلّ ظلمة إلى النور ، بقرينة الجمع المعرّف باللام ، فيدلّ على ثبوت المعصوم في كلّ عصر ، فيستحيل أن يكون الإمام غيره مع أنّ مقتضى رحمته تعالى جعل طريق يوصل إليه ، وليس إلاّ بوجود المعصوم في كلّ عصر.

[31] ومنها : قوله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) (2) ؛ لدلالته على مطلوبيّة الاستباق إلى جميع الخيرات ، وذلك موقوف على معرفتها ، وذلك موقوف على معرفة الخطاب الإلهي ولا يحصل إلاّ من المعصوم.

[32] ومنها : قوله تعالى : ( وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) - إلى قوله تعالى - : ( وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) (3) ؛ فإنّ نصب الإمام نعمة جميع النعم مستحقرة عندها ، فلو لم ينصب الإمام لم يكن قد أتمّ النعم مع أنّ العلّة في بعث الرسل التقريب إلى الطاعة والتبعيد عن المعصية والهداية إلى ما لم يعلم ، وهذا الداعي موجود بالنسبة إلى الإمام مع القدرة عليه ، فيدلّ العقل على وجود الإمام المعصوم في كلّ زمان ، ويطابقه قوله تعالى : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ ) (4) ؛ لدلالته على أنّ المراد من إنزال الكتب الهداية الموقوفة على المعرفة الموقوفة على وجود الإمام المعصوم.

ص: 358


1- البقرة (2) : 257.
2- المائدة (5) : 48.
3- البقرة (2) : 150 - 151.
4- آل عمران (3) : 3 - 4.

[33] ومنها : قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) - إلى قوله تعالى - : ( وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (1) ؛ فإنّ دفع الذين في قلوبهم زيغ ويتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ، وردعهم عن ذلك يستلزم ثبوت المعصوم ؛ لأنّ غيره لا ترجيح لقول بعضهم على بعض فكلّ منهم يدّعي ما يخالف غيره ، وذلك هو الفتنة.

[34] ومنها : قوله علیه السلام : « لا تجتمع أمّتي على الخطاء » (2) ؛ لدلالته بمقتضى كون لام التعريف لتعريف الجنس على عدم اجتماع الأمّة على جنس الخطإ وماهيّته من حيث هي هي فيدلّ على وجود المعصوم في كلّ عصر ؛ إذ لم يكن منهم معصوم من أوّل عمره إلى آخره لجاز في زمان عدم المعصوم فعل كلّ واحد نوعا من الخطإ مغايرا لما يفعله الآخر ، فيكونوا قد اجتمعوا على جنس الخطإ ، لكنّه منفيّ بالخبر ، فدلّ على ثبوت معصوم بينهم من أوّل عمره إلى آخره في كلّ عصر فثبت مطلوبنا ؛ لاستحالة كون الإمام غيره.

[35] ومنها : قوله تعالى : ( وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ) (3) ؛ فإنّ معرفة جميع الصالحات ليست إلاّ للمعصوم ، فيجب في كلّ عصر لعموم كلّ عصر من جهة حذف المتعلّق. ومثله سورة والعصر.

[36] ومنها : قوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (4) ؛ فإنّ الأمر بكلّ معروف والنهي عن كلّ منكر لا يكون إلاّ من المعصوم ، ونحوه آيات أخر أمثالها.

ص: 359


1- آل عمران (3) : 7.
2- « كشف الخفاء » 2 : 470 ، ح 2999 ؛ « سنن ابن ماجة » 2 : 1303 ، ح 3950 باب السواد الأعظم ؛ « الشافي » 1 : 236 ؛ « المقاصد الحسنة » : 454 - 455 ، ح 1288.
3- آل عمران (3) : 57.
4- آل عمران (3) : 104.

[37] ومنها : قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) (1) ؛ فإنّ حقّ تقاته لا يمكن إلاّ بالعلم اليقيني بالأحكام ، وذلك لا يكون إلاّ من المعصوم.

[38] ومنها : قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (2) ؛ فإنّ الاعتصام بحبل اللّه يقينا بامتثال أوامر اللّه اليقينيّة والامتناع من مناهيه الواقعيّة ، وعدم الافتراق في الحقّ ، لا يكون إلاّ بوجود معصوم في كلّ عصر يحملهم على الاجتماع.

[39] ومنها : قوله تعالى : ( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (3) ؛ فإنّ ذلك لا يعلم إلاّ من المعصوم.

[40] ومنها : قوله تعالى : ( وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (4) ؛ فإنّه يدلّ على ثبوت المعصوم ؛ فإنّ غيره ظالم.

[41] ومنها : قوله تعالى : ( يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) (5) ؛ فإنّ نصب الإمام من أعظم الأمور ، فيكون مستندا إلى اللّه.

[42] ومنها : أنّ اللطف - الذي هو مقرّب إلى الطاعة ومبعّد عن المعصية الذي هو الشرط في التكليف - إنّما هو عصمة الإمام ، فهي واجبة بالقصد الأوّل.

[43] ومنها : أنّ الإمامة إنّما وجبت لرفع المفسدة التي يمكن حصولها من خطإ المكلّف وتحصيل المصلحة الناشئة من فعله ؛ إذ لو لم يجز الخطأ علي شيء من المكلّفين لم تجب الإمامة ، فلو لم يكن الإمام معصوما مع وجود الإمامة لم تحصل العلّة الدافعة لتلك المفسدة والمحصّلة للمصلحة مع زيادة مفسدة فيها ، وهو جواز

ص: 360


1- آل عمران (3) : 102.
2- آل عمران (3) : 103.
3- آل عمران (3) : 133.
4- آل عمران (3) : 140.
5- آل عمران (3) : 154.

خطئه وحمله المكلّف على الخطإ والمفسدة الممكنة في إهمالها ممكنة في إعمالها حينئذ مع زيادة مفسدة.

[44] ومنها : أنّ الغاية من خلق الإنسان حصول الكمال في القوّة العلميّة والعمليّة وأقوى المراتب في القوّة العلميّة هو العقل المستفاد ، وفي العمليّة الامتناع عن القبيح وفعل الأفضل وتكميل النفس ، وذلك لا يحصل إلاّ بالمعصوم.

[45] ومنها : أنّه لو لم يكن الإمام معصوما أمكن أن يكون مقرّبا إلى المعصية ومبعّدا عن الطاعة ، فيكون نصبه مفسدة حين وجوب نصبه.

[46] ومنها : أنّ الإمام مظهر للأحكام وحافظ لها ، فيجب أن يكون معصوما.

[47] ومنها : أنّ الإمام لإتمام التكليف ، فيجب أن يكون معصوما.

[48] ومنها : أنّ الإمام واسطة بين اللّه وبين الأمّة بعد النبيّ ، فيجب أن يكون أكمل من الكلّ فيما هو واسطة فيه ، فيجب أن يكون معصوما.

[49] ومنها : أنّ الإمام مقتدى الكلّ ، فيجب عليهم الاقتداء به ومتابعته في أقواله وأفعاله جميعها ، فلا بدّ أن يكون أعقل وأكمل من الكلّ ، فيجب أن يكون معصوما.

[50] ومنها : أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح ، فيجب أن يكون الإمام في الكمال الأقصى ، فهو معصوم.

[51] ومنها : قوله تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (1) ؛ فإنّ الهداية لمن كان بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله تحتاج إلى العلم بجميع ما جاء به النبيّ في كلّ واقعة ، فإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا ، وأن يكون عاملا بها ، وأن يكون مصيبا فيها ؛ ليكون المكلّف جازما مطمئنّا في اتّباعه وإطاعته.

[52] ومنها : أنّ الإمام حجّة على كلّ مكلّف في كلّ حكم ، فلا يصدر منه ذنب ؛ لاستحالة جعل المذنب حجّة.

ص: 361


1- الرعد (13) : 7.

إلى غير ذلك من الأدلّة التي في بعضها المناقشة.

فصل [4] : في إثبات إمامة مولانا أمير المؤمنين علیه السلام بطريق المعجزة
اشارة

وفيه أوّلا : بيان معجزة ذكرت في الاحتجاج. وفيه عن أبي محمّد العسكري علیه السلام عن زين العابدين علیه السلام أنّه قال : « كان أمير المؤمنين علیه السلام قاعدا ذات يوم فأقبل عليه رجل من اليونانيّين المدّعين للفلسفة والطبّ قال له : يا أبا الحسن ، بلغني خبر صاحبك محمّد صلی اللّه علیه و آله وأنّ به جنونا فجئت لأعالجه ، فلحقته قد مضى لحال سبيله وفاتني ما أردت من ذلك ، وقد قيل لي : إنّك ابن عمّه وصهره ، وأرى بك صفارا قد علاك ، وساقين دقيقين وما أراهما تقلاّنك ، فأمّا الصفار فعندي دواؤه. وأمّا الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما ، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلّله ولا تكثّره ، وفيما تحمله على ظهرك وتحضنه بصدرك أن تقلّلهما ولا تكثّرهما ، فإنّ ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما. فأمّا الصفار فدواؤه عندي وهو هذا ، وأخرج دواء وقال : هذا لا يؤذيك ولا يخيبك ، ولكنّه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا ، ثمّ يزيل صفارك.

فقال له عليّ بن أبي طالب علیه السلام : قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري ، وهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضرّه؟ فقال الرجل : بلى حبّة من هذا ، وأشار إلى دواء معه وقال : إن تناوله الإنسان وبه صفار أماته من ساعته ، وإن كان لا صفار به صار به صفار حتّى يموت في يومه.

فقال له عليّ علیه السلام : فأرني هذا الضارّ ، فأعطاه إيّاه ، فقال له : كم قدر هذا؟ فقال : قدر مثقالين سمّ ناقع قدر حبّة منه تقتل رجلا فتناوله عليّ علیه السلام فقمحه وعرق عرقا خفيفا وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه : الآن أوخذ بابن أبي طالب علیه السلام ، ويقال : لي : قتلته ، ولا يقبل منّي قولي : إنّه هو الجاني على نفسه فتبسّم عليّ علیه السلام وقال : يا عبد اللّه ، أصحّ ما كنت بدنا الآن لا يضرّني ما زعمت أنّه سمّ ، ثمّ قال : فغمّض عينيك ، فغمّض ،

ص: 362

ثمّ قال : افتح ، ففتح عينيه ، ونظر إلى وجه عليّ علیه السلام وقال : أين الصفار الذي زعمت أنّه بي ، فقال : واللّه لكأنّك لست من رأيت قبل كنت مصفارا فأنت الآن مورّد.

فقال عليّ علیه السلام : فزال عنّي الصفار لسمّك الذي تزعم أنّه قاتلي ، وأمّا ساقاي هاتان - ومدّ رجليه وكشف عن ساقيه - فإنّك إن زعمت أنّي أحتاج إلى أن أرفق بيدي في حمل ما أحمل ما عليه لئلاّ ينقصف الساقان وإنّي أريك أنّ طبّ اللّه عزّ وجلّ خلاف طبّك ، وضرب بيده إلى أسطوانة خشب عظيمة على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه وفوقه حجرتان إحداهما فوق الأخرى وحرّكها فاحتملها فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان ، فغشي على اليونانيّ.

فقال أمير المؤمنين علیه السلام صبّوا عليه. فصبّوا عليه ماء ، فأفاق وهو يقول : واللّه ما رأيت كاليوم ، فقال له عليّ : هذا قوّة الساقين الدقيقين واحتمالهما أفي طبّك هذا يا يونانيّ؟ فقال اليونانيّ : أمثلك كان محمّد صلی اللّه علیه و آله ؟ فقال عليّ علیه السلام : وهل علمي إلاّ من علمه وعقلي إلاّ من عقله وقوّتي إلاّ من قوّته ، ولقد أتاه ثقفي كان أطبّ العرب فقال : إن كان بك جنون داويتك ، فقال له محمّد صلی اللّه علیه و آله أتحبّ أن أقرئك آية تعلم بها غناي عن طبّك وحاجتك إلى طبّي؟ قال : نعم ، قال : أي آية تريد؟ قال : تدعو ذلك العذق وأشار إلى نخلة سحوق فدعاها فانقلع أصلها من الأرض وهي تخدّ الأرض خدّا حتّى وقفت بين يديه فقال له : أكفاك؟ قال : لا ، قال : فتريد ما ذا؟ قال : تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت منه ، وتستقرّ في مكانها الذي انقلعت منه فأمرها فرجعت واستقرّت في مقرّها.

قال اليونانيّ لأمير المؤمنين علیه السلام : هذا الذي تذكره لمحمّد غائب عنّي وأنا أقتصر منك على أقلّ من ذلك أنا أتباعد عنك فادعني وأنا أختار الاجابة ، فإن جئت إليك فهي آية.

قال أمير المؤمنين علیه السلام : هذا إنّما يكون آية لك وحدك ؛ لأنّك تعلم في نفسك أنّك لم ترده وأنّي أزلت اختيارك من غير أن باشرت منّي شيئا أو ممّن أمرته أن يباشرك أو ممّن

ص: 363

قصد إلى اختيارك وإن لم آمره إلاّ ما يكون من قدرة اللّه القاهر ، وأنت يا يونانيّ ، يمكنك أن تدّعي ويمكن غيرك أن يقول : إنّي واطأتك على ذلك فاقترح إن كنت مقترحا وهو آية لجميع العالمين ، قال له اليونانيّ : إن جعلت الاقتراح إليّ فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرّقها وتباعد ما بينها ثمّ تجمعها وتعيدها كما كانت.

فقال عليّ علیه السلام : هذه آية وأنت رسولي إليها - يعني إلى النخلة - فقل لها : إنّ وصيّ محمّد صلی اللّه علیه و آله رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يأمر أجزاءك أن تتفرّق وتتباعد ، فذهب وقال لها ذلك فتفاصلت وتهافتت وتناثرت وتصاغرت أجزاؤها حتّى لم ير لها عين ولا أثر ، حتّى كأن لم تكن هناك نخلة قطّ.

فارتعدت فرائص اليونانيّ وقال : يا وصيّ محمّد ، قد أعطيتني اقتراحي الأوّل فأعطني الآخر. فأمرها أن تجتمع وتعود كما كانت ، فقال علیه السلام : أنت رسولي إليها فعد فقل لها : يا أجزاء النخلة إنّ وصيّ محمّد صلی اللّه علیه و آله يأمرك أن تجتمعي كما كنت وأن تعودي ، فنادى اليونانيّ فقال ذلك ، فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور ، ثمّ جعلت تجتمع جزء جزء منها حتّى تصوّر لها القضبان والأوراق وأصول السعف وشماريخ الأعذاق ، ثمّ تألّفت وتجمّعت واستطالت وعرضت واستقرّ أصلها في مستقرّها وتمكّن عليها ساقها وتركّب على الساق قضبانها وعلى القضبان أوراقها وفي أمكنتها أعذاقها ، وكانت في الابتداء شماريخها متجرّدة لبعدها من أوان الرطب والبسر والخلال ، فقال اليونانيّ : وأخرى أحبّها أن تخرج شماريخها خلالها وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وترطيب وبلوغ إناه لتأكل وتطعمني ومن حضرك منها.

فقال عليّ علیه السلام : وأنت رسولي إليها بذلك فمرها به ، فقال لها اليونانيّ ما أمره أمير المؤمنين علیه السلام فأخلت وأبسرت وأبصرت واصفرّت واحمرّت وترطّبت وثقلت أعذاقها برطبها ، فقال اليونانيّ : وأخرى أحبّها تقرب من يدي أعذاقها أو تطول يدي لتنالها وأحبّ شيء إليّ أن تنزل إلي إحداهما وتطول يدي إلى الأخرى التي هي أختها ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : مدّ اليد التي تريد أن تناولها وقل : يا مقرّب البعيد

ص: 364

قرّب يدي منها واقبض الأخرى التي تريد أن تنزل العذق إليها وقل : يا مسهّل العسير سهّل لي تناول ما يبعد عنّي منها ، ففعل ذلك وقاله فطالت يمناه فوصلت إلى العذق وانحطّت الأعذاق الأخر فسقطت على الأرض وقد طالت عراجينها.

ثمّ قال أمير المؤمنين علیه السلام : إنّك إن أكلت منها ولم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجّل اللّه عزّ وجلّ إليك من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر به عقلاء خلقه وجهّالهم فقال اليونانيّ : إنّي إن كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد وتناهيت في التعرّض للهلاك ، أشهد أنّك من خاصّة اللّه ، صادق في جميع أقاويلك عن اللّه فأمرني بما تشاء أطعك.

قال عليّ علیه السلام : آمرك أن تقرّ لله في الوحدانيّة ، وتشهد له بالجود والحكمة ، وتنزّهه عن العبث والفساد وعن ظلم الإماء والعباد ، وتشهد أنّ محمّدا الذي أنا وصيّه سيّد الأنام وأفضل رتبة في دار السّلام ، وتشهد أنّ عليّا الذي أراك ما أراك وأولاك من النعم ما أولاك خير خلق اللّه بعد محمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأحقّ خلق اللّه بمقام محمّد صلی اللّه علیه و آله بعده والقيام بشرائعه وأحكامه ، وتشهد أنّ أولياءه أولياء اللّه وأعداءه أعداء اللّه ... » إلى آخر الحديث (1).

وفيه أيضا عن سعيد بن جبير قال : استقبل أمير المؤمنين دهقان من دهاقين الفرس ، فقال له بعد التهنئة : يا أمير المؤمنين ، تناحست النجوم الطالعات وتناحست السعود بالنحوس ، وإذا كان مثل ذلك اليوم وجب على الحكيم الاختفاء ، ويومك هذا يوم صعب وقد اتّصل فيه كوكبان وانقدحت من برجك النيران ، وليس الحرب لك بمكان ، فقال أمير المؤمنين عليّ علیه السلام : « ويحك يا دهقان ، المنبّئ بالآثار المحذّر من الأقدار ما قصّة صاحب الميزان وقصّة صاحب السرطان؟ وكم المطالع من الأسد والساعات من المحرّكات؟ وكم بين السراري والذراري؟ » قال : سأنظر وأومى بيده

ص: 365


1- « الاحتجاج » 1 : 547 - 554.

إلى كمّه مكّة وأخرج منه اصطرلابا ينظر فيه.

فتبسّم عليّ علیه السلام فقال : « أتدري ما حدث البارحة؟ وقع بيت بالصين وانفرج برج ماجين وسقط سور سرنديب ، وانهزم بطريق الروم بأرمينية ، وفقد ديّان اليهود بابلة ، وهاج النمل بوادي النمل ، وهلك ملك إفريقيّة أكنت عالما؟ » قال : لا ، يا أمير المؤمنين ، فقال علیه السلام : « البارحة سعد سبعون ألف عالم ، وولد في كلّ عالم سبعون ألفا ، والليلة يموت مثلهم ، وهذا منهم » وأومى بيده علیه السلام إلى سعد بن مسعدة الحارثي لعنه اللّه ، وكان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين علیه السلام ، فظنّ الملعون أنّه يقول : خذوه فأخذ بنفسه فمات ، فخرّ الدهقان ساجدا ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « ألم أروك من عين التوفيق؟ » فقال : بلى يا أمير المؤمنين ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « وأنا وصاحبي لا شرقيّون ولا غربيّون ، نحن ناشئة القطب وأعلام الفلك ، أمّا قولك : انقدحت من برجك النيران فكان الواجب أن تحكم به لي لا عليّ ، وأمّا نوره وضياؤه فعندي ، وأمّا حريقه ولهبه فذهب عنّي وهذه مسألة عميقة احسبها إن كنت حاسبا » (1).

وثانيا (2) : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي الحسن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي كثيرة :

[1] منها : ما روي عن سلمان قال : كان النبيّ صلی اللّه علیه و آله ذات يوم جالسا بالأبطح وعنده جماعة من أصحابه وهو مقبل علينا بالحديث إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت فأثارت الغبار ، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقفت بحذاء النبيّ ، ثمّ برز منها شخص كان فيها ، ثمّ قال : يا رسول اللّه ، إنّي وافد قومي وقد استجرنا بك فأجرنا ، وابعث معي من قبلك من يشرف على قومنا فإنّ بعضهم قد بغى علينا ليحكم بيننا وبينهم بحكم اللّه وكتابه ، وخذ عليّ العهود والمواثيق المؤكّدة أن أردّه إليك في غداة

ص: 366


1- المصدر السابق 1 : 558 ، ح 135.
2- مرّ الأوّل في ص 362.

غد سالما إلاّ أن تحدث عليّ حادثة من عند اللّه.

فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « من أنت ومن قومك؟ » قال : أنا عطرفة بن شمراخ أحد بني نجاح ، أنا وجماعة من أهلي كنّا نسترق السمع فلمّا منعنا من ذلك ، ولمّا بعثك اللّه نبيّا آمنّا بك على ما علمته وقد صدّقناك ، وقد خالفنا بعض القوم ، وأقاموا على ما كانوا عليه ، فوقع بيننا وبينهم الخلاف وهم أكثر منّا عددا وقوّة ، وقد غلبوا على الماء والمراعي وأضرّوا بنا فابعث معي من يحكم بيننا بالحقّ ، فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « اكشف لنا عن وجهك حتّى نراك على هيئتك التي أنت عليها » ، قال : فكشف لنا عن صورته فنظرنا فإذا شخص عليه شعر كثير وإذا رأسه طويل ، عيناه في طول رأسه ، صغير الحدقتين ، وله أسنان كأنّها أسنان السباع ، ثمّ إنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله أخذ عليه العهد والميثاق على أن يردّ عليه من غد من يبعث به معه.

فلمّا فرغ من ذلك التفت إلى أبي بكر فقال : « سر مع أخينا عطرفة وانظر إلى ما هم عليه واحكم بينهم بالحقّ ». فقال وأين هم؟ قال : « هم تحت الأرض ».

فقال أبو بكر : وكيف أطيق النزول تحت الأرض؟ وكيف أحكم بينهم ولا أحسن كلامهم؟ ثمّ التفت إلى عمر بن الخطّاب فقال له مثل قوله لأبي بكر فأجاب مثل جواب أبي بكر ، ثمّ أقبل إلى عثمان وقال له مثل قولهما فأجاب بجوابهما.

ثمّ استدعى بعليّ علیه السلام وقال له : « يا عليّ ، سر مع أخينا عطرفة وتشرف على قومه وتنظر إلى ما هم عليه وتحكم بينهم بالحقّ » ، فقام أمير المؤمنين علیه السلام مع عطرفة وقد تقلّد سيفه قال سلمان : فتبعتهما إلى أن صار إلى الوادي فلمّا توسّطاه نظر إليّ أمير المؤمنين علیه السلام وقال : « قد شكر اللّه سعيك يا با عبد اللّه فارجع » ، فوقفت أنظر إليهما فانشقّت الأرض ودخلا فيها ورجعت وتداخلني من الحسرة ما اللّه أعلم به ، كلّ ذلك إشفاقا على أمير المؤمنين علیه السلام فأصبح النبيّ صلی اللّه علیه و آله بالناس الغداة ، وجاء وجلس على الصفا وحفّ به أصحابه ، وتأخّر أمير المؤمنين علیه السلام وارتفع النهار ، وأكثر الناس الكلام إلى أن زالت الشمس وقالوا : إنّ الجنّي قد احتال على النبيّ صلی اللّه علیه و آله وقد أراحنا

ص: 367

اللّه من أبي تراب ، وذهب عنّا افتخاره بابن عمّه علينا ، وأكثروا الكلام إلى أن صلّى صلی اللّه علیه و آله الصلاة الأولى وعاد إلى مكانه وجلس على الصفا ، وما زال يحدّث أصحابه إلى أن وجبت صلاة العصر ، وأكثر القوم الكلام وأظهروا الكفر في أمير المؤمنين علیه السلام وظهرت شماتة المنافقين بأمير المؤمنين علیه السلام وكادت الشمس تغرب ، وتيقّن القوم أنّه قد هلك ، وإذا قد انشقّ الصفا وطلع أمير المؤمنين علیه السلام منه وسيفه يقطر دما ومعه عطرفة.

فقام إليه النبيّ صلی اللّه علیه و آله وقبّل بين عينيه وجبينه وقال له : « ما الذي حبسك عنّي إلى هذا الوقت؟ ».

فقال علیه السلام : « صرت إلى جنّ كثير قد بغوا على عطرفة وقومه فدعوتهم إلى ثلاث خصال فأبوا عليّ ، وذلك إنّي دعوتهم إلى الإيمان باللّه والإقرار بنبوّتك ورسالتك فأبوا ، فدعوتهم إلى أداء الجزية فأبوا ، فسألتهم أن يصالحوا عطرفة وقومه ، فيكون بعض المرعى لعطرفة وقومه وكذلك الماء فأبوا ذلك كلّه ، فوضعت سيفي فيهم ، وقتلت منهم ثمانين ألفا فلمّا نظروا إلى ما حلّ بهم طلبوا الأمان والصلح ، ثمّ آمنوا وزال منهم الخلاف بينهم وما زلت معهم إلى الساعة » ، فقال عطرفة : جزاك اللّه وأمير المؤمنين منّا خيرا. (1)

[2] ومنها : ما روي عن سماعة بن مهران قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام فأرعدت السماء وأبرقت ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « أما إنّه ما كان من هذا الرعد ومن هذا البرق فإنّه من أمر صاحبكم » ، قلت : من صاحبنا؟ قال : « أمير المؤمنين علیه السلام » (2).

وروى بعض الإماميّة في كتاب « منهج التحقيق إلى سواء الطريق » عن سلمان الفارسيّ قال : كنت أنا والحسن والحسين ومحمّد بن الحنفيّة ومحمّد بن أبي بكر

ص: 368


1- « بحار الأنوار » 39 : 168 - 170.
2- المصدر السابق 27 : 33.

وعمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود الكندي رضي اللّه عنهم ، فقال له ابنه الحسن علیه السلام : « يا أمير المؤمنين ، إنّ سليمان بن داود علیه السلام سأل ربّه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك ، فهل ملكت ممّا ملك سليمان بن داود شيئا؟ ».

فقال علیه السلام : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّ سليمان بن داود سأل اللّه عزّ وجلّ الملك فأعطاه ، وإنّ أباك ملك ما لم يملكه بعد جدّك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أحد قبله ولا يملكه أحد بعده » فقال الحسن علیه السلام : « نريد أن ترينا ممّا فضّلك اللّه عزّ وجلّ من الكرامة » ، فقال علیه السلام : « أفعل إن شاء اللّه » فقام أمير المؤمنين وتوضّأ ، وصلّى ركعتين ودعا اللّه عزّ وجلّ بدعوات لم نفهمها ، ثمّ أومأ بيده إلى جهة المغرب فما كان بأسرع من أن جاءت سحابة ، فوقفت على الدار وإلى جانبها سحابة أخرى ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « أيّتها السحابة اهبطي بإذن اللّه عزّ وجلّ » ، فهبطت وهي تقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّك خليفته ووصيّه ، من شكّ فيك فقد هلك ، ومن تمسّك بك سلك سبيل النجاة ، قال : ثمّ انبسطت السحابة إلى الأرض حتّى كأنّها بساط موضوع ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « اجلسوا على الغمامة » ، فجلسنا وأخذنا مواضعنا فأشار إلى السحابة الأخرى فهبطت وهي تقول كمقالة الأولى ، وجلس أمير المؤمنين علیه السلام عليها مفردة ثمّ تكلّم بكلام ، وأشار إليهما بالمسير إلى المغرب وإذا بالريح قد دخلت تحت السحابتين فرفعتهما رفعا رفيقا ، فتأمّلت نحو أمير المؤمنين علیه السلام فإذا به على كرسيّ والنور يسطع من وجهه يكاد يخطف الأبصار ، فقال الحسن : « يا أمير المؤمنين ، إنّ سليمان بن داود كان مطاعا بخاتمه وأمير المؤمنين علیه السلام بما ذا يطاع؟ » فقال علیه السلام : « أنا عين اللّه في أرضه ، أنا لسان اللّه الناطق في خلقه ، أنا نور اللّه الذي لا يطفأ وحجّته على عباده ».

ثمّ قال : « أتحبّون أن أريكم خاتم سليمان بن داود؟ » قلنا : نعم ، فأدخل يده إلى جيبه فأخرج خاتما من ذهب ، فصّه من ياقوتة حمراء عليه مكتوب : محمّد وعليّ ، قال سلمان : فتعجّبنا من ذلك ، فقال : « من أيّ شيء تعجبون؟ وما العجب من مثلي أنا

ص: 369

أريكم اليوم ما لم تروه أبدا » ، فقال الحسن : « أريد أن تريني يأجوج ومأجوج والسدّ الذي بيننا وبينهم » ، فسارت الريح تحت السحابة فسمعنا لها دويّا كدويّ الرعد وعلت في الهواء وأمير المؤمنين علیه السلام يقدمنا حتّى انتهينا إلى جبل شامخ في العلوّ وإذا شجرة جافّة قد تساقطت أوراقها وجفّت أغصانها ، فقال الحسن : « ما بال هذه الشجرة قد يبست؟ » فقال علیه السلام : « سلها فإنّها تجيبك » ، فقال الحسن علیه السلام : « أيّتها الشجرة ما بالك قد حدث بك ما نراه من الجفاف؟ » فلم تجبه ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « بحقّي عليك إلاّ ما أجبتيه ».

قال الراوي : واللّه لقد سمعتها وهي تقول : لبّيك لبّيك يا وصيّ رسول اللّه وخليفته ، ثمّ قالت : يا أبا محمّد ، إنّ أمير المؤمنين علیه السلام كان يجيئني في كلّ ليلة وقت السحر ، ويصلّي عندي ركعتين ويكثر من التسبيح ، فإذا فرغ من دعائه جاءته غمامة بيضاء ينفح منها ريح المسك وعليها كرسيّ فيجلس فيسير به ، وكنت أعيش ببركته فانقطع عنّي منذ أربعين يوما ، فهذا سبب ما تراه منّي.

فقام أمير المؤمنين علیه السلام وصلّى ركعتين ومسح بكفّه فاخضرّت وعادت إلى حالها ، وأمر الريح فسارت بنا ، وإذا نحن بملك يده في المغرب والأخرى بالمشرق ، فلمّا نظر الملك إلى أمير المؤمنين علیه السلام قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وأشهد أنّك وصيّه وخليفته حقّا وصدقا.

فقلنا : يا أمير المؤمنين ، من هذا الذي يده في المغرب والأخرى في المشرق؟

فقال علیه السلام : « هذا الملك الذي وكّله اللّه عزّ وجلّ بظلمة الليل والنهار لا يزول إلى يوم القيامة ، وإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل أمر الدنيا إليّ وإنّ أعمال الخلق تعرض في كلّ يوم عليّ ثمّ ترفع إلى اللّه ».

ثمّ سرنا حتّى وقفنا على سدّ يأجوج ومأجوج فقال أمير المؤمنين علیه السلام للريح : « اهبطي بنا ممّا يلي هذا الجبل » ، وأشار بيده إلى جبل شامخ في العلوّ وهو جبل

ص: 370

الخضر علیه السلام فنظرنا إلى السدّ ، وإذا ارتفاعه مدّ البصر وهو أسود كقطعة ليل دامس يخرج من أرجائه الدخان ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « يا أبا محمّد ، أنا صاحب هذا الأمر على هؤلاء العبيد ».

قال سلمان : فرأيت أصنافا ثلاثة طول أحدهم مائة وعشرون ذراعا ، والثاني طول كلّ واحد سبعون ذراعا ، والثالث يفرش أحد أذنيه تحته والآخر يلتحف به.

ثمّ إنّ أمير المؤمنين علیه السلام أمر الريح فسارت بنا إلى جبل قاف فانتهينا إليه ، وإذا هو من زمرّدة خضراء وعليها ملك على صورة النسر ، فلمّا نظر إلى أمير المؤمنين قال الملك : السّلام عليك يا وصيّ رسول اللّه وخليفته أتأذن لي في الكلام؟ فردّ علیه السلام فقال : « إن شئت تكلّم وإن شئت أخبرتك بما تسألني عنه » ، فقال الملك : بل تقول أنت يا أمير المؤمنين ، قال : « تريد أن آذن لك أن تزور الخضر علیه السلام ؟ » قال : نعم ، فقال علیه السلام : « قد أذنت لك » ، فأسرع الملك بعد أن قال : بسم اللّه الرحمن الرحيم.

ثمّ تمشّينا على الجبل هنيئة فإذا بالملك قد عاد إلى مكانه بعد زيارة الخضر علیه السلام فقال سلمان : يا أمير المؤمنين ، رأيت الملك ما زار الخضر إلاّ حين أخذ إذنك؟

فقال علیه السلام : « والذي رفع السماء بغير عمد لو أنّ أحدهم رام أن يزول من مكانه بقدر نفس واحد ، لما زال حتّى آذن له ، وكذلك يصير حال ولدي الحسن وبعده الحسين وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائمهم ».

فقلنا : ما اسم الملك الموكّل بقاف؟ فقال علیه السلام : « ترجائيل » فقلنا : يا أمير المؤمنين ، كيف تأتي كلّ ليلة إلى هذا الموضع وتعود؟ فقال : « كما أتيت بكم ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّي لأملك من ملكوت السماوات والأرض ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم إنّ اسم اللّه الأعظم على اثنين وسبعين حرفا ، وكان عند آصف بن برخيا حرف واحد فتكلّم به ، فخسف اللّه عزّ وجلّ الأرض ما بينه وبين عرش بلقيس حتّى تناول السرير ، ثمّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرف النظر ، وعندنا نحن واللّه اثنان وسبعون حرفا وحرف واحد عند اللّه عزّ وجلّ استأثر به في علم

ص: 371

الغيب ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم ، عرفنا من عرفنا وأنكرنا من أنكرنا ».

ثمّ قام علیه السلام وقمنا فإذا نحن بشابّ في الجبل يصلّي بين القبرين فقلنا : يا أمير المؤمنين ، من هذا الشابّ؟ فقال علیه السلام : « صالح النبيّ » ، فقال علیه السلام : « وهذان القبران لأمّه وأبيه وأنّه يعبد اللّه بينهما » ، فلمّا نظر إليه صالح لم يتمالك نفسه حتّى بكى وأومأ بيده إلى أمير المؤمنين علیه السلام ثمّ أعادها إلى صدره وهو يبكي ، فوقف أمير المؤمنين علیه السلام عنده حتّى فرغ من صلاته ، فقلنا له : ما بكاؤك؟ قال صالح : إنّ أمير المؤمنين كان يمرّ بي عند كلّ غداة فيجلس فتزداد عبادتي بنظري إليه فقطع ذلك عشرة أيّام فأقلقني ذلك فتعجّبنا من ذلك.

فقال علیه السلام : « تريدون أن أريكم سليمان بن داود؟ » قلنا : نعم ، فقام ونحن معه حتّى دخل بستانا ما رأينا أحسن منه وفيه من جميع الفواكه والأعناب ، والأنهار تجري ، والأطيار يتجاوبن على الأشجار فحين رأته الأطيار أتت ترفرف حوله حتّى توسّطنا البستان وإذا سرير عليه شابّ ملقى على ظهره واضع يده على صدره ، فأخرج أمير المؤمنين علیه السلام الخاتم من جيبه ، وجعله في إصبع سليمان بن داود فنهض قائما وقال : السّلام عليك يا أمير المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين ، أنت واللّه الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ، قد أفلح من تمسّك بك ، وقد خاب وخسر من تخلّف عنك ، وإنّي سألت اللّه عزّ وجلّ بكم أهل البيت فأعطيت ذلك الملك.

قال سلمان : فلمّا سمعنا كلام سليمان بن داود لم أتمالك نفسي حتّى وقعت على أقدام أمير المؤمنين علیه السلام أقبّلها ، وحمدت اللّه تعالى عزّ وجلّ على جزيل عطائه بهدايته إلى ولاية أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وفعل أصحابي كما فعلت ثمّ سألت أمير المؤمنين : ما وراء قاف؟ قال علیه السلام : « وراءه ما لا يصل إليكم علمه. فقلنا : تعلم ذلك يا أمير المؤمنين ، فقال علیه السلام « علمي بما وراءه كعلمي بحال هذه الدنيا وما فيها ، إنّي الحفيظ الشهيد عليها بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وكذلك الأوصياء من ولدي بعدي ».

ص: 372

ثمّ قال علیه السلام : « إنّي لأعرف بطرق السماوات من طرق الأرض ، نحن الاسم المخزون المكنون ، نحن أسماء اللّه الحسنى التي إذا سئل اللّه عزّ وجلّ بها أجاب ، نحن أسماء المكتوبة على العرش ، ولأجلنا خلق اللّه عزّ وجلّ السماء والأرض والعرش والكرسيّ والجنّة والنار ، ومنّا تعلّمت الملائكة التسبيح والتقديس والتوحيد والتهليل والتكبير ، ونحن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ».

ثمّ قال علیه السلام : « أتريدون أن أريكم عجبا؟ » ، قلنا : نعم قال : « غضّوا أعينكم » ، ففعلنا ، ثمّ قال : « افتحوها » ، ففتحناها فإذا نحن بمدينة ما رأينا أكبر منها : الأسواق فيها قائمة ، وفيها أناس ما رأينا أعظم من خلقهم على طول النخل ، قلنا : يا أمير المؤمنين ، من هؤلاء؟ قال : « بقيّة قوم عاد كفّار لا يؤمنون باللّه عزّ وجلّ أحببت أن أريكم إيّاهم وهذه المدينة وأهلها أريد أن أهلكهم وهم لا يشعرون ».

قلنا : يا أمير المؤمنين ، تهلكهم بغير حجّة؟ قال : « لا ، بل بحجّة عليهم » ، فدنا منهم وتراءى لهم فهمّوا أن يقتلوه ونحن نراهم وهم يرونا ، ثمّ تباعد عنهم ودنا منّا ومسح بيده على صدورنا وأبداننا وتكلّم بكلمات لم نفهمها وعاد إليهم ثانية حتّى صار بإزائهم وصعق فيهم صعقة ، قال سلمان : لقد ظنّنا أنّ الأرض قد انقلبت والسماء قد سقطت وأنّ الصواعق من فيه قد خرجت فلم يبق منهم في تلك الساعة أحد ، قلنا : يا أمير المؤمنين ، ما صنع اللّه بهم؟ قال : « هلكوا فصاروا كلّهم إلى النار » ، قلنا : هذا معجز ما رأينا ولا سمعنا بمثله ، فقال علیه السلام : « أتريدون أن أريكم أعجب من ذلك؟ » فقلنا : لا نطيق بأسرنا على احتمال شيء آخر فعلى من لا يتولاّك ويؤمن بفضلك وعظيم قدرك على اللّه عزّ وجلّ لعنة اللّه ولعنة اللاعنين والملائكة والخلق أجمعين إلى يوم الدين.

ثمّ سألنا الرجوع إلى أوطاننا فقال : « أفعل ذلك إن شاء اللّه » ، فأشار إلى السحابتين فدنتا منّا فقال علیه السلام : « خذوا مواضعكم » ، فجلسنا على سحابة وجلس علیه السلام على الأخرى ، وأمر الريح فحملتنا حتّى صرنا في الجوّ ورأينا الأرض كالدرهم ، ثمّ حطتنا في دار أمير المؤمنين علیه السلام في أقلّ من طرف النظر ، وكان وصولنا إلى المدينة

ص: 373

وقت الظهر والمؤذّن يؤذّن وكان خروجنا منها وقت علت الشمس ، فقلنا : باللّه العجب كنّا في جبل قاف مسيرة خمس سنين ، وعدنا في خمس ساعات من النهار.

فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « لو أنّني أردت أن أجوب الدنيا بأسرها والسماوات السبع وأرجع في أقلّ من الطرف ، لفعلت بما عندي من اسم اللّه الأعظم » ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، واللّه أنت الآية العظمى والمعجزة الباهرة بعد أخيك وابن عمّك (1).

[3] ومنها : ما روي أنّ أسود أدخل على عليّ علیه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي سرقت فطهّرني ، فقال : « لعلّك سرقت من غير حرز » ونحّى رأسه عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، سرقت من حرز ، فلمّا أقرّ ثلاث مرّات قطعه أمير المؤمنين ، فذهب وجعل يقول في الطريق : قطعني أمير المؤمنين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين ويعسوب الدين وسيّد الوصيّين ، وجعل يمدحه ، فسمع ذلك منه الحسن والحسين وقد استقبلاه فدخلا على أمير المؤمنين وقالا : « رأينا أسودا يمدحك في الطريق ».

فبعث أمير المؤمنين من أعاده إلى حضرته ، فقال له عليّ علیه السلام : « قطعتك وأنت تمدحني؟ » فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّك طهّرتني وإنّ حبّك من قلبي قد خالط لحمي وعظمي ، فلو قطعتني إربا إربا لما ذهب حبّك من قلبي ، فدعا له أمير المؤمنين ، ووضع المقطوع إلى موضعه ، فصحّ وصلح كما كان (2).

[4] ومنها : ما روي أنّ قصّابا كان يبيع اللحم من جارية إنسان ، وكان يحيف عليها ، فبكت وخرجت ، فرأت عليّا فشكته إليه ، فمشى معها نحوه ، ودعاه إلى الإنصاف في حقّها ويعظه ويقول : « ينبغي أن يكون الضعيف عندك بمنزلة القويّ ، فلا تظلم الجارية » ولم يكن القصّاب يعرف عليّا فرفع يده وقال : اخرج أيّها الرجل ، فانصرف علیه السلام ولم يتكلّم بشيء فقيل للقصّاب : هذا عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقطع يده

ص: 374


1- « بحار الأنوار » 27 : 32 - 40.
2- « الخرائج والجرائح » 2 : 561 - 562 ، ح 19 ؛ « بحار الأنوار » 76 : 188 ، ح 24.

وأخذها وخرج إلى أمير المؤمنين معتذرا فدعا علیه السلام فصلحت يده (1).

[5] ومنها : ما روي أنّ خارجيّا اختصم مع آخر إلى عليّ علیه السلام فحكم بينهما ، وقال الخارجي : لا عدلت في القضيّة ، فقال علیه السلام : « اخسأ يا عدوّ اللّه » ، فاستحال كلبا وطارت ثيابه في الهواء ، فجعل يبصبص وقد دمعت عيناه فرقّ له عليّ علیه السلام فدعا فأعاده اللّه إلى حال الإنسانيّة ، وتراجعت ثيابه من الهواء إليه. الحديث (2).

[6] ومنها : ما روي أنّ قوما من النصارى كانوا دخلوا على النبيّ وقالوا : نخرج ونجيء بأهلينا وقومنا فإن أخرجت لنا مائة ناقة من الحجر سوداء من كلّ واحدة فصيل آمنّا ، فضمن ذلك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وانصرفوا إلى بلادهم.

فلمّا كان بعد وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله رجعوا فدخلوا المدينة ، فسألوا عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله فقيل لهم : توفّي علیه السلام ، فقالوا : نجد في كتابنا أنّه لا يخرج من الدنيا نبيّ إلاّ ويكون له وصيّ فمن كان وصيّ نبيّكم محمّد؟ فدلّوا على أبي بكر فدخلوا عليه فقالوا : لنا دين على محمّد ، قال : وما هو؟ قالوا : مائة ناقة مع كلّ ناقة فصيل ، وكلّها سود ، فقال : ما ترك رسول اللّه تركة تفي بذلك ، فقال بعضهم لبعض بلسانهم : ما كان أمر محمّد إلاّ باطلا ، وكان سلمان حاضرا وكان يعرف لغتهم ، فقال لهم : أنا أدلّكم على وصيّ محمّد ، فإذا بعليّ قد دخل المسجد فنهضوا إليه وجثوا بين يديه فقالوا : لنا على نبيّكم دين مائة ناقة دينا بصفات مخصوصة ، قال عليّ علیه السلام : « وتسلمون حينئذ؟ » قالوا : نعم ، فواعدهم إلى الغد.

ثمّ خرج إلى الجبّانة والمنافقون يزعمون أنّه يفتضح ، فلمّا وصل إليهم صلّى ركعتين ودعا خفيّا ، ثمّ ضرب بقضيب رسول اللّه على الحجر فسمع منه أنين كما يكون للنوق عند مخاضها ، فبينما كذلك إذا انشقّ الحجر وخرج منه رأس ناقة وقد تعلّق

ص: 375


1- « الخرائج والجرائح » 2 : 759 ؛ « بحار الأنوار » 41 : 203 ، ح 18.
2- « الخرائج والجرائح » 2 : 568 ، ح 24 ؛ « بحار الأنوار » 41 : 203 ، ح 17.

منه رأس الزمام فقال علیه السلام لابنه الحسن : « خذه » فخرج منه مائة ناقة مع كلّ واحدة فصيل كلّها سود الألوان ، فأسلم النصارى كلّهم ، ثمّ قالوا : كانت ناقة صالح النبيّ واحدة وكان بسببها هلاك قوم كثير فادع يا أمير المؤمنين ، حتّى تدخل النوق وفصالها إلى الحجر ؛ لئلاّ يكون شيء منها سبب هلاك أمّة محمّد صلی اللّه علیه و آله فدخلت كما خرجت (1).

[7] ومنها : ما روي أنّه كان يطلب قوما من الخوارج ، فلمّا بلغ الموضع المعروف اليوم بساباط أتاه رجل من شيعته وقال : يا أمير المؤمنين ، أنا من شيعتك وكان لي أخ وكنت شفيقا عليه فبعثه عمر في جنود سعد بن أبي وقّاص إلى قتال أهل المدائن فقتل هناك أريد أن تحييه لي ، قال : « فأرني قبره ومقتله » فأراه إيّاه فمدّ الرمح وهو راكب بغلته الشهباء فوكز القبر بأسفل الرمح فخرج رجل أسمر طويل يتكلّم بالعجميّة ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « لم تتكلّم بالعجميّة وأنت رجل من العرب؟ » قال : أنا أبغضك وأوالي أعداءك فانقلب لساني في النار ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ردّه من حيث جاء فلا حاجة لنا فيه ، فقال له أمير المؤمنين : « ارجع » فرجع إلى القبر وانطبق عليه (2).

[8] ومنها : ما روي أنّ ابن أبي جعدة قال : حضرت مجلس أنس بن مالك بالبصرة وهو يحدّث ، فقام إليه رجل من القوم فقال : يا صاحب رسول اللّه ما هذه الشيمة التي أراها بك فأنا حدّثني أبي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « البرص والجذام لا يبلي اللّه به مؤمنا » ، قال : فعند ذلك أطرق أنس بن مالك إلى الأرض وعيناه تذرفان بالدموع ثمّ رفع رأسه وقال : دعوة العبد الصالح عليّ بن أبي طالب علیه السلام نفذت فيّ.

قال : فعند ذلك قام الناس حوله وقصدوه وقالوا : يا أنس ، حدّثنا ما كان سبب دعوة عليّ؟ فقال لهم : انتهوا عن هذا ، فقالوا : لا بدّ من أن تخبرنا بذلك ، فقال : اقعدوا

ص: 376


1- « الخرائج والجرائح » 1 : 213 ، ح 56 ؛ « بحار الأنوار » 41 : 198 ، ح 10.
2- « بحار الأنوار » 41 : 216 ، ح 29.

مواضعكم واسمعوا منّي حديثا كان هو السبب لدعوة عليّ علیه السلام اعلموا أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان قد أهدي له بساط شعر من قرية كذا وكذا من قرى المشرق يقال لها : عندف ، فأرسلني رسول اللّه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف الزهري ، فأتيته بهم وعنده ابن عمّه عليّ بن أبي طالب فقال لي : « يا أنس ، ابسط البساط وأجلسهم عليه » ، ثمّ قال : « يا أنس ، اجلس حتّى تخبرني بما يكون منهم » ، ثمّ قال : « قل يا عليّ : يا ريح احملينا » فإذا نحن في الهواء ، فقال : « سيروا على بركة اللّه » ، قال : فسرنا ما شاء اللّه ، ثمّ قال : « يا ريح ضعينا » ، فوضعتنا ، فقال : « أتدرون أين أنتم؟ » قلنا : اللّه ورسوله وعليّ أعلم ، فقال : « هؤلاء أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ، قوموا يا أصحاب رسول اللّه حتّى تسلّموا عليهم ».

فعند ذلك قام أبو بكر وعمر ، فقالا : السّلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم ، قال : فلم يجبهما أحد ، قال : فقمت أنا وعبد الرحمن بن عوف وقلنا : السّلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم أنا خادم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فلم يجبنا أحد ، فعند ذلك قام الإمام علیه السلام وقال : « السّلام عليكم يا أصحاب الكهف والرقيم الذين كانوا من آيات اللّه عجبا » فقالوا : وعليك سلام اللّه يا وصيّ رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته.

فقال : « يا أصحاب الكهف ، ألا رددتم على أصحاب رسول اللّه » قالوا : نعم يا خليفة رسول اللّه إنّا فتية آمنوا بربّهم وزادهم اللّه هدى وليس معنا إذن بردّ السّلام إلاّ بإذن نبيّ أو وصيّ نبيّ ، وأنت وصيّ خاتم النبيّين والمرسلين ، وأنت خاتم الأوصياء ، ثمّ قال : « أسمعتم يا أصحاب رسول اللّه؟ » قالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : « فاقعدوا في مواضعكم » فقعدنا في مجالسنا.

ثمّ قال صلی اللّه علیه و آله : « يا ريح احملينا » فسرنا ما شاء اللّه إلى أن غربت الشمس ، ثمّ قال : « يا ريح ضعينا » فإذا نحن على أرض كأنّها الزعفران ليس فيها حسيس ولا أنيس ، نباتها الشيح وليس فيها ماء فقلنا : يا أمير المؤمنين ، دنت الصلاة وليس معنا ماء نتوضّأ به ، فقام وجاء إلى موضع من تلك الأرض فرفسه برجله فنبعت عين ماء ،

ص: 377

فقال : « دونكم وما طلبتم ولو لا طلبتكم لجاءنا جبرئيل بماء من الجنّة » قال : فتوضّأنا وصلّينا إلى أن انتصف الليل ، ثمّ قال : « يا ريح احملينا » فإذا نحن برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وقد صلّى من الغداة ركعة واحدة ، فقضيناها وكان قد سبقنا بها رسول اللّه فالتفت إلينا فقال : « يا أنس ، تحدّثني أم أحدّثك » فقلت : بل من فيك أحلى يا رسول اللّه ، قال : فابتدأ بالحديث من أوّله إلى آخره كأنّه كان معنا ، ثمّ قال : « يا أنس ، تشهد لابن عمّي بها إذا استشهدك؟ » فقلت : نعم ، يا رسول اللّه. فلمّا وليّ أبو بكر الخلافة أتى عليّ علیه السلام وكنت حاضرا عند أبي بكر والناس حوله وقال لي : « يا أنس ألست تشهد لي بفضيلة البساط ويوم عين الماء ويوم الجبّ » ، وقلت له : يا عليّ ، نسيت من كبري ، فعندها قال لي : « يا أنس إن كنت كتمته مداهنة بعد وصيّة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فرماك اللّه ببياض في وجهك ولظى في جوفك وعمى في عينيك » ، فما قمت من مقامي حتّى برصت وعميت ، والآن لا أقدر على صيام في شهر رمضان ولا غيره من الأيّام ؛ لأنّ البرد لا يبقى في جوفي ، ولم يزل أنس على تلك الحالة حتّى مات بالبصرة (1).

[9] ومنها : ما روي عن عمّار الساباطي قال : قدم أمير المؤمنين علیه السلام المدائن فنزل بإيوان كسرى ، وكان معه دلف بن مجير ، فلمّا صلّى قام فقال لدلف : « قم معي » وكان معه جماعة من أهل ساباط ، فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف : كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا ، ويقول دلف : هو واللّه كذلك ، فما زال كذلك حتّى طاف المواضع بجميع من كان عنده ودلف يقول : يا سيّدي ومولاي ، كأنّك وضعت هذه الأشياء في هذه المساكن ، ثمّ نظر علیه السلام إلى جمجمة فقال لبعض أصحابه : « خذ هذه الجمجمة » ثمّ جاء علیه السلام إلى الإيوان وجلس فيه ودعا بطشت فيه ماء ، فقال للرجل : « دع هذه الجمجمة في الطشت ». ثمّ قال علیه السلام : « أقسمت عليك يا جمجمة

ص: 378


1- المصدر السابق 41 : 217 - 220 ، ح 31.

لتخبريني من أنا؟ ومن أنت؟ » فقال الجمجمة بلسان فصيح : أمّا أنت فأمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وإمام المتّقين ، وأمّا أنا فعبد اللّه وابن أمة اللّه كسرى أنوشيروان. فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « كيف حالك؟ ».

فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي كنت ملكا عادلا شفيقا على الرعايا رحيما لا أرضى بظلم ، ولكن كنت على دين المجوس وقد ولد محمّد صلی اللّه علیه و آله في زمان ملكي فسقط من شرفات قصري ثلاث وعشرون شرفة ليلة ولد ، فهممت أن أؤمن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفه وفضله ومرتبته وعزّه في السماوات والأرض ومن شرف أهل بيته ، ولكنّي تغافلت عن ذلك وتشاغلت منه في الملك ، فيا لها من نعمة ومنزلة ذهبت منّي حيث لم أؤمن ، فأنا محروم من الجنّة بعدم إيماني به ، ولكنّي مع هذا الكفر خلّصني اللّه تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعيّة ، وأنا في النار والنار محرّمة عليّ ، فوا حسرتاه لو آمنت لكنت معك يا سيّد أهل بيت محمّد ويا أمير أمّته.

قال : فبكى الناس وانصرف القوم الذين كانوا من أهل ساباط إلى أهلهم وأخبروهم بما كان وبما جرى ، فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين فقال المخلصون منهم : إنّ أمير المؤمنين علیه السلام عبد اللّه ووليّه ووصيّ رسوله صلی اللّه علیه و آله . وقال بعضهم : بل هو النبيّ صلی اللّه علیه و آله . وقال بعضهم : بل هو الربّ. الحديث (1).

[10] ومنها : ما روي عن معاوية بن عمر قال : دخل أبو بكر على أمير المؤمنين علیه السلام فقال له : إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لم يحدّث إلينا في أمرك شيئا بعد أيّام الولاية في الغدير ، وأنا أشهد أنّك مولاي مقرّ بذلك ، وقد سلّمت عليك على عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بإمرة المؤمنين ، وأخبرنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّك وصيّه ووارثه وخليفته في أهله ونسائه ...

ولم يخبرنا أنّك خليفته في أمّته من بعده ، ولا جرم لي فيما بيني وبينك ولا ذنب لنا

ص: 379


1- المصدر السابق 41 : 213 - 214 ، نقلا عن « الفضائل » لابن شاذان : 71 - 72.

فيما بيننا وبين اللّه تعالى. فقال له عليّ علیه السلام : « إن أريتك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حتّى يخبرك بأنّي أولى بالأمر الذي أنت فيه منك ، وأنّك إن لم تعزل نفسك عنه فقد خالفت اللّه ورسوله صلی اللّه علیه و آله ؟ » فقال : إن أريتنيه حتّى يخبرني ببعض هذا اكتفيت به ، فقال علیه السلام : « فتلقّاني إذا صلّيت المغرب حتّى أريكه ».

قال : فرجع إليه بعد المغرب فأخذ بيده فأخرجه إلى مسجد قبا ، فإذا هو برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله جالس في القبلة ، فقال : « يا فلان ، وثبت على مولاك عليّ علیه السلام وجلست مجلسه ومجلس النبوّة لا يستحقّه غيره ؛ لأنّه وصيي وخليفتي فنبذت أمري وخالفت ما قلته لك وتعرّضت بسخط اللّه وسخطي ، فانزع هذا السربال الذي تسربلته بغير حقّ ولا أنت من أهله وإلاّ فموعدك النار ».

قال : فخرج مذعورا ليسلّم الأمر إليه وانطلق أمير المؤمنين علیه السلام فحدّث سلمان بما كان جرى ، فقال له سلمان : ليبدينّ هذا الحديث لصاحبه وليخبرنّه بالخبر ، فضحك أمير المؤمنين علیه السلام فقال : « أما إنّه سيخبره وليمنعه إن همّ بأن يفعل » ، ثمّ قال : « لا واللّه لا يذكران ذلك أبدا حتّى يموتا » ، قال : فلقي صاحبه فحدّثه بالحديث كلّه فقال له : ما أضعف رأيك وأخور قلبك ، أما تعلم أنّ ذلك من بعض سحر ابن أبي كبشة ، أنسيت سحر بني هاشم؟ فأقم على ما أنت عليه (1).

[11] ومنها : ما روي عن الباقر علیه السلام : « مرض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فدخل عليّ علیه السلام المسجد فإذا جماعة من الأنصار ، فقال لهم : « أيسرّكم أن تدخلوا على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ » قالوا : نعم ، فاستأذن لهم ودخلوا ، فجاء عليّ علیه السلام فجلس عند رأس رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فأخرج يده من اللحاف لدفع الحمّى وبيّن صدر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فإذا الحمّى تنقضه نفضا شديدا فقال عليّ علیه السلام : أمّ ملدم اخرجي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وانتهرها ، فجلس رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وليس به بأس فقال : يا بن أبي طالب لقد أعطيت من

ص: 380


1- المصدر السابق 41 : 228 - 229 نقلا عن « الاختصاص » : 272 - 273.

خصال الخير حتّى أنّ الحمّى لتفزع منك » (1).

[12] ومنها : ما روي عن ابن عبّاس أنّه دخل أسود على أمير المؤمنين علیه السلام وأقرّ أنّه سرق ، فسأله ثلاث مرّات قال : يا أمير المؤمنين علیه السلام طهّرني فإنّي سرقت ، فأمر علیه السلام بقطع يده ، فاستقبله ابن الكوّاء فقال : من قطع يدك؟ فقال : ليث الحجاز وكبش العراق ومصادم الأبطال ، المنتقم من الجهّال ، كريم الأصل ، شريف الفضل ، محلّ الحرمين ، وارث المشعرين ، أبو السبطين ، أوّل السابقين ، وآخر الوصيّين من آل ياسين ، المؤيّد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل ، الحبل المتين ، المحفوظ بجند السماء أجمعين ، ذلك واللّه أمير المؤمنين على رغم الراغمين.

في كلام له قال ابن الكوّاء : قطع يدك وتثني عليه؟ قال : لو قطعني إربا إربا ما ازددت له إلاّ حبّا.

فدخل على أمير المؤمنين علیه السلام وأخبره بقصّة الأسود ، فقال : « يا بن الكوّاء ، إنّ محبّينا لو قطّعناهم إربا إربا ما ازدادوا لنا إلاّ حبّا ، وإنّ في أعدائنا لو ألعقناهم السمن والعسل ما ازدادوا منّا إلاّ بغضا ». وقال للحسن علیه السلام : « عليك بعمّك الأسود » ، فأحضر الحسن الأسود إلى أمير المؤمنين علیه السلام فأخذ يده ونصبها في موضعها وتغطّى بردائه وتكلّم بكلمات يخفيها فاستوت يده وصار يقاتل بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام إلى أن استشهد بالنهروان ويقال : كان اسم هذا الأسود أفلح (2).

[13] ومنها : ما روي عن سلمان الفارسي قدس سره قال : كنت ذات يوم عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله إذ أقبل أعرابي على ناقة له فسلّم ثمّ قال : أيّكم محمّد صلی اللّه علیه و آله فأومئ إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال : يا محمّد صلی اللّه علیه و آله ، أخبرني عمّا في بطن ناقتي حتّى أعلم أنّ الذي جئت به حقّ وأؤمن بإلهك وأتّبعك؟

ص: 381


1- المصدر السابق 41 : 210.
2- المصدر السابق 41 : 210 - 211.

فالتفت النبيّ صلی اللّه علیه و آله فقال : « حبيبي عليّ يدلّك » ، فأخذ عليّ علیه السلام بخطام الناقة ثمّ مسح يده على نحرها ثمّ رفع طرفه إلى السماء وقال : « اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وأهل بيت محمّد وبأسمائك الحسنى وبكلماتك التامّات لمّا أنطقت هذه الناقة حتّى تخبرنا بما في بطنها » فإذا الناقة قد التفتت إلى عليّ علیه السلام وهي تقول : يا أمير المؤمنين ، إنّه ركبني يوما وهو يريد زيارة ابن عمّ له وواقعني فأنا حامل منه ، فقال الأعرابي : ويحكم النبيّ هذا أم هذا؟ فقيل : هذا النبيّ صلی اللّه علیه و آله وهذا أخوه وابن عمّه ، فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه وسأل النبيّ صلی اللّه علیه و آله أن يسأل اللّه عزّ وعلا أن يكفيه ما في بطن ناقته ، فكفاه وحسن إسلامه (1).

قال الراوندي رحمه اللّه ليس في العادة أن تحمل الناقة من الإنسان ، ولكن اللّه جلّ ثناؤه قلب العادة في ذلك دلالة لنبيّه صلی اللّه علیه و آله ، على أنّه يجوز أن نطفة الرجل على هيئتها في بطن الناقة حينئذ ولم تصر علقة بعد ، وإنّما أنطقها اللّه تعالى عزّ وجلّ ليعلم به صدق رسول اللّه (2) صلی اللّه علیه و آله .

[14] ومنها : ما روي أنّه دخل أسد الكوفة فقال : دلّوني على أمير المؤمنين علیه السلام فذهبوا معه فدلّوه عليه ، فلمّا نظر إليه الأسد مضى نحوه يلوذ به ويتبصبص إليه فمسح على ظهره ثمّ قال له : « اخرج » فنكس الأسد رأسه ونبذ ذنبه على الأرض ولا يلتفت يمينا ولا شمالا حتّى خرج منها (3).

[15] ومنها : ما روي عن أبي هريرة أنّه قال : صلّينا الغداة مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم وأخذ معنا في الحديث ، فأتاه رجل من الأنصار وقال : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كلب فلان الذمّي خرق ثوبي وخدش ساقي فمنعني من الصلاة معك ، فلمّا كان في اليوم الثاني أتاه رجل آخر من الصحابة وقال : يا رسول اللّه ، كلب

ص: 382


1- المصدر السابق 211.
2- المصدر السابق 41 : 230 - 231 ، نقلا عن « قصص الأنبياء » للراوندي : 295 - 296.
3- المصدر السابق 41 : 231 - 232 ، ح 3 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 198 ، ح 36.

فلان الذمّي خرق ثوبي وخدش ساقي فمنعني من الصلاة معك فقال علیه السلام : « إذا كان الكلب عقورا وجب قتله ».

ثمّ قام علیه السلام وقمنا معه حتّى أتى منزل الرجل ، فبادر أنس فدقّ الباب فقال : من بالباب؟ فقال أنس : النبيّ صلی اللّه علیه و آله ببابكم ، قال : فأقبل الرجل مبادرا ففتح بابه فخرج إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله وقال : بأبي وأمّي يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ما الذي جاء بك إليّ ولست على دينك ، ألاّ كنت وجّهت إليّ كنت أجيبك؟

قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « لحاجة لنا إليك أخرج كلبك فإنّه عقور ، وقد وجب قتله فقد خرق ثياب فلان وخدش ساقه ، وكذا فعل اليوم بفلان » فبادر الرجل إلى كلبه وطرح في عنقه حبلا وجرّه إليه وأوقفه بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فلمّا نظر الكلب إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال بلسان فصيح بإذن اللّه تعالى : السّلام عليك يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ما الذي جاء بك؟ ولم تريد قتلي؟ قال : « خرقت ثياب فلان وفلان وخدشت ساقيهما » قال : يا رسول اللّه ، إنّ القوم الذين ذكرتهم منافقون نواصب يبغضون ابن عمّك عليّ بن أبي طالب علیه السلام ولو لا أنّهم كذلك ما تعرّضت لهم ، ولكنّهم جازوا يرفضون عليّا ويسبّونه فأخذتني الحميّة الأبيّة والنخوة العربيّة ففعلت بهم.

قال : فلمّا سمع النبيّ صلی اللّه علیه و آله ذلك من الكلب أمر صاحبه بالالتفات إليه وأوصاه به ، ثمّ قام ليخرج وإذا صاحب الكلب الذمّي قد قام على قدميه وقال : أتخرج يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وقد شهد كلبي بأنّك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأنّ ابن عمّك عليّا وليّ اللّه ، ثمّ أسلم وأسلم جميع من كان في داره (1).

[16] ومنها : ما روي عن الحرث قال : خرجنا مع أمير المؤمنين علیه السلام حتّى انتهينا إلى العاقول فإذا هو بأصل شجرة قد وقع لحاؤها (2) وبقي عمودها ، فضربها بيده ثمّ قال : « ارجعي بإذن اللّه خضراء مثمرة » فإذا هي تهتزّ بأغصانها حملها الكمّثرى ، فقطعنا

ص: 383


1- المصدر السابق 41 : 246 - 247 ، ح 15.
2- اللحاء - بالكسر والمدّ - : قشر الشجر.

وأكلنا وحملنا معنا ، فلمّا كان من الغد غدونا فإذا نحن بها خضراء فيها الكمّثرى (1).

[17] ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه أنّ الحسين بن عليّ علیه السلام قال : « كنّا قعودا ذات يوم عند أمير المؤمنين علیه السلام وهناك شجرة رمّان يابسة إذ دخل عليه نفر من مبغضيه وعنده قوم من محبّيه ، فسلّموا فأمرهم بالجلوس ، فقال عليّ علیه السلام : إنّي أريكم اليوم آية تكون فيكم كمثل المائدة في بني إسرائيل ؛ إذ يقول اللّه : ( إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ ) (2).

ثمّ قال : انظروا إلى الشجرة ، وكانت يابسة فإذا هي قد جرى الماء في عودها ، ثمّ اخضرّت وأورقت وعقدت وتدلّى حملها على رءوسنا ، ثمّ التفت إلينا فقال للذين هم محبّوه : مدّوا أيديكم وتناولوا وكلوا ، فقلنا : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، وتناولنا وأكلنا رمّانا لم نأكل قطّ شيئا أعذب منه وأطيب.

ثمّ قال علیه السلام للنفر الذين هم مبغضوه : مدّوا أيديكم وتناولوا ، فمدّوا أيديهم فارتفعت ، فكلّما مدّ رجل منهم يده إلى رمّانة ارتفعت فلم يتناولوا شيئا فقالوا : يا أمير المؤمنين علیه السلام ، ما بال إخواننا مدّوا أيديهم وتناولوا وأكلوا ومددنا أيدينا فلم ننل؟ فقال علیه السلام : وكذا الجنّة لا ينالها إلاّ أولياؤنا ومحبّونا ولا يبعد منها إلاّ أعداؤنا ومبغضونا » فلمّا خرجوا قالوا : هذا من سحر عليّ بن أبي طالب علیه السلام قليل. قال سلمان : ما ذا تقولون ، أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون؟ » (3).

[18] ومنها : ما روي عن فاطمة علیهاالسلام قالت : « أصابت الناس زلزلة على عهد أبي بكر ، وفزع الناس إلى أبي بكر وعمر فوجدوهما قد خرجا فزعين إلى عليّ ، فتبعهما الناس إلى أن انتهوا إلى باب عليّ علیه السلام فخرج إليهم عليّ علیه السلام غير مكترث لما هم فيه فمضى وأتبعه الناس حتّى انتهى إلى قلعة فقعد عليها وقعدوا حوله وهم

ص: 384


1- المصدر السابق 41 : 248 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 218 ، ح 62.
2- المائدة (5) : 115.
3- « بحار الأنوار » 41 : 249 - 250 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 219 - 220.

ينظرون إلى حيطان المدينة ترتجّ جائية وذاهبة.

فقال لهم عليّ علیه السلام : كأنّكم قد هالكم ما ترون؟ قالوا : وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قطّ؟ قالت : فحرّك شفتيه ثمّ ضرب الأرض بيده ثمّ قال : مالك؟ اسكني ، فسكنت ، فعجبوا من ذلك أكثر من تعجّبهم أوّلا حيث خرج إليهم ، قال لهم : فإنّكم قد عجبتم من صنيعي ، قالوا : نعم ، فقال : أنا الرجل الذي قال اللّه : ( إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها* وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها ) (1) فأنا الإنسان الذي يقول لها ذلك ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ) (2) إيّاي تحدّث » (3).

[19] ومنها : ما روي عن سلمان أنّ عليّا علیه السلام بلغه عن عمر ذكر شيعته فاستقبله في بعض طرقات بساتين المدينة وفي يد عليّ علیه السلام قوس عربيّة فقال : « يا عمر ، بلغني عنك ذكرك لشيعتي؟ » فقال : أربع على ظلعك ، فقال علیه السلام : « إنّك لها هنا؟ » ثمّ رمى بالقوس على الأرض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغر فاه ، وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه فصاح عمر : اللّه اللّه يا أبا الحسن لا عدت بعدها في شيء وجعل يتضرّع إليه ، فضرب يده إلى الثعبان فعادت القوس كما كانت ، فمرّ عمر إلى بيته مرعوبا.

قال سلمان : فلمّا كان في الليل دعاني عليّ علیه السلام فقال : « صر إلى عمر فإنّه حمل إليه مال من ناحية المشرق ولم يعلم به أحد ، وقد عزم أن يحتبسه فقل له : يقول لك عليّ : اخرج إليك مال من ناحية المشرق ففرّقه على من جعل لهم ولا تحبسه فأفضحك » ، قال سلمان : فأدّيت إليه الرسالة فقال : حيّرني أمر صاحبك من أين علم؟ فقلت : وهل يخفى عليه مثل هذا؟

فقال لسلمان : اقبل منّي ما أقول لك ما عليّ إلاّ ساحر ، وإنّي لمشفق عليك منه ، والصواب أن تفارقه وتصير في جملتنا ، قلت : بئس ما قلت ، لكنّ عليّا ورث من

ص: 385


1- الزلزال (99) : 1 - 3.
2- الزلزال (99) : 4.
3- « علل الشرائع » 2 : 277 ، ح 8 ؛ « بحار الأنوار » 41 : 254 ، ح 14.

أسرار النبوّة ما قد رأيت منه وما هو أكبر منه ، قال : ارجع إليه فقل له : السمع والطاعة لأمرك ، فرجعت إلى عليّ علیه السلام فقال : « أحدّثك بما جرى بيننا » ، ثمّ قال : « إنّ رعب الثعبان في قلبه إلى أن يموت » (1).

[20] ومنها : عن عبد اللّه بن سعيد بن العاص قال : كنت مع أمير المؤمنين علیه السلام وقد خرج من الكوفة إذ عبر بالصعيد التي يقال لها : النخلة على فرسخين من الكوفة ، فخرج منها خمسون رجلا من اليهود وقالوا : أنت عليّ بن أبي طالب علیه السلام الإمام؟

فقال : « أنا ذا » فقالوا : لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستّة من الأنبياء وهو ذا نطلب الصخرة فلا نجدها فإن كنت إماما أوجدنا الصخرة.

فقال علیه السلام : « اتّبعوني » قال عبد اللّه بن خالد : فسار القوم خلف أمير المؤمنين علیه السلام إلى أن استبطن فيهم البرّ ، وإذا بجبل من رمل عظيم فقال عليّ علیه السلام : « أيّتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة بحقّ اسم اللّه الأعظم » ، فما كان إلاّ ساعة حتّى نسفت الرمل وظهرت الصخرة فقال عليّ علیه السلام : « هذه صخرتكم » فقالوا : عليها اسم ستّة من الأنبياء على ما سمعنا وقرأنا في كتبنا ولسنا نرى عليها الأسماء؟ فقال علیه السلام : « الأسماء التي عليها هي في وجهها التي على الأرض فاقلبوها » ، فاعصوصب عليها ألف رجل حضروا في هذا المكان فما قدروا على قلبها ، فقال علیه السلام : « تنحّوا عنها » فمدّ يده إليها فقلبها ، فوجدوا عليها اسم ستّة من الأنبياء علیهم السلام أصحاب الشرائع آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد علیهم السلام . فقال النفر اليهود : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّك أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وحجّة اللّه في أرضه ، من عرفك سعد ونجا ، ومن خالفك ضلّ وغوى وإلى الحميم هوى ، جلّت مناقبك عن التحديد وكثرت آثار نعتك عن التعديد (2).

ص: 386


1- « بحار الأنوار » 41 : 256 ، ح 17 ؛ نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 232 - 233.
2- المصدر السابق 41 : 257 - 258 ، ح 18 نقلا عن « كتاب اليقين » : 252 - 253.

[21] ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام : يا أمير المؤمنين ، لو أريتنا ما نطمئنّ إليه ممّا أنهى إليك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « لو رأيتم عجيبة من عجائبي لكفرتم وقلتم : ساحر كذّاب وكاهن وهو من أحسن قولكم » ، قالوا : ما منّا أحد إلاّ وهو يعلم أنّك ورثت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وصار إليك علمه قال : « علم العالم شديد ولا يحتمله إلاّ مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان وأيّده بروح منه ».

ثمّ قال : « أمّا إذا أبيتم الآن أريكم بعض عجائبي وما آتاني اللّه من العلم » فاتّبعه سبعون رجلا كانوا في أنفسهم خيار الناس من شيعته ، فقال لهم علیه السلام : « إنّي لست أريكم شيئا حتّى آخذ عليكم عهد اللّه وميثاقه ألاّ تكفروا بي ولا ترموني بمعضلة ، فو اللّه ما أريكم إلاّ ما علّمني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » ، فأخذ عليهم الميثاق أشدّ ما أخذه اللّه على رسله.

ثمّ قال : « حوّلوا وجوهكم عنّي حتّى أدعو بما أريد » ، فسمعوه بدعوات لم يسمعوا بمثلها ، ثمّ قال : « حوّلوا وجوهكم » ، فحوّلوها فإذا بها جنّات وأنهار وقصور من جانب والسعير تتلظّى من جانب ، حتّى أنّهم لم يشكّوا في معاينة الجنّة والنار فقال أحسنهم قولا : إنّ هذا السحر عظيم ورجعوا كفّارا إلاّ رجلين ، فلمّا رجع مع الرجلين قال لهما : « قد سمعتم مقالتهم وأخذي عليهم العهود والمواثيق ورجوعهم يكفرون ، أما واللّه إنّها لحجّتي عليهم غدا عند اللّه ، فإنّ اللّه يعلم أنّي لست بكاهن ولا ساحر ولا يعرف ذلك لي ولا لآبائي ، ولكنّه علم اللّه وعلم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنهاه اللّه إلى رسوله وأنهاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إليّ وأنهيته إليكم ، فإذا رددتم عليّ رددتم على اللّه ».

حتّى إذا صار إلى مسجد الكوفة دعا بدعوات فإذا حصى المسجد درّ وياقوت ، فقال لهما : « ما الذي تريان » قالا : هذا درّ وياقوت ، فقال : « لو أقسمت على ربّي فيما هو أعظم من هذا لأبرّ قسمي » فرجع أحدهما كافرا ، وأمّا الآخر فثبت فقال علیه السلام : « إن أخذت شيئا ندمت وإن تركت ندمت » فلم يدعه حرصه حتّى أخذ درّة فصيّرها في كمّه حتّى إذا أصبح نظر إليها فإذا هي درّة بيضاء لم ينظر الناس إلى مثلها فقال :

ص: 387

يا أمير المؤمنين علیه السلام ، إنّي أخذت من ذلك الدرّ واحدة ، قال : « وما دعاك إلى ذلك؟ » قال : أحببت أن أعلم أحقّ هو أم باطل؟ قال : « إنّك إن رددتها إلى الموضع الذي أخذتها منه عوّضك اللّه الجنّة ، وإن أنت لم تردّها عوّضك اللّه النار » ، فقام الرجل فردّها إلى موضعها الذي أخذها منه فحوّلها اللّه حصاة كما كانت. فبعضهم قال : كان هذا ميثم التمّار ، وقال بعضهم : بل كان عمرو بن الحمق الخزاعي (1).

[22] ومنها : ما يستفاد من حديث الراهب بأرض كربلاء ، وهو أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لمّا توجّه إلى صفّين لحق أصحابه عطش شديد ونفد ما كان عندهم من الماء ، فأخذوا يمينا وشمالا يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثرا ، فعدل بهم أمير المؤمنين علیه السلام عن الجادّة وسار قليلا ولاح لهم دير في وسط البريّة ، فسار بهم نحوه ، حتّى إذا صار في فنائه أمر من نادى ساكنه بالاطّلاع إليهم ، فنادوه فاطّلع فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « وهل قرب قائمك هذا من ماء يتغوّث به هؤلاء القوم؟ » فقال : هيهات بيني وبين الماء أكثر من فرسخين وما بالقرب منّي شيء من الماء ، ولو لا أنّني أوتي بما يكفيني كلّ شهر على التقتير لتلفت عطشا.

فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « أسمعتم ما قال الراهب؟ » قالوا : نعم ، أفتأمرنا بالمسير إلى حيث أومأ إليه لعلّنا أن ندرك الماء وبنا قوّة؟ فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « لا حاجة لكم إلى ذلك » ، ولوّى عنق بغلته وأشار بهم إلى مكان يقرب من الدير فقال : « اكشفوا الأرض في هذا المكان » ، فعدل منهم جماعة إلى الموضع فكشفوه بالمساحي ، فقال لهم : « إنّ هذه الصخرة على الماء فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء فاجتهدوا في قلعها » ، فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا واستصعب عليهم.

فلمّا رآهم علیه السلام قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في قلع الصخرة واستصعب عليهم لوّى رجله عن سرجه حتّى صار على الأرض ، ثمّ حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه

ص: 388


1- « بحار الأنوار » 41 : 259 - 260.

تحت جانب الصخرة ، فحرّكها ثمّ قلعها بيده ورمى بها أذرعا كثيرة فلمّا زالت من مكانها ظهر لهم بياض الماء فبادروا إليه فشربوا منه ، فكان أعذب ما شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه ، فقال لهم : « تزوّدوا وارتووا » ففعلوا ذلك ، ثمّ جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت فأمر أن يعفى أثرها بالتراب والراهب ينظر من فوق ديره ، فلمّا استوفى علم ما جرى نادى : أيّها الناس ، أنزلوني فاحتالوا في إنزاله ، فوقف بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام فقال له : يا هذا أنت نبيّ مرسل؟ قال : « لا » قال : فمن أنت؟ قال : « أنا وصيّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله محمّد بن عبد اللّه خاتم النبيّين » قال : ابسط يدك أسلم لله تبارك وتعالى على يدك ، فبسط أمير المؤمنين يده فقال : « اشهد الشهادتين » فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأشهد أنّك وصيّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وأحقّ الناس بالأمر من بعده.

فأخذ أمير المؤمنين علیه السلام شرائط الإسلام ، ثمّ قال : « ما الذي دعاك الآن إلى الإسلام بعد طول مقامك في هذا الدير على الخلاف؟ » قال : أخبرك يا أمير المؤمنين علیه السلام أنّ هذا الدير بني على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها ، وقد مضى عالم قبلي فلم يدركوا ذلك ، وقد رزقنيه اللّه عزّ وجلّ ، إنّا نجد في كتاب من كتابنا وأثر عن علمائنا في هذا الصقع عينا عليها صخرة لا يعرف بمكانها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ وأنّه لا بدّ من وليّ اللّه يدعو إلى الحقّ آيته معرفة مكان هذه الصخرة ، وقدرته على قلعها ، وإنّي لمّا رأيتك قد فعلت ذلك تحققت ما كنت منتظره وبلغت الأمنية منه فأنا اليوم مسلم على يدك ومؤمن بحقّك ومولاك.

فلمّا سمع أمير المؤمنين علیه السلام بكى حتّى اخضلّت لحيته من الدموع ، وقال : « الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكورا » ، ثمّ دعا الناس فقال : « اسمعوا ما يقول أخوكم المسلم » فسمعوا مقاله ، فكثر حمدهم لله وشكرهم على النعمة التي أنعم بها عليهم في معرفته بحقّ أمير المؤمنين علیه السلام ثمّ ساروا والراهب بين يديه في جملة أصحابه حتّى لقي أهل الشام ، وكان الراهب في جملة من استشهد معه ، فتولّى عليه الصلاة والسّلام

ص: 389

الصلاة عليه ودفنه وأكثر من الاستغفار له ، وكان إذا ذكره يقول : « ذاك مولاي » (1).

[23] ومنها : ما روي بالإسناد إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام أنّه قدم على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حبر من أحبار اليهود ، وقال : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قد أرسلوني إليك قومي أن عهد إلينا نبيّنا موسى أنّه يبعث بعدي نبيّ اسمه محمّد وهو عربيّ فامضوا إليه واسألوه أن يخرج لكم من جبل هناك سبع نوق حمر الوبر سود الحدق ، فإن أخرجها لكم فسلّموا عليه وآمنوا به واتّبعوا النور الذي أنزل معه وصيّا وهو سيّد الأنبياء ووصيّه سيّد الأوصياء ، وهو منه بمنزلة هارون من موسى علیه السلام فعند ذلك قال : « اللّه أكبر قم بنا يا أخا اليهود » قال : فخرج النبيّ صلی اللّه علیه و آله والمسلمون حوله إلى ظاهر المدينة ، وجاء إلى جبل فبسط البردة ، وصلّى ركعتين وتكلّم بكلام خفيّ فإذا الجبل يصرّ صريرا عظيما وانشقّ وسمع الناس حنين النوق فقال اليهودي : فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّك محمّدا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأنّ جميع ما جئت به حقّ وصدق وعدل ، يا رسول اللّه ، أمهلني حتّى أمضي إلى قومي وأجيء بهم ليقضوا عدتهم منك ويؤمنوا بك ، فمضى الحبر إلى قومه ، فأخبرهم بذلك.

فتجهّزوا بأجمعهم للمسير يطلبون المدينة ، فلمّا دخلوها وجدوها مظلمة لفقد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وقد انقطع الوحي من السماء ، وجلس مكانه أبو بكر ، فدخلوا عليه وقالوا : أنت خليفة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : نعم. قالوا : أعطنا عدتنا من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : وما عدتكم؟ قالوا : أنت أعلم بعدتنا إن كنت خليفته حقّا ، وإن كنت لم تعلم شيئا ما أنت خليفته ، فكيف جلست مجلس نبيّك بغير حقّ ولست له أهلا؟!

قال : فقام وقعد وتحيّر في أمره ولم يعلم ما ذا يصنع ، وإذا برجل من المسلمين فقال : اتّبعوني حتّى أدلّكم على خليفة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال : فخرجوا من بين يدي أبي بكر وتبعوا الرجل حتّى أتوا منزل الزهراء علیهاالسلام وطرقوا الباب وإذا بالباب قد فتح ،

ص: 390


1- « إعلام الورى » 1 : 246 - 248 : « الإرشاد » 1 : 334 - 337.

وإذا بعليّ قد خرج وهو شديد الحزن على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فلمّا رآهم قال : « أيّها اليهود ، تريدون عدتكم من رسول اللّه؟ » قالوا : نعم ، فخرج معهم فسار إلى ظاهر المدينة إلى الجبل الذي صلّى عنده رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فلمّا رأى مكانه تنفّس الصعداء وقال : بأبي وأمّي من كان بهذا الجبل هنيئة ثمّ صلّى ركعتين وإذا بالجبل قد انشقّ وخرجت النوق منه وهي سبع نوق ، فلمّا رأوا ذلك قالوا بلسان واحد : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّك الخليفة من بعده ، وأنّ

ما جاء به من عند ربّنا هو الحقّ ، وأنّك خليفته حقّا ووصيّه ووارث علمه فجزاك اللّه وجزاه عن الإسلام خيرا ، ثمّ رجعوا إلى بلادهم مسلمين موحّدين (1).

[24] ومنها : ما روي عن ميثم التمّار أنه قال : كنت بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام في جامع الكوفة في جماعة من أصحابه وأصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهو كأنّه البدر بين الكواكب إذ دخل علينا من باب المسجد رجل طويل عليه قباء خزّ أدكن وقد اعتمّ بعمامة صفراء وهو متقلّد بسيفين ، فدخل وبرك بغير سلام ولم ينطق بكلام ، فتطاولت إليه الأعناق ونظروا إليه بالآماق ، وقد وقف عليه الناس من جميع الآفاق ، ومولانا أمير المؤمنين علیه السلام لا يرفع رأسه إليه ، فلمّا هدأت من الناس الحواسّ أفصح من لسان كأنّه حسام جذب من غمده ، أيّكم المجتبى في الشجاعة والمعمّم بالبراعة؟ أيّكم المولود في الحرم والعالي في الشيم والموصوف بالكرم؟ أيّكم أصلع الرأس والبطل الدعّاس والمضيّق للأنفاس والآخذ بالقصاص؟ أيّكم غصن أبي طالب علیه السلام الرطيب وبطله المهيب والسهم المصيب والقسم النجيب؟ أيّكم خليفة محمّد صلی اللّه علیه و آله الذي نصره في زمانه وأعزّ به سلطانه وعظم به شأنه؟

فعند ذلك رفع أمير المؤمنين علیه السلام رأسه إليه فقال : « ما لك يا با سعد بن الفضل بن الربيع بن المدركة بن نجيبة بن صلت بن الحارث بن عوان بن الأشعث بن أبي السمع

ص: 391


1- « بحار الأنوار » 41 : 270 - 271 نقلا عن « الفضائل » لابن شاذان : 129 - 130.

الرومي؟ اسأل عمّا شئت أنا عيبة علم النبوّة ».

قال : قد بلغنا عنك أنّك وصيّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وخليفته على قومه بعده ، وأنّك محلّ المشكلات ، وأنا رسول إليك من ستّين ألف رجل يقال لهم : العقيمة ، وقد حمّلوني ميّتا قد مات من مدّة وقد اختلفوا في سبب موته وهو بباب المسجد ، فإن أحييته علمنا أنّك صادق نجيب الأصل وتحقّقنا أنّك حجّة اللّه في أرضه وخليفة محمّد صلی اللّه علیه و آله على قومه ، وإن لم تقدر على ذلك رددناه إلى قومه وعلمنا أنّك تدّعي غير الصواب ، وتظهر من نفسك ما لا تقدر عليه.

قال أمير المؤمنين علیه السلام : « يا ميثم اركب بعيرك وناد في شوارع الكوفة ومحالّها : من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه اللّه عليّا أخا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وزوج ابنته من العلم الربّاني ، فليخرج إلى النجف » فخرج الناس إلى النجف ، فقال الإمام علیه السلام : « يا ميثم ، هات الأعرابي وصاحبه » ، فخرجت فرأيته راكبا تحت القبّة التي فيها الميّت ، فأتيت بهما إلى النجف فعند ذلك قال عليّ علیه السلام : « قولوا فينا ما ترون وارووا عنّا ما تشاهدونه منّا ».

ثمّ قال : « يا أعرابي ، أبرك الجمل وأخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين ».

قال ميثم : فأخرجت تابوتا وفيه وطء ديباج أخضر وفيها غلام أوّل ما تمّ عذاره على خدّه بذوائب كذوائب الامرأة الحسناء ، فقال عليّ بن أبي طالب علیه السلام : « كم لميّتكم؟ » قال : أحد وأربعون يوما وقال : « ما سبب موته؟ » فقال الأعرابي : يا فتى إنّ أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله ؛ لأنّه بات سالما وأصبح مذبوحا من أذنه إلى أذنه ، ويطالب بدمه خمسون رجلا يقصد بعضهم بعضا فاكشف الشكّ والريب يا أخا محمّد.

قال الإمام علیه السلام : « قتله عمّه ؛ لأنّه زوّجه ابنته فخلاّها وتزوّج بغيرها فقتله حنقا عليه ».

قال الأعرابي : لسنا نقنع بقولك فإنّا نريد أن يشهد لنفسه عند أهله ، لترتفع الفتنة والسيف والقتال ، فعند ذلك قام الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام فحمد اللّه وأثنى عليه

ص: 392

وذكر النبيّ وقال : « يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل بأجلّ عند اللّه منّي قدرا وأنا أخو رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأنّها أحيت ميّتا بعد سبعة أيّام ».

ثمّ دنا أمير المؤمنين علیه السلام من الميّت وقال : « إنّ بقرة بني إسرائيل ضرب ببعضها الميّت فعاش ، وأنا أضرب بهذا الميّت ببعضي ؛ لأنّ بعضي خير من البقرة كلّها » ، ثمّ هزّه برجله وقال له : « قم بإذن اللّه يا مدرك بن حنظلة بن غسّان بن بحير بن قهر بن سلامة بن الطيب بن الأشعب ، فقد أحياك اللّه تعالى على يد عليّ بن أبي طالب علیه السلام ».

قال ميثم التمّار : فنهض غلام أضوأ من الشمس أضعافا ومن القمر أوصافا فقال : لبّيك لبّيك يا حجّة اللّه على الأنام ، المتفرّد بالفضل والإنعام فعند ذلك قال : « يا غلام من قتلك؟ » قال : قتلني عمّي الحارث بن غسّان ، قال له الإمام علیه السلام : « انطلق إلى قومك فأخبرهم بذلك » ، فقال : يا مولاي لا حاجة لي إليهم أخاف أن يقتلوني مرّة أخرى ولا يكون عندي من يحييني.

قال : فالتفت الإمام إلى صاحبه وقال له : « امض إلى أهلك فأخبرهم » ، قال : يا مولاي ، واللّه لا أفارقك بل أكون معك حتّى يأتي اللّه بأجلي من عنده فلعن اللّه من اتّضح له الحقّ ، وجعل بينه وبين الحقّ سرّا ولم يزل بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام حتّى قتل بصفّين ، ثمّ إنّ أهل الكوفة رجعوا إلى الكوفة واختلفوا أقوالا فيه (1).

[25] ومنها : ما روي عن عمّار بن ياسر وزيد بن أرقم قالا : كنّا بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام وكان يوم الاثنين لسبع عشر خلت من صفر وإذا بزعقة عظيمة ملأت المسامع وكان على دكّة القضاة فقال : « يا عمار ، ائتني بذي الفقار » وكان وزنه سبعة أمنان وثلثي منّ مكّي فجئت به فانتضاه من غمده وتركه على فخذه وقال : « يا عمّار ، هذا يوم أكشف فيه لأهل الكوفة الغمّة ؛ ليزداد المؤمن وفاقا والمخالف نفاقا ، يا عمّار ائت بمن على الباب ».

ص: 393


1- « بحار الأنوار » 40 : 274 - 277 نقلا عن « الفضائل » لابن شاذان : 3 - 6.

قال عمّار : فخرجت وإذا على الباب امرأة في قبّة على جمل وهي تشتكي وتصيح : يا غياث المستغيثين ، ويا بغية الطالبين ، ويا كنز الراغبين ، ويا ذا القوّة المتين ، ويا مطعم اليتيم ، ويا رازق العديم ، ويا محيي كلّ عظم رميم ، ويا قديم سبق قدمه كلّ قديم ، يا عون من ليس له عون ولا معين ، يا طود من لا طود له ، يا كنز من لا كنز له ، إليك توجّهت وبوليّك توسّلت وخليفة رسولك قصدت ، فبيّض وجهي وفرّج عنّي كربتي.

قال عمّار : وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة قوم لها وقوم عليها ، فقلت : أجيبوا أمير المؤمنين علیه السلام أجيبوا عيبة (1) علم النبوّة ، قال : فنزلت المرأة من القبّة ونزل القوم معها ودخلوا المسجد فوقفت المرأة بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام وقالت : يا مولاي يا أمير المؤمنين علیه السلام ، ويا إمام المتّقين إليك أتيت وإيّاك قصدت فاكشف كربتي وما بي من غمّة ، فإنّك قادر على ذلك وعالم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

فعند ذلك قال : « يا عمّار ، ناد في الكوفة : من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه اللّه أخا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فليأت المسجد ».

قال : فاجتمع الناس حتّى امتلأ المسجد ، فقام أمير المؤمنين علیه السلام قال : « سلوني ما بدا لكم يا أهل الشام » فنهض من بينهم شيخ قد شاب ، عليه بردة يمانية فقال : السّلام عليك يا أمير المؤمنين علیه السلام ويا كنز الطالبين ، يا مولاي هذه الجارية ابنتي قد خطبها ملوك العرب ، وقد نكست رأسي بين يدي عشيرتي ، وأنا موصوف بين العرب ، وقد فضحتني في أهلي ورجالي؟ لأنّها عاتق (2) حامل وأنا فليس بن عفريس لا تخمد لي نار ولا يضام لي جار وقد بقيت حائرا في أمري فاكشف لي هذه الغمّة ، فإنّ الإمام خبير بالأمر وهذه غمّة عظيمة لم أر مثلها ولا أعظم منها.

فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « ما تقولين يا جارية ، فيما قال أبوك؟ » قالت : يا مولاي أمّا قوله : أنا عاتق فصدق. وأمّا قوله : إنّي حامل فو حقّك يا مولاي ما علمت من

ص: 394


1- عيبة الرجل : موضع سرّه.
2- جارية عاتق ، أي شابّة أوّل ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج.

نفسي خيانة قطّ ، وإنّي أعلم أنّك أعلم بي منّي ، وإنّي ما كذبت فيما قلت ، ففرّج عنّي يا مولاي.

قال عمّار : فعند ذلك أخذ الإمام ذا الفقار وصعد المنبر ، فقال : « اللّه أكبر اللّه أكبر ، جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا » ، ثمّ قال علیه السلام : « عليّ بداية الكوفة ».

فجاءت امرأة تسمّى لبناء وهي قابلة لنساء أهل الكوفة ، فقال : « اضربي بينك وبين الناس حجابا وانظري في هذه الجارية عاتق حامل أم لا؟ » ففعلت ما أمر به ، ثمّ خرجت وقالت : نعم ، يا مولاي هي عاتق حامل.

فعند ذلك التفت الإمام إلى أبي الجارية وقال : « يا أبا الغضب ألست من قرية كذا وكذا من أعمال دمشق؟ » قال : وما هذه القرية؟ قال : « هي قرية تسمّى أسعار؟ » قال : بلى يا مولاي ، قال : « ومن منكم يقدر على قطعة ثلج في هذه الساعة؟ » قال : يا مولاي ، الثلج في بلادنا كثير ولكن لا نقدر عليه هاهنا ، فقال علیه السلام : « بيننا وبينكم مائتان وخمسون فرسخا؟ » قال : نعم يا مولاي ، ثمّ قال علیه السلام : « أيّها الناس ، انظروا ما أعطاه اللّه عليّا من العلم النبويّ والذي أودعه اللّه ورسوله من العلم الربّاني ».

قال : عمّار بن ياسر : فمدّ يده من أعلى منبر الكوفة وردّها وإذا فيها قطعة من الثلج يقطر الماء منها ، فعند ذلك ضجّ الناس وماج الجامع بأهله فقال علیه السلام : « اسكتوا ولو شئت أتيت بجبالها ».

ثمّ قال : « يا داية ، خذي هذه القطعة من الثلج وأخرجي بالجارية من المسجد واتركي تحتها طشتا ، وضعي هذه القطعة ممّا يلي الفرج فسترين علقة وزنها سبعمائة وخمسون درهما ودانقان » ، فقالت : سمعا وطاعة لله ولك يا مولاي.

ثمّ أخذتها وخرجت بها من الجامع وجاءت بطشت فوضعت الثلج على الموضع كما أمرها علیه السلام فرمت علقة وزنتها الداية فوجدتها كما قال علیه السلام فأقبلت الداية والجارية فوضعت العلقة بين يديه قال : « يا أبا الغضب ، خذ ابنتك فو اللّه ما زنت ، وإنّما دخلت الموضع فيه الماء فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي بنت عشر سنين

ص: 395

وكبرت إلى الآن في بطنها ».

فنهض أبوها وهو يقول : أشهد أنّك تعلم ما في الأرحام وما في الضمائر ، وأنت باب الدين وعموده ، قال : فضجّ الناس عند ذلك وقالوا : يا أمير المؤمنين ، لنا اليوم خمس سنين لم تمطر السماء علينا وقد أمسك عن الكوفة هذه المدّة وقد مسّنا وأهلنا الضرّ فاستسق لنا يا وارث محمّد صلی اللّه علیه و آله فعند ذلك قام في الحال فأشار بيده قبل السماء فسال الغيث حتّى بقيت الكوفة غدرانا فقالوا : يا أمير المؤمنين ، كفانا وروينا ، فتكلّم بكلام فمضى الغيث وانقطع المطر وطلعت الشمس ، فلعن اللّه الشاكّ في فضل عليّ بن أبي طالب (1).

[26] ومنها : ما روي عن أبي المليح الهذلي ، عن أبيه قال : كنّا جلوسا عند عمر بن الخطّاب ، إذ دخل علينا رجل من أهل الروم قال له : أنت من العرب؟ قال : نعم ، قال : أما إنّي أسألك عن ثلاثة أشياء فإن خرجت إلي منها آمنت بك وصدّقت نبيّك محمّدا.

قال : سل عمّا بدا لك يا كافر ، قال : أخبرني عمّا لا يعلمه اللّه ، وعمّا ليس لله ، وعمّا ليس عند اللّه.

قال عمر : ما أتيت يا كافر إلاّ كفرا ، إذ دخل علينا أخو رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقال لعمر : « أراك مغتمّا؟ » فقال : وكيف لا أغتمّ يا بن عمّ رسول اللّه ، وهذا الكافر يسألني عمّا لا يعلمه اللّه ، وعمّا ليس لله ، وعمّا ليس عند لله ، فهل لك في هذا شيء يا أبا الحسن؟ قال : « نعم ».

قال : فرّج اللّه عنك وإلاّ قد تصدّع قلبي ، فقد قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أحبّ أن يدخل المدينة فليقرع الباب » ، فقال : « أمّا ما لا يعلمه اللّه فلا يعلم اللّه أنّ له شريكا ولا وزيرا ولا صاحبة ولا ولدا وشرحه في القرآن ( قُلْ

ص: 396


1- « بحار الأنوار » 40 : 277 - 280 ، ح 42 نقلا عن « الفضائل » لابن شاذان : 153 - 155.

أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِما لا يَعْلَمُ ) (1) ، وأمّا ما ليس عند اللّه فليس عنده ظلم للعباد ، وأمّا ما ليس لله فليس له ضدّ ولا ندّ ولا شبه ولا مثل ».

قال : فوثب عمر وقبّل ما بين عيني عليّ علیه السلام ثمّ قال : يا أبا الحسن ، منكم أخذنا العلم وإليكم يعود ، ولو لا عليّ لهلك عمر ، فما برح النصرانيّ حتّى أسلم وحسن إسلامه (2).

[27] ومنها : وعن أبي عبد اللّه علیه السلام قال أتي عمر بن الخطّاب بامرأة قد تعلّقت برجل من الأنصار وكانت تهواه ولم تقدر على حيلة ، فذهبت وأخذت بيضة فأخرجت منها الصفرة وصبّت البياض على ثيابها وبين فخذيها ، ثمّ جاءت إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين ، إنّ هذا الرجل قد أخذني في موضع كذا وكذا ففضحني ، فقال : فهمّ عمر أن يعاقب الأنصاريّ فجعل الأنصاريّ يحلف وأمير المؤمنين علیه السلام جالس ويقول : يا أمير المؤمنين ، تثبّت في أمري ، فلمّا أكثر الفتى قال عمر لأمير المؤمنين علیه السلام : يا أبا الحسن ما ترى؟

فنظر أمير المؤمنين علیه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتّهمها أن تكون احتالت لذلك قال : « ائتوني بماء حارّ قد أغلي غليانا شديدا » ففعلوا ، فلمّا أتي بالماء أمرهم فصبّوا على موضع البياض فاشتوى ذلك البياض ، فأخذه أمير المؤمنين علیه السلام فألقاه في فيه ، فلمّا عرف طعمه ألقاه من فيه ثمّ أقبل على المرأة حتّى أقرّت بذلك ، ودفع اللّه عزّ وجلّ من الأنصاريّ عقوبة عمر (3).

[28] ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « أتي عمر بامرأة وزوجها شيخ ، فلمّا أن واقعها مات على بطنها فجاءت بولد فادّعى بنوه أنّها فجرت فتشاهدوا عليها وأمر عمر بها أن ترجم فمرّ بها عليّ علیه السلام فقالت : يا ابن عمّ رسول اللّه ، إنّ لي حجّة

ص: 397


1- يونس (10) : 18.
2- « بحار الأنوار » 40 : 286 ، ح 42.
3- « الكافي » 6 : 423 ، باب النوادر ، ح 6 ؛ « تهذيب الأحكام » 6 : 304 ، ح 55 من باب الزيادات في القضايا والأحكام ؛ « بحار الأنوار » 40 : 303 ، ح 79.

فقال : « هاتي حجّتك » ، فدفعت إليه كتابا فقرأه فقال : « هذه المرأة تعلمكم بيوم تزوّجها ويوم واقعها وكيف كان جماعه لها ، ردّوا المرأة ».

فلمّا كان من الغد دعا بصبيان أتراب ودعا بالصبيّ معهم فقال : « العبوا » حتّى إذا ألهاهم اللعب فقال لهم : « اجلسوا » حتّى إذا تمكّنوا صاح بهم ، فقام الصبيان وقام الغلام فاتّكأ على راحتيه فدعا به عليّ علیه السلام فورثه من أبيه وجلد إخوته حدّا - حدّ المفتري - فقال له عمر : كيف صنعت؟ قال : « عرفت ضعف الشيخ في اتّكاء الغلام على راحتيه » (1).

[29] ومنها : عن أبي عبد اللّه علیه السلام « أن رجلا قد أقبل على عهد عليّ علیه السلام من الجبل حاجّا ومعه غلام له فأذنب فضربه مولاه ، فقال : ما أنت مولاي بل أنا مولاك قال : فما زال ذا يتواعد ذا ، وذا يتواعد ذا ويقول : كما أنت حتّى نأتي الكوفة يا عدوّ اللّه فأذهب بك إلى أمير المؤمنين.

فلمّا أتيا الكوفة أتيا أمير المؤمنين فقال الذي ضرب الغلام : أصلحك اللّه إنّ هذا غلام لي وأنّه أذنب فضربته فوثب عليّ وقال الآخر : هو واللّه غلام لي أرسلني أبي معه ليعلّمني وأنّه وثب عليّ يدّعيني ليذهب بمالي ، قال : فأخذ هذا يحلف وهذا يحلف وذا يكذّب هذا وذا يكذّب هذا.

قال : فقال : « فانطلقا فتصادقا في ليلتكم هذه ولا تجيئاني إلاّ بحقّ » ، فلمّا أصبح أمير المؤمنين علیه السلام قال لقنبر : « اثقب في الحائط ثقبين » قال : وكان إذا أصبح عقّب حتّى تصير الشمس على رمح يسبّح ، فجاء الرجلان واجتمع الناس فقالوا : لقد وردت علينا قضيّة ما ورد علينا مثلها لا يخرج منها فقال لهما : « قوما فإنّي لست أراكما تصدقان » ، ثمّ قال لأحدهما : « ادخل رأسك في هذا الثقب » ، ثمّ قال للآخر :

ص: 398


1- « الكافي » 7 : 424 - 425 ، باب النوادر ، ح 7 ؛ « تهذيب الأحكام » 6 : 306 - 307 ، ح 57 من باب الزيادات في القضايا والأحكام.

« ادخل رأسك في هذا الثقب » ، ثمّ قال : « يا قنبر عليّ بسيف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عجّل بضرب رقبة العبد منهما » ، قال : فأخرج الغلام رأسه مبادرا ومكث الآخر في الثقب ، فقال عليّ علیه السلام للغلام : « ألست تزعم أنّك لست بعبد؟ » فقال : بلى ، ولكنّه ضربني وقعد عليّ فقال : فتوثّق له أمير المؤمنين علیه السلام فدفعه إليه (1).

[30] ومنها : ما روي عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « أتي عمر بن الخطّاب بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت ، وكانت من قصّتها أنّها كانت يتيمة عند رجل ، وكان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله فشبّت اليتيمة ، فتخوّفت المرأة أن يتزوّجها زوجها ، فدعت بنسوة حتّى أمسكنها فأخذت عذرتها بإصبعها ، فلمّا قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة فأقامت البيّنة من جاراتها التي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها؟ ثمّ قال للرجل : ائت عليّ بن أبي طالب علیه السلام وأذهب بها إليه فأتوا عليّا علیه السلام وقصّوا عليه القصّة فقال لامرأة الرجل : « ألك بيّنة أو برهان؟ » قالت : لي شهود ، وهؤلاء جاراتي يشهدون عليها بما أقول ، وأحضرتهنّ فأخرج عليّ علیه السلام السيف من غمده فطرح بين يديه وأمر بكلّ واحدة منهنّ فأدخلت بيتا ، ثمّ دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه ، ودعا إحدى الشهود وجثا على ركبتيه ثمّ قال : « تعرفيني أنا عليّ بن أبي طالب علیه السلام وهذا سيفي ، وقد قالت امرأة الرجل ما قالت ورجعت إلى الحقّ فأعطيتها الأمان ، وإن لم تصدّقيني لأملأنّ السيف منك » فالتفتت إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين الأمان على الصدق ، فقال لها عليّ علیه السلام : « فاصدقي » فقالت : لا واللّه إلاّ أنّها رأت جمالا وهيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر ودعتنا فأمسكناها فافتضّتها بإصبعها.

فقال علیه السلام : « اللّه أكبر أنا أوّل من فرّق بين الشهود إلاّ دانيال النبيّ علیه السلام » وألزمهنّ

ص: 399


1- « بحار الأنوار » 40 : 308 ، ح 82.

عليّ علیه السلام حدّ القاذف والزمهنّ جميعا العقر وجعل عقرها أربعمائة درهم ، وأمر المرأة أن تنفى من زوجها ويطلّقها زوجها وزوّجه الجارية وساق عنه عليّ علیه السلام فقال : « إنّ دانيال كان يتيما لا أمّ له ولا أب ، وإنّ امرأة من بني إسرائيل عجوزا كبيرة ضمّته فربّته ، وإنّ ملكا من ملوك بني إسرائيل كان له قاضيان وكان لهما صديق وكان رجلا صالحا ، وكانت له امرأة بهيّة ، وكان يأتي الملك فيحدّثه فاحتاج الملك إلى رجل يبعثه في بعض أموره ، فقال للقاضيين : اختارا رجلا أرسله في بعض أموري ، فقالا : فلان ، فوجّهه الملك فقال الرجل للقاضيين : أوصيكما بامرأتي خيرا ، فقالا : نعم ، فخرج الرجل فكان القاضيان يأتيان باب الصديق فعشقا امرأته فراوداها عن نفسها فأبت ، فقالا لها : واللّه لئن لم تفعلي لنشهدنّ عليك عند الملك بالزنى ، ثمّ لنرجمنّك فقالت : افعلا ، ما أحببتما.

فأتيا الملك فأخبراه وشهدا عنده أنّها بغت ، فدخل الملك من ذلك أمر عظيم واشتدّ بها غمّه ، وكان بها معجبا ، فقال لهما : إنّ قولكما مقبول ولكن ارجموها بعد ثلاثة أيّام ، ونادى في البلد الذي هو فيه : احضروا قتل فلانة العابدة فإنّها قد بغت ، وإنّ القاضيين قد شهدا عليها بذلك وأكثر الناس في ذلك ، وقال الملك لوزيره : ما عندك في هذه الحيلة؟ فقال : ما عندي في ذلك من شيء.

فخرج الوزير اليوم الثالث وهو آخر أيّامها ، فإذا هو بغلمان عراة يلعبون وفيهم دانيال علیه السلام وهو لا يعرفه فقال دانيال علیه السلام : « يا معشر الصبيان تعالوا حتّى أكون أنا الملك ، وتكون أنت فلانة العابدة ، ويكون فلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها ، ثمّ جمع ترابا وجعل سيفا من قصب وقال للصبيان : خذوا بيد هذا فنحّوه إلى مكان كذا وكذا ، ثمّ دعا بأحدهما فقال له : قل حقّا فإنّك إن لم تقل حقّا قتلتك ، بم تشهد؟ والوزير قائم يسمع وينظر ، فقال : أشهد أنّها بغت ، فقال : متى؟ قال : يوم كذا وكذا ، قال : مع من؟ قال : مع فلان بن فلان ، قال : أين؟ قال : موضع كذا وكذا قال : ردّوه إلى مكانه.

وجاءوا بالآخر ، فقال له : بم تشهد؟ قال : أشهد أنّها بغت ، قال : متى؟ قال : يوم كذا

ص: 400

وكذا قال : مع من؟ قال : فلان بن فلان ، قال : وأين؟ قال : موضع كذا وكذا ، فخالف صاحبه فقال دانيال علیه السلام : اللّه أكبر شهدا بزور يا فلان ناد في الناس : إنّما شهدا على فلانة بزور فاحضروا قتلهما ، فذهب الوزير إلى الملك مبادرا فأخبره الخبر ، فبعث الملك إلى القاضيين فاختلفا كما اختلف الغلامان ، فنادى الملك في الناس فأمر بقتلهما وبصلبهما » (1).

[31] ومنها : ما روي عن أنس ، عن عمر بن الخطّاب ، أنّ عليّا علیه السلام رأى حيّة تقصده وهو في مهده ، وقد شدّت يداه في حال صغره ، فحوّل نفسه وأخرج يده وأخذ بيمينه عنقها وغمزها غمزة حتّى أدخل أصابعه فيها ، وأمسكها حتّى ماتت ، فلمّا رأت ذلك أمّه نادت واستغاثت فاجتمع الحشم ، ثمّ قالت : كأنّك حيدرة. حيدرة : اللّبوة إذا غضبت من قبل أذى أولادها (2).

[32] ومنها : ما روي عن محمّد بن الحنفيّة قال : لمّا رجع أمير المؤمنين علیه السلام من صفّين وسقى القوم من الماء التي تحت الصخرة التي قلبها أراد ليقعد لحاجته ، فقال بعض منافقي عسكره : سوف أنظر إلى سوأته وإلى ما يخرج منه فإنّه يدّعي مرتبة النبيّ لأخبر أصحابي بكذبه.

فقال عليّ علیه السلام لقنبر : « يا قنبر ، اذهب إلى تلك الشجرة وإلى التي تقابلها - وكان بينهما أكثر من فرسخ - فنادهما : إنّ وصيّ محمّد يأمركما أن تتلاصقا » فقال قنبر : يا أمير المؤمنين ، أو يبلغهما صوتي؟

قال عليّ علیه السلام : « إنّ الذي يبلغ بصر عينك السماء وبينك وبينهما مسيرة خمسمائة عام سيبلّغهما صوتك » ، فذهب قنبر فنادى فسعت إحداهما إلى الأخرى سعي المتحابّين ، طالت غيبة أحدهما عن الآخر واشتدّ إليه شوقه وانضمّا ، فقال قوم من

ص: 401


1- « بحار الأنوار » 40 : 309 - 311 ، ح 83 نقلا عن « الكافي » 7 : 425 ، باب النوادر ، ح 9 ؛ « تهذيب الأحكام » 6 : 308 - 310 ، ح 59.
2- « بحار الأنوار » 41 : 275.

منافقي العسكر : إنّ عليّا يضاهي في سحره رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ابن عمّه ما ذلك رسول اللّه ولا هذا إمام وإنّما هما ساحران ، لكنّا سندور من خلفه لننظر إلى عورته وما يخرج منه ، فأوصل اللّه عزّ وجلّ ذلك إلى أذن عليّ علیه السلام من قبلهم ، فقال جهرا : « يا قنبر ، إنّ المنافقين أرادوا مكايدة وصيّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وظنّوا أنّه لا يمتنع منه إلاّ بالشجرتين ، فارجع إليهما يعني الشجرتين فقل لهما : إنّ وصيّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يأمركما أن تعودا إلى مكانكما » ففعل ما أمره به ، فانقلعتا وعدت كلّ واحدة تفارق الأخرى كهزيمة الجبان من الشجاع البطل.

ثمّ ذهب عليّ علیه السلام ورفع ثوبه ليقعد وقد مضى من المنافقين جماعة لينظروا إليه ، فلمّا رفع ثوبه أعمى اللّه أبصارهم فلم يبصروا شيئا ، فولّوا عنه وجوههم فأبصروا كما كانوا يبصرون ، فنظروا إلى جهته فعموا فما زالوا ينظرون إلى جهته فيعمون ويصرفون عنه وجوههم فيبصرون ، إلى أن فرغ عليّ علیه السلام وقام ورجع ، وذلك ثمانون مرّة من كلّ واحد ، ثمّ ذهبوا ينظرون ما خرج عنه فاعتقلوا في مواضعهم فلم يقدروا أن يروها فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف أصابهم ذلك مائة مرّة ، حتّى نودي فيهم بالرحيل فرحلوا وما وصلوا إلى ما أرادوا من ذلك ، ولم يزدهم ذلك إلاّ عتوّا وطغيانا وتماديا في كفرهم وعنادهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا إلى هذا العجب من هذه آياته ومعجزاته ، يعجز عن معاوية وعمر ويزيد فنظروا فأوصل اللّه ذلك من قبلهم إلى أذنه.

فقال عليّ علیه السلام : « يا ملائكة ائتوني بمعاوية وعمر ويزيد » ، فنظروا في الهواء فإذا ملائكة كأنّهم السودان قد علق كلّ واحد منهم بواحد فأنزلوهم إلى حضرته ، فإذا أحدهم معاوية والآخر عمر والآخر يزيد فقال عليّ علیه السلام : « تعالوا فانظروا إليهم أما لو شئت لقتلتهم ولكنّي أنظرهم كما أنظر اللّه عزّ وجلّ إبليس إلى الوقت المعلوم ، إنّ الذي ترونه بصاحبكم ليس بمعجز ولا ذلّ ، ولكنّه محنة من اللّه عزّ وجلّ ينظر كيف تعملون ، ولئن طعنتم على عليّ فلقد طعن الكافرون والمنافقون قبلكم على رسول ربّ العالمين ».

ص: 402

فقال : « إنّ من طاف ملكوت السماوات والجنان في ليلة ورجع كيف يحتاج إلى أن يهرب ويدخل النار ويأتي إلى المدينة من مكّة في أحد عشر يوما ، وإنّما هو من اللّه إذا شاء أراكم القدرة لتعرفوا صدق أنبياء اللّه وإذا شاء امتحنكم بما تكرهون ؛ لينظر كيف تعملون وليظهر حجّته عليكم » (1).

[33] ومنها : ما روي عن جابر الأنصاريّ قال : جاء العبّاس إلى عليّ علیه السلام يطالبه بميراث النبيّ صلی اللّه علیه و آله فقال له : « ما كان لرسول اللّه شيء يورث إلاّ بغلته دلدل وسيفه ذو الفقار ودرعه وعمامته السحاب وأنا أربأ بك أن تطالب بما ليس لك » فقال : لا بدّ من ذلك ، وأنا أحقّ وأنا عمّه ووارثه دون الناس كلّهم ، فنهض أمير المؤمنين علیه السلام ومعه الناس حتّى دخل المسجد.

ثمّ أمر إحضار الدرع والعمامة والسيف والبغلة فأحضر فقال للعبّاس : « يا عمّ ، إن أطقت النهوض بشيء منها فجميعه لك ، فإنّ ميراث الأنبياء لأوصيائهم دون العالم ولأولادهم ، فإن لم تطق النهوض فلا حقّ لك فيه » قال : نعم ، فألبسه أمير المؤمنين علیه السلام الدرع بيده وألقى عليه العمامة والسيف ، ثمّ قال : « انهض بالسيف والعمامة يا عمّ » فلم يطق النهوض فأخذ السيف منه وقال له : « انهض بالعمامة فإنّه آية من نبيّنا صلی اللّه علیه و آله » فأراد النهوض فلم يقدر على ذلك وبقي متحيّرا.

ثمّ قال له : « يا عمّ ، وهذه البغلة بالباب لي خاصّة ولولديّ فإن أطقت ركوبها فاركبها » ، فخرج ومعه عدوي فقال له : يا عمّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، خدعك عليّ فيما كنت فيه ، فلا تخدع نفسك في البغلة إذا وضعت رجلك في الركاب فاذكر اللّه وسمّ واقرأ ( إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ) (2).

قال : فلمّا نظرت البغلة إليه مقبلا مع العبّاس نفرت وصاحت صياحا ما سمعناه

ص: 403


1- « التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري » : 165 - 168.
2- فاطر (35) : 41.

منها قطّ ، فوقع العبّاس مغشيّا عليه واجتمع الناس وأمر بإمساكها فلم يقدر عليها ، ثمّ دعا علي علیه السلام البغلة باسم ما سمعناه فجاءت خاضعة ذليلة فوضع رجله في الركاب ووثب عليها فاستوى عليها راكبا ، فاستدعى أن يركب الحسن والحسين علیهماالسلام فأمرهما بذلك ، ثمّ لبس عليّ الدرع والعمامة والسيف وركبها وسار عليها إلى منزله وهو يقول : « هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أنا وهما أم تكفر أنت يا فلان؟ » (1).

[34] ومنها : ما روي عن سلمان الفارسيّ قال : كنّا مع مولانا أمير المؤمنين علیه السلام فقلت : يا أمير المؤمنين ، أحبّ أن أرى من معجزاتك شيئا ، قال علیه السلام : « أفعل إن شاء اللّه تعالى عزّ وجلّ » ثمّ قام ودخل منزله ثمّ خرج إليّ وتحته فرس أدهم وعليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء ، ثمّ نادى : « يا قنبر ، أخرج إليّ ذلك الفرس » ، فأخرج فرسا آخر أدهم فقال علیه السلام : « اركب يا عبد اللّه » قال سلمان : فركبته فإذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه قال : فصاح به الإمام علیه السلام فتعلّق في الهواء فكنت أسمع حفيف أجنحة الملائكة وتسبيحها تحت العرش ، ثمّ خطونا على ساحل بحر عجاج مغطمط الأمواج ، فنظر إليه الإمام شزرا فسكن البحر من غليانه ، فقلت له : يا مولاي ، أسكن البحر من غليانه من نظرك إليه؟ فقال : صلوات اللّه عليه وآله : « يا سلمان ، خشي أن آمر فيه بأمر ».

ثمّ قبض أمير المؤمنين على يدي وسار على وجه الماء والفرسان تتبعاننا لا يقودهما أحد فو اللّه ما أبلّت أقدامنا ولا حوافر الخيل.

قال سلمان : فعبرنا ذلك البحر ورفعنا إلى جزيرة كثيرة الأشجار والأثمار والأطيار والأنهار ، وإذا شجرة عظيمة بلا صدع ولا زهر فهزّها علیه السلام بقضيب كان في يده فانشقّت وخرجت منها ناقة طولها ثمانون ذراعا وعرضها أربعون ذراعا وخلفها قلوص ، فقال علیه السلام : « ادن منها واشرب من لبنها » ، قال سلمان : فدنوت منها وشربت حتّى رويت ، وكان لبنها أعذب من الشهد ، وألين من الزبد وقد اكتفيت قال علیه السلام : « هذا

ص: 404


1- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 363.

حسن يا سلمان؟ » فقلت : مولاي حسن ، فقال علیه السلام : « تريد أن أريك ما هو أحسن منه؟ » فقلت : نعم يا أمير المؤمنين.

قال سلمان : فنادى مولاي أمير المؤمنين علیه السلام : « اخرجي يا حسناء » قال : فخرجت ناقة طولها عشرون ومائة ذراع وعرضها ستّون ذراعا ورأسها من الياقوت الأحمر وصدرها من العنبر الأشهب وقوائمها من الزبرجد الأخضر وزمامها من الياقوت الأصفر وبجنبها الأيمن من الذهب وجنبها الأيسر من الفضّة وعرضها من اللؤلؤ الرطب ، فقال علیه السلام : « هذا لك ولسائر الشيعة من أوليائي ».

ثمّ قال علیه السلام : « ارجعي إلى الصخرة » ورجعت من الوقت وسار بي في تلك الجزيرة حتّى ورد بي إلى شجرة عظيمة عليها طعام يفوح منه رائحة المسك ، فإذا هي بطائر في صورة النسر العظيم ، قال سلمان : فوثب ذلك الطائر فسلّم عليه علیه السلام ورجع إلى موضعه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما هذه المائدة؟ فقال صلوات اللّه عليه : « هذه منسوبة في هذا المكان للشيعة من الموالي إلى يوم القيامة » ، فقلت : ما هذا الطائر؟

قال صلوات اللّه عليه : « ملك موكّل بها إلى يوم القيامة » ، فقلت : وحده يا سيّدي؟

فقال صلوات اللّه عليه : « يجتاز به الخضر صلوات اللّه عليه في كلّ يوم مرّة ».

ثمّ قبض صلوات اللّه عليه على يدي وسار إلى بحر ثان فعبرنا ، وإذا جزيرة عظيمة فيها قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضّة بيضاء وشرفها من عقيق أصفر ، وعلى كلّ ركن من القصر سبعون صفّا من الملائكة فأتوا وسلّموا ، ثمّ أذن لهم فرجعوا إلى مواضعهم قال سلمان رحمه اللّه ثمّ دخل أمير المؤمنين علیه السلام القصر فإذا أشجار وأنهار وأثمار وأطيار وألوان النبات فجعل الإمام علیه السلام يمشي فيه حتّى وصل إلى آخره ، فوقف علیه السلام على بركة كانت في البستان ، ثمّ صعد إلى قصر فإذا كرسيّ من الذهب الأحمر فجلس عليه علیه السلام وأشرفنا على القصر فإذا بحر أسود ويغطمط أمواجه كالجبال الراسيات ، فنظر صلوات اللّه شزرا فسكن من غليانه حتّى كانت كالمذنب ، فقلت : يا سيّدي ، سكن البحر من غليانه من نظرك إليه فقال صلوات اللّه عليه : « خشي أن

ص: 405

آمر فيه بأمر ، تدري يا سلمان أيّ بحر هذا؟ » فقلت : لا يا سيّدي.

فقال صلوات اللّه عليه : « هذا الذي غرق فيه فرعون وملؤه المذنبة ، حملها جناح جبرائيل ، ثمّ زجّها في هذا البحر فهو يهوي لا يبلغ قراره إلى يوم القيامة » ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هل سرنا فرسخين؟ فقال صلوات اللّه عليه : « يا سلمان ، لقد سرت خمسين ألف فرسخ ودرت حول الدنيا عشر مرّات » ، فقلت : يا سيّدي ، وكيف هذا؟

قال : « إذا كان ذو القرنين طاف شرقها وغربها وبلغ إلى سدّ يأجوج ومأجوج فأنّى يتعذّر عليّ وأنا أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين؟ » يا سلمان ، أما قرأت قول اللّه عزّ وجلّ حيث يقول : ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (1) فقلت : بلى يا أمير المؤمنين ، فقال علیه السلام : « أنا ذلك المرتضى من الرسول الذي أظهره اللّه عزّ وجلّ على غيبه ، أنا العالم الربّاني ، أنا الذي هوّن اللّه عليّ الشدائد فطوي له البعيد » ، قال سلمان رضی اللّه عنه : فسمعت صائحا يصيح في السماء ، أسمع الصوت ولا أرى الشخص وهو يقول : صدقت صدقت أنت الصادق المصدّق صلوات اللّه عليك.

قال : ثمّ نهض صلوات اللّه عليه فركب الفرس فركبت معه ، وصاح بهما فطارا في الهواء ، ثمّ خطونا على باب الكوفة هذا كلّه وقد مضى من الليل ثلاث ساعات فقال علیه السلام لي : « يا سلمان ، الويل كلّ الويل لمن لا يعرفنا حقّ معرفتنا وأنكر معرفتنا وولايتنا ، أيّما أفضل محمّد صلی اللّه علیه و آله أم سليمان علیه السلام ؟ » قلت : بل محمّد صلی اللّه علیه و آله ثمّ قال علیه السلام : « فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من فارس بطرفة عين وعنده علم من الكتاب ولا أفعل أنا ذلك وعندي مائة كتاب وأربعة وعشرون كتابا؟ » الحديث (2).

ص: 406


1- الجنّ (72) : 26 - 27.
2- « بحار الأنوار » 42 : 50 - 53 و 54 : 339 - 341.

[35] ومنها : عن الأصبغ بن نباتة قال : كنت يوما مع مولانا أمير المؤمنين علیه السلام إذ دخل عليه نفر من أصحابه ، منهم أبو موسى الأشعري وعبد اللّه بن مسعود وأنس بن مالك وأبو هريرة والمغيرة بن شعبة وحذيفة بن اليمان وغيرهم فقالوا : يا أمير المؤمنين علیه السلام ، أرنا شيئا من معجزاتك التي خصّك اللّه بها إلى قوله علیه السلام : « قوموا إلى اسم اللّه وبركاته » ، قال : فقمنا معهم حتّى أتى بالجبّانة ولم يكن في ذلك الموضع ماء ، قال : فنظرنا فإذا روضة خضراء ذات ماء ، وإذا في الروضة غدران ، وفي الغدران حيتان ، فقلنا : واللّه إنّها لدلالة الإمامة فأرنا غيرها يا أمير المؤمنين علیه السلام ، وإلاّ فقد أدركنا بعض ما أردنا فقال صلوات اللّه عليه : « حسبي اللّه ونعم الوكيل » ، ثمّ أشار بيده العليا نحو الجبّانة فإذا قصور كثيرة مكلّلة بالدرّ والياقوت والجواهر وأبوابها من الزبرجد الأخضر فإذا في القصور حور وغلمان وأنهار وأشجار وطيور ونبات كثير ، فبقينا متحيّرين متعجّبين وإذا وصائف وجوار وولدان وغلمان كاللؤلؤ المكنون.

فقالوا : يا أمير المؤمنين ، لقد اشتدّ شوقنا إليك وإلى شيعتك وأوليائك فأومأ إليهم بالسكوت ، ثمّ ركض الأرض برجله صلوات اللّه عليه فانفلقت الأرض عن منبر من ياقوت أحمر فارتقى إليه فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على نبيّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ قال علیه السلام : « غمّضوا أعينكم » ، فغمّضنا أعيننا فسمعنا حفيف أجنحة الملائكة بالتسبيح والتهليل والتحميد والتعظيم والتقديس ، ثمّ قاموا بين يديه قالوا : مرنا بأمرك يا أمير المؤمنين علیه السلام ، وخليفة ربّ العالمين صلوات اللّه عليك ، فقال صلوات اللّه عليه : « يا ملائكة ربّي ، آتوني الساعة بإبليس الأبالسة وفرعون الفراعنة ».

قال : فو اللّه ما كان بأسرع من طرفة عين حتّى أحضروه عنده ، فقال صلوات اللّه عليه : « ارفعوا أعينكم » ، قال : فرفعنا أعيننا ونحن لا نستطيع أن ننظر إليه من شعاع نور الملائكة ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، اللّه اللّه في أبصارنا فما ننظر شيئا البتّة ، وسمعنا صلصلة السلاسل واصطكاك الأغلال ، وهبّت ريح عظيمة ، فقالت الملائكة : يا خليفة اللّه ، زد الملعون لعنة وضاعف عليه العذاب ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، اللّه اللّه

ص: 407

في أبصارنا ومسامعنا ، فو اللّه ما يقدر على احتمال هذا السرّ والقدرة ، فلمّا جرّه بين يديه قام وقال : وا ويلاه من ظلم آل محمّد صلی اللّه علیه و آله وا ويلاه من اجترائي عليهم ، ثمّ قال : يا سيّدي ارحمني فإنّي لا أحتمل هذا العذاب ، فقال صلی اللّه علیه و آله : « لا رحمك اللّه ولا غفر لك أيّها الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان ».

ثمّ التفت إلينا وقال صلوات اللّه عليه : « أنتم تعرفون هذا باسمه وحسبه؟ » قلنا : لا يا أمير المؤمنين ، فقال صلوات اللّه عليه : « سلوه حتّى يخبركم من هو؟ » فقالوا : من أنت؟ فقال : أنا إبليس الأبالسة وفرعون هذه الأمّة ، أنا الذي جحدت سيّدي ومولاي أمير المؤمنين علیه السلام وخليفة ربّ العالمين وأنكرت آياته ومعجزاته.

ثمّ قال أمير المؤمنين علیه السلام : « يا قوم غمّضوا أعينكم » ، فغمّضنا أعيننا فتكلّم صلوات اللّه عليه بكلام أخفى فإذا نحن في الموضع الذي كنّا فيه لا قصور ولا ماء ولا غدران ولا أشجار.

قال الأصبغ بن نباتة رضی اللّه عنه : والذي أكرمني بما رأيت من تلك الدلائل والمعجزات ما تفرّق القوم حتّى ارتابوا وشكّوا ، وقال بعضهم : سحر وكهانة وإفك ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « إنّ بني إسرائيل لم يعاقبوا ولم يمسخوا إلاّ بعد ما سألوا الآيات والدلالات فقد حلّت عقوبة اللّه بهم والآن حلّت لعنة اللّه فيكم وعقوبته عليكم » ، قال الأصبغ بن نباتة رضی اللّه عنه : إنّي أيقنت أنّ العقوبة حلّت بتكذيبهم الدلالات والمعجزات (1).

[36] ومنها : ما روي عن عمّار بن ياسر قال : كنت عند أمير المؤمنين علیه السلام جالسا بمسجد الكوفة ولم يكن سواي أحدا فيه وإذ هو يقول : « صدّقيه صدّقيه » ، فالتفت يمينا وشمالا فلم أر أحدا ، فبقيت متعجّبا ، فقال لي : « يا عمّار ، كأنّي بك تقول : لم يتكلّم عليّ » ، فقلت : هو كذلك يا أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال : « ارفع رأسك » ، فرفعت رأسي وإذا أنا بحمامتين ، يتجاوبان ، فقال لي : « يا عمّار ، أتدري ما تقول إحداهما للأخرى؟ »

ص: 408


1- « بحار الأنوار » 42 : 53 - 55.

فقلت : لا وعيشك يا أمير المؤمنين ، قال : « تقول الأنثى للذكر أنت استبدلت بي غيرك وهجرتني وأخذت سواي وهو يحلف لها ، ويقول : ما فعلت ذلك ، وهي تقول : ما أصدّقك ، فقال لها : وحقّ هذا القاعد في هذا الجامع ما استبدلت بك سواك ولا أخذت غيرك ، فهمّت أن تكذّبه ، فقلت لها : صدّقيه صدّقيه » ، قال عمّار : يا أمير المؤمنين ، ما علمت أحدا يعلم منطق الطير إلاّ سليمان بن داود علیه السلام ، فقال له : « يا عمّار ، واللّه إنّ سليمان بن داود علیه السلام سأل اللّه تعالى بنا أهل البيت حتّى علّم منطق الطير » (1).

[37] ومنها : ما روي أنّه كان ملك الموصل شخص يقال له : أحمد بن حمدون بن الحارث العدوي كان شديد العناد وكثير البغض لمولانا أمير المؤمنين علیه السلام ، فأراد بعض أهل الموصل الحجّ ، فجاء إليه يودّعه ، فقال : إنّي قد عزمت على الخروج إلى الحجّ فإن كان لك حاجة تعرّفني حتّى أقضيها لك؟ فقال : إنّ لي حاجة مهمّة وهي سهلة عليك ، فقال له : مرني بها حتّى أفعلها ، فقال : إذا قضيت الحجّ ووردت المدينة وزرت النبيّ صلی اللّه علیه و آله فخاطبه عنّي وقل : يا رسول اللّه ، ما أعجبك من عليّ بن أبي طالب علیه السلام حتّى تزوّجه بابنتك عظم بطنه أو دقّة ساقه أو صلعة رأسه وحلّفه وعزم عليه أن يبلّغه هذا الكلام ، فلمّا ورد المدينة وقضى حوائجه أنسي تلك الوصيّة فرأى أمير المؤمنين علیه السلام في منامه ، فقال له : « ألا تبلغ وصيّة فلان إليك » ، فانتبه ومشى لوقته إلى القبر المقدّس وخاطب النبيّ صلی اللّه علیه و آله بما أمره ذلك الرجل به.

ثمّ نام فرأى أمير المؤمنين علیه السلام فأخذه ومشى هو وإيّاه إلى منزل ذلك الرجل وفتح الأبواب وأخذ مدية فذبحه علیه السلام ثمّ مسح المدية بملحفة كانت عليه ثمّ جاء إلى سقف باب الدار فرفعه بيده ووضع المدية تحته وخرج ، فانتبه الحاجّ منزعجا من ذلك وكتب صورة المنام هو وأصحابه وانتبه سلطان الموصل في تلك الليلة وأخذ الجيران والمشتبهين ورماهم ، وتعجّب أهل الموصل من قتله حيث لا يجدوا نقبا

ص: 409


1- المصدر السابق 42 : 56.

ولا تسلّقا على حائط ولا بابا مفتوحا ولا قفلا ، وبقي السلطان متحيّرا في أمره ما يدري ما يصنع في قضيّته ، فإنّ ورود أحد من الخارج متعذّر مع هذه العلامات ولم يسرق من الدار شيء البتّة ولم تزل الجيران وغيرهم في السجن إلى أن ورد الحاجّ من مكّة فلقي الجيران بالسجن فسأل عن ذلك ، فقيل : إنّ في الليلة الفلانية وجدوا فلانا مذبوحا في داره ولم يعرف قاتله ، ففكّر وقال لأصحابه : أخرجوا صورة المنام فإذا هي ليلة القتل ، ثمّ مشى هو والناس بأجمعهم إلى دار المقتول فأمر بإخراج الملحفة وأخبرهم بالدم فيها فوجدوها كما قال ، ثمّ أمر برفع المردّم (1) فرفع فوجد السكّين تحته فعرفوا صدق منامه وأفرج عن المحبوسين ورجع أهله إلى الإيمان وكان ذلك من ألطاف اللّه تعالى في حقّ ذرّيّته (2).

[38] ومنها : ما روي أنّه كان في الحلّة شخص من أهل الدين والصلاح ، ملازم لتلاوة الكتاب العزيز ، فرجمه الجنّ فكانت تأتي الحجارة من الخزائن والروازن المسدودة وألحّوا عليه بالرجم وأضجروه وشاهدت أنا المواضع التي كان يأتي الرجم بها ، ولم يقصّر في طلب العزائم والتعاويذ ووضعها في منزله وقراءتها فيه ولم ينقطع عنه الرجم مدّة ، فخطر بباله أنّه دخل ووقف على باب البيت الذي كان يأتي الرجم منه فخاطبهم وهو لا يراهم وقال : واللّه لئن لم تنتهوا عنّي لأشكونّكم إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، فانقطع عنه الرجم في الحال ولم يعد إليه (3).

[39] ومنها : قيل : إنّ أمير المؤمنين علیه السلام صعد على المنبر يوما في البصرة بعد الظفر بأهلها وقال : « أقول قولا لا يقوله أحد غيري إلاّ كان كافرا : أنا أخو نبيّ الرحمة وابن عمّه وزوج ابنته وأبو سبطيه » ، فقام إليه رجل من أهل البصرة وقال : أنا أقول مثل قولك هذا ، أنا أخو الرسول وابن عمّه ثمّ لم يتمّ كلامه حتّى إذا أخذته الرجفة

ص: 410


1- ثوب مردّم - بتشديد الدال - : خلق مرقّع.
2- « كشف اليقين » : 480 - 482.
3- المصدر السابق : 484 - 485.

فما زال يرجف حتّى سقط ميّتا لعنه اللّه (1).

[40] ومنها : ما روي عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « بينما عليّ علیه السلام بالكوفة إذ أحاطت به اليهود ، فقال : أنت الذي تزعم أنّ الجرّي منّا معشر اليهود ثمّ مسخ فقال لهم : نعم ثمّ ضرب يده إلى الأرض ، فتناول منها عودا فشقّه باثنين وتكلّم عليه بكلام وتفل عليه ، ثمّ رمى به في الفرات فإذا الجرّي يتراكب بعضه على بعض يقولون بصوت عال : يا أمير المؤمنين علیه السلام ، نحن طائفة من بني إسرائيل عرضت علينا ولايتكم فأبينا أن نقبلها فمسخنا اللّه جرّيا » (2).

[41] ومنها : ما روي أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لمّا بلغه ما فعل بسر بن أرطاة باليمن قال : « اللّهمّ إنّ بسرا قد باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله ولا تبق من دينه ما يستوجب به عليك رحمتك » ، يدعو بالسيف فاتّخذ له سيفا من خشب وكان يضرب به حتّى يغشى عليه فإذا أفاق قال : السيف السيف ، فيدفع إليه فيضرب به ، فلم يزل كذلك حتّى مات (3).

إلى غير ذلك من المعجزات المرويّة في البحار وغيره.

حكاية عجيبة : وهي ما روى عبد اللّه المبارك ، كان يحجّ سنة ويغزو سنة وداوم ذلك خمسين سنة فخرج في بعض سنيّ الحجّ وأخذ معه خمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة ليشتري جمالا للحجّ ، فرأى امرأة علويّة على مزابل تنتف ريش بطّة ميّتة قال : فقدمت إليها فقلت : فلم تفعلين هذا؟ فقالت : يا عبد اللّه ، لا تسأل عمّا لا يعنيك ، قال : فوقع في خاطري من كلامها فألححت عليها ، فقالت : يا عبد اللّه ، قد ألجأتني إلى كشف سرّي إليك ، أنا امرأة علويّة ولي أربع بنات يتامى مات أبوهنّ من قريب وهذا اليوم الرابع ما أكلنا وقد حلّت لنا الميتة ، فأخذت هذه البطّة أصلحها

ص: 411


1- « الفضائل » لابن شاذان : 97.
2- « الخرائج والجرائح » 2 : 823 ، ح 37.
3- « بحار الأنوار » 41 : 204.

وأحملها إلى بناتي يأكلنها.

قال : فقلت في نفسي : ويحك يا ابن المبارك ، أين أنت عن هذه؟ فقلت : افتحي حجرك ، ففتحت فصببت الدنانير في طرف إزارها وهي مطرقة لا تلتفت ، قال : ومضيت إلى المنزل ونزع اللّه من قلبي شهوة الحجّ في ذلك العام ، ثمّ تجهّزت إلى بلادي فأقمت حتّى حجّ الناس وعادوا ، فخرجت أتلقّى جيراني وأصحابي فجعل كلّ من أقول له : قبل اللّه حجّك وشكر سعيك ، يقول لي : وأنت قبل اللّه حجّك وشكر سعيك ، إنّا قد اجتمعنا في مكّة بك في مكان كذا وكذا ، وأكثر الناس عليّ في القول ، فنمت متفكّرا فرأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في المنام وهو يقول لي : يا عبد اللّه ، لا تعجب فإنّك أغثت ملهوفة من ولدي ، فسألت اللّه أن يخلق على صورتك ملكا يحجّ عنك كلّ عامّ إلى يوم القيامة فإن شئت أن تحجّ وإن شئت لا تحجّ (1).

وثالثا : بيان ما ذكره بعض المخالفين كابن حجر في صواعقه (2) - فإنّ الفضل ما شهدت به الأعداء - حيث قال في فضائله : إنّها كثيرة عظيمة شهيرة حتّى قال أحمد : ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعليّ ومرّ في فضائل أبي بكر جمل من فضائل عليّ علیه السلام ثمّ ذكر أربعين حديثا في فضائله.

[1] منها : أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله خلّفه في غزوة تبوك فقال : « يا رسول اللّه ، تخلّفني في النساء والصبيان؟ » فقال : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى علیه السلام غير أنّه لا نبيّ بعدي » (3).

[2] ومنها : أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال يوم خيبر : « لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح اللّه

ص: 412


1- « تذكرة الخواص » : 328.
2- من هنا إلى ص 420 منتخب ممّا ذكره في « الصواعق المحرقة » : 120 - 131 ، وللمزيد نذكر في كلّ مورد مصادر أخرى.
3- « الاحتجاج » 2 : 489 : « الأمالي » للطوسي : 307 ، المجلس 11 ؛ « صحيح البخاري » 4 : 1602 ، الرقم 4154 ؛ « بحار الأنوار » 23 : 297.

على يديه يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله » ، فبات كلّ من الناس متفكّرا راجيا أن يعطيها ، فقال : « أين عليّ بن أبي طالب علیه السلام ؟ » فقيل : يشتكي عينيه ، قال : « فأرسلوا إليه » ، فأتي إليه فبصق رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في عينيه ودعا له فبرئ حتّى كأنّه لم يكن به وجع وأعطاه الراية (1).

وعن عائشة : كانت فاطمة أحبّ النساء إلى رسول اللّه ، وزوجها أحبّ الرجال إليه (2).

[3] ومنها : أنّه لمّا نزل آية ( نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) (3) دعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : « اللّهمّ هؤلاء أهلي » (4).

[4] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال يوم غدير خمّ : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » (5) الحديث. وقد رواه ثلاثون صحابيّا وكثير من طرقه صحيح أو حسن.

[5] ومنها : رواية أحمد وغيره أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « عليّ منّي وأنا من عليّ ولا يؤدّي عنّي إلاّ عليّ » (6).

[6] ومنها : رواية ابن عمر أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « أنت أخي في الدنيا والآخرة » (7).

[7] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها » ، وفي رواية « من أراد العلم

ص: 413


1- « إعلام الورى » 1 : 207 ؛ « علل الشرائع » 1 : 194 باب 130 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 110 ؛ « صحيح البخاري » 3 : 1077 ، الرقم 2783 من كتاب الجهاد.
2- « بحار الأنوار » 43 : 38.
3- آل عمران (3) : 61.
4- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 419 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 110.
5- « تفسير العياشي » 2 : 342 ، الرقم 180 ؛ « تفسير البرهان » 2 : 454 ، الرقم 14 ؛ « عيون أخبار الرضا » 1 : 55 ، الباب 6 ؛ « مصابيح السنّة » 4 : 172 ، الرقم 4767 ؛ « كنز العمّال » 11 : 609 ، الرقم 32496 و 32950.
6- « الإرشاد » 1 : 66 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 2 : 145 ؛ « طرائف الحكم » 1 : 65.
7- « الأمالي » للمفيد : 174 ، المجلس 22 ، ح 4 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 2 : 211 - 212 ؛ « بحار الأنوار » 28 : 332.

فليأت الباب » (1) ، وفي أخرى « أنا دار الحكمة وعليّ بابها » (2) ، وفي أخرى « عليّ باب علمي » (3) ، وقد اضطرب الناس في صحّة الحديث أو حسنه أو كونه موضوعا.

[8] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « الناس من شجر شتّى وأنا وعليّ من شجرة واحدة » (4).

[9] ومنها : الحسن أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « النظر إلى عليّ عبادة » (5).

[10] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « من آذى عليّا فقد آذاني » (6).

[11] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « من أحبّ عليّا فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحبّ اللّه ، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه » (7).

[12] ومنها : الصحيح أنّه قال صلی اللّه علیه و آله : « من سبّ عليّا فقد سبّني » (8).

[13] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « إنّ فيك مثلا من عيسى أبغضته اليهود حتّى بهتوا أمّه وأحبّته النصارى حتّى نزّلوه بالمنزل الذي ليس به » (9). وأنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « إنّه يهلك

ص: 414


1- « الأمالي » للطوسي : 559 ، ح 1172 / 8 ؛ « إعلام الورى » 1 : 317 - 318 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 2 : 42 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 115 - 116 ، الرقم 120 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 113.
2- « المناقب » لابن المغازلي : 120 ، الرقم 129 ؛ « مصابيح السنّة » للبغوي 4 : 174 ، الرقم 4772 ؛ « كنز العمّال » 11 : 600 ، الرقم 32899.
3- « بحار الأنوار » 27 : 113 ، ح 87 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 93.
4- « تفسير فرات الكوفي » 1 : 161 ، الرقم 203 ؛ « إعلام الورى » 1 : 316 ؛ « بحار الأنوار » 21 : 279 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 295.
5- « الأمالي » للطوسي : 454 - 455 ، المجلس 16 ، ح 1016 ؛ « الفردوس بمأثور الخطاب » 4 : 294 ، الرقم 6865 ؛ « كنز العمّال » 11 : 32895.
6- « الأمالي » للطوسي : 134 ، المجلس 5 ؛ « طرائف الحكم » 1 : 75 - 76 ، الرقم 96 - 97 ؛ « كنز العمّال » 11 : 601 ، الرقم 32901.
7- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 238 ؛ « الاحتجاج » 2 : 27 ؛ « كنز العمّال » 11 : 601 ، الرقم 32902.
8- « الأمالي » للطوسي : 86 ، المجلس 3 ؛ « الاحتجاج » 2 : 55 ؛ « كنز العمّال » 11 : 602 ، الرقم 32903 ؛ « الفردوس بمأثور الخطاب » 3 : 542 ، الرقم 8689.
9- « العمدة » لابن بطريق : 265 ، ح 239 ؛ « شواهد التنزيل » 2 : 227 ، ح 860 ؛ « الغارات » 2 : 589 ؛ « بحار الأنوار » 14 : 219 ، ح 27.

فيّ اثنان : محبّ مفرط يفرطني بما ليس فيّ ومبغض بجهله عليّ بهتني » (1).

[14] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض » (2).

[15] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله التزم عليّا وقبّله وهو يقول : « بأبي الوحيد الشهيد » (3).

[16] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « إنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ » (4).

[17] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « ما تريدون من عليّ؟ إنّ عليّا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي » (5).

[18] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « إنّ اللّه جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه ، وجعل ذرّيّتي في صلب عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (6).

[19] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « خير إخوتي عليّ ، وخير أعمامي حمزة ، وذكر عليّ عبادة » (7).

[20] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « السبق ثلاثة : فالسابق إلى موسى يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى صاحب آل ياسين ، والسابق إلى محمّد عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (8).

[21] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « الصدّيقون ثلاثة : حزقيل من آل فرعون ، وحبيب

ص: 415


1- « العمدة » لابن بطريق : 266 - 268 ، الرقم 342 و 345 و 347.
2- « كشف الغمّة » 1 : 148 ؛ « طرائف الحكم » : 103 ، الرقم 152.
3- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 249 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 97 - 98.
4- « الاحتجاج » 2 : 310 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 331 - 333 ؛ « كنز العمّال » 11 : 598 ، الرقم 32877.
5- « سنن الترمذي » 5 : 632 ، ح 3712 ؛ « كنز العمّال » 11 : 599 ، الرقم 32883 ؛ « المستدرك على الصحيحين » 3 : 110 - 111 ؛ « الخصائص » للنسائي : 30 ؛ « الكامل في ضعفاء الرجال » 2 : 145 - 146 ، الرقم 18 / 343.
6- « كشف الغمّة » 1 : 94 ؛ « كنز العمّال » 11 : 600 ، الرقم 32892.
7- « كشف الغمّة » 1 : 328 ؛ « كنز العمّال » 11 : 600 - 601 ، الرقم 32893 - 32894.
8- « كشف الغمّة » 1 : 83 ؛ « المعجم الكبير » 11 : 77 ، الرقم 11152 ؛ « البداية والنهاية » 1 : 221 ؛ « مجمع الزوائد » 9 : 124 ، الرقم 14598 ؛ « تفسير الكشّاف » 4 : 10.

النجار صاحب آل ياسين ، وعليّ بن أبي طالب » (1) ومثله الآخر.

[22] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام » (2).

[23] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « إمام البررة وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله » (3).

[24] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « علي باب حطّة من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا » (4).

[25] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « عليّ منّي بمنزلة رأسي من بدني » (5).

[26] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « عليّ يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين » (6).

[27] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله وجد عليّا مضطجعا في المسجد وقد سقط رداؤه عن شقّه فأصابه تراب فجعل النبيّ صلی اللّه علیه و آله يمسحه عنه ويقول : « قم أبا تراب! قم أبا تراب! » (7) فلذلك كان هذه الكنية أحبّ الكنى إليه ؛ لأنّه صلی اللّه علیه و آله كنّاه بها ، إلى غير ذلك من الأخبار التي اعترف بها الخصم ، وتدلّ على كونه خليفة بلا فصل كما لا يخفى على المتأمّل ، فأجرى اللّه تعالى الحجّة والحقّ على لسانه إتماما للحجّة.

ثمّ ذكر ثناء الصحابة والسلف عليه من جهة أنّه قال عمر بن الخطّاب : عليّ أقضانا وأنّه كان عمر بن الخطّاب يتعوّذ باللّه من معضلة ليس لها أبو حسن يعني عليّا ، ثمّ ذكر كراماته وقضاياه وكلماته الدالّة على علوّ قدره علما وحكمة وزهدا

ص: 416


1- « طرائف الحكم » 1 : 69 ؛ « المأثور بفردوس الخطاب » 2 : 421 ، الرقم 3866 ؛ « كنز العمّال » 11 : 601 ، الرقم 32897.
2- « بشارة المصطفى » : 154 ؛ « الفضائل » لابن شاذان : 112 ؛ « كنز العمّال » 11 : 601 ، الرقم 32900.
3- « مناقب آل أبي طالب » 3 : 68 - 69 ؛ « كشف الغمّة » 1 : 148 ؛ « كفاية الأثر » : 137 ؛ « كشف اليقين » : 236.
4- « الفردوس بمأثور الخطاب » 3 : 64 ، الرقم 4179 ؛ « بحار الأنوار » 40 : 76.
5- « كشف الغمّة » 1 : 296 ؛ « طرائف الحكم » 1 : 68 ؛ « كشف اليقين » : 281.
6- « الأمالي » للطوسي : 355 ، المجلس 12 ، الرقم 735 ؛ « اليقين في إمرة أمير المؤمنين » : 199.
7- بحار الأنوار 35 : 60.

ومعرفة باللّه ، فقال : ومن كراماته الباهرة أنّ الشمس ردّت عليه لمّا كان رأس النبيّ في حجره والوحي ينزل عليه وعليّ لم يصلّ العصر فما سرى عنه علیه السلام إلاّ وقد غربت الشمس فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله « اللّهمّ إنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس » (1) فطلعت بعد ما غربت.

[28] ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله حدّث بحديث فكذّبه رجل ، فقال له : « أدعوا عليك إن كنت كاذبا؟ » قال : ادع فدعا عليه فلم يبرح حتّى ذهب بصره (2).

[29] ومنها : أنّه جلس رجلان يتغدّيان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة ، فمرّ بهما ثالث فأجلساه فأكلوا الأرغفة الثمانية على السواء ، ثمّ طرح لهما الثالث ثمانية دراهم ولصاحب الثلاثة ثلاثة وصاحب الثلاثة أرغفة يدّعي أنّ له أربعة ونصفا ، فاختصما إلى عليّ علیه السلام ، فقال لصاحب الثلاثة : « خذ ما رضي به صاحبك وهو الثلاثة فإنّ ذلك خير لك » ، فقال : لا رضيت إلاّ بمرّ الحقّ ، فقال : « ليس لك في مرّ الحقّ إلاّ درهم واحد » ، فسأله عن بيان وجه ذلك ، فقال : « أليست الثمانية أرغفة أربعة وعشرون ثلثا أكلتموها وأنتم ثلاثة ولا يعلم أكثركم أكلا فتحمّلوه على السواء ، فأكلت أنت ثمانية أثلاث والذي لك تسعة أثلاث ، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث والذي له خمسة عشر ثلثا ، فبقي له سبعة ولك واحد فله سبعة بسبعة ولك واحد بواحدك » فقال : رضيت الآن (3).

[30] ومنها : أنّه أتي برجل فقيل : زعم هذا أنّه احتلم بأمّي فقال : « اذهب فأقمه في الشمس واضرب ظلّه » (4).

ص: 417


1- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 353 ؛ « الإرشاد » للمفيد 1 : 345 - 347 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 126 - 127 ، ح 140 - 141 ؛ « وقعة صفّين » لنصر بن مزاحم : 135 - 136.
2- « بحار الأنوار » 41 : 206 ؛ « الصراط المستقيم » 2 : 14.
3- « الكافي » 7 : 427 ، باب النوادر ، ح 10 ؛ « الفقيه » 3 : 23 ، ح 13.
4- « الكافي » 7 : 263 ، باب النوادر ، ح 19 ؛ « مناقب آل أبي طالب » 2 : 397.
ومن كلامه :

« الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » (1) ، و « لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا » (2) ، و « ما هلك امرؤ عرف قدره » (3) ، و « من عرف نفسه فقد عرف ربّه » (4) ، و « لا ثناء مع الكبر » (5) ، و « لا شرف مع سوء الأدب » (6) ، و « لا راحة مع الحسد » (7) ، و « لا مروّة للكذوب » (8) ، و « لا كرم أعزّ من التقى » (9) ، و « لا شفيع أنجح من التوبة » (10) ، و « لا لباس أجمل من العافية » (11) ، و « لا داء أعيى من الجهل » (12) ، و « المرء عدوّ ما جهله » (13) ، و « رحم اللّه امرأ عرف قدره » (14) ، و « النصح بين الملأ تقريع » (15) ، و « الجزع أتعب من الصبر » (16) ، و « إذا حلّت المقادير ضلّت التدابير » (17) ، و « الإحسان يقطع اللسان » (18) ، و « أفقر الفقر الحمق ، وأغنى الغنى العقل » (19) ، و « الطامع في وثاق الذلّ » (20) ، و « إذا قدرت على عدوّك فاجعل

ص: 418


1- « بحار الأنوار » 4 : 43 و 6 : 277 و 50 : 134 و 66 : 306.
2- « مناقب آل أبي طالب » 2 : 46 ؛ « بحار الأنوار » 64 : 321 و 66 : 209.
3- « نهج البلاغة » : 687 ، قصار الحكم ، الرقم 149.
4- « شرح غرر الحكم » للخوانساري 5 : 194 ، الرقم 7946.
5- المصدر السابق 6 : 360 ، الرقم 10520.
6- المصدر السابق 6 : 361 ، الرقم 10530.
7- المصدر السابق 6 : 346 ، الرقم 10435.
8- « تحف العقول » : 215.
9- « الأمالي » للصدوق : 263 - 264 ، المجلس 52.
10- « الأمالي » للصدوق : 263 - 264 ، المجلس 52.
11- « الأمالي » للصدوق : 263 - 264 ، المجلس 52.
12- « الصواعق المحرقة » : 129 ، وفي « غرر الحكم » : 72 ورد : « الجهل داء وعياء ».
13- « غرر الحكم » : 74.
14- « شرح غرر الحكم » للخوانساري 5 : 42 ، الرقم 5204 ؛ « الصواعق المحرقة » : 129.
15- « غرر الحكم » : 225 ، الرقم 4566 ؛ « شرح نهج البلاغة » 20 : 341.
16- « شرح غرر الحكم » للخوانساري 1 : 314 ، الرقم 1198 ؛ « الصواعق المحرقة » : 129.
17- المصدر السابق 3 : 130 ، الرقم 4037 ؛ « الصواعق المحرقة » : 129.
18- « الصواعق المحرقة » : 129.
19- « نهج البلاغة » : 660 ، الرقم 38 ؛ « شرح غرر الحكم » للخوانساري 2 : 371 ، الرقم 2849.
20- « نهج البلاغة » : 700 ، الرقم 226.

العفو عنه شكر القدرة عليه » (1) ، و « العلم يرفع الوضيع ، والجهل يضع الرفيع » (2) ، و « العلم خير من المال » (3).

ومن جملته : « لا يخافنّ أحد منكم إلاّ ذنبه ، ولا يرجونّ إلاّ ربّه » ، و « لا يستحي من لا يعلم أن يتعلّم ، ولا يستحي من يعلم إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول : اللّه أعلم ».

ومنه : « الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد » (4).

ومنه : « الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنّط الناس من رحمة اللّه ، ولم يرخّص لهم في معاصي اللّه ولم يؤمّنهم من عذاب اللّه ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره » (5).

ومنه : « سبع من الشيطان : شدّة الغضب ، وشدّة العطاس ، وشدّة التثاؤب ، والقيء والرعاف ، والنجوى ، والنوم عند الذكر » (6).

ومنه : « التوفيق خير قائد » (7) ، و « حسن الخلق خير قرين » (8) ، و « العقل خير صاحب » (9) ، و « الأدب خير ميراث » (10) إلى غير ذلك.

ورابعا : (11) في بيان نبذ ممّا ذكر في بعض كتب الأخبار لأمير المؤمنين علیه السلام من الأسرار ينبغي الإشارة إليها ولو على وجه الاختصار وهي أمور :

ص: 419


1- المصدر السابق : 652 - 653 ، الرقم 11.
2- « بحار الأنوار » 75 : 6 ، ح 57 ؛ « الصواعق المحرقة » : 130.
3- « نهج البلاغة » : 685 ، الرقم 147.
4- المصدر السابق : 667 ، الرقم 82.
5- « معاني الأخبار » : 226 ، ح 1.
6- « الصواعق المحرقة » : 130.
7- « نهج البلاغة » : 676 ، الرقم 113 ، نحوه.
8- « تحف العقول » : 89 ؛ « عيون أخبار الرضا » 2 : 38 باب 31 ، ح 106.
9- « الصواعق المحرقة » : 131 ، وفي « غرر الحكم » : 49 قوله علیه السلام : « العقل صديق محمود ».
10- « تحف العقول » : 89 ، والكلّ منتخب ممّا أورده ابن حجر في « الصواعق المحرقة » : 120 - 131.
11- قد مرّ أوّلها في ص 361.

[1] منها : أنّه جاء رجل إلى أمير المؤمنين علیه السلام فاستغاثه فاستدعى قرصة من شعير يابسة وقصعة من ماء ثمّ كسر قطعة وألقاها في الماء ثمّ قال للرجل : « تناولها » فأخرجها فإذا هي فخذ طائر مشوي ثمّ رمى له أخرى وقال : « تناولها » فأخرجها فإذا هي قطعة من الحلوى (1).

[2] ومنها : قصّة فضّة الجارية التي كانت بنت ملك الهند ، وكان عندها ذخيرة من الإكسير ، فإنّها لمّا رأت أنّه لا يوجد في بيت الزهراء علیهاالسلام إلاّ السيف والدرع ، أخذت قطعة من النحاس وجعلتها على هيئة سمكة وألقت عليها الدواء وجعلتها ذهبا فلمّا جاء أمير المؤمنين علیه السلام وضعتها بين يديه فلمّا رآها قال : « أحسنت يا فضّة ، لكن لو أذبت الجسد لكان الصبغ أعلى والقيمة أغلى ».

فقالت : يا سيّدي تعرف هذا العلم؟ فقال : « نعم ، وهذا الطفل يعرفه » وأشار إلى الحسن علیه السلام فقال : « نحن نعرف أعظم من هذا » ثمّ أومأ بيده إلى كنوز الأرض (2).

[3] ومنها : ما روي عن عمّار بن ياسر قال : كنت مع سيّدي أمير المؤمنين علیه السلام يوما في بعض صحارى الحيرة وإذا راهب يضرب ناقوسه ، فقال لي : « يا عمّار ، أتدري ما يقول الناقوس؟ » فقلت : يا مولاي ، وما تقول الخشبة ، فقال : « إنّه يضرب مثلا للدنيا ويقول : أهل الدنيا! خلقت الدنيا مهلا مهلا رفقا رفقا ، إنّ المولى الصمد يبقى حقّا حقّا صدقا صدقا ، يا مولانا ، إنّ الدنيا قد استهوتنا واستغوتنا ، ما من يوم يمضي منها إلاّ وهي إفناء لنا ، لسنا ندري ما فرّطنا فيها إلاّ لو قد متنا ».

قال عمّار : فأتيت الراهب من الغد فقلت له : اضرب الناقوس ، قال : فما تفعل به وأنت مسلم؟ فقلت : لأريك سرّه ، قال : فأخذ يضرب ناقوسه وأنا أتلو عليه ما يقول ، قال : فخرّ ساجدا وأسلم وقال : إنّ عندي خطّ هارون بن عمران بيده : إنّ اللّه يبعث

ص: 420


1- « مشارق أنوار اليقين » : 80.
2- « مشارق أنوار اليقين » : 80 ؛ وعنه في « بحار الأنوار » : 41 : 273 - 274 ، ح 29.

يبعث في الأرض رسولا ، له وزير يعلم ما يقول الناقوس (1).

[4] ومنها : ما روي عن الرضا علیه السلام أنّ يهوديّا جاء إلى أبي بكر في ولايته وقال له : إنّ أباه قد مات وخلّف كنوزا ولم يذكر أين هي؟ فإن أظهرتها كان لك ثلث وللمسلمين ثلث آخر ولي الثلث ، وأدخل في دينك ، فقال أبو بكر : لا يعلم الغيب إلاّ اللّه ، فجاء إلى عمر فقال له ما قال أبو بكر ، ثمّ دلّه على عليّ فجاء فسأله فقال له : « رح إلى بلد اليمن واسأل عن وادي برهوت بحضرموت ، فإذا حضرت الوادي فاجلس هناك إلى غروب الشمس فسيأتيك غراب أسود فاهتف باسم أبيك وقل له : يا فلان ، أنا رسول وصيّ رسول اللّه إليك كلّمني ، فإنّه يكلّمك فاسأله عن الكنوز فإنّه يدلّك أماكنها ».

ففعل كما قال فدلّه أبوه ، ثمّ قال : اتّبع دين محمّد تسلم ، فانصرف الغراب ورجع اليهودي فوجد كنزا من ذهب وكنزا من فضّة فأوقر بعيرا وجاء به إلى أمير المؤمنين علیه السلام وهو يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّك وصيّ رسول اللّه وأخوه وأمير المؤمنين حقّا كما سمّيت ، وهذه الهديّة فاصرفها حيث شئت (2).

[5] ومنها : ما رواه ابن عبّاس أنّ جماعة من أهل الكوفة من أكابر الشيعة سألوا عن أمير المؤمنين علیه السلام أن يريهم من عجائب أسرار اللّه فقال لهم : « إنّكم لن تقدروا أن تروا واحدة وتكفروا » ، فقال : لا شكّ أنّك صاحب الأسرار ، فاختار منهم سبعين رجلا وخرج بهم إلى ظاهر الكوفة ثمّ صلّى ركعتين وتكلّم بكلمات وقال : « انظروا » ، فنظروا فإذا أشجار وأثمار حتّى تبيّن لهم أنّه الجنّة والنار ، فقال أحسنهم قولا : هذا سحر بيّن ورجعوا كفّارا إلاّ رجلين.

فقال لأحدهما : « أسمعت ما قال أصحابك؟ وما هو واللّه بسحر وما أنا بساحر ،

ص: 421


1- « مشارق أنوار اليقين » : 80 - 81 ؛ « معاني الأخبار » : 231.
2- « مشارق أنوار اليقين » : 81 - 82.

ولكن علم اللّه ورسوله فإذا رددتم عليّ فقد رددتم على اللّه » ، ثمّ رجع إلى المسجد يستغفر لهم ، فلمّا دعا تحوّلت حصيّات المسجد درّا وياقوتا ، فرجع أحد الرجلين كافرا وثبت الآخر (1).

[6] ومنها : أنّه خطب بالبصرة فقال : « سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوا من عنده علم المنايا والبلايا والأنساب في الأصلاب وفصل الخطاب » ، وأنّه قال علیه السلام : « سلوني عمّا دون العرش » ، فقام إليه رجل في عنقه كتاب فقال رافعا صوته : أيّها المدّعي ما لا يعلم ، والمتقلّد ما لا يفهم إنّي أسألك فأجب ، فوثب إليه أصحاب عليّ علیه السلام ليقتلوه ، فقال علیه السلام : « دعوه ؛ فإنّ حجج اللّه لا تقوم بالبطش ولا بالباطل حتّى يظهر براهين اللّه » ، ثمّ التفت إلى الرجل وقال : « قل بكلّ لسانك فإنّي مجيب إن شاء اللّه تعالى » ، فقال الرجل : كم بين المشرق والمغرب؟ فقال : « مسافة الهواء » ، قال : وما مسافة الهواء؟ قال : « دوران الفلك » ، قال : فما دوران الفلك؟ قال : « مسيرة يوم الشمس » ، قال الرجل : صدقت ، قال : فمتى يوم القيامة؟ قال : « عند حضور المنيّة وبلوغ الأجل » ، قال صدقت. قال : فكم عمر الدنيا؟ قال : « يقال سبعة آلاف ، ثمّ لا تحديد » ، قال : صدقت. فأين مكّة من بكّة؟ فقال : « مكّة أكناف الحرم وبكّة مكان البيت » ، قال : لم سمّيت مكّة؟ قال : « لأنّ اللّه مكّ الأرض تحتها أي دحاها » ، قال : فلم سمّيت بكّة؟ قال : « لأنّها بكّت عيون الجبّارين والمذنبين » قال : صدقت. قال : وأين كان اللّه قبل خلق عرشه؟ فقال علیه السلام : « سبحان اللّه من لا يدرك كنه صفاته حملة عرشه على قرب مراتبهم ، ويحك لا يقال : لم ، ولا : كيف ، ولا : أين ، ولا : متى ، ولا : حيث » ، فقال الرجل : صدقت ، فكم مقدار ما لبث العرش على الماء قبل خلق الأرض والسماء؟ فقال علیه السلام : « لو صبّ في الأرض خردل حتّى سدّ الهواء ، وملأ ما بين الأرض والسماء ، ثمّ أذن لك على ضعفك أن تنقله حبّة حبّة من المشرق إلى

ص: 422


1- « مشارق أنوار اليقين » : 82 ؛ « مدينة المعاجز » 2 : 47.

المغرب ، ثمّ مدّ لك في العمر حتّى نقلته وأحصيته ، لكان ذلك أيسر من إحصاء ما لبث العرش على الماء قبل خلق الأرض والسماء » ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه (1).

[7] ومنها : أنّه لمّا ولد في البيت الحرام وكعبة الملك العلاّم خرّ ساجدا ، ثمّ رفع رأسه الشريف فأذّن وأقام ، وشهد لله بالوحدانيّة ولمحمّد صلی اللّه علیه و آله بالرسالة ولنفسه بالخلافة والولاية ، ثمّ أشار إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : « أقرأ يا رسول اللّه؟ » فقال : « نعم » ، فابتدأ بصحف آدم فقرأها حتّى لو حضر ثبت لأقرّ أنه أعلم بها منه ، ثمّ تلا صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل ، ثمّ تلا : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ) (2) ، فقال له النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « نعم ، قد أفلحوا إذ أنت إمامهم » ، ثمّ خاطبه بما خاطب به الأنبياء والأوصياء ثمّ سكت ، فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « عد إلى طفوليّتك » فأمسك (3).

[8] ومنها : أن راهب اليمامة الأثرم كان بشّر أبا طالب بقدوم عليّ علیه السلام ويقول : سيولد لك ولد يكون سيّد أهل زمانه وهو الناموس الأكبر ، ويكون لنبيّ زمانه عضدا وناصرا ، وصهرا ووزيرا له ، وإنّي لا أدرك أيّامه ، فإذا رأيته فاقرأه منّي السّلام ، ويوشك أن أراه ، فلمّا ولد أمير المؤمنين علیه السلام مرّ أبو طالب إليه ليعلمه فوجده قد مات ، فرجع فقصّ عليّ علیه السلام لأبيه القصّة فقال له علیه السلام صدقت يا وليّ اللّه (4).

[9] ومنها : أنّه حين تجهيز أصحابه لقتال معاوية [ فقال ] لرجل أساء الأدب : « اخسأ » ، فصار كلبا فبهت من حوله ، وجعل الرجل يتضرّع إليه علیه السلام فنظر إليه وحرّك شفتيه فإذا هو بشر سويّ ، فقام إليه بعض أصحابه وقال : مالك وتجهيز الناس إلى قتال معاوية ولك مثل هذه القدرة؟

فقال : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة

ص: 423


1- « مشارق أنوار اليقين » : 83 - 84.
2- المؤمنون (23) : 1.
3- « مشارق أنوار اليقين » : 75.
4- المصدر السابق : 75 - 76 ، وقد صحّحنا النقل على المصدر.

في هذه الفلوات حتّى أضرب صدر معاوية فأقلبه من سريره لفعلت ولكن ( عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1) » (2).

[10] ومنها : أنّه قال في كربلاء عند التوجّه إلى صفّين : « صبرا يا أبا عبد اللّه ، بشاطئ الفرات » ، ثمّ بكى وقال : « هذا مناخ القوم ومحطّ رحالهم » (3).

[11] ومنها : قوله علیه السلام بصفّين وقد سمع الغوغاء يقولون : قتل معاوية ، فقال : « ما قتل ولا يقتل حتّى تجتمع عليه الأمّة » (4).

[12] ومنها : أنّه كان على منبر الكوفة يخطب وحوله الناس فجاء ثعبان فقال علیه السلام : « وسّعوا له » ، فأقبل حتّى رقى المنبر والناس ينظرون إليه ، ثمّ قبّل أقدام أمير المؤمنين علیه السلام وجعل يتمرّغ عليها ونفخ ثلاث نفخات ، ثمّ نزل وانساب ولم يقطع أمير المؤمنين علیه السلام خطبته ، فسألوه عن ذلك فقال : « هذا رجل من الجنّ ذكر أنّ ولده قتله رجل من الأنصار اسمه جابر بن سميع وقد استوهب دم ولده ».

فقام رجل وقال : أنا قتلت الحيّة في المكان الفلاني ، وأنا منذ قتلتها لا أقدر أن استقرّ في مكان ، فهربت إلى الجامع وأنا منذ سبع ليال هاهنا فقال علیه السلام : « خذ جملك واعقره في مكان قتلت الحيّة وامض لا بأس عليك » (5).

[13] ومنها : ما روي عن الأصبغ بن نباتة عن زيد الشحّام : أنّ أمير المؤمنين علیه السلام جاءه نفر من المنافقين قالوا : أنت الذي تقول : إنّ الجرّي مسخ حرام؟ فقال : « نعم » ، فقالوا : أرنا برهانه فجاء بهم إلى الفرات ثمّ نادى : « هنامش بن هنامش » ، فأجابه الجرّي : لبّيك فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « من أنت؟ » فقال : ممّن عرضت ولايتك عليه فأبى فمسخ ، وأنّ فيمن معك من يمسخ كما مسخنا ويصير كما صرنا.

ص: 424


1- الأنبياء (21) : 26 - 27.
2- « مشارق أنوار اليقين » : 76.
3- « مدينة المعاجز » 2 : 40.
4- « مدينة المعاجز » 2 : 40.
5- « مشارق أنوار اليقين » : 76 - 77.

فقال علیه السلام : « بيّن قصّتك ليسمع من حضر فيعلم ».

فقال : نعم كنّا أربعة وعشرين قبيلة من بني إسرائيل ، وكنّا قد تمرّدنا وعصينا ، وعرضت علينا ولايتك فأبينا ، وفارقنا البلاد واستعملنا الفساد ، فجاءنا آت أنت أعرف به منّا فصرخ فينا صرخة فجمعنا واحدا وكنّا متفرّقين في البراري ، ثمّ صاح صيحة أخرى وقال : كونوا مسوخا بقدرة اللّه فمسخنا أجناسا مختلفة ، ثمّ قال : أيّها القفار كوني أنهارا تسكنك هذه المسوخ واتّصلي ببحار الأرض حتّى لا يبقى ماء إلاّ وفيه من هذه المسوخ فصرنا كما ترى (1).

[14] ومنها : ما روى عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّ عليّا لمّا قدم من صفّين وقف على شاطئ الفرات وأخرج قضيبا أخضر وضرب به الفرات والناس ينظرون إليه ، فانفجرت اثنتا عشر عينا كلّ فرق كالطود العظيم ، ثمّ تكلّم بكلام ولم يفهموه ، فأقبلت الحيتان رافعة رءوسها بالتهليل والتكبير فقالت : السّلام عليك يا حجّة اللّه في أرضه ، وعين اللّه الناظرة في عباده خذلوك كما خذل هارون بن عمران قومه ، فقال لأصحابه : « سمعتم؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « هذه آية لي وحجّة عليكم » (2).

[15] ومنها : ما يستفاد ممّا حكي أنّ رجلا حضر مجلس أبي بكر فادّعى أنّه لا يخاف اللّه ولا يرجو الجنّة ولا يخشى النار ولا يركع ولا يسجد ، ويأكل الميتة والدم ويشهد بما لم ير ويحبّ الفتنة ويكره الحقّ ويصدّق اليهود والنصارى ، وأنّ عنده ما ليس عند اللّه وله ما ليس لله ، وأنا أحمد النبيّ وأنا عليّ وأنا ربّكم ، فقال له عمر : ازددت كفرا على كفرك ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « هوّن عليك يا عمر ، فإن هذا رجل من أولياء اللّه لا يرجو الجنّة ولكن يرجو اللّه ، ولا يخاف النار ولكن يخاف ربّه ، ولا يخاف اللّه من ظلم ولكن يخاف عدله ؛ لأنّه حكم عدل ، ولا يركع

ص: 425


1- المصدر السابق : 77.
2- « بحار الأنوار » 33 : 47 نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 232.

ولا يسجد في صلاة الجنازة ، ويأكل الجراد والسمك ، ويحبّ الأهل والولد ، ويشهد بالجنّة والنار ولم يرهما ، ويكره الموت وهو الحقّ ، ويصدّق اليهود والنصارى في تكذيب بعضهم بعضا ، وعنده ظلم على نفسه وليس عند اللّه ، وله ولد وليس لله.

وقوله : إنّي أحمد النبيّ معناه أن أحمده على تبليغه الرسالة من ربّه. وقوله : أنا عليّ يعني عليّ في قلبي. وقوله : أنا ربّكم أي لي كمّ أرفعها وأضعها » ، فانزعج عمر ، فقام فقبّل رأس أمير المؤمنين علیه السلام وقال : لا بقيت بعدك يا أبا الحسن (1).

[16] ومنها : أنّ رجلا من الخوارج مرّ بأمير المؤمنين علیه السلام ومعه حوتان من الجرّي قد غطّاهما بثوبه فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « بكم اشتريت أبويك من بني إسرائيل؟ » فقال : ما أكثر ادّعاءك للغيب ، فقال علیه السلام : « أخرجهما » ، فأخرجهما ، فقال علیه السلام : « من أنتما؟ » فقالت إحداهما : أنا أبوه ، وقالت الأخرى : أنا أمّه (2).

إلى غير ذلك من المعجزات والكرامات والكمالات الدالّة على أنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام أحقّ بالخلافة ممّن عارضه وتقمّصها كما قال علیه السلام في الخطبة الشقشقيّة : « أما واللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ؛ ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى » (3) إلى آخرها.

وقد روي أنّ موسى وهارون لمّا دخلا [ على ] فرعون أوجسا منه خيفة ، فإذا فارس يقدمهما ولباسه من ذهب وفي يده سيف من ذهب ، وكان فرعون يحبّ الذهب ، فقال لفرعون : أجب هذين الرجلين ، وإلاّ قتلتك ، فانزعج فرعون لذلك

ص: 426


1- « مشارق أنوار اليقين » : 78.
2- المصدر السابق : 79.
3- « نهج البلاغة » : 26 ، الخطبة 3 ، المعروفة بالشقشقية.

وقال : ائتنا غدا ، فلمّا خرجا دعا البوّابين وعاقبهم وقال : كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفوا بعزّة فرعون أنّه ما دخل إلاّ هذان الرجلان فإنّه ذكر أنّ الفارس كان عليّا علیه السلام فإنّه كلمة اللّه العليا والآية الكبرى ، وإليه الإشارة في قوله تعالى : ( وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا ) (1) كما عن ابن عباس (2).

وخامسا : الإشارة إلى بعض الحكايات الواقعة بعد وفاته علیه السلام كحكاية حكاها بعض الثقات من أهل عصرنا بواسطة مثله أو مثليه ، وهي أنّ أهل النجف عصوا والي بغداد فهيّأ الوالي عسكرا إليهم وعيّن لهم رئيسا وأميرا ، وعدا الأمير يوم الورود فرسه ووقع حين العدو على الأرض ، فقال بعض عشيرته : هذا من باطن عليّ ، فقال الأمير : أين عليّ عليّ عليّ الناقة ، فقال : أنا أمتحن ذلك بوضع ذنب الكلب على جنبي ، فوضعه عليه فمنع العسكر عن النهب والإيذاء ، فدخلوا النجف فذهب الأمير إلى إيوان الحرم فارتفع إلى السطح فوقع على الأرض فهلك ، فانهزم العسكر خائفين على وقوع مثل ذلك عليهم على وجه هلك جمع منهم من التصادم فجمعنا.

وكحكاية مرّة بن قيس المشهورة التي جعل لها علامة لموضع إصبعيه علیه السلام في صندوق قبره علیه السلام إلى غير ذلك من الحكايات والمعجزات والكرامات الكاشفة عن كونه أحقّ أهل زمانه بالخلافة بلا فصل.

فصل : في الموعظة الحسنة عملا بقوله تعالى : ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ).

فصل : في الموعظة الحسنة عملا بقوله تعالى : ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (3).

فنقول : لا كلام بين أهل الخلاف والوفاق من أهل التحقيق في أنّ عليّا علیه السلام على

ص: 427


1- القصص (28) : 35.
2- « مشارق أنوار اليقين » : 81.
3- النحل (16) : 125.

الحقّ وأنّ صراط عليّ حقّ فمن تمسّك به نجا ؛ فقد ورد « أنّ من أحبّ حجرا حشره اللّه يوم القيامة معه » (1) ، وأمّا غيره ممّن تقدّم عليه وفصل بينه وبين النبيّ صلی اللّه علیه و آله فقد اختلف فيه ، فأهل السنّة أنّ طريقهم أيضا حقّ والشيعة على أنّه باطل موجب للهلاك والتعذيب بالنار ، وأنّ من تمسّك بهم فهو من أهل النار ، فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون؟ فالعاقل - على تقدير الحيرة - يختار طريقا هو قطعي النجاة كما في السالك الظاهر بالنسبة إلى المسالك الظاهرة ؛ لقوله علیه السلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (2) ، وقد روي مثل ذلك في إرشاد بعض المعصومين لبعض الزنادقة المنكر لأصل الشريعة بل الصانع الحكيم ، فأسلم بعد التأمّل والملاحظة بأنّ هذا النحو قطعي السلامة.

المطلب الثاني في بيان إمامة سائر الأئمّة الاثني عشر

على عدد نقباء بني إسرائيل صلوات اللّه عليهم أجمعين بعد الخليفة بلا فصل عليّ بن أبي طالب علیه السلام .

أعني الحسن والحسين علیهماالسلام ، وعليّ بن الحسين ، ومحمّد بن عليّ ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعليّ بن موسى ، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ بن محمّد ، والحسن بن عليّ ، ومحمّد بن الحسن قائمهم الباقي الغائب الذي سيظهر بإذن اللّه ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، عجّل اللّه فرجه وجعلنا من أنصاره وأتباعه والمستشهدين بين يديه.

والدليل على ذلك أنّه يجب في الإمام العصمة والأفضليّة علما وعملا ، وورود نصّ من اللّه ورسوله وإمام معصوم أو صدور معجزة وكان جميع ذلك موجودا في

ص: 428


1- « كفاية الأثر » : 151 ؛ « عيون أخبار الرضا » 1 : 300 ، ح 58.
2- « عوالي اللآلى » 1 : 394 ، ح 40 ؛ « النهاية في غريب الحديث » 2 : 286 ؛ « بحار الأنوار » 2 : 60.

الحسن علیه السلام بعد عليّ بن أبي طالب وهكذا في الحسين علیه السلام على الترتيب المذكور.

وأمّا العصمة فبالعقل والنقل :

أمّا العقل فلأنّ خلوّ العصر عن المعصوم محال ، وإلاّ يلزم عدم حصول اللطف الواجب على اللّه دفعا للعبث في الأفعال ، من جهة عدم حصول التقريب إلى الطاعات والتبعيد عن المعاصي عن غير المعصوم على وجه الكمال بالنسبة إلى عامّة المكلّفين والعقلاء كما لا يخفى.

ويلزم أيضا التسلسل : إذ المحوج إلى الإمام جواز الخطإ على الأمّة في العلم والعمل ، فلو جاز الخطأ على الإمام وجب له إمام آخر ويتسلسل.

مضافا إلى أنّ حفظ الشريعة لا يتمّ مع جواز الخطإ ، وأنّه يفوت الغرض من نصب غير المعصوم علیه السلام لإقدامه على المعصية الموجبة للإنكار والمنافي لوجوب طاعته وللاعتقاد بمقالته من جهة احتمال الخطإ ، مع أنّ صدور المعصية منه أقبح من العوامّ ولكن مع القدرة عليها ، وإلاّ لما استحقّ على الاجتناب عن المعاصي الثواب والمدح ، ولكان كالملك بل أدون في عدم المجاهدة النفسانيّة الموجبة لأفضليّته ، ولمّا كانت العصمة من الأمور الخفيّة التي لا يعلمها إلاّ عالم الأسرار يجب التنصيص أو الإتيان بالمعجزة ، وليس ذلك بعد عليّ علیه السلام إلاّ للحسن علیه السلام وبعده للحسين علیه السلام وهكذا على الترتيب المذكور بالاتّفاق ولا أقلّ من عدم ثبوته لغيرهم ، ومنع المانعين الغاصبين لا ينافيه ؛ إذ لكلّ نبيّ عدوّ فضلا عن وصيّه.

وأمّا النقل فلآية التطهير (1) ونحوها.

وهكذا الأعلميّة ونحوها من صفات الفضيلة.

وأمّا ورود النصّ على ما ذكر ؛ فلأنّه ثبت بالتواتر أو التظافر والتسامع أنّ كلّ سابق معصوم صادق مفترض الطاعة نصّ على من بعده.

ص: 429


1- الأحزاب (33) : 33.

مضافا إلى ما روي عن عبد اللّه بن عبّاس أنّه قال : قدم يهوديّ إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقال له : نعثل ، يا محمّد! إنّي أسألك عن أشياء تلجلج في صدري فإن أجبتني عنها أسلمت على يدك. قال : « سل » فسأل عنه صلی اللّه علیه و آله فأجاب إلى أن قال : فأخبرني عن وصيّك من هو فما من نبيّ إلاّ وله وصيّ ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون؟ فقال : « نعم ، إنّ وصيّي والخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب علیه السلام وبعده سبطاي : الحسن والحسين علیهماالسلام يتلوه تسعة من صلب الحسين علیه السلام أئمّة أبرار ».

قال : يا محمّد ، فسمّهم لي ، قال : « فإذا مضى عليّ فابنه محمّد ، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه عليّ ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد ، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن ، وبعده الحجّة بن الحسن بن عليّ ، فهؤلاء اثنا عشر إماما على عدد نقباء بني إسرائيل ».

قال : فأين مكانهم في الجنّة؟ قال : « معي في درجتي ».

قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأشهد أنّهم الأوصياء بعدك ، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدّمة ، وفيما عهده إلينا موسى بن عمران أنّه إذا كان آخر الزمان يخرج نبيّ يقال له : أحمد خاتم الأنبياء لا نبيّ بعده ، يخرج من صلبه أئمّة أبرار عدد الأسباط (1).

وعنه : قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « إنّ اللّه - تبارك وتعالى - اطّلع على الأرض اطّلاعة واختارني منها ، فجعلني نبيّا ، ثمّ اطّلع الثانية فاختار منها عليّا علیه السلام فجعله إماما ، ثمّ أمرني أن أتّخذه أخا ووصيّا وخليفة ووزيرا ، فعليّ منّي وأنا من عليّ علیه السلام وهو زوج ابنتي وأبو سبطيّ - الحسن والحسين علیهماالسلام - ألا وإنّ اللّه - تبارك وتعالى - جعلني وإيّاهم حججا على عباده ، وجعل من صلب الحسين علیه السلام أئمّة يقومون

ص: 430


1- « كفاية الأثر » : 11 - 12.

بأمري ويحفظون وصيّتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ، ومهديّ أمّتي ، وأشبه الناس في شمائله وأقواله وأفعاله ، يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة فيعلن أمر اللّه ، ويظهر دين اللّه ، ويؤيّد بنصر اللّه وبنصر ملائكته ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » (1).

وعن عبد اللّه بن مسعود قال : سمعت رسول اللّه يقول : « الأئمّة بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين علیه السلام التاسع مهديّهم » (2).

وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : « الأئمّة بعدي اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين ، التاسع قائمهم ، فطوبى لمن أحبّهم والويل لمن أبغضهم » (3).

وعنه : صلّى بنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الصلاة الأولى ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا ، فقال : « يا معاشر أصحابي! إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطّة في بني إسرائيل ، فتمسّكوا بأهل بيتي بعدي والأئمّة الراشدين من ذرّيّتي فإنّكم لن تضلّوا أبدا » ، فقيل : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كم الأئمّة بعدك؟ قال : « اثنا عشر من أهل بيتي » ، أو قال : « من عترتي » (4).

ومثله حديث آخر عن أبي ذرّ (5).

وروي عن سلمان الفارسي أنّه قال : خطبنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال : « معاشر الناس! إنّي راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب ، أوصيكم في عترتي خيرا ، وإيّاكم والبدع ؛ فإنّ كلّ بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها في النار. معاشر الناس! من افتقد الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسّك بالفرقدين ، فإذا فقدتم الفرقدين

ص: 431


1- المصدر السابق : 10 - 11.
2- المصدر السابق : 23.
3- المصدر السابق : 30 - 31.
4- المصدر السابق : 33 - 34.
5- المصدر السابق : 38 - 39.

فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة بعدي ، أقول قولي وأستغفر اللّه لي ولكم » (1).

قال : فما نزل عن منبره [ حتّى ] (2) دخل بيت عائشة فدخلت إليه وقلت : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه! سمعتك تقول : « إذا فقدتم الشمس فتمسّكوا بالقمر ، وإذا فقدتم القمر فتمسّكوا بالفرقدين ، وإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم » فما الشمس؟

وما القمر؟ وما الفرقدان؟ وما النجوم الزاهرة؟ [ قال : ] « فهم الأئمّة التسعة من صلب الحسين والتاسع مهديّهم » ، ثمّ قال علیه السلام : « هم الأوصياء والخلفاء بعدي الأئمّة الأبرار عدد أسباط يعقوب وحواري عيسى ».

فقلت فسمّهم يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال : « أوّلهم وسيّدهم عليّ بن أبي طالب ، وسبطاي ، وبعدهما عليّ زين العابدين ، وبعده محمّد بن عليّ باقر علم النبيّين ، ثمّ ابنه الصادق جعفر بن محمّد ، وابنه الكاظم سمي موسى بن عمران ، والذي يقتل بأرض الغربة وعليّ ابنه ، ثمّ ابنه محمّد ، والصادقان : عليّ والحسن ، والحجّة القائم المنتظر في غيبته ؛ فإنّهم عترتي ، علمهم علمي ، وحكمهم حكمي ، من آذاني فيهم فلا أناله اللّه شفاعتي » (3).

وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله للحسين بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام : « يا حسين! يخرج من صلبك تسعة من الأئمّة ، منهم مهديّ هذه الأمّة فإذا استشهد أبوك فالحسن بعده ، فإذا سمّ الحسن فأنت ، فإذا استشهدت فعليّ ابنك ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد ، فإذا مضى محمّد فجعفر ابنه ، فإذا مضى فموسى ابنه ، فإذا مضى موسى فعليّ ابنه ، فإذا مضى عليّ فمحمّد ابنه ، فإذا مضى محمّد فعليّ ابنه ، فإذا مضى عليّ فالحسن ابنه ، ثمّ الحجّة بعد الحسن يملأ اللّه به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » (4).

ص: 432


1- المصدر السابق : 40 - 41.
2- الزيادة أثبتناها من المصدر.
3- المصدر السابق : 41 - 42.
4- المصدر السابق : 61 - 62.

وعن أبي أمامة أسعد بن زرارة قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « لمّا عرج بي إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش بالنور : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، أيّدته بعليّ ونصرته به ، ثمّ بعده الحسن والحسين ، ورأيت عليّا عليّا عليّا ورأيت محمّدا مرّتين ، وجعفرا وموسى والحسن والحجّة اثني عشر اسما مكتوبا بالنور ، فقلت : أسامي من هؤلاء الذين قد قرنتهم بي؟ فنوديت : يا محمّد! هم الأئمّة بعدك ، والأخيار من ذرّيّتك » (1).

وروي عن عائشة أنّها قالت : كانت لنا مشربة وكان النبي صلی اللّه علیه و آله إذا أراد لقاء جبرئيل علیه السلام لقيه فيها ، فلقيه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مرّة وأمرني لا يصعد إليه أحد ، فدخل الحسين بن عليّ علیه السلام ولم يعلم حتّى غشيهما ، فقال جبرئيل : من هذا؟ فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « ابني » ، فأخذه النبيّ صلی اللّه علیه و آله فأجلسه على فخذه ، فقال جبرئيل علیه السلام : أما إنّه سيقتل ، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « أمّتي تقتله؟ » قال : نعم وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها ، وأشار جبرئيل إلى الطفّ بالعراق وأخذ منه تربة حمراء فأراه إيّاها ، فقال : هذه من تربة مصرعه ، فبكى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقال جبرئيل علیه السلام : لا تبك فسوف ينتقم اللّه منهم بقائمكم أهل البيت.

فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « حبيبي جبرئيل! ومن قائمنا أهل البيت؟ » قال : التاسع من ولد الحسين علیه السلام كذا أخبرني ربّي عزّ وجلّ أنّه سيخلق من صلب الحسين ولدا وسمّاه عنده عليّا خاضع لله خاشع ، ثمّ يخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده محمّدا ، ثمّ يخرج من صلبه ابنه وسمّاه جعفرا ، ثمّ يخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده موسى واثق باللّه ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده عليّا ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده محمّدا ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عليّا ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده الحسن مؤمن باللّه مرشد إلى اللّه ، ويخرج من صلبه كلمة الحقّ ولسان الصدق ومظهر الحقّ حجّة اللّه على بريّته ، له غيبة طويلة ، يظهر اللّه بالإسلام وأهله ، ويخسف به الكفر وأهله (2).

ص: 433


1- المصدر السابق : 105 - 106.
2- المصدر السابق : 187 - 189.

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على إمامة الأئمّة الاثني عشر وكون الثاني عشر منهم حيّا قائما غائبا منتظرا يظهر بعد ظهور أحكام اللّه ، يا ليتنا كنّا معه فنفوز فوزا عظيما.

مضافا إلى الإجماع القاطع الكاشف عن قول النور الساطع من المعصوم السابق بالنسبة إلى الحقّ.

وكذا العقل الحاكم بامتناع خلوّ الزمان عن المعصوم علیه السلام ؛ لما مرّ.

فإن قلت : لا فرق بين العدم والوجود - مع الغيبة وعدم التصرّف في الأمور - في انتفاء اللطف الواجب على اللّه.

قلت أوّلا : نمنع عدم التفرقة ، لتأثيره حين الوجود والغيبة في بقاء نظام المعاش والمعاد كما يدلّ عليه بعض التوقيعات إلى شيخنا المفيد (1) ، فيكون كالشمس تحت السحاب.

وثانيا : أنّ وجوب اللطف مقيّد بعدم وجود المانع ، ووجود الأعادي وإفسادهم مانع من غير أن يكون سببا لتعذيبنا فيما لا يكون المخالفة فيه باختيارنا.

وثالثا : أنّ تعذيب المخالفين بدون إيجاد الحجّة قبيح ، فيجب إيجاده ؛ لئلاّ يكون للناس على اللّه حجّة.

ورابعا : أنّ في غيبته لطفا للشيعة من جهة مجاهدتهم النفسانيّة ورياضتهم الجسمانيّة وانتظارهم لظهوره وملازمته والاجتناب عن القبائح ؛ لاعتقاد وجوده وإمكان ظهوره وتمكّنه من إقامة الحدود.

وأمّا استبعاد طول عمره - وهو راجع إلى إنكار قدرة اللّه وعروج عيسى وبقائه وبقاء خضر وإلياس - فهو مدفوع بالنقض كما ذكرنا ، والحلّ بما أشرنا.

وظهر ممّا بيّنّا بطلان مذهب غير الإماميّة - القائلين بالأئمّة الاثني عشر من عليّ علیه السلام إلى محمّد بن الحسن - من فرق الشيعة القائلين بخلافة عليّ بن

ص: 434


1- « الاحتجاج » 2 : 596 - 603.

أبي طالب علیه السلام بلا فصل أيضا من دون الانتهاء إلى الإمام الثاني عشر محمّد بن الحسن عجّل اللّه فرجه :

كالكيسانيّة وهم القائلون بخلافة محمّد بن الحنفيّة ، ولعلّ وجه التسمية أنّ محمّدا كان في حجر عليّ وهو طفل ، فقال : « يا كيّس » أو أنّ المختار الملقّب ب- « كيسان » لمّا رأى أنّ عليّ بن الحسين علیه السلام لا يأذنه في الانتقام من قتلة أبيه ودعا الناس إلى محمّد ليأذنه فنسبوا إليه.

والزيديّة وهم القائلون بخلافة زيد بن الإمام زين العابدين علیه السلام .

والناووسيّة وهم القائلون بالإمامة إلى الصادق علیه السلام الواقفون عليه القائلون بأنّه سيرجع إلى الدنيا ويملأها عدلا كما ملئت جورا ، وهم منسوبون إلى عبد اللّه بن ناووس من أهل البصرة.

والفطحيّة وهم القائلون بإمامة عبد اللّه بن جعفر علیه السلام وسمّوا بذلك ؛ لكون عبد اللّه أفطح الرأس أو الرجلين ، أو لكون رئيسهم عبد اللّه بن أفطح.

والإسماعيليّة وهم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر علیه السلام .

والواقفيّة وهم القائلون بالإمامة إلى موسى الكاظم علیه السلام وواقفون عليه بإضلال وكيلين له بالكوفة ، طمعا لزكاة أتوها له علیه السلام قائلين : إنّه لا يموت ، إنّه القائم فاعتمد عليه طائفة وانتشر قولهما حتّى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى علیه السلام وذلك لثبوت موت كلّ من ذلك ، وامتناع خلوّ الزمان عن المعصوم علیه السلام وعدم كون بعض من ذكر معصوما مع ورود الأخبار المتكاثرة المتظافرة على خلافها.

وظهر أيضا أنّ محاربي عليّ وغاصبي حقّه كفّار كما يدلّ عليه قوله : « يا علي ، حربك حربي وسلمك سلمي » (1) ؛ لأنّ دفع الإمامة في الحقيقة راجع إلى دفع النبوّة ، فلعن اللّه بني أميّة قاطبة وبرّأنا اللّه منهم إلى موالينا الأئمّة الاثني عشر.

ص: 435


1- « الأمالي » للطوسي : 364 ، المجلس 13 ، الرقم 763 / 14 ؛ « بشارة المصطفى » : 180 ؛ « بحار الأنوار » 40 : 43.

والحاصل : أنّ الإمام بعد عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين علیه السلام ابنه الحسن علیه السلام ، ثمّ الحسين علیه السلام ، ثمّ عليّ بن الحسين علیه السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم علیه السلام ، ثمّ عليّ بن موسى الرضا علیه السلام ، ثمّ محمّد بن عليّ التقيّ علیه السلام ، ثمّ عليّ بن محمّد النقيّ علیه السلام ، ثمّ الحسن بن عليّ العسكريّ علیه السلام ، ثمّ محمّد بن الحسن صاحب الزمان ردّا على طوائف من الشيعة : كالكيسانيّة ، والزيديّة ، والناووسيّة ، والفطحيّة ، والإسماعيليّة ، والواقفيّة.

والدليل على ذلك أوّلا : أنّ ذلك لطف واجب ، وخلاف ذلك ترك اللطف الواجب.

مضافا إلى ترجيح المرجوح بالنسبة إلى بعض العقائد من جهة القول بترجيح ابن الحنفيّة وزيد وعبد اللّه وإسماعيل ؛ وذلك لعصمة الأئمّة علیهم السلام المذكورين ، وأعلميّتهم.

مضافا إلى النصّ فيهم يتمّ الهداية والحجّة ويحصل الغرض دون غيرهم.

وثانيا : النقل فعن الرضا علیه السلام : « إنّ اللّه لم يقبض نبيّه حتّى أكمل له الدين ، وأنزل عليه القرآن تبيان كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال عزّ وجلّ : ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) (1) ، وأنزل في حجّة الوداع - وهي آخر عمره صلی اللّه علیه و آله - : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (2) ، وأمر الأمّة من تمام الدين ولم يمض حتّى بيّن علیه السلام لأمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ ، وأقام لهم عليّا علما وإماما ، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه ، فمن زعم أنّ اللّه عزّ وجلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه فهو كافر - إلى أن قال بعد ذكر قدر الإمامة وكونها بعد النبوّة - فقلّدها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عليّا بأمر اللّه على اسم ما فرض اللّه فصارت في ذرّيّته الأصفياء الذين آتاهم العلم والإيمان - إلى أن قال : - إنّ الإمامة خلافة اللّه

ص: 436


1- الأنعام (6) : 38.
2- المائدة (5) : 3.

وخلافة الرسول صلی اللّه علیه و آله ومقام أمير المؤمنين علیه السلام وميراث الحسن والحسين علیهماالسلام - إلى أن قال : - الإمام عالم لا يجهل وداع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول ونسل المطهّرة البتول لا مغمز فيه من نسب ولا يدانيه ذو حسب ». الحديث (1).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ أوضح بأئمّة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه - إلى أن قال : - فلم يزل اللّه - تبارك وتعالى - يختارهم لخلقه من ولد الحسين علیه السلام من عقب كلّ إمام » الحديث (2).

ونحو ذلك ممّا يدلّ على أنّ الإمامة مخصوصة بمن علم من جهته الاتّصاف بالقدس.

مضافا إلى ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال في وصيّة لابنه الحسن : « يا بنيّ ، أمرني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن أوصي إليك ، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ودفع إليّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين علیه السلام » ، ثمّ أقبل على ابنه الحسين علیه السلام فقال له : « وأمرك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن تدفعها إلى ابنك هذا ، ثمّ أخذ بيد عليّ بن الحسين علیه السلام ، ثمّ قال لعليّ بن الحسين : وأمرك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن عليّ وأقرئه من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله السّلام » (3).

وعن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال : سئل عن القائم فضرب بيده على أبي عبد اللّه علیه السلام فقال : « واللّه هذا قائم آل محمّد صلی اللّه علیه و آله ».

قال عيينة : فلمّا قبض أبو جعفر علیه السلام دخلت على أبي عبد اللّه علیه السلام فأخبرته بذلك فقال : « صدق أبو جعفر » ، ثمّ قال : « لعلّكم ترون أن ليس كلّ إمام هو القائم بعد الإمام

ص: 437


1- « معاني الأخبار » : 96 - 101 ، ح 2 ؛ « الأمالي » للصدوق : 536 - 540 ، المجلس 97 ، ح 1 ؛ « كمال الدين وتمام النعمة » : 675 - 681 ، ح 31.
2- « الكافي » 1 : 203 - 205 ، باب نوادر جامع في فضل الإمام وصفاته ، ح 2.
3- المصدر السابق 1 : 297 - 298 ، باب الإشارة والنصّ على الحسن بن عليّ ، ح 1.

الذي كان قبله » (1).

وعن أبي عبد اللّه أنّه دعا أبا الحسن علیه السلام يوما فقال لنا : « عليكم بهذا واللّه صاحبكم بعدي » (2).

وعن أبي الحسن علیه السلام أنّه قال : « إنّ ابني عليّا أكبر ولدي وأبرّهم عندي وأحبّهم إليّ وهو ينظر معي في الجفر ، ولم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ » (3).

وعن محمد بن إسحاق بن عمّار أنّه قال : قلت لأبي الحسن الأوّل : ألا تدلّني إلى من آخذ عنه ديني؟ فقال : « هذا ابني عليّ » (4) ، وعن معمر بن خلاّد ، قال : سمعت الرضا علیه السلام وذكر شيئا ، فقال : « ما حاجتكم إلى ذلك هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني - وقال - : إنّا أهل البيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذّة بالقذّة » (5).

وعن الخيراني ، عن أبيه أنّه قال : كنت واقفا عند أبي الحسن بخراسان ، فقال قائل له يا سيّدي! إن كان كون فإلى من؟ قال : « إلى أبي جعفر علیه السلام ابني » ، فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر علیه السلام فقال أبو الحسن علیه السلام : « إنّ اللّه - تبارك وتعالى - بعث عيسى بن مريم رسولا نبيّا صاحب شريعة مبتدؤه في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر علیه السلام » (6).

وعن إسماعيل بن مهران أنّه قال : لمّا خرج أبو جعفر بن محمّد علیه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خروجه ، فقلت له : جعلت فداك إنّي أخاف عليك في هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك ، فكرّ بوجهه إليّ ضاحكا وقال : « ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة » ، فلمّا أخرج به الثانية إلى المعتصم جزت إليه ، فقلت : جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتّى اخضلّت لحيته من الدموع ، ثمّ

ص: 438


1- المصدر السابق 1 : 307 ، باب الإشارة والنصّ على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد ، ح 7.
2- المصدر السابق : 310 ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى ، ح 12.
3- المصدر السابق : 311 ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا ، ح 2.
4- المصدر السابق : 312 ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا ، ح 4.
5- المصدر السابق : 320 ، باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر الثاني ، ح 2.
6- المصدر السابق 1 : 322 ، باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر الثاني ، ح 13.

التفت إليّ فقال : « عند هذه يخاف عليّ ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ علیه السلام » (1).

وعن عليّ بن عمر النوفل قال : كنت مع أبي الحسن علیه السلام في صحن داره ، فمرّ بنا محمّد ابنه علیه السلام فقلت له : جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟ فقال : « لا ، صاحبكم بعدي الحسن » (2).

وعن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمّد ابنه قال : « هذا صاحبكم بعدي » (3).

إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع شرح الشارح القوشجي بقوله : « ( والنقل المتواتر دلّ على الأحد عشر ولوجوب العصمة وانتفائها من غيرهم ووجوب الكمالات فيهم ).

ذهب الإماميّة إلى أنّ الإمام الحقّ بعد الرسول صلی اللّه علیه و آله هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، ثمّ الحسن والحسين ، ثمّ ابنه زين العابدين علیه السلام ، ثمّ ابنه محمّد القائم المنتظر المهدي ، وتدّعون أنه ثبت بالتواتر نصّ كلّ من السابقين على من بعده ، ويروون عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال للحسين علیه السلام : ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة تاسعهم قائمهم (4).

وعن مسروق أنّه قال : بينا نحن عند عبد اللّه بن مسعود إذ يقول لنا شابّ : هل عهد إليكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال : إنّك لحدث السنّ وإنّ هذا شيء ما سألني عنه أحد ، نعم عهد إلينا نبيّنا - عليه الصلاة والسّلام - أن يكون بعده اثنا عشر خليفة عدد نقباء بني إسرائيل (5).

ص: 439


1- المصدر السابق 1 : 323 ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الثالث ، ح 1.
2- المصدر السابق : 325 ، باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد ، ح 2.
3- المصدر السابق : 328 ، باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار ، ح 3.
4- « بحار الأنوار » 36 : 372.
5- « عيون أخبار الرضا » 1 : 48 - 49 باب 6 ، ح 10 ؛ « كمال الدين وتمام النعمة » 1 : 270 - 271 ، ح 16 ؛ « الأمالي » للصدوق : 254 ، المجلس 51 ، ح 4 ؛ « الخصال » 2 : 466 - 467 ، ح 6.

ويتشبّثون تارة بأنّه يجب أن يكون في الإمام العصمة وغير هؤلاء ليسوا معصومين إجماعا فتعيّنت العصمة لهم ، وإلاّ لزم خلوّ الزمان عن المعصوم علیه السلام وقد بيّنّا استحالته.

وأخرى بأنّ الكمالات النفسانيّة والبدنيّة بأجمعها موجودة في كلّ واحد منهم فهو أفضل أهل زمانه فتعيّنت الإمامة ؛ لأنّه يقبح عقلا رئاسة المفضول على الفاضل.

ولا يخفى على المتأمّل ما فيه بعد الاطّلاع على ما سبق. ( ومحاربو عليّ كفرة ) لقوله صلی اللّه علیه و آله : « حربك حربي يا عليّ » (1) ، ولا شكّ أنّ محارب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كافر ( ومخالفوه فسقة ) ؛ لأنّ حقّيّة إمامته واضحة فمتابعته واجبة ، فمن خالفه يكون مخالفا لسبيل المؤمنين ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) (2).

والحقّ أنّ محارب عليّ علیه السلام يكون مخطئا ظاهرا فيكون من الفئة الباغية إن كانت محاربته عن شبهة ، وكذا محارب كلّ واحد من الخلفاء الراشدين.

وأمّا مخالفته فلا تخلو : إمّا أن تكون عن اجتهاد أو لا ، فإن كان الأوّل فالظاهر أنّ خطأه لا ينتهي إلى التفسيق ؛ لأنّه مجتهد ، والمخطئ في الاجتهاد لا يكون فاسقا.

وإن كان الثاني فلا شكّ في فسقه ، وكذا مخالفة سائر الخلفاء الراشدين » (3).

أقول : لا يخفى أنّه يكفي في ردّ المخالفين ما ورد في صحيح البخاري في مناقب فاطمة علیهاالسلام ما مضمونه أنّه قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله في حقّها : « إنّ فاطمة علیهاالسلام بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه ومن آذى اللّه فقد كفر » (4).

وحكى (5) بعد عدّة أوراق أنّها خرجت من الدنيا وهي ساخطة على أبي بكر أو

ص: 440


1- تقدّم في ص 435.
2- النساء (4) : 115.
3- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 380.
4- « صحيح البخاري » 3 : 1361 باب مناقب قرابة رسول اللّه ... الرقم 3510.
5- أي الشارح القوشجي.

على أبي بكر وعمر ؛ لدلالة ذلك على كفر أبي بكر وعدم صلاحيّته فكذا عمر وعثمان كما لا يخفى.

المطلب الثالث : [ في وجود صاحب الزمان وغيبته ]
اشارة

إنّ صاحب الزمان موجود الآن ، غائب عن الأعيان ، وبوجوده استقرّ وجود الإنس والجانّ ، وسيظهر بإذن اللّه الملك المنّان ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، كما هو الضروري من المذهب.

والدليل على ذلك أنّ وجوده لطف كما أنّ في ظهوره لطفا ، فحيث لم يكن اللطف الأوّل مانع يجب تحقّقه ، فيجب وجوده ، وحيث كان للثاني مانع يجب غيبته إلى أن يصير ظهوره حسنا من جهة دفع الأقبح ، وهو الخروج عن الدين وتضييع شريعة سيّد المرسلين.

مضافا إلى النقل ، فعن أبي عبد اللّه صلی اللّه علیه و آله : « أنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها واستغنى الناس في ملكه ، حتّى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى ، ويبني في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب ، وتتّصل بيوت الكوفة بنهري كربلاء وبالحيرة ، حتّى يخرج الرجل يوم الجمعة على بغلة سفراء يريد الجمعة فلا يدركها » (1).

وعن أبي جعفر علیه السلام : « يدخل المهديّ الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت بينها فتصفو له ، فيدخل حتّى يأتي المنبر فيخطب ولا يدري الناس ما يقول من البكاء ، فإذا كانت الجمعة الثانية قال الناس : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، إنّ الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله والمسجد لا يسعنا ، فيخرج إلى الغريّ فيخطّ مسجدا له ألف باب ويحفر من خلف قبر الحسين لهم نهرا حتّى يجري إلى الغريّين حتّى يرمي

ص: 441


1- « الإرشاد » للمفيد 2 : 381 ؛ « الغيبة » للطوسي : 467 - 468.

إلى النجف ويعمل على فوهته قناطر » (1).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام : « أنّ مسجد السهلة منزل صاحبنا إذا قدم بأهله » (2).

وعنه علیه السلام : « أنّ القائم يهدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه ومسجد رسول اللّه إلى أساسه صلی اللّه علیه و آله ، وردّ البيت إلى موضعه وأقام على أساسه ، وقطع أيدي بني شيبة السرّاق وعلّقها على الكعبة » (3).

وعنه علیه السلام : « إذا قام القائم علیه السلام جاء بأمر غير الذي كان » (4).

وعن أبي جعفر علیه السلام : « أنّ القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم ، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، ويفتح اللّه له شرق الأرض وغربها ويقتل الناس حتّى لا يبقى إلاّ دين ، يسير بسيرة سليمان بن داود علیه السلام » (5).

وعنه علیه السلام : « إذا قام القائم دخل الكوفة ، وأمر بهدم المساجد الأربعة حتّى يبلغ أساسها ، ويصيّرها عريشا كعريش موسى لا شرف لها ، ويوسّع الطريق الأعظم فيصير ستّين ذراعا ، فيهدم كلّ مسجد على الطريق ، ويسدّ كلّ كوّة إلى الطريق وكلّ جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق ، فيأمر اللّه الفلك في زمانه فيبطؤ في دوره حتّى يكون اليوم من الأيّام كعشرة أيّام من أيّامكم ، والشهر كعشرة أشهر ، والسنة كعشرة سنين من سنتكم » (6).

وعنه علیه السلام : « يبايع القائم بين الرّكن والمقام ثلاثمائة ونيّف عدّة أهل بدر فيهم النجباء

ص: 442


1- « منتخب الأنوار المضيئة » : 192 ؛ « بحار الأنوار » 97 : 385.
2- « الكافي » 3 : 495 ، باب مسجد السهلة ، ح 7 ؛ « الإرشاد » للمفيد 2 : 380.
3- « الإرشاد » للمفيد 2 : 383 ؛ « إعلام الورى » 2 : 289 ؛ « كشف الغمّة » 2 : 465.
4- « الإرشاد » للمفيد 2 : 384 ؛ « الكافي » 1 : 536 ، باب أنّ الأئمّة قائمون بأمر اللّه ... ح 2 ؛ « كشف الغمّة » 2 : 465.
5- « إثبات الهداة » 7 : 336 ، ح 37 ؛ « بحار الأنوار » 52 : 331 ، ح 52.
6- « إثبات الهداة » 7 : 37 ، ح 374 ؛ « بحار الأنوار » 52 : 333 ، ح 61.

من أهل مصر والأبدال من أهل الشام والأخيار من أهل العراق ، فيقيم ما شاء اللّه أن يقيم » (1).

وعن مولانا أبي الحسن العسكري علیه السلام أنّه قال : « الخلف من بعدي الحسن علیه السلام فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ » فقلت : ولم يجعلني اللّه فداك؟ قال : « إنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه » ، فقلت : فكيف نذكره؟ فقال : « قولوا : الحجّة من آل محمّد صلی اللّه علیه و آله » (2).

وعن أبي عبد اللّه الصالح ، قال : سألني أصحابنا بعد مضيّ أبي محمّد علیه السلام أن أسأل عن الاسم [ و ] المكان فخرج الجواب : « إن دللتهم عن الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلّوا عليه » (3).

وعن أبي الحسن علیه السلام أنّه سئل عن القائم علیه السلام فقال : « لا يرى جسمه ولا يسمّى اسمه » (4).

وعن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال في خطبة له : « اللّهمّ وإنّي لأعلم العلم لا يأزر كلّه ولا ينقطع موادّه ، وإنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور ، كيلا تبطل حجّتك ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم - إلى أن قال - : أولئك أتباع العلماء صحبوا أهل الدنيا بطاعة اللّه تبارك وتعالى ولأوليائه ، ودانوا بالتقيّة عن دينهم والخوف عن عدوّهم ، فأرواحهم معلّقة بالمحلّ الأعلى ، فعلماؤهم وأتباعهم خرس صمت في دولة الباطل ينتظرون لدولة الحقّ وسيحقّ اللّه الحقّ بكلماته ويمحق الباطل » (5).

ص: 443


1- « إثبات الهداة » 7 : 37 ، ح 378 ؛ « بحار الأنوار » 52 : 334 ، ح 64.
2- « إعلام الورى » 2 : 136 ؛ « الكافي » 1 : 328 ، باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد 7 ، ح 13 ؛ « كفاية الأثر » : 283 - 284 ؛ « علل الشرائع » 1 : 286 باب 79 ، ح 5.
3- « الكافي » 1 : 333 باب النهي عن الاسم ، ح 2.
4- المصدر السابق ، ح 3.
5- المصدر السابق 1 : 339 ، باب في الغيبة ، ح 13.

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة ، والأخرى طويلة ، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة مواليه » (1).

وعنه علیه السلام أنّه قيل له : أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال : « لا » ، فقيل : فولدك؟ فقال : « لا » ، فقيل : فولد ولد لك هو؟ قال : « لا » ، فقيل ولد ولد ولدك؟ فقال : « لا » ، فقيل من هو؟ فقال : « الذي يملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا على فترة من الأئمّة علیهم السلام كما أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بعث على فترة من الرسل » (2).

وعن أمّ هانئ قالت : سألت أبا جعفر محمّد علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ ) (3) قالت : فقال : « إمام يخنس سنة ستّين ومائتين ، ثمّ يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء ، فإن أدركت زمانه قرّت عينك ، وفي الآخر : الخنّس إمام يخنس في زمانه عند انقطاع من علمه عند الناس سنة ستّين ومائتين ثمّ يبدو كالشهاب الواقد في ظلمة الليل فإذا أدركت ذلك قرّت عينك » (4).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « لا بدّ للغلام من غيبة » ، قلت : ولم؟ قال : « يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - وهو المنتظر وهو الذي يشكّ الناس في ولادته فمنهم من يقول : حمل ، ومنهم من يقول : مات أبوه ولم يخلف ، ومنهم من يقول ولد قبل موت أبيه بسنتين ».

قال زرارة : فقلت : وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال : « ادع اللّه بهذا الدعاء اللّهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك ، اللّهمّ عرّفني نبيّك فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرف حجّتك ، اللّهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك

ص: 444


1- المصدر السابق : 340 ، ح 19.
2- « الكافي » 1 : 341 ، باب في الغيبة ، ح 21 ؛ « بحار الأنوار » 51 : 39 ، ح 18.
3- التكوير (81) : 15 - 16.
4- « الكافي » 1 : 341 ، باب في الغيبة ، ح 22 و 23.

ضللت عن ديني » (1) إلى غير ذلك من الأخبار.

[ في كيفيّة الرجعة ]

ثمّ اعلم أنّ كيفيّة الرجعة إجمالا - كما أفيد - أنّه إذا كانت السنة التي يظهر فيها قائم آل محمّد صلی اللّه علیه و آله وقع فيها قحط شديد ، فإذا كان العشرون من جمادى الأولى وقع مطر شديد لا يوجد مثله مطلقا منذ هبط آدم علیه السلام متّصلا إلى أوّل شهر رجب ، تنبت لحوم من يريد اللّه أن يرجع إلى الدنيا من الأموات ، وفي العشر الأوّل منه أيضا يخرج الدجّال من أصفهان ويخرج السفياني عثمان بن عنبسة - أبوه من ذرّيّة عنبسة بن أبي سفيان وأمّه من ذرّيّة يزيد بن معاوية من الرملة - من وادي اليابس ، وفي شهر رجب يظهر في قرص الشمس جسد أمير المؤمنين علیه السلام يعرفه الخلائق وينادي في السماء مناد باسمه.

وفي آخر شهر رمضان ينخسف القمر وفي الليلة الخامسة منه وفي النصف تنكسف الشمس ؛ وفي أوّل الفجر من اليوم الثالث والعشرين ينادي جبرئيل علیه السلام في السماء : ألا إنّ الحقّ مع عليّ وشيعته ، وفي آخر النهار ينادي إبليس من الأرض : ألا إنّ الحقّ مع عثمان الشهيد وشيعته يسمع الخلائق كلا النداءين ، كلّ منهم بلغته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون.

وفي يوم الجمعة العاشر من المحرّم يخرج الحجّة علیه السلام يدخل المسجد الحرام يسوق أمامه [ ثمانا أعجابا ] ويقتل خطيبهم ، فإذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة ، فإذا جنّه الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة ونادى أصحابه الثلاثمائة وثلاثة عشر ليجتمعون عنده من مشرق الأرض ومغربها ، فيصيح يوم السبت فيدعو الناس إلى بيعته ، فأوّل من يبايعه الطائر الأبيض جبرئيل علیه السلام ويبقى في مكّة حتّى يجتمع عليه عشرة آلاف ، ويبعث السفياني عسكرين : عسكرا إلى الكوفة وعسكرا

ص: 445


1- المصدر السابق : 337 ، باب في الغيبة ، ح 5.

إلى المدينة ويخرّبونها ، ويهدمون القبر الشريف وتروث بغالهم في مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ويخرج العسكر إلى مكّة ليهدموها ، فإذا وصلوا إلى بيداء خسف بهم ، لم ينج منهم إلاّ رجلان يمضي أحدهما نذيرا للسفياني والآخر بشيرا للقائم علیه السلام .

ثمّ يسير إلى المدينة ويخرج الجبت والطاغوت ويصلبهما في الشجرة ، ويسير في أرض اللّه ويقتل الدجّال ويلتقي بالسفياني ، ويأتيه السفياني ويبايعه فيقول أقوامه من أخواله : يا كلب ما صنعت؟ فيقول : أسلمت وبايعت ، فيقولون : واللّه ما نوافقك على هذا فلا يزالون يحثّون به حتّى يخرج على القائم فيقاتله فيقتله الحجّة علیه السلام ولا يزال يبعث أصحابه في أقطار الأرض حتّى يستقيم له الأمر ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، ويستقرّ في الكوفة ويكون مسكن أهله مسجد السهلة ومحلّ قضائه مسجد الكوفة.

ومدّة ملكه سبع سنين ، يطوّل اللّه الأيّام والليالي حتّى تكون السنة بقدر عشر سنين ؛ لأنّ اللّه سبحانه يأمر الفلك باللبوث فتكون هذه مدّة ملكه سبعون سنة من هذه السنين ، فإذا مضى منها تسع وخمسون سنة خرج الحسين علیه السلام في أنصاره الاثنين والسبعين الذين استشهدوا معه في كربلاء وملائكة النصر والشعث الغبر الذين عند قبره.

فإذا تمّت السبعون سنة أتى الحجّة الموت فتقتله امرأة من بني تميم اسمها سعيدة لها لحية كلحية الرجل تضربه على رأسه من فوق سطح وهو متجاوز في الطريق ، فإذا مات تولّى تجهيزه الحسين علیه السلام ثمّ يقوم بالأمر ويحشر له يزيد بن معاوية وعبيد اللّه بن زياد وعمر بن سعد والشمر ومن معهم يوم كربلاء ومن رضي بأفعالهم من الأوّلين والآخرين فيقتلهم الحسين علیه السلام ويقتصّ منهم ، ويكثر القتل في كلّ من رضي بفعلهم أو أحبّهم ، حتّى يجتمع عليه أشرار الناس من كلّ ناحية ويلجئونه إلى بيت الحرام.

فإذا اشتدّ به الأمر خرج السفّاح أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام لنصرته مع الملائكة فيقتلون أعداء الدين ويمكث عليّ علیه السلام مع ابنيه الحسنين علیهماالسلام ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف ، ثمّ يضرب على قرنه ويقتل ، ويبقى الحسين علیه السلام

ص: 446

قائما بدين اللّه ، ومدّة ملكه خمسون ألف سنة حتّى أنّه ليربط حاجبيه بعصابة من شدّة الكبر. ويبقى أمير المؤمنين علیه السلام في موته أربعة آلاف سنة أو ستّة آلاف سنة أو عشرة آلاف سنة على اختلاف الروايات ، ثمّ يكرّ في جميع شيعته ؛ لأنّه علیه السلام يقتل مرّتين ويحيا مرّتين والأئمّة كلّهم يرجعون إلى الدنيا حتّى القائم علیه السلام .

ويجتمع إبليس مع جميع أتباعه ويقتلون عند الروحاء قريب من الفرات ، فيرجع المؤمنون القهقرى حتّى يقع منهم رجال في الفرات وروي ثلاثون رجلا ، فينزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من الغمام وبيده حربة من نور فإذا رآه إبليس هرب فيقول له أنصاره : أين تذهب وقد آن لنا النصر؟ فيقول : إنّي أرى ما لا ترون ، إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين ، فيلحقه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فيطعنه في ظهره فتخرج الحربة من صدره ويموت ويقتلون أصحابه أجمعين ، وعند ذلك يعبد اللّه ولا يشرك به شيئا ، ويعيش المؤمن لا يموت حتّى يولد له ألف ولد ذكر ، وإذا كسى ولده ثوبا يطول معه كلّما طال ، ويكون لونه على حسب ما يريد ، وتظهر الأرض بركاتها بحيث يؤكل ثمرة الصيف في الشتاء وبالعكس ، وإذا أخذ الثمرة من الشجرة نبت مكانها حتّى لا يفقد شيئا ، وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء اللّه تعالى ، فإذا أراد اللّه تعالى خراب العالمين رفع محمّدا صلی اللّه علیه و آله إلى السماء وبقي الناس في هرج ومرج أربعين يوما ، ثمّ ينفخ إسرافيل في الصور نفخة الصعق.

والحاصل : أنّ وقت خروجه وظهوره علیه السلام على وجه التفصيل غير معلوم ، فعن المفضّل قال : سألت أبا جعفر علیه السلام هل لهذا الأمر وقت؟ فقال : « كذب الوقّاتون ، كذب الوقّاتون » (1).

ومثله الآخر إلاّ أنّ فيه : « كذب الموقّتون ما مضى وقتنا فيما مضى ، ولا آن وقته فيما يستقبل » (2) إلى غير ذلك من الأخبار.

ص: 447


1- « الكافي » 1 : 368 ، باب كراهية التوقيت ، ح 5.
2- « الغيبة » للطوسي : 426 ، ح 412.

وعن أبي حمزة الثمالي قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إنّ عليّا علیه السلام كان يقول : « إلى السبعين بلاء » ، وكان يقول : « بعد البلاء رخاء » وقد مضت السبعون ولم نر رخاء؟

فقال أبو جعفر علیه السلام : « يا ثابت! إنّ اللّه تعالى كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلمّا قتل الحسين علیه السلام اشتدّ غضب اللّه على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة سنة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم متاع الستر ، فأخذه اللّه ولم يجعل له بعد ذلك وقتا عندنا ( يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (1) » (2).

نعم ، ذكر لظهوره علامات كانت قبل خروجه كما يستفاد من الأخبار المرويّة في كتاب « الغيبة » من تأليفات الصدوق (3) رحمه اللّه .

فقد روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام بعد ما قيل له علیه السلام : إنّ أبا جعفر علیه السلام كان يقول : « خروج السفياني من المحتوم ، والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم ، - إلى أن قال - : وخروج القائم من المحتوم ».

قلت : وكيف يكون النداء؟ قال : « ينادي مناد من السماء أوّل النهار يسمعه كلّ قوم بألسنتهم : ألا إنّ الحقّ في عليّ وشيعته ، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض : ألا إنّ الحقّ في عثمان وشيعته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون » (4).

وعنه علیه السلام قال : « خمس قبل قيام القائم من العلامات : الصيحة ، والسفياني ، والخسف بالبيداء ، وخروج اليماني ، وقتل النفس الزكيّة » (5).

وعنه علیه السلام : « لا يخرج القائم حتّى يخرج اثنا عشر من بني هاشم كلّهم يدعو

ص: 448


1- الرعد (13) : 39.
2- « الكافي » 1 : 368 ، باب كراهية التوقيت ، ح 1.
3- المعروف أنّ كتاب « الغيبة » للشيخ الطوسي رحمه اللّه وللنعماني رحمه اللّه وليس للصدوق رحمه اللّه ولعلّه كان مراد المصنّف منه كتاب إكمال الدين للصدوق ، راجع منه ص 649 وما بعدها.
4- « الإرشاد » للمفيد 2 : 371 ؛ « إعلام الورى » 2 : 279.
5- « الغيبة » للطوسي : 436 ؛ « الغيبة » للنعماني : 452 ، ح 9.

إلى نفسه » (1).

وعن الحسن بن عليّ علیه السلام : « لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتّى يتبرّأ بعضكم من بعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، ويتفل بعضكم في وجه بعض ، وحتّى يشهد بعضكم بالكفر على بعض - قال - : عند ذلك يقوم قائمنا ويرفع ذلك » (2).

وعن أمير المؤمنين علیه السلام : « بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض وجراد في حينه وجراد في غير حينه أحمر كألوان الدم ، فأمّا الموت الأحمر فالسيف ، وأمّا الموت الأبيض فالطاعون » (3).

وعن الرضا علیه السلام : « ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء ، صوتا منها : ألا لعنة اللّه على الظالمين ، والصوت الثاني : أزفت الآزفة ، يا معشر المؤمنين ، والصوت الثالث يرون بدنا بارزا نحو عين الشمس : هذا أمير المؤمنين علیه السلام » (4).

وعن عليّ بن الحسين علیه السلام : « يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له : عون السلمي بأرض الجزيرة ويكون مأواه تكريت وقتله بمسجد دمشق ، ثمّ يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند ، ثمّ يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة من أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهديّ ، ثمّ يخرج بعد ذلك » (5).

وعن النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « يخرج بقزوين رجل اسمه اسم نبيّ يسرع الناس إلى طاعته المشرك والمؤمن يملأ الجبال خوفا » (6).

ص: 449


1- « الإرشاد » للمفيد 2 : 372 ؛ « إعلام الورى » 2 : 280 ؛ « كشف الغمّة » 2 : 459.
2- « الغيبة » للطوسي : 437 ؛ « الغيبة » للنعماني : 206 ، ح 10.
3- « الإرشاد » للمفيد 2 : 372 ؛ « الخرائج والجرائح » 3 : 1152 ، ح 48 ؛ « كشف الغمّة » 2 : 459.
4- « الغيبة » للطوسي : 439 ؛ « الغيبة » للنعماني : 271 ، ح 45.
5- « الغيبة » للطوسي : 443 ؛ « الخرائج والجرائح » 3 : 1155 ، الرقم 61.
6- « الغيبة » للطوسي : 444 ؛ « الخرائج والجرائح » 3 : 1148 ، الرقم 57.

وعن أبي جعفر علیه السلام : « آيتان تكونان قبل القائم لم تكونا منذ هبط آدم علیه السلام إلى الأرض : تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان ، والقمر من آخره » ، فقال رجل : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، تنكسف الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف ، فقال أبو جعفر علیه السلام : « إنّي لأعلم بما تقول ، ولكنّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم علیه السلام » (1).

وعنه علیه السلام : « يكثر القتلى بين الحيرة والكوفة » (2).

وعنه علیه السلام : تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة فإذا ظهر المهديّ بعث اللّه بالبيعة (3).

وعنه علیه السلام : « كأنّي بالقائم علیه السلام يوم عاشوراء يوم السبت قائم بين الركن والمقام وجبرئيل علیه السلام بين يديه ينادي : البيعة » (4).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام : « إنّ القائم يقوم يوم عاشوراء يوم قتل فيه الحسين علیه السلام » (5).

إلى غير ذلك من العلامات كالمطر أربعا وعشرين مطرة يرى أثرها وبركتها ، وخسف قرية من قرى الشام ، وقتل إخوان الترك حتّى ينزلوا الجزيرة ، وقتل مارقة الروم حتّى ينزلوا الرملة ، وقيام الزنديق من قزوين ، وخروج الدجال ، واختلاف ريحين بالشام ، ووقوع رجفة فيها يهلك فيها مائة ألف ، وهدم حائط مسجد الكوفة ، وقتل النفس الزكيّة غلام من آل محمّد صلی اللّه علیه و آله اسمه محمّد بن الحسن بلا جرم وذنب ، وطلوع آية مع الشمس. عجّل اللّه فرجه وسهّل مخرجه.

ص: 450


1- « الكافي » 8 : 179 - 180 ، ح 258 ؛ « الغيبة » للطوسي : 444 ؛ « كشف الغمّة » 2 : 460.
2- « الإرشاد » للمفيد 2 : 374 ؛ « إعلام الورى » 2 : 285 ؛ « إثبات الهداة » 7 : 409 ، ح 55.
3- « الغيبة » للطوسي 452 ؛ « إثبات الهداة » 7 : 412 ، ح 65.
4- « الخرائج والجرائح » 3 : 1159 ؛ « إثبات الهداة » 7 : 31 ، ح 353.
5- « الإرشاد » للمفيد 2 : 379 ؛ « كشف الغمّة » 2 : 534 ؛ « إثبات الهداة » 7 : 31 ، ح 352.

فهرس الموضوعات

المقصد الرابع : في النبوّة

معنى النبوّة... 9

المعنى التصوّري... 9

المعنى التصديقي... 10

الكلام يقع في خمسة فصول... 11 - 12

الفصل الأوّل : أنّ بعثة النبيّ صلی اللّه علیه و آله واجب عقلاً... 13

فوائد البعثة عقلاً... 13

الأولى : تقوية العقل في الأحكام... 13

الثانية : تنبيه العقلاء على لزوم معرفة اللّه... 13

الثالثة : إرشاد الناس إلى المنافع النفسانيّة والجسمانيّة... 13

الرابعة : حفظ نوع الإنسانٍ... 13

الخامسة : اشتمالها على اللطف... 14 - 17

الفصل الثاني : في أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله يجب أن يكون معصوماً... 18

تفسير العصمة... 18

تجب عصمة الأنبياء من وجوه ثلاثة :... 19

الأوّل : أنّها لطف للأنبياء في التبليغ... 19

الثاني : أنّها لطف للمكلّفين في تصديق الأنبياء... 20

الثالث : أنّها لطف لهم في سائر التكاليف المعدّة لإيصال النعيم الأبدي... 20

ص: 451

فيما يدلّ على وجوب العصمة... 21 - 23

بعض الأقوال في أنّ العصمة من أيّ معصية تجب... 24 - 25

الفصل الثالث : في أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله يجب أن يكون مع المعجزة المصدّقة... 26 - 28

المعجزة أمر واقعيّ خارج عن العادة... 28

الفرق بين السحر والمعجزة... 29

يجب على النبيّ والوصيّ إيقاع المعجزة بإذن اللّه... 29 - 31

في جواز ظهور المعجزة على الصالحين مثل مريم علیهاالسلام ... 31

في جواز ظهور المعجزة قبل النبوّة على سبيل الإرهاص... 32

في جواز ظهور المعجزة على الكاذبين إظهارا لكذبهم... 33

هل تجب البعثة في كلّ زمان؟ وهل تجب الشريعة للنبيّ المبعوث؟ ... 33

الفصل الرابع : في أنّ نبيّنا محمّد صلی اللّه علیه و آله مبعوث إلى الثقلين مع المعجزات... 35

نسبه وحسبه صلی اللّه علیه و آله ... 35

أنّ معجزاته على قسمين : ظاهرة وخفية... 35

القرآن المجيد هو المعجزة الظاهرة التى لا ريب فيه... 35 - 36

في المعجزات الباهرة الظاهرة بالمعنى الدالّ على نبوّته سوى القرآن... 39

الآيات الدالّة على نبوّته... 49

حديث المعراج... 51

في كيفيّة المعراج وأنّه كان بتمام جسمه الشريف... 53

ما قاله الشيخ المعاصر في كيفيّة المعراج من غير لزوم خرق للعادة... 53

فى أنّ نبيّنا محمّد أفضل المرسلين وخاتم النبيّين ، ومعنى الخاتميّة... 58

وجوه إعجاز القرآن... 60

في أنّ القرآن ناسخ للشرائع السابقة... 62

الفصل الخامس : أنّ نبيّنا صلی اللّه علیه و آله أفضل الأنبياء والمرسلين... 64

في أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة... 64

احتجاج المخالفين لأفضليّة الأنبياء على الملائكة بوجوه... 65

أمّا النقليّة... 67

ص: 452

أمّا العقليّة... 69

تذنيبات : ... 70

التذنيب الأوّل : في فرق المسلمين... 70

افتراق الشيعة على ستّة عشرة فرقه... 71

افتراق المعتزلة إلى اثنتي عشرة فرقة... 72

افتراق أهل السنة وأهل الضلالة كالغلاة والجبريّة إلى فرق... 74

التذنيب الثاني : في دفع الشكوك التي أوردها بعض النصارى لنفي شريعة سيّد المرسلين صلی اللّه علیه و آله 80

مناظرة مولانا الرضا علیه السلام مع سائر علماء الأديان في مجلس المأمون... 86

في ردّ انحصار معجزة النبيّ صلی اللّه علیه و آله في القرآن... 94

في ردّ ايرادات أخر أورده النصراني على إعجاز القرآن... 95

في مقتضى كلامه وردّ تأويله... 98

ما ورد في التوراة من الآيات ما يدلّ على نبوّته صلی اللّه علیه و آله ... 100

فيما أفاده الفاضل الكاشاني في مقام الردّ على النصراني... 122

فيما أفاده بعض المعاصرين في جواب النصراني... 127

فيما أفاده بعض المعاصرين الأخر... 132

فيما أفاده الميرزا محمد رضا جديد الإسلام... 157

التذنيب الثالث : في بيان ما أفاده السيد بحر العلوم... 159

فيما أفاده الفاضل القمّي... 170

التذنيب الرابع : في بيان أسرار النبيّ وكراماته... 174

في أسرار مولده... 174

في بعض كراماته صلی اللّه علیه و آله في نطقه بالغيب وإخباره بالملاحم... 177

التذنيب الخامس : في نبذ من معجزاته صلی اللّه علیه و آله ... 180

المقصد الخامس : في الإمامة

تعريف الإمامة... 205

الإمامة حسب المعنى التصوّري والتصديقي... 206

ص: 453

الكلام يقع في خمسة فصول... 207

في دفع ما توهّمه بعض المفرطين من أنّ الأئمّة هم علّة الموجودات... 208

الفصل الأوّل : في وجوب نصب الإمام... 215

يجب نصب الإمام عقلا مطلقاً... 215

في ردّ معتقدات المخالطين واعتراضاتهم على وجوب نصب الإمام... 216

اختلاف المسلمين في نصب الإمام بعد زمان النبوّة وهل يجب أم لا؟ ... 220

الفصل الثاني : في العصمة... 224

أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً... 224

أنّ التنصيص لطف في معرفة الإمام... 225

في أنّ وجوب عصمة الإمام من قطعيّات مذهب الإماميّة... 227

الفصل الثالث : في الأعلميّة والأفضليّة... 232

أنّ الإمام يجب أن يكون أعلم عصره... 232

الإمامة منصب من المناصب الشرعيّة... 233

الفصل الرابع : في المنصوبيّة والمنصوصيّة... 234

أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه... 234

أنّ للإمام حقوق خمسة لا بدّ للمكلّف أن يعرفها... 235

الأوّل : العصمة... 236

الثاني : الأعلميّة والأفضليّة... 236

الثالث : المنصوبيّة والمنصوصيّة... 236

الرابع : وجوب المودّة والمحبّة ، بالحبّ الربّاني... 236

الخامس : فرض الطاعة وكونه مفترض الطاعة... 236

الفصل الخامس : الإمامة في الاثني عشرية... 238

وجوب الاعتقاد بأنّ الأئمّة اثنا عشر... 238

المطلب الأوّل : في إثبات إمامة الإمام عليّ علیه السلام ... 238

اختلاف المسلمين في خليفة الرسول صلی اللّه علیه و آله ... 238

فصل : في طريق العصمة... 240

ص: 454

كلّ من قال بوجوب عصمة الإمام علیه السلام قال بإمامة عليّ علیه السلام ... 241

فصل : في طريق النصّ على إمامة عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 241

فمن النصّ الجليّ ما ورد من طريق العامّة... 241

القسم الأوّل من النصّ الخفي ما كان مذكورا في الفرقان... 246

القسم الثاني عن النصّ الخفي ما كان بطريق السنّة المنقولة عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله ... 274

فصل في الأعلميّة... 279

إنّ عليّا علیه السلام كان أعلم الناس بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ... 279

في أنّه علیه السلام كان أزهد الناس ، وأعبدهم وأحملهم... 284

في أنّه علیه السلام كان أشجع الناس... 285

في أنّه علیه السلام كان أفضل... 287

في أنّ غيره غير صالح للإمامة... 289

شكوك الشارح القوشجي في ردّ أفضليّة الإمام عليّ علیه السلام والردّ عليه... 291

أنّ الخليفة بلا فصل لخاتم النبيّين هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 297

ذكر أكثر من أربعين حديثا في فضائل الإمام عليّ... 300

فيما صدر عن الشيخ أحمد الأحسائى من كونهم علیه السلام علّة الموجودات... 313

أنّ العصمة والنص كلاهما مختصّان بعليّ علیه السلام ... 320

مطاعن أبي بكر... 328

مطاعن عمر... 335

مطاعن عثمان... 337

في خصائص الإمام عليّ علیه السلام ... 341

ذكر بعض الأدلّة على إمامة عليّ علیه السلام ... 351

فصل : في إثبات إمامة مولانا أمير المؤمنين بطريق المعجزة... 362

ما ذكره ابن حجر من فضائل الإمام عليّ علیه السلام ... 412

في بيان بعض أسرار أمير المؤمنين علیه السلام ... 419

فصل : في الموعظة الحسنة... 427

المطلب الثاني : في بيان إمامة سائر الأئمّة الاثني عشر... 428

ص: 455

يجب في الإمام العصمة والأفضليّة بالعقل والنقل... 429

امتناع خلوّ الزمان عن المعصوم... 429

بطلان مذهب غير الإمامية من فرق الشيعة... 434

أنّ محاربي عليّ علیه السلام كفرة ومخالفيه فسقة... 440

المطلب الثالث : في وجود صاحب الزمان وغيبته... 441

كيفية الرجعة... 445

علامات خروج الإمام المهدي (عجل اللّه تعالی فرجه الشريف) ... 445

ص: 456

المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي

المحقق: مركز العلوم والثقافة الإسلامية

الناشر: مؤسسة بوستان كتاب

المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1428 ه.ق

ISBN (ردمك): 964-548-224-0

المكتبة الإسلامية

آثار مركز مطالعات وتحقيقات اسلامی 182

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

لمحمد جعفر الأسترآبادي المعروف ب«شريعتمدار»

الجزءالرابع

مركزالأبحاث والدراسات الإسلامية

قسم إحياء التراث الإسلامي

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الجزء الرابع

بقيّة مباحث الإمامة

المطلب الرابع : بعض الأخبار الواردة في أحوال الأئمّة علیهم السلام ....................... 7

المطلب الخامس : في المعجزات................................................. 42

في أسرار الأئمّة علیهم السلام ....................................................... 136

تذنيب : في مواليدهم علیهم السلام .................................................. 201

المقصد السادس : في الأصل الخامس

المعاد....................................................................... 209

الفصل الأوّل : في عود الأرواح بعد إزهاقها وحصول الموت................... 215

الفصل الثاني : في المعاد الجسمانيّ العنصريّ الترابيّ.............................. 245

الفصل الثالث : في بيان أحوال النار وأهلها.................................... 303

الفصل الرابع : في بيان أحوال أهل الأعراف.................................. 309

الفصل الخامس : في بيان أحوال الجنّة وأهلها.................................. 311

تكميل ، فيه ذكر أخبار متعلّقة بالمعاد.......................................... 327

فهرس الموضوعات.......................................................... 363

الفهارس العامّة للأجزاء الأربعة............................................... 369

ص: 5

ص: 6

[ بقيّة مباحث الإمامة ]

المطلب الرابع : [ بعض الأخبار الواردة في أحوال الأئمّة عليهم السلام ]

اشارة

في بيان نبذ ممّا ورد في « أصول الكافي » من الأخبار الواردة في أحوال الأئمّة علیهم السلام في فصول عديدة :

فصل [1] : في لزوم الحجّة

روي عن هشام بن الحكم أنّه بعد ما سأل عمرو بن عبيد عن فوائد العين ونحوها من الجوارح وأجاب ، سأله عن فائدة القلب فأجاب بأنّ فائدته رفع الشكّ عن الجوارح ، قال : يا أبا مروان ، اللّه تعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما يصحّح لها الصحيح ويتيقّن به ما شكّ فيه ، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم وحيرتهم؟! فحكى لأبي عبد اللّه علیه السلام فقال : هذا واللّه مكتوب في صحف إبراهيم وموسى.

قال علیه السلام للشاميّ : « كلّم هذا الغلام » - يعني هشام بن الحكم - فقال : نعم. فقال لهشام : يا غلام ، سلني في إمامة هذا ، فغضب هشام حتّى ارتعد ، ثمّ قال للشاميّ : يا هذا ، أربّك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشاميّ : بل ربّي أنظر لخلقه ، قال : ففعل بنظره لهم ما ذا؟ قال : أقام لهم حجّة ودليلا ؛ كيلا يتشتّتوا أو يختلفوا ، يتألّفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربّهم ، قال : فمن هو؟ قال : رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال هشام :

ص: 7

فبعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من؟ قال : الكتاب والسنّة ، قال هشام : فهل نفعت اليوم الكتاب والسنّة في رفع الاختلاف عنّا؟

قال الشاميّ : نعم ، قال : فلما اختلفت أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إيّاك؟ فسكت الشاميّ ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « ما لك لا تتكلّم؟ » قال الشاميّ : إن قلت : لم نختلف كذبت ، وإن قلت : إنّ الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت ؛ لأنّهما يحتملان الوجوه ، وإن قلت : قد اختلفنا وكلّ واحد منّا يدّعي الحقّ. فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنّة إلاّ أنّ لي هذه الحجّة ، (1) إلى آخر الحديث.

فصل [2] : في طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة علیهم السلام

عن زيد الشحّام ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إنّ اللّه تعالى اتّخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا ، واتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا ، وإنّ اللّه تعالى اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا ، وإنّ اللّه تعالى اتّخذه خليلا قبل أن يجعله إماما ، فلمّا جمع له الأشياء ، قال : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) فمن عظمها في عين إبراهيم علیه السلام قال : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) قال : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) قال : « لا يكون السفيه إمام التقيّ » (2).

بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ، ولا تعرفوا حتّى تصدّقوا ، ولا تصدّقوا حتّى تسلّموا أبوابا أربعة لا يصلح أوّلها [ إلاّ ] بآخرها ، ضلّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا ، إنّ اللّه عزّ وجلّ لا يقبل إلاّ العمل الصالح ، ولا يقبل اللّه إلاّ الوفاء بالشروط والعهود ، فمن وفى لله عز وجلّ شرطه واستعمل ما وصف من عهده ، نال من عنده واستكمل [ ما ] وعده ، إنّ اللّه تبارك وتعالى أخبر العباد بطرق الهدى وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف

ص: 8


1- « الكافي » 1 : 169 - 172 ، باب الاضطرار إلى الحجّة ، ح 3 و 4.
2- « الكافي » 1 : 175 ، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة ، ح 2. والآية في سورة البقرة 2. : 124.

يسلكون ، فقال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ، (1) وقال تعالى : ( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) ، (2) فمن اتّقى اللّه فيما أمره لقي اللّه مؤمنا بما جاء به محمّد صلی اللّه علیه و آله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا ، وظنّوا أنّهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون. إنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ، ومن أخذ في غيرها أخذ سبيل الردى ، وصل اللّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله ، وطاعة رسوله بطاعته ، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللّه ولا رسوله ، وهو الإقرار بما أنزل من عند اللّه عزّ وجلّ » (3) إلى آخر الحديث.

بإسناده عن محمّد بن بريد الطبري قال : كنت قائما على رأس الرضا علیه السلام بخراسان وعنده عدّة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العبّاسي فقال : « يا إسحاق ، بلغني أنّ الناس يقولون : إنّا نزعم أنّ الناس عبيد لنا! لا ، وقرابتي من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ما قلته ، وما سمعته من أحد من آبائي قاله ، ولا بلغني من أحد من آبائي قاله ، ولكنّي أقول : الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا [ في الدين ] فليبلّغ الشاهد الغائب » (4).

عن أبي سلمة عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته يقول : « نحن الذين فرض اللّه طاعتنا ، لا يسع الناس إلاّ معرفتنا ، ولا يعذر الناس بجهالتنا ، من عرفنا كان مؤمنا ، ومن أنكرنا كان كافرا ، و [ من ] لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاّ حتّى يرجع إلى الهدى الذي افترض اللّه عليه من طاعتنا الواجبة ، فإن يمت على ضلالته ، يفعل اللّه ما يشاء » (5).

ص: 9


1- طه (20) : 82.
2- المائدة (5) : 27.
3- « الكافي » 1 : 181 - 182 ، باب معرفة الإمام والردّ إليه ، ح 6 و 2 : 47 - 48 ، باب خصال المؤمن ، ح 3.
4- المصدر السابق 1 : 187 ، باب فرض طاعة الأئمّة علیهم السلام ، ح 10.
5- المصدر السابق ، ح 11.

بإسناده عن محمّد بن الفضيل قال : سألته عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى اللّه عز وجلّ ، قال : « أفضل ما يتقرّب به العباد إلى اللّه عزّ وجلّ طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر » ، قال أبو جعفر علیه السلام : « محبّتنا إيمان وبغضنا كفر » (1).

وبإسناده عن أبي الحسن العطّار قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة » (2).

بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحججه في أرضه وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا » (3).

بإسناده عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ، (4) فقال : « رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله المنذر ، وعليّ علیه السلام الهادي. يا أبا محمّد هل من هاد اليوم؟ قلت : بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد من بعد هاد حتّى دفعت إليك ، [ فقال : ] « رحمك اللّه يا با محمّد ، لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثمّ مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب والسنّة ، ولكنّه حيّ يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى » (5).

بإسناده عن عبد اللّه بن سنان قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) ، (6) قال : « هم الأئمّة علیهم السلام » (7).

ص: 10


1- « الكافي » 1 : 187 ، باب فرض طاعة الأئمّة علیهم السلام ، ح 12.
2- المصدر السابق : 186 ، ح 5.
3- المصدر السابق : 191 ، باب في أنّ الأئمّة شهداء ... ، ح 5.
4- الرعد (13) : 7.
5- « الكافي » 1 : 192 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام هم الهداة ، ح 3.
6- النور (24) : 55.
7- « الكافي » 1 : 193 - 194 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام خلفاء اللّه عزّ وجلّ ... ، ح 3.

بإسناده عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء قال : سألت الرضا علیه السلام فقلت له : جعلت فداك ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (1) فقال : « نحن أهل الذكر ونحن المسئولون » قلت : فأنتم هم المسئولون ونحن السائلون؟ قال : « نعم » قلت : حقّا علينا أن نسألكم؟ قال : « نعم » ، قلت : حقّا عليكم أن تجيبونا؟ قال : « لا ، ذاك إلينا إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل ، أما تسمع قول اللّه تعالى : ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) » (2).

بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام في قوله اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ) ، (3) « فرسول اللّه الذكر وأهل بيته هم المسئولون وهم أهل الذكر » (4). وفي معناه أخبار أخر.

فصل [3] : في بيان أنّهم الموصوفون بالعلم

بإسناده عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) ، (5) قال أبو جعفر علیه السلام : « إنّما نحن الذين يعلمون ، والذين لا يعلمون عدوّنا ، وشيعتنا أولو الألباب » (6).

فصل [4] : في بيان أنّهم هم الراسخون في العلم

وفي معناها خبر آخر عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « نحن الراسخون

ص: 11


1- النحل (16) : 43.
2- « الكافى » 1 : 210 - 211 ، باب أنّ أهل الذكر ... ، ح 2. والآية في سورة ص (38) : 39.
3- الزخرف (43) : 44.
4- « الكافي » 1 : 211 ، باب أنّ أهل الذكر ... ، ح 4.
5- الزمر (39) : 9.
6- « الكافي » 1 : 212 ، باب أنّ من وصفه اللّه تعالى ... ، ح 1.

في العلم ونحن نعلم تأويله » (1).

وفي معناه خبران آخران عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول في هذه الآية : ( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) ، (2) فأومأ بيده إلى صدره (3).

وفي معناه أيضا أخبار أخر عن أبي عبيدة المدائني عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إذا أراد الإمام أن يعلم شيئا أعلمه اللّه عزّ وجلّ ذلك » (4).

عن سيف التمّار قال : كنّا مع أبي عبد اللّه علیه السلام جماعة من الشيعة في الحجر ، فقال : « علينا عين » ، فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا ، فقلنا : ليس علينا عين ، فقال : « وربّ الكعبة وربّ البيت - ثلاث مرّات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما ، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما ؛ لأنّ موسى والخضر علیهماالسلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم الساعة ، وقد ورثناه من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وراثة » (5).

عن ضريس الكناسي قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول - وعنده أناس من أصحابه - : « عجبت من قوم يتوالونا ويجعلونا أئمّة ويصفون بأنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم فينتقصون حقّنا ، ويعيبون ذلك على من أعطاه اللّه تعالى برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا ، أترون أنّ اللّه تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثمّ يخفي عليهم أخبار السماوات والأرض ، ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم ». (6) إلى آخر الحديث.

ص: 12


1- المصدر السابق : 213 ، باب أنّ الراسخين في العلم ... ، ح 1.
2- العنكبوت (29) : 49.
3- « الكافي » 1 : 213 ، باب أنّ الأئمّة قد أوتوا العلم ... ، ح 1.
4- المصدر السابق : 258 ، باب أنّ الأئمّة إذا شاءوا أن يعلموا علموا ، ح 3.
5- المصدر السابق 1 : 260 - 261 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون ... ، ح 1.
6- المصدر السابق 1 : 261 - 262 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون ... ، ح 4.
فصل [5] : في بيان جهات علومهم

عن عليّ السائي عن أبي الحسن الأوّل موسى علیه السلام ، قال : قال : « مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأمّا الماضي فمفسّر ، وأمّا الغابر فمزبور ، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع ، وهو أفضل علمنا ولا نبيّ بعد نبيّنا » (1).

عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي الحسن : روّينا عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع » ، فقال : « أمّا الغابر فما تقدّم من علمنا ، وأمّا المزبور فما يأتينا ، وأمّا النكت في القلوب فإلهام ، وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك » (2).

عن موسى بن أشيم قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام فسأله رجل عن آية من كتاب اللّه فأخبره بها ، ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر [ به ] الأوّل ، فدخلني من ذلك ما شاء اللّه حتّى كأنّ قلبي يشرح بالسكاكين ، فقلت في نفسي : تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه ، وجئت إلى هذا الخطأ كلّه ، فبينا أنا كذلك إذا دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي ، فسكنت نفسي فقلت : إنّ ذلك منه تقيّة قال : ثمّ التفت إليّ فقال : « يا ابن أشيم! إنّ اللّه عزّ وجلّ فوّض إلى سليمان بن داود علیه السلام فقال : ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) ، (3) وفوّض إلى نبيّه صلی اللّه علیه و آله وقال : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ، (4) فما فوّض إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فوّضه إلينا » (5).

ص: 13


1- « الكافي » 1 : 264 ، باب جهات علوم الأئمّة علیهم السلام ، ح 1.
2- المصدر السابق ، ح 3.
3- ص (38) : 39.
4- الحشر (59) : 7.
5- « الكافي » 1 : 265 - 266 ، باب التفويض إلى رسول اللّه ... ، ح 2.

عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « لا واللّه ما فوّض اللّه إلى أحد من خلقه إلاّ إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وإلى الأئمّة علیهم السلام قال اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ ) ، (1) وهي جارية في الأوصياء علیهم السلام » (2).

وفي آخر : « فما فوّض اللّه إلى رسول اللّه فوّضه إلينا » (3).

فصل [6] : في بيان علوّ منزلتهم

عن سدير قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : إنّ قوما يزعمون أنّكم آلهة يتلون علينا بذلك قرآنا ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) (4)؟ فقال : « يا سدير! سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ، وبرئ اللّه منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، ولا يجمعني اللّه وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ».

قال : قلت : وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل ويقرءون علينا بذلك قرآنا ( يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، (5) فقال : « يا سدير! سمعي وبصري شعري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ، وبرئ اللّه ورسوله منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، واللّه لا يجمعني اللّه وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ».

قال : قلت : فما أنتم؟ قال : « نحن خزّان علم اللّه ، ونحن تراجمة أمر اللّه ، نحن قوم معصومون ، أمر اللّه تعالى بطاعتنا ، ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض » (6).

ص: 14


1- النساء (4) : 105.
2- « الكافي » 1 : 267 - 268 ، باب التفويض إلى رسول اللّه ... ، ح 8.
3- المصدر السابق : 268 ، ح 9.
4- الزخرف (43) : 84.
5- المؤمنون (23) : 51.
6- « الكافي » 1 : 269 - 270 ، باب في أنّ الأئمّة بمن يشبهون ... ، ح 6.
فصل [7] : في بيان دليل على عصمتهم وافتراض طاعتهم

عن محمّد بن إسماعيل قال : سمعت أبا الحسن علیه السلام يقول : « الأئمّة علیهم السلام علماء صادقون مفهّمون محدّثون » (1).

فصل [8] : في بيان أنّهم محدّثون

عن محمّد بن مسلم قال : ذكرت المحدّث عند أبي عبد اللّه علیه السلام فقال : « إنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص » ، فقلت له : أصلحك اللّه كيف يعلم أنّه كلام الملك؟ قال : « يعطى السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه كلام الملك » ، (2) وفي معنى الأوّل خبران آخران.

عن عبيد بن زرارة وجماعة معه قالوا : سمعنا أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « يعرف الذي بعد الإمام علم من كان قبله في آخر دقيقة من حياة الأوّل » (3).

فصل [9] : في بيان أنّهم متى يعلم اللاحق علم السابق

عن داود النهدي ، عن عليّ بن جعفر ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : « نحن في العلم والشجاعة سواء وفي العطاء على قدر ما نؤمر » (4).

عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته يقول : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : نحن في الأمر والنهي والحلال والحرام نجري مجرى واحدا ، فأمّا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ علیه السلام فلهما فضلهما » (5).

ص: 15


1- « بصائر الدرجات » : 319 ، ح 1 ؛ « الكافي » 1 : 271 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام محدثون مفهمون ، ح 3.
2- « بصائر الدرجات » : 323 ، ح 9.
3- « الكافي » 1 : 274 ، باب وقت ما يعلم الإمام ... ، ح 3. وفيه : « في آخر دقيقة تبقى من روحه ».
4- « الكافي » 1 : 275 ، باب في أنّ الأئمّة صلوات اللّه عليهم في العلم والشجاعة والطاعة سواء ، ح 2.
5- المصدر السابق ، ح 3 ؛ « الاختصاص » : 267.

وفي آخر : « وحجّتهم واحدة وطاعتهم واحدة » (1).

فصل [10] : في بيان أنّهم سواء في العلم والشجاعة

عن عمر بن الأشعث قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد؟! لا واللّه ولكن عهد من اللّه ورسوله صلی اللّه علیه و آله لرجل فرجل حتّى ينتهي الأمر إلى صاحبه » (2). وفي معناه أخبار أخر (3).

فصل [11] : في بيان أنّ الإمامة عهد من اللّه

عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين علیهماالسلام أبدا ، إنّما جرت من عليّ بن الحسين علیه السلام كما قال اللّه : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) (4) ، فلا تكون بعد عليّ بن الحسين علیهماالسلام إلاّ في أعقاب وأعقاب الأعقاب » (5).

وفي معناه أو قريب منه أخبار أخر (6).

فصل [12] : في بيان أنّه يكون أكبر ولده

عن ابن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام : إذا مات الإمام بم يعرف الذي بعده؟ فقال : « للإمام علامات : منها أن يكون أكبر ولد أبيه ، ويكون فيه الفضل

ص: 16


1- المصدر السابق : ذيل ح 1.
2- المصدر السابق : 277 - 278 ، باب أنّ الإمامة عهد من اللّه عزّ وجلّ ... ، ح 2.
3- راجع المصدر السابق.
4- الاحزاب (33) : 6.
5- « الكافي » 1 : 285 - 286 ، باب ثبات الإمامة في الأعقاب ... ، ح 1 ؛ « الغيبة » للطوسي : 5. ح 192.
6- راجع « الكافي » 1 : 286 ، باب ثبات الإمامة في الأعقاب ... ، ح 4 ؛ و « كمال الدين » : 6. باب ما روي في أنّ الإمامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن والحسين علیهماالسلام .

والوصيّة ويقدم الركب فيقول إلى من أوصى فلان ، فيقال : إلى فلان ، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل تكون الإمامة مع الصلاح حيثما كان » (1).

فصل [13] : في بيان أنّ الإمام واجب الإطاعة

عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمّد بن مسلم ويزيد بن معاوية وأبي الجارود جميعا عن أبي جعفر علیه السلام قال : « أمر اللّه عزّ وجلّ رسوله بولاية عليّ علیه السلام وقال : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) (2) ... إلى آخره ، وفرض ولاية أولي الأمر ، فلم يدروا ما هي ، فأمر اللّه محمّدا صلی اللّه علیه و آله أن يفسّر لهم الولاية ، كما فسّر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحجّ » ، وساق الحديث إلى أن قال علیه السلام : « وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض » (3).

فصل [14] : في بيان أنّه انفتح لعليّ علیه السلام ألف ألف باب من العلم

عن يونس بن رباط قال : دخلت أنا وكامل التمّار على أبي عبد اللّه علیه السلام فقال له كامل : جعلت فداك حديثا رواه فلان؟ فقال : « اذكره » ، فقال : حدّثني أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله حدّث عليّا بألف باب يوم توفّي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من كلّ باب يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب ، فقال : « لقد كان ذلك » ، قلت : جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم؟ فقال : « يا كامل! باب أو بابان » ، فقلت له : جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلاّ باب أو بابان ، قال : فقال : « وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ، ما تروون من فضلنا إلاّ ألفا غير معطوفة في علومهم » (4).

ص: 17


1- « الكافي » 1 : 284 ، باب الأمور التي توجب حجّة الإمام علیه السلام ، ح 1.
2- المائدة (5) : 55.
3- « الكافي » 1 : 289 ، باب ما نصّ اللّه عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة علیهم السلام واحدا فواحدا ، ح 4.
4- المصدر السابق : 297 ، باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين علیه السلام ، ح 9.
فصل [15] : في بيان لو لا أنّ الأئمّة يزدادون لنفد ما عندهم

عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « لو لا أنّا نزداد لأنفدنا » ، قال : قلت : تزدادون شيئا لا يعلمه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : « أما إنّه إذا كان ذلك عرض على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ثمّ على الأئمّة علیهم السلام ثمّ انتهى الأمر إلينا » (1).

عن يونس بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « ليس يخرج شيء من عند اللّه عزّ وجلّ حتّى يبدأ برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ بأمير المؤمنين علیه السلام ، ثمّ بواحد بعد واحد ؛ لئلاّ يكون آخرنا أعلم من أوّلنا » (2).

فصل [16] : في بيان أنّهم يعلمون جميع علوم الأنبياء علیهم السلام

عن سماعة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّ لله - تبارك وتعالى - علمين : علما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله ، فما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله فقد علمناه ، وعلما استأثر به ، فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا ذلك وعرض على الأئمّة الذين كانوا من قبلنا » (3).

عن ضريس قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « إنّ لله عزّ وجلّ علمين : علما مبذولا ، وعلما مكفوفا : فأمّا المبذول فإنّه ليس من شيء تعلمه الملائكة والرسل إلاّ نحن نعلمه ، وأمّا المكفوف فهو الذي عند اللّه عزّ وجلّ في أمّ الكتاب إذا خرج نفد » (4).

عن معمّر بن خلاّد قال : سأل أبا الحسن علیه السلام رجل من فارس ، فقال له : أتعلمون الغيب؟ فقال : قال أبو جعفر علیه السلام : « يبسط لنا العلم فنعلم ، ويقبض عنّا فلا نعلم » ، فقال :

ص: 18


1- المصدر السابق 1 : 255 ، باب لو لا الأئمّة يزدادون لنفذ ما عندهم ، ح 3.
2- المصدر السابق ، ح 4.
3- المصدر السابق ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام يعلمون جميع العلوم ... ، ح 1.
4- المصدر السابق 1 : 255 - 256 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام يعلمون جميع العلوم ... ، ح 3.

« سرّ اللّه عزّ وجلّ أسرّه إلى جبرئيل علیه السلام وأسرّه جبرئيل إلى محمّد صلی اللّه علیه و آله وأسرّه محمّد إلى من شاء اللّه » (1).

عن عمّار الساباطي قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الإمام يعلم الغيب ، قال : « لا ، ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه اللّه ذلك » (2).

عن سدير الصيرفي قال : سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ، (3) قال أبو جعفر علیه السلام : « إنّ اللّه عزّ وجلّ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السماوات والأرض ولم يكن قبلهنّ سماوات ولا أرضون ، أما تسمع قوله : ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) (4)؟ » فقال له حمران : أرأيت قوله جلّ ذكره : ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (5) ؛ فقال أبو جعفر علیه السلام : ( إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (6) ، « وكان واللّه محمّد صلی اللّه علیه و آله ممّن ارتضاه اللّه ، وأمّا قوله : ( عالِمُ الْغَيْبِ ) فإنّ اللّه عزّ وجلّ عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدّر من شيء ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه ، وقبل أن يفضيه إلى الملائكة ، فذلك يا حمران ، علم موقوف عنده إليه فيه المشيئة ، فيقضيه إذا أراد ، ويبدو له فلا يمضيه ، فأمّا العلم الذي يقدّره اللّه عزّ وجلّ فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ثمّ إلينا » (7).

فصل [17] : في بيان أنّ علم الأئمّة علیهم السلام يزداد كلّ ليلة جمعة

عن أبي يحيى الصنعاني ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : قال لي : « يا أبا يحيى إنّ لنا في

ص: 19


1- « الكافي » 1 : 256 ، باب نادر فيه ذكر الغيب ، ح 1.
2- المصدر السابق : 257 ، ح 4.
3- البقرة (2) : 117 ؛ الأنعام (6) : 101.
4- هود (11) : 7.
5- الجنّ (72) : 26 و 27.
6- الجنّ (72) : 26 و 27.
7- « الكافي » 1 : 256 ، باب نادر فيه ذكر الغيب ، ح 2.

ليالي الجمعة لشأنا من الشأن » ، قال : قلت : جعلت فداك وما ذاك الشأن؟ قال : « يؤذن لأرواح الأنبياء الموتى ، وأرواح الأوصياء الموتى ، وروح الوصيّ الذي بين ظهرانيكم يعرج بها إلى السماء حتّى توافي عرش ربّها ، فتطوف به أسبوعا وتصلّي عند كلّ قائمة من قوائم العرش ركعتين ، ثمّ تردّ إلى الأبدان التي كانت فيها ، فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا سرورا ، ويصبح الوصيّ الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جمّ الغفير » (1).

وفي رواية أخرى : « فلا تردّ أرواحنا إلى أبداننا إلاّ بعلم مستفاد ، ولو لا ذلك لأنفدنا » (2). وبمعناه خبر آخر (3).

فصل [18] : في بيان كيفيّة ازدياد علمهم في ليلة القدر

وفي حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ، قال : فقال لأبي جعفر علیه السلام :

يا ابن رسول اللّه لا تغضب عليّ ، قال : « لما ذا؟ » قال : لما أريد أن أسألك عنه ، قال : « قل » ، قال : ولا تغضب؟ قال : « ولا أغضب ».

قال : أرأيت قولك في ليلة القدر و ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها ) (4) إلى الأوصياء يأتونهم بأمر لم يكن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قد علمه؟ أو يأتونهم بأمر كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يعلمه؟ ، وقد علمت أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مات وليس من علمه شيء إلاّ وعليّ علیه السلام له واع؟

قال أبو جعفر علیه السلام : « ما لي ولك أيّها الرجل ومن أدخلك عليّ؟ » قال : أدخلني عليك القضاء لطلب الدين ، قال : « فافهم ما أقول لك ، إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمّا أسري به

ص: 20


1- المصدر السابق : 253 - 254 ، باب في أنّ الأئمّة علیهم السلام يزدادون في ليلة الجمعة ، ح 1.
2- المصدر السابق : 254 ، ح 2.
3- المصدر السابق ، ح 3.
4- القدر (97) : 4.

لم يهبط حتّى أعلمه اللّه جلّ ذكره علم ما قد كان وما سيكون ، وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر ، وكذلك كان عليّ بن أبي طالب علیه السلام قد علم جمل العلم ويأتي تفسيره في ليالي القدر كما كان مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ».

قال السائل : أو ما كان في الجمل تفسير؟ قال : « بلى ، ولكنّه إنّما يأتي بالأمر من اللّه سبحانه في ليالي القدر إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله وإلى الأوصياء : افعل كذا وكذا لأمر قد كانوا علموه ، أمروا كيف يعملون فيه » ، قلت : فسّر لي هذا ، قال : « لم يمت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلاّ حافظا لجملة العلم وتفسيره » ، قلت : فالذي كان يأتيه في ليالي القدر علم ما هو؟ قال : « الأمر واليسر فيما كان قد علم ».

قال السائل : فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا؟ ، قال : « هذا ممّا أمروا بكتمانه ، ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلاّ اللّه عزّ وجلّ ».

قال السائل : فهل يعلم الأوصياء ما لا يعلم الأنبياء؟ قال : « لا ، وكيف يعلم وصيّ غير علم أوصي إليه؟ ».

قال السائل : فهل يسعنا أن نقول : إنّ أحدا من الوصاة يعلم ما لا يعلم الآخر؟ قال : « لا ، لم يمت نبيّ إلاّ وعلمه في جوف وصيّه ، وإنّما تنزّل الملائكة والروح في ليلة القدر بالحكم الذي يحكم به بين العباد ».

قال السائل : وما كانوا علموا ذلك الحكم؟ قال : « بلى ، قد علموه ولكنّهم لا يستطيعون إمضاء شيء منه حتّى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة ».

قال السائل : يا أبا جعفر ، لا أستطيع إنكار هذا؟ قال أبو جعفر علیه السلام : « من أنكره فليس منّا ».

قال السائل : يا أبا جعفر ، أرأيت النبيّ صلی اللّه علیه و آله هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم يكن علمه؟ قال : « لا يحلّ لك أن تسأل عن هذا ، أمّا علم ما كان وما سيكون

ص: 21

فليس يموت نبيّ ولا وصيّ إلاّ والوصيّ الذي بعده يعلمه ، أمّا هذا العلم الذي تسأل عنه فإنّ اللّه عزّ وجلّ أبى أن يطلع الأوصياء عليه إلاّ أنفسهم » (1) إلى آخر الحديث.

فصل [19] : في بيان النصّ لمولانا صاحب الزمان علیه السلام

عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ بن بلال ، قال : خرج إليّ من أبي محمّد علیه السلام قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده (2).

عليّ بن محمّد ، [ عن جعفر بن محمّد الكوفي ] عن جعفر بن محمّد المكفوف ، عن عمرو الأهوازي ، قال : أراني أبو محمّد ابنه قال : « هذا صاحبكم بعدي » (3).

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن إسحاق ، عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمّد علیه السلام : جلالتك تمنعني من مسألتك ، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال : « سل » ، فقلت : يا سيدي ، هل لك ولد؟ فقال : « نعم » ، فقلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال : « بالمدينة » (4).

عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف ، فقلت : يا أبا عمرو ، إنّي أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إلاّ إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوما.

أقول : وساق الكلام كثيرا إلى أن قال : فخرّ أبو عمرو ساجدا وبكى ، ثمّ قال : سل حاجتك ، فقلت له : أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد علیه السلام ؟ فقال : إي واللّه ورقبته مثل هذا ، وأومأ بيده ، فقلت له : فبقيت واحدة؟ فقال لي : هات ، قلت : فالاسم؟ قال :

ص: 22


1- « الكافي » 1 : 251 - 252 ، باب في شأن إنّا أنزلناه ... ، ح 1. وقد صحّحنا النقل على المصدر.
2- المصدر السابق : 328 ، باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الأمر ، ح 1.
3- المصدر السابق ، ح 3.
4- المصدر السابق ، ح 2.

محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك ولا أقول هذا من عندي ، فليس لي أن أحلّل وأحرّم ، ولكنّه عنه علیه السلام إلى آخر الحديث (1).

عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر وكان أسنّ شيخ من ولد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بالعراق ، فقال : رأيته بين المسجدين وهو غلام علیه السلام (2).

وعن حكيمة ابنة محمّد بن عليّ وهي عمّة أبيه : أنّها رأته ليلة مولده وبعد ذلك (3).

عليّ بن محمّد عن حمدان القلانسي قال : قلت للعمري : قد مضى أبو محمّد علیه السلام ؟ فقال : قد مضى ولكن قد خلّف فيكم من رقبته مثل هذا ، وأشار بيده (4).

عليّ بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد الكوفي ، عن جعفر بن محمّد المكفوف ، عن عمرو الأهوازي قال : أرانيه أبو محمّد علیه السلام ، وقال : « هذا صاحبكم » ، (5) وبمضمون ما ذكر قريب منه أخبار كثيرة لا يطيل الكلام بذكرها.

فصل [20] : في بيان أنّه علیه السلام لا يسمّى باسمه

عن ابن رئاب ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « صاحب هذا الأمر لا يسمّيه باسمه إلاّ كافر » (6).

عن الريّان بن الصلت قال : سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام يقول : وسئل عن القائم علیه السلام ، فقال : « لا يرى جسمه ولا يسمّى اسمه » (7) ، وقريب بمضمونها خبران آخران (8).

ص: 23


1- « الكافي » 1 : 329 - 330 ، باب في تسمية من رآه علیه السلام ، ح 1.
2- المصدر السابق ، ح 2.
3- المصدر السابق : 330 - 331 ، ح 3.
4- المصدر السابق : 331 ، ح 4.
5- المصدر السابق : 332 ، ح 12.
6- المصدر السابق : 333 ، باب في النهي عن الاسم ، ح 4.
7- المصدر السابق ، ح 3.
8- المصدر السابق : ح 1 و 2.
فصل [21] : في بيان غيبته

عن يمان التمّار قال : كنّا عند أبي عبد اللّه علیه السلام جلوسا ، فقال لنا : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد » ، ثمّ قال هكذا بيده : « فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده؟ » ثمّ أطرق مليّا ، ثمّ قال : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة فليتّق اللّه عبد وليتمسّك بدينه » (1).

عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : « إذا فقد الخامس من ولد السابع فاللّه اللّه في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد ، يا بنيّ ، إنّه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنّما هي محنة من اللّه عزّ وجلّ امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصحّ من هذا لاتّبعوه ».

قال : فقلت : يا سيّدي ، من الخامس من ولد السابع؟ فقال : « يا بنيّ ، عقولكم تصغر عن هذا ، وأحلامكم تضيق عن حمله ، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه » (2).

عن محمّد بن المساور ، عن المفضّل بن عمر قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إيّاكم والتنويه ، أما واللّه ليغيبنّ إمامكم سنينا من دهركم ، ولتمحّصنّ حتّى يقال : مات ، أو قتل ، أو هلك ، بأيّ واد سلك ، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر فلا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه ، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيّ من أيّ » ، فبكيت ثمّ قلت : فكيف نصنع؟ قال : « فنظر إلى شمس داخلة في الصفّة (3) » ، فقال : « يا أبا عبد اللّه! ترى هذه الشمس؟ » قلت : نعم ، فقال : « واللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس » (4).

ص: 24


1- المصدر السابق : 335 - 336 ، باب في الغيبة ، ح 1.
2- المصدر السابق 1 : 336 ، باب في الغيبة ، ح 2 ؛ « كمال الدين » : 359 - 360 ، باب 34 ، ح 1.
3- الصفّة من البنيان : شبه البهو الواسع الطويل السمك ، جمعها : صفف مثل غرفة وغرف.
4- « الكافي » 1 : 336 ، باب في الغيبة ، ح 3 ؛ « الغيبة » للطوسي : 337 - 338 ، ح 285.

وبمضمونه مع تفاوت ما خبر آخر. عن إبراهيم بن خلف بن عباد الأنماطي ، عن المفضّل بن عمر ، عنه علیه السلام . (1)

عن عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « يفقد الناس إمامهم ويشهد الموسم فيراهم ولا يرونه » (2).

عن الأصبغ بن نباتة قال : أتيت أمير المؤمنين علیه السلام فوجدته متفكّرا ينكت في الأرض ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما لي أراك متفكّرا تنكت في الأرض ، أرغبة منك فيها؟ فقال : « لا ، واللّه ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قطّ ، ولكنّي فكّرت في مولود يكون من ظهري ، الحادي عشر من ولدي ، هو المهديّ الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، يكون له غيبة وحيرة ، يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ».

فقلت : يا أمير المؤمنين ، وكم تكون الغيبة والحيرة؟ قال : « ستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ستّ سنين » ، فقلت : وإنّ هذا لكائن؟ فقال : « نعم ، كما أنّه مخلوق وأنّى لك بهذا الأمر يا أصبغ ، أولئك خيار هذه الأمّة مع خيار أبرار هذه العترة ».

فقلت : ثمّ ما يكون بعد ذلك؟ فقال : « ثمّ يفعل اللّه ما يشاء ، فإنّ له بداءات وإرادات وغايات ونهايات » (3).

عن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم » ، قال : قلت : ولم؟ قال : « إنّه يخاف » ، وأومأ بيده إلى بطنه يعني القتل (4).

وقريب بمضمونه خبران آخران (5).

ص: 25


1- « الكافي » 1 : 338 - 339 ، باب في الغيبة ، ح 11.
2- المصدر السابق : 337 ، باب في تسمية من رآه ، ح 6.
3- المصدر السابق : 338 ، ح 7.
4- المصدر السابق : 340 ، ح 18.
5- المصدر السابق : 337 ، ح 5 ، وص 342 ، ح 29.

عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم يرى الناس ولا يرونه » (1) ، وبمضمونه خبر آخر أيضا عنه عنه علیه السلام (2).

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولا بدّ له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيّبة وما بثلاثين من وحشة » (3).

عن إسحاق بن عمّار قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « للقائم علیه السلام غيبتان : إحداهما قصيرة ، والأخرى طويلة ، الغيبة الأولى لا يعلم مكانه فيها إلاّ الخواصّ من شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة مواليه » (4) ، وقريب بمضمونه خبران.

عن المفضّل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « لصاحب هذا الأمر غيبتان : إحداهما يرجو منها إلى أهلها في أيّ واد سلك » ، قلت : كيف تصنع إذا كان كذلك؟ قال : « إذا ادّعى مدّع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله » (5).

عن أمّ هانئ ، قالت : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ علیهماالسلام عن قول اللّه عزّ وجلّ ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ ) (6) قال : « إمام يخنس سنة ستّين ومائتين ثمّ يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء ، فإن أدركت زمانه قرّت عينك » (7).

وبمضمونه خبر آخر عن طريق آخر عنه علیه السلام (8).

عن عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن أيّوب بن نوح ، عن أبي الحسن الثالث علیه السلام : « إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم » (9).

ص: 26


1- المصدر السابق : 339 ، ح 12.
2- المصدر السابق : 337 - 338 ، ح 6.
3- المصدر السابق : 340 ، باب في الغيبة ، ح 16.
4- المصدر السابق : ح 19.
5- المصدر السابق ، ح 20.
6- التكوير (81) : 15 - 16.
7- « الكافي » 1 : 341 ، باب في الغيبة ، ج 22.
8- المصدر السابق ، ح 23.
9- المصدر السابق ، ح 24.

عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ) (1) قال : « إنّ منّا إماما مظفّرا مستترا ، فإذا أراد اللّه عزّ ذكره إظهار أمره نكت في قلبه نكتة فظهر ، فقام بأمر اللّه تبارك وتعالى » (2).

فصل [22] : في بيان كراهية التوقيت

عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « يا ثابت ، إنّ اللّه تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلمّا قتل الحسين علیه السلام اشتدّ غضب اللّه تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم غطاء السرّ ولم يجعل اللّه له بعد ذلك وقتا عندنا ، ويمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب » ، قال أبو حمزة : فحدّثت بذلك أبا عبد اللّه علیه السلام فقال : « قد كان ذلك » (3).

عن عبد الرحمن بن كثير قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام إذ دخل عليه مهزم ، فقال له : جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر ننتظره متى هو؟ فقال : « يا مهزم ، كذب الوقّاتون ، وهلك المستعجلون ، ونجا المسلّمون » (4).

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن القائم علیه السلام ، فقال : « كذب الوقّاتون إنّا أهل بيت لا نوقّت » (5) ، وبمضمونه خبران آخران (6).

عن الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه عليّ بن يقطين ، قال :

ص: 27


1- المدّثّر (74) : 8.
2- « الكافي » 1 : 343 ، باب في الغيبة ، ح 30.
3- المصدر السابق : 368 ، باب كراهيّة التوقيت ، ح 1.
4- المصدر السابق ، ح 2.
5- المصدر السابق ، ح 3.
6- المصدر السابق ، ح 4 و 5.

قال لي أبو الحسن علیه السلام : « الشيعة تربّى بالأماني منذ مائتي سنة » ، قال : وقال يقطين لابنه عليّ بن يقطين : ما بالنا قيل لنا فكان ، وقيل لكم فلم يكن؟ قال : فقال عليّ : إنّ الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد ، غير أنّ أمركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم ، وأنّ أمرنا لم يحضر فعلّلنا بالأماني ، فلو قيل : إنّ الأمر لا يكون إلاّ إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب ولرجع عامّة الناس عن الإسلام ، ولكن قالوا : ما أسرعه وما أقربه تألّفا لقلوب الناس وتقريبا للفرج (1).

فصل [23] : في بيان من عرف إمامه لم يضرّه تأخّر الظهور

عن الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن قول اللّه تبارك وتعالى :

( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) (2) فقال : « يا فضيل ، اعرف إمامك فإنّك إذا عرفت إمامك لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر ، ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعدا في عسكره ، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه » ، قال : وقال : بعض أصحابه بمنزلة من استشهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (3).

عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداك متى الفرج؟ فقال : « يا أبا بصير ، وأنت ممّن يريد الدنيا ، من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره » (4).

عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليّة ، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّر ، ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه » (5).

ص: 28


1- « الكافي » 1 : 369 ، باب كراهيّة التوقيت ، ح 6.
2- الإسراء (17) : 71.
3- « الكافي » 1 : 371 ، باب من عرف إمامه لم يضرّه تقدّم ... ، ح 2.
4- المصدر السابق ، ح 3.
5- المصدر السابق : 371 - 372 ، ح 5.

عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة؟ » قال : نعم قلت : جاهليّة جهلاء أو جاهليّة لا يعرف إمامه؟ قال : « جاهليّة كفر ونفاق وضلال » (1).

وبمضمون الأخبار المسطورة أو قريب منها أخبار أخر.

عن أبان قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « لا تذهب الدنيا حتّى يخرج رجل منّي يحكم بحكومة آل داود علیه السلام ولا يسأل بيّنة ، يعطي كلّ نفس حقّها » (2).

وبمضمونه خبر آخر (3).

فصل [24] : في بيان صلة الإمام

عن يونس بن ظبيان قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « ما من شيء أحبّ إلى اللّه من إخراج الدراهم إلى الإمام ، وإنّ اللّه ليجعل له الدراهم في الجنّة مثل جبل أحد » ، ثمّ قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً ) (4) قال : « هو واللّه في صلة الإمام خاصّة » (5).

وبمضمونه أخبار أخر. (6)

فصل [25] : في بيان حالات الأئمّة في السنّ

عن صفوان بن يحيى ، قال : قلت للرضا علیه السلام : قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه لك

ص: 29


1- « الكافي » 1 : 377 ، باب من مات وليس له إمام من أئمّة الهدى ... ، 3.
2- المصدر السابق : 397 - 398 ، باب في الأئمّة علیهم السلام أنّهم إذا ظهر أمرهم ... ، ح 2.
3- المصدر السابق : 398 ، باب في الأئمّة علیهم السلام أنّهم إذا ظهر أمرهم ... ، ح 3.
4- البقرة (2) : 245.
5- « الكافي » 1 : 537 - 538 ، باب صلة الإمام ، ح 2.
6- المصدر السابق ، ح 4.

أبا جعفر علیه السلام فكنت تقول : « يهب اللّه لي غلاما » ، فقد وهب اللّه لك فقرّ عيوننا فلا أرانا اللّه يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار إلى أبي جعفر علیه السلام وهو قائم بين يديه ، فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟ قال علیه السلام : « وما يضرّه من ذاك شيء قد قام عيسى علیه السلام بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين » (1).

عن عليّ بن سيف ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر الثاني علیه السلام قال : قلت له : إنّهم يقولون في حداثة سنّك؟ فقال : « إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبيّ يرعى الغنم ، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم ، فأوحى اللّه تعالى إلى داود علیه السلام : أن خذ عصا المتكلّمين وعصا سليمان واجعلهما في بيت واختم عليها بخواتيم القوم ، فإذا كان من الغد ، فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة ، فأخبرهم داود علیه السلام فقالوا : قد رضينا وسلّمنا » (2).

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال أبو بصير : دخلت عليه ومعي غلام يقودني خماسيّ لم يبلغ ، فقال لي : « كيف أنتم إذا احتجّ عليكم بمثل سنّه؟ » (3).

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : قال عليّ بن حسان لأبي جعفر علیه السلام : يا سيّدي ، إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك ، فقال : « وما ينكرون من ذلك قول اللّه عزّ وجلّ ، وقد قال اللّه تعالى لنبيّه : ( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (4) ، فو اللّه ما تبعه إلاّ عليّ علیه السلام وله تسع سنين » (5).

وقريب بهذه المضامين أخبار أخر (6).

ص: 30


1- المصدر السابق : 383 ، باب حالات الأئمّة علیهم السلام في السنّ ، ح 2.
2- المصدر السابق ، ح 3.
3- المصدر السابق ، ح 4.
4- يوسف (12) : 108.
5- « الكافي » 1 : 384 ، باب حالات الأئمّة في السنّ ، ح 8.
6- المصدر السابق 1 : 382 - 383 ، باب حالات الأئمّة في السنّ.
فصل [26] : في بيان أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ الإمام علیه السلام

عن أحمد بن عمر الحلاّل أو غيره ، عن الرضا علیه السلام قال : قلت له : إنّهم يحاجّونا يقولون : إنّ الإمام لا يغسّله إلاّ الإمام ، فقال : « فما يدريهم من غسّله؟ فما قلت لهم؟ » قال : قلت : جعلت فداك قلت لهم : إن قال مولاي : إنّه غسّله تحت عرش ربّي فقد صدق ، وإن قال : غسّله في تخوم الأرض فقد صدق ، قال : « لا هكذا » ، فقلت : فما أقول لهم؟ قال : « قل لهم : إنّي غسّلته » ، فقلت : أقول لهم : إنّك غسّلته؟ قال : « نعم » (1).

عن محمّد بن جمهور ، قال : حدّثنا أبو معمر ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الإمام يغسّله الإمام ، قال : « سنّة موسى بن عمران علیه السلام » (2).

عن محمّد بن جمهور ، عن يونس عن طلحة ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الإمام يغسّله الإمام ، فقال : « أما تدرون من حضر لغسله؟ قد حضره خير ممّن غاب عنه ، الذين حضروا يوسف في الجبّ حين غاب عنه أبواه وأهل بيته » (3).

فصل [27] : في بيان ولادة الإمام علیه السلام

عن الحسن بن راشد قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا أحبّ أن يخلق الإمام أمر ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش فيسقيها أباه ، فمن ذلك يخلق الإمام ، فيمكث أربعين يوما وليلة في بطن أمّه لا يسمع الصوت ثمّ يسمع بعد ذلك الكلام ، فإذا ولد بعث ذلك الملك فيكتب بين عينيه : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (4) ، فإذا مضى الإمام الذي كان

ص: 31


1- « الكافي » 1 : 384 - 385 ، باب الإمام لا يغسّله إلاّ الإمام ، ح 1.
2- المصدر السابق : 385 ، ح 2.
3- المصدر السابق ، ح 3.
4- الأنعام (6) : 115.

قبله ، رفع له منار من نور ينظر به إلى أعمال الخلائق ، فبهذا يحتجّ اللّه على خلقه » (1).

وفي خبر آخر عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الروح بعث اللّه تعالى ملكا يقال له : حيوان ، فكتب على عضده الأيمن ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ، وإذا وقع من بطن أمّه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء ، فأمّا وضعه يديه على الأرض فإنّه يقبض كلّ علم لله أنزله من السماء إلى الأرض. وأمّا رفعه رأسه إلى السماء فإنّ مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل ربّ العزّة من الأفق الأعلى اسمه واسم أبيه يقول : يا فلان بن فلان ، اثبت تثبت ، فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خلقي وموضع سرّي وعيبة علمي وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي ، لك ولمن تولاّك أوجبت رحمتي ومنحت جنّاتي وأحللت جواري ، ثمّ وعزّتي وجلالي لأصلينّ من عاداك أشدّ عذابي وإن وسّعت عليه في دنياي من سعة رزقي فإذا انقضى الصوت - صوت المنادي - أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء يقول : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (2) ، قال : فإذا قال ذلك أعطاه اللّه العلم الأوّل والعلم الآخر واستحقّ زيارة الروح في ليلة القدر » (3) إلى آخر الحديث.

وفي خبر آخر عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « فإذا قام بهذا الأمر رفع اللّه له في كلّ بلدة » (4).

عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، قال : كنت أنا وابن فضّال جلوسا إذ أقبل يونس فقال : دخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام فقلت : جعلت فداك قد أكثر

ص: 32


1- « الكافي » 1 : 387 ، باب مواليد الأئمّة علیهم السلام ، ح 2.
2- آل عمران (3) : 18.
3- « الكافي » 1 : 385 - 386 ، باب مواليد الأئمّة علیهم السلام ، ح 1.
4- المصدر السابق : 387 ، ح 3.

الناس في العمود ، قال : فقال لي : « يا يونس ، ما تراه؟ أتراه عمودا من حديد يرفع لصاحبك؟ » قال : قلت : ما أدري ، قال : « لكنّه ملك موكّل بكلّ بلدة يرفع اللّه به أعمال تلك البلدة » ، قال : فقام ابن فضّال فقبّل رأسه وقال : رحمك اللّه يا أبا محمّد ، لا تزال تجيء بالحديث الحقّ الذي يفرّج اللّه به عنّا (1).

عن زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّرا ، مختونا ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، ولا يتثأّب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوه كرائحة المسك ، والأرض موكّلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كانت عليه وفقا ، فإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا ، وهو محدّث إلى أن تنقضي أيّامه » (2).

فصل [28] : في بيان خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم

عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّ اللّه خلقنا من علّيّين ، وخلق أرواحنا من فوق ذلك ، وخلق أرواح شيعتنا من علّيّين ، وخلق أجسادهم من دون ذلك ؛ فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم وقلوبهم تحنّ إلينا » (3).

عن عليّ بن رئاب رفعه إلى أمير المؤمنين علیه السلام قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام : « إنّ لله نهرا دون عرشه ، ودون النهر الذي دون عرشه نور نوّره ، وإنّ في حافّتي النهر روحين مخلوقين : روح القدس ، وروح من أمره ، وإنّ لله عشر طينات : خمس من الجنّة وخمس من الأرض » ، ففسّر الجنان وفسّر الأرض ، ثمّ قال : « ما من نبيّ ولا ملك

ص: 33


1- « الكافي » 1 : 388 ، باب مواليد الأئمّة علیهم السلام ، ح 7.
2- المصدر السابق : 388 - 389 ، ح 8.
3- المصدر السابق : 389 ، باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم علیهم السلام ، ح 1.

من بعده جبله إلاّ نفخ فيه من إحدى الروحين ، وجعل النبيّ صلی اللّه علیه و آله من إحدى الطينتين » ، قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام ما الجبل؟ فقال : « الخلق غيرنا أهل البيت ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ خلقنا من العشر طينات ، ونفخ فينا من الروحين جميعا فأطيب بها طيبا » (1).

وروى غيره عن أبي الصامت قال : طين الجنان : جنّة عدن وجنّة المأوى وجنّة النعيم والفردوس والخلد ، وطين الأرض مكّة والمدينة والكوفة وبيت المقدس والحائر (2). وقريب بمضمون ما ذكر غيره.

فصل [29] : في بيان أن تدخل الملائكة بيوتهم وتأتيهم بالأخبار

عن أبي حمزة الثمالي قال : دخلت على عليّ بن الحسين علیه السلام فاحتبست في الدار ساعة ثمّ دخلت البيت وهو يلتقط شيئا ، وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في البيت ، قلت : جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أيّ شيء هو؟ قال : « فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا نجعله سبحا ولأولادنا » ، فقلت : جعلت فداك وإنّهم ليأتونكم؟ فقال : « يا با حمزة ، وإنّهم ليزاحمونا على تكأتنا » (3).

عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : سمعته يقول : « ما من ملك يهبطه اللّه في أمر ما يهبطه إلاّ بدأ بالإمام فعرض ذلك عليه ، وأنّ مختلف الملائكة من عند اللّه تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر » (4).

وفي خبر آخر ، عن مسمع كردين البصري بعد قوله : إنّي إذا أكلت عندكم لم أتأذّ به ، فقال : « يا با سيّار ، إنّك تأكل طعام قوم صالحين ، تصافحهم الملائكة على فرشهم » ، قال : قلت : ويظهرون لكم؟ قال : فمسح يده على صبيانه ، فقال : « هم ألطف

ص: 34


1- المصدر السابق ، ح 3.
2- المصدر السابق : 390 ، ذيل ح 3.
3- المصدر السابق : 393 - 394 ، باب أنّ الأئمّة تدخل الملائكة بيوتهم ... ، ح 3.
4- المصدر السابق ، ح 4.

بصبياننا منّا بهم » (1).

فصل [30] : في بيان أنّ الجنّ تأتيهم يسألونهم عن معالم دينهم

عن سعد الإسكاف قال : أتيت أبا جعفر علیه السلام أريد الإذن عليه ، فإذا رحال إبل على الباب مصفوفة ، وإذا الأصوات قد ارتفعت ، ثمّ خرج قوم معتمّين بالعمائم يشبهون الزطّ ، قال : فدخلت على أبي جعفر علیه السلام فقلت : جعلت فداك أبطأ إذنك عليّ اليوم ورأيت قوما خرجوا معتمّين بالعمائم فأنكرتهم؟ فقال : « أوتدري من أولئك يا سعد؟ » قال : قلت : لا ، قال : فقال : « أولئك إخوانكم من الجنّ يأتونا فيسألونا عن حلالهم وحرامهم ومعالم دينهم » (2).

عن سدير الصيرفي قال : « أوصاني أبو جعفر علیه السلام بحوائج له بالمدينة فخرجت ، فبينا أنا بين فجّ الروحاء على راحلتي إذا إنسان يلوي بثوبه ، قال : فملت إليه وظننت أنّه عطشان فناولته الأداوة ، فقال لي : لا حاجة لي بها ، وناولني كتابا طينه رطب ، قال : فلمّا نظرت إلى الخاتم إذا خاتم أبي جعفر علیه السلام ، فقلت : متى عهدك بصاحب الكتاب؟ قال : الساعة. وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها ، ثمّ التفتّ فإذا ليس عندي أحد ، قال : ثمّ قدم أبو جعفر علیه السلام فلقيته ، فقلت : جعلت فداك رجل أتاني بكتابك وطينه رطب ، فقال : « يا سدير ، إنّ لنا خدما من الجنّ فإذا أردنا السرعة بعثناهم » (3).

وفي رواية أخرى قال : « إنّ لنا أتباعا من الجنّ كما أنّ لنا أتباعا من الإنس فإذا أردنا أمرا بعثناهم » (4) ، والأخبار التي تدلّ على ذلك كثيرة (5).

ص: 35


1- « الكافي » 1 : 393 ، باب أنّ الأئمّة تدخل الملائكة بيوتهم ... ، ح 1.
2- المصدر السابق : 395 ، باب أنّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم ، ح 3.
3- المصدر السابق : 395 ، ح 4.
4- المصدر السابق.
5- المصدر السابق : 394 ، باب أنّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم.
فصل [31] : في بيان حقّ الإمام على الرعيّة وحقّ الرعيّة على الإمام علیه السلام

عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام ما حقّ الإمام على الناس؟ قال : « حقّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا » ، قلت : حقّهم عليه؟ قال : « يقسم بينهم بالسويّة ويعدل في الرعيّة ، فإذا كان ذلك في الناس فلا يبالي من أخذ هاهنا وهاهنا » (1).

وفي خبر آخر عنه علیه السلام مثله إلاّ أنّه قال : « هكذا وهكذا وهكذا » يعني بين يديه وخلفه وعن يمينه وعن شماله (2).

عن مسعدة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام : « لا تختانوا ولاتكم ولا تغشّوا هداتكم ، ولا تجهلوا أئمّتكم ، ولا تصدّعوا عن حبلكم فتفشلوا وتذهب ريحكم ، وعلى هذا فليكن تأسيس أموركم والزموا هذه الطريقة ، فإنّكم لو عاينتهم ما عاين من قد مات منكم ممّن خالف ما قد تدعون إليه لبدرتم وخرجتم ولسمعتم ، ولكن محجوب عنكم ، ما قد عاينوا ، وقريبا ما يطرح الحجاب » (3).

عن صباح بن سيابة عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « قال رسول اللّه علیه السلام أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه ، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك ؛ إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (4) الآية ، فهو من الغارمين ، فله سهم عند الإمام ، فإن حبسه فإثمه عليه » (5).

عن حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لا تصلح الإمامة

ص: 36


1- المصدر السابق : 405 ، باب ما يجب من حقّ الإمام ... ، ح 1.
2- المصدر السابق ، ح 2.
3- المصدر السابق 1 : 405 ، ح 3.
4- التوبة (9) : 60.
5- « الكافي » 1 : 407 ، باب ما يجب من حقّ الإمام ... ، ح 7.

إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال : ورع يحجزه عن معاصي اللّه ، وحلم يملك به غضبه ، وحسن الولاية على من يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم » (1).

وفي رواية أخرى : « حتّى يكون للرعية كالأب الرحيم » (2).

فصل [32] : في بيان أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام

عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : وجدنا في كتاب عليّ علیه السلام : ( إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (3) أنا وأهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليؤدّ خراجها إلى الإمام علیه السلام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها ، يؤدّي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها حتّى يظهر القائم علیه السلام من أهل بيتي بالسيف ، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها ، كما حواها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومنعها إلاّ ما كان في أيدي شيعتنا ؛ فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم » (4).

عن يونس بن ظبيان أو المعلّى بن خنيس قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسّم ، ثمّ قال : « إنّ اللّه - تبارك وتعالى - بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها : سيحان ، وجيحان ، - وهو نهر بلخ - والخشوع ، ونهر الشاش ، ومهران ، - وهو نهر الهند - ونيل مصر ، ودجلة ، والفرات ، فما سقت أو استقت فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا ، وليس لعدوّنا منه شيء إلاّ

ص: 37


1- « الكافي » 1 : 407 ، باب ما يجب من حقّ الإمام ... ، ح 8.
2- المصدر السابق ، ذيل ح 8.
3- الأعراف (7) : 128.
4- « الكافي » 1 : 407 - 408 ، باب أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام ، ح 1.

ما غصب عليه ، وإنّ وليّنا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه » - يعني بين السماء والأرض - ثمّ تلا هذه الآية : ( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (1) « المغصوبون عليها خالصة لهم يوم القيامة بلا غصب » (2).

وفي معنى ما ذكر أخبار أخر (3).

فصل [33] : في بيان سيرة الإمام علیه السلام في نفسه

عن حمّاد ، عن حميد وجابر العبدي ، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام : « إنّ اللّه جعلني إماما لخلقه ففرض عليّ التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس ؛ كي يقتدي الفقير بفقري ، ولا يطغى الغنيّ بغناه » (4).

عن حمّاد بن عثمان قال : حضرت أبا عبد اللّه علیه السلام وقال له رجل : أصلحك اللّه ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس الخشن ، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ، ونرى عليك اللباس الجديد! فقال له : « إنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ، ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به ، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله ، غير أنّ قائمنا أهل البيت إذا قام لبس ثياب عليّ علیه السلام وسار بسيرة عليّ علیه السلام » (5).

فصل [34] : في بيان الولاية

عن بكير بن أعين قال : كان أبو جعفر علیه السلام يقول : « إنّ اللّه أخذ ميثاق شيعتنا

ص: 38


1- الأعراف (7) : 32.
2- « الكافي » 1 : 409 ، باب أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام ، ح 5.
3- المصدر السابق : 407 - 410 ، باب أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام .
4- المصدر السابق : 410 ، باب سيرة الإمام في نفسه ... ، ح 1.
5- المصدر السابق : 411 ، ح 4.

بالولاية وهم ذرّ يوم أخذ الميثاق على الذرّ ، والإقرار بالربوبيّة ، ولمحمّد صلی اللّه علیه و آله بالنبوّة » (1).

عن عبد الأعلى قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « ما من نبيّ جاء قطّ إلاّ بمعرفة حقّنا ، وتفضيلنا على من سوانا » (2).

عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : « واللّه في السماء لسبعين صفّا من الملائكة ، لو اجتمع عليهم أهل الأرض كلّهم يحصون عدد كلّ صفّ منهم ما أحصوهم ، وإنّهم ليدينون بولايتنا » (3).

عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : « ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولن يبعث اللّه رسولا إلاّ بنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله وولاية وصيّه عليّ علیه السلام » (4).

عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ نصب عليّا علیه السلام علما بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن جهله كان ضالاّ ، ومن نصب معه شيئا كان مشركا ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة » (5).

فصل [35] : في بيان معرفة أوليائهم والتفويض إليهم

عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « أنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين علیه السلام وهو مع أصحابه فسلّم عليه ، ثمّ قال : أنا واللّه أحبّك وأتولاّك ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : كذبت [ ... ] ما أنت كما قلت ، ويلك إنّ اللّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ، ثمّ عرض عليها

ص: 39


1- « الكافي » 1 : 436 ، باب فيه نتف وجوامع ... ، ح 1.
2- المصدر السابق : 437 ، ح 4.
3- المصدر السابق ، ح 5.
4- المصدر السابق ، ح 6.
5- المصدر السابق ، ح 7.

المحبّة لنا ، فو اللّه ما رأيت روحك فيمن عرض علينا ، فأين كنت ، فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه » (1).

وفي رواية أخرى قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « كان في النار » (2).

عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق » (3).

عن عبد اللّه بن سليمان ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الإمام علیه السلام فوّض اللّه عليه كما فوّض إلى سليمان بن داود علیه السلام ، فقال : « نعم » ، وذلك أنّ رجلا سأله عن مسألة فأجاب فيها ، وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأوّل ، ثمّ سأله آخر فأجابه بغير جواب الأوّلين ، ثمّ قال : « هذا عطاؤنا فامنن أو - أعط - بغير حساب » (4) ، وهكذا في قراءة عليّ علیه السلام » ، قال : قلت : أصلحك اللّه فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام؟ قال : « سبحان اللّه أما تسمع اللّه يقول : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) وهم الأئمّة ( وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) (5) لا يخرج منها أبدا ».

ثمّ قال لي : « نعم ، إنّ الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه وعرف لونه ، وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو ، إنّ اللّه يقول : ( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ ) (6) وهم العلماء ، وليس يسمع شيئا من الألسن ينطق به إلاّ عرفه ناج أو هالك ؛ فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم » (7).

ص: 40


1- المصدر السابق 1 : 438 ، باب في معرفتهم أولياءهم ... ، ح 1.
2- المصدر السابق ، ذيل ح 1.
3- المصدر السابق ، ح 2.
4- مأخوذ من الآية 39 من سورة ص (38) ، ونصّ الآية هكذا : ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) .
5- الحجر (15) : 75 - 76.
6- الروم (30) : 22.
7- « الكافي » 1 : 438 ، باب في معرفتهم أوليائهم ... ، ح 3.
فصل [36] : في بيان أنّه إذا قيل في الرجل فلم يكن فيه وكان في ولده وولد ولده فإنّه هو الذي قيل فيه

عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك ؛ فإنّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء » (1).

وفي خبر آخر - بعد التنظير بحكاية امرأة عمران بقولها : ( إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ) إلى آخره ، هكذا : « فإذا قلنا في الرجل منّا شيئا ، فكان في ولده أو ولد ولده ، فلا تنكروا ذلك » (2).

فصل [37] : في بيان أنّ الأئمّة كلّهم قائمون بأمر اللّه وهادون إليه

عن الحكم بن أبي نعيم قال : أتيت أبا جعفر علیه السلام - وهو بالمدينة - فقلت له : عليّ نذر بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد صلی اللّه علیه و آله أم لا؟ فلم يجبني بشيء ، فأقمت ثلاثين يوما ، ثمّ استقبلني في طريق ، فقال : « يا حكم ، وإنّك لهاهنا بعد؟ » فقلت : نعم إنّي أخبرتك بما جعلت لله عليّ فلم تأمرني ولم تنهني عن شيء ولم تجبني بشيء ، فقال : بكّر عليّ غدوة المنزل ، فغدوت عليه فقال علیه السلام : « سل عن حاجتك » ، فقلت : إنّي جعلت لله عليّ نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد صلی اللّه علیه و آله أم لا ، فإن كنت أنت رابطتك ، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض وطلب المعاش ، فقال : « يا حكم ، كلّنا قائم بأمر اللّه » ، قلت : فأنت المهديّ؟ قال : « كلّنا نهدي إلى اللّه » ، قلت : فأنت صاحب السيف؟ قال : « كلّنا صاحب السيف ووارث السيف » ، قلت : فأنت الذي يقتل أعداء اللّه ، ويعزّ بك أولياء اللّه ، ويظهر بك

ص: 41


1- « الكافي » 1 : 535 ، باب أنّه إذا قيل في الرجل شيء ... ، ح 2.
2- « الكافي » 1 : 535 ، باب أنّه إذا قيل في الرجل شيء ... ، ح 2. والآية في سورة آل عمران (3) : 36.

دين اللّه؟ فقال : « يا حكم ، كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين سنة ، وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدا باللبن منّي وأخفّ على ظهر الدابّة » (1).

المطلب الخامس : في نبذ من معجزات سائر الأئمّة عليهم السلام

اشارة

المذكورين علیهم السلام في فصول عديدة بعد الإشارة إلى طرق ثلاثة من طرق خمسة ؛ لأنّا أشرنا إلى أنّ كلّ واحد منهم علیه السلام معصوم منصوص أعلم ، وقد مرّ أنّ العصمة طريق من طرق إثبات الإمامة ، وأنّ النصّ طريق آخر ، وأنّ الأعلميّة طريق آخر ، فتثبت إمامة كلّ واحد منهم علیهم السلام بكلّ طريق من تلك الطرق ، فينبغي الإشارة إلى الطريقين الأخيرين اللذين أحدهما طريق المعجزة ؛ ولهذا نذكر معجزاتهم علیهم السلام في فصول عديدة :

فصل [1] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي محمّد الحسن المجتبى صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الأطهار

على وفق ما انتخبت من « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن عبد اللّه الكناسي ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام في بعض عمره ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته - قال : - فنزلوا في منهل من تلك المناهل - قال : - نزلوا تحت نخل يابس قد يبس من العطش - قال : - ففرش للحسن علیه السلام تحت نخلة ، وللزبيري بحذائه تحت نخلة أخرى - قال : - فقال الزبيري - ورفع رأسه - : لو كان في هذا النخل رطبا لأكلنا منه ، - قال : - فقال له الحسن علیه السلام : وإنّك تشتهي الرطب؟ قال : نعم ، فرفع الحسن علیه السلام يده إلى

ص: 42


1- المصدر السابق : 536 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام كلّهم قائمون بأمر اللّه تعالى هادون إليه ، ح 1.

السماء فدعا بكلام لم يفهمه الزبيري ، فاخضرّت النخلة ، ثمّ صارت إلى حالها فأورقت وحملت رطبا - قال : - فقال له الجمّال الذي اكتروا منه : سحر واللّه - قال : - فقال له الحسن علیه السلام : ويلك ليس بسحر ، ولكن دعوة ابن النبيّ صلی اللّه علیه و آله مستجابة ، - قال : - فصعدوا إلى النخلة حتّى صرموا ممّا كان فيها ما كفاهم ». (1)

ومنها : ما روي عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام : « أنّ الحسن علیه السلام قال يوما لأخيه الحسين علیه السلام ولعبد اللّه بن جعفر : إنّ معاوية بعث إليكم بجوائزكم وهي تصل إليكم يوم كذا لمستهلّ الهلال وقد أضاقا ، فوصلت في الساعة التي ذكرها لمّا كان رأس الهلال فلمّا وافاهم المال كان على الحسن علیه السلام دين كثير فقضاه ممّا بعثه إليه ، ففضلت فضلة ففرّقها في أهل بيته ومواليه ، وقضى الحسين علیه السلام دينه ، وقسّم ثلث ما بقي في أهل بيته ومواليه ، وحمل الباقي إلى عياله. وأمّا عبد اللّه فقضى دينه وما فضل دفعه إلى الرسول ليتعرّف معاوية من الرسول ما فعلوا ، فبعث إلى عبد اللّه أموالا حسنة » (2).

ومنها : ما روي أنّ عليّا علیه السلام كان في الرحبة ، فقام إليه رجل فقال : أنا من رعيّتك وأهل بلادك ، قال علیه السلام : « لست من رعيّتي ولا من أهل بلادي وإنّ ابن الأصفر بعث بمسائل إلى معاوية فأقلقته وأرسلك إليّ لأجلها » ، قال : صدقت يا أمير المؤمنين ، إنّ معاوية أرسلني إليك في خفية وأنت قد اطّلعت على ذلك ولا يعلمها غير اللّه ، فقال علیه السلام : « سل أحد ابنيّ هذين » ، قال : أسأل ذا الوفرة يعني الحسن فأتاه.

فقال له الحسن : « جئت تسألني كم بين الحقّ والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما المؤنّث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض؟ » قال : نعم ، قال الحسن علیه السلام : « بين الحقّ والباطل أربع

ص: 43


1- « بحار الأنوار » 43 : 323 ، ح 1 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 256 ، باب 13 ، ح 10.
2- المصدر السابق ، ح 2 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 238 - 239 ، ح 3.

أصابع : ما رأيته بعينك فهو حق وقد تسمع بأذنيك باطلا ، وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومدّ البصر ، وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس ، وقزح اسم الشيطان ، وهو قوس اللّه وعلامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق ، وأمّا المؤنّث فهو الذي لا يدرى أذكر أم أنثى ، فإنّه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم وإن كان أنثى حاضت وبدا ثدييها ، وإلاّ قيل له : بل ، فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر ، وإن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير ، فهو أنثى. وأمّا عشرة أشياء بعضها أشدّ من بعض : فأشدّ شيء خلق اللّه الحجر ، وأشدّ منه الحديد يقطع به الحجر ، وأشدّ من الحديد النار تذيب الحديد ، وأشدّ من النار الماء ، وأشدّ من الماء السحاب ، وأشدّ من السحاب الريح تحمل السحاب ، وأشدّ من الريح الملك الذي يردّها ، وأشدّ من الملك ملك الموت الذي يميت الملك ، وأشدّ من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت ، وأشدّ من الموت أمر اللّه الذي يدفع الموت » (1).

ومنها : ما روي عن الصادق علیه السلام : « قال بعضهم للحسن بن عليّ علیهم السلام في احتماله الشدائد عن معاوية فقال علیه السلام : كلاما معناه : لو دعوت اللّه تعالى لجعل العراق شاما والشام عراقا ، وجعل المرأة رجلا والرجل امرأة ، فقال رجل من أهل الشام : ومن يقدر على ذلك؟ فقال علیه السلام : انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال ، فوجد الرجل نفسه امرأة ، ثمّ قال : وصارت عيالك رجلا تقاربك وتحمل عنها وتلد ولدا خنثى ، فكان كما قال علیه السلام ، ثمّ إنّهما تابا وجاءا إليه فدعا اللّه تعالى فعادا إلى الحالة الأولى » (2).

ومنها : ما روي عن الحسين بن أبي العلاء عن جعفر بن محمّد علیه السلام : « قال الحسن بن عليّ علیهماالسلام لأهل بيته : يا قوم إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال له أهل بيته : ومن الذي يسمّك؟ قال : جاريتي أو امرأتي ، فقالوا له : أخرجها من

ص: 44


1- « بحار الأنوار » 43 : 325 - 326 ، ح 5 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 2 : 572 - 573 ، ح 2.
2- المصدر السابق : 327 ، ح 6.

ملكك عليها لعنة اللّه ، فقال : هيهات من إخراجها ومنيّتي على يدها ، ما لي منها محيص ، ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها ، كان قضاء مقضيّا وأمرا واجبا من اللّه ، فما ذهبت الأيّام حتّى بعث معاوية إلى امرأته ، - قال : - فقال الحسن علیه السلام هل عندك من شربة لبن؟ فقالت : نعم ، وفيه ذلك السمّ الذي بعث به معاوية ، فلمّا شربه وجد مسّ السمّ في جسده ، فقال : يا عدوّة اللّه قتلتني قاتلك اللّه ، أما واللّه لا تصيبين منّي خلفا ولا تنالين من الفاسق عدوّ اللّه اللعين خيرا أبدا » (1).

ومنها : ما روي أنّه مرّت بالحسن بن عليّ علیه السلام بقرة ، فقال : « هذه حبلى بعجلة أنثى لها غرّة في جبينها ورأس ذنبها أبيض » ، فانطلقنا مع القصّاب حتّى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها ، فقلنا : أوليس اللّه عزّ وجلّ يقول : ( وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ) (2) فكيف علمت؟ فقال : « ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل غير محمّد وذرّيّته » (3).

ومنها : ما روي عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « جاء الناس إلى الحسن بن عليّ علیهماالسلام فقالوا : أرنا من عجائب أبيك التي كان يرينا ، فقال : وتؤمنون بذلك؟ قالوا : نعم ، نؤمن واللّه بذلك ، قال : أليس تعرفون أبي؟ قالوا جميعا : بل نعرفه ، فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين علیه السلام قاعد ، فقال : تعرفونه؟ قالوا بأجمعهم : هذا أمير المؤمنين علیه السلام ونشهد أنّك ابن رسول اللّه حقّا والإمام من بعده ، ولقد أريتنا أمير المؤمنين علیه السلام بعد موته كما أرى أبوك أبا بكر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في مسجد قبا بعد موته ، فقال الحسن علیه السلام : ويحكم أما سمعتم قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) (4)؟ فإذا كان هذا نزل فيمن قتل في

ص: 45


1- « بحار الأنوار » 43 : 327 - 328.
2- لقمان (31) : 34.
3- « بحار الأنوار » 43 : 328 ، ح 7.
4- البقرة (2) : 154.

سبيل اللّه ما تقولون فينا؟ قالوا : آمنّا وصدّقنا يا ابن رسول اللّه » (1).

ومنها : ما روي عن داود بن الكثير الرقّي عن أبي عبد اللّه علیه السلام : لمّا صالح الحسن بن عليّ علیهماالسلام معاوية جلسا بالنخيلة ، فقال معاوية : يا أبا محمّد ، بلغني أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان يخرص النخل ، فهل عندك من ذلك علم ، فإنّ شيعتكم يزعمون أنّه لا يعزب عنكم علم شيء لا في الأرض ولا في السماء؟ فقال الحسن علیه السلام : « إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان يخرص كيلا وأنا أخرص عددا » ، فقال معاوية : كم في هذه النخلة؟ فقال الحسن علیه السلام : « أربعة آلاف بسرة وأربع بسرات » ، فأمر معاوية بها فصرمت وعدّت ، فجاءت أربعة آلاف وثلاث بسرات ، فقال : « واللّه ما كذبت ولا كذبت » ، فنظر فإذا في يد عبد اللّه بن عامر كويز بسرة » الحديث (2).

فصل [2] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي كثيرة :

منها : ما روي أنّه دخل على الحسين علیه السلام رجل شابّ يبكي ، فقال له الحسين علیه السلام : « ما يبكيك؟ » قال : إنّ والدتي توفّيت في هذه الساعة ولم توص ولها مال ، وكانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئا حتّى أعلمك خبرها ، فقال الحسين علیه السلام : « قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة » ، فقمنا معه حتّى انتهينا إلى باب البيت الذي توفّيت فيه المرأة مسجّاة ، فأشرف على البيت ودعا اللّه ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها ، فأحياها اللّه وإذا المرأة جلست وهي تتشهّد ، ثمّ نظرت إلى الحسين علیه السلام فقالت : ادخل البيت يا مولاي ومرني بأمرك ، فدخل وجلس على مخدّة ، ثم قال لها : « وصي رحمك اللّه » ، فقالت : يا ابن رسول اللّه ، لي من المال كذا وكذا في

ص: 46


1- « بحار الأنوار » 43 : 328 - 329 ، ح 8.
2- المصدر السابق : 329 - 330 ، ح 9.

مكان كذا وكذا ، فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك ، وإن كان مخالفا فخذه إليك فلا حقّ للمخالفين في أموال المؤمنين ، ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولّى أمرها ، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت » (1).

ومنها ما روي عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « أقبل أعرابيّ إلى المدينة ليختبر الحسين علیه السلام لما ذكر من دلائله ، فلمّا صار بقرب المدينة ، [ خضخض ودخل المدينة ] فدخل على الحسين علیه السلام ، فقال له أبو عبد اللّه الحسين علیه السلام : « أما تستحيي يا أعرابيّ ، أن تدخل على إمامك وأنت جنب؟ » : فقال : أنتم معاشر العرب إذا دخلتم خضخضتم ، فقال الأعرابيّ قد بلغت حاجتي ممّا جئت فيه ، فخرج من عنده فاغتسل ورجع إليه فسأله عمّا كان في قلبه » (2).

ومنها : ما روي عن الصادق عن آبائه علیهم السلام قال : « إذا أراد الحسين علیه السلام أن ينفذ غلمانه في بعض أموره ، قال لهم : لا تخرجوا يوم كذا اخرجوا يوم كذا ، فإنّكم إن خالفتموني قطع عليكم طريقكم فخالفوه مرّة وخرجوا فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم ، واتّصل الخبر إلى الحسين علیه السلام فقال : لقد حذّرتهم فلم يقبلوا منّي ، ثمّ قام من ساعته ودخل على الوالي ، فقال الوالي : بلغني قتل غلمانك فآجرك اللّه فيهم.

فقال الحسين علیه السلام : فإنّي أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم ، وقال الوالي : أو تعرفهم يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : نعم ، كما أعرفك وهذا منهم ، فأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي ، فقال الرجل : ومن أين قصدتني بهذا؟ ومن أين تعرف أنّي منهم؟ فقال له الحسين علیه السلام : إن أنا صدّقتك تصدّقني؟ قال : نعم ، واللّه لأصدّقنّك ؛ فقال : خرجت ومعك فلان وفلان ، وذكرهم كلّهم فمنهم أربعة من موالي المدينة

ص: 47


1- « بحار الأنوار » 44 : 180 - 181 ، ح 3 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 245 - 246 ، ح 1.
2- المصدر السابق : 181 ، ح 4 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 246 ، ح 2.

والباقون من حيطان المدينة ، فقال الوالي : وربّ القبر والمنبر لتصدّقني أو لأهرقنّ لحمك بالسياط ، فقال الرجل : واللّه ما كذب الحسين علیه السلام وأصدّق وكأنّه كان معنا ، فجمعهم الوالي جميعا فأقرّوا جميعا فضرب أعناقهم » (1).

ومنها : ما روى زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يحدّث عن آبائه علیهم السلام : « إنّ مريضا شديد الحمّى عاده الحسين علیه السلام فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمّى عن الرجل ، فقال : رضيت بما أوتيتم به حقّا حقّا والحمّى تهرب عنكم ، فقال له الحسين علیه السلام : واللّه ما خلق اللّه شيئا إلاّ وقد أمره بالطاعة لنا ، قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبّيك ، قال : أليس أمير المؤمنين علیه السلام أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّا أو مذنبا لكي تكوني كفّارة لذنوبه ، فما بال هذا؟ فكان المريض عبد اللّه بن شدّاد بن الهادي الليثي » (2).

ومنها : ما روي عن أيّوب بن أعين ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها ، فقال بيده حتّى وضعها على ذراعها ، فأثبت اللّه يد الرجل في ذراعها حتّى قطع الطواف وأرسل إلى الأمير واجتمع الناس وأرسل إلى الفقهاء ، فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الذي جنى الجناية ، فقال : هاهنا أحد من ولد محمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ فقالوا : نعم ، الحسين بن عليّ علیه السلام قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه ، فقال : انظر ما لقي ذان؟ فاستقبل الكعبة ورفع يديه فمكث طويلا يدعو ، ثمّ جاء إليهما حتّى خلص يده من يدها ، فقال الأمير : ألا نعاقبه بما صنع؟ قال : لا » (3).

ومنها : ما روي عن صفوان بن مهران قال سمعت الصادق علیه السلام يقول : « رجلان اختصما في زمن الحسين علیه السلام في امرأة وولدها ، فقال : هذا لي ، وقال : هذا لي ، فمرّ بهما الحسين علیه السلام فقال لهما : فيما تمرجان؟ قال أحدهما : إنّ الامرأة لي ، وقال الآخر :

ص: 48


1- المصدر السابق ، ح 5 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 181 - 182 و 246 - 247 ، ح 3.
2- المصدر السابق : 183 ، ح 8 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 58.
3- المصدر السابق ، ح 10 ، نقلا عن « تهذيب الأحكام » 5 : 470 ، ح 1647.

إنّ الولد لي ، فقال علیه السلام للمدّعي الأوّل : اقعد ، فقعد وكان الغلام رضيعا ، فقال الحسين علیه السلام : يا هذه! اصدقي من قبل أن يهتك اللّه سترك ، فقالت : هذا زوجي والولد له ، ولا أعرف هذا ، فقال علیه السلام يا غلام ، ما تقول هذه؟ انطق بإذن اللّه تعالى ، فقال له : ما أنا لهذا ولا لهذا ، وما أبي إلاّ راعي لآل فلان ، فأمر علیه السلام برجمها » ، قال جعفر علیه السلام : « فلم يسمع أحد نطق ذلك الغلام بعدها » (1).

ومنها : ما روي عن أصبغ بن نباتة قال : سألت الحسين علیه السلام ، فقلت : يا سيّدي ، أسألك عن شيء أنا به موقن وإنّه من سرّ اللّه وأنت المسرور إليه ذلك السرّ ، فقال : « يا أصبغ ، أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لأبي دون يوم مسجد قبا؟ » قال : هذا الذي أردت ، قال : « قم » ، فإذا أنا وهو بالكوفة ، فنظرت فإذا المسجد من قبل أن يرتدّ إليّ بصري ، فتبسّم في وجهي ، ثمّ قال : « يا أصبغ ، إنّ سليمان بن داود علیه السلام أعطي الريح غدوّها شهر ورواحها شهر وأنا قد أعطيت أكثر ممّا أعطي سليمان ».

فقلت : صدقت واللّه يا ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال : « نحن الذين عندنا علم الكتاب وبيان ما فيه ، وليس عند أحد من خلقه ما عندنا ؛ لأنّا أهل سرّ اللّه » ، فتبسّم في وجهي ، ثمّ قال : « نحن آل اللّه وورثة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » ، فقلت : الحمد لله على ذلك ، ثمّ قال لي : « ادخل » ، فدخلت فإذا أنا برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله محتب بردائه ، فنظرت فإذا أنا بأمير المؤمنين قابض على تلابيب الأعسر ، فرأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يعضّ على الأنامل وهو يقول : « بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك عليكم لعنة اللّه ولعنتي » (2).

ومنها : ما روي عن عطاء بن السائب ، عن أخيه قال : شهدت يوم قتل الحسين صلوات اللّه عليه فأقبل رجل من بني تميم يقال له : عبد اللّه بن جويرة ، فقال : يا حسين ، فقال صلوات اللّه عليه : « ما تشاء؟ » فقال : أبشر بالنار ، فقال علیه السلام : « كلاّ ، إنّي

ص: 49


1- « بحار الأنوار » 44 : 184 ، ح 11 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 59.
2- المصدر السابق : 184 - 185 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 59 - 60.

أقدم على ربّ غفور ، وشفيع مطاع ، وأنا من خير إلى خير ، من أنت؟ » قال : أنا ابن جويرة ، فرفع يده الحسين صلوات اللّه عليه إلى السماء حتّى رأينا بياض إبطيه ، وقال : « اللّهمّ جرّه إلى النار » ، فغضب ابن جويرة ، فحمل عليه فاضطرب فرسه في جدول وتعلّق رجله في الركاب ، ووقع رأسه في الأرض ونفر الفرس فأخذ يعدو به ، ويضرب رأسه بكلّ حجر وشجر ، وانقطعت قدمه وساقه وفخذه ، وبقي جانبه الآخر متعلّقا في الركاب ، فصار - لعنه اللّه - إلى نار الجحيم (1).

ومنها : ما روي أنّه لمّا جاءوا برأس الحسين علیه السلام ونزلوا منزلا يقال له : قنسرين ، اطّلع راهب من صومعته إلى الرأس ، فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه ويصعد إلى السماء ، فأتاهم بعشرة آلاف درهم ، وأخذ الرأس ، وأدخله صومعته ، فسمع صوتا ولم ير شخصا ، قال : طوبى لك ، وطوبى لمن عرف حرمتك ، فرفع الراهب رأسه ، وقال : يا ربّ ، بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلّم معي ، فتكلّم الرأس ، وقال : « يا راهب ، أيّ شيء تريد؟ » فقال : من أنت؟ قال : « أنا ابن محمّد المصطفى ، وأنا ابن عليّ المرتضى ، وأنا ابن فاطمة الزهراء ، وأنا المقتول بكربلاء ، أنا المظلوم ، أنا العطشان » ، وسكت ، فوضع الراهب وجهه على وجهه ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتّى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة ، فتكلّم الرأس وقال : « ارجع إلى دين جدّي محمّد صلی اللّه علیه و آله » ، فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، فقبل له الشفاعة ، فلمّا أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم فلمّا بلغوا الوادي نظروا الدراهم وقد صارت حجارة (2).

ومنها : ما روي عن أبي ثوبان الأسدي - وكان من أصحاب أبي جعفر علیه السلام - ، عن الصلت بن المنذر ، عن المقداد بن الأسود الكندي أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله خرج في طلب

ص: 50


1- المصدر السابق : 187 ، ح 16 ، نقلا عن « عيون المعجزات » : 62.
2- المصدر السابق 45 : 303 - 304 ، ح 3 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 67.

الحسن والحسين علیهماالسلام ، وقد خرجا من البيت وأنا معه فرأيت أفعى على الأرض ، فلمّا أحسّت بوطي النبيّ صلی اللّه علیه و آله قامت ونظرت وكان أعلى من النخلة وأضخم من البكر يخرج من فيها النار فهالني ذلك ، فلمّا رأت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله صارت كأنّها خيط ، فالتفت إليّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فقال : « ألا تدري ما تقول هذه يا أخا كندة؟ » قلت : اللّه ورسوله أعلم ، قال : « قالت : الحمد لله الذي لم يميتني حتّى جعلني حارسا لابني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » ، وجرت في الرمل رمل الشعاب ، فنظرت إلى شجرة لا أعرفها بذلك الموضع ، لأنّي ما رأيت فيه شجرة قطّ قبل يومي ذلك ، ولقد أتيت بعد ذلك اليوم أطلب الشجرة فلم أجدها ، وكانت الشجرة أظلّتهما ... الحديث (1).

ومنها : ما روي عن سلمان الفارسي رضی اللّه عنه قال : أهدي إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله قطف من العنب في غير أوانه ، فقال : « يا سلمان ، ائتني بولديّ : الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب » ، قال سلمان الفارسي : فذهبت إلى منزل أمّهما فلم أرهما ، فأتيت منزل أختهما أمّ كلثوم فلم أرهما ، فجئت فخبّرت النبيّ صلی اللّه علیه و آله بذلك ، فاضطرب ووثب قائما وهو يقول : « وا ولداه ، وا قرّة عيناه ، من يرشدني عليهما فله على اللّه الجنّة » ، فنزل جبرئيل من السماء وقال : يا محمّد ، ما علّة هذا الانزعاج؟ فقال : « على ولديّ الحسن والحسين علیهماالسلام فإنّي خائف عليهما من كيد اليهود ».

فقال جبرئيل : يا محمّد صلی اللّه علیه و آله ، بل خفت عليهما من كيد المنافقين ، فإنّ كيدهم أشدّ من كيد اليهود ، واعلم يا محمّد ، إنّ ابنيك الحسن والحسين نائمان في حديقة أبي الدحداح ، فسار النبيّ صلی اللّه علیه و آله من وقته وساعته إلى الحديقة وأنا معه حتّى دخلنا الحديقة فإذا هما نائمان ، وقد اعتنق أحدهما الآخر وثعبان في فيه طاقة ريحان يروح بها وجههما.

فلمّا رأى الثعبان النبيّ صلی اللّه علیه و آله ألقى ما كان في فيه ، وقال : السّلام عليك يا رسول اللّه ،

ص: 51


1- « بحار الأنوار » 43 : 271 - 273 ، ح 39 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح 2 : 841 - 845 ، ح 60.

لست أنا ثعبانا ولكنّي ملك من ملائكة اللّه الكروبيّين غفلت عن ذكر ربّي طرفة عين فغضب عليّ ربّي ومسخني ثعبانا كما ترى وطردني من السماء إلى الأرض ، ولي منذ سنين كثيرة أقصد كريما على اللّه فأسأله أن يشفع لي عند ربّي عسى أن يرحمني ويعيدني ملكا كما كنت أوّلا إنّه على كلّ شيء قدير.

قال : فجعل النبيّ يقبّلهما حتّى استيقظا فجلسا على ركبتي النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فقال لهما النبيّ : « انظروا يا ولديّ ، هذا ملك من ملائكة اللّه الكروبيّين قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين فجعله اللّه هكذا ، وأنا مستشفع بكما إلى اللّه تعالى فاشفعا له » ، فوثب الحسن والحسين علیهماالسلام فأسبغا الوضوء وصلّيا ركعتين ، وقالا : « اللّهمّ بحقّ جدّنا الجليل الحبيب محمّد المصطفى ، وبأبينا عليّ المرتضى ، وبأمّنا فاطمة الزهراء إلاّ ما رددته إلى حالته الأولى » ، فما استتمّ دعاؤهما وإذا بجبرئيل قد نزل من السماء في رهط من الملائكة وبشّر ذلك الملك برضى اللّه عنه وبردّه إلى سيرته الأولى ، ثمّ ارتفعوا به إلى السماء وهم يسبّحون اللّه تعالى ، ثمّ رجع جبرئيل علیه السلام إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله وهو متبسّم وقال : يا رسول اللّه ، إنّ ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع السماوات ويقول لهم : من مثلي وأنا في شفاعة السيّدين السبطين : الحسن والحسين علیهماالسلام (1).

ومنها : ما روي أنّ أعرابيّا أتى الرسول صلی اللّه علیه و آله فقال له : يا رسول اللّه ، لقد صدت خشفة غزالة وأتيت بها إليك هديّة لولديك : الحسن والحسين ، فقبلها النبيّ صلی اللّه علیه و آله ودعا له بالخير ، فإذا الحسن علیه السلام واقف عند جدّه صلی اللّه علیه و آله فرغب إليها فأعطاه إيّاها ، فما مضى ساعة إلاّ والحسين علیه السلام قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها ، فقال : « يا أخي ، من أين لك هذه الخشفة؟ » فقال الحسن علیه السلام : « أعطانيها جدّي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » ، فسار الحسين علیه السلام مسرعا إلى جدّه فقال : « يا جدّاه ، أعطيت أخي خشفة يلعب بها ولم تعطني مثلها » ، وجعل يكرّر القول على جدّه وهو ساكت لكنّه

ص: 52


1- المصدر السابق : 313 - 314 ، ذيل ح 73.

يسلّي خاطره ويلاطفه بشيء من الكلام حتّى أفضى من أمر الحسين إلى أن همّ أن يبكي.

فبينما هو كذلك إذ نحن بصياح قد ارتفع عند باب المسجد ، فنظرنا فإذا ظبية ومعها خشفها ومن خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وتضربها بأحد أطرافها حتّى أتت بها إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله ثمّ نطقت الغزالة بلسان فصيح ، وقالت : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قد كانت لي خشفتان : إحداهما صادها الصيّاد وأتى بها إليك ، وبقيت لي هذه الاخرى وأنا بها مسرورة ، وإنّي كنت الآن أرضعها فسمعت قائلا يقول : اسرعي اسرعي يا غزالة ، بخشفك إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله وأوصليه سريعا ؛ لأنّ الحسين علیه السلام واقف بين يدي جدّه وقد همّ أن يبكي والملائكة بأجمعهم قد رفعوا رءوسهم من صوامع العبادة ، ولو بكى الحسين علیه السلام لبكت الملائكة المقرّبون لبكائه.

وسمعت أيضا قائلا يقول : أسرعي يا غزالة ، قبل جريان الدموع على خدّ الحسين علیه السلام ، فإن لم تفعلي سلّطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفك ، فأتيت بخشفي إليك يا رسول اللّه ، وقطعت مسافة بعيدة ، لكن طويت لي الأرض حتّى أتيتك سريعة ، وأنا أحمد اللّه ربّي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين علیه السلام على خدّه ، فارتفع التكبير والتهليل من الأصحاب ، ودعا النبيّ صلی اللّه علیه و آله للغزالة بالخير والبركة ، وأخذ الحسين علیه السلام الخشفة وأتى بها إلى أمّه الزهراء علیهاالسلام فسرّت به سرورا عظيما » (1).

فصل [3] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي محمّد زين العابدين عليّ بن الحسين علیهماالسلام

على وفق ما انتخبت من « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن أبي خالد الكابلي قال : دعاني محمّد بن الحنفيّة بعد قتل

ص: 53


1- « بحار الأنوار » 43 : 312 - 313 ، ح 73.

الحسين ورجوع عليّ بن الحسين علیهماالسلام إلى المدينة وكنّا بمكّة ، فقال : صر إلى عليّ بن الحسين علیه السلام وقل له : أنا أكبر أولاد أمير المؤمنين علیه السلام بعد أخويّ الحسن والحسين وأنا أحقّ بهذا الأمر منك فينبغي أن تسلّمه إليّ ، وإن شئت فاختر حكما نتحاكم إليه ، فصرت إليه وأدّيت رسالته ، فقال : « ارجع إليه وقل له : يا عمّ اتّق اللّه ولا تدّع ما لم يجعل اللّه لك ، فإن أبيت فبيني وبينك الحجر الأسود ، فمن شهد له الحجر الأسود فهو الإمام ».

فرجعت إليه بهذا الجواب ، فقال له : قد أجبتك قال أبو خالد : فدخلا جميعا وأنا معهما حتّى وافيا الحجر الأسود ، فقال عليّ بن الحسين علیهماالسلام : « تقدّم يا عمّ ، فإنّك أسنّ فاسأله الشهادة لك » ، فتقدّم محمّد فصلّى ركعتين ودعا بدعوات ، ثمّ سأل الحجر بالشهادة إن كانت الإمامة له ، فلم يجبه بشيء.

ثمّ قام عليّ بن الحسين علیهماالسلام فصلّى ركعتين ، ثمّ قال : « يا أيّها الحجر ، الذي جعله اللّه شاهدا لمن يوافي بيته الحرام من وفود عباده ، إن كنت تعلم أنّي صاحب الأمر وأنّي الإمام المفترض الطاعة على جميع عباده فاشهد لي ، ليعلم عمّي أن لا حقّ له في الإمامة » ، فأنطق اللّه الحجر بلسان عربيّ مبين ، فقال : يا محمّد بن عليّ ، سلّم الأمر إلى عليّ بن الحسين علیهماالسلام ؛ فإنّه الإمام المفترض الطاعة عليك وعلى جميع عباد اللّه دونك ودون الخلق أجمعين ، فقبّل محمّد بن الحنفيّة رجله وقال : الأمر لك.

وقيل : إنّ ابن الحنفيّة إنّما فعل ذلك إزاحة لشكوك الناس في ذلك.

وفي رواية أخرى : أنّ اللّه أنطق الحجر : يا محمّد بن عليّ ، إنّ عليّ بن الحسين علیهماالسلام حجّة اللّه عليك وعلى جميع من في الأرض ومن في السماء مفترض الطاعة فاسمع له وأطع ، فقال محمّد : سمعا وطاعة يا حجّة اللّه في أرضه وسمائه (1).

ومنها : ما روي عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر علیه السلام قال : « كان

ص: 54


1- المصدر السابق 46 : 29 - 30 ، ح 20 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح 1 : 257 - 258 ، ح 3.

عليّ بن الحسين علیهماالسلام جالسا مع جماعة إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتّى وقفت قدّامه فهمهمت وضربت بيدها الأرض ، فقال بعضهم : يا ابن رسول اللّه ، ما شأن هذه الظبية قد أتتك مستأنسة؟

قال : « تذكر أنّ ابنا ليزيد طلب عن أبيه خشفا ، فأمر بعض الصيّادين أن يصيد له خشفا ، فصاد بالأمس خشف هذه الظبية ولم تكن قد أرضعته ، فإنّها تسأل أن يحمله إليها لترضعه وتردّه عليه » ، فأرسل عليّ بن الحسين علیهماالسلام إلى الصيّاد فأحضره وقال : « إنّ هذه الظبية تزعم أنّك أخذت خشفا لها وأنّك لم تسقه لبنا منذ أخذته ، وقد سألتني أن أسألك أن تتصدّق به عليها » ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، لست أستجرئ على هذا.

قال : « إنّي أسألك أن تأتي به إليها لترضعه وتردّه عليك ففعل الصيّاد » ، فلمّا رأته همهمت ودموعها تجري ، فقال عليّ بن الحسين علیه السلام للصيّاد : « بحقّي عليك إلاّ وهبته لها » ، فوهبه لها فانطلقت مع الخشف ، وقال : أشهد أنّك من أهل بيت الرحمة وأنّ بني أميّة من أهل بيت اللعنة (1).

ومنها : ما روي أنّ الحجّاج بن يوسف لمّا خرّب الكعبة بسبب مقاتلة عبد اللّه بن الزبير ، ثمّ عمروها ، فلما أعيد البيت وأرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود فكلّما نصبه عالم من علمائهم أو قاض من قضاتهم أو زاهد من زهّادهم يتزلزل ويضطرب ولا يستقرّ الحجر في مكانه ، فجاءه عليّ بن الحسين علیه السلام وأخذه من أيديهم وسمّى اللّه ثمّ نصبه فاستقرّ في مكانه وكبّر الناس (2).

ومنها : ما روي أنّ إبليس تصوّر لعليّ بن الحسين علیه السلام - وهو قائم يصلّي - في صورة أفعى له عشرة رءوس محدّدة الأنياب منقلبة الأعين بحمرة ، فطلع عليه من جوف الأرض من موضع سجوده ، ثمّ تطاول في محرابه فلم يفزعه ذلك ولم يكسر

ص: 55


1- « بحار الأنوار » 46 : 30 ، ح 21 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 259 - 260 ، ح 4.
2- المصدر السابق : 32 ، ح 25 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 268 ، ح 11.

طرفه إليه ، فانقضّ على رءوس أصابعه يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه وهو لا يكسر طرفه إليه ولا يحوّل قدميه عن مقامه ولا يختلجه شكّ ولا وهم في صلاته ولا قراءته ، فلم يلبث إبليس حتّى انقضّ إليه شهاب محرق من السماء ، فلمّا أحسّ به صرخ وقام إلى جانب عليّ بن الحسين علیه السلام في صورته الأولى ، ثمّ قال : يا عليّ ، أنت سيّد العابدين كما سمّيت وأنا إبليس ، واللّه لقد رأيت عبادة النبيّين من عهد أبيك آدم علیه السلام إليك ، فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك ، ثمّ تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتّى قضى صلاته على تمامها (1).

ومنها : ما روي أنّه علیه السلام كان قائما يصلّي حتّى وقف ابنه محمّد علیهماالسلام وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها ، فنظرت إليه أمّه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول : يا ابن رسول اللّه ، غرق ولدك محمّد علیه السلام وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر ، فلمّا طال عليها ذلك ، قالت حزنا على ولدها : ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلاّ عن كمالها وإتمامها ، ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومدّ يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلاّ برشاء (2) طويل ، فأخرج ابنه محمّدا علیه السلام على يديه يناغي ويضحك لم يبتلّ له ثوب ولا جسد بالماء ، فقال : « هاك يا ضعيفة اليقين باللّه » ، [ فضحكت لسلامة ولدها ، وبكت لقوله علیه السلام : يا ضعيفة اليقين باللّه ] (3) ، فقال : « لا تثريب عليك اليوم لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي ، فمن يرى راحما بعده » (4).

ومنها : ما روي عن محمّد بن جرير الطبري قال : لمّا حضر عليّ بن الحسين علیه السلام

ص: 56


1- المصدر السابق 46 : 58 ، ح 11 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 146 - 147.
2- الرشاء : الحبل الذي يتوصّل به إلى الماء. « مجمع البحرين » 1 : 184 « ر ش ا ».
3- الزيادة أثبتناها من المصدر.
4- المصدر السابق : 34 - 35 ، ح 29 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 147 - 148.

فقال : « يا محمّد ، أيّ ليلة هذه؟ » قال : ليلة كذا وكذا ، قال : « وكم مضى من الشهر؟ » قال : كذا وكذا ، قال : « إنّها الليلة التي وعدتها » ، ودعا بوضوء ، فقال : « إنّ فيه فأرة » ، فقال بعض القوم : إنّه ليهجر ، فقال : « هاتوا المصباح » ، فجيء به فإذا فيه فأرة ، فأمر بذلك الماء فأهريق وأتوه بماء آخر فتوضّأ وصلّى حتّى إذا كان آخر الليل توفّي علیه السلام (1).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ أبي خرج إلى ماله ومعنا ناس من مواليه وغيرهم ، فوضعت المائدة ليتغذّى وجاء ظبي وكان منه قريبا ، فقال له : « يا ظبي ، أنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام وأمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله هلمّ إلى هذا الغذاء ، فجاء الظبي حتّى أكل معهم ما شاء اللّه أن يأكل ، ثمّ تنحّى الظبي ، فقال له بعض غلمانه : ردّه علينا. فقال لهم : لا تخفروا ذمّتي ، فقالوا : لا ، فقال له : يا ظبي ، أنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وأمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله هلمّ إلى هذا الغذاء وأنت آمن في ذمّتي ، فجاء الظبي حتّى قام على المائدة فأكل معهم ، فوضع رجل من جلسائه يده على ظهره فنفر الظبي ، فقال عليّ بن الحسين علیه السلام أخفرت ذمّتي لا كلّمتك كلمة أبدا » (2).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر الباقر علیه السلام قال : « خرج أبو محمّد عليّ بن الحسين علیه السلام إلى مكّة - في جماعة من مواليه وناس من سواهم - فلمّا بلغ عسفان ضرب مواليه فسطاطه في موضع منها ، فلمّا دنا عليّ بن الحسين علیهماالسلام من ذلك الموضع قال لمواليه : « كيف ضربتم في هذا الموضع وهذا موضع قوم من الجنّ هم لنا أولياء ولنا شيعة ، وذلك يضرّ بهم ويضيق عليهم؟ فقلنا : ما علمنا ذلك وعمدوا إلى قلع الفسطاط ، وإذا هاتف نسمع صوته ولا نرى شخصه وهو يقول : يا ابن رسول اللّه ، لا تحوّل فسطاطك من موضعه فإنّا نحتمل ذلك ، وهذا اللّطف قد أهديناه إليك ،

ص: 57


1- « بحار الأنوار » 46 : 43 ، ح 41 ، نقلا عن « فرج المهموم » : 228.
2- المصدر السابق 46 : 43 ، ح 42 ، نقلا عن « كشف الغمّة » 2 : 109.

ونحبّ أن تنال منه لنسرّ بذلك ، فإذا بجانب الفسطاط طبق عظيم وأطباق معه فيها عنب ورمّان وموز وفاكهة كثيرة ، فدعا أبو محمّد علیه السلام من كان معه فأكل وأكلوا من تلك الفاكهة » (1).

فصل [4] : في نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين علیهم السلام

على وفق ما انتخبت من كتاب « البحار » وهي كثيرة :

منها : ما روي أنّه كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر علیه السلام وكان مركزه بالمدينة يختلف إلى مجلس أبي جعفر علیه السلام يقول له : يا محمّد ، ألا ترى أنّي إنّما أجيء مجلسك حياء منّي منك ، ولا أقول : إنّ أحدا في الأرض أبغض إليّ منكم أهل البيت ، وأعلم أنّ طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ، ولكن أراك رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ ، فإنّما اختلافي إليك لحسن أدبك. وكان أبو جعفر علیه السلام يقول له خيرا ويقول : « لن تخفى على اللّه خافية » ، فلم يلبث الشامي إلاّ قليلا حتّى مرض واشتدّ وجعه ، فلمّا ثقل دعا وليّه وقال له : إذا أنت مددت عليّ الثوب فائت محمّد بن عليّ علیه السلام وسله أن يصلّي عليّ ، وأعلمه أنّي أنا الذي أمرتك بذلك.

قال : فلمّا أن كان في نصف الليل ظنّوا أنّه قد مات وسجّوه ، فلمّا أن أصبح الناس خرج وليّه إلى المسجد ، فلمّا أن صلّى محمّد بن عليّ علیهماالسلام وتورّك - وكان إذا صلّى عقّب في مجلسه - قال : يا أبا جعفر ، إنّ فلانا الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلّي عليه ، فقال أبو جعفر : « كلاّ ، إنّ بلاد الشام بلاد صرد والحجاز بلاد حرّ ولهبها شديد فانطلق فلا تعجلنّ على صاحبك حتّى آتيكم » ، ثمّ قام من مجلسه فأخذ وضوء ، ثمّ

ص: 58


1- المصدر السابق 46 : 45 ، ح 45 ، نقلا عن « الأمان من أخطار الأسفار والأزمان » : 135.

عاد فصلّى ركعتين ، ثمّ مدّ يده تلقاء وجهه ما شاء اللّه ، ثمّ خرّ ساجدا حتّى طلعت الشمس ، ثمّ نهض فانتهى إلى منزل الشامي فدخل عليه فدعاه فأجابه ، ثمّ أجلسه وأسنده ودعا له بسويق فسقاه ، وقال لأهله : « املئوا جوفه وبرّدوا صدره بالطعام البارد ».

ثمّ انصرف ، فلم يلبث إلاّ قليلا حتّى عوفي الشامي فأتى أبا جعفر علیه السلام ، فقال : أخلني فأخلاه فقال : أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه ، وبابه الذي يؤتى منه ، فمن أتى من غيرك خاب وضلّ ضلالا بعيدا ، وقال له أبو جعفر علیه السلام : « وما بدا لك؟ » قال : أشهد أنّي عهدت بروحي وعاينت بعيني فلم يتفاجأني إلاّ ومناد ينادي أسمعه بأذني ينادي وما أنا بالنائم : ردّوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمّد بن عليّ علیهماالسلام ، فقال له أبو جعفر : « أما علمت أنّ اللّه يحبّ العبد ويبغض عمله ، ويبغض العبد ويحبّ عمله؟ » قال : فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر علیه السلام (1).

ومنها : ما روي عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « نزل أبو جعفر علیه السلام بواد فضرب خباءه ثمّ خرج أبو جعفر بشيء حتّى انتهى إلى النخلة ، فحمد اللّه عندها بمحامد لم أسمع بمثلها ، ثمّ قال : يا أيّتها النخلة ، أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك » ؛ قال : فتساقط رطب أحمر وأصفر فأكل علیه السلام ومعه أبو أميّة الأنصاري فأكل منه وقال : هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها بجذع النخلة فتساقط عليها رطبا جنيّا » (2).

ومنها : ما روي عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه وأبي جعفر علیهماالسلام فقلت لهما : أنتما ورثة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : « نعم » ، قلت : فرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وارث الأنبياء علم كلّ ما علموا؟ فقال لي : « نعم » ، فقلت : أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرءوا الأكمه والأبرص؟ فقال : « نعم ، بإذن اللّه » ، ثمّ قال : « ادن منّي

ص: 59


1- « بحار الأنوار » 46 : 233 - 234 ، ح 1 ، نقلا عن « الأمالي » للطوسي : 410 - 411 ، ح 923 / 71.
2- المصدر السابق : 236 ، ح 10 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 253 ، ح 2.

يا أبا محمّد » ، فمسح يده على عيني ووجهي فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شيء في الدار ، قال : « أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصا؟ » قلت : أعود كما كنت ، قال : فمسح على عيني فعدت كما كنت (1).

ومنها : ما روي عن محمّد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفر علیه السلام بين مكّة والمدينة وأنا أسير على حمار لي وهو على بغلته إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتّى انتهى إلى أبي جعفر علیه السلام فحبس البغلة ودنا الذئب حتّى وضع يده على قربوس السرج ومدّ عنقه إلى أذنه وأدنى أبو جعفر علیه السلام أذنه منه ساعة.

ثمّ قال : « امض فقد فعلت » ، فرجع مهرولا ، قال : قلت : جعلت فداك لقد رأيت عجبا!؟ قال : « وتدري ما قلت؟ » قال : قلت : اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : « إنّه قال لي : يا ابن رسول اللّه ، إنّ زوجتي في ذلك الجبل قد تعسّر عليها ولادتها فادع اللّه أن يخلّصها ولا يسلّط أحدا من نسلي على أحد من شيعتكم ، قلت : فقد فعلت » (2).

ومنها : ما روي عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال : دخلت على أبي جعفر علیه السلام فشكوت إليه الحاجة ، قال : فقال : « يا جابر ، ما عندنا درهم » ، فلم ألبث أن دخل عليه الكميت فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي حتّى أنشدك قصيدة؟ قال : فقال : « أنشد » ، فأنشده قصيدة ، فقال : « يا غلام ، أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت » ، قال : فأخرج بدرة فدفعها إليه ، قال : فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثانية؟ قال له : « أنشد » ، فأنشد ، فقال له : « يا غلام ، أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه » ، قال : فأخرج بدرة فدفعها إليه ، قال : فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثالثة؟ قال له : « أنشد » ، فأنشد ، فقال له : « يا غلام ،

ص: 60


1- المصدر السابق : 237 ، ح 13 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 269 ، باب 3 ، ح 1.
2- المصدر السابق : 239 ، ح 20 ، نقلا عن « الاختصاص » : 300.

أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه » ، قال : فأخرج بدرة ودفعها إليه ، فقال الكميت : جعلت فداك ما أحبّكم لغرض الدنيا وما أردت بذلك إلاّ صلة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وما أوجب اللّه عليّ من الحقّ ، قال : فدعا له أبو جعفر علیه السلام ، ثمّ قال : « يا غلام ، ردّها مكانها ».

قال : فوجدت في نفسي وقلت : قال : « ليس عندي درهم » ، وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم ، قال : فقام الكميت وخرج ، قلت له : جعلت فداك قلت ليس عندي درهم وأمرت للكميت بثلاثين ألف درهم! فقال لي : « يا جابر ، قم وادخل البيت » ، قال : فقمت ودخلت البيت فلم أجد منه شيئا ، قال : فخرجت إليه فقال لي : « يا جابر ، ما سترنا عنكم أكثر ممّا أظهرنا لكم » ، فقام فأخذ بيدي وأدخلني البيت ، ثمّ قام وضرب برجله الأرض فإذا شبيه بعنق البعير قد خرجت من ذهب ، ثمّ قال لي : « يا جابر ، انظر إلى هذا ولا تخبر به أحدا إلاّ من تثق به من إخوانك ، إنّ اللّه أقدرنا على ما نريد ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمّتها لسقناها » (1).

ومنها : ما روي عن أبي عتيبة قال : كنت عند أبي جعفر علیه السلام ، فدخل رجل فقال : أنا من أهل الشام أتولاّكم وأبرأ من عدوّكم ، وأبي كان يتولّى بني أميّة وكان له مال كثير ولم يكن له ولد غيري ، وكان مسكنه بالرملة وكان له جنينة يتخلّى فيها بنفسه ، فلمّا مات طلبت المال فلم أظفر به ولا أشكّ أنّه دفنه وأخفاه منّي ، قال أبو جعفر علیه السلام : « أفتحبّ أن تراه وتسأله أين موضع ماله؟ » قال : أي واللّه إنّي لفقير محتاج ، فكتب أبو جعفر علیه السلام كتابا وختمه بخاتمه ، ثمّ قال : « انطلق بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتّى تتوسّطه ، ثمّ تنادي : يا درجان يا درجان ، فإنّه يأتيك رجل معتمّ فادفع إليه كتابي وقل : أنا رسول محمّد بن عليّ بن الحسين علیه السلام فإنّه يأتيك بأبيك فاسأله عمّا بدا لك » ،

ص: 61


1- « بحار الأنوار » 46 : 239 - 240 ، ح 23 ، نقلا عن « الاختصاص » 271 - 272 ، و « بصائر الدرجات » : 375 - 376 ، باب 2 ، ح 5.

فأخذ الرجل الكتاب وانطلق.

قال أبو عتيبة : لمّا كان من الغد أتيت أبا جعفر علیه السلام لأنظر ما حال الرجل؟ فإذا هو على الباب ينتظر أن يؤذن له ، فأذن له فدخلنا جميعا ، فقال الرجل : اللّه يعلم عند من يضع العلم ، قد انطلقت البارحة وفعلت ما أمرت فأتاني الرجل ، فقال : لا تبرح من موضعك حتّى آتيك به فأتاني برجل أسود ، فقال : هذا أبوك؟ قلت : ما هو أبي ، قال : غيّره اللّهب ودخان الجحيم والعذاب الأليم ، قلت : أنت أبي؟ قال : نعم. قلت : فما غيّرك عن صورتك وهيئتك؟ قال : يا بنيّ كنت أتولّى بني أميّة وأفضّلهم على أهل بيت النبيّ صلی اللّه علیه و آله بعد النبيّ صلی اللّه علیه و آله فعذّبني اللّه بذلك ، وكنت أنت تتولاّهم وكنت أبغضك على ذلك وحرّمتك مالي فزويته عنك وأنا اليوم على ذلك من النادمين ، فانطلق يا بنيّ ، إلى جنّتي فاحفر تحت الزيتونة وخذ المال مائة ألف درهم فادفع إلى محمّد بن عليّ علیهماالسلام خمسين ألفا والباقي لك ، ثمّ قال : وأنا منطلق حتّى آخذ المال فآتيك بمالك.

قال أبو عتيبة : فلمّا كان من قابل سألت أبا جعفر علیه السلام : ما فعل الرجل صاحب المال؟ قال : « قد أتاني بخمسين ألف درهم فقضيت بها دينا عليّ وابتعت بها أرضا بناحية خيبر ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي » (1).

ومنها : ما روي عن جابر الجعفي قال : خرجت مع أبي جعفر علیه السلام إلى الحجّ وأنا زميله إذ أقبل ورشان (2) فوقع على عضادتي محمله فترنّم (3) ، فذهبت لآخذه فصاح بي : « مه يا جابر ، فإنّه استجار بنا أهل البيت » ، فقلت : وما الذي شكا إليك؟ فقال : « شكا إليّ أنّه يفرخ في هذا الجبل منذ ثلاثين سنة ، وأنّ حيّة تأتيه فتأكل فراخه ،

ص: 62


1- المصدر السابق : 245 - 246 ، ح 33 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 2 : 597 - 599 ، ح 9 وفيه « أبو عيينة ».
2- الورشان نوع من الطيور.
3- ترنم الحمام : إذا طرب بصوته وتغنّى.

فسألني أن أدعو اللّه عليها ليقتلها ، ففعلت وقد قتلها اللّه ».

ثمّ سرنا حتّى إذا كان وجه السحر قال لي : « انزل يا جابر » ، فنزلت فأخذ بخطام الجمل ، ونزل فتنحّى عن الطريق ثمّ عمد إلى روضة من الأرض ذات رمل ، فأقبل فكشف الرمل يمنة ويسرة وهو يقول : « اللّهمّ اسقنا وطهّرنا » ، إذ بدا حجر أبيض بين الرمل فاقتلعه فنبع له عين ماء أبيض صاف فتوضّأ وشربنا منه ، ثمّ ارتحلنا فأصبحنا دون قرية ونخل فعمد أبو جعفر علیه السلام إلى نخلة يابسة فيها ، فدنا منها وقال : « أيّتها النخلة ، أطعمينا ممّا خلق اللّه فيك » ، فلقد رأيت النخلة تنحني حتّى جعلنا نتناول من ثمرها ونأكل وإذا أعرابيّ يقول : ما رأيت ساحرا كاليوم ، فقال أبو جعفر علیه السلام : « يا أعرابيّ ، لا تكذبنّ علينا أهل البيت ؛ فإنّه ليس منّا ساحر ولا كاهن ولكن علّمنا أسماء من أسماء اللّه تعالى نسأله بها فنعطى وندعو فنجاب » (1).

ومنها : ما روي عن عبّاد بن كثير البصري قال : قلت للباقر علیه السلام : ما حقّ المؤمن على اللّه؟ فصرف وجهه ، فسألته عنه ثلاثا ، فقال : « من حقّ المؤمن على اللّه أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت » ، قال عبّاد : فنظرت واللّه إلى النخلة التي كانت هناك قد تحرّكت مقبلة فأشار إليها « قرّي فلم أعنك » (2).

ومنها : ما روي عن المفضّل بن عمر بينما أبو جعفر علیه السلام بين مكّة والمدينة إذا انتهى إلى جماعة على الطريق وإذا رجل من الحجّاج نفق (3) حماره وقد بدّد متاعه وهو يبكي ، فلمّا رأى أبا جعفر علیه السلام أقبل إليه ، فقال له : يا ابن رسول اللّه ، نفق حماري وبقيت منقطعا فادع اللّه تعالى أن يحيي لي حماري ، قال : فدعا أبو جعفر علیه السلام فأحيا اللّه له حماره (4).

ص: 63


1- « بحار الأنوار » 46 : 248 ، ح 38 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 2 : 604 - 605 ، ح 12.
2- المصدر السابق ، ح 39 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 272 ، ح 1.
3- « نفق الفرس والدابّة : مات ». « لسان العرب » 10 : 3. « ن ف ق ».
4- المصدر السابق : 260 ، ذيل ح 61 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 199.

ومنها : ما روي عن أبي بصير للباقر علیه السلام : ما أكثر الحجيج وأعظم الضجيج! فقال : « بل ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج ، أتحبّ أن تعلم صدق ما أقوله وتراه عيانا » ، فمسح يده على عينيه ودعا بدعوات فعاد بصيرا ، فقال : « انظر يا أبا بصير ، إلى الحجيج » ، قال : فنظرت فإذا أكثر الناس قردة وخنازير والمؤمن بينهم كالكوكب اللامع في الظلمات ، فقال أبو بصير : صدقت يا مولاي ، ما أقلّ الحجيج وأكثر الضجيج ، ثمّ دعا بدعوات فعاد ضريرا ، فقال أبو بصير في ذلك ، فقال علیه السلام : « ما بخلنا عليك يا أبا بصير ، وإن كان اللّه تعالى ما ظلمك وإنّما خار لك ، وخشينا فتنة الناس بنا وأن يجهلوا فضل اللّه علينا ، ويجعلونا أربابا من دون اللّه ونحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته ، ولا نسأم من طاعته ، ونحن له مسلمون » (1).

ومنها : ما روي عن جابر بن يزيد قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قوله تعالى : ( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (2) ، فدفع أبو جعفر علیه السلام بيده وقال : « ارفع رأسك » ، فرفعت فوجدت السقف متفرّقا ورمق ناظري في ثلمة حتّى رأيت نورا حار عنه بصري ، فقال : « هكذا رأى إبراهيم ملكوت السماوات ، وانظر إلى الأرض ثمّ ارفع رأسك » ، فلمّا رفعته رأيت السقف كما كان ، ثم أخذ بيدي وأخرجني من الدار وألبسني ثوبا ، وقال : « غمّض عينيك ساعة » ، ثمّ قال : أنت في الظلمات التي رآها ذو القرنين ، ففتحت عيني فلم أر شيئا ، ثمّ تخطّى خطا ، وقال : « أنت على رأس عين الحياة للخضر » ، ثمّ خرجنا من ذلك العالم حتّى تجاوزنا خمسة ، فقال : « هذه ملكوت الأرض » ، ثمّ قال : « غمّض عينيك » ، وأخذ بيدي فإذا نحن في الدار التي كنّا فيها وخلع عنّي ما كان ألبسنيه ، فقلت : جعلت فداك كم ذهب من اليوم؟ فقال : « ثلاث ساعات » (3).

ص: 64


1- المصدر السابق : 261 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 200 ، ح 62.
2- الأنعام (6) : 75.
3- « بحار الأنوار » 46 : 268 ، ح 65 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 210.

ومنها : ما روي عن إسماعيل بن أبي حمزة قال : ركب أبو جعفر علیه السلام يوما إلى حائط له من حيطان المدينة ، فركبت معه إلى ذلك الحائط ومعنا سليمان بن خالد ، فقال له سليمان بن خالد : جعلت فداك يعلم الإمام ما في يومه؟ فقال : « يا سليمان ، والذي بعث محمّدا صلی اللّه علیه و آله بالنبوّة واصطفاه بالرسالة إنّه ليعلم ما في يومه وفي شهره وفي سنته ».

ثمّ قال : « يا سليمان ، أما علمت أنّ روحا ينزل عليه في ليلة القدر فيعلم ما في تلك السنة إلى ما في مثلها من قابل وعلم ما يحدث في الليل والنهار ، والساعة ترى ما يطمئنّ إليه قلبك » ، قال : فو اللّه ما سرنا إلاّ ميلا ونحو ذلك حتّى ، قال : « الساعة يستقبلك رجلان سرقا سرقة قد أضمرا عليها » ، فو اللّه ما سرنا إلاّ ميلا حتّى استقبلنا الرجلان ، فقال أبو جعفر علیه السلام لغلمانه : « عليكم بالسارقين » ، فأخذا حتّى أتي بهما ، فقال : « سرقتما » ، فحلفا باللّه أنّهما ما سرقا ، فقال : « واللّه لئن أنتما لم تخرجا ما سرقتما لأبعثنّ إلى الموضع الذي وضعتما فيه سرقتكما ، ولأبعثنّ إلى صاحبكما الذي سرقتماه حتّى يأخذكما ويرفعكما إلى والي المدينة فرأيكما » ، فأبيا أن يردّا الذي سرقاه.

فأمر أبو جعفر علیه السلام غلمانه أن يستوثقوا منهما قال : « فانطلق أنت يا سليمان ، إلى ذلك الجبل » ، وأشار بيده إلى ناحية من الطريق ، « فاصعد أنت وهؤلاء الغلمان فإنّ في قلّة الجبل كهفا فادخل أنت فيه بنفسك تستخرج ما فيه وتدفعه إلى مولى هذا ، فإنّ فيه سرقة لرجل آخر ولم يأت وسوف يأتي » ، فانطلقت وفي قلبي أمر عظيم ممّا سمعت حتّى انتهيت إلى الجبل ، فصعدت إلى الكهف الذي وصفه لي فاستخرجت منه عيبتين حتّى أتيت بهما أبا جعفر علیه السلام ، فقال لي : « يا سليمان ، إن بقيت إلى الغد رأيت العجب بالمدينة ».

فرجعنا إلى المدينة ، فلمّا أصبحنا أخذ أبو جعفر علیه السلام بأيدينا فأدخلنا معه إلى والي المدينة وقد دخل المسروق منه برجال براء ، فقال : هؤلاء سرقوها وإذا الوالي

ص: 65

يتفرّسهم ، فقال أبو جعفر علیه السلام : « إنّ هؤلاء براء وليس هم سرّاقه وسرّاقه عندي » ، ثمّ قال لرجل : ما ذهب لك؟ قال : عيبة فيها كذا وكذا فادّعى ما ليس له وما لم يذهب منه ، فقال أبو جعفر علیه السلام : « لم تكذب؟ » فقال : أنت أعلم بما ذهب منّي ، فهمّ الوالي أن يبطش به حتّى كفّه أبو جعفر علیه السلام ، ثمّ قال للغلام : « ائتني بعيبة كذا وكذا » ، فأتى بها ، ثمّ قال للوالي : « إن ادّعى فوق هذا فهو كاذب مبطل في جميع ما ادّعى عندي ، وعندي عيبة أخرى لرجل آخر وهو يأتيك إلى أيّام وهو رجل من أهل بربر ، فإذا أتاك فارشده إليّ فإنّ عيبته عندي ، وأمّا هذان السارقان فلست ببارح من هاهنا حتّى تقطعهما » ، فأتي بالسارقين فكانا يريان أنّه لا يقطعهما بقول أبي جعفر علیه السلام ، فقال أحدهما : لم تقطعنا ولم نقرّ على أنفسنا بشيء؟ قال : ويلكما شهد عليكما من لو شهد على أهل المدينة لأجزت شهادته.

فلمّا قطعهما قال أحدهما : واللّه يا أبا جعفر ، قطعتني بحقّ ، وما سرّني أنّ اللّه جلّ وعلا أجرى توبتي على يد غيرك وأنّ لي ما حازته المدينة ، وأنّي لأعلم أنّك لا تعلم الغيب ولكنّكم أهل بيت النبوّة وعليكم نزلت الملائكة وأنتم معدن الرحمة ، فرقّ له أبو جعفر علیه السلام ، وقال له : « أنت على خير » ، ثمّ التفت إلى الوالي وجماعة الناس فقال : « واللّه ، لقد سبقته يده إلى الجنّة بعشرين سنة » ، فقال سليمان بن خالد لأبي حمزة : يا أبا حمزة ، رأيت دلالة أعجب من هذا؟ فقال أبو حمزة : العجيبة في العيبة الأخرى ، فو اللّه ما لبثنا إلاّ قليلا حتّى جاء البربريّ إلى الوالي وأخبره بقصّتها ، فأرشده الوالي إلى أبي جعفر علیه السلام فأتاه ، فقال له أبو جعفر علیه السلام : « ألا أخبرك بما في عيبتك قبل أن تخبرني؟ » فقال البربري : إن أنت أخبرتني بما فيها علمت أنّك إمام فرض اللّه طاعتك ، فقال أبو جعفر علیه السلام : « ألف دينار لك وألف دينار لغيرك ومن الثياب كذا وكذا » ، قال : فما اسم الرجل الذي له الألف دينار؟ قال : « محمّد بن عبد الرحمن وهو على الباب ينتظرك ، تراني أخبرك إلاّ بالحقّ » ، فقال البربري : آمنت باللّه وحده لا شريك له وبمحمّد صلی اللّه علیه و آله ، وأشهد أنّكم أهل بيت الرحمة

ص: 66

الذين أذهب اللّه عنكم الرجس وطهّركم تطهيرا (1).

ومنها : ما روي عن جابر ، قال : لمّا أفضت الخلافة إلى بني أميّة ، سفكوا في أيّامهم الدم الحرام ، ولعنوا أمير المؤمنين علیه السلام على منابرهم ألف شهر ، واغتالوا شيعتهم في البلدان وقتلوهم واستأصلوا شأفتهم ، ومالأتهم على ذلك علماء السوء رغبة في حطام الدنيا ، وصارت محنتهم على الشيعة لعن أمير المؤمنين علیه السلام فمن لم يلعنه قتلوه ، فلمّا فشا ذلك في الشيعة وكثر وطال اشتكت الشيعة إلى زين العابدين علیه السلام وقالوا : يا ابن رسول اللّه ، أجلونا عن البلدان وأفنونا بالقتل الذريع ، وقد أعلنوا لعن أمير المؤمنين علیه السلام في البلدان وفي مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعلى منبره ولا ينكر عليهم منكر ولا يغيّر عليهم مغيّر ، فإن أنكر واحد منّا على لعنه قالوا : هذا ترابيّ ، ورفع ذلك إلى سلطانهم وكتب إليه : أنّ هذا ذكر أبا تراب بخير حتّى ضرب وحبس ، ثمّ قتل.

فلمّا سمع ذلك علیه السلام نظر إلى السماء وقال : « سبحانك ما أعظم شأنك إنّك أمهلت عبادك حتّى ظنّوا أنّك أهملتهم وهذا كلّه بعينك ؛ إذ لا يغلب قضاؤك ولا يردّ تدبير محتوم أمرك ، فهو كيف شئت وأنّى شئت لما أنت أعلم به منّا » ، ثمّ دعا بابنه محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام ، فقال : « يا محمّد ، » قال : « لبّيك » ، قال : « إذا كان غدا فاغد إلى مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وخذ الخيط الذي نزل به جبرئيل علیه السلام على رسول اللّه فحرّكه تحريكا ليّنا ولا تحرّكه تحريكا شديدا فيهلكوا جميعا ».

قال جابر رضی اللّه عنه : فبقيت متعجّبا من قوله علیه السلام ولا أدري ما أقول ، فلمّا كان من الغد جئته ، وكان قد طال عليّ ليلي حرصا لأنظر ما يكون من أمر الخيط ، فبينما أنا بالباب إذ خرج الباقر علیه السلام فسلّمت عليه فردّ السّلام ، وقال : « ما غدا بك يا جابر ، ولم تكن تأتينا في هذا الوقت؟ » فقلت له : لقول الإمام علیه السلام بالأمس : « خذ الخيط الذي أتى به جبرئيل علیه السلام وصر إلى مسجد جدّك صلی اللّه علیه و آله وحرّكه تحريكا ليّنا ولا تحرّكه

ص: 67


1- « بحار الأنوار » 46 : 272 - 274 ، ح 76 ، نقلا عن « رجال الكشّي » 356 - 360 ، ذيل الرقم 664.

شديدا فتهلك الناس جميعا » ، قال الباقر علیه السلام : « واللّه لو لا الوقت المعلوم والأجل المحتوم والقدر المقدور ، لخسفت بهذا الخلق المنكوس في طرفة عين بل في لحظة ، ولكنّا عباد مكرمون لا نسبقه بالقول وبأمره نعمل يا جابر ».

قال : يا جابر ، فقلت : يا سيّدي ، ومولاي ولم تفعل بهم هذا؟ فقال لي أما حضرت بالأمس والشيعة تشكو إلى أبي ما يلقون من هؤلاء فقلت : يا سيّدي ومولاي نعم فقال : « إنّه أمرني أن أرعبهم لعلّهم ينتهون ، وكنت أحبّ أن تهلك طائفة منهم ويطهّر اللّه البلاد والعباد منهم ».

قال جابر رضوان اللّه عليه : فقلت : سيّدي ومولاي كيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا؟ فقال الباقر علیه السلام : « امض بنا إلى مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لأريك قدرة اللّه تعالى التي خصّنا بها وما منّ به علينا من دون الناس ».

فقال جابر رضوان اللّه عليه : فمضيت معه إلى المسجد فصلّى ركعتين ثمّ وضع خدّه على التراب وتكلّم بكلام ، ثمّ رفع رأسه وأخرج من كمّه خيطا رقيقا فاحت منه رائحة المسك ، فكان في المنظر أدقّ من سمّ الخياط ، ثمّ قال : « خذ يا جابر ، إليك طرف الخيط وامض رويدا وإيّاك أن تحرّكه » ، قال : فأخذت طرف الخيط ومشيت رويدا فقال علیه السلام : « قف يا جابر » ، ثمّ حرّك الخيط تحريكا خفيفا ما ظننت أنّه حرّكه من لينه ، ثمّ قال علیه السلام : « ناولني طرف الخيط » ، فناولته فقلت : ما فعلت به يا سيّدي؟ قال : « ويحك اخرج فانظر ما حال الناس؟ ».

قال جابر رضوان اللّه عليه : فخرجت من المسجد وإذا الناس في صياح واحد والصائحة من كلّ جانب ، فإذا بالمدينة قد زلزلت زلزلة شديدة وأخذتهم الرجفة والهدمة ، وقد خربت أكثر دور المدينة وهلك منها أكثر من ثلاثين ألفا رجالا ونساء دون الولدان ، وإذا الناس في صياح وبكاء وعويل وهم يقولون : إنّا لله وإنّا إليه راجعون خربت دار فلان وخرب أهلها ، ورأيت الناس فزعين إلى مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهم يقولون : كانت هدمة عظيمة ، وبعضهم يقول : قد كانت زلزلة ،

ص: 68

وبعضهم يقول : كيف لا نخسف وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر فينا الفسق والفجور وظلم آل الرسول صلی اللّه علیه و آله ، واللّه ليزلزل بنا أشدّ من هذا وأعظم أو نصلح من أنفسنا ما أفسدنا.

قال جابر رضوان اللّه عليه : فبقيت متحيّرا أنظر إلى الناس حيارى يبكون فأبكاني بكاؤهم وهم لا يدرون من أين أتوا ، فانصرفت إلى الباقر علیه السلام وقد حفّ به الناس في مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وهم يقولون : يا ابن رسول اللّه ، أما ترى إلى ما نزل بنا فادع اللّه لنا ، فقال لهم علیه السلام : « افزعوا إلى الصلاة والدعاء والصدقة ».

ثم أخذ علیه السلام بيدي وسار بي فقال لي : « ما حال الناس؟ » فقلت : لا تسأل يا ابن رسول اللّه ، خربت الدور والمساكن وهلك الناس ورأيتهم بحال رحمتهم ، فقال علیه السلام : « لا رحمهم اللّه ، أما إنّه قد أبقيت عليك بقيّة ولو لا ذلك لم ترحم أعداؤنا وأعداء أوليائنا » ، ثمّ قال : « سحقا سحقا وبعدا للقوم الظالمين ، واللّه لو لا مخافة مخالفة والدي لزدت في التحريك وأهلكتهم أجمعين ، وجعلت أعلاها أسفلها ، فكان لا يبقى فيها دار ولا جدار ، فما أنزلونا وأولياءنا من أعدائنا هذه المنزلة غيرهم ، ولكنّي أمرني مولاي أن أحرّك تحريكا ساكنا ».

ثمّ صعد علیه السلام المنارة ، وأنا أراه والناس لا يرونه فمدّ يده وأدارها حول المنارة فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة وتهدّمت دور ، ثمّ تلا الباقر علیه السلام : ( ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ ) (1) ، وتلا أيضا : ( فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها ) (2) ، وتلا : ( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) (3).

قال جابر : فخرجت العواتق من خدورهنّ في الزلزلة الثانية يبكين ويتضرّعن منكشفات لا يلتفت إليهنّ أحد ، فلمّا نظر الباقر علیه السلام إلى تحيّر العواتق رقّ لهنّ ، فوضع

ص: 69


1- سبأ (34) : 17.
2- هود (11) : 82.
3- النحل (16) : 26.

الخيط في كمّه وسكنت الزلزلة ، ثمّ نزل عن المنارة والناس لا يرونه ، وأخذ بيدي حتّى خرجنا من المسجد فمررنا بحدّاد اجتمع الناس بباب حانوته والحدّاد يقول : أما سمعتم الهمهمة في الهدم ، فقال بعضهم : بل كانت همهمة كثيرة ، وقال قوم آخرون بل واللّه كلام كثير ، إلاّ أنّا لم نقف على الكلام.

قال جابر رضی اللّه عنه : فنظر إليّ وتبسّم ثمّ قال : « يا جابر ، هذا لما طغوا وبغوا » ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ، ما هذا الخيط الذي فيه العجب؟ فقال : « بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ونزل به جبرئيل علیه السلام ، ويحك يا جابر ، إنّا من اللّه تعالى بمكان ومنزلة رفيعة ، فلولا نحن لم يخلق اللّه تعالى سماء ولا أرضا ولا جنّة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا جنّا ولا إنسا ، ويحك يا جابر ، لا يقاس بنا أحد ، يا جابر ، بنا واللّه أنقذكم اللّه وبنا نعشكم وبنا هداكم ونحن واللّه دللناكم على ربّكم ، فقفوا عند أمرنا ونهينا ولا تردّوا ما أوردنا عليكم ، فإنّا بنعم اللّه أجلّ وأعظم من أن يردّ علينا ، وجميع ما يردّ عليكم منّا ، فما فهمتموه فاحمدوا اللّه عليه وما جهلتموه فردّوه إلينا ، وقولوا : أئمّتنا أعلم بما قالوا ».

قال جابر رضوان اللّه عليه : ثمّ استقبله أمير المدينة المقيم بها من قبل بني أميّة قد نكب ونكب حواليه حرمته وهو ينادي : معاشر الناس ، احضروا ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عليّ بن الحسين علیه السلام ، وتقرّبوا به إلى اللّه تعالى ، وتضرّعوا إليه ، وأظهروا التوبة والإنابة ، لعلّ اللّه يصرف عنكم العذاب ، قال جابر - رفع اللّه درجته - فلمّا بصر الأمير بالباقر علیه السلام سارع نحوه ، وقال : يا ابن رسول اللّه ، أما ترى ما نزل بأمّة محمّد صلی اللّه علیه و آله قد هلكوا وفنوا؟ ثمّ قال له : أين أبوك حتّى نسأله أن يخرج معنا إلى المسجد فنتقرّب به إلى اللّه تعالى ، فيرفع عن أمّة محمّد صلی اللّه علیه و آله البلاء؟ فقال الباقر علیه السلام : « يفعل إن شاء اللّه تعالى ، ولكن أصلحوا من أنفسكم وعليكم بالتوبة والنزوع عمّا أنتم عليه فإنّه لا يأمن مكر اللّه إلاّ القوم الخاسرون ».

ص: 70

قال جابر رضوان اللّه عليه : فأتينا زين العابدين علیه السلام بأجمعنا وهو يصلّي فانتظرنا حتّى انفتل وأقبل علينا ، ثم قال لابنه سرّا : « يا محمّد ، كدت أن تهلك الناس جميعا » ، قال جابر : قلت : واللّه يا سيّدي ، ما شعرت بتحريكه حين حرّكه ، فقال علیه السلام : « يا جابر ، لو شعرت بتحريكه ما بقي عليها نافخ نار ، فما خبر الناس؟ » فأخبرناه فقال : « ذلك ممّا استحلّوا منّا محارم اللّه وانتهكوا من حرمتنا » ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ، إنّ سلطانهم بالباب قد سألنا أن نسألك أن تحضر المسجد حتّى تجتمع الناس إليك يدعون اللّه ويتضرّعون إليه ويسألونه الإقالة ، فتبسّم علیه السلام ثم تلا : ( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ ) (1) ، قلت : يا سيّدي ومولاي ، العجب أنّهم لا يدرون من أين أتوا ، فقال علیه السلام : « أجل » ، ثمّ تلا : ( فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ) (2) « هي واللّه يا جابر ، آياتنا » الحديث (3).

وقد روي أنّه علیه السلام وضع يده على الأرض فقال لها : اسكني ، فسكنت (4).

ومنها : ما روي عن النعمان بن بشير قال : كنت مزاملا لجابر بن يزيد الجعفي ، فلمّا أن كنّا بالمدينة دخل على أبي جعفر علیه السلام فودّعه وخرج من عنده وهو مسرور ، حتّى وردنا الأخيرجة - أوّل منزل تعدل من فيد إلى المدينة - يوم جمعة فصلّينا الزوال ، فلمّا نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتاب فناوله فقبّله ووضعه على عينيه ، وإذا هو : من محمّد بن عليّ إلى جابر بن يزيد وعليه طين أسود رطب ، فقال له : متى عهدك لسيّدي؟ فقال : الساعة ، فقال له : قبل الصلاة أو بعدها؟ فقال : بعد الصلاة ، قال : ففكّ الخاتم وأقبل يقرأه ويقبض وجهه حتّى أتى على آخره ، ثمّ أمسك

ص: 71


1- غافر (40) : 50.
2- الأعراف (7) : 51.
3- « بحار الأنوار » 46 : 274 - 279 ، ح 80 ، نقلا عن « عيون المعجزات » 74 - 79.
4- المصدر السابق 41 : 254 ، ح 14. والحادثة وقعت في زمن أمير المؤمنين عليّ علیه السلام .

الكتاب ، فما رأيته ضاحكا ولا مسرورا حتّى وافى الكوفة ، فلمّا وافينا الكوفة ليلا بتّ ليلتي فلمّا أصبحت أتيته إعظاما له ، فوجدته قد خرج عليّ وفي عنقه كعاب قد علّقها وقد ركب قصبة وهو يقول :

أجد منصور بن جمهور *** أميرا غير مأمور

وأبياتا من نحو هذا.

فنظر في وجهي فنظرت في وجهه ، فلم يقل لي شيئا ولم أقل له وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع عليّ وعليه الصبيان والناس ، جاء حتّى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون : جنّ جابر بن يزيد ، فو اللّه ما مضت الأيّام حتّى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه : أن انظر رجلا يقال له جابر بن يزيد الجعفي ، فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه ، فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : من جابر بن يزيد الجعفي؟ قالوا : أصلحك اللّه كان رجلا له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ ، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم ، قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب ، فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله ، قال : ولم تمض الأيّام حتّى دخل منصور بن جمهور الكوفة وصنع ما كان يقول جابر (1).

فصل [5] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام

على وفق ما انتخبت من « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن حنان بن سدير يقول : سمعت أبي - سدير الصيرفي - يقول : رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فيما يرى النائم وبين يديه طبق مغطّى بمنديل ، فدنوت منه وسلّمت عليه فردّ السّلام ، ثمّ كشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل

ص: 72


1- المصدر السابق 46 : 282 - 283 ، ح 85 ، نقلا عن « الكافي » 1 : 396 - 397 ، باب أنّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم ... ، ح 7.

منه ، فدنوت منه ، فقلت : يا رسول اللّه ، ناولني رطبة ، فناولني واحدة فأكلتها ، ثمّ قلت : يا رسول اللّه ، ناولني أخرى ، فناولنيها فأكلتها ، وجعلت كلّما أكلت واحدة سألته أخرى حتّى أعطاني ثماني رطبات فأكلتها ، ثمّ طلبت منه أخرى فقال لي : « حسبك » ، قال : فانتبهت من منامي.

فلمّا كان من الغد دخلت على جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام وبين يديه طبق مغطّى بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام ، ثمّ كشف عن الطبق فإذا فيه رطب ، فجعل يأكل منه ، فعجبت لذلك فقلت : جعلت فداك ناولني رطبة ، فناولني فأكلتها ، ثمّ طلبت أخرى فناولني فأكلتها ، وطلبت أخرى حتّى أكلت ثماني رطبات ، ثمّ طلبت منه أخرى فقال لي : « لو زادك جدّي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله زدناك » ، فأخبرته الخبر ، فتبسّم تبسّم عارف بما كان (1).

ومنها : ما روي عن سدير الصيرفي قال : جاءت امرأة إلى أبي عبد اللّه علیه السلام فقالت له : جعلت فداك أبي وأمّي وأهل بيتي نتولاّكم ، فقال لها أبو عبد اللّه علیه السلام : « صدقت فما الذي تريدين؟ » قالت له المرأة : جعلت فداك يا ابن رسول اللّه ، أصابني وضح (2) في عضدي فادع اللّه أن يذهب به عنّي ، قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « اللّهمّ إنّك تبرئ الأكمه والأبرص وتحيي العظام وهي رميم ، ألبسها من عفوك وعافيتك ما ترى أثر إجابة دعائي » ، فقالت المرأة : واللّه لقد قمت وما بي منه قليل ولا كثير (3).

ومنها : ما روي عن ابن سنان قال : كنّا بالمدينة حين بعث داود بن عليّ إلى المعلّى بن خنيس فقتله ، فجلس أبو عبد اللّه علیه السلام فلم يأته شهرا ، قال : فبعث إليه : أن

ص: 73


1- « بحار الأنوار » 47 : 63 - 64 ، ح 2 ، نقلا عن « الأمالي » للمفيد : 335 - 336 ، المجلس 39 ، ح 6 ، و « الأمالي » للطوسي : 114 ، ح 174 / 28.
2- الوضح : بياض غالب في ألوان النساء قد انتشر في جميع الجسد.
3- المصدر السابق : 64 - 65 ، ح 4.

ائتني ، فأبى أن يأتيه ، فبعث إليه خمس نفر من الحرس ، فقال : ائتوني به فإن أبى فأتوني به أو برأسه.

فدخلوا عليه وهو يصلّي ونحن نصلّي معه الزوال ، فقالوا : أجب داود بن عليّ ، قال : « فإن لم أجب؟ » قال : أمرنا أن نأتيه برأسك ، فقال : « وما أظنّكم تقتلون ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » ، قالوا : ما ندري ما تقول ، وما نعرف إلاّ الطاعة ، قال : « انصرفوا فإنّه خير لكم في دنياكم وآخرتكم » ، قالوا : واللّه لا ننصرف حتّى نذهب بك معنا أو نذهب برأسك ، قال : فلمّا علم أنّ القوم لا يذهبون إلاّ بذهاب رأسه وخاف على نفسه قالوا : رأيناه قد رفع يديه فوضعهما على منكبيه ، ثمّ بسطهما ، ثمّ دعا بسبّابته فسمعناه يقول : « الساعة الساعة » ، فسمعنا صراخا عاليا ، فقالوا له : قم ، فقال لهم : « أما إنّ صاحبكم قد مات وهذا الصراخ عليه ، فابعثوا رجلا منكم فإن لم يكن هذا الصراخ عليه قمت معكم » ، قال : فبعثوا رجلا منهم فما لبث أن أقبل ، فقال : يا هؤلاء ، قد مات صاحبكم وهذا الصراخ عليه ، وانصرفوا ، فقلت له : جعلنا اللّه فداك ما كان حاله؟ قال : « قتل مولاي المعلّى بن خنيس فلم آته منذ شهر فبعث إليّ أن آتيه فلمّا أن كان الساعة لم آته فبعث إليّ ليضرب عنقي ، فدعوت اللّه باسمه الأعظم فبعث اللّه إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره فقتله » ، قلت له : فرفع اليدين ما هو؟ قال : « الابتهال » ، قلت : فوضع يديك وجمعهما؟ قال : « التضرّع » (1).

ومنها : ما روي عن أبي كهمش قال : كنت نازلا بالمدينة في دار فيها وصيفة كانت تعجبني ، فانصرفت ليلا ممسيا فاستفتحت الباب ففتحت لي ، فمددت يدي فقبضت على ثديها ، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبد اللّه علیه السلام فقال : « يا أبا كهمش ، تب إلى اللّه ممّا صنعته البارحة » (2).

ص: 74


1- المصدر السابق : 66 ، ح 9 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 217 - 218 ، باب 2 ، ح 2.
2- المصدر السابق : 71 ، ح 28 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 242 ، باب 11 ، ح 1.

ومنها : ما روي عن إبراهيم بن مهزم ، قال : خرجت من عند أبي عبد اللّه علیه السلام ليلة ممسيا فأتيت منزلي بالمدينة وكانت أمّي معي ، فوقع بيني وبينها كلام فأغلظت لها ، فلمّا أن كان من الغد صلّيت الغداة وأتيت أبا عبد اللّه علیه السلام فلمّا دخلت عليه فقال لي مبتدئا : « يا أبا مهزم ، مالك والوالدة أغلظت في كلامها البارحة؟! أما علمت أنّ بطنها منزل قد سكنته ، وأنّ حجرها مهد قد غمزته ، وثديها وعاء قد شربته؟ » قلت : بلى ، قال : « فلا تغلظ لها » (1).

ومنها : ما روي عن يونس بن ظبيان والمفضّل بن عمر وأبي سلمة بن السراج والحسين بن ثوير بن أبي فاختة قالوا : كنّا عند أبي عبد اللّه علیه السلام فقال : « لنا خزائن الأرض ومفاتيحها ، لو شئت أن أقول بإحدى رجليّ أخرجي ما فيك من الذهب لأخرجت » ، قال : فقال بإحدى رجليه فخطّها في الأرض خطّا فانفجرت الأرض ، ثمّ قال بيده فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر فتناولها ، فقال : « انظروا فيها حسّا حسنا حتّى لا تشكّوا » ، ثمّ قال : « انظروا في الأرض » ، فإذا سبائك في الأرض كثيرة بعضها على بعض يتلألأ ، فقال له بعضنا : جعلت فداك أعطيتم كلّ هذا وشيعتكم محتاجون؟ فقال : « إنّ اللّه سيجمع لنا ولشيعتنا الدنيا والآخرة ، ويدخلهم جنّات النعيم ويدخل عدوّنا الجحيم » (2).

ومنها : ما روي عن جابر بن يزيد قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قوله تعالى : ( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (3) قال : كنت مطرقا إلى الأرض فرفع يده إلى فوق ، ثم قال لي : « ارفع رأسك » ، فرفعت رأسي فنظرت إلى السقف قد انفجر حتّى خلص بصري إلى نور ساطع ، حار بصري دونه ، قال : ثمّ قال لي : « رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض هكذا » ، ثمّ قال لي : « أطرق » ، فأطرقت ،

ص: 75


1- « بحار الأنوار » 47 : 72 ، ح 32 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 243 ، باب 11 ، ح 3.
2- المصدر السابق : 87 ، ح 88 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 374 ، باب 2 ، ح 1 ؛ و « الاختصاص » : 269.
3- الأنعام (6) : 75.

ثمّ قال لي : « ارفع رأسك » ، فرفعت رأسي فإذا السقف على حاله ، قال : ثمّ أخذ بيدي وقام وأخرجني من البيت الذي كنت فيه وأدخلني بيتا آخر ، فخلع ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا غيرها ، ثمّ قال : « غمّض بصرك » ، فغمّضت بصري ، وقال لي : « لا تفتح عينيك » ، فلبثت ساعة ، ثمّ قال لي : « أتدري أين أنت؟ » قلت : لا ، جعلت فداك ، فقال لي : « أنت في الظلمة التي سكنها ذو القرنين » ، فقلت له : جعلت فداك أتأذن لي أن أفتح عينيّ؟ فقال لي : « افتح فإنّك لا ترى شيئا » ، ففتحت عينيّ فإذا أنا في ظلمة لا أبصر فيها موضع قدمي ، ثمّ سار قليلا ووقف ، فقال لي : « هل تدري أين أنت؟ » قلت : لا ، قال : « أنت واقف على عين الحياة التي شرب منها الخضر علیه السلام » ، وخرجنا من ذلك العالم إلى عالم آخر فسلكنا فيه فرأينا كهيئة عالمنا في بنائه ومساكنه وأهله ، ثمّ خرجنا إلى عالم ثالث كهيئة الأوّل والثاني حتّى وردنا خمسة عوالم ، قال : ثم قال : « هذه ملكوت الأرض ولم يرها إبراهيم وإنّما رأى ملكوت السماوات وهي اثنا عشر عالما كلّ عالم كهيئة ما رأيت ، كلّما مضى منّا إمام سكن أحد هذه العوالم حتّى يكون آخرهم القائم في عالمنا الذي نحن ساكنوه ».

قال : ثمّ قال لي : « غضّ بصرك » ، فغضضت بصري ، ثمّ أخذ بيدي فإذا نحن في البيت الذي خرجنا منه ، فنزع تلك الثياب ولبس الثياب التي كانت عليه ، وعدنا إلى مجلسنا ، فقلت : جعلت فداك كم مضى من النهار؟ قال علیه السلام : « ثلاث ساعات » (1).

ومنها : ما روي عن المعلّى بن خنيس قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام في بعض حوائجي ، قال : فقال لي : « ما لي أراك كئيبا حزينا؟ » قال : فقلت : ما بلغني عن العراق من هذا الوباء ، أذكر عيالي ، قال : « فاصرف وجهك » ، فصرفت وجهي ، قال : ثمّ قال : « ادخل دارك » ، قال : فدخلت ، فإذا أنا لا أفقد من عيالي صغيرا ولا كبيرا إلاّ

ص: 76


1- المصدر السابق : 90 - 91 ، ح 96 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 404 - 405 ، باب 13 ، ح 4 ؛ و « الاختصاص » : 322 - 323.

وهو في داري بما فيها ، قال : ثمّ خرجت فقال لي : « اصرف وجهك » ، فصرفته فنظرت فلم أر شيئا (1).

ومنها : ما روي عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : كان معه أبو عبد اللّه البلخي في سفر ، فقال له : « انظر هل ترى هاهنا جبّا؟ » فنظر البلخي يمنة ويسرة ثمّ انصرف ، فقال : ما رأيت شيئا ، قال : « بلى انظر » ، فعاد أيضا ، ثمّ رجع إليه فقال : ما أرى شيئا ، ثمّ قال علیه السلام بأعلى صوته : « ألا أيّها الجبّ الزاخر السامع المطيع لربّه اسقنا ممّا جعل اللّه فيك » ، قال : فنبع منه أعذب ماء وأطيبه وأرقّه وأحلاه ، فقال له البلخي : جعلت فداك سنّة فيكم كسنّة موسى علیه السلام (2).

ومنها : ما روي عن سعد الإسكاف قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام ذات يوم إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا وألطاف ، وكان فيما أهدي إليه جراب من قديد وحش ، فنشره أبو عبد اللّه علیه السلام قال : « خذها فأطعمها الكلاب » ، قال الرجل : لم؟ قال : « ليس بذكيّ » ، فقال الرجل : اشتريته من رجل مسلم ، ثمّ ذكر أنّه ذكيّ ، فردّه أبو عبد اللّه علیه السلام في الجراب وتكلّم عليه بكلام لم أدر ما هو؟ ثمّ قال للرجل : « قم فأدخله ذلك البيت » ، ففعل فسمع القديد يقول : يا أبا عبد اللّه علیه السلام ، ليس مثلي يأكله الإمام ولا أولاد الأنبياء لست بذكيّ ، فحمل الرجل الجراب وخرج ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « أما علمت يا أبا هارون ، أنّا نعلم ما لا يعلم الناس؟ » قال : فخرج وألقاه على كلب لقيه (3).

ومنها : ما روي عن داود بن كثير الرقّي قال : دخلت على أبي عبد اللّه علیه السلام فدخل عليه موسى ابنه وهو ينتفض ، فقال له أبو عبد اللّه علیه السلام : « كيف أصبحت؟ » قال : « في

ص: 77


1- « بحار الأنوار » 47 : 91 - 92 ، ح 98 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » 406 - 407 ، باب 13 ، ح 8 ، ونقلا عن « الاختصاص » : 323.
2- المصدر السابق : 92 - 93 ، ح 103 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 512 - 513 ، باب 18 ، ح 28.
3- المصدر السابق : 95 ، ح 107 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 242 ، وعن « الخرائج والجرائح » 2 : 606 ، ح 1.

كنف اللّه متقلّبا في نعم اللّه ، أشتهي عنقود عنب حرشي ورمّانة » ، قلت : سبحان اللّه هذا الشتاء؟! فقال : « يا داود ، إنّ اللّه قادر على كلّ شيء ، ادخل البستان ».

فدخلت فإذا شجرة عليها عنقود من عنب حرشي ورمّانة ، فقلت : آمنت بسرّكم وعلانيتكم ، فقطعتهما وأخرجتهما إلى موسى فقعد يأكل ، فقال : « يا داود ، واللّه لهذا فضل من رزق قديم خصّ اللّه به مريم بنت عمران من الأفق الأعلى » (1).

ومنها : ما روي عن محمّد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام إذ دخل عليه المعلّى بن خنيس باكيا ، قال : « وما يبكيك؟ » قال : بالباب قوم يزعمون أن ليس لكم عليهم فضل وأنّكم وهم شيء واحد ، فسكت ، ثمّ دعا بطبق من تمر فحمل منه تمرة فشقّها نصفين وأكل التمر وغرس النوى في الأرض فنبتت فحملت بسرا ، وأخذ منها واحدة فشقّها وأخرج منه رقّا ودفعه إلى المعلّى ، وقال : « اقرأ » ، فإذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، عليّ المرتضى والحسن والحسين وعليّ بن الحسين واحدا واحدا إلى الحسن بن عليّ علیه السلام وابنه (2).

منها : ما روي عن يونس بن ظبيان قال : كنت عند الصادق علیه السلام مع جماعة فقلت : قول اللّه لإبراهيم : ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَ ) (3) أكانت أربعة من أجناس مختلفة أو من جنس واحد؟ قال : « أتحبّون أن أريكم مثله؟ » قلنا : بلى ، قال : « يا طاوس » ، فإذا طاوس طار إلى حضرته ، ثمّ قال : « يا غراب » ، فإذا غراب بين يديه ، ثمّ قال : « يا بازيّ » ، فإذا بازيّ بين يديه ، ثمّ قال : « يا حمامة » ، وإذا حمامة بين يديه ، ثمّ أمر بذبحها كلّها وتقطيعها ونتف ريشها ، وأن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض ، ثمّ أخذ برأس الطاوس فرأينا لحمه وعظامه وريشه يتميّز من غيرها حتّى التصق ذلك كلّه برأسه ، وقام الطاوس بين يديه حيّا ، ثمّ صاح بالغراب كذلك وبالبازي

ص: 78


1- المصدر السابق : 100 ، ح 119 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 2 : 617 ، ح 16.
2- المصدر السابق : 102 ، ح 125 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 2 : 624 ، ح 25.
3- البقرة (2) : 260.

والحمامة كذلك فقامت كلّها أحياء بين يديه (1).

ومنها : ما روي عن الرضا علیه السلام أنّه قال : « قال لي أبي موسى علیه السلام : كنت جالسا عند أبي إذ دخل عليه بعض أوليائنا ، فقال : بالباب ركب كثير يريدون الدخول عليك ، فقال لي : انظر إلى الباب ، فنظرت إلى جمال كثيرة عليها صناديق ورجل ركب فرسا ، فقلت : من الرجل؟ قال : رجل من السند والهند أردت الإمام جعفر بن محمّد علیهماالسلام ، فأعلمت والدي بذلك ، فقال : لا تأذن للنجس الخائن ، فأقام بالباب مدّة مديدة فلم يؤذن له حتّى شفع له يزيد بن سليمان فأذن له ، فدخل الهندي وجثا بين يديه ، فقال : أصلح اللّه الإمام أنا رجل من السند والهند من قبل ملكهما بعثني إليك بكتاب مختوم وكنت بالباب حولا لم تأذن لي فما ذنبي؟ أهكذا يفعل أولاد الأنبياء؟ قال : فطأطأ رأسه ، ثمّ قال : ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) (2) ، قال موسى علیه السلام : فأمرني أبي بأخذ الكتاب وفكّه فإذا فيه :

بسم اللّه الرحمن الرحيم ، إلى جعفر بن محمّد الطاهر من كلّ نجس ، من ملك الهند ، أمّا بعد فقد هداني اللّه على يديك ، وأنّه أهدي إليّ جارية ولم أر أحسن منها ولم أجد أحدا يستأهلها غيرك ، فبعثتها إليك مع شيء من الحلي والجوهر والطيب ، ثمّ جمعت وزرائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة ، واخترت من الألف مائة ، واخترت من المائة عشرة ، واخترت من العشر واحدا ، وهو ميزاب بن حباب ، لم أر أوثق منه فبعثت على يده هذه.

فقال جعفر علیه السلام : ارجع أيّها الخائن فما كنت بالذي أتقبّلها ؛ لأنّك خائن فيما ائتمنت عليه. فحلف أنّه ما خان ، فقال علیه السلام : إن شهد بعض ثيابك بما خنت تشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : أو تعفيني من ذلك ، قال : اكتب إلى

ص: 79


1- « بحار الأنوار » 47 : 111 ، ح 148 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 297 ، ح 4.
2- ص (38) : 88.

صاحبك بما فعلت ، قال الهندي : إن علمت شيئا فاكتب ، فكان عليه فروة فأمره بخلعها ، ثمّ قام الإمام فركع ركعتين ، ثمّ سجد ، قال موسى علیه السلام فسمعته في سجوده يقول :

اللّهمّ إنّي أسألك بمعاقد العزّ من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك أن تصلّي على محمّد عبدك ورسولك وأمينك في خلقك وآله ، وأن تأذن لفرو هذا الهندي أن يحكم بلسان عربيّ مبين يسمعه من في المجلس من أوليائنا ؛ ليكون ذلك عندهم آية من آيات أهل البيت فيزدادوا إيمانا مع إيمانهم.

ثمّ رفع رأسه فقال : أيّها الفرو تكلّم بما تعلم من الهندي ، فانتفضت الفروة وصارت كالكبش ، وقالت : يا ابن رسول اللّه ، ائتمنه الملك على هذه الجارية وما معها وأوصاه بحفظها ، حتّى صرنا إلى بعض الصحاري أصابنا المطر وابتلّ جميع ما معنا ، ثمّ احتبس المطر وطلعت الشمس ، فنادى خادما مع الجارية يخدمها يقال له : بشر ، وقال : لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام ، ودفع إليه دراهم ودخل الخادم المدينة ، فأمر ميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب قد نصب في الشمس ، فخرجت وكشفت عن ساقيها إذ كان في الأرض وحل ونظر هذا الخائن إليها فراودها عن نفسها فأجابته وفجر بها وخانك.

فخرّ الهندي فقال : ارحمني فقد أخطأت وأقرّ بذلك ، ثمّ صارت فروة كما كانت ، وأمره أن يلبسها ، فلمّا لبسها انضمّت في حلقه وخنقته حتّى اسودّ وجهه ، فقال الصادق علیه السلام : أيّها الفرو خلّ عنه حتّى يرجع إلى صاحبه فيكون هو أولى به منّا ، فانحلّ الفرو ، وقال الهندي : اللّه اللّه فيّ وأنّك إن رددت الهديّة خشيت أن ينكر ذلك عليّ فإنّه بعيد العقوبة ، فقال : أسلم أعطك الجارية ، فأبى ، فقبل الهديّة وردّ الجارية ، فلمّا رجع إلى الملك رجع الجواب إلى أبي بعد أشهر فيه مكتوب :

بسم اللّه الرحمن الرحيم ، إلى جعفر بن محمّد الإمام علیه السلام من ملك الهند ، أمّا بعد : فقد أهديت إليك جارية فقبلت منّي ما لا قيمة له ورددت الجارية ، فأنكر ذلك قلبي ،

ص: 80

وعلمت أنّ الأنبياء وأولاد الأنبياء معهم فراسة ، فنظرت إلى الرسول بعين الخيانة ، فاخترعت كتابا وأعلمته أنّه أتاني منك الخيانة وحلفت أنّه لا ينجيه إلاّ الصدق ، فأقرّ بما فعل وأقرّت الجارية بمثل ذلك وأخبرت بما كان من الفرو ، فتعجّبت من ذلك وضربت عنقها وعنقه وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، واعلم أنّي في أثر الكتاب ، فما قام إلاّ مدّة يسيرة حتّى ترك ملك الهند وأسلم وحسن إسلامه » (1).

ومنها : ما روي عن عليّ بن مهران ، عن داود بن كثير الرقّي قال : كنّا في منزل أبي عبد اللّه علیه السلام ونحن نتذاكر فضائل الأنبياء علیهم السلام فقال علیه السلام مجيبا لنا : « واللّه ما خلق اللّه نبيّا إلاّ ومحمّد أفضل منه » ، ثمّ خلع خاتمه ووضعه على الأرض وتكلّم بشيء فانصدعت الأرض وانفرجت بقدرة اللّه عزّ وجلّ ، فإذا نحن ببحر عجّاج في وسطه سفينة خضراء من زبرجدة خضراء في وسطها قبّة من درّة بيضاء ، حولها دار خضراء مكتوب عليها : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عليّ أمير المؤمنين علیه السلام بشّر القائم فإنّه يقاتل الأعداء ويغيث المؤمنين وينصره اللّه عزّ وجلّ بالملائكة في عدد نجوم السماء.

ثمّ تكلّم صلوات اللّه عليه بكلام فثار ماء البحر وارتفع مع السفينة ، فقال : « ادخلوها » ، فدخلنا القبّة التي في السفينة فإذا فيها أربعة كراسيّ من ألوان الجواهر ، فجلس هو على أحدها وأجلسني على واحد ، وأجلس موسى وإسماعيل علیهماالسلام كلّ واحد منهما على كرسيّ ، ثمّ قال علیه السلام للسفينة : « سيري بقدرة اللّه تعالى » ، فسارت في بحر عجّاج بين جبال الدرّ واليواقيت ، ثمّ أدخل يده في البحر وأخرج دررا وياقوتا فقال : « يا داود ، إن كنت تريد الدنيا فخذ حاجتك » ، فقلت : يا مولاي ، لا حاجة لي في الدنيا ، فرمى به في البحر ، وغمس يده في البحر وأخرج مسكا وعنبرا فشمّه وشمّني وشمّم موسى وإسماعيل علیهماالسلام ، ثمّ رمى به في البحر وسارت السفينة حتّى انتهينا إلى جزيرة عظيمة ، فيما بين ذلك البحر وإذا فيها قباب من الدرّ الأبيض مفروشة

ص: 81


1- « بحار الأنوار » 47 : 113 - 115 ، ح 150 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 299 - 300 ، ح 6.

بالسندس والإستبرق ، عليها ستور الأرجوان محفوفة بالملائكة ، فلمّا نظروا إلينا أقبلوا مذعنين له بالطاعة مقرّين له بالولاية ، فقلت : مولاي لمن هذه القباب؟ فقال : « للأئمّة من ذرّيّة محمّد صلی اللّه علیه و آله كلّما قبض إمام فصار إلى هذا الموضع إلى الوقت المعلوم الذي ذكره اللّه تعالى ».

ثمّ قال علیه السلام : « قوموا بنا حتّى نسلّم على أمير المؤمنين علیه السلام » ، فقمنا وقام ووقفنا بباب إحدى القباب المزيّنة وهي أجلّها وأعظمها وسلّمنا على أمير المؤمنين علیه السلام وهو قاعد فيها ، ثمّ عدل إلى قبّة أخرى وعدلنا معه فسلّم وسلّمنا على الحسن بن عليّ علیهماالسلام ، وعدلنا إلى قبّة بإزائها وسلّمنا على الحسين بن عليّ علیهماالسلام ، ثمّ على عليّ بن الحسين علیهماالسلام ثمّ على محمّد بن عليّ علیهماالسلام كلّ واحد منهم في قبّة مزيّنة مزخرفة.

ثمّ عدل إلى بنيّة بالجزيرة وعدلنا معه وإذا فيها قبّة عظيمة من درّة بيضاء مزيّنة بفنون الفرش والستور ، وإذا فيها سرير من ذهب مرصّع بأنواع الجواهر ، فقلت : يا مولاي ، لمن هذه القبّة؟ فقال : « للقائم منّا أهل البيت صاحب الزمان صلوات اللّه عليه وآله »!.

ثمّ أومأ بيده وتكلّم بشيء وإذا نحن فوق الأرض بالمدينة في منزل أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام وأخرج خاتمه وختم الأرض بين يديه فلم أر فيها صدعا ولا فرجة (1).

فصل [6] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي إبراهيم موسى الكاظم صلوات اللّه وسلامه عليه

وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن محمّد بن الفضل قال : اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح

ص: 82


1- « بحار الأنوار » 47 : 159 - 160 ، ح 227 ، نقلا عن « عيون المعجزات » : 86 - 87.

الرجلين في الوضوء ، هو من الأصابع إلى الكعبين ، أم هو من الكعبين إلى الأصابع؟ فكتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى علیه السلام : إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء اللّه ، فكتب إليه أبو الحسن علیه السلام : « فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا ، وتستنشق ثلاثا ، وتغسل وجهك ، وتخلّل شعر لحيتك ، وتغسل يديك إلى المرفقين ثلاثا ، وتمسح رأسك كلّه ، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ، ولا تخالف ذلك إلى غيره ».

فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجّب بما رسم فيه ممّا أجمع العصابة على خلافه ، ثمّ قال : مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره ، وكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن علیه السلام .

وسعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد ، وقيل : إنّه رافضيّ مخالف لك ، فقال الرشيد لبعض خاصّته : قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين والقرف له بخلافنا وميله إلى الرفض ، ولست أرى في خدمته لي تقصيرا وقد امتحنته مرارا فما ظهر منه عليّ ما يقرف به ، وأحبّ أن استبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرّز منّي.

فقيل له : إنّ الرافضة يا أمير المؤمنين ، تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه ولا ترى غسل الرجلين ، فامتحنه يا أمير المؤمنين ، من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه.

فقال : أجل ، إنّ هذا الوجه يظهر به أمره ، ثمّ تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء للوضوء فتمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وخلّل شعر لحيته ، وغسل يديه إلى المرفقين

ص: 83

ثلاثا ، ومسح رأسه وأذنيه ، وغسل رجليه والرشيد ينظر إليه ، فلمّا رآه وقد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب يا عليّ بن يقطين ، من زعم أنّك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده وورد عليه كتاب أبي الحسن علیه السلام « ابتداء من الآن يا عليّ بن يقطين ، فتوضّأ كما أمر اللّه ، واغسل وجهك مرّة فريضة وأخرى إسباغا ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كان يخاف عليك والسّلام » (1).

ومنها : ما روي عن عليّ بن يقطين قال : كنت واقفا عند هارون الرشيد إذ جاءته هدايا ملك الروم وكان فيها درّاعة (2) ديباج سوداء منسوجة بالذهب لم أر أحسن منها ، فرآني أنظر إليها فوهبها لي وبعثتها إلى أبي إبراهيم علیه السلام ، ومضت عليها برهة تسعة أشهر وانصرفت يوما من عند هارون بعد أن تغدّيت بين يديه ، فلمّا دخلت داري قام إليّ خادمي - الذي يأخذ ثيابي - بمنديل على يده وكتاب لطيف ختمه رطب ، فقال : أتاني بهذا رجل الساعة ، فقال : أوصله إلى مولاك ساعة يدخل ، ففضضت الكتاب وإذا به كتاب مولاي أبي إبراهيم علیه السلام وفيه : « يا عليّ ، هذا وقت حاجتك إلى الدرّاعة وقد بعثت بها إليك » ، فكشفت طرف المنديل عنها ورأيتها وعرفتها.

ودخل عليّ خادم هارون بغير إذن فقال : أجب أمير المؤمنين ، قلت : أيّ شيء حدث؟ قال : لا أدري ، فركبت ودخلت عليه وعنده عمر بن بزيع واقفا بين يديه فقال : ما فعلت الدرّاعة التي وهبتك؟

قلت : خلع أمير المؤمنين عليّ كثيرة من دراريع وغيرها فعن أيّها يسألني؟

قال : درّاعة الديباج السوداء الروميّة المذهّبة.

ص: 84


1- « بحار الأنوار » 48 : 38 - 39 ، ح 14 ، نقلا عن « الإرشاد » للمفيد 2 : 227 - 229 ، و « مناقب آل أبي طالب » 4 : 313 ، و « إعلام الورى » للطبرسي 2 : 21 - 22.
2- ثوب من صوف يتدرّع به. والدرّاعة واحدة الدراريز. « مجمع البحرين » 4 : 324 « درع ».

فقلت : ما عسى أن أصنع بها ألبسها في أوقات وأصلّي فيها ركعات ، وقد كنت دعوت بها عند منصرفي من دار أمير المؤمنين الساعة لألبسها.

فنظر إلى عمر بن بزيع فقال : قل له يحضرها ، فأرسلت خادمي جاء بها ، فلمّا رآها فقال : يا عمر ، ما ينبغي أن تنقل على عليّ بعد هذا شيئا ، قال : فأمر لي بخمسين ألف درهم حملت مع الدرّاعة إلى داري.

قال عليّ بن يقطين : وكان الساعي ابن عمّ لي ، فسوّد اللّه وجهه وكذّبه والحمد لله (1).

ومنها : ما روي عن عليّ بن يقطين قال : استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر علیهماالسلام ويقطعه ويخجله في المجلس ، فانتدب له رجل معزم فلمّا أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز ، فكان كلّما رام خادم أبي الحسن علیه السلام تناول رغيفا من الخبز طار من بين يديه ، واستفزّ هارون الفرح والضحك لذلك.

فلم يلبث أبو الحسن علیه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور ، فقال له : « يا أسد اللّه ، خذ عدوّ اللّه » ، قال : فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترست ذلك المعزم ، فخرّ هارون وندماؤه على وجوههم مغشيّا عليهم وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه ، فلمّا أفاقوا من ذلك بعد حين قال هارون لأبي الحسن علیه السلام : أسألك بحقّي عليك لمّا سألت الصورة أن تردّ الرجل ، فقال : « إن كانت عصا موسى ردّت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيّهم فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل » ، فكان ذلك من أعمل الأشياء في إفاقة نفسه (2).

ومنها : ما روي عن عليّ بن المغيرة قال : مرّ العبد الصالح علیه السلام بامرأة بمنى وهي تبكي وصبيانها حولها يبكون وقد ماتت بقرة لها ، فدنا منها ثمّ قال لها : « ما يبكيك

ص: 85


1- « بحار الأنوار » 48 : 59 - 60 ، ح 72 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 2 : 656 - 657 ، ح 9.
2- « بحار الأنوار » 48 : 41 - 42 ، ح 17 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 148 ، ح 19.

يا أمة اللّه؟ »

قالت : يا عبد اللّه ، إنّ لي صبيانا أيتاما فكانت لي بقرة ، منها معيشتي ومعيشة صبياني ، فقد ماتت وبقيت منقطعة بي وبولدي ولا حيلة لنا.

فقال لها : « يا أمة اللّه ، هل لك أن أن أحييها لك؟ » قال : فألهمت أن قالت : نعم يا عبد اللّه ، قال : « فتنحّى ناحية » ، فصلّى ركعتين ، ثمّ رفع يديه يمنة وحرّك شفتيه ثم قام فمرّ بالبقرة فنخسها (1) نخسا وضربها برجله ، فاستوت على الأرض قائمة ، فلمّا نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت صاحت : عيسى بن مريم وربّ الكعبة ، قال : فخالط الناس وصار بينهم صلّى اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين (2).

ومنها : ما روي عن المفضّل بن عمر قال : لمّا قضى الصادق علیه السلام كانت وصيّته في الإمامة إلى موسى الكاظم علیه السلام فادّعى أخوه عبد اللّه الإمامة ، وكان أكبر ولد جعفر علیه السلام في وقته ذلك ، وهو المعروف بالأفطح ، فأمر موسى بجمع حطب كثير في وسط داره ، فأرسل إلى أخيه عبد اللّه يسأله أن يصير إليه ، فلمّا صار عنده ومع موسى جماعة من وجوه الإماميّة فلمّا جلس إليه أخوه عبد اللّه ، أمر موسى أن يجعل النار في ذلك الحطب كلّه فاحترق كلّه ، ولا يعلم الناس السبب فيه حتّى صار الحطب كلّه جمرا ، ثمّ قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدّث الناس ساعة ، ثمّ قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس.

فقال لأخيه عبد اللّه : « إن كنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس » ، فقالوا : فرأينا عبد اللّه تغيّر لونه فقام يجرّ رداءه حتّى خرج من دار موسى علیه السلام (3).

وفي رواية هشام بن الحكم قال علیه السلام له : « يا أخي ، إن كنت صاحب هذا الأمر فهلمّ

ص: 86


1- نخسها أي دفعها.
2- « بحار الأنوار » 48 : 55 - 56 ، ح 62 ، نقلا عن « الكافي » 1 : 485 ، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر ، ح 6.
3- المصدر السابق 47 : 251 ، ح 22 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 308 - 310 ، ح 2.

يدك فأدخلها النار » ، وكان حفر حفيرة وألقى فيها حطبا وضربها بنفط ونار ، فلم يفعل عبد اللّه ، وأدخل أبو الحسن علیه السلام يده في تلك الحفيرة ولم يخرجها من النار إلاّ بعد احتراق الحطب وهو يمسحها (1).

ومنها : ما روي عن اسحاق بن منصور ، عن أبيه ، قال : سمعت موسى بن جعفر علیه السلام يقول ناعيا إلى رجل من الشيعة نفسه ، فقلت في نفسي : وإنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ، فالتفت إليّ فقال : « اصنع ما أنت صانع فإنّ عمرك قد فني وقد بقي منه دون سنتين وكذلك أخوك ، ولا يمكث بعدك إلاّ شهرا واحدا حتّى يموت ، وكذلك عامّة أهل بيتك ويتشتّت كلّهم ويتفرّق جمعهم ويشمت بهم أعداؤهم وهم يصيرون رحمة لإخوانهم ، أكان هذا في صدرك؟ ».

فقلت : أستغفر اللّه ممّا في صدري ، فلم يستكمل منصور سنتين حتّى مات ومات بعده بشهر أخوه ، ومات عامّة أهل بيته وأفلس بقيّتهم وتفرّقوا حتّى احتاج من بقي منهم إلى الصدقة (2).

ومنها : ما روي عن عليّ بن أبي حمزة قال : أخذ بيدي موسى بن جعفر علیه السلام يوما فخرجنا من المدينة إلى الصحراء ، فإذا نحن برجل مغربي على الطريق يبكي وبين يديه حمار ميّت ورحله مطروح ، فقال له موسى علیه السلام : « ما شأنك؟ ».

قال : كنت مع رفقائي نريد الحجّ فمات حماري هاهنا وبقيت ومضى أصحابي ، وقد بقيت متحيّرا ليس لي شيء أحمل عليه ، فقال موسى علیه السلام : « لعلّه لم يمت » ، قال : أما ترحمني حتّى تلهو بي!.

قال : « إنّ عندي رقية جيّدة » ، قال الرجل : ليس ما يكفيني ما أنا فيه حتّى تستهزئ بي.

ص: 87


1- « بحار الأنوار » 48 : 65 - 66 ، ح 85 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 325 ، ح 17.
2- المصدر السابق : 68 ، ح 90 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 310.

فدنا موسى علیه السلام من الحمار ونطق بشيء لم أسمعه ، وأخذ قضيبا كان مطروحا فضربه فصاح عليه فوثب الحمار صحيحا سليما ، فقال : « يا مغربي ، ترى هاهنا شيئا من الاستهزاء ، فألحق بأصحابك » ، ومضينا وتركناه.

قال عليّ بن أبي حمزة : فكنت واقفا يوما على بئر زمزم بمكّة فإذا المغربي هناك ، فلمّا رآني عدا إليّ وقبّل يدي فرحا مسرورا ، فقلت له : ما حال حمارك؟

فقال : هو واللّه سليم صحيح ، وما أدري من أين ذلك الرجل الذي منّ اللّه به عليّ فأحيا لي حماري بعد موته.

فقلت له : قد بلغت حاجتك فلا تسأل عمّا لا تبلغ معرفته (1).

ومنها : ما روي عن شقيق البلخي إنّه قال : خرجت حاجّا في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلت القادسية ، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه ، شديد السمرة ، ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف ، مشتمل بشملة ، في رجليه نعلان وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلاّ على الناس في طريقهم ، واللّه لأمضينّ إليه ولاوبّخنّه ، فدنوت منه فلمّا رآني مقبلا : قال : « يا شقيق ، ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ، (2) » ثمّ تركني ومضى ، فقلت في نفسي : إنّ هذا الأمر عظيم ، قد تكلّم بما في نفسي ونطق باسمي ، وما هذا إلاّ عبد صالح ، لألحقنّه ولأسألنّه أن يحلّلني ، فأسرعت في أثره فلم ألحقه ، وغاب عن عيني.

فلمّا نزلنا واقصة (3) وإذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري ، فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحلّه ، فصبرت حتّى جلس وأقبلت نحوه فلمّا رآني مقبلا

ص: 88


1- المصدر السابق : 71 ، ح 95 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 314.
2- الحجرات (49) : 12.
3- واقصة : منزل بطريق مكّة.

قال : « يا شقيق ، اتل ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ، (1) » ثمّ تركني ومضى حتّى غاب ، فقلت : إنّ هذا الفتى لمن الأبدال ، لقد تكلّم على سرّي مرّتين.

فلمّا نزلنا زبالة (2) إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة (3) يريد أن يستقي ماء ، فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه ، فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول :

أنت ربّي إذا ظمئت إلى الماء *** وقوتي إذا أردت الطعاما

اللّهمّ يا سيّدي ما لي غيرها فلا تعدمنيها

قال شقيق : فو اللّه رأيت البئر قد ارتفع ماؤها فمدّ يده وأخذ الركوة وملأها ماء فتوضّأ وصلّى أربع ركعات ، ثمّ مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحرّكه ويشرب. فأقبلت إليه وسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام ، فقلت : أطعمني من فضل ما أنعم اللّه عليك ، فقال : « يا شقيق ، لم تزل نعمة اللّه علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنّك بربّك » ، ثمّ ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر ، فو اللّه ما شربت قطّ ألذّ منه ولا أطيب ريحا ، فشبعت ورويت وأقمت أيّاما لا أشتهي طعاما ولا شرابا.

ثمّ لم أره حتّى دخلنا مكّة فرأيته ليلة إلى جنب قبّة الشراب في نصف الليل قائما يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ، فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل ، فلمّا رأى الفجر جلس في مصلاّه يسبّح ، ثمّ قام فصلّى الغداة وطاف بالبيت أسبوعا وخرج ، فتبعته وإذا له غاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ، ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه ، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه : من هذا الفتى؟

فقال : هذا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن

ص: 89


1- طه (20) : 82.
2- زبالة : منزلة من منازل طريق مكّة.
3- الركوة : تكون من أدم يسقى فيها ويحلب ويتوضّأ ، والجمع : الركوات والرّكاء. كتاب « العين » 1 : 3. ( ر ك و).

عليّ بن أبي طالب علیهم السلام .

فقلت : قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيّد ، ولقد نظم بعض المتقدّمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة (1).

ومنها : ما روي عن داود الرقّي قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : حدّثني عن أعداء أمير المؤمنين علیه السلام وأهل بيت النبوّة صلی اللّه علیه و آله .

فقال : « الحديث أحبّ إليك أم المعاينة؟ » قلت : المعاينة ، فقال لأبي إبراهيم موسى علیه السلام : « ائتني بالقضيب » ، فمضى وأحضره إيّاه ، فقال له : « يا موسى ، اضرب به الأرض ضربة » ، فضربها فانشقّ الأرض عن بحر أسود ، ثمّ ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء ، فضرب الصخرة فانفتح منها باب ، فإذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرتهم ووجوههم مسودّة وأعينهم زرق ، كلّ واحد منهم مصفّد مشدود في جانب من الصخرة وهم ينادون : يا محمّد ، والزبانية تضرب وجوههم ويقولون لهم : كذبتم ليس محمّد لكم ولا أنتم له.

فقلت له : جعلت فداك من هؤلاء؟ فقال : « الجبت والطاغوت والرجس واللعين ابن اللعين » ، ولم يزل يعدّدهم كلّهم من أوّلهم إلى آخرهم حتّى أتى على أصحاب السقيفة وأصحاب الفتنة وبني الأزرق والأوزاع وبني أميّة جدّد اللّه عليهم العذاب بكرة وأصيلا » ، ثمّ قال علیه السلام للصخرة : « انطبقي عليهم إلى الوقت المعلوم » (2).

ومنها : ما روي عن الفضل بن ربيع ورجل آخر قالا : حجّ هارون الرشيد وابتدأ بالطواف ومنعت العامّة من ذلك ؛ لينفرد وحده ، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت وجعل يطوف معه ، فقال الحاجب : تنحّ يا هذا عن وجه الخليفة ، فانتهرهم الأعرابيّ وقال : « إنّ اللّه ساوى بين الناس في هذا الموضع ، فقال : ( سَواءً الْعاكِفُ

ص: 90


1- « بحار الأنوار » 48 : 80 - 82 ، ح 102 ، نقلا عن « كشف الغمّة » 2 : 214 ، في مناقب الإمام الكاظم علیه السلام .
2- « بحار الأنوار » 48 : 84 ، ح 104 ، نقلا عن « عيون المعجزات » : 89 - 90.

فِيهِ وَالْبادِ ) ، (1) » فأمر الحاجب بالكفّ عنه ، فكلّما طاف الرشيد طاف الأعرابيّ أمامه ، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبّله فسبقه الأعرابيّ إليه والتثمه ، ثمّ صار الرشيد إلى المقام ليصلّي فيه فصلّى الأعرابيّ أمامه ، فلمّا فرغ هارون من صلاته استدعى الأعرابي فقال الحجّاب : أجب أمير المؤمنين.

فقال : « ما لي إليه حاجة فأقوم إليه ، بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إليّ أولى » ، قال : صدق ، فمشى إليه وسلّم عليه فردّ علیه السلام ، فقال هارون : أجلس يا أعرابيّ؟ فقال : « ما الموضع لي ولك فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنّما هو بيت اللّه نصبه لعباده ، فإن أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف » ، فجلس هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك؟! قال : « نعم وفيّ مستمع ».

قال : فإنّي سائلك فإن عجزت آذيتك. قال : « سؤالك هذا سؤال متعلّم أو سؤال متعنّت؟ » قال : بل سؤال متعلّم قال : « اجلس مكان السائل من المسئول وسل وأنت مسئول ».

فقال هارون : أخبرني ما فرضك؟ قال : « إنّ الفرض واحد ، وخمسة ، وسبعة عشر ، وأربعة وثلاثون ، وأربعة وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون ، على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومن أربعين واحد ، ومن مائتين خمس ، ومن الدهر كلّه واحد ، وواحد بواحد ».

قال : فضحك الرشيد ، فقال : ويحك أسألك عن فرضك وأنت تعدّ عليّ الحساب؟ قال : « أما علمت أنّ الدين كلّه حساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتّخذ اللّه للخلائق حسابا ، ثمّ قرأ ( وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) (2) ».

قال : فبيّن لي ما قلت ، وإلاّ أمرت بقتلك بين الصفا والمروة ، فقال الحاجب : تهبه

ص: 91


1- الحجّ (22) : 25.
2- الأنبياء (21) : 47.

لله ولهذا المقام قال : فضحك الأعرابي من قوله ، فقال الرشيد : ممّا ضحكت يا أعرابي؟ قال : « تعجّبا منكما ؛ إذ لا أدري من الأجهل منكما : الذي يستوهب أجلا قد حضر ، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر؟ ».

فقال الرشيد : فسّر ما قلت؟

فقال : « أمّا قولي : الفرض واحد ، فدين الإسلام كلّه واحد ، وعليه خمس صلوات وهي سبع عشرة ركعة وأربع وثلاثون سجدة وأربع وتسعون تكبيرة ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة.

وأمّا قولي : من اثني عشر واحد ، فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا.

وأمّا قولي : من الأربعين واحد ، فمن ملك أربعين دينارا أوجب اللّه عليه دينارا.

وأمّا قولي : من مائتين خمسة ، فمن ملك مائتي درهم أوجب اللّه عليه خمسة دراهم.

وأمّا قولي : فمن الدهر كلّه واحد فحجّة الإسلام.

وأمّا قولي : واحد من واحد ، فمن أهرق دما من غير حقّ وجب إهراق دمه ، قال اللّه تعالى ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (1) ».

فقال الرشيد : لله درّك ، وأعطاه بدرة ، قال : « فبما استوجبت منك هذه البدرة يا هارون ، بالكلام أو بالمسألة؟ ».

قال : بل بالكلام.

قال : « فإنّي أسألك عن مسألة فإن أنت أتيت بها كانت البدرة لك تصدّق بها في هذا الموضع الشريف ، وإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدّق بها على فقراء الحيّ من قومي » ، فأمر بإيراد أخرى وقال : سل عمّا بدا لك ، فقال : « أخبرني عن الخنفساء تزقّ أم ترضع ولدها ».

ص: 92


1- المائدة (5) : 45.

فحرد (1) هارون وقال : ويحك يا أعرابي ، مثلي من يسأل عن هذه المسألة؟

فقال : « سمعت ممّن سمع من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم ، وأنت إمام هذه الأمّة يجب أن لا تسأل عن شيء من أمر دينك ومن الفرائض إلاّ أجبت عنها ، فهل عندك له الجواب؟ ».

قال هارون : رحمك اللّه لا ، فبيّن لي ما قلته وخذ البدرتين.

فقال : « إنّ اللّه تعالى لمّا خلق الأرض خلق دبابات الأرض التي من غير فرث ودم ، خلقها من التراب وجعل عيشها ورزقها منه ، فإذا فارق الجنين أمّه لم تزقّه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب ».

فقال هارون : واللّه ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة.

وأخذ الأعرابي البدرتين وخرج ، وتبعه بعض الناس وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمّد علیهم السلام ، فأخبر هارون بذلك ، فقال : واللّه لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة (2).

فصل [7] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا علیهماالسلام

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي أنّه لمّا جعل المأمون الرضا علیه السلام وليّ عهده وأقامه خليفة من بعده ، كان في حاشية المأمون أناس كرهوا ذلك ، وخافوا خروج الخلافة عن بني العبّاس وردّها إلى بني فاطمة - على الجميع السّلام - فحصل عندهم من الرضا علیه السلام نفور ، وكان عادة الرضا علیه السلام إذا جاء إلى دار المأمون ليدخل عليه ، يبادر من بالدهليز من

ص: 93


1- حرد : تنحّى وتحوّل.
2- « بحار الأنوار » 48 : 141 - 143 ، ح 18 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 336 - 338.

الحاشية إلى السلام عليه ورفع الستر بين يديه ليدخل ، فلمّا حصلت لهم النفرة عنه تواصوا فيما بينهم ، وقالوا : إذا جاء ليدخل على الخليفة أعرضوا عنه ولا ترفعوا الستر له ، فاتّفقوا على ذلك.

فبينا هم قعود إذ جاء الرضا علیه السلام على عادته ، فلم يملكوا أنفسهم أن سلّموا عليه ورفعوا الستر على عادتهم ، فلمّا دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون كونهم ما وقفوا على ما اتّفقوا عليه ، وقالوا : النوبة الآتية إذا جاء لا نرفعه له ، فلمّا كان في ذلك اليوم جاء فقاموا وسلّموا عليه ووقفوا ولم يبتدروا إلى رفع الستر ، فأرسل اللّه ريحا شديدة دخلت في الستر فرفعته أكثر ممّا كانوا يرفعونه ثمّ دخل فسكنت الريح فعاد إلى ما كان ، فلمّا خرج عادت الريح ودخلت في الستر فرفعته حتّى خرج ثمّ سكنت فعاد الستر.

فلمّا ذهب أقبل بعضهم على بعض وقالوا : هل رأيتم؟ قالوا : نعم ، فقال بعضهم لبعض : يا قوم ، هذا رجل له عند اللّه منزلة ولله به عناية ، ألم تروا أنّكم لمّا لم ترفعوا له الستر أرسل اللّه الريح وسخّرها له لرفع الستر كما سخّرها لسليمان ، فارجعوا إلى خدمته فهو خير لكم ، فعادوا إلى ما كانوا عليه وزادت عقيدتهم فيه (1).

ومنها : ما روي أنّه كان بخراسان امرأة تسمّى زينب ، فادّعت أنّها علويّة من سلالة فاطمة علیهاالسلام ، وصارت تصول على أهل خراسان بنسبها ، فسمع بها عليّ الرضا علیه السلام فلم يعرف نسبها ، فأحضرت إليه فردّ نسبها ، وقال : « هذه كذّابة » ، فسفهت عليه وقالت : كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك.

فأخذته الغيرة العلويّة فقال علیه السلام لسلطان خراسان وكان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين ، يسمّى ذلك الموضع بركة السباع ، فأخذ الرضا علیه السلام بيد تلك المرأة وأحضرها عند ذلك السلطان وقال : « هذه

ص: 94


1- « بحار الأنوار » 49 : 60 - 61 ، ح 79 ، نقلا عن « كشف الغمّة » 2 : 260.

كذّابة على عليّ وفاطمة علیهماالسلام وليست من نسلهما فإنّ من كان حقّا بضعة من عليّ وفاطمة علیهماالسلام فإنّ لحمه حرام على السباع ، فألقوها في بركة السباع ، فإنّ السباع لا تقربها إن كانت صادقة ، وإن كانت كاذبة فتفترسها السباع ».

فلمّا سمعت ذلك منه قالت : فأنزل أنت إلى السباع ، فإن كنت صادقا فإنّها لا تقربك ولا تفترسك. فلم يكلّمها وقام ، فقال له ذلك السلطان : إلى أين؟ قال : « إلى بركة السباع ، واللّه لأنزلنّ إليها » ، فقام السلطان والناس والحاشية وجاءوا وفتحوا باب البركة فنزل الرضا علیه السلام والناس ينظرون ، فلمّا حصل بين السباع أقعت إلى الأرض على أذنابها ، وصار يأتي إلى واحد واحد يمسح وجهه ورأسه وظهره والسبع يبصبص له هكذا إلى أن أتى على الجميع ، ثمّ طلع والناس يبصرونه ، فقال لذلك السلطان : « أنزل هذه الكذّابة على عليّ وفاطمة علیهماالسلام ليتبيّن لك » ، فامتنعت ، فألزمها ذلك السلطان وأمر أعوانه بإلقائها ، فمذ رآها السباع وثبوا إليها وافترسوها ، فاشتهر اسمها بخراسان بزينب الكذّابة ، وحديثها هناك مشهور (1).

ومنها : ما روي عن عليّ بن محمّد القاشاني قال : أخبرني بعض أصحابنا أنّه حمل إلى الرضا علیه السلام مالا له خطر فلم أره سرّ به ، فاغتممت لذلك وقلت في نفسي : قد حملت مثل هذا المال وما سرّ به ، فقال : « يا غلام ، الطست والماء » ، وقعد على كرسي وقال للغلام : « صبّ عليّ الماء » ، فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب ، ثمّ التفت إليّ وقال : « من كان هكذا لا يبالي بالذي حمل إليه » (2).

ومنها : ما روي عن الريّان بن الصلت قال : لمّا أردت الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرضا علیه السلام ، فقلت في نفسي : إذا ودّعته سألته قميصا من ثياب جسده لأكفّن به ، ودراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم ، فلمّا ودّعته شغلني البكاء

ص: 95


1- « بحار الأنوار » 49 : 61 - 62 ، ذيل ح 79 ، نقلا عن « كشف الغمّة » 2 : 260 - 261.
2- المصدر السابق : 63 ، ح 80 ، نقلا عن « كشف الغمّة » 2 : 303.

والأسى على فراقه عن مسألتي ذلك ، فلمّا خرجت من بين يديه صاح بي : « يا ريّان ، ارجع » ، فرجعت ، فقال لي : « أما تحبّ أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفّن فيه إذا أفنى أجلك؟ أو ما تحبّ أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم؟ » فقلت : يا سيّدي ، قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغمّ بفراقك ، فرفع علیه السلام الوسادة وأخرج قميصا فدفعه إليّ ، ورفع جانب المصلّى فأخرج دراهم فدفعها إليّ فعددتها فكانت ثلاثين درهما (1).

ومنها : ما روي أنّه لمّا جعل علیه السلام وليّ العهد ، فحبس المطر مدّة ، وقيل : إنّ ذلك باعتبار أنه جعل وليّ العهد ، فاستدعي منه علیه السلام الدعاء لنزول المطر ، ودعا يوم الاثنين وجاءت عشر سحابات وعبرت ويقول علیه السلام في كلّ واحد : « ليست هذه لكم إنّما هي لأهل بلد كذا » ، ثمّ أقبلت سحابة حادية عشرة ، فقال : « هذا لكم فاشكروا اللّه عزّ وجلّ على تفضّله عليكم » ، ثمّ جاءت بوابل المطر فملأت الأودية والحياض والغدران فتكلّم حسّاده علیه السلام فيه ، وطعنوا المأمون بفعله ، وجعله وليّ عهده ، وقالوا : إنّك أخرجت الخلافة وهذا الشرف من بني العبّاس إلى بني فاطمة علیهاالسلام وأنّه ساحر ولد السحرة.

فقال - عليه اللعنة - مجيبا : قد كان هذا الرجل مستترا يدعو إلى نفسه ، فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه لنا ، وليعترف بالملك والخلافة لنا ، وقد خشينا أن تركناه على تلك الحال أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه ، ويأتي علينا منه ما لا نطيقه ، والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا وأخطأنا في أمره بما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك على ما أشرفنا ، فليس يجوز التهاون في أمره ، ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتّى نصوّره عند الرعيّة بصورة من لا يستحقّ لهذا الأمر ، ثمّ ندبّر فيه بما يحسم عنّا موادّ بلائه.

ص: 96


1- المصدر السابق : 35 - 36 ، ح 16 ، نقلا عن « عيون أخبار الرضا » 2 : 229 ، ح 17.

قال الرجل : يا أمير المؤمنين ، فولّني مجادلته فإنّي أفحمه وأصحابه وأضع من قدره فلولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته وبيّنت للناس قصوره ، قال المأمون ما شيء أحبّ إليّ من هذا. قال : فاجمع وجوه أهل مملكتك والقوّاد والقضاة وخيار الفقهاء لأبيّن نقصه بحضرتهم.

فجمع الناس في مجلس واسع قعد فيه لهم ، وأقعد الرضا علیه السلام بين يديه في المرتبة التي جعلها له ، فابتدأ الرجل [ المتضمّن للوضع من الرضا علیه السلام (1) ] وقال له : إنّ الناس قد أكثروا عنك الحكايات وأسرفوا في وصفك بما أرى أنّك برئت منه : فأوّل ذلك أنّك دعوت اللّه في المطر المعتاد مجيؤه فجاء فجعلوه آية لك معجزة ، أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا ، وهذا أمير المؤمنين - أدام اللّه ملكه وبقاءه - لا يوازن بأحد إلاّ رجّح ، وقد أحلّك المحلّ الذي عرفت ، فليس من حقّه عليك أن تسوّغ الكاذبين لك وعليه ما يتكذّبونه.

فقال الرضا علیه السلام : « ما أدفع عباد اللّه عن التحدّث بنعم اللّه عليّ وإن كنت لا أبغي أشرا ولا بطرا ، وأمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني ، فما أحلّني إلاّ المحلّ الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصدّيق علیه السلام وكانت حالهما ما قد علمت ».

فغضب الرجل عند ذلك ، فقال : يا ابن موسى ، لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث اللّه تعالى بمطر مقدّر وقته لا يتقدّم ولا يتأخّر جعلته آية تستطيل بها ، وصولة تصول بها ، كأنّك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم علیه السلام لمّا أخذ رءوس الطيور بيده ، ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال ، وأتينه سعيا وطرن بإذن اللّه عزّ وجلّ ، فإن كنت صادقا فيما توهّم فأحي هذين وسلّطهما عليّ فإنّ ذلك يكون حينئذ آية معجزة ، فأمّا المطر المعتاد مجيؤه فلست أحقّ بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت ، وكان الرجل قد أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه ، وكانا متقابلين على المسند.

ص: 97


1- أضفناه من المصدر.

فغضب عليّ بن موسى الرضا علیه السلام وصاح بالصورتين : « دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا » ، فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدين فتناولا الرجل وعضّاه ورضّاه وهشماه وأكلاه ولحسا دمه ، والقوم ينظرون متحيّرين ممّا يبصرون ، فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا علیه السلام ، وقالا : يا وليّ اللّه ، في أرضه ما ذا تأمرنا نفعل بهذا أنفعل به فعلنا بهذا؟ يشيران إلى المأمون ، فغشي على المأمون ممّا سمع منهما ، فقال الرضا علیه السلام : « قفا » ، فوقفا ، ثمّ قال الرضا علیه السلام : « صبّوا عليه ماء ورد وطيّبوه » ، ففعل ذلك به وعاد الأسدان يقولان : أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟

قال : « لا ؛ فإنّ لله عزّ وجلّ فيه تدبيرا هو ممضيه ».

فقالا : ما ذا تأمرنا؟ فقال : « عودا إلى مقرّكما كما كنتما » ، فعادا إلى المسند وصارا صورتين كما كانتا.

فقال المأمون : الحمد لله الذي كفاني شرّ حميد بن مهران - يعني الرجل المفترس - ثمّ قال للرضا علیه السلام : يا ابن رسول اللّه هذا الأمر لجدّكم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ثمّ لكم ، فلو شئت لنزلت عنه لك.

فقال الرضا علیه السلام : « لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك ؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين إلاّ جهّال بني آدم ؛ فإنّهم وإن خسروا حظوظهم فلله عزّ وجلّ فيهم تدبير ، وقد أمرني بترك الاعتراض عليك وإظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك ، كما أمر يوسف عليه بالعمل تحت يد فرعون مصر » ، قال : فما زال المأمون ضئيلا إلى أن قضى في عليّ بن موسى الرضا علیه السلام ما قضى (1).

ومنها : ما روي عن أبي إسماعيل السندي قال : سمعت بالهند أنّ لله في العرب حجّة ، فخرجت منها في الطلب ، فدللت على الرضا علیه السلام فقصدته فدخلت عليه وأنا

ص: 98


1- « بحار الأنوار » 49 : 180 - 185 ، ح 16 ، نقلا عن « عيون أخبار الرضا » 2 : 179 - 183 ، ح 1.

لا أحسن من العربية كلمة ، فسلّمت بالسنديّة فردّ عليّ بلغتي ، فجعلت أكلّمه بالسنديّة وهو يجيبني بالسنديّة ، فقلت له : إنّي سمعت بالسند إنّ لله حجّة في العرب فخرجت إلى الطلب ، فقال - بلغتي - : « نعم » ، ثمّ قال : « فاسأل عمّا تريد » ، فسألته عمّا أردته ، فلمّا أردت القيام من عنده قلت : إنّي لا أحسن من العربيّة فادع اللّه أن يلهمنيها لأتكلّم بها مع أهلها ، فمسح يده على شفتيّ فتكلّمت من وقتي بالعربيّة (1).

ومنها : ما روي عن إبراهيم بن موسى - وكان يؤمّ في مسجد الرضا بخراسان - قال : ألححت على الرضا علیه السلام في شيء طلبته منه ، فخرج يستقبل بعض الطالبيّين وجاء وقت الصلاة ، فمال إلى قصر هناك ، فنزل تحت صخرة بقرب القصر وأنا معه وليس معنا ثالث ، فقال : « أذّن ».

فقلت : ننتظر يلحق بنا أصحابنا.

فقال : « غفر اللّه لك ، لا تؤخّرنّ صلاة عن أوّل وقتها إلى آخر وقتها من غير علّة عليك ، ابدأ بأوّل الوقت ».

فأذّنت وصلّينا ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ، قد طالت المدّة في العدة التي وعدتنيها وأنا محتاج وأنت كثير الشغل ولا أظفر بمسألتك كلّ وقت ، قال : فحكّ بسوطه الأرض حكّا شديدا ، ثمّ ضرب بيده إلى موضع الحكّ فأخرج سبيكة ذهب ، فقال : « خذها بارك اللّه لك فيها وانتفع بها واكتم ما رأيت ». قال : فبورك لي فيها حتّى اشتريت بخراسان ما كانت قيمته سبعين ألف دينار ، فصرت أغنى الناس من أمثالي (2).

ومنها : ما روي عن أبي محمّد الغفاري قال : لزمني دين ثقيل فقلت : ما للقضاء غير سيّدي ومولاي أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا علیه السلام ، فلمّا أصبحت أتيت منزله

ص: 99


1- « بحار الأنوار » 49 : 50 ، ح 51 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 340 ، ح 5.
2- المصدر السابق 49 : 49 ، ح 49 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 337 - 338 ، ح 2.

فاستأذنت فأذن لي ، فلمّا دخلت قال لي ابتداء : « يا أبا محمّد ، قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك » ، فلمّا أمسينا أتى بطعام للإفطار فأكلنا ، فقال : « يا أبا محمّد ، تبيت أو تنصرف؟ »

فقلت : يا سيّدي ، إن قضيت حاجتي فالانصراف أحبّ إليّ.

قال : فتناول علیه السلام من تحت البساط قبضة فدفعها إليّ ، فخرجت فدنوت إلى السراج فإذا هي دنانير حمر وصفر فأوّل دينار وقع بيدي ورأيت نقشه ، كان عليه : « يا أبا محمّد ، الدنانير خمسون ، ستّة وعشرون منها لقضاء دينك ، وأربعة وعشرون لنفقة عيالك » ، فلمّا أصبحت فتّشت الدنانير فلم أجد ذلك الدينار وإذا هي لا تنقص شيئا (1).

فصل [8] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا وإمامنا أبي جعفر محمّد التقيّ الجواد صلوات اللّه وسلامه عليه ،

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي أنّه جاء رجل إلى محمّد بن عليّ بن موسى علیهم السلام ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، إنّ أبي مات ، وكان له مال ولست أقف على ماله ولي عيال كثيرون وأنا من مواليكم فأغثني ، فقال أبو جعفر علیه السلام : « إذا صلّيت العشاء الآخرة فصلّ على محمّد وآل محمّد فإنّ أباك يأتيك في النوم ويخبرك بأمر المال ».

ففعل الرجل ذلك فرأى أباه في النوم ، فقال : يا بنيّ ، مالي في موضع كذا فخذه واذهب إلى ابن رسول اللّه فأخبره أنّي دللتك على المال ، فذهب الرجل فأخذ المال وأخبر الإمام بأمر المال ، وقال : الحمد لله الذي أكرمك واصطفاك (2).

ص: 100


1- المصدر السابق : 38 ، ح 22 ، نقلا عن « عيون أخبار الرضا » 2 : 235 ، ح 29.
2- المصدر السابق 50 : 42 ، ح 8.

ومنها : ما روي عن أميّة بن عليّ القيسي قال : دخلت أنا وحمّاد بن عيسى على أبي جعفر علیه السلام بالمدينة لنودّعه ، فقال لنا : « لا تخرجا ، أقيما إلى غد ».

قال : فلمّا خرجنا من عنده قال حمّاد : أنا أخرج فقد خرج ثقلي. قلت : أمّا أنا فأقيم ، قال : فخرج حماد فجرى الوادي تلك الليلة فغرق فيه وقبره بسيّالة (1).

ومنها : ما روي عن القاسم بن المحسن قال : كنت فيما بين مكّة والمدينة فمرّ بي أعرابيّ ضعيف الحال فسألني شيئا فرحمته فأخرجت له رغيفا فناولته إيّاه ، فلمّا مضى عنّي هبّت ريح زوبعة فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت ولا أين مرّت ، فلمّا دخلت المدينة صرت إلى أبي جعفر بن الرضا علیهماالسلام فقال لي : « يا أبا القاسم ، ذهبت عمامتك في الطريق؟ » قلت : نعم.

فقال : « يا غلام ، أخرج إليه عمامته » ، فأخرج إليّ عمامتي بعينها. قلت : يا ابن رسول اللّه ، كيف صارت إليك؟

قال : « تصدّقت على أعرابيّ فشكر اللّه لك فردّ إليك عمامتك ، فإنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين » (2).

ومنها : ما روي أنّه اجتاز المأمون بابن الرضا علیه السلام وهو بين صبيان فهربوا سواه ، فقال : عليّ به ، فقال له : ما لك لا هربت في جملة الصبيان؟ قال : « ما لي ذنب فأفرّ منه ، ولا الطريق ضيّق فأوسّعه عليك سر حيث شئت ».

فقال : من تكون أنت؟ قال : « أنا محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیهم السلام ».

فقال ما تعرف من العلوم؟ قال : « سلني عن أخبار السماوات » ، فودّعه ومضى وعلى يده باز أشهب يطلب به الصيد ، فلمّا بعد عنه نهض عن يده الباز ونظر يمينه

ص: 101


1- « بحار الأنوار » 50 : 43 ، ح 10.
2- المصدر السابق : 47 - 48 ، ح 24 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 377 - 378 ، ح 6.

وشماله لم ير صيدا والباز يثب عن يده ، فأرسله فطار يطلب الأفق حتّى غاب عن ناظره ساعة ثمّ عاد إليه وقد صاد حيّة ، فوضع الحيّة في بيت المطعم وقال لأصحابه : قد دنا حتف ذلك الصبيّ في هذا اليوم على يدي ، ثمّ عاد وابن الرضا علیه السلام في جملة الصبيان ، فقال : ما عندك من أخبار السماوات؟

فقال : « نعم ، يا أمير المؤمنين ، حدّثني أبي عن آبائه عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله عن جبرئيل علیه السلام ، عن ربّ العالمين أنّه قال : بين السماء والهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج ، فيه حيّات خضر البطون رقط الظهور ، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء ».

فقال : صدقت وصدق أبوك وصدق جدّك وصدق ربّك ، فأركبه ، ثمّ زوّجه أمّ الفضل (1).

ومنها : ما روي عن محمّد بن إبراهيم الجعفري ، عن حكيمة بنت الرضا علیه السلام قالت : لمّا توفّي أخي محمّد بن الرضا علیه السلام صرت يوما إلى امرأته أمّ الفضل بسبب احتجت إليها فيه ، قالت : فبينما نتذاكر فضل محمّد وكرمه وما أعطاه اللّه من العلم والحكمة إذ قالت امرأته أمّ الفضل : يا حكيمة ، أخبرك عن أبي جعفر بن الرضا علیه السلام بأعجوبة لم يسمع أحد بمثلها؟ قلت : وما ذاك؟ قالت : إنّه كان ربما أغارني مرة بجارية ومرّة بتزويج ، فكنت أشكوه إلى المأمون ، فيقول : يا بنيّة احتملي فإنّه ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله . فبينما أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة فقلت : من أنت؟ فكأنّها قضيب بان أو غصن خيزران.

قالت : أنا زوجة لأبي جعفر علیه السلام .

قلت : من أبو جعفر؟

قالت : محمّد بن الرضا علیه السلام وأنا امرأة من ولد عمّار بن ياسر.

ص: 102


1- المصدر السابق : 56 ، ذيل ح 31 ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 420.

قالت : فدخل عليّ من الغيرة ما لم أملك نفسي ، فنهضت من ساعتي وصرت إلى المأمون وقد كان ثملا من الشراب ، وقد مضى من الليل ساعات ، فأخبرته بحالي وقلت له : يشتمني ويشتمك ويشتم العبّاس وولده. قالت : وقلت ما لم يكن.

فغاظه ذلك منّي جدّا ولم يملك نفسه من السكر ، وقام مسرعا فضرب بيده إلى سيفه وحلف أنّه يقطّعه بهذا السيف ما بقي في يده وصار إليه.

قالت : فندمت عند ذلك وقلت في نفسي : ما صنعت هلكت وأهلكت.

قالت : فعدوت خلفه لأنظر ما يصنع ، فدخل إليه وهو نائم فوضع فيه السيف فقطّعه قطعة قطعة ، ثمّ وضع سيفه على حلقه فذبحه وأنا أنظر إليه ، وياسر الخادم قائم ينظر ، وانصرف وهو يزبد (1) مثل الجمل.

قالت : فلمّا رأيت ذلك هربت على وجهي حتّى رجعت إلى منزل أبي فبتّ بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت.

قالت : فلمّا أصبحت دخلت إليه وهو يصلّي وقد أفاق من السكر ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، هل تعلم ما صنعت الليلة؟

قال : لا واللّه فما الذي صنعت ويلك؟

قلت : فإنّك صرت إلى ابن الرضا علیه السلام وهو نائم فقطّعته إربا إربا وذبحته بسيفك وخرجت من عنده ، قال : ويلك ما تقولين؟

قلت : أقول ما فعلت ، فصاح : يا ياسر ، ما تقول هذه الملعونة ويلك؟ قال : صدقت في كلّ ما قالت.

قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون هلكنا وافتضحنا ، ويلك يا ياسر ، بادر إليه وائتني بخبره ، فركض ثمّ عاد مسرعا فقال : يا أمير المؤمنين ، البشرى. قال : وما وراءك؟

قال : دخلت فإذا هو جالس يستاك وعليه قميص ورداء فبقيت متحيّرا في أمره ،

ص: 103


1- زبد الجمل : لغامه الأبيض الذي تتلطّخ به مشافره إذا هاج. انظر « لسان العرب » 6 : 1. « ز ب د ».

ثمّ أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شيء من الأثر فقلت له : أحبّ أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لأتبرّك به ، فنظر إليّ وتبسّم كأنّه علم ما أردت بذلك ، فقال : « أكسوك كسوة فاخرة ».

فقلت : لست أريد غير هذا القميص الذي عليك ، فخلعه وكشف لي بدنه كلّه ، فو اللّه ما رأيت له أثرا.

فخرّ المأمون ساجدا ووهب لياسر ألف دينار ، وقال : الحمد لله الذي لم يبتلني بدمه ، ثمّ قال : يا ياسر ، كلّ ما كان من مجيء هذه الملعونة إليّ وبكائها بين يديّ فأذكره ، وأمّا مصيري إليه فلست أذكره.

فقال : ياسر ، واللّه ما زلت تضربه بالسيف وأنا وهذه ننظر إليك وإليه حتّى قطّعته قطعة قطعة ، ثمّ وضعت سيفك على حلقه فذبحته وأنت تزبد كما يزبد البعير.

فقال : الحمد لله ، ثمّ قال لي : واللّه لئن عدت بعدها في شيء ممّا جرى لأقتلنّك. الحديث (1).

فصل [9] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا وإمامنا أبي الحسن النقيّ صلوات اللّه وسلامه عليه

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن علیه السلام فقلت : جعلت فداك في كلّ الأمور ، أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك حتّى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك.

فقال : « هاهنا أنت يا ابن سعيد » ، ثمّ أومأ بيده ، فقال : « أنظر » ، فنظرت فإذا بروضات آنقات ، وروضات ناضرات فيهنّ خيرات عطرات ، وولدان كأنّهنّ اللؤلؤ

ص: 104


1- « بحار الأنوار » 50 : 69 - 71 ، ح 47 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 372 - 375 ، ح 2.

المكنون وأطيار وظباء ، وأنهار تفور ، فحار بصري والتمع وحسرت عيني ، فقال : « حيث كنّا فهذا لنا عتيد ولسنا في خان الصعاليك » (1).

ومنها : ما روي عن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسن علیه السلام فكلّمني بالهنديّة فلم احسن أن أردّ عليه ، وكان بين يديه ركوة ملأى حصا ، فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه ومصّها مليّا ، ثمّ رمى بها إليّ فوضعتها في فمي ، فو اللّه ما برحت من عنده حتّى تكلّمت بثلاثة وسبعين لسانا أوّلها الهندية (2).

ومنها : ما روي أنّ أبا هاشم كان منقطعا إلى أبي الحسن علیه السلام بعد أبيه أبي جعفر وجدّه الرضا علیه السلام ، فشكى إلى أبي الحسن علیه السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد ، ثمّ قال : يا سيّدي ، ادع اللّه لي فربما لم أستطع ركوب الماء فسرت إليك على الظهر ، وما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه ، فادع اللّه أن يقوّيني على زيارتك.

فقال : « قوّاك اللّه يا أبا هاشم ، وقوّى برذونك ».

قال الراوي : وكان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ويسير على ذلك البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سرّ من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون ، فكان هذا من أعجب الدلائل (3).

ومنها : ما حدّث جماعة من أهل أصفهان منهم أبو العبّاس أحمد بن النضر وأبو جعفر محمّد بن علويّة قالوا : كان بأصفهان رجل يقال له : عبد الرحمن وكان شيعيّا ، قيل له : ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقيّ علیه السلام دون غيره من أهل الزمان؟

قال : شاهدت ما أوجب عليّ ، وذلك أنّي كنت رجلا فقيرا وكان لي لسان وجرأة ،

ص: 105


1- « بحار الأنوار » 50 : 132 - 133 ، ح 15 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 407 ، ح 11.
2- المصدر السابق : 136 ، ح 17 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 2 : 673 ، ح 2 ، وعن « مناقب آل أبي طالب » 4 : 440.
3- المصدر السابق : 137 - 138 ، ح 21 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 2 : 672 ، ح 1.

فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكّل متظلّمين ، فكنّا ببابه يوما إذ خرج الأمر بإحضار عليّ بن محمّد بن الرضا علیهم السلام فقلت لبعض من حضر : من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟

فقيل : هذا رجل علويّ تقول الرافضة بإمامته ، ثمّ قال : ويقدّر أنّ المتوكّل يحضره للقتل.

فقلت : لا أبرح من هاهنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل أيّ رجل هو؟ قال : فأقبل راكبا على فرس وقد قام الناس يمنة ويسرة في الطريق صفّين ينظرون إليه ، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي ، فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع اللّه عنه شرّ المتوكّل ، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابّته لا ينظر يمنة ولا يسرة وأنا دائم الدعاء ، فلمّا صار إليّ أقبل إليّ بوجهه وقال : « استجاب اللّه دعاءك وطوّل عمرك وكثّر مالك وولدك ».

قال : فارتعدت ووقعت بين أصحابي ، فسألوني وهم يقولون : ما شأنك؟ فقلت : خير ، ولم أخبر بذلك.

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ففتح اللّه عليّ وجوها من المال حتّى أنا اليوم أغلق بأبي على ما قيمته ألف ألف درهم سوى مالي خارج داري ، ورزقت عشرة من الأولاد ، وقد بلغت الآن من عمري نيّفا وسبعين سنة ، وأنا أقول بإمامة الرجل الذي علم ما في قلبي واستجاب اللّه دعاءه فيّ ولي (1).

ومنها : ما روي عن أبي هاشم الجعفري أنّه ظهر برجل من أهل سرّ من رأى برص فتنغّص عليه عيشه ، فجلس إلى أبي عليّ الفهريّ فشكا إليه حاله ، فقال له : لو تعرّضت يوما لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن الرضا علیهماالسلام فسألته أن يدعو لك لرجوت أن يزول عنك.

ص: 106


1- المصدر السابق : 141 - 142 ، ح 26 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 392 - 393 ، ح 1.

فجلس له يوما في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكّل ، فلمّا رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك ، فقال : « تنحّ عافاك اللّه » ثلاث مرّات ، فأبعد الرجل ولم يجسر أن يدنو منه ، فانصرف فلقي الفهريّ فعرّفه الحال وما قال ، فقال : قد دعا لك قبل أن تسأل ، فامض فإنّك ستعافى ، فانصرف الرجل إلى بيته فبات تلك الليلة فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك (1).

ومنها : ما روي أنّ المتوكّل أو الواثق أو غيرهما أمر العسكر - وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرّ من رأى - أن يملأ كلّ واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر ، ويجعلون بعضه على بعض في وسط تربة واسعة هناك ففعلوا ، فلمّا صار مثل جبل عظيم واسمه تلّ المخالي ، صعد فوقه واستدعى أبا الحسن علیه السلام واستصعده وقال : استحضرتك لنظارة خيولي ، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف ويحملوا الأسلحة وقد عرضوا بأحسن زينة وأتمّ عدّة وأعظم هيبة ، وكان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يخرج عليه ، وكان خوفه من أبي الحسن علیه السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.

فقال له أبو الحسن علیه السلام : « وهل أعرض عليك عسكري؟ »

قال : نعم ، فدعا اللّه سبحانه فإذا بين السماء والأرض من المشرق والمغرب ملائكة مدجّجون ، فغشي على الخليفة ، فلمّا أفاق قال له أبو الحسن علیه السلام : « نحن لا ننافسكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمر الآخرة ، فلا عليك شيء ممّا تظنّ » (2).

ومنها : ما روي عن هاشم بن زيد قال : رأيت عليّ بن محمّد علیه السلام صاحب العسكر وقد أتي بأكمه فأبرأه ، ورأيته يهيّئ من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير ، فقلت له : لا فرق بينك وبين عيسى علیه السلام ، فقال : « أنا منه وهو منّي » (3).

ص: 107


1- « بحار الأنوار » 50 : 145 - 146 ، ح 29 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 399 - 400 ، ح 5.
2- المصدر السابق : 155 - 156 ، ح 44 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 414 ، ح 19.
3- المصدر السابق : 185 ، ح 63 ، نقلا عن « عيون المعجزات » : 119.

ومنها : ما روي عن إبراهيم بن محمّد الطاهري قال : مرض المتوكّل من خراج خرج به فأشرف منه على التلف ، فلم يجرأ أحد أن يمسّه بحديدة ، فنذرت أمّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد علیهماالسلام مالا جليلا من مالها ، وقال له الفتح بن خاقان : لو بعثت إلى هذا الرجل - يعني أبا الحسن علیه السلام - فسألته فإنّه ربّما كان عنده صفة شيء يفرّج اللّه به عنك ، قال : ابعثوا إليه ، فمضى الرسول ورجع فقال : « خذوا كسب الغنم فديفوه (1) بماء ورد وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن اللّه » ، فجعل من بحضرة المتوكّل يهزأ من قوله.

فقال لهم الفتح : وما يضرّ من تجربة ما ، قال : فو اللّه إنّي لأرجو الصلاح به فأحضروا الكسب وديف بماء الورد ووضع على الخراج فانفتح وخرج ما كان فيه ، وبشّرت أمّ المتوكّل بعافيته ، فحملت إلى أبي الحسن علیه السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها فاستقلّ المتوكّل من علّته.

فلمّا كان بعد أيّام سعى البطحائي بأبي الحسن علیه السلام إلى المتوكّل ، فقال : عنده سلاح وأموال ، فتقدّم المتوكّل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلا ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل إليه.

فقال إبراهيم بن محمّد : قال لي سعيد الحاجب : سرت إلى دار أبي الحسن علیه السلام بالليل ومعي سلّم فصعدت عنه إلى السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن علیه السلام من الدار : « يا سعيد ، مكانك حتّى يأتوك بشمعة » ، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبّة من صوف وقلنسوة منها وسجّادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي : « دونك البيوت » ، فدخلتها وفتّشتها فلم أجد فيها شيئا ووجدت البدرة مختومة بخاتم أمّ المتوكّل وكيسا مختوما معها ، فقال أبو الحسن علیه السلام : « دونك المصلّى » ، فرفعت

ص: 108


1- داف الشيء يديفه دوفا ، وأدافه : خلطه. « لسان العرب » 9 : 1. « د وف ».

فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه.

فلمّا نظر إلى خاتم أمّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت له : كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار ، فحملتها إليه وهذا خاتمك على الكيس ما حرّكها وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربعمائة دينار ، فأمر أن يضمّ إلى البدرة بدرة أخرى ، وقال لي : احمل ذلك إلى أبي الحسن علیه السلام وأردد إليه السيف والكيس بما فيه ، فحملت ذلك إليه واستحييت منه وقلت : يا سيّدي ، عزّ عليّ دخول دارك بغير إذنك ولكنّي مأمور به ، فقال لي : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (1) » (2).

فصل [10] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا وإمامنا أبي محمّد الزكيّ النقيّ الحسن بن عليّ العسكريّ صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن أبي هاشم أنّه ركب أبو محمّد علیه السلام يوما إلى الصحراء وركبت معه ، فبينما يسير قدّامي وأنا خلفه إذ عرض لي فكر في دين كان عليّ قد حان أجله فجعلت أفكّر في أيّ وجه قضاؤه؟ فالتفت إليّ وقال : « اللّه يقضيه » ، ثمّ انحنى على قربوس سرجه فخطّ بسوطه خطّة في الأرض ، فقال : « يا أبا هاشم ، انزل فخذ واكتم » ، فنزلت وإذا سبيكة ذهب قال : فوضعتها في خفّي.

وسرنا فعرض لي الفكر ، فقلت : إن كان فيها تمام الدين ، وإلاّ فإنّي أرضي صاحبه بها ويجب أن ننظر في وجه نفقة الشتاء وما نحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها ،

ص: 109


1- الشعراء (26) : 227.
2- « بحار الأنوار » 50 : 198 - 200 ، ح 10 ، نقلا عن « الكافي » 1 : 499 ، باب مولد أبي الحسن وعليّ بن محمّد علیهماالسلام ، ح 6 ، وعن « إعلام الورى » 2 : 119 - 121.

فالتفت إليّ ثمّ انحنى ثانية فخطّ بسوطه مثل الأولى ، ثمّ قال : « انزل وخذ واكتم » ، قال : فنزلت فإذا بسبيكة فجعلتها في الخفّ الآخر.

وسرنا يسيرا ، ثمّ انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي فجلست وحسبت ذلك الدين وعرفت مبلغه ، ثمّ وزنت سبيكة الذهب فخرج بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت ، ثمّ نظرت ما نحتاج إليه لشتائي من كلّ وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بدّ منه على الاقتصاد بلا تقتير ولا إسراف ، ثمّ وزنت سبيكة الفضّة فخرجت على ما قدّرته ما زادت ولا نقصت (1).

ومنها : ما روي أنّه حدّث بطريق متطبّب بالريّ قد أتى عليه مائة سنة ونيّف وقال : كنت تلميذ بختيشوع - طبيب المتوكّل - وكان يصطفيني ، فبعث إليه الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ الرضا علیهم السلام أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده ، فاختارني وقال : قد طلب منّي ابن الرضا علیه السلام من يفصده فصر إليه ، وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به ، فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة وقال : « كن إلى أن أطلبك ».

قال : وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيّدا محمودا للفصد ، فدعاني في وقت غير محمود له وأحضر طستا عظيما ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتّى امتلأ الطست ، ثمّ قال لي : « اقطع » ، فقطعت وغسل يده وشدّها وردّني إلى الحجرة وقدّم من الطعام الحارّ والبارد شيء كثير وبقيت إلى العصر.

ثمّ دعاني فقال : « سرّح » ، ودعا بذلك الطست فسرّحت وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت ، فقال : « اقطع » ، فقطعت وشدّ يده وردّني إلى الحجرة فبتّ فيها.

فلمّا أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطست ، وقال : « سرّح » ، فسرّحت فخرج مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطست ، فقال : « اقطع » ، فقطعت وشدّ

ص: 110


1- المصدر السابق : 259 - 260 ، ح 20 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 421 ، ح 2.

يده وقدّم لي بتخت ثياب وخمسين دينارا وقال : « خذ هذا وأعذر وانصرف » ، فأخذت وقلت : يأمرني السيّد بخدمة؟ قال : « نعم ، تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول ».

فصرت إلى بختيشوع وقلت له القصّة ، فقال : اجتمعت الحكماء على أنّ أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمناء من الدم ، وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا ، وأعجب ما فيه اللبن ، ففكّر ساعة ، ثمّ مكثنا ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصّة ذكرا في العالم فلم نجد.

ثمّ قال : لم يبق اليوم في النصرانيّة أعلم بالطبّ من راهب بدير العاقول ، فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى ، فخرجت وناديته فأشرف عليّ وقال : من أنت؟

قلت : صاحب بختيشوع قال : معك كتابه؟ قلت : نعم.

فأرخى لي زنبيلا فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته ، فقال : أنت الرجل الذي فصدت؟ قلت : نعم ، قال : طوبى لأمّك ، وركب بغلا ومرّ ، فوافينا سرّ من رأى وقد بقي من الليل ثلثه ، قلت : أين تحبّ دار أستاذنا أو دار الرجل؟

قال : دار الرجل.

فصرنا إلى بابه قبل الأذان ، ففتح الباب وخرج إلينا غلام أسود ، وقال : أيّكما راهب دير العاقول؟

فقال : أنا جعلت فداك.

فقال : انزل ، وقال لي الخادم : احتفظ بالبغلتين وأخذ بيده ودخلا ، فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ، ثمّ خرج الراهب وقد رمى بثياب الرهبانيّة ولبس ثيابا بيضاء وقد أسلم ، فقال : خذني الآن إلى دار أستاذك ، فصرنا إلى دار بختيشوع فلمّا رآه بادر يعدو إليه ، ثمّ قال : ما الذي أزالك عن دينك؟

قال : وجدت المسيح فأسلمت على يده.

ص: 111

قال : وجدت المسيح؟

قال : أو نظيره ، فإنّ هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح ، وهذا نظيره في آياته وبراهينه ، ثمّ انصرف إليه ، ولزم خدمته إلى أن مات (1).

ومنها : ما روي عن عليّ بن جعفر ، عن الحلبي قال : اجتمعنا بالعسكر وترصّدنا لأبي محمّد علیه السلام يوم ركوبه فخرج توقيعه : « ألا لا يسلّمن عليّ أحد ولا يشير إليّ بيده ولا يومئ فإنّكم لا تؤمنون على أنفسكم ».

قال : وإلى جانبي شابّ ، فقلت : من أين أنت؟

قال : من المدينة ، قلت : ما تصنع هاهنا؟ قال : اختلفوا عندنا في أبي محمّد علیه السلام فجئت لأراه وأسمع منه أو أرى منه دلالة ليسكن قلبي وإنّي لولد أبي ذرّ الغفاري. فبينما نحن كذلك إذ خرج أبو محمّد علیه السلام مع خادم له ، فلمّا حاذانا نظر إلى الشابّ الذي بجنبي ، فقال : « أغفاريّ أنت؟ » قال : نعم. قال : « ما فعلت أمّك حمدويه؟ » فقال : صالحة ، ومرّ.

فقلت للشابّ : أكنت رأيته قطّ وعرفته بوجهه قبل اليوم؟ قال : لا

قلت : فينفعك هذا؟ قال : ودون هذا (2).

ومنها : ما روي عن عليّ بن الحسن بن سابور قال : قحط الناس بسرّ من رأى في زمن الحسن الأخير علیه السلام فأمر الخليفة الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء ، فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية إلى المصلّى يستسقون ويدعون فما سقوا.

فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب فلمّا مدّ يده هطلت السماء بالمطر ، فشكّ أكثر الناس وتعجّبوا وصبوا إلى دين النصرانيّة ، فأنفذ الخليفة إلى الحسن علیه السلام وكان محبوسا واستخرجه من محبسه

ص: 112


1- « بحار الأنوار » 50 : 260 - 262 ، ح 21 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 422 - 424 ، ح 3.
2- المصدر السابق : 269 - 270 ، ح 34 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 439 - 440 ، ح 20.

وقال : الحق أمّة جدّك فقد هلكت ، فقال : « إنّي خارج لأزيل الشكّ إن شاء اللّه تعالى ».

فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه ، وخرج الحسن علیه السلام في نفر من أصحابه ، فلمّا بصر بالراهب - وقد مدّ يده - أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين إصبعيه ، ففعل وأخذ من بين سبّابتيه عظما أسود ، فأخذه الحسن علیه السلام بيده ثمّ قال له : « استسق الآن » ، فاستسقى وكانت السماء متغيّمة فتقشّعت وطلعت الشمس بيضاء ، فقال الخليفة : ما هذا العظم يا أبا محمّد؟

قال علیه السلام : « هذا رجل مرّ بقبر نبيّ من الأنبياء فوقع إلى يده هذا العظم وما كشف من عظم نبيّ إلاّ وهطلت السماء بالمطر » (1).

ومنها : ما روي عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي محمّد علیه السلام فاستؤذن لرجل من أهل اليمن ، فدخل عليه رجل جميل طويل جسيم ، فسلّم عليه بالولاية فردّ عليه بالقبول وأمره بالجلوس فجلس إلى جنبي ، فقلت في نفسي : ليت شعري من هذا؟

فقال أبو محمّد علیه السلام : « هذا من ولد الأعرابيّة صاحب الحصاة التي طبع آبائي فيها » ، ثمّ قال : « هاتها » ، فأخرج حصاة وفي جانب منها موضع أملس فأخذها وأخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع ، وكأنّي أقرأ الخاتم الساعة : الحسن بن عليّ علیه السلام فقلت لليماني : رأيته قطّ؟

قال : لا واللّه وإنّي منذ دهر لحريص على رؤيته حتّى كان الساعة أتاني شابّ لست أراه ، فقال : قم فادخل ، فدخلت ، ثمّ نهض وهو يقول : رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت ذرّيّة بعضها من بعض ، أشهد أنّ حقّك لواجب كوجوب حقّ

ص: 113


1- « بحار الأنوار » 50 : 270 ، ح 37 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 441 - 442 ، ح 23 ، و « مناقب آل أبي طالب » 4 : 425.

أمير المؤمنين والأئمّة من بعده صلوات اللّه عليهم أجمعين ، وإليك انتهت الحكمة والإمامة ، وأنّك وليّ اللّه الذي لا عذر لأحد في الجهل به.

فسألته عن اسمه فقال : اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن أمّ غانم ، وهي الأعرابيّة اليمانيّة صاحبة الحصاة التي ختم فيها أمير المؤمنين علیه السلام .

وقال أبو جعفر الهاشمي في ذلك :

بدرب الحصا مولى لنا يختم الحصا *** له اللّه أصفى بالدليل وأخلصا

وأعطاه رايات الإمامة كلّها *** كموسى وفلق البحر واليد والعصا

وما قمّص اللّه النبيّين حجّة *** ومعجزة إلاّ الوصيّين قمّصا (1).

ومنها : ما روي عن أبي هاشم قال : دخلت على أبي محمّد علیه السلام وكان يكتب كتابا ، فحان وقت الصلاة الأولى فوضع الكتاب من يده ، فرأيت القلم يمرّ على باقي القرطاس من الكتاب فيكتب حتّى انتهى إلى آخره ، فخررت ساجدا ، فلمّا انصرف من الصلاة أخذ القلم بيده وأذن للناس (2).

ومنها : ما روي عن أبي الحسن الكرخي قال : كان أبي بزّازا في الكرخ فجهّزني بقماش إلى سرّ من رأى ، فلمّا دخلت إليها جاءني خادم فناداني باسمي واسم أبي ، وقال : أجب مولاك.

قلت : ومن مولاي حتّى أجيبه؟

ص: 114


1- المصدر السابق : 302 ، ح 78 ، نقلا عن « إعلام الورى » 2 : 138 - 139.
2- المصدر السابق : 304 ، ح 80 ، نقلا عن « عيون المعجزات » : 122 - 123.

فقال : ما على الرسول إلاّ البلاغ.

قال : فتبعته فجاء بي إلى دار عالية البناء لا أشكّ أنّها الجنّة ، وإذا رجل جالس على بساط أخضر ونور جماله يغشى الأبصار ، فقال لي : « إنّ فيما حملت من القماش حبرتين : إحداهما في مكان كذا ، والأخرى في مكان كذا في السفط الفلاني ، وفي كلّ واحدة منهنّ رقعة مكتوبة فيها ثمنها وربحها ، وثمن إحداهما ثلاثة وعشرون دينارا والربح ديناران ، وثمن الأخرى ثلاثة عشر دينارا والربح كالأولى ، فاذهب فأت بهما ».

قال الرجل : فرجعت فجئت بهما إليه فوضعتهما بين يديه فقال لي : « اجلس » ، فجلست لا أستطيع النظر إليه إجلالا لهيبته.

قال : فمدّ يده إلى طرف البساط - وليس هناك شيء - وقبض قبضة ، وقال : « هذا ثمن حبرتيك وربحهما ».

قال : فخرجت وعددت المال في الباب فكان المشترى والربح كما كتب والدي لا يزيد ولا ينقص (1).

ومنها : ما روي عن عليّ بن عاصم الكوفي الأعمى قال : دخلت على سيّدي الحسن العسكري فسلّمت عليه ، فردّ عليّ السّلام وقال : « مرحبا بك اجلس هنيئا لك يا ابن عاصم ، أتدري ما تحت قدميك؟ »

فقلت : يا مولاي ، إنّي أرى تحت قدميّ هذا البساط كرّم اللّه وجه صاحبه.

فقال لي : « يا ابن عاصم ، اعلم أنّك على بساط جلس عليه كثير من النبيّين والمرسلين » ، فقلت : يا سيّدي ، يا ليتني كنت لا أفارقك ما دمت في دار الدنيا ، ثمّ قلت في نفسي : ليتني كنت أرى هذا البساط.

فعلم الإمام علیه السلام ما في ضميري فقال : « ادن منّي » ، فدنوت منه فمسح يده على

ص: 115


1- « بحار الأنوار » 50 : 314 - 315 ، ح 12 ، نقلا عن « مشارق أنوار اليقين » : 101 ، الفصل 13.

وجهي فصرت بصيرا بإذن اللّه ، ثمّ قال : « هذا قدم أبينا آدم ، وهذا أثر هابيل ، وهذا أثر شيث ، وهذا أثر إدريس ، وهذا أثر هود ، وهذا أثر صالح ، وهذا أثر لقمان ، وهذا أثر إبراهيم ، وهذا أثر لوط ، وهذا أثر شعيب ، وهذا أثر موسى ، وهذا أثر داود ، وهذا أثر سليمان ، وهذا أثر الخضر ، وهذا أثر دانيال ، وهذا أثر ذي القرنين ، وهذا أثر عدنان ، وهذا أثر عبد المطّلب ، وهذا أثر عبد اللّه ، وهذا أثر عبد مناف ، وهذا أثر جدّي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وهذا أثر جدّي عليّ بن أبي طالب علیه السلام ».

قال عليّ بن عاصم : فأهويت على الأقدام كلّها فقبّلتها وقبّلت يد الإمام علیه السلام وقلت له : إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي ، وليس أملك غير موالاتكم والبراءة من أعدائكم واللعن لهم في خلواتي فكيف حالي يا سيّدي؟

فقال علیه السلام : « حدّثني أبي عن جدّي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت ولعن في خلواته أعداءنا بلّغ اللّه صوته إلى جميع الملائكة ، فكلّما لعن أحدكم أعداءنا ساعدته الملائكة ولعنوا من لا يلعنهم ، فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له وأثنوا عليه وقالوا : اللّهمّ صلّ على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده ، ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل فإذا النداء من قبل اللّه يقول : يا ملائكتي ، إنّي أجبت دعاءكم في عبدي هذا وسمعت نداءكم وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار وجعلته من المصطفين الأخيار » (1).

فصل [11] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا المنتظر المهديّ أبي القاسم صاحب الزمان صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما قال سعد : فما شبّهت مولانا أبا محمّد حين غشينا نور وجهه إلاّ ببدر

ص: 116


1- المصدر السابق : 316 - 317 ، ح 13 ؛ « مشارق أنوار اليقين » : 100 - 101 ، الفصل 13 ، مع اختلاف.

قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، وعلى رأسه فرق بين وفرتين كأنّه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا علیه السلام يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها لئلاّ يصدّه عن كتابة ما أراد.

فسلّمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس ، فلمّا فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيئ كسائه فوضعه بين يديه ، فنظر الهادي علیه السلام إلى الغلام وقال له : « يا بنيّ ، فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ».

فقال : يا مولاي ، أيجوز أن أمدّ يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟

فقال مولاي علیه السلام : « يا ابن إسحاق ، استخرج ما في الجراب ليميّز [ ما ] بين الأحلّ والأحرم منها ».

فأوّل صرّة بدأ بإخراجها فقال الغلام : « هذه لفلان بن فلان من محلّة كذا بقم ، تشتمل على اثنين وستّين دينارا فيها من ثمرة حجيرة باعها صاحبها ، وكانت إرثا له من أخيه خمسة وأربعون دينارا ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا ، وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير ».

فقال مولانا علیه السلام : « صدقت يا بنيّ ، دلّ الرجل على الحرام منها؟ »

فقال علیه السلام : « فتّش على دينار رازيّ السكّة تأريخه سنة كذا قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه وقراضة آمليّة وزنها ربع دينار ، والعلّة في تحريمهما أنّ صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا وربع منّ ، فأتت على ذلك مدّة قيّض في انتهاؤها لذلك الغزل سارقا ، فأخبر به

ص: 117

الحائك صاحبه فكذّبه واستردّ منه بدل ذلك منّا ونصف منّ غزلا أدقّ ممّا كان دفعه إليه واتّخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه ».

فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.

ثمّ أخرج صرّة أخرى فقال الغلام علیه السلام : « هذه لفلان بن فلان من محلّة كذا بقم ، تشتمل على خمسين دينارا لا يحلّ لنا مسّها ».

قال : وكيف ذلك؟ قال : « لأنّها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكّاره في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل واف وكال ما حصّ الأكّار بكيل بخس ».

فقال مولانا علیه السلام : « صدقت يا بنيّ ».

ثمّ قال : « يا بن إسحاق ، احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها ، فلا حاجة لنا في شيء منها وائتنا بثوب العجوز ».

قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته.

فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليّ مولانا أبو محمّد علیه السلام فقال : « ما جاء بك يا سعد؟ » فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا علیه السلام قال : « فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ » قلت : على حالها يا مولاي ، قال : « فاسأل قرّة عيني » وأومأ إلى الغلام. الحديث (1).

ومنها : ما سمعنا [ أنّ ] شيخا من أصحاب الحديث يقال له : أحمد بن فارس الأديب يقول : سمعت بهمذان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني ، فسألني أن أثبتها له بخطّي ولم أجد إلى مخالفته سبيلا ، وقد كتبتها وعدتها إلى من حكاها ، وذلك أنّ بهمذان أناسا يعرفون ببني راشد ، وهم كلّهم يتشيّعون ، ومذهبهم مذهب

ص: 118


1- « بحار الأنوار » 52 : 80 - 82 ، ح 1 ، نقلا عن « كمال الدين » 2 : 457 - 459 ، ح 21.

أهل الإمامة فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همذان.

فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحا وسمتا : إنّ سبب ذلك أنّ جدّنا الذي ننتسب إليه خرج حاجّا ، فقال : إنّه لمّا صدر من الحجّ وساروا منازل في البادية ، قال : فنشطت في النزول والمشي فمشيت طويلا حتّى أعييت وتعبت وقلت في نفسي : أنام نومة تريحني فإذا جاء أواخر القافلة قمت ، فقال : فما انتبهت إلاّ بحرّ الشمس ولم أر أحدا فتوحّشت ولم أر طريقا ولا أثرا ، فتوكّلت على اللّه عزّ وجلّ وقلت : أسير حيث وجّهني.

ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنّها قريبة عهد بغيث وإذا تربتها أطيب تربة ، ونظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف ، فقلت :

يا ليت ، شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به فقصدته ، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين فسلّمت عليهما فردّا عليّ ردّا جميلا ، وقالا : اجلس فقد أراد اللّه بك خيرا ، وقام أحدهما ودخل واحتبس غير بعيد ، ثمّ خرج فقال : قم فادخل ، فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بناء ولا أضوأ منه ، وتقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ، ثمّ قال لي : ادخل ، فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت وقد علّق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته تمسّ رأسه ، والفتى بدر يلوح في ظلام ، فسلّمت فردّ السّلام بألطف الكلام وأحسنه ، ثمّ قال لي : « أتدري من أنا؟ »

فقلت : لا واللّه.

فقال : « أنا القائم من آل محمّد صلی اللّه علیه و آله ، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف - وأشار إليه - فأملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ».

فسقطت على وجهي وتعفّرت ، فقال : « لا تفعل ، ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها : همذان ».

ص: 119

قلت : صدقت يا سيّدي ومولاي.

قال : « فتحبّ أن تئوب إلى أهلك؟ »

قلت : نعم يا سيّدي ، وأبشّرهم بما أتاح اللّه عزّ وجلّ لي. فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي وناولني صرّة ، وخرج ومشى معي خطوات فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة مسجد ، فقال : أتعرف هذا البلد؟

قلت : إنّ بقرب بلدنا بلدة تعرف بأستاباد وهي تشبهها.

قال : فقال : هذه أستاباد امض راشدا. فالتفتّ فلم أره ، ودخلت أستاباد وإذا في الصرّة أربعون أو خمسون دينارا ، فوردت همذان وجمعت أهلي وبشّرتهم بما أتاح اللّه لي ويسرّه عزّ وجلّ ، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير (1).

ومنها : الخبر المشهور عند أكثر أهل المشهد الشريف الغروي : كان رجل من أهل الخير والصلاح ويدعى حسين له عيال وأطفال ، فأصابه فالج فمكث مدّة لا يقدر على القيام وإنّما يرفعه عياله عند حاجته وضروراته ، ومكث على ذلك مدّة مديدة ، فدخل على عياله وأهله بذلك شدّة شديدة واحتاجوا إلى الناس واشتدّ عليهم البأس ، فلمّا كان سنة عشرين وسبعمائة هجريّة في ليلة من لياليها بعد ربع الليل نبّه عياله ، فانتبهوا في الدار فإذا الدار والسطح قد امتلأ نورا يأخذ بالأبصار ، فقالوا : ما الخبر؟

فقال : إنّ الإمام علیه السلام جاءني وقال لي : « قم يا حسين ».

فقلت : يا سيّدي ، أتراني أقدر على القيام؟ فأخذ بيدي وأقامني فذهب ما بي وها أنا صحيح على أتمّ ما ينبغي (2).

ومنها : ما قال الفاضل العلاّمة في « البحار » :

ص: 120


1- « بحار الأنوار » 52 : 40 - 42 ، ح 30 ، نقلا عن « كمال الدين » 2 : 453 - 454 ، ح 20.
2- المصدر السابق : 73 - 74 ، ذيل ح 55.

من الحكايات التي سمعتها عمّن قرب من زماننا : ما أخبرني جماعة عن السيّد الفاضل أمير علاّم ، قال : كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدّسة بالغريّ - على مشرّفها السّلام - وقد ذهب كثير من الليل ، فبينا أنا أجول فيها إذ رأيت شخصا مقبلا نحو الروضة المقدّسة فأقبلت إليه ، فلمّا قربت منه عرفت أنّه أستاذنا الفاضل العالم التقيّ الزكيّ مولانا أحمد الأردبيلي - قدّس اللّه روحه - فأخفيت نفسي عنه حتّى أتى الباب وكان مغلقا فانفتح له عند وصوله إليه ، ودخل الروضة فسمعته يتكلّم كأنّه يناجي أحدا ، ثمّ خرج وأغلق الباب ، فمشيت خلفه حتّى خرج من الغريّ وتوجّه نحو مسجد الكوفة ، فكنت خلفه بحيث لا يراني حتّى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين علیه السلام عنده ومكث طويلا ، ثمّ رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو الغريّ فكنت خلفه حتّى قرب من الحنّانة فأخذني سعال لم أقدر على دفعه فالتفت إليّ فعرفني ، فقال : أنت مير علاّم؟ قلت : نعم. قال : ما تصنع هاهنا؟

قلت : كنت معك حيث دخلت الروضة المقدّسة إلى الآن ، وأقسم عليك بحقّ صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة من البداية إلى النهاية.

فقال : أخبرك على أن لا تخبر أحدا ما دمت حيّا ، فلمّا توثّق ذلك منّي قال : كنت أفكّر في بعض المسائل وقد أغلقت عليّ ، فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين علیه السلام وأسأله عن ذلك ، فلمّا وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة ، وابتهلت إلى اللّه تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك ، فسمعت صوتا من القبر أن ائت مسجد الكوفة واسأل عن القائم علیه السلام فإنّه إمام زمانك ، فأتيت عند المحراب وسألته عنها وأجبت ، وها أنا أرجع إلى بيتي (1).

ومنها : ما قال الفاضل العلاّمة في « البحار » :

ص: 121


1- « بحار الأنوار » 52 : 174 - 175 ، باب نادر فيمن رآه علیه السلام قريبا من زماننا.

أخبرني بعض الأفاضل الكرام والثقات الأعلام ، قال : أخبرني بعض من أثق به ، يرويه عمّن يثق به ويطريه أنّه قال : لمّا كانت بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج جعلوا واليها رجلا من المسلمين ليكون ادعى إلى تعميرها ، وأصلح بحال أهلها ، وكان هذا الوالي من النواصب ، وله وزير أشدّ نصبا منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيت علیهم السلام ، ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكلّ حيلة ، فلمّا كان في بعض الأيّام دخل الوزير على الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي ، فإذا كان مكتوبا عليها : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ خلفاء رسول اللّه.

فتأمّل الوالي ورأى الكتابة من أصل الرمّانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون من صناعة بشر ، فتعجّب من ذلك وقال للوزير : هذه آية بيّنة وحجّة قويّة على إبطال مذهب الرافضة فما رأيك في أهل البحرين؟

فقال له : أصلحك اللّه إنّ هؤلاء جماعة متعصّبون ينكرون البراهين ، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمّانة ، فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل ، وإن أبوا إلاّ المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين الثلاث : إمّا أن يؤدّوا الجزية وهم صاغرون ، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا محيص لهم عنها ، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم ونأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه ، وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمّانة ، وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف : من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار ، فتحيّروا في أمرها فلم يقدروا على جواب وتغيّرت وجوههم وارتعدت فرائصهم. فقال كبراؤهم : أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلّنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلاّ فاحكم فينا ما شئت.

فأمهلهم ، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيّرين فاجتمعوا في مجلس

ص: 122

وأجالوا الرأي في ذلك ، فاتّفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة ففعلوا ، ثمّ اختاروا من العشرة ثلاثة ، فقالوا لأحدهم : اخرج الليلة إلى الصحراء واعبد اللّه فيها واستغث بإمام زماننا وحجّة اللّه علينا ، لعلّه يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء ، فخرج وبات طول ليلته متعبّدا خاشعا داعيا باكيا يدعو اللّه ويستغيث بالإمام علیه السلام حتّى أصبح ولم ير شيئا ، فأتاهم وأخبرهم.

فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر ، فازداد قلقهم وجزعهم فأحضروا الثالث وكان تقيّا فاضلا اسمه محمّد بن عيسى ، فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلى الصحراء وكانت ليلة مظلمة ، فدعا وبكى وتوسّل إلى اللّه تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البليّة عنهم واستغاث بصاحب الزمان علیه السلام فلمّا كان آخر الليل إذ هو برجل يخاطبه ويقول : « يا محمّد بن عيسى ، ما لي أراك على هذه الحالة؟ لما ذا خرجت إلى هذه البريّة؟ ».

فقال له : أيّها الرجل ، دعني فإنّي خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم لا أذكره إلاّ لإمامي ولا أشكوه إلاّ إلى من يقدر على كشفه عنّي.

فقال : « يا محمّد بن عيسى ، أنا صاحب الزمان فاذكر حاجتك ».

فقال : إن كنت هو فأنت تعلم قصّتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك.

فقال له : « نعم ، خرجت لمّا دهمكم من أمر الرمّانة وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به ».

قال : فلمّا سمعت ذلك توجّهت إليه ، وقلت : نعم يا مولاي ، قد تعلم ما أصابنا وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنّا.

فقال علیه السلام : « يا محمّد بن عيسى ، إنّ الوزير - لعنه اللّه - في داره شجرة رمّان ، فلمّا حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرمّانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة ، ثمّ وضعهما على الرمّانة وشدّهما عليها وهي صغيرة فأثّر فيها وصارت هكذا. فإذا مضيتم غدا إلى الوالي فقل له : جئتك بالجواب

ص: 123

ولكنّي لا أبديه إلاّ في دار الوزير ، فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك ترى فيها غرفة ، فقل للوالي : لا أجيبك إلاّ في تلك الغرفة ، وسيأبى الوزير عن ذلك وأنت بالغ في ذلك ولم ترض إلاّ بصعودها ، فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده يتقدّم عليك ، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوّة فيها كيس أبيض فانهض إليه وخذه فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة ، ثمّ ضعها أمام الوالي وضع الرمّانة فيها لينكشف له جليّة الحال.

وأيضا يا محمّد بن عيسى ، قل للوالي : إنّ لنا معجزة أخرى وهي أنّ هذه الرمّانة ليس فيها إلاّ الرماد والدخان ، وإن أردت صحّة ذلك فأمر الوزير بكسرها فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته ».

فلمّا سمع محمّد بن عيسى ذلك من الإمام علیه السلام فرح فرحا شديدا وقبّل بين يدي الإمام علیه السلام فانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور ، فلمّا أصبحوا مضوا إلى الوالي ، وفعل محمّد بن عيسى كلّ ما أمره الإمام علیه السلام وظهر كلّ ما أخبره ، فالتفت الوالي إلى محمّد بن عيسى وقال : من أخبرك بهذا؟

فقال : إمام زماننا وحجّة اللّه علينا.

فقال : ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمّة واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر علیهم السلام ، فقال : الوالي : مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّدا صلی اللّه علیه و آله عبده ورسوله ، وأنّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين عليّ علیه السلام ثمّ أقرّ بالأئمّة علیهم السلام إلى آخرهم وحسن إيمانه وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم.

قال : وهذه القصّة مشهورة عند أهل البحرين ، وقبر محمّد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس (1).

ص: 124


1- « بحار الأنوار » 52 : 178 - 180 ، باب نادر فيمن رآه علیه السلام قريبا من زماننا.

[ فضائل سائر الأئمّة في الصواعق المحرقة ]

اعلم : أنّ ابن حجر ذكر في صواعقه نبذا من فضائل سائر الأئمّة علیهم السلام ينبغي ذكرها ؛ لما مرّ من أنّ « الفضل ما شهدت به الأعداء » ؛ حيث قال في بيان ما يتعلّق بمولانا الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام :

إنّه آخر الخلفاء الراشدين بنصّ جدّه صلی اللّه علیه و آله ، ولي الخلافة بعد قتل أبيه بمبايعة أهل الكوفة فأقام بها ستّة أشهر وأيّاما ، خليفة حقّ وإمام عدل وصدق تحقيقا لما أخبر به جدّه الصادق المصدوق صلی اللّه علیه و آله بقوله : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة » ، فإنّ تلك الستّة أشهر هي المكمّلة ، فكانت خلافته منصوصا عليها وقام عليها إجماع من ذكر فلا مرية في حقيّتها ؛ ولذا أناب معاوية عنه وأقرّ له بذلك ثمّ ذكر الأحاديث الواردة في فضائله (1).

ومنها : أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله كان على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرّة وإليه مرّة ويقول : « إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين » (2).

ومنها : أنّه قال صلی اللّه علیه و آله : « هما ريحانتاي من الدنيا » ، (3) يعني الحسن والحسين علیهماالسلام .

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « الحسن والحسين علیهماالسلام سيّدا شباب أهل الجنّة » (4).

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال في حالة كون الحسن والحسين على وركيه : « هذان ابناي وابنا ابنتي اللّهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما » (5).

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله سئل : أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال : « الحسن والحسين » (6).

ص: 125


1- « الصواعق المحرقة » : 135 - 136.
2- « الصواعق المحرقة » : 137 ؛ « صحيح البخاري » 3 : 1369 ، ح 3536.
3- « الصواعق المحرقة » : 137 ؛ « صحيح البخاري » 3 : 1371 ، ح 3543.
4- « الصواعق المحرقة » : 137 ؛ « سنن الترمذي » 5 : 656 ، ح 3768.
5- « الصواعق المحرقة » : 137 ؛ « سنن الترمذي » 5 : 657 ، ح 3769.
6- « الصواعق المحرقة » : 137 ؛ « سنن الترمذي » 5 : 658 ، ح 3772.

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله أقبل وقد حمل الحسن على رقبته فلقيه رجل فقال : نعم المركب ركبت يا غلام ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « ونعم الراكب » (1).

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله كان يصلّي فيجيء الحسن وهو ساجد وهو إذ ذاك صغير ، فيجلس على ظهره ومرّة على رقبته ، فيرفعه النبيّ صلی اللّه علیه و آله رفعا رقيقا فلمّا فرغ من الصلاة قالوا : يا رسول اللّه ، إنّك تصنع بهذا الصبيّ شيئا لا تصنعه بأحد؟ فقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّ هذا ريحانتي وإنّ هذا ابني سيّد ، وحسبي أن يصلح اللّه تعالى به بين فئتين من المسلمين » (2). إلى غير ذلك (3).

ثمّ ذكر بعض آثاره وأنّه علیه السلام كان مطلاقا للنساء ، وكان لا يفارق امرأة إلاّ وهي تحبّه ، وأحصوها تسعين امرأة. وقال عليّ علیه السلام : « يا أهل الكوفة ، لا تزوّجوا الحسن فإنّه رجل مطلاق » ، (4) فقال رجل من همذان نزوّجه فما رضي أمسك وما كره طلّق ، (5) إلى غير ذلك ممّا دلّ على حلمه وكرمه وزهده ووقاره.

ثمّ ذكر الآيات الواردة في فضائل أهل البيت كآية التطهير والمباهلة والمودّة في القربة وغيرها (6) ، ثمّ ذكر الأحاديث الواردة فيهم إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قال : « إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك » (7). وفي أخرى : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » (8).

ص: 126


1- « الصواعق المحرقة » : 137 ؛ « المستدرك » للحاكم النيسابوري 4 : 162 ، باب حبّ الصبيان من رحمة اللّه تعالى ، ح 4847.
2- « الصواعق المحرقة » : 138 ؛ « حلية الأولياء » 2 : 35 ، ح 132.
3- راجع « الصواعق المحرقة » : 138.
4- « الصواعق المحرقة » : 139 ؛ « بحار الأنوار » 6 : 56 ، باب تطليق المرأة غير الموافقة ، ح 5.
5- « الصواعق المحرقة » : 139 - 140.
6- المصدر السابق : 143 - 171.
7- « الصواعق المحرقة » : 186 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 148 ، ح 1291.
8- « الصواعق المحرقة » : 186 ؛ « المستدرك » للحاكم النيسابوري 3 : 81 ، باب مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، ح 3365 ؛ « تأريخ بغداد » 12 : 91 ؛ « المناقب » لابن المغازلي : 149 ، ح 175.

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله : « من صنع صنيعة إلى أحد من خلف عبد المطلب في الدنيا فعليّ مكافأته إذا لقيني » (1).

ومنها : أنّه قال صلی اللّه علیه و آله : « النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمّتي » (2).

ومنها : أنّه [ قال ] صلی اللّه علیه و آله : « أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّا لأهل بيتي ولأصحابي » (3).

ومنها : أنّه قال : « إنّ هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قطّ قبل هذه الليلة استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشّرني بأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » (4).

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم » (5).

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « كلّ بني أنثى ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة فإنّي أنا وليّهم وأنا عصبتهم وأنا أبوهم » (6).

ومنها : أنّه صلی اللّه علیه و آله قال : « فاطمة بضعة منّي يبغضني من يبغضها ويغبطني من يغبطها » (7).

ومنها : رواية عليّ علیه السلام أنه صلی اللّه علیه و آله قال : « من آذى شعرة منّي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه » (8).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على غاية جلالتهم ونهاية فضيلتهم.

ثمّ ذكر أحوال مولانا الحسين علیه السلام وقضيّة كربلاء وحمل رأسه إلى ابن زياد ويزيد

ص: 127


1- « الصواعق المحرقة » : 187 ؛ « تأريخ بغداد » 10 : 103.
2- « الصواعق المحرقة » : 187 ؛ « المستدرك » للحاكم النيسابوري 3 : 149.
3- « الصواعق المحرقة » : 187 ؛ « كنز العمّال » 12 : 96 ، ح 34157.
4- « الصواعق المحرقة » : 187 ؛ « سنن الترمذي » 5 : 661 - 662 ، ح 3781.
5- « الصواعق المحرقة » : 187 ؛ « سنن الترمذي » 5 : 360 ، ح 3962.
6- « الصواعق المحرقة » : 188 ؛ « المعجم الكبير » للطبراني 22 : 423 ، ح 1042.
7- « الصواعق المحرقة » : 188 ، مع اختلاف ؛ « سنن الترمذي » 5 : 360 ، ح 3961.
8- « الصواعق المحرقة » : 187 ؛ « الأمالي » للصدوق : 451 ، المجلس 16 ، ح 1006.

وأخذ راهب الدير له في أثناء الطريق عارية في ليلة بعوض عشرة آلاف دينار وتغسيله له وتطييبه ، ووضعه على فخذه والنور منه ساطع إلى السماء وإسلامه لذلك ، وخروجه من الدير وخدمته لأهل البيت (1).

ثمّ ذكر أحوال مولانا سيّد الساجدين زين العابدين علیه السلام ، وأنّ عبد الملك حمله مقيّدا من المدينة بأثقلة من حديد ووكّل به حفظة ، فدخل عليه الزهري لوداعه ، فبكى وقال : وددت أنّي مكانك ، فقال : « أو تظنّ أنّ ذلك يكربني لو شئت لما كان وأنّه ليذكّرني عذاب اللّه ».

ثمّ أخرج رجليه من القيد وفكّ يده من الغلّ ، ثمّ قال : لأجزت معهم على هذا يومين من المدينة ، فما مضى يومان إلاّ وفقدوه حين طلع الفجر وهم يرصدونه ، فطلبوه فلم يجدوه ، فقال الزهري فقدمت على عبد الملك فسألني عنه فأخبرته ، فقال : قد جاءني يوم فقده الأعوان فدخل عليّ فقال : « ما أنا وأنت؟ » فقلت : أقم عندي ، فقال : « لا أحبّ ».

ثمّ خرج ، فو اللّه لقد امتلأ قلبي منه خيفة ، ومن ثمّ كتب عبد الملك للحجّاج أن تجنّب دماء بني عبد المطّلب وأمره بكتم ذلك ، فكوشف به زين العابدين فكتب إليه : « أنّك كتبت للحجّاج يوم كذا أمرا في حقّنا بني عبد المطّلب بكذا وكذا وقد شكر اللّه لك ذلك » ، وأرسل به إليه ، فلمّا وقف عليه وجد تأريخه موافقا لتأريخ كتابه للحجّاج ، ووجد مخرج الغلام موافقا لمخرج رسوله للحجّاج ، فعلم أنّ زين العابدين كوشف بسرّه ، فسر به وأرسل إليه مع غلامه يوقر راحلته دراهم وكسوة ، وسأله أن لا يخليه من صالح دعائه (2).

وقال الفرزدق في شأنه إذ أقبل حتّى استلم وتنحّى له الناس الذين كان عند

ص: 128


1- « الصواعق المحرقة » : 192 - 200.
2- المصدر السابق : 200.

هشام ، نظم :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم *** هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت *** عن نيلها عرب الإسلام والعجم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا

فليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من أنكرت والعجم (1)

ثمّ ذكر أحوال مولانا الباقر علیه السلام فقال : هو باقر العلوم وجامعه ، وعمر بطاعة اللّه أوقاته ، وله من مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين ، وكفاه شرفا أنّه قال [ له ] جابر - وهو صغير - : رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يسلّم عليك فقيل له : وكيف ذاك؟ قال : كنت جالسا عنده ، والحسين في حجره وهو يلاعبه ، فقال : « يا جابر ، يولد له مولود اسمه عليّ ، إذا كان يوم القيامة ينادي مناد : ليقم زين العابدين فيقوم ولده ، ثمّ يولد له ولد اسمه محمّد فإذا أدركته يا جابر ، فأقرئه منّي السّلام » (2).

ثمّ ذكر أحوال مولانا الصادق علیه السلام وفضله وكماله ، ثمّ حكى عن الليث بن سعد أنّه قال : حججت سنة ثلاث عشرة ومائة ، فلمّا صلّيت العصر في المسجد رقيت أبا قبيس فإذا رجل جالس يدعو ، فقال : « يا ربّ يا ربّ » ، حتّى انقطع نفسه ، ثمّ قال : « يا حيّ يا حيّ » ، حتّى انقطع نفسه ، ثمّ قال : « إلهي إنّي أشتهي العنب فأطعمنيه ، اللّهمّ وإنّ برداي قد خلقا فاكسني ».

قال الليث : فو اللّه ما استتمّ كلامه حتّى نظرت إلى سلّة مملوءة عنبا وليس على الأرض يومئذ عنب وإذا ببردان موضوعان لم أر مثلهما في الدنيا ، فأراد أن يأكل

ص: 129


1- « الصواعق المحرقة » : 200.
2- « الصواعق المحرقة » : 201 ؛ « بحار الأنوار » 46 : 125.

فقلت : أنا شريكك فقال : « ولم؟ » فقلت : لأنّك دعوت وكنت أؤمّن ، قال : « فتقدّم وكل » ، فتقدّمت وأكلت عنبا لم آكل مثله قطّ ما كان له عجم ، فأكلنا حتّى شبعنا ولم تتغيّر السلّة ، فقال : « لا تدّخر ولا تخبّئ منه شيئا ».

ثمّ أخذ أحد البردين ودفع إليّ الآخر فقلت : أنا بي غنى عنه فاتّزر بأحدهما وارتد بالآخر وأعطى برديه الخلقين فقيرا سأله ، قلت : من هذا؟ قال : جعفر الصادق علیه السلام فطلبته بعد ذلك لأسمع منه شيئا فلم أقدر عليه (1).

ثمّ ذكر أحوال مولانا الكاظم علیه السلام قال : سمّي كاظما لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند اللّه ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم.

قال : ومن بديع كراماته ما حكي من شقيق البلخي أنّه خرج حاجّا سنة تسع وأربعين ومائة فرآه بالقادسية منفردا عن الناس ، فقال في نفسه : هذا فتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلاّ على الناس لأمضينّ إليه ولأوبخنّه فمضى إليه ، فقال : « يا شقيق ، ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ ) » الآية ، (2) فأراد أن يحاللّه فغاب عن عينيه ، فما رآه إلاّ بواقصة يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر ، فجاء إليه ليعتذر فخفّف صلاته وقال له : « ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ) » الآية ، (3) فلمّا نزلوا زبالة رآه على بئر سقطت ركوته فيها فدعا فطغى الماء حتّى أخذها فتوضّأ وصلّى أربع ركعات ، ثمّ مال إلى كثيب رمل فطرح منه فيها وشرب ، فقلت : أطعمني من فضل ما رزقك اللّه تعالى ، فقال : « يا شقيق ، لم تزل أنعم اللّه علينا ظاهرة فأحسن ظنّك بربّك » فناولنيها ، فشربت منها فإذا سويق وسكّر ما شربت واللّه ألذّ منه ولا أطيب ريحا ، فشبعت ورويت وأقمت أيّاما لا أشتهي شرابا ولا طعاما ، ثمّ لم أره إلاّ بمكّة وهو بغلمان

ص: 130


1- « الصواعق المحرقة » : 201 - 203.
2- الحجرات (49) : 12.
3- طه (20) : 82.

وغاشية وأمور على خلاف ما كان عليه بالطريق (1).

ثمّ ذكر أحوال مولانا الرضا علیه السلام قال : وهو أنبههم - أي أولاد مولانا الكاظم علیه السلام وهم سبعة وثلاثون - ذكرا وأجلّهم قدرا ، ومن ثمّ أحلّه المأمون محلّ مهجته وأنكحه ابنته وأشركه في مملكته وفوّض إليه أمر خلافته ، فإنّه كتب بيده كتابا سنة إحدى ومائتين بأنّ عليّا الرضا علیه السلام وليّ عهده وأشهد عليه جمعا كثيرين (2).

وقال : قيل للمتوكّل : جرّب فيه ما يقال : إنّ اللّه حرّم لحم أولاد الحسين على السباع ، فأمر بثلاثة من السباع فجيء بها في صحن قصره ، ثمّ دعاه فلمّا دخل أغلق الباب عليه والسباع قد أصمّت الأسماع من زئيرها ، فلمّا مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه وقد سكنت ، فتمسّحت به ودارت حوله وهو يمسحها بكمّه ، ثمّ ربضت فصعد للمتوكّل وتحدّث معه ساعة ، ثمّ نزل ففعلت معه كفعلها الأوّل حتّى خرج فأتبعه المتوكّل بجائزة عظيمة ، فقيل للمتوكّل : افعل كما فعل ابن عمّك فلم يجرأ عليه ، وقال : أتريدون قتلي؟ ثمّ أمرهم أن لا يفشوا ذلك (3).

وقيل : إنّ صاحب هذه القصّة هو عليّ العسكري ؛ لأنّ الرضا علیه السلام توفّي في خلافة المأمون اتّفاقا ولم يدرك المتوكّل (4).

ثمّ ذكر أحوال مولانا الجواد محمّد التقيّ علیه السلام وقال : وممّا اتّفق أنّه بعد موت أبيه بسنة كان واقفا والصبيان يلعبون في أزقّة بغداد إذ مرّ المأمون ، ففرّوا ووقف محمّد - وعمره تسع سنين - فألقى اللّه محبّته في قلبه ، فقال له : يا غلام ، ما منعك من الانصراف؟ فقال له مسرعا : « يا أمير المؤمنين ، لم يكن في الطريق ضيق فأوسّعه لك ، وليس لي جرم فأخشاك ، والظنّ بك حسن أن لا تضرّ من لا ذنب له » ، فأعجبه كلامه

ص: 131


1- « الصواعق المحرقة » : 203 - 204.
2- المصدر السابق : 204.
3- المصدر السابق : 205.
4- المصدر السابق.

وحسن صورته ، فقال له : ما اسمك واسم أبيك؟ قال : « محمّد بن عليّ الرضا علیه السلام » ، فترحّم على أبيه وساق جواده وكان معه بزاة للصّيد.

فلمّا بعد عن العمار أرسل بازا على درّاجة فغاب عنه ، ثمّ عاد من الجوّ في منقاره سمكة صغيرة وبها بقاء الحياة ، فتعجّب من ذلك غاية التعجّب ، ورجع فرأى الصبيان على حالهم ومحمّد عندهم ففرّوا إلاّ محمّدا ، فدنا منه فقال : يا محمّد ، ما في يدي؟ قال : « يا أمير المؤمنين ، إنّ اللّه تعالى خلق في بحر قدرته سمكا صغارا يصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفى علیه السلام ».

فقال له : أنت ابن الرضا حقّا. وأخذه معه ، وأحسن إليه وبالغ في إكرامه ، ولم يزل مشفقا به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عقله وظهور برهانه مع صغر سنّه ، وعزم على تزويجه ابنته أمّ الفضل ، وصمّم على ذلك فمنعه العبّاسيّون من ذلك ؛ خوفا من أنّه يعهد إليه كما عهد إلى أبيه ، فذكر لهم إنّما اختاره لتميّزه على كافّة أهل الفضل علما ومعرفة وحلما على صغر سنّة ، فتنازعوا في اتّصاف محمّد بذلك ، ثمّ تواعدوا على أن يرسلوا إليه يحيى بن أكثم ، ووعدوه بشيء كثير إن قطع لهم محمّدا ، فحضروا للخليفة ومعهم ابن أكثم وخواصّ الدولة ، فأمر المأمون بفراش حسن لمحمّد فجلس عليه فسأله يحيى مسائل أجابه عنها بأحسن جواب وأوضحه.

فقال له الخليفة : أحسنت أبا جعفر ، فإن أردت أن تسأل يحيى ولو بمسألة واحدة فقال : « ما تقول في رجل نظر إلى امرأة أوّل النهار حراما ، ثمّ حلّت له عند ارتفاعه ، ثمّ حرمت عليه عند الظهر ، ثم حلّت له عند العصر ، ثمّ حرمت عليه في المغرب ، ثمّ حلّت له العشاء ، ثمّ حرمت عليه نصف الليل ، ثمّ حلّت له الفجر؟ ».

فقال يحيى : لا أدري ، فقال محمّد : « هي أمة نظرها أجنبيّ بشهوة وهي حرام ، ثمّ اشتراها ارتفاع النهار ، وأعتقها الظهر ، وتزوّجها [ العصر ] ، وظاهر منها المغرب ، وكفّر العشاء ، وطلّقها رجعيّا نصف الليل ، وراجعها الفجر ».

ص: 132

فعند ذلك قال المأمون للعبّاسيّين : قد عرفتم ما كنتم تنكرونه ، ثمّ زوّجه في ذلك المجلس ابنته أمّ الفضل ، ثمّ توجّه بها إلى المدينة ، فأرسلت تشتكي منه لأبيها أنّه تسرّى عليها ، فأرسل إليها أبوها : أنا لم أزوّجك له لتحرّمي عليه حلالا فلا تعودي لمثله.

قال : يقال : إنّه سمّ عن ذكرين وبنتين (1).

ثمّ ذكر أحوال مولانا [ عليّ ] العسكري علیه السلام واستصوب كونه ممتحنا بقضيّة السباع.

ثمّ ذكر أحوال مولانا الحسن العسكري علیه السلام قال : وقع لبهلول معه أنّه رآه وهو صبيّ يبكي والصبيان يلعبون فظنّ أنّه يتحسّر على ما في أيديهم ، فقال : أشتري لك ما تلعب به ، فقال : « يا قليل العقل ، ما للعب خلقنا » ، فقال له : فلما ذا خلقنا؟ قال : « للعلم والعبادة » ، فقال له : من أين لك ذلك؟ قال : « من قول اللّه تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) (2) ».

ثمّ سأله أن يعظه فوعظه بأبيات ، ثمّ خرّ الحسن مغشيّا عليه ، فلمّا أفاق قال له : ما نزل بك وأنت صغير لا ذنب لك؟ فقال : « إليك عنّي ، إنّي رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتّقد إلاّ بالصغار ، وإنّي أخشى أن أكون من صغار حطب جهنّم » (3).

ولمّا حبس قحط الناس بسرّ من رأى قحطا شديدا فأمر الخليفة المعتمد بن المتوكّل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيّام فلم يسقوا ، فخرج النصارى ومعهم راهب كلّما مدّ يده إلى السماء هطلت ، ثمّ في اليوم الثاني كذلك ، فشكّ بعض الجهلة فارتدّ بعضهم ، فشقّ ذلك على الخليفة ، فأمر بإحضار الحسن الخالص وقال له :

ص: 133


1- « الصواعق المحرقة » : 206.
2- المؤمنون (23) : 115.
3- « الصواعق المحرقة » : 206 - 207.

أدرك أمّة جدّك صلی اللّه علیه و آله قبل أن يهلكوا ، فقال الحسن : « يخرجون غدا وأزيل الشكّ إن شاء اللّه ».

وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم ، فلمّا خرج الناس للاستسقاء ورفع الراهب يده مع النصارى غيّمت السماء ، فأمر الحسن علیه السلام بالقبض على يده فإذا فيها عظم آدميّ ، فأخذه من يده وقال : استسق فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فتعجّب الناس من ذلك.

فقال الخليفة للحسن : ما هذا يا أبا محمّد؟

فقال : « هذا عظم نبيّ ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف عن عظم نبيّ تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر » ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسن إلى داره ، وأقام عزيزا مكرّما وصلات الخليفة تصل إليه كلّ وقت إلى أن مات بسرّ من رأى ودفن عند أبيه ، وعمره ثمان وعشرون سنة ، ويقال : إنّه سمّ أيضا (1).

ثمّ ذكر أحوال مولانا صاحب الزمان علیه السلام وقال : عمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه اللّه الحكمة (2).

وعن النبي صلی اللّه علیه و آله وآله أنّه قال : « لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتّى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » (3).

وفي بعض الأخبار الأخر زيادة « واسم أبيه اسم أبي » (4).

وعنه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « سيكون بعدي خلفاء ، ومن بعد الخلفاء أمراء ، ومن بعد الأمراء ملوك ، ومن بعد الملوك جبابرة ، ثمّ يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض

ص: 134


1- المصدر السابق : 207 - 208.
2- المصدر السابق : 208.
3- « الصواعق المحرقة » : 163 ؛ « سنن الترمذي » 4 : 505 ، ح 2230 ؛ « سنن أبي داود » 4 : 104 ، ح 4282.
4- « الصواعق المحرقة » : 163 ؛ « سنن أبي داود » 4 : 104 ، ح 4282 ؛ « كنز العمّال » 14 : 266 ، ح 38661.

قسطا وعدلا كما ملئت جورا » (1).

وعنه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « المهديّ رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدرّيّ » (2).

وعنه صلی اللّه علیه و آله أيضا أنّه قال : « المهديّ من ولد العبّاس عمّي » (3).

والتعارض بينهما مدفوع بأنّهما مهديّان أحدهما من آل النبيّ والآخر عمر بن عبد العزيز الملقّب بالمهديّ إشارة إلى أنّه محتاج إلى الهادي وحمل الخبر « لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم » ، على أنّ المراد ولا مهديّ كامل الكمال المطلق إلاّ عيسى (4).

وذكر قبل ذلك عند ذكر قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) (5) وذكر قول جمع من المفسّرين أنّه نزل في المهديّ اختلاف الناس في أنّ المهديّ (6) من ولد فاطمة يخرج ويبايعه ناس من أهل مكّة بين الركن والمقام أو عمر بن عبد العزيز واسمه محمّد بن عبد اللّه بن المنصور فيوافق ما ورد : « أنّ اسمه يوافق اسمي واسم أبيه اسم أبي » (7).

ثمّ ذكر عن بعض أنّه قال : والشيعة ترى فيه أنّه المنتظر والقائم المهديّ وهو صاحب السرداب عندهم ، وأقاويلهم فيه كثيرة ، وهم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب بسرّ من رأى.

وعن بعض أنّ مولانا العسكريّ علیه السلام لم يكن له ولد لطلب أخيه جعفر ميراثه من تركته لمّا مات (8).

ص: 135


1- « الصواعق المحرقة » : 166 ؛ « المعجم الكبير » للطبراني 22 : 375 ، ح 137 ؛ « كنز العمّال » 14 : 274 ، ح 38704.
2- « الصواعق المحرقة » : 164 ؛ « كنز العمّال » 14 : 264 ، ح 38666.
3- « الصواعق المحرقة » : 166 ؛ « كنز العمّال » ، ح 38663.
4- انظر « الصواعق المحرقة » : 165.
5- الزخرف (43) : 61.
6- « الصواعق المحرقة » : 162.
7- المصدر السابق : 165 - 166.
8- المصدر السابق : 167 - 168.

ثمّ قال : والحاصل أنّهم تنازعوا في المنتظر بعد وفاة العسكري على عشرين فرقة ، وأنّ الجمهور غير الإماميّة على أنّ المهديّ غير الحجّة. فذكر تمسّكهم بكون غيبة شخص هذه المدّة المديدة من خوارق العادة ، وأنّه لو كان هو لوصفه النبيّ صلی اللّه علیه و آله بذلك ، وأنّ المقرّر في الشريعة المطهّرة أنّ الصغير لا تصحّ ولايته فكيف تجوز إمامة من عمره خمس سنين؟! وكيف يصحّ أن يقال : إنّه أوتي الحكم صبيّا مع أنّه لم يخبر به؟! ولقد أحسن القائل :

ما آن للسرداب أن يلد الذي *** كلّمتموه بجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفاء فإنّكم *** ثلّثتم العنقاء والغيلانا

وعن فرقة من الشيعة أنّ الإمام المهديّ هو أبو القاسم محمّد بن عليّ بن عمر بن الحسين السبط.

وعن فرقة أنّه محمّد بن الحنفيّة وأنّه بجبال رضوى (1) ، إلى غير ذلك.

ثمّ ذكر تعجّبه من قول الإماميّة من جهة كون مولانا صغيرا لم يظهر خرق العادة (2). ولا يخفى ما فيه بعد ملاحظة ما ذكرنا.

[ في أسرار الأئمّة عليهم السلام ]

اشارة

ثمّ اعلم أنّه ذكر في بعض كتب الأخبار لسائر الأئمّة الأطهار أيضا نبذا من الأسرار في فصول أخر.

فصل [1] : في أسرار مولانا الحسن المجتبى علیه السلام

فمن ذلك أنّ معاوية لعنه اللّه لمّا أراد حرب عليّ علیه السلام وجمع أهل الشام سمع بذلك ملك الروم فقيل له : رجلان قد خرجا يطلبان الملك ، فقال : من أين؟ فقيل له :

ص: 136


1- المصدر السابق : 168.
2- المصدر السابق : 169.

بالكوفة رجل ، وبالشام رجل ، فقال : صفوهما ، فوصفوهما ، فقال : الشامي مبطل والحقّ في يد الكوفي.

ثمّ كتب إلى معاوية أن ابعث إليّ أعلم أهل بيتك وكتب إلى أمير المؤمنين أن ابعث إليّ أعلم أهل بيتك ؛ حتّى أجمع بينكما وأنظر في الإنجيل من أحقّ بالملك منكما وأخبركما؟

فبعث إليه معاوية ابنه يزيد لعنهما اللّه ، وبعث إليه أمير المؤمنين ابنه الحسن علیهماالسلام فلمّا دخل يزيد أخذ بيده وقبّلها ثمّ قبّل رأسه ، ولمّا دخل الحسن علیه السلام قام الرومي وانحنى على قدميه فقبّلهما ، فجلس الحسن علیه السلام لا يرفع بصره ، فلمّا نظر ملك الروم إليهما ثمّ أخرجهما ثمّ استدعى يزيد وحده وأخرج له 313 صندوقا فيها تماثيل الأنبياء وصورهم قد زيّنت بزينة كلّ نبيّ ، فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ، ثمّ سأله عن أرزاق العباد وعن أرواح المؤمنين وأرواح الكفّار أين تجتمع بعد الموت؟ فلم يعرف.

فدعا الحسن علیه السلام وقال : إنّما بدأت حتّى يعلم أنّك تعلم ما لا يعلم ، وأنّ أباك يعلم ما لا يعلم أبوه ، وأنّ أباك ربّاني هذه الأمّة ، وقد نظرت في الإنجيل فرأيت الرسول محمّدا والوزير عليّا ، ونظرت إلى الأوصياء فرأيت أباك فيها وصيّ محمّد ، فقال الحسن علیه السلام للرومي : « سلني عمّا بدا لك من علم التوراة والإنجيل والفرقان أخبرك ».

فدعا الأصنام ، فأوّل صنم عرضه عليه على صفة القمر فقال الحسن علیه السلام : « هذه صفة آدم أبي البشر ».

ثمّ عرض عليه آخر على صفة الشمس ، فقال : « هذه صفة حوّاء أمّ البشر ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة شيث بن آدم علیه السلام ، وهذا أوّل من بعث وكان عمره في الدنيا 1040 سنة ».

ص: 137

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة نوح علیه السلام صاحب السفينة وكان عمره في الدنيا 1400 ولبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة إبراهيم علیه السلام عريض الصدر طويل الجبهة ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة موسى بن عمران علیه السلام ، وكان عمره 245 وكان بينه وبين إبراهيم خمسمائة سنة ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة إسرائيل علیه السلام ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة يوسف علیه السلام ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة سليمان علیه السلام ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة شعيب علیه السلام ».

ثمّ زكريّا علیه السلام ، ثمّ عيسى بن مريم روح اللّه علیه السلام وكلمته وكان عمره في الدنيا 32 سنة ثمّ رفعه اللّه إليه ثمّ يهبط إلى الأرض بدمشق ويقتل الدجّال ».

ثمّ عرضت عليه أصنام الأوصياء والوزراء فأخبر بأسمائها ، ثمّ عرضت عليه أصنام في صفة الملوك ، وقال له ملك الروم : هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة والإنجيل ، فقال الحسن علیه السلام : « هذه صفة الملوك ».

فقال الملك عند ذلك : أشهد لكم يا آل محمّد ، أنّكم أوتيتم علم الأوّلين والآخرين وعلم التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وألواح موسى ، وإنّا نجد في الإنجيل أنّ أوّل فتنة هذه الأمّة وثوب شيطانها الضليل على ملك بينهما واجتراؤه على ذرّيّته.

ثمّ قال للحسن علیه السلام أخبرني عن سبعة أشياء خلق اللّه تعالى لم تركض في رحم ، فقال علیه السلام : « آدم علیه السلام وحوّاء علیهماالسلام وكبش إسماعيل علیه السلام وناقة صالح علیه السلام وإبليس والحيّة والغراب الذي في القرآن ».

ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن علیه السلام : « في السماء الرابعة ينزل بقدر

ص: 138

ويبسط بقدر ».

وسأله عن أرواح المؤمنين أين تكون؟ فقال علیه السلام : « تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كلّ ليلة جمعة وهي العرش الأدنى ، ومنها يبسط اللّه الأرض ويطوّلها وإليها المحشر ».

ثمّ سأله عن أرواح الكفّار ، فقال : « تجمع في وادي حضرموت عند مدينة اليمن ، ثمّ يبعث اللّه نارا من المشرق ونارا من المغرب وتتبعها ريح شديدة فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس ، فأهل الجنّة عن يمينها وأهل النار عن يسارها في تخوم الأرض السابعة ، فيفوق الناس عند الصخرة ، فمن وجبت له الجنّة دخلها ومن وجبت له النار دخلها ، وذلك قوله تعالى : ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) (1) ».

فالتفت الملك إلى يزيد لعنه اللّه وقال : هذا بقيّة الأنبياء وخليفة الأوصياء ووارث الأصفياء وثاني النقباء ورابع أهل الكساء والعالم بما في الأرض والسماء ، فلا يقاس هذا بمن طبع على قلبه وهو من الضالّين.

ثمّ كتب إلى معاوية : أنّ من آتاه اللّه العلم والحكمة بعد نبيّكم وحكم بالتوراة والإنجيل وأخبار الغيب فالحقّ والخلافة له ومن نازعه فإنّه آثم.

ثمّ كتب إلى أمير المؤمنين علیه السلام : إنّ الحقّ لك وأنّ الخلافة فيك وفي ولدك إلى يوم القيامة ، فقاتل من قاتلك يعذّبه اللّه بيدك ، ومن حاربك وعصاك فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين (2).

ومن ذلك كراماته علیه السلام ما روي عن مولانا الباقر علیه السلام : « أنّ جماعة من أهل الكوفة قالوا للحسن علیه السلام : يا ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ما عندك من أسرار عجائب أمير المؤمنين علیه السلام الذي كان يرينا إيّاها شيئا نريد أن ترينا إيّاه؟

ص: 139


1- الشورى (42) : 7.
2- « مشارق أنوار اليقين » : 86 - 88 ؛ « تفسير القمّي » 2 : 241 - 246 ، مع اختلاف.

فقال علیه السلام : هل تعرفون أمير المؤمنين علیه السلام ؟ فقالوا : نعم ، فرفع سترا كان على باب البيت ، فقال علیه السلام : انظروا ، فنظروا فإذا أمير المؤمنين علیه السلام ، فقالوا : هذا أمير المؤمنين لا يشكّ فيه ونشهد أنّك خليفته حقّا وصدقا » (1).

فصل [2] : في أسرار الحسين علیه السلام

فمن ذلك أنّه لمّا أراد الخروج إلى العراق ، قالت له أمّ سلمة : يا بنيّ ، لا تحزنّي بخروجك ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله [ يقول ] : « يقتل ولدي الحسين علیه السلام بالعراق » ، فقال لها الحسين علیه السلام : « يا أمّاه ، إنّي مقتول لا محالة وليس من الأمر المحتوم بدّ ، وإنّي لأعرف اليوم الذي أقتل فيه والحفرة التي أدفن فيها ، ومن يقتل معي من أهل بيتي وشيعتي ، وإن أردت أريك مضجعي ومكاني » ، ثمّ أشار بيده فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومكانه (2).

ومن ذلك من كتاب الراوندي أنّ رجلا جاء إلى الحسين علیه السلام فقال : إنّ أمّي توفّيت ولم توص بشيء غير أنّها أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثا حتّى أعلمك يا مولاي ، فجاء الحسين علیه السلام وأصحابه فرآها ميّتة ، فدعا اللّه ليحييها فإذا المرأة تتكلّم وقالت : ادخل يا مولاي ، ومرني بأمرك ، فدخل وجلس علیه السلام وقال لها : « أوص يرحمك اللّه » ، فقالت : يا سيّدي ، إنّ لي من المال كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك ، وإن كان مخالفا فلا حظّ للمخالف في أموال المؤمنين ، ثمّ سألته أن يتولّى أمرها وأن يصلّي عليها ، ثمّ صارت ميتة كما كانت (3).

ص: 140


1- « مشارق أنوار اليقين » : 88 ؛ « بحار الأنوار » 27 : 303.
2- « مشارق أنوار اليقين » : 88 ؛ « بحار الأنوار » 44 : 331.
3- « الخرائج والجرائح » 1 : 245 - 246 ، ح 1 ؛ « مشارق أنوار اليقين » : 88 - 89 ؛ « بحار الأنوار » 44 : 180 - 181.

فصل [3] : في أسرار عليّ بن الحسين علیهماالسلام

فمن ذلك ما رواه خالد بن عبد اللّه قال : كان عليّ بن الحسين علیه السلام حاجّا ، فجاء أصحابه فضربوا فسطاطه في ناحية ، فلمّا رآه علیه السلام قال : « هذا مكان قوم من الجنّ المؤمنين وقد ضيّقتم عليهم » ، فناداه هاتف : يا ابن رسول اللّه ، قرّب فسطاطك منّا رحمة ، لنا وإنّ طاعتك مفروضة علينا ، وهذه هديّتنا إليك فاقبلها.

قال جابر : فنظرنا فإذا إلى جانب الفسطاط أطباقا مملوءة رطبا وعنبا وموزا ورمّانا ، فدعا زين العابدين علیه السلام من كان معه من أصحابه فقال : « كلوا من هديّة إخوانكم من المؤمنين » (1).

ومن ذلك ما رواه صاحب كتاب الأربعين أنّ بني مروان لعنهم اللّه لمّا كثر استنقاصهم بشيعة عليّ بن الحسين علیه السلام شكوا إليه حالهم فدعا الباقر علیه السلام وأخرج من كمّه خيطا أصفر وأمره أن يحرّكه تحريكا لطيفا فصعد السطح وحرّكه وإذا الأرض ترجف وبيوت المدينة تساقط حتّى هوى من المدينة ستّمائة وأقبل الناس هاربين إليه يقولون : أجرنا يا ابن رسول اللّه ، أجرنا يا وليّ اللّه ، فقال : « هذا دأبنا ودأبهم يستنقصون بنا ونحن نغنيهم » (2).

ومن ذلك أنّ رجلا سأله : بما ذا فضّلنا على أعدائنا وفيهم من هو أجمل منّا؟ فقال له الإمام علیه السلام : « أتحبّ أن ترى فضلك عليهم؟ » فقال : نعم ، فمسح يده على وجهه ، فقال : « انظر » ، فنظر واضطرب وقال : جعلت فداك ردّني إلى ما كنت فإنّي لم أر في المسجد إلاّ دبّا وقردا وكلبا ، فمسح يده فعاد إلى حاله ، وإليه الإشارة بقوله : « أعداء عليّ علیه السلام مسوخ هذه الأمّة » (3) ، وفي النقل : « اقتلوا الوزغ فإنّه مسوخ

ص: 141


1- « مشارق أنوار اليقين » : 89 ؛ « بحار الأنوار » 46 : 45 ، ح 45.
2- « مشارق أنوار اليقين » : 89 ، مع اختلاف يسير.
3- المصدر السابق : 89.

بني أميّة عليهم اللعنة » (1).

فصل [4] : في أسرار أبي جعفر علیه السلام

فمن ذلك ما رواه محمّد بن مسلم قال : كنت عند أبي جعفر علیه السلام إذ وقع عليه ورشانان ثمّ هدلا ، فردّ عليهما فطارا ، فقلت : جعلت فداك ما هذا؟ فقال : « هذا طائر ظنّ في زوجته سوء فحلفت له فقال لها : لا أرضى إلاّ بمولاي محمّد بن عليّ ، فجاءت فحلفت له بالولاية أنّها لم تخنه فصدّقها ، وما من أحد يحلف بالولاية إلاّ صدق ، إلاّ الانسان فإنّه حلاّف مهين » (2).

ومن ذلك : ما رواه ميسر قال : قمت بباب أبي جعفر علیه السلام فخرجت جارية جلاسيّة ، فوضعت يدي على رأسها فناداني من أقصى الدار : « ادخل لا أبا لك ، فلو كانت الجدران تحجب أبصارنا عنكم كما تحجب أبصاركم عنّا ، لكنّا نحن وإيّاكم سواء » (3).

ومن ذلك : ما رواه محمّد بن مسلم قال : خرجت مع أبي جعفر علیه السلام إلى مكان يريده فسرنا فإذا ذئب قد انحدر من الجبل وجاء حتّى وضع يده على قربوس السرج وتطاول فخاطبه وقال له الإمام علیه السلام : « ارجع فقد فعلت » ، قال : فرجع الذئب مهرولا ، فقلت : يا سيّدي ، ما شأنه؟ فقال علیه السلام : « ذكر أنّ زوجته قد عسرت عليها الولادة فسأل لها الفرج ، وأن يرزقها اللّه ولدا لا يؤذي دوابّ شيعتنا ، فقلت له : اذهب فقد فعلت ».

قال : ثمّ سرنا فإذا قاع محدب يتوقّد حرّا وهناك عصافير يتطايرون ودرن حول بغلته فزجرها ، وقال : « لا ولا كرامة » ، قال : ثمّ سار إلى مقصده ، فلمّا رجعنا من الغد وعدنا إلى القاع فإذا العصافير قد طارت ودارت حول بغلته ورفرفت فسمعته يقول :

ص: 142


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق : 89 - 90 ، مع اختلاف يسير.
3- المصدر السابق : 90.

« اشربي وارتوي » ، قال : فنظرت فإذا في القاع ضحضاح من الماء.

فقلت : يا سيّدي ، بالأمس منعتها واليوم سقيتها؟ فقال : « اعلم أنّ اليوم خالطتها القنابر فسقيتها ، ولو لا القنابر لما سقيتها » ، فقلت : يا سيّدي ، وما الفرق بين القنابر والعصافير؟

فقال : « ويحك أمّا العصافير فإنّهم موالي الرحل ؛ لأنّهم منه ، وأمّا القنابر فإنّهم من موالينا أهل البيت وإنّهم يقولون في صفيرهم : بوركتم أهل البيت وبوركت شيعتكم ولعن اللّه أعداءكم » ، ثمّ قال : « عادانا من كلّ شيء حتّى من الطيور الفاختة ومن الأيّام الأربعاء » (1).

ومن ذلك : ما رواه إسماعيل السندي عن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول لرجل من خراسان كان قدم إليه : « كيف أبوك؟ » قال الرجل : بخير ، قال : « وأخوك؟ » قال : خلفته صالحا ، فقال : « قد هلك أبوك بعد خروجك بيومين ، وأمّا أخوك فقتلته جاريته يوم كذا وقد صار إلى الجنّة » ، فقال الرجل : جعلت فداك إنّ ابني قد خلفته وجعا؟ » فقال : « أبشر فقد برئ وزوّجه عمّه ابنته ، وصار له غلام وسمّاه عليّا وليس من شيعتنا » ، فقال الرجل فما إليه من حيلة؟ فقال : « كلاّ ، قد أخذ من صلب آدم علیه السلام أنّه من أعدائنا فلا يغرّنّك عبادته وخشوعه » (2).

ومن ذلك ما رواه جابر بن يزيد قال : كنّا مع أبي جعفر علیه السلام في المسجد فدخل عمر بن عبد العزيز وهو غلام وعليه ثوبان معصفران ، فقال أبو جعفر علیه السلام : « لا تذهب الأيّام حتّى يملكها هذا الغلام ويستعمل العدل جهرا والجور سرّا ، فإذا مات يبكيه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء » (3).

ومن ذلك : ما رواه أبو بصير قال : قال لي مولاي أبو جعفر علیه السلام : « إذا رجعت إلى

ص: 143


1- « مشارق أنوار اليقين » : 90.
2- « الخرائج والجرائح » 2 : 595 ، ح 6 ؛ « مشارق أنوار اليقين » : 90 - 91.
3- « مشارق أنوار اليقين » : 91.

الكوفة يولد لك ولد وتسمّيه عيسى ويولد لك ولد وتسمّيه محمّدا ، وهما من شيعتنا وأسماؤهما في صحيفتنا وما يولدون إلى يوم القيامة » ، قال : فقلت له : وشيعتكم معكم؟ قال : « نعم ، إذا خافوا اللّه واتّقوه وأطاعوه » (1).

ومن ذلك : أنّه دخل في المسجد يوما فرأى شابّا يضحك في المسجد ، فقال له : « تضحك في المسجد وأنت بعد ثلاثة من أصحاب القبور » ، فمات الرجل في أوّل يوم الثالث ودفن في آخره (2).

ومن ذلك : ما ورد في كتاب كشف الغمّة عن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له يوما : أنتم ذرّيّة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : « نعم » ، قلت : ورسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وارث الأنبياء؟ قال : « نعم » ، قلت : وأنتم ورثتم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : « نعم » ، قلت : فتقدر أن تحيي الموتى وتبرئ الأكمه والأبرص وتخبر الناس بما يأكلون وما يدّخرون؟ قال : « نعم ، بأمر اللّه » ، ثمّ قال : « ادن منّي » ، فدنوت فمسح يده على وجهي فأبصرت السماء والأرض ، ثمّ مسح يده على وجهي فعدت كما كنت لا أرى شيئا (3).

فصل [5] : في أسرار أبي عبد اللّه الصادق علیه السلام

فمن ذلك : ما رواه محمّد بن سنان أنّ رجلا قدم عليه من خراسان ومعه صرر من الصدقات معدودة مختومة وعليها أسماء أصحابها مكتوبة ، فلمّا دخل الرجل جعل أبو عبد اللّه علیه السلام يسمّي أصحاب الصرر ، ويقول : « أخرج صرّة فلان فإنّ فيها كذا وكذا » ، ثمّ قال : « أين صرّة المرأة التي بعثتها من غزل يدها؟ أخرجها فقد قبلناها ».

ثمّ قال للرجل : « أين الكيس الأزرق؟ » وكان فيما حمل إليه كيس أزرق فيه ألف درهم ، وكان الرجل قد فقده في بعض طريقه ، فلمّا ذكره الإمام استحى الرجل وقال :

ص: 144


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.
3- « كشف الغمّة » 2 : 142 - 143 ؛ « مشارق أنوار اليقين » : 91.

يا مولاي ، إنّي فقدته في بعض الطريق.

فقال له الإمام : « تعرفه إذا رأيته؟ » فقال : نعم ، فقال : « يا غلام ، أخرج الكيس الأزرق » ، فأخرجه فلمّا رآه الرجل عرفه ، فقال له الإمام : « إنّا احتجنا إلى ما فيه فأحضرناه قبل وصولك إلينا ».

فقال الرجل : يا مولاي ، إنّي ألتمس الجواب بوصول ما حملته إلى حضرتكم ، فقال له : « إنّ الجواب كتبناه وأنت في الطريق » (1).

ومن ذلك : ما رواه عبد اللّه بن الكاهلي قال : قال لي الصادق علیه السلام : « إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسيّ ، وقل : عزمت عليك بعزيمة اللّه وعزيمة الرسول وعزيمة سليمان بن داود وعزيمة عليّ أمير المؤمنين والأئمّة من بعده. فإنّه ينصرف عنك ».

قال : فخرجت مع ابن عمّ لي قادما من الكوفة فعرض لنا السبع ، فقرأت عليه ما علّمني مولاي ، فطأطأ رأسه ورجع عن الطريق ، فلمّا قدمت إلى سيّدي من قبل أن أعلمته بالخبر ، فقال : « أتراني لم أشهدكم؟ أنّ لي مع كلّ وليّ أذنا سامعة وعينا ناظرة ولسانا ناطقا » ، ثمّ قال : « يا عبد اللّه ، أنا واللّه صرفته عنكما ، وعلامة ذلك أنّكما كنتما على شاطئ النهر » (2).

ومن ذلك : ما رواه أبو بصير قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « إنّ المعلّى بن خنيس ينال درجتنا ، وإنّ المدينة من قابل يليها داود بن عروة ويستدعيه ويأمره أن يكتب له أسماء شيعتي فيأبى فيقتله ويصلبه ، فينال بذلك درجتنا ».

فلمّا ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلّى وسأله عن الشيعة ، فقال : ما أعرفهم ، فقال : اكتبهم لي وإلاّ ضربت عنقك ، فقال : أبالقتل تهدّدني؟ واللّه لو كانوا

ص: 145


1- « مشارق أنوار اليقين » : 91 - 92 ؛ « بحار الأنوار » 47 : 156 - 157.
2- المصدر السابق.

تحت قدميّ ما رفعتهما عنهم. فأمرهم بضرب عنقه وصلبه.

فلمّا دخل عليه الصادق علیه السلام قال : « يا داود ، قتلت معلّى وكيلي وما كفاك القتل حتّى صلبته ، واللّه لأدعو اللّه عليك فيقتلك كما قتلته » ، فقال له داود : أتهدّدني بدعائك؟ ادع اللّه لك فإذا استجاب لك فادعه عليّ ، فخرج أبو عبد اللّه مغضبا فلمّا جنّ الليل اغتسل واستقبل القبلة ، ثمّ قال : « يا ذا يا ذي يا ذو ، ارم داود سهما من سهام قهرك ويتبلبل به قلبه » ، ثمّ قال لغلامه : « اخرج واسمع الصائح » ، فجاء الخبر أنّ داود قد هلك ، فخرّ الإمام ساجدا فقال : « واللّه لقد دعوت اللّه عليه بثلاث كلمات لو أقسمت على أهل الأرض لزلزلت بمن عليها » (1).

ومن ذلك : أنّ المنصور يوما دعا الصادق علیه السلام فركب معه إلى بعض النواحي ، فجلس المنصور على تلّ هناك وإلى جانبه أبو عبد اللّه علیه السلام فجاء ، رجل وهمّ أن يسأل المنصور ، ثمّ أعرض عنه وسأل عن الصادق علیه السلام ، فحثى له من رمل هناك ملء يديه ثلاث مرّات ، فقال : « اذهب وأغل » ، فقال له بعض حاشية المنصور : أعرضت عن الملك وسألت فقيرا لا يملك شيئا؟ فقال الرجل - وقد غرق وجهه خجلا ممّا أعطاه - إنّي سألت من أنا واثق بعطائه ، ثمّ جاء بالتراب إلى بيته ، فقالت له زوجته : من أعطاك هذا؟ فقال : جعفر علیه السلام ، فقالت : وما قال لك؟ قال : قال لي : « أغل » ، فقالت : إنّه صادق فاذهب منه بقليل إلى أهل المعرفة فإنّي أشمّ منه رائحة الغناء ، فأخذ الرجل منه جزءا ومرّ به إلى بعض اليهود فأعطاه فيما حمل منه إليه عشرة آلاف درهم ، وقال له : ائتني بباقيه على هذه القيمة (2).

ومن ذلك : أنّ المنصور لمّا أراد قتل أبي عبد اللّه علیه السلام استدعى قوما من الأعاجم يقال لهم : البعرعر لا يفهمون ولا يعقلون ، فخلع عليهم الديباج المثقل والوشي

ص: 146


1- المصدر السابق : 92 - 93 ؛ « بحار الأنوار » 47 : 181.
2- المصدر السابق : 93 ؛ « بحار الأنوار » 47 : 156.

المنسوج ، وحملت الأموال إليهم ، ثمّ استدعاهم وكانوا مائة رجل ، وقال للترجمان : قل لهم : إنّ لي عدوّا يدخل عليّ الليلة فاقتلوه إذا دخل ، قال : فأخذوا أسلحتهم ووقفوا ممتثلين لأمره.

فاستدعى جعفرا علیه السلام وأمره أن يدخل وحده ، ثمّ قال للترجمان : قل لهم : هذا عدوّي فقطعوه ، فلمّا دخل الإمام تعاووا عوى الكلاب ورموا أسلحتهم وكتفوا أيديهم إلى ظهورهم ، وخرّوا له سجّدا ، ومرّغوا وجوههم على التراب ، فلمّا رأى المنصور ذلك خاف وقال : ما جاء بك؟

قال : « أنت ، وما جئتك إلاّ مغتسلا محنّطا ».

فقال المنصور : معاذ اللّه أن يكون ما تزعم ، ارجع راشدا ، فرجع جعفر علیه السلام والقوم على وجوههم سجّدا فقال للترجمان : قل لهم : لم لا قتلتم عدوّ الملك؟ فقالوا : نقتل وليّنا الذي يلقانا كلّ يوم ويدبّر أمرنا كما يدبّر الرجل أمر ولده ، ولا نعرف وليّا سواه ، فخاف المنصور من قولهم وروّحهم تحت الليل ثمّ قتله بعد ذلك بالسمّ (1).

ومن ذلك : ما رواه أحمد البرقي ، عن أبيه ، عن سدير الصيرفي قال : رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله في المنام وبين يديه طبق مغطّى فدنوت منه وسلّمت عليه فكشف الطبق وإذا فيه رطب ، فقلت : يا رسول اللّه ، ناولني رطبة ، فناولنيها فأكلتها ثمّ طلبت اخرى فناولني حتّى أكلت ثمان رطبات فطلبت أخرى فقال : « حسبك ».

قال : فلمّا استيقظت من الغد دخلت على الصادق علیه السلام وإذا بين يديه طبق مغطّى كما رأيته في المنام فكشف عنه وإذا فيه رطب ، فقلت : جعلت فداك ناولني رطبة فناولنيها فأكلتها حتّى سألته أخرى فأعطاني حتّى ناولني ثماني رطبات فأكلتهنّ ثمّ سألته أخرى فقال : « حسبك لو زادك جدّي لزدتك » (2).

ص: 147


1- « مشارق أنوار اليقين » : 93 ؛ « بحار الأنوار » 47 : 181 - 182.
2- المصدر السابق : 94.

فصل [6] : في أسرار أبي الحسن موسى بن جعفر علیه السلام

فمن ذلك : أنّ الرشيد لمّا حجّ دخل المدينة فاستأذن عليه الناس ، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر علیه السلام فلمّا أدخل عليه دخل وهو يحرّك شفتيه ، فلمّا قرب إليه قعد الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثمّ أقبل عليه وقال : كيف أنت يا أبا الحسن؟ كيف عيالك؟ كيف عيال أبيك؟ كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ وهو يقول : « خير خير » ، فلمّا قام أراد الرشيد أن ينهض أقسم عليه أبو الحسن فقعد ، ثمّ عانقه وخرج ، فلمّا خرج قال له المأمون : من هذا الرجل؟ فقال : يا بنيّ ، هذا وارث علوم الأوّلين والآخرين ، هذا موسى بن جعفر علیه السلام فإن أردت علما حقّا فعند هذا (1).

ومن ذلك : ما رواه أحمد البزّاز قال : إنّ الرشيد - لعنه اللّه - لمّا أحضر موسى علیه السلام إلى بغداد فكّر في قتله فلمّا كان قبل قتله بيومين قال للمسيّب - وكان من الحرس عليه لكنّه كان من أوليائه وكان الرشيد لعنه اللّه قد سلّم موسى علیه السلام إلى السندي بن شاهك لعنه اللّه وأمره أن يقيّده بثلاثة قيود من الحديد وزنها ثلاثون رطلا - قال : فاستدعى المسيّب نصف الليل قال : « إنّي ظاعن عنك في هذه الليلة إلى المدينة لأعهد إلى من بها عهدا يعمل به بعدي » ، فقال المسيّب : يا مولاي ، كيف أفتح لك الأبواب والحرس قياما؟ فقال : « ما عليك » ، ثمّ أشار بيده إلى القصور المشيّدة والأبنية العالية والدور المرتفعة فصارت أرضا ، ثمّ قال لي : « يا مسيّب كن على هيئتك فإنّي راجع إليك بعد ساعة » ، فقلت : يا مولاي ، ألا أقطع لك الحديد؟ قال : فنفضه وإذا هو ملقى ، قال : ثمّ خطى خطوة فغاب من عيني ، ثمّ ارتفع البنيان كما كان ، قال المسيّب : فلم أزل قائما على قدمي حتّى رأيت الأبنية والجدران قد خرّت ساجدة إلى الأرض وإذا سيّدي قد أقبل وعاد إلى محبسه وأعاد الحديد إليه ، فقلت :

ص: 148


1- المصدر السابق.

يا سيّدي ، أين قصدت؟ فقال : « كلّ محبّ لنا في الأرض شرقا وغربا حتّى الجنّ في البراري ومختلف الملائكة » (1).

ومن ذلك : ما رواه صفوان بن مهران قال : أمرني سيّدي أبو عبد اللّه علیه السلام يوما أن أقدّم ناقته على باب الدار ، فجئت بها قال : فخرج أبو الحسن موسى علیه السلام مسرعا وهو ابن ستّ سنين فاستوى على ظهر الناقة وأثارها وغاب عن بصري ، قال : فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون وما أقول لمولاي إذا خرج ويريد ناقته؟ قال : فلمّا مضى من النهار ساعة إذ الناقة قد انقضّت كأنّها شهاب وهي ترفضّ عرقا فنزل عنها ودخل الدار ، فخرج الخادم فقال : أعد الناقة مكانها وأجب مولاك ، قال : ففعلت ما أمرني ودخلت عليه ، فقال : « يا صفوان ، إنّما أمرتك بإحضار الناقة ليركبها مولاك أبو الحسن ، فقلت في نفسك : كذا وكذا فهل علمت يا صفوان ، إلى أين بلغ عليها في هذه الساعة؟ أنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين ، وجاوزه أضعافا مضاعفة وأبلغ كلّ مؤمن ومؤمنة سلامي » (2).

ومن ذلك : ما رواه المسيّب أنّ الرشيد - لعنه اللّه - لمّا أراد قتل موسى أرسل إلى عمّاله في الأطراف ، فقال : أن التمسوا لي قوما لا يعرفون اللّه أستعين بهم في مهمّ لي. فأرسلوا إليه قوما يقال لهم : العبدة ، فلمّا قدموا عليه - وكانوا خمسين رجلا - أنزلهم في بيت من بيوت داره قريب المطبخ ، ثمّ حمل إليهم المال والثياب والجواهر والأشربة والخدم ، ثمّ استدعاهم وقال : من ربّكم؟ فقالوا : لا نعرف ربّا وما سمعنا بهذه الكلمة ، فخلع عليهم.

ثمّ قال للترجمان : قل لهم : إنّ لي عدوّا في هذه الحجرة فادخلوا عليه فقطّعوه ، فدخلوا بأسلحتهم على أبي الحسن موسى علیه السلام والرشيد ينظر ما ذا يفعلون ، فلمّا رأوه رموا أسلحتهم وخرّوا له سجّدا ، فجعل موسى علیه السلام يمرّ يده على رءوسهم وهم

ص: 149


1- « مشارق أنوار اليقين » : 94 - 95.
2- المصدر السابق : 95 ؛ « بحار الأنوار » 48 : 99 - 100.

يبكون وهو يخاطبهم بألسنتهم ، فلمّا رأى الرشيد ذلك غشي عليه وصاح بالترجمان : أخرجهم ، فأخرجهم يمشون القهقرى إجلالا لموسى علیه السلام ثمّ ركبوا خيولهم وأخذوا الأموال ومضوا (1).

فصل [7] : في أسرار أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا علیه السلام

ومن ذلك : أنّ الرضا علیه السلام لمّا قدم إلى خراسان توجّهت إليه الشيعة من الأطراف ، فكان عليّ بن أبي أسباط قد توجّه إليه بهدايا وتحف فأخذت القافلة وأخذ ماله وهداياه وضرب على فيه فانتثرت نواجذه ، فرجع إلى قرية هناك ونام فرأى الرضا علیه السلام في منامه وهو يقول : لا تحزن إنّ هداياك ومالك وصلت إلينا ، وأمّا فمك وثناياك فخذ من السعد المسحوق واحش به فاك.

قال : فانتبه مسرورا وأخذ من السعد وحشّى به فاه ، فردّ اللّه عليه نواجذه ، قال : فلمّا وصل إلى الرضا علیه السلام ودخل عليه ، قال له : « قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقّا فادخل هذه الخزانة » فإذا ماله وهداياه كلاّ على حدته (2).

ومن ذلك : أنّ رجلا في الواقفيّة جمع مسائل مشكلة في طومار ، وقال في نفسه : إن عرف معناها فهو وليّ الأمر. فلمّا أتى الباب وقف ليخفّ الناس من المجلس ، فخرج إليه خادم وبيده رقعة فيها جواب مسائله بخطّ الإمام علیه السلام فقال الخادم : أين الطومار؟ فأخرجه ، فقال له : يقول لك وليّ اللّه : « هذا جواب ما فيه » ، فأخذه ومضى (3).

ومن ذلك : أنّ الرضا علیه السلام قال يوما في مجلسه : « لا إله إلاّ اللّه مات فلان » ، ثمّ صبر هنيئة ، وقال : « لا إله إلاّ اللّه غسّل وكفّن وحمل إلى حفرته » ، ثمّ صبر هنيئة ، ثمّ قال :

ص: 150


1- المصدر السابق : 95 - 96 ؛ « بحار الأنوار » 48 : 249.
2- المصدر السابق : 96.
3- المصدر السابق.

« لا إله إلاّ اللّه وضع في قبره وسئل عن ربّه فأجاب ثمّ سئل عن نبيّه فأقرّ ثمّ سئل عن إمامه فأخبر وعن العترة فعدّهم ، ثمّ وقف عندي فما باله وقف؟ » وكان الرجل واقفيّا (1).

ومن ذلك : ما رواه الراوندي في كتابه عن إسماعيل قال : كنت عند الرضا علیه السلام فمسح يده على الأرض فظهرت سبائك من فضّة ، ثمّ مسح يده فغابت ، فقلت : أعطني واحدة منها ، فقال : « إنّ هذا الأمر ما آن وقته » (2).

ومن كراماته : أنّ أبا نواس مدحه بأبيات فأخرج له رقعة فيها تلك الأبيات فتحيّر أبو نواس وقال : يا وليّ اللّه ، واللّه ما قالها أحد غيري ولا سمعها أحد سواك ، فقال : « صدقت ، ولكن عندي في الجفر والجامعة أنّك تمدحني بها » (3).

ومن ذلك : ما رواه أبو الصلت الهروي قال : بينما أنا واقف بين يدي أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا علیه السلام أنّه قال لي : « سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة لو اجتمع عليها كلّ معول بخراسان لم يقدروا على قلعها ، فمرهم أن يحفروا إلى سبع مراقي إلى أسفل وأن يشقّ لي ضريح ، فإنّ الماء سينبع حتّى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ، ثمّ يخرج حوت كبير يلتقط الحيتان الصغار ، ثمّ يغيب فدع يديك على الماء فتكلّم بهذا الكلام ، فإنّه ينضب لك ولا يبقى منه شيئا ، ولا تفعل ذلك إلاّ بحضرة المأمون ».

ثمّ قال لي : « يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلّمك ، وإن خرجت مغطّى الرأس فلا تكلّمني ».

قال أبو الصلت : فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه ، فجاء غلام المأمون وقال : أجب أمير المؤمنين فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه ، ثمّ

ص: 151


1- « مشارق أنوار اليقين » : 96.
2- المصدر السابق ؛ « بحار الأنوار » 49 : 50 ، ح 50 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 340 ، ح 4 ، مع اختلاف يسير.
3- المصدر السابق : 96 - 97.

دخل على المأمون وبين يديه أطباق فاكهة ، وبيده عنقود من عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه ، فلمّا رآه مقبلا وثب قائما وعانقه وأجلسه ثمّ ناوله العنقود ، وقال : يا ابن رسول اللّه ، هل رأيت أحسن من هذا العنب؟

فقال : « قد يكون في بعض الجنان أحسن منه » ، قال له : كل منه ، فقال له الرضا علیه السلام : « اعفني » ، فقال : لا بدّ من ذلك ، ثمّ قال : ما يمنعك أتتّهمني؟

ثمّ تناول العنقود منه وأكل منه وناوله الرضا علیه السلام فأكل منه ثلاث حبّات ، ثمّ رمى به وقام ، فقال له المأمون إلى أين؟ فقال له الرضا علیه السلام : « إلى حيث وجّهتني ».

ثمّ خرج علیه السلام مغطّى الرأس حتّى دخل الدار ، ثمّ أمر أن تغلق الأبواب ، ثمّ نام على فراشه ، فكنت واقفا على صحن الدار باكيا حزينا إذ دخل شابّ حسن الوجه أشبه الناس بالرضا علیه السلام فبادرت إليه ، وقلت : من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال : « الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق » ، فقلت من أنت؟

فقال : « أنا حجّة اللّه ، يا أبا الصلت أنا محمّد بن عليّ » ، ثمّ مضى نحو أبيه الرضا فدخل وأمرني بالدخول ، فلمّا نظر إليه الرضا علیه السلام نهض إليه ليعتنقه ثمّ سحبه سحبا إلى فراشه فأكبّ عليه محمّد بن عليّ فقبّله ، فسر إليه شيئا لم أفهمه ورأيت على شفتي الرضا بياضا أشدّ بياضا من الثلج ورأيت أبا جعفر علیه السلام يلحسه بلسانه ، ثمّ أدخل يده بين صدره وثوبه فاستخرج منه شيئا يشبه العصفور فابتلعه ، ثمّ مضى الرضا علیه السلام فقال لي : « يا أبا الصلت ائتني المغسل والماء من الخزانة » ، فقلت : ما في الخزانة مغسل ولا ماء ، فقال : « ائتمر بما آمرك به » ، قال : فدخلت الخزانة فإذا فيها مغسل وماء فأتيته بها ، ثمّ شمّرت ثيابي لأعاونه ، فقال : « تنحّ فإنّ لي من يساعدني ».

ثمّ قال لي : « ادخل الخزانة وأخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه » ، فدخلت وإذا أنا بسفط لم أره قبل ذلك ، وأخرجته إليه فكفّنه وصلّى عليه.

ص: 152

ثمّ قال : « ائتني بالتابوت » ، فقلت : أمضي إلى النجّار؟ فقال : « إنّ في الخزانة تابوتا » ، فدخلت وإذا تابوت لم أر مثله قطّ ، فأخرجته إليه فوضعه فيه بعد أن صلّى عليه ، ثمّ تباعد عنه وصلّى ركعتين وإذا التابوت قد ارتفع فانشقّ السقف وغاب التابوت ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ، الساعة يأتي المأمون ويسألنا عن الرضا علیه السلام فما ذا نقول؟ فقال : « اسكت يا أبا الصلت ، سيعود أنّه ما من نبيّ من شرق الأرض يموت ووصيّه في غربها إلاّ جمع اللّه بين روحيهما. فما تمّ الحديث حتّى عاد التابوت ».

قال : فاستخرج الرضا من التابوت ووضعه على فراشه كأن لم يكفّن ولم يغسّل ، ثمّ قال : « افتح الباب للمأمون » ، ففتحت الباب وإذا أنا بالمأمون والغلمان على الباب ، فدخل باكيا حزينا قد شقّ جيبه ولطم رأسه وهو يقول : وا سيّداه ، ثمّ جلس عند رأسه وقال : خذوا في تجهيزه وأمر بحفر القبر ، فظهر جميع ما ذكره الرضا علیه السلام ، فقلت له : أمرني أن أحفر له سبع مراقي وأن أشقّ ضريحه ، قال : فافعل ، ثمّ ظهر الماء والحيتان ، فقال المأمون لعنه اللّه : لم يزل الرضا يرينا بعجائبه في حياته حتّى أرانا بعد وفاته ، فقال له وزيره الذي كان معه : أتدري ما أخبرك به؟ قال : لا ، قال : أخبرك أنّ ملككم يا بني العبّاس مع كثرتكم وطول مدّتكم مثل هذه الحيتان حتّى إذا انقضت دولتكم وولّت أيّامكم سلّط اللّه عليكم رجلا فناكم عن آخركم ، فقال له المأمون : صدقت ، ثمّ دفن الرضا ، ومضى لعنة اللّه عليه (1).

فصل [8] : في أسرار أبي جعفر محمّد الجواد النور المستضيء علیه السلام

فمن ذلك : ما روي عنه أنّه جيء به إلى مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بعد موت أبيه الرضا علیه السلام وهو طفل ، فجاء إلى المنبر ورقى منه درجة ، ثمّ نطق فقال : « أنا محمّد بن عليّ الرضا علیه السلام أنا الجواد ، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب ، أنا أعلم بسرائركم

ص: 153


1- « مشارق أنوار اليقين » : 97 - 98.

وظواهركم وما أنتم صائرون إليه ، علم منحنا به من قبل خلق اللّه أجمعين وبعد فناء السموات والأرضين ، ولو لا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلال ووثوب أهل الشكّ لقلت قولا يعجب منه الأوّلون والآخرون ، ثمّ وضع يده الشريفة على فيه وقال : يا محمّد ، اصمت كما صمت آباؤك من قبل » (1).

ومن ذلك ما رواه أبو جعفر الهاشمي ، قال : كنت عند أبي جعفر الثاني علیه السلام ببغداد فدخل عليه ياسر الخادم يوما وقال : يا سيّدنا إنّ سيّدتنا أمّ جعفر تستأذنك أن تصير إليها ، فقال للخادم : « ارجع فإنّي في الأثر » ، ثمّ قام وركب البغلة وأقبل حتّى قدم الباب قال : فخرجت أمّ جعفر أخت المأمون فسلّمت عليه وسألته الدخول على أمّ الفضل بنت المأمون ، وقالت : يا سيّدي ، أحبّ أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقرّ عيني ، قال : فدخل والستور تشال بين يديه ، فما لبث أن خرج راجعا وهو يقول : ( فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ) (2) قال : ثمّ جلس ، فخرجت أمّ جعفر تعثر ذيولها فقالت : يا سيّدي ، أنعمت عليّ بنعمة فلم تتمّها ، فقال لها : « ( أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) (3) إنّه حدث ما لم يحسن إعادته فارجعي إلى أمّ الفضل فاستخبريها عنه » ، فرجعت أمّ جعفر فأعادت عليها ما قال ، فقالت : يا عمّة ، وما أعلمه بذاك عنّي ، ثمّ قالت : فكيف لا أدعو على أبي وقد زوّجني ساحرا ، ثم قالت : واللّه يا عمّة ، إنّه لمّا طلع عليّ جماله حدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلى أثوابي فضممتها ، قال : فبهتت أمّ جعفر من قولها ثمّ خرجت مذعورة ، وقالت : يا سيّدي ، وما حدثت لها؟ قال : « هو من أسرار النساء ».

وقالت : يا سيّدي ، أتعلم الغيب؟ قال : « لا » ، قالت : فنزل إليك الوحي؟ قال : « لا » ، قالت : فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلاّ اللّه وهي؟

ص: 154


1- المصدر السابق : 98 ؛ « بحار الأنوار » 50 : 108 ، ح 27.
2- يوسف (12) : 31.
3- النمل (16) : 1.

فقال : « وأنا أيضا أعلمه من علم اللّه » ، قال : فلمّا رجعت أمّ جعفر قلت له : يا سيّدي ، وما كان إكبار النسوة ، قال : « ما حصل لأمّ الفضل ، فعلمت أنّه الحيض » (1).

فصل [9] : في أسرار أبي الحسن عليّ الهادي علیه السلام

فمن ذلك : ما رواه محمّد بن الحسن الحصيني ، قال : حضر مجلس المتوكّل - لعنه اللّه - مشعبذ هندي ، فلعب عنده بالحقق فأعجبه ، فقال له المتوكّل : يا هندي ، الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فإذا حضر فالعب عنده بما يخجله ، قال : فلمّا حضر أبو الحسن علیه السلام المجلس لعب الهنديّ ، فلم يلتفت إليه ، فقال له : يا شريف ، ما يعجبك لعبي كأنّك جائع.

ثمّ أشار إلى صورة مدوّرة في البساط على شكل الرغيف ، وقال : يا رغيف ، مرّ إلى هذا الشريف ، فارتفعت الصورة فوضع أبو الحسن يده على صورة سبع في البساط ، وقال : « قم فخذ هذا » ، فصارت الصورة سبعا وابتلع الهنديّ وعاد إلى مكانه في البساط ، فسقط المتوكّل لوجهه ، وهرب من كان قائما (2).

ومن ذلك : ما رواه محمّد بن داود القمّي ومحمّد الطلحي قالا : حملنا مالا من خمس ونذور ، وهدايا وجواهر اجتمعت في قم وبلادها ، وخرجنا نريد بها سيّدنا أبا الحسن الهادي ، فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول إلينا ، فرجعنا إلى قم وأحرزنا ما كان عندنا فجاءنا أمره بعد أيّام « أن أنفذنا إليكم إبلا غبراء ، فاحملوا عليها ما عندكم وخلّوا سبيلها » ، قال : فحملناها وأودعنا اللّه ، فلمّا كان من قابل قدمنا عليه ، فقال : « انظروا إلى ما حملتم إلينا » ، فنظرنا إذ المنائح كما هي (3).

ص: 155


1- « مشارق أنوار اليقين » : 98 - 99 ؛ « بحار الأنوار » 50 : 83 - 84 ، ح 7.
2- المصدر السابق : 99 ؛ « بحار الأنوار » 50 : 211 ، ح 24.
3- المصدر السابق : 100 ؛ « بحار الأنوار » 50 : 185 ، ح 62.

فصل [10] : في أسرار أبي محمّد العسكري علیه السلام

فمن ذلك : ما رواه عليّ بن عاصم الكوفي ، قال : دخلت على أبي محمّد العسكري علیه السلام فقال لي : « يا عليّ بن عاصم ، انظر إلى ما تحت قدميك فإنّك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيّين والوصيّين والمرسلين والأئمّة الراشدين ».

قال : قلت : يا سيّدي ، لا أتنعّل ما دمت في الدنيا إكراما لهذا البساط.

فقال : « يا عليّ ، إنّ هذا النعل الذي في رجلك نجس ملعون لا يقرّ بولايتنا » ، قال : قلت في نفسي : ليتني أرى هذا البساط ، فعلم ما في ضميري ، فقال : « ادن منّي » ، فدنوت منه ، فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيرا ، فقال : فرأيت في البساط أقداما وصورا ، فقال : « هذا قدم آدم علیه السلام وموضع جلوسه ، وهذا أثر هابيل ، وهذا أثر شيث ، وهذا أثر نوح ، وهذا أثر قيدار ، وهذا أثر مهلائيل ، وهذا أثر دياد ، وهذا أثر أخنوخ ، وهذا أثر إدريس ، وهذا أثر متوشلخ ، وهذا أثر سام ، وهذا أثر أرفخشد ، وهذا أثر هود ، وهذا أثر صالح ، وهذا أثر لقمان ، وهذا أثر إبراهيم ، وهذا أثر لوط ، وهذا أثر إسماعيل ، وهذا أثر إلياس ، وهذا أثر إسحاق ، وهذا أثر يعقوب ، وهذا أثر يوسف ، وهذا أثر شعيب ، وهذا أثر موسى ، وهذا أثر يوشع بن نون ، وهذا أثر طالوت ، وهذا أثر داود ، وهذا أثر سليمان ، وهذا أثر الخضر ، وهذا أثر دانيال ، وهذا أثر اليسع ، وهذا أثر ذي القرنين الإسكندر ، وهذا أثر شابور بن أردشير ، وهذا أثر لؤيّ ، وهذا أثر كلاب ، وهذا أثر قصيّ ، وهذا أثر عدنان ، وهذا أثر عبد المطّلب ، وهذا أثر عبد اللّه ، وهذا أثر عبد مناف ، وهذا أثر سيّدنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، وهذا أثر أمير المؤمنين ، وهذا أثر الأولياء من بعده إلى المهديّ علیه السلام ؛ لأنّه قد وطأ وجلس عليه ».

ثمّ قال : « انظر إلى الآثار واعلم أنّها آثار دين اللّه وأنّ الشاكّ في اللّه ومن

ص: 156

جحدهم كمن جحد اللّه ».

ثمّ قال : « اخفض طرفك يا عليّ » ، فرجعت محجوبا كما كنت (1).

ومن ذلك : ما رواه الحسن بن حمدان ، عن أبي الحسن الكرخي ، قال : كان أبي بزّازا في الكرخ فجهّزني بقماش إلى سرّ من رأى ، فلمّا دخلت إليها جاءني خادم وناداني باسمي واسم أبي ، وقال : أجب مولاك ، فقلت : ومن مولاي حتّى أجيبه؟

فقال : ما على الرسول إلاّ البلاغ المبين ، قال : فتبعته فجاء بي إلى دار عظيمة البناء لا أشكّ أنّها الجنّة ، وإذا رجل جالس على بساط أخضر ونور جماله يغشي الأبصار ، فقال لي : « إنّ فيما حملت من القماش حبرتين : إحداهما في مكان كذا والأخرى في مكان كذا ، في السفط الفلاني ، ففي كلّ واحدة منهما رقعة مكتوبة فيها ثمنها وربحها ، وثمن إحداهما ثلاثة وعشرون دينارا وربحه ديناران ، وثمن الأخرى ثلاثة عشر دينارا والربح كالأولى فاذهب فأت بهما ».

قال الرجل : فرجعت فجئت بهما إليه فوضعتهما بين يديه ، فقال لي : « اجلس » ، فجلست لا أستطيع النظر إليه إجلالا لهيبته ، قال : فمدّ يده إلى طرف البساط وليس هناك شيء ، فقبض قبضة ، وقال : « هذا ثمن حبرتيك وربحهما » ، قال : فخرجت وعددت المال في الباب فكان المشترى والربح كما كتب أبي لا يزيد ولا ينقص (2).

فصل [11] : في أسرار الإمام المهديّ محمّد بن الحسن علیه السلام

اشارة

فمن ذلك : ما رواه الحسن بن حمدان عن حكيمة بنت محمّد بن عليّ الجواد علیهماالسلام قالت : كان مولد القائم علیه السلام ليلة النصف من شعبان سنة 256 (3) وأمّه نرجس بنت ملك الروم قالت حكيمة : فلمّا وضعته سجد ، وإذا على عضده مكتوب بالنور ( جاءَ الْحَقُ

ص: 157


1- « مشارق أنوار اليقين » : 100 - 101 ؛ « بحار الأنوار » 50 : 304 - 305 ، ح 81.
2- المصدر السابق : 101 ؛ « بحار الأنوار » 50 : 314 - 315 ، ح 12.
3- في المصدر : « سنة 250 ».

وَزَهَقَ الْباطِلُ ) (1).

قالت : فجئت به إلى الحسن علیه السلام فمسح يده الشريفة على وجهه وقال : « تكلّم يا حجّة اللّه ، وبقيّة الأنبياء وخاتم الأوصياء وصاحب الكرّة البيضاء والمصباح من البحر العميق الشديد الضياء ، تكلّم يا خليفة الأنبياء ، ونور الأوصياء ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأشهد أنّ عليّا وليّ اللّه ».

ثمّ عدّ الأوصياء إليه فقال له الحسن علیه السلام : « اقرأ ما نزل على الأنبياء » ، فابتدأ بصحف إبراهيم فقرأها بالسريانيّة ، ثمّ قرأ كتاب نوح وإدريس وكتاب صالح وصحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى وفرقان محمّد صلوات اللّه عليه وعليهم أجمعين ، ثمّ قصّ قصص الأنبياء إلى عهده علیه السلام . (2)

تكميل

اعلم أنّه قد ورد في « الكافي » في باب لزوم الحجّة أخبار ينبغي ذكر بعضها على وجه الاختصار من غير أن يستلزم التكرار.

فأقول : قد روي فيه عن عبد اللّه الأشعري ، عن بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر علیه السلام : « إنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة وحجّة باطنة : فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة علیهم السلام ، وأمّا الباطنة فالعقول » (3). إلى غير ذلك من الأخبار.

وفيه في باب لزوم الحجّة : عن يونس بن يعقوب قال : كان عند أبي عبد اللّه علیه السلام جماعة من أصحابه وفيهم هشام بن الحكم وهو شابّ ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « يا هشام ، ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد؟ وكيف سألته؟ » فقال هشام :

ص: 158


1- الإسراء (17) : 81.
2- « مشارق أنوار اليقين » : 101 - 102.
3- « الكافي » 1 : 16 ، كتاب العقل والجهل ، ح 12.

يا ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، إنّي أجلّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك. فقال له أبو عبد اللّه علیه السلام : « إذا أمرتكم بشيء فافعلوا ».

فقال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك عليّ فخرجت إليه ، فدخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد ، وعليه شملة سوداء متّزر بها من صوف ، وشملة مرتد بها والناس يسألونه ، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتيّ ، ثمّ قلت : أيّها العالم إنّي رجل غريب تأذن لي في مسألتي؟ فقال : نعم.

فقلت له : ألك عين؟ فقال : يا بنيّ ، أيّ شيء هذا من السؤال؟ وشيء تراه كيف تسأل عنه؟!

فقلت : هكذا مسألتي ، فقال : يا بنيّ ، سل وإن كانت مسألتك حمقاء ، قلت : أجبني فيها ، فقال لي : سل؟!

قلت : ألك عين؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها؟ قال : أرى بها الألوان والأشخاص.

قلت : فلك أنف؟ قال : نعم ، قلت : ما تصنع به؟ قال : أشمّ الرائحة.

قلت : ألك فم؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به؟ قال : أذوق به الطعم.

قلت : فلك أذن؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها؟ قال : أسمع بها الصوت.

قلت : ألك قلب؟ فقال : نعم ، قلت : فما تصنع به؟ قال : أميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح والحواسّ.

قلت : أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال : لا ، قلت : وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة؟

قال : يا بنيّ إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو أدركته أو ذاقته أو سمعته ردّته إلى القلب فليستيقن اليقين ويبطل الشكّ.

ص: 159

قال هشام : فقلت له : فإنّما أقام اللّه القلب لشكّ الجوارح؟ قال : نعم ، قلت له : فلا بدّ من القلب وإلاّ لم يستيقن الجوارح؟ قال : نعم.

فقلت له : يا أبا مروان ، فاللّه تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما يصحّح لها الصحيح ويتيقّن به ما شكّت فيه ، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ، ويقيم لك إماما لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك؟

قال : فسكت ولم يقل لي شيئا. ثمّ التفت إليّ فقال : أنت هشام بن الحكم؟ فقلت : لا ، فقال : أفمن جلسائه؟ قلت : لا ، قال : فمن أين أنت؟ قال : قلت : من أهل الكوفة ، قال : فأنت هو ، ثمّ ضمّني إليه وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتّى قمت.

قال : فضحك أبو عبد اللّه علیه السلام وقال : « يا هشام ، من علّمك هذا » ، قلت : شيء أخذته منك وألّفته ، فقال : « هذا واللّه مكتوب في صحف إبراهيم وموسى » (1).

وفي خبر طويل ذكرنا منه موضع الحاجة : فقال علیه السلام للشامي : « كلّم هذا الغلام » - يعني هشام بن الحكم - ، فقال : نعم ، فقال لهشام : يا غلام ، سلني في إمامة هذا ، فغضب حتّى ارتعد ، ثمّ قال للشامي : يا هذا ، أربّك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشامي : بل ربّي أنظر لخلقه.

قال : ففعل بنظره لهم ما ذا؟ قال : أقام لهم حجّة ودليلا كيلا يتشتّتوا أو يختلفوا ، يتألّفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربّهم ، قال : فمن هو؟ قال : رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، قال هشام : فبعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله من؟ قال : الكتاب والسنّة.

قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنّة في رفع الاختلاف عنّا؟ قال الشامي : نعم ، قال ، فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إيّاك؟ قال :

ص: 160


1- « الكافي » 1 : 169 - 171 ، باب الاضطرار إلى الحجّة ، ح 3.

فسكت الشامي.

فقال أبو عبد اللّه علیه السلام للشامي : « ما لك لا تتكلّم؟ » قال الشامي : إن قلت : لم نختلف كذبت ، وإن قلت : إنّ الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت ؛ لأنّهما يحتملان الوجوه ، وإن قلت : قد اختلفنا وكلّ واحد منّا يدّعي الحقّ ، فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنّة إلاّ أنّ لي عليه هذه الحجّة ... إلى آخر الحديث (1).

وفي باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة علیهم السلام : عن زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إنّ اللّه تعالى اتّخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا ، وإنّ اللّه اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا ، وإنّ اللّه تعالى اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا ، وإنّ اللّه تعالى اتّخذه خليلا قبل أن يجعله إماما ، فلمّا جمع له الأشياء قال : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) ، قال : « فمن عظمها في عين إبراهيم قال : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) قال : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (2) قال : « لا يكون السفيه إمام التقيّ » (3).

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ، ولا تعرفوا حتّى تصدّقوا ، ولا تصدّقوا حتّى تسلّموا أبوابا أربعة لا يصلح أوّلها إلاّ بآخرها ، ضلّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا ، إنّ اللّه عزّ وجلّ لا يقبل إلاّ العمل الصالح ولا يقبل اللّه إلاّ الوفاء بالشروط والعهود ، فمن وفى لله عزّ وجلّ بشرطه واستكمل ما وصف من عهده نال من عنده واستكمل وعده ، إنّ اللّه تبارك وتعالى أخبر العباد بطرق الهدى وشرع لهم فيها المنار ، وأخبرهم كيف يسلكون؟ فقال : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (4).

وقال تعالى : ( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (5).

ص: 161


1- المصدر السابق : 172 - 173 ، باب الاضطرار إلى الحجّة ، ح 4.
2- البقرة (2) : 124.
3- « الكافي » 1 : 175 ، باب طبقات الأنبياء ... ، ح 2.
4- طه (20) : 82.
5- المائدة (5) : 27.

فمن اتّقى اللّه فيما أمره لقي اللّه مؤمنا بما جاء به محمّد صلی اللّه علیه و آله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنّوا أنّهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون أنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ، ومن أخذها في غيرها أخذ سبيل الردى ، وصل اللّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله ، وطاعة رسوله بطاعته ، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللّه ولا رسوله ، وهو الإقرار بما أنزل من عند اللّه عزّ وجلّ ... » إلى آخر الحديث (1).

عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « أبى اللّه أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سببا ، وجعل لكلّ سبب شرحا ، وجعل لكلّ شرح علما ، وجعل لكلّ علم بابا ناطقا عرفه من عرفه وجهله من جهله ، ذاك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ونحن » (2).

عن محمّد بن زيد الطبري قال : كنت قائما على رأس الرضا علیه السلام بخراسان وعنده عدّة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العبّاسي ، فقال : « يا إسحاق ، بلغني أنّ الناس يقولون : إنّا نزعم أنّ الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ما قلته قطّ وما سمعته من أحد من آبائي قاله ، ولا بلغني من أحد من آبائي - قال : - ولكنّي أقول : الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا في الدين ، فليبلّغ الشاهد الغائب » (3).

عن أبي سلمة عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته يقول : « نحن الذين فرض اللّه طاعتنا لا يسع الناس إلاّ معرفتنا ، ولا يعذر الناس بجهالتنا ، من عرفنا كان مؤمنا ، ومن أنكرنا كان كافرا ، ومن لم ينكرنا ولم يعرفنا كان ضالاّ حتّى يرجع إلى الهدى الذي افترض اللّه عليه من طاعتنا الواجبة ، فإن يمت على ضلالته يفعل اللّه به ما يشاء » (4).

عن محمّد بن الفضيل قال : سألته عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى اللّه عزّ وجلّ قال :

ص: 162


1- « الكافي » 1 : 181 - 182 ، باب معرفة الإمام والردّ إليه ، ح 6.
2- المصدر السابق : 183 ، ح 7.
3- المصدر السابق : 187 ، باب فرض طاعة الأئمّة ، ح 10.
4- المصدر السابق : 187 - 188 ، ح 11.

« أفضل ما يتقرّب به العباد إلى اللّه عزّ وجلّ طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر » (1) قال أبو جعفر علیه السلام : « حبّنا إيمان وبغضنا كفر » (2).

عن أبي الحسن العطّار قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة » (3).

عن سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ طهّرنا وعصمنا ، وجعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه ، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا » (4).

عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (5) ، فقال : « رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله المنذر وعليّ الهادي ، يا أبا محمّد ، هل من هاد اليوم؟ » قلت : بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد من بعد هاد حتّى دفعت إليك ، فقال : « رحمك اللّه يا با محمّد ، لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثمّ مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب والسنّة ولكنّه حيّ يجري في من بقي كما جرى في من مضى » (6).

عن عبد اللّه بن سنان قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) (7) ، قال : « هم الأئمّة » (8).

وفي باب أهل الذكر الذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم هم الأئمّة علیهم السلام : عن

ص: 163


1- « الكافي » 1 : 188 ، باب فرض طاعة الأئمّة ، ح 12.
2- المصدر السابق : 188 ، ذيل الحديث 12.
3- المصدر السابق : 186 ، ح 5.
4- المصدر السابق : 191 ، باب في أنّ الأئمّة شهداء اللّه ... ، ح 5.
5- الرعد (13) : 7.
6- « الكافي » 1 : 192 ، باب أنّ الأئمّة هم الهداة ، ح 3.
7- النور (24) : 55.
8- « الكافي » 1 : 193 - 194 ، باب أنّ الأئمّة خلفاء اللّه في أرضه ، ح 3.

معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء قال : سألت الرضا علیه السلام فقلت له : جعلت فداك ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (1) ، فقال : « نحن أهل الذكر ونحن المسئولون ».

قلت : فأنتم المسئولون ونحن السائلون؟ قال : « نعم » قلت : حقّا علينا أن نسألكم؟ قال : « نعم » قلت : حقّا عليكم أن تجيبونا؟

قال : « لا ، ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل ، أما تسمع قول اللّه عزّ وجلّ : ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) ؟ (2) » (3).

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ) (4) « فرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الذكر ، وأهل بيته علیهم السلام هم المسئولون وهم أهل الذكر ». (5) وفي معناه أخبار أخر (6).

وفي باب أنّ من وصفه اللّه تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمّة علیهم السلام :

عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (7) ، قال أبو جعفر : « إنّما نحن الذين يعلمون ، والذين لا يعلمون عدوّنا ، وشيعتنا أولو الألباب » (8). وفي معناه خبر آخر. (9)

[ الأبواب المتعلّقة بعلوم الأئمّة علیهم السلام ]

[ وفي ] باب أنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة علیهم السلام : عن أبي بصير ، عن

ص: 164


1- النحل (16) : 43 ؛ الأنبياء (21) : 7.
2- ص (38) : 39.
3- « الكافي » 1 : 210 ، باب أنّ أهل الذكر الذين أمر اللّه ... ، ح 3.
4- الزخرف (43) : 44.
5- « الكافي » 1 : 211 ، باب أنّ أهل الذكر الذين أمر اللّه ... ، ح 4.
6- المصدر السابق ، ح 5 - 7.
7- الزمر (39) : 9.
8- « الكافي » 1 : 212 ، باب من وصفه اللّه تعالى في كتابه ... ، ح 1.
9- المصدر السابق ، ح 2.

أبي عبد اللّه علیه السلام : « نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله » (1). وفي معناه خبران آخران. (2)

وفي باب أنّ الأئمّة علیهم السلام قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم علیهم السلام :

عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول في هذه الآية ( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (3) فأومأ بيده إلى صدره (4). وفي معناه أيضا أخبار أخر.

وفي باب أنّ الأئمّة علیهم السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا :

عن أبي عبيدة المدائني ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إذا أراد الإمام أن يعلم شيئا أعلمه اللّه عزّ وجلّ ذلك » (5).

وفي باب أنّ الأئمّة علیهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون ، وأنّه لا يخفى عليهم شيء صلوات اللّه عليهم :

عن سيف التمّار ، قال : كنّا مع أبي عبد اللّه علیه السلام جماعة من الشيعة في الحجر ، فقال : « علينا عين » ، فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا ، فقلنا : ليس علينا عين ، فقال : « وربّ الكعبة وربّ البنيّة - ثلاث مرّات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما ؛ لأنّ موسى والخضر علیهماالسلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وراثة » (6).

عن ضريس الكناسي قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول - وعنده أناس من

ص: 165


1- « الكافي » 1 : 213 ، باب أنّ الراسخين في العلم ... ، ح 1.
2- المصدر السابق ، ح 2 و 3.
3- العنكبوت (29) : 49.
4- « الكافي » 1 : 213 ، باب أنّ الأئمّة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم ، ح 1.
5- المصدر السابق : 258 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام إذا شاءوا علموا ... ، ح 3.
6- المصدر السابق 1 : 260 - 261 ، باب أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان ... ، ح 1.

أصحابه - : « عجبت من قوم يتوالونا ويجعلونا أئمّة ويصفون بأنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصّمون أنفسهم بضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على من أعطاه اللّه تعالى برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا ، أترون أنّ اللّه تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثمّ يخفي عليهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم » وفي آخر الحديث « أرأيت ما كان من أمر قيام عليّ بن أبي طالب علیه السلام والحسن والحسين وخروجهم » (1).

وفي باب جهات علوم الأئمّة علیهم السلام : عن عليّ السائي ، عن أبي الحسن الأوّل موسى علیه السلام قال : قال : « مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأمّا الماضي فمفسّر ، وأمّا الغابر فمزبور ، وأمّا الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ، ولا نبيّ بعد نبيّنا » (2).

عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّ جبرئيل أتى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله برمّانتين فأكل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إحداهما وكسر الأخرى بنصفين فأكل نصفا وأطعم عليّا علیه السلام نصفا ، ثمّ قال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا أخي ، هل تدري ما هاتان الرمّانتان؟ قال : لا ، قال : أمّا الأولى فالنبوّة ليس لك فيها نصيب ، وأمّا الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه ».

فقلت : أصلحك اللّه كيف كان؟ يكون شريكه فيه؟ قال : « لم يعلّم اللّه محمّدا صلی اللّه علیه و آله علما إلاّ أمره أن يعلّمه عليّا علیه السلام » (3). وفي معناه خبران آخران (4) منزلتهم.

عن المفضّل بن عمر ، قال : قلت لأبي الحسن روّينا عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال :

ص: 166


1- المصدر السابق 1 : 261 - 262 ، باب أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان ... ، ح 4.
2- المصدر السابق 1 : 264 ، باب جهات علوم الأئمّة علیهم السلام ، ح 1.
3- المصدر السابق 1 : 263 ، باب أنّ اللّه عزّ وجلّ لم يعلّم نبيّه علما إلاّ ... ، ح 1.
4- المصدر السابق ، ح 2 و 3.

علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع » ، فقال : « أمّا الغابر فما تقدّم من علمنا ، وأمّا المزبور فما يأتينا ، وأمّا النكت في القلوب فإلهام ، وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك » (1).

وفي باب التفويض إلى رسوله صلی اللّه علیه و آله وإلى الأئمّة علیهم السلام في أمر الدين : عن موسى بن أشيم قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام فسأله رجل عن آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ فأخبره بها ، ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر [ به ] الأوّل ، فدخلني من ذلك ما شاء اللّه حتّى كأنّ قلبي يشرح بالسكاكين ، فقلت في نفسي : تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه ، وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كلّه ، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي ، فسكنت نفسي فعلمت أنّ ذلك منه تقيّة.

قال : ثمّ التفت إليّ فقال : « يا ابن أشيم ، إنّ اللّه عزّ وجلّ فوّض إلى سليمان بن داود علیه السلام فقال : ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (2) ، وفوّض إلى نبيّه صلی اللّه علیه و آله فقال : ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ، (3) فما فوّضه إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فوّضه إلينا » (4).

عن عبد اللّه بن سنان قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « لا واللّه ما فوّض اللّه إلى أحد من خلقه إلاّ إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وإلى الأئمّة علیهم السلام قال اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ ) (5) ، وهي جارية في الأوصياء علیهم السلام » (6).

ص: 167


1- « الكافي » 1 : 264 ، باب جهات علوم الأئمّة علیهم السلام ، ح 3.
2- ص (38) : 39.
3- الحشر (59) : 7.
4- « الكافي » 1 : 265 - 266 ، باب التفويض إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ... ، ح 2.
5- النساء (4) : 105.
6- « الكافي » 1 : 267 - 268 ، باب التفويض إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ... ، ح 8.

وفي آخر : « فما فوّضه اللّه إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقد فوّضه إلينا » (1).

وفي باب أنّ الأئمّة يشبّهون بمن مضى ، وكراهية القول فيهم بالنبوّة : عن سدير ، قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام إنّ قوما يزعمون أنّكم آلهة يتلون بذلك علينا قرآنا ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) (2) ، فقال : « يا سدير ، سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء [ براء و ] برئ اللّه منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي واللّه لا يجمعني اللّه وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ».

قال : وقلت : وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل ويقرءون علينا بذلك قرآنا ( يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (3).

فقال : « يا سدير ، سمعي وبصري وشعري ولحمي ودمي من هؤلاء بريء ، وبرئ اللّه ورسوله منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، واللّه لا يجمعني اللّه وإيّاهم يوم القيامة وهو ساخط عليهم ».

قال : قلت : فما أنتم؟ قال : « نحن خزّان علم اللّه ، نحن تراجمة أمر اللّه ، نحن قوم معصومون ، أمر اللّه تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض » (4).

وروي في باب أنّ الأئمّة محدّثون : عن محمّد بن إسماعيل قال : سمعت أبا الحسن علیه السلام يقول : « الأئمّة علیهم السلام علماء صادقون مفهّمون محدّثون » (5).

عن محمّد بن مسلم قال : ذكر المحدّث عند أبي عبد اللّه علیه السلام ، فقال : « إنّه يسمع

ص: 168


1- المصدر السابق : 265 - 266 ، ح 2.
2- الزخرف (43) : 84.
3- المؤمنون (23) : 51.
4- « الكافي » 1 : 269 - 270 ، باب في أنّ الأئمّة بمن يشبّهون ... ، ح 6.
5- المصدر السابق 1 : 271 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام محدّثون مفهّمون ، ح 3.

الصوت ولا يرى الشخص » ، فقلت له : أصلحك اللّه كيف يعلم أنّه كلام الملك؟ قال : « إنّه يعطى السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه كلام ملك » (1).

وفي معنى الأوّل خبران آخران. (2)

وفي باب وقت ما يعلم الإمام علیه السلام جميع علم الإمام الذي كان قبله عليهم جميعا السّلام : عن عبيد بن زرارة وجماعة معه قالوا : سمعنا أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « يعرف الذي بعد الإمام علم من كان قبله في آخر دقيقة تبقى من روحه » (3).

وفي خبر آخر قال : قلت له : الإمام متى يعرف إمامته وينقل الأمر إليه؟ قال : « في آخر دقيقة من حياة الأوّل » (4).

وفي باب أنّ الأئمّة علیهم السلام في العلم والشجاعة والطاعة سواء :

عن داود النهديّ ، عن عليّ بن جعفر عن أبي الحسن علیه السلام قال : قال لي : « نحن في العلم والشجاعة سواء ، وفي العطاء على قدر ما نؤمر » (5).

عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته يقول : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : نحن في الأمر والفهم والحلال والحرام نجري مجرى واحدا ، فأمّا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ علیه السلام فلهما فضلهما » (6).

وفي آخر : « وحجّتهم واحدة وطاعتهم واحدة » (7).

ص: 169


1- « الكافي » 1 : 271 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام محدّثون مفهّمون ، ح 4.
2- راجع المصدر السابق : 270 - 271 ، ح 2 و 5.
3- المصدر السابق : 274 - 275 ، باب وقت ما يعلم الإمام ... ، ح 2.
4- المصدر السابق : 275 ، ح 3.
5- المصدر السابق : 275 ، باب في أنّ الأئمّة علیهم السلام في العلم والشجاعة والطاعة سواء ، ح 2.
6- المصدر السابق ، ح 3.
7- المصدر السابق ، ح 1.

وفي باب أنّ الإمامة عهد من اللّه عزّ وجلّ معهود من واحد إلى واحد علیهم السلام :

عن عمر بن الأشعث قال سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ، لا واللّه ولكن عهد من اللّه ورسوله صلی اللّه علیه و آله لرجل فرجل حتّى ينتهي الأمر إلى صاحبه » (1). وفي معناه أخبار أخر (2).

وفي باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنّها لا تعود في أخ ولا عمّ ولا غيرهما من القربات :

عن يونس ، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبدا ، إنّما جرت من عليّ بن الحسين ، كما قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) (3) ، فلا تكون بعد عليّ بن الحسين علیهماالسلام إلاّ في الأعقاب وأعقاب الأعقاب » (4). وفي معناه أو قريب منه أخبار أخر (5).

وفي باب الأمور التي توجب حجّة الإمام علیه السلام : عن ابن أبي نصر ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام : إذا مات الإمام بمن يعرف الذي بعده؟

فقال : « للإمام علامات : منها أن يكون أكبر ولد أبيه ، ويكون فيه الفضل والوصيّة ، ويقدم الركب فيقول : إلى من أوصى فلان؟ فيقال : إلى فلان ، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل ، تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان » (6).

وفي باب ما نصّ اللّه عزّ وجلّ ورسوله صلی اللّه علیه و آله على الأئمّة علیهم السلام واحدا فواحدا :

ص: 170


1- المصدر السابق : 277 - 278 ، باب أنّ الإمامة عهد من اللّه ... ، ح 2.
2- راجع الباب المذكور في المصدر السابق.
3- الأحزاب (33) : 6.
4- « الكافي » 1 : 285 - 286 ، باب ثبات الإمامة في الأعقاب ... ، ح 1.
5- راجع الباب المذكور في المصدر السابق.
6- المصدر السابق : 284 ، باب الأمور التي توجب حجّة الإمام ، ح 1.

عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا عن أبي جعفر علیه السلام قال : « أمر اللّه عزّ وجلّ رسوله بولاية عليّ علیه السلام وأنزل عليه ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (1) ، وفرض ولاية أولي الأمر فلم يدروا ما هي؟ فأمر اللّه محمّدا أن يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحجّ - وساق الحديث إلى أن قال علیه السلام - : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض » (2).

وفي باب لو لا أنّ الأئمّة علیهم السلام يزدادون لنفد ما عندهم علیهم السلام :

عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « لو لا أنّا نزداد ، لأنفدنا » ، قال : قلت : تزدادون شيئا لا يعلمه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : « أما إنّه إذا كان ذلك عرض على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ على الأئمّة ، ثمّ انتهى الأمر إلينا » (3).

عن يونس بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « ليس يخرج شيء من عند اللّه عزّ وجلّ حتّى يبدأ برسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ثمّ بأمير المؤمنين علیه السلام ثمّ بواحد بعد واحد لئلاّ يكون آخرنا أعلم من أوّلنا » (4).

وفي باب أنّ الأئمّة علیهم السلام يعلمون جميع العلوم التي خرجت للملائكة والأنبياء علیهم السلام :

عن سماعة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّ لله تبارك وتعالى علمين : علما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله ، فما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله فقد علمناه ، وعلما استأثر به ، فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا ذلك ، وعرض على الأئمّة الذين

ص: 171


1- المائدة (5) : 55.
2- « الكافي » 1 : 289 ، باب ما نصّ اللّه عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة ... ، ح 4.
3- المصدر السابق : 255 ، باب لو لا أنّ الأئمّة علیهم السلام يزدادون ... ، ح 3.
4- المصدر السابق ، ح 4.

كانوا من قبلنا » (1).

عن ضريس قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « إنّ لله عزّ وجلّ علمين : علما مبذولا ، وعلما مكفوفا ، فأمّا المبذول فإنّه ليس من شيء تعلمه الملائكة والرسل إلاّ نحن نعلمه ، وأمّا المكفوف فهو الذي عند اللّه عزّ وجلّ في أمّ الكتاب إذا خرج نفذ » (2).

عن معمّر بن خلاّد قال : سأل أبا الحسن علیه السلام رجل من فارس ، فقال له : أتعلمون الغيب؟ فقال : قال أبو جعفر علیه السلام : « يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنّا فلا نعلم ». - وقال : - « سرّ اللّه عزّ وجلّ أسرّه إلى جبرئيل علیه السلام وأسرّه جبرئيل إلى محمّد صلی اللّه علیه و آله وأسرّه محمّد صلی اللّه علیه و آله إلى من شاء اللّه » (3).

عن عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الإمام يعلم الغيب؟ فقال : « لا ، ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه اللّه ذلك » (4).

عن سدير الصيرفي قال : سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (5) ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إنّ اللّه عزّ وجلّ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السماوات والأرضين ولم يكن قبلهنّ سماوات ولا أرضون أما تسمع لقوله : ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) (6)؟ ».

فقال له حمران : أرأيت قوله - جلّ ذكره - : ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (7)؟ فقال له أبو جعفر علیه السلام : « ( إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (8) ، وكان واللّه

ص: 172


1- المصدر السابق ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام يعلمون جميع العلوم ... ، ح 1.
2- المصدر السابق : 255 - 256 ، ح 3.
3- المصدر السابق : 256 ، باب نادر فيه ذكر الغيب ، ح 1.
4- المصدر السابق : 257 ، ح 4.
5- الأنعام (6) : 101.
6- هود (11) : 7.
7- الجنّ (72) : 26.
8- الجنّ (72) : 27.

محمّد صلی اللّه علیه و آله ممّن ارتضاه ، وأمّا قوله : ( عالِمُ الْغَيْبِ ) فإنّ اللّه عزّ وجلّ عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدّر من شيء ويقضيه في علمه قبل أن يخلفه وقبل أن يفضيه إلى الملائكة ، فذلك يا حمران ، علم موقوف عنده إليه فيه المشيئة فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه ، فأمّا العلم الذي يقدّره عزّ وجلّ ويقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ثمّ إلينا » (1).

وفي باب أنّ علم الأئمّة يزداد كلّ ليلة جمعة : عن أبي يحيى الصنعاني ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : قال لي : « يا أبا يحيى ، إنّ لنا في ليالي الجمعة لشأنا من الشأن » ، قال : قلت : جعلت فداك وما ذاك الشأن؟

قال : « يؤذن لأرواح الأنبياء الموتى علیهم السلام وأرواح الأوصياء الموتى وروح الوصيّ الذي بين أظهركم يعرج بها إلى السماء حتّى توافي بها عرش ربّها فتطوف به أسبوعا ، وتصلّي عند كلّ قائمة من قوائم العرش ركعتين ، ثمّ تردّ إلى الأبدان التي كانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا سرورا ، ويصبح الوصيّ الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جمّ الغفير » (2).

وفي رواية أخرى : « فلا تردّ أرواحنا إلى أبداننا إلاّ بعلم مستفاد ، ولو لا ذلك لأنفدنا » (3). وبمعناه خبر آخر (4).

وفي حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة : قال : فقال لأبي جعفر علیه السلام : يا ابن رسول اللّه ، لا تغضب عليّ قال : « لما ذا؟ » قال : لما أريد أن أسألك عنه ، قال : « قل » ، قال : ولا تغضب؟ قال : « ولا أغضب » ، قال : أرأيت قولك في ليلة القدر وتنزّل الملائكة والروح فيها إلى الأوصياء يأتونهم بأمر لم يكن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قد علمه ، أو

ص: 173


1- « الكافي » 1 : 256 - 257 ، باب نادر فيه ذكر الغيب ، ح 2.
2- المصدر السابق : 253 - 254 ، باب في أنّ الأئمّة علیهم السلام يزدادون ... ، ح 1.
3- المصدر السابق ، ح 2.
4- المصدر السابق ، ح 3.

يأتونهم بأمر كان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يعلمه ، وقد علمت أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مات وليس من علمه شيء إلاّ وعليّ علیه السلام له واع؟

قال أبو جعفر علیه السلام : « ما لي ولك أيّها الرجل؟ ومن أدخلك عليّ؟ » قال : أدخلني عليك القضاء لطلب الدين.

قال : « فافهم ما أقول لك إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمّا أسري به لم يهبط حتّى أعلمه اللّه جلّ ذكره علم ما قد كان وما سيكون ، وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر ، وكذلك كان عليّ بن أبي طالب علیه السلام قد علم جمل العلم ويأتي تفسيره في ليالي القدر كما كان مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ».

قال السائل : أو ما كان في الجمل تفسير؟ قال : « بلى ، ولكنّه إنّما يأتي بالأمر من اللّه تعالى في ليالي القدر إلى النبيّ صلی اللّه علیه و آله وإلى الأوصياء : افعل كذا وكذا لأمر قد كانوا علموه أمروا كيف يعملون فيه ».

قلت : فسّر لي هذا ، قال : « لم يمت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إلاّ حافظا لجملة العلم وتفسيره » ، قلت : فالذي كان يأتيه في ليالي القدر علم ما هو؟ قال : « الأمر واليسر فيما كان قد علم ».

قال السائل : فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا ، قال : « هذا ممّا أمروا بكتمانه ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلاّ اللّه عزّ وجلّ ».

قال السائل : فهل يعلم الأوصياء ما لا يعلم الأنبياء؟ قال : « لا ، وكيف يعلم وصيّ غير علم ما أوصي إليه؟ »

قال السائل : فهل يسعنا أن نقول : إنّ أحدا من الوصاة يعلم ما لا يعلم الآخر؟ قال : « لا ، لم يمت نبيّ إلاّ وعلمه في جوف وصيّه ، وإنّما تنزّل الملائكة والروح في ليلة القدر بالحكم الذي يحكم به بين العباد ».

قال السائل : وما كانوا علموا ذلك الحكم؟ قال : « بلى قد علموه ، ولكنّهم لا يستطيعون إمضاء شيء منه حتّى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى

ص: 174

السنة المقبلة » :

قال السائل : يا أبا جعفر ، لا أستطيع إنكار هذا ، قال أبو جعفر علیه السلام : « من أنكره فليس منّا » ، قال السائل : يا أبا جعفر ، أرأيت النبيّ صلی اللّه علیه و آله هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم يكن علمه؟

قال : « لا يحلّ لك أن تسأل عن هذا ، أمّا علم ما كان وما سيكون فليس يموت نبيّ ولا وصيّ إلاّ والوصيّ الذي بعده يعلمه ، أمّا هذا العلم الذي تسأل عنه فإنّ اللّه عزّ وجلّ أبى أن يطّلع الأوصياء عليه إلاّ أنفسهم ». إلى آخر الحديث (1).

وفي باب النصّ والإشارة إلى عليّ أمير المؤمنين علیه السلام : عن يونس بن رباط قال : دخلت أنا وكامل التمّار على أبي عبد اللّه علیه السلام فقال له كامل : جعلت فداك حديث رواه فلان ، فقال : « اذكره » ، فقال : حدّثني أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله حدّث عليّا بألف باب يوم توفّي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كلّ باب يفتح ألف باب فذلك ألف ألف باب ، فقال : « لقد كان ذلك » ، فقلت : جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم؟ فقال : « يا كامل ، باب أو بابان ».

فقال : جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلاّ باب أو بابان؟ قال : فقال : « وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ما تروون من فضلنا إلاّ ألفا غير معطوفة » (2).

وفي باب ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم علیهم السلام : عن أبي جعفر الثاني علیه السلام أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال لابن العبّاس : « إنّ ليلة القدر في كلّ سنة ، وإنّه ينزل في تلك الليلة أمر السنة ؛ ولذلك الأمر ولاة بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » ، فقال ابن عبّاس من هم؟ قال : « أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدّثون » (3).

ص: 175


1- « الكافي » 1 : 251 - 252 ، باب في شأن إنّا أنزلناه ... ، ح 8.
2- المصدر السابق : 297 ، باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين علیه السلام ، ح 9.
3- المصدر السابق : 532 - 533 ، باب ما جاء في الاثني عشر ... ، ح 11.

وبهذا الإسناد قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لأصحابه : « آمنوا بليلة القدر إنّها تكون لعليّ بن أبي طالب علیه السلام ، ولولده الأحد عشر من بعدي » (1).

وبهذا الإسناد « أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال لأبي بكر : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (2) ، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله مات شهيدا واللّه ليأتينّك فأيقن إذا جاءك ؛ فإنّ الشيطان غير متخيّل به. فأخذ عليّ علیه السلام بيد أبي بكر فأراه النبيّ صلی اللّه علیه و آله ، فقال له : يا أبا بكر ، آمن بعليّ وبأحد عشر من ولده إنّهم مثلي إلاّ النبوّة ، وتب إلى اللّه ممّا في يدك فإنّه لا حقّ لك فيه ، قال : ثمّ ذهب فلم ير » (3).

وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا عليّ ، زرّ الأرض - يعني أوتادها وجبالها - بنا أوتد اللّه الأرض أن تسيخ بأهلها ، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت بأهلها ولم ينظروا » (4).

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : من ولدي اثنا عشر نقيبا نجباء محدّثون مفهّمون ، آخرهم القائم بالحقّ يملأها عدلا كما ملئت جورا » (5).

وعن أبي حمزة قال : سمعت عليّ بن الحسين علیهماالسلام يقول : « إنّ اللّه خلق محمّدا وعليّا وأحد عشر من ولده من نور عظمته ، فأقامهم أشباحا في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق يسبّحون اللّه ويقدّسونه وهم الأئمّة علیهم السلام من ولد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » (6).

وفي باب النصّ والإشارة على الحسن بن عليّ علیهماالسلام : عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ

ص: 176


1- « الكافي » 1 : 533 ، باب ما جاء في الاثني عشر ... ، ح 12.
2- آل عمران (3) : 169.
3- « الكافي » 1 : 533 ، باب ما جاء في الاثني عشر ... ، ح 13.
4- المصدر السابق : 534 ، ح 17.
5- المصدر السابق ، ح 18.
6- المصدر السابق : 530 - 531 ، ح 6.

أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لمّا حضره الذي حضره ، قال لابنه الحسن : ادن منّي حتّى أسرّ إليك ما أسرّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إليّ ، وائتمنك على ما ائتمنني عليه ففعل » (1).

وعن شهر بن حوشب أنّ عليّا علیه السلام حين سار إلى الكوفة استودع أمّ سلمة كتبه والوصيّة ، فلمّا رجع الحسن علیه السلام دفعتها إليه (2).

وفي باب الإشارة إلى الحسين بن عليّ علیه السلام : عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام - أخذنا منه موضع الحاجة - قال : « لمّا حضرت الحسن بن عليّ علیهماالسلام الوفاة قال : يا قنبر ، ... ادع لي محمّد بن عليّ ، فأتيته ... ، فقال : يا محمّد بن عليّ ، لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك يا محمّد بن عليّ ، أما علمت أنّ الحسين بن عليّ علیهماالسلام بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي وجسمي إمام من بعدي وعند اللّه جلّ اسمه في الكتاب وراثة من النبيّ صلی اللّه علیه و آله أضافها اللّه عزّ وجلّ له في وراثة أبيه وأمّه صلوات اللّه عليهم ، فعلم اللّه أنّكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّدا صلی اللّه علیه و آله واختار محمّد عليّا علیه السلام واختارني عليّ علیه السلام بالإمامة واخترت أنا الحسين علیه السلام » إلى آخر الحديث (3).

وفي باب الإشارة والنصّ على عليّ بن الحسين علیه السلام : عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « لمّا حضر الحسين علیه السلام ما حضره ، دفع وصيّته إلى ابنته فاطمة ظاهرة في كتاب مدرّج ، فلمّا أن كان من أمر الحسين علیه السلام ما كان ، دفعت ذلك إلى عليّ بن الحسين علیهماالسلام قلت : فما فيه - يرحمك اللّه -؟ فقال : ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى » (4).

وفي باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر : عن الحسين بن أبي العلاء ، عن

ص: 177


1- « الكافي » 1 : 298 ، باب الإشارة والنصّ على الحسن بن عليّ علیهماالسلام ، ح 2.
2- المصدر السابق : 298 ، ح 3.
3- المصدر السابق : 300 - 302 ، باب الإشارة والنصّ على الحسين بن عليّ علیهماالسلام ، ح 2.
4- المصدر السابق : 304 ، باب الإشارة والنصّ على عليّ بن الحسين علیهماالسلام ، ح 2.

أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته يقول : « إنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم أن يرسل إليه بصدقة عليّ وعمر وعثمان ، وأنّ ابن حزم بعث إلى زيد بن الحسن - وكان أكبرهم - فسأله الصدقة ، فقال زيد : إنّ الوالي كان بعد عليّ الحسن ، وبعد الحسن الحسين ، وبعد الحسين عليّ بن الحسين ، وبعد عليّ بن الحسين محمّد بن عليّ علیهم السلام فابعث إليه.

فبعث ابن حزم إلى أبي ، فأرسلني بالكتاب إليه حتّى دفعته إلى ابن حزم ، فقال له بعضنا : يعرف هذا ولد الحسن؟ قال : نعم كما يعرفون أنّ هذا ليل ، ولكنّهم يحملهم الحسد ، ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيرا لهم ، ولكنّهم يطلبون الدنيا » (1).

وعن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء مثله (2).

وفي باب الإشارة والنصّ على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام : عن أبي الصباح الكناني قال : نظر أبو جعفر علیه السلام إلى أبي عبد اللّه علیه السلام يمشي ، فقال : « ترى هذا؟ هذا من الذين قال اللّه عزّ وجلّ : ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) (3) » (4).

وفي باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى علیه السلام : عن محمّد بن عليّ ، عن عبد اللّه القلاّء (5) ، عن الفيض بن المختار قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : خذ بيدي من النار من لنا بعدك؟ فدخل عليه أبو إبراهيم علیه السلام - وهو يومئذ غلام - فقال : « هذا صاحبكم فتمسّك به » (6).

ص: 178


1- المصدر السابق : 305 - 306 ، باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر علیه السلام ، ح 3.
2- المصدر السابق : 306 ، ذيل حديث 3.
3- القصص (28) : 5.
4- « الكافي » 1 : 306 ، باب الإشارة والنصّ على أبي عبد اللّه ... ، ح 1.
5- في « بحار الأنوار » : « عبد الأعلى ».
6- « الكافي » 1 : 307 ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى علیه السلام ، ح 1 ؛ « بحار الأنوار » 48 : 18 ، ح 18.

وعن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت عبد الرحمن في السنة التي أخذ فيها أبو الحسن الماضي علیه السلام فقلت له : إنّ هذا الرجل قد صار في يد هذا وما يدري إلى ما يصير ، فهل بلغك عنه في أحد من ولده شيء؟

فقال لي : ما ظننت أنّ أحدا يسألني عن هذه المسألة ، دخلت على جعفر بن محمّد علیهماالسلام في منزله فإذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر علیهماالسلام يؤمّن على دعائه ، فقلت : جعلني اللّه فداك قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك فمن وليّ الناس بعدك؟ فقال : « إنّ موسى قد لبس الدرع وساوى عليه ».

فقلت له : لا أحتاج بعد هذا إلى شيء (1).

وفي باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا علیه السلام : عن داود الرقّي قال : قلت لأبي إبراهيم علیه السلام : جعلت فداك إنّي قد كبر سنّي فخذ بيدي من النار. قال : فأشار إلى ابنه أبي الحسن علیه السلام فقال : « هذا صاحبكم من بعدي » (2).

وفي باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر الثاني علیه السلام : عن معمر بن خلاّد قال : سمعت الرضا علیه السلام وذكر شيئا ، فقال : « ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني » ، وقال : « إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا من أكابرنا القذّة بالقذّة » (3).

وفي باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الثالث علیه السلام : عن إسماعيل بن مهران قال : لمّا خرج أبو جعفر علیه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه ، قلت له عند خروجه : جعلت فداك إنّي أخاف عليك في هذا الوجه فإلى

ص: 179


1- « الكافي » 1 : 308 ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى علیه السلام ، ح 3.
2- المصدر السابق : 312 ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا علیه السلام ، ح 3.
3- المصدر السابق : 320 ، ح 2.

من الأمر بعدك؟

فكرّ بوجهه إليّ ضاحكا وقال : « ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة » ، فلمّا أخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت : جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتّى اخضلّت لحيته بالدموع ، ثمّ التفت إليّ فقال : « عند هذه يخاف عليّ ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ » (1).

وفي باب النصّ والإشارة على أبي محمّد علیه السلام : أنّ يحيى بن يسار القنبري قال : أوصى أبو الحسن علیه السلام إلى ابنه الحسن قبل مضيّه بأربعة أشهر ، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي (2).

وعن عليّ بن عمر النوفلي قال : كنت مع أبي الحسن علیه السلام في صحن داره فمرّ بنا محمّد ابنه فقلت له : جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟ فقال : « لا ، صاحبكم بعدي الحسن » (3).

وعن عبد اللّه بن محمّد الأصفهاني قال : قال أبو الحسن علیه السلام : « صاحبكم بعدي الذي يصلّي عليّ » ، قال : ولم نعرف أبا محمّد قبل ذلك ، قال : فخرج أبو محمّد فصلّى عليه (4).

وعن سعد بن عبد اللّه عن جماعة من بني هاشم - منهم الحسن بن الحسن الأفطس - أنّهم حضروا يوم توفّي محمّد بن عليّ علیه السلام باب أبي الحسن يعزّونه وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله ، فقالوا : قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلا سوى مواليه وسائر الناس ، إذ نظر إلى الحسن بن عليّ علیه السلام قال : جاء مشقوق الجيب حتّى قام عن يمينه ونحن

ص: 180


1- المصدر السابق : 323 ، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الثالث علیه السلام ، ح 1.
2- المصدر السابق : 325 ، باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد علیه السلام ، ح 1.
3- المصدر السابق : 325 - 326 ، ح 2.
4- المصدر السابق : 327 ، ح 3.

لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن بعد ساعة ، فقال : « يا بنيّ ، أحدث لله عزّ وجلّ شكرا فقد أحدث فيك أمرا ».

فبكى الفتى وحمد اللّه واسترجع وقال : « الحمد لله ربّ العالمين وأنا أسأل اللّه تمام نعمه لنا فيك ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ».

فسألنا عنه فقيل : هذا الحسن ابنه ، وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجح ، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة فأقامه مقامه (1).

وفي باب الإشارة إلى صاحب الدار علیه السلام : عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ بن بلال قال : خرج إليّ من أبي محمّد علیه السلام قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثمّ خرج إليّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده (2).

عليّ بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد الكوفي ، عن جعفر بن محمّد المكفوف ، عن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمّد ابنه ، فقال : « هذا صاحبكم بعدي » (3).

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن إسحاق ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : قلت لأبي محمّد علیه السلام : جلالتك تمنعني عن مسألتك ، أتأذن لي أن أسألك؟ فقال : « سل » ، قلت : يا سيّدي ، هل لك ولد؟ فقال : « نعم ».

فقلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال : « بالمدينة » (4).

وفي باب تسمية من رآه علیه السلام : عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال : اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو رحمه اللّه عند أحمد بن إسحاق فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف ، فقلت له : يا أبا عمرو ، إنّي أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاكّ فيما أريد أن أسألك عنه ، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إلاّ إذا كان قبل

ص: 181


1- « الكافي » 1 : 326 - 327 ، باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد علیه السلام ، ح 8.
2- المصدر السابق : 328 ، باب الإشارة والنصّ على صاحب الدار علیه السلام ، ح 1.
3- المصدر السابق : 328 ، ح 3.
4- المصدر السابق : ح 2.

يوم القيامة بأربعين يوما.

أقول : وساق الكلام كثيرا إلى أن قال : فخرّ أبو عمرو ساجدا وبكى ، ثمّ قال : سل حاجتك ، فقلت له : أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمّد علیه السلام ؟ فقال : إي واللّه ورقبته مثل ذا ، وأومأ بيده.

فقلت له : فبقيت واحدة ، فقال لي هات : قلت : فالاسم؟ قال : محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عندي فليس لي أن أحلّل ولا أحرّم ، ولكن عنه علیه السلام - وساق الحديث إلى أن قال : - وإذا وقع الاسم وقع الطلب فاتّقوا اللّه وأمسكوا عن ذلك (1).

عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر - وكان أسنّ شيخ من ولد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بالعراق - فقال : رأيته بين المسجدين وهو غلام علیه السلام (2).

وعن حكيمة بنت محمّد بن عليّ - وهي عمّة أبيه - : أنّها رأته ليلة مولده وبعد ذلك (3).

عليّ بن محمّد عن حمدان القلانسي قال : قلت للعمري : قد مضى أبو محمّد علیه السلام ؟ فقال : قد مضى ، ولكن قد خلّف فيكم من رقبته مثل هذه وأشار بيده (4).

عليّ بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد الكوفي ، عن جعفر بن محمّد المكفوف ، عن عمرو الأهوازي قال أرانيه أبو محمّد علیه السلام وقال : « هذا صاحبكم » (5).

وبمضمون ما ذكر وقريب منه أخبار كثيرة لا نطيل الكلام بذكرها.

وفي باب النهي عن الاسم : عن ابن رئاب ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « صاحب هذا

ص: 182


1- المصدر السابق : 329 - 330 ، باب في تسمية من رآه علیه السلام ، ح 1.
2- المصدر السابق ، ح 2.
3- المصدر السابق : 330 - 331 ، ح 3.
4- المصدر السابق : 331 ، ح 4.
5- المصدر السابق : 332 ، ح 12.

الأمر لا يسمّيه باسمه إلاّ كافر » (1).

عن الريّان بن الصلت قال : سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام يقول - وسئل عن القائم علیه السلام - فقال : « لا يرى جسمه ولا يسمّى اسمه » (2).

وقريب بمضمونها خبران آخران (3).

وفي باب الغيبة : عن يمان التمّار قال : كنّا عند أبي عبد اللّه علیه السلام جلوسا فقال لنا : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد ».

ثمّ قال هكذا بيده « فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ».

ثمّ أطرق مليّا ، ثمّ قال : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة فليتّق اللّه عبد وليتمسّك بدينه » (4).

عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهماالسلام قال : « إذا فقد الخامس من ولد السابع فاللّه اللّه من أديانكم لا يزيلكم عنها أحد ، يا بنيّ ، إنّه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به إنّما هي محنة من اللّه عزّ وجلّ امتحن بها خلقه ، لو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصحّ من هذا لاتّبعوه ».

قال : قلت : يا سيّدي ، من الخامس من ولد السابع؟ فقال : « يا بنيّ ، عقولكم تصغر عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه » (5).

عن محمّد بن المساور ، عن المفضّل بن عمر قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إيّاكم والتنويه أما واللّه ليغيبنّ إمامكم سنينا من دهركم ، ولتمحّصنّ حتّى يقال : مات ، أو قتل ، هلك بأيّ واد سلك ، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين ، ولتكفّأنّ كما تكفأ

ص: 183


1- « الكافي » 1 : 333 ، باب في النهي عن الاسم ، ح 4.
2- المصدر السابق ، ح 3.
3- راجع الباب المذكور في المصدر السابق.
4- المصدر السابق : 335 - 336 ، باب في الغيبة ، ح 1.
5- المصدر السابق : 336 ، ح 2.

السفن في أمواج البحر فلا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه ، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا تدرى أيّ من أيّ ».

فبكيت ثمّ قلت : فكيف نصنع؟ قال : فنظر إلى شمس داخلة في الصفّة فقال : « يا أبا عبد اللّه ، ترى هذه الشمس؟ » قلت : نعم ، فقال : « واللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس » (1).

وبمضمونه مع تفاوت ما خبر آخر (2) عن إبراهيم بن خلف بن عباد الأنماطي ، عن المفضّل بن عمر عنه علیه السلام

عن عبيد بن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « يفقد الناس إمامهم يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه » (3).

عن الأصبغ بن نباتة قال : أتيت أمير المؤمنين فوجدته متفكّرا ينكت في الأرض : فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما لي أراك متفكّرا تنكت؟ أرغبة منك فيها؟

فقال : « لا واللّه ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قطّ ، ولكنّي فكّرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي ، هو المهديّ الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما تكون له غيبة وحيرة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ».

فقلت : يا أمير المؤمنين ، وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال : « ستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ستّ سنين » ، فقلت : وإنّ هذا لكائن؟ فقال : « نعم كما أنّه مخلوق وأنّى لك بهذا الأمر يا أصبغ ، أولئك خيار هذه الأمّة مع خيار أبرار هذه العترة ».

فقلت : ثمّ ما يكون بعد ذلك؟ فقال : « ثمّ يفعل اللّه ما يشاء فإنّ له بداءات وإرادات

ص: 184


1- المصدر السابق ، ح 3.
2- المصدر السابق : 338 - 339 ، ح 11.
3- المصدر السابق : 337 - 338 ، ح 6.

وغايات ونهايات » (1).

عن زرارة قال : سمعت أبا عبد اللّه صلوات اللّه عليه يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم » ، قال : قلت : ولم؟ قال : « إنّه يخاف » ، وأومأ بيده إلى بطنه يعني القتل (2).

وقريب بمضمونه خبران آخران (3).

عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم ، ويرى الناس ولا يرونه » (4).

وبمضمونه خبر آخر أيضا (5).

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة ، ولا بدّ له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيّبة وما بثلاثين من وحشة » (6).

عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة والأخرى طويلة ، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصّة مواليه » (7).

وقريب بمضمونه خبران : عن مفضّل بن عمر قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « لصاحب هذا الأمر غيبتان إحداهما يرجع منها إلى أهله ، والأخرى يقال : هلك في أيّ واد سلك ».

قلت : كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال : « إذا ادّعاها مدّع فاسألوه عن أشياء

ص: 185


1- « الكافي » 1 : 338 ، باب في الغيبة ، ح 7.
2- المصدر السابق : 338 ، ح 9.
3- المصدر السابق : 340 ، ح 18 و 342 ، ح 29.
4- المصدر السابق : 339 ، ح 12.
5- المصدر السابق : 337 - 338 ، ح 6.
6- المصدر السابق : 340 ، ح 16.
7- المصدر السابق ، ح 19.

يجيب فيها مثله » (1).

عن أمّ هانئ قالت : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ ) (2) ، قالت : فقال : « إمام يخنس سنة ستّين ومائتين ، ثمّ يظهر كالشهاب يتوقّد في الليلة الظلماء فإن أدركت زمانه قرّت عينك » (3).

وبمضمونه خبر آخر (4) عن طريق آخر عنه علیه السلام .

عن أيّوب بن نوح قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام ... قال : « إذا وقع رفع علمكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم » (5).

عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ) (6) قال : « إنّ منّا إماما مظفّرا مستترا فإذا أراد اللّه عزّ ذكره إظهار أمره نكت في قلبه نكتة فظهر فقام بأمر اللّه تبارك وتعالى » (7).

وفي باب كراهية التوقيت : عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « يا ثابت ، إنّ اللّه تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلمّا أن قتل الحسين علیه السلام اشتدّ غضب اللّه تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة ، فحدّثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع السرّ ولم يجعل اللّه له بعد ذلك وقتا عندنا ( يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (8) » ، قال أبو حمزة : فحدّثت بذلك

ص: 186


1- المصدر السابق : 340 ، باب في الغيبة ، ح 20.
2- التكوير (81) : 15 - 16.
3- « الكافي » 1 : 341 ، باب في الغيبة ، ح 22.
4- المصدر السابق ، ح 23.
5- المصدر السابق ، ح 24.
6- المدّثّر (74) : 8.
7- « الكافي » 1 : 343 ، باب في الغيبة ، ح 30.
8- الرعد (13) : 39.

أبا عبد اللّه علیه السلام فقال : « قد كان ذلك » (1).

عن عبد الرحمن بن كثير قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام إذ دخل عليه مهزم فقال له : جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى هو؟ فقال : « يا مهزم ، كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلّمون » (2) « إنّا أهل بيت لا نوقّت » (3).

وبمضمونه خبران آخران (4).

عن الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه عليّ بن يقطين قال : قال لي أبو الحسن علیه السلام : « الشيعة تربّى بالأماني منذ مائتي سنة ».

قال : وقال يقطين لابنه عليّ بن يقطين : ما بالنا قيل لنا فكان ، وقيل لكم فلم يكن؟

قال : فقال له عليّ : إنّ الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد ، غير أنّ أمركم حضر ، فأعطيتم محضة ، فكان كما قيل لكم ، وإنّ أمرنا لم يحضر ، فعلّلنا بالأماني ، فلو قيل لنا : إنّ هذا الأمر لا يكون إلاّ إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب ولرجع عامّة الناس عن الإسلام ، ولكن قالوا : ما أسرعه وما أقربه تألّفا لقلوب الناس وتقريبا للفرج (5).

وفي باب أنّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّره : عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن قول اللّه تبارك وتعالى : ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) (6) ، فقال : « يا فضيل ، اعرف إمامك ، فإنّك إذا عرفت إمامك لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر. ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان

ص: 187


1- « الكافي » 1 : 368 ، باب كراهيّة التوقيت ، ح 1.
2- المصدر السابق ، ح 2.
3- المصدر السابق ، ح 3.
4- المصدر السابق ، ح 4 - 5.
5- المصدر السابق : 369 ، ح 6.
6- الإسراء (17) : 71.

بمنزلة من كان قاعدا في عسكره ، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه ». قال : وقال بعض أصحابه : بمنزلة من استشهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله . (1)

عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداك متى الفرج؟ فقال : « يا با بصير ، وأنت ممّن يريد الدنيا ، من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره » (2).

عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر يقول : « من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليّة ، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أم تأخّر ، ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه » (3).

وبمضمون الأخبار المسطورة أو قريب منها أخبار أخر (4).

عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة؟ » قال : « نعم » ، قلت : جاهليّة جهلاء أو جاهليّة لا يعرف إمامه؟ قال : « جاهليّة كفر ونفاق وضلال » (5).

وفي باب أنّه علیه السلام يحكم بحكم آل داود : عن أبان قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « لا تذهب الدنيا حتّى يخرج رجل منّي ، يحكم بحكومة آل داود ، ولا يسأل بيّنة ، يعطي كلّ نفس حقّها » (6). وبمضمونه خبر آخر (7).

وفي باب صلة الإمام علیه السلام : عن يونس بن ظبيان قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « ما من شيء أحبّ إلى اللّه من إخراج الدراهم إلى الإمام ، وإنّ اللّه ليجعل له الدرهم

ص: 188


1- « الكافي » 1 : 371 ، باب أنّه من عرف إمامه لم يضرّه ... ، ح 2.
2- المصدر السابق : 371 - 372 ، ح 3.
3- المصدر السابق ، ح 5.
4- المصدر السابق : 372 ، ح 6 - 7.
5- المصدر السابق : 377 ، باب من مات وليس له إمام ... ، ح 3.
6- المصدر السابق : 397 - 398 ، باب في الأئمّة علیهم السلام إذا ظهر أمرهم ... ، ح 2.
7- المصدر السابق : 397 ، ح 1.

في الجنّة مثل جبل أحد ».

ثمّ قال : « إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً ) (1) قال : « هو واللّه في صلة الإمام خاصّة » (2).

وبمضمونه أخبار أخر (3).

عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا علیه السلام : قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر علیه السلام فكنت تقول : « يهب اللّه لي غلاما » ، فقد وهب اللّه لك ، فأقرّ عيوننا ، فلا أرانا اللّه يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر علیه السلام وهو قائم بين يديه ، فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟! قال علیه السلام : « وما يضرّه من ذاك شيء قد قام عيسى علیه السلام بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين » (4).

عن عليّ بن سيف ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر الثاني علیه السلام قال : قلت له : إنّهم يقولون في حداثة سنّك ، فقال : « إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبيّ يرعى الغنم ، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم ، فأوحى اللّه تعالى إلى داود علیه السلام أن خذ عصا المتكلّمين وعصا سليمان واجعلهما في بيت واختم عليهما بخواتيم القوم ، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة ، فأخبرهم داود علیه السلام فقالوا : قد رضينا وسلّمنا » (5).

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال أبو بصير : دخلت عليه ومعي غلام يقودني خماسيّ لم يبلغ ، فقال لي : « كيف أنتم إذا احتجّ عليكم بمثل سنّه؟ » (6).

ص: 189


1- البقرة (2) : 245.
2- « الكافي » 1 : 537 ، باب صلة الإمام علیه السلام ، ح 2.
3- المصدر السابق : 537 - 538 ، ح 4 - 7.
4- المصدر السابق : 321 ، باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر الثاني ... ، ح 4. بتفاوت يسير.
5- المصدر السابق : 383 ، باب حالات الأئمّة علیهم السلام في السنّ ، ح 3.
6- المصدر السابق ، ح 4.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه قال : قال عليّ بن حسان لأبي جعفر علیه السلام : يا سيّدي ، إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك ، فقال : « وما ينكرون من ذلك قول اللّه عزّ وجلّ وقد قال اللّه تعالى لنبيّه : ( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) ، (1) فو اللّه ما تبعه إلاّ عليّ علیه السلام وهو له تسع سنين » (2).

وقريب بهذه المضامين أخبار أخر (3).

وفي باب أنّ الإمام لا يغسّل إلاّ إمام ، عن أحمد بن عمر الحلاّل أو غيره ، عن الرضا علیه السلام قال : قلت له : إنّهم يحاجّونا يقولون : إنّ الإمام لا يغسّله إلاّ الإمام ، فقال : « ما يدريهم من غسّله؟ فما قلت لهم؟ » قال : قلت - جعلت فداك - لهم : إن قال مولاي : غسّله تحت عرش ربّي فقد صدق ، وإن قال : غسّله في تخوم الأرض فقد صدق ، قال : « لا هكذا » ، قلت : فما أقول لهم؟ قال : « قل : إنّي غسّلته » ، فقلت : أقول لهم : إنّك غسّلته؟ قال : « نعم » (4).

عن محمّد بن جمهور ، قال : حدّثنا أبو معمّر قال : سألت الرضا علیه السلام عن الإمام : يغسّله الإمام؟ قال : « سنّة موسى بن عمران علیه السلام » (5).

عن محمّد بن جمهور ، عن يونس ، عن طلحة قال : قلت للرضا علیه السلام : إنّ الإمام لا يغسّله إلاّ الإمام؟ فقال : « أما تدرون من حضر لغسله قد حضره خير ممّن غاب عنه ، الذين حضروا يوسف في الجبّ حين غاب عنه أبواه وأهل بيته » (6).

وفي باب ولادة الإمام : عن الحسن بن راشد قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول :

ص: 190


1- يوسف (12) : 108.
2- « الكافي » 1 : 384 ، باب حالات الأئمّة علیهم السلام في السنّ ، ح 8.
3- راجع الباب المذكور في المصدر السابق ، ح 1 ، 5 ، 6 ، 7.
4- المصدر السابق : 384 - 385 ، باب أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام من الأئمّة علیهم السلام ، ح 1.
5- المصدر السابق : 385 ، ح 2.
6- المصدر السابق ، ح 3.

« إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا أحبّ أن يخلق الإمام أمر ملكا فأخذ شربة من ماء تحت العرش فيسقيها أباه ، فمن ذلك يخلق الإمام ، فيمكث أربعين يوما وليلة في بطن أمّه ، لا يسمع الصوت ، ثمّ يسمع بعد ذلك الكلام ، فإذا ولد بعث ذلك الملك فيكتب بين عينيه ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (1) ، فإذا مضى الإمام الذي كان قبله رفع له منار من نور ينظر به إلى أعمال الخلائق ، فبهذا يحتجّ اللّه على خلقه » (2).

وفي خبر آخر عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الروح بعث اللّه تبارك وتعالى ملكا يقال له : حيوان فكتب على عضده الأيمن ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ) (3) ... إلى آخره ، وإذا وقع من بطن أمّه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء ، فأمّا وضعه يديه على الأرض فإنّه يقبض كلّ علم لله أنزله من السماء إلى الأرض ، وأمّا رفعه برأسه إلى السماء فإنّ مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل ربّ العزّة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول : يا فلان بن فلان ، أثبت تثبت ، فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خلقي وموضع سرّي وعيبة علمي وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي ، لك ولمن تولاّك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري.

ثمّ وعزّتي وجلالي لأصلينّ من عاداك أشدّ عذابي وإن وسّعت عليه في دنياي من سعة رزقي.

فإذا انقضى الصوت - صوت المنادي - أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى

ص: 191


1- الأنعام (6) : 115.
2- « الكافي » 1 : 387 ، باب مواليد الأئمّة علیهم السلام ، ح 2.
3- الأنعام (6) : 115.

السماء يقول : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) - إلى - ( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، (1) فإذا قال ذلك أعطاه اللّه العلم الأوّل والعلم الآخر واستحقّ زيارة الروح في ليلة القدر » (2) إلى آخر الحديث.

وفي خبر آخر ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « فإذا قام بهذا الأمر رفع اللّه له في كلّ بلدة منارا ينظر به إلى أعمال العباد » (3).

وفي خبر آخر عنه علیه السلام : « فإذا ولد خطّ بين كتفيه ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ) (4) ... الآية فإذا صار الأمر إليه جعل اللّه له عمودا من نور يبصر به ما يعمل أهل كلّ بلدة » (5).

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد قال : كنت أنا وابن فضّال جلوسا إذ أقبل يونس فقال : دخلت على أبي الحسن الرضا علیه السلام فقلت : جعلت فداك قد أكثر الناس في العمود ، قال : فقال لي : « يا يونس ، ما تراه؟ أتراه عمودا من حديد يرفع لصاحبك؟ ».

قال : قلت : ما أدري ، قال : « لكنّه ملك موكّل بكلّ بلدة يرفع اللّه به أعمال تلك البلدة ».

قال : فقام ابن فضّال ، فقبّل رأسه وقال : رحمك اللّه يا با محمّد ، لا تزال تجيئني بالحديث الحقّ الذي يفرّج اللّه به عنّا (6).

عن زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّرا مختونا ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام

ص: 192


1- آل عمران (3) : 18.
2- « الكافي » 1 : 386 - 387 ، باب مواليد الأئمّة علیهم السلام ، ح 1.
3- المصدر السابق ، ح 3.
4- الأنعام (6) : 115.
5- « الكافي » 1 : 387 ، باب مواليد الأئمّة علیه السلام ، ح 4.
6- المصدر السابق : 388 ، ح 7.

عينه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوه كرائحة المسك والأرض موكّلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كانت عليه وفقا ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا ، وهو محدّث إلى أن تنقضي أيّامه علیه السلام » (1).

وفي باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم : عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّ اللّه خلقنا من علّيّين وخلق أرواحنا من فوق ذلك ، وخلق أرواح شيعتنا من علّيّين ، وخلق أجسادهم من دون ذلك ، فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم ، وقلوبهم تحنّ إلينا » (2).

عن عليّ بن رئاب رفعه إلى أمير المؤمنين علیه السلام قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام : « إنّ لله نهرا دون عرشه ، ودون النهر الذي دون عرشه نور نوّره ، وإنّ في حافتي النهر روحين مخلوقين : روح القدس ، وروحا من أمره ، وإنّ لله عشر طينات خمس من الجنّة وخمس من الأرض » ، ففسّر الجنان وفسّر الأرض ، ثمّ قال : « ما من نبيّ ولا ملك من بعده جبله إلاّ نفخ فيه من أحد الروحين وجعل النبيّ صلی اللّه علیه و آله من إحدى الطينتين ».

قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام : ما الجبل؟ فقال : « الخلق غيرنا أهل البيت ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ خلقنا من العشر طينات ونفخ فينا من الروحين جميعا فأطيب بها طيبا » (3).

وروى غيره عن أبي الصامت قال : « طين الجنان : جنّة عدن وجنّة المأوى وجنّة النعيم والفردوس والخلد ، وطين الأرض مكّة والمدينة والكوفة وبيت المقدس والحائر » (4).

ص: 193


1- « الكافي » 1 : 388 - 389 ، باب مواليد الأئمّة علیهم السلام ، ح 8.
2- المصدر السابق : 389 ، باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم ... ، ح 1.
3- المصدر السابق ، ح 3.
4- المصدر السابق : 390 ، ذيل الحديث 3.

وقريب بمضمون ما ذكر غيره (1).

وفي باب تدخل الملائكة بيوتهم وتأتيهم بالأخبار : عن أبي حمزة الثمالي قال :

دخلت على عليّ بن الحسين علیه السلام فاحتبست في الدار ساعة ثمّ دخلت البيت وهو يلتقط شيئا ، وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في البيت ، قلت : جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أيّ شيء هو؟ فقال : « فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا نجعله سبحا لأولادنا » ، فقلت : جعلت فداك وإنّهم ليأتونكم؟ فقال : « يا أبا حمزة ، وإنّهم ليزاحمونا على تكأتنا » (2).

عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : سمعته يقول : « ما من ملك يهبطه اللّه في أمر ما يهبطه إلاّ بدأ بالإمام علیه السلام فعرض ذلك عليه وإنّ مختلف الملائكة من عند اللّه تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر » (3).

وفي خبر آخر ، عن مسمع البصري بعد قوله : - إنّي إذا أكلت عنده لم أتأذّ به ، - فقال : - « يا با سيّار ، إنّك تأكل طعام قوم صالحين ، تصافحهم الملائكة على فرشهم ».

قال : قلت : ويظهرون لكم قال : فمسح يده على بعض صبيانه ، فقال : « هم ألطف بصبياننا منّا بهم » (4).

وفي باب أنّ الجنّ تأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم : عن سعد الإسكاف قال : أتيت أبا جعفر علیه السلام أريد الإذن عليه فإذا رحال إبل على الباب مصفوفة وإذا الأصوات قد ارتفعت ، ثمّ خرج قوم معتمّين بالعمائم يشبهون الزطّ ، قال : فدخلت على أبي جعفر علیه السلام فقلت : جعلت فداك أبطأ إذنك عليّ اليوم ، ورأيت قوما خرجوا عليّ معتمّين بالعمائم فأنكرتهم؟ فقال : « أو تدري من أولئك يا سعد؟ » قال : قلت : لا ،

ص: 194


1- راجع الباب السابق من المصدر السابق.
2- المصدر السابق : 393 - 394 ، باب أنّ الملائكة تدخل بيوتهم ... ، ح 3.
3- المصدر السابق : 394 ، ح 4.
4- المصدر السابق : 393 ، ح 1.

قال : فقال : « أولئك إخوانكم من الجنّ يأتونا فيسألونا عن حلالهم وحرامهم ومعالم دينهم » (1).

عن سدير الصيرفي قال : أوصاني أبو جعفر علیه السلام بحوائج له بالمدينة ، فخرجت فبينا أنا بين فجّ الروحاء على راحلتي إذا إنسان يلوي بثوبه قال : فملت إليه وظننت أنّه عطشان فناولته الإداوة فقال لي : لا حاجة لي بها ، وناولني كتابا طينه رطب ، قال : فلمّا نظرت إلى الخاتم إذا خاتم أبي جعفر علیه السلام ، فقلت : متى عهدك بصاحب الكتاب؟ قال : الساعة وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها. ثمّ قد التفتّ فإذا ليس عندي أحد.

قال سدير : فلقيته فقلت : جعلت فداك رجل أتى بكتابك وطينه رطب؟ فقال : « يا سدير ، إنّ لنا خدما من الجنّ فإذا [ أردنا ] السرعة بعثناهم » (2).

وفي رواية أخرى قال : « إنّ لنا أتباعا من الجنّ كما أنّ لنا أتباعا من الإنس فإذا أردنا أمرا بعثناهم » (3). والأخبار التي تدلّ على ذلك كثيرة.

وفي باب حق الإمام على الرعيّة وحقّ الرعيّة على الإمام علیه السلام : عن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام ما حقّ الإمام على الناس؟ قال : « حقّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا » ، قلت : فما حقّهم عليه؟

قال : « يقسم بينهم بالسويّة ، ويعدل في الرعيّة ، فإذا كان ذلك في الناس فلا يبالي من أخذ هاهنا وهاهنا » (4).

وفي خبر آخر عنه علیه السلام مثله إلاّ أنّه قال : « هكذا وهكذا وهكذا » يعني بين يديه وخلفه وعن يمينه وعن شماله (5).

ص: 195


1- « الكافي » 1 : 395 ، باب أنّ الجنّ تأتيهم ... ، ح 3.
2- المصدر السابق ، ح 4.
3- المصدر السابق ، ذيل ح 4.
4- المصدر السابق : 405 ، باب ما يجب من حقّ الإمام على الرعيّة ... ، ح 1.
5- المصدر السابق ، ح 2.

عن مسعدة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « قال أمير المؤمنين علیه السلام : لا تختانوا ولاتكم ، ولا تغشّوا هداتكم ، ولا تجهّلوا أئمّتكم ، ولا تصدعوا عن جبلكم ، فتفشلوا وتذهب ريحكم ، وعلى هذا فليكن تأسيس أموركم وألزموا هذه الطريقة فإنّكم لو عاينتم ما عاين من قد مات منكم ممّن خالف ما تدعون إليه لبدرتم وخرجتم ولسمعتم ، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا وقريبا ما يطرح الحجاب » (1).

عن صباح بن سيّابة عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه ، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك ، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) الآية (2) ، فهو من الغارمين وله سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه » (3).

عن حنان ، عن أبيه عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « لا تصلح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال : ورع يحجزه عن معاصي اللّه ، وحلم يملك به غضبه ، وحسن الولاية على من يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم ».

وفي رواية أخرى « حتّى يكون للرعية كالأب ». (4)

وفي باب أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام : عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر علیه السلام قال : « وجدنا في كتاب عليّ علیه السلام : أنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين ، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض ، ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليؤدّ خراجها إلى الإمام علیه السلام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها فإن تركها وأخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها وأحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها ، ويؤدّي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها

ص: 196


1- المصدر السابق ، ح 3.
2- التوبة (9) : 60.
3- « الكافي » 1 : 407 ، باب ما يجب من حقّ الإمام على الرعيّة ... ، ح 7.
4- المصدر السابق ، ح 8.

حتّى يظهر القائم علیه السلام من أهل بيتي بالسيف ، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها ، كما حواها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومنعها إلاّ ما كان في أيدي شيعتنا فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم » (1).

عن يونس بن ظبيان أو المعلّى بن خنيس قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسّم ثمّ قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى بعث جبرئيل علیه السلام وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان وجيحان - وهو نهر بلخ - والخشوع - وهو نهر الشاش - ومهران - وهو نهر الهند - ونيل مصر ودجلة والفرات ، فما سقت أو استقت فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدوّنا منه شيء إلاّ ما غصب عليه ، وأنّ وليّنا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه ، يعني بين السماء والأرض.

ثمّ تلا هذه الآية : ( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (2) المغصوبين عليها ( خالِصَةً ) لهم ( يَوْمَ الْقِيامَةِ ) بلا غصب » (3). وفي معنى ما ذكر أخبار أخر (4).

وفي باب سيرة الإمام في نفسه : عن حمّاد ، عن حميد وجابر العبدي قال :

قال أمير المؤمنين علیه السلام : « إنّ اللّه جعلني إماما لخلقه ففرض عليّ التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس ، كي يقتدي الفقير بفقري ولا يطغى الغنيّ بغناه » (5).

وبمضمونه خبران آخران (6).

ص: 197


1- « الكافي » 1 : 407 - 408 ، باب أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام ، ح 1.
2- الأعراف (7) : 32.
3- « الكافي » 1 : 409 ، باب أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام ، ح 5.
4- راجع المصدر السابق : 408 - 410 من الباب السابق.
5- المصدر السابق : 410 ، باب سيرة الإمام في نفسه ... ، ح 1.
6- المصدر السابق : 410 - 411 ، ح 3 و 4.

عن حمّاد بن عثمان قال : حضرت أبا عبد اللّه علیه السلام ، وقال له رجل : أصلحك اللّه ذكرت : أنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس الخشن يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجديد؟ فقال له : « إنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس في زمان لا ينكر ، ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به ، فخير لباس كلّ زمان لباس أهله ، غير أنّ قائمنا أهل البيت علیهم السلام إذا قام لبس ثياب عليّ علیه السلام وسار بسيرة عليّ علیه السلام » (1).

وفي باب فيه نتف وجوامع من الولاية : عن بكير بن أعين قال : كان أبو جعفر علیه السلام يقول : « إنّ اللّه أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية وهم ذرّ ، يوم أخذ الميثاق على الذرّ والإقرار له بالربوبيّة ولمحمّد صلی اللّه علیه و آله بالنبوّة » (2).

عن عبد الأعلى قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « ما من نبيّ جاء قطّ إلاّ بمعرفة حقّنا وتفضيلنا على من سوانا » (3).

عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : « إنّ لله في السماء لسبعين صفّا من الملائكة ، لو اجتمع أهل الأرض كلّهم يحصون عدد كلّ صفّ منهم ما أحصوهم ، وأنّهم ليدينون بولايتنا » (4).

عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : « ولاية عليّ علیه السلام مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولن يبعث اللّه رسولا إلاّ بنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله ووصيّة عليّ علیه السلام » (5).

عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ نصب عليّا علیه السلام علما بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن جهله كان ضالاّ ، ومن

ص: 198


1- المصدر السابق ، ح 4.
2- المصدر السابق : 436 ، باب فيه نتف وجوامع من الرواية ... ، ح 1.
3- المصدر السابق : 437 ، ح 4.
4- المصدر السابق ، ح 5.
5- المصدر السابق : 437 ، ح 6.

نصب معه شيئا كان مشركا ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة » (1).

وفي باب معرفة أوليائهم والنصوص إليهم : عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين علیه السلام وهو مع أصحابه فسلّم عليه ثمّ قال له : أنا واللّه أحبّك وأتولاّك ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : كذبت قال : بلى واللّه إنّي أحبّك وأتولاّك ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : كذبت ما أنت كما قلت ، إنّ اللّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ، ثمّ عرض علينا المحبّ لنا ، فو اللّه ما رأيت روحك فيمن عرض ، فأين كنت؟ فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه » (2).

وفي رواية أخرى قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « كان في النار » (3).

عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّا لنعرف الرجل بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق » (4).

عن عبد اللّه بن سليمان ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الإمام : فوّض اللّه إليه كما فوّض إلى سليمان بن داود علیه السلام ؟

فقال : « نعم ، وذلك أنّ رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها ، وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأوّل ، ثمّ سأله آخر فأجابه بغير جواب الأوّلين ، ثمّ قال : « هذا عطاؤنا فامنن أو - أعط - بغير حساب » (5) وهكذا في قراءة عليّ علیه السلام ».

قال : قلت : أصلحك اللّه فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام؟ قال علیه السلام :

« سبحان اللّه أما تسمع اللّه يقول : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) (6) ، وهم الأئمّة

ص: 199


1- « الكافي » 1 : 437 ، باب فيه نتف وجوامع من الرواية ، ح 7.
2- المصدر السابق : 438 ، باب في معرفتهم أولياءهم ... ، ح 1.
3- المصدر السابق ، ذيل الحديث.
4- المصدر السابق ، ح 2.
5- اقتباس من سورة ص (38) : 39.
6- الحجر (15) : 75.

( وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) (1) لا يخرج منها أبدا ».

ثمّ قال لي : « نعم ، إنّ الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه وعرف لونه وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو؟ إنّ اللّه يقول : ( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ) (2) ... إلى آخره ، وهم العلماء ، فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلاّ عرفه ناج أو هالك فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم » (3).

وفي باب أنّه إذا قيل للرجل فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده : عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك فإنّ اللّه يفعل ما يشاء » (4).

وفي خبر آخر بعد التنظير بحكاية امرأة عمران بقولها : ( إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ) (5) إلى آخره هكذا : « فإذا قلنا في الرجل منّا شيئا فكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك » (6).

وفي باب في أنّ الأئمّة علیهم السلام كلّهم قائمون بأمر اللّه هادون إليه : عن الحكم بن أبي نعيم قال : أتيت أبا جعفر علیه السلام وهو بالمدينة فقلت له : عليّ نذر بين الركن والمقام إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد صلی اللّه علیه و آله أم لا؟ فلم يجبني بشيء ، فأقمت ثلاثين يوما ثمّ استقبلني في طريق فقال : « يا حكم ، وإنّك لها هنا بعد؟ ».

فقلت : نعم إنّي أخبرتك بما جعلت لله عليّ فلم تأمرني ولم تنهني عن شيء

ص: 200


1- الحجر (15) : 76.
2- الروم (30) : 30.
3- « الكافي » 1 : 438 - 439 ، باب في معرفتهم أولياءهم ... ، ح 3.
4- المصدر السابق : 535 ، باب في أنّه إذا قيل في الرجل شيء ... ، ح 2.
5- آل عمران (3) : 36.
6- « الكافي » 1 : 535 ، باب في أنّه إذا قيل في الرجل شيء ... ، ح 1.

ولم تجبني بشيء ، فقال : « بكّر عليّ غدوّا المنزل » ، فغدوت عليه ، فقال علیه السلام : « سل عن حاجتك ».

فقلت : إنّي جعلت لله عليّ نذرا أو صياما أو صدقة بين الركن والمقام إن أنا لقيتك ألاّ أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد صلی اللّه علیه و آله أم لا؟ فإن كنت أنت رابطتك ، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض فطلبت المعاش.

فقال : « يا حكم ، كلّنا قائم بأمر اللّه ». قلت : فأنت المهديّ؟ قال : « كلّنا نهدي إلى اللّه » ، قلت : فأنت صاحب السيف؟ قال : « كلّنا صاحب السيف ، ووارث السيف ».

قلت : فأنت الذي تقتل أعداء اللّه ، ويعزّ بك أولياء اللّه ، ويظهر بك دين اللّه؟ فقال : « يا حكم ، كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين سنة ، وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدا باللبن منّي وأخفّ على ظهر الدابّة ». (1)

تذنيب
في مولد النبيّ صلی اللّه علیه و آله

ولد النبيّ صلی اللّه علیه و آله لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال.

وروي أيضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة (2).

في نسب الأئمّة علیهم السلام وزمان ولادتهم ووفاتهم ومدّة حياتهم :

قال في الكافي في مولد أمير المؤمنين علیه السلام :

ولد أمير المؤمنين علیه السلام بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، وقتل علیه السلام في شهر رمضان لتسع بقين منه ، ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستّين سنة ، فبقي بعد

ص: 201


1- « الكافي » 1 : 536 ، باب أنّ الأئمّة علیهم السلام كلّهم قائمون بأمر اللّه ... ، ح 1.
2- المصدر السابق : 439 ، باب مولد النبي صلی اللّه علیه و آله ووفاته.

قبض النبيّ صلی اللّه علیه و آله ثلاثين سنة. وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو أوّل هاشمي ولده هاشم مرّتين. (1)

وفي مولد فاطمة الزهراء علیهاالسلام :

ولدت فاطمة علیهاالسلام بعد مبعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بخمس سنين ، وتوفّيت علیهاالسلام ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما ، وبقيت بعد أبيها صلی اللّه علیه و آله خمسة وسبعين يوما (2).

وفي مولد الحسن بن عليّ علیهماالسلام :

ولد الحسن بن عليّ علیهماالسلام في شهر رمضان في سنة بدر سنة اثنتين من الهجرة. وروي أنّه ولد في سنة ثلاث ، ومضى علیه السلام في شهر صفر في آخره من سنة تسع وأربعين ، ومضى وهو ابن سبع وأربعين سنة وأشهر. وأمّه فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (3).

وفي مولد الحسين بن عليّ علیهماالسلام :

ولد الحسين بن عليّ علیهماالسلام في سنة ثلاث ، وقبض علیه السلام في شهر المحرّم من سنة إحدى وستّين من الهجرة وله سبع وخمسون سنة وأشهر. قتله عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه في خلافة يزيد بن معاوية لعنه اللّه ، وهو على الكوفة وكان على الخيل التي حاربته ، وقتله عمر بن سعد - لعنه اللّه - بكربلاء يوم الاثنين لعشر خلون من المحرّم. وأمّه فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » (4).

وفي مولد عليّ بن الحسين علیهماالسلام :

ولد عليّ بن الحسين علیهماالسلام في سنة ثمان وثلاثين ، وقبض في سنة خمس وتسعين وله سبع وخمسون سنة. وأمّه سلامة بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسرى برويز ، وكان يزدجرد آخر ملوك الفرس (5).

ص: 202


1- المصدر السابق : 452 ، باب مولد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.
2- المصدر السابق : 458 ، باب مولد الزهراء فاطمة علیهاالسلام .
3- المصدر السابق : 461 ، باب مولد الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما.
4- المصدر السابق : 463 ، باب مولد الحسين بن عليّ علیهماالسلام .
5- المصدر السابق : 466 ، باب مولد عليّ بن الحسين علیهماالسلام .
وفي مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ علیهماالسلام :

ولد أبو جعفر علیه السلام سنة سبع وخمسين ، وقبض علیه السلام سنة أربع عشرة ومائة ، وله سبع وخمسون سنة. ودفن بالبقيع بالمدينة في القبر الذي دفن فيه أبوه عليّ بن الحسين علیهماالسلام ، وكانت أمّه أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیهم السلام وعلى ذريّتهم الهادية » (1).

وفي مولد أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد علیهماالسلام :

ولد أبو عبد اللّه سنة ثلاث وثمانين ، ومضى علیه السلام في شوّال من سنة ثمان وأربعين ومائة ، وله خمس وستّون سنة ، ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن أبوه وجدّه والحسن بن عليّ علیهم السلام وأمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر (2).

وفي مولد أبي الحسن موسى علیه السلام :

ولد أبو الحسن موسى بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة ، وقال بعضهم : تسع وعشرين ومائة ، وقبض علیه السلام لستّ خلون من رجب من سنة ثلاث وثمانين ومائة وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة. وقبض علیه السلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك ، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوّال سنة تسع وسبعين ومائة ، وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان ، ثمّ شخص هارون إلى الحجّ وحمله معه ، ثمّ انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر ، ثمّ أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفّي علیه السلام في حبسه ، ودفن ببغداد في مقبرة قريش. وأمّه أمّ ولد يقال لها : حميدة (3).

ص: 203


1- « الكافي » 1 : 469 ، باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ علیه السلام .
2- المصدر السابق : 472 ، باب مولد أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد علیه السلام .
3- المصدر السابق : 476 ، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر علیهماالسلام .
و في مولد أبي الحسن الرضا علیه السلام :

ولد أبو الحسن الرضا علیه السلام سنة ثمان وأربعين ومائة ، وقبض علیه السلام في صفر من سنة ثلاث ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة. وقد اختلف في تأريخه إلاّ أنّ هذا التأريخ هو أقصد إن شاء اللّه ، وتوفّي علیه السلام بطوس في قرية يقال لها : سناباد من نوقان على دعوة. ودفن بها علیه السلام وكان المأمون أشخصه من المدينة إلى مرو على طريق البصرة وفارس ، فلمّا خرج المأمون وشخص إلى بغداد أشخصه معه فتوفّي في هذه القرية. وأمّه أمّ ولد يقال لها : أمّ البنين (1).

وفي مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني علیهماالسلام :

ولد علیه السلام في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة ، وقبض علیه السلام سنة عشرين ومائتين في آخر ذي القعدة ، وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما. ودفن ببغداد في مقابر قريش عند قبر جدّه موسى علیه السلام وقد كان المعتصم أشخصه إلى بغداد في أوّل هذه السنة التي توفّي فيها علیه السلام ، وأمّه أمّ ولد يقال لها :

سبيكة نوبيّة. وقيل أيضا : إنّ اسمها كان خيزران. وقيل : إنّها كانت من أهل بيت مارية أمّ إبراهيم بن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله (2).

وفي مولد أبي الحسن عليّ بن محمّد علیهماالسلام :

ولد علیه السلام للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين ، وروي أنّه علیه السلام ولد في رجب سنة أربع عشرة ومائتين.

وروي أنّه قبض علیه السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وله إحدى وأربعون سنة وستة أشهر وأربعون سنة على المولد الآخر الذي روي. وكان المتوكّل أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سرّ من رأى فتوفّي بها علیه السلام

ص: 204


1- المصدر السابق : 486 ، باب مولد أبي الحسن الرضا علیه السلام .
2- المصدر السابق : 492 ، باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني علیهماالسلام .

ودفن في داره. وأمّه أمّ ولد يقال لها : سمانة (1).

وفي مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ علیهماالسلام :

ولد علیه السلام في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وقبض علیه السلام يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين وهو ابن ثمان وعشرين سنة ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه بسرّ من رأى. وأمّه أمّ ولد يقال لها :

حديث. وقيل : سوسن. (2)

وفي مولد الصاحب علیه السلام :

ولد علیه السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين (3).

ص: 205


1- « الكافي » 1 : 497 - 498 ، باب مولد أبي الحسن عليّ بن محمّد علیهماالسلام .
2- المصدر السابق : 503 ، باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ علیهماالسلام .
3- المصدر السابق : 514 ، باب مولد الصاحب علیه السلام .

( المقصد السادس ): في الأصل الخامس وهو ( المعاد )

اشارة

ص: 206

ص: 207

ص: 208

( المقصد السادس )

في الأصل الخامس وهو ( المعاد )

الذي هو زمان جزاء العباد وعود الأرواح وحشر الأجساد ( والوعد والوعيد وما يتّصل بذلك )

اعلم أنّ المعاد - لغة - عبارة عن العود ، أو زمانه أو مكانه.

واصطلاحا - بحسب المعنى التصوّري - عبارة عن عود الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب.

وبحسب المعنى التصديقي عبارة عمّا يجب تصديقه بالجنان وإقراره باللسان ، وهو أنّ اللّه تعالى يحيي العباد بعد أن أماتهم في القبر في الأبدان الأصليّة للسؤال ونحوه من الأحوال ، وفي البرزخ في الأبدان المثالية لغير النبيّ والوصيّ للجزاء بمقتضى الأعمال ، وفي المحشر في البدن الأصلي العنصري للحساب والثواب والعقاب ، مع إنطاق جوارح العباد ، وتطاير الكتب ، والتميز بالميزان والمرصاد.

ويدخل الكفّار ومن بحكمهم من العاصين في نار جهنّم خالدين ، إلاّ من تمّ استحقاقه العذاب من المؤمنين المعتقدين بالأئمّة الاثني عشر أجمعين ، أو عفي عنه بنحو شفاعة الشافعين ، فإنّه يخرج من جهنّم ويدخل في الناجين.

ويعبر عباده الصالحين ومن بحكمهم من المكلّفين - كالذين عفي عنهم بنحو

ص: 209

الشفاعة ممّا ثبت أنّه يذهب السيّئات في الدين - عن الصراط الذي هو أحدّ من السيف وأدقّ من الشعر على قدر أعمال العاملين ، ويدخلهم في جنّة الخلد التي دلّت على وجودها الأخبار والكتاب المبين ، أو حظائر الأعراف التي ورد أنّها مقام مؤمني الجنّ ، وأولاد الزنى من المؤمنين إلى سبعة أبطن ، وبعض المجانين.

والمراد أنّه يجب الاعتقاد بأنّ مقتضى العدل والحكمة عود الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب ؛ لأنّ إيصال النعيم الأبدي إلى الروح بلا واسطة الجسم بالكمالات والنعم الباطنة ، وبواسطة الآلات بالنعم الظاهرة أكمل وأرجح من إيصال إحداهما عند عدم المانع والمفسدة ، كما أنّ الأمر كذلك في القيامة ، وترك الأرجح وترجيح المرجوح قبيح بلا شبهة. وكذا إيصال العقاب الأشدّ عند استحقاقه ، كما في يزيد ومن عيّنه يزيد ؛ لوجوب الانتقام بمقتضى العدل بنحو نار ( تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) (1).

وبالجملة ، العلّة الموجبة لإعادة الأرواح هي العلّة الموجبة لإعادة الأجساد ، بل قد يقال : الأرواح والأجساد من هيولى واحدة بسيطة ، ففيها من الإدراك والشعور والإحساس والفهم وغير ذلك من الأمور الموجبة للتكليف الموجب للجزاء الموجب للإعادة مثل ما في الأرواح ، إلاّ أنّ ما في الأرواح أقوى ممّا في الأجساد ، بنسبة ما فيها من اللطافة والكثافة على حسب مراتب الوجود بحسب الضعف والقوّة ، مضافا إلى النقل القاطع كما سيأتي إلى بعض منها الإشارة ، مثل ما يفيد عود الأرواح إلى الأجساد الأصليّة أو المثاليّة بعد الموت متنعّمة في جنان الدنيا وفي وادي السلام ، أو معذّبة عند مطلع الشمس وغروبها ببرهوت في وادي حضرموت مع دخول شرر النار في قبورهم إلى نفخة الصور ، أو باقية في القبر إلى يوم النشور

ص: 210


1- ق (50) : 30.

فيخرجون من القبور ؛ لأنّه متمّم للغرض والفضل ، وموافق للحكمة والعدل ، ولطف أتمّ مقدور ، وليس فيه مانع وقبح وشرور ، كسائر ما جاء به النبيّ صلی اللّه علیه و آله من أحوال النشور ، وأمور النار والجنّة والحور والقصور والفواكه والطيور ، ونحوها ممّا هو في الكتاب والسنّة مذكور ، فالكلام في هذا الأصل - الذي هو أيضا من أعظم الأصول - يقع في خمسة فصول :

الأوّل : في عود الأرواح بعد الإماتة إلى الأجساد الأصليّة في القبر للسؤال والجزاء على وفق الأعمال إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا ، وهو من أصول المذهب ظاهرا ؛ ردّا على العامّة وأمثالهم كأهل التناسخ. وفي انتقال الروح إلى البدن المثالي في البرزخ بعد ذلك للجزاء أيضا إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا. وهو أيضا من أصول المذهب ردّا على العامّة.

الثاني : في المعاد الجسماني العنصري ، وعود الأرواح إلى الأجساد الأصليّة العنصريّة بعد نفخة الصور يوم النشور في المحشر والقيامة الكبرى للحساب والثواب والعقاب مع الاعتقاد بالميزان وتطاير الكتب والشفاعة كما ورد في الكتاب.

ويخالفه ما قال بعض العلماء من « أنّ الإنسان له جسدان وجسمان :

الأوّل : مركّب من العناصر الأربعة المعروفة المحسوسة ، وهو الآن في هذه الدنيا عبارة عن الكثافة العارضة ، وفي الحقيقة هو الجسد الصوري.

الثاني : مركّب من عناصر أربعة ، لكنّها ليست من هذه العناصر الزمانيّة المعروفة الفانية بل من عناصر باقية جوهريّة نوريّة ، وهي من عناصر هورقليا في الإقليم الثامن الذي فيه الجنّتان المدهامّتان وجنان الدنيا ، وإليها تأوي أرواح السعداء من الأنبياء والأوصياء والمؤمنين ، وهذا هو الجسد المثالي ، وهو الباقي ، وهو الذي نزل إلى الدنيا ولبس الكثافة البشريّة العنصريّة ، وهو بعينه هذا الجسد الموجود في هذه الدنيا إلاّ أنّه عليه غبار ووسخ ، وهو من العناصر المحسوسة ، وهذه الكثافة

ص: 211

ليست من الجنّة حتّى تعود إليها وإنّما هي من هذه الدنيا - إلى أن قال : - وهذه الصورة الأولى هي الجسد الأوّل الذي لا يعود ، وهو من العناصر المحسوسة وهو الكثافة.

والجسد الثاني ، وهو الذي يعود ، وهو مخلوق من عناصر هورقليا ، أعني العالم الذي قبل هذا العالم ، وفيه جنان الدنيا والجنّتان المدهامّتان ، وإليه تأوي أرواح المؤمنين.

و « هورقليا » معناه ملك آخر وفي أرضها بلدان : جابرسا ، وجابرقا. ومثله ما يدلّ على أنّ ما خلق من هذه العناصر المعروفة إذا تفكّكت في القبر ، رجع ما فيه من النّار إلى عنصر النار وامتزج بها ، وما فيه من الهواء إلى الهواء كذلك ، وكذلك الماء والتراب ، وذهب فلا يعود ؛ إذ لا حساب عليه ولا عقاب ولا نعيم ولا ثواب ، ولا شعور فيه ولا إحساس ، ولا تكليف عليه ، ولا مدخل له في الحقيقة ، وإنّما هو بمنزلة الثوب لبسته ثمّ تركته ولبست غيره.

إلى غير ذلك من الكلمات الدالّة على أنّ العظام التي تصير رميما لا تعود ، وأنّ المعاد في المعاد هو الجسم النوراني الهورقليائي. زعما منه أنّه على وفق ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام بعد ما سئل عن الميّت : هل يبلى جسده؟ قال : « نعم ، حتّى لا يبقى لحم ولا عظم إلاّ طينته التي خلق منها ؛ فإنّها لا تبلى بل تبقى في القبر مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة » (1).

ومثل ذلك ما قال بعض من تبعه حيث قال في تفسير قوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ) . (2) و « الأرض » هي أرض

ص: 212


1- « الكافي » 3 : 251 ، باب النوادر من كتاب الجنائز ، ح 7.
2- يس (36) : 33.

الجرز ، وحياتها بإشراق نور الرجحان الظاهر من شمس الوجود الراجح عليها. و « الحبّ » المخرج منها هو بحر المحبّة ، وهو ما ذكر من نور الرجحان ، وهو الوجود المقيّد ، ومثال الألوهيّة ، ومجلى الأسماء الحسنى والأمثال العليا والكبرياء والآلاء. ومن ذلك أكمل كلّ موجود مشهود أم مفقود ، وبه إمدادهم ، ومنه استمدادهم ، وعليه مردّهم ومعادهم.

( وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ ) . (1) « الجنّات » هي العوالم المتحصّلة من ذلك الحبّ في قوله عزّ وجلّ : « فأحببت أن أعرف » (2).

« النخيل » هي عالم العقول إلى عالم الأرواح ، وعالم النفوس ، أي الخلق الأوّل - من عالم الغيب. « والأعناب » هي عالم الطبائع والموادّ إلى عالم الأجسام بجميع مراتبها وأفلاكها وعناصرها ، وهي الخلق الثاني أي عالم الشهادة - إلى أن قال : - وهذا العالم المشار إليه - وهو الواقعي الأوّلي - هو المعاد يوم الآخرة عند رجوع كلّ شيء إلى أصله. انتهى.

وبالجملة : فالاعتقاد المذكور من أصول الدين ، ومنكره من الكافرين.

الثالث : في أحوال أهل النار الموجودة الآن بدلالة الآيات والأخبار ، ببيان وجوب الاعتقاد ، بحقّيّة الصراط وتعذيب الكفّار وأمثالهم من الأشرار والفجّار في طبقات النار بالعذاب الجسماني أيضا على وجه الخلود ، أو بدونه على وفق ما استفيد من العقل أو النقل الواصل من النبيّ صلی اللّه علیه و آله أو الأئمّة الأطهار. وهو أيضا من أصول الدين ومنكره من الكافرين.

الرابع : في بيان أحوال أهل الأعراف.

ص: 213


1- يس (36) : 34.
2- « شرح نهج البلاغة » 5 : 163 ؛ « بحار الأنوار » 84 : 199.

الخامس : في أحوال الناجين عن النار المتنعّمين في الجنّة الموجودة أيضا الآن ، بدلالة الآيات والأخبار ، ببيان وجوب الاعتقاد بحقّيّة الجنّة وثبوت التنعّم بالنعم الأبديّة الجسمانيّة أيضا على وفق ما استفيد من الأدلّة ، وهو أيضا في الجملة من أصول الدين ومنكره من الكافرين.

فنقول في تفصيل الفصول :

ص: 214

الفصل الأوّل : في عود الأرواح بعد إزهاقها وحصول الموت

اشارة

الذي قال تعالى في حقّه : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ ) (1) ونحوه ، إلى تلك الأبدان الأصليّة في القبر للسؤال ونحوه من الأحوال على وفق الأعمال ، وكذا انتقال الروح إلى البدن في البرزخ للجزاء على وفق الأعمال.

وهذا هو الحقّ ، بل هو من أصول المذهب ، خلافا لمن خالفنا : كالنسخيّة ، القائلين بأنّ النفوس الناقصة التي بقي شيء من كمالاتها الممكنة بالقوّة تدور في الأبدان الإنسانيّة وتنتقل من بدن إلى بدن آخر حتّى تبلغ النهاية في كمالها من علومها وأخلاقها. وهذا الانتقال يسمّى نسخا.

والمسخيّة ، القائلين بأنّ النفوس المذكورة ربما تنزّلت من بدن الإنسان إلى بدن حيوان يناسبه ، كبدن الأسد للشجاع ، والأرنب للجبان. ويسمّى ذلك مسخا.

والرسخيّة ، القائلين بأنّها ربما تنزّلت إلى الأجسام النباتيّة. ويسمّى ذلك رسخا.

والفسخيّة ، القائلين بأنّها ربما تنزّلت إلى الأجسام الجماديّة ، كالمعادن والبسائط. ويسمّى ذلك فسخا.

وكذلك من قال بأنّها تتعلّق بالأجرام السماويّة للاستكمال (2). وأمثالهم.

لنا - مضافا إلى الضرورة في المذهب - : الأخبار المتكاثرة.

ص: 215


1- الملك (67) : 2.
2- حكاه المجلسي عن بعض الفلاسفة في « بحار الأنوار » 58 : 117.

وبالجملة : فالكلام يقع في مطالب :

المطلب الأوّل : أنّ المعاد لغة - كما مرّ - هو العود ، أو محلّه ، أو زمانه.

واصطلاحا : عبارة عن عود أرواح الإنسان إلى الأبدان بعد مفارقتها يوم القيامة ، بإحياء اللّه سبحانه جميع أفراده بعد إماتتهم بجميع الأجزاء الأصليّة الباقية من أوّل العمر إلى آخره ، وتصويرها بصور مخصوصة ، وإفاضة أرواحها عليها ، وإحضار الجميع في موقف الحساب ، وإدخال الكفّار وبعض العصاة جهنّم المخلوقة لإيصال العذاب جزاء بما كانوا يكسبون ، وإدخال المؤمنين الجنّة المجعولة لإيصال الثواب بما أسلفوا في الأيّام الخالية ، ويجب على المكلّف اعتقاد ما ذكرنا والإقرار به.

ثمّ اعلم أنّ ما ذكرنا إنّما هو في القيامة الكبرى. وأمّا القيامة الصغرى وهي التي بين زمان الموت وزمان الأجساد في القيامة الكبرى ، ويطلق عليها عالم البرزخ ، فلا تتعلّق الأرواح فيها بتلك الأجساد بل تتعلّق بالقوالب المثاليّة كما في بعض الأخبار :

فقد روي عن يونس بن ظبيان أنّه قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام فقال علیه السلام : « ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟ » قلت : يقولون : في حواصل طير خضر في قناديل تحت العرش ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « سبحان اللّه ، المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر. يا يونس ، ... المؤمن إذا قبضه اللّه تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا » (1).

وفي رواية عن أبي بصير أنّه قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن أرواح المؤمنين ، فقال : « في الجنّة على صورة أبدانهم لو رأيته لقلت : رأيت فلانا » (2).

ص: 216


1- « الكافي » 3 : 245 ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ح 6.
2- « تهذيب الأحكام » 1 : 466 ، ح 1527.

ومن هذا ظهر بطلان القول بأنّ النفس الفاقدة للفضائل ، المقارنة بالرذائل ، المتمكّنة بعد المفارقة عن البدن تكون بلا بدن ، وتدرك رذائلها المتمكّنة ؛ لفراغها عن الشواغل المانعة عن كسب ما كانت مستعدّة له ، تتألّم بألم النار الروحانيّة ، وتلك نار اللّه الموقدة تطّلع على الأفئدة.

وأمّا النفس الكاملة بتصوّرات حقائق الأشياء وبالاعتقادات البرهانيّة الجازمة المطابقة الثابتة فتتّصل بعد المفارقة بالعالم القدسي في حضرة جلال ربّ العالمين في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وقد ذهب إليه بعض الحكماء ، ونسب إلى المشهور.

وظهر أيضا بطلان قول أهل التناسخ من أنّ النفس تبقى مجرّدة عن الأبدان خرجت كمالاتها من القوّة إلى الفعل حتّى تتّصل إلى عالم القدس.

وأمّا النفوس الناقصة التي بقي شيء من كمالاتها بالقوّة فإنّها تتردّد في الأبدان الإنسانيّة وتنتقل من بدن إلى بدن آخر حتّى تبلغ النهاية فيما هو كمالها من علومها وأخلاقها. ويسمّى هذا الانتقال نسخا.

وهكذا ما قيل من أنّها ربما نزلت من البدن الإنساني إلى بدن حيوان يناسبه في الأوصاف كبدن الأسد للشجاع والأرنب للجبان. ويسمّى فسخا.

وما قيل : ربما نزلت إلى الأجسام النباتيّة. ويسمّى رسخا.

وما قيل : ربما نزلت إلى الجماديّة كالمعادن والبسائط. ويسمّى فسخا. وكذا يقول بتعلّقها ببعض الأجرام السماويّة للاستكمال.

وقد روي عن الحسن بن الجهم قال : قال المأمون للرضا علیه السلام : يا أبا الحسن ، ما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال الرضا علیه السلام : « من قال بالتناسخ فهو كافر باللّه العظيم ، مكذب بالجنّة والنار » (1). ومثلها رواية أخرى عنه علیه السلام (2).

ص: 217


1- « عيون أخبار الرضا » 2 : 200 - 202 ، الباب 46 ، ح 1.
2- المصدر السابق ، ح 2.

وعن هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق أبا عبد اللّه علیه السلام أخبرني عمّن قال بتناسخ الأرواح من أيّ شيء قالوا ذلك؟ وبأي حجّة قالوا على مذاهبهم؟

قال : « إنّ أصحاب التناسخ قد خلّفوا وراءهم منهاج الدين ، وزيّنوا لأنفسهم الضلالات ، وأمرجوا أنفسهم في الشهوات ، وزعموا أنّ السماء خاوية ما فيها شيء ممّا يوصف ، وأنّ مدبّر هذا العالم في صورة المخلوقين بحجّة من روى : أنّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم على صورته. وأنّه لا جنّة ولا نار ولا بعث ولا نشور. والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه ، وولوجه في قالب آخر. إن كان محسنا في القالب الأوّل أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة الدنيا ، وإن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدوابّ المتعبة في الدنيا » (1).

[ المطلب ] الثاني : في بيان إمكان المعاد وإيجاد عالم آخر مثل هذا العالم ، ووجوبه عقلا ونقلا.

أمّا إمكانه عقلا فواضح ؛ لأنّ أحد المثلين إذا كان ممكنا كان الآخر أيضا ممكنا ، وإلاّ لم يكن مثله ، مضافا إلى عدم وجود مانع ذاتي أو عرضي يتصوّر بالنسبة إليه. وأنّ مادّة الأجساد والأرواح - أعني النفوس الناطقة - باقية ولا تعدم إلاّ الصورة ، ففي المعاد تتعلّق مثل تلك الصورة بالبدن المعاد ، فتتعلّق الأرواح الباقية إلى ما أعيد من الأجساد. وتغيّر مجرّد الصورة لا ينافي كون الثاني عين الأوّل ، كما في الشيخ الذي هو عين الطفل مع تغيّر الصورة ، بل زيادة الأجزاء المادّية الزائدة عن الأصليّة أيضا ، فلا يلزم إعادة المعدوم بعينه ، ولا كون المثاب غير المطيع ، ولا كون المعاقب غير العاصي كما يفهم من اعتبار كون البدن الثاني عين الأوّل أو مثله.

أو يقال : إنّ المعدوم بسبب الموت وافتراق أجزاء البدن هو الحياة المشروطة

ص: 218


1- « الاحتجاج » 2 : 344 ، احتجاج أبي عبد اللّه الصادق علیه السلام ، وعنه في « بحار الأنوار » 4 : 320 ، باب في إبطال التناسخ.

باجتماع الأجزاء ، فعند الاجتماع بعد الافتراق تعود الحياة ، ويكون الثاني عين الأوّل ؛ بناء على أنّ تفرّق أجزاء الجسم لا دخل له في التشخّص. ومن لا يقول بامتناع إعادة المعدوم فهو في سعة ممّا ذكر.

وأمّا الدليل النقلي على ما ذكر فقوله تعالى : ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) (1). وقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (2). ونحو ذلك من الآيات والأخبار.

وما يقال : من أنّه لو وجد عالم آخر لكان كرة مثل هذا العالم ، ولا يمكن ذلك إلاّ بتحقّق فرجة بين الكرتين ، فيلزم الخلاء ، وأنّه لو وجد عالم آخر مثل هذا العالم لكان فيه العناصر الأربعة ، فإن لم تطلب أمكنة عناصر هذا العالم لزم اختلاف متّفقات الطبائع في مقتضائها ، فإن طلبت لزم أن تكون في الأمكنة الأخر دائما.

فالجواب عنه أوّلا : أنّ ما ذكر أوّلا يلزم لو كان الكرويّة لازمة.

وثانيا : أنّه يلزم لو كان الكرتان موجودتين معا.

وثالثا : أنّه يلزم لو كان ما بينهما موجودا ولم يكن مثل ما وراء الفلك الأعظم.

ورابعا : أنّه يلزم لو كان العالم الآخر خارجا - بأن كان المراد إيجاد سماوات وأرضين مثل هذه ، ولم يكن المراد مجرّد إعادة الأرواح إلى الأبدان - وكان كلّ منهما في حيّز على حدة ولم يكوّن في جسم آخر. وجميع ذلك ممنوع.

مضافا إلى كونه في مقابل قول خالق العالم وأمنائه المستلزم لكون قائله من أعدائه ، وأنّ مقتضى المماثلة أن يقتضي كلّ عنصر في عالمه مكانا مماثلا لمكان

ص: 219


1- يس (36) : 81.
2- القيامة (75) : 3 - 4.

مماثله. مثلا : أرض كلّ عالم تقتضي مركزه ، وناره محيط ، فلا يلزم اختلاف متّفقات الطبائع ، فيكون ما ذكره ثانيا فاسدا ، مع أنّ وروده مبنيّ على خروج كلّ من الأجزاء ومعيّتهما في الوجود وهما ممنوعان ، مضافا إلى ما ذكر في كونه في مقابلة النصّ الإلهي والأخبار النبوي والإمامي.

وحيث كان العالم ممكنا والممكن يجوز له العدم كما يجوز له الوجود ، فيجوز عدم العالم كما يقتضيه قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (1) و ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (2). ونحوهما.

والمعقول من الفناء المذكور في الآيات وأخبار أئمّة الأنام التي يجب حمل ألفاظها على ما يفهم في العرف العامّ ليس إلاّ العدم الحاصل عن الإعدام لا شيء يفني به الأجسام ، ولكن العدم في الأغلب كالمكلّفين بتفريق الأجزاء كما تشهد به قصّة إبراهيم علیه السلام حيث قال : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ) ، (3) فإنّها تدلّ على أنّ إحياء الموتى إنّما يكون بتأليف الأجزاء المتفرّقة بالموت.

وهكذا قوله تعالى : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (4).

وقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (5) ونحو ذلك ، تدلّ على بقاء المادّة وعدم الانعدام بالكلّيّة ، فلا يلزم من طريان العدم على العالم مع القول بالمعاد إعادة المعدوم كما توهّم.

ص: 220


1- الرحمن (55) : 26.
2- القصص (28) : 88.
3- البقرة (2) : 260.
4- يس (36) : 79.
5- القيامة (75) : 3 - 4.

وأمّا وجوبه عقلا ؛ فلأنّ أفعال اللّه تعالى معلّلة بالأغراض لئلاّ يعدّ عبثا ، وليست عائدة إليه ؛ لاستحالة استكماله تعالى ، بل عائدة إلى المخلوقات ، وليست هي النعم الدنيويّة ؛ لأنّها على تقدير كونها نعما وعدم كونها دفع آلام كالجوع والعطش ونحو ذلك فهي مشوبة بالآلام الكثيرة التي توجب عدم صلاحيّتها لأن تكون أغراضا لأفعاله تعالى ، كما أنّ عدم بقائها وفنائها أيضا كذلك ، فهي عبارة عن النعيم الأبدي.

ولا ريب أنّ اللذّة الروحانيّة والجسمانيّة معا أولى لأن تكون أغراضا لأفعاله تعالى ؛ لأنّ المجموع أفضل من البعض ولا مانع منه كما مرّ. فيلزم أن يكون هو الغرض ؛ لئلاّ يلزم ترجيح المرجوح القبيح على اللّه تعالى ، مع أنّ ذات الفيّاض يقتضي كمال الفيض مع عدم المانع ، ففعل الناقص مع إمكان الكامل خلاف مقتضى ذاته.

وهكذا الألم الروحاني والجسماني فإنّهما معا أشدّ من أحدهما ، فلو استحقّ أحد ذلك الأشدّ بسبب الظلم الكثير على مظلوم - كما ظلم يزيد الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیهماالسلام - ولم يفعل اللّه بالنسبة إليه ذلك الأشدّ لزم الظلم عليه تعالى وعدم عدله ، وهو في حقّه محال كما مرّ ، فيجب على أشدّ المعاقبين في مقام النكال والنقمة أن يفعل أشدّ العذاب عند استحقاقه ، وهو المركّب من الروحاني والجسماني كما لا يخفى.

مضافا إلى أنّ العوض - أعني النفع المستحقّ الخالي عن التعظيم والإجلال بإزاء إنزال الألم بالعبد من غير استناد إلى فعله كالمرض وغيره - واجب عليه تعالى ، وإلاّ لكان ظلما وهو قبيح. وهكذا عوض تفويت المنافع إذا كان من المصلحة للغير.

وكذا إنزال الغموم المستندة إليه تعالى بالعلم الضروري كنزول مصيبة ، أو كسبيّ ، أو بظنّ ، كأن يغتمّ عند إفازة وصول مضرّة أو فوات منفعة إذا كان من اللّه.

ص: 221

وكذا عوض تمكين غير العاقل كالسباع على الإيلام بخلاف الإحراق عند الإلقاء في النار والقتل عند شهادة الزور ؛ فإنّ العوض واجب علينا لا على اللّه وفيما سبق واجب على اللّه تعالى ، ولا يتحقّق غالبا في الدنيا بالوجدان والعيان ، فيجب أن يكون في الآخرة ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بالمعاد الجسماني.

وأيضا إنّه تعالى وعد المكلّف بالثواب على الإطاعة ، وتوعّد على العقاب بالمعصية بعد الموت ، وجعل كلاّ منهما جسمانيّا كما في قوله تعالى : ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً ) ، (1) فيجب العود إيفاء للوعد والوعيد ؛ لئلاّ يلزم الكذب المحال عليه تعالى كما مرّ سابقا.

وأيضا فإنّه تعالى كلّف بالأوامر والنواهي ، فيجب الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ؛ لئلاّ يلزم العبث والظلم ، ولا يمكن ذلك إلاّ بالمعاد الجسماني ؛ إذ الروحاني المحض ليس إلاّ بالالتذاذ بالكمالات العلميّة ، وأمّا العمليّة فلا فائدة لها إلاّ الالتذاذ الجسماني.

وأمّا [ وجوبه ] نقلا ؛ فلقوله تعالى : ( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (2) ؛ لأنّه يدلّ على إثبات المعاد الجسماني بحيث لا يقبل التأويل ، فلو لم يقع يلزم الكذب على اللّه تعالى وهو محال ، فيجب وقوعه.

وقوله تعالى : ( فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (3).

وقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (4).

ص: 222


1- النساء (4) : 56.
2- يس (36) : 78 - 79.
3- يس (36) : 51 - 52.
4- القيامة (75) : 3 - 4.

وقوله تعالى ( إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ ) (1).

وقوله تعالى : ( يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللّهِ ) - إلى قوله تعالى : - ( وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ) الآية (2).

وقوله تعالى : ( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) (3). إلى غير ذلك ممّا لا يكاد يحصى.

فالمعاد الجسماني من ضروريّات دين نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ، فلمّا أخبر به الصادق فيجب التصديق والإيمان ، مضافا إلى الدليل العقلي السابق.

فلا وجه لما يقال : من أنّ عود الروح إلى البدن في عالم العناصر مستلزم للتناسخ ، وفي عالم الأفلاك مستلزم لخرقها ، وهما محالان. ومن لزوم تولّد البدن من غير توالد. ومن امتناع كون جنّة يكون عرضها السماوات والأرض ، كما في كتاب اللّه (4) في عالم العناصر والأفلاك ، فلا بدّ أن تكون فوقها ، وهو مناف لكون المحيط محدّد الجهات وما به انتهاء العالم الجسمانيّات. ومن امتناع دوام الحياة مع الاحتراق :

لأنّ جميع ذلك مع أنّها في مقابل ما أخبر به ، فجعل الكلّ إنكارا لقدرة الواجب ، مع أنّ إمكان الفلك المستلزم لجواز العدم عليه مستلزم لجواز الخرق عليه ، والتناسخ لا يلزم عند عود الروح إلى بدنه في أيّ عالم كان ، وأنّ السماوات والأرض تحت الكرسيّ ؛ إذ وسع كرسيّه السماوات والأرض ، وفرش الجنّة وسقفها عرش الرحمن مع إمكان الفوقيّة أيضا.

وبالجملة ، لمّا كان كون إيجاب التكاليف شكرا للنعم التي أنعم اللّه تعالى بها قبيحا ، وكانت المشقّة من غير عوض أيضا قبيحة وجب إعطاء العوض على ما وعد

ص: 223


1- العاديات (100) : 9.
2- فصّلت (41) : 19 - 21.
3- النساء (4) : 56.
4- آل عمران (3) : 133 ؛ الحديد (57) : 21.

في الآخرة بالبعث بشرط تحصيل شرطه لتصديق النبيّ ونحوه ، ولهذا لا يثاب من كان عارفا باللّه فقط ، ويجب أن يكون خالصا من الشوائب ؛ لئلاّ يكون العوض أنقص ، ولما مرّ ، وذي مرتبة لا يطلب أزيد من مرتبته فلا يكون مغتمّا لمشاهدة من هو أعظم من درجته درجة.

[ المطلب ] الثالث : في بيان الوعد والوعيد وما يتعلّق بهما.

اعلم أنّ الإخبار بوصول النفع وعد ، وبوصول الضرر وعيد.

والأوّل إن كان مع الاستحقاق والتعظيم ثواب ، وإن كان مع الأوّل بدون الثاني انتقام ، وإن كان بالعكس تفضّل.

والثاني إن كان مع الاستحقاق والإهانة عقاب ومع الأوّل بدون الثاني انتقام ، وإن كان بالعكس ظلم.

ووجوب الثواب عقليّ ؛ لكونه في مقابل الإتيان بالمأمور به ، والكفّ عن المنهيّ عنه اللذين يكونان مستلزمين للمشقّة العظيمة ، والمشقّة العظيمة من غير عوض مع التعظيم قبيح ، فيكون العوض مع التعظيم لازما ، وهو المراد من الثواب.

ووجوب العقاب بالنسبة إلى حقوق الناس عقليّ إن لم يستحقّ التعظيم ؛ لئلاّ يلزم المنافاة مع العدل ، وبالنسبة إلى حقوق اللّه نقليّ.

ويجب أن يكونا خالصين من الشوائب. لما مرّ.

ويجب دوامهما ؛ دفعا للشوب ، مضافا إلى دلالة السمع كقوله تعالى : ( خالِدَيْنِ فِيها ) ، (1) ولكن عذاب الفسّاق من أهل الإيمان منقطع ؛ لاقتضاء الإيمان الثواب الذي لا يجتمع مع العقاب ، ولا يقدّم عليه إجماعا ، فيكون مؤخّرا. وذلك لا يستلزم انقطاع العقاب.

ص: 224


1- الحشر (59) : 17.

والجنّة دار معدّة لإيصال الثواب ، وجهنّم دار معدّة لإيصال العقاب. ووجودهما في الجملة إجماعي.

وإنّما الخلاف في وجودهما الآن ، وهو الحقّ.

تدلّ عليه قصّة آدم وحوّاء وإسكانهما الجنّة وإخراجهما عنها بأكل الشجرة ، وكونهما يخصفان عليهما من ورق الجنّة على ما نطق به الكتاب (1) والسنّة (2). وانعقد عليه إجماع الخاصّة والعامّة قبل المخالف على ما حكي (3).

والحمل على البساتين خلاف الظاهر الذي لا تدعو إليه حاجة إلاّ تشهّي النفس والتفسير بالرأي على ما يطابق رضاه. وعدم القول بوجود الجنّة دون النار يثبت تمام المدّعى.

وقد وردت في ذلك ما عدا ما ذكر آيات كثيرة صريحة كقوله تعالى : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ) (4).

وقوله تعالى في حقّ الجنّة : ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (5) ، ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (6).

وفي حقّ النار ( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ) (7). ونحو ذلك.

وحملها على التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للمبالغة في تحقّقهما كما في ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) (8) ونحوه خلاف الظاهر ، ولا قرينة عليه.

والتمسّك في المنع بأنّ خلقهما قبل يوم الجزاء عبث لا يليق بجنابه تعالى فاسد ،

ص: 225


1- الأعراف (7) : 20 - 22 ؛ طه (20) : 117 - 121.
2- « معاني الأخبار » : 108 - 110 ؛ وعنه في « بحار الأنوار » 11 : 172 - 174 ، ح 19.
3- « شرح المقاصد » 5 : 108.
4- النجم (53) : 13 - 15.
5- آل عمران (3) : 133.
6- الشعراء (26) : 90.
7- الشعراء (26) : 91.
8- الكهف (18) : 99.

أمّا أوّلا ؛ فلأنّهما محلاّن لبعض المخلوقين كالحور والغلمان في الجنّة.

وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ عدم العلم بالفائدة لا يستلزم عدمها.

وأمّا قوله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (1) فعلى تقدير عدم إرادة كونه كالهالك لضعف الوجود الإمكاني غير مناف لما ذكرنا ، من جهة لزوم دوام أكل الجنّة وظلّها المنافي للفناء ظاهرا ؛ لكون المراد زوال الصورة لا المادّة. ولو سلّم فمخصوص بغير هما ، مع احتمال حمل الدوام على عدم انقطاع البقاء زمانا يعتدّ به ، كما في دوام المأكول فإنّه يتجدّد تجدّدا غير مناف لفنائه لحظة.

وأمّا قوله تعالى : ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ) (2) فعلى تقدير كونهما في هذا العالم غير مناف لوجودهما من جهة امتناع تداخل الأجسام ؛ لأنّه محمول على التشبيه ولو سلّم العدم لامتناع قيام عرض شخصي بمحلّين موجودين ، ويشهد عليه قوله تعالى في آية أخرى : ( كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) (3). وورد خبر دالّ على أنّ : من لم يقل بوجودهما الآن فهو ليس منّا (4).

وأمّا سؤال القبر وعذابه فهما ممكنان قد تواترت الأخبار عليهما مضافا إلى الآيات ، بل قد قيل : إنّ الخلاف مسبوق بالإجماع (5).

وأمّا الآيات : فمنها قوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) ، (6) إذ عطف عذاب القيامة على عرض النار صباحا ومساء يقتضي كونه غيره ، وكون المعطوف عليه قبله ، فهو في القبر.

ص: 226


1- القصص (28) : 88.
2- آل عمران (3) : 133.
3- الحديد (57) : 21.
4- « عيون أخبار الرضا » 1 : 116 ، ح 3 ؛ « الأمالي » للصدوق : 373 ، المجلس 70.
5- تقدّم في ص 225.
6- غافر (40) : 46.

ومنها : قوله تعالى حكاية : ( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (1). وإحدى الحياتين ليست إلاّ في القبر ، ومن قال بالإحياء فيه قال بالسؤال والعذاب فيه أيضا.

ويدلّ عليه ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال في القبر : « روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران » (2). ونحوه آخر (3).

وقوله صلی اللّه علیه و آله : « استنزهوا من البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه » (4).

وكذا ما روي أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كفّن أمّ أمير المؤمنين علیه السلام فاطمة بنت أسد رضی اللّه عنه في قميصه بعد ما فرغت النساء من غسلها ، وحمل جنازتها على عاتق عنقه فلم يزل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها ، ثمّ وضعها ودخل القبر واضطجع فيه ، ثمّ قام فأخذها على يديه ووضعها في قبرها ، ثمّ انكبّ عليها يناجيها طويلا ويقول : « ابنك ابنك » ، ثمّ خرج وسوّى عليها التراب ، ثمّ انكبّ على قبرها فسمعوه وهو يقول : « اللّهم إنّي أودعتها إيّاك » ثمّ انصرف ، فقال له المسلمون : يا رسول اللّه إنّا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل اليوم؟

فقال : « في اليوم فقدت برّ أبي طالب علیه السلام ، إنّها كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها ، وإنّي ذكرت القيامة ، وأنّ الناس يحشرون عراة ، فقالت : وا سوأتاه ، فضمنت لها أن يبعثها اللّه كاسية ، وذكرت ضغطة القبر ، فقالت : وا ضعفاه ، فضمنت لها أن يكفيها اللّه ذلك ، فكفّنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه ، وإنّما سئلت عن ربّها ، فقالت اللّه ، وسئلت عن نبيّها فأجابت ، وسئلت عن وليّها وإمامها فأرتج عليها فقلت لها : ابنك ابنك ، فقالت : ولدي إمامي فانصرفا عنها ، وقالا : لا سبيل لنا عليك نامي كما تنام العروس في

ص: 227


1- غافر (40) : 11.
2- « بحار الأنوار » 6 : 205 و 275 ؛ « سنن الترمذي » 4 : 640 ، ح 2460 ؛ « مجمع الزوائد » 3 : 46.
3- « الخصال » : 119 - 120 ، ح 108 ؛ « الأمالي » للطوسي : 28 ، ح 31 ، المجلس 1.
4- « سنن الدارقطني » 1 : 128 ، باب نجاسة البول ... ، ح 7 ؛ « نيل الأوطار » 1 : 114 ؛ « نصب الراية » 1 : 128.

خدرها ، ثمّ مرّة ثانية » (1).

والاحتجاج لإنكار ما ذكرنا بقوله تعالى : ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى ) (2) فاسد ؛ إذ المراد وصف أهل الجنّة ، فلا دلالة فيه على انتفاء الموت بعد السؤال وقبل دخول الجنّة.

والتخصيص بالموتة الأولى إنّما هو لظهورها ، والمقصود نفي الموت في الجنّة على طريق التعليق بالمحال ؛ إذ عود الموتة الأولى محال.

وكيف كان فالظاهر أنّ سؤال القبر عقيب الدفن لا في زمان يكون قريب الساعة.

[ المطلب ] الرابع : في بيان مراد أحوال الناس في القبر وعالم البرزخ ،
اشارة

بمعنى أنّ الأرواح بعد الموت - الذي قال اللّه في حقّه : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (3) - وبعد إزهاق تلك الأرواح هل تعود للسؤال ونحوه إلى تلك الأبدان في القبر ونحوه من عالم البرزخ والقيامة الصغرى قبل الحشر أم لا؟

قولان : والحقّ هو الأوّل ، خلافا لما يقول أمثال النسخيّة القائلين بأنّ النفوس الناقصة التي بقي شيء من كمالاتها الممكنة بالقوّة تدور في الأبدان الإنسانيّة وتنتقل من بدن إلى بدن آخر حتّى تبلغ النهاية في كمالها من علومها وأخلاقها. وهذا الانتقال يسمّى نسخا.

والمسخيّة القائلين بأنّ النفوس المذكورة ربما تنزّلت من بدن الإنسان إلى بدن الحيوان الذي يناسبه كبدن الأسد للشجاع والأرنب للجبان. ويسمّى ذلك مسخا.

والرسخيّة القائلين بأنّها ربما تنزّلت إلى الأجسام النباتيّة. ويسمّى ذلك رسخا.

والفسخيّة القائلين بأنّها ربما تنزّلت إلى الأجسام الجماديّة كالمعادن والبسائط.

ص: 228


1- « الكافي » 1 : 453 - 454 ، باب مولد أمير المؤمنين علیه السلام مع الاختلاف ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 6 : 279.
2- الدخان (44) : 56.
3- الملك (67) : 2.

ويسمّى ذلك فسخا.

وكذلك من قال بأنّها تتعلّق بالأجرام السماويّة للاستكمال ، وأمثالهم.

وعلى الأوّل هل هو إلى هذا البدن أو البدن المثالي ، وأنّ تألّمهم وتنعّمهم بما ذا؟ أمن الجنّة والنار الحقيقيّتين أو الشبيهتين بهما؟

اعلم أوّلا أنّ المؤمن وغيره يعاينون عند الموت الأئمّة علیهم السلام . عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « لا يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلاّ ويحضره رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأمير المؤمنين علیه السلام والحسن والحسين علیهماالسلام فيرونه ويبشّرونه ، وإن كان غير موال لنا يراهم بحيث يسوؤه ».

والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين علیه السلام لحارث الهمداني :

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا (1)

وعنه أنّه قال : « الميّت تدمع عينه عند الموت فقال ذلك عند معاينة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يرى ما يسرّه - ثمّ قال : - أما ترى الرجل إذا رأى ما يسرّه وما يحبّ فتدمع عينه ويضحك؟ » (2).

وعنه علیه السلام في قول اللّه تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) (3). قال : « هو رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » (4).

وفي الآخر : « إيمان أهل الكتاب ، إنّما هو لمحمّد صلی اللّه علیه و آله » (5).

وفي الآخر في تفسير [ ها ] : « ليس من أحد من أهل الأديان يموت إلاّ رأى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأمير المؤمنين علیه السلام حقّا من الأوّلين والآخرين » (6).

ص: 229


1- « تفسير القمّي » 2 : 265 ؛ عنه في « بحار الأنوار » 6 : 180 - 181 ، ح 8.
2- « الكافي » 3 : 133 ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح 6.
3- النساء (4) : 159.
4- « تفسير العيّاشي » 1 : 283 ، الرقم 299 ؛ عنه في « بحار الأنوار » 6 : 188 ، ح 27.
5- « تفسير العيّاشي » 1 : 284 ، الرقم 301 ؛ عنه في « بحار الأنوار » 6 : 188 ، ح 28.
6- « تفسير العيّاشي » 1 : 284 ، الرقم 302 ؛ عنه في « بحار الأنوار » 6 : 188 ، ح 30.

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على ذلك ، وعلى إتيان الشياطين على يمين المؤمن الموالي ويساره ، ليصدّه عمّا هو عليه فيأبى اللّه ذلك كما قال : ( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) (1).

ثمّ اعلم أنّ للإنسان بعد الموت حياة في البرزخ ، وهو القيامة الصغرى كالحياة في القيامة الكبرى ويتبعها أحوال حسنة أو غيرها كما قال : ( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (2).

وقال تعالى : ( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (3).

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال : « واللّه ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ ، وأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم » (4).

وعن عليّ بن الحسين علیهماالسلام أنه قال : « القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران » (5).

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال : ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ) . قال : في قبره ( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (6) قال في الآخرة ( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ) (7) في القبر ( وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) (8) في الآخرة » (9).

وعن عليّ بن إبراهيم أنّه قال في تفسير قوله تعالى : « ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها

ص: 230


1- « تفسير العيّاشي » 2 : 225 ، ذيل الآية 27 من سورة إبراهيم.
2- المؤمنون (23) : 99 - 100.
3- غافر (40) : 11.
4- « تفسير القمّي » 2 : 94.
5- تقدّم في ص 227 ، التعليقة 2.
6- الواقعة (56) : 88 - 89.
7- الواقعة (56) : 92 - 93.
8- الواقعة (56) : 94.
9- « تفسير القمّي » 2 : 350 ؛ عنه في « بحار الأنوار » 6 : 217 ، ح 11.

غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) (1) فأمّا الغدوّ والعشيّ إنّما يكونان في الدنيا في دار المشركين. فأمّا القيامة فلا يكون غدوّ ولا عشيّ. ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) (2). يعني في جنان الدنيا التي ينقل إليها أرواح المؤمنين ، فأمّا في جنّات الخلد فلا يكون غدوّ ولا عشي » (3).

وعن النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « ضغطة القبر [ للمؤمن ] (4) كفّارة لما كان منه [ من ] (5) تضييع النعم » (6).

وعن الصادق علیه السلام : « من مات بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين أعاذه اللّه تعالى من ضغطة القبر » (7).

وعن موسى بن جعفر عن أبيه علیه السلام أنّه قال : « إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره فإذا أدخل قبره أتاه منكر ونكير فيقعدانه ويقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول : ربّي اللّه ، ومحمّد نبيّي ، والإسلام ديني ، فيفسحان له في قبره مدّ بصره ، ويأتيانه بالطعام من الجنّة ، ويدخلان عليه الروح والريحان. وذلك قوله عزّ وجلّ : ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ) يعني في قبره ( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (8) يعني في الآخرة ».

ثم قال علیه السلام : « إذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانية إلى قبره وأنّه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كلّ شيء إلاّ الثقلان ويقول : ( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (9) ويقول : ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) فتجيبه الزبانية :

ص: 231


1- غافر (40) : 46.
2- مريم (19) : 62.
3- انظر « تفسير القمّي » 2 : 52 و 258 و 350 ؛ عنه في « بحار الأنوار » 6 : 218 ، ح 19.
4- الزيادة أضفناها من المصدر.
5- الزيادة أضفناها من المصدر.
6- « الأمالي » للصدوق : 434 ، المجلس 80 ، ح 2 ؛ « علل الشرائع » 1 : 360 ، ح 3.
7- « الأمالي » للصدوق : 231 ، المجلس 47 ، ح 11.
8- الواقعة (56) : 88 - 89.
9- الزمر (39) : 58.

( كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ) (1) ، ويناديهم ملك : ( لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) (2) فإذا أدخل قبره وفارقه الناس أتاه منكر ونكير في أهول صورة فيقيمانه ، ثمّ يقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا دريت ولا هديت ولا أفلحت.

ثمّ يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه الحميم من جهنّم ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ) في القبر ( وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) (3) في الآخرة » (4).

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال : « من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشفاعة » (5).

وعن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « ابن آدم إذا كان في آخر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة مثّل له ماله وأهله وولده وعمله ، فيلتفت إلى ماله ، فيقول : واللّه إنّي كنت عليك لحريصا شحيحا فما ذا لي عندك؟ فيقول : خذ منّي كفنك.

ثمّ يلتفت إلى ولده ، فيقول : واللّه إنّي كنت لكم محبّا وإنّي كنت عليكم محاسبا فما ذا لي عندكم؟ فيقولون : نؤدّيك إلى حفرتك ونواريك فيها.

ثمّ يلتفت إلى عمله فيقول : واللّه إنّي كنت فيك مزاهدا وإنّك كنت عليّ ثقيلا فما ذا عندك؟ فيقول : وأنا قرينك في قبرك ويوم حشرك حتّى أعرض أنا وأنت على ربّك » الحديث (6).

وعن الصادق علیه السلام : « لا يسأل في القبر إلاّ من محض الإيمان محضا ، أو محض

ص: 232


1- المؤمنون (23) : 99 - 100.
2- الأنعام (6) : 28.
3- الواقعة (56) : 92 - 94.
4- « الأمالي » للصدوق : 239 ، المجلس 48 ، ح 12.
5- المصدر السابق : 242 ، المجلس 49 ، ح 9.
6- « تفسير القمّي » 1 : 371 ، ذيل الآية 14 من سورة إبراهيم علیه السلام ، « الأمالي » للطوسي : 347 - 348 ، المجلس 12.

الكفر محضا ، والآخرون يلهون عنهم » (1).

وعنه علیه السلام بعد السؤال عن نجاة أحد من ضغطة القبر أنّه قال : « نعوذ باللّه منها ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر ». الحديث (2).

وعنه علیه السلام : « يجيء الملكان : منكر ونكير إلى الميّت حين يدفن ، أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يخطّان الأرض بأنيابهما ويطئان في شعورهما ويسألان الميّت : من ربّك؟ وما دينك؟ فإذا كان مؤمنا قال : اللّه ربّي وديني الإسلام ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول : عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله تسألاني؟ فيقولان له تشهد أنّه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فيقول : أشهد أنّه لرسول اللّه ، فيقولان : نم نومة لا حلم فيها ، ويفسح له في قبره تسعة أذرع ، ويفتح له باب الجنّة ويرى مقعده فيها.

وإذا كان الرجل كافرا دخلا عليه وأقيم الشيطان بين يديه ، عيناه من نحاس ، فيقولان من ربّك؟ وما دينك؟ وما تقول في هذا الرجل الذي قد خرج من ظهرانيكم؟ فيقول : لا أدري ، فيخلّيان بينه وبين الشيطان فيسلّط عليه في قبره تسعة وتسعين تنّينا ، ولو أنّ تنّينا واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شجرا أبدا ، ويفتح له باب إلى النار ويرى مقعده فيها » (3).

ومثله أخبار أخر مع زيادة : تمنّي المؤمن تعجيل قيام الساعة ، والكافر تأخيره في بعضها (4).

وعنه علیه السلام : « إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبرّ مظلّ عليه ويتنحّى الصبر ناحية ، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال

ص: 233


1- « الكافي » 3 : 235 ، باب المسألة في القبر ، ح 1.
2- المصدر السابق : 236 ، ح 6.
3- المصدر السابق ، ح 7.
4- المصدر السابق : 238 - 239 ، ح 11.

الصبر للصلاة والزكاة : دونكما صاحبكم ، فإن عجزتم عنه فأنا دونه » (1).

وعنه علیه السلام : « يسأل الميّت في قبره عن خمس : عن صلاته ، وزكاته ، وحجّه ، وصيامه ، وولايته إيّانا أهل البيت ، فتقول الولاية من جانب القبر للأربع : ما دخل فيكنّ من نقص فعليّ تمامه » (2). وفي الخبر بعد السؤال عن المصلوب يصيبه عذاب القبر : « إنّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء فيوحي اللّه عزّ وجلّ إلى الهواء فيضغطه ضغطة القبر » (3).

وفي آخر ما يدلّ على تجسّم أعمال المؤمن العمل الصالح بصورة حسنة له ، وأعمال الكافر بصورة قبيحة (4).

وعنه علیه السلام أنّه قال بعد ما حكي لهم أنّهم يرون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش : « لا ، المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في حوصلة طير لكن في أبدان كأبدانهم » (5).

وفي آخر : « في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا » (6).

وعنه علیه السلام : « إنّ أرواح المؤمنين لفي شجرة من الجنّة يأكلون » الحديث (7).

ونحو ذلك ممّا يدلّ على تعارف الأرواح وتساؤلهم ، وكون أرواح الكفّار في النار ، وكون ماء برهوت بحضرموت ترده هام الكفّار :

فعن أبي جعفر علیه السلام : « إنّ لله جنّة خلقها في المغرب ، وماء فراتكم يخرج منها ، وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كلّ مساء ، فتسقط على ثمارها وتأكل

ص: 234


1- المصدر السابق : 240 ، ح 13.
2- المصدر السابق : 241 ، ح 15.
3- المصدر السابق ، ح 17 ، صحّحنا النقل عن المصدر.
4- المصدر السابق : 241 - 242 ، باب ما ينطق به موضع القبر ، ح 1.
5- المصدر السابق : 244 ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ح 1.
6- المصدر السابق : 245 ، ح 6.
7- المصدر السابق : 244 ، ح 2.

منها ، وتتنعّم فيها ، وتتلاقى وتتعارف ، فإذا طلع الفجر هاجت من الجنّة ، فكانت فيما بين السماء والأرض ، تطير ذاهبة وجائية ، وتعهد حفرها إذا طلعت الشمس ، وتتلاقى في الهواء وتتعارف. وإنّ لله نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفّار ويأكلون من زقّومها ويشربون من حميمها ليلهم ، فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن يقال له : برهوت أشدّ حرّا من نيران الدنيا كانوا فيها يتلاقون ويتعارفون ، فإذا كان المساء عادوا إلى النار ، فهم كذلك إلى يوم القيامة » (1).

فقال بالنسبة إلى المستضعفين ومن يعرف النبوّة دون الولاية من غير ولاية لهم : « إنّهم في حفرتهم لا يخرجون منها يدخل عليهم الروح من الجنّة في المغرب إلى القيامة فيحاسب ، فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار. وكذلك البله والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم » (2).

ونحوه ما دلّ على : « أنّ اللّه تعالى يؤجّج للأطفال والمجانين والبله نارا ثمّ يبعث ملكا فيقول لهم : إنّ ربّكم يأمركم أن تبغوا فيها فمن دخلها كانت بردا وسلاما وأدخل الجنّة ، ومن تخلّف عنها فدخل النار » (3).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام : « إنّ أرواح المؤمنين يرون آل محمّد صلی اللّه علیه و آله في جبال رضوى فتأكل من طعامهم وتشرب من شرابهم وتحدّث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا أهل البيت علیهم السلام ، فإذا قام قائمنا بعثهم اللّه فأقبلوا معه » (4).

إلى غير ذلك من الأخبار - الواردة في هذا الباب ، ويوجب ذكرها الإطناب - التي يستفاد منها أنّ النفس باقية بعد الموت إمّا متنعّمة أو معذّبة أو يلهى عنها في البرزخ ، المفسّر في الخبر بالقبر حين الموت إلى يوم القيامة.

ص: 235


1- « الكافي » 1 : 246 - 247 ، باب جنّة الدنيا ، ح 1.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق : 248 ، باب الأطفال ، ح 1.
4- « بحار الأنوار » 6 : 243 ، ح 66.

فعن الصادق علیه السلام : « إنّ كلّ شيعتنا في الجنّة ». وبعد السؤال : أنّ الذنوب كثيرة كبار ، قال : « أمّا في القيامة فكلّكم في الجنّة بشفاعة النبيّ المطاع أو وصيّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله ولكنّي واللّه أتخوّف عليكم في البرزخ ». قلت : وما البرزخ؟ قال : « القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة » (1).

وكذا يستفاد منها كون تعلّقها بالبدن الأصلي للسؤال ، وكون السؤال والضغطة في الأجساد الأصليّة ، وتعلّقها بعد ذلك بالأجساد المثاليّة اللطيفة الشبيهة بالأبدان الأصليّة من غير نسخ ومسخ وفسخ ورسخ.

عن محمّد بن أحمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : إنّا نتحدّث عن أرواح المؤمنين أنّها في حواصل طير خضر ترعى في الجنّة وتأوي إلى قناديل تحت العرش؟ قال : « لا ، إذن ما هي في حواصل طير؟ ».

قلت : فأين هي؟ قال : « في روضة كهيئة الأجساد في الجنّة » (2).

وعن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عميدة محمّد بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن أرواح المؤمنين ، فقال : « في حجرات في الجنّة ، يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون : ربّنا أقم لنا الساعة ، وأنجز لنا ما وعدتنا ، وألحق آخرنا بأوّلنا » (3).

وبهذا الإسناد عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن أرواح المشركين ، فقال : « في النار يعذّبون يقولون : ربّنا لا تقم لنا الساعة ، ولا تنجز لنا ما وعدتنا ، ولا تلحق آخرنا بأوّلنا » (4).

ص: 236


1- « الكافي » 3 : 242 ، باب ما ينطق به موضع القبر ، ح 3.
2- المصدر السابق : 245 ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ح 7.
3- المصدر السابق : 244 ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ح 4.
4- المصدر السابق : 245 ، باب في أرواح الكفّار ، ح 1.

وعن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « شرّ بئر في النار برهوت الذي فيه أرواح الكفّار » (1).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام : « شرّ ماء على وجه الأرض ماء برهوت ، وهو واد بحضرموت ترد عليه هام الكفّار وصداهم » (2).

وعن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ضريس قال : سألت أبا جعفر علیه السلام : إنّ الناس يذكرون أنّ فراتنا يخرج من الجنّة ، فكيف هو وهو يقبل من المغرب وتصبّ فيه العيون والأودية؟

قال : فقال أبو جعفر علیه السلام وأنا أسمع : « إنّ لله جنّة خلقها اللّه في المغرب وماء فراتكم يخرج منها ، وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كلّ مساء ، فتسقط على أثمارها ، وتأكل منها ، وتتنعّم فيها ، وتتلاقى وتتعارف ، فإذا طلع الفجر هاجت من الجنّة فكانت في الهواء فيما بين السماء والأرض تطير ذاهبة وجائية ، وتعهد حفرها إذا طلعت الشمس ، وتتلاقى في الهواء وتتعارف.

قال : وإنّ لله نارا في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفّار ويأكلون من زقّومها ويشربون من حميمها ليلهم ، فإذا طلع الفجر هاجت إلى واد باليمن يقال له : برهوت ، أشدّ حرّا من نيران الدنيا كانوا فيه يتلاقون ويتعارفون ، فإذا كان المساء عادوا إلى النار ، فهم كذلك إلى يوم القيامة ».

قال : قلت : أصلحك اللّه ما حال الموحّدين المقرّين بنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم؟ فقال : « أمّا هؤلاء فإنّهم في حفرتهم لا يخرجون منها ، فمن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة فإنّه يخدّ له خدّ إلى الجنّة التي خلقها اللّه في المغرب فيدخل عليه منها الروح في حفرته إلى يوم القيامة فيلقى اللّه فيحاسبه بحسناته وسيّئاته ، فإمّا إلى جنّة وإمّا إلى نار ، فهؤلاء موقوفون لأمر اللّه - قال : - وكذلك يفعل اللّه بالمستضعفين

ص: 237


1- « الكافي » 1 : 246 ، باب في أرواح الكفّار ، ح 3.
2- المصدر السابق ، ح 5.

والبلّه والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم ، فأمّا النصّاب من أهل القبلة فإنّهم يخدّ لهم خدّ إلى النار التي خلقها اللّه في المشرق فيدخل عليهم اللّهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة ، ثمّ مصيرهم إلى الحميم في النار ... » (1).

وغير ذلك من الأخبار الواردة عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أو الأئمّة الأخيار ، مثل ما رواه عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال ، قلت : جعلت فداك يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش ، فقال : « لا ، المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في حوصلة طير لكن في أبدان كأبدانهم » (2). وكذا ما رواه غيره (3).

وكيف كان فالظاهر أنّ البدن المثالي بدن مستقلّ يخلق بقدرته تعالى لتعلّق الروح ، وليس مأخوذا من البدن الأصلي بأخذ لطيفه [ كتلطيفه ] (4) كما توهّم. كما أنّه ليس عبارة عن الصورة النوعيّة الإنسانيّة أيضا كما حكي عن بعض.

وكذا ما حكي عن المنزلة من أولاد أبي هاشم من : « أنّه تعالى ينزع من جسد كلّ واحد منهم أجزاء قدر ما يتعلّق به البرزخ ، وهوى هذا من أجزاء أجسادهم في قبورهم في أجساد سائر الموتى ». وليس هذا قولا بالتناسخ الباطل بالاتّفاق عبارة عن تعلّق الأرواح في هذا العالم بعد مفارقتها عن أجسادها بأجساد أخر عنصريّة كما يقول أهل النسخ والمسخ والفسخ والرسخ ، أو فلكيّة كما عن بعض. وأمّا تعلّقها في القيامة الصغرى في عالم البرزخ بأبدان مثاليّة وفي القيامة الكبرى بأبدان أصليّة كما هو المستفاد من الأخبار فلا.

وقد يقال : يمكن كون أحوال القبر كمثل نزول الملك الذي لا يرى بتلك العين ، أو

ص: 238


1- المصدر السابق : 246 - 247 ، باب جنّة الدنيا ، ح 1.
2- المصدر السابق : 244 ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ح 1.
3- المصدر السابق : 245 ، ح 6.
4- كذا في الأصل.

كحال النائم المتلذّذ أو المتألّم بما يرى في المنام من غير مشاهدة شيء ، أو بوصول الأثر من غير وجود المؤثّر العادي.

وقد ورد ما يدلّ على حضور الرقيب والعتيد عند حضور الموت ، وإظهار كتاب الأعمال الحسنة والسيّئة ، ومجيء ملك بعد الدفن يقال له : المنبّه ، فيقول : « اكتب عملك وما لك وما عليك في دار الدنيا ، فيقول الميّت : لا أحصيه ولا أعرفه ، فيقول الملك : أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ : ( أَحْصاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ ) (1) اكتب الآن أنا أملي لك ، لأنّي موكّل عليك ، فيقول الميّت : وأين البياض ، فيأخذ الملك من الكفن قطعة فيصيّر ورقا ، ثمّ يقول : هذه صحيفتك ، فيقول الميّت : وأين القلم؟ فيقول : إصبعك ، فيقول : أين المداد؟ فيقول : ريقك ، فيملي جميع ما فعله في دار الدنيا ، ثمّ يتلو هذه الآية ( لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) ، (2) فيأخذ الملك الكتاب فيختمه فيطوّقه في عنق الميّت ، فيقول : أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً ) (3)؟.

ثمّ يجيء منكر ونكير للسؤال عن العقائد (4).

وبالجملة : فينبغي أن يكون الكلام في هذا المقام أوّلا : في المعاد في الجملة في مقابل منكريه.

وثانيا : في بيان المعاد الأصغر وعود الروح إلى البدن الأصلي في القبر في القيامة الصغرى.

وثالثا : في الانتقال إلى البدن المثالي في المعاد الأوسط في القيامة الوسطى في البرزخ.

ص: 239


1- المجادلة (58) : 6.
2- الكهف (18) : 49.
3- الإسراء (17) : 13.
4- راجع « الفضائل » : 89 ؛ « بحار الأنوار » 59 : 234 - 235.

ورابعا : عود الروح في القيامة الكبرى إلى البدن الأصلي مع تغاير الصور دون العنصر في المحشر الذي هو المعاد الأكبر.

وخامسا : فيما بعد المعادات ، وفي أحوال النار والجنّة والأعراف الواقعة بينها وأهلها على وفق العقل والنقل.

نعم ، في بعض الاعتقادات لا بدّ من ملاحظة النقل خاصّة ؛ إذ لا مدخل للعقل فيه ، كتعلّق الروح بالبدن المثالي في غير النبيّ والوصيّ ، بمعنى عدم احتياجهما إليه مع تسلّطهما على التصرّف فيه ، مثل ما روي في الكافي في باب زيارات النبيّ صلی اللّه علیه و آله والأئمّة علیهم السلام عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « ما من نبيّ ولا وصيّ نبيّ يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيّام حتّى يرفع روحه ولحمه وعظمه إلى السماء ، وإنّما يؤتى مواضع آثارهم ، ويبلّغونهم من بعيد السّلام ، ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب » (1). إلى غير ذلك.

[ إثبات امكان وجود عالم مماثل ]

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع شرح الشارح القوشچي بقوله : « حكم المثلين واحد والسمع دلّ على إمكان التماثل ».

اختلفوا في أنّه هل يمكن وجود عالم آخر مماثل لهذا العالم أم لا؟ ذهب المليون إلى إمكانه ، وذهب بعض الأوائل إلى امتناعه.

واحتجّ المصنّف على إمكانه بدليلين : عقلي وسمعي :

أمّا العقلي فهو أنّ حكم المثلين واحد ، وإذا كان أحد المثلين ممكنا كان الآخر أيضا ممكنا ، وإلاّ لم يكونا مثلين ما فرضناهما مثلين.

وأمّا السمعي فقوله تعالى : ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) (2).

ص: 240


1- « الكافي » 4 : 567 ، كتاب الحجّ ، ح 1 ؛ « تهذيب الأحكام » 6 : 106 ، ح 186.
2- يس (36) : 81.

واحتجّ من زعم أنّ مثل هذا العالم ممتنع بوجهين :

أحدهما : أنّه لو وجد عالم آخر [ لكان كرة مثل هذا العالم ولا يمكن وجود كرتين متماثلتين إلاّ بتحقّق فرجة بينهما.

الثاني : أنّه لو وجد عالم آخر ] (1) مثل هذا العالم ، لكان فيه أيضا العناصر الأربعة ، فإن لم تطلب أمكنة عناصر هذا العالم لزم اختلاف متّفقات الطبائع في مقتضياتها ، وإن طلبت ليكون في الأمكنة الأخر بالقسر دائما.

والجواب عن الأوّل : أنّا لا نسلّم أنّ العالم كرة ، ولو سلّم فلا نسلّم وجوب الخلاء بينهما ، لم لا يجوز أن يكونا في ثخن جسم آخر؟

وعن الثاني : أنّا لا نسلّم أنّه يلزم اختلاف متّفقات الطبائع في مقتضياتها.

أقول : يجوز أن يقتضي كلّ في عالمه مكانا مماثلا لمكان مماثله ، مثلا أرض كلّ عالم تقتضي مركز هذا العالم ، ونار كلّ عالم تقتضي محيط هذا العالم.

وإنّما لم يسند المنع بما أسند في المشهور ، أعني يجوز أن يكون طبائع عناصر عالم مخالفة لطبائع عناصر عالم آخر وإن كانت مماثلة لها في الجسميّة ؛ لأنّ اختلاف طبائع عناصر العالمين ينافي تماثلهما.

وإلى هذين الجوابين أشار بقوله : ( والكرويّة ووجوب الخلاء ، واختلاف المتّفقات ممنوعة ).

واختلفوا في أنّ العالم هل يصحّ أن يعدم ويفنى أم لا؟ فذهب الفلاسفة إلى امتناعه ؛ ذهابا إلى قدمه ، وما ثبت قدمه امتنع عدمه. وذهب الكراميّة والجاحظ إلى أنّ العالم محدث ومع ذلك ممتنع الفناء.

وذهب الاشاعرة وأبو عليّ إلى أنّ جواز فناء العالم يعلم بالعقل.

وذهب أبو هاشم إلى أنّه إنّما يعرف بالسمع.

ص: 241


1- الزيادة أثبتناها من المصدر.

والمصنّف اختار أنّ جواز عدمه يعلم بالعقل ، ووقوع عدمه بالسمع. أمّا الأوّل فلأنّه ممكن والممكن يجوز له العدم كما يجوز له الوجود ؛ إذ لو امتنع عليه العدم لزم الانقلاب من الإمكان إلى الوجوب.

وإلى هذا المعنى أشار بقوله : ( والإمكان يعطي جواز العدم ).

أقول : فيه نظر ؛ لأنّ الممكن يجوز أن يمتنع فناؤه أعني عدمه الطارئ بعد وجوده ، ولا يلزم من ذلك انقلابه من الإمكان الذاتي إلى الوجوب الذاتي ، وإنّما كان يلزم لو امتنع عليه العدم مطلقا طارئا كان أو مبتدأ. وقد مرّ بيان ذلك مستقصى في مبحث أنّ المعدوم لا يعاد.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ الدلائل السمعيّة تدلّ على وقوع العدم. مثل قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (1) ، ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) (2) والآخريّة في حقّه تعالى إنّما تتحقّق أن لو بقي بعد فناء ما سواه. وقوله تعالى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) (3) إلى غير ذلك من النصوص القطعيّة.

وإلى هذا المعنى أشار بقوله : ( والسمع دلّ عليه ) أي على العدم.

وقوله : ( ويتأوّل في المكلّف بالتفرّق كما في قصّة إبراهيم علیه السلام ) إشارة إلى جواب دخل مقدّر تقديره : أنّ القول بوقوع العدم ينافي القول بالمعاد ؛ لأنّ إعادة المعدوم ممتنعة ، فإذا وقع العدم امتنعت الإعادة ، فلم يتحقّق المعاد.

وتقرير الجواب : أنّه لا إشكال في غير المكلّفين فإنّه يجوز أن يعدم بالكلّيّة ولا يعاد. وأمّا بالنسبة إلى المكلّفين فإنّه يتأوّل العدم بتفرّق الأجزاء ، ويتأوّل المعاد بجمع تلك الأجزاء وتأليفها بعد التفريق.

والذي يصحّح هذا التأويل قصّة إبراهيم علیه السلام فإنّه طلب إراءة إحياء الموتى حيث

ص: 242


1- الرحمن (55) : 26.
2- الحديد (57) : 3.
3- الأنبياء (21) : 104.

قال : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) قال اللّه تعالى : ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ) ، (1) فإنّه يظهر منه أنّه أراد بإحياء الموتى تأليف الأجزاء المتفرّقة بالموت.

( وإثبات الفناء غير معقول ؛ لأنّه إن قام بذاته لم يكن ضدّا ، وكذا إن قام بالجوهر ، ولانتفاء الأولويّة ، ولاستلزامه انقلاب الحقائق أو التسلسل ).

ذهب أبو عليّ وأبو هاشم وأتباعهما إلى أنّ اللّه تعالى يخلق لكلّ جوهر فناء ، فقال أبو هاشم : إنّ فناء واحدا يكفي لإفناء الكلّ ، والمصنّف أبطل هذا المذهب.

ولمّا كان مشتملا على ثلاثة دعاو :

أحدها : أنّ الفناء موجود.

وثانيها : أنّه مناف لما سواه من الموجودات.

وثالثها : أنّه يفنى به الموجودات ، جعل إبطال كلّ منها وجها على حدة.

أمّا إبطال أنّ الفناء موجود ؛ فلأنّه لو كان موجودا وقد كان معدوما قبل وإلاّ لم يكن ما فرضناه فانيا موجدا أصلا. فعدمه إمّا لذاته ، فيلزم الانقلاب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي أو الوجوب ، وإلاّ لم يقبل الوجود. وإمّا بسبب وجود ضدّه ، وحينئذ يستلزم التسلسل. وإلى هذا أشار بقوله : ( ولاستلزامه انقلاب الحقائق أو التسلسل ).

وأمّا إبطال أنّه مناف لما سواه ؛ فلأنّه لو كان قائما بذاته كان جوهرا فلا يكون ضدّا للجوهر ، وإن كان قائما بغيره فلا بدّ وأن يكون قائما بجوهر ابتداء أو بواسطة ، فلا يكون على هذا التقدير أيضا ضدّا للجوهر ، فلا يكون على التقديرين منافيا للجوهر. وإلى هذا المعنى أشار بقوله : « لأنّه إن قام بذاته لم يكن ضدّا ، وكذا إن قام بالجوهر ».

وأمّا إبطال أنّه يفنى به الموجودات ؛ فلأنّ إعدامه لموجود ليس أولى من إعدام ذلك الموجود إيّاه ، أعني منعه من الدخول في الوجود ، بل يقال : هذا أولى من ذلك ؛

ص: 243


1- البقرة (2) : 260.

لما اشتهر من أنّ الدفع أسهل من الرفع.

وإلى هذا أشار بقوله : ( ولانتفاء الأولويّة ).

( وإثبات بقاء لا في محلّ يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، أو اجتماع النقيضين.

وإثباته في محلّ يستلزم توقّف الشيء على نفسه ، إمّا ابتداء أو بواسطة ).

ذهبت طائفة إلى أنّ الجوهر باق ببقاء قائم بذاته فإذا انتفى ذلك البقاء انتفى الجوهر. والمصنّف أبطل هذا المذهب ، وقال في إبطاله : وإثبات بقاء لا في محلّ يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، أو اجتماع النقيضين ؛ وذلك لأنّ البقاء لا يخلو إمّا أن يكون جوهرا أو عرضا. فإن كان الأوّل يلزم الترجيح بلا مرجّح ؛ لأنّه لا يمكن أن يكون كلّ من الجوهرين - أعني الجوهر الذي هو باق بالبقاء والجوهر الذي هو البقاء - شرطا للآخر ؛ لاستحالة الدور ، فيكون أحدهما شرطا للآخر من غير عكس ، فيلزم الترجيح بلا مرجّح ؛ لأنّه لم يكن جعل أحدهما شرطا للآخر أولى من العكس. وإن كان الثاني يلزم اجتماع النقيضين ؛ لأنّه باعتبار أن يكون قائما بذاته لا يكون في محلّ ، وباعتبار كونه عرضا يكون في محلّ ، فيلزم اجتماع النقيضين.

وذهب جماعة من الأشاعرة إلى أنّ الجوهر باق ببقاء قائم به ، فإذا أراد اللّه تعالى إعدام الجوهر لم يوجد البقاء فانتفت الجوهريّة.

فأبطل المصنّف ذلك المذهب بأنّ حصول البقاء في المحلّ يستلزم توقّف الشيء على نفسه إمّا ابتداء أو بواسطة ؛ وذلك لأنّ حصول البقاء في المحلّ يتوقّف على حصول المحلّ في الزمان الثاني ، فحصوله في الزمان الثاني إمّا نفس البقاء ، فيلزم توقّف الشيء على نفسه ابتداء ، أو معلول البقاء ، فيلزم توقّف الشيء على نفسه بواسطة (1).

وصل : هذا الاعتقاد الذي ذكرنا من أصول المذهب الجعفري ، ومنكره خارج عن المذهب.

ص: 244


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 380 - 382.

الفصل الثاني : في المعاد الجسمانيّ العنصريّ الترابيّ

اشارة

وعود الأرواح إلى الأجساد الأصليّة العنصريّة الترابيّة التي تصير رميما بعد نفخة الصور يوم النشور في المحشر والقيامة الكبرى للحساب والثواب والعقاب.

وينبغي هنا بيان أمور :

منها : أنّه يجب الاعتقاد بالميزان ؛ لقوله تعالى : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) (1). ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ * فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) (2).

والظاهر أنّ للميزان كفّتين وشاهينا ، وأنّ الوزن يكون بجعل الأعمال مجسّمة ؛ لجواز أن يصير ما هو الأعراض في هذه النشأة جواهر في النشأة الأخرى ، كما تدلّ عليه بعض الأخبار الدالّة على أنّ الأعمال الصالحة تصوّر بصورة حسنة تكون أنيسا لعاملها (3). ونحوها. فلا وجه لإنكار بعض المعتزلة ذهابا إلى أنّها أعراض لا يمكن وزنها ، بل المراد به العدل الثابت في كلّ شيء ؛ ولذا ذكر بلفظ الجمع ، وإلاّ فالميزان المشهور واحد ، مضافا إلى إمكان وزن صحائف الأعمال.

ومثل ذلك ما قيل من : أنّ الميزان هو الإدراك ، فميزان الألوان البصر ، والأصوات

ص: 245


1- الأنبياء (21) : 47.
2- القارعة (101) : 6 - 9.
3- « المحاسن » 1 : 448 - 449 ، ح 1036 ؛ « بحار الأنوار » 6 : 234 - 235 ، ح 50.

السمع ، والطعوم الذوق ، وكذا سائر الحواسّ ، وميزان المعقولات العقل ؛ وذلك لظهور بعض الآيات في خلافه.

ولا ينافيه ما روي عن الصادق علیه السلام من : « أنّ الموازين الأنبياء والأوصياء » (1) ؛ لأنّ لكلّ آية ظهرا وبطنا.

ومنها : وجود الصراط ؛ لما روي من أنّه جسر ممدود على متن جهنّم يرده الأوّلون والآخرون ، أحدّ من السيف ، وأدقّ من الشعر » (2) ، ولعلّ المراد من ورود كلّ أحد النار في قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها ) (3) هو المرور عليه.

والإنكار بعد الفجرة (4) - تمسّكا بأنّه غير ممكن ، مع أنّه تعذيب ولا عذاب على الصلحاء ، فالمراد طريق الجنّة والنّار ، أو الأدلّة الواضحة ، أو العبادات ، أو الأعمال السيّئة التي يؤاخذ عليها - لا وجه له ؛ لإمكان المرور كالطيران على الهواء ، كما يدلّ عليه ما روي أنّ منهم من هو كالبرق الخاطف ، ومنهم من هو كالريح الهابّة ، ومنهم من هو كالجواد ، ومنهم من يمشي على رجليه وتعلّق يديه ، ومنهم من يكبّ على وجهه (5).

ومنها : الحساب ، كما قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) (6) ، ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) . (7) ونحو ذلك من الآيات والأخبار.

ومنها : تطاير الكتب ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : ( كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي

ص: 246


1- « معاني الأخبار » : 31 ؛ عنه في « بحار الأنوار » 7 : 249 ، ح 6.
2- « الأمالي » للصدوق : 149 ، المجلس 33 ، ح 4.
3- مريم (19) : 71.
4- كذا في جميع النسخ.
5- « بحار الأنوار » 8 : 64 ، ح 1.
6- آل عمران (3) : 199.
7- الانشقاق (84) : 7 - 8.

عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً ) (1). والمراد من الطائر صحيفة الأعمال التي تطير إلى صاحبها.

ومنها : في بطلان الإحباط ، وجواز العفو ، ووقوع الشفاعة.

اعلم أنّ معنى الإحباط عبارة عن إسقاط الثواب المتأخّر للمكلّف بإساءته المتقدّمة وبالعكس على وجه الحتم واللزوم.

وهذا مخالف للعقل والنقل.

أمّا العقل ؛ فلاستلزامه الظلم فيما إذا كان الثواب مثلا أكثر.

وأمّا النقل ؛ فلقوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (2).

وأمّا قوله تعالى : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (3) ، فلا يستلزم الإحباط المتنازع فيه ؛ إذ إحباط الشرك غير مستلزم لإحباط كلّ واحدة من المعاصي لكلّ واحدة من الحسنات ، مضافا إلى عدم دلالة الآية على العكس ، والإحباط لا يتمّ إلاّ به.

وأمّا قوله تعالى : ( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (4) ، فهو مخصوص ببعض الحسنات كالحسنة المذكورة في بعض الأخبار من قراءة بعض الأدعية ونحوها كما يقتضيه سبب النزول (5).

والحديث المنقول في هذا المقام من : « أنّ الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما ما اجتنب الكبائر » (6). مضافا إلى عدم دلالة الآية على إذهاب السيّئات تقتضي

ص: 247


1- الإسراء (17) : 13.
2- الزلزلة (99) : 7 - 8.
3- الزمر (39) : 65.
4- هود (11) : 114.
5- انظر « تفسير مجمع البيان » 5 : 200 - 201 ، ذيل الآية 114 من سورة هود (11).
6- « بحار الأنوار » 79 : 319.

العكس بالإجماع المركّب فيتمّ المطلوب.

قلت : الإجماع المركّب ممنوع ، مع أنّ مقتضى قوله تعالى : ( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ) (1) و ( إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (2). ونحوهما المتناسبين لرحمته الواسعة عدم العكس ، وهما مقدّمان ؛ لقوّتهما بالاشتهار والكثرة والاعتبار. هذا مضافا إلى إمكان إرادة أنّ الحسنات تقتضي عدم صدور السيّئات ، تقتضي لغلبتها.

ويظهر ممّا ذكرنا الجواب عن الاستدلال للإحباط بقوله تعالى : ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (3) ونحوه ؛ إذ إبطال شيء خاصّ لا يستلزم العموم ، مضافا إلى أنّه بيان لشرط مقبوليّة الصدقات أو نحوها.

فإن قلت : عدم الإحباط يستلزم عدم خلوص الثواب والعقاب. أمّا مع الاجتماع فظاهر ، وأما مع التعاقب ؛ فلأنّ انتظار ما يخالف الواقع يهوّن ذلك الواقع.

قلت : إنّ العقاب مقدّم مع عدم تذكّر الثواب ؛ لشدّة العقاب فيكون خالصا.

وأمّا العفو ، فمع التوبة جائز كتابا وسنّة وإجماعا بل وعقلا ؛ لقوله تعالى : ( إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ) (4) ونحوه ، وبدونها فالظاهرين من الإطلاقات بل العمومات كقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (5) ، وقوله تعالى : ( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (6) ذلك (7). والتخصيص بما تاب عنه خلاف الظاهر.

ص: 248


1- آل عمران (3) : 195.
2- التوبة (9) : 120.
3- البقرة (2) : 264.
4- طه (20) : 82.
5- النساء (4) : 48.
6- الزمر (39) : 53.
7- خبر لقوله : « فالظاهر ».

ويؤيّده الاعتبار ؛ إذ الثواب والعقاب حقّ اللّه فجاز له إسقاط حقّه من غير ضرر فيه ، فهو حسن ، وكلّ ما هو حسن فهو واقع ، مضافا إلى أنّه إحسان فيصدر من أهل الكرم ، وإن كان الذنب حقّ آدمي يجب الإيصال إليه أو إلى وارثه ونحوه إن أمكن بردّ المال أو تسليم البدل أو العفو أو الدية إلى الوارث ، ويجب الغرم عليه مع التعذّر ، ويجب الإرشاد إن كان الذنب اعتلالا ، ويجب الاعتذار على المغتاب مع بلوغه ، ومع عدمه يستغفر له.

والظاهر عدم وجوب تجديد التوبة بعد تذكّر المعصية ، وكذا عدم وجوب تفصيل المعصية ولو مع الإمكان عند التوبة.

وأمّا الشفاعة ، فهي واقعة بالإجماع والكتاب والسنّة كقوله تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) (1) ونحوه.

وما روي من قوله صلی اللّه علیه و آله : « ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي » (2).

وقوله صلی اللّه علیه و آله : « حقّت شفاعتي لمن أعان ذرّيّتي بيده ولسانه وماله » (3).

وقوله صلی اللّه علیه و آله : « أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ولو جاءوا بذنوب أهل الدنيا : المكرم لذرّيّتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم عند اضطرارهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه » (4).

وما روي من « أنّ أدنى المؤمن يشفع من أهله سبعين عاصيا » (5) ، وفي بعض الأخبار ورد أزيد من ذلك بمراتب (6). ولا حاجة إلى بيانه ؛ لكثرته وشهرته كقوله

ص: 249


1- البقرة (2) : 255.
2- « إعلام الدين » : 253 ؛ « بحار الأنوار » 8 : 30 ؛ « مجمع الزوائد » 10 : 378.
3- « جامع الأخبار » : 140.
4- « بشارة المصطفى » : 36 ؛ « صحيفة الرضا » : 40 ؛ « بحار الأنوار » : 95 : 225 ، ح 24.
5- راجع باب الشفاعة في « بحار الأنوار » 8 : 30 و 56 - 57 ، ح 70 ، نقلا عن « روضة الكافي » 8 : 101 ، ح 72 ، بتفاوت في الألفاظ.
6- « بشارة المصطفى » : 38.

تعالى : ( ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ) (1) ، وقوله تعالى : ( وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) (2). كما نقل عن المعتزلة التمسّك بهما ؛ حيث نفى اللّه قبول الشفاعة عن الظالمين (3) ، فلا ينافي ما ذكرنا ؛ لأنّه تعالى نفى الشفيع المطاع والناصر الدافع بالغلبة لا مطلق الشفيع والناصر على وجه الطلب بالخضوع ، مضافا إلى لزوم التخصيص بالكفّار جمعا بين الأدلّة.

ومنها : ما ورد في أحوال المكلّفين في المحشر الذي لا ريب فيه ، كما قال اللّه تعالى : ( وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ ) (4). و ( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) (5). و ( أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) (6).

وقال تعالى : ( مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (7).

وقال اللّه تعالى : ( أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ ) (8).

( وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ ) (9).

( سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ) (10).

( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ) (11).

ص: 250


1- غافر (40) : 18.
2- البقرة (2) : 270.
3- « متشابه القرآن » 2 : 118 - 119.
4- آل عمران (3) : 158.
5- الحجر (15) : 25.
6- الحجّ (22) : 7.
7- يس (36) : 78 - 79.
8- الصافّات (37) : 16 - 18.
9- الأحقاف (46) : 6.
10- القمر (54) : 26.
11- الواقعة (56) : 1 - 2.

( قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) (1).

( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ ) (2).

( قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ ) (3).

( وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (4) ، ( إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (5) ، ( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) (6).

( يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (7).

( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ) (8). إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على تحقّق المعاد الجسماني وجميع أجزاء هذا البدن في القيامة الكبرى.

وعن هشام بن الحكم أنّه قال الزنديق للصادق علیه السلام : أنّى للروح بالبعث والبدن قد بلي والأعضاء قد تفرّقت ، فعضو في بلدة قد تأكلها سباعها ، وعضو بأخرى مزّقة هوامّها ، وعضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط؟ قال : « إنّ الذي أنشأه من غير شيء أو صوّره على غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأ ».

قال : أوضح لي ذلك؟ قال : « الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسنين في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا منه خلق. وما تقذف به السباع والهوامّ من أجوافها ممّا أكلته ومزّقته ، كلّ ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وأنّ تراب الروحانيّين بمنزلة الذهب في التراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض فتربو

ص: 251


1- الواقعة (56) : 49 - 50.
2- المجادلة (58) : 6.
3- التغابن (64) : 7.
4- الملك (67) : 15.
5- البقرة (2) : 203.
6- القيامة (75) : 1.
7- الإنسان (76) : 7.
8- المطفّفين (83) : 10 - 11.

الأرض ثمّ تمخّض مخض السقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللبن إذا مخض ، فيجتمع تراب كلّ قالب [ إلى قالبه فينتقل بإذن اللّه القادر إلى حيث الروح ] فتعود الصور بإذن اللّه تعالى المصوّر كهيئتها وتلج الروح فيها » (1).

وعنه علیه السلام : « إذا أراد اللّه أن يبعث أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال » (2).

إلى غير ذلك من الأدلّة الدالّة على وقوع المعاد الجسماني كما هو اتّفاق الملّيّين. وهو من ضروريّات الدين.

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال : « إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأوّلين والآخرين في صعيد فتغشّاهم ظلمة شديدة فيضجّون إلى ربّهم ويقولون : يا ربّنا ، اكشف عنّا هذه الظلمة » فساق الحديث إلى أن ذكر ظهور نور ذرّيّة رسول اللّه لهم « فيجيء النداء : اشفعوا في محبّيكم وأهل مودّتكم وشيعتكم فيشفعون » (3).

إلى غير ذلك ممّا دلّ على أنّهم في المحشر حفاة عراة يتوقّفون في المحشر كالسكارى حتّى يعرقوا عرقا شديدا ، فيقدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أمام الناس فيبكي صلی اللّه علیه و آله إذا رأى من يصرف عنه من شيعة عليّ علیه السلام فيقول له الملك : اللّه يقول : قد وهبتهم لك يا محمّد ، وصفحت لهم عن ذنوبهم ، وألحقهم بك وبمن كانوا يقولون فيلحقون في حزبهم (4).

وأنّهم يقفون قياما على أقدامهم حتّى يلجئهم فينادوا : ربّ حاسبنا ولو إلى النار ، فيبعث اللّه رياحا فيضرب بينهم ، فصار المجرمون إلى النار ومن كان في قلبه إيمان

ص: 252


1- « الاحتجاج » 2 : 350.
2- « الأمالي » للصدوق : 149 ، المجلس 33 ، ح 5 ؛ « تفسير القمّي » 2 : 253.
3- « الأمالي » للصدوق : 234 ، المجلس 47 ، ح 18 ، مع اختلاف يسير.
4- « تفسير القمّي » 2 : 64 ؛ وراجع « بحار الأنوار » 7 : 101 - 102 ، ح 9 ، و 8 : 17 ، ح 1 ، و 65 : 58 - 59 ، ح 108.

إلى الجنّة (1).

وأنّ : « في القيامة خمسين موقفا ، لكلّ موقف ألف سنة » (2).

وأنّه : « يسأل كلّهم عن جسده فيما أبلاه ، وعمره فيما أفناه ، وعن ماله ممّا اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّ أهل البيت علیهم السلام » (3).

وأنّه : يكون فيه الميزان القسط الذي يقال : إنّ له لسانا شاهينا وكفّتين يصوّر الأعمال الحسنة بصورة حسنة والسيّئة بصورة قبيحة فتوضع في كفّة الميزان (4).

وأنّه : « ليكون فيه تطاير الكتب فكلّ إنسان طائره في عنقه » (5) يجعل عمله من خير أو شرّ في عنقه كالطوق.

وأنّه : تنشر صحف الأعمال فينظر كلّ إلى كتابه (6).

وأنّه يكون فيه « الوسيلة » (7) ، و « اللواء » (8) ، و « الكوثر » الذي ورد : « أنّه نهر يجري تحت عرش اللّه وماؤه أشدّ بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، حصاه الزبرجد الياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك » (9).

وأنّه يكون فيه الشفاعة ، ونحو ذلك. يكون من كان له ولاية أمير المؤمنين علیه السلام يومئذ من فزع آمنين (10).

اعلم أنّ المعاد الجسماني - كما أشرنا إليه - ممّا وقع فيه الاختلاف بين العلماء ، فمنهم من هدى اللّه ، ومنهم من حقّ عليه الضلالة. والحقّ أنّه بهذا الجسم من غير

ص: 253


1- « تفسير القمّي » 2 : 216.
2- « الكافي » 8 : 143 ، ح 108 ؛ « تفسير القمّي » 2 : 386.
3- « الأمالي » للطوسي : 593 ، المجلس 26 ، ح 1227.
4- راجع « بحار الأنوار » 7 : 244.
5- راجع الإسراء (17) : 13 و 14.
6- راجع الإسراء (17) : 13 و 14.
7- « بحار الأنوار » 7 : 326 ، ح 2.
8- « الأمالي » للصدوق : 266 ، المجلس 3 ، ح 102.
9- « الأمالي » للمفيد : 294 ، المجلس 35 ، ح 5.
10- « الكافي » 1 : 185 ، باب معرفة الإمام ... ، ح 14.

نقيصة وتصفية بطرح الرديء ونحوه ، سواء قلنا باللطيف أم لا.

[ ما قاله الشيخ المعاصر في المعاد الجسمانى ]

قال الشيخ المعاصر في جواب السؤال - عن أنّك تقول : إنّ للإنسان جسمين وجسدين ، وفي المعاد بعد الموت لا تعود الروح إلى هذا البدن العنصري الطبيعي المركّب من الأخلاط الأربعة ؛ إذ لا حسّ له ولا شعور له - كلاما مشتملا على هذه العبارة :

« من يعترض ، إنّما اعترض ؛ لأنّه ما عرف المقصود ، ولا علم أيضا أنّه من كلام أئمّته ؛ فلذا قال ما قال ، مع أنّي لم أقل من هذا شيئا ولكنّه ما فهم مرادي. ومعنى كلامي ومرادي هو أنّ الإنسان له جسدان وجسمان :

الجسد الأوّل مركّب من العناصر الأربعة المعروفة المحسوسة ، وهو الآن في هذه الدنيا عبارة عن الكثافة العارضة ، وفي الحقيقة هو الجسد الصوري. ومثاله : إذا كان عندك خاتم من فضّة فإنّ صورته هي استدارة حلقته وتركيب موضع الفصّ المركّب منه مثلا ، فإذا كسرته وأذبته وجعلته سبيكة ، أو سحلته بالمبرد وجعلته سحالة ، ثمّ بعد ذلك صغت تلك الفضّة - أعني السبيكة أو السحالة - خاتما على هيئة الأوّل ، فإنّ الصورة الأولى هي الجسد الصوري لا تعود ، ولكن صنعته على هيئة كالأولى ، فهذا الخاتم في الحقيقة فهو ذلك الخاتم الأوّل بعينه من حيث مادّته ، وهو غيره من جهة صورته.

نعني بالجسد العنصري - الذي هو الكثافة البشريّة - هذه الصورة التي هي الجسم الصوري ؛ لأنّ اعتقادنا - الذي ندين اللّه به ، ونعتقد أنّ من لم يقل به ليس بمسلم - هو أنّ هذا الجسد الذي هو الآن موجود محسوس بعينه هو الذي يعاد يوم القيامة ، وهو الذي يدخل الجنّة أو النار ، وهو الخالد الذي خلق للبقاء ، وهو الذي نزل إلى هذه الدنيا من ألف ألف عام حتّى وصل إلى التراب ، ثمّ أخذ يصعد من النطفة والعلقة

ص: 254

والمضغة والعظام وهكذا صاعدا ، في مقابلة تلك العوالم ألف ألف رتبة من الترقّي آخرها لا انتهاء لها ، فهي باقية ببقاء اللّه سبحانه بلا نهاية.

فهذا الجسد المحسوس هو بعينه المعاد ، وهو بعينه متعلّق الثواب والعقاب ، لا يشكّ في ذلك إلاّ من يشكّ في إسلامه ؛ لأنّ هذا من أصول الإسلام. ولكن أصله مادّة نوريّة كلّما نزلت جمدت ، مثل الحجر الأسود ، وهو ملك فلمّا نزل كان حجرا.

ومثل جبرئيل ، هو جوهر مجرّد عن المادّة العنصريّة والمدّة الزمانيّة ، فإذا أنزل لبس صورة دحية الكلبي أو غيره ، فكذلك هذا الجسم كان نورا مجرّدا عن المادّة العنصريّة والمدّة الزمانيّة ، فأخذ يتنزّل إلى أن وصل إلى الزمان والعناصر ، فلبس هيئتها وكثافتها أعني الصورة المعبّر عنها بالمادّة العنصريّة والكثافة البشريّة.

[ و ] مثل الماء ، هو لطيف ، فإذا جمد لبس الصورة الثلجيّة ، فإذا ذاب عاد إلى أصله من غير أن يختلف إلاّ بمحض الصورة المعبّر عنها بالجسد العنصري ، فإذا جمد ذلك الماء مرّة ثانية لم يعد إليه الجمود الأوّل فلبس جمودا ثانيا مع أنّه بعينه هو ذلك الماء لم يتغيّر مع أنّه قد تغيّر.

وهذا هو مرادنا بالجسد الأوّل الذي لا يعود ، فالموجود في الدنيا بعينه - وهو المرئيّ بالبصر - هو جسد الآخرة بعينه لكنّه كسر في أرض الجرز ، أرض القابليات ، وصيغ في العقول معنى ، ثمّ صيغ ذلك المعنى في رتبة الأرواح رقيقة ، ثمّ صيغت في النفوس نفسا ، ثمّ كسرت في الطبيعة وحصّصت حصصا في جوهر الهباء وتعلّقت بها الصور في المثال ، ثمّ كسرت في محدّد الجهات ، ومنه إلى الرياح ، ومنه إلى السحاب ، ومنه إلى المطر والأرض والنبات ، ثمّ صيغت نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ عظاما ، ثمّ كسي لحما وأنشئ خلقا آخر فكان إنسانا في هذه الدنيا ، ثمّ كسر في القبور ، ثمّ يصفّى في الأرض ، بمعنى أنّ الأرض تأكل جميع ما فيه من الغرائب والأعراض الكثافات المعبّر عنها بالجسد العنصري ، ويخرج يوم القيامة هذا الجسد

ص: 255

بعينه ، أعني الموجود في الدنيا بعينه هو الذي يخرج يوم القيامة بعد أن يصفّى.

ومعنى قولنا : بعد أن يصفّى هو أن يذهب عنه الجسد العنصري. ومعنى قولنا : هو أن يذهب الجسد العنصري يعني يذهب الكثافات الغريبة ، وهي الصورة الأولى ؛ لأنّه إذا صيغ ثانيا لا تعود الصورة الأولى.

فافهم ، فهذا مرادي وأبرأ إلى اللّه تعالى من غير هذا. وهذا هو مذهب أئمّة الهدى علیهم السلام . ».

فذكر حديثا مشتملا على أنّ رجلا لو أخذ لبنة فكسرها ثمّ ردّها إلى طينها فهي هي ، وهي غيرها (1). إلى أن قال بعد ذكر مثال الخاتم : « فإنّه صيغ من الفضّة وبعد أن كسر ذهبت الصورة والهيئة التي هي بمنزلة الجسد الأوّل ، أعني العنصري ، وهو الكثافة الغريبة التي ليست في الحقيقة من الإنسان. ثمّ قال : « وهو الجسد الأوّل الفاني.

وأمّا الجسد الثاني فهو مركّب من عناصر أربعة ، لكنّها ليست من هذه العناصر الزمانيّة المعروفة الفانية ، بل من عناصر باقية جوهريّة نوريّة ، وهي من عناصر هورقليا في الإقليم الثامن الذي فيه الجنّتان المدهامّتان وجنان الدنيا ، وإليها تأوي أرواح السعداء من الأنبياء والأوصياء والمؤمنين ، وهذا هو الجسد الثاني ، وهو الباقي ، وهو الذي نزل إلى الدنيا ، ولبس الكثافة البشريّة العنصريّة ، وهو بعينه هذا الجسد الموجود في هذه الدنيا إلاّ أنّه عليه غبار ووسخ ، وهو من العناصر المحسوسة ، وهذه الكثافة ليست من الجنّة حتّى تعود إليها وإنّما هي من هذه الدنيا ».

قال : « والحاصل أنّ عود كلّ شيء إلى أصله ممّا لا خلاف فيه ، فإذا ثبت بأنّ الكثافة من هذه العناصر ، وأنّ الإنسان إنّما تعلّقت به في هذه الدنيا ، وعاد إلى أصله كلّ شيء لم تصحبه الكثافة إلى الجنّة ».

ص: 256


1- « الاحتجاج » 2 : 354 ؛ وعنه في « بحار الأنوار » 7 : 38 ، ح 6.

ثمّ قال : « الإنسان له جسدان وجسمان : فالجسد الأوّل من العناصر المحسوسة ، ونريد به هذه الصورة والتركيب في الدنيا ؛ لأنّه إذا مات وكان ترابا ذهبت هذه الصورة ».

قال : « وهذه الصورة الأولى هي الجسد الأوّل الذي لا يعود ، وهو مخلوق من العناصر المحسوسة وهو الكثافة.

والجسد الثاني ، وهو الذي يعود ، وهو مخلوق من عناصر هورقليا أعني العالم الذي قبل هذا العالم ، وفيه جنان الدنيا والجنّتان المدهامّتان ، وإليه تأوي أرواح المؤمنين. وهورقليا معناه ملك آخر ، وهذا اسم لتلك الأفلاك ، وفي أرضها بلدان جابرسا وجابلقا.

والجسم الأوّل هو الذي يلبسه الروح في البرزخ ما بين الموت إلى نفخة الصور الأولى ، فإذا نفخ في الصور بطل كلّ روح وكلّ متحرّك أربعمائة سنة ، ظهر ذلك الجسم عن أوساخ البرزخ وكثافاته بالنسبة إلى عالم الآخرة ، وهذه الكثافات هو مرادنا بالجسم الأوّل الذي لا يعود. ويبقى الجسم الثاني الصافي تحلّه الروح وتمضي معه إلى الجسد الثاني بين أطباق الثرى الباقي ، فتدخل بحسبها فيه فيخرج في النشورين : القبور والحساب ، بجسمه وجسده الصافيين ، وهما هذا الجسم والجسد الموجود في الدنيا بعينه وإنّما يظهر ».

ثمّ قال : « إنّ المعاد في هذا الجسد العنصري يدخل الجنّة بهذه الكثافة ، أو يصفّى عن الأعراض الغريبة التي ليست منه؟

فإن قلت : يدخل الجنّة بهذه الكثافة على هذه الحالة ، فقد خالفت العقل والنقل الدالّين على أنّ صفاء أبدان أهل الجنّة ومطاعمهم بحيث يأكلون ولا يتغوّطون ولا يبولون ».

إلى أن قال : « ولو لم يصف لبقيت فيه الأعراض والغرائب فلا يبقى في الجنّة بل يموت ويزول ؛ لأنّ علّة الموت والزوال إنّما هي ممازجة تلك الأعراض والكثافات

ص: 257

الأجنبيّة الغريبة مثل الذهب ، فإنّك إذا أخذت مثقالا من الذهب ومزجته بمثقالين من النحاس والحديد ودفنت ذلك الممزوج في الأرض تأكل الأرض جميع ما فيه من الحديد والنحاس وتبقى أجزاء الذهب متخلّلة متفرّقة ».

إلى أن قال : « فلو دخلت أجسام الأناس الجنّة على هذه الحالة لفنيت ؛ لأنّ فيها أسباب الفناء. هذا على ظاهر الدليل. وأمّا على حقيقة الأمر - فكما أشرنا إليه من أنّ كلّ شيء يرجع إلى مبدئه وأصله - الإنسان لطيف ، وإنّما لحقته هذه الكثافات الغريبة في هذه الدنيا ؛ لأنّ هذه الدنيا دار تكليف لم تخلق للبقاء ، فلمّا خلق الخلق رحمة بهم أنزلهم في دار التكليف والمشقّة ؛ ليتزوّدوا منها لدار مفارقتهم ، وألزمهم مقتضى هذه الدار من لزوم الأعراض والغرائب والكثافة التي هي أسباب الانتقال ودواعي الزوال ؛ لئلاّ يبقوا في دار المشقّة دائما فلا يصلوا إلى دار الجزاء والحال أنّه سبحانه خلقهم وبرأهم رحمة بهم ليوصلهم إلى النعيم الدائم الذي لا ينفد ، والبقاء الدائم المخلّد.

فإذا قلت : إنّهم يعودون في هذا البدن العنصري وتريد به - مع ما هو عليه من الكثافة والغرائب التي يفنى بها - الجسد العنصري المحبوس البشري ، لزمك أنّهم لا يبقون في الجنّة ولا في النار ؛ لأنّ العلّة الموجبة للانتقال من هذه الدار هي تلوّث على ذلك الجسد اللطيف - أعني الثاني - والجسم النوراني ، وهما حقيقة الجسم الذي هو الإنسان ، وما سوى هذين فهي أعراض وكثافات » (1).

[ ردّ مقالة الشيخ المعاصر ]

أقول : الظاهر أنّ ما ذكره من الأعراض والكثافات فينبغي أن يصفّي عنه الاعتقادات.

ص: 258


1- هذا النقل عن الشيخ أحمد الأحسائي ، المعاصر للمصنّف ، إلاّ أنّ جلّ كتبه غير متوفّرة لدينا.

أمّا أوّلا : فلأنّ ذلك مخالف للحكمة المقتضية ؛ لكون الإنسان مركّبا من أجزاء العالي والسافل ، وأنموذج العالم الأكبر قابلا لجميع العلوم ، كما يشهد بذلك قوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) (1).

وقوله علیه السلام :

وتزعم أنّك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر (2)

لدلالة الآية على أنّ الملائكة مع نورانيّتهم لم يكونوا قابلين للتعليم وإلاّ يستلزم الترجيح بلا مرجّح وعدم توجّه الجواب العياذ باللّه ، فاحتيج إلى مادّة قابلة بالتركيب من أجزاء الجميع ، كما أنّ العنّين لا يمكن أن يتعلّم لذّة الجماع ، والأكمه لا يميّز بين الألوان ولو تليت عليه القرآن. والحديث أصرح من الآية ، إلى غير ذلك من الأدلّة العقليّة والنقليّة. وعلى ذلك يلزم كون الجميع معادا في المعاد.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ذلك خلاف اعتقاد أهل الإسلام المأخوذ من الشارع ونوّابه علیهم السلام ، وهو أنّ أجزاء الجسم من عناصر هذا العالم سيّما الأرض ولو بواسطة ، كما في بني آدم فإنّهم خلقوا من ماء حاصل من الأجزاء الأرضيّة ، كيف؟ وقد قال اللّه تعالى : ( مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى ) (3).

وقال تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (4).

ص: 259


1- البقرة (2) : 31 - 33.
2- « الديوان المنسوب للإمام عليّ علیه السلام » : 236.
3- طه (20) : 55.
4- آل عمران (3) : 59.

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) (1).

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ) (2). وقال تعالى : ( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ) (3).

وعن النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين » (4). إلى غير ذلك من الآيات والأخبار الدالّة على أنّ أجزاء جسد الإنسان من هذا العالم ، بل لم يتصوّر أحد كون عالم آخر محلّ العناصر حتّى يتصوّر التنزّل والانتقال ، بل لو قيل لقيل : ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين على خلاف كلمات الكافرين.

وتوهّم كون أصل عنصر الأرض عنصرا لطيفا حصل له التكثّف من تصادم العناصر - مع أنّه غير نافع في كون العنصر اللطيف من عالم آخر - غير نافع في المقام ؛ لأنّ ألفاظ الكتاب والسنّة تحمل على المعاني العربيّة ولا تعتبر فيها الدقائق الفلسفيّة.

وأمّا ثالثا : فلأنّ قوله : « إنّ مرادي من الجسد الذي لا يعود هو الصورة الأولى كما في الخاتم واللبنة » ، مع قوله : « إنّ علّة الموت والزوال إنّما هي ممازجة تلك الأعراض والكثافات » ، ونحو ذلك يوهم التدليس والطفرة ، بل بينهما تباين ؛ لأنّ الصورة الثانية التي هي مثل الصورة الأولى غير مقتضية للفناء والزوال بلا إشكال ، فلا بدّ على القول الأخير من كون الكثافات المقتضية للزوال أجزاء مادّيّة لاحقة للعنصر اللطيف كما هو ظاهر قوله : « بل من عناصر باقية جوهريّة نوريّة وهي من عناصر هورقليا ». وذلك يقتضي كون المعاد بأخذ اللطيف وطرح الكثيف كما في الرديء من الذهب أو الخليط بغيره ، كما يشهد عليه مثاله بالذهب المخلوط بالحديد ، لا بالتلطيف كما في تلطيف النحاس بالإكسير.

ص: 260


1- الحجر (15) : 26.
2- المؤمنون (23) : 12 - 13.
3- ص (38) : 71.
4- « المناقب » لابن شهرآشوب 1 : 266 ؛ وعنه في « بحار الأنوار » 16 : 402 ، ح 1.

وقد صرّح في شرح الزيارة الجامعة أنّ : « هذا الجسم الذي في الدنيا هو بعينه هذا المرئيّ لطيف وكثيف ، فأمّا الكثيف فيصفّى فتفنى كثافته التي سمّيناها الجسد الأوّل العنصريّ ويبقى لطيفه في قبره ، وهو الجسد الثاني الباقي. وأمّا اللطيف فيظهر [ به ] في البرزخ » (1). انتهى.

وذلك خلاف ظاهر قوله تعالى : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (2) ؛ لرجوع الضمير إلى العظام الرميم.

وعلى هذا المذهب لا بدّ من تقدير مضاف ، بأن يقدّر : « قل يحيي لطيفها » مع أنّه حينئذ لا يكون جوابا للمنكر الذي قام في مقام الإنكار ، ونحو ذلك من الآيات والأخبار ، بل ذلك خلاف اعتقاد المؤمنين : ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) (3).

وأمّا رابعا : فلأنّ قوله : « إنّ بقاء الغرائب يقتضي الزوال وعدم البقاء في الجنّة ». منقوض ببقاء عيسى وخضر وإلياس وصاحب الزمان وأمثالهم.

وأمّا خامسا : فلأنّه تعالى جعل النار التي تكون حرّا وإيلاما بمقتضى الطبيعة بردا وسلاما بحيث لو لم يقل : « سلاما » لأهلكت إبراهيم من البرودة كما روي (4). وكأنّه غفل عن قدرة اللّه تعالى وجعلها أقلّ من الإكسير الموجب لانقلاب الصفو ذهبا قابلا للبقاء من غير طرح وإعدام ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

وبالجملة : فلو لم نقل بأنّ ما ذكر اعتقاد خارج عن اعتقاد المسلمين ، فلا أقلّ من كونه ممّا فيه ريب باليقين ، فيتوجّه قوله صلی اللّه علیه و آله : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (5). فميل

ص: 261


1- « شرح الزيارة الجامعة الكبيرة » 4 : 28.
2- يس (36) : 79.
3- النساء (4) : 115.
4- حكاه الطبرسي عن أبي العالية في « مجمع البيان » 7 : 55 ، ذيل الآية 70 من سورة الأنبياء (21) ؛ وعنه في « بحار الأنوار » 12 : 24.
5- « بحار الأنوار » 2 : 259.

أرباب العقول إليه غير معقول ؛ لأنّ الميل إلى ما فيه الارتياب لشيء عجاب ، بل هو من العاقل بعيد. ولقد كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (1).

[ كلمات أخرى صدر من الشيخ المعاصر ]

اعلم أنّه صدر من الشيخ المعاصر (2) مثل الكلمات المذكورة المخالفة للشريعة كلمات أخرى في مواضع أخر :

منها : ما قال في شرح الزيارة حيث قال : « الإنسان له جسدان وجسمان : فأمّا الجسد الأوّل فهو ما تألّف من العناصر الزمانيّة. وهذا الجسد كالثوب يلبسه الإنسان ويخلعه ولا لذّة له ولا ألم له ولا طاعة ولا معصية ، ألا ترى أنّ زيدا يمرض ويذهب جميع لحمه حتّى لا يكاد يوجد فيه رطل لحم ، وهو زيد لم يتغيّر ، وأن تعلم قطعا ببديهتك أنّ هذا زيد العاصي ولم تذهب من معاصيه واحدة ، ولو كان ما ذهب منه أو له مدخل في المعصية لذهبت أكثر معاصيه بذهاب محلّها ومصدرها ، وهذا مثلا زيد المطيع لم تذهب من طاعاته شيء ؛ إذ لا ربط لها بالذاهب بوجه من الوجوه ، لا وجه علّيّة ولا وجه مصدريّة ولا تعلّق ولو كان الذاهب من زيد لذهب بما يخصّه من خير وشرّ ، وكذا لو سمن بعد ذلك هو زيد بلا زيادة في زيد بالسمن ، ولا نقصان فيه بالضعف ، لا في ذات ، ولا في صفات ، ولا في طاعة ، ولا في معصية.

والحاصل : هذا الجسد ليس منه وإنّما هو بمنزلة الكثافة في الحجر والقلى ، فإنّهما إذا أذيبا حصل زجاج وهذا الزجاج هو بعينه هو ذلك الحجر والقلى الكثيفان لمّا ذاب زالت عنه الكثافة وليست من الأرض ؛ فإنّ الأرض لطيفة شفّافة ، وإنّما كثافتها من تصادم العناصر » (3).

ص: 262


1- اقتباس من الآية 22 من سورة ق (50).
2- يقصد به الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي.
3- « شرح زيارة الجامعة الكبيرة » 4 : 25 - 26.

إلى أن قال : « وأمّا الجسد الثاني فهو الجسد الباقي ، وهو الطينة التي خلق منها ويبقى في الأرض إذا أكلت الأرض الجسد العنصري وتفرّق كلّ جزء منه ولحق بأصله ، فالناريّة تلحق بالنار ، والهوائيّة تلحق بالهواء ، والمائيّة تلحق بالماء ، والترابيّة تلحق بالتراب ، يبقى مستديرا كما قال الصادق (1). وقد قال عليّ علیه السلام في النفس النامية النباتيّة : « فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدئت ، عود ممازجة لا عود مجاورة ». وعنى بها هذا الجسد العنصري الذي ذكرنا.

وأمّا الثاني الباقي هو الذي ذكره الصادق علیه السلام : « تبقى طينته التي خلق منها في قبره مستديرة » (2) أي مترتّبة على هيئة صورته ، أجزاء رأسه في محلّ رأسه ، وأجزاء رقبته في محلّها ، وأجزاء صدره في محلّه ، وهو تأويل قوله تعالى : ( وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) (3). وهذا الجسد هو الإنسان الذي لا يزيد ولا ينقص ، يبقى في قبره بعد زوال الجسد العنصري عنه الذي هو الكثافة والأعراض ، فإذا زالت الأعراض عنه المسمّاة بالجسد العنصري لم تره الأبصار الحسيّة ؛ ولهذا إذا كان رميما وعدم لم يوجد شيء حتّى قال بعضهم : إنّه يعدم ، وليس كذلك وإنّما هو في قبره إلاّ أنّه لم يره أبصار أهل الدنيا ؛ لما فيها من الكثافة ، فلا ترى إلاّ من هو من نوعها.

ولهذا مثّل به الصادق علیه السلام بأنّه : « مثل سحالة الذهب في دكّان الصائغ » (4) ، يعني أنّ سحالة الذهب في دكّان الصائغ لم ترها الأبصار ، فإذا غسل التراب بالماء وصفّاه استخرجها ، كذلك هذا الجسد يبقى في قبره هكذا ، فإذا أراد اللّه - سبحانه - بعث الخلائق أمطر على كلّ الأرض ماء من بحر تحت العرش أبرد من الثلج ، ورائحته

ص: 263


1- « الكافي » 3 : 251 ، باب النوادر من كتاب الجنازة ، ح 7 ؛ « الفقيه » 1 : 121 ، ح 580.
2- المصدر السابق.
3- الصافّات (37) : 164.
4- « الاحتجاج » 2 : 350 ؛ وعنه في « بحار الأنوار » 7 : 38 ، بهذا اللفظ : « فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ».

كرائحة المني التي يقال له : صاد ، وهو المذكور في القرآن ، فيكون وجه الأرض بحرا واحدا فيتموّج بالرياح وتتصفّى الأجزاء ، كلّ شخص تجتمع أجزاء جسده في قبره مستديرة أي على هيئة بنيته في الدنيا ، أجزاء الرأس ، ثمّ تتّصل بها أجزاء الرقبة ، ثم تتّصل أجزاء الرقبة بأجزاء الصدر ، والصدر بالبطن وهكذا ، وتمازجها أجزاء تنمو من تلك الأرض فينمو في قبره كما تنمو الكمأة في نبتها ، فإذا نفخ إسرافيل في الصور تطايرت الأرواح كلّ روح إلى قبر جسدها فتدخل فيه ، فتنشقّ الأرض عنه كما تنشقّ عن الكمأة ، فإذا هم قيام ينظرون. وهذا الجسد الباقي هو من أرض هورقليا ، وهو الجسد الذي فيه يحشرون ويدخلون به الجنّة والنار » (1).

إلى غير ذلك من نحو هذه الكلمات كما أشرنا إلى بعضها.

ومنها : ما صدر عنه بعد السؤال عن حقيقة جسم الإنسان المثاب أو المعاقب حيث قال : « أمّا حقيقة جسم الإنسان فهو مركّب من عشر قبضات من صفوة الأتربة : قبضة من تراب من الفلك الأطلس خلق منها قلبه. وقبضة من تراب فلك الكوكب خلق منها صدره. وقبضة من تراب فلك الزحل خلق منها دماغه وأسكنها عقله. وقبضة من تراب فلك المشتري أسكنها علمه. وقبضة من تراب فلك المرّيخ أسكنها وجهه. وقبضة من تراب فلك الشمس أسكنها الوجود الثاني. وقبضة من تراب فلك الزهرة أسكنها خياله. وقبضة من تراب فلك عطارد أسكنها فكره. وقبضة من تراب فلك القمر أسكنها حياته ، وقبضة من تراب أرض الدنيا أسكنها هذه القوى والنفوس النباتيّة والقوى العنصرية.

وهذه القبضات العشر من التراب ، وبسيطة ليس فيه فساد ، ورتبته في اللطافة رتبة الفلك الأطلس ، بمعنى شدّة بساطته وعدم فساده ، لكنّه لو جمع وخلّي وطبعه بدون قاسر ترتّبت القبضات في العلو والهبوط على ما هي عليه الآن.

ص: 264


1- « شرح زيارة الجامعة الكبيرة » 4 : 25 - 27.

وبالجملة : فزيد مثلا يمرض ويكون في غاية الضعف وهو زيد ؛ لأنّ ما يتحلّل من لحمه ليس من جسمه الحقيقي الذي هو القبضات المشار إليها ، وإنّما يتحلّل منه ما طرأ على تلك القبضات من المآكل ، وكذلك يضعف زيد ويسمن سمنا كثيرا وهو زيد ؛ لأنّه لم يزد في القبضات شيء ، وإنّما الزيادة من الأغذية التي ليست من جنس القبضات ؛ لأنّه لو أخذت سحالة ذهب ومزجتها بمثالها ترابا وعملت من الجميع صورة الشيء وكانت قيمة تلك الصورة ونورانيّتها إنّما تتعلّق بما فيها من سحالة الذهب ، وكذا الحسن ، فإذا أزلت تلك الصورة وصفّيت ما فيها من الذهب ثمّ مزجتها بتراب جديد وعملت تلك الصورة بعينها كانت القيمة هي القيمة قبل ، وتتعلّق بما تعلّقت به من قبل من غير مغايرة وهي بنفسها هي الأولى ، فلا يضرّ تغيير تلك الصورة وضع الصورة الأخرى ؛ لبقاء الأجزاء الأصليّة التي هي متعلّق القيمة والحسن.

وأصل هذه القبضات من مادّة نوريّة مجرّدة ومن صورة نوعيّة. فهذه حقيقة جسم الإنسان المثاب والمعاقب المفاض عليه النفس لكن بواسطة الصورة الشخصيّة إن أردت بالنفس نفسه المختصّة به.

وإذا رجع كلّ شيء إلى أصله رجع منه ما طرأ عليه إلى أصله لا إلى ما طرأ ، ولا ينقص منه شيء ، فلو أنّ رجلا أكل لحوم الآدميّين واغتذى بها حتّى نما وكبر ، ورجع كلّ شيء إلى أصله ، ورجع منه ما طرأ عليه ، ولا يرجع إلى الآدميّين بل يرجع إلى التراب ؛ لأنّ الذي اغتذى به أصله التراب. وأمّا أجسام الآدميّين فإنّها لا تكون غذاء ؛ لأنّها أصليّة فهي فوق القوّة الهاضمة وأعلى منها فلا تحلّها ؛ إذ القوّة الهاضمة عنصريّة ، والأجزاء الأصليّة أعلى من العناصر ثمان مراتب. والأرواح بينها وبين الأجسام كمال المناسبة والمقاربة ، وإنّما نفرت منها لما لحق الأجسام من الأمور الغريبة الأجنبيّة كالعناصر والتركيبات ، فإذا مات المرء ودفن في الأرض وأكلت

ص: 265

الأرض ما فيه من الأعراض والأغراض والغرائب صفت الأجزاء الأصليّة من الأغيار ، فإذا صفت عن المنافي تعلّقت الأرواح بالأجسام التعلّق التامّ ، فلا يطرأ عليها مفارقة وليس بينهما منافرة فتبقى أبدا » (1).

ومنها : ما صدر منه بعد ما سئل عن رواية عمّار أنّه قال : سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن الميّت هل يبلى جسده؟ قال : « نعم ، حتّى لا يبقى لحم ولا عظم إلاّ طينته التي خلق منها ، فإنّها لا تبلى ، بل تبقى في القبر مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة » (2).

حيث قال : « اعلم أنّ للإنسان الموجود الآن جسمين وجسدين :

فالجسم الأوّل هو الحامل للعقل والروح وهو الأربعة قوّة تحقّقا ، وزانة وخفّة ، ولطافة وعظما ، وهو الذي وقع عليه التكليف في عالم الذرّ ، وبه يدخل الجنّة إن كان مؤمنا ، ويدخل به النار إن كان كافرا ، وهو موجود الآن في غيب الإنسان ، وهو الباقي الذي لا يجري عليه الفناء والدثور ، وله النعيم والعذاب الأليم.

الجسم الثاني هو الذي يعبّر عنه في الروايات بأنّه هيكل كهيكل الدنيا ، فإذا رأيته قلت : هذا فلان (3). وربما يعبّر عنه بقولهم علیهم السلام : في حواصل طيور خضراء (4). وهذا هو الذي قبضه ملك الموت مع الروح وقبضها فيه وأخذها معه ، ويبقى - إن كان من الأخيار - في الجنان يتنعّم ، ويأتي وادي السّلام ويزور أهله وحفرة قبره ، وتبقى إلى نفخة الصور الأولى باقية. وكذلك إن كان من الأشرار فإنّه يعذّب بنار الدنيا عند مطلع الشمس ، وتأوي إلى وادي برهوت عند غروبها إلى نفخة الصور الأولى ، وهو

ص: 266


1- « جوامع الكلم » : 158 ، الرسالة القطيفيّة.
2- « الكافي » 3 : 251 ، باب النوادر من كتاب الجنازة ، ح 7 ؛ « الفقيه » 1 : 121 ، ح 580.
3- « المحاسن » 1 : 285 ، ح 561 ؛ « بحار الأنوار » 6 : 234 ، ح 48.
4- « سنن الترمذي » 5 : 231 ، ح 3011 ؛ « صحيح مسلم » 3 : 1502 - 1503 ، ح 1887 ؛ « سنن ابن ماجة » 1 : 466 ، ح 1449. وقد نفت الروايات الواردة عن طرق أهل البيت علیهم السلام أن تكون أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضراء ، كما في « الكافي » 3 :4. 245 ، باب آخر في أرواح المؤمنين ، ح 1 و 6 و 7 ؛ « تهذيب الأحكام » 1 : 466 ، ح 1526.

قول الصادق علیه السلام في تأويل قوله تعالى : ( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ * فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) (1) قال : « تبقى الأرواح ساهرة لا تنام ». الحديث (2).

وهذا الجسم الثاني هو ظاهر الجسم الأوّل ومركبه ، وذلك باطنه ولبّه ، وإن كان الميّت من المستضعفين وأمثالهم بقيت روحه في قبره مع هذين الجسمين مجاورة للجسد الأوّل إلى يوم القيامة.

وأمّا الجسد الأوّل فهو مخلوق من عناصر هورقليا ، وهو من جنس محدّب محدّد الجهات إلاّ أنّه ألطف من المحدّد ؛ لأنّ أسفل مراتبه فوق محدّب محدّد الجهات في الإقليم الثامن من الحاوي للعجائب والغرائب. وهذا الجسد يبقى في القبر مستديرا متغيّبا في هذه الأرض كسحالة الذهب في دكّان الصائغ. وهذا هو الطينة التي خلق منها الإنسان كما قال علیه السلام : « إنّها تبقى في قبرها مستديرة » (3). فإذا نفخ في الصور نفخة النشور نزلت الروح مصاحبة لذلك الجسم الأوّل ، دخلت معه في هذا الجسد فخرج من قبره للحساب.

وأمّا الجسد الثاني فهو من هذه العناصر المعروفة تكوّن منها من لطائف الأغذية ، فإذا تفكّكت في القبر رجع ما فيه من النار إلى عنصر النار وامتزج بها ، وما فيه من الهواء كذلك ، وكذلك الماء والتراب ، وذهب فلا يعود ؛ إذ لا حساب عليه ولا عقاب ولا نعيم ولا ثواب ، ولا شعور فيه ولا إحساس ، ولا تكليف عليه ، ولا مدخل له في الحقيقة ، وإنّما هو بمنزلة الثوب لبسته ثمّ تركته ولبست غيره ، فافهم ».

ومنها : ما صدر عنه بعد سؤال سلطاننا (4) - أدام اللّه سلطنته ، ورفع على جميع

ص: 267


1- النازعات (79) : 13 - 14.
2- « بحار الأنوار » 53 : 44 - 45 ، ح 17.
3- تقدّم تخريجه في ص 263 ، هامش 1 و 3.
4- هناك مجموعة من الأسئلة الاعتقاديّة سألها السلطان فتح عليّ شاه من الشيخ الأحسائي ، وقد جمعت في « الرسالة السلطانيّة » ضمن مجلّدات « جوامع الكلم ».

الملوك رتبته - بقوله : فما الذي يلحق بالجنّة؟ حيث قال :

« اعلم أنّ الذي يلحق بالجنّة جنّة المأوى هو الذي يقبضه الملك وهو الإنسان الحقيقي. وأصل وجوده مركّب من خمسة أشياء : عقل ونفس وطبيعة ومادّة ومثال. فالعقل في النفس ، والنفس بما فيها في الطبيعة ، والكلّ في المادّة ، والمادّة بما فيها إذا تعلّق بها المثال تحقّق الجسم الأصلي ، وهو الغالب في العنصري المركّب من العناصر الأربعة : النار والهواء والماء والتراب. وهذا العنصري هو الذي يبقى في الأرض ويفنى ظاهره ، وهو ينمو من لطائف الأغذية.

وإنّما قلت : يفنى ظاهره في الأرض ؛ لأنّ باطنه يبقى وهو الجسد الثاني ، وهو من عناصر هورقليا الأربعة ، وهي أشرف من عناصر الدنيا سبعين مرّة ، وهذا هو الذي يتنعّم ؛ لأنّ المؤمن بعد الحساب في قبره يخدّ له خدّا من قبره إلى الجنّة التي في المغرب ، يدخل عليه منها الروح والريحان وهو قوله تعالى : ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (1).

والذي يتنعّم بهذا الروح هو الجسد الثاني الذي هو من عنصر هورقليا ، وهو في باطن الجسد الأوّل الظاهري الذي هو من العناصر المعروفة.

وأمّا الذي يخرج مع الروح ، وهو الجسم الحقيقي المركّب من الهيولى والمثال ، وهو الحامل للطبيعة المجرّدة والنفس والعقل ، وهو الإنسان الحقيقي. وهذا الجسم من جنس جسم الكل ورتبته في رتبته ، محدّب محدّد الجهات ، وقوّة لذّاته في الأكل والشرب والنكاح واللبس بقدر قوّة لذّة الجسد العنصري سبعين مرّة ، وهذا الجسم الحقيقي ولا يفارقها إلاّ بين النفختين ، فإنّه إذا نفخ إسرافيل في الصور نفخة الصعق - وهي نفخة الجذب - انجذبت كلّ روح إلى ثقلها من الصور ، وله ستّ مخازن ، فأوّل أحوالها تلقى في المخزن الأوّل مثالها ، وفي الثاني هيولاها ، وفي الثالث طبيعتها ، وفي الرابع النفس ، وفي الخامس الروح ، وفي السادس العقل. فإذا تفكّكت بطلت

ص: 268


1- الواقعة (56) : 88 - 89.

وبطل فعلها ، فهي ليست بفانية إلاّ بهذا المعنى ، ولا ممازجة ؛ لأنّ الممازجة إنّما هي في النفوس النباتيّة والحيوانيّة.

أمّا النباتيّة ؛ فلأنّها من نار وهواء وماء وتراب ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عودا إلى التراب ، وكلّ واحد يمازج ما منه أخذ. وكذلك النفس الحيوانيّة فإنّها أخذت من حركات الأفلاك ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة ؛ لأنها قوى ألّفت من قوى الأفلاك ، بتقدير حركاتها تعلّقت بالطبائع التي في الدم الأصفر في العلقة التي في تجاويف القلب ، والدم الذي في البدن يقوم بالعلقة ، والبدن يقوم بالدم ، ومعنى تعلّقها بالطبائع أنّ البسائط لما تألّفت على هذا الترتيب حرارة ويبوسة وبرودة ورطوبة ، وكانت معتدلة في الوزن الطبيعي بأن تكون الأربعة خمسة أجزاء ؛ لأنّ البرودة جزءان حصل منها بخار معتدلة من نضجه فناسبها ، فاكتسب من قوّتها قوة الحياة بواسطة حركاتها وأشعّة كواكبها ، فذلك البخار المعتدل فكرت (1) عليه الأفلاك فاعتدل من نضجه ، بمنزلة الأجزاء الدخانيّة من الأجزاء الدهنيّة في السراج إذا قاربت في الاحتراق الدخان.

والروح الحيوانيّة بمنزلة استنارة تلك الأجزاء الدخانيّة عن النار ، فكما أنّ الاستنارة من الكثافة المنفعلة بالضوء عن النار كذلك ذلك البخار المعتدل نضجه الفعل بالحركة والحياة الحيوانيّة عن نفوس الأفلاك من طبائعها السارية بواسطة حركاتها وأشعّة كواكبها ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة ؛ لأنّها في الحقيقة تألّفت من طبائعها التي هي من صفات نفوسها ، فمع المفارقة يرجع كلّ إلى أصله ممتزجا معه كالقطرة في الماء ، فافهم فما بين النفسين بعد الموت يلحقان بأصلهما. هذا حكم ظاهرهما.

وأمّا حكم باطن الروح النباتيّة فإنّه يبقى في القبر ، وهو عناصر هورقليا ويأتيها الروح والريحان من الجنّة.

ص: 269


1- كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح : « أثّرت ».

وأمّا باطن الروح الحيواني فإنّه من طبائع نفوس هورقليا ، وهي تلحق بالجنّة ، جنّة الدنيا كما مرّ.

والحاصل : أنّ الروح لا تنفكّ عن الجسم الأصلي إلاّ بين النفختين : نفخة الصعق ونفخة البعث. فجواب قوله - أدام اللّه تأييده ونصره : الروح وحدها أم مع المثال أم مع الجسم؟ - : هو أنّ الذي يمضي إلى جنّة الدنيا الروح مع الجسم الأصلي ؛ لأنّ الروح فيها العقل ، وهي في الطبيعة ، والجسم هو الهيولى والمثال ؛ ولهذا كان إحساسه ولذّته أقوى من الدنيا بسبعين مرّة ؛ لأنّ لذّته حسيّة معنويّة ، وعلى هذا يحسن به ترغيب المكلّفين.

وأمّا الذي يبقى في القبر ، وهو الجسد الثاني الذي هو من عناصر هورقليا ، فأمّا الذي من هذه العناصر فإنّه يفنى. ولذلك أمثلة كثيرة نذكر بعضها. منها : مثاله الزجاج فإنّه من الصخرة والقلى وهما كثيفان بمنزلة الجسد العنصري المعروف عند العوامّ ، فلمّا أذيب ذهبت منه الكدورة ، فكان هو بنفسه زجاجا شفّافا يرى ظاهره من باطنه وباطنه من ظاهره ، وهو نظير الجسد الثاني الذي يبقى في القبر ويدخل عليه من الجنّة روح وريحان ، والكثافة نظير الجسد العنصري » (1) إلى آخر ما قال.

[ إبطال ما قاله الشيخ المعاصر ]

أقول : لا يخفى أنّ هذه الكلمات أشدّ مخالفة للشريعة ممّا ذكر ؛ لصراحتها في أنّ النار والهواء والماء والتراب لا تعود ، وأنّ البدن الأصلي لا يفنى ولا يصير رميما ، وهذا الذي لا يفنى يعاد في المعاد ، والرميم لا يعاد في المعاد ، بمعنى أنّ الجسد المعاد غير رميم والجسد الرميم غير معاد. وهذا خلاف صريح الآية التي تدلّ على أنّ الإحياء في المعاد يتعلّق بما يتعلّق به الإنشاء أوّل مرّة (2) ، لئلاّ يلزم تفكيك الضمير

ص: 270


1- لم نعثر على هذا النقل في « الرسالة السلطانيّة » ، ولعلّه موجود في آثار الشيخ الأحسائيّ الأخرى.
2- يس (36) : 79.

والإضمار ، مضافا إلى السنّة والاعتقاد ، بل هو كفر وإلحاد ، مضافا إلى لزوم تفويت النقمة الزائدة الحاصلة بانضمام الجسد العنصري من جهة عدم المسبّب من غير سبب وكذا العقاب. وهذا قبيح.

بل الإنصاف أنّ النقل الوارد في هذا الباب مثل الآية المذكورة ، وحديث اللبنة (1) ، وقوله تعالى : ( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) (2) الآية ، في مقام بيان كيفيّة إحياء الموتى.

وقوله تعالى : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (3).

وقوله تعالى : ( حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ) (4).

وقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (5). ونحو ذلك ممّا يشتمل على الكلمات التي لا تفيد عرفا إلاّ الأعضاء المركّبة من هذه العناصر ممّا لا يقبل التأويل.

وبالجملة : فقد صدرت من الشيخ المعاصر كلمات مشتملة على العقائد الفاسدة ، بل المفسدة في مقامات عديدة مثل مسألة العلم ، ومسألة المعراج ، ومسألة فضائل الأئمّة ، ومسألة المعاد إلى غير ذلك من فاسد الاعتقاد ، ولكنّه بعد ما اشتهر ما توجّه عليه من الإيراد تعرّض لبيان المراد في رسالتين مختصرتين على ما ذكره من عليه

ص: 271


1- « الاحتجاج » 2 : 354 ؛ وعنه في « بحار الأنوار » 7 : 38 ، ح 6.
2- البقرة (2) : 260.
3- يس (36) : 65.
4- فصّلت (41) : 20 - 22.
5- القيامة (75) : 3 - 4.

الاعتماد ، وهما وإن كانتا ممّا لا يسمن ولا يغني من جوع ؛ لعدم كون الكلمات المذكورة غير قابلة للتأويل بعد الملاحظة بعين الإنصاف ، وسدّ باب الاعتساف لكشفها عن حقيقة الحال ، وما هو المكنون في البال ، إلاّ أنّ الأولى ذكرهما دفعا لما لعلّه يقال ؛ فإنّ المراد ليس حصول التضييع والتخفيف أعاذنا اللّه عن ذلك ، بل المقصود حفظ الدين عن شبه المبطلين كما هو طريقة المتكلّمين ، فلا بدّ من الاحتراز عمّا يوجب الاتّهام لأهل الزيغ والأوهام. فأقول بعون اللّه الملك العلاّم :

[ الرسالة القطيفيّة للشيخ أحمد الأحسائي ]

قال بعد التسمية : « الحمد لله ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد ، فيقول العبد المسكين أحمد بن زين الدين : إنّه قد اشتبه على بعض الناظرين في كتبي حتّى ظنّوا الظنون التي لا يجوز احتمالها ؛ لعدم معرفتهم بالفنّ ، وعدم أنسهم بما جرى عليه الاصطلاح ، ولأسباب أخر ، فأشار عليّ بعض المؤمنين أن أذكر مجمل ما اشتبهوا فيه وأذكر ما أعتقده في ذلك وأدين اللّه به ، عسى أن يكون أولئك إنّما قالوا بما فهموه فتقوم بذلك الحجّة ، وما أذكر إلاّ ما يعلم اللّه أنّه اعتقادي الذي أدين به وأنّه مرادي من عباراتي كلّها التي يتوهّم فيها بعض من نظر فيها ؛ لأنّ تلك العبارات أرسلناها على نمط اصطلاح أهل ذلك الفنّ ، فلأجل ذلك لا يعرف المراد منها أكثر من نظر فيها خصوصا طالب التأويل ، وعليّ عهد اللّه أن أذكر مرادي من مضمونها صريحا.

فمن ذلك أنّ اللّه عالم بكلّ شيء كلّي أو جزئي ، زماني أو غيره ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) (1) ومن اعتقد غير هذا فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين.

واعتقادي أنّه سبحانه ما فقد شيئا من الأشياء من ملكه ، وأنّه تعالى لا ينتظر شيئا لم يحصل له ، وأنّه لا يستقلّ بل كلّها عنده بالفعل ، وعلمه أزلي قبل كلّ شيء وبعد

ص: 272


1- الملك (67) : 14.

كلّ شيء ومع كلّ شيء ، وجميع المعلومات من كلّ ما سواه في الإمكان ، وهو تعالى في أزل الآزال وحده ، وهو الآن على ما كان ، ومع ذلك لا يحويه مكان ، ولا يخلو منه مكان ، ولا يعلم أحد كيف ذلك إلاّ هو سبحانه ، ومن اعتقد غير ذلك فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين.

ومن ذلك أنّه سبحانه خالق كلّ شيء قال اللّه تعالى : ( قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (1) ، وأمّا أفعال العباد الاختياريّة ففيها الخلاف بين علماء المسلمين ، وكلّ من اعتقد أنّ أحدا غير اللّه خالق لشيء من السماوات والأرض ، أو ممّا فيها ، أو رازق لشيء ممّا فيها فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين.

نعم ، قد يطلق هذان مجازا كما قال تعالى : ( فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (2) ، وقال تعالى : ( وَاللّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (3).

وما يعترض به بعض من ليس له أنس بالفنّ ولا باصطلاح أهله بأنّي قلت : إنّهم علیهم السلام العلّة الفاعليّة ، فمرادي أنّهم محالّ مشيئة اللّه ، بمعنى أنّ اللّه سبحانه أطلعهم على خلق ما خلق ، فوجودهم شرط لإيجاد غيرهم ؛ لأنّهم الوسائط من اللّه ومن خلقه وإن كان تعالى قادرا على الإيجاد بدون توسّط الأسباب والآلات إلاّ أنّه عزّ وجلّ جرت عادته أن يجري الأشياء على ترتّب أسبابها (4) ليعرف العباد الدليل والاستدلال على معرفة ما يريد منهم ، على نمط قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) (5). فإنّه تعالى إنّما يخلق على العلل ليعرّف لعباده كلّ شيء

ص: 273


1- الرعد (13) : 16.
2- المؤمنون (23) : 14.
3- الجمعة (62) : 11.
4- إشارة إلى الحديث الشريف القائل : « أبى اللّه أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ». « الكافي » 1 : 4. باب معرفة الإمام والردّ عليه ، ح 7.
5- الحجّ (22) : 5.

بما يتوقّف عليه الإيجاد. والتعريف من العلل الفاعليّة لا من المادّيّة ولا الصوريّة ولا الغائيّة ، وهذا معروف عند أهله. وليس المراد بالعلّة الفاعليّة أنّهم هم الخالقون ، تعالى اللّه عن أن يشاركه في خلقه علوّا كبيرا ، أما تقرأ قوله تعالى : ( هذا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) (1)؟

ومن ذلك اعتقاد المعاد للنفوس والأجسام والأجساد بأنّ اللّه يبعث من في القبور.

أمّا معاد النفوس فظاهر. وأمّا الأجسام والأجساد فالاعتقاد أنّ هذه الأجساد والأجسام الموجودة في الدنيا الملموسة المرئيّة جميعها تعاد بعينها حتّى أنّ كلّ شخص يعرف باسمه وصورته في الدنيا ، فلا تبقى ذرّة من الأجساد والأجسام من جميع المكلّفين إلاّ وتعاد بعينها ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) (2) فقوله : ( أَتَيْنا بِها ) يعني بعينها الموجودة في الدنيا الملموسة فتعود إلى محلّها من الجسد.

ويجب الإيمان بذلك مجملا لا مفصّلا. مثل قولنا : تعود إلى محلّها من الجسد. بل الواجب اعتقاد عود كلّ جزء من بدن المكلّف وجسمه الموجود في الدنيا. فمن زعم أنّ قدر ذرّة من أجساد المكلّفين وأجسامهم لا يعيدها اللّه تعالى ولا يبعثه حتّى يتّصل بصاحبه فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين ».

وقال في الرسالة الأخرى بعد التسمية : « أمّا بعد فيقول أحمد بن زين الدين : اعلم أيّها الناظر في رسائلي وكتبي أنّي بعون اللّه وتوفيقه ما كتبت فيها إلاّ ما فهمته على نحو اليقين أنّه مذهب أهل العصمة علیهم السلام ، وما تتوهّمه مخالفا من كلامي فليس منافيا لدليل العقل والنقل معا ولكنّه على اصطلاح غير مأنوس عندك ، وذلك في مثل قولي : إنّ للإنسان جسدين وجسمين ، وأنّ الجسد الأوّل متكوّن من العناصر من كلّ

ص: 274


1- لقمان (31) : 11.
2- الأنبياء (21) : 47.

ما تحت فلك القمر يلحق كلّ شيء من حرارته إلى النار ومن هوائه إلى الهواء ومن مائه إلى الماء ومن ترابه إلى التراب ، وهذا لا يرجع. فهذا كتب لأهله ، ومرادي منه - واللّه الشاهد عليّ - أنّه الجسد التعليمي ، والجسم التعليمي ، وهو ذو الأبعاد الثلاثة من دون مادّة ، كالصورة في المرآة ، فإنّها أعراض ، والأعراض الغريبة التي ليست من ذوات الشيء لا تعاد معه ، ألا ترى إلى جلد كتابك إذا كان أحمر ثمّ عاد إلى يوم القيامة إلى الشاة لا تعود الحمرة معه ؛ لأنّها أجنبيّة من الجلد ومن الشاة.

ولا يقال : إنّك قلت : من العناصر ، وهو يدلّ على أنّ المراد الجواهر.

لأنّا نقول : كلّ ما في هذه الدنيا ممّا تحت فلك القمر كلّها من العناصر جواهرها وأعراضها ، والأعراض الغريبة من الشيء كلّها من العناصر ومع ذلك لا تعاد يوم القيامة مع ذلك الشيء ، ألا سمعت ما كتبت في كثير من كتبي؟ فإنّي كتبت : أنّ الجسم الذي يعاد يوم القيامة لو وزن بهذا المرئيّ الموجود في هذه الدنيا الملموسة لم ينقص عن هذا الذي في الدنيا قدر ذرّة. ولو كان مرادي به الجسم أو فردا منه ولم أرد العرض لكان المبعوث ينقص إذا وزن البتّة. وإن يخف عليك فهم مرادي فانظر في هذه المسألة في كتب العلماء كالتجريد وشرحه للعلاّمة (1) ، وكتب المجلسي مثل حقّ اليقين (2) وغيرها ممّا هو متّفق عليه بينهم.

وقد أشار سيّدنا أمير المؤمنين علیه السلام في حديث الأعرابي إلى تلك الفضلات التي قال العلماء : إنّها لا تعاد. قال حين سأله الأعرابي ، فقال له : يا مولاي ، ما النباتيّة؟ قال : « قوّة أصلها الطبائع الأربع بدء إيجادها عند مسقط النطفة مقرّها الكبد ، مادّتها من لطائف الأغذية ، فعلها النموّ والزيادة ، وسبب فراقها اختلاف المتولّدات ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة ». الحديث.

وهو معروف عند أهل الفنّ ، مقبول لا رادّ له منهم.

ص: 275


1- « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 406 وما بعدها.
2- « حقّ اليقين » : 47 وما بعدها.

وإلى هذا المعنى الذي أشار إليه علیه السلام وهو مرادي في قولي : إنّه ملحق كلّ شيء من حرارته إلى النار ومن هوائه إلى الهواء ... إلى آخره.

والحاصل : العاقل المنصف يعرف من هذا الكلام ونحوه اعتقادي في ضميري وفي جميع كتبي ، ولعنة اللّه على من يعتقد غير هذا الذي كتبته منّي ومن غيري ، واللّه على ما أقول وكيل ، وهو شاهد عليّ ، وكفى باللّه شهيدا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، إن افتريته فعليّ إجرامي وأنا بريء ممّا تجرمون ، وحسبي اللّه وكفى.

وكتب المسكين أحمد بن زين الدين البحريني الأحسائي في ثامن ذي القعدة الحرام سنة 1240 ». (1)

أقول : لا يخفى أوّلا : أنّ الكلمات المذكورة سابقا غير قابلة لذلك التأويل كما هو الظاهر عند الإنصاف وعدم الاعتساف ، وواضح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وكان له إخلاص بالشرع السديد ، وليس مطيعا لهواه بل كان مطيعا لمولاه ، وليس ضعف في إسلامه ودينه واعتقاده.

وثانيا : أنّ بناء الشرع على الظاهر ، والتأويل سيّما البعيد من غير قرينة متّصلة أو منفصلة أو نحو ذلك غير مسموع حتّى بالنسبة إلى النقوش ظاهرا ، ولهذا يكفّر صاحب التأليف الباطل بتأليفه ، وينسب إلى الكفر أو التسنّن أو التشيّع أو نحو ذلك أهل التأليف بتأليفه ، بل يمكن دعوى كون ذلك سيرة العلماء والسابقين بل الأنبياء والمرسلين بالنسبة إلى التواريخ ، كما لا يخفى على المتتبّع المنصف الذي في قلبه حبّ الإيمان وخشية الرحمن.

نعم ، يصحّ أن يقال : إنّ ذلك إن شاء اللّه - تعالى - رجوع عن الاعتقاد السابق وندامة ، وعند ذلك كاف على القول بكفاية توبة المرتدّ الفطري في الطهارة والحكم بإسلامه ، كما هو أصحّ المختار إن كان مثل ما ذكر توبة ، وعلم كونه عن اعتقاد ولو ظاهرا.

ص: 276


1- راجع كتاب « جوامع الكلم » ، الرسالة القطيفيّة.

وثالثا : أنّ ما اشتملت عليه الكلمات المحكيّة ممّا لم يقل به أحد فضلا عن كونه متّفقا عليه ؛ فإنّ مدلولها عدم عود الأجزاء الحاصلة من العناصر الأربعة الكائنة في هذا العالم التي ترى بهذه الأبصار.

ومقصود القوم في مسألة شبهة الآكل والمأكول عدم وجوب عود الفواضل والأجزاء الفضليّة مثل اللحوم الحاصلة من الأغذية ، وأمّا العناصر الأربعة التي تكون في الأجزاء الأصليّة فلا خلاف في عودها وعدم طرحها بالتصفية ، وأخذ اللطيف الكائن من عالم آخر وطرح رديء حاصل من هذا العالم المحسوس كما لا يخفى على من لاحظ كتب القوم كالتجريد ونحوه ، فقد قال في التجريد : « ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ». وقال بعض شرّاحه : قوله : ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ، إشارة إلى جواب شبهة.

تقدير الشبهة : أنّ المعاد الجسماني غير ممكن ؛ لأنّه لو أكل إنسان إنسانا حتّى صار جزء بدن المأكول جزء بدن الآكل فليس بأن يعاد جزء بدن أحدهما أولى من أن يعاد جزء بدن الآخر ، وجعله جزء لبدنيهما معا محال ، فينبغي أن لا يعاد واحد منهما.

تقدير الجواب : أنّ الجزء الأصلي لأحدهما فضل الآخر فردّه إليه أولى » (1). انتهى.

وهكذا غير ذلك مثل حقّ اليقين (2). ولا يخفى أنّ ذلك دالّ على أنّ الفواضل من الأجزاء لا يجب عودها إلى صاحب الفواضل الثانوي ، بل تعود إلى من كانت تلك الفواضل أجزاء أصليّة ؛ لا أنّها لا تعود أصلا كما يقول الشيخ المعاصر ، كما يقول بعدم عود مثلها من الأصليّة ، بل الظاهر أنّ القول بعدم عود العناصر المعروفة في هذا العالم وانحصار العود في الجوهر اللطيف النوراني النازل من عالم هورقليا خارج عن اعتقاد جميع الملّيّين حتّى اليهود والنصارى فضلا عن المسلمين.

ص: 277


1- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 383 ، باختصار.
2- انظر « حقّ اليقين » : 47 وما بعدها.

فما ذكره من كون ما اعتقده موافقا لغيره غفلة أو تدليس كالتشبّث بكلّ حشيش ، مضافا إلى أنّ ما ذكره سابقا من كون وجود المعصومين شرطا لإيجاد الخلق - مع عدم مناسبته لما صدر منه في الكلمات السابقة - مخالف لما في الصحيفة السجاديّة ، كقوله : « أنت الذي لم يعنك على خلقك شريك ، ولم يؤازرك في أمرك وزير ، ولم يكن لك مشاهد ولا نظير » (1). وهكذا سائر الكلمات الصادرة من الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

[ أدلّة إثبات المعاد الجسماني ]

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع بيان الشارح القوشجي بقوله : ( ووجوب إيفاء الوعد والحكمة تقتضي وجوب البعث. والضرورة قاضية بثبوت الجسماني من دين محمّد صلی اللّه علیه و آله مع إمكانه. ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ).

اختلفوا في المعاد فأطبق الملّيّون على المعاد الجسماني. وذهب طائفة من المحقّقين إلى المعاد النفساني ، والمراد به وجود الروح بعد موت البدن وخرابه ، وهو ممّا يمكن إثباته بالبراهين القطعية (2).

وأمّا المعاد الجسماني فلا مجال للبرهان على إثباته ونفيه ، ولكن يجب أن يعتقد على الوجه الذي ذكره الأنبياء ؛ لأنّهم صادقون. وذهب طائفة إلى نفيهما.

واحتجّ المصنّف على وجود المعاد بوجهين :

الأوّل : أنّ اللّه تعالى وعد المكلّفين بالثواب على الطاعات وتوعّد بالعقاب على المعاصي بعد الموت ، ولا يتصوّر الثواب والعقاب بعد الموت إلاّ بعد العود ، فيجب العود إيفاء للوعد والوعيد.

والثاني : أنّ اللّه تعالى كلّف بالأوامر والنواهي فيجب أن يصل الثواب بالطاعة

ص: 278


1- « الصحيفة السجاديّة » : 253 ، الدعاء 47.
2- في المصدر : « العقليّة ».

والعقاب على المعصية ، فيجب البعث بمقتضى الحكمة وإلاّ لكان ظالما - تعالى اللّه عمّا يقولون علوّا كبيرا - وهذا البيان مبنيّ على قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين ، وأنّ العدل واجب على اللّه تعالى كما هو مذهب المصنّف.

والحقّ أنّ المعاد الجسماني والروحاني كلاهما واقع. أمّا الروحاني فلما تبيّن من أنّ النفس تبقى بعد خراب البدن ولها سعادة وشقاوة ، وقد جاء في القرآن مثل قوله تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ ) (1). وقال : ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ) (2).

وأمّا المعاد الجسماني فلا يستقلّ العقل بإثباته ، ولكن قد وردت في القرآن آيات كثيرة دالّة على إثباته بحيث لا يقبل التأويل.

منها : قوله تعالى : ( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (3).

( فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) (4).

( فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (5).

( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ) (6).

( أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً ) (7).

( وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ) (8).

ص: 279


1- آل عمران (3) : 169 - 170.
2- الفجر (89) : 27 - 28.
3- يس (36) : 78 - 79.
4- يس (36) : 51.
5- الإسراء (17) : 51.
6- القيامة (75) : 4 - 5.
7- النازعات (79) : 11.
8- فصّلت (41) : 21.

( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) (1).

( يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ ) (2).

( وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً ) (3).

( أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ ) (4). إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

فالمعاد الجسماني من ضروريّات دين محمّد صلی اللّه علیه و آله ؛ لأنّه أمر ممكن أخبر به الصادق فيجب التصديق والإيمان به.

وإنّما قلنا : إنّه ممكن ؛ لأنّ المراد به جمع الأجزاء المتفرّقة ، وهو ممكن بالضرورة.

قوله : « ولا يجب إعادة فواضل المكلّف » ، إشارة إلى جواب شبهة تقريرها : أنّ المعاد الجسماني غير ممكن ؛ لأنّه لو أكل إنسان إنسانا حتّى صار جزء بدن المأكول جزء بدن الآكل ، فهذا الجزء إمّا أن لا يعاد أصلا وهو المطلوب ، أو يعاد في كلّ واحد منهما وهو محال ؛ لاستحالة أن يكون جزء واحد بعينه في آن واحد في شخصين متباينين ، أو يعاد في أحدهما وحده فلا يكون الآخر معادا بعينه وهو - مع إفضائه إلى الترجيح بلا مرجّح - يثبت مقصودنا ، وهو أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها كما زعمتم.

تقرير الجواب : أنّ المعاد إنّما هو في الأجزاء الأصليّة ، وهي الباقية من أوّل العمر إلى آخره لا جميع الأجزاء على الإطلاق ، وهذا الجزء فضل في الإنسان الآكل ، فلا يجب إعادته فيه ، وهذا معنى قول المصنّف : ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ، ثمّ إن كان من الأجزاء الأصليّة للمأكول أعيد فيه وإلاّ فلا.

ص: 280


1- النساء (4) : 56.
2- ق (50) : 44.
3- البقرة (2) : 259.
4- العاديات (100) : 9 - 10.

( وعدم انخراق الأفلاك ، وحصول الجنّة فوقها ، ودوام الحياة مع الاحتراق ، وتولّد البدن من غير التوالد ، وتناهي [ القوى ] الجسمانيّة استبعادات ).

احتجّ المنكرون للمعاد على امتناع حشر الأجساد : بأنّه لو ثبت المعاد الجسماني فإمّا أن يكون عود الروح إلى البدن في عالم العناصر وهو التناسخ ، أو في عالم الأفلاك فهو يوجب انخراق الأفلاك وهو محال. وبأنّه يلزم تولّد البدن من غير التوالد ، وذلك عند البعث ، وهو ممتنع.

وعلى امتناع وجود الجنّة : بأنّه لا يمكن حصولها في عالم العناصر ولا في عالم الأفلاك ؛ لأنّها لا يسعها ؛ لقوله تعالى : ( وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) (1). فبالضرورة يكون فوق الأفلاك أعني خارجها ، وذلك محال ؛ لأنّ الفلك المحيط بجميع الأفلاك محدّد للجهات ، وبه ينتهي عالم الجسمانيّات.

وعلى امتناع تأبيد الثواب والعقاب : بأنّه يلزم دوام الحياة مع الاحتراق ، وعدم تناهي القوى الجسمانيّة ؛ لأنّ وصول الثواب دائما ووصول العقاب بالنسبة إلى البعض يوجب التحريكات غير المتناهية.

وأجاب المصنّف عن هذه الوجوه : بأنّها استبعادات ، ولا امتناع في شيء ممّا ذكر ؛ فإنّ الأفلاك حادثة كما ذكر ، فيكون عدمها جائزا ، وإن كان عدمها جائزا كان انخراقها أيضا جائزا ، على أنّ عود الروح إلى البدن في عالم العناصر لا يوجب التناسخ. وحصول الجنّة فوق الأفلاك جائز.

وما ذكر من حديث المحدّد فهو مسألة فلسفيّة لا نسلّمها ، ودوام [ الحياة مع دوام ] (2) الاحتراق ممكن. والتولّد أيضا ممكن كما في حقّ آدم علیه السلام ، والقوى الجسمانيّة قد لا تتناهى انفعالاتها وكذا فعلها [ بواسطة ] (3).

ص: 281


1- الحديد (57) : 21.
2- الزيادة أثبتناها من المصدر.
3- الزيادة أثبتناها من المصدر.
[ في استحقاق الثواب والعقاب ]

( ويستحقّ الثواب ) وهو النفع المستحقّ المقارن للتعظيم والإجلال ( والمدح ) ، وهو قول ينبئ عن ارتفاع حال الغير مع قصد الترفّع فيه ( بفعل الواجب والمندوب وفعل ضدّ القبيح ) وهو الترك له على مذهب من يثبت الترك ضدّا ، ( والإخلال به ) أي بالقبيح ( بشرط فعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه ) ، يعني يشترط في استحقاق الفاعل الثواب والمدح بفعل الواجب أن يفعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه.

( والمندوب كذلك ) أي يشترط في استحقاق الفاعل الثواب والمدح بفعله أن يفعله لندبه أو لوجه ندبه ( والضدّ ؛ لأنّه ترك قبيح ) أي إنّما يستحق فاعل ضدّ القبيح الثواب والمدح إذا فعله لأنّه ترك قبيح.

( والإخلال به ) أي بالقبيح ( لأنّه إخلال به ) فإنّه إذا فعله لأنّه إخلال بالقبيح يستحقّ الثواب والمدح. فإنّه لو فعل الواجب أو المندوب لا لما ذكرنا لم يستحقّ مدحا ولا ثوابا لهما ، وكذا لو ترك القبيح أو أخلّ به لغرض آخر من لذّة وغيرها لم يستحقّ المدح والثواب ، وإنّما يستحقّ المدح والثواب بفعل الطاعة ؛ لأنّ الطاعة مشقّة ألزمها اللّه تعالى للمكلّف ، وظاهر ( أنّ المشقّة من غير عوض ، ظلم وهو قبيح ) لا يصدر من الحكيم ، والعوض لا يكون إلاّ نفعا.

( ولا يصحّ الابتداء به ) إذ لو أمكن الابتداء به كان التكليف عبثا ، ( وكذا يستحقّ العذاب ) وهو الضرر المستحقّ المقارن للإهانة ، ( والذمّ ) وهو قول ينبئ عن اتّضاع (1) حال الغير مع قصده ( بفعل القبيح والإخلال بالواجب ؛ لاشتماله على اللطف ) وذلك لأنّ المكلّف إذا علم أنّ المعصية يستحقّ لها العقاب فإنّه يبعد عن فعلها ويقرب إلى فعل ضدّها ، واللطف على اللّه تعالى واجب ( ولدلالة السمع ) من القرآن

ص: 282


1- في النسخ : « مبنيّ على الضياع » وما أثبتناه من المصدر.

والأحاديث على أنّ فعل القبيح والإخلال بالواجب سبب لاستحقاق العقاب.

ولمّا كان لسائل أن يقول : لو كان الإخلال بالواجب سببا لاستحقاق الذمّ ، والإخلال بالقبيح سببا لاستحقاق المدح ، لكان المكلّف إذا أخلّ بالواجب وبالقبيح كان مستحقّا للمدح والذم أيضا ، فيلزم اجتماع الاستحقاقين ، أي استحقاق المدح والذمّ في مكلّف ، وهو ممتنع.

أجاب بقوله : ( ولا امتناع في اجتماع الاستحقاقين باعتبارين ) استحقاق المدح باعتبار الإخلال بالقبيح ، واستحقاق الذمّ باعتبار الإخلال بالواجب ( وإيجاب المشقّة في شكر المنعم قبيح ) ذهب أبو القاسم البلخي إلى أنّ إيجاب هذه التكاليف وقع شكرا للنعم التي أنعم اللّه تعالى بها فلا يستحقّ المكلّف بها ثوابا (1) فبيّن المصنّف بطلانه ، بأنّ إيجاب المشقّة في شكر المنعم قبيح عند العقلاء ؛ إذ يقبح عقلا أن ينعم الإنسان على غيره نعمة ثمّ يكلّفه ويوجب عليه شكره على تلك النعمة من غير أن يصل إليه ثواب ، والقبيح لا يصدر عن اللّه تعالى ، فتعيّن أن يكون إيجاب التكاليف لاستحقاق الثواب ( ولقضاء العقل به مع الجهل ) دليل آخر على بطلان هذا المذهب.

تقريره : أنّ العقل يقضي بوجوب شكر المنعم مع الجهل بالتكاليف [ الشرعيّة ، وقضاء العقل بوجوب الشكر مع الجهل بالتكاليف يوجب الحكم بأنّ التكاليف ] (2) ليست شكرا.

أقول : فيه منع ظاهر.

( ويشترط في استحقاق الثواب كون الفعل المكلّف به ) الواجب أو المندوب ( أو الإخلال به ) أي بالقبيح ( شاقّا ) والمقتضي لاستحقاق الثواب هو المشقّة فإذا انتفت انتفى الثواب.

ص: 283


1- حكاه عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 409 ؛ و « مناهج اليقين » : 347 ؛ وانظر « شرح الأصول الخمسة » للقاضي عبد الجبّار : 617 - 618.
2- الزيادة أثبتناها من المصدر.

( ولا يشترط ) في استحقاق الثواب بفعل الطاعة ( رفع الندم على فعل الطاعة ) فإنّ الطاعة حالة صدورها عن الفاعل ممتنع الندم عليها فلا فائدة في اشتراط رفعه. مع أنّها سبب لاستحقاق الثواب [ نعم ، رفع الندم شرط في بقاء استحقاق الثواب ] (1).

( و) كذا ( لا ) يشترط في استحقاق الثواب ( انتفاء النفع العاجل إذا فعل ) الفعل المكلّف به ( للوجه ) أي إذا أوقعه لوجه الوجوب أو للوجوب ، أو لوجه الندب أو للندب.

( ويجب اقتران الثواب بالتعظيم والعقاب بالإهانة ؛ للعلم الضروري باستحقاقهما مع فعل موجبهما ).

ذهب المعتزلة إلى أنّ الثواب يجب أن يقترن بالتعظيم ، والعقاب يجب أن يقترن بالإهانة (2) واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بأنّا نعلم بالضرورة أنّ من فعل الفعل الشاقّ المكلّف به فإنّه يستحق التعظيم والإجلال ، وكذلك من فعل القبيح يستحقّ الإهانة والاستخفاف.

( ويجب دوامهما ) ذهب المعتزلة إلى أنّه يجب دوام ثواب أهل النعيم وعقاب أهل الجحيم (3).

واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بوجوه :

الأوّل : أنّ دوام الثواب على الطاعة ، وكذا دوام العقاب على المعصية يبعث المكلّف على فعل الطاعة ويزجره عن المعصية ، فيكون لطفا ، واللطف واجب.

وإليه أشار بقوله : ( لاشتماله على اللّطف ).

ص: 284


1- الزيادة أثبتناها من المصدر.
2- حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » 410 ؛ وراجع أيضا « شرح المقاصد » 5 : 130 ؛ و « شرح الأصول الخمسة » : 667.
3- حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 410 - 411 ؛ وفي « مناهج اليقين » : 349 ؛ وراجع أيضا « شرح المقاصد » 5 : 129 ؛ و « شرح الأصول الخمسة » : 667.

الثاني : أنّ المدح والذمّ دائمان ؛ إذ لا وقت إلاّ ويحسن فيه مدح المطيع وذمّ العاصي ، وهما معلولا الطاعة والمعصية ، فيجب دوام الثواب والعقاب ؛ لأنّ دوام أحد المعلولين يستلزم دوام المعلول الآخر.

وإليه أشار بقوله : ( ولدوام المدح والذمّ ).

الثالث : أنّ الثواب لو كان منقطعا لحصل لصاحبه الألم بانقطاعه ، والعقاب لو كان منقطعا لحصل لصاحبه السرور بانقطاعه ، فلم يكن الثواب والعقاب خالصين عن شوب ، لكن يجب خلوصهما ، لما سيأتي متّصلا بهذا البحث.

وإلى ذلك أشار بقوله : ( ولحصول نقيضهما لولاه ) أي يلزم بانقطاع الثواب الذي هو النفع حصول ضرر الألم الذي هو نقيضه ، وبانقطاع العقاب الذي هو الضرر حصول نفع السرور الذي هو نقيضه.

( ويجب خلوصهما ) أي خلوص الثواب والعقاب عن الشوائب. أمّا الثواب ؛ فلأنّه لو لم يكن خالصا لكان أنقص حالا من العوض والتفضّل إذا كانا خالصين ، وأنّه غير جائز.

وإلى هذا أشار بقوله : ( وإلاّ لكان الثواب أنقص حالا من العوض والتفضّل على تقدير حصوله ) أي حصول الخلوص ( فيهما ) أي في العوض والتفضّل. وأمّا العقاب فلأنّه ( أدخل في باب الزجر ) من الثواب ، فيجب خلوصه بالطريق الأولى.

وإلى هذا أشار بقوله : ( وهو أدخل في باب الزجر ).

ولمّا كان لسائل أن يقول : إنّ الثواب لا يخلص عن الشوائب ؛ لأنّ أهل الجنّة درجاتهم متفاوتة ، فمن كان أدنى مرتبة يكون مغتمّا إذا شاهد من هو أعظم درجة ؛ ولأنّه يجب على أهل الجنّة الشكر على نعم اللّه تعالى ، ويجب عليهم الإخلال بالقبائح ، وكلّ ذلك مشقّة ، فلا يكون الثواب خالصا من الشوب.

وأيضا فإنّ أهل النار يتركون القبائح فيجب أن يثابوا بتركها ، فلا يكون عقابهم

ص: 285

خالصا عن شوب من الثواب.

أجاب عنه فقال : ( وكلّ ذي مرتبة في الجنّة لا يطلب الأزيد من مرتبته ) فلا يكون مغتمّا بمشاهدة من هو أعظم درجة منه ( ويبلغ سرورهم بالشكر إلى حدّ انتفاء المشقّة ، وغناهم بالثواب ينفي عنهم مشقّة ترك القبائح ، وأهل النار ملجئون إلى ترك القبائح ) فلا يثابون به فيكون عقابهم خالصا عن الشوب. ( ويجوز توقّف الثواب على شرط وإلاّ لأثيب العارف باللّه تعالى خاصّة ).

ذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّ الثواب يجوز أن يتوقّف على شرط.

واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بأنّه لو لم يجز توقّف الثواب على شرط ، لكان العارف باللّه تعالى وحده من غير أن يصدّق النبيّ صلی اللّه علیه و آله في رسالته مثابا ، والتالي باطل بالاتّفاق.

بيان الملازمة : أنّ العارف باللّه تعالى وحده من غير أن يصدّق النبيّ صلی اللّه علیه و آله له معرفة مستقلّة ، فلو لم يجز توقّف الثواب على شرط لوجب أن يثاب بالمعرفة المستقلّة وإن لم يصدّق النبيّ صلی اللّه علیه و آله .

( والإحباط باطل ؛ لاستلزامه الظلم ، ولقوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (1) ).

ذهب جماعة من المعتزلة إلى الإحباط والتكفير ، على معنى أنّ المكلّف يسقط ثوابه المتقدّم بمعصيته المتأخّرة ، وتكفّر ذنوبه المتقدّمة بطاعته المتأخّرة (2) ، ونفاه المحقّقون ، واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بأنّه ظلم ؛ لأنّ من أطاع وأساء وكانت إساءته أكثر يكون بمنزلة من لم يحسن ، ومن كان إحسانه أكثر يكون بمنزلة من لم يسئ ، وإن تساويا يكون مساويا لمن لم يصدر عنه أحدهما ، وليس كذلك عند

ص: 286


1- الزلزال (99) : 7.
2- حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 413 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 624.

العقلاء ؛ ولقوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) ، والإيفاء بوعده واجب.

ثمّ القائلون بالإحباط والتكفير اختلفوا. فقال أبو عليّ : إنّ المتأخّر يسقط المتقدّم ويبقى هو على حاله.

وقال أبو هاشم : ينتفي الأقلّ بالأكثر وينتفي من الأكثر بالأقلّ ما ساواه ويبقى الزائد مستحقّا ، وإن تساويا صارا كأن لم يكن ، وهذا هو الموازنة (1).

والمصنّف أراد إبطال مذهب أبي هاشم فقال : ( ولعدم الأولويّة إذا كان الآخر ضعفا ، وحصول المتناقضين مع التساوي ).

تقريره : أنّا لو فرضنا استحقاق المكلّف خمسة أجزاء من الثواب وعشرة أجزاء من العقاب ، فإسقاط إحدى الخمستين من العقاب دون الأخرى ليس أولى من العكس ، فإمّا أن يسقطا معا فهو خلاف مذهبه ، أو لا يسقط شيء منهما وهو المطلوب.

ولو فرضنا أنّه استحقّ خمسة أجزاء من الثواب وخمسة أجزاء من العقاب ، فإنّ تقدّم إسقاط أحدهما للآخر لم يسقط الباقي بالمعدوم ؛ لاستحالة صيرورة المغلوب والمعدوم غالبا ومؤثّرا ، وإن تقارنا لزم وجودهما وعدمهما معا ؛ لأنّ علّة عدم كلّ واحد منهما وجود الآخر ، فلو عدما دفعة وجدا دفعة ؛ لأنّ العلّة موجودة حال حدوث المعلول وهما موجودان حال كونهما معدومين فيلزم الجمع بين النقيضين.

وأجيب بأنّ كلّ واحد من العملين يؤثّر في الاستحقاق الناشئ عن الآخر حتّى يبقى من أحد الاستحقاقين بقيّة بحسب رجحانه ، فليس الكاسر والمنكسر واحدا ، كما لم يتّحدا في المزاج أيضا.

والحقّ أنّه ليس هاهنا تأثير وتأثّر حقيقي ، بل معنى إحباط الطاعة واستحقاق الثواب أنّ اللّه تعالى لا يثيبه عليها ، ومعنى الموازنة أنّه لا يثيبه عليها ويترك العقوبة

ص: 287


1- حكى عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 413 ؛ وراجع أيضا « شرح الأصول الخمسة » :

على المعصية بقدرها ، وحينئذ يخرج الجواب عن الصورة الأولى أيضا ؛ فإنّ إسقاط إحدى الخمستين وإن لم يكن أولى من الأخرى ، لكنّ المختار يرجّح أيّهما شاء على ما مرّ من أمثلة الهارب والجائع وغيرهما.

( والكافر مخلّد ، وعذاب صاحب الكبيرة منقطع ؛ لاستحقاق الثواب بإيمانه ، ولقبحه عند العقلاء ).

اتّفق المسلمون على أنّ عذاب الكفّار المعاندين دائم لا ينقطع. والكافر المبالغ في الاجتهاد الذي لم يصل إلى المطلوب ، زعم الجاحظ والعنبري أنّه معذور ؛ لقوله تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) ؛ ولأنّ تعذيبه مع بذله الجهد والطاعة من غير تقصير قبيح عقلا (2).

وذهب الباقون إلى أنّه غير معذور ، وادّعوا الإجماع عليه قبل ظهور المخالفين ، قالوا : كفّار عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الذين قتلوا وحكم النبيّ بخلودهم في النار لم يكونوا عن آخرهم معاندين ، بل منهم من اعتقد الكفر بعد بذل المجهود ، ومنهم من بقي على الشكّ بعد إفراغ الوسع ، وختم اللّه على قلوبهم ولم يشرح صدرهم للإسلام فلم يهتدوا إلى حقيقة ، ولم ينقل عن أحد قبل المخالفين هذا الفرق الذي ذكره الجاحظ والعنبري.

وقوله تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) خطاب على أهل الدين لا إلى الخارجين من الدين ، وكذلك أطفال المشركين عند الأكثرين ؛ لدخولهم في العمومات ، ولما روي أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : « هم في النار ». حين سألت خديجة عن حالهم (3) ، وقالت المعتزلة وبعض الأشاعرة : لا يعذّبون بل هم خدم أهل الجنّة ؛

ص: 288


1- الحجّ (22) : 78.
2- حكاه عن العنبري والجاحظ العلاّمة في « مناهج اليقين » : 357 ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 134.
3- « الفقيه » 3 : 317 ، ح 1543 ؛ « بحار الأنوار » 5 : 294 ، ح 21 ، عن عليّ ؛ « العلل المتناهية » 2 : 924 ، ح 1541 ، عن عائشة.

لما ورد في الحديث (1) ؛ ولأنّ تعذيب من لا جرم له ظلم (2).

وأمّا أنّ عذاب صاحب الكبيرة هل هو منقطع أم لا؟ فذهب أهل السنّة والإماميّة من الشيعة وطائفة من المعتزلة إلى أنّه ينقطع (3) ، واختاره المصنّف. واحتجّ عليه بأنّ صاحب الكبيرة يستحقّ الثواب بإيمانه ؛ لقوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (4) ، ولا شكّ أنّ الإيمان أعظم أعمال الخير ، فإن استحقّ العقاب بالمعصية ، فإمّا أن يقدّم الثواب على العقاب وهو باطل بالاتّفاق ، أو بالعكس وهو المطلوب. وبأنّه لو لم ينقطع عذابه ، يلزم أنّه إذا عبد اللّه تعالى مكلّف مدّة عمره ثمّ عمل كبيرة في آخر عمره لا ينقطع عذابه وهو قبيح عقلا.

( والسمعيّات متأوّلة ، ودوام العقاب مختصّ بالكافر ) السمعيّات التي تمسّك المعتزلة بها في عدم انقطاع عذاب صاحب الكبيرة مثل قوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ) (5) ، ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ) (6) ، ( وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها ) (7). متأوّلة إمّا بتخصيص العمومات بالكفّار ، أو بحمل الخلود على المكث الطويل.

وأمّا قولهم : إنّ الثواب والعقاب ينبغي أن يكونا دائمين لما تقدّم ، فإن أريد بدوام العقاب دوام عقاب الكفّار فمسلّم وإلاّ فممنوع.

( والعفو واقع ؛ لأنّه حقّه تعالى فجاز إسقاطه ، ولا ضرر عليه في تركه المكلّف فحسن إسقاطه ؛ ولأنّه إحسان ؛ وللسمع ).

ص: 289


1- « بحار الأنوار » 5 : 291 ، ح 6.
2- انظر « شرح المقاصد » 5 : 134 - 135.
3- « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 414 ؛ وانظر « شرح المقاصد » 5 : 135.
4- الزلزال (99) : 7.
5- الجنّ (72) : 23.
6- النساء (4) : 93.
7- النساء (4) : 14.

اتّفقت الأمّة على أنّ اللّه تعالى يعفو عن الصغائر مطلقا وعن الكبائر بعد التوبة ، ولا يعفو عن الكفر قطعا.

واختلفوا في جواز العفو عن الكبائر بدون التوبة ، فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّه جائز عقلا غير جائز سمعا (1).

وذهب الباقون إلى وقوعه عقلا وسمعا. (2) واختاره المصنّف ، واحتجّ على وقوعه عقلا بأنّ العقاب حقّ اللّه تعالى ، فجاز له إسقاط حقّه ، وبأنّ العقاب ضرر على المكلّف ، ولا ضرر على اللّه تعالى بإسقاطه ، وكلّ ما كان كذلك فإسقاطه حسن ، وكلّ ما هو حسن فهو واقع.

ولأنّ العفو إحسان والإحسان على اللّه تعالى واجب. وعلى وقوعه سمعا بالدلائل السمعيّة مثل قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (3) وقوله تعالى : ( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (4). إلى غير ذلك من النصوص (5).

ص: 290


1- حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 415 ؛ وفي « مناهج اليقين » : 358 ؛ وراجع أيضا « شرح المقاصد » 5 : 148 - 149 ؛ و « شرح الأصول الخمسة » : 644.
2- المصدر السابق.
3- النساء (4) : 48.
4- الزمر (39) : 53.
5- في هامش « ب » : « أقول : ورد في أخبار كثيرة ما يدلّ على العفو عن المعاصي الصغيرة والكبيرة ، ففي الخبر : إنّ اللّه تعالى يحاسب عبده فترجّحت سيّئاته على حسناته ، فيأمر اللّه تعالى [ به ] إلى النار ، فإذا ذهب به فيقول اللّه تعالى لجبرئيل علیه السلام : أدرك عبدي واسأله هل جلست مع العلماء في الدنيا فأغفر له بشفاعتهم؟ فيسأله جبرئيل ، فيقول : لا ، أنت عالم بحال عبدك ، فيقول اللّه تعالى : اسأله هل أحبّ عالما؟ فيسأله ، فيقول : لا ، فيقول : اسأله هل جلست على مائدة مع العلماء قطّ؟ فيسأله ، فيقول : لا ، فيقول اللّه تعالى : اسأله هل سكنت مسكنا سكن فيه عالم؟ فيسأله ، فيقول : لا ، فيقول اسأله : هل يشبه اسمه باسم عالم؟ فإن وافق اسمه اسم عالم غفرت له ، فإن لم يوافق دعه ، فيقول اللّه لجبرئيل علیه السلام : اسأله هل أحببت رجلا يحبّ العلماء؟ فيسأله ، فيقول : نعم ، فيقول اللّه تعالى : خذ بيده وأدخله الجنّة فإنّه كان يحبّ رجلا في الدنيا كان ذلك الرجل يحبّ العلماء فغفرت له. إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة ».

فإن قيل : يجوز حمل النصوص على العفو عن الصغائر أو عن الكبائر بعد التوبة.

قلنا : هذا - مع كونه عدولا عن الظاهر من غير دليل ، ومخالفة لأقاويل من يعتدّ به من المفسّرين بلا ضرورة - ممّا لا يكاد يصحّ في بعض الآيات كقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) الآية ؛ فإنّ المغفرة بالتوبة تعمّ الشرك وما دونه ، فلا يكون (1) التفرقة بإثباتها لما دونه ، وكذا تعمّ كلّ واحد من العصاة فلا يلائم التعليق « لمن يشاء » المفيد للبعضيّة ، على أنّ في تخصيصها إخلالا بالمقصود ، أعني تهويل شأن الشرك ببلوغه النهاية في القبح بحيث لا يغفره ويغفر جميع ما سواه.

( والإجماع على الشفاعة ، فقيل : لزيادة المنافع ، ويبطل منّا في حقّه ).

اتّفق المسلمون على ثبوت الشفاعة ؛ لقوله تعالى : ( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (2) ، وفسّرت بالشفاعة. ثمّ اختلفوا فذهب المعتزلة إلى أنّها عبارة عن طلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب (3). وذهب طائفة [ إلى ] أنّ الشفاعة للعصاة من أمّة محمّد صلی اللّه علیه و آله في إسقاط عقابهم.

وأبطله المصنّف بأنّ الشفاعة لو كانت لطلب زيادة المنافع للمؤمنين لكنّا شافعين للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ؛ لأنّا نطلب زيادة المنافع له ، وهو مستحقّ للثواب. والتالي باطل ؛ لأنّ الشفيع أعلى مرتبة من المشفوع له.

( ونفي المطاع لا يستلزم نفي المجاب ) إشارة إلى جواب دليل المعتزلة.

تقريره : أنّ اللّه تعالى قال : ( ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ) (4) نفى اللّه

ص: 291


1- في المصدر : « فلا يصحّ » بدل « فلا يكون ».
2- الإسراء (17) : 79.
3- حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : 365 ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 157.
4- غافر (40) : 18.

تعالى قبول الشفاعة عن الظالمين ، فلا تكون الشفاعة ثابتة في حقّ العصاة.

تقرير الجواب : أنّه تعالى نفى الشفيع الذي يطاع ، ونفي شفيع خاصّ لا يستلزم نفي الشفيع مطلقا.

( وباقي السمعيّات متأوّلة بالكفّار ) إشارة إلى جواب استدلالهم بمثل قوله تعالى : ( وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) (1) ، وقوله تعالى : ( يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ) (2) ، وقوله تعالى : ( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) (3).

تقرير الجواب : أنّ هذه الآيات متأوّلة بتخصيصها بالكفّار ؛ جمعا بين الأدلّة ، على أنّا لا نسلّم العموم في الأزمان والأحوال ، وأنّ سوق الكلام لعموم السلب لا لسلب العموم. وأيضا الظالم على الإطلاق هو الكافر. ونفي النصرة لا يستلزم نفي الشفاعة ؛ لأنّها طلب على خضوع ، والنصرة ربما تنبئ عن مدافعة ومغالبة.

( وقيل في إسقاط المضارّ. والحقّ صدق الشفاعة فيهما ، وثبوت الثاني له صلی اللّه علیه و آله بقوله : ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي (4) ). ذهب طائفة إلى أنّ الشفاعة بالنسبة إلى العصاة في إسقاط المضارّ عنهم.

والحقّ عند المصنّف صدق الشفاعة فيهما ، أي في زيادة المنافع لهم وفي إسقاط المضارّ عنهم ؛ إذ يقال : يشفع فلان لفلان إذا طلب له زيادة منافع وإسقاط مضارّ.

أقول : وحينئذ يعود وجه الإبطال المذكور ، أعني لزوم كوننا شافعين للنبيّ صلی اللّه علیه و آله .

ويمكن الجواب عنهما باعتبار زيادة قيد « فيهما » ، أعني كون الشفيع أعلى حالا من المشفوع له. ثمّ بيّن ثبوت الشفاعة بالمعنى الثاني للنبيّ صلی اللّه علیه و آله بقوله صلی اللّه علیه و آله : « ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ».

ص: 292


1- البقرة (2) : 27.
2- البقرة (2) : 48.
3- المدّثّر (74) : 48.
4- تقدّم في ص 249 ، التعليقة 2.

( والتوبة ) وهي الندم على المعصية في الحال والعزم على تركها في الاستقبال. والتحقيق : أنّ ذكر العزم إنّما هو للتقرير والبيان لا للتقييد والاحتراز ؛ إذ النادم على المعصية لقبحها لا يخلو عن ذلك العزم البتّة على تقدير الخطور والاقتدار ( واجبة لدفعها الضرر ) الذي هو العقاب أو الخوف منه ودفع الضرر واجب ، فما يدفع به الضرر أيضا يكون واجبا ( ولوجوب الندم على كلّ قبيح أو إخلال بواجب ). هذا عند المعتزلة القائلين بالحسن والقبح العقليّين. وأمّا عند الأشاعرة فوجوبها بالسمع ؛ لقوله تعالى : ( تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) (1) ، ( تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً ) (2). ونحو ذلك.

ويندم على القبيح لقبحه وإلاّ ( لانتفت التوبة ) ؛ فإنّ من ندم على المعصية لإضرارها ببدنه أو إخلالها بعرضه أو ماله أو الغرض آخر لا يكون تائبا ( وخوف النار إن كان الغاية فكذلك ) يعني إن كان الندم على المعصية لخوف النار لا يكون ذلك توبة كما إذا ندم عليها لإضرارها بالبدن ؛ لما ذكرنا أنّ المعتبر هو الندم لقبح المعصية لا لغرض آخر. ( وكذلك الإخلال بالواجب ) ؛ لأنّ الندم عليه إنّما يكون توبة إذا كان ؛ لأنّه إخلال بالواجب.

وأمّا إذا كان الندم لخوف المرض أو النقصان بماله أو عرضه أو لخوف النار لم يكن توبة. ( فلا تصحّ من البعض ). أي إذا ثبت أنّ الندم على فعل القبيح أو الإخلال بالواجب إنّما يكون توبة إذا كان الندم ؛ لأنّه قبيح أو إخلال ، يلزم أن لا تصحّ التوبة من بعض القبائح دون بعض ؛ لأنّه إذا ندم من فعل قبيح دون قبيح يظهر أنّه لم يندم على القبيح لقبحه بل لأمر آخر يوجد في بعض دون بعض. وهذا مذهب أبي هاشم (3).

ص: 293


1- التحريم (66) : 8.
2- النور (24) : 31.
3- حكاه عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 419 ؛ و « مناهج اليقين » : 362 ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 169 - 170.

وذهب أبو عليّ إلى أنّه تصحّ التوبة من قبيح دون قبيح.

واحتجّ عليه بأنّ الندم على قبيح دون قبيح يصحّ كما أنّ الإتيان بواجب دون واجب يصحّ (1) ؛ وذلك لأنّه كما يجب عليه ترك القبيح لقبحه كذلك يجب عليه فعل الواجب لوجوبه. ولو لزم من اشتراك القبائح في القبح عدم صحّة الندم على قبيح دون قبيح لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب عدم صحّة الإتيان بواجب دون واجب.

وردّه المصنّف بقوله : ( ولا يتمّ القياس على الواجب ) للفرق بين المقيس والمقيس عليه ؛ فإنّ ترك القبيح لكونه نفيا لا يحصل إلاّ بترك جميع القبائح ، بخلاف الإتيان بالواجب لكونه إثباتا يحصل بإتيان واجب دون واجب.

أقول : فيه نظر ؛ لأنّ الكلام في الواجبات التي صدر من الشارع الأمر بكلّ واحد منها على حدة كالصلاة والصوم والزكاة مثلا لا في أفراد واجب أمر الشارع بالإتيان بواحد منها لا على التعيين كإعتاق رقبة أيّ رقبة كانت. وظاهر أنّ الامتثال لا يحصل بإتيان واحد منها ، بل بإتيان الجميع كما في ترك القبيح من غير فرق.

( ولو اعتقد فيه الحسن لصحّت التوبة ) أي لو اعتقد التائب في بعض القبائح الحسن صحّت توبته عن قبيح اعتقد قبحه دون قبيح اعتقد حسنه ؛ لحصول شرط التوبة وهو الندم على القبيح لقبحه ( وكذا المستحقر ) أي إذا استحقر التائب أحد الفعلين واستعظم الآخر من حيث القبح حتّى اعتقد بالحقير أنّ وجوده بالنسبة إلى العظيم كالعدم وتاب عن العظيم دون الحقير تصحّ توبته ؛ لأنّه تاب عنه لقبحه ، كمن قتل ولد الغير وكسر قلما له فتاب عن قتل الولد دون كسر القلم صحّت توبته.

( والتحقيق : أنّ ترجيح الداعي إلى الندم عن البعض يبعث عليه ) أي على الندم عن هذا البعض ( خاصّة ) دون البعض الآخر ؛ لانتفاء الترجيح الداعي بالنسبة إليه

ص: 294


1- حكاه عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 419 ؛ و « مناهج اليقين » : 362.

( وأنّ اشتراك الدواعي في الندم على القبيح لقبحه ).

ولا يلزم من ذلك أن يكون الندم على البعض الذي تحقّق معه الترجيح لا لقبحه ؛ إذا لا يخرج الداعي بهذا الترجيح عن الاشتراك في كونه داعيا إلى الندم على القبيح لقبحه ، وهذا ( كما في الدواعي إلى الفعل ) فإنّ الأفعال تقع بحسب الدواعي ، فإذا كان داعية بعض الأفعال راجحة على داعية بعض آخر ، اختصّ الفعل الذي يكون داعيه راجحة بالوقوع وإن اشترك مع غيره في الدواعي.

أقول : لا يخفى على المتأمّل أنّ محصّل ما ذكره من التحقيق عدم التفرقة بين ترك القبيح والإتيان بالواجب كما ذكره أبو عليّ ، فآخر كلامه يخالف أوّله.

( ولو اشترك الترجيح اشترك وقوع الندم ) فلا يصحّ الندم عن بعض دون بعض ( وبه يتأوّل كلام أمير المؤمنين عليّ وأولاده علیهم السلام ) (1). وهو أنّ التوبة لا تصحّ عن بعض دون بعض ( وإلاّ لزم الحكم ببقاء الكفر على التائب عنه المقيم على صغيرة ، والذنب وإن كان في حقّه تعالى من فعل قبيح كفى فيه الندم والعزم ) كما في ارتكاب الفرار من الزحف ، وقد يفتقر إلى أمر زائد كتسليم النفس للحدّ في الشراب.

( وفي الإخلال بالواجب اختلف حكمه في بقائه وقضائه وعدمهما ) يعني منه ما يبقى ويحتاج إلى الأداء كالزكاة ، فإنّه إذا أخلّ في إخراجها فالذنب يبقى إلى أن يؤدّي. ومنه ما يجب قضاؤه ، فإذا قضي سقط كالصلاة والصوم. ومنه ما لا يبقى ولا يقضى بل يسقط عنه بمجرّد الندم والعزم ، كما إذا ترك صلاة العيد أو صلاة الجنازة.

( وإن كان ) الذنب ( في حقّ آدمي استتبع إيصاله ) إلى صاحب الحقّ ( إن كان ظلما ) وأمكن الإيصال ؛ لبقاء صاحب الحقّ أو وارثه ، والإيصال إنّما يكون بردّ المال وتسليم البدن أو العضو إلى وليّ الجناية للاقتصاص ( أو العزم عليه مع التعذّر )

ص: 295


1- انظر « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 420 ؛ و « مناهج اليقين » : 362.

أي تعذّر الإيصال ، بأن لا يبقى صاحب الحقّ ولا وارثه ( أو ) استتبع ( الإرشاد إن كان ) الذنب ( إضلالا وليس ذلك ) أي الذي ذكرنا من تسليم النفس وأداء الواجب أو قضائه أو إيصال الحقّ إلى صاحبه أو العزم عليه وغير ذلك ( جزء ) من التوبة ، بل واجب آخر خارج عن التوبة ، فتركه لا يمنع سقوط العقاب بالتوبة.

قال إمام الحرمين رحمه اللّه تعالى : إنّ القاتل إن ندم من غير تسليم نفسه للقصاص صحّت توبته في حقّ اللّه تعالى ، وكان منعه القصاص من مستحقّه معصية مجدّدة تستدعي توبة أخرى ، ولا يقدح في التوبة عن القتل (1).

( ويجب الاعتذار على المغتاب مع بلوغه ) أي إذا كان الذنب الذي يتعلّق بحقّ الآدمي هو الاغتياب ، وجب على المغتاب الاعتذار ممّن اغتابه إن بلغ الاغتياب إليه ؛ لأنّه أوصل إليه ضربا من الغمّ بسبب الاغتياب ، فوجب عليه الاعتذار عنه ، ولا يجب تفصيل ما اغتابه إلاّ إذا بلغه على وجه أفحش. فإن لم يبلغ إليه لا يلزمه الاعتذار عنه ؛ لأنّه لم يوصل إليه بسبب الاغتياب غمّا ، لكن يجب في كلا القسمين التوبة ؛ لأنّه خالف نهيه تعالى ؛ حيث قال : ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) (2).

( وفي إيجاب التفصيل مع الذكر إشكال ) ذهب بعض المعتزلة إلى أنّه يجب على التائب الندم على التفصيل إن كان يعلم القبائح مفصّلا ، وإن علم بعضها مفصّلا وبعضها مجملا وجب التفصيل فيما علم تفصيلا (3).

وقال المصنّف : فيه إشكال ؛ لأنّ الإجزاء يحصل بالندم على كلّ قبيح صدر منه وإن لم يذكره مفصّلا.

ص: 296


1- حكاه عنه التفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 171.
2- الحجرات (49) : 12.
3- حكاه التفتازاني عن بعض المعتزلة في « شرح المقاصد » 5 : 171 ؛ وحكاه العلاّمة عن قاضي القضاة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 422.

( وفي وجوب التجديد إشكال ) قال بعض المعتزلة : إذا تاب المكلّف عن المعصية ثمّ ذكرها وجب عليه تجديد التوبة ؛ لأنّه إذا ذكر المعصية ولم يندم عليها كان مشتهيا لها فرحا بها وذلك إبطال للندم ورجوع إلى الإصرار (1).

وقال المصنّف : فيه إشكال ؛ لأنّا لا نسلّم أنّه لو لم يندم عليها إذا ذكرها لكان مشتهيا لها ؛ إذ ربما يضرب عنها صفحا من غير ندم عليها ولا اشتهاء لها ولا ابتهاج بها.

وكذا المعلول مع العلّة - أي فيه أيضا إشكال - فإنّه إذا صدرت العلّة عن المكلّف وجب الندم على العلّة مع المعلول ، كما إذا رمى فأصاب ، فإنّ الرمي علّة والإصابة معلولة له يجب الندم على الرمي والإصابة جميعا. وفيه إشكال ؛ لأنّ الإجزاء يحصل بالندم على الرمي.

( وكذا وجوب سقوط العقاب بها ) فيه أيضا إشكال. ذهب بعض المعتزلة إلى أنّه يجب على اللّه تعالى أن يسقط العقاب بالتوبة ، حتّى قالوا : إنّ العقاب بعد التوبة ظلم. واحتجّوا بأنّ العاصي قد بذل وسعه في التلافي والتدارك فيسقط عقابه ، كمن بالغ في الاعتذار إلى من أساء إليه يسقط ذنبه بالضرورة (2).

واعترض بأنّ من أساء إلى غيره وهتك حرمته ثمّ جاء معتذرا لا يجب - بحكم العقل - قبول اعتذاره ، بل الخيرة إلى ذلك الغير إن شاء صفح وإن شاء جازاه.

( والعقاب يسقط بها لا بكثرة ثوابها ) اختلفوا في سقوط العقوبة ، فعند بعض المعتزلة بكثرة ثواب التوبة. وعند أكثرهم بنفس التوبة (3). واختاره المصنّف. واحتجّ عليه بأنّه لو كان بكثرة الثواب لما وقعت محبطة بدون الثواب لكنّها قد تقع.

وإلى هذا أشار بقوله : ( لأنّها تقع محبطة ) ولما بقي فرق بين التوبة المتقدّمة على

ص: 297


1- حكاه التفتازاني عن القاضي والجبائي في « شرح المقاصد » 5 : 169.
2- حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : 363 - 364 ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » : 5 : 165 - 166.
3- حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : 364 ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » : 5 : 167.

المعصية والتوبة المتأخّرة عنها في إسقاط عقابها كسائر الطاعات التي تسقط العقوبات بكثرة ثوابها ، واللازم باطل ؛ للقطع بأنّ من تاب عن المعاصي كلّها ثمّ شرب الخمر لا يسقط عنه عقاب الشرب. وإلى هذا أشار بقوله : ( ولولاه لانتفى الفرق بين التقديم والتأخير ) ولما اختصّت التوبة عن معصية معيّنة بسقوط عقابها دون أخرى ؛ لأنّ نسبة كثرة الثواب إلى الكلّ على السويّة ، وإلى هذا أشار بقوله : « ولا اختصاص » أي لولاه لانتفى الاختصاص. واحتجّ الآخرون ، بأنّه لو كان بنفس التوبة لسقط بتوبة العاصي عند معاينة النار.

وأشار المصنّف إلى جوابه بقوله : ( ولا تقبل في الآخرة ؛ لانتفاء الشرط ) فإنّ ندم العاصي عند المعاينة ليس لقبحها.

( وعذاب القبر واقع ؛ لإمكانه ، وتواتر السمع بوقوعه ) عذاب القبر للكافر والفاسق ممّا اتّفق عليه سلف الأمّة قبل ظهور الخلاف ، واتّفق عليه الأكثر بعده. وأنكره ضرار بن عمرو وبشر المريسي وأكثر المتأخّرين من المعتزلة (1).

وللمثبتين : أنّه أمر ممكن أخبر به الصادق. أمّا إمكانه فظاهر. وأمّا إخبار الصادق به ؛ فلقوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) (2). عطف في هذه الآية عذاب القيامة على العذاب الذي هو عرض النار صباحا ومساء ، فعلم أنّه غيره وقبل قيام الساعة فهو في القبر ؛ ولقوله تعالى : ( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (3) ، وإحدى الحياتين ليس إلاّ في القبر ، ومن قال بالإحياء فيه قال بالعذاب أيضا ؛ وللأحاديث المتواترة المعنى ، كقوله صلی اللّه علیه و آله : « القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران » (4).

ص: 298


1- لمزيد الاطّلاع راجع « شرح المقاصد » 5 : 113.
2- غافر (40) : 46.
3- غافر (40) : 11.
4- « سنن الترمذي » 4 : 640 ، ح 2460 ؛ « مجمع الزوائد » 3 : 46 ، باب خطاب القبر.

وكما أنّه روي أنّه عليه الصلاة والسّلام مرّ بقبرين ، فقال : « إنّهما يعذّبان وما يعذّبان عن كبيرة ؛ بل لأنّ أحدهما كان لا يستنزه عن البول ، وأمّا الثاني فكان يمشي بالنميمة » (1) ، وكقوله صلی اللّه علیه و آله : « استنزهوا عن البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه » (2).

وكقوله صلی اللّه علیه و آله في حقّ سعد بن معاذ : « لقد ضغطته الأرض ضغطة اختلف بها ضلوعه » (3). إلى غير ذلك من الأحاديث الصحاح.

واحتجّ المنكرون بقوله تعالى : ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى ) (4) ولو أحيوا في القبر لذاقوا موتتين.

والجواب : أنّ ذلك وصف لأهل الجنّة ، وضمير « فيها » للجنّة ، أي « لا يذوقون أهل الجنّة في الجنّة الموت ، فلا ينقطع نعيمهم كما انقطع نعيم أهل الدنيا بالموت ، فلا دلالة في الآية على انتفاء موتة أخرى بعد المسألة وقبل دخول الجنّة.

وأمّا قوله : ( إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى ) فهو تأكيد لعدم موته في الجنّة على سبيل التعليق بالمحال ، كأنّه قيل : « لو أمكن ذوقهم الموتة لذاقوا في الجنّة الموت » ، لكنّه لا يمكن بلا شبهة ، فلا يتصوّر موتهم فيها.

قالوا : إنّما يمكن العمل بالظواهر الّتي تمسّكتم بها إذا لم تكن مخالفة للمعقول ، فإنّها على تقدير مخالفتها إيّاه يجب تأويلها وصرفها عن ظواهرها ، فلا يبقى لكم وجه احتجاج بها. ودليل مخالفتها للمعقول بأنّا نرى شخصا يصلب ويبقى مصلوبا إلى أن تذهب أجزاؤه ولا نشاهد فيه إحياء ولا مساءلة ، والقول بهما مع عدم المشاهدة سفسطة ظاهرة.

ص: 299


1- « سنن ابن ماجة » 1 : 125 ، ح 347 ؛ « سنن أبي داود » 1 : 6 ، ح 20 ؛ « سنن النسائي » 1 : 29 - 30 ، باب التنزّه عن البول ؛ « روضة الواعظين » 2 : 471.
2- « سنن الدارقطني » 1 : 128 ، باب نجاسة البول ... ، ح 7 ؛ « نيل الأوطار » 1 : 114 ؛ « نصب الراية » 1 : 128.
3- « تأويل مختلف الحديث » : 264 ، نحوه ؛ « مسند الربيع » : 306.
4- الدخان (44) : 56.

وأبلغ منه كلّه من أكلته السباع والطيور وتفرّقت أجزاؤه في بطونها وحواصلها. وأبلغ منه من أحرق فصار رمادا وذري في الرياح العاصفة شمالا وجنوبا وقبولا ودبورا فإنّا نعلم عدم إحيائه ومساءلته وعذابه ضرورة.

وقد تحيّر الأصحاب في التفصّي عن هذا ، فقال القاضي وأتباعه في صورة المصلوب : لا بعد في الإحياء والمساءلة مع عدم المشاهدة كما في صاحب السكتة فإنّه حيّ مع أنّا لا نشاهد حياته ، وكما في رؤية النبيّ صلی اللّه علیه و آله جبرئيل علیه السلام وهو بين أظهر أصحابه مع ستره عليهم. وأمّا الصورتان الأخريان فإنّ التمسّك بهما مبنيّ على اشتراط البنية في الحياة وهو ممنوع عندنا ، فلا بعد حينئذ في أن تعاد الحياة إلى الأجزاء المتفرّقة أو بعضها وإن كان خلافا للعادة ، فإنّ خوارق العادة غير ممتنعة في مقدور اللّه تعالى.

( وسائر السمعيّات من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب ممكنة. دلّ السمع على ثبوتها ). فإنّها نطق بها الكتاب والسنّة وانعقد عليها إجماع الأمّة ( فيجب التصديق بها ).

وأمّا الميزان فقد قال اللّه تعالى : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) (1) ، وقال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ * فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) (2).

وذهب كثير من المفسّرين إلى أنّه ميزان له كفّتان ولسان وشاهين وعماد (3) ؛ عملا بالحقيقة لإمكانها. وقد ورد في الحديث تفسيره بذلك (4).

ص: 300


1- الأنبياء (21) : 47.
2- القارعة (101) : 6 - 9.
3- « مجمع البيان » 4 : 399 ، ذيل الآية 8 من سورة الأعراف (7) ؛ « تفسير القرطبي » 11 : 293 ، ذيل الآية 47 من سورة الأنبياء (21).
4- « الدرّ المنثور » 3 : 418.

وأنكره بعض المعتزلة ذهابا إلى أنّ الأعمال أعراض لا يمكن أن توزن ، فكيف إذا زالت وتلاشت ، بل المراد به العدل الثابت في كلّ شيء ؛ ولذا ذكر بلفظ الجمع ، وإلاّ فالميزان المشهور واحد (1).

وقيل : هو الإدراك فميزان الألوان البصر ، والأصوات السمع ، والطعوم الذوق وكذا سائر الحواسّ ، وميزان المعقولات العقل (2).

وأجيب : بأنّه تعالى يزن صحائف الأعمال.

وقيل : بل تجعل الحسنات أجساما نورانيّة والسيّئات أجساما ظلمانيّة. وأمّا لفظ الجمع فللاستعظام.

وقيل : لكلّ مكلّف ميزان ، وإنّما الميزان الكبير واحد ؛ إظهارا لجلالة الأمر فيه وعظم المقام (3).

وأمّا الصراط فقد ورد في الحديث الصحيح : « أنّه جسر ممدود على متن جهنّم يرده الأوّلون والآخرون ، أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف ». (4)

ويشبه أن يكون المرور عليه هو المراد بورود كلّ أحد النار على ما قال اللّه تعالى : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها ) (5).

وأنكرها القاضي عبد الجبّار وكثير من المعتزلة ؛ زعما منهم أنّه لا يمكن الخطور عليه ، ولو أمكن ففيه تعذيب ولا عذاب على المؤمنين والصلحاء يوم القيامة قطعا ، قالوا : بل المراد به طريق الجنّة المشار إليه بقوله تعالى : ( سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ) (6)

ص: 301


1- حكاه التفتازاني عنهم في « شرح المقاصد » 5 : 120 - 121.
2- حكاه التفتازاني أيضا في « شرح المقاصد » 5 : 121.
3- حكاهما التفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 121.
4- « الكافي » 8 : 312 ، ح 486 ؛ « تفسير القمّي » 1 : 29 ؛ « الأمالي » للصدوق : 149 ، المجلس 33 ، ح 4.
5- مريم (19) : 71.
6- محمّد صلی اللّه علیه و آله (47) : 5.

وطريق النار المشار إليه بقوله تعالى : ( فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ ) (1) ، (2).

وقيل : المراد الأدلّة الواضحة. وقيل : العبادات كالصلاة والزكاة ونحوهما. وقيل :

الأعمال الرديئة التي يسأل عنها ويؤاخذ بها ، كأنّه يمرّ عليها ويطول المرور بكثرتها ويقصر بقلّتها (3).

والجواب : أنّ إمكان العبور ظاهر كالمشي على الماء والطيران في الهواء ، غايته مخالفة العادة ثمّ اللّه تعالى يسهّل الطريق على من أراد كما جاء في الحديث : « إنّ منهم من هو كالبرق الخاطف ، ومنهم من هو كالريح الهابّة ، ومنهم من هو كالجواد ، ومنهم من تخور رجلاه وتتعلّق يداه ، ومنهم من يخرّ على وجهه » (4).

وأمّا الحساب ، فقد قال اللّه تعالى : ( إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) (5). وقال صلی اللّه علیه و آله : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا (6).

وأمّا تطاير الكتب فقد قال اللّه تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) (7) ، وقوله تعالى : ( وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً ) (8) ) (9).

وصل : هذا الاعتقاد من أصول الدين ، ومنكره من الكافرين.

ص: 302


1- الصافّات (37) : 23.
2- حكاه عنهم التفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 120.
3- حكى الأقوال الثلاثة التفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 120.
4- نقله التفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 120.
5- آل عمران (3) : 199.
6- « محاسبة النفس » : 13.
7- الانشقاق (84) : 7 - 8.
8- الإسراء (17) : 13.
9- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 382 - 392.

الفصل الثالث : في بيان أحوال النار وأهلها

وفيه أمور :

منها : أحوال الناس عند العبور على الصراط. فقد ورد أنّه جسر جهنّم أدقّ من الشعر ، وأحدّ من السيف ، وأنّ الناس يمرّون عليه ، فمنهم من يمرّ مثل البرق ، ومنهم من يمرّ مثل عدو الفرس ، ومنهم من يمرّ حبوا ، ومنهم من يمرّ مشيا ، ومنهم من يمرّ متعلّقا قد تأخذ النار منه شيئا وتترك شيئا (1).

وأنّ من لم يعرف صراط الدنيا - وهو الإمام المفترض الطاعة - زلّت قدمه في الآخرة فتردّى في نار جهنّم (2) ، وأنّه لم يجز عليه إلاّ من كان له ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام (3).

وأنّه لا يجوزه عبد بمظلمة (4) : وأنّ عليه سبع محابس ، يسأل فيها عن شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والولاية ، وعن الصلاة والزكاة والحجّ والعمرة والمظالم (5) إلى غير ذلك من الأحوال.

ص: 303


1- « تفسير القمّي » 1 : 42 ؛ « بحار الأنوار » 8 : 64 ، ح 1.
2- « معاني الأخبار » : 32 ، باب معنى الصراط ، ح 1 ؛ « بحار الأنوار » 24 : 11 ، ح 3.
3- « معاني الأخبار » : 35 - 36 ، باب معنى الصراط ، ح 6 ؛ « بحار الأنوار » 8 : 66 ، ح 4.
4- « عقاب الأعمال » : 321 ، باب عقاب من ظلم ، ح 2.
5- « مجمع البيان » 10 : 487 ، ذيل الآية 14 من سورة الفجر (89) ؛ وعنه في « بحار الأنوار » 8 : 64.

ومنها : شهادة الجوارح لقوله تعالى : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ) الآية (1).

ومنها : تحقّق العقبات التي يكون لكلّ عقبة اسم خاصّ. فمتى انتهى الإنسان إلى عقبة اسمها فرض وكان قد قصّر في ذلك الفرض حبس عندها وطولب بحقّ اللّه فيها ، فإن خرج منه بعمل صالح قدّمه أو برحمة تناله نجا منها إلى عقبة أخرى ، فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة ويحبس عند كلّ عقبة فيسأل عمّا قصّر فيه من معنى اسمها ، فإن سلم من جميعها انتهى إلى دار البقاء ، فيحيا حياة لا موت فيها أبدا ، وسعد سعادة لا شقاوة فيها أبدا ، وسكن جوار اللّه مع أنبياء اللّه وحججه والصدّيقين والشهداء والصالحين من عباده.

وإن حبس على عقبة فطولب بحقّ قصّر فيه فلم ينجه عمل صالح قدّمه ولا أدركته من اللّه عزّ وجلّ رحمة زلّت به قدمه عن العقبة ، فهوى في جهنّم - نعوذ باللّه منها - وهذه العقبات كلّها على الصراط.

اسم عقبة منها الولاية ، يوقف جميع الخلائق عندها فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين والأئمّة من بعده علیهم السلام فمن أتى بها نجا وجاز ، ومن لم يأت بها بقي فهوى ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (2).

واسم عقبة منها المرصاد ، ولا يجوزه ظلم ظالم. واسم عقبة منها الرحم. واسم عقبة منها الأمانة. واسم عقبة منها الصلاة. باسم كلّ فرض أو أمر أو نهي عقبة يجلس عندها العبد فيسأل نجّانا (3) ، اللّه منها.

ومنها : أحوال النار وأهلها كما قال اللّه تعالى : ( إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ

ص: 304


1- النور (24) : 24.
2- الصافّات (37) : 24.
3- « بحار الأنوار » 7 : 128 ، ح 11.

بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ) (1).

وقال اللّه تعالى : ( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ) (2).

وقال تعالى : ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ ) (3).

وقال تعالى : ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) (4). ( يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (5).

وقال تعالى : ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ ) (6).

وقال تعالى : ( أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ ) (7).

وقال تعالى : ( وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ * قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى ) (8).

وقال تعالى : ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ ) (9).

ص: 305


1- الكهف (18) : 29.
2- الحجّ (22) : 19 - 22.
3- المؤمنون (23) : 104.
4- التوبة (9) : 49.
5- العنكبوت (29) : 55.
6- السجدة (32) : 21.
7- الصافّات (37) : 62 - 65.
8- المؤمن (40) : 49 - 50.
9- الدخان (44) : 43 - 48.

وقال تعالى : ( كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ) (1).

وقال تعالى : ( وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) - إلى أن قال : - ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ) (2).

وقال تعالى : ( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) (3).

وقال تعالى : ( كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ * نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) (4).

وقال تعالى : ( سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ ) (5).

وعن أمير المؤمنين علیه السلام : « إنّ جهنّم لها سبعة أبواب أطبق بعضها فوق بعض » (6).

وعن ابن عبّاس : « إنّ الباب الأوّل جهنّم ، والثاني سعير ، والثالث سقر ، والرابع حميم (7) ، والخامس لظى ، والسادس الحطمة ، والسابع الهاوية » (8).

وعن الضحّاك : أعلاها فيه أهل التوحيد يعذّبون على قدر أعمالهم في الدنيا ثمّ يخرجون ، والثاني فيه اليهود ، والثالث فيه النصارى ، والرابع فيه الصابئون ، والخامس

ص: 306


1- محمّد صلی اللّه علیه و آله (47) : 15.
2- الواقعة (56) : 41 - 44 و 51 - 56.
3- المدّثّر (74) : 26 - 30.
4- الهمزة (104) : 4 - 9.
5- المسد (111) : 3.
6- « مجمع البيان » 6 : 338 ، ذيل الآية 44 من سورة الحجر (15).
7- في المصدر « جحيم » بدل « حميم ».
8- « مجمع البيان » 6 : 338 ، ذيل الآية 44 من سورة الحجر (15).

فيه المجوس ، والسادس فيه مشركو العرب ، والسابع فيه المنافقون ؛ وذلك أنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار (1).

وعن الهروي قال : قلت للرضا علیه السلام : أخبرني عن الجنّة والنار أهما اليوم مخلوقتان؟ فقال : « نعم ، وإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قد دخل الجنّة ورأى النار لمّا عرج به إلى السماء ».

قال : فقلت له : فإنّ قوما يقولون : إنّهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين فقال علیه السلام : « ما أولئك منّا ولا نحن منهم. من أنكر خلق الجنّة والنار فقد كذّب النبيّ صلی اللّه علیه و آله وكذّبنا وليس من ولايتنا على شيء ، وخلّد في نار جهنّم. قال تعالى : ( هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ) » (2).

وعن أحدهما : « إنّ أهل النار يموتون عطاشى ويدخلون جهنّم عطاشى ، فيرفع لهم قراباتهم من الجنّة فيقولون : أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه تعالى » (3).

وفي السورة التوراتيّة : أنّ جهنّم سبع طبقات فيها نيران يأكل بعضها بعضا وفي كلّ منها سبعون ألف واد من النار ، وفي كلّ واد سبعون ألف شعب من النار. وفي كلّ شعب سبعون ألف مدينة من النار ، وفي كلّ مدينة سبعون ألف قصر ، وفي كلّ قصر سبعون ألف واد من النار ، وفي كلّ واد سبعون ألف بيت من النار ، وفي كلّ بيت سبعون ألف بئر من النار ، وفي كلّ بئر سبعون ألف تابوت من النار ، وفي كلّ تابوت سبعون ألف عقرب من النار ، وفي كلّ تابوت سبعون ألف شجرة من الزقّوم ، تحت

ص: 307


1- المصدر السابق.
2- « بحار الأنوار » 8 : 119 ، ح 6.
3- « تفسير العيّاشي » 2 : 19 ، ذيل الآية 46 من سورة الأعراف (7) ؛ وعنه في « بحار الأنوار » 8 : 338 - 339 ، ح 17.

كلّ شجرة سبعون ألف قدر من النار ، مع كلّ قدر سبعون ألف وتد من النار ، ومع كلّ وتد سبعون ألف سلسلة من النار ، وفي كلّ سلسلة سبعون ألف ثعبان من النار طول كلّ ثعبان سبعون ألف ذراع ، وفي جوف كلّ ثعبان بحر من السمّ الأسود ، لكلّ عقرب سبعون ألف ذنب من النار ، طول كلّ ذنب سبعون ألف ذراع ، في كلّ ذنب سبعون ألف فقار ، وفي كلّ فقار سبعون ألف رطل من السمّ الأحمر (1).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على شدّة تأثير النار وحرّها. نجّانا اللّه منها بفضله ونواله ، بحقّ خير خلقه محمّد وآله.

ص: 308


1- لم نعثر على مأخذه.

الفصل الرابع : في بيان أحوال أهل الأعراف

اعلم أوّلا : أنّ الأعراف واقع ؛ لقوله تعالى : ( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) (1) ، وهو سور بين الجنّة والنار. و « الرجال » هم الأنبياء والأوصياء ، ولا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وأنكروه.

ويمكن كون « الأعراف » مكانا لمن نجا من النار وليس أهلا للجنّة ، كحاتم ، وأنوشيروان ، وولد الزنى الذي صحّت عقيدته ووافقت طاعته. وأمثالهم.

وثانيا : أنّه قال اللّه تعالى في حقّه : ( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) . وقال تعالى : ( وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ ) (2).

وفسّر « الرجال » في الأخبار بالأئمّة علیهم السلام ، (3) والأعراف بالصراط بين الجنّة والنار (4). كالتفسير بالأئمّة علیهم السلام حيث لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم (5). كما فسّره بعضهم بسور بين الجنّة والنار (6). وأصحاب الأعراف بمن استوت الحسنات بها والسيّئات ، فإن أدخلهم اللّه الجنّة فبرحمته ، وإن عذّبهم لم يظلمهم (7).

ص: 309


1- الأعراف (7) : 46.
2- الأعراف (7) : 48.
3- « بحار الأنوار » 8 : 335 ، ح 2 - 3.
4- المصدر السابق.
5- المصدر السابق : 338 ، ح 14 - 19.
6- « مجمع البيان » 4 : 423 ، ذيل الآية 46 من الأعراف (7).
7- « تفسير العيّاشي » 2 : 18 ، ذيل الآية 46 من الأعراف (7).

وروي : أنّ اللّه تعالى يسكن الأعراف طائفة من الخلق لم يستحقّوا بأعمالهم الحسنة ثواب من غير عقاب ولا استحقّوا الخلود في النار ، وهم المرجون لأمر اللّه ، ولا يزالون على الأعراف حتّى يؤذن لهم في دخول الجنّة بشفاعة محمّد صلی اللّه علیه و آله وأمير المؤمنين علیه السلام والأئمّة من بعده صلوات اللّه عليهم (1).

وقيل أيضا : إنّه مسكن طوائف لم يكونوا في الأرض مكلّفين فيستحقّون بأعمالهم جنّة ونارا ، فيسكنهم اللّه ذلك المكان ويعوّضهم على آلامهم في الدنيا بنعيم لا يبلغون منازل أهل الثواب المستحقّين له بالأعمال (2). واللّه العالم بحقائق الأحوال.

ص: 310


1- « بحار الأنوار » 8 : 340 - 341.
2- نقله المجلسي رحمه اللّه في « بحار الأنوار » 8 : 341.

الفصل الخامس : في بيان أحوال الجنّة وأهلها

فقد قال اللّه تعالى في حقّهم : ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ ) (1).

وقال تعالى : ( وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (2).

وقال اللّه : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (3).

وقال اللّه : ( وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) (4).

وقال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) (5).

ص: 311


1- البقرة (2) : 25.
2- التوبة (9) : 72.
3- يونس (10) : 9 - 10.
4- الرعد (13) : 24 - 25.
5- الرعد (13) : 29.

وقال تعالى : ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها ) (1).

وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ ) (2).

وقال تعالى : ( كَذلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (3).

وقال تعالى : ( أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ) (4).

وقال تعالى : ( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) (5).

وقال تعالى : ( يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ ) (6).

وقال تعالى : ( فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) (7).

وقال تعالى : ( إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ * لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ * سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ *

ص: 312


1- الرعد (13) : 35.
2- الحجر (15) : 45 - 48.
3- النحل (16) : 31 - 32.
4- الكهف (18) : 31.
5- مريم (19) : 62.
6- الحجّ (22) : 23 - 24.
7- سبأ (34) : 37.

وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) (1).

وقال تعالى : ( أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ * يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) (2).

وقال تعالى : ( فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ ) (3).

وقال تعالى : ( وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) (4).

وقال تعالى : ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ ) (5).

وقال تعالى : ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) (6).

وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ

ص: 313


1- يس (36) : 55 - 58.
2- الصافّات (37) : 40 - 49.
3- فاطر (40) : 40.
4- فصّلت (41) : 31.
5- الزخرف (43) : 70 - 73.
6- محمّد صلی اللّه علیه و آله (47) : 15.

وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) (1).

وقال تعالى : ( وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ) (2).

وقال تعالى : ( وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ * فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ * مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ * فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ * مُدْهامَّتانِ * فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ * فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ * حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ ) (3). إلى غير ذلك من الآيات الواردة.

وفي السورة التوراتيّة : « إنّ للمطيعين الجنان بأبوابها الثمانية ، في كلّ جنّة سبعون ألف روضة من الزعفران ، وفي كلّ روضة سبعون ألف مدينة من اللؤلؤ والمرجان ، وفي كلّ مدينة سبعون ألف قصر من الياقوت ، وفي كلّ قصر سبعون ألف دار من الزبرجد ، وفي كلّ دار سبعون ألف بيت من الذهب ، وفي كلّ بيت سبعون ألف دكّان من الفضّة ، وفي كلّ دكّان سبعون ألف مائدة ، وعلى كلّ مائدة سبعون ألف صفحة من الجواهر ، وفي كلّ صفحة سبعون ألف لون من الطعام ، وعلى كلّ دكّان سبعون ألف سرير من الذهب الأحمر ، وعلى كلّ سرير سبعون ألف نهر من ماء الحيوان أو اللبن ، والخمر والعسل المصفّى ، وفي وسط كلّ نهر سبعون ألف لون من الثمار ، كذلك في كلّ بيت سبعون ألف خيمة من الأرجوان ، وعلى كلّ فراش حور من الحور العين بين يديها سبعون ألف وصيفة كأنّهنّ بيض مكنون ، وعلى فراش كلّ قصر من تلك القصور سبعون ألف قبّة من الكافور ، وفي كلّ قبّة سبعون ألف هديّة من الرحمن

ص: 314


1- الطور (52) : 17 - 20.
2- الطور (52) : 22 - 24.
3- الرحمن (55) : 46 ، 52 ، 54 ، 56 ، 62 ، 64 ، 66 ، 68 ، 70 ، 72.

ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ( وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) لا يموتون فيها ، ولا يخرجون ، ولا يعطشون ، ولا يحرمون ، ولا يحزنون ، ولا يبكون ، ولا يتعبّدون ، ولا يصلّون ، ولا يصومون ، ولا يمرضون ، ولا يتغوّطون ، ولا يمسّهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين » (2).

ونحو ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب ، مثل ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « سور الجنّة لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ولبنة من ياقوت ، وملاطها المسك الأذفر ، وشرفها الياقوت الأحمر والأخضر والأصفر ». الخبر (3).

وعن أمير المؤمنين علیه السلام : « إنّ في الجنّة لشجرة يخرج من أعلاها الحلل ، ومن أسفلها خيل بلق مسرجة ملجمة ذوات أجنحة ، لا تروث ولا تبور ، فيركبها أولياء اللّه تعالى ، فتطير بهم في الجنّة حيث شاءوا » (4).

وعن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام جعلت فداك يا ابن رسول اللّه ، شوّقني ، قال : « يا أبا محمّد ، إنّ أدنى نعيم الجنّة توجد ريحها من مسيرة ألف عام من مسافة ، وإنّ لأدنى أهل الجنّة منزلا لو نزل بها الثقلان - الجنّ والإنس - لوسعهم طعاما وشرابا ولا ينقص ممّا عنده شيئا. وإنّ أيسر أهل الجنّة منزلا من يدخل الجنّة فيرفع له ثلاث حدائق ، فإذا أدخل أدناهنّ رأى فيها من الأزواج والخدم والأنهار والثمار ما شاء اللّه تعالى ، ما يملأ عينه قرّة وقلبه مسرّة.

فإذا شكر اللّه وحمده قيل له : ارفع رأسك على الحديقة الثانية ، ففيها ما ليس في الأولى. فيقول : يا ربّ أعطني هذه ، فيقول اللّه : لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها.

ص: 315


1- الواقعة (56) : 20 - 24.
2- لم نعثر على مأخذه.
3- « الأمالي » للصدوق : 177 ، المجلس 38 ، ح 1.
4- المصدر السابق : 239 - 240.

فيقول : ربّ هذه هذه فإذا هو دخلها وعظمت مسرّته شكر اللّه وحده ، فيقال : افتحوا له باب الجنّة ، فيقال له : ارفع رأسك وإذا قد فتح له باب من الخلد ويرى أضعاف ما كان فيما قبل ، فيقول عند تضاعف مسرّاته : ربّ لك الحمد الذي لا يحصى إذ مننت عليّ بالجنان وأنجيتني من النار ».

قال أبو بصير : فبكيت وقلت له : جعلت فداك زدني ، قال : « يا أبا محمّد ، إنّ في الجنّة نهرا في حافّتيها جوار نابتات إذا مرّ المؤمن بجارية أعجبته قلعها وأنبت اللّه مكانها أخرى ».

قلت : جعلت فداك زدني قال : « المؤمن يزوّج ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيّبة وزوجتين من الحور العين ».

قلت : جعلت فداك من أيّ شيء خلقن الحور العين؟ قال : « من الجنّة ، ويرى مخّ ساقيها من وراء سبعين حلّة ، كبدها مرآته وكبده مرآتها ».

قلت : جعلت فداك ألهنّ كلام يتكلّمن به في الجنّة؟ قال : « نعم ، لهنّ كلام يتكلّمن به لم يسمع الخلائق أعذب منه ».

قلت : ما هو؟ قال : « يقلن بأصوات رخيمة : نحن الخالدات فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نبوس ، ونحن المقيمات فلا نظعن ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن خلق لنا ، وطوبى لمن خلقنا له ، نحن اللواتي لو أنّ قرن إحدانا علّق في جوّ السماء لأغشى نوره الأبصار » (1).

وعنه علیه السلام عن عليّ علیه السلام قال : « إنّ للجنّة ثمانية أبواب : باب يدخل منها النبيّون والصدّيقون ، وباب يدخل منها الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل شيعتنا ومحبّونا ، فلا أزال واقفا على الصراط أدعوا وأقول : ربّ سلّم شيعتي ومحبّي

ص: 316


1- « تفسير القمّي » 2 : 82 - 83 ؛ « تفسير نور الثقلين » 3 : 479 ؛ « تفسير البرهان » 3 : 82 - 83 ، ذيل الآية 23 من سورة الحجّ (22).

وأنصاري ومن تولاّني في دار الدنيا فإذا النداء : قد أجيبت دعوتك ، وشفّعت في شيعتك ، ويشفع كلّ رجل من شيعتي ، ومن تولاّني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه » (1).

ونحو ذلك ، اللّهمّ ارزقنا كلّ ذلك.

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع شرح شارح القوشجي بقوله :

( والسمع دلّ على أنّ الجنّة والنار مخلوقتان الآن ، والمعارضات متأوّلة ).

جمهور المسلمين على أنّ الجنّة والنار مخلوقتان الآن ، خلافا لأكثر المعتزلة كأبي هاشم والقاضي عبد الجبّار (2) وغير هما ؛ حيث زعموا أنّهما تخلقان يوم الجزاء.

لنا وجهان :

الأوّل : قصّة آدم وحوّاء وإسكانهما في الجنّة ثمّ إخراجهما عنها بأكل الشجرة ، وكونهما يخصفان عليها من ورق الجنّة على ما نطق به الكتاب والسنّة ، وانعقد عليه الإجماع قبل ظهور المخالفين.

وحملها على بستان من بساتين الدنيا يجري مجرى التلاعب بالدين والمراغمة لإجماع المسلمين ، ثمّ لا قائل بوجود الجنّة دون النار فثبوتها ثبوتها.

الثاني : الآيات الصريحة في ذلك كقوله تعالى : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ) (3).

وكقوله تعالى في حقّ الجنّة : ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (4) ، ( أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ ) (5) ، ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (6).

ص: 317


1- « الخصال » 2 : 407 - 408 ، ح 6.
2- حكاه التفتازاني عنهما في « شرح المقاصد » 5 : 108.
3- النجم (53) : 13 - 15.
4- آل عمران (3) : 133.
5- الحديد (57) : 21.
6- ق (50) : 31.

وفي حقّ النار : ( أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) (1) ، ( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ) (2).

وحملها على التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي مبالغة في تحقّقه مثل ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) (3) ، ( وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ ) (4) خلاف الظاهر ، فلا يعدل إليه بدون قرينة.

تمسّك المنكرون بوجوه :

الأوّل : أنّ خلقهما قبل يوم الجزاء عبث لا يليق بالحكيم. وضعفه ظاهر.

والثاني : أنّهما لو خلقتا لهلكتا ؛ لقوله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (5). واللازم باطل ؛ للإجماع على دوامهما ، والنصوص الشاهدة بدوام أكل الجنّة بظلّها.

وأجيب : بتخصيصها من آية الهلاك ؛ جمعا بين الأدلّة ، وبحمل الهلاك على غير الفناء على ما قيل : إنّ المراد بهلاك كلّ شيء أنّه هالك في حدّ ذاته ، لضعف الوجود الإمكاني ، فيتحقّق بالهالك المعدوم ، وبأنّ الدوام المجمع عليه هو أنّه لا انقطاع لبقائهما ولا انتهاء لوجودهما بحيث ، يبقيان على العدم زمانا يعتدّ به كما في دوام المأكول ؛ فإنّه على التجدّد والانقطاع قطعا ، وهذا لا ينافي فناءها لحظة.

الثالث : أنّه قال اللّه تعالى في وصف الجنّة : ( عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ) (6) ، ولا يتصوّر ذلك إلاّ بعد فناء السماوات والأرض ؛ لامتناع تداخل الأجسام.

وأجيب : بأنّ المراد أنّ عرضها كعرض السماوات والأرض ؛ لامتناع أن يكون عرضها عرضهما بعينه لا حال البقاء ولا بعد الفناء ؛ إذ يمتنع قيام عرض واحد

ص: 318


1- البقرة (2) : 24 ؛ آل عمران (3) : 131.
2- الشعراء (26) : 91.
3- الكهف (18) : 99.
4- الأعراف (7) : 44.
5- القصص (28) : 88.
6- آل عمران (3) : 133.

شخصي بمحلّين موجودين معا أو أحدهما موجود والآخر معدوم ؛ وللتصريح في آية أخرى بأنّ ( عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) (1). فتحمل هذه على تلك كما يقال : أبو يوسف أبو حنيفة ، أي مثله » (2).

تذكرة : في بيان ما يترتّب عليه استحقاق الدخول في الجنّة والنار ، من الإيمان والكفر والطاعة والفسق.

اعلم أنّ الإيمان - على الأصحّ - عبارة عن التصديق بالتوحيد والنبوّة وسائر ما جاء به النبيّ صلی اللّه علیه و آله ضرورة ، ويشترط عدم الإنكار لسانا ؛ لقوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ) (3).

ولا تدلّ تلك الآية على اعتبار الإقرار باللسان في الإيمان ، بل إنّما تدلّ على اشتراط عدم الإنكار ؛ ولهذا يحكم بإيمان الأخرس إذا علم الاعتقاد القلبي ، فلا يكفي الإقرار باللسان كما يدلّ عليه قوله تعالى : ( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ) (4).

وقوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (5).

وقوله تعالى : ( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (6). ونحو ذلك.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ العمل أيضا خارج عن حقيقة الإيمان بطريق أولى. ويدلّ عليه عطف العمل على الإيمان في الآيات ؛ لاقتضائه المغايرة ظاهرا.

وما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله من أنّ : « الإيمان معرفة بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل

ص: 319


1- الحديد (57) : 21.
2- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 392 - 393.
3- النمل (27) : 14.
4- الحجرات (49) : 14.
5- البقرة (2) : 8.
6- المجادلة (58) : 22.

بالأركان » (1). وعنه صلی اللّه علیه و آله أنّ : « الإيمان قول مقبول ، وعرفان بالعقول ، واتّباع الرسول » (2). ونحوهما محمول (3) على الإيمان الخاصّ كما يدلّ عليه قوله صلی اللّه علیه و آله : « الإيمان إقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، والإسلام إقرار بلا عمل » (4). فتأمّل.

نعم ، لا بدّ من الإقرار باللسان إظهارا بالتصديق القلبي ، وأمّا العمل بالأركان فواجب أيضا لكنّه غير داخل في حقيقة الإيمان كما مرّ.

والكفر عدم الإيمان عمّا من شأنه الإيمان. إمّا مع الجحود والتكذيب أو بدونه ، ولا يبعد أن يكون عبارة عن إنكار الإلهيّة أو النبوّة أو ما جاء به النبيّ صلی اللّه علیه و آله ضرورة.

والتقسيم في الآية بين المؤمن والكافر محمول على الغالب ؛ إذ المتردّد الشاكّ نادر ، وغير المكلّف عن الطرفين في حكمهما.

والطاعة عبارة عن امتثال أوامر اللّه وترك نواهيه ونحوهما بعد الإيمان.

والفسق خروج عن طاعته كذلك.

والنفاق إظهار الإيمان وإخفاء الكفر.

والأمر بالمعروف بالحمل على الطاعة قولا أو فعلا ، وكذا النهي عن المنكر بالمنع عن فعل المعاصي قولا أو فعلا سمعا إجماعا وكتابا وسنّة ؛ لقوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (5).

وقوله صلی اللّه علیه و آله : « ليأمرنّ بالمعروف ولينهنّ عن المنكر أو ليسلّطنّ شراركم على خياركم فيدعوا خياركم فلا يستجابوا » (6). والأمر والوعيد دليلان على الوجوب.

وقيل : بالوجوب العقلي ، وليس ببعيد.

ص: 320


1- « جامع الأخبار » : 35 - 36.
2- المصدر السابق : 36. وفيه « قول بمقول » بدل « قول مقبول ».
3- خبر لقوله : « وما روي ».
4- « جامع الأخبار » : 36.
5- آل عمران (3) : 104.
6- « الكافي » 5 : 56 ، باب الأمر بالمعروف ... ، ح 34 ؛ « تهذيب الأحكام » 6 : 6. ح 342.

ويشترط في الوجوب تجويز التأثير ولو ظنّا ، وانتفاء مظنّة المفسدة ولو بالنسبة إلى بعض إخوانه نفسا أو مالا أو نحوهما.

وينبغي أن لا يتجسّس عن أحوال الناس ؛ للنهي في الآية والسنّة ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تَجَسَّسُوا ) ، (1) أو قوله علیه السلام : « عورة المؤمن على المؤمن حرام » (2).

وكذا يجب التوبة ؛ لقوله تعالى : ( تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً ) (3). وقوله تعالى : ( تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) (4). إلى غير ذلك.

وإلى مثل ذلك أشار المصنّف مع شرح الشارح القوشجي بقوله : ( والإيمان ) في اللغة هو التصديق مطلقا ، قال اللّه تعالى حكاية عن إخوة يوسف : ( وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ) (5) ؛ أي بمصدّق فيما حدّثناك به.

وقال علیه السلام : « الإيمان أن تؤمن باللّه وكتبه ». الحديث (6) ، أي تصدّق.

وأمّا في الشرع فهو عند الأشاعرة : التصديق للرسول صلی اللّه علیه و آله فيما علم مجيئه به ضرورة. فتفصيلا فيما [ علم ] مفصّلا ، وإجمالا فيما علم مجملا ، فهو في الشرع تصديق خاصّة.

وقال الكراميّة : هو كلمة الشهادة. وقال قوم : إنّه أعمال الجوارح.

وذهب الخوارج والغلاة وعبد الجبّار إلى أنّه الطاعات بأسرها فرضا كان أو نفلا.

وذهب الجبائي وابنه وأكثر معتزلة البصرة إلى أنّه الطاعات المفترضة من الأفعال والتروك دون النوافل.

وقال المحدّثون وبعض السلف كابن مجاهد : إنّه تصديق بالجنان وإقرار باللسان

ص: 321


1- الحجرات (49) : 12.
2- « الكافي » 2 : 358 - 359 ، باب الرواية على المؤمن ، ح 2 - 3 ؛ « الفقيه » 4 : 104 ، ح 5192.
3- النور (24) : 31.
4- التحريم (66) : 8.
5- يوسف (12) : 17.
6- « كتاب سليم بن قيس » : 613 ؛ « مجمع الزوائد » 1 : 195 ، ح 115.

وعمل بالأركان.

وقال طائفة : هو التصديق مع كلمتي الشهادة. ويروى هذا عن أبي حنيفة (1).

ولعلّ هذا هو مراد المصنّف حيث قال : ( تصديق بالقلب واللسان ، ولا يكفي الأوّل يعني التصديق بالقلب وحده ليس إيمانا ؛ لقوله تعالى : وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ (2) ). أثبت للكفّار الاستيقان النفسي وهو التصديق القلبي ، فلو كان الإيمان هو التصديق القلبي لزم اجتماع الكفر والإيمان ، ولا شكّ أنّهما يتقابلان. ( ولا يكفي الثاني ) يعني الإقرار باللسان لقوله تعالى : ( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا ) قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا (3). ولقوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) (4). فقد أثبت في هاتين الآيتين التصديق اللساني ونفى الإيمان. فعلم أنّ الإيمان ليس هو التصديق اللساني فقط.

وللأشاعرة الآيات الدالّة على محلّيّة القلب للإيمان نحو : ( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (5) ، ( وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (6) ، ( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (7). ومن ذلك الآيات الدالّة على الختم والطبع على القلوب ، وكونها في أكنّة ؛ فإنّها واردة على سبيل البيان لامتناع الإيمان منه. ويؤيّده دعاء النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « اللّهمّ ثبّت قلبي على دينك » (8).

وقوله صلی اللّه علیه و آله لأسامة وقد قتل من قال : لا إله إلاّ اللّه : « هلاّ شققت قلبه » (9).

ص: 322


1- انظر « شرح المواقف » 8 : 322 - 323.
2- النمل (27) : 14.
3- الحجرات (49) : 14.
4- البقرة (2) : 8.
5- المجادلة (58) : 22.
6- الحجرات (49) : 14.
7- النحل (16) : 106.
8- « بحار الأنوار » 66 : 139 ؛ « سنن ابن ماجة » 2 : 1260 ، ح 3834.
9- « الجمل » : 94 ؛ « بحار الأنوار » 65 : 248 ؛ « فتح الباري » 12 : 240.

فإذا ثبت أنّه فعل القلب وجب أن يكون عبارة عن التصديق ؛ لأنّ فعل القلب إمّا التصديق وإمّا المعرفة ، والثاني باطل ؛ لأنّه على ذلك التقدير يكون منقولا عن معناه اللغوي ، وكان على الشارع أن يبيّن النقل بالتوقيف كما بيّن نقل الصلاة والزكاة وأمثالهما ، ولو نقل لاشتهر اشتهار نظائره. بل كان هو بذلك أولى ، لكنّ الشارع لم يزد على أن قال : « الإيمان أن تؤمن باللّه وملائكته ». الحديث (1) كما نقلنا عنه صلی اللّه علیه و آله آنفا.

والدليل على أنّ الأعمال خارجة عن الإيمان أنّه جاء الإيمان مقرونا بالعمل الصالح معطوفا هو عليه في غير موضع من الكتاب نحو : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (2) ، و ( مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً ) (3). وظاهر أنّ الشيء لا يعطف على نفسه.

وأيضا قد قرن الإيمان بضدّ العمل الصالح نحو : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (4) فأثبت الإيمان مع وجود القتال ، وظاهر أنّ الشيء لا يمكن اجتماعه مع ضدّه ولا مع ضدّ جزئه.

( والكفر عدم الإيمان ) عمّا من شأنه. وهذا معنى عدم تصديق النبيّ صلی اللّه علیه و آله في بعض ما علم مجيئه به بالضرورة. والظاهر أنّ هذا أعمّ من تكذيبه صلی اللّه علیه و آله في شيء ممّا علم مجيئه به ، على ما ذكر الإمام الغزالي ؛ لشموله الكافر الخالي عن التصديق والتكذيب.

وإلى هذا أشار بقوله : ( إمّا مع الضدّ أو بدونه ) يعني أنّ عدم الإيمان أعمّ من أن يكون مقارنا لضدّ الإيمان وهو التكذيب ، أو لا يكون مقارنا لضدّ الإيمان وهو التكذيب ، أو لا يكون مقارنا لضدّ الإيمان ، بأن يخلو عن كلا الضدّين.

واعتذار الإمام الرازي - بأنّ من جملة ما جاء به النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّ تصديقه واجب في

ص: 323


1- تقدّم في ص 321 ، التعليقة 6.
2- البقرة (2) : 25 ؛ آل عمران (3) : 57 ؛ النساء (4) : 57.
3- التغابن (64) : 9 ؛ الطلاق (65) : 11.
4- الحجرات (49) : 9.

كلّ ما جاء به ، فمن لم يصدّقه فقد كذّبه في ذلك - ضعيف ؛ لظهور المنع.

فإن قيل : من استخفّ بالشرع أو الشارع أو ألقى المصحف في القاذورات أو شدّ الزنّار (1) بالاختيار كافر بالإجماع وإن كان مصدّقا للنبيّ صلی اللّه علیه و آله في جميع ما جاء به ، وحينئذ لا يكون حدّ الإيمان مانعا ولا حدّ الكفر جامعا. وإن جعلت ترك المأمور به وارتكاب المنهيّ عنه علامة التكذيب وعدم التصديق لم يكن حدّ الإيمان جامعا ؛ لخروج غير الكفرة من الفسّاق عنه ، ولا حدّ الكفر مانعا ؛ لدخوله فيه.

قلنا : لو سلّم اجتماع التصديق المعتبر في الإيمان مع تلك الأمور التي هي كفر وفاقا فيجوز أن يجعل بعض محظورات الشرع علامة التكذيب فيه ، فيحكم بكفر من ارتكبه ، وبوجود التكذيب فيه ، وانتفاء التصديق عنه كالاستخفاف بالشرع وشدّ الزنّار ، وبعضها لا كالزنى وشرب الخمر. ويتفاوت ذلك إلى متّفق عليه ، ومختلف فيه ، ومنصوص عليه ، ومستنبط من الدليل. وتفاصيله في كتب الفروع.

( والفسق : الخروج عن طاعة اللّه تعالى مع الإيمان. والنفاق : إظهار الإيمان وإخفاء الكفر. والفاسق مؤمن لوجود حدّه فيه ) خلافا للمعتزلة في مرتكب الكبيرة ، فإنّه عندهم لا مؤمن ولا كافر بل هو في منزلة بين المنزلتين.

( والأمر بالمعروف ) وهو الحمل على الطاعة سواء كان بالقول أو بالفعل ( الواجب واجب ، وكذا النهي عن المنكر ) وهو المنع عن فعل المعاصي قولا أو فعلا واجب ( و) الأمر ( بالمندوب مندوب ) وكذا النهي عن المكروه مندوب ( سمعا ).

اختلفوا في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنّه بحسب الشرع أو بحسب العقل؟ فذهب الجبائي وابنه إلى وجوبهما عقلا (2).

وذهب الأشاعرة إلى وجوبهما شرعا. واختاره المصنّف فقال : إنّهما واجبان سمعا.

ص: 324


1- الزنّار والزنّارة : « ما على وسط المجوسي والنصراني. وفي « التهذيب » : ما يلبسه الذي يشدّه على وسطه ».
2- حكاه القاضي عبد الجبّار عن أبي عليّ الجبائي في « شرح الأصول الخمسة » : 742.

والدليل عليه الإجماع ؛ فإنّ القائل قائلان : قائل بوجوبه مطلقا ، وقائل بوجوبه باستنابة الإمام ، فقد اتّفق الكلّ على وجوبه في الجملة ، والكتاب كقوله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (1). والأمر ظاهر في الوجوب.

والسنّة كقوله صلی اللّه علیه و آله : « لتأمرنّ بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليسلّطنّ شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم » (2). توعّد على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو دليل الوجوب ( وإلاّ ) أي وإن لم يجبا شرعا بل وجبا عقلا ( لزم ما هو خلاف الواقع أو الإخلال بحكمة اللّه تعالى ) واللازم ظاهر الفساد.

بيان الملازمة : أنّهما لو وجبا عقلا لوجب على اللّه ؛ لأنّ كلّ واجب عقلي فهو واجب على من حصل في حقّه وجه الوجوب. ولو كانا واجبين على اللّه ، فإن كان فاعلا لهما وجب وقوع المعروف وترك المنكر ، فيلزم خلاف الواقع ، وإن كان تاركا لهما يلزم الإخلال بحكمة اللّه ؛ لأنّه تعالى أخلّ بالواجب العقلي.

( وشرطهما علم فاعلهما بالوجه ) أي شرط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون فاعلهما عالما بأنّ ما يأمر به معروف وأنّ ما ينهى عنه منكر ، وأنّ ذلك ليس من المسائل الاجتهاديّة التي اختلف فيها اعتقاد الآمر والمأمور والناهي والمنهيّ. ( وتجويز التأثير ) أي شرطه الآخر أن يجوّز في ظنّه تأثير أمره ونهيه وإفضائهما إلى المقصود ، فإنّه إذا لم يظنّ أنّهما يفضيان إلى المقصود لا يجبان عليه.

( و ) الشرط الآخر تجويز انتفاء المفسدة ، أي أن يظنّ أن لا مفسدة لا بالنسبة إليه ولا بالنسبة إلى بعض إخوانه ؛ إذ لو انتفى هذا الظنّ لا وجوب عليه.

وينبغي أن لا يتجسّس عن أحوال الناس ؛ للكتاب والسنّة.

ص: 325


1- آل عمران (3) : 104.
2- « تهذيب الأحكام » 6 : 176 ، ح 352 ، نحوه.

أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( وَلا تَجَسَّسُوا ) (1). وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ) . الآية (2) ؛ فإنّه يدلّ على حرمة السعي في إظهار الفاحشة ، ولا شكّ أن التجسّس سعي في إظهارها.

وأمّا السنّة فقوله علیه السلام : « من تتبّع عورة أخيه ، تتبّع اللّه عورته ، ومن تتبّع اللّه عورته ، فضحه على رءوس الأشهاد الأوّلين والآخرين » (3).

وقوله علیه السلام : « من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليسترها يستره اللّه » (4). وأيضا قد علم من سيرته علیه السلام أنّه كان لا يتجسّس عن المنكرات بل يسترها ويكره إظهارها.

ثمّ إنّه فرض كفاية لا فرض عين ، فإذا قام به قوم سقط عن الآخرين ، وإذا ظنّ كلّ طائفة أنّه لم يقم به الآخر أثم الكلّ بتركه » (5).

وصل : هذه الاعتقاد من أصول المذهب والدين ، ومنكره خارج عن المذهب والدين ؛ إذ الاعتقاد بما ذكر إجمالا من أصول الدين وتفصيلا باعتبار بعض الاعتقادات المذكورة كالاعتقاد بالشفاعة والعفو بنحوها ، ردّا على الوعيديّة القائلين بلزوم الوعيد على اللّه وعدم جواز العفو بنحوها وأمثال ذلك من أصول المذهب ، فالمخالف قد يكون خارجا عن المذهب ، وقد يكون خارجا عن الدين ، ويعرف ذلك بالتأمّل فيما ذكرنا وفصّلنا ، والتدبّر فيما أشرنا وحصّلنا ؛ فإنّ العاقل تكفيه الإشارة ، والجاهل لا تفي [ له ] العبارة.

ص: 326


1- الحجرات (49) : 12.
2- النور (24) : 19.
3- « الكافي » 2 : 354 ، باب من طلب عثرات المؤمنين ، ح 2 ؛ « الدرّ المنثور » 7 : 568 - 569.
4- « بحار الأنوار » 69 : 254 ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد 18 : 177.
5- « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : 393 - 395.

تكميل

اشارة

ذكره جميل ؛ فإنّه تنبّه للغافلين ، وتبصرة للجاهلين ، وتذكرة للكاملين.

اعلم أنّه قد ذكر في البحار أخبار متعلّقة بالمعاد ينبغي أن نذكرها - مضافا إلى ما ذكرناه - في عدّة فصول :

فصل [1] : في الموت.

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنه قال : « علامة الكبر ثلاث : كلال البصر ، وانحناء الظهر ، ورقّة القدم » (1).

ومنها ما روي عنه علیه السلام أنه قال : « أتوا نبيّا لهم فقالوا : ادع لنا ربّك يرفع عنّا الموت ، فدعا لهم ، فرفع اللّه تعالى عنهم الموت ، وأكثروا حتّى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل ، وكان الرجل يصبح فيحتاج أن يطعم أباه وأمّه وجدّه وجدّ جدّه ، ويوضّيهم ويتعاهدهم ، فشغلوا عن طلب المعاش ، فأتوه فقالوا : سل ربّك أن يردّنا إلى آجالنا التي كنّا عليها ، فسأل ربّه عزّ وجلّ فردّهم إلى آجالهم » (2).

ومنها ما روي عنه علیه السلام : « إنّ الموت رحمة لعباده المؤمنين ، ونقمة على الكافرين » (3).

ص: 327


1- « بحار الأنوار » 6 : 119 ، ح 1 ، نقلا عن « الخصال » : 88 ، ح 23.
2- « بحار الأنوار » 6 : 116 ، ح 1 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 412 ، المجلس 77 ، ح 2.
3- « بحار الأنوار » 6 : 117 - 118 ، ح 4 ، نقلا عن « علل الشرائع » 1 : 132 ، باب 96 باب علّة الطبائع ... ، ح 5.

ومنها : ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « لو لا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شيء : المرض ، والموت ، والفقر ، وكلّهنّ فيه ، وإنّه لمعهنّ وثّاب » (1).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال ، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممّن يعيش بالأعمار » (2). وعن الصادق علیه السلام مثله (3).

ومنها : ما روي عنه علیه السلام أنّه قال : « إنّما صار الإنسان يأكل ويشرب بالنار ، ويبصر ويعمل بالنور ، ويسمع ويشمّ بالريح ، ويجد الطعام والشراب بالماء ، ويتحرّك بالروح - وساق الحديث إلى أن قال : - فهكذا الإنسان خلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة ، فإذا جمع اللّه بينهما صارت حياته في الأرض ؛ لأنّه نزل من شأن السماء إلى الدنيا ، فإذا فرّق اللّه بينهما صارت تلك الفرقة الموت ، تردّ شأن الأخرى إلى السماء ، فالحياة في الأرض والموت في السماء ؛ وذلك لأنّه يفرّق بين الأرواح والجسد ، فردّت الروح والنور إلى القدس الأولى ، وترك الجسد ؛ لأنّه من شأن الدنيا.

وإنّما فسد الجسد في الدنيا ؛ لأنّ الريح تنشف الماء فييبس ويبقى الطين فيصير رفاتا ويبلى ، ويرجع كلّ إلى جوهره الأوّل. وتحرّكت الروح بالنفس حركتها من الريح ، فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيّد بالعقل ، وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيّد بالنكر ، فهذه صورة نار وهذه صورة نور. والموت رحمة من اللّه تعالى لعباده المؤمنين » (4).

ومنها : ما روي « ما أكثر ذكر الموت إنسان إلاّ زهد في الدنيا » (5).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « لمّا أراد اللّه - تبارك وتعالى - قبض روح إبراهيم أهبط اللّه ملك الموت فقال : السّلام عليك يا إبراهيم ، قال :

ص: 328


1- « بحار الأنوار » 6 : 118 ، ح 5 ، نقلا عن « الدعوات » للراوندي : 171 ، فصل في صلاة المريض وصلاحه.
2- « بحار الأنوار » 5 : 140 ، ح 6.
3- « بحار الأنوار » 5 : 140 ، ح 6 ، نقلا عن « مجموعة ابن ورّام » 2 : 87.
4- « بحار الأنوار » 6 : 117 ، ح 4 ، نقلا عن « علل الشرائع » 1 : 131 - 132 ، باب 96 ، باب علّة الطبائع ... ، ح 5.
5- « بحار الأنوار » 6 : 126 ، ح 3 ، نقلا عن « كتاب الزهد » لحسين بن سعيد : 78 ، ح 210.

وعليك السّلام يا ملك الموت ، أداع أم ناع؟ قال : بل داع يا إبراهيم ، فأجب ، قال إبراهيم : فهل رأيت خليلا يميت خليله؟

قال : فرجع ملك الموت حتّى وقف بين يدي اللّه ، فقال : إلهي قد سمعت خليلك إبراهيم ، فقال اللّه جلّ جلاله : اذهب إليه وقل : هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه! إنّ الحبيب يحبّ لقاء حبيبه » (1).

ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه كتب لمحمّد بن أبي بكر : « عباد اللّه ، إنّ الموت ليس منه فوت فاحذروا قبل وقوعه ، فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات ، وكفى بالموت واعظا ، وكان رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول : أكثروا ذكر الموت فإنّه هادم اللذّات ، حائل بينكم وبين الشهوات » (2).

ومنها : ما روي عن أبي محمّد العسكري عن آبائه علیهم السلام قال : « جاء رجل إلى الصادق علیه السلام فقال : قد سئمت الدنيا فأتمنّى على اللّه الموت ، فقال علیه السلام : تمنّ الحياة لتطيع لا لتعصي ، فلأن تعيش فتطيع خير لك من أن تموت فلا تعصي ولا تطيع » (3).

ومثله ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال لمن عاده وهو شاكّ فتمنّى الموت : « لا تمنّ الموت ، فإنّك إن تك محسنا تزدد إحسانا إلى إحسانك ، وإن كنت مسيئا فتؤخّر لتستغفر » (4). .

فصل [2] : في ملك الموت الذي قال اللّه تعالى في حقّه : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )

فصل [2] : في ملك الموت الذي قال اللّه تعالى في حقّه : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (5). ونحوه ممّا فسّر بأنّ اللّه المحيي المميت

ص: 329


1- « بحار الأنوار » 6 : 127 ، ح 8 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 164 ، المجلس 36 ، ح 1.
2- « بحار الأنوار » 6 : 132 ، ح 30 ، نقلا عن « الأمالي » للطوسي : 27 ، المجلس 1 ، ح 31.
3- « بحار الأنوار » 6 : 128 ، ح 15 ، نقلا عن « عيون أخبار الرضا » 2 : 3 ، باب 30 ، ح 3.
4- « بحار الأنوار » 6 : 128 ، ح 16 ، نقلا عن « الأمالي » للطوسي : 385 ، المجلس 13 ، ح 837.
5- السجدة (32) : 11.

على يدي من يشاء من عباده ، وأنّه جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة.

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « ما من أهل بيت شعر ولا وبر إلاّ وملك الموت يتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرّات » (1).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام عن لحظة ملك الموت ، قال : « أما رأيت الناس يكونون جلوسا فتعتريهم السكتة فما يتكلّم أحد منهم؟ فتلك لحظة ملك الموت حيث يلحظهم » (2).

ومنها : ما روي عن الصادق علیه السلام أنّه قال : قيل لملك الموت : كيف تقبض الأرواح وبعضها في المغرب وبعضها في المشرق في ساعة واحدة؟ فقال : إنّ الدنيا بين يديّ كالقصعة بين يدي أحدكم يتناول منها ما شاء ، والدنيا عندي كالدرهم في كفّ أحدكم يقلّبه كيف شاء » (3).

ومنها : ما روي عن غيرهم من الأئمّة علیهم السلام .

فصل [3] : في سكرات الموت

وفيه أخبار :

منها : ما روي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه عزّ وجلّ أن لا يميته ما أماته أبدا ، ولكن إذا حضر أجله بعث اللّه عزّ وجلّ إليه ريحين : ريحا يقال له : المنسية ، وريحا يقال له : المسخيّة. فأمّا المنسية فإنّها تنسيه أهله وماله ، وأمّا المسخيّة فإنّها تسخّي نفسه عن الدنيا حتّى يختار ما عند اللّه تبارك وتعالى » (4).

ص: 330


1- « بحار الأنوار » 6 : 143 ، ح 10 ، نقلا عن « الكافي » 3 : 256 ، باب النوادر من كتاب الجنائز ، ح 22.
2- « بحار الأنوار » 6 : 143 - 144 ، ح 11 ، نقلا عن « الكافي » : 259 ، ح 31.
3- « بحار الأنوار » 6 : 144 ، ح 13 ، نقلا عن « الفقيه » 1 : 80 ، ح 357.
4- « بحار الأنوار » 6 : 153 ، ح 7 ، نقلا عن « معاني الأخبار » : 142 - 143 ، باب معنى الريح المنسية والمسخيّة ؛ و « الكافي » 3 : 127 ، باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه ، ح 1.

ومنها : ما روي عن عليّ بن الحسين علیه السلام أنّه قال : « أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث : الساعة التي يعاين فيها ملك الموت ، والساعة التي يقوم من قبره ، والساعة التي يقف بين يدي اللّه. فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار » (1).

ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام أنّه سئل عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَقِيلَ مَنْ راقٍ ) ، قال : « ذاك قول ابن آدم إذا حضره الموت ، قال : هل من طبيب؟ هل من دافع؟ قال : ( وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ ) ، يعني فراق الأهل والأحبّة عند ذلك ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) ، التفّت الدنيا بالآخرة قال : ( إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ) ، يعني المصير » (2).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام : « ابتلى اللّه أحدهم في جسده ، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلاّ ضيّق اللّه عليه في رزقه. فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه ، وإلاّ شدّ اللّه عليه عند موته حتّى يأتي اللّه ولا ذنب له ، ثمّ يدخله الجنّة » (3).

ومنها : ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « إذا رضي اللّه عن عبد ، قال : يا ملك الموت ، اذهب إلى فلان فأتني بروحه حسبي من عمله ، قد بلوته فوجدته حيث أحبّ ، فينزل ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة معهم قضبان الرياحين وأصول الزعفران ، كلّ واحد منهم يبشّره ببشارة سوى بشارة صاحبه ، ويقوم الملائكة صفّين لخروج روحه ، معهم الرياحين ، فإذا نظر إليهم إبليس وضع يده على رأسه ثمّ صرخ ، فيقول له جنوده : ما لك يا سيّدنا؟ فقال : أما ترون ما أعطي هذا العبد من الكرامة؟ أين كنتم عن هذا؟ قالوا : جهدنا به فلم يطعنا » (4).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّ أمير المؤمنين علیه السلام اشتكى عينه فعاده

ص: 331


1- « بحار الأنوار » 6 : 159 ، ح 19 ، نقلا عن « الخصال » 1 : 119 ، ح 108.
2- « بحار الأنوار » 6 : 159 ، ح 20 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 253 ، المجلس 51 ، ح 1 ؛ و « الكافي » 3 : 359 ، باب النوادر من كتاب الجنائز ، ح 32. والآيات في سورة القيامة 2. : 27 - 30.
3- « بحار الأنوار » 6 : 160 - 161 ، ح 26 ، نقلا عن « المحاسن » 1 : 275 ، باب تطهير المؤمن ، ح 538.
4- « بحار الأنوار » 6 : 161 ، ح 29 ، نقلا عن « جامع الأخبار » : 170 - 171 ، الفصل 136.

النبيّ صلی اللّه علیه و آله فإذا هو يصيح ، فقال له النبيّ صلی اللّه علیه و آله : أجزعا أم وجعا؟ فقال : يا رسول اللّه ، ما وجعت وجعا قطّ أشدّ منه ، فقال : إنّ ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر ، نزل ومعه عمود (1) من نار فنزع روحه به فتصيح جهنّم ، فاستوى عليّ علیه السلام جالسا ، فقال : هل يصيب ذلك أحدا من أمّتك؟ قال : نعم ، حاكم جائر ، وآكل مال اليتيم ظلما ، وشاهد زور (2) ».

ومنها : ما روي عن أبي جعفر علیه السلام : « إنّ فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبّدين بقبر فدعوا اللّه أن يجيبهم صاحب القبر أنّه كيف وجد طعم الموت؟ فخرج رجل أبيض الرأس واللحية ينفض رأسه من التراب ، فقالوا : كيف وجدت طعم الموت؟ فقال لهم : لقد سكنت في قبري تسعا وتسعين سنة ما ذهب عنّي ألم الموت وكربه ، ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقي » (3).

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه : « ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلاّ ويحضره رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأمير المؤمنين علیه السلام والحسن والحسين علیهماالسلام فيرونه ويبشّرونه ، وإن كان غير موال لنا يراهم بحيث يسوؤه » (4).

وعن أمير المؤمنين :

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا (5)

ومنها : ما روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « إنّ المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأهل بيته : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام وجميع الأئمّة علیهم السلام وجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، فيقول

ص: 332


1- في المصدر « سفّود » بدل « عمود ».
2- « بحار الأنوار » 6 : 170 ، ح 46 ، نقلا عن « الكافي » 3 : 253 ، باب النوادر من كتاب الجنائز ، ح 10.
3- « بحار الأنوار » 6 : 171 ، ح 48 ، نقلا عن « الكافي » 3 : 260 ، ح 38.
4- « بحار الأنوار » 6 : 180 - 181 ، ح 8 ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » 2 : 265 ، ذيل الآية 30 - 31 من سورة فصّلت (41).
5- « بحار الأنوار » 6 : 181 ، نقلا عن « الأمالي » للمفيد : 7 ، المجلس 1 ، ح 3.

عليّ بن أبي طالب علیه السلام : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، إنّه كان ممّن يحبّنا ويتولاّنا فأحبّه ، فيقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا جبرئيل ، إنّه كان ممّن يحبّ عليّا وذريّته فأحبّه ، وقال جبرئيل علیه السلام لميكائيل علیه السلام وإسرافيل مثل ذلك ، ثمّ يقولون جميعا لملك الموت : إنّه كان ممّن يحبّ محمّدا صلی اللّه علیه و آله ويتولّى عليّا وذرّيّته فارفق به ، فيقول ملك الموت : والذي اختاركم وكرّمكم واصطفى محمّدا صلی اللّه علیه و آله بالنبوّة وخصّه بالرسالة لأنا أرفق به من والد رفيق ، وأرفق من أخ شفيق.

ثمّ قام إليه ملك الموت ، فيقول : يا عبد اللّه ، أخذت فكاك رقبتك ، افتح عينيك فانظر إلى ما عندك ، فيفتح عينيه فينظر إليهم واحدا واحدا ، ويفتح له باب الجنّة فينظر إليها فيقول له : هذا ما أعدّ اللّه لك وهؤلاء رفقاؤك ، أفتحبّ لقاءهم أو الرجوع إلى الدنيا؟ فيقول : يرجع حاجبيه إلى فوق من قوله : لا حاجة لي إلى الدنيا ولا الرجوع إليها ، ويناديه مناد من بطنان العرش يسمعه : يا أيّتها النفس المطمئنّة إلى محمّد ووصيّه والأئمّة من بعده ارجعي إلى ربّك راضية بالولاية مرضيّة بالثواب ، فادخلي في عبادي مع محمّد وأهل بيته ، وادخلي جنّتي غير مشوبة » (1).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام : « إنّ اللّه يأمر ملك الموت فيردّ نفس المؤمن ليهوّن عليه ويخرجها من أحسن وجهها ، فيقول الناس : لقد شدّد على فلان الموت ، وذلك تهوين من اللّه عزّ وجلّ عليه و [ قال : يصرف عنه ] (2) إذا كان ممّن سخط اللّه عليه أو ممّن أبغض اللّه أمره أن يجذب الجذبة التي بلغتكم [ بمثل السفّود من الصوف المبلول ] (3) فيقول الناس : لقد هوّن على فلان الموت » (4).

وعنه علیه السلام : « إذا بلغت نفس أحدكم هذا ، قيل له : أمّا ما كنت تحزن من همّ الدنيا

ص: 333


1- « بحار الأنوار » 6 : 162 - 163 ، ح 31 ، نقلا عن « تفسير فرات الكوفي » 2 : 553 - 554 ، ح 708 ، ذيل الآية 27 - 30 من سورة الفجر (89).
2- الزيادة أضفناها من المصدرين.
3- الزيادة أضفناها من المصدرين.
4- « بحار الأنوار » 6 : 166 ، ح 35 ، نقلا عن « الكافي » 3 : 135 ، باب إخراج روح المؤمن والكافر ، ح 1.

وحزنها فقد أمنت منه ، ويقال له : أمامك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ وفاطمة » (1).

وفي الآخر زيادة : « الحسن والحسين علیهماالسلام » (2).

وفي الآخر : « أمامك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله والأئمّة علیهم السلام » (3).

« ثمّ يسلّ نفسه سلاّ رفيقا ، ثمّ ينزل بكفنه من الجنّة وحنوط من الجنّة فيكفّن بذلك الكفن ويحنّط بذلك الحنوط ، ثمّ يكسى حلّة صفراء من حلل الجنّة ، فإذا وضع في قبره فتح اللّه بابا من أبواب الجنّة يدخل بها من روحها وريحانها ، ثمّ يقال له : نم نومة العروس على فراشها.

وأنّه يقول للمبغض : أبشر يا عدوّ اللّه بسخط اللّه عزّ وجلّ وعذابه والنار ، ثمّ يسلّ نفسه عنيفا ، ثمّ يوكّل بروحه ثلاثمائة شيطان كلّهم يبزق في وجهه ويتأذّى بروحه ، فإذا وضع في قبره ، فتح له باب من أبواب النار ، فيدخل عليه من قيحها ولهبها » (4).

إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة الدالّة على حضور النبيّ والأئمّة علیهم السلام عند الموت.

والإيراد بأنّه خلاف الحسّ والعقل ؛ لأنّا لا نراهم ، مع أنّه يمكن موت آلاف من الناس في آن واحد في مشارق الأرض ومغاربها ، ولا يمكن حضور جسم واحد في زمان واحد في أمكنة متعدّدة ، مدفوع بأنّ اللّه قادر أن يحجبهم عن أبصارنا ؛ لضرب من المصلحة ، وأنّه يمكن حضورهم بجسد مثالي لطيف لا يراه غير المحتضر.

وعلى هذا يمكن أن تكون لهم أجساد مثاليّة كثيرة يتصرّفون فيها بالقدرة الكاملة التي أعطاهم اللّه ، وبها امتازوا عن سائر البشر ، فتدبّر.

ص: 334


1- « بحار الأنوار » 6 : 184 ، ح 17 ، نقلا عن « المحاسن » 1 : 280 ، باب الاغتباط عند الوفاة ، ح 552.
2- المصدرين السابقين.
3- « بحار الأنوار » 6 : 184 ، ذيل ح 18.
4- « بحار الأنوار » 6 : 198 - 199 ، ح 51 ، مقطع من الحديث المرويّ في « الكافي » 3 : 131 - 132 ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح 4.
فصل [4] : فيما ورد لبيان أحوال القبر والبرزخ وفيه أخبار كثيرة مضافا إلى الآيات :

منها : كقوله تعالى : ( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (1) الذي قيل في بيانه : إنّ البرزخ هو أمر بين أمرين ، هو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة (2).

وعن عليّ بن الحسين علیه السلام تفسيره : « بالقبر ، وإنّ لهم فيه لمعيشة ضنكا » (3).

وعن الصادق علیه السلام : « واللّه ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ ، فأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم » (4).

وعنه علیه السلام : « البرزخ هو القبر » (5).

وعن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال : « لا يبقى ميّت في شرق ولا غرب ولا في برّ ولا في بحر إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين علیه السلام بعد الموت ، يقولان للميت : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟ » (6).

وعنه علیه السلام أنّه « قام على قبر رقيّة بنته فرفع يده تلقاء السماء ودمعت عيناه ، فسئل علیه السلام عن ذلك فقال : إنّي سألت ربّي أن يهب لي رقيّة من ضمّة القبر » (7).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ) .

قال : في قبره ( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) قال في الآخرة : ( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ

ص: 335


1- المؤمنون (23) : 100.
2- « تفسير عليّ بن إبراهيم » 2 : 94 ، ذيل الآية 100 من سورة المؤمنون (23).
3- « بحار الأنوار » 6 : 159 ، ح 19 ، نقلا عن « الخصال » 1 : 119 ، ح 108.
4- « بحار الأنوار » 6 : 214 ، ح 2 ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » 2 : 94 ، ذيل الآية 100 من سورة المؤمنون (23).
5- « بحار الأنوار » 6 : 267 ، ح 116 ، نقلا عن « الكافي » 3 : 242 ، باب ما ينطق به موضع القبر ، ح 3.
6- « بحار الأنوار » 6 : 216 ، ح 6.
7- « بحار الأنوار » 6 : 217 ، ح 10 ، نقلا عن « كتاب الزهد » : 87 ، باب المسألة في القبر ، ح 234.

* فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) في الآخرة » (1).

وعن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : « ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم » (2).

وعن الصادق علیه السلام : « من مات بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين ، أعاذه اللّه من ضغطة القبر » (3).

وعن عليّ علیه السلام : « عذاب القبر يكون من النميمة والبول وعزب الرجل من أهله » (4).

وعن الصادق علیه السلام : « إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره ، فإذا أدخل قبره أتاه منكر ونكير فيقعدانه ، فيقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول : ربّي اللّه ، ومحمّد نبيّي ، والإسلام ديني ، فيفسحان له في قبره مدّ بصره ، ويأتيانه بالطعام من الجنّة ، ويدخلان عليه الروح والريحان.

وإذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانية إلى قبره ، وإنّه يقول : لو أنّ لي كرّة فأكون من المؤمنين ، ويقول : ارجعون لعلّي أعمل صالحا فيما تركت ، فتجيبه الزبانية : كلاّ إنّها كلمة أنت قائلها - وبعد السؤال وعدم القدرة على الجواب - يضربانه ضربة من عذاب اللّه ، ثمّ يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه الحميم من جهنّم » (5).

وعنه علیه السلام : « من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج والمساءلة في القبر ، والشفاعة » (6).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ سؤال القبر حقّ.

ص: 336


1- « بحار الأنوار » 6 : 217 ، ح 11 ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » 2 : 350 ، ذيل الآية 88 - 89 و 92 - 94 من سورة الواقعة (56).
2- « بحار الأنوار » 6 : 221 ، ح 16 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 434 ، المجلس 80 ، ح 2.
3- « بحار الأنوار » 6 : 221 ، ح 17 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 238 ، المجلس 47 ، ح 11.
4- « بحار الأنوار » 6 : 222 ، ح 21 ، نقلا عن « علل الشرائع » 1 : 360 ، باب العلّة التي من أجلها يكون عذاب القبر ، ح 2.
5- « بحار الأنوار » 6 : 222 - 223 ، ح 22 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 239 ، المجلس 48 ، ح 12.
6- « بحار الأنوار » 6 : 223 ، ح 23 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 242 ، المجلس 49 ، ح 5.

وعنه علیه السلام : « إنّ أطفال شيعتنا من المؤمنين تربّيهم فاطمة علیهاالسلام » (1).

وفي حديث المعراج أنّه « لمّا أسري بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله مرّ على شيخ قاعد تحت شجرة وحوله أطفال ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : من هذا الشيخ يا جبرئيل؟ قال : هذا أبوك إبراهيم علیه السلام ، قال : فما هؤلاء الأطفال حوله؟ قال هؤلاء أطفال المؤمنين حوله يغذوهم » (2).

وعنه علیه السلام : « من مات يوم الجمعة كتب له براءة من ضغطة القبر » (3).

وعن أبي جعفر علیه السلام : « من مات ليلة الجمعة كتب اللّه له براءة من عذاب النار ، ومن مات يوم الجمعة أعتق من النار » (4).

وعن النّبيّ صلی اللّه علیه و آله : « من مات يوم الجمعة [ أو ليلة الجمعة ] رفع عذاب القبر عنه » (5).

وعنه علیه السلام من جعل معه الجريدة [ قال ] : « يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا » (6).

وعن النبيّ صلی اللّه علیه و آله أنّه قال لبعض أصحابه : « كيف أنت إذا أتاك فتّانا القبر؟ » فقال يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ما فتّانا القبر؟ قال : « ملكان فظّان غليظان ، أصواتهما كالرعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف ، يطئان في أشعارهما ، ويحفران الأرض بأنيابهما فيسألانك » ، قال : وأنا على مثل هذه الحال؟ قال : « وأنت على مثل حالك هذه ، فقال : إذن أكفيهما » (7).

وعن النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّهم يسألون عن ولاية عليّ علیه السلام في قبورهم ، فلا يبقى ميّت في

ص: 337


1- « بحار الأنوار » 6 : 229 ، ح 34 ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » 2 : 332 ، ذيل الآية 21 من سورة الطور (52).
2- « بحار الأنوار » 6 : 229 ، ح 33 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 365 ، المجلس 69 ، ح 2.
3- « بحار الأنوار » 6 : 230 ، ح 36 ، نقلا عن « المحاسن » 1 : 131 ، باب ثواب يوم الجمعة ، ح 157.
4- « بحار الأنوار » 6 : 230 ، ح 37 ، نقلا عن « المحاسن » 1 : 133 ، باب من مات يوم الجمعة وليلتها ، ح 164.
5- « بحار الأنوار » 6 : 230 ، ح 38.
6- « بحار الأنوار » 6 : 215 ، ح 3 ، نقلا عن « الكافي » 3 : 152 ، باب الجريدة ، ح 4.
7- « بحار الأنوار » 6 : 215 - 216 ، ح 5.

شرق ولا غرب ولا في برّ ولا في بحر إلاّ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين علیه السلام بعد الموت ، يقولون للميّت : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟ » (1).

وعن الصادق علیه السلام قال : « الجريدة تنفع المؤمن والكافر » (2).

وسأل زنديق الصادق علیه السلام عن مسائل إلى أن قال : أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره؟ قال : « يذهب فلا يعود ».

قال : فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه إذا انطفأ؟ قال : « لم تصب القياس ، إنّ النار في الأجسام كامنة والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد ، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت من بينهما نار يقتبس منها سراج له الضوء ، فالنار ثابتة في أجسامها ، والضوء ذاهب ، والروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا ، وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت ، إنّ الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف ، وركّب فيه ضروبا مختلفة من عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك هو يحييه بعد موته ، ويعيده بعد فنائه ».

قال : فأين الروح؟ قال : « في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث ».

فمن صلب أين روحه؟ قال : « في كفّ الملك الذي قبضها حتّى يودعها الأرض ».

قال : أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟ قال : « بل هو باق إلى يوم ينفخ في الصور. فعند ذلك تبطل الأشياء فتفنى ، فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ أعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق ، وذلك بين النفختين » (3).

ص: 338


1- المصدر السابق : 216 ، ح 6.
2- « بحار الأنوار » 6 : 216 ، ح 7 ، نقلا عن « الكافي » 3 : 151 ، باب الجريدة ، ح 1.
3- « بحار الأنوار » 6 : 216 ، ح 8 ، نقلا عن « الاحتجاج » 2 : 349 - 350.

أقول : تمام الخبر مشروح في كتاب الاحتجاجات (1).

اعلم : أنّه وردت في الكافي أخبار متعلّقة بهذا الباب ينبغي ذكرها وإن ذكر بعضها في الأصل ، فأقول : قال : باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه

[1] أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن أبي محمّد الأنصاري ، قال : وكان خيّرا ، قال : حدّثني أبو اليقظان عمّار الأسدي ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ما أماته أبدا ، ولكن إذا حضر أجله بعث اللّه عزّ وجلّ إليه ريحين : ريحا يقال لها : المنسية ، وريحا يقال لها : المسخيّة. فأمّا المنسية فإنّها تنسيه أهله وماله ، وأمّا المسخيّة فإنّها تسخّي نفسه عن الدنيا حتّى يختار ما عند اللّه » (2).

[2] عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن سدير الصيرفي قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداك يا ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال : « لا ، واللّه إنّه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك ، فيقول له ملك الموت : يا وليّ اللّه ، لا تجزع ، فو الذي بعث محمّدا صلی اللّه علیه و آله لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك ، افتح عينيك فانظر.

قال : ويمثّل له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ذرّيّتهم علیهم السلام فيقال له : هذا رسول اللّه وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة علیهم السلام رفقاؤك. قال : فيفتح عينيه ، فينظر ، فينادي روحه مناد من قبل ربّ العزة فيقول : يا أيّتها النفس المطمئنّة - إلى محمّد صلی اللّه علیه و آله وأهل بيته علیهم السلام - ارجعي إلى ربّك

ص: 339


1- راجع « الاحتجاج » 2 : 336 - 352 ، احتجاج أبي عبد اللّه علیه السلام على الزنادقة.
2- « الكافي » 3 : 127 ، باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه ، ح 1.

راضية - بالولاية - مرضيّة - بالثواب - فادخلي في عبادي - يعني محمّدا صلی اللّه علیه و آله وأهل بيته علیهم السلام - وادخلي جنّتي - فما شيء أحبّ إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي » (1). باب ما يعاين المؤمن والكافر

[1] عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : قال لي أبو عبد اللّه علیه السلام : « يا عقبة ، لا يقبل اللّه من العباد يوم القيامة إلاّ هذا الأمر الذي أنتم عليه ، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقرّ به عينه إلاّ أن تبلغ نفسه إلى هذه ».

ثمّ أهوى بيده إلى الوريد ثمّ اتّكأ ، وكان معي المعلّى فغمزني أن أسأله ، فقلت :

يا ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فإذا بلغت نفسه هذه أيّ شيء يرى؟ فقلت له بضع عشرة مرّة : أيّ شيء؟

فقال في كلّها : « يرى » ولا يزيد عليها. ثمّ جلس في آخرها ، فقال : « يا عقبة » فقلت : لبّيك وسعديك ، فقال : « أبيت إلاّ أن تعلم؟ » فقلت : نعم يا ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، إنّما ديني مع دينك فإذا ذهب ديني كان ذلك ، كيف لي بك يا ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، كلّ ساعة؟ وبكيت ، فرقّ لي ، فقال : « يراهما واللّه » ، فقلت : بأبي وأمّي من هما؟

قال : « ذلك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ علیه السلام ، يا عقبة ، لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتّى تراهما » ، قلت : فإذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدنيا؟ فقال : « لا ، يمضي أمامه إذا نظر إليهما مضى أمامه ».

فقلت له : يقولان شيئا؟ قال : « نعم ، يدخلان جميعا على المؤمن ، فيجلس رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عند رأسه وعليّ علیه السلام عند رجليه فيكبّ عليه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فيقول :

ص: 340


1- المصدر السابق : 127 - 128 ، ح 2.

يا وليّ اللّه أبشر ، أنا رسول اللّه ، إنّي خير لك ممّا تركت من الدنيا. ثمّ ينهض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فيقوم عليّ علیه السلام حتّى يكبّ عليه ، فيقول : يا وليّ اللّه أبشر ، أنا عليّ بن أبي طالب علیه السلام الذي كنت تحبّه ، أما لأنفعنّك ».

ثمّ قال : « إنّ هذا في كتاب اللّه عزّ وجلّ » ، فقلت : أين - جعلني اللّه فداك - هذا من كتاب اللّه؟ قال : « في يونس قول اللّه عزّ وجلّ هاهنا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (1) » (2).

[2] عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن خالد بن عمارة ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : « إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ومن شاء اللّه ، فجلس رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن يمينه والآخر عن يساره ، فيقول له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أمّا ما كنت ترجو فهو ذا أمامك ، وأمّا ما كنت تخاف منه فقد أمنت منه ، ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة ، فيقول : هذا منزلك من الجنّة ، فإن شئت رددناك إلى الدنيا ولك فيها ذهب وفضّة ، فيقول : لا حاجة لي في الدنيا ، فعند ذلك يبيضّ لونه ويرشح جبينه ، وتقلّص شفتاه ، وتنتشر منخراه ، وتدمع عينه اليسرى ، فأيّ هذه العلامات رأيت فاكتف بها ، فإذا خرجت النفس من البدن فيعرض عليها كما عرض عليه وهي في الجسد ، فتختار الآخرة فتغسّله فيمن يغسّله ، وتقلّبه فيمن يقلّبه. فإذا أدرج في أكفانه ووضع على سريره خرجت روحه تمشي بين أيدي القوم قدما وتلقاه أرواح المؤمنين يسلّمون عليه ، ويبشّرونه بما أعدّ اللّه له جلّ ثناؤه من النعيم. فإذا وضع في قبره ردّ إليه الروح إلى وركيه ، ثمّ يسأل عمّا يعلم. فإذا جاء بما يعلم فتح اللّه له ذلك الباب الذي أراه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فيدخل عليه من نورها ، وضوئها ، وبردها ، وطيب ريحها ».

ص: 341


1- يونس (10) : 62 - 63.
2- « الكافي » 3 : 128 - 129 ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح 1.

قال : قلت : جعلت فداك فأين ضغطة القبر؟ فقال : « هيهات ، ما على المؤمنين منها شيء ، واللّه إنّ هذه الأرض لتفتخر على هذه ، فيقول : وطئ على ظهري مؤمن ولم يطأ على ظهرك مؤمن ، وتقول له الأرض : واللّه لقد كنت أحبّك وأنت تمشي على ظهري ، فأمّا إذا ولّيتك فستعلم ما ذا أصنع بك ، فتفسح له مدّ بصره » (1).

[3] محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار ، أنّه حضر أحد ابني سابور ، وكان لهما فضل وورع وإخبات فمرض أحدهما - ولا أحسبه إلاّ زكريّا بن سابور - قال : فحضرته عند موته ، فبسط يده ، ثمّ قال : ابيضّت يدي يا عليّ ، قال : فدخلت على أبي عبد اللّه علیه السلام وعنده محمّد بن مسلم قال : فلمّا قمت من عنده ظننت أنّ محمّدا يخبره بخبر الرجل ، فأتبعني برسول ، فرجعت إليه ، فقال : « أخبرني عن هذا الرجل الذي حضرته عند موته أيّ شيء سمعته يقول؟ » ، قال : قلت بسط يده ، ثمّ قال : ابيضّت يدي يا عليّ ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « واللّه رآه ، واللّه رآه ، واللّه رآه » (2).

[4] محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان عن عمّار بن مروان قال : حدّثني من سمع أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « منكم واللّه يقبل ، ولكم واللّه يغفر ، إنّه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرّة العين إلاّ أن تبلغ نفسه هاهنا » وأومأ بيده إلى حلقه.

ثمّ قال : « إنّه إذا كان ذلك واحتضر ، حضره رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ علیه السلام وجبرئيل وملك الموت علیهماالسلام ، فيدنو منه عليّ علیه السلام ، فيقول : يا رسول اللّه ، إنّ هذا كان يحبّنا أهل البيت فأحبّه ، ويقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا جبرئيل ، إنّ هذا كان يحبّ اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبّه. ويقول جبرئيل لملك الموت : إنّ هذا كان يحبّ اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبّه وارفق به فيدنو منه ملك الموت ، فيقول :

ص: 342


1- « الكافي » 3 : 129 - 130 ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح 2.
2- المصدر السابق : 130 - 131 ، ح 3.

يا عبد اللّه ، أخذت فكاك رقبتك ، أخذت أمان براءتك ، تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟

قال : فيوفّقه اللّه عزّ وجلّ ، فيقول : نعم ، فيقول : وما ذاك؟ فيقول : ولاية عليّ بن أبي طالب علیه السلام فيقول : صدقت ، أمّا الذي كنت تحذره فقد آمنك اللّه منه ، وأمّا الذي كنت ترجوه فقد أدركته ، أبشر بالسلف الصالح مرافقة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ وفاطمة علیهماالسلام ثمّ يسلّ نفسه سلاّ رفيقا ، ثمّ ينزل بكفنه من الجنّة ، وحنوطه من الجنّة بمسك أذفر ، فيكفّن بذلك الكفن ، ويحنّط بذلك الحنوط ، ثمّ يكسى حلّة صفراء من حلل الجنّة. فإذا وضع في قبره ، فتح له باب من أبواب الجنّة يدخل عليه من روحها وريحانها ، ثمّ يفسح له عن أمامه مسيرة شهر ، وعن يمينه وعن يساره ، ثمّ يقال له : نم نومة العروس على فراشها ، أبشر بروح وريحان وجنّة نعيم وربّ غير غضبان.

ثمّ يزور آل محمّد صلی اللّه علیه و آله في جنان رضوى ، فيأكل معهم من طعامهم ، ويشرب معهم من شرابهم ، ويتحدّث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا أهل البيت علیهم السلام فإذا قام قائمنا بعثهم اللّه فأقبلوا معه يلبّون زمرا زمرا ، وعند ذلك يرتاب المبطلون ، ويضمحلّ المخلّون ، وقليل ما يكونون ، هلكت المحاضير ، ونجا المقرّبون من أجل ذلك. قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لعليّ علیه السلام : أنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السّلام.

وإذا احتضر الكافر حضره رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ علیه السلام وجبرئيل وملك الموت علیهماالسلام ، فيدنو منه عليّ علیه السلام فيقول : يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّ هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه ، ويقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا جبرئيل ، إنّ هذا كان يبغض اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه ، فيقول جبرئيل : يا ملك الموت ، إنّ هذا كان يبغض اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله ، فأبغضه واعنف عليه ، فيدنو منه ملك الموت فيقول : يا عبد اللّه ، أخذت فكاك رهانك ، أخذت أمان براءتك ، تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟ فيقول : لا ، فيقول : أبشر يا عدوّ اللّه ، بسخط اللّه عزّ وجلّ وعذابه والنار ، أمّا الذي كنت تحذره فقد نزل بك ، ثمّ يسلّ نفسه سلاّ عنيفا ، ثمّ يوكّل بروحه ثلاثمائة شيطان كلّهم يبزق

ص: 343

في وجهه ويتأذّى بروحه. فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار ، فيدخل عليه من قيحها ولهيبها » (1).

[5] محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن عبد الرحيم ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : حدّثني صالح بن ميثم ، عن عباية الأسدي أنّه سمع عليّا علیه السلام يقول : « واللّه لا يبغضني عبد أبدا يموت على بغضي إلاّ رآني عند موته حيث يكره ، ولا يحبّني عبد أبدا فيموت على حبّي إلاّ رآني عند موته حيث يحبّ ». فقال أبو جعفر علیه السلام : « نعم ، ورسول اللّه صلی اللّه علیه و آله باليمين » (2).

[6] محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن يحيى بن سابور ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول في الميّت : « تدمع عينه عند الموت - فقال : - ذلك عند معاينة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فيرى ما يسرّه - ثمّ قال : - أما ترى الرجل يرى ما يسرّه وما يحبّ فتدمع عينه لذلك ويضحك » (3).

[7] حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد الكندي ، عن غير واحد عن أبان بن عثمان ، عن عامر بن عبد اللّه بن جذاعة ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته يقول : « إنّ النفس إذا وقعت في الحلق أتاه ملك فقال له : يا هذا - أو يا فلان - أمّا كنت ترجو فأيس منه ، وهو الرجوع إلى الدنيا ، وأمّا ما كنت تخاف فقد أمنت منه » (4).

[8] أبان بن عثمان ، عن عقبة أنّه سمع أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إنّ الرجل إذا وقعت نفسه في صدره يرى ». قلت : جعلت فداك وما يرى؟ قال :

« يرى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فيقول له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أبشر ، ثمّ يرى

ص: 344


1- « الكافي » 3 : 131 - 132 ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح 4.
2- المصدر السابق : 132 - 133 ، ح 5.
3- المصدر السابق : 133 ، ح 6.
4- المصدر السابق ، ح 7.

عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، فيقول : أنا عليّ بن أبي طالب الذي كنت تحبّه ، تحبّ أن أنفعك اليوم؟ ».

قال : قلت له : أيكون أحد من الناس يرى هذا ، ثمّ يرجع إلى الدنيا؟ قال : قال : « لا ، إذا رأى هذا أبدا مات ، وأعظم ذلك » ، قال : « وذلك في القرآن قول اللّه عزّ وجلّ : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ ) (1) » (2).

[9] عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن ابن أبي يعفور ، قال : كان خطّاب الجهني خليطا لنا ، وكان شديد النصب لآل محمّد صلی اللّه علیه و آله ، وكان يصحب نجدة الحروريّة ، قال : فدخلت عليه أعوده للخلطة والتقيّة ، فإذا هو مغمى عليه في حدّ الموت ، فسمعته يقول : ما لي ولك يا عليّ؟

فأخبرت بذلك أبا عبد اللّه علیه السلام ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : « رآه وربّ الكعبة ، رآه وربّ الكعبة » (3).

[10] سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبد الحميد بن عوّاض ، قال سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إذا بلغت نفس أحدكم هذه ، قيل له : أمّا ما كنت تحذر من همّ الدنيا وحزنها فقد أمنت منه ، ويقال له : رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وعليّ علیه السلام وفاطمة علیهاالسلام أمامك » (4).

[11] عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « إنّ آية المؤمن إذا حضره الموت يبيضّ وجهه أشدّ من بياض لونه ، ويرشح جبينه ، ويسيل من عينه

ص: 345


1- يونس (10) : 62 - 63.
2- « الكافي » 3 : 133 ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح 8.
3- المصدر السابق : 133 - 134 ، ح 9.
4- المصدر السابق : 134 ، ح 10.

كهيئة الدموع ، فيكون ذلك خروج نفسه. وإنّ الكافر تخرج نفسه سلاّ من شدقه (1) كزبد البعير ، أو كما تخرج نفس البعير » (2).

[12] محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن القاسم بن محمّد ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : قلت : أصلحك اللّه ، من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه ، ومن أبغض لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه؟ قال : « نعم ».

قلت : فو اللّه إنّا لنكره الموت ، فقال : « ليس ذلك حيث تذهب إنّما ذلك عند المعاينة ، إذا رأى ما يحبّ فليس شيء أحبّ إليه من أن يتقدّم ، واللّه تعالى يحبّ لقاءه وهو يحبّ لقاء اللّه حينئذ ، وإذا رأى ما يكره فليس شيء أبغض إليه من لقاء اللّه وهو يبغض لقاءه » (3).

[13] أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي المستهلّ ، عن محمّد بن حنظلة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداك حديث سمعته من بعض شيعتك ومواليك يرويه عن أبيك؟ قال : « وما هو؟ » قلت : زعموا أنّه كان يقول : « أغبط ما يكون امرؤ بما نحن عليه إذا كانت النفس في هذه ».

فقال : « نعم ، إذا كان ذلك أتاه نبيّ اللّه صلی اللّه علیه و آله وأتاه عليّ علیه السلام وأتاه جبرئيل وأتاه ملك الموت علیهماالسلام ، فيقول ذلك الملك لعليّ علیه السلام : يا عليّ ، إنّ فلانا كان مواليا لك ولأهل بيتك ، فيقول : نعم ، كان يتولاّنا ويتبرّى من عدوّنا ، فيقول ذلك نبيّ اللّه صلی اللّه علیه و آله لجبرئيل ، فيرفع ذلك جبرئيل علیه السلام إلى اللّه عزّ وجلّ » (4).

[14] وعنه ، عن صفوان ، عن جارود بن المنذر ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول :

ص: 346


1- الشدق : جانب الفم. كذا في « لسان العرب » 10 : 1. « ش د ق ».
2- « الكافي » 3 : 134 ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح 11.
3- المصدر السابق ، ح 12.
4- المصدر السابق : 134 - 135 ، ح 13.

« إذا بلغت نفس أحدكم هذه - وأومأ بيده إلى حلقه - قرّت عينه » (1).

[15] محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن سليمان بن داود ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام قوله عزّ وجلّ : ( فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) - إلى قوله : - ( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (2) فقال : « إنّها إذا بلغت الحلقوم ، ثمّ أري منزله من الجنّة ، فيقول : ردّوني إلى الدنيا حتّى أخبر أهلي بما أرى ، فيقال له : ليس إلى ذلك سبيل » (3).

[16] سهل بن زياد ، عن غير واحد من أصحابنا قال : قال : « إذا رأيت الميّت قد شخص ببصره ، وسالت عينه اليسرى ، ورشح جبينه ، وتقلّصت شفتاه ، وانتشرت منخراه فأيّ شيء رأيت من ذلك فحسبك بها ».

وفي رواية أخرى : « وإذا ضحك أيضا فهو من الدلالة » ، قال : « وإذا رأيته قد خمص وجهه وسالت عينه اليمنى فاعلم أنّه » (4). باب إخراج روح المؤمن والكافر

[1] عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن إدريس القمّي ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : « إنّ اللّه عزّ وجلّ يأمر ملك الموت فيردّ نفس المؤمن ليهوّن عليه ويخرجها من أحسن وجهها ، فيقول الناس : لقد شدّد على فلان الموت ، وذلك تهوين من اللّه عزّ وجلّ عليه ، وقال : يصرف عنه إذا كان ممّن سخط اللّه عليه ، أو ممّن أبغض اللّه أمره أن يجذب الجذبة التي بلغتكم بمثل السفّود من الصوف المبلول ، فيقول الناس : لقد هوّن اللّه على فلان الموت » (5).

ص: 347


1- « الكافي » 3 : 135 ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح 14.
2- الواقعة (56) : 83 - 87.
3- « الكافي » 3 : 135 ، باب ما يعاين المؤمن والكافر ، ح 15.
4- المصدر السابق ، ح 16.
5- المصدر السابق : 135 - 136 ، باب إخراج روح المؤمن والكافر ، ح 1.

[2] عنه ، عن يونس ، عن الهيثم بن واقد ، عن رجل ، عن أبي عبد اللّه علیه السلام ، قال : « دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على رجل من أصحابه وهو يجود بنفسه ، فقال : يا ملك الموت ، ارفق بصاحبي فإنّه مؤمن ، فقال : أبشر يا محمّد صلی اللّه علیه و آله ، فإنّي بكلّ مؤمن رفيق ، واعلم يا محمّد صلی اللّه علیه و آله ، أنّي أقبض روح ابن آدم فيجزع أهله فأقوم في ناحية من دارهم فأقول : ما هذا الجزع؟ فو اللّه ما تعجّلناه قبل أجله وما كان لنا في قبضه من ذنب ، فإن تحتسبوا وتصبروا تؤجروا ، وإن تجزعوا تأثموا وتوزروا. واعلموا أنّ لنا فيكم عودة ثمّ عودة ، فالحذر الحذر ، إنّه ليس في شرقها ولا في غربها أهل بيت مدر ولا وبر إلاّ وأنا أتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرّات ، ولأنا أعلم بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، ولو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتّى يأمرني ربّي بها ، فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّما يتصفّحهم في مواقيت الصلاة ، فإن كان ممّن يواظب عليها عند مواقيتها لقّنه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ونحّى عنه ملك الموت إبليس » (1).

[3] عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن المفضّل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : « حضر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله رجلا من الأنصار وكانت له حالة حسنة عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فحضره عند موته ، فنظر إلى ملك الموت عند رأسه ، فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ارفق بصاحبي فإنّه مؤمن ، فقال له ملك الموت : يا محمّد ، طب نفسا وقرّ عينا ، فإنّي بكلّ مؤمن رفيق شفيق.

واعلم يا محمّد ، إنّي لأحضر ابن آدم عند قبض روحه ، فإذا قبضته صرخ صارخ من أهله عند ذلك فأتنحّى في جانب الدار ومعي روحه فأقول لهم : واللّه ما ظلمناه ، ولا سبقنا به أجله ، ولا استعجلنا به قدره ، وما كان لنا في قبض روحه من ذنب ، فإن ترضوا بما صنع اللّه به وتصبروا تؤجروا وتحمدوا ، وإن تجزعوا وتسخطوا تأثموا

ص: 348


1- المصدر السابق : 136 ، ح 2.

وتوزروا ومالكم عندنا من عتبى ، وإنّ لنا عندكم أيضا لبقيّة وعودة ، فالحذر الحذر ، فما من أهل بيت مدر ولا شعر في برّ ولا بحر إلاّ وأنا أتصفّحهم في كلّ يوم خمس مرّات عند مواقيت الصلاة حتّى لأنا أعلم منهم بأنفسهم.

ولو أنّي يا محمّد ، أردت قبض نفس بعوضة ما قدرت على قبضها حتّى يكون اللّه عزّ وجلّ هو الآمر بقبضها ، وإنّي لملقّن المؤمن عند موته شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ومحمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » (1).

فلنرجع عنان الكلام إلى بيان ما ذكر في البحار فأقول : فيه أخبار :

منها : [ ما ] روي عن الصادق علیه السلام أنّه علیه السلام يقول : « ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ) قال : في قبره ( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) قال : في الآخرة ( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ) في القبر ( وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) في الآخرة » (2).

وعنه علیه السلام : « البرزخ القبر ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة » (3).

وعن الكاظم علیه السلام : « واللّه ما يخاف عليكم إلاّ البرزخ » (4).

وعن عليّ علیه السلام : « يا عباد اللّه ، ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشدّ من الموت ، القبر فاحذروا ظلمته وضيقه وضنكه وغربته. إنّ القبر يقول كلّ يوم : أنا بيت الغربة ، أنا بيت التراب ، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود والهوام.

والقبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران.

إنّ العبد المؤمن إذا دفن قالت له الأرض : مرحبا وأهلا قد كنت ممّن أحبّ أن يمشي على ظهري ، فإذا ولّيتك فستعلم كيف أصنع بك ، فتتّسع له مدّ البصر.

وإنّ الكافر إذا دفن قالت له الأرض : لا مرحبا ولا أهلا لقد كنت من أبغض من

ص: 349


1- « الكافي » 3 : 136 - 137 ، باب إخراج روح المؤمن والكافر ، ح 3.
2- « بحار الأنوار » 6 : 217 ، ح 11.
3- « بحار الأنوار » 6 : 218 ، ح 12 ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » 1 : 19 ، مقدّمة المصنّف.
4- « بحار الأنوار » 6 : 218 ، ح 12 ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » 1 : 20.

يمشي على ظهري ، فإذا ولّيتك فستعلم كيف أصنع بك ، فتضمّه حتّى تلتقي أضلاعه. وإنّ المعيشة الضنك التي حذّر اللّه بها عدوّه عذاب القبر ، إنّه يسلّط على الكافر في قبره تسع وتسعين تنّينا ، فينهشن لحمه ، ويكسرن عظمه ، يتردّدن عليه كذلك إلى يوم يبعث ، لو أنّ تنّينا منها نفخت في الأرض لم ينبت زرعا.

يا عباد اللّه ، إنّ أنفسكم الضعيفة وأجسادكم الناعمة الرقيقة التي يكفيها اليسير تضعف عن هذا ، فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم وأنفسكم ممّا لا طاقة لكم به ، ولا صبر لكم عليه ، فاعملوا بما أحبّ اللّه ، واتركوا ما كره اللّه » (1).

وعن النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّ سعد بن معاذ قد أصابته ضمّة ؛ لأنّه كان في خلقه مع أهله سوء » (2).

وعنه صلی اللّه علیه و آله : « مرّ عيسى بن مريم علیه السلام بقبر يعذّب صاحبه ، ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو ليس يعذّب ، فقال : يا ربّ ، مررت بهذا القبر عام أوّل فكان صاحبه يعذّب ، ثمّ مررت به العام فإذا هو ليس يعذّب؟ فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا روح اللّه ، أنّه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا ، وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه » (3).

وعن الصادق علیه السلام : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم » (4).

وعن الصادق علیه السلام : « من مات بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين أعاذه اللّه من ضغطة القبر » (5).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « أقعد رجل من الأخيار في قبره ، فقيل له : إنّا

ص: 350


1- « بحار الأنوار » 74 : 390 - 391 ، ح 11 ، نقلا عن « الأمالي » للطوسي : 28 ، المجلس 1 ، ح 31.
2- « بحار الأنوار » 6 : 220 ، ح 14 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 315 ، المجلس 61 ، ح 2.
3- « بحار الأنوار » 6 : 220 ، ح 15 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق ، المجلس 77 ، ح 8.
4- « بحار الأنوار » 6 : 221 ، ح 16 ، نقلا عن « ثواب الأعمال » : 234 ، ثواب ضغطة القبر للمؤمن ؛ و « الأمالي » للصدوق : 434 ، المجلس 80 ، ح 2.
5- « بحار الأنوار » 6 : 221 ، ح 17 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 231 ، المجلس 47 ، ح 11.

جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّه ، فقال : لا أطيقها ، فلم يزالوا به حتّى انتهوا إلى جلدة واحدة ، فقالوا : ليس منها بدّ قال : فبما تجلدونيها؟ قالوا : نجلدك ؛ لأنّك صلّيت يوما بغير وضوء ، ومررت على ضعيف فلم تنصره ، قال : فجلدوه جلدة من عذاب اللّه عزّ وجلّ فامتلأ قبره نارا » (1).

وعن الصادق علیه السلام أنّه : « خاطب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قبر سعد فمسحه بيده واختلج بين كتفيه. فقيل له : يا رسول اللّه ، رأيناك خاطبت واختلج بين كتفيك وقلت : سعد يفعل به هذا؟ فقال : إنّه ليس من مؤمن إلاّ وله ضمّة » (2).

وسئل الصادق علیه السلام عمّا يلقى صاحب القبر ، فقال : « إنّ ملكين يقال لهما : منكر ونكير يأتيان صاحب القبر فيسألانه عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فيقولان : ما تقول في هذا الرجل الذي خرج فيكم؟ فيقول : من هو؟ فيقولان : الذي كان يقول : إنّه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أحقّ ذلك ، قال : فإذا كان من أهل الشكّ قال : ما أدري قد سمعت الناس يقولون ، فلست أدري أحقّ ذلك أم كذب ، فيضربانه ضربة يسمعها أهل السماوات وأهل الأرض إلاّ المشركين. وإذا كان متيقّنا فإنّه لا يفزع ، فيقول : أعن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله تسألانني؟ فيقولان : أتعلم أنّه رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فيقول : أشهد أنّه رسول اللّه حقّا جاء بالهدى ودين الحقّ ، قال : فيرى مقعده من الجنّة ، ويفسح له عن قبره ، ثمّ يقولان له : نم نومة ليس فيها حلم في أطيب ما يكون النائم » (3).

وعن عليّ علیه السلام أنّه : « عذاب القبر يكون من النميمة ، والبول ، وعزب الرجل من أهله » (4).

ص: 351


1- « بحار الأنوار » 6 : 221 ، ح 18 ، نقلا عن « علل الشرائع » 1 : 159 ، باب العلّة التي من أجلها يكون عذاب القبر ، ح 1.
2- « بحار الأنوار » 6 : 221 ، ح 19.
3- المصدر السابق ، ح 20.
4- « بحار الأنوار » 6 : 222 ، ح 21 ، نقلا عن « علل الشرائع » 1 : 359 ، ح 2.

وعن موسى بن جعفر عن أبيه علیهماالسلام قال : « إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره ، فإذا أدخل قبره أتاه منكر ونكير فيقعدانه ، فيقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول : ربّي اللّه ، ومحمّد نبيّي ، والإسلام ديني ، فيفسحان له في قبره مدّ بصره ، ويأتيانه بالطعام من الجنّة ، ويدخلان عليه الروح والريحان ، وذلك قوله عزّ وجلّ : ( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ) ، يعني في قبره ( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (1) ، يعني في الآخرة.

ثمّ قال علیه السلام : إذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانية إلى قبره ، وإنّه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كلّ شيء إلاّ الثقلان ويقول : ( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) ، ويقول : ( ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) ، فتجيبه الزبانية : ( كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ) (2) ويناديهم ملك : لو ردّ لعاد لما نهي عنه. فإذا أدخل قبره وفارقه الناس أتاه منكر ونكير في أهول صورة فيقيمانه ، ثم يقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيتلجلج لسانه ولا يقدر على الجواب ، فيضربانه ضربة من عذاب اللّه يذعر لها كلّ شيء ، ثمّ يقولان له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا دريت ولا هديت ولا أفلحت ، ثمّ يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه الحميم من جهنّم ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) (3) ، يعني في الآخرة » (4).

وعن الصادق علیه السلام : « من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشفاعة » (5).

ص: 352


1- الواقعة (56) : 88 - 89.
2- المؤمنون (23) : 99 - 100.
3- الواقعة (56) : 92 - 94.
4- « بحار الأنوار » 6 : 222 - 223 ، ح 22 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 239 ، المجلس 48 ، ح 12.
5- « بحار الأنوار » 6 : 223 ، ح 23 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 242 ، المجلس 49 ، ح 5.

وعن عليّ بن الحسين علیه السلام إنّه كان يقول في كلّ جمعة في مسجد الرسول صلی اللّه علیه و آله : « أيّها الناس اتّقوا اللّه ، واعلموا أنّكم إليه ترجعون ، فتجد كلّ نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضرا ، وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذّركم اللّه نفسه (1).

ويحك ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه ، ابن آدم إنّ أجلك أسرع شيء إليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ، ويوشك أن يدركك وكأن قد أوفيت أجلك ، وقبض الملك روحك ، وصرت إلى منزل وحيدا فردّ إليك روحك ، واقتحم عليك فيه ملكاك : منكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك ، ألا وإنّ أوّل ما يسألانك ، عن ربّك الذي كنت تعبده ، وعن نبيّك الذي أرسل إليك ، وعن دينك الذي كنت تدين به ، وعن كتابك الذي كنت تتلوه ، وعن إمامك الذي كنت تتولاّه ، ثمّ عن عمرك فيما أفنيته ، ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته ، فخذ حذرك ، وانظر لنفسك ، وأعدّ للجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار ، فإن تك مؤمنا تقيّا عارفا بدينك متّبعا للصادقين مواليا لأولياء اللّه ، لقّاك اللّه حجّتك ، وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب ، فبشّرت بالجنّة والرضوان من اللّه - تبارك وتعالى - والخيرات الحسان ، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان. وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ، ودحضت حجّتك ، وعميت عن الجواب ، وبشّرت بالنار ، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم ، وتصلية جحيم » (2).

قال في البحار : « أقول : تمامه في أبواب المواعظ » (3).

وعن الصادق علیه السلام : « إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه ، والزكاة عن يساره ، والبرّ مظلّ عليه ، ويتنحّى الصبر ناحية - قال : - فإذا دخل عليه الملكان

ص: 353


1- اقتباس من الآية 30 من سورة آل عمران (3).
2- « بحار الأنوار » 6 : 223 - 224 ، ح 24 ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : 407 - 408 ، المجلس 76 ، ح 1.
3- « بحار الأنوار » 6 : 224.

اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبرّ : دونكم صاحبكم ، فإن عجزتم عنه فأنا دونه » (1).

وعن الصادق علیه السلام : « من مات يوم الجمعة كتب له براءة من ضغطة القبر » (2).

وعن الباقر علیه السلام قال : « من مات ليلة الجمعة كتب اللّه له براءة من عذاب النار ، ومن مات يوم الجمعة أعتق من النار » (3).

وقال أبو جعفر علیه السلام : « بلغني أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : من مات يوم الجمعة [ أو ليلة الجمعة ] (4) رفع عذاب القبر عنه » (5).

وعن الصادق علیه السلام أنّه يقول : « إنّ أمير المؤمنين عليّا علیه السلام كانت له خئولة في بني مخزوم ، وإنّ شابّا منهم أتاه ، فقال : يا خالي ، إنّ أخي وابن أبي مات وقد حزنت عليه حزنا شديدا قال : فتشتهي أن تراه قال : نعم ، قال : فأرني في قبره ، فخرج ومعه برد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله السحاب ، فلمّا انتهى إلى القبر تململت شفتاه ، ثمّ ركضه برجله ، فخرج من قبره وهو يقول : رميكا - بلسان الفرس - فقال له عليّ علیه السلام : ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ قال : بلى ، ولكنّا متنا على سنّة فلان وفلان فانقلبت ألسنتنا » (6).

وعن الصادق علیه السلام : « إنّ المؤمنين إذا أخذوا مضاجعهم ، أصعد اللّه بأرواحهم إليه فمن قضي له عليه بالموت ، جعله في رياض الجنّة [ في ] كنوز رحمته ونور عزّته ، وإن لم يقدّر عليها الموت بعث بها مع أمنائه من الملائكة إلى الأبدان » (7).

وعنه علیه السلام ذكر الأرواح ، أرواح المؤمنين ، فقال: « يلتقون » ، قلت: يلتقون؟ قال :

ص: 354


1- « بحار الأنوار » 6 : 230 ، ح 35 ، نقلا عن « ثواب الأعمال » : 203 - 204 ، باب ثواب الصلاة والزكاة ...
2- « بحار الأنوار » 6 : 230 ، ح 36 ، نقلا عن « المحاسن » 1 : 131 ، ثواب يوم الجمعة ، ح 157.
3- «بحار الأنوار» 6 : 230 ، ح 37 ، نقلا عن « المحاسن»: 133 ، ثواب من مات يوم الجمعة ، ح 164.
4- الزيادة أضفناها من المصدر.
5- « بحار الأنوار » 6 : 230 ، ح 38 ، نقلا عن « المحاسن » 1 : 133 ، ثواب من مات يوم الجمعة ، ذيل ح 164.
6- « بحار الأنوار » 6 : 230 ، ح 39 ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : 273 ، باب أنّ الأئمّة أحيوا الموتى ، ح 3.
7- « بحار الأنوار » 6 : 234 ، ح 47 ، نقلا عن « المحاسن » 1 : 284 - 285 ، باب أرواح المؤمنين ، ح 560.

« نعم ، ويتساءلون ويتعارفون حتّى إذا رأيته قلت : فلان » (1).

وعن إبراهيم بن إسحاق قال : قلت لأبي عبد اللّه علیه السلام : أين أرواح المؤمنين؟ فقال : « أرواح المؤمنين في حجرات في الجنّة يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويتزاورون فيها ، ويقولون : ربّنا أقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا قال : قلت : فأين أرواح الكفّار؟ فقال : في حجرات النار يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ، ويتزاورون فيها ، ويقولون : ربّنا لا تقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا » (2).

وعن أبي بصير عن أحدهما علیهماالسلام قال : « إذا مات العبد المؤمن ، دخل معه في قبره ستّ صور : فيهنّ صورة أحسنهنّ وجها ، وأبهاهنّ هيئة ، وأطيبهنّ ريحا ، وأنظفهنّ صورة. قال : فتقف صورة عن يمينه ، وأخرى عن يساره ، وأخرى عن بين يديه ، وأخرى خلفه ، وأخرى عند رجليه ، وتقف التي هي أحسنهنّ فوق رأسه. فإن أتي عن يمينه منعته التي عن يمينه ، ثمّ كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الستّ. قال : فتقول أحسنهنّ صورة : ومن أنتم جزاكم اللّه عنّي؟ فتقول التي عن يمين العبد : أنا الصلاة ، وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول التي بين يديه : أنا الصيام ، وتقول التي خلفه : أنا الحجّ والعمرة ، وتقول التي عند رجليه : أنا برّ من وصلت من إخوانك ، ثمّ يقلن : من أنت؟ فأنت أحسننا وجها ، وأطيبنا ريحا ، وأبهانا هيئة ، فتقول : أنا الولاية لآل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين » (3).

وعن عبد اللّه بن طلحة قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الوزغ ، قال : « هو الرجس مسخ فإذا قتلته فاغتسل ، يعني شكرا ، وقال : إنّ أبي كان قاعدا في الحجر ومعه رجل يحدّثه ، فإذا هو الوزغ يولول (4) بلسانه ، فقال أبي علیه السلام للرجل : أتدري ما يقول هذا

ص: 355


1- « بحار الأنوار » 6 : 234 ، ح 48 ، نقلا عن « المحاسن » 1 : 285 ، باب أرواح المؤمنين ، ح 562.
2- المصدرين السابقين.
3- « بحار الأنوار » 6 : 234 - 235 ، ح 50 ، نقلا عن « المحاسن » : 448 - 449 ، باب الشرائع ، ح 36.
4- يولول ، أي : يصوّت ، كما في « مجمع البحرين » 5 : 495 « ول ول ».

الوزغ؟ قال الرجل : لا أعلم ما يقول : قال : فإنّه يقول : لئن ذكرت عثمان لأسبّنّ عليّا ، وقال : إنّه ليس يموت من بني أميّة ميّت إلاّ مسخ وزغا.

وقال علیه السلام : « إنّ عبد الملك لمّا نزل به الموت مسخ وزغا ، فكان عنده ولده ولم يدروا كيف يصنعون ، وذهب ثمّ فقدوه ، فأجمعوا على أن أخذوا جذعا فصنعوه هيئة رجل ، ففعلوا ذلك وألبسوا الجذع ، ثمّ كفّنوه في الأكفان لم يطّلع عليه أحد من الناس » (1).

وعن زيد الشحّام قال سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن عذاب القبر قال : « إنّ أبا جعفر علیه السلام حدّثنا أنّ رجلا أتى سلمان الفارسي ، فقال : حدّثني ، فسكت عنه ، ثمّ عاد فسكت ، فأدبر الرجل وهو يقول ويتلو هذه الآية : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ ) (2) ، فقال له : أقبل إنّا لو وجدنا أمينا لحدّثنا ، ولكن أعدّ لمنكر ونكير إذا أتياك في القبر فسألاك عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، فإن شككت أو التويت ضرباك على رأسك بمطرقة معهما تصير منه رمادا ، قال : فقلت : ثمّ مه؟ قال : تعود ثمّ تعذّب ، قلت : وما منكر ونكير؟ قال هما قعيدا القبر ، قلت : أملكان يعذّبان الناس [ في قبورهم ] فقال : نعم » (3).

وعن الإمام الباقر علیه السلام في تفسير قوله تعالى : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (4) ، أنّه : « قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لكفّار قريش واليهود : كيف تكفرون باللّه الذي دلّكم على طرق الهدى وجنّبكم إن أطعتموه سبيل الردى ( وَكُنْتُمْ أَمْواتاً ) في أصلاب آبائكم وأرحام أمّهاتكم ، ( فَأَحْياكُمْ ) أخرجكم أحياء ، ( ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ) في هذه الدنيا ويقبركم ، ( ثُمَّ يُحْيِيكُمْ )

ص: 356


1- « بحار الأنوار » 6 : 235 ، ح 51 ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » 1 : 283 ، الباب 6 في معجزات الإمام الباقر علیه السلام .
2- البقرة (2) : 159.
3- « بحار الأنوار » 6 : 235 - 236 ، ح 53 ، نقلا عن « تفسير العيّاشي » 1 : 71 ، ذيل الآية 159 من سورة البقرة (2).
4- البقرة (2) : 28.

في القبور ، وينعّم فيها المؤمنين بنبوّة محمّد صلی اللّه علیه و آله ، وولاية عليّ علیه السلام ، ويعذّب فيها الكافرين بهما ، ( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) في الآخرة ، بأن تموتوا في القبور بعد ، ثمّ تحيوا للبعث يوم القيامة ( تُرْجَعُونَ ) إلى ما وعدكم من الثواب على الطاعات إن كنتم فاعليها ، ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها ».

فقيل له : يا ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ، ففي القبور نعيم وعذاب؟ فقال : « إي ، والذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا ، وجعله زكيّا هاديا ، وجعل أخاه عليّا بالعهد وفيّا ، وبالحقّ مليّا ، ولدى اللّه مرضيّا ، وإلى الجهاد سابقا ، ولله في أحواله موافقا ، وللمكارم حائزا ، وبنصر اللّه على أعدائه فائزا ، وللعلوم حاويا ، ولأولياء اللّه مواليا ، ولأعدائه معاديا ، وللخيرات ناويا ، وللقبائح رافضا ، وللشيطان مخزيا ، وللفسقة المردة مقصيا ، ولمحمّد صلی اللّه علیه و آله نفسا ، وبين يديه لدى المكاره جنّة وترسا ، آمنت به أنا وأبي عليّ بن أبي طالب علیه السلام عبد ربّ الأرباب ، المفضّل على أولى الألباب ، الحاوي لعلوم الكتاب ، زين من يوافي يوم القيامة عرصات الحساب ، بعد محمّد صلی اللّه علیه و آله صفيّ الكريم العزيز الوهّاب. إنّ في القبر نعيما يوفّر اللّه به حظوظ أوليائه ، وإنّ في القبر عذابا يشدّد اللّه به على أشقياء أعدائه » (1).

وعن الفضل بن شاذان من كتاب صحائف الأبرار : إنّ أمير المؤمنين علیه السلام اضطجع في نجف الكوفة على الحصى فقال قنبر : يا مولاي ، ألا أفرش لك ثوبي تحتك؟ فقال : « لا ، إن هي إلاّ تربة مؤمن أو مزاحمته في مجلسه ».

فقال الأصبغ بن نباتة : أمّا تربة مؤمن فقد علمنا أنّها كانت أو ستكون ، فما معنى مزاحمته في مجلسه؟

فقال : « يا ابن نباتة ، إنّ في هذا الظهر أرواح كلّ مؤمن ومؤمنة في قوالب من نور

ص: 357


1- « بحار الأنوار » 6 : 236 - 237 ، ح 54 ، نقلا عن « التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري » : 210 - 211 ، ح 98 ، ذيل الآية 28 من سورة البقرة (2).

على منابر من نور » (1).

وعن محمّد بن مسلم (2) ، وعن أبي هريرة في قوله : ( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ) (3) يعني بقول : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه في الحياة الدنيا ، ثمّ قال : ( وَفِي الْآخِرَةِ ) ، قال : هذا القبر ، يدخل عليه ملكان فظّان غليظان يحفران القبر بأنيابهما وأصواتهما كالرعد القاصف (4) ، وأعينهما كالبرق الخاطف ، ومع كلّ واحد منهما مرزبة فيها ثلاثمائة وستّون عقدة ، في كلّ عقدة ثلاثمائة وستّون حلقة ، وزن كلّ حلقة كوزن حديد الدنيا ، لو اجتمع عليها أهل السماء والأرض أن يقلّوها ما أقلّوها ، هي في أيديهم أخفّ من جناح بعوض ، فيدخلان القبر على الميّت ، ويجلسانه في قبره ويسألانه : من ربّك؟ فيقول المؤمن : اللّه ربّي ، ثمّ يقولان : فمن نبيّك؟ فيقول المؤمن : محمّد نبيّي ، فيقولان : ما قبلتك؟ فيقول المؤمن : الكعبة قبلتي ، فيقولان له : من إمامك؟ فيقول المؤمن : إمامي عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، فيقولان له : صدقت. ثمّ قال : ( وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ ) يعني عن ولاية عليّ علیه السلام في القبر ، واللّه ليسألنّ عن ولايته على الصراط ، واللّه ليسألنّ عن ولايته في الحساب. ثمّ قال سفيان بن عيينة ومن روى عن ابن عبّاس : إنّ المؤمن يقول : القرآن إمامي ، فقد أصاب أيضا ؛ وذلك أنّ اللّه بيّن إمامة عليّ علیه السلام في القرآن (5).

وروي أنّه : لمّا ماتت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين علیه السلام أقبل عليّ علیه السلام باكيا ، فقال له النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « ما يبكيك؟ لا أبكى اللّه عينيك؟ » قال : « توفّيت والدتي يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله » ، قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « بل والدتي يا عليّ ، فلقد كانت تجوّع أولادها

ص: 358


1- « بحار الأنوار » 6 : 237 ، ح 55.
2- الظاهر أنّ رواية محمّد بن مسلم قد سقطت. وهي مذكورة في « بحار الأنوار » 6 : 2. ح 56 ، نقلا عن « تفسير العيّاشي ».
3- إبراهيم (14) : 27.
4- الرعد القاصف : الشديد الصوت. « مجمع البحرين » 5 : 4. « ق ص ف ».
5- « بحار الأنوار » 6 : 237 - 238 ، ح 57 ، نقلا عن « المناقب » لابن شهرآشوب 3 : 259 - 260.

وتشبعني ، وتشعّث أولادها وتدهنني. واللّه لقد كان في دار أبي طالب نخلة فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط ، ثمّ تجنيه - رضي اللّه عنها - فإذا خرج بنو عمّي تناولني ذلك ».

ثمّ نهض صلی اللّه علیه و آله فأخذ في جهازها وكفّنها بقميصه صلی اللّه علیه و آله وكان في حال تشييع جنازتها يرفع قدما ويتأنّى في رفع الأخرى وهو حافي القدم. فلمّا صلّى عليها كبّر سبعين تكبيرة ، ثمّ لحّدها في قبرها بيده الكريمة بعد أن نام في قبرها ولقّنها الشهادة. فلمّا أهيل عليها التراب وأراد الناس الانصراف جعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول لها : « ابنك ابنك ، لا جعفر ولا عقيل ، ابنك ابنك عليّ بن أبي طالب علیه السلام ».

قالوا : يا رسول اللّه ، فعلت فعلا ما رأينا مثله قطّ ، مشيك حافي القدم ، وكبّرت سبعين تكبيرة ، ونومك في لحدها ، وقميصك عليها ، وقولك لها : ابنك ابنك ، لا جعفر ولا عقيل؟ فقال عليه وآله السّلام : « أمّا التأنّي في وضع أقدامي ورفعها حال التشييع للجنازة ؛ فلكثرة ازدحام الملائكة.

وأمّا تكبيري سبعين تكبيرة ؛ فإنّها صلّى عليها سبعون صفّا من الملائكة.

وأمّا نومي في لحدها فإنّي ذكرت في حال حياتها ضغطة القبر فقالت : وا ضعفاه ، فنمت في لحدها لأجل ذلك حتّى كفيتها ذلك.

وأمّا تكفيني لها بقميصي ؛ فإنّي ذكرت لها في حال حياتها القيامة وحشر الناس عراة فقالت : وا سوأتاه ، فكفّنتها به لتقوم يوم القيامة مستورة.

وأمّا قولي لها : ابنك ابنك ، لا جعفر ولا عقيل ؛ فإنّها لمّا نزل عليها الملكان سألاها عن ربّها ، فقالت : اللّه ربّي ، وقالا : من نبيّك؟ فقالت : محمّد نبيّي ، فقالا : من وليّك وإمامك؟ فاستحيت أن تقول : ولدي ، فقلت لها : قولي : ابنك عليّ بن أبي طالب علیه السلام فأقرّ اللّه بذلك عينها » (1).

ص: 359


1- « بحار الأنوار » 6 : 241 - 242 ، ح 60.

وعن أصحابنا أنّ أبا الحسن الرضا علیه السلام قال بعد موت ابن أبي حمزة : « إنّه أقعد في قبره فسئل عن الأئمّة علیهم السلام فأخبر بأسمائهم حتّى انتهى إليّ فسئل ، فوقف ، فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره نارا » (1).

وعن الصادق علیه السلام عن النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّ القبر أوّل منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده ليس أقلّ منه » (2).

وعن عليّ بن الحسين علیه السلام قال : « إنّ المؤمن ليقال لروحه - وهو يغسل - : أيسرّك أن تردّ إلى الجسد الذي كنت فيه؟ فيقول : ما أصنع بالبلاء والخسران » (3).

وعن أبي الحسن علیه السلام : « إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أوّل الخلق وإنّما حدثت » ، فقلت : فما العلّة في ذلك؟ قال : « إنّ اللّه عزّ ذكره بعث رسولا إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة اللّه وطاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فما لنا؟ ما أنت بأكثرنا مالا ، ولا بأعزّنا عشيرة؟ فقال : إن أطعتموني أدخلكم اللّه الجنّة ، وإن عصيتموني أدخلكم اللّه النار ، فقالوا : وما الجنّة والنار؟ فوصف لهم ذلك.

فقالوا : متى نصير إلى ذلك؟ فقال : إذا متم ، فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا ، فازدادوا له تكذيبا ، وبه استخفافا ، فأحدث إليه فيهم الأحلام فأتوه فأخبروه ، وما أنكروا من ذلك.

فقال : إنّ اللّه عزّ ذكره أراد أن يحتجّ عليكم بهذا ، هكذا تكون أرواحكم إذا متم ، وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتّى تبعث الأبدان » (4).

وعن أبي جعفر علیه السلام : « من أتمّ ركوعه لم تدخله وحشة القبر » (5).

ص: 360


1- « بحار الأنوار » 6 : 242 ، ح 61 ، نقلا عن « رجال الكشّي » : 403 - 404 ، الرقم 755 ، و 444 ، الرقم 834.
2- « بحار الأنوار » 6 : 242 ، ح 64 ، نقلا عن « جامع الأخبار » : 169 ، الفصل 135.
3- « بحار الأنوار » 6 : 243 ، ح 67.
4- « بحار الأنوار » 6 : 243 ، ح 68 ، نقلا عن « الكافي » 8 : 90 ، ح 57 ، حديث الأحلام ...
5- « بحار الأنوار » 6 : 244 ، ح 71 ، نقلا عن « الدعوات » للراوندي : 276 ، ح 795 ؛ و « الكافي » 3 : 321 ، باب الركوع ... ، ح 7.

وروى ابن عبّاس : عذاب القبر ثلاثة أثلاث : ثلث للغيبة ، وثلث للنميمة ، وثلث للبول (1).

وقال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : « إنّ لله تعالى ملكين يقال لهما : ناكر ونكير ، ينزلان على الميّت فيسألانه عن ربّه ونبيّه ودينه وإمامه ، فإن أجاب بالحقّ سلّموه إلى ملائكة النعيم ، وإن أرتج عليه سلّموه إلى ملائكة العذاب » (2).

وعن أبي عبد اللّه علیه السلام قال : « يا أبا محمّد ، إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد » قلت : وإن مات على فراشه؟ قال : « وإن مات على فراشه حيّ عند ربّه يرزق » (3).

وروي أنّه : « من تولّى أمير المؤمنين علیه السلام وتبرّأ من أعدائه ، وأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ، ثمّ دخل في الذنوب ولم يتب في الدنيا عذّب لها في البرزخ ، ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه يوم القيامة » (4).

الحمد لله على التوفيق على إتمام شرح تجريد الكلام في يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر الخامس من العام الرابع من العشر السادس من المائة الثالثة من الألف الثاني من الهجرة النبويّة على هاجرها ألف ألف تحيّة 1254 (5).

ص: 361


1- « بحار الأنوار » 6 : 245 ، ح 72 ، نقلا عن « الدعوات » للراوندي : 279 - 280 ، ح 812.
2- المصدرين السابقين ، ح 816 ، وح 73.
3- « بحار الأنوار » 6 : 245 ، ح 74 ، نقلا عن « المحاسن » 1 : 265 ، باب المؤمن صديق الشهيد ، ح 513.
4- « بحار الأنوار » 6 : 246 ، ح 77 ، نقلا عن « تفسير عليّ بن إبراهيم » 2 : 345 ، ذيل الآية 39 من سورة الرحمن (55).
5- كان تأريخ الإنهاء 19 جمادى الأولى سنة 1254. وذلك عند سفره للمرّة الثالثة إلى مشهد الإمام الرضا علیه السلام ، أي قبل وفاته بتسع سنين.

ص: 362

فهرس الموضوعات للجزء الرابع

المطلب الرابع : بعض الأخبار الواردة في أحوال الأئمّة علیهم السلام ..................... 7

فصل [1] : في لزوم الحجّة ................................................... 7

فصل [2] : في طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة علیهم السلام ........................... 8

فصل [3] : في بيان أنّهم الموصوفون بالعلم ................................... 11

فصل [4] : في بيان أنّهم هم الراسخون في العلم .............................. 11

فصل [5] : في بيان جهات علومهم ......................................... 13

فصل [6] : في بيان علوّ منزلتهم ............................................ 14

فصل [7] : في بيان دليل على عصمتهم وافتراض طاعتهم ..................... 15

فصل [8] : في بيان أنّهم محدّثون ............................................ 15

فصل [9] : في بيان أنّهم متى يعلم اللاحق علم السابق ......................... 15

فصل [10] : في بيان أنّهم سواء في العلم والشجاعة ........................... 16

فصل [11] : في بيان أنّ الإمامة عهد من اللّه ................................. 16

فصل [12] : في بيان أنّه يكون أكبر ولده ................................... 16

فصل [13] : في بيان أنّ الإمام واجب الإطاعة ............................... 17

فصل [14] : في بيان أنّه انفتح لعليّ علیه السلام ألف ألف باب من العلم ............. 17

فصل [15] : في بيان لو لا أنّ الأئمّة يزدادون لنفد ما عندهم .................. 18

ص: 363

فصل [16] : في بيان أنّهم يعلمون جميع علوم الأنبياء علیهم السلام .................... 18

فصل [17] : في بيان أنّ علم الأئمّة علیهم السلام يزداد كلّ ليلة جمعة ................. 19

فصل [18] : في بيان كيفيّة ازدياد علمهم في ليلة القدر ....................... 20

فصل [19] : في بيان النصّ لمولانا صاحب الزمان علیه السلام ....................... 22

فصل [20] : في بيان أنّه علیه السلام لا يسمّى باسمه ................................ 23

فصل [21] : في بيان غيبته ................................................. 24

فصل [22] : في بيان كراهية التوقيت ....................................... 27

فصل [23] : في بيان من عرف إمامه لم يضرّه تأخّر الظهور ................... 28

فصل [24] : في بيان صلة الإمام ............................................ 29

فصل [25] : في بيان حالات الأئمّة في السنّ ................................. 29

فصل [26] : في بيان أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ الإمام علیه السلام ....................... 31

فصل [27] : في بيان ولادة الإمام علیه السلام ..................................... 31

فصل [28] : في بيان خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم ..................... 33

فصل [29] : في بيان أن تدخل الملائكة بيوتهم وتأتيهم بالأخبار ................ 34

فصل [30] : في بيان أنّ الجنّ تأتيهم يسألونهم عن معالم دينهم ................. 35

فصل [31] : في بيان حقّ الإمام على الرعيّة وحقّ الرعيّة على الإمام علیه السلام ......... 36

فصل [32] : في بيان أنّ الأرض كلّها للإمام علیه السلام ............................ 37

فصل [33] : في بيان سيرة الإمام علیه السلام في نفسه .............................. 38

فصل [34] : في بيان الولاية ............................................... 38

فصل [35] : في بيان معرفة أوليائهم والتفويض إليهم ......................... 39

فصل [36] : في بيان أنّه إذا قيل في الرجل فلم يكن فيه وكان في ولده وولد ولده فإنّه هو الذي قيل فيه 41

ص: 364

فصل [37] : في بيان أنّ الأئمّة كلّهم قائمون بأمر اللّه وهادون إليه ............. 41

المطلب الخامس : في معجزات ................................................ 42

فصل [1] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي محمّد الحسن المجتبى صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الأطهار 42

فصل [2] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي عبد اللّه الحسين علیه السلام .... 46

فصل [3] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي محمّد زين العابدين عليّ بن الحسين علیهماالسلام 53

فصل [4] : في نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين علیهم السلام 58

فصل [5] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام 72

فصل [6] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي إبراهيم موسى الكاظم صلوات اللّه وسلامه عليه 82

فصل [7] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا علیهماالسلام 93

فصل [8] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا وإمامنا أبي جعفر محمّد التقيّ الجواد صلوات اللّه وسلامه عليه 100

فصل [9] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا وإمامنا أبي الحسن النقيّ صلوات اللّه وسلامه عليه 104

فصل [10] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا وإمامنا أبي محمّد الزكيّ النقيّ الحسن بن عليّ العسكريّ صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين ................................................. 109

فصل [11] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا المنتظر المهديّ أبي القاسم صاحب الزمان صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين ......................................................................... 116

في أسرار الأئمّة علیهم السلام ...................................................... 136

فصل [1] : في أسرار مولانا الحسن المجتبى علیه السلام ............................. 136

فصل [2] : في أسرار الحسين علیه السلام ........................................ 140

فصل [3] : في أسرار عليّ بن الحسين علیهماالسلام ................................ 141

فصل [4] : في أسرار أبي جعفر علیه السلام ...................................... 142

فصل [5] : في أسرار أبي عبد اللّه الصادق علیه السلام ............................. 144

ص: 365

فصل [6] : في أسرار أبي الحسن موسى بن جعفر علیه السلام ...................... 148

فصل [7] : في أسرار أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا علیه السلام .................. 150

فصل [8] : في أسرار أبي جعفر محمّد الجواد النور المستضيء علیه السلام ............ 153

فصل [9] : في أسرار أبي الحسن عليّ الهادي علیه السلام .......................... 155

فصل [10] : في أسرار أبي محمّد العسكري علیه السلام ........................... 156

فصل [11] : في أسرار الإمام المهديّ محمّد بن الحسن علیه السلام .................. 157

تكميل .................................................................... 158

في باب الأنبياء والرسل والأئمة علیهم السلام ...................................... 163

في باب النصّ والإشارة إلى عليّ أمير المؤمنين علیه السلام ........................... 175

في باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى علیه السلام .......................... 180

في باب أنّ الإمام لا يغسّل إلاّ إمام ......................................... 190

في باب سيرة الإمام في نفسه ............................................... 197

باب فيه نتف وجوامع من الولاية .......................................... 198

تذنيب .................................................................... 201

في مولد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ....................................................... 201

في مولد أمير المؤمنين علیه السلام ................................................ 201

في مولد فاطمة الزهراء علیهاالسلام .............................................. 202

في مولد الحسن بن عليّ علیهماالسلام ............................................ 202

في مولد الحسين بن عليّ علیهماالسلام ............................................ 202

في مولد عليّ بن الحسين علیهماالسلام ............................................ 202

في مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ علیهماالسلام ..................................... 203

ص: 366

في مولد أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد علیهماالسلام .................................. 203

في مولد أبي الحسن موسى علیه السلام ............................................ 203

في مولد أبي الحسن الرضا علیه السلام ............................................ 204

في مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني علیهماالسلام ............................... 204

في مولد أبي الحسن عليّ بن محمّد علیهماالسلام .................................... 204

في مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ علیهماالسلام .................................... 205

في مولد الصاحب علیه السلام ................................................... 205

المقصد السادس : في الأصل الخامس وهو المعاد

الكلام في هذا الأصل في فصول ............................................ 215

الفصل الأوّل : في عود الأرواح بعد إزهاقها وحصول الموت .................. 215

المطلب الأوّل : أنّ المعاد لغة - كما مرّ - هو العود ، أو محلّه ، أو زمانه........ 216

[ المطلب ] الثاني : في بيان إمكان المعاد وإيجاد عالم آخر مثل هذا العالم ، ووجوبه عقلا ونقلا 218

المطلب الثالث : في بيان الوعد والوعيد وما يتعلّق بهما. ....................... 224

المطلب الرابع : في بيان مراد أحوال الناس في القبر وعالم البرزخ ............... 228

إثبات امكان وجود عالم مماثل ............................................. 240

الفصل الثاني : في المعاد الجسمانيّ العنصريّ الترابيّ ............................ 245

ما قاله الشيخ المعاصر في المعاد الجسمانى .................................... 254

ردّ مقالة الشيخ المعاصر ................................................... 258

كلمات أخرى صدر من الشيخ المعاصر ..................................... 262

إبطال ما قاله الشيخ المعاصر ............................................... 270

الرسالة القطيفيّة للشيخ أحمد الأحسائي ..................................... 272

ص: 367

أدلّة إثبات المعاد الجسماني................................................. 278

في استحقاق الثواب والعقاب .............................................. 282

الفصل الثالث : في بيان أحوال النار وأهلها .................................. 303

الفصل الرابع : في بيان أحوال أهل الأعراف ................................. 309

الفصل الخامس : في بيان أحوال الجنّة وأهلها ................................. 311

تكميل .................................................................... 327

فصل [1] : في الموت. .................................................... 327

فصل [2] : في ملك الموت ................................................ 329

فصل [3] : في سكرات الموت ............................................ 330

فصل [4] : فيما ورد لبيان أحوال القبر والبرزخ ............................ 335

باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه .................................... 339

باب ما يعاين المؤمن والكافر ............................................... 340

باب إخراج روح المؤمن والكافر ........................................... 347

ص: 368

الفهارس العامّة

اشارة

( للأجزاء الأربعة )

1. فهرس الآيات الكريمة

2. فهرس الأحاديث الشريفة

3. فهرس أسماء الأنبياء والمعصومين علیهم السلام

4. فهرس الأعلام الواردة في المتن

5. فهرس الكتب الواردة في المتن

6. فهرس مصادر التحقيق

7. الفهرس الإجمالي للموضوعات

ص: 369

ص: 370

1. فهرس الآيات الكريمة

سورة الفاتحة (1)

( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (2)... 2 : 80

( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) (6) ... 3 : 356

سورة البقرة (2)

( الم * ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) ( 1 - 2 ) ... 3 : 357

( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) (3) ... 2 : 440

( خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ) (7) ... 2 : 427

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ... (8) ... 4 : 319 ، 322

( يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ ) (19) ... 2 : 438

( إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (20) ... 2 : 59 ، 65

( إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا ) ... (23) ... 3 : 36 ، 51 ، 125

( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ) (24) ... 3 : 114

( أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) (24) ... 4 : 318

( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... وَهُمْ فِيها خالِدُونَ ) (25) ............

... 4 : 311 ، 323

( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً ) (26) ... 2 : 445

( وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) (27) ... 4 : 292

( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ ) ... (28) ... 2 : 439 و 4 : 356

( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (29) ... 2 : 399

ص: 371

( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ... وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) ( 31 - 33 ) ................

... 3 : 67 و 4 : 259

( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ) (37) ... 3 : 259

( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (43) ... 3 : 273

( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) (44) ... 3 : 23

( يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ) (48) ... 4 : 292

( وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّهَ ) ... (55) ... 2 : 323

( أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (80) ... 3 : 213

( وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ ) ... (92) ... 3 : 97

( وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ) (95) ... 2 : 324

( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (106) ... 3 : 166

( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى ) ... (115) ... 3 : 440

( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (117) ... 4 : 19

( كُنْ فَيَكُونُ ) (117) ... 2 : 329

( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ ) ... (124) ... 3 : 261

( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) (124) ... 3 : 205 و 4 : 8 ، 161

( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (124) ...........................................

... 3 : 20 ، 22 ، 23 ، 51 ، 226 ، 228 ، 240 ، 328

( وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا ) (128) ... 2 : 436

( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) ... (143) ... 3 : 357

( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) ... (144) ... 2 : 423

( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ ) ... (146) ... 3 : 127

( وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ... ( 150 - 151 ) ... 3 : 358

( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ ) ... (154) ... 4 : 45

( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) ... (163) ... 2 : 335

( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) (164) ... 2 : 143

( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ) (190) ... 3 : 357

( وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ ) (197) ... 2 : 437

ص: 372

( إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (203) ... 4 : 251

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ ) (207) ... 3 : 258

( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ ) ... (233) ... 3 : 283

( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً ) (245) ... 4 : 29 ، 189

( وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (254) ... 3 : 328

( اللّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (255) ... 2 : 59 ، 253 ، 335

( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) (255) ... 3 : 66 و 4 : 249

( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ ) (255) ... 2 : 139

( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (255) ... 2 : 36 ، 494

( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (255) ... 3 : 211

( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) (256) ... 2 : 422 ، 426

( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) (257) ... 3 : 358

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ) ... (258) ... 2 : 72

( وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً ) (259) 2 : 72 و 4 : 280

( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) (260) ... 2 : 72 ، 294 و 4 : 220

( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَ ) ... (260) 2 : 72 و 4 : 78 ، 243 ، 271

( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (264) ... 4 : 248

( وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) (270) ... 4 : 250

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) (277) ... 2 : 437

( وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (282) ... 2 : 59

( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ ... وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (284) ... 2 : 73 ، 107

( لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (286) ... 1 : 454

سورة آل عمران (3)

( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ... هُدىً لِلنَّاسِ ) ( 3 - 4 ) ... 3 : 50 ، 358

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ) ... (7) ... 3 : 359

ص: 373

( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ ) ... (18) ... 2 : 372 و 4 : 32 ، 192

( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ) (25) ... 2 : 438

( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي ) ... (31) ... 3 : 22

( إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ... * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ) ( 33 - 34 ).........

... 3 : 22 ، 67 ، 226 ، 235

( إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ) (36) ... 4 : 41 ، 200

( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ) (37) ... 3 : 27 ، 31

( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) (49) ... 2 : 438

( وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ) (57) ... 3 : 359

( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ ) ... (59) ... 4 : 259

( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ... وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) ... (61) ... 3 : 252 ، 344

( وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللّهُ ) (62) ... 2 : 335

( قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ ) ... (64) ... 2 : 335

( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) (68) ... 3 : 267 ، 324

( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ ) (71) ... 2 : 439

( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ) (96) ... 2 : 534

( لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ) (99) ... 2 : 439

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) (102) ... 3 : 360

( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (103) ... 3 : 360

( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ) (104) 3 : 230 ، 359 و 4 : 32 ، 325

( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ) (108) ... 2 : 371

( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) (133) ... 3 : 360

( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ) (133) ... 4 : 226 ، 318

( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (133) ... 4 : 225 ، 317

( وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (140) ... 3 : 360

( وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ ) ... (142) ... 2 : 285

( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (144) ... 3 : 49 ، 50

( يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ) ... (154) ... 3 : 360

ص: 374

( وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ ) (158) ... 4 : 250

( أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها ) ... (165) ... 2 : 73

( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً ... فَرِحِينَ ) ( 169 - 170 ) .....

... 4 : 279

( أَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (182) ... 2 : 371

( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ) (195) ... 4 : 248

( إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) (199) ... 4 : 246 ، 302

سورة النساء (4) ( وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ ) ... (14) ... 4 : 289

( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) (20) ... 3 : 336

( خُلِقَ الْإِنْسانُ ) (28) ... 2 : 58

( إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) ... (48) 2 : 335 ، و 4 : 248 ، 290 ، 291

( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ) (53) ... 2 : 436

( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً ) ... (56) ............................

... 2 : 415 و 4 : 222 ، 223 ، 280

( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (58) ... 3 : 114

( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (59) .........................

... 3 : 229 ، 230 ، 236 ، 274 ، 328 ، 356

( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ) (93) ... 4 : 289

( فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (95) ... 3 : 287 ، 343

( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ ) ... (105) ... 4 : 14 ، 167

( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ) ... (115) ... 4 : 261

( وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ) (116) ... 2 : 336

( يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً ) ... (153) ... 2 : 323

( وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً ) (164) ... 2 : 280

( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ ) ... (165) ... 3 : 14

( يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ) ... (171) ... 3 : 214

( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ ) ... (172) ... 3 : 69

( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) (174) ... 3 : 214

ص: 375

سورة المائدة (5)

( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ... (3) ... 3 : 223 ، 268 ، 294

( ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) ... (6) ... 2 : 456

( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (27) ... 4 : 161

( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) (38) ... 3 : 355

( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ... (40) ... 2 : 74

( أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ ) (41) ... 2 : 285

( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (44) ... 3 : 166

( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (45) ... 4 : 92

( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) (48) ... 3 : 358

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ) (51) 3 : 249 ، 322

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ ) ... (54) ... 3 : 264

( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ... (55) .............................

... 3 : 237 ، 247 ، 286 ، 321 ، 344 و 4 : 17 ، 171

( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (56) ... 3 : 249 ، 322

( لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ ) (63) ... 2 : 437

( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) ... (67) ... 3 : 265

سورة الأنعام (6) ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ ... وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ) ... (1) 1 : 403 و 2 : 470

( لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) (28) ... 4 : 232

( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ ) ... (49) ... 3 : 68

( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ ) ... (50) ... 3 : 68

( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ ) (59) ... 2 : 139 ، 553

( وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها ) (59) ... 2 : 192

( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (75) ... 4 : 64 ، 75

( فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (81) ... 3 : 240

ص: 376

( وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ ... وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ( 86 - 87 ) .....

... 3 : 22

( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (90) ... 3 : 22 ، 58 ، 59

( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ ) (100) ... 2 : 438

( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ) (102) ... 2 : 94

( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ) (103) ... 2 : 295 ، 321

( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ) ... (115) ... 4 : 31 ، 32 ، 191 ، 192

( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (164) ... 2 : 417

سورة الأعراف (7) ( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) (12) ... 2 : 551

( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ) ... (17) ... 2 : 549

( ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ ) (20) ... 3 : 68

( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا ) (23) ... 3 : 49

( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (23) ... 2 : 424

( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (32) ... 4 : 38 ، 197

( وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ ) (44) ... 4 : 318

( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) (46) ... 4 : 309

( وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ ) (48) ... 4 : 309

( فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ) ... (51) ... 4 : 71

( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ... (54) ... 2 : 470

( إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) ... (128) ... 4 : 37

( إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) (138) ... 2 : 307

( هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (142) ... 3 : 162

( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ) ... (143) ... 2 : 294 ، 305 ، 324

( تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (143) ... 2 : 324

( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ ) (157) ... 3 : 50 ، 126

ص: 377

( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) (158) ... 3 : 63 ، 129

( وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) (178) ... 2 : 445

( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ... (185) ... 2 : 12

( وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (198) ... 2 : 271 ، 316

سورة الأنفال (8)

( وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ) (26) ... 2 : 341

( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ) ... (42) ... 3 : 214

( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) (62) ... 3 : 272

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ ) ... (64) ... 3 : 272

( إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (75) ... 2 : 139

سورة التوبة (9)

( وَأَذانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) (3) ... 3 : 269

( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) ... (19) ... 3 : 260

( الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا ... أَعْظَمُ دَرَجَةً ) (20) ... 3 : 360

( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) (25) ... 3 : 95

( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ) ... (33) ... 3 : 336

( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (33) ... 3 : 63

( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ ) ... (35) ... 3 : 339

( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) (49) ... 4 : 305

( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (60) ... 4 : 36 ، 196

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (71) ............................

... 3 : 249 ، 266 ، 322 ، 324

( وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ ... الْعَظِيمُ ) (72) ... 4 : 311

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (119) ....................

... 3 : 265 ، 272 ، 328

( إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (120) ... 4 : 248

ص: 378

سورة يونس (10)

( إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ ) ... (4) ... 2 : 372

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ( 9 - 10 ) 4 : 311

( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (22) ... 2 : 436

( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ) (26) ... 2 : 317

( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ) ... (35) ...............................

... 3 : 226 ، 228 ، 232 ، 294 ، 357

( إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ) (44) ... 2 : 371

( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ) ... (47) ... 2 : 372

( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (59) ... 3 : 57 ، 213

( إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) (61) ... 2 : 371

( الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى ) ( 62 - 63 ) ... 4 : 341 ، 345

سورة هود (11)

( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ... (7) ... 2 : 470

( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) (7) ... 4 : 19 ، 172

( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (11) ... 2 : 455

( فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ ) (13) ... 3 : 125

( أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (18) ... 3 : 23

( يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ) ... (44) ... 3 : 62

( فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها ) (82) ... 4 : 69

( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) (107) ... 2 : 257

( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (114) ... 4 : 247

سورة يوسف (12)

( إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (8) ... 3 : 262

( وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ) (17) ... 4 : 321

ص: 379

( فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ) (31) ... 4 : 154

( لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ ) (43) ... 3 : 106

( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (53) ... 1 : 344 و 3 : 18

( إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) (95) ... 3 : 262

( هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ ) ... (108) 3 : 237 و 4 : 30 ، 190

( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ) (109) ... 3 : 21

سورة الرعد (13)

( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (7) .........................................

... 3 : 219 ، 228 ، 261 ، 262 ، 361 و 4 : 10 ، 163

( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ ) ... (16) ... 2 : 19

( اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (16) ... 2 : 94 و 4 : 273

( وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (23) ... 2 : 445

( وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) ( 24 - 25 ) 4 : 311

( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) (29) ... 4 : 311

( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) ... (35) ... 4 : 312

( يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (39) ... 4 : 186

( وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (43) ... 3 : 272

سورة إبراهيم (14)

( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ ) ... (4) ... 3 : 15

( يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) (10) ... 3 : 15

( قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ ) ... (11) ... 3 : 22

( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) ... (27)... 4 : 230

( يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ) (27) ... 2 : 436

( اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ... (32) ... 2 : 33

( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها ) (34) ... 1 : 440

( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ) (40) ... 2 : 436

ص: 380

سورة الحجر (15)

( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) (25) ... 4 : 250

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) (26) ... 4 : 260

( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) (27) ... 2 : 551

( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ( 39 - 40 ) ... 3 : 23

( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) (42) ... 3 : 356

( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوها ... وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ ) ( 45 - 48 ) 4 : 312

( إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) (60) ... 2 : 444

( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ... وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) ( 75 - 76 ) .........

... 4 : 40 ، 199 ، 200

( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ ) (86) ... 3 : 212

سورة النحل (16)

( أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) (1) ... 4 : 154

( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) (4) ... 2 : 33

( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ ) ... (5) ... 2 : 33

( أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) (15) ... 3 : 97

( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها ) (18)... 1 : 440

( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ ... مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) (26) ... 4 : 69

( كَذلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ ... بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( 31 - 32 ) ... 4 : 312

( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (43) 3 : 216 ، 226 و 4 : 11 ، 164

( فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا ) (34) ... 2 : 426

( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ ... وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) ( 49 - 50 ) ... 3 : 67

( لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ) (51) ... 2 : 19 ، 336

( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) (53) ... 2 : 436

( عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) (70) ... 2 : 289

( ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ ) (79) ... 2 : 436

ص: 381

( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً ) ... (80) ... 3 : 315

( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (106) ... 4 : 322

( أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ) (108) ... 2 : 426

( وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (118) ... 2 : 416

( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (125) ... 2 : 9 و 3 : 427

سورة الإسراء (17)

( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ ) (4) ... 2 : 424 ، 444

( وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) ... (13) ... 4 : 239 ، 247 ، 302

( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (15) ... 3 : 283

( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (15) ... 1 : 442 و 2 : 385

( لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً ) (22) ... 2 : 336

( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (23) ... 2 : 443

( لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ ) ... (39) ... 2 : 336

( فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (51) ... 4 : 279

( لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) (65) ... 3 : 356

( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) (71) ... 4 : 187

( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (79) ... 4 : 291

( جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ) (81)... 4 : 158

( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا ) ... (88) ... 3 : 62

( لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (88) ... 3 : 114

( هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً ) (93) ... 3 : 94

( وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا ) (94) ... 2 : 439

( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) (101) ... 3 : 29

سورة الكهف (18)

( فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (29) ... 2 : 439

ص: 382

( إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً ... يَشْوِي الْوُجُوهَ ) (29) ... 4 : 304

( أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ... وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ) (31) ... 4 : 312

( لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها ) ... (49) ... 4 : 239

( كانَ مِنَ الْجِنِّ ... أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي ) (50) ... 2 : 552

( حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ) (70) ... 2 : 438

( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) (99) ... 4 : 225 ، 318

( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (110) ... 2 : 19

سورة مريم (19)

( كهيعص ) (1) ... 3 : 114

( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (6) ... 2 : 436

( لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ ) ... (42) ... 2 : 202

( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ ) ... (59) ... 3 : 257

( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً ) ... (62) ... 4 : 312

( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) (62) ... 4 : 231

( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها ) (71) ... 4 : 246 ، 301

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ) (96) ... 3 : 271

سورة طه (20)

( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) (5) ... 1 : 445 و 2 : 36 ، 291

( عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُ ) ... (52) ... 2 : 125 ، 126

( مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ ) ... (55) ... 4 : 259

( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ) (82) ... 4 : 130 ، 161 ، 248

( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا ) ... (134) ... 2 : 459

ص: 383

سورة الأنبياء (21)

( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (7) ... 3 : 232

( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (16) ... 2 : 399

( وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ ... لا يَفْتُرُونَ ) ( 19 - 20 ) ... 3 : 68

( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّهُ لَفَسَدَتا ) (22) ... 2 : 334

( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ ... وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) ( 26 - 28 ) ... 3 : 68

( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ ) ... (30) ... 2 : 470

( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) (47) ... 4 : 245 ، 300

( وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها ) ... (47) ... 4 : 91 ، 274

( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (67) ... 1 : 438

( إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ) (90) ... 3 : 24

( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) (98) ... 2 : 336

( يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) (104) ... 4 : 242

سورة الحجّ (22)

( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ ) ... (5) ... 4 : 273

( أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ) ... (7) ... 4 : 250

( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ ... ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ) ( 19 - 22 ) 4 : 305

( يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ ... وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ ) ( 23 - 24 ) 4 : 312

( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (25) ... 4 : 91

( سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (61) ... 2 : 270

( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) (77) ... 2 : 437

( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (78)... 4 : 288

سورة المؤمنون (23)

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ ... فِي قَرارٍ مَكِينٍ ) ( 12 - 13 ) ... 4 : 260

( فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (14) ... 2 : 438 و 4 : 273

ص: 384

( يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ ) ... (51) ... 4 : 14 ، 168

( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (80) ... 1 : 438

( مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ ) ... (91) ... 2 : 334

( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ ... لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً ) ... ( 99 - 100 ) .

... 4 : 230 ، 232 ، 352

( كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ) (100)... 4 : 352

( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (100) ... 4 : 335

( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ ) (104) ... 4 : 305

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) (115) ... 2 : 399 و 4 : 133

سورة النور (24)

( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (2) ... 3 : 355

( وَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) ... (10) ... 2 : 455

( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ) (19) ... 4 : 326

( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (22) ... 3 : 348

( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ) (24) ... 4 : 304

( تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً ) (31) ... 4 : 293 ، 321

( اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ ) ... (35) ... 3 : 269

( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) ... (36) ... 3 : 261

( يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ) (39) ... 3 : 284

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُزْجِي سَحاباً ) (43) ... 2 : 516

( فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) (43) ... 2 : 516

( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ) (55) ... 3 : 336

( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) (63) ... 3 : 237

سورة الفرقان (25)

( وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ ) ... (21) ... 2 : 323

( جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً ) (47) ... 1 : 403

ص: 385

سورة الشعراء (26)

( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (90) ... 4 : 225

( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ) (91) ... 4 : 225 ، 318

( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (214) ... 3 : 243

( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (227) ... 4 : 109

سورة النمل (27)

( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ) (14) ... 4 : 319 ، 322

( أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (40) ... 3 : 31

( إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) (57) ... 2 : 425 ، 444

سورة القصص (28)

( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ) ... (5) ... 4 : 178

( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ) ... (68) ... 3 : 226 ، 235

( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (88) ... 4 : 220 ، 226 ، 318

سورة العنكبوت (29)

( وَمَأْواكُمُ النَّارُ ) (25) ... 3 : 323

( وَاللّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ ) (45) ... 2 : 437

( يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ ) ... (55) ... 4 : 305

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ... (61) ... 2 : 337

سورة الروم (30)

( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ ... سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ) ( 1 - 4 ) 3 : 83 ، 84 ، 115

( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ... (22) ... 4 : 40 ، 200

سورة لقمان (31)

( هذا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ ) ... (11) ... 2 : 19 و 4 : 274

ص: 386

( يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (13) ... 2 : 336

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ... (25) ... 1 : 438 و 2 : 33

( وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ ) (34)... 4 : 45

سورة السجدة (32)

( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) ... (11) ... 4 : 329

( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى ) ... (21) ... 4 : 305

سورة الأحزاب (33)

( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ ) (6) ... 4 : 16 ، 170

( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ) ... (33) ... 3 : 20 ، 51 ، 255

( أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (36) ... 3 : 237

( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ) ... (40) ... 3 : 49 ، 58 ، 114

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ) ... (46) ... 3 : 50

( إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ ) ... (56) ... 3 : 263

( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ ... فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) ( 57 - 58 ) .........

... 3 : 23 ، 264

سورة سبأ (34)

( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ ) ... (3) ... 2 : 139 ، 201

( ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ ) (17) ... 4 : 69

( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ ) (28) ... 3 : 63 ، 129

( فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ ... فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) (37) ... 4 : 312

سورة فاطر (35)

( هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ ) (3) ... 2 : 19 ، 94

( إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (28) ... 3 : 19

ص: 387

سورة يس (36)

( وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ) (9) ... 3 : 46

( وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها ) ... (33) ... 4 : 212

( وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ) ... (34) ... 4 : 213

( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ ) ... (37) ... 1 : 403

( فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) (51) ... 4 : 222 ، 279

( قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ) ... (52) ... 4 : 222

( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ ) ... (65) ... 4 : 271

( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً ) ... (71) ... 2 : 202

( قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) (78) ... 4 : 222 ، 250 ، 279

( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (79) .....................................

... 4 : 220 ، 222 ، 250 ، 261 ، 279

( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً ) ... (80) ... 2 : 512

( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ ) ... (81) ... 4 : 219 ، 240

( وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) (81) ... 3 : 319

( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (82) ... 2 : 257

سورة الصّافّات (37)

( أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ... قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ ) ( 16 - 18 ) ... 4 : 250

( فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ ) (23) ... 4 : 302

( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (24) ... 4 : 304

( أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَواكِهُ ... كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) (40 - 49) 4 : 313

( أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ... رُؤُسُ الشَّياطِينِ ) ( 62 - 65 ) 4 : 305

( وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) (96) ... 2 : 415

( وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ) (164) ... 4 : 263

سورة ص (38)

( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (28) ... 2 : 399

ص: 388

( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (39) 4 : 11 ، 13 ، 164 ، 167

( وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ ) (47) ... 3 : 24

( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ) (71) ... 4 : 260

( ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ) (75) ... 2 : 439

( خَلَقْتُ بِيَدَيَ ) (75) ... 2 : 202 ، 341

( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) (88) ... 4 : 79

سورة الزمر (39)

( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (9) 3 : 233 و 4 : 11 ، 164

( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (30) ... 3 : 207 ، 335

( مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ ) (37) ... 2 : 426

( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ... (38) ... 1 : 438

( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) ... (53) ... 4 : 248 ، 290

( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (58) ... 4 : 231

( اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (62) ... 3 : 212

( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (65) ... 4 : 247

سورة غافر (40)

( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (11) ... 4 : 227 ، 230 ، 298

( الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) ... (17) ... 2 : 426 ، 438

( ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ) (18) ... 4 : 250 ، 291

( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (31) ... 2 : 371

( وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (33) ... 2 : 426

( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها ) (40) ... 2 : 437

( فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ ) (40) ... 4 : 313

( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) ... (46) ... 4 : 226 ، 231 ، 298

ص: 389

( وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ... قالُوا بَلى ) ( 49 - 50 ) ... 4 : 305

( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى ) ... (50) ... 4 : 71

( كُنْ فَيَكُونُ ) (68) 2 : 171

سورة فصّلت (41)

( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ ... ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( 9 - 12 ) ... 2 : 470

( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها ) (10) ... 2 : 424 ، 443

( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ) (12) ... 2 : 424 ، 443

( يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللّهِ ... وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا ) ( 19 - 21 ) .....

... 4 : 223 ، 279

( حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ ... كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ) ( 20 - 22 ) 4 : 271

( وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ... مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) (31) ... 4 : 313

( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ) (40) ... 2 : 439

( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ) (46) ... 2 : 437

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ ... ) (52) ... 2 : 11

( سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ) ... (53) ... 2 : 12 ، 33

سورة الشورى (42)

( كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّهُ ) (3) ... 3 : 49

( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) (7) ... 4 : 139

( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (11) ... 2 : 19

( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ... (23) ... 3 : 236 ، 256

( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاَّ ... بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ ) (51) ... 2 : 424 و 3 : 22

سورة الزخرف (43)

( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) ... (4) ... 3 : 211

( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ ) (32) ... 3 : 212

ص: 390

( إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ ) (44) ... 4 : 11 ، 164

( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) (61) ... 4 : 135

( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ ... مِنْها تَأْكُلُونَ ) ( 70 - 73 ) 4 : 313

( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ) (84) ... 2 : 339 و 4 : 14 ، 168

سورة الدخان (44)

( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ... مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ ) ( 43 - 48 ) ... 4 : 305

( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى ) (56) ... 4 : 228 ، 299

سورة الجاثية (45)

( خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ ) ... (32) ... 2 : 399

( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) ... (33) ... 2 : 426

سورة الأحقاف (46)

( وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً ) ... (6) ... 4 : 250

سورة محمّد (47)

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا ) ... (2) ... 3 : 50

( سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ) (5) 4 : 301

( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ ) ... (15) ... 4 : 313

( كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً ) ... (15) ... 4 : 306

سورة الفتح (48)

( يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (10) ... 1 : 445

( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ ) (29) ... 3 : 50

ص: 391

سورة الحجرات (49)

( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (6) ... 3 : 23

( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (9) ... 4 : 323

( وَلا تَجَسَّسُوا ) (12) ... 4 : 321 ، 326

( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ ) ... (12) ... 4 : 296

( قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ) ... (14) ... 4 : 319 ، 322

( وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (14) ... 4 : 322

سورة ق (50)

( قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ) ... (4) ... 2 : 125

( تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) (30) ... 4 : 120

( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (31) ... 4 : 317

( يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ) ... (44) ... 4 : 280

سورة الذاريات (51)

( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ ) (49) ... 1 : 87

( ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (56) ... 2 : 399

( إِنَّ اللّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ) (58) ... 3 : 212

سورة الطور (52)

( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (16) ... 2 : 426

( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (19) ... 2 : 426

( كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) (21) ... 2 : 438

( وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ... لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ) ( 22 - 24 ) 4 : 314

سورة النجم (53)

( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) (1) ... 3 : 262

ص: 392

( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ ... ما كَذَبَ الْفُؤادُ ) ... ( 2 - 11 ) ......................

... 2 : 422 و 3 : 50 ، 51 ، 65 ، 230 ، 262

( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) (13) ... 2 : 359 و 4 : 225 ، 317

( عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ) ( 14 - 15 ) ... 4 : 225 ، 317

( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (28) ... 3 : 356

( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا ) ... (31) ... 2 : 426 ، 437

( أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) (39) ... 2 : 417

( أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى ) (43) ... 2 : 436

سورة القمر (54)

( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) (1) ... 3 : 51

( سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ) (26) ... 4 : 250

سورة الرحمن (55)

( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) (13) ... 3 : 96

( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ) ... (14) ... 1 : 190

( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ... يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) ( 19 - 22 ) 3 : 263

( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (26) ... 4 : 220 ، 242

( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (29) ... 2 : 426

( هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ) (43) ... 4 : 207

( وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ) ... ( 46 ، 52 ، 54 ، 56 ، 62 ، 64 ، 66 ، 68 ، 70 ، 72 ) 4 : 314

سورة الواقعة (56)

( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ) ( 1 - 2 ) ... 4 : 250

( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (10) ... 3 : 271 ، 346

( وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ... جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) ( 20 - 24 ) ... 4 : 415

( وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ ... لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) ( 41 - 44 ) ...

... 4 : 306

ص: 393

( قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) ( 49 - 50 ) ....

... 4 : 251

( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ ... هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ) ( 51 - 56 ) ... 4 : 306

( نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ) (60) ... 2 : 424 ، 443

( فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ... إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ( 83 - 87 ) ... 4 : 347

( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) (88) ... 4 : 230 ، 231 ، 268 ، 335 ، 352

( فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (89) ... 4 : 230 ، 231 ، 268 ، 335 ، 352

( وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ ) ... ( 92 - 93 ) ...............

... 4 : 230 ، 232 ، 335 ، 349 ، 352

( وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) (94) ... 4 : 230 ، 232 ، 336 ، 349 ، 352

سورة الحديد (57)

( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) (3) ... 4 : 242

( كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) (21) ... 4 : 226 ، 281 ، 319

( أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ ) (21) ... 4 : 317

( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ ) ... (25) ... 3 : 15

( وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ) (27) ... 2 : 438

سورة المجادلة (58)

( أَحْصاهُ اللّهُ وَنَسُوهُ ) (6) ... 4 : 239 ، 251

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ) ... (12) ... 3 : 259

( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (22) ... 2 : 436 و 4 : 319 ، 322

سورة الحشر (59)

( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (7) ... 4 : 13 ، 167

( خالِدَيْنِ فِيها ) (17) ... 4 : 224

سورة الصفّ (61)

( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (2) ... 3 : 23

ص: 394

( يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ ) ... (6) ... 3 : 99 ، 126

( وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) (6) ... 3 : 49

سورة الجمعة (62)

( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ) (2) ... 3 : 115

( وَاللّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (11) ... 4 : 273

سورة المنافقون (63)

( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ ) (1) ... 3 : 84

( وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ) (1) ... 3 : 49

سورة التغابن (64)

( قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ ) (7) ... 4 : 251

( مَنْ يُؤْمِنْ بِاللّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً ) (64) ... 4 : 323

سورة التحريم (66)

( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ ) (1) ... 3 : 96

( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ) ... (3) ... 3 : 85

( فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) ... 3 : 348

( تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) (8) ... 4 : 293 ، 321

سورة الملك (67)

( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ ) ... (2) ... 1 : 466 و 4 : 215 ، 228

( وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ ) (10) ... 2 : 271

( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ ) ... (13) ... 2 : 436

( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (14) ... 2 : 153 ، 196 ، 272

( وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (15) ... 4 : 251

ص: 395

سورة القلم (68)

( ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ) (1) ... 2 : 493

( إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (4) ... 3 : 59

سورة الحاقّة (69)

( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (12) ... 3 : 264 ، 279 ، 343

( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ ) (24) ... 2 : 8

سورة المعارج (70)

( سَأَلَ سائِلٌ ) (1) ... 3 : 266

سورة نوح (71)

( وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً ) (27) ... 2 : 446

سورة الجنّ (72)

( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ ) (1) ... 3 : 63

( وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ) (23) ... 3 : 23 و 4 : 289

( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) (26) ... 4 : 19 ، 172

( إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (27) ... 4 : 172

سورة المزّمّل (73)

( فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (19) ... 2 : 439

سورة المدّثّر (74)

( فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ) (8) ... 4 : 27 ، 186

( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ ... عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) ( 26 - 30 ) 4 : 306

ص: 396

( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) (37) ... 2 : 439

( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) (48) ... 4 : 292

( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (49) ... 2 : 439

( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) (55) ... 2 : 439

سورة القيامة (75)

( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) (1) ... 4 : 251

( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ ) ... ( 3 - 4 ) ..........................

... 2 : 74 و 4 : 219 ، 220 ، 222 ، 271 ، 279

( لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) (9) ... 1 : 344

( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) (22) ... 2 : 294 ، 314

( وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ ) ( 27 - 28 ) ... 4 : 331

( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) (29) ... 4 : 331

( إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ) (30) ... 4 : 331

سورة الإنسان (76)

( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ) (1) ... 3 : 286

( يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (7) ... 4 : 251

( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (8) 3 : 257 ، 295 ، 344

( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ ) (30) ... 2 : 422 ، 440

سورة المرسلات (77)

( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) (15) ... 3 : 96

سورة النازعات (79)

( أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً ) (11)... 4 : 279

( فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ * فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) ( 13 - 14 ) ... 4 : 267

( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها ... مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ) ( 27 - 33 ) ......

... 2 : 470 ، 472

ص: 397

سورة التكوير (81)

( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ ) ( 15 - 16 ) ... 4 : 26 ، 186

سورة المطفّفين (83)

( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ) ( 10 - 11 ) ... 4 : 251

( كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) (15) ... 2 : 317

سورة الانشقاق (84)

( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ ) ... ( 7 - 8 ) 4 : 246 ، 302

( طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) (19) ... 1 : 459

( فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (20) ... 2 : 439

سورة البروج (85)

( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) (16) ... 2 : 436

سورة الأعلى (87)

( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ) (7) ... 2 : 59 ، 139

سورة الغاشية (88)

( إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ ) ( 25 - 26 ) ... 3 : 317

سورة الفجر (89)

( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ ) ... ( 27 - 28 ) ...............

... 1 : 344 و 4 : 279

سورة الشمس (91)

( وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ... وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ) ( 7 - 10 ) ... 1 : 343

ص: 398

سورة الليل (92)

( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ... وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) ( 17 - 19 ) ..........

... 3 : 291 ، 349

سورة الضحى (93)

( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ) (5) ... 3 : 66

سورة القدر (97)

( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها ) (4) ... 4 : 20

سورة الزلزلة (99)

( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (7) ... 4 : 247 ، 286 ، 287 ، 289

( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (8) ... 4 : 247

سورة العاديات (100)

( أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ ) ( 9 - 10 ) ........

... 4 : 223 ، 280

سورة القارعة (101)

( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) ( 6 - 7 ) ... 4 : 245 ، 300

( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ * فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) ( 8 - 9 ) ... 4 : 245 ، 300

سورة العصر (103)

( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (2) ... 2 : 417

سورة الهمزة (104)

( كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ... فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) ( 4 - 9 ) ... 4 : 306

ص: 399

سورة الكافرون (109)

( يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ... لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) ( 1 - 6 ) ... 3 : 121

سورة المسد (111)

( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ) (1) ... 3 : 46

( سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ ) (3) ... 4 : 306

سورة الإخلاص (112)

( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) (1) ... 2 : 19 ، 336 ، 337

( اللّهُ الصَّمَدُ ) (2) ... 2 : 336

( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) (3) ... 2 : 336

( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (4) ... 2 : 9 ، 336

سورة الناس (114)

( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) ( 5 - 6 ) ... 2 : 440

ص: 400

2. فهرس الأحاديث الشريفة

« آ »

آمنوا بليلة القدر إنّها تكون لعليّ ... 4 : 176

الآن كما كان ... 2 : 57

آيتان تكونان قبل القائم لم تكونا منذ هبط آدم... ... 3 : 450

« أ »

الأئمّة بعدي اثنا عشر ... التاسع قائمهم ... ... 3 : 431

الأئمّة بعدي اثنا عشر ... التاسع مهديّهم ... ... 3 : 431

الأئمّة علیهم السلام علماء صادقون مفهمون محدّثون ... 4 : 15 ، 168

أبى اللّه أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ... ... 4 : 162

ابتلى اللّه أحدهم في جسده ، فإن كان ذلك كفّارة ... ... 4 : 331

ابن آدم إذا كان في آخر يوم ... فيلتفت إلى ماله ... ... 4 : 232

ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة ... ... 3 : 439

ابيضّت وجوه واسودّت وجوه وسعد أقوام ... ... 3 : 179

أتحبّ أن اعطيك الجواب من كتاب اللّه ... ... 2 : 502

أتحبّ أن ترى فضلك عليهم ... ... 4 : 141

أتحبّون أن اريكم مثله ... يا طاوس ... ... 4 : 78

اتّخذوا الحمام الراعبيّة في بيوتكم ... ... 2 : 545

أتدري لم سمّي قم؟ ... ... 2 : 535

أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ... ... 4 : 16 ، 170

ص: 401

اتّفق الجميع ... أنّ المعرفة من جهة الرؤية ضرورة ... ... 2 : 359

أتمشي أمام من هو خير منك ... [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 350

أتوا نبيّا لهم فقالوا : ادع لنا ربّك يرفع عنّا الموت ... ... 4 : 327

اتي برجل فقيل : زعم هذا أنّه احتلم بامّي ... ... 3 : 417

اتي عمر بامرأة وزوجها شيخ فلمّا أن واقعها مات ... ... 3 : 397

أتي عمر بن الخطّاب بامرأة قد تعلّقت برجل من الأنصار ... ... 3 : 397

أتي عمر بن الخطّاب بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت ... ... 3 : 399 - 401

أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّا لأهل بيتي ولأصحابي ... 4 : 127

اجلس ... ناولني يا غلام البيضة ... ... 2 : 39

أحبّ المطايا إليّ الحمر ... 2 : 544

الإحسان يقطع اللسان ... 3 : 418

أحسنت يا فضّة لكن لو أذبت الجسد لكان ... أغلى ... 3 : 420

أحلفكم باللّه هل يكون منكم من يكون أقرب إلى الرسول منّي ... ... 3 : 254

أخبرني ... أنّه حمل إلى الرضا علیه السلام مالا له خطر فلم أره سرّ به ... ... 4 : 95

أخبرني عن هذا الرجل ... أيّ شيء سمعته يقول ... ... 4 : 342

أخذ بيدي موسى بن جعفر علیه السلام يوما فخرجنا من المدينة ... ... 4 : 87

أخرج صرّة فلان فإنّ فيها كذا وكذا ... ... 4 : 144

الأدب خير ميراث ... 3 : 419

ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ... 4 : 249 ، 292

ادخل لا أبا لك ، فلو كانت الجدران تحجب أبصارنا ... ... 4 : 142

أدعو عليك إن كنت كاذبا ... 3 : 417

إذا أراد اللّه أن يبعث أمطر السماء على الأرض ... ... 4 : 252

إذا أراد الإمام أن يعلم شيئا أعلمه اللّه عزّ وجلّ ذلك ... 4 : 12 ، 165

إذا أراد الحسين علیه السلام أن ينفذ غلمانه في بعض اموره ... ... 4 : 47

إذا اشتريت دابّة فإنّ منفعتها لك ... ... 2 : 544

إذا بلغت نفس أحدكم هذا قيل له ... ... 4 : 333 ، 345

ص: 402

إذا بلغت نفس أحدكم هذه ... قرّت عينه ... 4 : 347

إذا بلغت نفس أحدكم هذه قيل له ... فقد أمنت ... ... 4 : 345

إذا حلّت المقادير ضلّت التدابير ... 3 : 418

إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول اللّه ... ... 4 : 341

إذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار ... ... 2 : 318

إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه ... ... 4 : 233 ، 353

إذا رأيت الميّت قد شخص ببصره ... فحسبك بها ... 4 : 347

إذا رجعت إلى الكوفة يولد لك ولد وتسمّيه عيسى ... ... 4 : 144

إذا رضي اللّه عن عبد ، قال : يا ملك الموت اذهب ... ... 4 : 331

إذا رفع عملكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج ... ... 4 : 26

إذا صاح النسر فإنّه يقول : يا بن آدم عش ما شئت ... ... 2 : 541

إذا صلّيت ... فإنّ أباك يأتيك في النوم ويخبرك ... ... 4 : 100

إذا ظهرت البدع في أمّتي فعلى العالم أن يظهر علمه ... ... 2 : 342

إذا فقد الخامس من ولد السابع فاللّه اللّه في أديانكم ... ... 4 : 24 ، 183

إذا قام القائم علیه السلام جاء بأمر غير الذي كان ... 3 : 442

إذا قام القائم علیه السلام دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة ... ... 3 : 442

إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه ... ... 3 : 418

إذا قلنا في رجل قولا فلم يكن فيه وكان في ولده ... ... 4 : 41 ، 200

إذا كان يوم القيامة اتي بالشمس والقمر ... ... 2 : 502

إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الأوّلين والآخرين ... ... 4 : 252

إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي وقل ... ... 4 : 145

إذا مات الإمام بم يعرف الذي بعده ... ... 4 : 16

إذا مات العبد المؤمن ، دخل معه في قبره ستّ صور ... ... 4 : 355

إذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانية ... ... 4 : 231

إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره ... ... 4 : 231 ، 336 ، 352

إذا وقع رفع علمكم من بين أظهركم ... ... 4 : 186

ص: 403

إذا ولد المولود لبني آدم ... قرن اللّه به ملكا ... ... 2 : 549

اذكره ( جعلت فداك حديث رواه فلان فقال : ) ... 4 : 175

اذهب فأقمه في الشمس واضرب ظلّه ... 3 : 417

أراني أبو محمّد ابنه قال : هذا صاحبكم بعدي ... 3 : 439

أرانيه أبو محمّد علیه السلام وقال : هذا صاحبكم ... 4 : 182

أرأيت إن دعوت هذا العذق ... أتشهد أنّي رسول اللّه ... ... 3 : 197

أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ... ... 2 : 41

أرأيت ما كان من أمر قيام عليّ ... والحسين وخروجهم ... 4 : 166

أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ... ... 4 : 249

أربعة أنهار من الجنّة : الفرات والنيل و ... ... 2 : 524

أربعة القليل منها كثير : النار القليل ... ... 2 : 512

أربعة لا تزال في أمّتي إلى يوم القيامة : الفخر بالأحساب ... ... 2 : 503

ارجع إلى بلادك فإنّ ابن عمّك قد مات ... ... 3 : 178

ارجع إليه وقل له : يا عم ... فمن شهد له الحجر الأسود فهو الإمام ... ... 4 : 54

ارجع فقد فعلت ... ذكر أنّ زوجته قد عسرت عليها الولادة ... ... 4 : 142

ارجعي بإذن اللّه خضراء مثمرة ... ... 3 : 383

أرسل ... تاجر ولده وعبده إلى الكوفة للتجارة ... ... 3 : 284

الأرض على أيّ شيء هي قال : هي على الحوت ... ... 2 : 526

الأرض ممّ خلق؟ قال علیه السلام : من زبد الماء ... 2 : 525

ارفع رأسك ... هكذا رأى إبراهيم ملكوت السماوات ... ... 4 : 64 ، 75 - 76

ارفعوا أيديكم إلى اللّه عزّ وجلّ ... 2 : 36

ارفعوا فإنّها تخبرني بأنّها مسمومة ... 3 : 43

الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف ... 1 : 353

أرواح المؤمنين في حجرات في الجنّة ... ... 4 : 355

استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى ... ... 4 : 85

استنزهوا عن البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه ... 4 : 299

ص: 404

استنزهوا من البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه ... 4 : 227

اشتهر وبلغ مبلغ التواتر من خروج النبيّ صلی اللّه علیه و آله ليلة الجنّ ... ... 2 : 551

أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث : الساعة التي يعاين فيها ملك الموت ... ... 4 : 331

أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة ... 4 : 10 ، 163

الأشياء لا تدرك إلاّ بأمرين : بالحواسّ والقلب ... ... 2 : 360

أصابت الناس زلزلة على عهد أبي بكر وفزع الناس ... ... 3 : 384

أصابت الناس زلزلة في عهد أبي بكر ... ... 2 : 529

اصبر حتّى تضع الحمل ووجد من يكفله فارجمها ... 3 : 283

أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ... 3 : 296

أصل الماء خشية اللّه ... 2 : 537

اصنع ما أنت صانع فإنّ عمرك قد فني ... ... 4 : 87

اعبد اللّه كأنّك تراه ... 2 : 293

أعط هذا حقّه ... 3 : 46

أعلم أمّتي بعدي عليّ بن أبي طالب ... 3 : 280

اعلم أنّ اللّه خلقني وعليّا من نور قدرته ... ... 3 : 308

أغبط ما يكون امرؤ بما نحن عليه إذا كانت النفس في هذه ... ... 4 : 346

أفتحبّ أن تراه وتسأله أين موضع ماله؟ ... ... 4 : 61 - 62

افسحوا لهم عن بعض الشريعة ... ... 3 : 285 ، 346

أفضل ما يتقرّب به العباد إلى اللّه عزّ وجلّ طاعة اللّه ... ... 4 : 10 ، 163

أفقر الفقر الحمق وأغنى الغنى العقل ... 3 : 418

أقبل أعرابيّ إلى المدينة ليختبر الحسين علیه السلام ... ... 4 : 47

أقبل رجلان إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ... ... 2 : 526

اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 291 ، 349

أقضاكم عليّ ... 3 : 279 ، 343

اقعد رجل من الأخيار في قبره فقيل له : إنّا جالدوك ... ... 4 : 350

أقول قولا لا يقوله أحد غيري إلاّ كان كافرا ... ... 3 : 410

ص: 405

اكتب عملك وما لك وما عليك في دار الدنيا ... ... 4 : 239

أكثر أهل الجنّة البله ... 1 : 358

أكثروا من الدواجن في بيوتكم ... ... 2 : 544

أكرموا البقر فإنّها سيّد البهائم ... ... 2 : 542

اكفني هؤلاء ... 3 : 287 ، 341

ألا أخبرك بما في عيبتك قبل أن تخبرني ... ... 4 : 66

ألا اخبركم بأشراط الساعة ... ... 3 : 175 - 177

ألا تدلّني إلى من آخذ عنه ديني؟ فقال : هذا ابني عليّ ... 3 : 438

ألا لا يسلّمن عليّ أحد ولا يشير إليّ بيده ... ... 4 : 112

( إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) وكان واللّه محمّد صلی اللّه علیه و آله ممّن ارتضاه اللّه ... ... 4 : 19

ألا يستحيي ممّن يستحيي منه ملائكة السماء [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 292

ألححت على الرضا علیه السلام في شيء طلبته منه ... ... 4 : 99

اللّه أعزّ من ذلك ... اللّه أعدل ... ... 2 : 364 ، 372

اللّه أكبر ... رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء ... 2 : 501

اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ... ... 3 : 268

اللّه هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد ... 2 : 37

اللّه يقضيه ... يا أبا هاشم ، انزل فخذ واكتم ... 4 : 109

اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليّ يأكل معي من هذا الطائر ... 3 : 277

اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي ... 3 : 348

اللّهمّ اجعلها اذن عليّ علیه السلام ... 3 : 279 ، 343

اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) ... 3 : 247 - 248

اللّهمّ إنّ بسرا قد باع دينه بالدنيا ... ... 3 : 411

اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لن تعبد بعدها في الأرض ... ... 3 : 177

اللّهمّ إنّه كان في طاعتك ... فاردد عليه الشمس ... 3 : 417

اللّهمّ ثبّت قلبي على دينك ... 4 : 322

اللّهمّ ... وإنّك لا تخلي أرضك من حجّة لك ... ... 3 : 443

ص: 406

أما إنّه ما كان من هذا الرعد ... فإنّه من أمر صاحبكم ... 3 : 368

أما تدرون من حضر لغسله؟ قد حضره خير ممّن غاب عنه ... ... 4 : 31 ، 190

أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ... ... 3 : 275 ، 412

أما رأيت الناس يكونون جلوسا فتعتريهم السكتة ... ... 4 : 330

أمّا الفيل فالعرب بعيد العهد بها ... ... 2 : 542

أما واللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ... ... 3 : 426

إمام البررة وقاتل الفجرة منصور ... ... 3 : 416

إمام يخنس سنة ستّين ومائتين ... ... 4 : 26 ، 186

الإمام يعرّف الإمام الذي يكون من بعده ... 3 : 227 ، 235

أمامك رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله والأئمّة علیهم السلام ... 4 : 334

أمر أصحابه بأن يسلّموا على عليّ علیه السلام بإمرة المؤمنين ... ... 3 : 277

أمر اللّه عزّ وجلّ رسوله بولاية عليّ علیه السلام ... ... 4 : 17 ، 171

أمر اللّه ولم يشأ وشاء ولم يأمر ... ... 2 : 363

امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها ... ... 4 : 48

أمرتهم أن لا يؤذوا وليّا لي ولأهل بيتي ... ... 2 : 541

أمرني سيّدي أبو عبد اللّه علیه السلام يوما أن أقدّم ناقته ... ... 4 : 149

أمير المؤمنين أفضل عند اللّه من الأئمّة ... ... 3 : 311

إنّ آية المؤمن إذا حضره الموت يبيضّ وجهه ... ... 4 : 345

إنّ أبا جعفر علیه السلام حدّثنا أنّ رجلا أتى سلمان الفارسي ... ... 4 : 356

إنّ أبا جعفر علیه السلام كان يقول : خروج السفياني من المحتوم ... ... 3 : 448

أنّ إبليس تصوّر لعليّ بن الحسين علیه السلام وهو قائم ... ... 4 : 55

إنّ ابني عليّا أكبر ولدي وأبرّهم عندي ... ... 3 : 438

إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ اللّه أن يصلح به ... ... 4 : 125

إنّ أبي خرج إلى ماله ومعنا ناس من مواليه ... ... 4 : 57

إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أوّل الخلق ... ... 4 : 360

إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة من ينظر إلى جنّاته ... ... 2 : 318

ص: 407

أنّ أدنى المؤمن يشفع من أهله سبعين عاصيا ... 4 : 249

أنّ الأرض سبع طبقات وهي على ظهر الديك ... ... 2 : 525

إنّ أرواح المؤمنين لفي شجرة من الجنّة يأكلون ... ... 4 : 234

إنّ أرواح المؤمنين يرون آل محمّد صلی اللّه علیه و آله في جبال رضوى ... ... 4 : 235

أنّ اسمه يوافق اسمي واسم أبيه اسم أبي ... 4 : 135

أنّ أسود أدخل على عليّ علیه السلام فقال : ... إنّي سرقت فطهّرني ... ... 3 : 374

إنّ أصحاب التناسخ قد خلّفوا وراءهم منهاج الدين ... ... 4 : 218

إنّ أطفال شيعتنا من المؤمنين تربّيهم فاطمة علیهاالسلام ... 4 : 337

أنّ أعرابيّا أتى الرسول صلی اللّه علیه و آله فقال له ... لقد صدت خشفة ... ... 4 : 52 - 53

أنّ أفضل ما يتّخذه الرجل في منزله لعياله الشاة ... ... 2 : 542

إنّ اللّه عزّ وجلّ ابتدع الأشياء كلّها بعلمه ... ... 4 : 19 ، 172

إنّ اللّه تعالى اتّخذ إبراهيم عبدا ... ... 4 : 8 ، 161

إنّ اللّه احتجّ بالكوفة على سائر البلاد ... ... 2 : 535

إنّ اللّه اختار من البلدان أربعة : التين والزيتون ... ... 2 : 534

إنّ اللّه أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية وهم ذرّ ... ... 4 : 38 ، 198

إنّ اللّه ... إذا أحبّ أن يخلق الإمام أمر ملكا ... ... 4 : 31 ، 191

إنّ اللّه أعلى وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ... ... 2 : 361

إنّ اللّه ( تع ) أمر آدم أن ازرع ممّا اخترت لنفسك ... ... 2 : 540

أنّ اللّه - تبارك وتعالى - أمر الحوت بحمل الأرض ... ... 2 : 529

إنّ اللّه عزّ وجلّ أمر القلم فجرى على اللوح ... ... 2 : 494

أنّ اللّه أنطق الحجر يا محمّد بن عليّ ... ... 4 : 54

إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان ... ... 4 : 30 ، 189

إنّ اللّه عزّ وجلّ أوضح بأئمّة الهدى ... .................... عن دينه ... 3 : 437

إنّ اللّه تبارك وتعالى أيّن الأين بلا أين ... ... 2 : 356

إنّ اللّه تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق ... ... 2 : 523 و 4 : 37 ، 197

إنّ اللّه جعل ... ذرّيّتي في صلب عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 3 : 415

ص: 408

إنّ اللّه جعل لذّتي في النساء والطيب ... 3 : 96

إنّ اللّه جعلني إماما لخلقه ففرض عليّ التقدير ... ... 4 : 38 ، 197

إنّ اللّه حرّم لحم أولاد الحسين على السباع ... ... 4 : 131

إنّ اللّه - عزّ وجلّ - خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها ... ... 2 : 529

إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف ... ... 2 : 362

إنّ اللّه تعالى خلق حجابا من ظلمة ... ... 2 : 514

إنّ اللّه خلق خلقا لا هم من الجنّ ولا من الإنس ... ... 3 : 307

إنّ اللّه خلق الخير يوم الأحد ... ... 2 : 471

إنّ اللّه خلق قضيبا من نور فعلّقه ببطان عرشه ... ... 3 : 304

إنّ اللّه خلق محمّدا وعليّا ... من نور عظمته ... ... 4 : 176

إنّ اللّه تعالى خلق نور محمّد صلی اللّه علیه و آله قبل أن خلق السماوات ... ... 2 : 497

إنّ اللّه خلقنا من علّيّين وخلق أرواحنا من فوق ذلك ... ... 4 : 33 ، 193

إنّ اللّه خلو من خلقه وخلقه خلو منه ... ... 2 : 354

إنّ اللّه عزّ وجلّ طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء ... ... 4 : 10 ، 163

إنّ اللّه ( تع ) عرض أمانتي وولايتي على الطيور ... ... 2 : 541

إنّ اللّه علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون ... ... 2 : 357

إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ... ... 2 : 399

إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يزل متفرّدا بوحدانيّته ... ... 2 : 472

إنّ اللّه لم يقبض نبيّه حتّى أكمل له الدين ... ... 3 : 436

إنّ اللّه لمّا خلق العرش خلق له ثلاثمائة وستّين ألف ركن ... ... 2 : 494

إنّ اللّه عزّ وجلّ نصب عليّا علیه السلام علما بينه وبين خلقه ... ... 4 : 39 ، 198

إنّ اللّه هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ... 2 : 140

أنّ اللّه تعالى يؤجّج للأطفال والمجانين والبله ... ... 4 : 235

إنّ اللّه يأمر ملك الموت فيردّ نفس المؤمن ليهوّن عليه ... ... 4 : 333 ، 347

أنّ اللّه تعالى يسكن الأعراف طائفة من الخلق ... ... 4 : 310

أنّ أمّة موسى افترقوا إحدى وسبعين فرقة ... ... 3 : 80

ص: 409

إنّ أمر اللّه كلّه عجيب إلاّ أنّه قد احتجّ ... ... 2 : 355

إنّ أمير المؤمنين علیه السلام اشتكى عينه فعاده النبيّ ... ... 4 : 332

أنّ أمير المؤمنين علیه السلام جاءه نفر من المنافقين قالوا ... ... 3 : 424

إنّ أمير المؤمنين عليّا علیه السلام كانت له خئولة في بني مخزوم ... ... 4 : 354

أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال لابن العبّاس : إنّ ليلة القدر ... ... 4 : 175

إنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ... قال لابنه الحسن ... ... 4 : 177

أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال لأبي بكر ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا ) ... ... 4 : 176

أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لمّا توجّه إلى صفّين لحق أصحابه عطش ... ... 3 : 388 - 389

أن أنفذنا إليكم إبلا غبراء فاحملوا عليها ما عندكم وخلّوا سبيلها ... ... 4 : 155

أنّ أهل الريّ هم أعداء اللّه ورسوله ... ... 2 : 536

إنّ أهل النار يموتون عطاشى ... ... 4 : 307

أنّ أوّل شجرة غرست في الأرض العوسجة ... ... 2 : 538

أنّ أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض النخلة ... 2 : 539

أنّ أوّل عين فاضت على وجه الأرض عين الحياة ... ... 2 : 524

أنّ أوّل ما خلق اللّه العقل ... 1 : 341

إنّ أوّل يهوديّ وقد أفسد في دينه فيجب قتله ... ... 3 : 284

أنّ إيذاءها إيذاء النبيّ صلی اللّه علیه و آله وإيذاء النبيّ إيذاء اللّه ... ... 3 : 290

إنّ الباب الأوّل جهنّم والثاني سعير ... ... 4 : 306

إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى ... ... 2 : 359

أنّ البغال كانت تتناكل ... فقطع اللّه نسلها ... 2 : 544

إنّ بالمدينة جنّيّا قد أسلموا ... ... 2 : 551

أنّ بهمذان اناسا يعرفون ببني راشد ، وهم كلّهم يتشيّعون ... ... 4 : 118

أنّ بين الجبلين روضة من رياض الجنّة ... 2 : 536

إنّ التكبير يردّ الريح ... ... 2 : 521

إنّ جبرئيل أتى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله برمّانتين ... ... 4 : 166

أنّ جبرئيل علیه السلام كان جالسا عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله ... ... 3 : 311

ص: 410

إنّ جبرئيل هبط عليّ يوم الأحزاب ... ... 3 : 309

أنّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل جاءوا بالبراق ... ... 3 : 51 - 53

أنّ جبهته صارت كركبة البعير لطول سجوده ... 3 : 345

أنّ جماعة ... سألوا عن أمير المؤمنين علیه السلام أن يريهم من عجائب ... ... 3 : 421

أنّ جماعة من أهل الكوفة قالوا للحسن علیه السلام ... ... 4 : 139

أنّ جماعة من الجنّ أرادوا وقوع الضرر ... ... 3 : 327

إنّ جهنّم لها سبعة أبواب ... ... 4 : 306

أنّ الحجّاج بن يوسف لمّا خرّب الكعبة ... فجاءه عليّ ... ... 4 : 55 - 56

أنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام حتّى يعرف ... 3 : 219

أنّ الحسن علیه السلام قال يوما لأخيه الحسين ... إنّ معاوية بعث ... ... 4 : 43

أنّ خارجيّا اختصم مع آخر إلى عليّ علیه السلام فحكم بينهما ... ... 3 : 375

أنّ ذا القرنين لمّا دخل في الظلمات فإذا بملك ... ... 2 : 528

إنّ دللتهم عن الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلّوا عليه ... 3 : 443

إنّ الذي أنشأه من غير شيء أو صوّره على غير مثال ... ... 4 : 251

أنّ راهب اليمامة ... بشّر أبا طالب بقدوم عليّ علیه السلام ... ... 3 : 423

إنّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء ... ... 4 : 234

أنّ الربّ الجليل قال في ذلك الوقت لجبرئيل ... ... 3 : 258

إنّ ربّكم يقول : لو أنّ عبادي أطاعوني لأسقيتهم ... ... 2 : 517

إنّ الرجل إذا وقعت نفسه في صدره يرى ... ... 4 : 344

أنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين علیه السلام وهو مع أصحابه ... ... 4 : 39 ، 199

أنّ رجلا جاء إلى الحسين علیه السلام فقال : إنّ أمّي توفّيت ... ... 4 : 140

أنّ رجلا قد أقبل على عهد عليّ علیه السلام من الجبل حاجّا ... ... 3 : 398

أنّ رجلا من الثقيف كان أطيب الناس يقال له : حارث بن كلدة ... ... 3 : 199

أنّ رجلا من الواقفيّة جمع مسائل مشكلة ... ... 4 : 150

أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كان ذات يوم نائما في حجرة أمّ سلمة ... ... 3 : 255

أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله كفّن أمّ أمير المؤمنين ... في قميصه ... ... 4 : 227

ص: 411

أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمّا ظهر بالمدينة اشتدّ حسد ابن أبيّ له ... ... 3 : 200 - 201

إنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لمّا قدم المدينة وظهرت آيات صدقه ... ... 3 : 189 - 193

أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يمشي بمكّة وأخوه عليّ يمشي معه ... ... 3 : 187 - 189

أنّ الرشيد - لعنه اللّه - لمّا أحضر موسى علیه السلام إلى بغداد فكّر في قتله ... ... 4 : 148

أنّ الرشيد - لعنه اللّه - لمّا أراد قتل موسى أرسل إلى عمّاله ... ... 4 : 149

أنّ الرضا علیه السلام قال يوما ... لا إله إلاّ اللّه مات فلان ... ... 4 : 150

أنّ الرضا علیه السلام لمّا قدم إلى خراسان توجّهت إليه الشيعة ... ... 4 : 150

أنّ ريّ وقزوين وساوة ملعونات وشؤمات ... 2 : 536

إنّ الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي ... ... 2 : 522

أنّ الزنبور أيضا من المسوخ ... ... 2 : 547

إنّ سعد بن معاذ قد أصابته ضمّة لأنّه كان ... ... 4 : 350

إنّ السماوات والأرض وما فيهما من خلق مخلوق ... ... 2 : 494

إنّ الشمس تطلع ومعها أربعة أملاك ... ... 2 : 501

أنّ الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم ... 2 : 552

أنّ الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما ... ... 4 : 247

إنّ عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل ... ... 2 : 72

إنّ العقل ما عبد به الرحمن ... 1 : 438

إنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ... ... 4 : 38

إنّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس في زمان لا ينكر ... ... 4 : 198

أنّ عليّا علیه السلام بلغه عن عمر ذكر شيعته ... ... 3 : 385

أنّ عليّا علیه السلام حين سار إلى الكوفة استودع أمّ سلمة كتبه والوصيّة ... ... 4 : 177

أنّ عليّا علیه السلام رأى حيّة تقصده وهو في مهده ... ... 3 : 401

إنّ عليّا علیه السلام كان يقول : إلى السبعين بلاء ... ... 3 : 448

إنّ عليّا لمّا قدم من صفّين وقف على شاطئ الفرات ... ... 3 : 425

إنّ عليّا منّي ، وأنا منه ... ... 3 : 308

إنّ عليّا وصيّي وخليفتي وزوجته فاطمة ... ... 3 : 244

ص: 412

إنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم أن يرسل إليه ... ... 4 : 178

إنّ فاطمة علیهاالسلام بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني ... ... 3 : 440

أنّ فاطمة خرجت من الدنيا وهي ساخطة على الشيخين ... ... 3 : 289

أنّ فاطمة علیهاالسلام لمّا طالت المنازعة بينها وبين أبي بكر ... ... 3 : 337

إنّ فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبّدين ... ... 4 : 332

إنّ في الجنّة لشجرة يخرج من أعلاها الحلل ... ... 4 : 315

إنّ فيك مثلا من عيسى أبغضته اليهود ... ... 3 : 414

إنّ فيما حملت من القماش حبرتين : إحداهما في مكان كذا ... ... 4 : 115 ، 157

إنّ القائم يقوم يوم عاشوراء ... ... 3 : 450

أنّ القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين ... ... 3 : 442

أنّ القائم يهدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه ... ... 3 : 442

أنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها ... ... 3 : 441

أنّ القبر أوّل منازل الآخرة فإن نجا منه ... ... 4 : 360

إنّ القنفذ كان رجلا من صناديد العرب فمسخ ... ... 2 : 547

أنّ قوما من النصارى كانوا دخلوا على النبيّ وقالوا ... ... 3 : 375

إن كان كون فإلى من؟ قال : إلى أبي جعفر علیه السلام ابني ... ... 3 : 438

إن كان لك عليها سبيل فلا سبيل على حملها ... 3 : 335

إن كانت البقرة دخلت على الحمار ... فعلى ربّها قيمة ... ... 3 : 282

إنّ كلّ شيعتنا في الجنّة ... ... 4 : 236

أنّ كلّ مولود له شيطان ... 3 : 330

إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزليّة ... ... 2 : 284

إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد ... 4 : 24 ، 183

إنّ للجنّة ثمانية أبواب : باب يدخل منها النبيّون ... ... 4 : 316

إنّ للريح رأس وجناحان ... 2 : 521

إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم ... ... 4 : 25 ، 185

إنّ لله جنّة خلقها اللّه في المغرب ... ... 4 : 237

ص: 413

إنّ لله جنّة خلقها في المغرب ... ... 4 : 234

إنّ لله ديكا في الأرض ورأسه تحت العرش ... ... 2 : 545

إنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة وحجّة باطنة ... ... 4 : 158

إنّ لله علما خاصّا وعلما عامّا ... ... 2 : 139

إنّ لله ... علمين : علما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ... ... 4 : 18 ، 171

إنّ لله عزّ وجلّ علمين : علما مبذولا ، وعلما مكفوفا ... ... 4 : 18 ، 172

إنّ لله في السماء لسبعين صفّا من الملائكة ... ... 4 : 198

إنّ لله لعلما لا يعلمه غيره ... ... 2 : 140

إنّ لله لوحين : اللوح المحفوظ وهو لا يتغيّر ... ... 2 : 494

إنّ لله تعالى ملكين يقال لهما : ناكر ونكير ... ... 4 : 361

إنّ لله نهرا دون عرشه ، ودون النهر ... نور نوّره ... ... 4 : 33 ، 193

إنّ لنا أتباعا من الجنّ ... فإذا أردنا أمرا بعثناهم ... 4 : 35 ، 195

أنّ اللوح والقلم ملكان ... 2 : 494

أنّ ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن ... 2 : 412

إنّ المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول اللّه ... 4 : 332

إنّ المؤمن ليقال لروحه وهو - يغسل - : أيسرّك أن تردّ ... 4 : 360

إنّ المؤمن يقول : القرآن إمامي ، فقد أصاب ... 4 : 358

أنّ المؤمن ينظر بنور اللّه ... 2 : 10

إنّ المؤمنين إذا أخذوا مضاجعهم أصعد اللّه بأرواحهم ... 4 : 354

إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ... 4 : 126

أنّ المراد من « مثل نوره » قلب محمّد ... 3 : 270

إنّ مريضا شديد الحمّى عاده الحسين علیه السلام ... 4 : 48

أنّ مسجد السهلة منزل صاحبنا إذا قدم بأهله ... 3 : 442

أنّ معاوية لعنه اللّه لمّا أراد حرب عليّ ... سمع بذلك ملك الروم ... 4 : 136

إنّ المعلّى بن خنيس ينال درجتنا ... 4 : 145

إنّ ملكين يقال لهما : منكر ونكير يأتيان ... 4 : 351

ص: 414

أنّ من أحبّ حجرا حشره اللّه يوم القيامة معه ... 3 : 428

إنّ منّا إماما مظفّرا مستترا ... 4 : 27 ، 186

أنّ المنصور لمّا أراد قتل أبي عبد اللّه علیه السلام استدعى قوما ... 4 : 146

أنّ المنصور يوما دعا الصادق علیه السلام فركب معه ... 4 : 146

إنّ منهم من هو كالبرق الخاطف ... 4 : 302

إنّ مهبّ الشمال أرفع من مهبّ الجنوب ... 2 : 524

أنّ الموازين الأنبياء والأوصياء ... 4 : 246

إنّ الموت رحمة لعباده المؤمنين ونقمة على الكافرين ... 4 : 327

إنّ موسى قد لبس الدرع وساوى عليه ... 4 : 179

أنّ موسى وهارون لمّا دخلا على فرعون ... فإذا فارس يقدمهما ... 3 : 426

إنّ النار في الأجسام كامنة ... 2 : 511

إنّ الناس لو اجتمعوا على حبّ عليّ ... 3 : 302

أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله خرج في طلب الحسن والحسين ... 4 : 50 - 51

أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله رأى أبا بكر وعمر فقال : هذان السمع والبصر [ الأخبار الموضوعة ] ..

... 3 : 350

أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله لمّا اسري رأى عفريتا من الجنّ ... 2 : 550

إنّ النفس إذا وقعت في الحلق أتاه ملك ... 4 : 344

أنّ النفس باقية بعد الموت إمّا متنعّمة أو معذّبة ... 4 : 235

أنّ النمل يقول : إنّ لله زبانيتين ... 2 : 128

إنّ هذا ريحانتي وإنّ هذا ابني سيّد ... 4 : 126

إنّ هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قطّ ... 4 : 127

أن يكون بعده اثنا عشر خليفة عدد نقباء بني إسرائيل ... 3 : 439

إنّ اليهود سألوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقالوا ... 2 : 357

أنّ يهوديّا جاء إلى أبي بكر في ولايته ... 3 : 421

أنا آدم الأوّل ، أنا نوح الأوّل أنا آية الجبّار ... 3 : 288

إنّا أهل بيت لا نوقّت ... 4 : 187

أنا أوّل من صلّى وأوّل من آمن باللّه ورسوله ... 3 : 346

ص: 415

أنا اقيم القيامة ... أنا مع اللوح قبل اللوح ... 3 : 288 - 289

أنا حجّة اللّه يا أبا الصلت أنا محمّد بن عليّ ... 4 : 152

أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم ... 4 : 127

أنا دار الحكمة وعليّ بابها ... 3 : 414

أنا الذي لا يتبدّل القول لديّ ، وحساب الخلق إليّ ... 3 : 288

أنا الصدّيق الأكبر آمنت قبل إيمان أبي بكر ... 3 : 346

( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ... ) هي ولاية أمير المؤمنين ... 3 : 298

إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا ... 3 : 15

إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ... 4 : 40

إنّا لنعرف الرجل بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق ... 4 : 199

أنا محمّد بن عليّ الرضا علیه السلام أنا الجواد أنا العالم بأنساب الناس ... 4 : 153

أنا مدينة العلم وعليّ بابها ... 3 : 279 ، 413

أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما يبشّر به أمّته ... ... 3 : 170

أنا منه وهو منّي ... 4 : 107

أنا النذير والمنذر وعليّ الهادي ... 3 : 262

أنا وأهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض ... 4 : 37

أنت أخي في الدنيا والآخرة ... 3 : 413

أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي ... 3 : 326

أنت الخليفة بعدي ... 3 : 242 ، 320

أنت الذي لم يعنك على خلقك شريك ... 4 : 278

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ... 3 : 274

أنتم ذرّيّة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : نعم ... 4 : 144

انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ .............................. واتّخذه وصيّا 3 : 261

أنزل اللّه من الجنّة إلى الأرض خمسة أنهار ... 2 : 524

أنظر إلى الزوال لأصلّي ... 3 : 285

انظر هل ترى هاهنا جبّا ... بلى انظر ... 4 : 77

ص: 416

إنّكم سترون ربّكم ... لا تضامّون في رؤيته ... 2 : 317

إنّكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ... 4 : 8 ، 161

إنّما ذلك عليّ بن أبي طالب فيكون أفضل ... 3 : 272

إنّما نحن الذين يعلمون ، والذين لا يعلمون عدوّنا ... 4 : 11 ، 164

أنّه أخذ بطّيخة ليأكلها فوجدها مرّة ... 2 : 539

أنّه إذا علا قدّ وإذا وسط قطّ ... 3 : 286

إنّه اقعد في قبره فسئل عن الأئمّة علیهم السلام فأخبر ... 4 : 360

إنّه بمنزلة الرجل يكون في الإبل فيزجرها ... 2 : 517

أنّه تعالى ينزع من جسد كلّ واحد منهم أجزاء ... 4 : 238

أنّه جاء قوم ... فقالوا له : يا محمّد أتزعم أنّك رسول ربّ العالمين... 3 : 180 - 187

أنّه جسر ممدود ... أحدّ من السيف ، وأدقّ من الشعر ... 4 : 246 ، 301

أنّه دعا على زيد بن أرقم بالعمى فعمي ... 3 : 286

إنّه سألني عن شيء فاسأل الربيع عنه ... 2 : 512

إنّه سميع بصير يسمع بما يبصر ... 2 : 284

أنّه قبض علیه السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ... 4 : 204

أنّه كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر علیه السلام ... 4 : 58 - 59

أنّه كان في الليلة الرابعة عشرة من ذي الحجّة ... 3 : 40

أنّه علیه السلام كان قائما يصلّي حتّى وقف ابنه محمّد علیهماالسلام ... 4 : 56

أنّه كان يكره الشكال من الخيل ... 2 : 544

أنّه لمّا توجّه إلى صفّين مع أصحابه أصابهم عطش ... 3 : 327

أنّه لمّا جاءوا برأس الحسين علیه السلام ونزلوا منزلا ... 4 : 50

أنّه لمّا نزلت هذه الآية ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ ... ) فقالوا له : يا محمّد 3 : 193 - 196

أنّه محمّد بن الحنفيّة وأنّه بجبال رضوى ... 4 : 136

إنّه من حكّام الجنّ أشكل عليه مسألة أجبته عنها ... 3 : 326

أنّه علیه السلام وضع يده على الأرض فقال لها : اسكني ، فسكنت ... 4 : 71

أنّه علیه السلام ولد في رجب سنة أربع عشرة ومائتين ... 4 : 204

ص: 417

إنّه يدخل الجنّة بغير حساب [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 292 ، 351

إنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص ... 4 : 15 ، 169

إنّها إذا بلغت الحلقوم ، ثمّ أري منزله من الجنّة ... 4 : 347

أنّها رأته ليلة مولده وبعد ذلك ... 4 : 182

أنّها مقام مؤمني الجنّ ، وأولاد الزنى من المؤمنين ... 4 : 210

إنّهم أعداؤنا فمن مال إليهم فهو منهم ... 2 : 346

أنّهم حضروا يوم توفّي محمّد بن عليّ علیه السلام ... 4 : 180

إنّهم في حفرتهم لا يخرجون منها ... 4 : 235

إنّهم يسألون عن ولاية عليّ علیه السلام في قبورهم ... 4 : 337

إنّهما يعذّبان ... وأمّا الثاني فكان يمشي بالنميمة ... 4 : 299

إنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ ... 3 : 415

إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ... 3 : 296

إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا ... 3 : 278

إنّي خارج لأزيل الشكّ إن شاء اللّه تعالى ... 4 : 113

إنّي دعوت اللّه أن يجعل اذنك واعية ... 3 : 264

إنّي سألت اللّه أن يجعل اذنك واعية ... 3 : 264

إنّي لأرجو لامّتي في حبّ عليّ علیه السلام ... 3 : 302

أهل الجنّة يدخلون الجنّة جردا مردا مكحّلين ... 3 : 296

أهل خراسان أعلامنا ... وأهل كوفة أوتادنا ... 2 : 535

أو تدري من أولئك يا سعد ... أولئك إخوانكم ... 4 : 35 ، 194

أو تظنّ أنّ ذلك يكربني لو شئت لما كان ... 4 : 128

أوصى أبو الحسن علیه السلام إلى ابنه الحسن ... 4 : 180

أوّل الحجب سبعة غلظ كلّ حجاب منها مسيرة خمسمائة عام ... 2 : 496

أوّل الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به ... 2 : 76

أوّل ما خلق اللّه نوري ... 1 : 342

أوّلكم إسلاما عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 3 : 346

ص: 418

أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال : عائشة ... [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 350

إيّاكم والتنوية ، أما واللّه ليغيبنّ إمامكم سنينا ... 4 : 24 ، 183

أيّتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة بحقّ اسم اللّه الأعظم ... 3 : 386

أيّكم يبايعني ويوازرني يكون أخي ووصيّي ... 3 : 320

أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ... 2 : 12

أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها ... 3 : 323

الإيمان إقرار باللسان ، وعمل بالأركان ... 4 : 320

الإيمان أن تؤمن باللّه وكتبه ... 4 : 321

الإيمان أن تؤمن باللّه وملائكته ... 4 : 323

إيمان أهل الكتاب ، إنّما هو لمحمّد صلی اللّه علیه و آله ... 4 : 229

الإيمان قول مقبول وعرفان بالعقول واتّباع الرسول ... 4 : 320

الإيمان معرفة بالجنان وإقرار باللسان ... 4 : 319

أين كنت يا عمر لا نراك أسبوعا ... 3 : 303

أيّها الناس اتّقوا اللّه ، واعلموا أنّكم إليه ترجعون ... 4 : 353

أيّها الناس إنّ اللّه جلّ ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه ... 2 : 399

« ب »

بأبي أنتم وأمّي ونفسي ... 3 : 236

بأبي من يحفر وجبرئيل يكنس التراب بين يديه ... 3 : 310

بأبي الوحيد الشهيد ... 3 : 415

بدأ بنور نفسه تعالى ثمّ مثل نوره مثل هداه ... 3 : 270

البرزخ القبر ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ... 4 : 349

البرزخ هو القبر ... 4 : 335

البرص والجذام لا يبلي اللّه به مؤمنا ... 3 : 376 - 378

بعثت إلى الأسود والأحمر ... 3 : 63

بعثت يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء ... 3 : 346

بالقبر ، وإنّ لهم فيه لمعيشة ضنكا ... 4 : 335

ص: 419

البقعة المباركة في القرآن هي كربلاء ... 2 : 534

بل ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج ، أتحبّ أن تعلم ... 4 : 64

بل من الطين كلّه ولو خلق من طين واحد لما عرف ... 2 : 548

( بَلْ هُوَ ... فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) فأومأ بيده إلى صدره ... 4 : 12 ، 165

بلغني أنّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله قال : من مات يوم الجمعة ... أعتق من النار ... 4 : 354

بما عرّفني نفسه ... لا يشبهه صورة ... 2 : 354

البيت الذي في السماء يقال له : الضراح ... 2 : 499

البيت المعمور في السماء الدنيا ... 2 : 499

بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض ... 3 : 449

بينما أبو جعفر علیه السلام بين مكّة والمدينة إذا انتهى إلى جماعة ... 4 : 63

بينما عليّ علیه السلام بالكوفة إذا أحاطت به اليهود ... 3 : 411

بيوت الأنبياء ... بلى وهو أفضلها ... 3 : 261

« ت »

تبقى الأرواح ساهرة لا تنام ... 4 : 267

تبقى طينته التي خلق منها في قبره مستديرة ... 4 : 263 ، 267

تبنى مدينة بين دجلة والفرات وقطربل ... 3 : 177

تجسّم أعمال المؤمن ... بصورة حسنة له ... 4 : 234

تخلّف الثلاثة عن جيش اسامة مع أمر النبيّ أن ينفذوا ... 3 : 290

تدمع عينه عند الموت ... عند معاينة رسول اللّه ... 4 : 344

ترى هذا؟ هذا من الذين قال اللّه عزّ وجلّ ... 4 : 178

تسعة أعشار الرزق مع صاحب الدابّة ... 2 : 544

تضحك في المسجد وأنت بعد ثلاثة من أصحاب القبور ... 4 : 144

تقتلك الفئة الباغية ... 3 : 177

تكلّموا في خلق اللّه ولا تتكلّموا في اللّه ... 2 : 357

تكلّموا في كلّ شيء ولا تتكلّموا في ذات اللّه ... 2 : 357

تمسّحوا بالأرض فإنّها أمّكم وهي بكم برّة ... 2 : 526

ص: 420

تمنّي المؤمن تعجيل قيام الساعة ... 4 : 233

التوفيق خير قائد ... 3 : 419

« ث »

ثكلتك أمّك يا ابن الكوّاء لا تقل : قوس قزح ... 2 : 517

ثمّ أنشأ سبحانه فتق الأجواء وشقّ الأرجاء ... 2 : 408

« ج »

جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين علیه السلام فقال ... 2 : 357

جاء رجل إلى أمير المؤمنين علیه السلام فاستغاثه ... 3 : 420

جاء رجل إلى الصادق علیه السلام فقال : قد سئمت الدنيا ... 4 : 329

جاء العبّاس ... يطالبه بميراث النبيّ صلی اللّه علیه و آله ... 3 : 403

جاء الناس ... فقالوا : أرنا من عجائب أبيك ... 4 : 45

الجريدة تنفع المؤمن والكافر ... 4 : 338

الجزم أتعب من الصبر ... 3 : 418

جلس رجلان يتغدّيان مع أحدهما خمسة أرغفة ... 3 : 417

« ح »

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ... 4 : 302

حبّ عليّ براءة من النار ... 3 : 304

حبّ عليّ بن أبي طالب يأكل الذنوب ... 3 : 302

حبّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة ... 3 : 301

حبّنا إيمان وبغضنا كفر ... 4 : 163

حتّى تاهوا في الأرض ... 2 : 358

حتّى قسمنا جزءين ... وجزءا في صلب أبي طالب ... 3 : 242

حتّى يكون للرعيّة كالأب الرحيم ... 4 : 37

حجّ هارون الرشيد وابتدأ بالطواف ... إذ ابتدر أعرابي ... 4 : 90

حدّثني أمير المؤمنين في تفسير الباء من ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ... 3 : 281

الحديث أحبّ إليك أم المعاينة ... ائتني بالقضيب ... 4 : 90

ص: 421

حربك حربي يا عليّ ... 3 : 440

حرّمت النار على من آمن بي وأحبّ عليّا وتولاّه ... 3 : 307

حسبك لو زادك جدّي لزدتك ... 4 : 147

حسن الخلق خير قرين ... 3 : 419

الحسن والحسين ( أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال : ) ... 4 : 125

الحسن والحسين علیهماالسلام سيّدا شباب أهل الجنّة ... 4 : 125

حضر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله رجلا من الأنصار وكانت له حالة حسنة ... 4 : 348

حقّت شفاعتي لمن أعان ذرّيّتي بيده ... 4 : 249

حقّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا ... 4 : 36 ، 195

الحمد لله الذي جعل فينا ... من يقضي على سنن داود ... 3 : 282

« خ »

خاطب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قبر سعد فمسحه بيده ... 4 : 351

الختم هو الطبع على قلوب الكفّار ... 2 : 427

خذها فأطعمها الكلاب ... ليس بذكيّ ... 4 : 77

خذوا كسب الغنم فديفوه بماء ورد وضعوه على الخراج ... 4 : 108

خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق علیه السلام ... 2 : 372

خرج أبو محمّد عليّ بن الحسين علیه السلام إلى مكّة في جماعة ... 4 : 57

خرج إليّ من أبي محمّد علیه السلام ... يخبرني بالخلف ... 4 : 181

خرج الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام في بعض عمره ... 4 : 42 - 43

خفت هذين الولدين يلتّانه بزيت أو سمن ... 3 : 345

الخلافة بعدي ثلاثون سنة ... 4 : 125

الخلف من بعدي الحسن علیه السلام فكيف لكم بالخلف ... 3 : 443

خلق الأرض قبل السماء ... 2 : 525

خلق اللّه الأشياء بالمشيئة ... 1 : 464

خلق اللّه عزّ وجلّ مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ... 3 : 12

خلق اللّه المشيئة بنفسها ... 2 : 74 ، 285

ص: 422

الخلق غيرنا أهل البيت فإنّ اللّه عزّ وجلّ خلقنا من العشر طينات ... 4 : 34 ، 193

خلقت أنا وعليّ من نور واحد ... 3 : 300

خمس قبل قيام القائم من العلامات : الصيحة والسفياني ... 3 : 448

خمس من فاكهة الجنّة في الدنيا : الرمّان و ... 2 : 539

خير إخوتي عليّ ... وذكر عليّ عبادة ... 3 : 415

خير أمّتي أبو بكر ثمّ عمر [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 291

خير الناس بعد النبيّين أبو بكر ثمّ عمر ثمّ اللّه أعلم [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 292

خير هذه الامّة بعد نبيّنا أبو بكر وعمر [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 334

الخيل معقود بناصيتها الخير إلى يوم القيامة ... 2 : 543

« د »

دخل أبو بكر على أمير المؤمنين علیه السلام فقال له ... 3 : 379

دخل أسد الكوفة فقال : دلّوني على أمير المؤمنين علیه السلام ... 3 : 382

دخل أسود على أمير المؤمنين علیه السلام وأقرّ أنّه سرق ... 3 : 381

دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله على رجل من أصحابه وهو يجود بنفسه ... 4 : 348

دخلت على أبي جعفر علیه السلام فشكوت إليه الحاجة ... 4 : 60 - 61

دخلت على أبي محمّد علیه السلام وكان يكتب كتابا ... 4 : 114

دخلت ... فكلّمني بالهنديّة فلم احسن أن أردّ عليه ... 4 : 105

دع عنك حيرة الحيران واستعذ باللّه ... 2 : 361

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ... 3 : 428 و 4 : 261

دعا ... عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللّهمّ هؤلاء أهلي ... 3 : 413

دعوه فإنّ الذي يريده ... نريده من القوم ... 2 : 336

الدهر أنزلني ... حتّى قيل : معاوية وعليّ ... 3 : 287 ، 297

الديك الأبيض الأفرق حبيبي ... 2 : 545

ديك أفرق أبيض يحرس دويرته ... 2 : 545

« ذ »

ذاك قول ابن آدم إذا حضره الموت ... 4 : 331

ص: 423

ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ... 2 : 36

الذنوب التي تظلم الهواء : السحر والكهانة ... 2 : 503

« ر »

رآه وربّ الكعبة ، رآه وربّ الكعبة ... 4 : 345

رأيت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فيما يرى النائم وبين يديه طبق مغطّى ... 4 : 72 - 73

رأيته بفؤادي ... 2 : 324

رأيته بين المسجدين وهو غلام علیه السلام ... 4 : 182

رجلان اختصما في زمن الحسين علیه السلام في امرأة ... 4 : 48 - 49

رحم اللّه امرأ عرف قدره ... 3 : 418

رحمك اللّه يا أبا محمّد ، لا تزال تجيئني بالحديث الحقّ ... 4 : 192

رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله المنذر ، وعليّ علیه السلام الهادي ... 4 : 10 ، 163

رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان ... 3 : 229

الروث والعظم زاد إخوانكم من الجنّ ... 2 : 552

روضة من رياض الجنّة أو حفر من حفر النيران ... 4 : 227

الريّ باب من أبواب الأرض وإليها متجر الناس ... 2 : 536

الرياح ثمان : أربع منها رحمة ... 2 : 523

الرياح خمسة منها العقيم فنعوذ باللّه ... 2 : 521

الرياح سبع : الصبا والدبور والجنوب و ... 2 : 523

الريح العقيم تحت هذه الأرض التي نحن عليها ... 2 : 522

« ز »

زيّنوا مجالسكم بذكر عليّ بن أبي طالب ... 3 : 300

« س »

سئل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن الساعة فقال : عند إيمان بالنجوم ... 2 : 503

سئل عن القائم ... فقال واللّه هذا قائم آل محمّد صلی اللّه علیه و آله ... 3 : 437

ساقي القوم آخرهم شربا ... 3 : 42

سأل رجل أمير المؤمنين علیه السلام عن مسائل ... 2 : 500

ص: 424

سألت ... عن اللوح والقلم فقال : « هما ملكان » ... 2 : 493

سبحان اللّه أما تسمع اللّه يقول : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) ... 4 : 199

سبحان اللّه ليس لله مثل ... ( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ) ... 3 : 271

سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلاّ هو ... 2 : 341 ، 361

سبحان من ليس كمثله شيء لا جسم ولا صورة ... 2 : 361

سبع من الشيطان ... النجوى والنوم عند الذكر ... 3 : 419

السّبق ثلاثة ... السابق إلى محمّد عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 3 : 415

سبّوح قدّوس أنا ربّ الملائكة والروح ... 3 : 56

ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ... 3 : 70

ستلقى الامّة منه ومن ولده يوما أحمر ... 3 : 345

السجّين : الأرض السابعة وعلّيّون : السماء السابعة ... 2 : 498

السحاب غربال المطر ولو لا ذلك لأفسد كلّ شيء ... 2 : 516

سدرة المنتهى في السماء السابعة ... 2 : 498

سل ... ( أتأذن لي أن أسألك؟ فقال : ) ... 4 : 181

سل اللّه يردّ عليك لتصلّي العصر قائما ... 3 : 286

سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ... 3 : 320

سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ... 3 : 320

سلّموا عليه بإمرة المؤمنين ... 3 : 242

سلني عمّا بدا لك من علم التوراة والإنجيل والفرقان اخبرك ... 4 : 137

سلوني قبل أن تفقدوني ... 3 : 422

سمعت أبي يحدّث عن أبيه علیهماالسلام أنّ رجلا قام ... 2 : 38

سمعت بالهند أنّ لله في العرب حجّة ... فدللت على الرضا علیه السلام ... 4 : 98

سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله يقول : من سرّه ... 2 : 546

سمّي الإنسان إنسانا لأنّه ينسى ... 2 : 548

سنّة موسى ... ( سألت الرضا علیه السلام عن الإمام يغسّله الإمام ، فقال : ) 4 : 31 ، 190

سور الجنّة لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ... 4 : 315

ص: 425

سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة ... 4 : 151

سيكون بعدي خلفاء ... ثمّ يخرج رجل من أهل بيتي ... 4 : 134

« ش »

شرّ بئر في النار برهوت ... 4 : 237

شرّ ماء على وجه الأرض ماء برهوت ... 4 : 237

الشيعة تربّى بالأماني منذ مائتي سنة ... 4 : 28 ، 187

« ص »

صاحب هذا الأمر لا يسمّيه باسمه إلاّ كافر ... 4 : 23 ، 183

صاحبكم بعدي الذي يصلّي عليّ ... 4 : 180

الصاعقة لا تصيب المؤمن ... 2 : 517

الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ... 3 : 419

صبرا يا أبا عبد اللّه بشاطئ الفرات ... 3 : 424

صحّ كلامك من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا ... 2 : 348

صدق أبو جعفر ... كلّ إمام هو القائم بعد الإمام الذي كان قبله ... 3 : 437

صدقت فما الذي تريدين ... 4 : 73

صدقت ولكن عندي في الجفر والجامعة أنّك تمدحني بها ... 4 : 151

الصدّيقون ثلاثة : حزقيل ... وعليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 3 : 415

( صِراطِ اللّهِ ... أَلا إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) يعني عليّا ... 3 : 316 ، 319

الصراط صراطان : صراط في الدنيا وصراط في الآخرة ... 3 : 289

صلّينا الغداة مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ثمّ أقبل علينا ... 3 : 382

« ض »

ضغطة القبر للمؤمن كفّارة ... 4 : 231 ، 336

« ط »

الطامع في وثاق الذلّ ... 3 : 418

الطاوس مسخ كان رجلا جميلا فكابر امرأة ... 2 : 547

طين الجنان : جنّة عدن وجنّة المأوى ... 4 : 34 ، 193

ص: 426

« ع »

عاش نوح ألفين وخمسمائة سنة ... 2 : 548

عباد اللّه ، إنّ الموت ليس منه فوت فاحذروا قبل وقوعه ... 4 : 329

عثمان أخي ورفيقي في الجنّة [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 292

عثمان رفيقي في الجنّة [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 351

عجبت من قوم يتوالونا ... ثمّ يكسرون حجّتهم ... 4 : 12 ، 166

عذاب القبر ثلاثة أثلاث : ثلث للغيبة ... 4 : 361

عذاب القبر يكون من النميمة والبول ... 4 : 336 ، 351

عرج بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله إلى السماء مائة وعشرين مرّة ... 3 : 227 ، 235

عرفت ما كان وما يكون ... 3 : 209

العقل خير صاحب ... 3 : 419

العقل ما عبد به الرحمن ... 1 : 428

العلم خير من المال ... 3 : 419

العلم يرفع الوضيع والجهل يضع الرفيع ... 3 : 419

علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ... 4 : 13 ، 167

علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم ... 3 : 279 ، 343

عليّ إمامكم وخليفتي عليكم من بعدي ... 3 : 241

عليّ باب حطّة من دخله كان مؤمنا ... 3 : 416

عليّ باب علمي ... 3 : 414

عليّ خير البشر من أباه فقد كفر ... 3 : 307

عليّ خير البشر من شكّ فقد كفر ... 3 : 310

عليّ في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض ... 3 : 311

عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان ... 3 : 415

عليّ منّي بمنزلة رأسي من بدني ... 3 : 416

عليّ منّي مثل رأسي من بدني ... 3 : 310

عليّ منّي وأنا من عليّ لحمه من لحمي ... 3 : 300

ص: 427

عليّ منّي وأنا من عليّ ولا يؤدّي عنّي إلاّ عليّ ... 3 : 413

عليّ وفاطمة وابناهما ... 3 : 257

عليّ يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين ... 3 : 416

عليكم بهذا واللّه صاحبكم بعدي ... 3 : 438

علينا عين ... وربّ الكعبة وربّ البنيّة ... 4 : 165

علينا عين ... وربّ الكعبة وربّ البيت ... 4 : 12

عنوان صحيفة المؤمن : حبّ عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 3 : 304 ، 416

عورة المؤمن على المؤمن حرام ... 4 : 321

« ف »

فأحببت أن اعرف ... 4 : 213

فاحتبست في الدار ساعة ثمّ دخلت البيت ... 4 : 34

فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدئت ... 4 : 263

فإذا قام بهذا الأمر رفع اللّه له في كلّ بلدة ... 4 : 32 ، 192

فإذا قلنا في الرجل منّا شيئا ، فكان في ولده ... 4 : 41 ، 200

فإذا ولد خطّ بين كتفيه ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ) ... 4 : 192

فأرني قبره ومقتله ... لم تتكلّم بالعجميّة ... 3 : 376

فأشار جبرئيل إليّ بيده أن تواضع ... 2 : 506

فاطمة بضعة منّي يبغضني من يبغضها ... 4 : 127

( فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ) قال : في قبره 4 : 230 ، 335 ، 349

فإنّ وصيّي ... بعدي عليّ بن أبي طالب ... 3 : 244

فإن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء ... فقد استويتم ... 2 : 351

فإنّه يدلّ على أنّ اللّه قادر عزيز قويّ ... 2 : 73

فإنّه يعود سبحانه بعد فناء العالم وحده ... 2 : 57

فجلس أبو عبد اللّه علیه السلام فلم يأته شهرا ... 4 : 73 - 74

فذلك الشيء هو اللّه القادر ... 2 : 76

فرسول اللّه الذكر وأهل بيته هم المسئولون ... 4 : 11 ، 164

ص: 428

فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشرك ... 2 : 456

فضّة إلاّ أنّ الأرض أفسدتها ... 2 : 538

فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا ... 4 : 194

فطر الخلائق بقدرته ... 2 : 76

فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف ... 4 : 181

فقال : لا صاحبكم بعدي الحسن ... 3 : 439

فقال لرجل أساء الأدب اخسأ ... 3 : 423

فقضى بثلثي ديتها على الناخسة والقامصة ... 3 : 282

فقلت ... أحبّ أن أرى من معجزاتك شيئا ... 3 : 404 ، 406

الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنّط الناس من رحمة اللّه ... 3 : 419

فكّر يا مفضّل في هذه المعادن وما يخرج منها ... 2 : 538

( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ... ) إمام يخنس سنة ستّين ومائتين ... 3 : 444

فلا تردّ أرواحنا إلى أبداننا إلاّ بعلم مستفاد ... 4 : 20 ، 173

فلم يزل اللّه عزّ وجلّ علمه سابقا للأشياء ... 2 : 139

فلمّا انقضت أيّامه أقام وليّه عليّ بن أبي طالب ... 3 : 312

فما فوّضه اللّه إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فقد فوّضه إلينا ... 4 : 168

فما فوّض اللّه إلى رسول اللّه فوّضه إلينا ... 4 : 14

فما يدريهم من غسّله؟ فما قلت لهم؟ ... 4 : 31

فمسح يده على الأرض فظهرت سبائك من فضّة ... 4 : 151

فمن المبلّغ عن اللّه إلى الثقلين من الجنّ والإنس ... 2 : 358

فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ ... 2 : 350

( وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ... ) عرّف اللّه إيمانهم بولايتنا ... 3 : 298

فنزل جبرئيل وأمر بردّه وأخذ السورة منه ... 3 : 332

فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به ... 4 : 83

فوضع أبو الحسن يده على صورة سبع في البساط وقال : قم فخذ هذا ... 4 : 155

في آخر دقيقة من حياة الأوّل ( الإمام متى يعرف إمامته ...؟ ) ... 4 : 169

ص: 429

في الجنّة على صورة أبدانهم لو رأيته لقلت : رأيت فلانا ... 4 : 216

في حجرات في الجنّة ، يأكلون من طعامها ... 4 : 236

في حواصل طيور خضراء ... 4 : 266

في خبر المعراج قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله فصعد جبرئيل ... 2 : 505

في الديك الأبيض خمس خصال ... 2 : 545

في السماء ثمّ ترفع من سماء إلى سماء ... 2 : 500

في العرش تمثال جميع ما خلق اللّه في البرّ والبحر ... 2 : 495

في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ... 4 : 234

في القيامة خمسين موقفا ... 4 : 253

في النار يعذّبون يقولون : ربّنا لا تقم لنا الساعة ... 4 : 236

« ق »

قال آدم : إلهي بحقّ محمّد وعليّ ... تقبّل توبتي ... 3 : 259

قال أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام ... لو أريتنا ما نطمئنّ إليه ... 3 : 387

قال اللّه عزّ وجلّ : أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ... 2 : 363

قال اللّه عزّ وجلّ لو اجتمع الناس كلّهم على ولاية عليّ ما خلقت النار ... 3 : 301

قال اللّه تعالى : ولاية عليّ بن أبي طالب حصني ... 3 : 301

قال أمير المؤمنين علیه السلام : اعرفوا اللّه باللّه ... 2 : 354

قال بعضهم للحسن بن عليّ علیه السلام في احتماله الشدائد ... 4 : 44

قال الحسن ... يا قوم إنّي أموت بالسمّ ... 4 : 44 - 45

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله إنّ اللّه يقول : بشّر أخاك عليّا ... 3 : 308

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : إنّي واثني عشر من ولدي ... زرّ الأرض ... 4 : 176

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا ... 4 : 36 ، 196

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : ضغطة القبر للمؤمن كفّارة ... 4 : 350

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : عليكم بالغنم والحرث ... 2 : 542

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : الغنم إذا أقبلت أقبلت ... 2 : 542

ص: 430

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : فصعد جبرئيل وصعدت معه ... 2 : 516

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لا تصلح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال ... 4 : 36 - 37

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله لكفّار قريش واليهود : كيف تكفرون باللّه ... 4 : 356

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لمّا اسري بي إلى السماء ... 2 : 498

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ... 4 : 339

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : من ولدي اثنا عشر نقيبا ... 4 : 176

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : نحن في الأمر والفهم ................. مجرى واحدا 4 : 169

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : هذا جبرئيل يخبرني ... 3 : 306

قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله : يا عليّ ما ثبت حبّك ... إلاّ ثبت له ... 3 : 305

قال رسول اللّه : يقول اللّه : من آمن بي وبرسولي ... 3 : 307

قال لي أبي موسى علیه السلام : كنت جالسا عند أبي إذ دخل عليه ... 4 : 79

قال النبيّ لعثمان : احفر ... 3 : 310

قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : ... مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف ... 3 : 59

قال النبيّ صلی اللّه علیه و آله : يا عليّ إنّ على يمين العرش لمنابر من نور ... 3 : 301

قال : ... نحن في الأمر والنهي والحلال والحرام نجري مجرى واحدا ... 4 : 15

قام على قبر رقيّة بنته فرفع يده تلقاء السماء ... 4 : 335

القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران ... 4 : 230 ، 298

قتله اللّه ... 3 : 340

قد امرت أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو واحد منّي ... 3 : 269

قد أنصفك ... إذا كان كذلك فخذ درهما ... 3 : 281

قد طلب منّي ابن الرضا علیه السلام من يفصده ... 4 : 110

قدم أمير المؤمنين علیه السلام المدائن فنزل بإيوان كسرى ... 3 : 378

قدم على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله حبر من أحبار اليهود ... 3 : 390

قدم يهوديّ إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ... قال : فأخبرني عن وصيّك ... 3 : 430

قزوين باب من أبواب الجنّة ... 2 : 536

قسمت الحكمة ... فأعطي عليّ تسعة وللناس جزء واحد ... 3 : 280

ص: 431

قل لأبي بكر : أرسل مع الشارب رجلين ... 3 : 282

قلت لأبي : أيّ الناس أفضل بعد النبيّ؟ قال : أبو بكر ... [ الأخبار الموضوعة ] ......

... 3 : 292 ، 350

القلم مرفوع عن المجنون ... 3 : 335

قم عشّ آل محمّد ومأوى شيعتهم ... 2 : 535

قوّاك اللّه يا أبا هاشم ، وقوّى برذونك ... 4 : 105

قوّة أصلها الطبائع الأربع بدء إيجادها ... 4 : 275

قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ... 3 : 263

قولوا : السّلام عليك ... فقرأ ( بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ) ... 3 : 239

قوم يقولون : إنّ النجوم أصحّ من الرؤيا ... 2 : 503

قيل لملك الموت : كيف تقبض الأرواح ... 4 : 330

قيل له : أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال : لا ... 3 : 444

« ك »

كان اللّه ولا شيء غيره ولم يزل عالما ... 2 : 251

كان اللّه ولم يكن معه شيء ... 2 : 54 ، 64 ، 93

كان أمير المؤمنين علیه السلام قاعدا ذات يوم فأقبل عليه رجل من اليونانيّين ... 3 : 362

كان بأصفهان رجل يقال له : عبد الرحمن وكان شيعيّا ... 4 : 105

كان بخراسان امرأة تسمّى زينب فادّعت أنّها علويّة ... 4 : 94

كان الخفّاش امرأة سحرت ضرّة لها فمسخها اللّه ... 2 : 547

كان رجل من أهل الخير ... فأصابه فالج فمكث مدّة ... 4 : 120

كان رجل من بني هاشم يقال له : ركانة ... 3 : 197

كان على منبر الكوفة ... فجاء ثعبان فقال علیه السلام : وسّعوا له ... 3 : 424

كان عليّ بن الحسين علیهماالسلام جالسا مع جماعة ... 4 : 55

كان في الحلّة شخص من أهل الدين والصلاح ... فرجمه الجنّ ... 3 : 410

كان في النار ... 4 : 40

كان ملك الموصل ... كثير البغض لمولانا أمير المؤمنين علیه السلام ... 3 : 409

كان مولد القائم علیه السلام ليلة النصف من شعبان سنة 256 ... 4 : 157

ص: 432

كان النبيّ صلی اللّه علیه و آله ذات يوم جالسا بالأبطح وعنده جماعة ... 3 : 366

كان يأكل الفاكهة الرطبة ... 2 : 539

كانت لنا مشربة وكان النبيّ صلی اللّه علیه و آله إذا أراد لقاء جبرئيل علیه السلام لقيه فيها ... 3 : 433

كانت الوحوش والطير والسباع ... مختلطا ... 2 : 540

كانوا يحبّون أن يكون في البيت دواجن ... 2 : 544

كأنّي بالقائم علیه السلام ... وجبرئيل علیه السلام بين يديه ينادي : البيعة ... 3 : 450

كذب الموقّتون ما مضى وقتنا فيما مضى ... 3 : 447

كذب الوقّاتون إنّا أهل بيت لا نوقّت ... 4 : 27

كذب الوقّاتون ، كذب الوقّاتون ... 3 : 447

كفى لاولي الألباب بخلق الربّ المسخّر ... 2 : 353

كلّ بني انثى ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة ... 4 : 127

كلاّ إنّ ذلك خنازير الطيور ... 2 : 545

كلام زنديق خبيث إذا رجعت إليه فقل له : ما اسمك ... 2 : 339

كلّم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم ... 4 : 7 ، 160

كلوا بسم اللّه ... 3 : 43

كما أنّ لك عليه حقّا كذلك له عليك حقّ الضرب ... 3 : 283

كنّا بين يدي أمير المؤمنين ... فقال : يا عمّار ائتني بذي الفقار ... 3 : 393

كنّا قعودا ذات يوم عند أمير المؤمنين علیه السلام ... 3 : 384

كنت أنا وعليّ بن أبي طالب نورا بين يدي اللّه ... 3 : 242

كنت أنا وعليّ على يمين العرش نسبّح اللّه ... 3 : 300

كنت بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام في جامع الكوفة في جماعة ... 3 : 391

كنت ذات يوم عند النبيّ صلی اللّه علیه و آله إذا أقبل أعرابي ... 3 : 381

كنت عند أبي جعفر الثاني علیه السلام ببغداد فدخل عليه ياسر الخادم ... 4 : 154

كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام إذ دخل عليه المعلّى ... 4 : 78

كنت عند أمير المؤمنين علیه السلام جالسا بمسجد الكوفة ... 3 : 408

كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدّسة بالغريّ ... 4 : 121

ص: 433

كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن اعرف ... 2 : 64 ، 400

كنت مزاملا لجابر ... دخل على أبي جعفر علیه السلام ... 4 : 71

كنت مع أبي جعفر علیه السلام ... وهو على بغلته إذ أقبل ذئب ... 4 : 60

كنت مع سيّدي أمير المؤمنين علیه السلام يوما في بعض صحاري الحيرة ... 3 : 420

كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين ... 4 : 260

كنت يوما مع مولانا ... إذ دخل عليه نفر من أصحابه ... 3 : 407

الكوثر ... نهر يجري تحت عرش اللّه ... 4 : 253

كيف أصبحت؟ قال : في كنف اللّه متقلّبا في نعم اللّه ... 4 : 77

كيف أعبد ربّا لم أره ... 2 : 293

كيف أنت إذا أتاك فتّانا القبر؟ ... 4 : 337

كيف أنت إذا طردت ونفيت واخرجت إلى الربذة؟ ... 3 : 177

كيف أنتم إذا احتجّ عليكم بمثل سنّه ... 4 : 30 ، 189

« ل »

لئلاّ يقع في الأوهام أنّه عاجز ... 2 : 548

لا ، إذن ما هي في حواصل طير ... في روضة ... 4 : 236

( لا أُقْسِمُ ... وَوالِدٍ وَما وَلَدَ ) قال : أمير المؤمنين علیه السلام ... 3 : 299

لا ، إن هي إلاّ تربة مؤمن أو مزاحمته في مجلسه ... 4 : 357

لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة ... 4 : 26 ، 185

لا بدّ للغلام من غيبة ... 3 : 444

لا ، بل كان في علمه قبل أن ينشئ السماوات والأرض ... 2 : 139

لا تجاوز ما في القرآن ... 2 : 361

لا تجتمع أمّتي على الخطأ ... 3 : 359

لا تجتمع أمّتي على الضلالة ... 3 : 229

لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان ... 3 : 345

لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات ... 3 : 285

لا تختانوا ولاتكم ولا تغشّوا هداتكم ... 4 : 36 ، 196

ص: 434

لا تخرجا ، أقيما إلى غد ... 4 : 101

لا تخلو الأرض عن قائم لله بحجّة ... 3 : 222

لا تذهب الأيّام حتّى يملكها هذا الغلام ... 4 : 143

لا تذهب الدنيا حتّى يخرج رجل منّي ... 4 : 29 ، 188

لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتّى يملك رجل من أهل بيتي ... 4 : 134

لا تصلح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال ... 4 : 196

لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين علیهماالسلام ... 4 : 16 ، 170

لا تقولنّ منتهى علمه فليس لعلمه منتهى ... 2 : 362

لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخدّاعين ... 2 : 347

لا تمنّ الموت ، فإنّك إن تك محسنا تزدد إحسانا ... 4 : 329

لا ثناء مع الكبر ... 3 : 418

لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين .............................................

... 2 : 95 ، 366 ، 419 ، 422 ، 427 و 3 : 213 ، 281

لا داء أعيى من الجهل ... 3 : 418

لا ذاك اسم سمّى اللّه به أمير المؤمنين ... 3 : 239

لا راحة مع الحسد ... 3 : 418

لأسلمنّ الراية غدا إلى رجل يحبّه اللّه ورسوله ... 3 : 242

لا شرف مع سوء الأدب ... 3 : 418

لا شفيع أنجح من التوبة ... 3 : 418

لا ، صاحبكم بعدي الحسن ... 4 : 180

لاعطينّ الراية غدا رجلا يفتح اللّه على يديه ... 3 : 412

لا عمل إلاّ بنيّة ... 1 : 444

لا كرم أعزّ من التقى ... 3 : 418

لا لباس أجمل من العافية ... 3 : 418

لا ، المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه ... 4 : 234 ، 238

لا مروّة للكذوب ... 3 : 418

لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم ... 4 : 135

ص: 435

لا نبيّ بعدي ... 3 : 121

لأنّ بينها وبين سماء الدنيا بحارا ... 2 : 500

لأنّها تأتي عن شمال العرش ... 2 : 522

لا ، واللّه إنّه إذا أتاه ملك الموت ... جزع عند ذلك ... 4 : 339

لا ، واللّه ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قطّ ... 4 : 25 ، 184

لا واللّه ما فوّض اللّه إلى أحد من خلقه إلاّ إلى رسول اللّه ... 4 : 14 ، 167

لا ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه اللّه ذلك ... 4 : 19 ، 172

لا يؤدّي عنّي إلاّ رجل منّي... 3 : 332

لا يبقى ميّت ... إلاّ ومنكر ونكير يسألانه ... 4 : 335

لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق ... 3 : 304

لا يخافنّ أحد منكم إلاّ ذنبه ... 3 : 419

لا يخرج القائم حتّى يخرج اثنا عشر من بني هاشم ... 3 : 448

لا يخلو قولك : إنّهما اثنان من ... أنّ المدبّر واحد ... 2 : 338

لا يرى جسمه ولا يسمّى اسمه ... 3 : 443 و 4 : 23 ، 183

لا يسأل في القبر إلاّ من محض الإيمان محضا ... 3 : 232

لا يستحي من لا يعلم أن يتعلّم ... 3 : 419

لا يعذّب بالنار إلاّ ربّ النار ... 3 : 332

لا يعذّبون بل هم خدم أهل الجنّة ... 4 : 288

لا يقول بالتصوّف أحد إلاّ لخدعة ... 2 : 348

لا يكون شيء إلاّ ما شاء اللّه وأراد وقدّر وقضى ... 2 : 363

لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلاّ بهذه الخصال ... 2 : 363

لا يكون هذا الأمر ... حتّى يتبرّأ بعضكم من بعض ... 3 : 449

لا يموت موال لنا ... إلاّ ويحضره رسول اللّه ... 4 : 229

لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدّم عليه غيره [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 292

لتأمرنّ بالمعروف وتنهون عن المنكر ... 4 : 325

لست من رعيّتي ولا من أهل بلادي ... 4 : 43 - 44

ص: 436

لصاحب هذا الأمر غيبتان : إحداهما يرجع منها إلى أهله ... 4 : 26 ، 185

لضربة عليّ خير من عبادة الثقلين ... 3 : 342

لضربة عليّ يوم الخندق خير من عبادة الثقلين ... 3 : 277

لعنك اللّه يا أنتن الأرض ترابا وأسرعها خرابا ... 2 : 537

لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين فعلت ... 3 : 273

لقد ضغطته الأرض ضغطة اختلف بها ضلوعه ... 4 : 299

لقد كان ذلك ... وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ... 4 : 17

لقد كنت معه صلی اللّه علیه و آله لمّا أتاه الملأ من قريش ... 3 : 40

لكلّ شيء حلية وحلية الخوان البقل ... 2 : 540

لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ... ووارثي عليّ بن أبي طالب ... 3 : 244

لكنّه ملك موكّل بكلّ بلدة ... 4 : 192

للإمام عشر علامات : يولد مطهّرا مختونا ... 4 : 33 ، 192

للإمام علامات : منها ... الفضل والوصيّة ... 4 : 170

للقائم غيبتان : إحداهما قصيرة والاخرى طويلة ... 3 : 444 و 4 : 26 ، 185

للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم ... 4 : 26 ، 185

لم أحدّده ولكن أثبتّه إذ لم يكن بين الإثبات والنفي منزلة ... 2 : 35

لم تخل الأرض منذ خلق اللّه آدم علیه السلام من حجّة ... 3 : 219

لم يجعل شيئا إلاّ لشيء ... 2 : 400

لم يخلق اللّه ( عزّ ) شجرة إلاّ ولها ثمرة تؤكل ... 2 : 539

لم يزل اللّه عزّ وجلّ ربّنا والعلم ذاته ... 2 : 74

لم يزل اللّه عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء ... 2 : 251

لم يزل اللّه عزّ وجلّ والعلم ذاته ... 2 : 19 ، 284

لم يزل عالما قادرا ثمّ أراد ... 2 : 284

لم يعبروا ... يا أخا الأزد أتبيّن لك الأمر ... 3 : 347

لم يكن شيء أحبّ إليه بعد النساء من الخيل ... 2 : 544

لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة ... 3 : 347

ص: 437

لمّا أراد اللّه تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم أهبط ... 4 : 328

لمّا اسري بالنبيّ صلی اللّه علیه و آله مرّ على شيخ قاعد ... وحوله أطفال ... 4 : 337

لمّا اسري بي إلى السماء حملني جبرئيل ... 2 : 534

لمّا أفضت الخلافة إلى بني اميّة ... لعنوا أمير المؤمنين علیه السلام على منابرهم ..............

... 4 : 67 - 71

لمّا انتهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله الركن الغربي فجازه ... 3 : 197

لمّا أهبط اللّه ( عزّ وجلّ ) آدم من الجنّة أهبط معه ... 2 : 539

لمّا توفّي أخي محمّد بن الرضا علیه السلام صرت يوما إلى امرأته أمّ الفضل ... 4 : 102

لمّا توفّي النبيّ صلی اللّه علیه و آله خطب أبو بكر فقال ... 3 : 220

لمّا جعل المأمون الرضا علیه السلام وليّ عهده ... اناس كرهوا ذلك ... 4 : 93

لمّا جعل علیه السلام وليّ العهد ، فحبس المطر مدّة ... فاستدعي ... 4 : 96

لمّا حضر الحسين علیه السلام ما حضره دفع وصيّته إلى ابنته فاطمة ... 4 : 177

لمّا حضرت الحسن بن عليّ علیه السلام الوفاة قال : ... ادع لي محمّد ... 4 : 177

لمّا خلق اللّه الفرس قال لها : خلقتك عربيّا ... 2 : 543

لمّا رجع أمير المؤمنين علیه السلام من صفّين وسقى القوم من الماء ... 3 : 401

لمّا زوّج النبيّ صلی اللّه علیه و آله عليّا علیه السلام بفاطمة علیهاالسلام استدعى تميرات ... 3 : 179

لمّا صالح الحسن بن عليّ علیهماالسلام معاوية جلسا بالنخيلة ... 4 : 46

لمّا صعد أبو بكر المنبر بعد البيعة ليخطب ... 3 : 334

لمّا عرج بي إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش ... 3 : 433

لمّا عرج بي إلى السماء ناداني ربّي ... 3 : 178 - 179

لمّا غزا بتبوك كان معه من المسلمين خمسة وعشرون ألفا ... 3 : 196

لمّا قضى الصادق علیه السلام كانت وصيّته في الإمامة إلى موسى ... 4 : 86

لمّا كانت بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج ... جعلوا واليها ... 4 : 122

لمّا مات الرسول صلی اللّه علیه و آله خطب أبو بكر وقال ... 3 : 218

لمّا ماتت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين ... 3 : 198

لمّا ولد في البيت الحرام ... خرّ ساجدا ... 3 : 423

لنا خزائن الأرض ومفاتيحها ... 4 : 75

ص: 438

لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه عزّ وجلّ أن لا يميته ما أماته أبدا ... 4 : 330

لو تعرّضت يوما لأبي الحسن ... فسألته أن يدعو لك ... 4 : 106

لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير ... فاتحة الكتاب ... 3 : 279

لو كان بعدي نبيّ لكان عمر [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 292 ، 350

لو كان الدين بالثريّا لتناوله رجال من فارس ... 2 : 111

لو كانت البحار مدادا والأشجار أقلاما ... 3 : 260

لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا ... 2 : 13 و 3 : 19

لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ... 3 : 418

لو كنت متّخذا خليلا دون ربّي لاتّخذت أبا بكر [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 349

لو لا أنّا نزداد لأنفدنا ... 4 : 18 ، 171

لو لا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شيء : المرض ... 4 : 328

لو لا عليّ لهلك عمر ... 3 : 281

لو لا القمّيّون لضاع الدين ... 2 : 535

لو لم يقل سلاما لأهلكت إبراهيم من البرودة ... 4 : 261

لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ... 3 : 59 ، 65

ليأمرنّ بالمعروف ولينهنّ عن المنكر ... 4 : 320

ليس ذلك حيث تذهب إنّما ذلك عند المعاينة ... 4 : 346

ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة ... 3 : 438 و 4 : 180

ليس من أحد من أهل الأديان يموت إلاّ رأى ... 4 : 229

ليس من قطرة تقطر إلاّ ومعها ملائكة ... 2 : 516

ليس هذا بخلاف يؤدّي إلى الكفر والضلال ... 2 : 513

ليس يخرج شيء من عند اللّه عزّ وجلّ حتّى يبدأ برسول اللّه ... 4 : 18 ، 171

ليكون دليلا على صدق من أتى بها ... ( لأيّ علّة أعطى اللّه ... المعجزة؟ )... 3 : 29

ليكون فيه تطاير الكتب فكلّ إنسان طائره في عنقه ... 4 : 253

« م »

ما أكثر ذكر الموت إنسان إلاّ زهد في الدنيا ... 4 : 328

ص: 439

ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه اللّه ... 2 : 516

ما اولئك منّا ولا نحن منهم ... 4 : 307

ما تريدون من عليّ؟ إنّ عليّا منّي وأنا منه ... 3 : 415

ما تشاء؟ ... كلاّ إنّي أقدم على ربّ غفور ... 4 : 49

ما تعني بالفلسفة؟ أليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه ... 3 : 280

ما تقول في رجل نظر إلى امرأة أوّل النهار حراما ... 4 : 132

ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي ... 3 : 438 و 4 : 179

ما خرجت ريح قطّ إلاّ بمكيال إلاّ زمن عاد ... 2 : 521

ما دعاكم إلى القول بأنّ الأشياء لا بدء لها ... 2 : 473

ما الذي نرى من خلقك ونعجب له من قدرتك ... 2 : 143

ما زالت الأرض إلاّ ولله - تعالى ذكره - فيها حجّة ... 2 : 456

ما قتل ولا يقتل حتّى تجتمع عليه الامّة ... 3 : 424

ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانيّة ولكن قلعته بقوّة ربّانيّة ... 3 : 342

ما كان لرسول اللّه شيء يورث إلاّ بغلته ... 3 : 403

ما لي أراك كئيبا حزينا ... فاصرف وجهك ... 4 : 76

ما لي ذنب فأفرّ منه ، ولا الطريق ضيّق فأوسّعه عليك ... 4 : 101

ما لي ولك أيّها الرجل ومن أدخلك عليّ ... 4 : 20 - 21

ما من أهل بيت ... إلاّ وملك الموت يتصفّحهم ... 4 : 330

ما من شيء أحبّ إلى اللّه من إخراج الدراهم إلى الإمام ... 4 : 29 ، 188

ما من طير يصاد في برّ ولا بحر ... إلاّ بتضييعه التسبيح ... 2 : 540

ما من عبد ولا أمة يموت وفي قلبه ... حبّ عليّ ... 3 : 301

ما من ملك يهبطه اللّه في أمر ما يهبطه إلاّ بدأ بالإمام ... 4 : 34 ، 194

ما من نبيّ جاء قطّ إلاّ بمعرفة حقّنا ... 4 : 49

ما من نبيّ ولا وصيّ نبيّ يبقى في الأرض ... حتّى يرفع روحه ... 4 : 240

ما نسيت بعد ذلك شيئا ... 3 : 279 ، 343

ما هلك امرؤ عرف قدره ... 3 : 418

ص: 440

ما وسعني أرضي ... وسعني قلب عبدي المؤمن... 3 : 209

ما يبكيك؟ ... توفّيت والدتي يا رسول اللّه ... 4 : 358

ما يبكيك ... قوموا حتّى نصير إلى هذه الحرّة ... 4 : 46 - 47

ما يدريهم من غسله؟ فما قلت لهم ... 4 : 190

ما يعلمها إلاّ أهل بيت من العرب ... 2 : 503

ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟ ... 4 : 216

ما يموت موال لنا مبغض لأعدائنا إلاّ ويحضره رسول اللّه ... 4 : 332

الماء يطهّر ولا يطهّر ... 1 : 445

مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ... 4 : 13 ، 166

مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ... ... 3 : 278

مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ... 4 : 126

مثل سحالة الذهب في دكّان الصائغ ... 4 : 263

مثله علیه السلام ... مثل عيسى حيث أبغضه اليهود ... 3 : 287

المجمع عليه بالوحدانيّة ... 2 : 337

مرّ العبد الصالح علیه السلام بامرأة بمنى وهي تبكي وصبيانها حولها ... 4 : 85

مرّ عيسى بن مريم علیه السلام بقبر يعذّب صاحبه ... 4 : 350

المرء عدوّ ما جهله ... 3 : 418

المراد من العالمين ... أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ... 3 : 305

مرحبا بك اجلس هنيئا لك يا ابن عاصم ... 4 : 115

مرض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فدخل عليّ علیه السلام المسجد ... 3 : 380

المسوخ ثلاثة عشر : الفيل والدبّ والأرنب ... 2 : 546

المشيئة محدثة ... 2 : 74

مصلح أو مفسد ... هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد ... 3 : 227 ، 235

معاشر الناس إنّي راحل ... أوصيكم في عترتي خيرا ... 3 : 431 - 432

الملائكة على ثلاثة أجزاء ... 2 : 505

ص: 441

ملك موكّل بالبحار يقال له : رومان ... 2 : 524

ممّ خلق السماوات؟ قال : من بخار الماء ... 2 : 499

من آذى شعرة منّي فقد آذاني ... 4 : 127

من آذى عليّا فقد آذاني ... 3 : 414

من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليسترها ... 4 : 326

من أتمّ ركوعه لم تدخله وحشة القبر ... 4 : 360

من أحبّ أن يجاور الجليل في داره ... فليتولّ عليّ... 3 : 307

من أحبّ أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ... فليتولّ عليّ ... 3 : 304

من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني ... 2 : 536

من أحبّ عليّا فقد أحبّني ... 3 : 304 ، 414

من أحبّك بقلبه كان له ثلث ثواب العباد ... 3 : 302

من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ... فلينظر إلى عليّ ... 3 : 348

من ارتبط فرسا عتيقا محيت عنه ثلاث سيّئات ... 2 : 543

من اشتكى فؤاده وكثر غمّه فليأكل الدرّاج ... 2 : 546

من أطاعني فيما قلت له ... كان أخي ووزيري ... 3 : 243

من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ... 4 : 232 ، 336 ، 352

من تتبّع عورة أخيه ، تتبّع اللّه عورته ... 4 : 326

من تولّى أمير المؤمنين علیه السلام وتبرّأ من أعدائه ... 4 : 361

من حقّ المؤمن على اللّه أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت ... 4 : 63

من خرج من منزله أو من منزل غيره في أوّل الغدوة ... 2 : 543

من ذكر عنده الصوفيّة ولم ينكرهم بلسانه ... 2 : 346

من زعم أنّ اللّه يأمر بالفحشاء فقد كذب ... 2 : 364

من زعم أنّ لله وجها كالوجوه فقد أشرك ... 2 : 341

من سبّ عليّا فقد سبّني ... 3 : 414

من صنع صنيعة إلى أحد من خلف عبد المطّلب ... 4 : 127

من عبد اللّه بالتوهّم فقد كفر ... 2 : 355

ص: 442

من عرف نفسه فقد عرف ربّه... 1 : 342 ، 353 و 2 : 13 و 3 : 418

من علم علما وكتمه ألجمه اللّه تعالى يوم القيامة ... 2 : 342

من قال بالتناسخ فهو كافر باللّه العظيم ... 4 : 217

من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة يعجّ إلى اللّه ... 2 : 540

من كان له ولاية أمير المؤمنين علیه السلام يومئذ من فزع آمنين ... 4 : 253

من كتب فضيلة من فضائل عليّ ... غفر اللّه له ... 3 : 299

من كنت مولاه فعليّ مولاه ... 3 : 413

من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ... 3 : 265

من لامّتك يا محمّد ، من بعدك؟ ... 3 : 57

من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهليّة ... 3 : 354

من مات بين زوال الشمس يوم الخميس ... أعاذه اللّه ... 4 : 231 ، 336 ، 350

من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة ... 4 : 29 ، 188

من مات ليلة الجمعة كتب اللّه له براءة من عذاب النار ... 4 : 337 ، 354

من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليّة ... 4 : 28 ، 188

من مات يوم الجمعة ... رفع عذاب القبر عنه ... 4 : 337

من مات يوم الجمعة كتب له براءة من ضغطة القبر ... 4 : 337 ، 354

من نزل هذا الكوكب في بيته فهو وصيّي ... 3 : 262

من يجاهد بنفسه في سبيل اللّه فينجيه ... 3 : 258

من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال ... 4 : 328

منكم واللّه يقبل ، ولكم واللّه يغفر ... ويرى السرور ... 4 : 342

مه يا جابر ، فإنّه استجار بنا أهل البيت ... 4 : 62 - 63

المهديّ رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدرّيّ ... 4 : 135

المهديّ من ولد العبّاس عمّي ... 4 : 135

الميّت تدمع عينه عند الموت ... 4 : 229

« ن »

( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) فأمّا الغدوّ ... في الدنيا ... 4 : 231

ص: 443

الناس في القدر على ثلاثة أوجه ... 2 : 372 ، 421

الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ... 1 : 353

الناس من شجر شتّى وأنا وعليّ من شجرة واحدة ... 3 : 414

الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ... 3 : 418

نبتدئ يا مفضّل بذكر خلق الإنسان فاعتبر به ... 2 : 400

النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لامّتي ... 4 : 127

نحن أهل الذكر ونحن المسئولون ... 4 : 11 ، 164

نحن الذين فرض اللّه طاعتنا ... 4 : 9 ، 162

نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله ... 4 : 11 ، 165

نحن صنائع اللّه ربّنا والخلق بعد صنائع لنا ... 3 : 315

نحن صنائع اللّه والخلق بعد صنائع لنا ... 3 : 208 ، 314 ، 318

نحن في العلم والشجاعة سواء ... 4 : 15 ، 169

نحن محالّ مشيئة اللّه ... 3 : 313

نزل أبو جعفر علیه السلام بواد فضرب خباءه ثمّ خرج ... 4 : 59

النصح بين الملأ تقريع ... 3 : 418

النظر إلى عليّ عبادة ... 3 : 414

نعم ( فقلت لهما : أنتما ورثة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ؟ قال : ) ... 4 : 59

نعم ( فقلت : يا سيّدي ، هل لك ولد؟ فقال : ) ... 4 : 22

نعم ، إنّ الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه ... 4 : 40

نعم ، حتّى لا يبقى لحم ولا عظم إلاّ طينته التي خلق منها ... 4 : 212 ، 266

نعم الريح الجنوب تكسر البرد عن المساكين ... 2 : 521

نعم غير معقول ولا محدود ... 2 : 353

نعم المركب ركبت يا غلام فقال ... ونعم الراكب ... 4 : 126

نعم ، وإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله قد دخل الجنّة ورأى النار ... 4 : 307

نعم ، وذلك أنّ رجلا سأله عن مسألة فأجابه ... 4 : 199

نعم ولكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ... 2 : 269

ص: 444

نعم يخرجه من الحدّين : حدّ التعطيل وحدّ التشبيه ... 2 : 354

نعوذ باللّه منها ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر ... 4 : 233

نفّذوا جيش اسامة ... 3 : 331

نهى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله عن ... النظر في النجوم ... 2 : 502

نهران مؤمنان ... نيل مصر والفرات ... 2 : 525

نور أشرق من صبح الأزل فتلوح ... 3 : 314

النوم كالظلّ فإن أرادوا أقاموا الرجل في الشمس ... 3 : 283

النون : اللوح المحفوظ والقلم نور ساطع ... 2 : 493

النيران أربعة : نار تأكل وتشرب ... 2 : 511

« ه »

هاهنا أنت يا بن سعيد ، ثم أومأ بيده ... 4 : 104

هذا الجسم الذي في الدنيا هو بعينه هذا المرئيّ ... 4 : 261

هذا حصن مكنون ... تتفلّق عن مثل ألوان الطواويس ... 2 : 39

هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا ... 3 : 242

هذا دأبنا ودأبهم يستنقصون بنا ونحن نغنيهم ... 4 : 141

هذا صاحبكم ( أرأينه أبو محمّد علیه السلام وقال : ) ... 4 : 23

هذا صاحبكم بعدي ... 4 : 22 ، 181

هذا صاحبكم فتمسّك به ... 4 : 178

هذا صاحبكم من بعدي ... 4 : 179

هذا طائر ظنّ في زوجته سوءا فحلفت له ... 4 : 142

هذا عطاؤنا فامنن أو - اعط - بغير حساب ... 4 : 40

هذا القبر ، يدخل عليه ملكان فظّان غليظان يحفران القبر ... 4 : 358

هذا مكان قوم من الجنّ المؤمنين وقد ضيّقتم عليهم ... 4 : 141

هذا من ولد الأعرابيّة صاحب الحصاة التي طبع آبائي فيها ... 4 : 113

هذا واللّه مكتوب في صحف إبراهيم وموسى ... 4 : 7

هذان ابناي وابنا ابنتي اللّهمّ إنّي احبّهما ... 4 : 125

ص: 445

هذه حبلى بعجلة انثى لها غرّة في جبينها ... 4 : 45

هذه النجوم التي في السماوات مدائن ... 2 : 500

هكذا وهكذا وهكذا يعني بين يديه وخلفه و ... 4 : 36 ، 195

هل رأيت خليلا يميت خليله ... 3 : 258

هلاّ شققت قلبه ... 4 : 322

هم الأئمّة (سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن قول اللّه : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ ... ) قال :)......

4 : 10 ، 163

هم شرّ من على وجه الأرض ... 2 : 537

هم في النار ( سألت خديجة عن حالهم ... قال : ) ... 4 : 288

هما ريحانتاي من الدنيا ... 4 : 125

هما سيّدا كهول أهل الجنّة ما خلا النبيّين والمرسلين [ الأخبار الموضوعة ] ... 3 : 291

( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ ... الْكِتابَ ) قال : أمير المؤمنين ... 3 : 299

هو الرجس مسخ فإذا قتلته فاغتسل ... 4 : 355

هو سميع بصير سميع بغير جارحة ... 2 : 59 ، 140

هو كيدك منه ( قال علیه السلام في العلم : ) ... 2 : 140

هو نهر في الجنّة قال اللّه : أجمد فجمد ... 2 : 492

هوّن عليك يا عمر فإنّ هذا رجل من أولياء اللّه ... 3 : 425

هيكل كهيكل الدنيا ، فإذا رأيته قلت : هذا فلان ... 4 : 266

« و »

وأخذ اللّه هذا خليفتي فيكم من بعدي فاستمعوا ... 3 : 320

( وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) قال : فلان وفلان ... 3 : 299

وإذا سكنت النطفة في الرحم ... بعث اللّه تعالى ملكا ... 4 : 32 ، 191

وإذا ضحك ... وسالت عينه اليمنى فاعلم أنّه ... 4 : 347

وإذا قتل منّا فيما بعد كنّا شهداء ... 2 : 74

وأستعينه قاهرا قادرا ... 2 : 76

واسم أبيه اسم أبي ... 4 : 134

( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ... وَلِذِي الْقُرْبى ) قال : لأمير المؤمنين وللأئمّة علیهم السلام 3 : 299

ص: 446

وا غوثاه باللّه أهل بيت محمّد يموتون جوعا ... 3 : 257

واللّه فدنياكم هذه أهون في عيني ... 3 : 345

واللّه في السماء لسبعين صفّا من الملائكة ... 4 : 39

واللّه لا يبغضني عبد أبدا يموت على بغضي إلاّ رآني ... 4 : 344

واللّه لو كسرت إليّ الوسادة لحكمت ... 3 : 343

واللّه ما أخاف عليكم إلاّ البرزخ ... 4 : 230 ، 335

واللّه ما أعلم أنّ ملكا في السماء يخطو قدما بغير إذني إلاّ ... 3 : 318

واللّه ما خلق اللّه نبيّا إلاّ ومحمّد أفضل منه ... 4 : 81

واللّه ما كذبت ... 3 : 347

واللّه ما يخاف عليكم إلاّ البرزخ ... 4 : 349

واللّه هي الشفاعة ... 3 : 66

( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ ... وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) عليّ بن أبي طالب ... 3 : 274

( وَإِنْ ... يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) قال : هو رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله ... 4 : 229

وإنّا نتقلّب في الصور كيف ما شاء اللّه ... 3 : 314

وأوصت فاطمة أن لا يصلّي عليها أبو بكر فدفنت ليلا ... 3 : 329

وأين مثل أبي بكر كذّبني الناس وصدّقني وآمن بي ... [ الأخبار الموضوعة ] 3 : 349

وجد عليّا مضطجعا ... فأصابه تراب ... 3 : 416

وجدنا في كتاب عليّ علیه السلام أنّ الأرض لله يورثها ... 4 : 196

وجود الأفاعيل التي دلّت على أنّ صانعها صنعها ... 2 : 35

وجوده قبل القبل في أزل الآزال ... 2 : 64

وحجّتهم واحدة وطاعتهم واحدة ... 4 : 16 ، 169

والذي خلق الحبّة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ... إلاّ بقضاء اللّه ... 2 : 444

والذي فرّق بينكم هو داعيكم الذي استرعاه اللّه ... 3 : 315

والذي نفسي بيده ملائكة اللّه في السماوات أكثر ... 2 : 505

( وَالَّذِينَ آمَنُوا ... ) بما جاء محمّد من الولاية ... 3 : 298

الولاية ( في قول اللّه : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ ... وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ) قال : )... 3 : 298

ص: 447

ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ... 4 : 39 ، 198

ولايتي لعليّ بن أبي طالب أحبّ إليّ من ولادتي منه ... 3 : 306

ولد أبو جعفر علیه السلام سنة سبع وخمسين ... 4 : 203

ولد أبو الحسن الرضا علیه السلام سنة ثمان وأربعين ومائة ... 4 : 204

ولد أبو الحسن موسى بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة ... 4 : 203

ولد أبو عبد اللّه سنة ثلاث وثمانين ... 4 : 203

ولد أمير المؤمنين علیه السلام بعد عام الفيل بثلاثين سنة ... 4 : 201

ولد الحسن بن عليّ علیهماالسلام في شهر رمضان في سنة بدر ... 4 : 202

ولد الحسين بن عليّ علیهماالسلام في سنة ثلاث ... 4 : 202

ولد عليّ بن الحسين علیهماالسلام في سنة ثمان وثلاثين ... 4 : 202

ولد علیه السلام في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ... 4 : 205

ولد علیه السلام في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة ... 4 : 204

ولد علیه السلام للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين ... 4 : 204

ولد علیه السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ... 4 : 205

ولد النبيّ صلی اللّه علیه و آله ... في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال ... 4 : 201

ولدت فاطمة علیهاالسلام بعد مبعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله بخمس سنين ... 4 : 202

ولكن قد خلّف فيكم من رقبته مثل هذه وأشار بيده ... 4 : 182

ولو أنّ الرياض أقلام ... ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 3 : 288

وما ينكرون من ذلك قول اللّه عزّ وجلّ ... لنبيّه ... 4 : 30 ، 190

والملك لا تشاهده حواسّكم ... 2 : 505

( وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ ... ) قال : هم الأئمّة ... 3 : 299

( وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) - في ولاية عليّ والأئمّة من بعده ... 3 : 298

وهل أعرض عليك عسكري ... 4 : 107

ويحا للطالقان فإنّ لله تعالى بها كنوزا ... 2 : 536

ويحك كيف أعبد ربّا لم أره؟ ... 2 : 13

ويحك يا دهقان المنبّئ بالآثار المحذّر من الأقدار ... 2 : 504 و 3 : 365

ص: 448

ويلك إنّما يقال لشيء لم يكن فكان ... 2 : 340

ويلك إنّما يقال لشيء لم يكن : متى كان ... 2 : 356

ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد ... 2 : 40

« ي »

يا أبا بصير ... من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره ... 4 : 28

يا أبا الحسن مثلك في أمّتي مثل ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) ... 3 : 302

يا أبا ذرّ هذا الإمام الأزهر وباب اللّه الأكبر ... 3 : 309

يا أبا ذرّ يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف ... 2 : 346

يا أبا القاسم ، ذهبت عمامتك في الطريق ... 4 : 101

يا أبا كهمش ، تب إلى اللّه ممّا صنعته البارحة ... 4 : 74

يا أبا محمّد ، إنّ أدنى نعيم الجنّة توجد ريحها ... من مسافة ... 4 : 315

يا أبا محمّد ، إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد ... 4 : 361

يا أبا محمّد ، قد عرفنا حاجتك وعلينا قضاء دينك ... 4 : 100

يا أبا مهزم ، ما لك والوالدة أغلظت في كلامها البارحة ... 4 : 75

يا أبا هاشم سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة ... 2 : 346

يا أبا يحيى إنّ لنا في ليالي الجمعة لشأنا ... 4 : 19 ، 173

يا ابن أشيم ... فما فوّض إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فوّضه إلينا ... 4 : 13

يا أخي ، إن كنت صاحب هذا الأمر فهلمّ يدك فأدخلها النار ... 4 : 86

يا إسحاق بلغني أنّ الناس يقولون : إنّا نزعم أنّ الناس عبيد لنا! لا ... 4 : 9 ، 162

يا أصبغ ، أتريد أن ترى مخاطبة رسول اللّه ... 4 : 49 - 50

يا أمير المؤمنين إنّ سليمان بن داود علیه السلام سأل ربّه ملكا ... 3 : 369 - 374

يا أمير المؤمنين! بما عرف ربّك؟ قال : بفسخ العزائم ... 2 : 38

يا أمير المؤمنين ، لم يكن في الطريق ضيق فأوسّعه لك ... ... 4 : 131

يا أهل الكوفة ، لا تزوّجوا الحسن فإنّه رجل مطلاق ... 4 : 126

يا با بصير ... من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره ... 4 : 188

يا با سيّار إنّك تأكل طعام قوم صالحين ... ... 4 : 34 ، 194

ص: 449

يا بن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه ... 2 : 358

يا بن أشيم ... فما فوّضه إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله فوّضه إلينا ... 4 : 167

يا بن رسول اللّه ، لا تغضب عليّ قال : لما ذا ... ... 4 : 173

يا بنيّ أمرني رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله أن اوصي إليك ... ... 3 : 437

يا بنيّ فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ... ... 4 : 117

يا ثابت ، إنّ اللّه تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا الأمر ... ... 4 : 27 ، 186

يا جابر ، فإذا أدركته يا جابر ، فأقرئه منّي السّلام ... 4 : 129

يا حسين يخرج من صلبك تسعة ... منهم مهديّ هذه الامّة ... 3 : 432

يا حكم ، وإنّك لها هنا بعد؟ ... 4 : 41 ، 201

يا دنيا إليك عنّي أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ ... 3 : 284 ، 844

يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ ... 2 : 353

يا ربّ ... إلهي إنّي أشتهي العنب فأطعمنيه ... 4 : 129

يا رسول اللّه تخلّفني في النساء والصبيان ... 3 : 412

يا ريّان ارجع ... أما تحبّ أن أدفع إليك قميصا ... 4 : 96

يا زاذان فهلاّ تقرأ القرآن ... 3 : 311

يا زياد إيّاك والخصومات فإنّها تورث الشكّ ... 2 : 357

يا سدير إنّ لنا خدما من الجنّ فإذا أردنا السرعة بعثناهم ... 4 : 35 ، 195

يا سدير سمعي وبصري ... من هؤلاء براء ... 4 : 14 ، 168

يا سلمان ائتني بولديّ ... ليأكلا معي من هذا العنب ... 4 : 51 - 52

يا سلمان من كان وصيّ موسى؟ ... 3 : 243

يا سليمان والذي بعث محمّدا ... ليعلم ما في يومه وفي شهره ... 4 : 65

يا شقيق ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ... 4 : 88 ، 130

يا عباد اللّه ، ما بعد الموت لمن لا يغفر له ... 4 : 349

يا عبد اللّه لا تعجب فإنّك أغثت ملهوفة من ولدي ... 3 : 412

يا عقبة ، لا يقبل اللّه من العباد يوم القيامة إلاّ هذا الأمر ... 4 : 340

يا عليّ أمرني اللّه أن لا اباعد منك وأعلّمك ... 3 : 264

ص: 450

يا عليّ أنت أخي ووصيّي ... وقاضي ديني ... 3 : 244

يا عليّ أنت والأوصياء من ولدك أعراف ... 3 : 301

يا عليّ إنّي رأيت اسمك مقرونا في ثلاثة مواطن ... 3 : 278

يا عليّ حربك حربي وسلمك سلمي ... 3 : 435

يا عليّ طوبى لمن أحبّك ... 3 : 304

يا عليّ ... فإنّك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيّين ... 4 : 156

يا عليّ ، قل اللّهمّ اجعل لي عندك عهدا ... 3 : 271

يا عليّ الكوثر نهر يجري تحت عرش اللّه تعالى ... 3 : 306

يا عليّ لا تبارك بمن مات وهو مبغض لك ... 3 : 307

يا عليّ لو أنّ عبدا عبد اللّه ... ثمّ لم يوالك ... 3 : 306

يا عليّ من آذى بشعرة منك فقد آذاني ... 3 : 264

يا عليّ ، هذا وقت حاجتك إلى الدرّاعة وقد بعثت بها إليك ... 4 : 84

يا عمّار صر إلى الشجرتين ، فقل لهما : يأمركما رسول اللّه ... 3 : 196

يا عيسى جدّ في أمري ولا تهزل واسمع ... 3 : 175

يا فضيل ، اعرف إمامك فإنّك إذا عرفت إمامك لم يضرّك ... 4 : 28 ، 187

يا قليل العقل ، ما للعب خلقنا ... 4 : 133

يا محمّد أيّ ليلة هذه ... وكم مضى من الشهر ... 4 : 57

يا محمّد بن عيسى ، ما لي أراك على هذه الحالة ... 4 : 123

يا محمّد والذي بعثك بالحقّ نبيّا ... 3 : 302

يا معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ... 3 : 431

يا معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم ... 3 : 266 ، 323

يا مفضّل أوّل العبر والأدلّة على البارئ ... هيئة هذا العالم ... 2 : 38

يا مهزم ، كذب الوقّاتون ... ونجا المسلّمون ... 4 : 27 ، 187

يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد؟ وكيف سألته؟ ... 4 : 158

يا هشام! اللّه مشتقّ من أله والإله يقتضي مألوها ... 2 : 20 ، 339 ، 355

يا هشام كم حواسّك ... أيّها أصغر ... 2 : 352

ص: 451

يا يونس ما تراه؟ أتراه عمودا من حديد يرفع لصاحبك ... 4 : 33 ، 192

يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيّف ... 3 : 442

يبسط لنا العلم فنعلم ، ويقبض عنّا فلا نعلم ... 4 : 18 ، 172

يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا ... 4 : 337

يجيء الملكان : منكر ونكير إلى الميّت حين يدفن ... 4 : 233

يخرج بقزوين رجل اسمه اسم نبيّ ... يملأ الجبال خوفا ... 3 : 449

يخرجون غدا وازيل الشكّ إن شاء اللّه ... 4 : 134

يدخل المهديّ الكوفة وبها ثلاث رايات ... 3 : 441

يذهب فلا يعود ( أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره؟ قال : ) ............

... 2 : 511 و 4 : 338

( يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) خوفا للمسافر وطمعا للمقيم ... 2 : 517

يسأل كلّهم عن جسده فيما أبلاه ... 4 : 253

يسأل الميّت في قبره عن خمس : عن صلاته و ... 4 : 234

يستحبّ أن تتّخذ طيرا مقصوصا ... 2 : 545

يعرف الذي بعد الإمام علم من كان قبله ... 4 : 15 ، 169

يفقد الناس إمامهم ويشهد الموسم فيراهم ولا يرونه ... 4 : 25 ، 184

يقتل ولدي الحسين بالعراق ... 4 : 140

يقسم بينهم بالسويّة ويعدل في الرعيّة ... 4 : 195

يكثر القتلى بين الحيرة والكوفة ... 3 : 450

يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له : عون السلمي ... 3 : 449

يلتقون ( ذكر الأرواح ، أرواح المؤمنين ، فقال : ) ... 4 : 354

يمن الخيل في كلّ أحوى أحمر ... 2 : 543

ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء ... 3 : 449

ينبغي أن يكون الضعيف عندك بمنزلة القويّ ... 3 : 374

يهب اللّه لي غلاما ... وما يضرّه من ذاك شيء ... 4 : 30 ، 189

ص: 452

3. فهرس أسماء الأنبياء والمعصومين علیهم السلام

آدم علیه السلام ، أبو الأنبياء 2 : 409 ، 410 ، 411 ، 475 و 3 : 13 ، 48 ، 62 ، 63 ، 65 ، 67 ، 69 ، 70 ، 98 ، 99 ، 174 ، 210 ، 260 ، 445 و 4 : 225 ، 281 ، 317

يعقوب ، يعقوب بن إسحاق علیه السلام ، ( إسرائيل ) 3 : 99 ، 115 ، 117 - 119 ، 130 ، 168 ، 354 ، 362

شيث ، هبة اللّه علیه السلام 2 : 411

يوسف علیه السلام 3 : 118 ، 120

يافث علیه السلام 2 : 411

داود علیه السلام 3 : 129 ، 163 ، 165

يوشع بن نون علیه السلام 3 : 117

إلياس النبيّ ، ابن داود علیه السلام 3 : 157 ، 158 ، 434 و 4 : 261

نوح علیه السلام 2 : 446 ، 518 و 3 : 48 ، 62 ، 63 ، 67 ، 74

سليمان علیه السلام 2 : 552 و 3 : 160 ، 161 ، 164 ، 165

لوط علیه السلام 3 : 163 ، 164

عزير علیه السلام 2 : 72 ، 73

إدريس علیه السلام 3 : 70

الخضر علیه السلام 2 : 438 و 3 : 434 و 4 : 261

إبراهيم علیه السلام ، إبراهيم الخليل ، الخليل 2 : 294 ، 307 و 3 : 33 ، 99 ، 101 ، 115 ، 120 ، 121 ، 127 - 130 ، 164 ، 169 ، 240 ، 261 ، 270 ، 328 ، 354 و 4 : 242

حيقوق علیه السلام 3 : 131 ، 141

إسماعيل علیه السلام 4 : 101 ، 115 ، 116 ، 120 ، 121 ، 127 - 130 ، 133 ، 158 ، 168

دانيال علیه السلام 3 : 156

إسحاق علیه السلام 3 : 99 ، 115 ، 120 ، 121 ، 130

موسى علیه السلام 2 : 126 ، 277 ، 279 ، 294 ، 305 - 307 ، 324 ، 325 و 3 : 28 ، 29 ، 33 ، 48 ، 49 ، 55 ، 62 ، 63 ، 82 ، 83 ، 86 ، 96 ، 113 - 117 ، 120 ، 122 - 125 ، 129 ، 130 ، 137 ، 157 - 159 ، 161 ، 162 ، 165 ، 167 - 170 ، 172 ، 244 ، 274 ، 325 ، 326

يشعياء علیه السلام 3 : 131 ، 135 ، 158

ص: 453

هارون علیه السلام 3 : 96 ، 162 ، 163 ، 274 ، 325 ، 326

، 524 ، 525 ، 536 - 542 ، 544 - 546 و 3 : 20 ، 37 ، 40 ، 71 ، 72 ، 76 و 4 : 10 ، 17 ، 25 ، 33 ، 36 - 38 ، 43 ، 121 ، 126 ، 127 ، 163 ، 175 ، 176 ، 184 ، 193 ، 197 ، 201 ، 229 ، 232 ، 237 ، 264 ، 275 ، 295 ، 303 ، 306 ، 315 ، 316 ، 328 ، 329 ، 332 ، 336 ، 349 ، 351 ، 357

أرمياء علیه السلام 3 : 116

فاطمة ، فاطمة الزهراء علیهاالسلام 2 : 529 و 3 : 153 ، 156 ، 157 ، 237 ، 252 ، 253 ، 255 - 257 ، 259 ، 260 ، 263 ، 264 ، 269 ، 290 ، 306 ، 329 ، 334 ، 336 ، 337 ، 344 ، 384 ، 413 و 4 : 202

عيسى ، عيسى بن مريم علیهماالسلام 2 : 291 ، 298 ، 338 و 3 : 49 ، 69 ، 73 ، 81 - 83 ، 86 ، 94 ، 95 ، 99 ، 115 ، 117 ، 122 - 125 ، 129 ، 131 ، 137 ، 158 ، 167 ، 168 ، 170 ، 172 - 174 ، 213 ، 214 ، 252 ، 434 و 4 : 261

الحسن ، الحسن بن عليّ ، أبو محمّد الحسن المجتبى علیه السلام 2 : 542 و 3 : 156 ، 206 ، 252 ، 253 ، 257 ، 260 ، 285 ، 340 ، 344 ، 368 ، 369 ، 428 ، 429 ، 436 ، 439 ، 449 و 4 : 42 ، 43 ، 45 ، 125 ، 136 ، 176 ، 202

رسول اللّه ، النبيّ المصطفى ، محمّد بن عبد اللّه ، النبيّ ، الرسول صلی اللّه علیه و آله 1 : 441 ، 442 و 2 : 36 ، 111 ، 278 ، 279 ، 308 ، 318 ، 342 ، 346 ، 349 ، 374 ، 387 ، 395 ، 409 ، 410 ، 412 ، 451 ، 473 ، 493 ، 494 ، 499 ، 500 ، 503 ، 505 ، 517 ، 521 ، 524 - 526 ، 534 ، 536 ، 539 ، 540 ، 542 - 545 ، 547 ، 548 ، 550 ، 551 و 3 : 9 ، 16 ، 18 ، 20 ، 441 ، و 4 : 51 ، 125 ، 126 ، 129 ، 134 ، 167 ، 170 ، 176 ، 201 ، 211 ، 213 ، 227 ، 231 ، 237 ، 238 ، 260 ، 286 ، 288 ، 291 ، 292 ، 300 ، 315 ، 319 ، 320 - 324 ، 328 - 331 ، 334 - 337 ، 350 ، 360 ، 361

الحسنان علیهماالسلام 3 : 71 ، 237 ، 255 - 257 ، 263 ، 269 ، 334 ، 446

أمير المؤمنين ، عليّ ، سيّد الوصيّين ، أبو الحسن علیه السلام 2 : 13 ، 57 ، 72 ، 76 ، 141 ، 293 ، 316 ، 336 ، 354 ، 408 ، 409 ، 444 ، 456 ، 471 ، 494 ، 496 ، 499 ، 500 ، 503 ، 516 ، 517 ، 521

الحسين ، الحسين بن عليّ ، سيّد الشهداء ، أبو عبد اللّه الحسين علیه السلام 2 : 12 ، 399 ، 502 ، 541 و 3 : 99 ، 114 ، 156 ، 157 ، 159 ، 206 ، 252 ، 253 ، 257 ، 260 ، 340 ، 344 ، 347 ، 368 ، 384 ، 428 ، 429 ، 436 ، 439 ، 446 و 4 : 46 ، 49 ، 125 ، 127 ، 129 ، 131 ، 140 ، 177 ، 202 ، 221

ص: 454

عليّ بن الحسين ، زين العابدين علیه السلام 2 : 357 ، 503 و 3 : 206 ، 219 ، 362 ، 428 ، 435 ، 436 ، 439 ، 449 و 4 : 34 ، 53 ، 54 ، 57 ، 128 ، 141 ، 176 ، 177 ، 194 ، 202 ، 230 ، 331 ، 353

29 ، 32 ، 79 ، 93 ، 94 ، 105 ، 131 ، 150 ، 151 ، 164 ، 170 ، 179 ، 183 ، 189 ، 190 ، 192 ، 204 ، 217 ، 307 ، 360

الباقر ، أبو جعفر ، محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام موارده كثيرة

أبو جعفر محمّد التقي الجواد ، أبو جعفر الثاني ، محمّد بن عليّ ، ابن الرضا علیه السلام 2 : 337 ، 354 ، 472 و 3 : 428 ، 436 و 4 : 30 ، 100 ، 101 ، 105 ، 131 ، 153 ، 154 ، 175 ، 179 ، 189 ، 190 ، 204

الصادق ، أبو عبد اللّه ، جعفر بن محمّد علیه السلام موارده كثيرة

الهادي عليّ بن محمّد ، أبو الحسن العسكري ، أبو الحسن الثالث ، أبو الحسن النقي علیه السلام 2 : 347 ، 548 و 3 : 99 ، 206 ، 428 ، 436 ، 443 و 4 : 26 ، 104 ، 105 ، 107 ، 108 ، 155 ، 179 ، 180 ، 204

أبو الحسن موسى بن جعفر ، موسى بن جعفر الكاظم ، أبو الحسن الأوّل ، أبو إبراهيم موسى الكاظم علیه السلام 2 : 361 ، 363 ، 535 ، 543 و 3 : 72 ، 206 ، 428 ، 435 ، 436 ، 438 و 4 : 13 ، 15 ، 18 ، 24 ، 28 ، 34 ، 39 ، 77 ، 87 ، 89 ، 130 ، 131 ، 148 ، 158 ، 166 ، 168 ، 169 ، 172 ، 178 ، 179 ، 183 ، 186 ، 187 ، 193 ، 194 ، 198 ، 203 ، 231 ، 349 ، 352 ، 360

الحسن بن عليّ بن محمّد ، الحسن العسكري ، أبو محمّد العسكري ، أبو محمّد علیه السلام 2 : 37 ، 346 ، 504 و 3 : 180 ، 206 ، 362 ، 428 ، 436 و 4 : 22 ، 23 ، 109 ، 110 ، 112 ، 113 ، 115 ، 131 ، 133 ، 135 ، 156 ، 180 ، 181 ، 182 ، 205 ، 329

أبو الحسن الرضا ، أبو الحسن ، عليّ بن موسى الرضا ، الرضا علیه السلام 2 : 41 ، 139 ، 140 ، 251 ، 346 ، 348 ، 356 ، 358 ، 359 ، 364 ، 372 ، 426 ، 427 ، 500 ، 502 ، 517 ، 537 ، 545 ، 547 و 3 : 59 ، 86 ، 170 ، 206 ، 213 ، 301 ، 307 ، 421 ، 428 ، 436 ، 438 ، 443 ، 449 ، 450 و 4 : 9 ، 11 ، 16 ، 23 ،

المهدي ، صاحب الزمان ، محمّد بن الحسن العسكري ، المهدي الموعود ، المنتظر المهدي أبو القاسم علیه السلام 3 : 72 ، 76 ، 129 ، 131 ، 207 ، 208 ، 227 ، 235 ، 428 ، 434 - 436 ، 439 ، 441 ، 445 - 447 و 4 : 116 ، 134 ، 157 ، 205 ، 261

ص: 455

4. فهرس الأعلام الواردة في المتن

« آ »

ابن أبي بكر ، محمّد بن أبي بكر 3 : 297 ، 368

آصف بن برخيا 3 : 31

ابن أبي جعدة 3 : 376

آمنة 3 : 174

ابن أبي عميدة محمّد بن عثمان 4 : 236

« أ »

ابن أبي عمير 2 : 498

أبان 4 : 29 ، 188

ابن أبي العوجاء 2 : 40 ، 351

أبان بن تغلب 2 : 526

ابن أبي نصر 4 : 170

إبراهيم بن أحمد اليقطيني 2 : 502

ابن أبي يعفور 4 : 345

إبراهيم بن إسحاق 4 : 355

ابن باعور 3 : 82

إبراهيم بن خلف بن عباد الأنماطي 4 : 184

ابن الجبّائي 4 : 321 ، 324

إبراهيم بن عمر 2 : 355 ، 361

ابن حجر 3 : 412 و 4 : 125

إبراهيم الكرخي 2 : 493

ابن الحنفيّة ، محمّد بن الحنفيّة 3 : 71 ، 272 ، 350 ، 368 ، 401 ، 435 ، 436

إبراهيم بن محمّد الطاهري 4 : 108

ابن ذي العلمين 2 : 502

إبراهيم بن مهزم 4 : 75

ابن رئاب ، عليّ بن رئاب 4 : 23 ، 33 ، 182 ، 193 ، 237

إبراهيم بن موسى 4 : 99

ابن الراوندي 3 : 63

إبراهيم النظّام 3 : 73

إبليس 2 : 140 و 3 : 67 ، 445 ، 447

ص: 456

ابن ربيعة 3 : 341

197 ، 244 ، 259 ، 262 ، 263 ، 265 ، 271 - 273 ، 281 ، 301 ، 302 ، 306 ، 315 ، 343 ، 381 ، 421 ، 427 ، 430 و 4 : 306 ، 358 ، 361

ابن رشد ، أبو الوليد محمّد بن رشد الأندلسي 2 : 191 ، 195 ، 234 ، 235 ، 250

ابن عمر 2 : 523 و 3 : 290 ، 297 ، 339 ، 350 ، 413

ابن زكريا الرازي ، الإمام ، الإمام الرازي ، محمّد بن زكريّا الطبيب 1 : 83 ، 167 ، 177 ، 178 ، 353 ، 358 ، 460 ، 468 و 2 : 88 ، 103 ، 104 ، 149 ، 205 ، 266 ، 313

ابن فضّال 4 : 32 ، 33 ، 192 ، 340 ، 342

ابن زياد 4 : 127

ابن كمونة 2 : 333

ابن سلام 2 : 493

ابن الكوّاء 2 : 501 ، 517

ابن سنان ، عبد اللّه بن سنان 2 : 363 و 4 : 14 ، 40 ، 163 ، 167

ابن مجاهد 4 : 321

ابن سينا ، الشيخ ، الشيخ الرئيس ، الشيخ أبو عليّ بن سينا ، أبو عليّ 1 : 120 ، 241 ، 282 ، 285 ، 307 ، 315 ، 316 ، 370 ، 392 ، 395 ، 396 ، 398 ، 399 ، 426 ، 459 ، 474 و 2 : 143 ، 144 ، 147 - 149 ، 152 - 154 ، 160 ، 168 ، 169 ، 175 ، 182 - 184 ، 187 ، 189 - 191 ، 193 ، 194 ، 208 ، 211 ، 213 ، 220 ، 222 - 224 ، 232 ، 234 - 236 ، 244 ، 250 ، 254 ، 260 ، 313 ، 510

ابن محبوب ، الحسن بن محبوب 4 : 237 ، 238 ، 345 ، 348

ابن طاوس 2 : 474

ابن مسعود ، عبد اللّه بن مسعود 3 : 40 ، 61 ، 261 ، 307 ، 308 ، 338 ، 339 ، 431 ، 439

ابن عباس ، عبد اللّه بن عباس 2 : 471 ، 506 ، 523 ، 528 و 3 : 175 ، 178 ، 179 ،

ابن مسكان 4 : 344

ابن ملجم ، عبد الرحمن بن ملجم 3 : 77 ، 285 ، 345

أبناذقلس 2 : 149

ابنا سابور 4 : 342

أبو إسحاق الأسفرايني 2 : 373

أبو إسحاق بن عيّاش 1 : 114 ، 115

أبو إسحاق الثعلبي 3 : 248

أبو إسحاق السندي 4 : 98

أبو الأسود الدؤلي 3 : 343

أبو إمامة أسعد بن زرارة 3 : 433

ص: 457

أبو أيّوب الأنصاري 3 : 304

أبو الحسن 1 : 259

أبو البركات ، أبو البركات البغدادي 1 : 282 و 2 : 57

أبو الحسن الخيّاط 1 : 115 ، 116 و 3 : 74

أبو بصير 2 : 340 ، 356 ، 357 ، 364 و 3 : 29 ، 411 و 4 : 10 - 12 ، 16 ، 26 - 28 ، 30 ، 32 ، 59 ، 64 ، 143 - 145 ، 163 - 165 ، 185 ، 188 ، 189 ، 191 ، 216 ، 236 ، 315 ، 341 ، 347 ، 355

أبو الحسن العطّار 4 : 10 ، 163

أبو بكر ، أبو بكر بن أبي قحافة 3 : 42 ، 46 ، 71 ، 218 ، 262 ، 269 ، 282 ، 289 - 291 ، 294 - 296 ، 320 ، 321 ، 327 - 335 ، 337 ، 342 ، 346 ، 349 - 351 ، 412 ، 425 ، 440 ، 441

أبو الحسن عليّ بن أبي بشر الأشعري 3 : 280

أبو بكر الأصمّ 3 : 220

أبو الحسن الكرخي 4 : 114 ، 157

أبو بكر الرازي 3 : 248

أبو الحسين ، أبو الحسين البصري 1 : 90 ، 94 ، 417 و 2 : 259 ، 272 ، 273 ، 303 ، 389 ، 466

أبو ثوبان ، أبو ثوبان الأسدي 3 : 75 و 4 : 50

أبو حمزة ، أبو حمزة الثمالي ، الثمالي 2 : 538 و 3 : 305 ، 316 ، 448 و 4 : 27 ، 34 ، 36 ، 66 ، 176 ، 186 ، 194 ، 195 ، 345

أبو الجارود 4 : 171 ، 176 ، 177

أبو حنيفة ، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفيّ 2 : 275 و 3 : 75 ، 280 و 4 : 319 ، 322

أبو جزول 3 : 342

أبو خالد الكابلي 4 : 37 ، 53 ، 196

أبو جعفر محمّد بن علويّة 4 : 105

أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأسديّ 3 : 76

أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ، محمّد بن يعقوب 2 : 267 ، 268

أبو الدحداح 3 : 295

أبو جعفر الهاشمي 4 : 154

أبو الدرداء 3 : 350

أبو جهل 3 : 46

أبو ذرّ ، أبو ذرّ الغفاري 2 : 500 و 3 : 177 ، 178 ، 219 ، 290 ، 293 ، 309 ، 338 ، 339

أبو حارثة الاسقف 3 : 252

أبو السائب مولى هشام بن زهرة 2 : 551

أبو حذيفة 3 : 301

أبو سعيد 3 : 304 ، 305

أبو سعيد الخدري 2 : 551 و 3 : 431

أبو سعيد الزهريّ 2 : 353

أبو سفيان بن الحارث 3 : 342

أبو سلمة ، أبو سلمة بن السراج 4 : 9 ، 75 ، 162

ص: 458

أبو شاكر الديصاني ، عبد اللّه الديصاني 2 : 39 ، 339 ، 352

أبو كهمش 4 : 74

أبو الصامت 4 : 34 ، 193

أبو محمّد الأنصاري 4 : 339

أبو الصباح الكناني 4 : 39 ، 178 ، 198

أبو محمّد الغفّاري 4 : 99

أبو الصلت الهروي 4 : 151

أبو المستهلّ 4 : 346

أبو طالب 3 : 178 ، 313

أبو معاد التومني 3 : 75

أبو العبّاس أحمد بن النضر 4 : 105

أبو معمّر 4 : 190

أبو عبد اللّه البصري 1 : 115 ، 116

أبو المغراء 2 : 354

أبو عبد اللّه الحليمي 3 : 66

أبو المليح الهذلي 3 : 396

أبو عبد اللّه الصالح 3 : 443

أبو منصور 3 : 76

أبو عبد الرحمن السلمي 3 : 347

أبو موسى عيسى بن صبيح الملقّب بمردار 3 : 73

أبو عبيدة 3 : 323

أبو نجران 2 : 353

أبو عبيدة الحذّاء 2 : 357

أبو نعيم 2 : 541 و 3 : 271 - 274

أبو عبيدة المدائني 4 : 12 ، 165

أبو هاشم 1 : 110 ، 115 ، 267 ، 395 ، 498 و 2 : 304 ، 464 ، 466 و 3 : 24 ، 34 و 4 : 109 ، 181 ، 238 ، 241 ، 243 ، 287 ، 293 ، 295 ، 317

أبو عتيبة 4 : 61

أبو هاشم الجعفري 2 : 337 ، 346 ، 347 و 4 : 22 ، 105 ، 106 ، 113 ، 114

أبو عليّ ، أبو عليّ الجبّائي ، الجبّائي 1 : 115 ، 466 و 2 : 389 ، 465 و 3 : 34 ، 74 ، 280 و 4 : 241 ، 243 ، 294 ، 321 ، 324

أبو هاشم عبد اللّه بن محمّد بن الحنفيّة 3 : 280

أبو عليّ الأشعري 4 : 339 ، 346

أبو الهذيل 2 : 466 و 3 : 73

أبو عليّ الفهري 4 : 106

أبو هريرة 3 : 382 و 4 : 358

أبو عمرو 3 : 347

أبو ولاّد الحنّاط 4 : 238

أبو القاسم البلخي 4 : 283

أبو يحيى الصنعاني 4 : 19 ، 173

أبو قتادة 4 : 13

أبو قرّة المحدّث 2 : 358

أبو كامل 3 : 76

ص: 459

أبو يحيى الواسطي 4 : 33 ، 193

168 ، 198 و 3 : 71

أبو يزيد البسطامي 2 : 291 ، 343

اسامة بن زيد 3 : 293

أبو يعقوب الشحّام 1 : 115

إسحاق بن عمّار 4 : 26 ، 185

أبو اليقظان عمّار الأسدي 4 : 339

إسحاق بن منصور 4 : 87

أبو يوسف 2 : 275 و 4 : 319

إسحاق بن موسى بن عيسى العبّاسي 4 : 9 ، 162

أحمد البرقي 4 : 147

الإسكندرين 3 : 98

أحمد البزّاز 4 : 148

أسماء بنت عميس 3 : 274

أحمد بن أبي نصر البزنطيّ 2 : 346

إسماعيل 4 : 151

أحمد بن إسحاق 4 : 22 ، 118 ، 181

إسماعيل بن أبي حمزة 4 : 65 ، 66

أحمد بن حنبل ، أحمد 3 : 76 ، 242 ، 280 ، 412 ، 413

إسماعيل بن بزيع 2 : 346

أحمد بن عمر الحلاّل 4 : 31 ، 190

إسماعيل بن جعفر علیه السلام ، إسماعيل 3 : 72 ، 435

أحمد بن فارس 4 : 118

إسماعيل بن مهران 3 : 438 و 4 : 179

أحمد بن محمّد 4 : 344 ، 346

إسماعيل السندي 4 : 143

أحمد بن محمّد بن أبي نصر 4 : 345

الأشعري ، أبو الحسن الأشعري ، الشيخ الأشعري 1 : 90 ، 94 ، 409 و 2 : 100 ، 230 ، 276 ، 277 ، 286 ، 303 ، 304 ، 312 ، 328 ، 428

أحمد بن محمّد بن عيسى 4 : 342 ، 347

أصبغ ، أصبغ بن نباتة 2 : 444 ، 494 ، 501 و 3 : 307 ، 424 و 4 : 25 ، 49 ، 184 ، 357

أحمد بن مظفّر العطّار 3 : 307

الأصمعي 2 : 536

أحمد الكيّال 3 : 76

أفلاطون ، أفلاطن 1 : 281 ، 285 ، 287 و 2 : 149 ، 160 ، 168 ، 183 و 3 : 70

الأخطل 2 : 275

أقليدس 3 : 71

أخنس بن قيس 3 : 78

أخيّا الشيلوني 3 : 160

أدبئل 3 : 130

إدريس القمّي 4 : 347

أرسطو - أرسطوطاليس 1 : 281 ، 285 ، 353 ، 355 ، 370 و 2 : 57 ، 110 ، 160 ،

ص: 460

أمّ أيمن 3 : 329

بشير بن معمّر 3 : 73

أمّ جميل 3 : 46

بطليموس 3 : 71

أمّ سلمة 4 : 140

بقراط 3 : 71

أمّ الفضل 4 : 132

بكر بن وائل 2 : 316

أمّ معبد 3 : 42

بكير بن أعين 4 : 17 ، 38 ، 171 ، 198

أمّ هانئ 3 : 444 و 4 : 26 ، 186

البلخي ، أبو القاسم البلخي ، الكعبي 1 : 115 ، 432 و 2 : 113 ، 259 ، 272

الآمدي 2 : 312

بنيامين 3 : 160

امرئ القيس 3 : 61

بهلول 4 : 133

اميّة بن عليّ القيسي 4 : 101

بهمنيار 1 : 153 و 2 : 84 ، 93 ، 112 ، 180

أمير علاّم 4 : 121

بيان بن سمعان 3 : 71

أنس ، أنس بن مالك 3 : 261 ، 263 ، 300 ، 304 ، 307 ، 310 ، 376 ، 401

« ث »

انكساغورس 1 : 314 و 2 : 510

ثالس 2 : 159 ، 184

انكسمانس 2 : 158 ، 167

ثاليس 3 : 70

أيّوب بن أعين 4 : 48

ثعلبة 3 : 78

أيّوب بن نوح 2 : 251 و 4 : 26 ، 186

الثعلبي 3 : 261 ، 264

« ب »

ثمام بن أشرس 3 : 73

البخاري 3 : 324

ثيشاق 3 : 160

بخت نصّر2 : 73 و 3 : 49 ، 63 ، 86 ، 116

« ج »

بختيشوع ، طبيب المتوكّل 4 : 110

جابر 3 : 307 ، 437 و 4 : 11 ، 40 ، 45 ، 60 ، 67 ، 164 ، 199 ، 348

البراء بن عازب 3 : 271

جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، جابر الأنصاري 3 : 242 ، 302 ، 303 ، 310 ، 403 ، 432

البربري 4 : 66

جابر بن يزيد الجعفي ، جابر الجعفي 4 : 47 ، 54 ، 62 ، 64 ، 71 ، 75 ، 143

بردعام ، بردعام بن نواط 3 : 160 ، 161

جابر العبدي 4 : 38 ، 197

بريد بن معاوية 4 : 171

بسر بن أرطاة 3 : 411

بشر المريسي 4 : 298

ص: 461

الجاثليق 3 : 86

حذيفة 3 : 219 ، 293 ، 341 ، 342

الجاحظ 2 : 259 و 4 : 241 ، 288

الحرث 3 : 383

جارود بن المنذر 4 : 346

حريز ، حريز بن عبد اللّه 2 : 357 ، 362

جاماسب الحكيم 3 : 127

الحسن البصري 3 : 72 ، 269

الجامي 2 : 343

الحسن بن أبي العلاء 4 : 44

الجبائيان 2 : 113

الحسن بن الجهم 4 : 217

جعفر بن عبد اللّه الأفطح 3 : 72

الحسن بن الحسن الأفطس 4 : 180

جعفر بن محمّد الكوفي 4 : 22 ، 23 ، 181 ، 182

الحسن بن حمدان 4 : 157 ، 158

جعفر بن محمّد المكفوف 4 : 22 ، 23 ، 181 ، 182

الحسن بن راشد 4 : 31 ، 190

جمال الدين الخوانساري 2 : 51 ، 98

الحسن بن سعيد 4 : 236

جندب بن عبد اللّه الأزدي 3 : 347

حسن بن صالح 3 : 72

جهم بن صفوان 3 : 74

الحسن بن عليّ بن يقطين 4 : 27 ، 187

الجويني 1 : 110

الحسن بن عليّ الوشّاء 2 : 364 ، 372

« ح »

الحسن بن محمّد الكندي 4 : 344

حاتم 3 : 245

حسن بن محمّد النجّار 3 : 74

الحادماني البابلي 2 : 111

الحسين بن أبي العلاء 4 : 177

الحارث بن المغيرة 4 : 15 ، 29 ، 169 ، 188

الحسين بن ثوير بن أبي فاختة 4 : 16 ، 75 ، 170

الحارث بن النعمان 3 : 265

الحسين بن سعيد 2 : 354 و 4 : 236 ، 344 ، 346 ، 347

حارث الهمداني 4 : 229

الحسين بن عليّ بن يقطين 4 : 27 ، 187

حازم بن عليّ 3 : 78

الحكم بن أبي نعيم 4 : 41 ، 200

حبيب = حبيب بن حمّاد 3 : 347

حكيمة بنت الرضا 4 : 102

حبيب بن عدي 3 : 258

حكيمة بنت محمّد بن عليّ 4 : 23 ، 157 ، 182

حدار 3 : 130

ص: 462

الحلبي 4 : 112

الخيراني 3 : 438

حمّاد ، حمّاد بن عثمان 4 : 38 ، 197 ، 198 ، 345

« د »

حمدان القلانسي 4 : 23 ، 182

داود 3 : 159 ، 161 ، 162

حمران بن أعين 4 : 19 ، 166 ، 172

داود بن عليّ 4 : 73

حمزة بن أدراك 3 : 77

داود بن الكثير الرقّي ، داود الرقّي 4 : 36 ، 77 ، 81 ، 90

حمزة بن محمّد 2 : 361

داود النهدي 4 : 15 ، 169

حميد بن زياد 4 : 344

الدجّال 3 : 446 ، 450

حميد العبدي 4 : 38 ، 197

دحية الكلبي ، دحية بن خليفة الكلبي 3 : 54 و 4 : 262

حنّان ، حنّان بن سدير 4 : 36 ، 72 ، 196

دوماه - ابن إسماعيل علیه السلام 3 : 130

حنظلة بن أبي سفيان 3 : 341

« ذ »

حوّاء 2 : 410 ، 411 و 3 : 48 ، 62 و 4 : 225 ، 317

ذو الرئاستين 2 : 502

« خ »

ذو القرنين 3 : 97 ، 98

خالد ، خالد بن الوليد 3 : 287 ، 333 ، 341

ذيمقراطيس 1 : 172 ، 279 ، 281 و 3 : 71

خالد بن سعيد بن العاص 3 : 293

« ر »

خالد بن عبد اللّه 4 : 141

راحل 3 : 132

خالد بن عمارة 4 : 341

الرازي ، فخر الدين محمّد بن عمر بن الحسين الرازي 2 : 507 ، 522 و 4 : 323

خالد بن عويطة 3 : 347

ربي پنجاس 3 : 132

خطّاب الجهني 4 : 345

الربيع 2 : 512

الخفري ، الفاضل الخفري ، المحقّق الخفري 2 : 27 ، 30 ، 32 ، 45 ، 60 ، 62 ، 84 ، 86 ، 93 ، 97

ربيعة الرازي 3 : 280

خلف الخارجي 3 : 78

رجوعام بن سليمان علیه السلام 3 : 160

الخوارزمي 2 : 259

رزّام بن سالم 3 : 71

رزين 3 : 308

ص: 463

الرشيد الطوسيّ 3 : 79

سراقة بن جعشم 3 : 42

الرمّانيّ 3 : 248

سعد 3 : 197 و 4 : 116

رستم 3 : 245

سعد الإسكاف 4 : 35 ، 77 ، 194

الريّان بن الصلت 4 : 23 ، 95 ، 183

سعد بن العاص 3 : 341

« ز »

سعد بن عبادة 3 : 293

زاذان أبي عمرو 3 : 311

سعد بن عبد اللّه 3 : 227 ، 235 و 4 : 180

زبير 3 : 72 ، 258

سعد الخفّاف 3 : 311

زرارة ، زرارة بن أعين 2 : 513 ، 535 و 4 : 17 ، 18 ، 25 ، 33 ، 48 ، 171 ، 185 ، 192

سعيد بن جبير 2 : 503 و 3 : 365

زردشت 3 : 127

سعيد بن العاص 3 : 338 ، 345

زرعة 4 : 236

سعيد بن يسار 4 : 342

زكريّا بن سابور 4 : 342

سفيان بن عيينة 4 : 358

زمران 3 : 120

سفيان الثوري 2 : 492

زياد بن منذر 3 : 174

السفياني عثمان بن عنبسة 3 : 445 ، 446

زيد 3 : 96

سقراط 3 : 70

زيد بن أبي أوفى 3 : 273

سلمان ، سلمان الفارسي 3 : 27 ، 219 ، 243 ، 244 ، 293 ، 302 ، 304 ، 309 ، 366 ، 368 ، 381 ، 385 ، 404 ، 431 و 4 : 51

زيد بن أرقم 3 : 293 ، 304 ، 393

سليم بن قيس الهلالي 4 : 10 ، 163

زيد بن عليّ بن الحسين علیهماالسلام 3 : 72 ، 436

سليمان 3 : 72

زيد بن وهب 2 : 496

سليمان بن خالد 4 : 65 ، 77

زيد الشحّام 3 : 424 و 4 : 8 ، 161 ، 356

سليمان بن داود 4 : 347

« س »

سليمان المروزي 2 : 478

سارة 3 : 164

سماعة 4 : 18 ، 171

السامري 3 : 162

سماعة بن مهران 3 : 368

السدي 3 : 248

سهل بن زياد 4 : 339 ، 340 ، 345 ، 347

سدير ، سدير الصيرفي 4 : 14 ، 19 ، 35 ، 72 ، 73 ، 147 ، 168 ، 172 ، 195 ، 339

السيّد ، السيّد بحر العلوم 3 : 159 ، 161 ،

ص: 464

162 ، 164 - 169

160 ، 207 ، 208 ، 212 ، 213 ، 215 ، 222 ، 230 ، 249 ، 265 ، 266

السيّد الداماد ، خاتم الحكماء والمجتهدين ، صاحب القبسات 2 : 53 ، 86 ، 216 ، 220

الشيخ الصدوق ، أبو جعفر محمّد بن بابويه القمّي 2 : 267 ، 494 و 3 : 448

سيف بن ذي يزن 3 : 178

الشيخ الكراجكي 2 : 486

سيف التمّار 4 : 12 ، 165

الشيخان 3 : 72 ، 297 ، 338 ، 441 ، 445

« ش »

« ص »

الشافعي 3 : 76 ، 244 ، 263 ، 280 ، 287 ، 297

صالح بن سعيد 4 : 104

الشامي 2 : 500 ، 525 و 3 : 313 و 4 : 160

صالح بن عمرو 3 : 75

شريح بن هانئ 2 : 336

صالح بن ميثم 4 : 344

شعيب بن محمّد 3 : 78

صباح بن سيّابة 4 : 36 ، 196

شقيق البلخي 4 : 88 ، 130

صدر المتألّهين ، الميرزا إبراهيم بن صدر الدين الشيرازي ، الفاضل المعاصر 2 : 51 ، 67 ، 205

الشمر 3 : 446

صعصعة ، صعصعة بن صوحان 3 : 286 ، 346

شهر بن حوشب 4 : 177

صفوان 4 : 346

شووح 3 : 120

صفوان بن مهران 4 : 48 ، 149

شيبان بن سلمة 3 : 79

صفوان بن يحيى 2 : 358 و 4 : 29 ، 189 ، 346

شيبة 3 : 341

صفوان الجمّال 2 : 512

الشيخ أبو عمرو 4 : 22 ، 181

الصلت بن المنذر 4 : 50

الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، أحمد بن زين الدين ، الشيخ المعاصر 2 : 124 و 3 : 53 ، 313 و 4 : 254 ، 258 ، 262 ، 270 ، 271 ، 272 ، 274 ، 276 ، 277

صهيب 2 : 318

الشيخ أحمد بن الشيخ صالح بن سالم بن طوق 3 : 313

« ض »

شيخ الإشراق ، صاحب الإشراق 2 : 149 ،

ضبّاع بن نصر الهنديّ 2 : 537

الضحّاك 4 : 306

ص: 465

ضرار 2 : 259

عبد اللّه بن إباض 3 : 79

ضرار بن عمرو 3 : 74 و 4 : 298

عبد اللّه بن أبي شريح 3 : 338

ضريس الكناسي ، ضريس 4 : 12 ، 18 ، 165 ، 172 ، 237

عبد اللّه بن أفطح 3 : 435

« ط »

عبد اللّه بن جعفر علیه السلام 3 : 435

الطبرسي 2 : 34 ، 55

عبد اللّه بن جعفر الحميري 4 : 22 ، 181

الطبريّ 3 : 248

عبد اللّه بن حنطب 3 : 350

طعيمة بن عدي 3 : 341

عبد اللّه بن خالد 3 : 386

طلحة 3 : 72 ، 260 و 4 : 190

عبد اللّه بن رافع 3 : 345

طلحة بن أبي طلحة 3 : 341

عبد اللّه بن الزبير 3 : 342

طلحة بن زيد 3 : 270 ، 308

عبد اللّه بن سعيد 1 : 146 و 2 : 329

« ع »

عبد اللّه بن سعيد بن العاص 3 : 386

عائشة 3 : 413 ، 433

عبد اللّه بن سلام 3 : 248 ، 272

العاص بن سعد 3 : 341

عبد اللّه بن سليمان 4 : 199

عاصم ، عاصم بن حميد2 : 357 و 3 : 58 ، 347

عبد اللّه بن طلحة 4 : 355

عامر بن عبد اللّه بن جذاعة 4 : 344

عبد اللّه بن عبّاس 3 : 280 ، 300

عبّاد بن كثير البصري 4 : 63

عبد اللّه بن عمر 3 : 259 ، 339

العبّاس - عمّ النبيّ صلی اللّه علیه و آله 3 : 219 ، 238 ، 260 ، 321 ، 342

عبد اللّه بن محمّد الأصفهاني 4 : 180

العبّاس - العبّاس بن عليّ علیه السلام 3 : 157

عبد اللّه بن مسكان 2 : 362

عباية الأسدي 4 : 344

عبد اللّه بن ناووس 3 : 435

عبد الأعلى 4 : 39 ، 198

عبد اللّه السبّاب 3 : 76

عبد اللّه - والد النبيّ صلی اللّه علیه و آله 3 : 313

عبد اللّه القلاّء 4 : 178

عبد اللّه الأشعري 4 : 158

عبد اللّه الكاهلي 4 : 145

عبد اللّه الكناسي 4 : 42

عبد اللّه المبارك ، ابن المبارك 3 : 411 ، 412

عبد الحميد بن عوّاض 4 : 345

ص: 466

عبد الرحمن بن أبي ليلى 4 : 8 ، 161

عقبة 4 : 344

عبد الرحمن بن الحجّاج 4 : 179

عكرمة 3 : 280

عبد الرحمن بن كثير 4 : 27 ، 59 ، 187

العلاّف 2 : 259

عبد الرحيم 4 : 344

العلاّمة الحلّي ، العلاّمة 1 : 160 ، 248 ، 263 ، 269 و 2 : 14 ، 56 ، 67 ، 77 ، 97 ، 108 ، 109 ، 273 ، 378 ، 392 و 3 : 205 ، 351 و 4 : 275

عبد الصمد بن بشير 4 : 346

العلاّمة الدواني ، المحقّق الدواني ، الفاضل الدواني 2 : 78 ، 214 ، 216 ، 229 ، 479

عبد العزيز العبدي 4 : 345

علباء بن ذراع 3 : 76

عبد الكريم بن عجرد 3 : 77

عليّ بن إبراهيم 2 : 498 ، 512 ، 516 و 4 : 30 ، 32 ، 190 ، 192 ، 231 ، 236 - 238 ، 341 ، 347 ، 348

عبد المؤمن الأنصاري 2 : 363

عليّ بن إبراهيم الهاشمي 2 : 263

عبد المطّلب 3 : 178 ، 242 ، 243 ، 320

عليّ بن أبي حمزة 4 : 34 ، 87 ، 194

عبد الملك - عبد الملك بن مروان 4 : 128

عليّ بن جعفر 4 : 15 ، 24 ، 112 ، 169 ، 177 ، 183

عبد الملك بن ربيع 3 : 295

عليّ بن جعفر بن محمّد 3 : 76

عبيد 3 : 75

عليّ بن حسّان 4 : 30 ، 190

عبيد اللّه بن زياد ، ابن زياد 3 : 347 ، 446

عليّ بن الحسن بن سابور 4 : 112

عبيد بن زرارة 3 : 315 و 4 : 15 ، 25 ، 26 ، 169 ، 184 ، 185

عليّ بن الحكم 4 : 344

عتبة بن أبي لهب 3 : 342

عليّ بن حمزة 2 : 341 ، 361

عثمان - عثمان بن عفّان 3 : 72 ، 250 ، 284 ، 290 ، 293 ، 296 ، 297 ، 310 ، 331 ، 337 - 340 ، 350 ، 351

عليّ بن سيّار 2 : 37

عثمان بن أبي الصلت 3 : 77

عليّ بن سيف 4 : 30 ، 189

العرزمي 2 : 521

عليّ بن عاصم الكوفي 4 : 115 ، 116 ، 156

عزرا 3 : 159 ، 168

عسو 3 : 117 - 120

عطاء بن السائب 4 : 49

عفّان البصري 2 : 535

ص: 467

عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس 3 : 71

عمر بن عبد العزيز 3 : 329 و 4 : 144

عليّ بن عقبة 4 : 340

عمران بن عبد المطّلب 3 : 239

عليّ بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة 2 : 354

عمرو 1 : 185 ، 359 و 3 : 37

عليّ بن عمر النوفلي 3 : 439 و 4 : 180

عمرو الأهوازي 3 : 439 و 4 : 22 ، 23 ، 181 ، 282

عليّ بن محمّد 2 : 361 و 4 : 22 ، 23 ، 26 ، 181 ، 182

عمرو بن بحر الجاحظ 3 : 74

عليّ بن محمّد القاشاني 4 : 95

عمرو بن عاص 3 : 262 ، 284 ، 350

عليّ بن المغيرة 4 : 85

عمرو بن عبد ود 3 : 287 ، 341

عليّ بن مهران 4 : 81

عمرو بن عبيد ، الشامي 4 : 7 ، 8

عليّ بن هلال 3 : 301

عمّون 3 : 163

عليّ بن يقطين 4 : 27 ، 84 ، 85 ، 187

العنبري 4 : 288

عليّ السائي 4 : 13 ، 166

عنبسة بن أبي سفيان 3 : 445

عمّار3 : 290 ، 293 ، 338 ، 339 و 4 : 266

عيسى بن يونس 2 : 40

عمّار بن مروان 4 : 342

عيينة 3 : 437

عمّار بن ياسر 3 : 177 ، 196 ، 219 ، 304 ، 369 ، 393 ، 408 ، 420

« غ »

عمّار الساباطي 3 : 378 و 4 : 19 ، 172

الغزالي 2 : 191 ، 234 ، 272 و 4 : 323

عمر ، عمر بن الخطّاب 2 : 545 و 3 : 262 ، 282 - 284 ، 290 ، 291 ، 293 ، 294 ، 296 ، 321 ، 331 ، 333 - 336 ، 338 ، 349 - 351 ، 401 ، 416 ، 441

غسّان الكوفي 3 : 75

عمر بن الأشعث 4 : 16 ، 170

الغوطي 3 : 220

عمر بن سعد 3 : 347 ، 446

« ف »

الفارابي ، أبو نصر ، المعلّم الثاني 1 : 82 و 2 : 167 ، 168 ، 191 ، 193 ، 233

الفاضل القمّي 3 : 170 ، 171

الفاضل الكاشاني ، الفاضل 3 : 122 ، 131

الفاضل اللاهيجي 1 : 144 و 2 : 47 ، 61 ، 62 ، 85 ، 100 ، 142 ، 253 ، 257 ، 270 ، 273

ص: 468

فاطمة بنت أسد 4 : 358

قدماه - ابن إسماعيل علیه السلام 3 : 130

الفتح بن خاقان 4 : 108

القوشجي ، الفاضل القوشجي ، الشارح القوشجي ، الشارح 1 : 291 ، 297 ، 448 ، 463 ، 499 و 2 : 27 ، 29 ، 47 ، 61 ، 63 ، 68 ، 77 ، 78 ، 83 ، 88 - 92 ، 97 ، 99 ، 109 ، 276 ، 280 ، 287 ، 295 ، 328 ، 369 ، 376 ، 381 ، 388 ، 389 ، 392 ، 428 ، 457 و 3 : 15 ، 22 ، 30 ، 59 ، 66 ، 205 ، 220 ، 223 ، 229 ، 254 ، 266 ، 291 و 4 : 278

الفتح بن يزيد الجرجاني 2 : 363

قيدار 3 : 129 ، 130 ، 158

فجاءة السلمي 3 : 332 ، 333

« ك »

الفرزدق 4 : 128

كامل 2 : 521

فرعون 2 : 126 و 3 : 33

كامل التمام 4 : 17

فرفوريوس 2 : 160

الكاهلي 2 : 362

فضّة 3 : 257

الكساغورس 3 : 70

الفضل بن ربيع 4 : 90

كعب الأخبار 3 : 174

الفضل بن شاذان 4 : 357

الكلبي 3 : 248

الفضيل بن يسار 4 : 17 ، 28 ، 39 ، 171 ، 187 ، 188 ، 198

الكميت 4 : 60

فيثاغورس 2 : 149 و 3 : 70

كميل 3 : 314

الفيض بن المختار 4 : 178

كهرمس 2 : 149

« ق »

« ل »

قابيل 2 : 410

ليث بن سعيد 3 : 174 و 4 : 129

القاسم بن الحسن علیهماالسلام 3 : 157

« م »

القاسم بن المحسن 4 : 101

مئبسام - ابن إسماعيل علیه السلام 3 : 130

القاسم بن محمّد 4 : 346

مأجوج 2 : 533 و 3 : 98

القاضي أبو بكر 3 : 66

القاضي الباقلاني 3 : 60

القاضي عبد الجبّار ، القاضي ، عبد الجبّار 1 : 110 ، 115 و 2 : 312 و 4 : 300 ، 301 ، 317 ، 321

القاضي عياض 2 : 552

ص: 469

مارية 3 : 96

محمّد بن حنظلة 4 : 346

مالك بن أنس ، مالك 3 : 75 ، 280

محمّد بن الحنفيّة 4 : 53 ، 54

مالك بن نويرة 3 : 333

محمّد بن خابط 3 : 73

المأمون 2 : 502 و 4 : 93 ، 101 ، 131 ، 217

محمّد بن خالد 4 : 346

ماني الحكيم 2 : 338

محمّد بن داود القمّي 4 : 155

المتوكّل 4 : 107 ، 108 ، 131 ، 155

محمّد بن زيد الطبري 4 : 162

مجاهد 3 : 248

محمّد بن سليمان 4 : 339

المجلسي ، العلاّمة المجلسي ، صاحب البحار 2 : 518 ، 519 و 3 : 127 و 4 : 120 ، 121 ، 275

محمّد بن سنان 4 : 144 ، 342

المحقّق الطوسي 2 : 479 ، 482

محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن 3 : 72

محمّد بن إبراهيم الجعفري 4 : 102

محمّد بن عبد اللّه الخراساني 2 : 41

محمّد بن أبي بكر 4 : 329

محمّد بن عبد الجبّار 4 : 339 ، 346

محمّد بن أبي عبد اللّه 2 : 358

محمّد بن عبد الجبّار الكوفي 3 : 197

محمّد بن أحمد 4 : 178 ، 236

محمّد بن عليّ بن بلال 4 : 22 ، 178 ، 181

محمّد بن إسحاق بن عمّار 3 : 438

محمّد بن عيسى 4 : 123 ، 341

محمّد بن إسماعيل 4 : 15 ، 168

محمّد بن عيسى بن عبيد 4 : 32 ، 192 ، 347

محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر 4 : 23 ، 182

محمّد بن الفرج الرخجي 2 : 361

محمّد بن بريد الطبري 4 : 9

محمّد بن الفضيل 4 : 1 ، 39 ، 82 ، 162 ، 198 ، 345

محمّد بن جرير الطبري 4 : 56

محمّد بن كرام 3 : 75

محمّد بن جعفر الأسترآبادي 2 : 7

محمّد بن كعب القرظي 2 : 552

محمّد بن جمهور 4 : 31 ، 190

محمّد بن المساور 4 : 24 ، 183

محمّد بن الحسن الحصيني 4 : 155

محمّد بن مسلم 2 : 251 ، 357 و 4 : 15 ، 17 ، 60 ، 78 ، 142 ، 168 ، 171 ، 342 ، 358

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب 2 : 347

محمّد بن مسلمة 3 : 332

محمّد بن حكم 2 : 361

محمّد بن يحيى 4 : 22 ، 181 ، 342 ، 344 ،

ص: 470

346 ، 347

معاوية بن عمر 3 : 379

محمّد الشهرستاني 1 : 271

معاوية بن وهب 3 : 399 و 4 : 344

محمّد الطلحي 4 : 155

معاوية الشامي 2 : 427

المختار 3 : 435

المعتمد بن المتوكّل 4 : 133

مدان - ابن إبراهيم علیه السلام 3 : 120

المعلّى بن خنيس 4 : 37 ، 73 ، 76 ، 197

مديان - ابن إبراهيم علیه السلام 3 : 120

معلّى بن قيس 2 : 523

المرتضى - الشريف المرتضى 3 : 61

معلّى بن محمّد 4 : 11 ، 164

مرحب 3 : 342

معمّر بن خلاّد 3 : 438 و 4 : 18 ، 172 ، 179

مرّة بن قيس 3 : 427

معمّر بن عبّاد 3 : 73

مروان 3 : 345

المغيرة 3 : 332

مريم 3 : 27 ، 31 ، 174

المغيرة بن سعد 3 : 76

مسّاه = ابن إسماعيل علیه السلام 3 : 130

المفضّل 2 : 38 ، 400 ، 511

مسروق 3 : 439

المفضّل بن صالح 4 : 348

مسعدة 4 : 36 ، 196

المفضّل بن عمر 4 : 13 ، 24 ، 26 ، 27 ، 63 ، 75 ، 86 ، 166 ، 177 ، 183 - 186

مسلم 3 : 324

المفيد - شيخ المفيد 3 : 434

مسمع كردين البصري ، مسمع البصري 4 : 34 ، 194

المقداد ، المقداد بن الأسود الكندي 3 : 219 ، 258 ، 293 ، 369 و 4 : 50

المسيب 4 : 148 ، 149

المقدّس الأردبيلي 2 : 64 ، 71 ، 77 ، 282 ، 346 ، 490

مسيلمة ، مسيلمة الكذّاب 2 : 316 و 3 : 27 ، 29 ، 33 ، 36 ، 44 ، 61

مكرم العجليّ 3 : 79

مشماع = ابن إسماعيل علیه السلام 3 : 130

المنصور العبّاسيّ ، المنصور 3 : 75 ، 76 و 4 : 146 ، 147

مصعب بن أبي لهب 3 : 342

منصور بن جمهور 4 : 72

معاذ بن عمر 3 : 301

مهزم 4 : 27 ، 187

معاوية 3 : 174 ، 284 - 286 ، 321 ، 338 ، 345

ص: 471

موآب 3 : 163

هارون الرشيد 4 : 84

موسى بن اشيم 4 : 13 ، 167

هاشم بن زيد 4 : 107

ميثم التمّار 3 : 391

هاشم بن محمّد الحنفيّة 3 : 71

الميرزا محمّد رضا جديد الإسلام 3 : 157

الهرمز 3 : 290

ميسر 4 : 142

الهرمزان 3 : 339

ميمون بن ماكان 3 : 77

الهروي 4 : 307

« ن »

هشام بن الحكم ، هشام 2 : 19 ، 35 ، 38 ، 269 ، 338 - 341 ، 350 ، 352 ، 355 ، 360 ، 361 ، 498 ، 511 ، 513 و 3 : 15 و 4 : 7 ، 86 ، 158 ، 218

نافع بن الأزرق 3 : 77

هشام بن سالم 2 : 361

نافيش - ابن إسماعيل علیه السلام 3 : 130

هشام بن عبد الملك 4 : 72 ، 129

ناووس 3 : 72

هشام بن عمرة 3 : 73

نبايت = ابن إسماعيل علیه السلام 3 : 130

الهيثم بن واقد 4 : 348

النجّار 2 : 259

« و »

نجدة بن عامر 3 : 77

الواثق 4 : 107

نجدة الحروريّة 4 : 345

واصل بن عطاء 3 : 72 ، 280

نجمان 3 : 132

الواقدي 3 : 324

نصير الملّة والدين 2 : 513

الوشّاء 4 : 11 ، 164 ، 178

النضر بن سويد 4 : 344 ، 347

الوليد ، الوليد بن عتبة 3 : 37 ، 46 ، 290 ، 337 ، 339 - 341

النظّام 1 : 422 و 2 : 112 ، 259 ، 392 ، 393 و 3 : 61

وهب بن منبّه 3 : 178

نعمان بن بشير 3 : 303 و 4 : 72

« ي »

نوفل بن الحارث 3 : 342

يأجوج 2 : 533 و 3 : 98

نوفل بن خويلد 3 : 341

يافشان - ابن إبراهيم علیه السلام 3 : 120

نيما 3 : 130

« ه »

هابيل 2 : 410

ص: 472

يحيى بن أكثم 4 : 132

يهودا 3 : 115 ، 117

يحيى بن سابور 4 : 344

يهوذا 3 : 160

يحيى بن شميط 3 : 72

يونس 4 : 32 ، 170 ، 190 ، 341 ، 347 ، 348

يحيى بن يسار القنبري 4 : 180

يونس بن رباط 4 : 175

يحيى الحلبي 4 : 344 ، 347

يونس بن ظبيان 4 : 29 ، 37 ، 75 ، 78 ، 188 ، 198 ، 216

يزيد ، يزيد بن معاوية 3 : 114 ، 445 ، 446 و 4 : 17 ، 210 ، 221

يونس بن عبد الرحمن 4 : 18 ، 32 ، 171

يشباق = ابن إبراهيم علیه السلام 3 : 120

يونس بن غيري 3 : 75

يطور = ابن إسماعيل علیه السلام 3 : 130

يوسف بن محمّد بن زياد 2 : 37

يمان التمّار 4 : 24 ، 183

يونس بن يعقوب 4 : 158 ، 342

ص: 473

5. فهرس الكتب الواردة في المتن

« أ »

البصائر 3 : 316 ، 319

الاحتجاج 2 : 39 و 3 : 86 ، 362 و 4 : 339

« ت »

الأسفار الأربعة 2 : 349

تجريد الاعتقاد - تجريد العقائد 1 : 64 ، 74 ، 75 ، 135 ، 186 ، 197 ، 263 ، 340 ، 358 ، 366 ، 425 2 : 273 ، 482 و 4 : 275 ، 277

الإشارات 2 : 149 ، 153 ، 154 ، 173 ، 182 ، 238 ، 260

التحصيل 1 : 153 و 2 : 84 ، 112 ، 180 ، 185

اصول الدين 1 : 413

التذكرة 2 : 513

الألفين 3 : 205 ، 351

التعليقات 2 : 152 ، 170 ، 174 ، 180 ، 185 ، 189 ، 213 ، 224 ، 241 ، 263

الانتصار في الردّ على ابن الراوندي 1 : 115

تعليقات الخفري على شرح القوشجي 2 : 27 ، 30

الإنجيل 3 : 86 ، 94 ، 95 ، 97 ، 123 ، 127 ، 168

تعليقات على الشرح الجديد 2 : 67

إيضاح البرهان 1 : 114

تفسير الثعلبي 3 : 257 ، 264 ، 271 ، 272

« ب »

التفسير الكبير للقرآن 1 : 115

بحار الأنوار 2 : 400 ، 403 ، 469 ، 473 ، 477 ، 505 ، 507 ، 509 ، 513 ، 515 ، 522 ، 523 ، 526 ، 527 ، 529 ، 537 ، 539 ، 549 - 552 و 3 : 180 ، 366 و 4 : 42 ، 46 ، 53 ، 58 ، 72 ، 93 ، 100 ، 104 ، 109 ، 116 ، 120 ، 121 ، 327 ، 353

التلويحات 2 : 160 ، 163 ، 164 ، 219

التهافت - تهافت التهافت 2 : 191 ، 234

التوحيد 2 : 267

ص: 474

التوراة 2 : 73 و 3 : 62 ، 86 ، 97 ، 99 - 101 ، 113 ، 116 ، 120- 123 ، 127 ، 129 ، 130 ، 133 - 135 ، 157 ، 161 - 168

الرسالة القطيفيّة ، ضمن ( جوامع الكلم ) 4 : 272

« ج »

الرواشح السماويّة 2 : 254

جامع الفلسفة 2 : 195

« ز »

الجمع بين الرأيين - الجمع بين رأيي الحكيمين 2 : 168 ، 191

زند پازند ( أسرار العجم ) 3 : 127

جوامع الجامع 2 : 34

« س »

جوامع الكلم 4 : 267

سنن أبي داود 3 : 255

« ح »

« ش »

الحاشية الشمسيّة - حاشية ملاّ شمسا على التجريد 1 : 188 و 2 : 88

شرح الإشارات والتنبيهات 1 : 153 ، 248 و 2 : 91 ، 92 ، 166 ، 167 ، 175 ، 219 ، 244 ، 245

حاشية اللاهيجي 2 : 86

شرح التجريد - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد

حديقة الشيعة 2 : 348

شرح تجريد العقائد للقوشجي 1 : 145 ، 221 ، 291 ، 448 و 2 : 27 ، 280 ، 281 ، 31 ، 389 ، 429 ، 430 ، 457 و 3 : 9 ، 320 ، 439 و 4 : 240 ، 317 ، 321

حقّ اليقين 4 : 275 ، 277

شرح حكمة الإشراق 2 : 111

حكمة الإشراق 2 : 111 ، 164 ، 215 ، 219

شرح رسالة العلم ( شرح الرسالة ) 2 : 157 ، 164 ، 185 ، 215 ، 216 ، 219 ، 245 ، 248 ، 254 ، 270

الحليّة 2 : 541

شرح زيارة الجامعة ، شرح الزيارة 3 : 316 و 4 : 261 ، 262

الحواشي الفخريّة 2 : 67

شرح عقائد التجريد - شرح تجريد العقائد الشرح القديم 1 : 118 و 2 : 392

حواشي المطالع ( حاشية حاشية شرح المطالع ) 2 : 78

شرح القوشجي على إلهيّات التجريد - شرح

حياة النفس 2 : 124

« ر »

ردّ التهافت 2 : 198

الرسالة السلطانيّة ، ضمن (جوامع الكلم) 4 : 267

رسالة الفصول 2 : 185

ص: 475

تجريد العقائد

الصواعق المحرقة 3 : 412 و 4 : 125

شرح المقاصد 2 : 108 ، 258 ، 384 - 386

« ع »

شرح المواقف 2 : 59 ، 66 ، 78 ، 106 ، 369 ، 389

العلل ( علل الشرائع ) 2 : 529

الشفاء 1 : 315 ، 348 ، 467 ، 486 و 2 : 143 ، 148 ، 156 ، 160 ، 168 ، 169 ، 184 ، 186 ، 220 ، 236 ، 254 ، 260 ، 510

العيون ( عيون أخبار الرضا علیه السلام ) 2 : 267

شوارق الإلهام 1 : 103 و 2 : 160 ، 161 ، 163 ، 171 ، 179 ، 180 ، 182 ، 184 ، 186 ، 187 ، 195 ، 198 - 200 ، 211 ، 214 ، 216 ، 217 ، 219 - 223 ، 231 ، 236 - 238 ، 241 ، 248 ، 249 ، 254 ، 264 ، 277

« غ »

الشواهد الربوبيّة 1 : 480

الغيبة للطوسي 3 : 448

« ص »

« ف »

الصافي 3 : 319

الفرقان 3 : 244

صحائف الأبرار 4 : 357

فصوص ، فصوص الحكم 2 : 192 ، 233

الصحاح 1 : 285 و 3 : 9 ، 247

« ق »

الصحاح الستّة 3 : 260

القاموس ، القاموس المحيط 1 : 285 و 2 : 539 و 3 : 247

صحف إدريس 2 : 474 ، 476

« ك »

صحيح البخاري 3 : 263 ، 275 ، 440

الكافي 2 : 19 ، 74 ، 251 ، 267 - 269 ، 339 ، 350 ، 505 و 3 : 298 و 4 : 7 ، 185 ، 201 ، 240 ، 339

صحيح مسلم 2 : 544 و 3 : 225 ، 263 ، 275

كتاب أرمياء 3 : 116

صحيفة آدم 3 : 146 ، 156

كتاب حزقيل 3 : 100

صحيفة إبراهيم 3 : 146 ، 156

كتاب حيقوق 3 : 100 ، 131 ، 141

الصحيفة السجّاديّة 4 : 278

كتاب دانيال ، صحف دانيال 3 : 100 ، 128 ، 174

صحيفة نوح 3 : 146 ، 156

[ كتاب ] شعيا 3 : 99

كتاب الفردوس ، ضمن (جوامع الأحاديث) 3 : 262

ص: 476

كتاب يشعياء 3 : 131 ، 135

مسند ابن حنبل ، مسند أحمد بن حنبل 3 : 243 ، 255 ، 257 ، 269 ، 273 ، 275

كشف الغمّة 3 : 244 و 4 : 144

المصباح 3 : 299

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد 1 : 103 ، 135 ، 186 ، 197 ، 199 ، 263 ، 358 ، 366 ، 423 ، 425 و 2 : 97 ، 387 ، 392 ، 450 ، 457 ، 467 و 4 : 275

الملل والنحل 1 : 271 و 2 : 159

كمارا 3 : 157

مناقب آل أبي طالب 3 : 244

كنز الفوائد 2 : 486

مناهج اليقين 1 : 413

گوهر مراد 2 : 270

منهج التحقيق إلى سواء الطريق 3 : 368

« م »

المواقف 2 : 78 ، 81 ، 83 ، 150 ، 151 ، 389

المباحث المشرقيّة 2 : 205 ، 266

« ن »

المبدأ والمعاد 2 : 144 ، 182 ، 190 ، 205 ، 223

النجاة 1 : 485

مثنوي معنوي 2 : 344

نقد المحصّل 2 : 88 ، 103 ، 144 ، 217 ، 275 ، 482

مجمع البيان 2 : 55 و 3 : 247

نهاية الوصول إلى علم الاصول 2 : 378

المحصّل 2 : 103 ، 272 ، 275

نهج البلاغة 2 : 57 ، 143 ، 408 و 3 : 281 ، 346

ص: 477

6. فهرس مصادر التحقيق

1 - آداب المتعلّمين. ضمن « جامع المقدّمات ». تحقيق المدرّس الأفغاني ، الطبعة الاولى ، مجلّدان ، مؤسّسة الهجرة ، 1365 ش.

2 - إتحاف السادة المتّقين بشرح إحياء علوم الدين. للسيّد محمّد بن محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي ( 1145 - 1205 ). 10 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر.

3 - إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. للشيخ الحرّ العاملي محمّد بن الحسن ( 1033 - 1104 ). الطبعة الثالثة ، طهران ، دار الكتب الإسلاميّة ، 1364 ش.

4 - إثبات الوصيّة للإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام . لأبي الحسن علي بن الحسين عليّ المسعوديّ الهذلي ( م 346 ) الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الأضواء ، 1409 ه / 1988 م.

5 - أجوبة المسائل المهنّائية. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). إعداد محيي الدين المامقاني. الطبعة الاولى ، قم ، 1401 ه.

6 - الاحتجاج على أهل اللجاج. لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسي ( ق 6 ). تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، قم ، دار الاسوة ، 1413 ه.

7 - إحقاق الحقّ. للسيّد نور اللّه الحسيني المرعشي التستري ، الشهيد القاضي ( 956 - 1019 ). الطبعة الاولى ، 19 مجلّدا+ 6 مجلّدات ملحقات+ الفهارس ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 - 1411 ه.

8 - الأحكام السلطانيّة والولايات الدينيّة. لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي ( 364 - 450 ). جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي.

9 - الاختصاص. ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد / ج 12 ) المنسوب إلى الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان البغدادي ( 336 - 413 ). تحقيق علي أكبر الغفّاري. قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

ص: 478

* اختيار معرفة الرجال - رجال الكشّي.

10 - الأربعون حديثا. للشيخ البهائي محمّد بن حسين العاملي ( 953 - 103 ). إعداد ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي. الطبعة الاولى ، قم ، 1415 ه.

11 - الأربعين في اصول الدين. لمحمّد بن عمر الخطيب فخر الدين الرازي ( 545 - 606 ه ). تصحيح أحمد حجازي السّقا. الطبعة الاولى ، مصر ، مكتبة الكلّيّات الأزهريّة ، 1986 م.

12 - إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين. لجمال الدين مقداد بن عبد اللّه السيوري الحلّي ( م 826 ). تحقيق السيّد مهدي الرجائي. قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ه.

13 - الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد. للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان البغدادي ( 336 - 413 ). تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

14 - إرشاد القلوب. لحسن بن أبي محمّد الديلمي ( ق 8 ). قم ، منشورات الرضي.

15 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب. لأبي عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ ( 368 - 463 ). تحقيق علي محمّد البجاوي. 4 مجلّدات ، القاهرة ، مكتبة نهضة مصر.

16 - اسد الغابة في معرفة الصحابة. لابن الأثير الجزري عليّ بن محمّد ( 555 - 630 ). 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

17 - الأسرار الخفيّة في العلوم العقليّة. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). تحقيق قسم إحياء التراث الإسلامي. الطبعة الاولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1421 ه.

18 - الأسفار الأربعة. لصدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ( 979 - 1050 ). الطبعة الرابعة ، 9 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1410 ه / 1990 م.

19 - الإشارات والتنبيهات. للشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللّه بن سينا ( 370 - 428 ). مع الشرح للخواجه نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن ( 597 - 672 ). الطبعة الثانية ، مجلّدان ، نشر الكتاب ، 1403 ه.

20 - الإصابة في تمييز الصحابة. لابن حجر العسقلاني أحمد بن عليّ ( 773 - 852 ). الطبعة الاولى ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتب العلميّة.

21 - اصول الدين. لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي ( م 429 ). الطبعة الاولى ، بيروت ، دار المدينة للطباعة والنشر ، 1346 ه / 1928 م.

ص: 479

22 - اصول الفقه. للشيخ محمّد رضا بن محمّد بن عبد اللّه المظفّر ( 1322 - 1384 ). مجلّدان ، قم ، إسماعيليان. [ بالاوفست عن طبعته الثانية ، النجف الأشرف ، دار النعمان ، 1386 / 1966 م ].

23 - اعتقاد الإماميّة. « ضمن تصحيح الاعتقاد ». للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي ( 336 - 413 ). تعليق السيّد هبة الدين الشهرستاني. قم ، الرضي ، 1363 ش.

24 - إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة. لمصطفى الرافعي. الطبعة العاشرة ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1393 ه / 1992 م.

25 - الأعلام. لخير الدين الزركلي ( 1310 - 1396 ). الطبعة السادسة ، 8 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1984 م.

26 - إعلام الورى بأعلام الهدى. لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ( حوالي 470 - 548 ). تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، قم ، 1417 ه.

27 - أعيان الشيعة. للسيّد محسن بن عبد الكريم الحسيني العاملي الشقرائي ( 1284 - 1371 ). إعداد السيّد حسن الأمين. الطبعة الخامسة ، 10 مجلّدات+ الفهرس ، بيروت دار التعارف للمطبوعات ، 1403 ه / 1983 م.

28 - الألفين. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). تقديم حسين الأعلمي. الطبعة الثالثة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1402 ه / 1982 م.

29 - أمالي المفيد. للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي ( 336 - 413 ). تحقيق علي أكبر الغفّاري وحسين استاد ولي. الطبعة الثانية ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

30 - أمالي الطوسي. للشيخ الطوسي محمّد بن الحسن ( 385 - 460 ). تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة. الطبعة الاولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ه.

31 - أمالي الصدوق. للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). تقديم حسين الأعلمي. الطبعة الخامسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي ، 1410 ه / 1990 م.

32 - أمالي المرتضى. للشريف المرتضى عليّ بن الحسن الموسوي ( 355 - 436 ). تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم. الطبعة الثانية ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1387 ه.

33 - الإمامة والسياسة. لأبي محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ( 213 - 276 ). جزءان في مجلّد واحد ، قم ، الرضي - زاهدي ، 1363 ش.

ص: 480

34 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل. لعبد اللّه بن عمر بن محمّد البيضاوي ( م 685 ). تحقيق محمّد صبحي بن حسن خلاّق ومحمود أحمد الأطرش. الطبعة الاولى ، 4 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة الإيمان ، 1421 ه / 2000 م.

35 - الأنوار اللامعة في شرح زيارة الجامعة. للسيّد عبد اللّه شبّر ( 1188 - 1243 ). قم ، مكتبة الشريف الرضي [ بالاوفست عن طبعة بيروت ، 1403 ه / 1983 م ].

36 - أنوار الملكوت في شرح الياقوت. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). إعداد محمّد النجمي الزنجاني. الطبعة الثانية ، قم ، الرضي وبيدار ، 1363 ش.

37 - الأنوار النعمانيّة. للسيّد نعمة اللّه الموسوي الجزائري ( م 1112 ). الطبعة الاولى ، 4 مجلّدات ، تبريز ، شركة الطباعة ، 1380 ه.

38 - أوائل المقالات. « ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ». للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي ( 336 - 413 ). تحقيق إبراهيم الأنصاري. الطبعة الاولى ، 14 مجلّدا ، المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، 1413 ه.

39 - إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). باهتمام السيّد محمّد مشكاة. تعليق وتصحيح عليّ تقي منزوي. طهران ، جامعة طهران ، 1337 ش.

40 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار علیهم السلام . للعلاّمة المجلسي محمّد باقر بن محمّد تقي ( 1037 - 1110 ). إعداد عدّة من العلماء. الطبعة الثالثة ، 110 مجلّد ( 6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34 ) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ه / 1983 م. [ بالاوفست عن طبعة إيران ].

41 - البداية والنهاية. لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ( 701 - 774 ). إعداد عليّ شيري. الطبعة الاولى ، 14 جزءا في 7 مجلّدات ، بيروت - رياض ، مكتبة المعارف - مكتبة النصر ، 1966 م.

42 - البرهان في تفسير القرآن. للسيّد هاشم الحسيني البحراني ( م 1107 ) تحقيق محمود بن جعفر الموسوي الزرندي ، 4 مجلّدات ، طهران ، إسماعيليان.

43 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى. لمحمّد بن أبي القاسم بن محمّد بن عليّ الطبري ( م 525 ). الطبعة الثانية ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1383 ه / 1963 م.

ص: 481

44 - بصائر الدرجات. لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار القمّي ( م 290 ). إعداد محسن كوچه باغي التبريزي. قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ه.

45 - البصائر النصيريّة. لعمر بن سهلان الساوي ( م نحو 450 ). تحقيق الشيخ محمّد عبده. الطبعة الاولى ، المطبعة الأميريّة ببولاق مصر ، 1316 ه / 1898 م.

46 - بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. لنور الدين عليّ بن أبي بكر الهيثمي ( م 807 ). تحقيق عبد اللّه محمّد الدرويش. 10 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1414 ه / 1994 م.

47 - تاريخ إيران. لژنرال سرپرسى سايكس. ترجمة السيّد محمد تقي فخر داعي كيلاني. طهران ، مؤسّسة مطبوعاتي علي أكبر علمي.

48 - تاريخ بغداد أو مدينة السّلام. لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ( م 463 ). 19 مجلّدا ، بيروت ، دار الكتب العلميّة.

49 - تاريخ اليعقوبي. لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي ( م 292 ). تحقيق عبد الأمير مهنّا. مجلّدان ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي ، 1413 ه / 1993 م.

50 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة. للسيّد شرف الدين عليّ الحسيني الأسترآبادي ( ق 10 ). تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي علیه السلام . مجلّدان ، قم ، 1407 ه.

51 - تأويل مختلف الحديث. لعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة ( 213 - 276 ). تحقيق محمّد زهري النجّار. بيروت ، دار الجيل ، 1411 ه / 1991 م.

52 - التأويلات ( تفسير القرآن الكريم ). لمحيي الدين بن عربي ( م 638 ). تحقيق مصطفى غالب. الطبعة الثانية ، مجلّدان ، طهران ، ناصر خسرو ، 1978 م.

53 - التبيان في تفسير القرآن. للشيخ الطوسي محمّد بن الحسن ( 385 - 460 ). إعداد أحمد قصير العاملي. 10 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي. [ بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف ].

54 - تجريد الاعتقاد. للخواجه نصير الدين محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي ( 597 - 672 ). تحقيق محمّد جواد الحسيني الجلالي. الطبعة الاولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1407 ه.

55 - التجلّيات الإلهيّة. لمحمّد بن علي بن عربي ( 560 - 638 ). تحقيق عثمان إسماعيل يحيى. مركز نشر دانشگاهى ، 1408 ه / 1988 م.

ص: 482

56 - التحصيل. لبهمنيار بن المرزبان ( م 458 ) تصحيح وتعليق الاستاذ الشهيد مرتضى المطهّري. الطبعة الثانية ، طهران ، جامعة طهران ، 1375 ش.

57 - تحف العقول عن آل الرسول علیهم السلام . للحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني ( ق 4 ). تحقيق علي أكبر الغفّاري. الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ه / 1363 ش.

58 - تحوّلات سياسى وروابط خارجي إيران. للسيّد جلال الدين المدني. قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1369 ش.

59 - تذكرة الخواص. لسبط ابن الجوزي يوسف بن فرغلي بن عبد اللّه البغدادي ( 581 - 654 ). بيروت ، مؤسّسة أهل البيت علیهم السلام ، 1401 ه / 1981 م.

60 - تراجم الرجال. للسيّد أحمد الحسيني. مجلّدان ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي. 1414 ه.

61 - ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة. لطاهر أحمد الزاوي. الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر. [ بالاوفست عن طبعة القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية ، 1390 ه ].

62 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف. لزكيّ الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ( 581 - 656 ). تحقيق مصطفى محمّد عمارة. الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1388 ه / 1968 م.

63 - التعريفات. لعليّ بن محمّد بن عليّ الجرجاني ( 740 - 816 ). تحقيق إبراهيم الابياري. الطبعة الاولى ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1405 ه / 1985 م.

64 - التعليقات. للشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللّه بن سينا ( 370 - 428 ). تحقيق عبد الرحمن بدوي. قم ، مكتب الإعلام الإسلامي. 1404 ه.

65 - التعليقات. « ضمن التنبيه على سبيل السعادة ». لأبي نصر الفارابي محمّد بن محمّد ( 259 - 339 ). تحقيق جعفر آل ياسين. قم ، انتشارات حكمت ، 1412 ه / 1371 ش.

66 - تعليقة الوحيد البهبهاني « المطبوع مع منهج المقال ». الطبعة الحجريّة ، 1306 ه.

* تفسير ابن كثير - تفسير القرآن العظيم.

* تفسير البيضاوي - أنوار التنزيل وأسرار التأويل.

* تفسير الرازي - التفسير الكبير.

ص: 483

67 - تفسير روح البيان. للشيخ إسماعيل حقي بن مصطفى البروسوي ( 1063 - 1137 ). 10 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

68 - تفسير الصافي. لمحمّد بن مرتضى المولى محسن ، الفيض الكاشاني ( 1007 - 1091 ). تحقيق حسين الأعلمي. الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي ، 1402 ه / 1982 م.

* تفسير الطبري - جامع البيان في تفسير القرآن.

* تفسير عليّ بن إبراهيم - تفسير القمّي.

69 - تفسير العيّاشي. لمحمّد بن مسعود بن عيّاش السلمي السمرقندي ( أواخر ق 3 ). تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي. طهران ، مجلّدان ، المكتبة العلميّة الإسلاميّة ، 1380 ه.

70 - تفسير فرات الكوفي. لفرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ( حدود 307 ). تحقيق محمّد الكاظم. بيروت ، مؤسّسة النعمان ، 1412 ه / 1992 م.

71 - تفسير القرآن العظيم. لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ( 701 - 774 ). تقديم يوسف عبد الرحمن المرعشلي. الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة ، 1407 ه.

* تفسير القرطبي - الجامع لأحكام القرآن.

72 - تفسير القمّي. لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمّي ( م 307 ). تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري. الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ه.

73 - التفسير الكبير. لمحمّد بن عمر الخطيب فخر الدين الرازي ( 544 - 606 ). تحقيق دار إحياء التراث العربي. 11 مجلّدا ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1415 ه.

74 - تفسير كنز الدقائق. للميرزا محمّد المشهدي القمّي ( م 1125 ). تحقيق حسين الدرگاهي. الطبعة الاولى ، 14 مجلّدا ، طهران ، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1411 ه / 1990 م.

75 - تفسير الإمام العسكري علیه السلام . المنسوب إلى الإمام أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري علیه السلام ( 232 - 260 ). تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي علیه السلام . الطبعة الاولى ، قم ، 1409 ه.

76 - تفسير نور الثقلين. للشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي ( م 1112 ). تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي. الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، قم ، المطبعة العلميّة [ بالاوفست عن طبعة 1383 - 1385 ه ].

77 - تقريب المعارف. لأبي الصلاح الحلبي تقيّ الدين بن نجم ( 374 - 447 ). تحقيق رضا الاستادي. الطبعة الاولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ه.

ص: 484

78 - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي ( 773 - 852 ). إعداد السيّد عبد اللّه هاشم اليماني المدني. 4 أجزاء في مجلّدين ، بيروت ، دار المعرفة.

79 - تلخيص المحصّل. للخواجه نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن ( 597 - 672 ). الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الأضواء ، 1405 ه / 1985 م.

* التلويحات - مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق.

80 - تمهيد القواعد. للشهيد الثاني زين الدين بن عليّ العاملي ( 911 - 965 ). تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان. الطبعة الاولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1416 ه.

81 - تنزيه الشريعة المرفوعة من الأخبار الشيعة الموضعة. لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن عراق الكناني ( 907 - 963 ). تحقيق عبد الوهّاب عبد اللطيف وعبد اللّه محمّد الصديق. مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1401 ه.

82 - تنقيح المقال في علم الرجال. للشيخ عبد اللّه بن محمّد حسن المامقاني ( 1290 - 1351 ). الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، [ بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة المرتضوية ، 1352 ه ].

83 - تهافت التهافت. لأبي الوليد محمّد بن رشد ( م 595 ). تحقيق سليمان دنيا. مصر ، دار المعارف ، 1388 ه / 1968 م.

84 - تهذيب الأحكام. للشيخ الطوسي محمّد بن الحسن ( 385 - 460 ). إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان. الطبعة الثالثة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلاميّة ، 1364 ش.

85 - تهذيب تاريخ دمشق الكبير. لابن عساكر عليّ بن الحسن بن هبة اللّه ( 499 - 571 ). 7 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1407 ه.

86 - تهذيب سيرة ابن هشام. لعبد السّلام هارون. الطبعة الاولى ، جزءان في مجلّد واحد ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1972 م.

87 - التوحيد. للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني. بيروت ، دار المعرفة ، 1387 ه.

88 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال. للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). تصحيح عليّ أكبر الغفّاري. جزءان في مجلّد واحد ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1391 ه.

ص: 485

89 - جامع الأخبار. للشيخ تاج الدين محمّد بن محمّد الشعيري ( ق 6 ). الطبعة الثانية ، قم ، الرضي ، 1363 ش. [ بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف ، 1385 ه ].

90 - جامع الأسرار ومنبع الأنوار. للسيّد حيدر الآملي. تحقيق هنري كربين - عثمان إسماعيل يحيى. انستيتو إيران وفرانسه ، 1347 ش.

91 - جامع البيان في تأويل القرآن. لأبي جعفر محمّد بن جرير بن يزيد الطبري ( 224 - 310 ). الطبعة الثالثة ، 13 مجلّدا ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1420 ه / 1999 م.

* الجامع الصحيح - سنن الترمذي.

92 - جامع العلوم في اصطلاحات الفنون ( دستور العلماء ). للقاضي عبد النبيّ بن عبد الرسول الأحمد نگري. إعداد قطب الدين محمود بن غياث الدين عليّ الحيدرآبادي. الطبعة الثانية ، 4 مجلّدات ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، 1395 ه / 1975 م.

93 - الجامع لأحكام القرآن. للقرطبي محمد بن أحمد الأنصاري ( م 671 ). 20 جزءا في 10 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي. [ بالاوفست عن طبعة القاهرة ، 1386 ه / 1967 م ].

94 - جامع المقاصد في شرح القواعد. للمحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي ( 868 - 940 ). تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث. الطبعة الاولى ، 13 مجلّدا ، قم ، 1408 - 1411 ه.

95 - الجمع بين رأيي الحكيمين. لأبي نصر الفارابي محمّد بن محمّد ( 259 - 339 ). تحقيق ألبير نصرى نادر. الطبعة الثانية ، قم ، مطبعة العلاّمة الطباطبائي ، 1405 ه.

96 - جوامع الكلم. للشيخ أحمد الأحسائي ( 1166 - 1241 ). الطبعة الحجريّة ، مجلّدان ، تبريز.

97 - الجمل. لعبد القادر بن عبد الرحمن الجرجاني ( م 471 ). دمشق ، دار الحكمة ، 1392 ه.

98 - حاشية الخفري على إلهيّات شرح القوشجي. لشمس الدين محمّد الخفري. مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي ، المرقّمة 2 - 37.

99 - حاشية شرح المطالع. للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الارموي ( م 682 ). والشرح لقطب الدين الرازي ( م 766 ). الطبعة الحجريّة ، قم ، انتشارات كتبي نجفي.

100 - الحاشية على إلهيات الشرح الجديد. للمقدّس الأردبيلي أحمد بن محمّد ( م 993 ). تحقيق ونشر : مكتب الإعلام الإسلامي. الطبعة الاولى ، قم ، 1419 ه.

ص: 486

101 - الحاشية على حاشية الخفري. لآقا جمال الخوانساري ( م 1125 ). تحقيق رضا الاستادي. الطبعة الاولى ، قم ، مؤتمر المحقّق الخوانساري ، 1378 ش.

102 - الحدود. للشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللّه بن سينا ( 370 - 428 ) مع ترجمة محمّد مهدي فولادوند. الطبعة الثانية ، طهران ، مطبعة سروش ، 1366 ش.

103 - حديقة الشيعة. للمقدّس الأردبيلي أحمد بن محمّد ( م 993 ). طهران ، انتشارات علميّة إسلاميّة.

104 - حقّ اليقين في معرفة اصول الدين. للسيّد عبد اللّه شبّر ( 1188 - 1243 ). تحقيق السيّد محمّد صادق السيّد محمّد حسين الصدر. جزءان في مجلّد واحد ، طهران ، منشورات الأعلمي ، 1352.

* حكمة الإشراق - مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق.

105 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة. لصدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ( 979 - 1050 ). تحقيق الشيخ محمّد رضا المظفّر. الطبعة الثالثة ، 9 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1981 م.

106 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. لأبي نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني ( م 430 ). الطبعة الاولى ، 10 مجلّدات+ الفهرس ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1409 ه / 1988 م.

107 - الخرائج والجرائح. لقطب الدين الراوندي ( م 573 ). تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي علیه السلام ، 3 مجلّدات ، قم ، 1409 ه.

108 - خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب. لعبد القادر بن عمر البغدادي ( 1030 - 1093 ). 4 مجلّدات ، بيروت ، دار صادر.

109 - خصائص الأئمّة. للشريف الرضي محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي ( 359 - 406 ). تحقيق محمّد هادي الأميني. مشهد ، مجمع البحوث الإسلاميّة ، 1406 ه.

110 - خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام . للحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ( 215 - 303 ). بيروت ، مكتبة التربية ، 1987 م.

111 - الخصال. للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). تحقيق عليّ أكبر الغفّاري. الطبعة الخامسة ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ه.

ص: 487

112 - الدرّ المنثور في التفسير المأثور. لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( 849 - 911 ). الطبعة الاولى ، 8 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1403 ه / 1983 م.

113 - الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة. لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( 849 - 911 ). تحقيق محمّد عبد الرحيم. بيروت ، دار الفكر ، 1415 ه / 1995 م.

114 - دعائم الإسلام. للقاضي نعمان بن محمّد التميمي المغربي ( م 363 ). تحقيق آصف علي أصغر فيضي. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ه / 1963 م.

115 - دعوات الراوندي. لقطب الدين الراوندي ( م 573 ). إعداد ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي علیه السلام . الطبعة الاولى ، قم ، 1407 ه.

116 - دلائل الصدق. للشيخ محمّد حسن المظفّر ( 1301 - 1375 ). الطبعة الاولى ، 3 مجلّدات ، القاهرة ، دار العلم للطباعة ، 1396 ه / 1976 م.

117 - دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ( 384 - 458 ). تحقيق عبد المعطي قلعجي. 7 مجلّدات ، طهران ، وزارت فرهنگ وآموزش عالى ، 1361 ش.

118 - ديوان إمام علي علیه السلام . لقطب الدين محمّد بن الحسين البيهقي الكيدري ( ق 6 ). تحقيق أبو القاسم إمامي ، اسوة ، 1373 ش.

119 - ديوان الإمام الشافعي. تحقيق محمّد عفيف الزعبي. الطبعة الرابعة ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ه / 1983 م.

120 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة. للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( 1293 - 1389 ). الطبعة الثانية ، 25 جزءا في 28 مجلّدا ( الجزء 9 في 4 مجلّدات ). بيروت ، دار الأضواء ، 1406 ه / 1986 م. [ بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف وطهران ].

* رجال السيّد بحر العلوم - الفوائد الرجاليّة.

121 - رجال الكشّي. للشيخ الطوسي محمّد بن الحسن ( 385 - 460 ). مجلّدان ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1404 ه / 1363 ش.

122 - الرسالة القطيفية « ضمن جوامع الكلم ». للشيخ أحمد الأحسائي ( 1166 - 1241 ). الطبعة الحجريّة ، مجلّدان ، تبريز.

* رسالة في اعتقاد الحكماء - مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق.

ص: 488

123 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. لشهاب الدين السيّد محمود الآلوسي البغدادي ( م 1270 ). 30 جزءا في 15 مجلّدا ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

124 - روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن. لحسين بن عليّ بن محمّد الخزاعي ، أبو الفتوح الرازي ( م حوالي 554 ). تحقيق محمّد جعفر الياحقي ومحمّد مهدي الناصحي. الطبعة الأولى ، 20 مجلّدا ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلاميّة ، 1365 - 1376 ش.

125 - روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات. للسيّد محمّد باقر الخوانساري الأصفهاني ( 1226 - 1313 ). إعداد أسد اللّه إسماعيليان. 8 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة.

126 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية. للشهيد الثاني زين الدين بن عليّ العاملي ( 911 - 965 ). إعداد السيّد محمّد كلانتر. 10 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ه. [ بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف ، جامعة النجف الدينية ].

127 - روضة الطالبين. لأبي زكريّا يحيى بن شرف النووي ( م 676 ). تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعليّ محمّد معوّض. 8 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1415 ه.

128 - روضة الواعظين وتبصرة المتّعظين. لمحمّد بن الحسن بن عليّ الفتّال النيسابوري ( ق 6 ). الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، الرضي ، 1386 ه. [ بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف ، المكتبة الحيدريّة ، 1385 / 1965 م ].

129 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل. للسيّد عليّ بن محمّد عليّ الطباطبائي ( 1161 - 1231 ). تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث. الطبعة الاولى ، 16 مجلّدا ، قم ، 1418 - 1423 ه.

130 - الرياض النضرة في مناقب العشرة. للطبري محبّ الدين أحمد بن عبد اللّه ( 615 - 694 ). بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 4 أجزاء في مجلّدين.

131 - ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية أو اللقب. للميرزا محمد عليّ المدرّس التبريزي ( 1296 - 1373 ). الطبعة الثالثة ، 8 مجلّدات ، تبريز ، مكتبة خيّام ، 1346 ه.

132 - زاد المسير في علم التفسير. لابن الجوزي عبد الرحمن بن عليّ ( م 597 ). تحقيق محمّد بن عبد الرحمن عبد اللّه. الطبعة الاولى ، 8 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1407 ه / 1987 م.

133 - الزهد. للشيخ حسين بن سعيد الأهوازي ( ق 3 ). تحقيق غلام رضا عرفانيان. قم ، 1402 ه.

ص: 489

134 - سعد السعود للنفوس. لرضيّ الدين السيّد عليّ بن موسى بن طاوس ( 589 - 664 ). قم ، الرضي ، 1363 ش.

135 - سنن ابن ماجة. لأبي عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني ( 207 / 209 - 273 / 275 ). تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي. مجلّدان ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1395 ه / 1975 م.

136 - سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ( 202 - 275 ). 4 مجلّدات ، القاهرة ، دار المصريّة اللبنانيّة ، 1408 ه / 1988 م.

137 - سنن الترمذي. لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي ( 209 - 279 ). تحقيق أحمد محمّد شاكر. 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

138 - سنن الدارقطني. لعلي بن عمر الدارقطني ( 306 - 385 ). تحقيق يوسف عبد الرحمن المرعشلي. الطبعة الرابعة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، بيروت ، دار المعرفة ، 1406 ه / 1986 م.

139 - سنن الدارمي. لأبي محمّد عبد اللّه بن بهرام الدارمي ( 181 - 255 ). مجلّدان ، القاهرة ، دار الفكر ، 1398 - 1978 م.

140 - السنن الكبرى ( سنن البيهقي ). لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ( 384 - 458 ). تحقيق محمّد عبد القادر عطا. الطبعة الاولى ، 10 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1414 ه / 1994 م.

141 - سنن النسائي. لأبي عبد الرحمن أحمد بن عليّ بن شعيب النسائي ( 215 - 303 ). الطبعة الاولى ، 8 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1348 ه / 1930 م.

142 - السيرة الحلبيّة في سيرة الأمين والمأمون ( إنسان العيون ). لعليّ بن برهان الدين الحلبي ( 975 - 1044 ). 3 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة.

143 - سيف الامّة. للمولى أحمد بن محمّد مهدي النراقي ( 1185 - 1245 ). الطبعة الحجريّة ، الناشر محمّد عليّ مرحمت پناه سلمان شبستري ، 1330 ه.

144 - الشافي في الإمامة. للشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي ( 355 - 436 ). تحقيق السيّد عبد الزهراء الحسيني. الطبعة الثانية ، 4 مجلّدات ، طهران ، مؤسّسة الصادق ، 1410 ه.

145 - شرح الأسماء الحسنى. للمولى هادي بن مهدي الحاجي السبزواري ( م 1289 ). تحقيق نجف قلي حبيبي. طهران ، جامعة طهران ، 1372 ش.

ص: 490

146 - شرح الاصول الخمسة. لعبد الجبّار بن أحمد ( 320 - 415 ). تحقيق عبد الكريم عثمان ، الطبعة الثانية ، القاهرة ، مكتبة وهبة ، 1408 ه / 1988 م.

147 - شرح اصول الكافي. لصدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ( 979 - 1050 ). تحقيق محمّد خواجوي. مجلّدان ، مؤسّسه مطالعاتي وتحقيقات فرهنگي ، 1367 ش.

148 - شرح اصول الكافي. للمولى محمّد صالح المازندراني ( م 1081 ). تحقيق عليّ أكبر الغفّاري ، 12 مجلّدا ، طهران ، المكتبة الإسلاميّة ، 1382 ه.

149 - شرح تجريد العقائد ( المعروف ب الشرح الجديد ). لعلاء الدين عليّ بن محمّد القوشجي ( م 879 ). الطبعة الحجريّة ، قم ، منشورات الرضي وبيدار وعزيزي.

150 - شرح حكمة الإشراق. لقطب الدين محمود بن ضياء الدين مسعود الشيرازي ( 634 - 710 ). المطبوع بالطبعة الحجرية ، قم ، منشورات بيدار.

151 - شرح رسالة المشاعر لملاّ صدرا. لملاّ محمّد جعفر اللاهيجي ( م 1121 ). تحقيق السيّد جلال الدين الآشتياني. الطبعة الثانية ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1384.

152 - شرح شطحيات. للشيخ روزبهان بقلي الشيرازي. تصحيح هنري كربين. طهران ، انجمن ايران شناسى فرانسه ، 1981 م / 1360 ش [ بالاوفست عن طبعة باريس ، 1966 م ].

153 - شرح صحيح مسلم. لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي ( م 676 ). 18 جزءا في 9 مجلّدات ، تحقيق خليل الميس ، الطبعة الاولى ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ه / 1987 م.

154 - شرح غرر الحكم ودرر الكلم. لجمال الدين محمّد الخوانساري ( م 1125 ). تصحيح مير جلال الدين الحسيني الارموي. 7 مجلّدات ، طهران ، جامعة طهران ، 1381 ه.

155 - شرح فصول الحكم. لابن التركة صائن الدين عليّ بن محمّد. تحقيق محسن بيدارفر. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، قم ، بيدار ، 1420 ه / 1378 ش.

156 - شرح فصوص الحكم. لتاج الدين حسين بن حسن الخوارزمي ( م 835 ). تحقيق نجيب مايل هروي. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، طهران ، انتشارات مولى ، 1364 ش.

157 - مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم ( شرح فصوص الحكم ). لداود بن محمود القيصري. تحقيق محمّد حسن الساعدي. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، قم ، أنوار الهدى ، 1416 ه.

158 - شرح مسألة العلم. للخواجة نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن ( 597 - 672 ). تحقيق عبد اللّه النوراني. مشهد ، جامعة مشهد ، 1385 ه / 1345 ش.

ص: 491

159 - شرح المقاصد. للتفتازاني مسعود بن عمر ( 722 - 793 ). إعداد عبد الرحمن عميرة. الطبعة الاولى ، 5 أجزاء في 4 مجلّدات ، قم ، الرضي ، 1370 - 1371 ه.

160 - شرح منازل السائرين. لعفيف الدين سليمان التلمساني. تحقيق عبد الحفيظ منصور. الطبعة الاولى ، قم ، بيدار ، 1413 ه / 1371 ش.

161 - شرح منازل السائرين. لكمال الدين عبد الرزاق الكاشاني. تحقيق محسن بيدارفر. الطبعة الاولى ، قم ، بيدار ، 1413 ه / 1371 ش.

162 - شرح المنظومة. للحكيم الحاج ملاّ هادي السبزواري ( 1212 - 1289 ). تحقيق مسعود الطالبي. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، نشر ناب ، 1413 ه / 1992 م.

163 - شرح المواقف. للسيّد الشريف عليّ بن محمّد الجرجاني ( م 816 ). إعداد السيّد محمّد بدر الدين النعساني. الطبعة الاولى ، 8 أجزاء في 4 مجلّدات ، قم ، الرضي ، 1412 ه. [ بالاوفست عن طبعة مصر ، 1325 ه / 1907 م ].

164 - شرح نهج البلاغة. لابن أبي الحديد المعتزلي ( 586 - 656 ). تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم. الطبعة الثانية ، 20 جزءا في 10 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1385 ه.

165 - شرح نهج البلاغة. لكمال الدين ميثم بن عليّ البحراني ( م 679 ). تصحيح عدّة من الأفاضل. الطبعة الاولى ، 5 أجزاء في 3 مجلّدات ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1362 ش.

166 - شرح الهداية الأثيريّة. للحسين بن معين الدين الميبدي ( م 910 ). إعداد الشيخ أحمد الشيرازي. الطبعة الحجرية ، الطبعة الاولى ، المطبعة المرتضوية ، طهران ، 1331 ه.

167 - شرح الإشارات والتنبيهات. للخواجة نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن ( 597 - 672 ). قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ه.

168 - شروح الشمسيّة ( مجموعة حواش وتعليقات على الرسالة الشمسيّة ). لقطب الدين الرازي والشريف الجرجاني وجلال الدين الدّواني والسيالكوتي والدسوقي والشربيني. بيروت ، شركة شمس المشرق للخدمات الثقافية.

169 - الشفاء. للشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللّه بن سينا ( 370 - 428 ). إعداد عدّة من الأساتذة. 10 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 - 1406 ه.

170 - شوارق الإلهام. للمولى عبد الرزاق اللاهيجي الجيلاني القمّي ( م 1051 ). الطبعة الحجرية.

ص: 492

171 - شواهد التنزيل. لعبيد اللّه بن عبد اللّه ، الحاكم الحسكاني ( ق 5 ). تحقيق محمّد باقر المحمودي. الطبعة الاولى ، 3 مجلّدات ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1411 ه / 1990 م.

172 - الشواهد الربوبيّة في المناهج السلوكية. لصدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ( 979 - 1050 ). تعليق السيّد جلال الدين الآشتياني. الطبعة الثانية ، مشهد ، المركز الجامعي للنشر ، 1360 ش.

173 - الصحاح ( تاج اللغة وصحاح العربية ). لإسماعيل بن حمّاد الجوهري ( م 393 ). تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار. الطبعة الثالثة ، 6 مجلّدات+ المقدّمة ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1404 ه / 1984 م.

174 - صحيح البخاري. لأبي عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري ( 194 - 256 ). تحقيق مصطفى ديب البغا. الطبعة الخامسة ، 6 مجلّدات+ الفهرس ، دمشق وبيروت ، دار ابن كثير واليمامة ، 1414 ه / 1993 م.

175 - صحيح مسلم. لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري ( 206 - 261 ). تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي. الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1398 ه.

176 - صحيفة الإمام الرضا علیه السلام . تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي ( عج ). قم ، 1408 ه.

177 - الصحيفة السجّاديّة. للإمام زين العابدين علیه السلام . طهران ، انتشارات حسينيّة الإرشاد.

178 - الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم. للشيخ زين الدين عليّ بن يونس العاملي البياضي ( 791 - 877 ). تحقيق محمّد الباقر البهبودي. الطبعة الاولى ، 3 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية ، 1384.

179 - الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة. لأحمد بن حجر الهيتمي المكّي ( 899 - 974 ). تحقيق عبد الوهّاب عبد اللطيف. القاهرة ، مكتبة القاهرة ، 1385 ه.

* طبقات ابن سعد - الطبقات الكبرى.

180 - طبقات أعلام الشيعة. للشيخ آقا بزرك الطهراني ( 1293 - 1389 ). 11 مجلّدا ، النجف الأشرف ، المطبعة العلميّة ، 1374 ه / 1954 م.

181 - الطبقات الكبرى. لمحمّد بن سعد كاتب الواقدي ( 168 - 230 ). 8 مجلّدات+ الفهرست ، بيروت ، دار بيروت ، 1405 ه / 1985 م.

ص: 493

182 - طرائف الحكم. للميرزا أحمد الآشتياني. الطبعة الثالثة ، مجلّدان ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1362 ش.

183 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف. لرضي الدين السيّد عليّ بن موسى بن طاوس ( 589 - 664 ). جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مطبعة الخيام ، 1400 ه.

184 - عدّة الداعي ونجاح الساعي. لأحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي ( 757 - 841 ). تصحيح أحمد الموحّدي القمّي ، قم ، مكتبة الوجداني.

185 - العقد الفريد. لأبي عمر أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي ( م 328 ). تحقيق مفيد محمّد قمجية. الطبعة الاولى ، 8 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1404 / 1983 م.

186 - علل الشرائع. للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). الطبعة الاولى ، جزءان في مجلّد واحد ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1408 ه / 1988 م.

187 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية. لابن الجوزي عبد الرحمن بن عليّ ( م 597 ). إعداد الشيخ خليل الميس. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1403 ه / 1983 م.

188 - علم اليقين في اصول الدين. للمولى محمّد محسن الفيض الكاشاني ( 1007 - 1091 ). الطبعة الاولى ، مجلّدان ، قم ، انتشارات بيدار ، 1400 ه / 1358 ش.

189 - عمدة عيون صحاح الأخبار. لابن البطريق شمس الدين يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي الحلّي ( 523 - 600 ). تحقيق مالك المحمودي وإبراهيم البهادري. الطبعة الاولى. جزءان في مجلّد واحد ، طهران ، ممثليّة القائد السيّد الخامنئي في الحجّ.

190 - عوالي اللآلئ العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة. لابن أبي جمهور محمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي ( م 940 ). تحقيق مجتبى العراقي. الطبعة الاولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1403 - 1405 ه.

191 - العين. لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ( 100 - 175 ). تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي. الطبعة الاولى ، 8 مجلّدات+ الفهرس ، قم ، مؤسّسة دار الهجرة ، 1405 ه.

192 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). تحقيق السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي. الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، رضا مشهدي ، 1363 ش.

ص: 494

193 - عيون المعجزات. للشيخ حسين بن عبد الوهاب ( ق 5 ). قم ، منشورات الشريف الرضي. 1414 ه / 1372 ش.

194 - الغارات. لأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي ( م 283 ). تحقيق السيّد جلال الدين المحدّث الأرموي. مجلّدان ، طهران ، انتشارات أنجمن آثار ملّي ، 1356 ش.

195 - غرر الحكم ودرر الكلم. لعبد الواحد الآمدي التميمي ( ق 5 ) تحقيق الشيخ حسين الأعلمي. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1407 ه / 1987 م.

196 - الغيبة. للشيخ الطوسي محمّد بن الحسن ( 385 - 460 ). تحقيق عباد اللّه الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة ، 1411 ه.

197 - الغيبة للنعماني. للشيخ أبي زينب محمّد بن إبراهيم النعماني ( ق 4 ). تحقيق عليّ أكبر الغفّاري. طهران ، مكتبة الصدوق ، 1397 ه.

198 - فتح الباري شرح صحيح البخاري. لابن حجر العسقلاني أحمد بن عليّ ( 773 - 852 ). تحقيق عبد العزيز بن عبد اللّه بن باز ومحمّد فؤاد عبد الباقي. الطبعة الاولى ، 13 مجلّدا+ الفهرس في مجلّدين+ مقدّمة ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1410 ه / 1989 م.

199 - الفتوحات المكيّة. لمحيي الدين بن العربي ( م 638 ). تحقيق عثمان يحيى. 12 مجلّدا ، المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع معهد الدراسات العليا بالسوربون ، 1405 ه / 1985 م.

200 - فرائد السمطين. لإبراهيم بن محمّد بن المؤيد الجويني الخراساني ( 644 - 730 ). تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، بيروت ، مؤسّسة المحمودي ، 1400 ه / 1980 م.

201 - فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام . للسيّد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن موسى الحسني بن طاوس ( 648 - 693 ). قم ، منشورات الرضي ، 1402 ه.

202 - الفردوس بمأثور الخطاب. لأبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمداني ( 445 - 509 ). تصحيح سعيد بن بسيوني زغلول. الطبعة الاولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1406 ه / 1986 م.

203 - الفرق بين الفرق. لعبد القاهر بن طاهر البغدادي ( م 429 ). محمّد محيي الدين عبد الحميد. بيروت ، دار المعرفة.

ص: 495

204 - الفصل في الملل والأهواء والنحل. لابن حزم الظاهري عليّ بن أحمد ( م 456 ). الطبعة الاولى ، 5 أجزاء في مجلّدين ، دار الندوة الجديدة ، 1317 ه.

205 - فصوص الحكم. لأبي نصر الفارابي محمّد بن محمّد ( 259 - 337 ). قم ، انتشارات بيدار.

206 - فصول الحكم وخصوص الكلم. لمحيي الدين بن محمّد بن عليّ بن محمّد بن العربي (560 - 638). تحقيق أبو العلاء العفيفي. الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1400 ه.

207 - الفصول المختارة من العيون والمحاسن. للشيخ المفيد محمّد بن محمّد النعمان البغدادي ( م 413 ). الطبعة الرابعة ، قم ، مكتبة الداوري ، 1396 م.

208 - الفضائل. لأبي الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل ( م 660 ). الطبعة الاولى ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1408 ه / 1988 م.

209 - فضائل الشيعة ، صفات الشيعة ، ومصادقة الأخوان. للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). تحقيق ونشر : مؤسّسة الإمام المهدي علیه السلام . قم ، 1410 ه.

* الفقيه - من لا يحضره الفقيه.

210 - الفوائد الرجالية. للعلاّمة السيّد محمّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ( 1155 - 1212 ). تحقيق محمّد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم. 4 مجلّدات ، طهران ، مكتبة الصادق ، 1363 ش [ بالأوفست عن طبعة النجف الأشرف ، 1385 ه ].

211 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. لشيخ الإسلام محمّد بن عليّ الشوكاني ( م 1250 ). تحقيق محمّد عبد الرحمن عوض. الطبعة الاولى ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1406 ه / 1986 م.

212 - الفوائد وشرحه. للشيخ أحمد الأحسائي ( 1166 - 1241 ). مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي ، قم.

213 - الفهرست لابن النديم. لمحمّد بن إسحاق النديم ، أبو يعقوب الورّاق. الطبعة الثانية ، طهران ، انتشارات المروي ، 1393 ه / 1973 م.

214 - القبسات. لمحمّد بن محمّد باقر الميرداماد ( م 1041 ). تحقيق مهدي المحقّق. طهران ، جامعة طهران ، 1367 ش.

215 - القاموس المحيط. للفيروزآبادي محمّد بن يعقوب ( 729 - 817 ). تحقيق لجنة التحقيق في دار إحياء التراث. الطبعة الاولى ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1412 ه / 1991 م.

216 - قرب الإسناد. لأبي العبّاس عبد اللّه بن جعفر الحميري القمّي ( م بعد 304 ). تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث. الطبعة الاولى ، قم ، 1413 ه.

ص: 496

217 - قصص الأنبياء. للقطب الراوندي ( م 573 ). تحقيق غلامرضا عرفانيان. الطبعة الاولى ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلاميّة ، 1409 ه.

218 - قواعد المرام في علم الكلام. لميثم بن عليّ بن ميثم البحراني ( 636 - 699 ). الطبعة الاولى ، قم ، مطبعة مهر ، 1398 ه.

219 - قوانين الاصول. للميرزا أبي القاسم بن الحسن الجيلاني ، المحقق القمّي ( 1151 - 1231 ). الطبعة الحجريّة ، مجلّدان ، 1303 ه.

220 - الكافي. لأبي جعفر ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني الرازي ( م 329 ). تحقيق عليّ أكبر الغفّاري. الطبعة الرابعة ، 8 مجلّدات ، بيروت ، دار صعب ودار التعارف ، 1401 ه.

221 - كامل الزيارات. للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي ( م 368 ). تحقيق عبد الحسين الأميني التبريزي. النجف الأشرف ، المطبعة المرتضويّة ، 1356 ه.

222 - الكامل في التاريخ. لابن الأثير الجزري عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم ( 555 - 630 ). 12 مجلّدا+ الفهرس ، بيروت ، دار صادر ودار بيروت ، 1385 - 1386 / 1965 - 1966 م.

223 - كتاب سليم بن قيس الهلالي. لأبي صادق سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي ( م حدود 85 ). تحقيق العلوي الحسني النجفي ، منشورات دار الفنون ، 1400 ه / 1980 م.

224 - الكتاب المقدّس. ( كتب العهد القديم والعهد الجديد ). الطبعة الرابعة ، بيروت ، 1875 م.

225 - كتب أنبياء. ( ترجمة جديدة ). تحت إشراف الأب سارو خاچيكي.

226 - كشّاف اصطلاحات الفنون. لمحمّد عليّ بن شيخ عليّ التهانوي ( م بعد 1158 ). تحقيق عليّ دحروج. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، بيروت ، مكتبة لبنان ناشرون ، 1996 م.

227 - الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل. لأبي القاسم جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري ( 467 - 538 ). تصحيح مصطفى حسين أحمد. 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

228 - كشف الحقائق. للشيخ عبد العزيز محمّد بن محمّد النسفي ( ق 7 ). تعليق أحمد مهدوي الدامغاني. الطبعة الثانية ، طهران ، بنگاه ترجمه ونشر كتاب ، 1359 ش.

229 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس. لأبي الفداء إسماعيل بن محمّد الجرّاحي العجلوني الدمشقي ( 1087 - 1162 ). تحقيق أحمد القلاش. الطبعة الخامسة ، مجلّدان ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، 1408 ه / 1988 م.

ص: 497

230 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. لمصطفى بن عبد اللّه المعروف بحاجي خليفة وبكاتب چلبي ( 1017 - 1067 ). إعداد أحمد شمس الدين. الطبعة الاولى ، 4 مجلّدات ، بيروت ، 1413 ه / 1993 م.

231 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة. لعليّ بن عيسى بن أبي الفتح الأربليّ ( م 693 ). تحقيق السيّد هاشم الرسولي. تبريز ، مكتبة بني هاشمي ، 1381 ه.

232 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). تحقيق حسن حسن زاده الآملي. الطبعة الاولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ه.

233 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). تحقيق حسين الدرگاهي. الطبعة الثانية ، بيروت ، دار المفيد ، 1414 ه / 1993 م.

234 - كفاية الأثر. لأبي القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز الرازي ( ق 4 ). تحقيق السيّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي. قم ، انتشارات بيدار ، 1401.

235 - كمال الدين وتمام النعمة. للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). تحقيق عليّ أكبر الغفّاري. قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1405 ه / 1363 ش.

236 - الكنى والألقاب. للشيخ عبّاس بن محمّد رضا القمّي ( 1294 - 1359 ). تحقيق محمّد هادي الأميني. الطبعة الخامسة ، 3 مجلّدات ، طهران ، مكتبة الصدر ، 1409 ه.

237 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال. لعلاء الدين عليّ المتّقي الهندي ( 888 - 975 ). إعداد بكري حيّاني وصفوة السقا. الطبعة الخامسة ، 18 مجلّدا ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، 1409 ه / 1989 م.

238 - كنز الفوائد. لأبي الفتح الشيخ محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي الطرابلسي ( م 449 ). تحقيق الشيخ عبد اللّه نعمة. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، قم ، دار الذخائر ، 1410 ه.

239 - گلشن راز « ضمن مجموعة آثار الشيخ محمود الشبستري ». للشيخ محمود الشبستري ( م حوالي 720 ). تصحيح صمد موحّد. الطبعة الاولى ، طهران ، مكتبة طهوري ، 1365 ش.

240 - اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي ( م 911 ه ). الطبعة الثانية ، مجلّدان ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1395 / 1975 م.

241 - لسان العرب. لجمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري ( 630 - 711 ). 15 مجلّدا ، قم ، أدب الحوزة ، 1405 ه [ بالاوفست عن طبعة بيروت ، 1376 ه ].

ص: 498

242 - لسان الميزان. لابن حجر العسقلاني أحمد بن عليّ ( 773 - 852 ). الطبعة الثالثة ، 7 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي ، 1406 ه / 1986 م [ بالاوفست عن طبعته الاولى ، حيدرآباد الدكن ، 1329 - 1331 ].

243 - لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام. لكمال الدين عبد الرزاق الكاشاني ( م 730 ). تصحيح مجيد هادي زاده. الطبعة الاولى ، طهران ، ميراث مكتوب ، 1421 ه / 1379 ش.

244 - لغت نامه دهخدا. لعليّ أكبر دهخدا ( 1258 - 1334 ). الطبعة الاولى ، 14 مجلّدا ، طهران ، جامعة طهران ، 1372 - 1373 ش.

245 - لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة. لأبي الفيض محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي ، صاحب تاج العروس ( 1145 - 1205 ). تحقيق محمّد عبد القادر عطا. الطبعة الاولى ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1405 ه / 1985 م.

246 - اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة. لجمال الدين مقداد بن عبد اللّه الأسدي السيوري الحلّي ( م 826 ). تحقيق السيّد محمّد عليّ القاضي الطباطبائي. تبريز ، مطبعة شفق ، 1397 ه.

247 - المباحث المشرقيّة في علم الإلهيّات والطبيعيّات. لفخر الدين محمّد بن عمر الرازي ( م 606 ). تحقيق محمّد المعتصم باللّه البغدادي. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1410 ه / 1990 م.

248 - المباحثات. للشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللّه بن سينا ( 370 - 428 ). تحقيق محسن بيدار فر. قم ، انتشارات بيدار ، 1413 ه / 1371 ش.

249 - المبدأ والمعاد. للشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللّه بن سينا ( 370 - 428 ). تحقيق عبد اللّه النوراني. مؤسّسة مطالعات اسلامي دانشگاه مك گيل ، 1363 ش.

250 - المبدأ والمعاد. لصدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ( 979 - 1050 ) تحقيق السيّد جلال الدين الآشتياني. طهران ، انتشارات انجمن حكمت وفلسفه إيران ، 1365 ش.

251 - مبسوط السرخسي. لشمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي ( م 483 ). 30 جزءا في 15 مجلّدا + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة ، 1406 ه / 1986 م [ بالاوفست عن طبعته السابقة ، 1331 ه ].

ص: 499

252 - متافيزيك ( ما بعد الطبيعة ). لأرسطو. تحقيق شرف الدين الخراساني. طهران ، نشر گفتار ، 1366 ش.

253 - متشابه القرآن ومختلفه. لمحمّد بن عليّ بن شهرآشوب ( م 588 ) ، تحقيق العلاّمة الشهرستاني. الطبعة الاولى ، قم ، انتشارات بيدار ، 1367 ش.

254 - مثنوي معنوي. لجلال الدين محمّد بن محمّد بن الحسين المولوي البلخي الرومي ( 604 - 672 ). تصحيح رينولد آلين نيكلسون ( م 1945 م ). 6 أجزاء في مجلّد واحد ، طهران ، نشر طلوع.

255 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين. للشيخ فخر الدين الطريحي ( 979 - 1087 ). إعداد السيّد أحمد الحسيني. 6 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية ، 1365 ش.

256 - مجمع البيان في تفسير القرآن. لأبي عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي ( حوالي 470 - 548 ). تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي. 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، إحياء التراث العربي. وتحقيق لجنة من العلماء. الطبعة الاولى ، 10 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1415 ه / 1995 م.

257 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. للحافظ نور الدين عليّ بن أبي بكر الهيثمي ( م 807 ). تحقيق عبد اللّه محمّد الدرويش. 10 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1414 ه / 1994 م.

258 - مجموعه ورّام. لأبي الحسين ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري ( م 605 ). تحقيق محمّد رضا عطائي. مجلّدان ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلاميّة ، 1369 ش.

259 - مجموعه مصنّفات شيخ إشراق. للشيخ شهاب الدين أبي الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي ( 549 - 587 ). تصحيح هنري كربين. الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، طهران ، مؤسّسة مطالعات وتحقيقات فرهنگى ( پژوهشگاه ) ، 1372 ش.

260 - محاسبة النفس. لرضيّ الدين السيّد عليّ بن موسى بن طاوس ( 589 - 664 ). طهران ، المكتبة المرتضويّة ، 1390 ه.

261 - المحاسن. لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ( م 274 أو 280 ). تحقيق السيّد مهدي الرجائي. الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، المجمع العالمي لأهل البيت علیهم السلام ، 1416 ه.

262 - المحجّة البيضاء. للمولى محسن الفيض الكاشاني ( م 1091 ). تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفّاري. الطبعة الثانية ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1383 ه.

ص: 500

263 - محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين. لفخر الدين محمّد بن عمر الرازي ( 544 - 606 ). تحقيق حسين آتاي. الطبعة الاولى ، القاهرة ، مكتبة دار التراث ، 1411 ه / 1991 م.

264 - مدينة المعاجز في دلائل الأئمّة الأطهار ومعاجزهم. للسيّد هاشم الحسيني البحراني ( م 1107 ). تحقيق الشيخ عزت اللّه مولائي الهمداني. الطبعة الاولى ، 7 مجلّدات+ الفهارس ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 ه. والطبعة الحجريّة.

265 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول. للعلاّمة المجلسي محمّد باقر بن محمّد تقي ( 1037 - 1110 ). إعداد هاشم الرسولي ومحسن الحسيني الأميني. الطبعة الاولى ، 26 مجلّدا ، طهران ، دار الكتب الإسلاميّة ، 1404 - 1411 ه / 1363 - 1369 ش.

266 - مرصاد العباد. لنجم الدين أبي بكر الرازي المعروف بالدايه ( م 654 ). تصحيح محمّد أمين الرياحي. الطبعة الاولى ، طهران ، انتشارات علمي وفرهنگي ، 1365 ش.

267 - مروج الذهب ومعادن الجوهر. لأبي الحسن عليّ بن الحسين المسعودي ( م 346 ). تصحيح محمّد محيي الدين عبد الحميد. 4 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة ، 1403 ه / 1982 م.

268 - المستدرك على الصحيحين. لأبي عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري ( م 405 ). تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. الطبعة الاولى ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1411 ه / 1990 م.

269 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل. للحاج الميرزا حسين المحدّث النوري ( 1254 - 1320 ). إعداد ونشر : مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث. الطبعة الاولى ، 18 مجلّدا ، قم ، 1407 ه.

270 - مسند أحمد. لأبي عبد اللّه أحمد بن حنبل الشيباني ( 164 - 241 ). إعداد صدقي محمّد جميل العطّار. الطبعة الثانية ، 10 مجلّدات + الفهرس في مجلّدين ، بيروت ، دار الفكر ، 1414 ه / 1994 م.

271 - مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين علیه السلام . للحافظ رجب البرسي ( كان حيّا سنة 813 ). طهران. دفتر نشر فرهنگ أهل البيت علیهم السلام .

272 - مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار. للسيّد عبد اللّه شبّر بن السيّد محمّد رضا الحسيني ( 1188 - 1242 ). الطبعة الاولى ، مجلّدان ، بيروت ، مؤسّسة النور ، 1407 ه / 1987 م.

273 - مصابيح السنّة. لأبي محمّد الحسين بن مسعود بن محمّد الفرّاء البغوي ( 433 - 516 ). تحقيق يوسف عبد الرحمن المرعشلي. الطبعة الاولى ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة ، 1407 ه / 1987 م.

ص: 501

274 - مصباح الأنس في شرح مفتاح غيب الجمع والوجود. لمحمّد بن حمزة بن محمّد العثماني. تحقيق ميرزا هاشم الإشكوري وحسن حسن زاده الآملي. قم ، انتشارات فجر ، 1363 ش.

* المطارحات - مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق.

275 - المطالب العالية. لفخر الدين محمّد بن عمر الرازي ( 544 - 606 ). تحقيق أحمد حجازي السقا. الطبعة الاولى ، 9 أجزاء في 5 مجلّدات ، الرضي ، قم ، 1407 ه / 1987 م.

276 - مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم ( شرح فصوص الحكم ). لداود بن محمود القيصري. تحقيق محمّد حسن الساعدي. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، قم ، أنوار الهدى ، 1416 ه.

277 - المطوّل في شرح تلخيص المفتاح. لسعد الدين مسعود بن عمر بن عبد اللّه التفتازاني ( 712 - 791 ). قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1407 ه.

278 - معالم التنزيل في التفسير والتأويل. لأبي محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي ( م 516 ). 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1405 ه / 1985 م.

279 - معاني الأخبار. للشيخ الصدوق محمد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). تحقيق عليّ أكبر الغفّاري. قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش.

280 - المعتبر في الحكمة. لأبي البركات هبة اللّه بن عليّ بن ملكا البغدادي ( 480 - 560 ). الطبعة الثانية ، 3 أجزاء ، في مجلّد واحد ، أصفهان ، جامعة أصفهان ، 1373 ش / 1415 ه.

281 - معجم البلدان ، لأبي عبد اللّه شهاب الدين ياقوت بن عبد اللّه الرومي الحموي ( 574 - 626 ). 5 مجلّدات ، بيروت ، دار صادر ، 1977 م.

282 - المعجم الكبير. للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ( 260 - 360 ). تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي. الطبعة الثانية ، 25 مجلّدا ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1404 ه / 1984 م.

283 - المعجم الوسيط. لعدّة من الأفاضل. الطبعة الخامسة ، طهران ، مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة ، 1416 ه / 1374 ش. [ بالاوفست عن طبعة مصر ].

284 - المغني في أبواب التوحيد والعدل. للقاضي عبد الجبّار الأسدآبادي ( 359 - 415 ). تحقيق محمود محمّد قاسم. 16 مجلّدا ، طبعة مصر.

285 - مفاتيح الإعجاز في شرح گلشن راز. لشمس الدين محمّد اللاهيجي. تصحيح محمّد رضا برزگر خالقي وعفّت كرباسى. الطبعة الاولى ، طهران ، انتشارات زوّار ، 1371 ش.

ص: 502

286 - مفاتيح الجنان. للشيخ عبّاس بن محمّد رضا القمّي ( 1294 - 1359 ). ترجمة إلهي قمشه اي. الطبعة الاولى ، مركز فرهنگى رجاء ، 1369 ش.

* مفاتيح الغيب - تفسير الرازي.

287 - مفتاح الباب الحادي عشر. ( المطبوع مع النافع يوم الحشر في شرح باب الحادي عشر ). لأبي الفتح بن مخدوم الخادم الحسيني العربشاهي ( م 976 ). تحقيق مهدي المحقّق. مشهد ، انتشارات آستان قدس رضوي ، 1368 ش.

288 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشهورة على الألسنة. للشيخ شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن السخاوي ( م 902 ). تحقيق عبد اللّه محمّد الصديق. الطبعة الاولى ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1407 ه / 1987 م.

289 - مقالات الإسلاميّين. لأبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري ( م 330 ). تحقيق محيي الدين عبد الحميد. مجلّدان ، بيروت ، المكتبة العصريّة ، 1419 / 1999 م.

290 - مقدّمة الشواهد الربوبيّة. لصدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ( 979 - 1050 ). تحقيق السيّد جلال الدين الآشتياني. الطبعة الاولى ، بيروت ، مؤسّسة التاريخ العربي ، 1417 ه / 1996 م.

291 - المقنعة. للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي ( 336 - 413 ). إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي. الطبعة الثانية ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

292 - مكارم الأخلاق. لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي ( ق 6 ). تحقيق علاء آل جعفر ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ه.

293 - الملل والنحل. لأبي الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني ( 479 - 548 ). تحقيق محمّد سيّد كيلاني. مجلّدان ، بيروت ، دار المعرفة ، 1387 ه / 1967 م.

294 - من تراث المعتزلة في التوحيد ديوان الاصول. لأبي رشيد سعيد بن محمّد النيسابوري ( م 440 ). تحقيق محمّد عبد الهادي أبو ريدة. القاهرة ، المؤسّسة المصريّة العامّة ، 1385 ه / 1965 م.

295 - من لا يحضره الفقيه. للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ( م 381 ). إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان. الطبعة السادسة ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الأضواء ، 1405 ه / 1985 م. وتحقيق عليّ أكبر غفّاري. 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 503

296 - منار الهدى في النصّ على إمامة الأئمّة الاثنى عشر علیهم السلام . للشيخ عليّ البحراني. تحقيق السيّد عبد الزهراء الخطيب. بيروت ، دار المنتظر ، 1405 ه / 1985 م.

297 - مناقب آل أبي طالب. لمحمّد بن عليّ بن شهرآشوب السروي المازندراني ( م 588 ). تحقيق يوسف البقاعي. الطبعة الثانية ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الأضواء ، 1412 ه.

298 - مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام . لابن المغازلي عليّ بن محمّد بن محمّد ( م 483 ). تحقيق محمّد باقر البهبودي. الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الأضواء ، 1412 ه / 1992 م.

299 - مناهج اليقين. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي. الطبعة الاولى ، قم ، مطبعة ياران ، 1416 ه / 1374 ش.

300 - منتخب الأنوار المضيئة. لعليّ بن عبد الكريم النيلي النجفي ( ق 9 ). تحقيق عبد اللطيف الكوهكمري. الطبعة الاولى ، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ه.

301 - منتهى المقال في أحوال الرجال. لأبي عليّ الحائري الشيخ محمّد بن إسماعيل المازندراني ( م 1216 ). الطبعة الحجريّة.

302 - المنطق عند الفارابي. لأبي نصر الفارابي محمّد بن محمّد ( 259 - 339 ). تحقيق رفيق العجم. بيروت ، دار المشرق.

303 - منهاج السنّة النبويّة في نقض كلام الشيعة والقدريّة. لأبي العبّاس تقيّ الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيميّة الحنبلي ( م 728 ). تحقيق عبد اللّه محمود محمّد عمر. الطبعة الاولى ، 3 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، 1420 ه / 1999 م.

304 - موسوعة الفلسفة ( الموسوعة الفلسفيّة ). لعبد الرحمن بدوي. الطبعة الاولى ، مجلّدان ، بيروت ، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر ، 1984 م.

305 - الموضوعات. لأبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزي ( 510 - 597 ). تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان. 3 مجلّدات ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ه / 1983 م.

306 - موطّأ مالك. لمالك بن أنس ( 93 - 179 ). تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. مجلّدان ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ه / 1985 م.

ص: 504

307 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال. لأبي عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( 673 - 748 ). تحقيق عليّ محمّد البجاوي. 4 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة [ بالاوفست عن طبعة مصر ، 1382 ه / 1963 م ].

308 - النافع يوم الحشر في شرح باب الحادي عشر ( المطبوع مع مفتاح الباب الحادي عشر ). لمقداد بن عبد اللّه السيوري الحلّي ( م 826 ). تحقيق مهدي المحقّق. مشهد ، انتشارات آستان قدس رضوي ، 1368 ش.

309 - النجاة. للشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد اللّه بن سينا ( 370 - 428 ) ، الطبعة الثانية ، طهران ، المكتبة المرتضوية ، 1364 ش.

310 - نصب الراية لأحاديث الهداية. لجمال الدين عبد اللّه بن يوسف الحنفي الزيلعي ( م 762 ). الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1407 ه / 1987 م.

311 - نصوص الخصوص في ترجمة الفصوص. لركن الدين مسعود بن عبد اللّه الشيرازي ( م 769 ). تحقيق رجب عليّ مظلومي. طهران ، جامعة طهران ومؤسّسة مطالعات اسلامى دانشگاه مك گيل ، 1359 ش.

312 - نقد الفصوص في شرح نقش الفصوص. لعبد الرحمن أحمد الجامي ( 817 - 898 ). تحقيق ويليام چتيك. الطبعة الثانية ، طهران ، مؤسّسة مطالعات وتحقيقات فرهنگ ، 1370 ش.

* نقد المحصّل - تلخيص المحصّل.

313 - النهاية في غريب الحديث والأثر. لابن الأثير الجزري مجد الدين المبارك بن محمّد بن محمّد ( 544 - 606 ). تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي. الطبعة الرابعة ، 5 مجلّدات ، قم ، إسماعيليان ، 1363 ش [ بالاوفست عن طبعة بيروت 1383 ه / 1963 م ].

314 - نهاية المرام في علم الكلام. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). تحقيق فاضل العرفان. الطبعة الاولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1419 ه.

315 - نهاية الوصول إلى علم الاصول. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي ، المرقّمة 277.

316 - نهج البلاغة. لأبي الحسن الشريف الرضيّ محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي ( 359 - 406 ). تحقيق صبحي الصالح. الطبعة الاولى ، طهران ، دار الاسوة ، 1415 ه.

ص: 505

317 - نهج الحقّ وكشف الصدق. للعلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ). تعليق عين اللّه الحسني الأرموي ، قم ، دار الهجرة ، 1407 ه.

318 - نوادر الراوندي. للسيّد فضل اللّه بن عليّ الحسيني الراوندي ( ت بعد 548 ). قم ، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر [ بالاوفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1370 ه / 1951 م ].

319 - نور الأبصار في معرفة آل النبي المختار صلی اللّه علیه و آله . للشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي ( م 1308 ). قم ، الشريف الرضي. [ بالاوفست عن طبعة بيروت ، 1409 ه / 1989 م ].

320 - نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار. للشيخ محمّد بن عليّ بن محمّد الشوكاني ( م 1255 ). 8 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل ، 1973 م.

321 - الوافي. للمولى محمّد محسن الفيض الكاشاني ( 1007 - 1091 ). إعداد ونشر : مكتبة أمير المؤمنين علیه السلام العامّة. الطبعة الاولى ، 27 مجلّدا ، أصفهان ، 1412 ه.

322 - الوافي بالوفيات. لصلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي ( 697 - 764 ). 22 مجلّدا ، النشرات الإسلاميّة ، 1381 ه / 1972 م.

323 - وسائل الشيعة. للشيخ الحرّ العاملي محمّد بن الحسن ( 1033 - 1104 ). تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث. الطبعة الاولى ، 30 مجلّدا ، قم ، 1409 - 1412 ه.

324 - وقعة صفين. لنصر بن مزاحم المنقري ( م 212 ). تحقيق عبد السّلام هارون. قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي ، 1404 ه.

325 - اليقين باختصاص مولانا عليّ علیه السلام بإمرة المؤمنين. للسيّد رضي الدين عليّ بن طاوس ( 589 - 664 ). تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي. الطبعة الاولى ، قم ، دار الكتاب الجزائري ، 1413 ه. والنجف ، المطبعة الحيدريّة ، 1369 ه / 1950 م.

* اليقين في إمرة أمير المؤمنين علیه السلام - اليقين باختصاص مولانا عليّ علیه السلام بإمرة المؤمنين.

326 - ينابيع المودّة لذوي القربى. للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ( 1220 - 1294 ). بمقدّمة السيّد محمّد مهدي الخرسان. النجف ، المكتبة الحيدريّة ، 1384 ه / 1965 م.

ص: 506

7. الفهرس الإجمالي للموضوعات

« مقدّمة التحقيق »

تصدير... 7

مقدّمة التحقيق... 9

التمهيد... 11

المبحث الأوّل : حول الطوسي ومتن التجريد... 13

المبحث الثاني : حول الأسترآبادي و « البراهين القاطعة »... 23

منهج التحقيق... 48

« ج 1 »

المقصد الأوّل : في الأمور العامّة

الفصل الأوّل : في الوجود والعدم... 81

الفصل الثاني : في الماهيّة ولواحقها... 183

الفصل الثالث : في العلّة والمعلول... 227

المقصد الثاني : في الجواهر والأعراض

الفصل الأوّل : في الجواهر... 261

الفصل الثاني : في الأجسام... 293

الفصل الثالث : في بقيّة أحكام الأجسام... 319

ص: 507

الفصل الرابع : في الجواهر المجرّدة... 333

الفصل الخامس : في الأعراض... 377

« ج 2 »

مقدّمة في المسائل العلميّة وأقسام الأدلّة... 7

المقصد الثالث في الأصل الأوّل من أصول الدين

التوحيد ، معناه... 17

الفصل الأوّل : في وجوده تعالى... 25

الفصل الثاني : في صفاته تعالى ... 43

المطلب الأوّل : في بيان الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة ... 45

المسألة الاولى : في القدرة ... 45

المقدّمة الاولى : في تعريف القدرة والإيجاب ... 45

المقدّمة الثانية : في بيان القدم والحدوث ... 48

في إثبات القدرة ، بمعنى أنّه تعالى صاحب القدرة ... 60

دلائل النافين لقدرة اللّه والجواب عنها ... 77

في عموم قدرته تعالى ... 106

المسألة الثانية : في علمه تعالى ... 113

تعريف العلم ، أقسامه ومراتبه ... 114

علم الواجب تعالى بذاته وبما سواه عين ذاته ... 121

في كيفيّة علمه تعالى بالأشياء ... 158

المسألة الثالثة : في أنّه تعالى حيّ ... 252

المسألة الرابعة : في إرادته تعالى ... 255

المسألة الخامسة : في سمعه وبصره ... 270

المسألة السادسة : في كلامه تعالى ... 273

المسألة السابعة : في أنّه تعالى صادق ... 280

ص: 508

المسألة الثامنة : في أنّه تعالى قديم أزليّ ... 283

المطلب الثاني : في أنّ الأوصاف الثمانية الثبوتيّة عين الذات ... 284

المطلب الثالث : في بيان الصفات السلبيّة ... 290

في نفي الرؤية عنه تعالى ... 304

المطلب الرابع : في بيان صفات الجمال ... 326

أنّه تعالى واحد من جميع الجهات ... 330

تذنيبان : ... 342

الأوّل : في فرق الصوفيّة ومذاهبهم ... 342

الثاني : فيما ورد من الأحاديث في التوحيد ... 350

الفصل الثالث : في العدل ... 365

المقام الأوّل : في نفي الظلم عنه تعالى ... 368

المقام الثاني : في حسن أفعاله تعالى ... 374

المقام الثالث : في غاية أفعاله تعالى ... 393

المقام الرابع : في اختيار العباد في أفعالهم ... 414

المقام الخامس : في وجوب اللطف عليه تعالى ... 452

تذنيب : في خلق العالم ... 469

الفائدة الاولى : في حدوث العالم وبدء خلقه ... 469

الفائدة الثانية : براهين إبطال التسلسل ... 476

القاعدة الثالثة : في خلق العالم العلوي ... 492

القاعدة الرابعة : في البسائط والعناصر ... 509

الفائدة الخامسة : في المواليد الثلاثة ... 537

« ج 3 »

المقصد الرابع : في النبوّة

الفصل الأوّل : في وجوب البعثة ... 13

ص: 509

الفصل الثاني : في وجوب العصمة للنبيّ صلی اللّه علیه و آله ... 18

الفصل الثالث : في المعجزة ... 26

الفصل الرابع : في إثبات نبوّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ... 35

الفصل الخامس : في أفضليّة نبيّنا صلی اللّه علیه و آله ... 64

تذنيبات : ... 70

الأوّل : فرق المسلمين ... 70

الثاني : في دفع الشكوك عن الشريعة ... 80

الثالث : في مناظرة السيّد بحر العلوم مع اليهود ... 159

الرابع : في أسرار النبيّ وكراماته صلی اللّه علیه و آله ... 174

الخامس : في معجزات النبيّ صلی اللّه علیه و آله ... 180

المقصد الخامس : في الإمامة

تعريف الإمامة ... 205

الفصل الأوّل : في وجوب نصب الإمام ... 215

الفصل الثاني : في وجوب العصمة للإمام ... 224

الفصل الثالث : في الأعلميّة والأفضليّة ... 232

الفصل الرابع : في المنصوبيّة والمنصوصيّة ... 234

الفصل الخامس : في أنّ الأئمّة اثنا عشر ... 238

المطلب الأوّل : في إثبات إمامة عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 238

فصل : في إثبات إمامته علیه السلام من طريق النصّ ... 240

فصل : في أعلميّته وأفضليّته علیه السلام ... 279

مطاعن الخلفاء الثلاث ... 327

خصائص عليّ بن أبي طالب علیه السلام ... 341

ذكر بعض الأدلّة العقليّة والنقليّة لإثبات إمامته علیه السلام ... 351

فصل : في إثبات إمامته علیه السلام بطريق المعجزة ... 362

المطلب الثاني : في بيان إمامة سائر الأئمّة الاثني عشر ... 428

ص: 510

المطلب الثالث : في وجود صاحب الزمان (عج) وغيبته ... 441

في كيفيّة الرجعة ... 445

علامات خروج الإمام المهدي (عج) ... 445

« ج 4 »

بقيّة مباحث الإمامة

المطلب الرابع : ذكر بعض الأخبار الواردة في أحوال الأئمّة علیهم السلام ... 7

المطلب الخامس : في معجزات الأئمّة علیهم السلام ... 42

في أسرار الأئمّة علیهم السلام ... 136

تذنيب : في مواليدهم ووفياتهم علیهم السلام ... 201

المقصد السادس : في الأصل الخامس وهو المعاد

الفصل الأوّل : في عود الأرواح بعد إزهاقها وحصول الموت ... 215

الفصل الثاني : في المعاد الجسماني العنصري الترابي ... 245

الفصل الثالث : في بيان أحوال النار وأهلها ... 303

الفصل الرابع : في بيان أحوال أهل الأعراف ... 309

الفصل الخامس : في بيان أحوال الجنّة وأهلها ... 311

تكميل ، فيه ذكر أخبار متعلّقة بالمعاد ... 327

ص: 511

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.