القراءة السريانية - الآرامية للقرآن الكريم : دراسة نقدية لآراء كريستوف لكسنبرغ

هوية الکتاب

فراستي، امیر حسین، مؤلف.

القراءة السريانية - الآرامية للقرآن الكريم : دراسة نقدية لآراء كريستوف لكسنبرغ / تأليف امیر حسین فراستي ؛ اشراف الدكتور محمود كريمي - الطبعة الأولى - النجف العراق : العتبة العباسية المقدسة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، 1442ه-. = 2021.

204 صفحة صور فوتغرافية، خريطة ؛ 24 سم - (سلسلة القرآن في الدراسات الغربية ؛ 7)

يتضمن ملحق.

يتضمن إرجاعات ببليوجرافية: صفحة 174-204.

ردمك : 9789922625614

1. لكسنبرغ كريستوف .2. القرآن - لغة ، اسلوب 3. اللغة السريانية. أ. كريمين محمود. ب.

العنوان.

LCC: BP49.5.L89 F57 2021

مركز الفهرسة ونظم المعلومات التابع لمكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة فهرسة اثناء النشر

العتبة العباسية المقدسة

المركز الاسلامي الدراسات الاستراتيجية

سلسلة القرآن في الدراسات الغربية 7

القراءة اس بيانية - آثار امينة للعف آن الكريم

دراسة نقدية لآراء كريستوف لكسنبرغ -

تأليف: أمير حسين فراستي

إشراف الدكتور محمود كريمي

ص: 1

اشارة

﴿الذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَ إِنَّ فريقًا منهُم لَيَكْتُمُونَ الْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (سورة البقرة الآية 146)

صدق الله العلي العظيم

ص: 2

سلسلة القرآن في الدراسات الغربية

القراءة السريانية - آلارامية

للقرآن الكريم

- دراسة نقدية لآراء كريستوف لكسنبرغ -

تأليف: أمير حسين فراستي

إشراف: الدكتور محمود كريمي

ص: 3

فراستي، امیر حسین، مؤلف.

القراءة السريانية - الآرامية للقرآن الكريم : دراسة نقدية لآراء كريستوف لكسنبرغ / تأليف امیر حسین فراستي ؛ اشراف الدكتور محمود كريمي - الطبعة الأولى - النجف العراق : العتبة العباسية المقدسة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، 1442ه-. = 2021.

204 صفحة صور فوتغرافية، خريطة ؛ 24 سم - (سلسلة القرآن في الدراسات الغربية ؛ 7)

يتضمن ملحق.

يتضمن إرجاعات ببليوجرافية: صفحة 174-204.

ردمك : 9789922625614

1. لكسنبرغ كريستوف .2. القرآن - لغة ، اسلوب 3. اللغة السريانية. أ. كريمين محمود. ب.

العنوان.

LCC: BP49.5.L89 F57 2021

مركز الفهرسة ونظم المعلومات التابع لمكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة فهرسة اثناء النشر

ص: 4

فهرس الکتاب

مقدمة المركز... 11

مقدِّمة المؤلّف ... 15

المدخل ... 22

الفصل الأول

دراسة نقديّة لأركان نظرية لكسنبرغ

لكسنبرغ - السيرة العلمية - ... 22

أولاً: لغة القرآن ... 29

ثانيا: الخط العربي ... 31

ثالثًا: نقد آراء لكسنبرغ المطروحة عن لغات القرآن والخط العربي ... 33

1 - لغة أهل مكة ... 33

أ. الآرامية القديمة ... 35

ب الآرامية الغربية ... 35

ج - الآرامية الشرقية ... 37

2 - المسيحيّة في مكة ... 42

3 - لغة القرآن ... 49

4 - الخط العربي ... 54

أ الرأي التقليدي ... 60

ص: 5

ب - رأي لكسنبرغ ... 64

ج الرأي الحديث ... 6

5 - مسألة الإعجام ... 74

الفصل الثاني

دراسة نقدية لفهم لكسنبرغ

أولاً: رأي لكسنبرغ في القراءة والفهم الخاطئ للقرآن عند المسلمين ... 83

1 - التعابير التي قُرئت قراءةً خاطئة ... 83

2 - التعابير التي فهمت وتُرجمت بندر خاطئ ... 85

ثانيا: نقد آراء لكسنبرغ المطروحة في القراءة والفهم الخاطئ للقرآن عند المسلمين ... 102

1 - نقد منهجية لكسنبرغ ... 103

2 - النقد على أساس المعاجم ... 109

3 - النقد على أساس تراث الأدب الاهلى ... 117

4 - النقد على أساس السياق القرآني ... 132

0 - النقد على أساس التراث الروائي ... 135

أ- معاني مفردات الآية 64 من سورة الإسراء ... 137

ص: 6

ب - الحور العين ... 139

6 - الانتقادات الموجهة إلى لكسنبرغ من قِبَل المستشرقين ... 154

7 - نقد مصادر البحث ... 159

خاتمة ... 161

الملحقات ... 164

المصادر والمراجع ... 174

المصادر والمراجع العربية ... 174

المصادر والمراجع الفارسية ... 192

المصادر والمراجع الإنكليزية ... 194

المصادر والمراجع الألمانية ...204

ص: 7

ص: 8

الإهداء

إلى أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، الحفظة لسر الله، والخزنة العلمه، والمستودع لحكمته، والتراجمة لوحيه، الأئمة الدعاة، والقادة الهداة، والسادة الولاة، الذين قرنهم الله بكتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذين جعلهم رسوله(صلی الله علیه و آله و سلم) أحد الثقلين اللذين أودعهما في أمته، عليهم أفضل الصلاة والسلام.

ص: 9

ص: 10

مقدمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، وسلام على المبعوث رحمةً للعالمين سيّدنا ونبينا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الأطهار الميامين...

قال الله -تعالى- في كتاب العزيز: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾(1). تكشف هذه الآية عن أنّ الله -تعالى- هو الذي اختار اللغة العربية لتكون لغةً لكتابه الخاتم لرسالاته؛ لما لذلك من دخالةً فى ضبط أسرار آياته وإيصال حقائقه ومعارفه من دون تحريف أو اضطراب أو التباس أو تشويه.... فقضى الله -تعالى- تنزيل حقائق كتابه الكريم ومعارفه العالية والسامية بقالب اللفظ العربي؛ لتقريبها إلى الأذهان والأفهام، ولتكون قابلةً للتعقل والتأمل، بأسلوب فاق حدود القدرة البشريّة في الفصاحة والبلاغة والبيان والتعبير... فالقرآن الكريم معجز كلّه باختلاف اللحاظات والجهات، وأبعاد إعجازه أعلى من أن تحصيها العقول، أو أن تدرك كنهها الأفهام. ومن أبعاد إعجاز القرآن فصاحته وبلاغته وبيانه حيث تحدى بها العرب الذين بلغوا مبلغاً لم يذكره التاريخ لواحدة من الأمم المتقدّمة عليهم أو المتأخّرة عنهم ووطئوا موطئاً لم تطأه أقدام غيرهم في هذا المضمار، فتحدّاهم به، ثمّ تدرّج معهم في التحدّي إلى حد أن يأتوا بحديث من مثل القرآن الكريم! وبعد أن طال بهم الأمد، لم يجيبوه إلا بالعجز !

ص: 11


1- سورة الزخرف، الآية: 3.

وقد جذبت لغة القرآن الكريم المستشرقين في فترة مبكرة من دراستهم للقرآن الكريم فأبدى بعضهم الانبهار بها،وادّعى الأكثر تأثرها بلغات الحضارات المحيطة بشبه الجزيرة العربيّة، وبالأدبيات اللغوية للكتب السماوية السابقة على القرآن، وكذلك بأدبيّات أشعار الجاهلية، وقد عاود المستشرقون المعاصرون تظهير هذه الادعاءات بأساليب وأدوات عصرية؛ فظهرت نظريات معاصرة في مجال دراسة لغة القرآن الكريم تنطلق من البحث اللغوي في فقه اللغة التاريخي وفقه اللغة المقارن بين اللغة العربية (لغة القرآن) وغيرها من اللغات السامية السائدة في الشرق (بلاد الشام والرافدين وشبه الجزيرة العربيّة) قبل نزول القرآن، ومن هذه النظريات ما طرحه کریستوف لكسنبرغ من أنّ القرآن يحتوي على الكثير من المفردات الغامضة وغير القابلة للتفسير، حتّى أنّ العلماء المسلمين وجدوا صعوبةً بالغةً في توجيه بعض الفقرات لناحية إعراب معناها!!!! مدعيًا أنّ القرآن كُتِبَ بمزيج من العربية والسريانية (اللغة السوريّة الآرامية القديمة المنطوقة والمكتوبة والسائدة في كلّ منطقة الشرق الأوسط إلى بداية القرن السابع الميلادي)؛ ولهذا أثره البالغ في تفسير القرآن!!! وقد لاقت نظرية لكسنبرغ رواجاً وإعجابًا من قِبَل بعض الأكاديميين في حين وجد آخرون في تطبيقاته التفسيرية انحيازاً وانتقائية للتفسير الذي يخدم طرحه فأثار كتابه الذي ضمنه نظريته في لغة القرآن جدلًا عالميا في فقه اللغة التاريخيّ وفقه اللغة المقارن للغة العربيّة مع اللغات السامية السائدة قبل نزول القرآن في الشرق الأوسط، وقد لَقِي هذا الكتاب تغطية كبيرة في وسائل الإعلام الرئيسة وبشكل غير معتاد لكتاب في فقه اللغة التاريخيّ والمقارن (الفيلولوجيا)، وأقيمت عن نظريته مؤتمرات عالميّة عدّة؛ منها : ما أقامه الألماني فيسنشافتسكولغ (معهد الدراسات المتقدّمة) في برلين في سنة 2004م ومؤتمر آخر أقيم سنة 2005م في جامعة نوتردام بعنوان (نحو قراءة جديدة للقرآن)؛ بحيث جمع عددًا من الذين أبدوا قبولًا بأسلوب لكسنبرغ، وآخرين قدموا مقاربات نقدية لنظريته.

وأمام هذا الواقع، ومن منطلق الحرص على القرآن الكريم ولغته العربية التي

ص: 12

ارتضاها الوحي لتكون مدخلًا لفهم صحيح وسليم للقرآن، كان من الضروري بذل الجهود العلميّة والبحثيّة لمناقشة هذه النظرية ونقدها.

وهذا الكتاب الذي بين أيدينا من الجهود العلمية المبذولة من قبل المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية ضمن مشروع القرآن في الدراسات الغربية؛ وهو جهد عملي بحثي مميّز أنجزه الباحث الإيراني أميرحسين فراستي بإشراف الدكتور محمود کريمي الأستاذ المشارك في كلية الإلهيات والدراسات الإسلامية في جامعة الإمام الصادق(علیه السّلام)في العاصمة الإيرانية طهران تناول فيه بالدراسة والتحليل والنقد كتاب «القراءة السريانية الآرامية للقرآن للمستشرق الألماني كريستوف لكسنبرغ الذي بذل فيه مساعيه - كما يدعي كاتبه - في تقديم رؤية حديثة في لغة القرآن الكريم وطريقة فهمها. ويتمحور الكتاب حول إثبات أنَّ لغة القرآن الكريم ليست عربيَّةً محضة، بل فيه مفردات من اللغة السريانية تسببت في صعوبة فهمه لدى المسلمين، إلى جانب الأخطاء التي ارتكبها الكتاب، والتي أدت إلى عدم التماسك والاتِّساق في نصوصه الشريفة. ورأيه هذا ناجم عن الاعتقاد بأصل سرياني للقرآن وهو رأي لا يخلو من التعسف والتسرع، وفيه تغاض عن حقائق جمة؛ فإنَّ بيانات علم الآثار وتصريحات علماء الساميَّات تعارض التاريخ الذي صنعه لكسنبرغ لمكة وأهلها وكذلك التراث الروائي الإسلامي والشعر والأدب الجاهلي زاخر بالشواهد المتعددة التي ترفض دعاويه بشأن مفردات القرآن. هذا، مضافًا إلى استخدامه الخاطئ للمنهج الفيلولوجيّ الذي وظفه بشكل منحاز في إثبات نظريته، فضلًا عن السياق القرآني الذي لا يتناسب مع ما ادعاه.

نرجو أن يقدِّم هذا الكتاب فائدة علمية وبحثية مرجوة للباحثين في نقد النظريات الاستشراقية المعاصرة في لغة القرآن الكريم، ولا سيما نقد نظرية كريستوف لكسنبرغ في هذا المجال.

والحمد لله رب العالمين

المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية

ص: 13

ص: 14

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد شهد الاستشراق في سبعينيات القرن العشرين تحولا جذريًا في مجال دراسات القرآن الكريم، على أثر انقسام المستشرقين إلى مدرستين ذواتي اتجاهين مختلفين؛ سُمِّيَت المدرسة الأولى ب-«التقليدية»(1)، والثانية ب-«التنقيحيَّة»(2).

وما يميز المدرسة الثانية، والتي من روادها «وانسبرو»(3)و «کرون»(4)و«لولينغ»(5)و«كوك»(6)، هو أنَّها - خلافًا للأولى التي تقصر أبحاثها على المصادر الإسلامية - تحلّل التراث الإسلامي موظفةً منهج نقد المصادر(7)، مضافا إلى الاعتماد على مصادر غير عربيَّة مثل نتائج علم الآثار، وعلم الكتابات القديمة، وعلم المسكوكات(8).ويعمد هذا الاتجاه إلى إثارة الشك في صحة التاريخ الإسلامي، ويعتمد - بصورة صريحة أو ضمنيَّة - على فرضيَّات «جولد تسيهر(9)»(10)، الذي كان يرى

ص: 15


1- Traditionalist school.
2- Revisionist school.
3- John Wansbrough.
4- Patricia Crone.
5- Günther Lüling.
6- Michael Cook.
7- Source criticism.
8- Approaches to Islamic Studies, Der Islam, (68). 1991, p. 87.Koren, Judith; Nevo, Yehuda: Methodological
9- Ignaz Goldziher.
10- Ali, Muhammad Mohar: The Qur'an And The Orientalists: An Examination of their Main Theories and Assumptions, Ipswich: Jamiyat Ihyaa Minhaj Al-Sunnah, 2004, p. 245.

أنَّ الحديث [النبوي] هو حصيلة التطور الديني والتاريخي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأوَّلَيْن للهجرة، وعلى هذا الأساس فلا قيمة له في معرفة التاريخ الذي يدَّعيه، أي العصر النبوي، بل للزمن الذي وضع فيه، أي العصرين الأموي والعباسي(1). ويفضي هذا الاتِّجاه إلى القول بأنَّ القرآن ليس نتاجًا بشريا وحسب، بل اكتمل في فترة القرنين الأوَّلَيْن للهجرة(2)، ومن هذا المنطلق يكترث بإعادة بناء نص القرآن. لكن ما لبث أصحاب هذا الاتِّجاه أن تلقوا ردود فعل قاسية وانتقادات لاذعة من قبل أغلبية المستشرقين الذين رفضوا نظريَّاتهم؛ ما أدى إلى صمتهم لمدة سنوات(3).

ولعلَّ عودة هذا الاتجاه إلى الحياة من جديد مرهونةٌ بمؤسسة ألمانية عنونت نفسها ب-«الإنارة» (Inarah) تنويها بعصر التنوير الأوروبي الذي يمتاز برفض الطبيعة الإلهيّة للكتاب المقدَّس، واستبدال القصص والخرافات والوحي بالعقلانية وهي تحاول تطبيق الاتِّجاه نفسه على الإسلام والقرآن(4). ومن أبرز الباحثين فيها: «کارل هاینتس أوليك»(5)- مؤسسها ورئيس التحرير لعدد من منشوراتها- وكذلك «کریستوف لكسنبرغ»، مؤلّف كتاب القراءة السريانية الآرامية للقرآن: مساهمة شفرة لغة القرآن»(6)، وهما كسائر المتعاونين مع تلك المؤسسة تتمحور مؤلّفاتهم - نتيجةً لاعتقادهم بأنَّ الإسلام كان في البداية نوعًا من المسيحيّة، وما زال

ص: 16


1- Motzki, Harald: Dating Muslim Traditions: A Survey. Arabica, 2(52), 2005, p. 206-207
2- Khagga, Feroz-ud-Din Shah; Warraich, Mahmood: Revisionism: A Modern Orientalistic Wave in the Qur'anic Criticism, Al-Qalam, 2015, p. 1
3- Steenbrink, Karel: New Orientalist Suggestions on the Origins of Islam, The Journal of Rotterdam Islamic and Social Siences, 1(1), 2010, p. 155
4- Gross, Markus: Foreword to the English Edition, In Early Islam, A Critical Reconstruction Based on Contemporary Sources, New York, Prometheus Books, 2013, p. 7. أصدرت هذه المؤسسة إلى الآن (سنة 2020م) تسعة مجلدات بعنوان: Inarah - Schriften zur frühen Islamgeschichte und zum Koran (كتابات حول تاريخ الإسلام المبكر والقرآن وهي كتب جماعية طبعتها Verlag Hans chiller». (انظر موقعها www.inarah.net
5- Karl-Heinz Ohlig: الأستاذ المتقاعد في جامعة «Saarland الألمانية والباحث في تاريخ المسيحيَّة. يعتقد أنَّ المسيحية الأصيلة غير تثليثية، ويبحث عن وثائق وشواهد تثبت ذلك (716/https://en.qantara.de/print).
6- Die syro-aramäische Lesart des Koran: Ein Betrag zur Entschlüsselung der Koransprache.

كذلك حتَّى نهاية القرن الأوّل للهجرة(1)-حول إثبات أصل مسيحي للإسلام.

تركّز هذه الدراسة على كتاب لكسنبرغ المشار إليه آنفا، والذي أثار ضجة بين المستشرقين والمسلمين لدى انتشاره للمرّة الأولى باللغة الألمانية عام 2000م. ثم نُقل إلى اللغة الإنكليزية عام 2007م، مع إضافات من المؤلّف نفسه،وهي النسخة التي اعتمدنا عليها هنا .

يشدّد لكسنبرغ في كتابه هذا على مسألة الكلمات الدخيلة في القرآن الكريم، ويدعي تعديل فهمها على أساس منهجه الخاص، وذلك بعد إنكاره أهميَّة المصادر الإسلامية في فهم القرآن على الإطلاق(2). ويمتاز هذا الكتاب عن أمثاله في توظيف مؤلّفه منهجًا فيلولوجيًّا في إثبات ما كان أسلافه - أمثال: «کارل فلرز»(3)و«ألفونس مینغانا»(4)-بصدد إثباته(5).

وحري بالذكر أن مسألة الكلمات الدخيلة في القرآن الكريم مسألة قديمة قدَمَ تاريخ القرآن، وقد اختلف فيها العلماء المسلمون بعيد جمع القرآن. فبينما أنكر بعضهم(6)وجود الكلمات المعرَّبة في القرآن الكريم؛ تمسكًا بقوله - تعالى-: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (32) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبيّ مُّبِينٍ ﴾(7)، أثبتها آخرون؛ مفسرين عبارة «بلسان عربي» في قوله -تعالى- ب-«الواضح البين» الذي جيء بوصف «مبين» لتوكيده(8)؛ ولهذا عكف فريق منهم على تدوين معاجم وتأليف كتب تضمّ هذه الألفاظ الدخيلة في العربية.

ص: 17


1- Hawting, Gerald: Book Review: Die dunklen Anfange, Journal of Qur'anic Studies, 8(2), 2006, p. 135
2- Luxenberg, Christoph: The Syro - Aramaic Reading of the Koran, Berlin: Verlag Hans Schiler, 2007, p. 11
3- Karl Vollers.
4- Alphonse Mingana.
5- انظر: كريمي نيا مرتضى: مسأله تأثیر زبانهای آرامی و سریانی در زبان قرآن، لا ط نشر ،دانش، 1382ه-.ش، ص47.
6- انظر: أبو عبيدة معمر بن المثنى: مجاز القرآن، تحقيق: محمد فؤاد سزگین ،لا ط، القاهرة مكتبة الخانجي، 1381ه- ش، ج 1، ص17؛ الشافعي، محمد بن إدريس الرسالة، تحقيق: أحمد شاكر، لا ط، مصر، مكتبة الحلبي 1358ه-.ش، ج 1، ص 42 ابن فارس، أحمد: الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها ط 1 ،لام نشر محمد علي بيضون، 1418ه-. ق، ص 33.
7- سورة الشعراء الآيات 192-195.
8- انظر: خشيم علي فهمي: هل في القرآن أعجمي: نظرة جديدة إلى موضوع قديم، لا ط، بيروت، دار الشرق الأوسط، 1997م، ص6.

ومن أقدم هذه الكتابات ما جمع من أجوبة عبد الله بن عبّاس على أسئلة طرحها نافع الأزرق الخارجيّ، وما كتبه الجواليقي وسماه «المعرب من الكلام الأعجمي» وتبعه كثيرون ممن لا تتَّسع هذه المقدمة لذكر أسمائهم.

وليس المسلمون وحدهم من اهتم بهذه المسألة، بل كانت موضع اهتمام غيرهم -أيضًا-، حتَّى أقبل بعضهم على تأليف كتب تحوي عددًا كبيرًا من هذه الألفاظ. ومن أشهر هذه الكتب ما ألَّفه القسّيس المسيحي آرثر جفري، بعنوان: «الكلمات الدخيلة في القرآن»(1)، والذي ضمنه أكثر من ثلاثمئة مفردة قرآنية، رادا أصلها إلى خارج بيئة الإسلام. هذا، وعلى الرغم من اهتمام المسلمين وغيرهم بهذه المسألة، ولكن ثمة بونًا شاسعًا في رؤيتهما إلى هذه الكلمات، يكمن في استنتاج المستشرقين من التقارض اللغوي أصولا غير إلهية للقرآن، مفترضين التوراة والإنجيل مصدرين له(2).

واستمرَّ هذا الاتِّجاه الاستشراقي فترة طويلة من الزمن حتَّى أكل عليه الدهر وشرب في ثلاثينيات القرن العشرين(3)، إلى أن جاء المستشرق البلغاري «لولينغ» ليُحيي بدعةً قد أُميتت في كتابه: «القرآن الأصلي»(4)بحثًا عن جذورٍ مسيحيَّة للقرآن. ثمَّ ظهر بعده «لكسنبرغ» مطورًا عناصر فرضيَّات «لولينغ»، ومؤكدا على نظريات علم اللسانيات، في كتابه الصادر سنة 2000 م(5)، والذي اختلفت الآراء -تأييدًا ومعارضةً- حول فكرته البديعة التي ادعاها فيه بشأن القرآن، والمتمثّلة في أنَّ جزءًا كبيرًا منه هو باللغة السريانية.

ومن أهم دعاوى هذا المستشرق، هو أنَّ بعض كلمات القرآن قُرئت أو فهمت بنحو خاطئ؛ بسبب عدم تطوُّر الخطّ العربي في زمن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، أو عدم كتابة

ص: 18


1- The Foreign Vocabulary of the Quran (1938)
2- انظر: نولدکه، تیودور: تاریخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، ط1، بيروت، نشر جورج ألمز، 2004م، ج 1، ص7.
3- Motzki, 2006, p. 65.
4- Uber den Ur-Quran: Ansatze zur Rekonstruktion vorislamischer christlicher Stro Strophenlieder im Quran (1974).
5- Steenbrink, 2010, p. 158.

النقاط في رسم القرآن وكذلك يعتبر الخط السرياني أصلا للخط العربي، ولغةَ أهلِ مكَّة - أي مخاطبي -القرآن- مزيجاً من العربيَّة والآرامية، قاصدًا السريانية تحديدًا؛ وذلك للتواجد الحاشد للنصارى فيها. ومن هذا المنطلق بدأ بتعديل مفردات القرآن الكريم وتعابيره، وإيجاد الموافقة بينها وبين المعتقدات المسيحية مستدلا بأنَّها ليست بالعربيَّة، بل باللغة السريانية.

أما كتابه «القراءة السريانية - الآرامية للقرآن»، فهو يتألف من ثمانية عشر فصلًا، بدءًا من المقدِّمة (الفصل الأوَّل) ووصولًا إلى الخلاصة (الفصل الثامن عشر) وبعد أن يعرف مصادر بحثه في الفصل الثاني ومنهجيته في الفصل الثالث، يعبر عن رأيه في الفصل الرابع في أصل الخطّ العربي ومشاكله التي أدت إلى أخطاء جمة - حسب دعواه - في قراءة القرآن وفهمه، ثمّ يشير في الفصل الخامس وهو قصير جدًّا - إلى النقل الشفاهي أو الكتبي للقرآن منذ العصر النبوي حتَّى عصر الخلفاء، وبينما يدَّعي عجز التراث الإسلامي عن تحديد زمن التعديل النهائي لقراءة القرآن، ويقدر ذلك بفترة تربو على ثلاثمئة عام، تجده يُلفت الأنظار في الفصل السادس إلى الروايات الدالة على اختلاف الصحابة في قراءة القرآن، وفي الوقت ذاته تأكيد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)على صحة جميع القراءات؛ تمهيدًا للفصل السابع، الذي ينوّه فيه إلى مسألة القراءات السبعة للقرآن، وهنالك يربط بين هذه الأحرف السبعة والمصوّتات السبعة في الخط السطرنجيلي (السرياني الشرقي)، وليناقش بعض الأحرف والمصوّتات العربيَّة مثل «ي /ی/ئ/ا/ة»، ويضرب أمثلةً من تعديلات أجراها على قراءة القرآن وفهمه، مشددًا على خلط القرآن بين قواعد صاد الله الكتابة العربية والسريانية كثيرًا، وعلى صمت النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)في الإجابة على السؤال عن تأويل القرآن، وفي الفصل الثامن يشير إلى الصعاب التي واجهها مترجمو القرآن إلى اللغات الأوروبيَّة، وتصريحهم بغموض جملة من المفردات والتعابير القرآنية؛ ليخوض بعدها - تدريجيًا - في نقد عربيَّة لغة القرآن، مفسرًا إعجازه في الفصل التاسع - باستحالة فهم تفاصيله على الإنسان، ومنطلقًا في الفصل العاشر من مفردة «القرآن» نفسها، مدعيًا أنَّها مأخوذة من كلمة «مذمة » السريانية التي تعني

ص: 19

«كتاب قراءة النصوص المقدَّسة» (Lectionary)، متَّخذا من ذلك دليلا على إثبات تأثر القرآن بها، بل اقتباسه من الكتاب المقدَّس -أي العهدين القديم والجديد - وليس مستقلا عنهما. هذا، ويُعالج في الفصل الحادي عشر بعض الآيات التي تدلّ على نزول القرآن بلسان عربي مبين، بينما يتشبث بأدلة - يسميها بالفيلولوجية - يسعى من خلالها إلى إثبات أنَّ لغة القرآن مختلفةً تماما عمَّا سُمِّي لاحقًا - أي بعد قرنين من الهجرة بالعربية الكلاسيكيَّة؛ إذ هي لغة الكتاب المقدس نفسها، ثمّ فُصِّلِت (يعني - كما يزعم لكسنبرغ تُرجمت إلى العربية. وبعد ذلك يتناول في الفصل الثاني عشر -بإسهاب - نماذج من المفردات والتعابير القرآنية التي يزعم لها أصولًا سريانيّة، وقد أدَّت قراءتها بوصفها ألفاظاً ذات أصول عربيَّة إلى عدم فهمها الصائب لدى المفسّرين المسلمين فيحاول تصحيح قراءتها، إلى جانب تقديم فهم جديد منها، مستدلا بتوظيف منهجه الفيلولوجيّ في لغة القرآن. كذلك يناقش في الفصل الثالث عشر اقتباس العربيَّة من النحو السرياني، ويشير إلى أمثلة في القرآن ثمَّ يعالج في الفصل الرابع عشر آيتين من القرآن يدَّعي قراءتهما الخاطئة في ما مضى من الزمان. ثمَّ يقدِّم في الفصل الخامس عشر دراسةً عن مدلول الحور العين، أثارت جدلًا واسعًا، حيث عبّر فيها عن فهمه الغريب لهذا التعبير وهؤلاء الكائنات معقبًا بالبحث عن الغلمان (أو) الولدان المخلَّدون)، مستنتجا في الأخير أنَّ المفسّرين المسلمين كانوا غافلين عن العناصر المسيحيَّة في الجنَّة التي يصوّرها القرآن ويختتم الكتاب بتفسيره الجديد لسورتي الكوثر والعلق، فيبذل جهده في إيجاد الموافقة بين مضامينهما والمعتقدات المسيحيّة التي اعتنقها السريان.

أَمَّا هذا الكتاب الذي بين أيديكم فيتناول أهم دعاوى لكسنبرغ في مجال لغة القرآن والخط العربي، ويعالج دعاويه الواردة في الفصلين الرابع عشر والخامس عشر من كتابه أنموذجًا محاولاً الإجابة على الأسئلة الآتية:

.1 ما هي

أهم دعاوى لكسنبرغ وأدلته في إثبات نظريته عن القرآن؟

.2 هل تتلائم نتائج الكتاب مع التراث الإسلامي؟

ص: 20

3. هل هذه النتائج مدعومة بمنهج علم اللسانيَّات، وهل كان المؤلّف مصيبًا في توظيف هذا المنهج أو لا؟

ويتألف الكتاب من فصلين رئيسين؛ هما:

- الفصل الأوّل: تطرّق فيه الباحث إلى أركان نظرية لكسنبرغ، مع الاستفادة من معطيات علم الآثار ونتائجه وما قاله المستشرقون وعلماء الساميَّات عن تاريخ العرب قبل الإسلام؛ لتقويم مدى صحة ما ادعاه لكسنبرغ عن تاريخ مكَّة وأصل الخط العربي.

- الفصل الثاني: يدرس فيه الباحث أنموذجين من تعديلات لكسنبرغ على قراءة القرآن وفهمه وسيأتي التوضيح لاختيارهما. وقد قُدّمت في هذا الفصل أدلة من التراث الروائي الإسلامي، وكذلك من تفاسير العلماء المسلمين، إلى جانب أشعار العرب في الجاهلية، مضافًا إلى دراسة فيلولوجيَّة لبعض مفردات القرآن، فضلًا عن آراء المستشرقين في مزاعم لكسنبرغ والردّ عليها.

وفي الختام، أقدم جزيل الشكر والامتنان والتقدير والاحترام للمركز الإسلاميّ للدراسات الاستراتيجية - فرع بيروت؛ لموافقتهم على نشر هذه الدراسة، ثم خالص شكري لأستاذي الغالي الدكتور محمود كريمي الذي أشرف على هذه الدراسة، وأرشدني إلى النهج القويم في إنجازها، كما أشكر الأستاذ الدكتور نهاد حسن حجي الشمري، الذي زوّدني بجملة من الكتب النافعة عن أصل الخط العربي وتاريخه. وأرجو من الله - سبحانه وتعالى أن يتقبَّل هذه الدراسة المتواضعة، ويجعلها توعيةً للأمة الإسلاميّة، وصيانةً لهم من تضليل المستشرقين وأعداء الدين.

أمير حسين فراستي

ص: 21

المدخل:

لكسنبرغ - السيرة العلمية - :

«كريستوف لکسنبرغ» (Christoph Luxenberg) هو الاسم المستعار المستشرق ألماني لا يزال اسمه الحقيقي مجهولًا. ويرى رضوان السيد أنَّه مسيحي لبناني الأصل يتخفّى تحت هذا الاسم المستعار(1)لأسباب أمنية(2)، وأنَّ بعض أصدقائه المسلمين نصحه بأن يستخدم اسمًا مستعارًا؛ كيلا تقتله جماعة متطرفة قبل أن يُحكم عليه بما حكم على سلمان رشدي(3)، ويخمّن السيّد أنَّ اسمه الحقيقي هو «أفرام ملكي»، من دون أن يقدم دليلًا على ذلك(4). أما «استينبرك»، فيحتمل أنَّه من الهنود السريان، الذين يتقنون السريانية، باعتبارها لغتهم العبادية(5).

هذا، وتستند دراسة لكسنبرغ -حسب ما وصل إليه «بقرينغ»- إلى مؤلفات القسّ اللبناني جوزيف قزّي، مؤلّف كتابي «نبي الرحمة» و«قس ونبي»، وهو الذي يرى للقرآن أصلًا سريانيًّا، واصطنع له تاريخا لا يعرفه غيره.

وتشير المعلومات المنشورة في الصحف إلى أنَّ لكسنبرغ هو أستاذ للغات السامية في جامعة ألمانية(6)، لكنَّ البروفيسور «فرانسوا دوبلوا»(7)يرى أنه رجل يتقن اللغة العربية العاميَّة، ولديه فهم مقبول بالعربية القديمة وبجانبهما يستطيع قراءة

ص: 22


1- انظر: السيد، رضوان: المستشرقون الألمان النشوء والتأثير والمصائر، لا ،ط، لا م دار المدار الإسلامي، 2014م، ص102.
2- مقالة صحفية لكريستوف نيكولاس (Nicholas Kristof منشورة في النيويورك تايمز في 2002/3/2م. (انظر: https://www.nytimes.com/200404/08//opinion/martyrs-virgins-and-grapes.html
3- مقابلة مع الكاتب أجراها آلفرد ها كنزبرغر Alfred Hackensberger منشورة في صحيفة «Suddeutsche Zeitung» بألمانيا وصحيفة «Lespresso» بإيطاليا في 2004/3/11. انظر: http://hackensberger.blogspot.com/2007/11/cristoph-luxenberg-interview.html
4- انظر: السيد، المستشرقون الألمان النشوء والتأثير والمصائر، م.س، ص 105-106. تجدر الإشارة إلى أنّ لرضوان السيد دراسة غير منشورة بعد عن لكسنبرغ ومؤلّفاته.
5- Steenbrink, 2010, p. 158
6- انظر: کروس، ریتشارد: «Zendeling, Dilettant of Visionair»(مقالة صحفية باللغة الألمانيَّة) 2004/1/4م، وانتشرت ترجمتها الإنكليزية على الموقع الآتي: https://www.livius.org/opinion/Luxenberg.htm
7- فرانسوا دوبلوا (François de los): هو أستاذ الدراسات التاريخيَّة واللغات السامية في كلِّيَّة الدراسات الآسيوية والشرق أوسطية في جامعة كامبريدج. له مؤلَّفات واسعة في اللغات السامية والإيرانية، وكذلك في تاريخ الأديان في الشرق الأدنى للاطلاع أكثر، انظر: https://www.ames.cam.ac.uk/people/prof-francois-de-blois

اللغة السريانية؛ ليستخدم معاجمها، ولكنَّه يجهل منهجية اللغويات السامية المقارنة(1). ثمَّ إنَّ رسالة لكسنبرغ للدكتوراه تُعنى بمخطوط سرياني يعود تاريخه إلى القرنين الثامن والتاسع للميلاد، وقد كشف هو نفسه عن أسراره بعد مقارنته باليونانية الأصيلة، فكان الطريق الذي أوصله إلى المنهجية التي وظفها في ما بعد لفهم ملابسات القرآن(2).

وقد برز الاهتمام بكتاب لكسنبرغ، تحديدًا بعد أحداث 11 سبتمبر(3)، حيث سلَّطت الصحف الضوء عليه كثيراً؛ نظرًا إلى ربط الرأي العام بين فكرة لوكسنبرغ في كتابه عن الحور العين التي وعد الشهداء بها في الآخرة(4)-وبين البيان الصادر عن مختطفي الطائرة في تلك الأحداث(5).

وللكسنبرغ - أيضًا - مقالات في مجال لغة القرآن(6)، منها:

1. مقالة بعنوان: «عيد الميلاد (كريسماس) في القرآن»(7)،؛ نشرها في كتاب «أبحاث عن الإسلام تكريمًا لأنطوان موصلي»(8)،عام 2004م(9).

ص: 23


1- De Blois, Francois: Review of Die Syro-aramäische Lesart des Koran by Christoph Luxenberg, Journal of Qur'anic Studies, (5), 2003, p. 96
2- Ibn Warraq: An Introduction to, and a Bibliography of, Works by and about Christoph Luxenberg. In Christmas Syriac, and the Near Eastern and Judeo-Christian Background of Islam, New York, in the Koran: Luxenberg, Prometheus Books, 2014, p. 355
3- انظر: پنويفيرت، أنجليكا: قرآن پژوهی در غرب در گفت وگو با خانم آنگلیکا نویورت، هفت آسمان، المجلد 9، العدد 34، 1386ه- . ش ، ص 28.
4- كما يعرّف ابن ورّاق - العلماني الهندي الذي دوّن مجموعةً من الكتب ضدَّ الإسلام في مقالة بعنوان: «الأبكار، ما الأبكار؟»، والتي نشرتها صحيفة الغاردين البريطانية، معتبرًا أن الداعي الذي يدفع المجاهدين المسلمين إلى الجهات وتنفيذ العمليات الانتحارية هو ما وُعِدوا به من الحصول على 72 بكرًا فور وصولهم إلى الجنَّة. (انظر: 5 https://www.theguardian.com/books/2002/jan/12/books.guardianreview).
5- Rippin, Andrew: The role of the study of Islam at the university: A Canadian perspective. In The Teaching and Study of Islam in Western Universities. Oxon - New York: Routledge, 2014, p. 38.
6- للاطلاع التفصيلي على مؤلَّفات لكسنبرغ، انظر: سبنسر، روبرت: مقالة بعنوان» An Introduction to, and a Bibliography of Works by and about Christoph Luxenberg» تحریر ابن ورّاق منشورة في كتاب: 2014 Christmas in the Koran.
7- Moussali
8- Noël dans le Coran Enquêtes sur l'Islam: En Hommage à Antoine
9- يبدو أنَّ مقالته الأخرى الألمانية اللغة - بعنوان: Weinachten im Koran الكريسماس في القرآن المنشورة في كتاب «Streit um den Koran» تختلف عما سبق للاختلاف الملحوظ في عدد صفحاتهما. وردّ عليها Nicolai Sinai في مقال له بعنوان: «Weihnachten 97 im Koran oder Nacht der Bestimmung? Eine Interpretation von Sure»، المنشور في مجلة «Der Islam» عام 2012م.

2. مقالة بعنوان: «ترجمة جديدة لنقش قبة الصخرة في أورشليم»(1)؛ نشرها في كتاب الأصول المظلمة بحث جديد عن أصل الإسلام وتاريخه المبكر»(2)،عام 2005م(3).وتُعدّ هذه المقالة محاولة جديدة لقراءة نقش قبة الصخرة من منظار لغوي تاريخي، على أساس المنهج الذي أبدعه لأوَّل مرَّة في كتابه «القراءة السريانية الآرامية للقرآن»(4).وما يميّز هذه الترجمة هو أنَّ المؤلّف يرى اسم «محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)»الوارد في هذا النقش صفةً تنعت عيسى بن مريم(علیه السّلام)، خلافًا للرؤية التقليدية التي تراه اسم علَمِ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)(5).

3. مقالة بعنوان: «بقايا الحروف السريانية الآرامية فى المخطوطات القرآنية المبكرة في الأسلوبين الحجازي والكوفي»(6)، نشرها في كتاب «الإسلام المبكر: إعادة بناء تاريخيَّة نقدية مبنية على مصادر تفسيريَّة»(7)، عام 2007م(8). وفيه يردّد المؤلّف دعواه المذكورة في مقدمة كتابه «القراءة السريانية الآرامية للقرآن»، من أنَّ القرآن هو أوّل كتاب عربي، لكنه لم يكن مكتوبًا بالخطّ العربي الذي نعرفه، بل بالخط الكرشوني (كتابة العربية بالخط السرياني). ويزيد عليه أنَّه: من المحتمل أنَّ مصحف حفصة الذي أحرقه عثمان بعد جمع القرآن كان مكتوبًا بالخطّ الكرشوني. ومن ثم يَعِد بتقديم أدلة أكثر استيعابًا في مؤلَّفاته المقبلة(9).

ص: 24


1- Neudeutung der arabischen Inschrift im Felsendom zu Jerusalem
2- Die dunklen Anfänge: Neue Forschungen zur Entstehung und frühen Geschichte des Islam
3- تجدر الإشارة إلى أنّ الكتاب تُرجِمَ إلى الإنكليزيَّة بعنوان: The Hidden Origins of Islam: New Research Into Its Early History» عام 2009م.
4- Luxenberg, Christoph: Neudeutung der arabischen Inschrift im Felsendom zu Jerusalem. In Die dunklen Anfänge
5- ibid., ss. 129130 Neue Forschungen zur Entstehung und frühen Geschichte des Islam. Berlin: Verlag Hans Schiler, 2007a, s. 124.
6- Relikte Syro-aramäische Buchstaben in frühen Koranko dizes im hijazi- und kufi-Duktus
7- Der frühe Islam: Eine historisch-kritische Rekonstruktion anhand zeitgenössischer Quellen
8- عام Early Islam: A Critical Reconstruction Based on Contemporary Sources : ونُقل الكتاب إلى الإنكليزية بعنوان .2013م
9- Luxenberg, Christoph: Relikte Syro-aramäische Buchstaben in frühen Koranko dizes im hijazi- und kufi-Duktus In Der frühe Islam: Eine historisch-kritische Rekonstruktion anhand zeitgenössischer Quellen. Berlin: Verlag Hans Schiler, 2007b, ss. 412- 413.

4. مقالة بعنوان: «الطقس السرياني والحروف الملغزة في القرآن دراسة ليتورجيَّة مقارنة»(1)، نشرها في كتاب «الإضاءة: القرنين الأوَّلين من الهجرة»(2)، عام 2008م(3). يتناول فيها مسألة الحروف المقطعة، ويدعي أنَّه حلَّ اللغز الذي أرهق العلماء لعشرات القرون، مستعينًا بالتراث المسيحي السرياني؛ لأنَّ هذه الحروف آراميَّة الأصل، ما يؤكِّد - بحسب زعمه - ضرورة معرفة اللغة الآرامية في فهم القرآن، وإعادة بناء نصه الذي قُرئ وفُسّر بشكل خاطئ(4).

5. مقالة بعنوان: لا غزوة بدر : عن الحروف السريانية في المخطوطات القرآنية المبكرة»(5)؛ نشرها في كتاب «من القرآن إلى الإسلام: كتابات حول تاریخ الإسلام المبكر والقرآن»(6)عام 2009م(7).يرى فيها أنَّ الآية ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾(8)قُرئت خاطئة، والصحيح هو «بعذر»، ويكون المعنى المعدل للآية : ولقد دعمكم الله بمساعدة سماوية وأنتم قليلون(9).

6. مقالة بعنوان: «سورة النجم: قراءة سريانيَّة آرامية جديدة عن الآيات الثماني عشرة الأولى»(10)؛ نشرها في المجلد الثاني من كتاب «رؤى جديدة إلى القرآن: القرآن في محيطه التاريخيّ»(11)عام .2011م. في هذه المقالة يعدِّل لوكسنبرغ

ص: 25


1- Die syrische Liturgie und die 'geheimnisvollen Buchstaben' im Koran Eine liturgievergleichende Studie.
2- Schlaglichter: Die beiden ersten islamischen Jahrhunderte
3- وانتشرت ترجمتها الإنكليزية في كتاب: -Christmas in the Koran: Luxenberg, Syriac, and the Near Eastern and Judeo Christian Background of Islam» وهي التي اعتمدت في هذه الدراسة.
4- Luxenberg, Christoph: Syriac Liturgy and the “Mysterious Letters in the Qur'ān: A Comparative Liturgical Study. In Christmas in the Koran: Luxenberg, Syriac, and the Near Eastern and Judeo-Christian Background of Islam. New York: Prometheus Books, 2014b, p. 536537-.
5- Keine Schlacht von 'Badr': Zu Syrischen Buchstaben in Frühen Koranmanuskripten
6- Vom Koran zum Islam: Schriften zur frühen Islamgeschichte und zum Koran
7- وانتشرت ترجمتها الإنكليزية في الكتاب السابق (Christmas in the Koran)، وهي التي اعتمدت في هذه الدراسة.
8- سورة آل عمران، الآية 123.
9- Luxenberg, Christoph: No Battle of "Badr." In Christmas in the Koran: Luxenberg, Syriac, and the Near Eastern and Judeo-Christian Background of Islam. New York: Prometheus Books, 2014a, p. 487
10- Al-Najm (Q 53), Chapter of the Star: A new Syro-Aramaic reading of verses 1 to 18
11- New Perspectives on the Qur'an: The Qur'an in Its Historical Context 2

ترجمة الآيات المختارة منطلقًا من أنَّ الموضوع المركزي للسورة هو ردع تهمة مس روح شريرة للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)(1)، فليس هو متأثرا بالسقوط (ترجمته ل-«الهوى» في الآية الثالثة)، الذي هو من آثار الجنون عندما علمه الربُّ القدير - المتواجد في الأفق الأعلى - مقرّبا نفسه إلى عبده الذي أصبح مصعوقا للحظتين أو أقل(2).

7. مقالة بعنوان: «الإنارة في القرآن: كلمة فريدة متجاهلة (أنارة أثارة - سورة الأحقاف، الآية 4)»(3)؛ نشرها في المجلد الأوَّل من كتاب «تكون ديانة عالمية: مدينة مكة المقدَّسة - قصَّة أدبية»(4)، عام 2010م.

8. مقالة بعنوان: «لا تعدد زوجات ولا اتِّخاذ أخدان في القرآن (سورة النساء، الآية (3)، القسم الأول»(5)؛ نشرها في المجلد الثاني من كتاب «تكون ديانة عالميّة»، عام 2012م.

9. مقالة بعنوان: «القرآن والحجاب الإسلامي»(6).

10. مقالة بعنوان: «عن الصرف والإتيمولوجيا ل-«ساطانا» السريانية الآرامية و[لفظة] «الشيطان» «القرآنيَّة العربيَّة»(7)؛ نشرها والمقالة السابقة في كتاب «نقاش حول القرآن - جدل- لكسنبرغ: وجهات النظر والخلفيات»(8)، عام 2004م.

هذا مضافًا إلى مقالات أخرى، نشرها في مجلة «Imprimatur» الإلكترونية(9).

ص: 26


1- Luxenberg, Christoph: Al-Najm (Q 53), Chapter of the Star: A new Syro-Aramaic reading of verses 1 to 18. In New Perspectives on the Qur'an: The Qur'an in Its Historical Context 2. Oxon - New York: Routledge, 2011, p. 281
2- ibid., p. 296-297
3- إنارة - أثارة (46 (4) Inarah' im Koran Zu einem bisher übersehenen Hapax Legomenon
4- Die Entstehung einer Weltreligion: Die heilige Stadt Mekka - eine literarische Fiktion
5- Keine Polygamie und kein Konkubinat im Koran (Sure 4:3) Teil 1
6- Der Koran und das islamische 'Kopftuch
7- Zur Morphologie und Etymologie von syro-aramaische satana=Satan und koranisch-arabisch saytan
8- Streit um den Koran: die Luxenberg-Debatte: Standpunkte und Hintergründe
9- عنوان موقعها: www.imprimatur-trie.de.

الفصل الأول

دراسة نقديّة لأركان نظرية لكسنبرغ

ص: 27

ص: 28

أولاً : لغة القرآن :

يُشيّد لكسنبرغ نظريته على مقولة أنَّ لغةَ القرآن آراميَّة سريانية وليست عربيَّةً. ويقصد بالآرامية السريانية فرعًا من اللغة الآرامية التي كانت منتشرة في الشرق الأدنى، والتي كان يتحدَّث بها أهل إديسا والمناطق الشمالية الغربية المحيطة ببلاد ما بين النهرين، بوصفها لغتهم الأم، وخصوصًا لغة كتابة الأصول المسيحيّة للقرآن. لقد كانت الآراميَّة لغة التواصل(1)في الشرق الأوسط بكامله لأكثر من ألف سنة، حتَّى حلت محلَّها اللغةُ العربيَّة في القرن السابع للميلاد والظاهر أنَّ أوَّل من سمَّى الآرامية بالسريانية هم اليونان، وكانت هذه التسمية مستخدمة لدى المسيحيين. الآراميين؛ تمييزاً لهم عن مواطنيهم الكفّار. وقد أطلقت العرب هذه التسمية على المسيحيّين الآراميين في كتاباتهم الأولى؛ مثل: الأدب الروائي، وهذا دليلٌ على أهميَّة هذه اللغة في الفترة التي نشأت فيها الكتابة العربية. ويشير لكسنبرغ إلى هذه الأهميَّة، قائلًا: انتشرت السريانيَّة الآرامية بوصفها لغة كتابة -وبشكل خاص في ترجمة الكتاب المقدَّس- من سوريا إلى بلاد الفرس، وذروة هذا الأدب في ما بين القرن الرابع والسابع للميلاد.

وعندما يُفصح عن طموحه في تسليط الضوء على عدد من أوجه غموض لغة القرآن، يستطرد قائلًا: «هذه الحقيقة - أي أنَّ اللغة السريانية الآرامية كانت أهم لغة الكتابة والحضارة في بيئة ظهر فيها القرآن، يعني فترة لم تكن بعد العربيَّة لغة كتابة، فكان العرب المتعلّمون يستخدمون الآرامية لأجل الكتابة - تنمّ عن أنَّ مخترعي الكتابة العربية كانوا قد أخذوا معارفهم ومهاراتهم من بيئة سريانية آراميَّة. ثمَّ إِنَّه بملاحظة أنَّ العرب في الغالب تنصروا، وشاركت نسبة كبيرة منهم في الطقوس المسيحية السريانيّة، يتّضح بجلاء أنَّ هؤلاء العرب - قطعًا - قد أدخلوا عناصر معتقدهم السرياني الآرامي ولغتهم الثقافيَّة في العربية. إذًا، تعنى هذه

ص: 29


1- lingua franca.

الدراسة بإيضاح هذا النطاق [أي تأثر العربية بالسريانية الآرامية] في القرآن. وتُعدّ الأمثلة التي تُذكر هنا نماذج لفك [غموض] لغة القرآن عبر السريانية الآرامية»(1).

ثم يستشكل لكسنبرغ على التفاسير الإسلامية ويحط من قدرها، قائلًا: بني هذا الأدب [الديني] على أساس مفاهيم تاريخيَّة لغويَّة خاطئة للتفاسير التقليدية للقرآن؛ لذلك قلّما تساعد على هذا الأساليب الحديثة التي يجري توظيفها في هذه الدراسة. وهذا يشمل - أيضًا - المعاجم اللغوية المصطلح عليها ب-«العربية الكلاسيكية»، فهي وإنْ كانت نافعةً، باعتبارها معاجم يُرجع إليها للعربيَّة بعد القرآن، لكنَّها ليست معاجم إتيمولوجيّة، فهي لا تجدي نفعا في فهم العربية ما قبل القرآن، ويبقى العثور على معجم إتيمولوجي واحد للغة العربيَّة في عداد الأمنيات. ويُعلَّل لكسنبرغ ذلك بأنَّ المسلمين كانوا يزعمون أنَّ اللغة العربيَّة الشعرية الأقدم والعربيَّة المكتوبة الأصغر هما في مرتبة واحدة وعلى حد سواء. ومن ثَمَّ يُخطئ جميع منتقديه الذين يصنفون العربيَّة على أنّها أقدم من الآرامية(2).

وبعد أن يعزو لكسنبرغ القول بوجود فارق جوهري بين عربية القرآن والعربية الكلاسيكيَّة المتأخّرة إلى اللغويين العرب، يفنّد رأي من يرى أنَّ القرآن نزل بلغة ،قریش سگان مكة، ويقول: «تثبت هذه الدراسة أنَّ لغة أهل مكة كانت مزيجًا من العربيّة والآراميَّة، وليست نتائج هذه الدراسة التي أفادت هذه الحقيقة فحسب؛ فالتتبع في جملة من الأحاديث النبوية في إطار الدراسة الراهنة، يُظهر أنَّ المفردات الآراميَّة إمَّا فُسِّرت تفسيرًا خاطئًا وإما تعذر تبيينها في العربيّة»(3).ثم يحاول إثبات أنَّ مكَّة المكرمة كانت مستوطنةً آراميَّةً من خلال دراسة لغويَّة للفظة «مكة»؛ إذ أنَّها مفردة سريانيّة ،آراميَّة معناها المكان المنخفض. ويضيف إلى ذلك أنَّ يدعي للفظة «مدينة» أيضًا - جذرًا آراميَّا»(4).

ويستنتج في آخر المطاف، أنَّه : بناءً على الآية السابعة من سورة الشورى، كان

ص: 30


1- Luxenberg,2007,p. 9 - 11.
2- Luxenberg, 2007, p. 11- 12.
3- ibid., p. 327.
4- ibid., p. 327 -329.

على النبي [ص] أن يُبَلِّغ القرآن إلى «أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا»، ومن هنا يذهب لكسنبرغ بخياله ويتصوّر أنَّ أهل مكَّة هم الذين تمكَّنوا من فهم القرآن لأنَّه نزل إليهم، أمَّا العرب الذين جاؤوا في ما بعد (بعد قرن ونصف مثلا) فلم يتمكنوا من فهم القرآن؛ لأنَّهم لم يخاطبوا به. ومن ثمَّ يُعرب عن أسفه للاستناد إلى الأشعار الجاهليّة بدلًا من الكتاب المقدس في تفاسير القرآن(1).

ثانيًا: الخط العربي:

يرى لكسنبرغ أنَّ الخطّ السرياني الآرامي كان أنموذجًا لاختراع الخط العربي. فعندما يُعرِّف القرآنَ بأنَّه أوَّل كتاب كُتِبَ بالخطّ العربي، بغضّ النظر عن عددٍ ضئيل من النقوش التي يعود تاريخها إلى فترة قبل الإسلام (أي ما بين القرنين الرابع والسابع الميلاديين) وتنتمي إلى شمالي الحجاز وسوريا، يستنتج من الشَبَه بين الشكل المبكر للحروف العربيَّة وطريقة اتصالها ببعض وبين الخط السرياني المتّصل، أنَّ الخطّ السرياني استخدم أنموذجًا للخطّ العربي. ومن ثُمَّ يشير إلى القواسم المشتركة بين الخطّ العربي والخطّ السرياني، قائلًا: كلا الخطَّيْن يتفقان مع الآرامية في أمور، هي: الكتابة من اليمين إلى اليسار، والمقصود بالحروف في الأعم الأغلب الحروف الصامتة (consonants)، مع حرفين مصوّتين للمد (long vowel) ونصف المد(semi-long vowel) ، هما: «و» و «ي»، وقد يُطلق عليهما بأمّ القراءة (mater lectionis). وتمت لاحقًا إضافة «ا» -التي كانت تُستخدم في الآرامية في حالات محدّدة ك«ا» الطويلة [المد] في أواخر المفردات غالبًا، و«ا» القصيرة أحيانًا - إلى العربيَّة؛ بوصفها ثالث حرف من حروف أمّ القراءة للدلالة على «ا» الطويلة.

ثمّ يتناول لكسنبرغ تداعيات طريقة الكتابة هذه، قائلا: بقدر ما تم فرض هذا الإصلاح في كتابة القرآن ترتّبَت عليه آثار حتميَّة في قراءات خاصَّة، كما في التشكيل الابتدائي للمصوّتات القصيرة «-َ -ُ -ِ» بوضع نقاط، كما في أنظمة النطق

ص: 31


1- ibid., p. 329-330.

(vocalization systems) السريانية الآرامية المتقدّمة (يعني بوضع نقطة فوق

حرف صامت للدلالة على مصوّت الفتحة، ونقطة تحت حرف صامت للدلالة على الكسرة، ونقطةٍ متوسطةٍ [أي بين حرفين صامتين] للدلالة على الضمة)، حيث تم إدخاله في العربيَّة مساعدةً على القراءة لأوَّل مرَّة في زمن عبد الملك بن مروان(1).

وبالتالي، يُعبّر المؤلّف عن رأيه في الخط العربي ومشاكله التي يراها فيه، ويكمن أهمها في الحروف الصامتة، إذ إنَّ هناك أحرفًا ستَّة يمكن تمييزها بسهولة (أ/ل/ك/ م/و/ه-)، بينما هناك 22 حرفًا آخر - بسبب تشابهاتها الظاهرية - يتعذَّر تمييزها إلَّا بواسطة السياق، وإن تمت إزالة هذا الخلل بشكل تدريجيّ بإضافة نقاط الإعجام(2). ومن ثَمَّ يبدأ بعد المشاكل المترتبة على الحروف الصامتة، ويقول: إلى جانب[صعوبة التمييز بين] هذه الحروف ال- 22 ، قد يحدث خطأ بين الحروف المماثلة بصريًّا (د/ذ،ر/ز)، وكذلك بين هذه الحروف وحرف «الواو»، أو بين الحروف قريبة المخارج (ح/ ه-) ، أو بين الحرفَيْن الحَلْقِيَّيْن (ع /ء) ، أو بين «السين» و"الصاد"، أو بين «هاء» الضمير و «تاء» التأنيث المربوطة (ة) ، أو بين «النون» في نهاية الكلمة و«الياء» وحتَّى «الراء» في نهاية الكلمة ( -ن/-ی/-ر) ، أو بين ركزات السين وثلاثة أحرف معجمة أخرى (س-/ نبت-) . إذا ، هناك احتمال للخطأ بنسبة أكبر من 28/22.ومقارنةً بالأبجديَّتَيْن العبريَّة والسريانية الآراميَّة الخاليتين من الغموض (ما عدا حرفي «i = ر » و «1=ز» اللذين يتميزان بنقطةٍ فوق أو تحت، وربما جرى استخدام هذه الطريقة نفسها للإعجام في الخطّ العربي)، فإنَّ الخط العربي الأقدم كان نوعًا من الاختزال(3)؛ بغية مساعدة الذاكرة. ويبدو أنّه لم تكن الحاجة إليه ماسة في البدء؛ إذ كان القرّاء قد أمروا بحفظ القرآن عن ظهر القلب(4).

ص: 32


1- Luxenberg, 2007, p. 30- 31.
2- diacritical dots.
3- Shorthand.
4- Luxenberg, 2007, p. 31- 33.

ثالثًا: نقد آراء لكسنبرغ المطروحة عن لغة القرآن والخط العربي :

اشارة

تقدم -في ما سبق- أهم دعاوى لكسنبرغ في لغة القرآن، ويمكن تلخيصها في اثنتين؛ هما:

- الدعوى الأولى: إنَّ لغة أهل مكة -أي مخاطبي القرآن- كانت مزيجًا من العربيَّة والآراميَّة؛ إذ كان معظمهم نصارى يشاركون في الطقوس المسيحيّة

- الدعوى الثانية: إنَّ الخط العربي احتذى الخطّ الآرامي السرياني، وكان الخط السرياني أنموذجًا لاختراع الخطّ العربي، وإنَّ التشابهات الظاهرية بين حروف الأبجديَّة العربيّة أدّت إلى أخطاء وغموض في قراءة القرآن وفهمه.

وفي ما يأتي تمحيص هذه الدعاوى ونقدها؛ بهدف بيان صحة الأسس التي بنى عليها لكسنبرغ باقي الآراء والنظريات في ما يلي من كتابه.

1 - لغة أهل مكة:

اشارة

بنى لكسنبرغ نظريته على أركان عدَّة، من أهمها: لغة أهل مكَّة التي يراها مزيجًا من العربية والآرامية، ويعني بالآرامية لهجةً منها، وهي السريانية. وقبل معالجة هذه الدعوى وتقويم مدى صحتها، لا بدَّ من تقديم خلاصة عن اللغة الآرامية وأهم لهجاتها، ليتبيَّن ما إذا كان لكسنبرغ فعلا محقًا في ما ادعى، وإن كان محقًا فإلى أي مدى تؤيّد ما قاله الروايات التاريخيَّة؟

الآرامية هي إحدى اللغات السامية الشماليَّة الغربيَّة التي ظهرت في النقوش منذ الألف الأوَّل قبل الميلاد(1). وقد أسس الآراميون خلال القرن الحادي عشر قبل الميلاد مملكةً قويَّةً في أعالي الفرات، ممتدَّةً على ضفتي النهر، وسُمِّيت ب-«بيت أديني»(2)، وتلتها إماراتٌ صغيرةً في أقصى الجنوب من العراق، يُسمى فرع منهم بالكلدانيين. وتوسعت مملكتهم في الجهة الغربيَّة إلى زنجيرلي، وسُمِّيَت بإمارة

ص: 33


1- Rubin, Aaron: A Brief Introduction to the Semitic Languages. USA: Gorgias Press, 2010, p. 5.
2- هناك اختلافات يسيرة في تسمية المدن القديمة، فالرجاء من القارئ الكريم أن لا يستشكل على الضبط الوارد في هذا الكتاب إذا وجده مخالفًا لبعض المصادر الأخرى.

«سمأل»، وفي سوريا إلى حلب وأرفد، وسُمِّيَت ب-«بيت أجوشي»، وفي الجهة الجنوبية إلى حدود الممالك العبريَّة، حتَّى هزمهم النبي داوود(علیه السّلام)(1). لكن لم تكن للآراميين وحدةٌ سياسيَّةً ؛ فلم يكونوا سوى ممالك محلية صغيرة. وفي نهاية القرن التاسع قبل الميلاد عندما نهضت آشور من جديد، وقمع الآشوريون ،الآراميين، ونفّوهم من أرض الرافدين، واستمرت حياة الآراميين الكلدانيين بعض الوقت في بابل، وقاموا بثورات ضد آشور بين الفينة والأخرى، إلى أن انهارت دولتهم في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد، ولم ينهضوا بعد أبدًا، ولكن بقي مجتمعهم واستمرت ثقافتهم إلى قرون عدة(2).

على الرغم من الدور السياسي المحدود للآراميين؛ إذ لم يتجاوز نشاطهم في دولة ذات كيان مستقل أربعة أو خمسة قرون، وكانوا يعيشون منقسمين إلى قبائل وعشائر بدوية لكلِّ منها حكومة وإمارة ، ولكنَّهم امتازوا بدورهم المهم في التطور الحضاري واللغوي لمنطقة الشرق الأوسط(3)؛ فإنَّ لغتهم من أسهل اللغات السامية وأكثرها مرونةً وملائمةً للحياة الحضاريّة، ولم تتأثَّر لغتهم بالهزائم التي مُنيَت بها ،دويلاتهم بل على العكس، فقد صار تشردهم في أنحاء الشرق سببًا في انتشارها حيثما ذهبوا. وهكذا أصبحت اللغة الآرامية واسعة الانتشار في رقعة شاسعة، من الهند شرقًا وإلى البحر الأبيض المتوسط غربًا، وأمسَت لغة الإدارة والدبلوماسية للفرس الأخمينيّين(4)، وكذلك للآشوريين والبابليين، واستمرَّت في العصرين الهليني والروماني(5)، وحلّت بشكل تدريجي محلَّ العبرية والفينيقية في منطقة الشرق القديم(6).وتجدر - هنا - الإشارة إلى أهمّ لهجات هذه اللغة وهي:

ص: 34


1- انظر: صموئيل الثاني 8 -5-13 يشهد العهد القديم نشوب حروب كثيرة بين بني إسرائيل وبني آرام (انظر: ولفسون إسرائيل: تاريخ اللغات السامية، لا ط مصر، مطبعة الاعتماد، 1929م، ص117).
2- انظر: الأسد، سيّد فرج: الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، لا ط القاهرة، الخانجي، 1415ه-.ق، ص 141-143.
3- انظر: ظاظا، حسن: الساميون ولغاتهم، لا ط، دمشق، دار القلم، 1410ه-.ق، ص 87.
4- انظر: من، ص93.
5- Rubin, 2010, p. 18
6- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص 144.

أ. الآرامية القديمة : وهي لغة النقوش القديمة التي يرجع أصلها إلى دمشق وآشور (أي الشام والعراق)، غضون القرنين العاشر والثامن قبل الميلاد(1)، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام، هي: آراميَّة النقوش، آراميَّة الدولة، وآرامية العهد القديم(2).وآرامية الدولة(3)التي أصبحت لغة التواصل(4)في الشرق الأدنى، وكانت مستخدمةً لدى الإمبراطوريات الآشورية والبابلية والفارسية(5). وما يميّز هذه الفترة هو التطوُّر الأدبي في مجالي اللغة والكتابة، حيث اعتمدت الآرامية في كتابة النصوص والوثائق الرسميَّة(6)، لكنَّها لم تبقَ طويلاً بعد انتهاء الدولة الأخمينيَّة؛ لأنَّ الدولة الساسانية منعت استخدامها في مجال الإدارة، لكن ظلت لغة التعامل اليومي في العراق والشام بلهجاتها الشتَّى(7).

ب. الآرامية الغربيّة: ومن أهم لهجات هذه اللغة:

- النبطيَّة: لهجة آراميَّة كتب بها الأنباط نقوشهم حتَّى القرن الثالث الميلادي. ومن الثابت أنَّهم كانوا عربا(8)يعيشون في مدينة سلع (البتراء) في بادية شرق الأردن، وكذلك في بصرى جنوب الشام(9)، وكان ازدهارهم في فترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي(10). وبما أنَّهم لعبوا دورًا في تطوير الأبجدية الآرامية وتحويلها إلى العربية، سيأتي الكلام عنهم في مبحث الخط العربي بتفاصيل أكثر.

- التدمرية: وهي تشبه اللهجة النبطيَّة، لكنَّها متأثرة باليونانية واللاتينية،

ص: 35


1- Moscati, Sabation: An Introduction to the Comparative Grammar of the Semitic Languages. Wiesbaden: Otto Harrassowitz, 1980, p. 10- 11.
2- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص145-148.
3- وقد تسمّى ب- «الآرامية الإمبراطورية»Imperial Aramaic)، أو «الآرامية الرسميّة»(Official Aramaic).
4- lingua franca.
5- Rubin, 2010, p. 18.
6- Kaufman, Stephen: Aramaic. In The Semitic Languages. London and New York: Routledge, 2005, p. 115
7- Moscati, 1986, p. 11
8- انظر: الأسد الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص147.
9- انظر: م.ن، ص148.
10- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص 96.

فدخل فيها كثير من مفرداتهما(1). وكان للتدمريين نشاط تجاري ضخم في شرق الشام، خلال الفترة نفسها التي ازدهر فيها الأنباط، وقد كان أمراؤهم في تلك الفترة عربًا أو مستعربين على الأقل(2)، لكن خَلَتْ لغتهم من الكلمات العربيَّة؛ لضعف التغلغل العربي فيها. وقد اتَّفق معظم الباحثين على أنَّ التدمريين طوَّروا الكتابة الآراميَّة، وانتقلت عنهم إلى السريان في «الرها»(3).

اليهودية: وهي لغة أهل فلسطين لغة أهل فلسطين في زمن النبي عيسى(علیه السّلام)طيلة القرن الأول للميلاد(4).فعندما عاد اليهود من المنفى في القرن السادس قبل الميلاد كانت العبرية لا تزال ناضرة، لكنَّها بدأت بالتراجع والاضمحلال منذ القرن الرابع قبل الميلاد - وقد ساعد على ذلك، تفشّي عادة الزواج من غير اليهوديات اللاتي لا يتقنّ العبرية - فدعت الحاجة إلى ترجمة العهد القديم إلى الآرامية التي أصبحت منتشرة على الألسنة(5). ويمثْل هذه اللهجة الآرامية الترجومُ والتلمود الأورشليمي والمدراش(6)، وهي ترجمات شديدة التأثُر بالعبرية(7).

-السامرية : وهي لغة الترجوم السامري، وعدد من الكتابات الدينية الأخرى؛ فعندما نَسِيَ السامريون لغتهم، اضطروا إلى ترجمة التوراة السامرية إلى الآرامية(8)،ولعلَّ ذلك في القرن الرابع الميلادي(9).

- الفلسطينية المسيحيّة: وهي لغة المسيحيين الملكانيين في فلسطين؛ فبعد انفصالهم عن الكنيسة السريانية اليعقوبية، والنسطورية، قاموا بترجمة الكتاب

ص: 36


1- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص149.
2- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص96.
3- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص.149 . ويطلق لكسنبرغ على «الرها» اسم «إديسا» أيضًا.
4- Moscati, 1980, p. 11
5- انظر: عبد التواب رمضان: فصول في فقه العربيّة، لا ط، القاهرة، الخانجي، 1420ه-.ق، ص 29.
6- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخطّ العربي، م.س، ص149.
7- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص95.
8- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميّين إلى الخط العربي، م.س، ص 151.
9- Moscati, 1980, p. 12.

المقدَّس وجملة من الأدعية والصلوات إلى هذه اللهجة القريبة الشبه إلى اليهودية(1).

هذا، وأخذت اللغة الآراميَّة الغربيّة بالاندثار تدريجيًّا، وإن بقيت بعض لهجاتها تستخدم في قرى أطراف دمشق(2).

ج - الآرامية الشرقيّة: ولها أنواع، أهمها:

-التلمود البابلي: وهو شرح آراميّ على «المشنا» بكامله قريب من اللهجة السريانية، متأثر بالعبريَّة التي دخلتها ألفاظ فارسيّة(3). وكان اليهود البابليون يتكلمون بها طوال القرنين الرابع والسادس الميلادي(4).

- المندائية: أو المندعيّة، لهجة ترتبط بجماعة دينيَّة تسمَّى «الصابئة»(5)، ويتواجد بعضهم اليوم في قرى عدَّة من جنوب العراق، كالبصرة وواسط(6)، لكنَّهم نموا في أرض الرافدين، وذلك ما بين القرن الثالث إلى القرن الثامن للميلاد(7).

-السريانية: وهي أهم اللهجات الآرامية التي ارتبطت بالديانة المسيحية، وتتقارب كلَّ التقارب مع آراميَّة التلمود البابلي والمندائيَّة(8). نشأت هذه اللهجة وترعرت في الإقليم الذي تقع فيه مدينة «إديسا» جنوب شرق تركيا قريبًا من الحدود السوريَّة. وتعود أهميَّتها إلى الفترة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد والثالث بعده؛ إذ كانت واقعة على طريق التجارة البرِّي الموصل من الهند إلى البحر الأبيض

ص: 37


1- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص95.
2- Moscati, 1980, p. 12
3- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص 152-153.
4- Moscati, 1980, p. 12.
5- كان الصابئة - على أقوى الأقوال من أتباع النبي یحیی(علیه السّلام)، الذي جاء قبيل ظهور النبي عيسى(علیه السّلام)، ولكنهم كذبوا المسيح(علیه السّلام)بعد مجيئه، ولفّقوا إليه كثيرًا من الافتراءات وأصبحوا جماعة دينية متأرجحة بين اليهود والنصارى. أما المندائيون الحقيقيون فقد كانوا قبل اختلاطهم بالصابئة فرقة دينية أساسها التعاليم المانوية، وفيها من مظاهر الديانات الزرادشتية والمزدكية، ما حدا ببعض الباحثين أن يحسبهم كفَّارًا، بينما هم يؤمنون بالله وليسوا عبدة كواكب. (انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص99).
6- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص 153.
7- Moscati, 1980, p. 12.
8- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص 154.

المتوسط، وهو ما كان سببًا في ازدهارها الاقتصادي(1).ودخلت المسيحية هذه المدينة في القرن الأوّل الميلادي، فسمّى الآراميون أنفسهم بالسريان، تمييزاً لهم عن الآراميين الوثنيين أو اليهود؛ إذ صار الآرامي عارًا يدلّ على الكافر عندهم. ونما الأدب السرياني متزامنًا مع انتشار المسيحيَّة، واستمر في الازدهار من القرن الثالث إلى القرن السابع للميلاد، وازداد التأليف بالسريانية والترجمة إليها، ومن أهمها ترجمة الكتاب المقدَّس المعروفة ب-«فشيطو»(2). وقد زعزع النزاع حول طبيعة المسيح اللاهوتية والناسوتيَّة كيانَ المسيحيَّة في القرن الخامس للميلاد، وأدى إلى انقسام الكنيسة السريانية إلى معسكرين متعاديين؛ القسم الغربي وهم أتباع الدولة الرومانية الذين اعترفوا بتعاليم «يعقوب البردعي» القائلة بطبيعة المسيح الواحدة، والقسم الشرقيّ أتباع الدولة الفارسية الذين اعترفوا بتعاليم «نسطوريوس » المضادَّة(3). واضطرَّ النسطوريون إلى مغادرة الرها بعد تكفيرهم من قبل اليعاقبة، فأسسوا كنيستهم في مدينة نصيبين(4)، الواقعة اليوم - ضمن الحدود التركيَّة. ونتيجةً لهذا الانفصال اختلفت الطائفتان في الكتابة والضبط بالحركات؛ فسُمِّيَت الكتابة السريانية الشرقيّة بالخط النسطوري أو السرياني المربع، وسُمِّيَت الكتابة السريانية الغربية بالخطّ اليعقوبي أو السرتو(5). ولم تتلاش السريانية منذ الفتوحات الإسلامية في القرن السابع للميلاد، بل واصلت حياتها في أوساط العلم والفكر إلى القرن العاشر ، ثم أخذت بالاضمحلال حتَّى القرن الرابع عشر الميلادي، فماتت آنذاك، وبقيت لغة العبادة في الكنيسة المارونيّة وعند السريان الشرقيين (الكلدان) فقط(6). وقد يستخدم السريان اللغة العربية، ويكتبونها بالخط السرياني؛

ص: 38


1- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص99.
2- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص155.
3- انظر: بروکلمان، کارل: فقه اللغات السامية، ترجمة: رمضان عبد التواب، لا ط، المملكة العربية السعودية، جامعة الرياض، 1977م، ص 26-27.
4- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص 101.
5- انظر: م.ن.
6- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص 156.

کيلا يستطيع المسلمون قراءتها، وسُمي ذلك عندهم بالخط الكرشوني(1). وتوجد اليوم بقايا من اللهجة السريانية في قرى متفرّقة على الحدود التركية والسورية والعراقية من أشهرها: معلولة، وجبعدين، وأرميا، وطور عابدين(2).

وبعد هذا العرض، يتبيَّن أنَّ لكسنبرغ كان صادقًا في جملة ما قاله عن اللغة الآراميَّة وأهميَّتها. لكنَّه يدَّعي أنَّ السريانية الآراميَّة كانت منتشرة إلى حدٍّ كبير في مكّة، ولا يُناقش كيف أمكن لهذه اللغة أن تُهيمن على الحجاز التي كانت بعيدةً عن «إديسا» - إلى درجة أنّها صارت لغة الكتابات المقدسة لدى سكانها. كذلك لا يُناقش حول طبيعة اللغة العربية وخطّها، بل يكتفي بالقول إنَّ القرآن أوَّل كتاب تمت كتابته بالخط العربي(3)سوى نقوش قليلة كُتِبَتْ قبله، ولم تكن للعربيَّة لغة الأدب المعيارية عندما ظهر الإسلام(4).فبقيت دعواه مجرد دعوی من غير برهنة عليها.

على الرغم من أنه ليس هناك تاريخ مدوّن لمكة قبل الإسلام(5)، لكن ثمة إشارات عابرة في التاريخ إلى سكان هذا البلد المقدس قبل الإسلام. فكان يسكنها في غابر

ص: 39


1- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص 101. تعود أقدم المخطوطات الكرشونية إلى القرن التاسع أو العاشر للميلاد، لكن هذا المصطلح (Garshani) استخدم لأوّل مرّة في أوائل القرن السادس عشر الميلادي. ويقال: إنَّ الهدف من كتابة العربية بالأبجدية السريانية هو تسهيل شر الميلادي. ويقال: إن الهدف من كتابة العربية بالأبجدية السريانية هو تسهيل قراءة العربية للسريان. وهذه المفردة مشتقة من كلمة «حا حه نُ» السريانية بمعنى الدوائر الصغيرة (Moukarzel, Joseph: Maronite Garshuni texts: on their evolution, characteristics, and function. Journal of Syriac Studies, 17.2, 2015, p. 243- 245
2- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص 102.
3- ليس من المستبعد أن يكون لكسنبرغ قد أخذ هذه الفكرة من المستشرق السرياني ألفونس مينغانا الذي يستدلّ بالآيات القرآنية (سورة سورة الأحقاف الآية 8 سورة الطور الآية 41 سورة الجمعة الآية 2؛ سورة سبأ، الآية 43؛ سورة فاطر: الآية 38 سورة الصافات، الآية 9 القلم الآية (37) في إثبات هذه الدعوى (Mingana, Alphonse: Syriac Influences On The Style Of The Kur'an. Bulletin of the John Rylands Library, 11, 1927, p. 78
4- Hoyland, Robert: Epigraphy and the linguistic background to the Qur'an. In The Quran in its Historical Context. USA and Canada: Routledge, 2008, p. 51
5- Trimingham, Spencer: Christianity Among the Arabs in Pre-Islamic Times. London and New York: Longman, 1979, p. 258; Peters, Francis: Mecca: A literary history of the Muslim holy land. USA: Princeton University Press, 1994, p. 3. المقصود بذلك أنَّه لا يوجد أثر جاهلي يصلح استخدامه في علم الآثار، بل كلُّ ما وصل إلينا هو ما ذكره أهل الأخبار، وهي أخبار متناقضة مشوبة بالعواطف فلا يستطيع أحد أن يكتب شيئًا موثوقًا معقولاً مقبولًا عن تاريخ هذه المدينة المكرَّمة قبل الإسلام (انظر: علي جواد المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، لا ط لا م دار الساقي 1422ه-. ق، ج 7، ص 17).

الزمان قبائل جُرهم وبقايا من الأمم البائدة، وتلتهم قبيلة خزاعة اليمنية حين نزح عدد من القبائل اليمنية نحو الشمال(1)، إلى أن جاء قصي بن كلاب في القرن الخامس للميلاد وأنزل أهله فيها. وعندما ولد سيد الأنبياء(صلی الله علیه و آله و سلم)كان قد مضى أكثر من قرن منذ أصبحت هذه المدينة آهلةً بالسكّان، وكانت قريش قد أقامت بها في فترة ما، تقرب إلى هذا الزمن، ولعلَّ قصيًّا هو من منح قريش بعض الأجزاء من مكة(2)، فنزلت قريش البطاح -وهم هاشم وأمية ومخزوم وتيم وعدي وجُمَح وزهرة ونوفل وأسد وسَهم- حول الكعبة، ومن ورائهم قريش الظواهر، ومعهم جماعة من صعاليك العرب والحلفاء والموالي والعبيد الذين كان أكثرهم من الأحباش(3).وقريش، اسمه النصر [أو النضر] بن كنانة بن خزيمة، تفرّقت قبائله من بني فهر بن مالك (4)، وهم من العرب(5).

ويبدو من تاريخ «هيرودوت»(6)أنَّ اللغة العربية القديمة كانت موجودة منذ القرن الخامس قبل الميلاد على أقل تقدير، لكنَّها لم تكن تُكتب إلا نادرًا حتَّى قرنٍ قبل الإسلام(7). وكان العرب الجاهليون يعيشون إلى حدٍّ كبير بعيدين عن العالم الخارجيّ، فقد كانت حياة العرب البدوية والبعيدة عن التأثير الأجنبي سببًا في الحفاظ على بنية لغتهم القديمة(8). علاوة على ذلك، توضح الكتابات التي عُثر عليها في أنحاء شبه الجزيرة العربية أنَّ اللغة العربية كان يُنطَق بها في نطاق واسع من

ص: 40


1- انظر: ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، لا ط، القاهرة، دار المعارف، 1940م، ص49.
2- Peters, 1994, p. 18
3- انظر: ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، م.س، ص 51.
4- فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ( ابن حزم علي بن أحمد جمهرة أنساب العرب، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1403ه-.ق، ص 12؛ المبرد محمّد بن يزيد نسب عدنان ،وقحطان تحقيق عبد العزيز الميمني الراجكوتي لا ط الهند لا ن 1936م، ص2).
5- انظر: ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، م.س، ص 9-12.
6- هيرودوت (Herodotus): هو كاتب يوناني من القرن الخامس قبل الميلاد، وهو الذي ألف أوّل تاريخ روائي في العالم القديم، يعتني بالحروب التي نشبت بين الإغريق والفرس. انظر: https://www.britannica.com/biography/Herodotus-Greek-historian
7- Hoyland, Robert: Arabia and the Arabs: from the Bronze Age to the coming of Islam, London and New York, Routledge, 2001, p. 201
8- Blau, Joshua: The emergence and linguistic background of Judaeo - Arabic: A study of the origins of Neo-Arabic and Middle Arabic (second), Jerusalem, Ben-Zvi Institute, 1981, p. 1

أرجاء هذه المنطقة(1)، بل أصبحت اللغة التي يتكلّم بها جميع سكان وسط شبه الجزيرة وشمالها، وربَّما جزء كبير من جنوبها الغربي أيضًا، وذلك في غضون القرن الخامس بعد الميلاد(2). هذا، فضلاً عن أنَّه لا وجود لنقوش سريانية خارج منطقة «إدسا» أو شمالي سوريا إِلَّا قليلًا، وهي من كتابات الحجاج أو النازحين، ولم يُعثر على مثلها في غرب شبه الجزيرة، خلافًا لما يزعمه لكسنبرغ من أنَّ لغة الأدب في هذه المنطقة كانت السريانيّة(3). إذًا، كانت العربية هي اللغة المنطوقة على نطاق واسع من منطقة الشرق الأوسط خلال القرن السابع للميلاد، كذلك كانت العربية اللغة المكتوبة بشكل واسع النطاق فيها، لكنَّه لم يبقَ إلَّا القليل من تلك الكتابات، وكانت هذه اللغة تُستخدم للتعبير الأدبي والمقدَّس منذ أمد بعيد، كما تشهد بذلك النقوش العديدة التي عُثر عليها(4).

نتيجةً لما تقدَّم، لا يمكن تصديق ما ادعاه لكسنبرغ في لغة أهل مكة؛ إذ تُعارضُ هذه الدعوى المعلومات التاريخيَّة عن مكة وأهلها، بينما لم يقدم لكسنبرغ دليلا يؤيد رأيه سوى تمسكه بدليل إتيمولوجيّ لإثبات حقيقة تاريخية، وهو أنَّ لفظة «مكة» هي مفردة آراميَّة(5). وبغضّ النظر عن صحة هذه الدعوى(6)فهو دليل مرفوض؛ إذ إنَّ هناك - على سبيل المثال - كثيراً من المدن اللبنانية أصلها آراميَّة أو سريانية(7)، لكن أهاليها يتكلمون باللغة العربيَّة بلا شك. فإنَّ اسم المدينة كثيرا ما لا ناقة له ولا جمل بلغة أهلها والأغرب من ذلك، هو أن لكسنبرغ يشير إلى لفظة «مدينة» ويقول قد ثبت جذرها الآرامي(8)، في حين أنَّها تسميةٌ متأخّرةٌ ل-«يثرب»،

ص: 41


1- Hoyland, Robert: Language and Identity: The Twin Histories of Arabic and Aramaic, Scripta Classica Israelica, 23, 2004, p. 184
2- Beeston, Alfred Felix Landon: Languages of Pre-Islamic Arabia, Arabica, 2(28), 1981, p. 184
3- Hoyland, 2008, p. 52- 53.
4- Hoyland, 2008, p. 63 - 64.
5- Luxenberg, 2007, p. 327- 328.
6- وهناك من يرى أنَّ هذه اللفظة مأخوذة من «بگ / بغ» الفارسية القديمة (الأفستائيَّة)، وهي تعني المدينة المقدَّسة أو مدينة الله (انظر: ،چهرقانی، رضا : تأملى ريشه شناختی در خاستگاه و معنای کلمه «مکه»، فصلنامه لسان ،مبين العدد 38، 1398ه-.ش، ص24).
7- انظر: فريحة، أنيس: أسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها، بيروت، الجامعة الأمريكية، 1956م.
8- Luxenberg, 2007, p. 329

والجذر الآرامي ل-«مدينة» - سواء أصحيحًا كان أم خطأً - لا يُثبت أيّ شيء! ولنسأل لو كانت السريانية منتشرةً في مكَّة إلى الدرجة التي يدَّعيها لكسنبرغ، فلمَ لا نجد لها أثرًا في العصر الراهن، كما بقيت آثار من اللغات الآرامية في بعض القرى -كما أشرنا سابقًا - التي كانت مأهولة بالناطقين بها(1)؟

إذَا، دعوى لكسنبرغ هذه، والتي بنيت عليها دعاوى أخرى، لا تصح، بل يؤيَّد خلافها بالمعلومات التاريخيَّة التي بين أيدينا. وقد يأتي هذا التساؤل، وهو أنَّه: إن لم تكن لغة القرآن مزيجةً من الآرامية والعربيَّة، فما هي لغته؟ وهو ما ستأتي الإجابة عنه في طيات الدراسة.

2 - المسيحية في مكة :

لم يقف لكسنبرغ عند زعمه بأنَّ الآراميَّة كانت منتشرة في مكة فحسب، بل ادَّعى أنَّ أهل هذا البلد المبارك في الأغلب كانوا من النصارى الذين كانوا يشاركون في الطقوس المسيحيَّة النصرانيَّة، ولذلك أدخلوا عناصر معقتدهم المسيحية في العربية. وسوف يتضح أن هذه الدعوى أيضًا لا تخلو من المبالغة، بل تردّها الحقائق التاريخيّة وأقوال المستشرقين عن هذه المدينة المكرّمة.

كانت لدى العرب شتّى الديانات والمعتقدات؛ فمنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يؤمن بالأرواح والجنّ، ومنهم مشرك، ومنهم موحد. لكنَّ المصادر تؤكّد أنَّ الوثنيَّة أو عبادة الأصنام كانت الديانة الأكثر انتشارًا بين العرب قبل الإسلام(2). وتبين دراسة النصوص (النقوش الجاهليَّة أنَّ ديانتهم كانت قائمة على عبادة الكواكب، أي تأليهها والتقرب إليها بالصلوات والأدعية(3)، وكانت الأصنام والأوثان رموزاً لتلك

ص: 42


1- انظر: همَّتي، محمد علي: شاكر، محمد كاظم: گزارش نقد و بررسی آراء کریستف لوگزنبرگ در کتاب قرائت -آرامی سریانی ،قرآن لا ط قم المقدسة، دانشکده اصول الدین، 1395ه- ش، ص 51.
2- انظر: صالح، سلوى بالحاج: المسيحيّة العربية وتطوراتها من نشأتها إلى القرن الرابع الهجري، لا ط، بيروت، دار الطليعة، 1998م، ص 13 الجدير بالذكر أنّ لكسنبرغ يشير إلى هذا الكتاب أي «المسيحية العربية وتطوراتها» ل-«سلوى بالحاج صالح»، عندما يدعي أنَّ أغلبية العرب تنصروا وشاركوا في الطقوس المسيحيّة، ويضيف في الهامش أنّه أوّل أطروحة أنجزت في هذا الموضوع 11 .Luxenberg, 2007, p). ولكن الصحيح أن هذا الكتاب يردّ دعاوى لكسنبرغ ويُثبت خلافه.
3- انظر: علي، جواد: أصنام الكتابات، لا ط ،بغداد، دار الوراق، 2007م، ص9.

الكواكب(1). وليس هذا دليلاً على إنكار التواجد المسيحيّ أو الديانات الأخرى(2)التي كانت منتشرة في شبه الجزيرة. وقبل أن نبدأ بالمسيحيّة في الحجاز نقدِّم خلاصةً عن المسيحيّة فى الأنحاء الأخرى من شبه الجزيرة العربية:

أ- الجنوب: تُظهر غالبيَّة الدراسات الجديَّة أنَّ المسيحيّة دخلت اليمن في القرن الرابع الميلادي، وهناك من يُرجع ذلك إلى القرن الخامس. وأيا كان، فاليمن أقدم مركز بدأ فيه التبشير، وأهل نجران هم أوّل من رحبوا بالمسيحية. مع ذلك، بقيت مقهورةً أمام اليهودية، كما نجد أنموذج ذلك في المجزرة التي ارتكبها ذو نوّاس الملك اليهودي ضدَّ النصارى في اليمن في القرن السادس، لكنَّها انتعشت بعد مقتل ذي نوّاس من جديد وتسارع انتشارها، فبنيت كنيسةٌ كبيرةٌ في صنعاء سُمِّيَتْ ب-«القليس»(3)، وعندما بدأت ولاية الفرس على اليمن في أواخر القرن السادس -على الرغم من التسامح الذي ساد بينهما- دخلت المسيحيَّة في الجمود والانكماش. فالمسيحيَّة لم تكن الديانة الأكثر انتشارًا عند ظهور الإسلام سوى في بعض المواضع؛کنجران وصنعاء وعدن(4).

ب - الشرق: تدلُّ أقدم المعلومات عن البحرين على انتشار المسيحية فيها خلال النصف الثاني من القرن السادس للميلاد، لكنَّها لم تكن غالبة على سكان هذه المنطقة، بل تُذكر في التاريخ إلى جانب المجوسية واليهودية. أما في عمان، فانتشرت فيها النسطورية وغابت التعدُّديّة المذهبيَّة(5).

ج - الوسط: أكَّد المؤرّخ الفرنسي «دوشاسن»(6)أنَّ المسيحية دخلت نجد بعد

ص: 43


1- للاطلاع على أمثلة لذلك، انظر: م.ن.
2- لقد اهتم عدد من المستشرقين منذ القرن السابع عشر الميلادي بدراسة أديان العرب قبل الإسلام وجذورها. انظر: (Henninger, Joseph: Pre-Islamic bedoun religion, In The Arabs and Arabia on the Eve of Islam, London and New York, Routledge, 2017, p. 110-111
3- بنى هذه الكنيسة الكبيرة ،أبرهة، وكان ينوي أن يصرف إليها حجّ العرب فعزم عندئذٍ على هدم الكعبة (انظر: الطبري، محمد بن جرير: جامع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، لا ط،بیروت، دار المعرفة 1412ه-.ق، ج24، ص 609-610).
4- انظر: صالح، المسيحيّة العربية وتطوراتها من نشأتها إلى القرن الرابع الهجري، م.س، ص 67-77.
5- م.ن، ص78-81.
6- Louis Duchesne

القرن السادس الميلادي. ومن أبرز القبائل التي تنصّرت بنو آكل المرار الكِنْديين؛ حيث قاموا بدور تبشيري في وسط شبه الجزيرة وشماله، وكذلك أحياء من طيء، الذين يُحتمل أنَّهم كانوا مقيمين في الشام والحيرة. ولكن لا يوجد شاهد على نجاح هؤلاء في التبشير المسيحيّ، بل بقيت جهودهم منقوصة عند مجيء الإسلام؛ إذ لم يُلاحظ أي تنظيم كنسي بين عرب اليمامة ونجد(1).

د- الشمال: يمكن الإشارة إلى المراكز التابعة للرومان والفرس، أي الغساسنة والمناذرة (اللخميّين)، فكان الغساسنة على مذهب اليعقوبية، واللخميون على مذهب النسطورية، لكنَّ إيمانهما بالمسيحيّة كان ظاهريا وسطحيًّا(2). ومن أهم المدن التي اعتنق أهلها المسيحيّة: الرها (إديسا) والنصيبين، وقد سبق ذكرهما.

ه- - الغرب يقرّ «دوشاسن» حول المسيحيّة في الحجاز، بأنَّ الحملات التبشيرية لم تصلها أبدًا. ويقول المستشرق الفرنسي «لامنس»(3): إنَّ المسيحيين في مكة لم يكونوا سوى الأجانب، وأمَّا المسيحيون من أهلها فهم حالات نادرة جدا(4). وكان الحضور المسيحيّ في الحجاز قليلًا جدًّا(5)،إلى درجة حدت بالمستشرقين إلى أن يعلّلوا هذه القلة؛ إذ صرَّح بعضهم بأنَّ المسيحيين لم يكن لهم جماعة مستقرة في مكَّة، ووصفهم « لامنس» بعددٍ من الفقراء والعبيد والجنود، الذين كانوا يعيشون في ضواحي مكَّة(6). وقد أثبتت أحدث الدراسات الأكثر إقناعا أنَّه إنْ كان للمسيحيين من تواجد في مكة، فمن المرجح أنَّهم كانوا عبيدًا من سائر قبائل العرب النصارى، الذين بيعوا إلى ساداتهم في مكَّة، وما كانوا جماعة مستقرة(7).

ص: 44


1- انظر: صالح المسيحية العربية وتطوراتها من نشأتها إلى القرن الرابع الهجري، م.س، ص 81-84.
2- انظر: عبد الجليل ج. م. تاریخ ادبیات عرب ترجمه آذرتاش آذرنوش ،تهران امير کبير، 1363ه-.ش، ص21.
3- Henri Lammens
4- انظر: صالح، المسيحيّة العربية وتطوراتها من نشأتها إلى القرن الرابع الهجري، م.س، ص 85.
5- تعبر سلوى بالحاج صالح عن رأيها حول جلاء هذا الأمر، قائلةً: هذه مسألة حُسمت وقدَّم أهل الاختصاص رأيهم فيها، ولم يؤد اطلاعنا على المصادر السريانية والعربية إلى اكتشاف معلومات جديدة (انظر: صالح المسيحية العربية وتطوراتها من نشأتها إلى القرن الرابع الهجري، م.س، ص85). ومن ثم تعالج أسباب غياب التبشير المسيحي في الحجاز.
6- انظر: عبد الجليل، تاریخ ادبیات عرب، م.س، ص21.
7- Grafton, David: The identity and witness of Arab pre-Islamic Arab Christianity: The Arabic language and the Bible, HTS Teologiese Studies, 1(70), 2014, p. 5

أمَّا أسباب ضعف الحضور المسيحي في مكة، فمنها التوغل اليهودي في كثير من المدن والقرى كالطائف، وخيبر، وتيماء، وفدك، وكذلك في يثرب؛ إذلم يُشِرْ أصحاب السير إلى تصدي نصارى يثرب أمام الإسلام فيها، مثلما فعلت اليهود. فلم يكن للمسيحيّة ثمثيل يعتد به في الحجاز، لا من حيث العدد ولا من حيث التنظيم. والحاجز الذي عرقل التبشير المسيحيّ في هذه المنطقة هو القبائل اليهودية التي كانت تتميز بالاستقرار والانغلاق والثروة والاعتزاز بالدين اليهودي، بحيث لم يستطع الإسلام - الذي انطلق من صلب العرب - اختراقها، فضلًا عن المسيحية القادمة من الخارج(1).وهكذا، بقيت الوثنية هي المعتقد الغالب على سكان شبه الجزيرة العربيَّة؛ فنادرًا ما اعتقنت قبيلة بكاملها المسيحيّة، بل لم يتجاوز الأمر بطنًا أو بطونًا قليلة منها؛ وربَّما كان السبب في ذلك القوميَّةَ التي ترسخت بين العرب آنذاك(2)، تلك القومية التي كانت من أهم ميزات الحياة الجاهلية، والتي صدت بقوَّة كلَّ معتقد أجنبي، وإليها يلوّح «ترمنجهام»(3)عندما يبرر عدم التأثير المسيحي على أهل مكة قائلًا: هذه المدينة التي وقعت في وادٍ قاحل، لم تكن لها أهميَّة قبل أن تسكنها قريش في القرن السادس الميلادي، وهذا ما يتّضح من قلة الإشارة إليها في النصوص اليونانية والنقوش العربيَّة الجنوبية. فأنشأت قريش العلاقات مع قبيلة كنانة البدوية التي كانت مسيطرة على هذه المنطقة، وقد حوّلتها إلى مركز عقدي تجاري، وتتمثل علاقاتها مع اليمن والشام والعراق والحبشة في معارض مثل سوق عكاظ هذه الأسباب أي عدم وجود خلفيّة تاريخية لهذه المدينة، وإقامة قبيلة بدوية في مكان ممتاز للديانة والتجارة، مع حفاظهم على معظم ميزات النظام الاجتماعي البدوي - تكفي لتبيّن عدم النفوذ المسيحي لدى سكانها(4). وعندما يعالج المسيحيّة في يثرب يقول: إشارات السور المدنيَّة [إلى النصارى] تنم

ص: 45


1- انظر: صالح، المسيحيَّة العربية وتطوراتها من نشأتها إلى القرن الرابع الهجري، م.س، ص 85-86.
2- انظر: من، ص 88.
3- ترمنجهام: هو المستشرق البريطاني المرموق في القرن العشرين الذي ركّز دراسته على الإسلام في إفريقيا.
4- Trimingham, Spencer: Christianity Among the Arabs in Pre-Islamic Times, London and New York, Longman, 1979, p. 258

كانت من

عن أن المسيحيّين كانوا متواجدين في يثرب، لكن الأغلبية الساحقة منهم المتنقلين، ولا يُشار إلى نظام مسيحي فيها. ويظهر الحضور المسيحي في مكة بشكل أقوى، لكنَّ جلَّهم كانوا من غير أهلها(1). ويستنتج قائلاً: لم تلمس المسيحية سوى السطح من حياة العرب؛ فيثبت هذا عجزها عن التوغل في حياتهم وتغييرها من الداخل، ولا سيّما بالنسبة إلى عرب البادية، الذين كانوا يصمدون أمام أي تغيير جذري، ويواصلون حياتهم بشكل بدوي(2).

وهناك من يوضح ضعف التواجد المسيحيّ في مكة المكرمة والمدينة المنورة بشكل آخر، ويقول: لم تتكوّن في مكة والمدينة جماعة مسيحيَّة يُعبأ بها؛ لأسباب ثلاثة رئيسة:

- كانت المسيحية ديانةً حديثةً في المدن، فكلُّ من يُسمع عن تنصره كان من الجيل الأوّل الذي اعتنق المسيحيّة.

- ظلَّ المسيحيون بحكم طبيعتهم منعزلين عن البعض ؛ فمنهم من التحق ،بالرومان ومنهم من سكن مكَّة أو المدينة، فلم تربطهم صلة خاصة.

- تأثر العرب بفرَق شتّى من المسيحية مثل: النسطورية، والمونوفيزية الخلقيدونيّة. وكانت بين هذه الفرق نزاعات وتناحرات(3).

ومن أهم الأدلَّة التي تشبَّث بها بعض الباحثين لإثبات انتشار المسيحية في مكة(4)مجموعة أخبار أوردها الأزرقي في كتابه «تاريخ مكة»(5)، خلاصتها أنَّه: عندما أعادت قريش إعمار الكعبة، جعلوا في دعائمها صور الأنبياء والشجر والملائكة، ومن صورها صورة إبراهيم خليل الرحمن(علیه السّلام)وهو شيخ يستقسم بالأزلام،

ص: 46


1- Trimingham, Spencer: Christianity Among the Arabs in Pre-Islamic Times, London and New York, Longman, 1979, p. 259- 260.
2- Ibid., p. 309
3- Osman, Ghada: Pre-Islamic Arab converts to Christianity in Mecca Medina: An investigation into the Arabic Sources, The Muslim World, (95), 2005, p. 75
4- انظر: شيخو، لويس النصرانية وآدابها بين العرب الجاهلية، لا ط، بيروت، دار ،المشرق 1989م، ج1، ص117-118.
5- لقد بنى «لولينغ» نظريته حول الخلفية المسيحية للقرآن على هذا الخبر، في كتاب له نشره عام 1977 في ألمانيا ( Steenbrink .(2010, p. 156

وصورة عيسى بن مريم وأمه(سلام الله علیها)ولا وصورة الملائكة ، أجمعين، فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بطمس تلك الصور، ما عدا صورة عيسى بن مريم وأمه(سلام الله علیها)(1)وكذلك ما قاله عطاء بن أبي الرباح أنَّه أدرك هذه الصورة، وكانت موضوعة في العمود الذي يلي الباب وهلكت في الحريق في عصر ابن زبير(2). وأنَّ امرأة من الغساسنة حجّت في حجّ العرب، فلما رأت صورة مريم(سلام الله علیها)قالت إنها عربية، فأمر رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بمحو الصور(3).

هذه الأخبار - على فرض صحتها - لا تثبت انتشار المسيحية في مكة، بل أقصى ما تدلّ عليه هو الحضور المسيحيّ فيها. ولسنا بصدد إنكار المسيحية في مكَّة أصلا، بل لا نوافق لكسنبرغ في دعواه سيطرة المسيحيّين عليها وتفشّيهم فيها؛ ففي الكتاب نفسه الذي وردت فيه تلك الأخبار هناك أخبار جمة أخرى تشير إلى كثرة الأصنام التي وضعت قرب الكعبة، فعن عبد الله بن مسعود: «دخل رسول الله مكة یوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمئة وستون صنمًا»(4)، وقال جبير بن مطعم: «وما من رجلٍ من قريش إلا وفي بيته صنم، إذا دخل يمسحه وإذا خرج يمسحه تبركا به»(5). وأما الأخبار التي تدل على وضع صورة عيسى بن مريم وأمه(سلام الله علیها)في الكعبة - لو ثبتت صحتها - فيمكن القول فيها إنَّ الوثنيين الذين رسموا صورة النبي إبراهيم(علیه السّلام)- صورة شيخ يستقسم بالأزلام وغيره من الأنبياء، رسموا هذه الصورة أيضًا، ولم يبالوا بأنَّها صورة عيسى(علیه السّلام)أو غيره، فكانوا يعبدون هذه الصور والتماثيل فنهى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)عن رسم الصور(6). وإن افترض أنَّ المسيحيين وضعوا هذه الصور في

ص: 47


1- انظر: الأزرقي، محمد بن عبد الله: أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار تحقيق رشدي الصالح ملحس، لا ط، بيروت، دار الأندلس للنشر 1403 ه-.ق، ص 165. ويُنكر محقق الكتاب رشدي الصالح ملحس صحة المقطع الذي يدلّ على استثناء صورة عيسى بن مريم وأمه(سلام الله علیها)ويأتي بأدلة تُثبت خلاف ذلك (انظر: الأزرقي، أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، م.س، هامش ص165-166).
2- انظر: م.ن، ص 167.
3- انظر: م.ن، ص169.
4- انظر: من، ص 121.
5- انظر: م.ن، ص 123.
6- فمنها الحديث المعروف عند أهل السنّة «إِنَّ أَشَدَّ الناس عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يوم الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ»؛ وانظر باب «عذاب المصوّرين» في صحيح البخاري، وباب لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة» من صحيح مسلم، وباب عدم جواز نقش البيت بالتماثيل والصور ذوات الأرواح خاصة، وكراهة غيرها وعدم جواز اللعب بها من وسائل الشيعة. (ابن العربي، محمد بن عبد الله أحكام القرآن، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، لا ط ،بيروت، دار الكتب العلمية، 1424ه-.ق، ج4، ص 9).

الكعبة، فهذا لا يدلُّ على انتشار المسيحية في مكة، فمن الممكن أنَّهم كانوا جاليةً قليلة العدد، وضعوا صورة عيسى(علیه السّلام)إلى جانب صور الأنبياء، ولم يقدروا على تنظيف الكعبة من الأصنام والأوثان، التي كانت رمزاً للوثنية السائدة فيها. ثمَّ إِنَّ في قصَّة أبرهة - الحاكم الحبشي لليمن - شاهدًا يؤيد عدم انتشار المسيحيَّة في مكَّة؛ إذ بعد تشييده كنيسةً كبيرةً في صنعاء اعتزم على هدم الكعبة بغية صرف أنظار العرب عنها إلى كنيسته، وتسهيل انتشار المسيحيّة في شبه الجزيرة، إذ كانت مكة معقلًا للوثنية ومقرا للأصنام(1).

واستدلال بعضهم(2)بجملة من أشعار العرب التي تُشعر بمسيحية شاعرها، يردُّه أنَّ الإعلان عن المسيحيّة لم يؤثّر على حياة العرب أو أشعارهم إلَّا في الظاهر، فلا تُثبت هذه الأشعار التسرب المسيحي إلى الشعور الروحي والاجتماعي لدى العرب(3). كذلك، لا يصح الاستدلال بالأسماء المسيحيّة التي تداولت بين أهل مكة؛ فإنَّهم -عبيدًا كانوا أم أحرارًا- لم يقصروا أنفسهم على الأسماء التقليدية العربية فليس هذا دليلا على مسيحيَّتهم(4). والحجّة الأقوى التي يستدلّ بها بعض الباحثين هی قضيَّة الحنفاء، الذين من المعتقد أنَّهم كانوا نصارى، بينما لم يكن هؤلاء يهودًا أو نصارى، بل كانوا يعبدون إله إبراهيم، ويعيشون عيش الرهبان، فإذا التحقوا ببلاد النصارى اعتنقوا المسيحيّة(5).

والنتيجة هي أنَّ المسيحيَّة بقيت ديانةً هامشيَّةً في مكة(6)، ولم يُدخل العرب

ص: 48


1- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص 113-114.
2- كما فعل الأب لويس شيخو اليسوعي في كتابه «شعراء النصرانية»؛ حيث جمع حجماً هائلاً من أشعار الجاهليين وكانت منحولةً في جزءٍ كبير منها. وقد ردّ عليه الأب كميل حشيمة (Camille Hechaimé) في كتابه بعنوان : Louis Cheikho et son livre Le christianisme Trimingham, 1979, p. 247, footnote) « et la littérature chrétienne en Arabie avant IIslam). ومن مبالغته في القول عن المسيحيّة المنتشرة بين العرب في مكة ذكره أبا سفيان كأحد النصارى (انظر: شيخو النصرانية وآدابها بين العرب الجاهلية، م.س، ج1 ص 120).
3- Trimingham, 1979, p. 247.
4- Ibid., p. 260.
5- ibid., p. 261.
6- وكذلك الأمر بالنسبة إلى أهل المدينة كما وصفهم أحد المستشرقين بالغارقين في عبادة الأصنام (Lecker, Michael: Idol Worship in Pre-Islamic Medina (Yathrib), In The Arabs and Arabia on the Eve of Islam, London and New York, Routledge, 2017, p. 141).

عناصر السريانية المسيحيَّة في العربيَّة؛ بل كانت الوثنية -وفقًا للمعلومات التي بين أيدينا - هي الديانة الغالبة على العرب آنذاك(1). ولا توجد وثيقة تؤيد ما ادعاه لكسنبرغ بشأن المسيحية في مكة، وهو -أيضًا- لم يقدم دليلًا على صحة دعواه، وألقى الكلام جزافًا على عواهنه، تماما مثلما نسب القول بالفارق الجوهري بين العربية الكلاسيكيّة والعربية القديمة إلى اللغويّين العرب، ولم يسم أحدًا منهم، ثمَّ استنتج من هذه الدعوى ما شاء وهوى.

3 - لغة القرآن :

تقدَّم الكلام عن دعوى لكسنبرغ في لغة أهل مكة وتأثُرهم بالمسيحية السريانية، وثبت بطلان تلك الدعوى. ويجدر - هنا - البحث عن القول الأصح - والله أعلم - في لغة القرآن. والسؤال المطروح هو: ما هي لغة الأدب العربي في العصر النبوي، والتي نزل بها القرآن الكريم؟

نظرًا إلى أنَّ لغة النصوص الدينيَّة يجب ألا تقترب من لغة التعامل اليومي إلى درجةٍ يَشعر مخاطبوها أنَّها غير سماوية، أو كأنَّها لا تختلف عن محادثاتهم اليوميَّة، كذلك لا تبتعد عنها إلى درجة لا يفهمها أحد منهم(2)؛ لذا كانت هذه اللغة - أي اللغة التي نزل بها القرآن - أسمى وأرقى من اللغات العامية التي كانت دارجة بين العرب الجاهليّين، وكذلك كانت مفهومة لدى جميعهم، وهذه هي خاصيتها التي تمتاز بها عن خصائص سائر اللهجات؛ فقد كان العرب الجاهليون يتحدثون بمختلف اللهجات، ولكلِّ لهجة خصائصها، مثل: الكشكشة عند أسد وبكر وتميم، والكسكسة عند هوازن وربيعة ومضر، والشنشنة عند اليمنيين، والعنعنة عند قيس وطيء، والفحفحة عند هذيل وبني ثقيف، والاستنطاء عند الأزد، والعجعجة عند قضاعة، والوكم والوهم عند بني كلب(3).ولم تصلنا من هذا الأدب الشعبي

ص: 49


1- انظر: صالح، المسيحية العربية وتطوراتها من نشأتها إلى القرن الرابع الهجري، م.س، ص13.
2- انظر: پاکتچي،أحمد: فقه الحدیث با تکیه بر مسائل ،لفظ ،تهران دانشگاه امام صادق(علیه السّلام)، 1396ه-.ش، ص58.
3- انظر: حسام الدین، كريم زكي: العربية تطور وتاريخ لا ط ،لا ،م لا ،ن، 1422ه-.ق، ص 18-27. وضع شين بعد كاف الخطاب، مثل رأيتكش والكسكسة هي وضع سين بعد الكاف الكشكشة أو مكانها، والشنشنة هي قلب الكاف شيئًا، مثل لبيش بدلًا من لبيك، والعنعنة هي قلب الهمزة المبدوء بها عينًا، مثل: عَسْلم، والفحفحة هي قلب الحاء عينًا، والاستنطاء هو قلب العين الساكنة نونًا إذا جاورت الطاء، مثل: أنطى بدلًا من أعطى والعجعجة هي قلب الياء المشدّدة جيمًا، مثل: تميمج بدلًا من تميمي والوكم مثل عليكم، والوهم مثل عنهم (انظر: السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر المزهر في علوم اللغة ،وأنواعها تحقيق فؤاد علي منصور لا ط، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1418ه-.ق، ج 1، ص 175-176).

-أي الذي تتجسد فيه الصفات اللهجيّة - إلَّا أعمال غير متكاملة تضمنتها كتب اللغة والنحو، لكن هناك مجموعات زاخرة بالأدب الجاهلي - تمثلها الأشعار والخطب والأمثال والحكم لغتها موحدة منسجمة، لا تكاد تشتمل على الخصائص اللهجيَّة، وهي التي تسمّى ب-«اللغة المشتركة»، التي اتَّخذها الشاعر للتعبير عما يجول في ،باله، واستخدمها الخطيب للتأثير في مستمعيه، سواء أكان الشاعر أو الخطيب من قريش أم من غيرها من القبائل(1).

لم تكن هذه اللغة المشتركة مصطنعة، بل من المرجح أنّها شاعت بين الشعراء والخطباء على أساس إحدى اللهجات الأكثر تكاملا بشكل تلقائي، ومن أجل قيمتها اللغوية أو الظروف التجارية تفوَّقت على اللهجات الأخرى، وساعدت أطيب العناصر من تلك اللهجات على إثرائها(2). وربما كان الداعي إلى هذه اللغة المشتركة لأمَّةٍ تتعدد فيها اللهجات هو إيجاد صورة جديدة من الاستعمال تتجاوز اختلاف اللهجات(3). ويُحتمل أنّ هذه اللغة المشتركة ظهرت منذ أواخر القرن الخامس أو أوائل القرن السادس للميلاد(4).وللمستشرقين آراء مختلفة في كيفية تكوين هذه اللغة ومكوّناتها؛ فمنهم من يراها مزيجًا من مختلف اللهجات، ومنهم من ينسبها إلى أعراب نجد أو معد أو اليمامة أو غيرها، ومنهم من يزعمها عملًا جماعيًا لجملة من الشعراء، بعيدًا كلَّ البعد عن لغة عامة الناس(5)، بينما يُجمع العلماء القدامى على أنَّها لهجة قريش، لأنَّهم كانوا أفصح العرب ألسنةً وأصفاهم لغةً(6).

ص: 50


1- انظر: عبد التواب، فصول في فقه العربية، م.س، ص77-78.
2- انظر: عبد الجلیل، تاریخ ادبیات عرب، م.س، ص 22.
3- انظر: حسان، تمام: الأصول دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب لا ط، القاهرة، عالم الكتب، 1420ه-.ق، ص 74.
4- انظر: ضيف، تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، م.س، ص 120.
5- Rabin, Chaim: Ancient West-Arabian, London, Taylor's Foreign Press, 1951, p. 17.
6- انظر: ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة العربيَّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، م.س، ص 28. كما علَّل ذلك الفراء، بقوله : كان قريش يُصغون إلى كلام حاج العرب في الموسم، فتكلَّموا بما استحسنوا من لغاتهم، وبذلك أصبحوا أفصح العرب (انظر: السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، م.س، ج ، ص175).

بينما يستحيل إنكار إسهام لهجة قريش في تكوين هذه اللغة المشتركة، يصعب -في الوقت نفسه- قبول القول بالمساواة بينهما ؛ فمن أشهر الفوارق بين لهجة قريش وهذه اللغة المشتركة- أو لغة الأدب التي أنزل الله بها القرآن الكريم - هو تحقيق الهمزة؛ إذ لم تكن قريش تَهمِز، خلافًا لما في قراءات القرآن(1).كذلك لا يمكن التسوية بين هذه اللغة المشتركة وأي لهجةٍ؛ إذ لا أثر في اللغة المشتركة لأي من نماذج الخصائص اللهجيَّة التي تقدَّمت الإشارة إليها، والتي كانت شائعة بين تلك اللهجات. وعليه، يبقى السؤال عن كيف وأين نشأت هذه اللغة المشتركة؟

نشأت هذه اللغة المشتركة - أو لغة الأدب- في مكَّة المكرمة وازدهرت قبل مجيء الإسلام؛ وذلك لأسباب دينيَّة وسياسية واقتصادية. أما السبب الديني، فهو مكانة الكعبة عند العرب، قبل الإسلام؛ إذ كانت مكَّة منذ عهود سحيقة مدينةً مقدَّسةً للعرب، تحجّ إليها من كل حدب وصوب، وهذا ما أدى - طبعًا- إلى الاختلاط بين العرب من مختلف القبائل وأهل مكَّة، اختلاط نتجت عنه هذه اللغة المشتركة. واختيار إحدى اللهجات كلهجة- قريش مثلا- لتكون هي

- اللغة المشتركة ليس أمرًا اصطلاحيًا أو شعوريًا، بل هو أمر لا شعوري أبدًا، تماما مثلما يتأثر الشخص الذي يسكن في غير موطنه بلهجة أهل ذلك البلد بشكل غير شعوري. ومكة لم تكن مدينةً مقدَّسةً فحسب بل مدينة تشهد أسواقًا متعدّدة، تحضرها العرب للبيع والشراء، وللندوات الأدبية التي كانت تُعقد في هذه الأسواق، ومن أشهرها سوق عكاظ؛ وهذا ما كان سببًا لاختلاط أهل مكة بوفود قبائل العرب، وظهور البذرة الأولى للُّغة المشتركة التي نمت وازدهرت بينهم، وعندما عادت هذه الوفود إلى مواطنها حملت إليها تلك اللغة المشتركة، وهكذا انتشرت هذه اللغة في أنحاء شبه الجزيرة، لكنَّها لم تنتشر -على الأرجح - إلَّا بين الخاصّة منهم، أي الشعراء والخطباء. وأمَّا السبب الاقتصادي فيعود إلى النشاط الاقتصادي الضخم الذي حَظِيَ به أهلُ

ص: 51


1- انظر: ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، لا ط ،المغرب، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ،1387ه-.ق، ص208. وهناك أدلة أخرى تعارض القول بالمساواة بين لهجة قريش واللغة المشتركة (انظر: حسان، الأصول دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب، م.س، ص 71-73).

مكة؛ إذ كانوا تُجَارًا يرتحلون بتجارتهم إلى اليمن في الشتاء، وإلى الشام في الصيف، بحيث أتاحت لهم هذه التجارة المربحة السلطان السياسي، وأصبحوا أكثر حضارةً وأقوى نفوذا من غيرهم(1).

إذًا، الأصح القول إنَّ هذه اللغة المشتركة هي مزيجةً من لهجات عربيَّةٍ، مبنيَّةٍ على لهجة قريش، وقد كانت مفهومةً لدى جميع العرب؛ لذلك أنزل الله بها القرآن المجيد؛ لكي يؤثر في مستمعيه ويُعجزهم عن الإتيان بمثله. هذا، مضافًا إلى ما لهذه اللغة من خصائص تبرّر اختيارها لتكون لغة القرآن الكريم، ومن هذه الخصائص:

-الخاصّيَّة الأولى: كونها أرقى مستوى من كلّ لهجةٍ كانت شائعة في بيئة نزول القرآن الكريم: فقد كانت هذه اللغة فوق مستوى العامة، أي لم يكن بمقدور عامة العرب استخدامها في محادثاتهم اليومية، بل كان الشعراء والخطباء هم الذين يستخدمون هذه اللغة التي كانت ذات مرتبة مرموقة في المتخيّل العام(2).وهي أفصح اللغات؛ فقد خلت مما يخلّ بالفصاحة، وبقيت فيها عناصر تجعلها صعبة التناول لعامَّة الناس. وهذا ما عبّر عنه بعض علماء البلاغة بقوله إنّما يُدرك إعجاز القرآن «من كان متناهيًا في معرفة وجوه الخطاب وطرق البلاغة والفنون التي يمكن فيها إظهار الفصاحة »(3)؛ذلك لأنَّ القرآن الكريم نزل بهذه اللغة التي هي لغة الأدب، لغة أهل الاختصاص، وبينما كان الجميع قادرًا على فهمها، لم يكونوا قادرين على التكلُّم بها، فكانوا ينظرون إلى متكلّمها وكأنّه أديب بارع. ومن هذه العناصر عنصر الإعراب الذي يمثل الميزة التفوقيَّة للعربية الفصحى، بناءً على ما صرح به بعض العلماء الأسلاف من أنَّ العرب لم يكونوا يحققون الإعراب(4).

- الخاصّيَّة الثانية: عدم انتماء عناصرها أو صفاتها إلى بيئة محلّيَّة بعينها:

ص: 52


1- انظر: عبد التواب، فصول في فقه العربية، م.س، ص 78-80.
2- م.ن، ص 80.
3- الباقلاني، محمد بن الطيب: إعجاز القرآن تحقيق أحمد صقر، لا ط، مصر، دار المعارف، 1997م، ص26.
4- انظر: الآبي، منصور بن الحسين: نثر الدرّ في المحاضرات، تحقيق: خالد عبد الغني محفوظ، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1422ه-. ق، ج 7، ص 82.

لم يكن سهلا على من يستمع إلى شعر شاعرٍ أو كلمة خطيب اكتشاف لهجتهما الأصلية. وببيان آخر: كانت هذه اللغة المشتركة مزيجةً من اللهجات، وفي الوقت ذاته مستقلةً عنها(1).والشاهد على ذلك هو خلوها من الصفات اللهجية التي سبقت الإشارة إليها. وعليه، لم تكن هذه اللغة تابعةً لقبيلة معيّنة أو محسوبةً على أهل قبيلة محدَّدة، حتّى يكون النصّ المنشأ بها محلَّ رفض لمواصفاتها القَبَلِيَّة؛ ولذلك اختيرت من بين اللغات لتكون لغة القرآن الكريم؛ لئلا يتّصف كلام الله -تعالى- بسماتِ قبيلة محدّدة، فيقتصر عليها، بل ليتمكّن من التغلغل في قلوب العرب برمَّتهم، ولئلا يَحُولَ اختصاصه بلهجةِ إحدى القبائل دون قبوله من قِبَل القبائل الأخرى.

- الخاصّيَّة الثالثة: عدم كونها لغة سليقة العرب:

بمعنى أنَّهم كانوا يتكلمون بها بلا وعي بخصائصها. والأخبار التي تحكي الألحان الواقعة في كلامهم خير دليل على هذه الحقيقة(2)؛ فإنّ مَنْ يتحدَّث بلغةٍ على سليقته لا يُخطِئ في ظواهر تلك اللغة - من التركيب في أصولها، أو ترتيب كلماتها، أو الأساليب المستخدمة فيها- دون أن يدرك أنَّه أخطأ، فالعربي لا يخطئ في عاميَّته، وإِنْ زَلَّ لسانه وارتكب هفوةً رجع عنها في لمح البصر(3)؛ لأنَّ العامية هي لغة سليقته لا العربية الفصحى، فأحيانًا يُخطئ في الفصحى، كما كان العرب قبل الإسلام وبعده يُخطئون بين الفينة والأخرى في تلك اللغة المشتركة التي كانت تُستخدم في مجال الأدب، كالشعر والخطابة، ولا التحادث اليومي وما يجري في الأسواق. وما يلفت الانتباه هو أنَّ اللحن لم يكن مقصورًا على الناس العاديين، بل كان فحول الشعراء الجاهليّين -أيضًا- يلحنون بعض الأحيان، ومن أمثلة ذلك: ما يسمى عند علماء العروض بالإقواء(4)، وهو أنَّ

ص: 53


1- انظر: عبد التواب، فصول في فقه العربية، م.س، ص 82.
2- انظر: حسام الدين، العربية تطور وتاريخ، م.س، ص 37.
3- انظر: أنيس إبراهيم، من أسرار اللغة لا ط القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1966م، ص189.
4- أقوى في الشعر أي خالف بين قوافيه، برفع بيتٍ وجرٌ آخر. وقال الأخفش : وقد سمعت هذا من العرب كثيرا لا أُحصي، وقلت قصيدة ينشدونها إلا وفيها إقواء ابن سيده علي بن إسماعيل : المحكم والمحيط الأعظم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1421ه-.ق، ج 6، ص 460).

الشاعر الذي يلتزم حركةً معيَّنةً في رَويّ القصيدة -أي يختار حركةً معيَّنةً لجميع الأبيات- قد يغفل عن الإعراب -الذي ليس من لغة سليقته- فيجرّ ما حقه الضمّ أو العكس؛ احتفاظًا بموسيقى القصيدة(1). وهذا يُثبت أنَّ الإعراب -أحد خصائص اللغة المشتركة - لم يكن لغة سليقة العرب(2)، بل كانوا يلحنون عند التحدث بها.

وخلاصة ما تقدَّم هو: أنَّ القرآن الكريم نزل بلغة مشتركة بين جميع العرب، لغة مزيجة من مختلف اللهجات، مبنية على لهجة مكَّة أم القرى، فهي أقرب إلى لهجة قريش من غيرها، وتختلف عنها في ظواهر عدَّة. ولقد نشأت هذه اللغة منذ القرن السادس الميلادي في مكَّة بشكل لا شعوري عند اختلاط الوفود العربية، وترعرعت في الأسواق الأدبيَّة، وانتشرت منها إلى أرجاء شبه الجزيرة العربية. فهي لغة الأدب، ذات المكانة الأرقى والأسمى بين اللهجات الدارجة بينهم، وما كانت لغة تعاملهم اليومي، وكانوا يلحنون فيها، حتَّى الشعراء منهم؛ إذ لم تكن لغة سليقتهم، وكان الجميع أمامها سواء، أي لم تختص بإحدى القبائل، حتّى تكون معرفة موطن الناطق بها أمرًا سهلًا . وعليه، فليس من الإجحاف أن ننسب الخلافات التي وقعت بين النحاة إلى عدم إيضاح الفارق بين اللغة الأدبية المشتركة -التي أنزل الله تعالى بها القرآن - وبين لهجات الخطاب في أذهانهم(3)؛ لأنّهم كانوا يتطلعون إلى تخريج قواعد اللغة العربيَّة التي نزل بها القرآن، بغضّ النظر عن أنَّها ليست لغة قريش أو لهجة قبيلة أخرى بعينها، بل هي لغةً مشتركة بين العرب، متكونة من أفصح مفردات شتّى اللهجات وتعابيرها.

4 - الخط العربي:

اشارة

يدَّعي لكسنبرغ - كما تقدَّم - أنَّ الخط العربي اتَّخذ الخط السرياني أنموذجا له، واحتذاه في تطوره، وأنَّه لا وجود لكتابة عربيَّةٍ قبل القرآن الكريم إلَّا في عددٍ ضئيل من النقوش. وهذه الدعوى من الأهمِّيَّة بمكان؛ لأنَّ لكسنبرغ يراها مبررًا لتغيير

ص: 54


1- انظر: عبد التواب، فصول في فقه العربية، م.س، ص 91-92.
2- انظر: من، ص94.
3- انظر: م.ن، ص 101.

كتابة القرآن الكريم كيفما يشاء. وعليه، فإذا ما ثبت خلاف هذه الدعوى انهار أحد أهم أركان نظريته، واتضح ضعف دعاويه الأخرى التي تفرعت على هذه الدعوى. وردًّا على هذه الدعوى لا بدَّ من تقديم خلاصة لتاريخ الخط العربي قبل الإسلام.

قضى الإنسان قرونًا كثيرةً دون أن تكون له معرفةً بالكتابة، حتّى إذا خطا خطوةً نحو الحضارة والتجارة أدرك الحاجة إليها، فبدأ برسم صُورٍ، ليعبر بها عما يدور في خلده، وينقل المعنى إلى ذهن مخاطبه فلما أتعبه رسم هذه الصور عمل على تبسيطها وتحويلها إلى رموز، ومن ثَمَّ إلى الأبجدية وهذا ما يُعرف بأطوار الكتابة، وهي خمسة على التفصيل الآتي:

الطور الصوري: اعتمد فيه الإنسان على تصوير ما يريد، فكان يرسم شجرةً دلالةً عليها، ويمثَّل ذلك الخطّ الهيروغليفي في مصر، والحثي في الشام والآشوري (المسماري) في العراق أثناء القرن السابع قبل الميلاد، والصيني(1).

- الطور الرمزي : وظف فيه الإنسان الرموز للتعبير عن الأفكار المجرَّدة، فكان يرسم تاجًا ليدل على الملك، وتوجد أمثلة له في الخطَّين الهيروغليفي والصيني(2). ويمكن اعتبار إشارات المرور مثالا لها في عصرنا هذا.

- الطور المقطعي: ويُعدّ هذا بداية الكتابة الهجائيَّة؛ إذ انتقل فيه الإنسان من الرسم إلى اللغة. فإذا أراد أن يعبّر عن الفعل «يدرس» مثلا، رسم يدًا غير قاصد اليد نفسها، بل لفظها. والخطّ البابلي والمصري القديم من أمثلته.

- الطور الصوتي: وضع فيه الإنسان صورًا للدلالة على الحروف، فكان يرسم عين إنسان -مثلا- ليدل على حرف العين، لا على عين الإنسان أو لفظة «عين» نفسها.

- الطور الهجائي: وهو الطور الأخير، وقمَّة تطوُّر الإنسان من حيث الكتابة، وفيه استخدم الإنسان رموزًا تدلُّ على الحروف(3).

ص: 55


1- ومن أمثلة ذلك كلمة 88 الصينية بمعنى الاتِّباع، وهي تشبه رجُلين يمشي أحدهما خلف آخر.
2- ومن أمثلة ذلك كلمة X الصينية بمعنى الكبير، وهي تشبه رَجُلاً فاتحا يديه.
3- انظر: الرفاعي، بلال عبد الوهاب: الخط العربي تاريخه وحاضره، دمشق: بيروت، دار ابن كثير، 1410ه-. ق، ص16-18.

إذَا، الخطوط المستعملة اليوم تعود إلى الأصول الأربعة التي ذكرت في الطور الصوري، وما يهمنا -هنا- هو الخط المصري القديم(1)االذي يُعتبر الحلقة الأولى للخط العربي. فبينما استُخدم في بلاد الرافدين القصب بغرزه في ألواح الطين الطري، وبدت الكتابة بشكل المسامير، استُخدم في وادي النيل ورق نبات البردي -الذي يكثر في مستنقعات -البلاد وظهرت الكتابة الهيروغليفية(2). وكان الفينيقيون(3)أكثر الناس اشتغالًا بالتجارة ومخالطةً للمصريين(4)، فأخذوا الكتابة المصرية -بعد حذفهم - الصور وجملة من الحروف منها- واختاروا منها اثنين وعشرين (22) حرفًا توافق الأصوات الموجودة في لسانهم ولم يُدخلوا تغييرًا كبيرًا على خمسة عشر (15) حرفًا منها(5).وبهذا، تكون الكتابة الفينيقيَّة هي الحلقة الثانية للخطّ العربي. ولكن ثمة خلاف بين علماء الآثار في اشتقاق هذا الخطّ من الخط المصري، حتى تم العثور(6)على النقوش السينائيَّة(7)،وعُدّت هذه النقوش الحلقة المفقودة بين الكتابة المصرية القديمة والكتابة الفينيقية(8). وانتشرت الكتابة الفينيقية عبر تجارتهم البحرية لتصل إلى بابل، ومن ثَمَّ شاع استعمالها في العراق وفارس وغيرهما(9). كذلك أخذ اليونانيون

ص: 56


1- للخط المصري القديم أنواع ثلاثة: النوع الأوّل: الهيروغليفي، أو الخط المصري المقدس، وكان خاصا بالكهنة وخدمة الدين، ولا يعرفه غيرهم النوع الثاني: الهيراطيقي، وهو خط عمال الدواوين وكتاب الحكومة النوع الثالث: الديموطيقي، وكان خط العامة من الشعب وأبسط الأنواع الثلاثة (انظر : ناصف حفني حياة اللغة العربية، لا ط، لام، مكتبة الثقافة الدينيَّة 1423ه-. ق، ص 54-55).
2- انظر: الرفاعي، الخط العربي تاريخه وحاضره، م.س، ص19.
3- وهم شعب سامي قريب من الأصل الآرامي والعبري، كانوا يسكنون المنطقة الواقعة بين البحر [المتوسط والجبال على أراضي الشاطئ الخاضع للمصريين وسكان بلاد الرافدين في بادئ الأمر، كانوا مزارعين بارعين، استطاعوا رفع استثمار سهولهم الخصبة ورفع قيمتها؛ لكنَّهم انتهزوا فرصة وضعهم الجغرافي، فأقبلوا على التجارة البحرية. وبعد حرب مدمرة في أوائل القرن الثاني عشر قبل الميلاد قسم الفينيقيون إلى مجموعات ثلاث وسقطت الحضارات الفينيقية أثناء القرن الثامن قبل الميلاد إلا واحدة منها، حتّى فتحها إسكندر، حيث أصبحت يونانيةً طوال القرن الرابع قبل الميلاد انظر الي آن بيرثييه أني تاريخ الخط العربي وغيره من الخطوط العالمية، ترجمة: سالم سليمان العيسى، لا ط دمشق، الأوائل، 2004م، ص76-77)
4- انظر: ناصف، حياة اللغة العربية، م.س، ص55.
5- انظر: ماسبيرو، غاستون: تاريخ المشرق، ترجمة: أحمد زكي، لا ط، القاهرة هنداوي، 2014م، ص146.
6- في منطقة اسمها سرابيط الخادم
7- وهي أوّل ظهور للحروف الهجائية، وقد خلّفها [العمال] المصريون في مناجم سيناء، التي يرجع تاريخها إلى عام 2500 أو 1500 قبل الميلاد انظر)) ديورانت ويل قصَّة الحضارة ترجمة زكي نجيب محمود وآخرون، لا ط، بيروت، دار الجيل 1408ه-.ق، ج2، ص109).
8- انظر: آذرنوش، آذرتاش: تاریخ فرهنگ و زبان عربی ،تهران ،سمت، 1381ه-.ش، ص 30.
9- انظر: ضمرة، إبراهيم: الخط العربي جذوره وتطوّره، لا ط، الأردن، مكتبة المنار، 1407ه-.ق، ص28-29.

أبجديتهم عن الفينيقيين في ما بين القرن الثامن والتاسع قبل الميلاد، ويشهد لذلك عدم وجود نص يوناني سابق للقرن الثامن قبل الميلاد(1).

وبينما كان الفينيقيون يسيطرون على ساحل البحر الأبيض المتوسط وموانئه، كان الآراميون إلى الخلف في سوريا وبوادي الشام مسيطرين على محطات القوافل المطلّة على خطوط التجارة البريَّة القديمة(2)، فأخذ الآراميون الأبجدية الفينيقيَّة ونشروها في معظم أنحاء آسيا حتَّى التخوم الصينية(3)، وأصبح الخطّ الآرامي مستخدمًا من مصر إلى الهند، وقد تبنته حتَّى بعض الشعوب غير السامية، مثل: سكان آسيا الوسطى وفارس(4)، وتولَّدت منه خطوط أخرى: كالخطّ الهندي؛ والفارسي القديم؛ والعبري المربع؛ والتدمري؛ والسرياني؛ والنبطي(5). وقد كانت الآرامية لغة كتابة في بعض المناطق عربيَّة اللغة والمجاورة لمحيطها الجغرافي، وهي واضحة التأثير في اللهجات العربيَّة البائدة(6)، خصوصًا في اللهجات العربيَّة الشمالية القريبة من مناطق التغلغل الآرامي، أي شمال الحجاز المحاذية لتخوم الدويلات الآرامية(7). فيمكن اعتبار الخط الآرامي ثالث حلقة من حلقات الخط العربي على رأي المستشرقين(8).

ص: 57


1- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص49.
2- انظر: ظاظا، الساميون ولغاتهم، م.س، ص 87.
3- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص50.
4- انظر: زالي؛ بيرثييه، تاريخ الخط العربي وغيره من الخطوط العالمية، م.س، ص 78.
5- انظر: ناصف، حياة اللغة العربية، م.س، ص 57.
6- أو عربية النقوش وهي العربيَّة التي وصلتنا من خلال النقوش القديمة، وقد كانت منطوقة عند جماعات سكنت شمال شبه الجزيرة وبادت قبل الإسلام وتختلف هذه اللهجات عن عربيّة نجد والحجاز - أو ما تُسمّى بالعربية الباقية أو الفصحى - وهي متأثرة بالآرامية نتيجةً لبعدها عن موطنها الأصلي ( انظر : حسام الدين العربيَّة تطور وتاريخ ، م.س، ص 70-71 من أقدم هذه النقوش ما اشتهر لدى العلماء ب- «الثمودية واللحيانيّة والصفوية»، والتي عُثر عليها في أعالي الحجاز وتيماء ومدائن صالح (الحجر) والعُلا (ديدان) وشرق الأردن وشبه جزيرة سيناء وتلال أرض الصفاة .وغيرها. تشبه خطوط هذه النقوش الخطوط السبئية والمعينيَّة أي العربية الجنوبية، وهي خالية من الحركات وحروف المد واللين. ويرى بعض المستشرقين أنَّ أصحاب هذه النقوش عرب من جنوب شبه الجزيرة استوطنوا شمالها وجلبوا معهم الخط الجنوبي، وهناك من يردّ عليهم، قائلًا: إنّ هذه النقوش ليست ذات طابع حضاري بل هي نوع من كتابات البادية (انظر: عبد التوّاب فصول في فقه العربية، م.س، ص 50-54).
7- انظر: الشمري، نهاد حسن حجي: انظرية التأثير الآرامي في اللهجات العربية البائدة دراسة سامية مقارنة)، مجلة لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعيَّة، المجلد 3، العدد 32، 2019م، ص20.
8- هناك من الباحثين العرب -غير القدامى- من يعارض هذه النظرية والمصادر التي راجعناها سابقًا توافق آراء المستشرقين، وإن كانت من الكتاب المسلمين.

ولكن هناك عددٌ مِنَ الباحثين العرب يرون أنَّ الخط المسند هو الحلقة الثالثة من حلقات نشأة الخط العربي. ومن أدلتهم النقوش التي عُثر عليها في المناطق الشمالية من شبه الجزيرة العربية وهي مكتوبةً بالخطوط الجنوبية، وكذلك وجود بعض الحروف في الخط المسند (ث/خ/ذ/ض/ظ/غ) التي لا توجد في الآرامية. وتؤيد رأيهم جملةٌ من الروايات المرسلة(1). وجدير بالذكر أنَّ الخط المسند(2) - وهو الخط العربي الجنوبي، ويتمثل في الكتابات المعينيَّة والسبئية والحضرمية والقتبانية والحميرية - قد شاع استخدامه في أنحاء شبه الجزيرة قبل الميلاد. ويتألف هذا الخط من تسعة وعشرين (29) حرفًا صامتًا، لا تُكتب فيها حركات أبدًا. ويُكتب من اليمين إلى اليسار كما يمكن عكسه، كذلك من الأعلى إلى الأسفل أو العكس، أو بشكل لولبي، كما يحلو لكاتبه. وحروف هذه الكتابة غير متصلة، ويُفصل بين كلماتها بخطوط مستقيمة عموديّة. وهناك خلاف بين علماء الآثار في أصل الخطّ المسند، أهو مأخوذ من الأبجدية الفينيقيَّة أو الكنعانية أو السينائية، أو من أصل لم يُعرف بعد ؟ وقد اشتقت منه الخطوط اللحيانية والثمودية والصفوية في المناطق الشماليَّة، والحبشية والجعزيَّة في المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة(3).

وما ينفي رأي أولئك الباحثين هو الاختلاف الشديد بين الأبجدية الجنوبية (المسند) والأبجديَّة العربية القديمة(4)، كما صرح بذلك بعض علماء اللغة القدماء. وفضلا عن هذا الاختلاف، فإنَّ النقوش التي كتبت بالخطوط الجنوبية في المناطق الشمالية هي من آثار الاستعمار اليمني لتلك المناطق، وقد زالت بزوال ذلك السلطان(5)، فلا وجود لنقش من هذه النقوش -أي الثمودية واللحيانية والصفوية،

ص: 58


1- سيأتي الكلام عنها لاحقًا.
2- زعم البعض أن هذه التسمية أُطلقت على هذه الكتابة؛ لأنها تُسند إلى النبي هود(علیه السّلام)(انظر: القلقشندي، أحمد بن علي صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية لا ت، ج3، ص13)، أو لأنّ حروفها تُرسم على هيئة خطوط مستندة إلى الأعمدة (انظر: ولفسون تاريخ اللغات السامية، م.س، ص244). ولكنَّ الصحيح هو أن لفظة «المسند» أو على الأصح «مزند» - تعني «الكتابة» في العربية الجنوبية (انظر: علي المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، م.س، ج 15، 209.
3- انظر: علي، المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، م.س، ج 15، ص 204-215.
4- انظر: نامي، خليل يحيى: أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، لا ط القاهرة، مطبعة بول باربيه، 1935م، ص4.
5- انظر: الرفاعي، الخط العربي تاريخه وحاضره، م.س، ص31-32.

التي كتبت بأقلام قريبة الشبه من الخط المسند - بعد القرن الرابع للميلاد(1)؛ حيث ترك العرب القاطنون في شمال شبه الجزيرة الخط المسند وأقبلوا على الخطوط الشماليَّة(2).فليس من المستبعد أن يكون هذا الإعراض عن الخطوط الجنوبية من أجل هيبة الإمبراطورية الفارسية -التي اختارت الآرامية لغةً للكتابة- بينما كانت الإمبراطورية اليمنية -التي كانت تستخدم الخطّ المسند- في حالة الانهيار(3)، وما يفسّر هذا الإعراض أيضًا - رغم وجود حروف فيها لا توجد في الأبجدية الآرامية- هو مرونة الخط الآرامي في مقابل المسند(4).إذًا، ليس الخط المسند من حلقات الخطّ العربي، بل الخطّ الآرامي هو الحلقة الثالثة، كما تؤيد ذلك النقوش المكتشفة(5).

أمَّا الحلقة الرابعة، فلعلها أكبر موضع للخلاف حول أصل الخط العربي، وفيها أقوال عدة، يمكن حصرها في أقوال ثلاثة:

- القول الأوّل: ما ورد في الروايات والأخبار من نسبة أصل الكتابة إلى بعض الأنبياء أو إلى بعض الأشخاص

- القول الثاني: القول بأنَّ الأصل السرياني هو أصل الخط العربي، وهو قول لكسنبرغ

- القول الثالث: القول بأنّ الأصل النبطيّ هو أصل الخط العربي، وهو قول معظم المستشرقين والباحثين المسلمين.

فلا بد من دراسة هذه الأقوال، وتمييز الغثّ والسمين منها؛ ليتّضح القول الأصح من بينها؛ وذلك على ضوء الوثائق والمعطيات العلمية التي بين أيدينا في عصرنا الراهن.

ص: 59


1- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص 241-253.
2- انظر: آذرنوش، تاریخ فرهنگ و زبان عربی، م.س، ص34.
3- انظر: كانتينو، ج. اللغة النبطية، ترجمة: مهدي الزعبي، لا ،ط، الأردن وزارة الثقافة، 2015م، ج 1، ص 31.
4- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص263.
5- كان المستشرقون في البداية يحسبون المسند من حلقات الخط العربي؛ لكنّهم تراجعوا عن هذا الرأي عندما توصلوا إلى وسائل مادية تُثبت خلافه (انظر: الجبوري، سهيلة ياسين الخط العربي وتطوّره في العصور العبّاسيّة في العراق، لا ط بغداد المكتبة الأصلية 1962م، ص 15).
أ- الرأي التقليدي:

هناك عدد من الروايات والأخبار يُنهي الخلاف السائد بين العلماء في أصل الخطّ العربي، ويحل المعضلة بكل بساطة، ألا وهي أخبار اختراع الخطّ على أيدي أحد الأنبياء العظام(علیهم السّلام)، كما ورد في خبرٍ أنَّ أوَّل من كتب بالعربي والسرياني وغيرهما آدم(علیه السّلام)، وذلك قبل موته بثلاثمئة سنة، كتبه في طين وطبخه، فلما أصاب الأرض الغرق وجد كلُّ قوم إحدى الكتابات فكتبوا بها، وكتب إسماعيل(علیه السّلام)بالكتابة العربية(1). وبما أنَّ العرب -وفقًا للمتخيل العام- من ولد إسماعيل(علیه السّلام)(2)، يعود أصل الخط العربي لديهم إلى نبي الله إسماعيل(علیه السّلام). وهناك أخبار تنسب اختراع الخط إلى أولاده(3)، أو إلى هود(علیه السّلام)، وتُشدّد على تعلّمه إيَّاه بالوحي الإلهي(4). وقد ربط بعض الأعلام القدامى بين هذه الأخبار وبين الآيات الأولى من سورة العلق(5). لكن الحقيقة هي أنَّ هذه الرويات وضعت لتفسير تلك الآيات والنظريات العربية التي كانت شائعة في ذلك الزمن(6)؛ فإنَّ الخطّ من الصنائع البشرية الحضارية(7)، وليس وحيًا إلى الأنبياء والرسل. ونظرية توقيفية الخط مرفوضة؛ لأنَّها لا تقوم على أساس علمي صحيح، بل هي مجرَّد أخبار وردت بلسان «روي» أو «قيل»، وليس لها سند يمكن التعويل عليه.

ثمة قسم آخر من الروايات لا يختلف عن سابقه في الصحة والصدق، وهي الروايات التي تنسب اختراع الخط إلى أشخاص معيَّنين: منها ما روي عن الشرقي بن القطامي: اجتمع ثلاثة من طيء وهم مرار (مرامر) بن مُرَّة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة، فوضعوا الخطّ وقاسوا الأبجدية العربيَّة على الأبجدية السريانية،

ص: 60


1- والخبر مروي عن كعب الأحبار. (انظر: الصولي، محمد بن يحيى أدب الكتاب، تصحيح : محمد بهجة الأثري، لا ط، مصر؛ بغداد المطبعة السلفية، المكتبة العربية 1341ه-. ق، ص 28).
2- انظر: ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، م.س، ج 1، ص7.
3- انظر: ابن النديم، محمد بن إسحاق: الفهرست، تحقيق: إبراهيم رمضان، بيروت، دار المعرفة، 1417 ه-.ق، ص 14.
4- انظر: القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، م.س، ج1، ص480.
5- انظر: ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، م.س، ص 15.
6- انظر: نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص 2.
7- انظر: ابن خلدون، يوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، م.س، ج1، ص527.

فتعلَّمه منهم أهل الأنبار، وتعلَّم منهم أهل الحيرة، ثمَّ تعلم منهم بشر بن عبد الملك - وكان نصرانيا- حينما كان مقيمًا بالحيرة، فأتى مكّة، فطلب منه سفيان بن أمية وأبو قيس بن عبد مناف أن يعلمهما الخط العربي، فعلمهما. ثم تعلَّمَ غيلان بن سلمة من هؤلاء الثلاثة الخطّ في الطائف، ثم ذهب بشر إلى مضر وعلم عمرو بن زرارة الخط، وأخيراً ذهب إلى الشام وعلم الناس الخطّ. كذلك تعلّم -أيضًا- رجلٌ من طابخة كلب الخطّ من أولئك الثلاثة الطائيين، ومنه تعلَّمَ أهل وادي القرى الخط(1). ورُوي مثل ذلك عن ابن عباس -أيضًا-، لكن فيه: وضع مرار الصور (أي الحروف)، ووضع أسلم الفصل والوصل، ووضع عامر الإعجام(2). وعنه في خبر آخر أنَّ قريشًا تعلمت الخطّ من حرب بن أُمَيَّة، وتعلَّمَ حرب من عبد الله بن جدعان، وتعلَّم عبد الله من أهل الأنبار، وتعلموا جميعًا من رجل يمني من كندة مرّ بهم، وتعلَّم هو من الخلجان بن القاسم، وهو كاتب الوحي لهود(علیه السّلام)(3).

ويُستنتج من هذه الأخبار أنَّ الخطّ العربي مأخوذٌ من أهل الحيرة، وهم الذين أخذوه من أهل الأنبار، كما يصرح بهذا بعض الأخبار(4)، وربما تعلم هؤلاء من أهل اليمن، كما يؤيد هذا الأخير ما ورد في بعض الكتب أنَّ العرب كانت تُسمِّي خطّهم ب-«الجزم»، فقالوا في تسميته: لأنه جُزم -أي قُطع- من المسند(5).وقالوا [أوَّل] من كتب بالجزم رجل من بني مخلد بن النضر بن كنانة، ومنه تعلَّمت العرب(6). وهناك رواية أقرب إلى الخيال، وهي أنَّ رجالًا أسماؤهم «أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، وقرشت»، وكانوا نزولا مع عدنان بن أدد، وضعوا الكتابة على أسمائهم، وأضافوا إليها الحروف التي لم تكن في أسمائهم (ث//ذاض/ظ/غ)(7)، وقيل: إنَّهم

ص: 61


1- انظر: البلاذري، أحمد بن يحيى: فتوح البلدان، لا ط، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1988م، ص 452-453.
2- انظر: ابن النديم، الفهرست، م.س، ص14.
3- انظر: ابن الأبار، محمد بن عبد الله التكملة لكتاب الصلة، تحقيق: عبد السلام الهراس، بيروت، دار الفکر، 1415ه-.ق، ج2، ص228. وقيل: إن أول من كتب بالعربي هو نزار بن معد بن عدنان جد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)( الحلبي، علي بن إبراهيم: السيرة الحلبية، لا ط، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1427ه-. ق، ج 1، ص 28).
4- انظر: الصولي، أدب الكتاب، م.س، ص30.
5- انظر: ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، م.س، ج 7، ص 302.
6- انظر: ابن النديم، الفهرست، م.س، ص 14.
7- انظر: ابن عبد ربه، أحمد بن محمد: العقد الفريد، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1404 ه-. ق، ج4، ص 239.

كانوا من الملوك(1). وقد أشرنا - في ما سبق - إلى أنَّ الخطّ العربي لم يُشتق من المسند، بل أخبار ذلك آحاد بالنسبة إلى ما ينسب أخذه من العراق (الحيرة والأنبار)(2)، وستأتي أدلة أخرى تثبت اشتقاقه من الخطّ النبطيّ.

من نافلة القول: إنَّ الرواية التي تعرّف مخترعي الخطّ رجالًا أسماؤهم الحروف الأبجدية رواية لا يقبلها العقل، وليس أدلّ على سذاجة واضعها أنَّه أخذ الترتيب الأبجدي وزعمه أسماء ملوك(3)، فلا تستحق المناقشة. وأما رواية اختراع الخط على أيدي مرار وأسلم وعامر، فهي ضعيفة من حيث السند؛ الضعف الشرقي بن القطامي، كما ضعَّفه البعض، وقالوا إنَّ في أحاديثه مناكير(4). وعلاوةً على ذلك، فإنَّ فيها أثر الصنعة والاختراع (الأسماء الموزونة: مرة، سدرة، جدرة)(5)،فليست هذه التسميات نتيجة الصدفة(6). هذا فضلا عن أنَّ الكتابات القديمة لم تكن معجمةً كما تدَّعي تلك الرواية أنَّ عامرًا وضع الإعجام، بل إنَّ دراسة النقوش المكتشفة تثبت خلافه(7). وليس من المستبعد أن يكون هذا الخبر وأمثاله موضوعًا؛ لاختلاق فضيلة للذين ذكرت أسماؤهم كمن نقل الخط إلى

الحجاز؛ إذ كانت الكتابة موجودة قبل هؤلاء، كما يشير إليها بعض الأخبار(8).وعليه، يبقى هناك أمران لا بدَّ من الحديث عنهما:

- الأمر الأوّل: إنَّ الرواية التي نقلها الشرقي تقول إنَّ مخترعي الخط العربي وضعوه قياسًا على الخطّ السرياني. وهذا يؤيد نظرية لكسنبرغ.

ص: 62


1- انظر: السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، م.س، ج1، ص294.
2- انظر: علي، المفضّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، م.س، ج 15، ص 168.
3- انظر: الجبوري، الخط العربي وتطوّره في العصور العباسية في العراق، م.س، ص9.
4- انظر: العسقلاني، أحمد بن علي لسان الميزان لا ط، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1406ه-. ق، ج 3، ص 142.
5- واحتمل البعض أنها نعوتُ إيجابيَّةُ باللغة السريانية وليست أسماء أعلام (انظر ،رامیار محمود تاریخ قرآن، تهران، امیر کبیر 1369ه- . ش ص 499).
6- انظر: نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص 3.
7- Nehmé, Laila: A glimpse of the development of the Nabataean script into Arabic based on old and new epigraphic material, In The development of Arabic as a written language, UK: Oxford, 2010, p. 55-59.
8- انظر: نفيسي، شادي؛ حق اللهي، مهديه : [ تأثير عرضه شواهد مادی در گزارشها و آرای خاستگاه و تاریخ خط ابداع عربی]، مطالعات قرآنی و فرهنگ اسلامى، العدد 4،1397ه-.ش، ص 107-108.

- الأمر الثاني: ثمة روايات أخرى تصرّح بأخذ الخطّ العربي من الحيرة والأنبار.

أمَّا بالنسبة إلى الأمر الأوّل فقد تقدَّمت الإشارة إلى أنَّ الرواية ضعيفة السند، وفيها أثر الوضع، وأنَّه ليس من المنطقي الاستناد إليها لإثبات حقيقة تاريخية. هذا، مضافًا إلى أنَّ الرواية وردت بألفاظ أخرى ليست فيها إشارة إلى اختراع الأبجدية العربيّة قياسًا على السريانية(1).

وأمَّا انتقال الخط العربي من الحيرة والأنبار ، فلم يستبعده بعض المؤرخين، وهو ما يشير إليه أحدهم في كلامه عن المدارس التي كانت ملحقة بالكنائس والأديرة في العراق -الحيرة والأنبار بالتحديد - وقتئذ لتعليم الكتابة، وعن الصلة التجارية الوثيقة بين عرب العراق وأهل مكة، بحيث لا يستبعد تعلم الخط منهم، وكذلك التبشير المسيحيّ الذي لعب دورًا مهما في نشر الخط النبطي أو الآرامي المتأخّر في جزيرة العرب، فلعلَّ المبشّرين نقلوا الخطّ إلى الحجاز(2). ولكنَّه نفسه يصرّح في نهاية المطاف أنَّ هاتين المنطقتين -أي الحيرة -والأنبار- لم تعطِ الباحثين أيّ نقّ مکتوب(3)، كما لم تعط مكَّة - أيضًا - أيَّ نصّ جاهلي مكتوب، فلا يمكن البت في الأمر بمجرد هذه الأخبار والروايات(4). ولعل السبب في ذكر هاتين المنطقتين خاصة هو مكانتهما الجغرافية وظروفهما السياسية التي جعلت العرب تزعم أنَّ لهما دورًا خطيرًا في نقل الخطّ إلى الحجاز(5).

ص: 63


1- انظر: ابن النديم، الفهرست، م.س، ص14؛ وانظر« ابن خلكان، أحمد بن محمد وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، لا ط،بیروت، دار صادر، 1900م، ج 3، ص 344؛ وانظر: القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، م.س، ج3، ص149.
2- انظر: علي، المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، م.س، ج 15، ص 169.
3- انظر: علي، المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، م.س،ص170.
4- وجدير بالانتباه أنَّ هذه الأخبار المتناقضة الواردة عن الصحابة والتابعين لم يُسند منها إلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)إلا خبر واحد (انظر: السيوطي المزهر في علوم اللغة ،وأنواعها ،مس باب القول على الخط العربي، ج 2، ص 302293) وهو خبر نقله السيوطي عن أبي ذر عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)أوّل من خطّ بالقلم هو إدريس(علیه السّلام)(م.ن، ص 294)وقد ورد هذا الخبر في بعض المصادر المتقدمة مسنَدًا إلى النبي الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم): (انظر ابن بابويه، محمد بن علي: الخصال، تحقيق: علي أكبر ،الغفّاري، لا ط، قم المقدَّسة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1362ه- ش، ج 2، ص 524) (1362). وفي بعضها عن وهب بن منبه] بغير إسناد إليه(صلی الله علیه و آله و سلم)(انظر: ابن قتيبة عبد الله بن مسلم عيون الأخبار لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1418ه-.ق، ، ص 102). وعلى أي حال فإنّ هذه الرواية لا تدلّ على اختراع الخط العربي على يد هذا النبي(علیه السّلام). إذًا، فالروايات التي تخبر عن نشأة الخط تعبر عن رأي رواتها، وبما أنّهم لم يكونوا من أصحاب الاختصاص في هذا المجال، فلا يعتد بأقوالهم.
5- انظر: نفيسي؛ حق اللهي، تأثير عرضه شواهد مادی در گزارشها و آرای خاستگاه و تاریخ خط ابداع عربی] ، م.س، ص107.
ب- رأي لكسنبرغ :

أمَّا القول الثاني -وهو الأصل السرياني للخط العربي - فلم ينفرد به لكسنبرغ، بل ثمة من وافقه الرأي من مستشرقين آخرين. وقد كانت هذه النظرية موضع تبن من قبل جملة من المستشرقين في القرن الثامن عشر، وأوائل القرن التاسع عشر، إلى أن تمَّ اكتشاف النقوش النبطية والسينائية(1)، حيث بدأت هذه النظرية بالتراجع والبطلان. وعندما أعلن «نولدكه»(2)-في منتصف القرن التاسع عشر- الخطّ النبطيّ أصلًا للخط العربي، ووافقه في ذلك «لاوي»(3)و «دي فوغويه»(4)و«كارباسك»(5)و«أيتينغ»(6)،حصل إجماع على هذا الموضوع؛ ولكن ما هي إلا نصف قرن حتَّى عاد «استركي»(7)وتراجع عن هذا الرأي، ظانا الخط السرياني المتصل أصلاً للخط العربي، من دون أن يعتمد في حكمه النهائي سوى على خبر أورده البلاذري(8)، وهو بنفسه يقرّ بأنَّه لا يوجد إثبات أثري لذلك(9).ولكن ردّ عليه «غروهمان»(10)- في كتابه «دراسة الكتابات العربيَّة القديمة»(11)- مُدَعمًا نظرية نولدكه(12).

وفي أوائل القرن العشرين ادَّعى «مينغانا» أنَّ اللغة العربية لم تكن تمتلك أيّ أبجدية في صدر الإسلام(13)، ولو وجدت كتابة في مكة والمدينة فهي قريبة الشبه

ص: 64


1- Bellamy, James: The Arabic Alphabet, In The Origins of Writing, Lincoln London: University of Nebraska, 1991, p. 99.
2- Theodor Nöldeke.
3- M. A. Levy.
4- Melchior de Vogüé.
5- Joseph von Karabacek.
6- Julius Euting.
7- Jean Starcky.
8- وهو خبر الرجال الطائيين الثلاثة - أي مرار وأسلم وعامر - الذي تقدم إيراده.
9- Grüendler, Beatrice: The Development of the Arabic Scripts: from the Nabatean era to the first Islamic century according to dated texts, Georgia, Scholars Press, 1993, p. 1- 2.
10- Adolf Grohmann.
11- Arabische Palaographie.
12- Madelung, Wilferd: Book Review: Arabische palaographie,journal of Near eastern swtudies,34(3),1975,p.212.والمقیر للغرابة أن لکسنبرغ یذکر هذا الکتاب کمرجع یدعم نظریة (Luxenberg,2007,p.30).
13- Al-Azami, Muhammad Mustafa: The History Of The Qurani Text, England, UK Islamic Academy, 2003, p. 115.

من السريانية أو العبرية(1).ودافعت «عبود»(2)عن هذا المدعى بعض الشيء في كتابها Lنشأة الخط العربي الشمالي»، بتشدُّدها وتأكيدها على تأثير الخطّ السرياني، وبقولها إنَّ الخط العربي المسيحيّ بدأ يفقد تدريجيًا تماثله مع الخط السرياني منذ القرن العاشر للميلاد، وأصبح يشبه الخط العربي الإسلامي، بحيث لا يمكن التمييز بينهما(3).

وهناك من العلماء المسلمين من يرى الخط السرياني أصل الخط العربي، وأدلته في ذلك تتمحور حول تقارب أشكال الحروف بينهما(4). ثمَّ إِنَّ لكسنبرغ -أيضًا - لم يقدِّم دليلًا أثريا لإثبات دعواه، بل اكتفى ببيان القواسم المشتركة بين الخطين، واستنتج منها تطوُّر الخطّ العربي من السرياني. ولكن ليست هذه الخصائص المتَّفقة والحروف المتقاربة في الخطَّيْن إِلَّا لأنَّهما اشتُقَا من أصل واحد -أي الخط الآرامي - وخَضَعَا لظروفٍ واحدةٍ في أدوار متشابهة(5).

وقد أصبحت هذه النظرية - أي الأصل السرياني للخط العربي- مرفوضةً اليوم، خصوصًا بعد العثور على مئات النقوش وأوراق البردي المكتوبة بالخط النبطي المتّصل(6). وبينما لا يوجد أي نقش عربي كُتبت بالخطّ السرياني، ثمة نقوش عربيَّةٌ كثيرة كتبت بالخط النبطي(7).

ص: 65


1- Mingana, Alphonse: The Transmission of the Quran, The Journal of the Manchester Egyptian and Oriental Soeicty, 5, 1916, p. 45 ومن أساتذة علم الإعلام والاتصال الذي تجاهل الخط النبطي يعني أصل الخط العربي على رأي معظم الباحثين - هو هارولد إينيس (Harold Innis) وخالفه تلميذه روبرت لوغان (Robert Logan)معترفا بالخط النبطي أصلا للخط العربي (Mousa, Issam: The Arabs in the First Communication Revolution: The Development of the Arabic Script, Canadian Journal of Communication, 26 (4), 2001, p. 12-13).
2- Nabia Abbott.
3- Abbott, Nabia: The rise of the North Arabic script and its Kur'ānic development, Chicago, University of Chicago, 1939, p. 20- 21
4- نظر: رضا، أحمد: رسالة الخط، لا ط صيدا، مطبعة ،العرفان، 1332ه- ش، ص12.
5- انظر: نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص4.
6- Naveh, 1970, p. 32 هناك من حاول الجمع بين النظريتين -الأصل السرياني أو النبطي للعربي - ولا يرى بأسًا في اشتقاقه من كليهما، وفقًا للدراسات الحديثة (انظر: Mansour, Kamal: On the Origin of Arabic Script, In Proceedings of Graphemics in the 21st Century, Brest, Fluxus Editions, 2018 ).
7- Hoyland, 2008 p. 30
ج - الرأي الحديث:

وهو القول الثالث الذي يرى الخطّ النبطي أصلا للخط العربي، وعليه جلّ الباحثين المعاصرين، من المسلمين والمستشرقين(1).

وقبل الحديث عن الخط النبطي، لا بدَّ من عرض موجز عن تاريخ الأنباط. فقد كان الأنباط شعبًا عربيًّا يعود تاريخهم إلى القرن الرابع قبل الميلاد. وتأسست المملكة النبطيَّة خلال القرن الثاني قبل الميلاد بسبب الاضطراب الذي ساد الإمبراطورية السلوقية، ولكن كانت لازدهارها أسباب اقتصاديَّةٌ؛ إذ كانت مملكتهم تقع على طريق تجاري من الهند والصين إلى منطقة البحر المتوسط في غضون قرنين (من حوالي عام 50 قبل الميلاد إلى 150 بعده)، مضافًا إلى طرق أخرى، ولكنها كانت قليلة الاستخدام(2). وكانت هذه المملكة ممتدة من شمال شبه الجزيرة العربية إلى جنوب فلسطين وبلاد الشام. وكانت عاصمتها الشمالية سلع أو البتراء (أي الصخرة)،الواقعة في وادي موسى بالقرب من معان. وكانت عاصمتها الجنوبية الحِجر أو مدائن صالح، الواقعة على سكة حديد الحجاز في شمال بلاد العرب(3).أما الطرق التي كانت تمرّ بالممكلة النبطية، فثلاثة:

الطريق الأوّل: طريق الخليج الفارسي، مع استراحة في الغرة، وعبور شبه الجزيرة عن طريق يصل لتيماء والحجر.

الطريق الثاني: طريق اليمن عبر صنعاء، فمكَّة، فيثرب، فديدان، ثمَّ إلى الحِجر.

الطريق الثالث: طريق البحر الأحمر، مع استراحة إما في أيلة (في خليج العقبة) وما يصل مباشرة إلى البتراء، وإما في لويكه كومه وما يصل إلى ديدان والحِجر.

وكانت البضائع التي تصل إلى الحجر أو البتراء تُباع في اليونان وإيطاليا ومصر والشام. وهذه التجارة المربحة والثروات الطائلة جعلت الأنباط يأخذون في التوسع

ص: 66


1- يقول أحد الباحثين: لم يبقَ -اليوم- شكّ أنَّ الخط العربي تفرّع من الخطّ النبطيّ (انظر: آذرنوش، تاریخ فرهنگ و زبان عربی، م.س، ص 34).
2- انظر: كانتينو، اللغة النبطية، م.س، ج1، ص 15-16.
3- انظر: نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص16.

والسيطرة على الطرق التجارية أكثر ؛ لكنَّهم لم يستطيعوا الصمود أمام الرومان، على الرغم من أنَّهم تمكَّنوا من السيطرة بقوة على جنوب دمشق ومنطقة حوران، فأسسوا في أطراف الشام مركزاً تجارياً آخر - فضلا عن الحجر والبتراء اسمه بصرى، وظلت في التوسع من شمال الحجاز إلى التخوم الجنوبية للشام خلال القرن الأوّل للميلاد. وقد كانت المملكة النبطيَّة خصمًا للإمبراطورية الرومانية، بحيث أدى هذا الخصام إلى احتلال دمشق من قبل الرومان في منتصف القرن الأول الميلادي، وقبل ذلك ببضعة سنوات أقام الرومان حملةً ضد البتراء، واضطرّ الملك النبطيّ إلى دفع مبلغ هائل؛ بغية شراء السلام وانسحاب جيش الرومان. ويبدو أن الرومان اعتبروا المملكة النبطيَّة ولايةً تابعةً لهم منذ ذلك الزمن. وبما أنَّ هذه التبعية لم تكن مرضيةً للأنباط، أبدوا الرغبة في الاستقلال في مرَّاتٍ عدَّة. فعلم الرومان أن الأنباط ليسوا أتباعًا متمردين فحسب، بل إنّهم منافسوهم في التجارة أيضًا، فحالوا دون حركة الأنباط التجارية نحو مصر ، وازدهرت الحركة التجارية للمينائيين المصريين على البحر الأحمر ، والتي كانت شبه مهجورة قبل ذلك الوقت. ولم تكن حاجةً إلى إبادة تجارة الأنباط بكاملها؛ إذ كان التنافس التجاري على طريق النيل كفيلا بها، فوجّهت الإمبراطورية الرومانية الضربة القاضية لحاكم الشام للمملكة النبطية عام 106 للميلاد عندما احتلت البتراء، لكن بقيت المناطق الجنوبية للمملكة -أي مدائن صالح وشمال الحجاز- مستقلةً، بينما حلّت تدمر محلّ البتراء بوصفها عاصمةً تجاريَّةً(1).

أمَّا الأنباط، فلاشتغالهم بالتجارة شعروا بمسيس الحاجة إلى الكتابة، وقد كانت الآرامية(2)اللغة السائدة يومئذ في بلاد الشرق الأدنى، فاختاروها للكتابة؛ إذ لم تكن بعد للعربيَّة أبجدية، وبقيت العربيَّة اللغة المحكيَّة بينهم للتعامل اليومي(3). وقد عُثر على نقوش نبطيَّةٍ كثيرة في سيناء ودمشق والأردن وصيدا، تحمل أسماء ملوكهم

ص: 67


1- انظر: كانتينو، اللغة النبطية، م.س، ج1، ص 16-21.
2- هناك من الباحثين من يرى الآراميين والعرب البائدة من أصل سامي واحد، وهو العرب العاربة، فالآراميون - أيضًا- عرب حسب هذا الرأي (انظر: الشمري [نظرية التأثير الآرامي في اللهجات العربية البائدة دراسة سامية مقارنة]، م.س، ص22).
3- انظر: عباس، إحسان: تاريخ دولة الأنباط لا ط، الأردن، دار الشروق، 1987م، ص24.

وآلهتهم وأشخاص كُثر(1). ويظهر من هذه النقوش التي كتبت بالخطّ الآرامي - أنَّ اللغة العربيَّة كانت تُستخدم عندهم في الحوارات اليومية؛ نظرًا إلى احتوائها على بعض خصائص العربيَّة التي لا توجد في الآرامية(2).

وقد صرّح عدد من المستشرقين بأنَّ الأنباط عرب من حيث النسب، وكانوا ينطقون بهذه اللغة(3)،وأنَّ الآراميَّة التي استخدموها لتسجيل الكتابات لم تكن لغةً أحاديثهم اليوميَّة(4)، فأدخلوا على كتاباتهم عناصر عربية، خلافًا لغيرهم من العرب الذين كتبوا بالخطّ الآرامي(5). والأسماء الكثيرة التي وردت في النقوش النبطيَّة مع أعاريبها الواضحة تثبت أنّهم كانوا عربا(6).مضافًا إلى ذلك، فقد عُثر في البتراء -عاصمة الأنباط- على مجموعةٍ تضم نحو 140 ورقة بردي(7)، ترجع إلى القرن السادس للميلاد، ورغم أنها مكتوبة باليونانية، لكن فيها عدد لا بأس به من الأسماء العربيَّة، وهذا يكشف بالتأكيد عن اللغة المنطوقة في تلك المنطقة(8). ويردّ أحد المستشرقين على من يزعم أنَّ الآراميَّة لم تكن لغة الكتابة للأنباط فحسب،[بل لغة حواراتهم أيضًا]،قائلًا: تحتوي الأغلبية الساحقة من هذه النقوش على إحدى مفردات «سلم / ذكر /برك»، إلى جانب اسم صاحب النقش، وفضلا عن أنَّ جذروها عربيَّة، تدلّ كثرة ورودها في النقوش على أنَّها فقدت هويتها بوصفها مفردةً آراميَّةً. وما يلفت الانتباه هو نقش جنائزيٌّ عُثِرَ عليه في الحِجر ، وكان كاتبه العربي ينوي أن يكتب بالآرامي، لكنَّه لم يتقن العمل، فخلط بين اللغتين وارتكب

ص: 68


1- انظر: حسام الدين، العربية تطور وتاريخ، م.س، ص 85-86.
2- انظر: نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص 8-10.
3- Cooke, George: A Text-book of North-Semitic Inscriptions, Clarendon, Oxford, 1903, p. xviii.
4- Beeston, 1981, p. 179.
5- Al-Jallad, 2020, p. 40.
6- Nöldeke, 1899, s. 36.
7- وانتشرت تحت عنوان«The Petra papyr» في مجلدات خمسة.
8- Fiema, Zbigniew; Al-Jallad, Ahmad; Macdonald, Michael; Nehmé, Laïla: Provincia Arabia: Nabataea, the Emergence of Arabic as a Written Language, and Graeco-Arabica. In Arabs and Empires before Islam, United Kingdom, Oxford, et al, 2015, p. 422- 423.

أخطاءً في الإعراب والنحو(1).وإذا ثبتت عروبة الأنباط، لا يُستبعد انتقال الخط منهم إلى بني عمومتهم في الحجاز. وما يقوّي هذا الرأي هو وجود سوق نبطيَّةٍ في يثرب في نهاية القرن الخامس للميلاد؛ بما يدلّ على علاقات تجارية بين الأنباط وعرب الحجاز(2).

أمَّا بالنسبة إلى الكتابة، فيتبيَّن من خلال النقوش النبطية أنَّ الخطَّ الآرامي تطوَّر رويدا رويدا ، وابتعد عن أصله شيئًا فشيئًا عند أجيال الأنباط حتَّى أصبح ما يُعرف بالخطّ النبطي(3)، ويُقدَّر حصول هذا التفرَّع في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد. ثمَّ إِنَّ هذا الخط أصبح ذا طابع مميّز في النصف الأخير من القرن الأول الميلادي(4)، ومن ثُمَّ تطوَّر بسرعةٍ مدهشة في غضون القرنين الثالث والرابع، حيث انصبغت النقوش النبطيّة بالصبغة العربيَّة، إلى أن اندثرت الكتابة النبطية في القرنين الخامس والسادس، وتفرعت منها كتابةً جديدة، ألا وهي الكتابة العربية(5). ويصف أحد علماء الساميات سرعة هذا التطوُّر ، قائلًا: «إنَّ الخطّ النبطيّ هو أسرع الخطوط في الابتعاد عن أصله السامي القديم (الآرامي)؛ إذ لا وجود لأدنى تشابه بين حروفه في القرن الأوَّل قبل الميلاد وبين هذه الحروف في ثلاثة أو أربعة قرون سابقة. وتطوَّرَ بعد ذلك -أيضًا - بسرعة، بحيث يختلف تمامًا عن الأبجدية العربيَّة؛ لكنَّ حجم التغيير يختلف وفقًا للمنطقة؛ ففي المناطق الجنوبية - وخصوصًا في سيناء- تفقد النقوش خصائصها بسرعة أعلى من غيرها»(6).

بدأ التنقيب عن آثار الأنباط منذ أوائل القرن التاسع عشر من قبل البعثات الفرنسيَّة والألمانية، وتلتها البعثات الأمريكيَّة، في مناطق البتراء وحوران وبصرى

ص: 69


1- Hoyland, 2004, p. 185-186
2- انظر: الرفاعي، الخط العربي تاريخه وحاضره، م.س، ص 37.
3- انظر: نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص25.
4- انظر: حسام الدين، العربيَّة تطور وتاريخ، م.س، ص 111.
5- انظر: نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص 26.
6- Lidzbarski, Mark: Handbuch der nordsemitischen Epigraphik, Nebst Ausgewählten Inschriften, Leipzig, Weimar, 1898, ss. 194- 195

والحجر والعلا وتيماء وغيرها التي كانت مأهولةً بالأنباط، كذلك طرقهم التجارية، ومن أهمها شبه جزيرة سيناء(1). ومن أهم هذه النقوش التي تُسفر عن مسار تطور الخطّ وتحوُّله من النبطي إلى العربي(2)هي ما اشتهرت بالأسماء الآتية، مرتَّبةً حسب زمن صنعها: أمّ الجمال الأوَّل (270م)، والنمارة ،(328م)، وزبد (512م)، وجبل أسيس (528م) ، حرَّان (568م) ، وأم جمال الثاني (القرن السادس)(3). وتكفّلت جملة من الكتب والمقالات -التي تعالج تطور الخط العربي - دراسة هذه النقوش بعمق وإسهاب، فلا داعي للوقوف على تفاصيل هذه الدراسات ونتائجها، بل تكفي الإشارة الموجزة إليها وحري بالذكر أنَّ «ليلى نعمة» جمعت ما يربو على 110 نقوش نبطيّة، يعود تاريخها إلى ما بين القرنين الثالث والخامس للميلاد، وتحدثت عن الحروف الواردة فيها ، وسمتها «النصوص الانتقالية»(4)؛ لأنَّها تُظهر مسار انتقال الخطّ من النبطي إلى العربي(5).

ولا إشارة إلى النقوش التي دُوِّنت قبل القرن الثالث الميلادي؛ لأنَّها مكتوبةٌ بالخط النبطي الكلاسيكي(6)، وهي تخلو من كلمات كاملة تتفق أشكال حروفها مع حروف الخطّ العربي، وإن كانت فيها حروف مفردةً تتَّفق مع حروف الخط العربي، أو ما يصح أن يكون أصلًا تطورت منه هذه الحروف(7).ومن النقوش التي ترجع إلى النصف الأخير من القرن الثالث هو ما عُثر عليه في بلدة أم جمال من أعمال حوران، ويُظهر هذا النقش أنَّ ملوك العرب أقبلوا على الخطّ النبطي منذ هذه

ص: 70


1- انظر: كانتينو، اللغة النبطية، م.س، ج1، ص34-48. كان معظم علماء الآثار حتى منتصف القرن التاسع عشر يظنُّون أنَّ النقوش والمخربشات السينائية كتبها اليهود أثناء خروجهم من مصر إلى فلسطين؛ ولكن أثبت دي فوغوية» - بعد مقارنة هذه الكتابات والنقوش النبطية أنّها من صنع الأنباط، وأصبح هذا الرأي سائدًا بين العلماء (انظر: الأسد الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص207).
2- وقد عُثر على نقوش أخرى في هذه المناطق، لكنَّها شديدة التأثر بالآرامية ومدوّنة بالخط المسند ومن أشهرها - وسبقت الإشارة إليها- النقوش الثمودية والصفوية واللحيانية (انظر: حسام الدين العربية تطور وتاريخ، م.س، ص74).
3- تأتي صورها ونقحرتها وترجمتها في الملحقات.
4- transitional texts.
5- Nehmé, Laïla: A glimpse of the development of the Nabataean script into Arabic based on old and new epigraphic material, In The development of Arabic a written language, UK, Oxford, 2010, p. 55-59
6- ibid., p. 48.
7- انظر: الأسد، ناصر الدين: مصادر الشعر الجاهلي، لا ط، مصر، دار المعارف، 1988م، ص25.

البرهة من الزمن بدلًا من الخطوط السامية الأخرى؛ كالخطّ اللحياني، والثمودي، والصفوي(1). ثم إنَّ هناك نقشًا نبطيًّا بالغ الأهمِّيَّة يعود إلى القرن الرابع، ألا وهو «النمارة»، الذي عُثر عليه داخل قصر صغير للروم بالقرب من دمشق ومنطقة الصفاة، محفور على قبر الملك امرئ القيس بن عمرو، مكتوب [في الأعمّ الأغلب]

بالعربية الصحيحة الفصيحة(2).

وأول ظهور للنقوش المكتوبة بالخطّ العربي يعود إلى ما بعد القرن الخامس الميلادي(3)، ومن هذه النقوش ما يسمى ب-«زبد»، وهو اسم خربة بين قِنَسرين ونهر الفرات عُثر فيها على النقش المذكور، والنقش مكتوب باللغات الثلاث؛ العربية، واليونانية، والسريانيّة، وهو يشتمل على أسماء الرجال الذين ساهموا في بناء الكنيسة التي وُضع فيها هذا النقش(4).ويماثله نقش آخر اكتشف بحران اللجا الواقعة جنوب دمشق في المنطقة الشماليَّة من جبل الدروز، وهو مكتوب باللغتين العربيَّة واليونانية، موضوع فوق باب الكنيسة التي بنيت هناك، يشتمل على أسماء مؤسسيها وتاريخ إنشائها(5). وهذا النقش أقرب إلى العربية من النقشين السابقين -النمارة وزبد- لغةً وخطَّا(6)؛ فهو أوَّلُ نصّ عربي جاهلي كامل في كلماته كلّها(7).وليس من الصعب على القارئ المتمعّن قراءة هذا النقش ؛ إذ هو قريب جدًا من الخط العربي. العربي. ثمَّ إِنَّ ثمة نقشًا آخر يمكن قراءته بشكل عام، وهو ما يسمّى بجبل أسَيس، اكتشف جنوب شرق دمشق، وهو يدلّ على تطوُّر الخطّ العربي وامتيازه ببعض خصائصه في رسم أشكال الحروف والكلمات في أوائل القر

ص: 71


1- انظر: نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص 69.
2- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص 265. ثمة خلاف بين علماء الساميات أهي بالعربية أو بالآرامية ؟ والراجح من الأقوال هو أنّها بالعربيَّة، وقد قال بذلك «إنّو ليتمان»، و«جيمس بلامي» و«عرفان شهيد» وآخرون، خلافًا ل-«إسرائيل ولفسون» ( انظر: الأسد الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، م.س، ص268-269).
3- Nehmé, 2010, p. 48
4- انظر: ولفسون، تاريخ اللغات السامية، م.س، ص 191.
5- انظر: الأسد، الكتابة من أقلام الساميّين إلى الخط العربي، م.س، ص 277.
6- انظر: م.ن، ص279.
7- انظر: ولفسون، تاريخ اللغات السامية، م.س، ص 193.

السادس الميلادي(1). والنقش الآخر الذي عُثر عليه في أمّ الجمال -المشهور بأم الجمال الثاني- غير مؤرّخ ، ويُحتمل أنه يرجع إلى أوائل القرن السادس للميلاد(2). ومن ميزة هذه النقوش أنَّها تتضمن ظاهرة الإعراب، التي هي من خصائص العربية الفصحى -التي اصطلحنا عليها باللغة المشتركة- والأكادية(3).

ويمكن تلخيص خصائص الكتابة النبطية بالآتي:

- تختلف أشكال بعض الحروف حسب موقعها في الكلمة، وهي من أبرز الظواهر في الكتابة النبطية

- ترتبط الحروف بعضها ببعض منذ أواخر القرن الأول الميلادي، ويتَّسع نطاق هذه الظاهرة في القرنين الثاني والثالث حتَّى يشمل تقريبًا جميع حروف كلّ كلمة في القرن الرابع .

- يُترك بين كلّ كلمتين فراغ يفصل بينهما، وشاعت هذه الظاهرة منذ أواخر القرن الثالث.

- تكتب تاء التأنيث مبسوطةً، كما كانت تكتب في صدر الإسلام.

- تخلو الكتابة من حروف المد، كما يظهر أثر هذه الظاهرة في المصاحف الشريفة.

- لا إعجام في الكتابة النبطيَّة، فكان الكاتب يضع علامة صغيرة فوق بعض الحروف دفعًا للالتباس.

- ابتعدت الحروف النبطيَّة على مرّ الزمن ابتعادًا شاسعًا عما كان أصلها، واقتربت بالتزامن إلى الحروف العربية.

ص: 72


1- انظر: الحمد، غانم قدوري: علم الكتابة العربية، عمان، دار عمار، 1425ه-.ق، ص 45-46.
2- انظر: عبد التواب، فصول في فقه العربية، م.س، ص58..
3- انظر: من، ص60-61. هناك نقش آخر عُثر عليه في القاهرة، وهو ما يُصطلح عليه ب-«أقدم أثر إسلامي»، يعود تاريخه إلى عام 30ه-، ولكن قلمه شبيه جدا بقلم حران المشار إليه (انظر: ولفسون، تاريخ اللغات السامية، م.س، ص 202 203). ونشره حسن محمد الهواري في مجلة الهلال، بتاريخ 1 أغسطس 1930م.

تهدينا مقارنة الكتابات النبطية والعربية إلى القول بأنَّ الخطّ النبطي هو أصل الخطّ العربي، لكنَّ الأمر غير محسوم؛ لضآلة النقوش المكتشفة إلى الآن والفواصل الزمنيَّة بينها. إذًا، أمامنا نظريَّتان حول أصل الخط العربي؛ نظريَّة مبنية على وجود المماثلة بين الخطين العربي والسرياني، وهي التي لا تؤيدها أي مادة تاريخيَّة

كالنقوش والمخربشات وأوراق البردي، فصرف المستشرقون والمسلمون النظر عنها(1)؛ونظرية أخرى مبنيَّة على عددٍ قليل من النقوش التي توحي بأصل نبطي للخطّ العربي. ولا تكافؤ بين أدلة النظريَّتين؛ إذ لا يمكن لأي أحد، وبمجرد وجود مماثلة بين الخطّ العربي وأيّ خطّ آخر، أن يدَّعي تفرُّع الخط العربي منه، من دون تقديم أي دليل تاريخيّ على دعواه، في حين تبقى النظرية الثانية هي الراجحة إلى الآن؛ لابتنائها على وثائق تاريخيَّة(2).

وقد يُطرح سؤال مفاده: إن كان الخط النبطيُّ هو أصل الخط العربي، فلم نجد العرب الذين نشروا تلك الروايات الدالة على انتقال الخط من الحيرة والأنبار إلى الحجاز مشدّدين على هاتين المدينتين، وهي التي تقترح اشتقاق الخط العربي من السرياني؟ والجواب هو: من ناحية، كانت السريانية لا تزال منطوقة في القرون الأولى من الهجرة، ومن ناحية أخرى، كانت المملكة النبطية قد أُطيح بها قبل قرونِ وتلاشى ذكرها(3)؛ وربما السبب في ذلك هو أنَّ الخطّ الكوفّي(4)- القلم الذي كتب به القرآن الكريم - نما وازدهر في الكوفة التي كانت بجوار الحيرة(5).فهذه الروايات

ص: 73


1- في الواقع يخلط لكسنبرغ بين الخطّ الآرامي - الذي هو من حلقات نشأة الخط العربي- وبين الخط السرياني - الذي هو والعربي من أسرة لغوية واحدة -ويُوهم القارئ أنَّ صلة الخط العربي بالآرامي تدلّ على اشتقاقه من السرياني (انظر: صرفي، زهرا: [نقد دیدگاه لوگزنبرگ درباره سرياني بودن خط قرآن در نگارش نخستین] ادب عربي، العدد (1) ، 1395ه-.ش، ص 209).
2- وقد جمع مجموعة من علماء الآثار نقوشًا من القرن الثاني إلى القرن الخامس، تُظهر تطوُّر الخط النبطي إلى العربي بكل جلاء 89 .Al) - Ghabban, 2010, p). وبحثهم منشور في كتاب: The Darb al-Bakrah. A Caravan Route in North-West Arabia Discovered».
3- Bellamy, 1991, p. 101.
4- الخط الكوفي هو الخط العربي، لكنَّه انتشر في الكوفة أكثر من غيرها وترعرع وازداد جودة وجمالاً فيها، وعلى الخصوص في زمن أمير ال المؤمنين(علیه السّلام)، فسُمِّي الخط العربي بالكوفي من باب التغليب (انظر: الجبوري، الخط العربي وتطوّره في العصور العباسية في العراق، م.س، ص39).
5- انظر: حسام الدين، العربيَّة تطور وتاريخ، م.س، ص 123.

تكشف عن المتخيل العام عند العرب في تلك الأيام، ولا تُثْبِتُ حقيقةً تاريخيَّةً يمكن التعويل عليها. هذا، مضافًا إلى أن تطور الخطّ يحتاج إلى مجتمع مدني في غاية الرقي، بحيث يمتلك القوَّة الكافية لاختراع الخط ونشره. والخط السرياني لم يصل قط إلى هذه المنزلة، خلافًا للنبطيّ(1). وعلى الأرجح أنَّ الخط النبطي تحوّل إلى العربي في الحجاز؛ إذ كان أهلها تجارًا مفتقرين إلى الكتابة، وكانوا على علاقة مع أهل الحضارة في اليمن والشام أثناء رحلتي الشتاء والصيف، وكانت الأسواق الأدبية والتجاريّة تنعقد فيها. وعلى الرغم من عدم اكتشاف نقشِ عربي في هذه المنطقة، لكنّ الكتابات النبطية التي عُثر عليها في شمال الحجاز (العلا والحجر) تمتاز عن غيرها باتجاهها السريع نحو الكتابة العربیة(2)،وهذا ما يرجح أيضًا - ما أسلفناه عن أصل الخطّ العربي وتطوره.

5 - مسألة الإعجام:

تجدر - في نهاية المطاف - الإجابة عن شبهة أثارها لكسنبرغ حول إعجام الخطّ العربي وتنقيطه. فهو -كما تقدَّم - يرى ذلك اتِّباعًا للسريانية - لأنَّ فيها يتميز حرفا «i» و «1» بنقطة فوق الأوَّل ونقطة تحت الثاني - ويُرجع تاريخه إلى عهد عبد الملك بن مروان (65-86 للهجرة)، وبالتالي يعتبر عدم وجوده في الكتابات الأولى سببًا للأخطاء في قراءة القرآن وفهمه.

لا ندَّعي أنَّ الكتابات الأولى والمصاحف الشريفة كانت معجمة مئة بالمئة منذ تدوينها؛ لأنَّ النقوش المكتشفة والمصاحف الشريفة التي تعود إلى القرن الأول والقرن الثاني للهجرة تثبت خلاف ذلك(3)، ولكن في الوقت نفسه لا نوافق مع لكسنبرغ على أنَّ

ص: 74


1- Mousa, 2001, p. 30.
2- انظر: نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص 103-106. يعتقد عدد من المستشرقين أن الخط العربي نشأ في طور سيناء، وبعد انتشاره في صحراء الشام، انتقل إلى حواضر الحجاز (انظر: ولفسون تاريخ اللغات السامية، م.س، ص201). ولكن هذا الرأي غير مقبول؛ لأنّ الخط ينمو ويزدهر في الحضارة والعمران ولا في أرض جرداء. وكتابات هذه المناطق الصحراوية كتبتها قوافل العرب الذين اجتازوا هذه الأودية ( انظر : نامي، أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، م.س، ص103).
3- Moritz, Bernhard: Arabic Palaeography: A Collection of Arabic Texts from the First Century of the Hidjra till the Year 1000, Cairo, The Khedival Library, 1905, p. 1- 17.

إعجام الحروف العربيَّة اتِّباع للسريانيَّة، وأنَّه بدأ في عهد عبد الملك.

أَمَّا عدم صحة اتِّباع الخطّ العربي في الإعجام السرياني؛ فلأنَّ هناك عددًا من النقوش النبطية التي تحوي حروفًا معجمة(1).فيمكن افتراض أنَّ الخط العربي اتَّبع النبطي - الذي هو أصله المشتق منه - ولا ضرورة لاتِّباعه السرياني في هذا الموضوع. بل دعوى لكسنبرغ لا دليل عليها إلَّا المماثلة بين إعجام حرفي «6» و«1» في السريانيّة وإعجام بعض الحروف العربيَّة، في حين أنَّ المماثلة نفسها موجودة بين الحروف العربيَّة والنبطيّة(2). فضلاً عن أنَّ الحاجة إلى الإعجام لا تختص بالأبجدية العربية فحسب، بل كلّ من الأبجديات العربية والعبرية (الآرامية) والسريانية ناقصةٌ في تمثيل الأصوات، إلى جانب نقصها في عدد أشكال الحروف أمام عدد صوامتها، وقد انحلت المشكلة في كلّ منها بإضافة علامات صغيرة - كنقطة أو خطوط طفيفة - إلى الحروف فوقها أو تحتها أو بجانبها(3). إذًا، إنَّ دعوى لكسنبرغ من اتِّباع الخط العربي السرياني في الإعجام مردودة عليه، ولا تصح.

وأما دعواه بدء الإعجام في عصر عبد الملك، فلا تصح أيضًا؛ إذ ثمة أدلَّة تُثْبِتُ معرفة العرب بالإعجام قبل ذلك بأعوام، واستخدامه في عدد قليل من الوثائق التي وصلتنا إلى الآن. وعلى فرض صحة ما ورد في الموروث الإسلامي، فإنَّ أوَّلَ من قام بإعجام القرآن هو أبو الأسود الدؤلي؛ وذلك بعد أن طلب منه زياد بن أبيه أن يضع شيئًا يستطيع به الناس إعراب القرآن بشكل صحيح، وكان الداعي إلى ذلك أخطاء العجم المسلمين في قراءة القرآن، فَكَرة أبو الأسود إجابة زياد، ولكنه لما سمع رجلًا يُخطئ في قراءته القرآن، استعظم الأمر وعاد إلى زیاد ولبى طلبه، فاستدعى لذلك كتَابًا، واختارا منهم واحدًا؛ لينقط القرآن كما يعلمه أبو الأسود، بلون يخالف المصحف، فوضع نقطةً فوق الحروف دلالةً على الفتحة، ونقطةً تحتها دلالةً على

ص: 75


1- Nehmé, 2010, p. 55- 58
2- ibid
3- Revell, E.J: The diacritical dots and the development of the Arabic alphabet, Journal of Semitic Studies, 20 (2), 1975, p. 178

الكسرة، ونقطةً بجانبها دلالةً على الضمة، ونقطتين للدلالة على الغُنَّة (التنوين)(1). وكان هذا الحادث في زمن معاوية، أي قبل حكم عبد الملك بسنوات عدة. وقيل: إنَّ أول من نقط القرآن هو يحيى بن يعمر العدواني، وقيل: هو نصر بن عاصم الليثي، ومن المحتمل أنَّهما أخذا ذلك عن أبي الأسود، الذي كان سابقًا عليهما بوضع الحركات والتنوين ثمَّ أخذ الناس عن هذين البصريين التنقيط، وكان لهم تنقيط آخر فتركوه(2).

يعلّق أحمد رضا - على خبر إعجام القرآن على يد أبي الأسود - مستغربًا: «كيف بدأ أبو الأسود بوضع الحركات خوفَ الالتباس في الإعراب، ولم يضع النقط خوف الالتباس في الحروف؟ فإنَّ تقويم أصل الكلمة أولى من تقويم إعرابها»(3). ويقول يوسف ذنون: «لو لم تكن في المصحف] نقط من جنس لون أشكال الحروف لما استعمل أبو الأسود لونا آخر لوضع نقط التشكيل»(4)، ويستطرد قائلاً عن عمل نصر ويحيى: «إنَّهما قاما بعملية تثبيت نقاط محدّدة للإعجام [أي توافق النقاط قراءةً ترتضيها الدولة المروانيَّة]، فلم يتلقَ نمطهما بالقبول عند المغاربة، وتعددت أنماط التنقيط والإعجام في البلدان الإسلاميَّة، كما نجد نموذج ذلك في نقش قبة الصخرة الذي يعود إلى عام 72 الهجري، يعني عهد عبد الملك نفسه، وفيها حروف معجمة تختلف عن طريقة إعجام أهل المشرق والمغرب»(5).

وقيل:(6)إنَّ الحجاج بن يوسف غير في مصحف عثمان حروفًا، منها ﴿هُوَ الَّذِي

ص: 76


1- انظر: الداني، عثمان بن سعيد: المحكم في نقط المصاحف، تحقيق: عزة حسن، لا ط، دمشق، دار الفکر، 1407ه-. ق، ص 3-4.
2- انظر: م.ن، ص 5-7.
3- انظر: رضا، رسالة الخط، م.س، ص30.
4- انظر: ذنون، يوسف: [قديم وجديد في أصل الخط العربي وتطوّره في عصوره المختلفة] مجلة المورد المجلد 15،العدد 4، 1986م، ص12.
5- انظر: ذنون، [قديم وجديد في أصل الخط العربي وتطوّره في عصوره المختلفة]، م.س، ص.12 وانظر صورًا منها في مقالة: "Abd Al Malik's Inscription in the Dome of the Rock: A Reconsideration-" ل- "Christel Kessler" ، المنشورة فى مجلة "Journal of the Royal Asiatic Society of Great Britain and Ireland" سنة 1970م. فحرف القاف - مثلا - (رقم (56) معجم بنقطة تحته.
6- انظر: السجستاني، عبد الله بن سليمان: المصاحف، تحقیق: محمد بن عبده، لا ط، القاهرة، دار الفاروق الحديثة، 1423ه-.ق، ص157،

يَنْشُرُكُمْ﴾، فجعله ﴿يُسَيَّرُكُمْ﴾(1). ولو صح ذلك، فهو يدل على أنَّ تلك الكلمة كانت منقطة قبل زمنه، وإلَّا كيف غيّر قراءتها، والحال أنه لا فرق بين «ينشركم» و «ويسيركم» إلا بالنقط(2). وهذا يردّ الروايات التي تُعرّف نصرا أو يحيى بأوَّل من وضع النقط في زمن عبد الملك بأمر من الحجاج(3)، وهي التي تُرجع تاريخ الإعجام إلى سنة 75 للهجرة فصاعدًا(4).

وما يدلّ على أنَّ التنقيط والإعجام كان معروفًا لدى العرب في صدر الإسلام، هو ما روي عن بعض الصحابة والتابعين أنَّهم كانوا يكرهون الإعجام، بل أمروا بتجريده من القرآن(5)،وكان في المقابل مَنْ يُرخّص ذلك أو يستجيزه في مصاحف يتعلم بها الصبيان القرآن لا في المصاحف كلها(6).فإن لم يكن العرب يعرفون الإعجام، فكيف أفصح بعضهم عن كرهه له ؟ أو إن لم تكن في المصاحف الشريفة نقط، فكيف أمر بعضهم بتجريدها(7)؟

وعلى الرغم من معرفة العرب بالإعجام والتنقيط كانوا يهملونهما كثيرا ويتركونهما إلَّا في مواضع الالتباس، وكان ذلك إعظامًا لمقام القارئ؛ لأنَّ الكتابة إذا كانت منقطةً مشكلةً عُدَّت إساءةً إلى القارئ كأنَّه لا يفهم النصَّ إلَّا بالنقط والشكل(8). فالعرب كانوا لا يضعون النقط إلا في الموارد التي لا يُؤْمَنُ من دونها اللبس، بل كانوا يرون في الإكثار منها فسادًا للنصّ(9)، فلم ينقطوا من الحروف سوى

ص: 77


1- سورة يونس، الآية 22.
2- انظر: الأسد، مصادر الشعر الجاهلي، م.س، ص37-38.
3- انظر: ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، م.س، ج 2، ص 32.
4- انظر: الحمد، علم الكتابة العربية، م.س، ص59.
5- هذا غير تجريد القرآن من التفاسير والأحاديث (انظر: الأسد، مصادر الشعر الجاهلي، م.س، ص35).
6- انظر: الداني، المحكم في نقط المصاحف، م.س، ص10-13.
7- انظر: رضا، رسالة الخط، م.س، ص28.
8- انظر: الصولي، أدب الكتاب، م.س، ص 57؛ وانظر حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لا ط، بغداد، مكتبة المثنى 1941م، ج1، ص 713.
9- انظر: السجستاني، المصاحف، م.س، ص 333

المُشْكِلَةِ منها وفي موارد الضرورة فقط(1). وربما يكثر ذلك في الكتابات القصيرة، فالنقوش التي عُثر عليها إلى الآن لا تتجاوز سطورًا وكلمات معدودة، فلعلَّ عدم الإعجام ناجم عن اطمئنان الكاتب إلى أنَّ القارئ قادر على فهم ذلك النصّ، بينما نجد خلاف ذلك في عددٍ ضئيل من الكتابات الإسلامية الطويلة نسبيًّا، سابقةً

وهي لزمن عبد الملك، وفيها حروف معجمة منها ورق بردي كتبت بالعربية واليونانية،

تعود إلى سنة 22 هجريَّة، كذلك نقسٍ يُسمَّى ب-«سد الطائف» يرجع إلى عهد معاوية، أي سنة 58 للهجرة(2). وعلاوة عليهما ، هناك نقش إسلامي يؤرخ بعام 24 للهجرة، يُسمَّى ب-«نقش زهير»، بعض حروفه معجمة(3)، مضافا إلى نقش نبطي يعود تاريخه إلى فترة ما بين الربع الثاني من القرن السادس ومطلع القرن السابع للميلاد، وفيه مفردةٌ بالخطّ العربي حروفها معجمة(4).

وما يمكن استنتاجه أخيرًا هو أنَّ العرب كانوا يعرفون الإعجام، ولكن كان إهماله عندهم شائعًا للغاية، فما كانوا يستخدمونه إلَّا عند الضرورة والالتباس؛ لذلك جرد الكُتَّابُ المصاحف من النقط، زاعمين أنَّها في مأمن من اللبس لكثرة الحفظة للقرآن الكريم(5). فلما كثر أهل الإسلام دعت الحاجة إلى الإعجام(6). وهذا يخالف دعوى لكسنبرغ في أنَّ الإعجام موضوع في عهد عبد الملك اتباعًا للسريان.

ونختم البحث بملحوظة قدمتها عبود، بشأن فريق الباحثين غير المسلمين الذي انقسم إلى فريقين؛ فريق من المسيحيّين العرب وفريق من المستشرقين الغربيين،

ص: 78


1- انظر: الداني، المحكم في نقط المصاحف، م.س، ص 210.
2- انظر: الأسد، مصادر الشعر الجاهلي، م.س، ص40. وأضاف بعض نقشًا اكتُشف قرب كربلاء في وادي حفنة الأبيض (انظر: الصندوق، عزّ الدين [ حجر حفنة الأبيض، مجلة سومر ، 1955م، ص213-217).
3- Al-Ghabban, 'All Ibrāhīm: The inscription of Zuhayr, the oldest Islamic inscription (24 AH/AD 644-645), the rise of the Arabic script and the nature of the early Islamic state, (R. Hoyland, tran.), Arabian Archeology and Epigraphy, 19(2), 2008, p. 210- 237
4- Al-Ghul, Omar: An Early Arabic Inscription from Petra Carrying Diacritic Marks, Syria, 81, 2004, p. 105- 118
5- انظر: رضا، رسالة الخط م.س، ص 31.
6- انظر: حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، م.س، ج1، ص713.

فتقول عن الفريق الأوَّل - وقد أشرنا سابقًا أنَّ الذي تستّر تحت اسم لكسنبرغ هو لبناني مسيحيّ - إنَّهم يرفضون التراث الإسلامي مطلقًا - خلافًا للفريق الثاني الذي من كبارهم نولدكه [وهو يستند إلى المصادر الإسلاميّة لإثبات دعاويه] ويؤرّخون أوَّل جمع القرآن إلى عهد عبد الملك، وخاصَّةً الحجاج بن يوسف، مشدّدين على التأثير المهم للنصارى العرب. ويرون الخط العربي المبكر غير صالح للكتابة، وبما أنَّ المسيحيّين الأوَّلين لم يشيروا إلى كتاب المسلمين، فيفترضون عدم وجوده(1)!

ص: 79


1- Abbott, Nabia: The rise of the North Arabic script and its Kur'ānic development, Chicago, University of Chicago, 1939, p. 17-48

ص: 80

الفصل الثانى

دراسة نقدية لفهم لكسنبرغ

ص: 81

ص: 82

اختارت هذه الدراسة الفصلين الرابع عشر والخامس عشر من كتاب «القراءة السريانية - الآراميَّة للقرآن» وتناولتهما بالنقد؛ لأنَّهما يتضمنان أهم دعاوى لكسنبرغ بشأن المفردات والتعابير التي قُرئت - بحسب رأيه - خطأ أو فهمت فهما خاطئًا من القرآن. ويكفي تحليل النماذج الواردة في هذين الفصلين ونقدها؛ ليَثْبُتَ عدم نجاح لكسنبرغ في الكشف عن أصول القرآن. ففي الفصل الرابع عشر يركّز لكسنبرغ على مفردات قُرئت خطأ، وفي الفصل الخامس عشر على تعابير فهمت فهما خاطئًا. وفي ما يأتي بيان للمواضيع الأصلية التي يتمحور حولها هذان الفصلان من الكتاب، ومن ثَمَّ التطرُّق إلى منهجية الكاتب ودراستها النقدية.

أولاً : رأي لكسنبرغ في القراءة والفهم الخاطئ للقرآن عند المسلمين:

1 - التعابير التي قُرئت قراءةً خاطئة :

يرى لكسنبرغ أنَّ آية: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ واجلب عليهم بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالأَوْلَدِ وَعِدُهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾(1)سُجِّلت بشكل خاطئ في القرآن، ويُخطئ خمس مفردات واردة فيها، هي: واستفزز، وأجلب، بخيلك، ورجلك ، وشاركهم، ومن ثَمَّ يُقدم قراءةً حديثةً لها؛ مستدلا بأنَّ السياق هو إخراج إبليس من الجنَّة وإذنه من الله لتضليل الناس فيعطيه الله مطلبه . ثمَّ يقدّم لكسنبرغ أدلته على مدعاه، وهي:

- إن إبليس أمر في هذه الآية أن يُخوِّف الناس بصوته، وهذا يعارض ما ورد في آية أخرى أنَّه يوسوس في صدور الناس(2). وورد معنى «استفزّ» في معجم لسان العرب هكذا: واستفزه ختله حتَّى ألقاه في المهلكة. وبما أن هذا المعنى غير موجود في الأدب العربي بعد القرآن والعربيَّة العاميَّة فهو معنى .موضوع. فيُحتمل أن تكون النقطتان

ص: 83


1- سورة الإسراء، الآية 64.
2- سورة الناس، الآية 5.

فوق الزايين ،زائدتين والقراءة الصحيحة هي: واستفرر، أي واجعلهم يفرون(1).

- إنَّ المعنى الذي يقدمه لسان العرب ل-«واجلب عليهم» هو أن يهاجم صائحًا. وهذا معنىً غير مقنع، بينما معنى «خلبه أي خدعه» ملائم. وعليه، فلتُنقل نقطة الجيم إلى فوقها، وتُقرأ: «واخلب عليهم»، يعني في العربية المعاصرة: وانصب عليهم.

- قراءة «بخيلك ورجلك» خاطئة؛ لأنَّ الخيل والرجل لا تتناسبان مع الخدعة فلنقترح لهما قراءة أخرى. بالنسبة ل-«بخيلك»، يمكن قراءته بشكل «بحيلك» وبما أنَّه لم يرد في القرآن هذا اللفظ بهذا المعنى× يمكن قراءة أخرى وهي «بحبلك». هذه كلمة دخيلة من السريانية، ولتفهم بصيغة المذكّر في السريانية الآرامية: «محله» (حبلا abla) ومعناها في معجم «مَنَّا»(2):أحبولة، شرك، مصيدة، مكر، مكيدة. بناءً على هذه المعاني، يصح كلا المعنيين «بحيلك وبحبلك»(3).

- الخطأ الرابع هو كتابة «برجلك» الذي يأتي نتيجة للاستنساخ الخاطئ ل-«r» في السريانية الآراميَّة، ك-«ر» في العربيَّة. إذًا، القراءة الصحيحة هي «بدجلك» ومعناه في السريانية الآراميَّة (6 حد) دگل (daggel) وفقًا لقاموس «منا» هو: كذب، مكر، خدع(4).

- وأخيرًا، «وشاركهم» ليس له معنى. يقول الطبري أجمع المفسرون على

أنَّه بمعنى المساهمة. وإجابةً عن هذا التساؤل: كيف يشارك الشيطانُ الناسَ في الثروات والأولاد ؟ قالوا : إنَّه يشارك في الأموال المحرَّمة، وأولاد الزنا، والذين يسمون بأسماء الأصنام ك-«عبد شمس». لكن على الأرجح، المعنى المجازي لفعل «خ» (سرك sarrek) السرياني الآرامي وما يعادله في العربية هو: أولع، أغرى، حسب قاموس «منا». ولم يُعرف في العربيَّة من هذا الجذر إلَّا «شَرَكَ»، ومعناه في لسان

ص: 84


1- Luxenberg, 2007, p. 242- 243.
2- J. E. Manna: "Vocabulaire Chaldeen-Arabe", Mosul, 1900
3- Luxenberg, 2007, p. 243-244.
4- ibid., p. 244.

العرب: حبائل الصائد. وقد ورد في الحديث النبوي: أعوذ بك من شر الشيطان وشركه. لذلك، فالقراءة الصحيحة هي باب التفعيل في السريانية الآرامية من الجذر نفسه (أي شَرِّكْهُمْ) وليس باب المفاعلة في العربية.

- بناء على ما تقدَّم، تُفهم الآية المزيجة من العربية والسريانية الآرامية هكذا: فأبعد بصوتك من استطعت منهم ، واخدعهم بحيلك وأكاذيبك، ووسوسهم بالأولاد وثرواتك، وعِدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا(1)!

وهناك أنموذجممَّا قُرئ خاطئًا، وهو مفردة «إناه»(2)الواردة في الآية 53 من سورة الأحزاب. وقد فهمت فهمًا خاطئًا بمعنى الطعام المحضّر، لكنَّ القراءة الصحيحة هي «إنَثَه» (أي أزواجه) التي وردت في نصّ مدني متأخّر. فقد طُلِبَ من المؤمنين ألَّا يدخلوا بيوت النبي إلَّا أن يُدعوا إلى طعام، فإذا دخلوا لا ينتظروا تحضير الطعام، (وفقًا للقرآن الحديث)؛ والصحيح هو «غير ناظرين إنَثَه» ويعني لا ينظرون إلى أزواج النبي. وعندما عجز المفسِّرون العرب من إدراك العلاقة بين الطعام بدلًا من الأزواج- وبين النظر، ترجموه إلى الانتظار(3).

2 - التعابير التي فُهمت وتُرجمت بنحو خاطئ:

يطرح لكسنبرغ في هذا الفصل دعواه المثيرة للجدل بالنسبة إلى الحور العين والفهم الحديث عنها؛ هادفًا تفنيد المعتقدات الإسلامية العريقة التي بنيت -بحسب زعمه - على أساس قراءة خاطئة من القرآن، ومنها أبكار الجنَّة Virgins of Paradise). ويطلب المؤلّف من القرّاء مراجعة مادة «Hur» من «Encyclopedia of Islam» (موسوعة الإسلام) للتعرُّف على هذا المعتقد.

ص: 85


1- ibid., p. 244-245
2- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامِ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظيماً ﴾ سورة الأحزاب، الآية 53.
3- Luxenberg, 2007, p. 246

يقول لكسنبرغ(1):الحور (جمع الحوراء، ومذكرها : أحور) يعني حرفيا الأناس البيض، يعني جاريات الجنَّة، واللاتي لهنّ فارق شديد بين سواد قُزَحيّاتهن وبين بياض حولها. وعُرّفت هذه الكلمة بمن يُتِرنَ جذل ناظريهن، وهو تعريف خاطئ يرفضه اللغويون العرب. وهي مفردة ذكرت في القرآن مرارًا وتكرارًا(2)، وقد سُمِّيَت -أيضًا- بأزواج مطهَّرة، وقال المفسرون إنَّهن بلا نقص جسدًا وروحًا، ووَصَفَهُنَّ

القرآنُ بأنَّهن ﴿ قَصِرَاتُ الطَّرْفِ ﴾(3)أي لا ينظرن إلا إلى أزواجهن، ومن آية ﴿ لَمْ يَطْعِهُنَّ إِنسُ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌ ﴾(4)يُفهم أنهنَّ على قسمين الإنس والجنّ. ووصفهنَّ - أيضًا - بأنَّهنّ ﴿ مَقْصُورَاتُ فِي الْحَيَامِ ﴾(5)، وشبَّههنَّ كذلك بالياقوت والمرجان(6).

ثمّ يذكر بعض التفاصيل الواردة في ما يسميه الأدب المتأخّر عن الحور العين، ومنها خلقُهُن من الزعفران والمسك والعنبر والكافور في أربعة ألوان: الأبيض، والأخضر، والأصفر، والأحمر، وهنَّ شفّافات إلى درجةٍ يُرى مخ عظامهن عندما يلبسن 70 ثوبًا حريريَّا، ولو بصقت إحداهن في الدنيا يصبح مسكًا! ومكتوب على ثديي كلِّ منهن اسم الله واسم زوجها، متزينات بكمية هائلة من المجوهرات، ساكناتٌ في أماكن فاخرة مع خادمات. إذا دخل الرجال المؤمنون الجنَّة يستقبلون هكذا: لكل منهم عدد كبير منهن، فيتعايش معهنَّ بقدر ما صام من رمضان وعمل من الصالحات: لكنهنَّ ما زلن أبكارًا(7)، ومع أزواجهن في سن واحدة(8)، وهو عمر الثلاثة والثلاثين (33) تقريبًا.

يرى لكسنبرغ أنَّ هذه التفاصيل كلها مداليل مادية وحسيَّة، وينقل التساؤل

ص: 86


1- ibid., p. 247-248.
2- سورة البقرة الآية 25؛ سورة آل عمران، الآية 15: وسورة النساء، الآية 57.
3- سورة الرحمن، الآية 56.
4- سورة الرحمن، الآية 74.
5- سورة الرحمن، الآية 72.
6- سورة الرحمن، الآية 58..
7- سورة الواقعة، الآية 36.
8- سورة الواقعة، الآية 7.

الذي أجاب عنه البيضاوي، وهو عن جدوى هذا التعايش بين الرجال المؤمنين والحور العين في الجنَّة، فإنَّ الإنسان يحتاج في الدنيا إلى الحياة الزوجية لبقاء جيله، فما الفائدة من ذلك في الجنَّة ؟ والجواب هو أنَّه على الرغم من أنَّ الأطعمة والأزواج في الجنَّة تشترك في الاسم مع ما يعادلها في الدنيا؛ لكنَّها مجرد استعارة بغية التمثيل، ولا مشابهة حقيقيَّة بينها وبين ما يعادلها في الدنيا. ويضيف البيضاوي: ليس إجماعًا على أنَّ الحور العين هنّ نساء الدنيا أنفسهن أو غيرهن. وتُقدم الصوفية للحور العين تفاسير باطنية(1).

يشير لكسنبرغ إلى آراء بعض المستشرقين -منهم: «سيل»(2)،«برثلز»(3)و «دزي»(4)- الذين ادَّعَوا أنَّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)قد أخذ فكرة فتيات الجنَّة عن الفرس. كما يشير إلى ما ادعاه «ونسينك»(5)من أنَّ ما قاله النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)عن الغلمان والحور العين ليس إلَّا تأويلا خاطئًا عن الجنَّة في الفكر المسيحيّ والملائكة فيها. ومن ثَمَّ يتطرق إلى منهجية البحث والهدف الذي يطمح إليه، قائلًا: إنَّ هذه الدراسة تستخدم فقه اللغة؛ ليُظهر أنَّ البيضاوي كان محقا في تساؤله عن حقيقة نساء الجنّة، وليُثبت أنَّ الرسول [ص] لم يكن خاطئًا في إدراك صورة الجنَّة في المسيحيّة، بل إنَّ المفسّرين المسلمين المتأخّرين هم الذين أخطأوا في فهم العبارات القرآنية المستوحاة من الترانيم المسيحيّة السريانية التي تحتوي على وصف مماثل للجنَّة، وأخطأوا في ترجمتها أيضًا؛ متأثرين بالمفاهيم الفارسية حول الأبكار الخرافية للجنَّة(6).

يقول لكسنبرغ: «يعتبر القرآن العهدين وحيًا، وفي عدد لا بأس به من آياته ينعت نفسه مصدِّقًا لهما. فهو يعرّف العهدين تمهيدًا لنفسه وتثبيتا لأصالته،

ص: 87


1- Luxenberg, 2007, p. 248.
2- G. Sale: "The Koran: A Preliminary Discourse", London 1821, p. 134.
3- E. Berthels: "Die paradieisdchen Jungfrauen (Huris) im Islam", Islamica 1925, vol. 1, p. 287.
4- R. Dozy: "Het Islamisme", Haarlem 1880, p. 101.
5- A.J. Wensinck.
6- Luxenberg, 2007, p. 249.

قائلا: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾(1)، يعني لو لم یکنالقرآن من عند الله لكان فيه عدم الاتِّساق مع العهدين. إذًا، سيكون نقضًا إن وجدنا تنافرًا بين القرآن وبين العهدين. ثمَّ إنَّ الحوريَّات من العناصر الضرورية في إسخطالوجيَّة(2)القرآن، ولم تُذكر في العهدين، فيظهر أنَّ القرآن ليس من عند الله. لكننا نفترض أنَّ القرآن صحيح، بل قد أخطأ الناس في قراءته، وفهموه وفقًا لأحلامهم في الرؤيا»(3).

ومن هنا يبدأ لكسنبرغ بسرد بعض الآيات التي تدلُّ على وجود الحور العين في الجنَّة، ويحاول تقديم قراءة وفهم حديثين لها؛ مستهلًا ذلك بآية: ﴿ وَزَوَّجْنَهُم بِحُورٍ عِينٍ ﴾(4).وبعد أن ينقل ثلاث ترجمات لاتينيَّة لهذه الآية(5)، يقول: إنَّ الآية سوف تُفهم بعد هذه الدراسة - بناءًا على السريانية الآراميَّة- بالآتي: وسنجعلكم مرتاحين تحت البلورات البيض (من الأعناب).

يُشيد لكسنبرغ بالدراسات الغربيَّة للقرآن، قائلًا: «إنَّها لم تُشكّك في نقط الإعجام من القرآن؛ لكن هناك -اليوم- مخطوطات تشهد بأنَّ هذه النقاط غير أصيلة. وعلى الرغم من أنَّ هذا الاعتقاد الفاسد [يعني التنقيط] لم يتحدَّ قطُّ؛ لأنَّ هذا التنقيط المتأخّر مبني على تراث شفهي موثوق به، لكنَّ التحليل اللغوي يكشف عن الحقيقة، ويُثبت أنّها أخطاء تاريخيَّة»(6).

يرى لكسنبرغ أنَّ فعل «زوّجناهم» -الذي يفيد معنى الزواج- جرى تنقيطه بشكل خاطئ؛ ولهذا يقترح إزالة نقطتي «الزاي» و«الجيم» لتصبح الكلمة

ص: 88


1- سورة النساء، الآية 82.
2- هو مصطلح غربي يشير إلى تعاليم الأديان السماوية حول نهاية التاريخ والقيامة وما إلى ذلك. (انظر: https://www.britannica.com/topic/eschatology).
3- Luxenberg, 2007, p. 249-250.
4- سورة الدخان، الآية 54: سورة الطور، الآية 20.
5- الترجمة الإنكليزية ل-«بل» (Richard Bell)، والترجمة الألمانية ل-«بارت» (Rudi Paret والترجمة الفرنسية ل-«بلاشر»(Regis Blachère).
6- Luxenberg, 2007, p. 250- 251.

«روّحناهم»، وهو يعني: نَدَعُهم يستريحون. ودليله على ذلك هو الجذر الفعليّ ل- «روح / خود» المشترك بين السريانية الآرامية وبين العربية، ويعادله -بحسب لكسنبرغ - في العربيَّة فعل «أراح» المتعدّي، طبقًا لمعجم «منا». ثمَّ يستطرد، قائلًا: ربَّما يأتي هذا التساؤل، فلم قرأه القراء كذلك؟ ويجيب نفسه بأنَّهم لم يعلموا ماذا يصنعون بحرف الجرّ الباء، الذي يتعدى بها الفعل «زوّج» ولا يتعدى بها «روح». فاللغويون العرب - بزعم- لكسنبرغ - جهلوا معنى الباء في السريانية-الآرامية. ويُتابع بأنَّ لهذا الحرف 22 معنىً ، ومعناه العشرون هو «بين»، كما ورد في معجم «منا» وأنَّ الفعل «روح» يتناسب مع هذا المعنى، للباء. وعليه، يرى أنَّ المعنى الصحيح هو: نَدَعُهم يستريحون تحت (بين) [ما يُسمَّى] الحور العين(1).

أمَّا بالنسبة إلى تعبير «الحور العين الثنائي، فيعتقد لكسنبرغ أن ضمير «هم» -الذي يشير إلى جماعة من الرجال- في «زوَّجناهم» حدا» بالمفسّرين العرب أن يتخيَّلوا الحور العين إناثًا. ويقول: إنَّ علماء فقه اللغة العرب كانوا مصيبين في فهم معنى صفة «الحور (ج. الحوراء)» أنَّها مأخوذة عن السريانية-الآرامية «من» (حور hwar)وهي تعني البياض؛ لكنَّهم فهموا بطريقة مماثلة الصفة التالية «العين» بناءًا على تصوّر الأبكار، بينما هي مبهمة في وصف العين من جانب اللفظ والكتابة، وبالتالي ترجموا الحور العين بشكل خاطئ إلى [النساء] ذوات العيون الواسعة؛ كما فهمت «العين» جمعًا للعيناء أي ذات عين وسيعة. لذلك يرتكز ثبوت أو سقوط هذا المعتقد القرآني (الحوريات) - بحسب لكسنبرغ- على ترجمتها الصحيحة.

ثمّ يتناول لكسنبرغ ثانيةً معنى الحور(2)ويرى معناه عند اللغويين العرب صحيحًا، ويضيف إليه: بما أن مدلول «الحور» لم يرد في القرآن، فلا بدَّ من تصوره. وليس من الواجب حسب السياق القرآني أن يكون هذا الكائن ثيبا أو بكرًا؛ فقد أشار القرآن في آيتين إلى أنَّ المؤمنين يدخلون الجنَّة مع أزواجهم في الدنيا: ﴿ ادْخُلُوا

ص: 89


1- Luxenberg, 2007, p. 251-252.
2- ibid., p. 251-252.

الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴾(1)، وعندما يَعِدُ المتَّقين، يقول: ﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَلٍ عَلَى الْأَرَابِكِ مُتَّكِتُونَ ﴾(2).

يستنتج لكسنبرغ من الآيتين أنَّه: فضلًا عن أنَّ القرآن يُعارض العهدين بتصور الحوريات، سوف يعارض نفسه بعد هذا الكلام؛ فإنَّه نظرا إلى المضامين الواضحة لهاتين الآيتين، يرفض القرآن وجود أي ضرّة [ في الجنَّة]. بعبارة أخرى، يستطيع الشخص أن يتصوّر كم سيكون مزعجًا للزوجات الدنيوية أن ينظرن إلى أزواجهن وهم يستمتعون بالحوريات! ثمّ ينقل لكسنبرغ مقالةً عن أحد المستشرقين(3)الذي يوافقه في الرأي على أنَّ الأزواج في الجنَّة ليسوا إلَّا النساء في الدنيا. لكنَّ لكسنبرغ يُشكل على هذا المستشرق أنَّه لم يُقدِم على الخطوة التالية للكشف عن هذا التناقض في القرآن؛ فإنَّ الحور صفةٌ للجمع المؤنَّث، ولها موصوف محذوف لم يُشِر إليه القرآن، وعلينا أن نتعرَّف عليه عبر المواصفات الأخرى للجنَّة في القرآن(4).

يحاول لكسنبرغ تقديم قراءة حديثة عن كلمة «العين»؛ ليغيّر المعنى المشهور لتعبير «الحور العين». فبعد أن يقرّ بأنَّ لفظ «العين» لهيئة مفرد «العين» تُستخدم كلتا العربية-والسريانية الآرامية، يُخطّئ المفسّرين العرب الذين فهموها على أنَّها صيغة جمع، قائلًا في ذلك: «تُجمع [العين] على العيون والأعين؛ تبعًا للتغير الذي يحدث في الكلمة عند جمعها، ولم يرد في القرآن إلَّا في تعبير «عِين»، يأتي هذا التساؤل عن تغيير رسم الكلمة من جمع في السريانية-الآرامية إلى العربيَّة؛ لكن للتمييز بين هيئة هذه الكلمة المعرَّبة لدى الوقف عليها (أي حذف [الحركة الأخيرة للكلمة] في السريانية-الآرامية وبين مفردها، قُرئت [هيئة الجمع] «العين». بالنسبة لل-«حم»، يجب أن تُفهم على أنَّها مفردة بسيطة في السريانية-الآرامية. ونقاش من يناقش ليثبت أنها جمع جاء تبعًا للمفردة السابقة عليها (الحور) ، فهي

ص: 90


1- سورة الزخرف، الآية 70.
2- سورة يس، الآية 56.
3- J. Horovitz: "Das koranische Paradies", Orientalia et Judaica 1923, p. 53-73
4- Luxenberg, 2007, p. 252 -255.

جمع، وبما أنَّه من الواجب اتِّباع الصفة للموصوف، ف عين» - أيضًا - اعتُبرت جمعًا [لا مفرد].

يرى لكسنبرغ أنَّ تعبير «الحور العين» الذي يُعدُّ علامةً على جمال نساء الجنَّة، لا يتنافى مع استعمال العرب فحسب [بل في اللغات الأخرى أيضًا]؛ فالشخص عندما يصف جمال العين يقول هي سوداء أو بنّيَّة أو زرقاء، ولا يقول هي بيضاء، إلَّا أن تكون عمياء! ثمَّ يستند في كلامه إلى آيةٍ من القرآن تقول إنَّ يعقوب(علیه السّلام)ابيضت عيناه من الحزن(1)، فهنا وُصِفَتْ عيناه بالبياض؛ لأنه صار أعمى. وبالتالي يستنتج أنَّ تبريرات المفسّرين العرب الدالَّة على جمال العين الواسعة البيضاء موضوعة مؤقتة ؛ لذلك، وبناءً على الدلائل اللغويَّة، إذا لم يصح معنى العَين في «عيون النساء»[يعني العيون البيض لا تدلّ على جمال النساء]، فالحوريات المزعومات اللاتي ترتبط بهذه العيون [البيض] تتلاشى فجأة. وبعد هذه الفقرة يفتخر لكسنبرغ بمساعيه؛ لأنَّه تمكَّن أن يحلّ تناقضات القرآن، ويعود بالموضوعية إليه حتّى يصبح متَسقَا مع ما ورد في الإنجيل من أنَّ أهل الجنَّة لا يُزوّجون ولا يتزوجون(2).

عندما أثبت لكسنبرغ أنَّ المعنى المشهور ل-«الحور العين» غير مناسب، يباشر الخطوة التالية للكشف عن معناه الصحيح، فيقول : يكمن الجواب في فواكه الجنَّة؛ ففيها النخل والرمَّان(3)، وكذلك العنب(4). لم يُذكر العنب على أنَّه من فواكه الجنَّة إلَّا في آية واحدة، بينما ذكر من فواكه الدنيا في ما يربو على عشر آيات(5)، وهذه نقطة مهمَّة لتشخيص المعنى الاستعاري ل-«الحور العين». وإذا كان العنب أحد العناصر الضرورية للبساتين الدنيوية، ويُسمّيها القرآن الجنَّة - وهي كلمة سريانية -آراميَّة (w) (گنتا gannta) دخيلة على العربية - فلا بد من توفره بأعلى

ص: 91


1- ﴿وَتَوَليَّ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْن فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ سورة يوسف، الآية 84.
2- متى 22 30؛ مرقس 12: 25: لوقا 20:35.
3- سورة الرحمن، الآية 68
4- سورة النبأ، الآية 32.
5- سورة البقرة، الآية 266:سورة الأنعام، الآية 99؛ سورة الرعد، الآية 4:سورة النحل، الآيتان 11 و 67؛ سورة الإسراء، الآية 91؛ سورة الكهف، الآية 32؛سورة مريم، الآية 32؛سورة المؤمنون، الآية 19؛ سورة يس الآية 34؛سورة عبس، الآية 28.

جودته في الجنَّة الأخروية بطريقة أولى. فثمة شبهة ما في ذكر العنب في معظم الجنّات الدنيوية، مع عدم ذكره إلَّا مرَّةً واحدةً في الجنَّة الأخروية!(1)

لا يزال لكسنبرغ ملحا على أنَّ صورة الجنَّة وحوريَّاتها في القرآن مقتبسة عن مصدر سرياني آرامي؛ فاختار - هنا -«أفرام»(2)الراهب والشاعر المسيحي الذي كثيرا ما كان يُنشد في الجنَّة، محاولا القول إنَّ محمَّدًا [ص] قد اتَّبع هذا الراهب وأخذفي تصويره للجنَّة ونعيمها. فيؤيد دعواه بما قاله المستشرق «آندرا»(3)حول أهميَّة أشجار العنب في الجنَّة عندما أراد أن يُثبت اقتباس القرآن من [ذلك الكتاب] السرياني المسيحيّ؛ لأجل المشابهة بينهما في تصوير الجنَّة ؛ لكنَّه يدافع أيضًا عن الإشارة إلى أبكار الجنَّة في ترانيم «أفرام»(4). ثمّ ينقل تعليقًا عن المستشرق «بيك»(5)على ما قاله «آندرا» عن وجود الحوريات بعد أن يذكر ترجمةً عن كتاب «أفرام»: «من تجنَّب عن الخمر، تحنّ إليه أشجار العنب في الجنَّة، تقرّب إليه عناقيدها المتدلية، ومن عاش عفيفًا يحتضنه في أحضانهنَّ الطاهرات؛ لأنَّه كان كراهب لم يقع في حبّ الدنيا»(6)، فيقول: اكتفى بيك بالقول إنَّ الذي كان في كتاب «أفرام» هو مجرَّد سؤال عن أشجار العنب في الجنَّة، ولا يعني هذا أبكار الجنَّة؛ لكنَّه لم يتقدَّم إلى الخطوة التالية التي يبيّن بها لآندرا أنَّ العلاقة على العكس، أي أبكار الجنَّة - طبقًا لما قاله -أفرام هي نفس الأعناب. والقرآن لا يزيد على هذا التعبير الاستعاري (الحور العين) إلَّا أن يعرفه من الفواكه ذات الجودة العالية في الجنَّة، ويؤكِّد عليها بين الفواكه الأخرى، فليس هذا إلَّا ما قاله «أفرام»، أي الأعناب.

ص: 92


1- Luxenberg, 2007, p. 255- 257
2- راهب وشاعر مسيحي عاش في القرن الرابع الميلادي، له عدد كبير من التفاسير اللاهوتية والترانيم، وكان له أثر واسع على الكنيستين اللاتينية واليونانية (انظر: https://www.britannica.com/biography/SaintEphraem-Syrus)-
3- مستشرق سويسي
4- T. Andrae: "Mohammed, sein Leben und Glaube", Göttingen, 1932
5- Edmund Beck: مستشرق ألماني.
6- E. Beck: "Eine christliche Parallele zu den Paradiesjungfrauen des Korans?", Orientalia Christiana Periodica XIV 1948, p. 398

ثمَّ يبذل لكسنبرغ قصارى جهده؛ ليُثْبِت أنَّ «الحور العين» لا تعني إلَّا الأعناب. ففي بادئ الأمر يلفت إلى نقطةٍ - يريد أن نأخذها بعين الاعتبار - وهي أن لفظة «حهف» (گوپنا gupna) (أي الكرم)» التي استخدمها «أفرام» في ترانيمه هي كلمة مؤنَّثة في السريانية الآرامية ، وهي ما دلّت «آندرا» إلى أن يرى فيها تلميحا إلى أبكار الجنَّة، كما سبَّبت في خطأ المفسّرين العرب في هذا الافتراض المقيت. ومن ثَمَّ يتناول هو دراسةً مقارنةً ثالثة(1)بين هذه الكلمة -التي تتعلق بالأدب السرياني المسيحيّ في القرن الرابع الميلادي وبين كلمة الحور -التي تعود إليها صفة العِين فيقول: هذه الكلمة [أي العين] تنعت الأعناب ذاتها، وقد ذكرت في القرآن مرَّتين مفردةً وتسع مرَّات بصيغة الجمع (والمفرد المؤنَّث لها في السريانية الآرامية: «ححه» (عنبتا enbte). وهنا يتّضح -بجلاء من خلال تعابير استعارية أخرى في القرآن تقارن الأعناب [يقصد الحور العين] باللؤلؤ(2)- أنَّ البياض لا يرتبط بالعين [بل بالأعناب]، ثمَّ يستند إلى معنى يقدِّمه معجم لسان العرب لمفردة متقاربة إلى الحور وهي «البيضة: عنب بالطائف أبيض عظيم الحَبّ»؛ ليُثبت أنَّ العنب قد يكون أبيض. وأخيراً، ينقل المعنى الذي ورد في معجم «تزاروس» السرياني(3)لكلمة «Ria»، (حورا hewwara) مؤنّثها: hian (حورتا hewwarta) «ضرب من العنب الأبيض»(4)الذي يراه منسجماً مع ما تقدم(5).

يقترح لكسنبرغ حلَّيْن لمعضلة معنى «العين»:

الحلّ الأوّل: ادعاؤه أنَّ الأمثلة السابقة تنقض خيال الأبكار في الجنَّة؛ لأنَّ القرآن لم يُشِر إليهنَّ؛ بوصفهنّ مدلولا للحور (أي الأعناب)، بينما الأعناب ذُكرت مرارًا في البساتين الدنيوية. وهذا جعله يستنتج أنَّ «الحور» بديلًا عن الأعناب، وأنَّ معنى «العين» -التي قد تكون صيغة الجمع- ليس ذوات الأعين الواسعة. وبما أنَّه أثبت

ص: 93


1- tertium comparationis
2- سورة الطور الآية 24؛سورة الواقعة، الآيتان 22-23؛ سورة الإنسان، الآية 19.
3- S. Payne: “Thesaurus Syriacus", Oxonii, 1879- 1901.
4- ورد هذا المعنى - أيضًا - في معجم منا الآرامية.
5- Luxenberg, 2007, p. 258-260

أنَّ البياض يتعلَّق بمظهر الأعناب، أخذ يبحث عن معادل ل-«العين» في السريانية - الآراميَّة؛ حتَّى يتناسب مع مواصفات الأعناب البيض.

وما يختاره لكسنبرغ من معجم «تزاروس» هو الشرح الذي يعطى للفظة«حی» . وهو: المظهر واللون، وهو الشرح الذي يقدِّمه معجم «منا» أيضًا. ومن ثَمَّ ينقل مستغربًا الشرحَ العربي الذي ورد في معجم لسان العرب، وهو قريب من الشرح السرياني - الآرامي السابق، وهو: عين الرجل مظهره، كما ورد بعد ذلك، عين الشيء النفيس منه؛ إذَا، اتَّضح معنى لفظة «العين»، وهو أنَّها اسم جاء بدلًا من الحور ولها دور في الوصف؛ فإن كانت مفردةً فمعناه [ذو] مظهر باهر، وإن كانت صيغة جمع الحل الثانيفمعناه الكنز [أي الثمين]،والراجح هو أن تكون مفردةً جمعها العيون، وهذا يستلزم أن تكون «العين» لفظةً مفردةً مأخوذةً من «حمل»(عينتا anta) السريانية-الآراميَّة. وقيل: إنَّ اللغويين السريان يفرِّقون بين «حمل» (عينا ayna) و«خفه» (عينه ayne)؛ فالأوَّل يُستخدم للأحياء، والثاني للأشياء. ورسم الكلمة العربيَّة المأخوذة من «خن» عند الوقف من اختلافات مصحف أُبي [بن كعب] في الآية الثانية والعشرين من سورة الواقعة(1).

الحلّ الثانی: يتمثل في النظر إلى مقارنة القرآن بين البيض [يقصد الحور] واللؤلؤ؛ لتبيين المدلول الحقيقي ل-«العين». فيقول : نضع إشراق المجوهرات نقطة الانطلاق، ونرى معنى «حمم » (عين in) السريانية - الآرامية انتقل إلى المجوهرات وفقًا لمعجم «تزاروس»(2). وبما أنَّ القرآن يقارن الأعناب باللؤلؤ، فليست [العين] المجوهرات الحقيقيَّة، فنرجّح معناه البديل في معجم «تزاروس»، وهو البِلَّوْر (لأنَّه شفافٌ لامع) أو الحجر الكريم؛ تفسيرًا للنفاسة، ويؤيده ما تقدم من لسان العرب: عين الشيء النفيس منه. وبما أنَّ «الحور» الذي استخدم للبيض جمع، فمن المنطقي أن يكون «العين» جمعًا، وهكذا يتلاءم مع القراءة التقليدية للقرآن. وحصيلة البحث هي أنَّ الحور العين يعني البلورات البيض [من العنب]. وبعد هذه الجهود

ص: 94


1- Luxenberg, 2007, p. 260-262
2- أي الجوهر.

المضنية، يفتخر لكسنبرغ بعمله، فهو يدَّعي إبطال خرافة حوريات الجنَّة، وإعادة التناسب إلى آيات القرآن(1).

وعندما يرى لكسنبرغ عمله يسير على قدم وساق، يبدأ بوضع اللمسات الأخيرة في تبرير التعابير الأخرى الواردة في القرآن التي توهم تصور الحوريات؛ معدلا فهمها إلى أنَّها نعوت أخرى لتلك البلورات البيض من العنب، وليست الأبكار في الجنة. فيستهل بالآية ﴿لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجُ مُطَهَّرَةٌ﴾(2)التي تُرجمت على حد -قوله - خطأ، ويقول : لم تُستخدم لفظة الزوج في القرآن لزوج الإنسان فحسب، بل استخدمت بمعنى الفصيلة والجنس للحيوانات والنباتات أيضًا؛ فقد استخدمت في جميع الكائنات الحيَّة في ﴿وَالَّذِى خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾(3)، بينما استخدمت في خصوص نبات الأرض في ﴿فَأَنْسنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾(4). ولقد أصاب «بارت»(5)- بحسب لكسنبرغ - في ترجمته هذه الآية إلى اللغة الإنكليزية؛ باستعماله مفردة «الأنواع»(6)معادِلاً لها. وبما أنَّ الجنَّة القرآنية تتكون من الأشجار والنباتات والفواكه، فالأزواج المطهَّرة تعني الأنواع الطيبة [من الفواكه](7).

أمَّا التعبير الثاني الذي يسعى لكسنبرغ إلى تجديد فهمه، فهو: «قاصرات الطرف عين»(8)، وترجمته الصحيحة - بزعمه - طبقًا للقراءة السريانية-الآرامية، هي: الفواكه (الأعناب) المتدلّية؛ إذ يقول بالنسبة إلى «الطرف»: «بعد أن أُثبت عدم الحوريات، لا معنى للتحدث عن عيونهن، كما فهم هذا التعبير مسبقًا في العربية بقصر النظر إلى الأزواج؛ لكن المنشود هو معنى يتناسب مع الأعناب. المرادف السرياني-الآرامي

ص: 95


1- Luxenberg, 2007, p. 262-264
2- سورة البقرة، الآية 25؛سورة آل عمران، الآية 15؛سورة النساء، الآية 57.
3- سورة الزخرف، الآية 12.
4- سورة لقمان، الآية 10.
5- رودي بارت(Rudi Paret): المستشرق الألماني الذي نقل القرآن إلى الألمانية عام 1966م. انظر: www.journals.uchicago.edu/doi/abs/10.1086/ 372262
6- Species
7- Luxenberg, 2007, p. 265-266.
8- ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصَراتُ الطَّرْفِ عِينٌ﴾سورة الصافات، الآية 48.

ل-«الطرف» هو «انف» (طرپا tarpa) الذي يشرحه معجم «تزاروس» ب-: «قطف أوراق الأعناب»، ويضرب في شرحه المثل القائل: «و لانو حام» (ولا دنطرپ کرما wala dantarrep karma) أي لنقطف الكرم، ويشرحه معجم «منا»ب-:«قطف، قطع، جني الورق والثمر»، وهو المعنى نفسه الذي يفيده معجم السريانية الشرقية الحديثة، أي: الورق، والغصن الصغير(1). وهذا يدلُّ على أنَّ معنى الطرف هو الأغصان الصغيرة الممتلئة بالأوراق والأعناب، وربما يعني القطف، كما يقول القرآن: إنَّ قطوف الثمار دانية(2). وبعد أن تبيَنَّ معنى الطرف، يسهل فهم «القاصرات»، إذ يزوّدنا معجم «منا» بمعنى «قصر، خفض» للفظة «مین» (قصر qsar)، وهو قريب مما فهمه المفسّرون للقرآن؛ لكنَّه يعني المنخفض، ولا يرتبط بالأعين بل يصف الأغصان. وعليه يُفهم أنَّ المقصود من قاصرات الطرف هي الأغصان المنخفضة التدلّي [الممتلئة بالثمار]. والمفردة الأخيرة هي «عين»، وهي صيغة جمع في السريانية-الآرامية، وسقوط [علامة الجمع] منها بسبب الخطأ في كتابتها. هذا، إلى جانب معنى اللمع أو الإشراق للمجوهرات، قد تُستخدم هذه المفردة للمجوهرات نفسها. وبناءًا على ما تقدَّم، سيُفهم التعبير المذكور بالآتي: الثمار (الأعناب) المتدلية [ك-] المجوهرات.

ثُمَّ يتطرق لكسنبرغ إلى الآية التالية التي استخدمت فيها البيض لنعت قاصرات الطرف، وبعد أن يستحسن ترجمة «بلاشر»(3)و «بل»(4)اللذين ترجماها باللؤلؤ، يلفت إلى ما ورد في تفسير الطبري وأنَّ معظم المفسّرين عرفوها بالبيض غير المكسورة. ثُمَّ يقول: إنَّ البيض اسم [جنس] جمعيّ كاللؤلؤ، وقد سُجِّل للمؤنَّث منها [يعني البيضة] في معجم لسان العرب معنى اللون الأبيض مشيرا إلى ضرب من العنب. ويقول لكسنبرغ : مرَّة أخرى نجد هذا المعنى عند مراجعة السريانية الآرامية؛

ص: 96


1- A. J. Maclean: "A Dictionary of the Dialects of Vernacular Syriac", Oxford, 1902, p. 114
2- سورة الحاقة، الآية 23؛سورة الإنسان، الآية 14.
3- Regis Blacher: مستشرق فرنسي، أستاذ اللغة العربيَّة في المدرسة الوطنيَّة للُّغات الشرقيَّة. نقل القرآن إلى الفرنسية عام 1950م) (انظر: .(/http://www.universalis.fr/encyclopedie/regis-blachere.
4- Richard Bell : القسيس الإسكتلندي الذي درس اللغات السامية والشريعة ونقل القرآن إلى الانكليزية عام 1953م، مضافًا إلى إعادة ترتيب سوره بشكل نقدي (انظر: https://erenow.net/common/what-the-koran-really-says/35.php).

فمعجم «تزاروس» يستخدم كلمتي i بولا berulla) و«حوليه» (برولحا berulha) (أي اللؤلؤ أو البِلَّوْر)بمعنى الأبيض. والنتيجة هي أنَّ مراد القرآن من البيض هو [اللؤلؤ] الأبيض الذي يوافق السريانية-الآرامية(1).

والمفردة التالية التي يطمح لكسنبرغ إلى تجديد قراءتها وفهمها هي «أتراب» في قوله - تعالى- ﴿وَعِندَهُمْ قَصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينُ﴾(2). يعتقد لكسنبرغ أنَّ هذه المفردة كانت فاعلةً أكثر من غيرها في خيال الحوريَّات؛ إذ فرضوهن مغريات، ويبقى مؤشّر ينقُصْنَه وهو أن يكنَّ شابات، وهذا الفهم الخاطئ أدَّى إلى ترجمتها [أي الأترابَ] إلى «في سنّ واحدة» ويُستنتج منه أنَّهنَّ شابات دائما، وقد أضاف بعض المفسرين أنَّهُنَّ يبلغن من العمر ثلاثة وثلاثين (33) سنة. ثمَّ يوضح لكسنبرغ العلَّة التي من أجلها أخطأ المفسّرون في فهم لفظة «أتراب»، وهي أنَّ فكرة الحوريات جعلتهم لا یفكّرون في أي شيءٍ غيرها، وأغمضوا عن السياق القرآني؛ لأنَّ الآية 54 من السورة نفسها تقول عن الحوريات: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾(3)وهي تعني أنَّه ليس في الجنَّة إلَّا الأطعمة والأشربة. ويؤيد رأيه هذا بما يقوله القرآن للمتقين: ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ﴾(4)، وبأنَّ السور المدنيَّة المتأخّرة لم تَعِد المؤمنين إلا ب-﴿جَنَّتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ﴾(5)، وبأنَّه حتَّى الذين قتلوا في سبيل الله لم يوعدوا بالحوريات بل وعدوا بالرزق عند ربهم(6). ويستنتج لكسنبرغ قائلاً: إنَّ لفظة «أتراب» لم يصف بها القرآن إلا تلك الفواكه التي برهنا على صحتها من خلال المعاجم السريانية-الآرامية. وهنا يحاول الكشف عن المعنى الصحيح للفظة «أتراب»، فينقل الشرح الوارد في معجم «تزاروس» لكلمة«is»(طريا tarpa) ويقول: تعادلها كلمة «الثرب» المعرَّبة (وهي غير مستخدمة بعد) وهي تعني الضخم أو لب الفاكهة،

ص: 97


1- Luxenberg, 2007, p. 266-269.
2- سورة ص، الآية 52.
3- سورة ص، الآية 54.
4- سورة الطور، الآية 19؛ سورة الحاقة، الآية 24؛سورة المرسلات، الآية 43.
5- ثمة أكثر من ثلاثين آية تدلّ على هذا المعنى.
6- ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ سورة آل عمران، الآية 169.

وكذلك صفة «ih» (تربينا tarbanaya) التي تعني الطازج. وكذلك يستفيد من معجم «منا» في شرحه ل- «id»(تربا tarba) معنىً قريبًا ممَّا تقدَّم وهو «شحم الرمان وغيره من الثمار». وعليه، فالآية السالفة الذكر تُترجم -لكسنبرغ - إلى: عندهم فواكه نضجة (طازجة) متدلية(1).

هذا، وينتقل لكسنبرغ إلى كلمة «الطمث» محاولا تعديل فهمها السابق فهي قد تُرجمت حسبما اقترحه الطبري ب-«الجماع». وبعد أن يُشدّد على أهميَّة الفهم الصحيح لهذه الكلمة للبلوغ إلى الغاية، يلوم الذين أغمضوا عن الجذر الفعلي لمفردة «الطمتْ» في العربيَّة، ومن ثَمَّ يقول : زعم اللغويون العرب أنَّ لاحقة «h» (-ِت et) السريانية-الآرامية للاسم المؤنَّث في صفة «لمح»(طماتا tmata) هي جزء من جذرها، بينما فعل «طمث» العربي جاء مشتقًا منها. وهذا لم ينشأ من «طامت» أي اسم الفاعل في العربيّة فحسب، بل وكذلك من فعل «لمحه/ لم»(طما tamma) السرياني - الآرامي، لكن في معنى آخر. وبينما لم يرد معنی جذر «طمئ» العربي في معجم لسان العرب تعطي القواميس السريانية شرحًا له من منظور إتيمولوجيّ. وهذا يدلّ - بحسب لكسنبرغ - على أنَّ هذه الكلمة دخيلة على العربيَّة. ولما كان معنى هذا الجذر في السريانية - الآرامية هو «النجاسة»، وهو معنى مرتبط بالحيض وبالدم طبعًا، فإذا قالت المرأة : أنا طامث، يُفهم في العربيّة: أنا ملطخة بالدم، وفي السريانية-الآرامية: أنا نجسة. وقد جرى -وفق لكسنبرغ - استخدام هذا المعنى في العربيَّة؛ ولذلك أصبح بمعنى الجماع. وبعد عقد مقارنة بين معجم لسان العرب ومعجم «تزاروس» حول مفردة (الطمث) يستنتج لكسنبرغ أنَّ المتبادر من تصوُّر الدم في المتخيل العربي هو معنى الجماع، بينما يفهم الشخص في السريانية الآرامية منه معنى التلويث والتدنيس. ومن ثَمَّ يرى لكسنبرغ أنَّ الفعل «لم يطمثهن» قد استخدم في القرآن متعدّيًا نتيجةً لهذا الفهم الخاطئ، ولم يُفهم منه غير هذا المعنى [من فعل «طمث»] بسبب الحوريات المزعومة، مع أن معناه في السريانية-الآرامية هو التدنيس والتلويث.

ص: 98


1- Luxenberg, 2007, p. 269-271

بعد هذه المحاولة شرع في بيان سبب هذا الفهم الخاطئ، فقال: ما جعل المفسرين العرب أن يزعموا الأعنابَ النساءَ هو ضمير «هنّ» [في: لم يطمثهن] الذي يُطلق على جمع المؤنث لذوي العقول، بينما القرآن لا يُلاحظ هذا الفارق دومًا، وفقًا للقواعد السريانية - الآرامية. وهو يقصد بقوله هذا أنَّ ضمير «هنَّ» يستخدم لغير ذوي العقول أيضًا، ويستشهد لذلك في الهامش بقوله - تعالى -: ﴿يَأْكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجَافٌ﴾(1).

وختم لكسنبرغ بأنَّ الفهم الصحيح لكلمة (الطمث) هو المعنى الذي ذكره الطبري، وهو (اللمس)، وهذا المعنى - على حد قوله- يتوافق ويتناسب مع فكرة الأعناب البيض؛ لكنَّه في فكرة الحوريات يعتبره من لطف التعبير(2).

ثم يعالج لكسنبرغ الآيتين الآتيتين: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَثُ حِسَانٌ فَبِأَيِّ وَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَّقْصُورَاتُ فِي الْحَيَامِ﴾(3). وبعد أن يستشكل على ترجمة المترجمين الأوروبيَّيْن «بل» و «بارت» لفهمهم الأبكار الجميلات من الآيتين، يقوم بتعديل الفهم الباطل، قائلًا: صفة «خَيرات» (ومن الأفضل أن تُقرأ: خيّرات) تعادل ل كبيتا (gabyata في السريانية-الآرامية، ومعنى ذلك في معجم «تزاروس»:المختار، وفي معجم «منا»:طاهر، كريم، خيار الشيء. والمعنى المراد من «خيرات» هو الأخير؛ والطاهر هو المعنى الحقيقي ل-«أزواج مطهرة»، والكريم -الذي جرى استخدامه في سياق مماثل [يقصد: رِزْقٌ كَرِيمٌ] يؤيد ذلك.

ثُمَّ يعتني بالصفة التالية، وهي «الحسان»، فيقول: لتُدرك هذه الصفة مرادفةً للأولى، إنَّ لمعادلها في السريانية - الآراميَّة «ملح » (طبا taba) معنى سواء، كما يشرحه معجم «منا» بهذه المعاني: «خيّر ،حسن، كريم»فالتعبير السرياني-الآرامي يبرم معادله في العربيَّة (أي خيرات حسان) الذي ورد في القرآن بمعنى «المختار، الممتاز». وعليه، يرى لكسنبرغ أنَّه يجب فهم آية ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتُ حِسَانٌ﴾(4)على الوجه الآتي: فيهنّ [فواكه] مختارة ممتازة.

ص: 99


1- سورة يوسف، الآية 43.
2- Luxenberg, 2007, p. 272 - 275
3- سورة الرحمن، الآيات 72-70
4- سورة الرحمن، الآية 70.

أما آية ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتُ فِي الْخيَامِ﴾(1)، فلا يرى لكسنبرغ صعوبةً في توجيهها وفق ما يريده؛ إذ يرى أنَّ «الخيمة» هي واحدة (الخيام)، ومعناها: التعريشة(2). وبسهولة يستنتج ترجمة هذه الآية ب-: الأعناب البيض المتدلية في التعريشات. والأمر المثير للاهتمام هو أنَّ هذا الكلام يماثل ما قاله «أفرام» السرياني: إنَّ أعناب الجنَّة متوفّرة للصالحين(3).

لم تبق أمام لكسنبرغ سوى مفردات أخرى قليلة ليُقدِّم فهمها الحديث، ولينقذ العلماء المسلمين على حدٍّ تعبيره - من مزاعمهم بالنسبة إلى حوريات الجنَّة. فيأتي - هنا- إلى الآيات الآتية من سورة الواقعة: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ(34)إِنَّا أَنشَأْء(35)فَجَعَلْنَهُنَّ أَبْكَارًا(36)عُرُبًا أَتْرَابًا(37)﴾(4)، حيث يواصل نهجه مستهلاً بكلمة الفُرش، ويقول: هو جمع في العربيَّة، ومعناه: «الفراش، السرير أو السجاد» وفي هذا المعنى يشابه كلمة «فخه» (پرسا prasa) في السريانية-الآرامية وقد اشتقت منها، وفق المعنى الذي يقدِّمه معجم «منا»، وهو: «خيمة، مظلّة». فمن الممكن -بحسب لكسنبرغ - فهمها بالمعنى المتقدّم الذي اختاره للفظة «خيام». ومع صفتها أي «مرفوعة» ترجم الآية ب-: تعريشات مرتفعة للأعناب.

ثمّ بالنسبة إلى الفعل «أنشأ» اقترح معادِلًا له من السريانية-الآرامية، وهو كلمة «ومر»(أوي awi) (أو مرادفها: «عهد» (أشوح aswah)، التي يشرحها معجم «منا» ب-: «أنبت، أخرج». وعليه، يفهم لكسنبرغ آية ﴿ إِنَّا أَنشَأْنَهُنَّ إنشاء﴾(5)بمعنى: نحن أنبتناها.

لا يزال لكسنبرغ ملحا على إثبات مدعاه إلى جانب تخطئة فهم المفسّرين المسلمين، فيقول: يبدو من آية ﴿ فَجَعَلْنَهُنَّ أَبْكَارًا﴾(6)أنَّ الله قد خلق الحوريات

ص: 100


1- سورة الرحمن، الآية 72.
2- Bower.
3- Luxenberg, 2007, p. 275-277.
4- سورة الواقعة، الآيات 34-37
5- سورة الواقعة، الآية 35
6- سورة الواقعة، الآية 36

أبكارًا، لكنَّ كلمة «بكر» ليست بمعنى «عذراء»، لا في العربية ولا في السريانية- الآرامية، بل تعنى «العمل الأوَّل»(1)وكذلك «المولود الأوَّل»(2). لكن لها معناها الخاص في السريانية-الآرامية الذي ينسجم هنا، وهو المعنى الذي يقدمه معجم «منا» فی شرحه لكلمة «ححة» (بكرا bakkara) ، وهو «باكورة، أوّل الثمر خاصَّة». ولذلك استنتج الشرط المسبق لفهم جميع الموارد المذكورة، وهو أنَّ هذه الفواكه طازجة، ومعنى الآية حينئذ هو: نحن خلقناها؛ كالثمار الأولى .

وهكذا يتابع كلامه في الآية الأخيرة ﴿ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾، فيقول(3): أما وقد زُعم أنَّ الله خلق الحوريات ممتعات بشكل عاطفيّ(4)أو في سن واحدة، فليس من الغريب أنَّه لم يتأمَّل أحدٌ في كلمة «عُرُب»؛ لأنَّها قد قُرئت خاطئةً، لكنَّها تُقرأ صحيحةً في السريانية - الآراميَّة: «حة » (عريه arraye) (أي البارد ، البرد الصقيع)، ويجب أن تُقرأ في العربيَّة: «عرَيا». وعليه، يرى أنَّ الصحيح أن تُفهم هذه الآية وفق الآتي: إنَّ فواكه الجنّة ممتازة وكذلك مثلّجة. ويؤيّد مدَّعاه هذا بما ورد في سورة الواقعة نفسها من أنَّ أصحاب النار يستلمون ما هو ﴿ لا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾(5).

وآخر آية يعمل لكسنبرغ على تعديل فهمها هي قوله - تعالى - ﴿وَكَوَاعِبَ أَنْرابا﴾(6)، وتحديدًا كلمة «كواعب» التي تعني ذوات الأثداء الكبيرة، بينما يرى هو أنَّ الإشارة إلى صدورهن دون ذكر أنفسهنّ محطّ غرابة، ثمَّ يفاجئ القارئ بكلامه أن لفظة «کواعب» عربيَّةٌ ، لكنَّ ترجمتها خاطئة. وبعد ذلك نقل الإجماع الذي أورده الطبري من أنَّ معناها النساء العظيمات الصدر ، وكذلك ما أورده لسان العرب في معنى الفعل «كَعَبَ»: كعب الإناء وغيره ملأه . واعتبر أنَّ هذه الترجمة لا تليق بالقرآن، ولا تتناسب مع معنى (الطازجة) الذي رجّحه لكلمة «أتراب»، وأنَّه إذا

ص: 101


1- first work
2- first born
3- Luxenberg, 2007, p. 278- 280.
4- passionately loving
5- سورة الواقعة، الآية
6- سورة النبأ، الآية 33.

كانت كلمة «أترابًا» نعتًا للفواكه والأعناب، فهذا يناسبه أن تكون كلمة «كواعب» نعتًا آخر لفواكه الجنَّة، وهي تُحمل على أوانٍ مفعمة بها. وكعادته يحاول تأييد مدَّعاه بآية من القرآن، فيشير - هنا - إلى الآية 71 من سورة الزخرف(1)والآية 15 من سورة الإنسان(2)، الآيتين اللتين تلفتا إلى الصّحاف والأكواب والآنية، بينما تلفت الآية 34 من سورة النبأ إلى الكأس فقط دون الصِّحاف(3). وبهذا يرى أنَّ الفهم الصحيح لهذه الآيات هو أنَّ في الجنَّة فواكة طريَّةً عصيريَّةً وكؤوسا ممتلئة [من الخمر](4).

وفي آخر المطاف، يُعبر لكسنبرغ عن رأيه البديع حول فكرة الحوريات، ويدعي أنَّ دراسته من المنظور الفيلولوجيّ تُثبت أنَّ تأريخ وضعها يعود إلى القرن التاسع أو العاشر الميلادي لدى مفسري القرآن(5).

ثانيًا: نقد آراء لكسنبرغ المطروحة في القراءة والفهم الخاطئ للقرآن عند المسلمين:

اشارة

تقدَّمت في ما سبق أهم دعاوى لكسنبرغ، وتبيَّن أنَّه يعتقد بأنَّ بعض آيات القرآت قد قرئت قراءة خاطئة أو فهمت فهما خاطئًا، ما دفعه إلى تعديل هذه الأخطاء التاريخيَّة المستمرة عند العلماء المسلمين منذ أمد بعيد، وإلى إعادة تصحيح قراءة هذه الآيات أو تصحيح فهمها.

وقبل الشروع في الرد على دعاويه هذه التي لا تخلو من تجاهل لحقائق كثيرة، نقدم ملخّصًا عن منهجه الذي يسير عليه في إصلاح الأخطاء الواردة في القرآن وتفاسيره بحسب زعمه، ومن ثمَّ دراسة دعاويه دراسةً فيلولوجية، وتوجيه انتقادات إليها مبنيّة على أساس معاجم اللغات السامية، وكذلك دراسة أشعار العرب قبل الإسلام، مضافًا إلى مطالعة السياق القرآني للآيات موضع البحث؛ لنتبيَّن

ص: 102


1- ﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
2- ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ﴾.
3- ﴿وكأساً دهاقاً﴾.
4- Luxenberg, 2007, p. 281-282.
5- ibid., p. 283.

ما إذا كان السياق يقبل - فعلًا- ما قاله لكسنبرغ أو لا؟ وبعد ذلك نذكر جملةً من الروايات الواردة عن الأئمة المعصومين(علیهم السّلام)؛ نقدًا لما قاله لكسنبرغ، ومن ثمَّ نتطرق إلى المصادر التي راجعها لكسنبرغ وندرس مدى اعتبارها. وفي الختام نشير إلى بعض الانتقادات التي وجهها المستشرقون الآخرون إلى لكسنبرغ ومزاعمه، وبالتالي نقيم محاولته في فك رموز القرآن.

1 - نقد منهجية لكسنبرغ :

تحدّد منهجيَّة كلّ مؤلّف مساره نحو النتائج التي يتوصل إليها، وللمنهجية علاقةٌ وثيقةٌ بصحتها أو بطلانها فتجدر الإشارة إلى منهجية لكسنبرغ في تعديل قراءة الآيات أو فهمها قبل البدء بالنقد على أي أساس آخر. ومن نافلة القول: إنَّ لكسنبرغ ليس أوَّل من شمَّر عن ساعديه في الكشف - كما يزعم- عن أصول القرآن؛ فادعاء أصل غير إلهيّ للقرآن ادعاء قديم قِدَمَ نزولِ القرآن؛ فقد لفّق المشركون التُّهم الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بأنَّ اليهود يعينونه على ما يقول(1)، وأشار القرآن الكريم إلى مقالهتهم هذه في قوله - تعالى -: ﴿ وَأعانهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ وَاخَرُونَ﴾(2). وقد اكترث. جم غفير من المستشرقين بدراسة أصول ،القرآن مفترضين أنَّه تلفيق من عناصر الثقافة السائدة في البيئة العربيَّة أو كتب اليهود والنصارى(3). وفي ما يأتي عرض موجز لأبرز المؤلفات في هذا المجال.

أوَّل من حاول أن يُثبت أصلًا يهوديًا للقرآن هو المستشرق الألماني «آبراهام غايغر»(4)في كتابه «ما أخذه محمَّد من اليهوديَّة؟»(5)الذي كان له عظيم الأثر في عصره؛ بما قدَّمه المؤلف من رؤيةٍ متطرّفةٍ إلى إسهام اليهود في القرآن(6). وجاء

ص: 103


1- انظر: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، م.س، ص 137.
2- سورة الفرقان، الآية 4.
3- انظر: الشرقاوي، محمد عبد الله: الاستشراق في الفكر الإسلامي المعاصر، لا ط،القاهرة، لا ن، 1992م، ص84.
4- Abraham Geiger.
5- Was Hat Mohammed Aus Dem Judenthume Aufgenommen, 1833.
6- Stillman, Norman: The story of Cian and Abel in the Qur'an and the Muslim commentators: Some observations, Journal of Semitic Studies, 19(2), 1974, p. 231.

بعده المستشرق «فيليام موير»(1)،مؤلّف كتاب: «حياة محمد»(2)، الذي كان يرى أنَّ جزءًا كبيراً من الإسلام مقتبس من المسيحيّة(3). ثمّ تبعهم «تيودور نولدكه»(4)في کتابه: «تاريخ القرآن»(5)، حيث عقد بابًا لإنكار نبوَّة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وعزا تعاليمه إلى اليهود والنصارى(6). وفي أواخر هذا القرن ألف «هارتويغ هيرشفلد»(7)رسالة دكتوراه بعنوان: «العناصر اليهوديّة للقرآن»(8). ومن مدعاة التعجب أنَّ هو محاولات المستشرقين اليهود في القرن التاسع عشر كانت تهدف إلى وضع الإسلام إلى جانب اليهوديَّة في صفّ واحد في معارضة المسيحيّة(9)، وحتى نهاية هذا القرن لم يُطلق الاستشراق نفسه من الخلفيّة الدينيَّة إِلَّا قليلًا(10).

وظلت فكرة عدم أصالة الإسلام واقتباسه من الأديان السابقة سائدةً بين عموم المستشرقين في القرن العشرين(11)، لكنَّ دراساتهم في هذا القرن اتَّجهت نحو المقارنة بين ما في القرآن من المصطلحات، والقصص، والمعتقدات وما يشاكلها في التعاليم المسيحية واليهودية(12). ويمكن الإشارة إلى أهم المؤلفات في هذا المجال وهي: «مصادر

ص: 104


1- Sir William Muir.
2- Life of Mahomet, 1858.
3- Martin, Richard: Islamic Studies: History of the Field, In The Oxford encyclopedia of the modern Islamic world, New York, Oxford University Press, 1995, vol. 2, p. 329.
4- Theodor Nöldeke.
5- Geschichte des Qorāns, 1860.
6- انظر: نولدکه، تاريخ القرآن، م.س، ج 1، ص 7 ؛ وانظر: الفصل الأوّل من الكتاب نفسه.
7- Hartwig Hirschfeld.
8- Jüdische Elemente im Korân: ein Beitrag zur Korânforschung, 1878
9- Heschel, Susannah: German Jewish Scholarship on Islam as a Tool for De-Orientalizing Judaism, New German Critique, 39(3), 2012, p 91
10- Said, Edward: Orientalism, London, Penguin, 1977, p. 262
11- Rodinson, Maxime: A Critical Survey of Modern Studies on Muhammad, In Studies on Islam, New York, Oxford University Press, 1981, p. 62
12- انظر: شاكر، محمد كاظم؛ فيَّاض، محمد سعيد: [سير تحول دیدگاههای خاورشناسان در مورد مصادر قرآن] پژوهشهای قرآن وحديث، العدد 1،1389ه-ش، ص125.

القرآن الأصليَّة»(1)للقس المبشر المسيحيّ «ويليام تيزدال»(2)و «محاضرات حول الإسلام»(3)للمستشرق المجري «إجناس جولد تسيهر»(4)و«العناصر اليهودية في أجزاء القرآن الروائيَّة»(5)للمستشرق البولندي «إسرائيل شبيرو»(6)، و«اعتماد القرآن على اليهودية والمسيحية»(7)للمستشرق الألماني «ويلهلم رودولف»(8)، و«أسماء العلم اليهوديّة ومشتقاتها في القرآن»(9)للمستشرق الألماني اليهودي «يوزف هروفيتس»(10)،«وقصص العهدين في القرآن»(11)لتلميذه «هنریش شبایر»(12)و «شخصيَّات الكتاب المقدَّس في القرآن»(13)للمستشرق الإسكتلندي «جان والكر»(14)، و«الأساس اليهودي للإسلام»(15)لعالم الآثار الأمريكي «تشارز توري»(16)، و«أصول الإسلام في بيئته المسيحيّة»(17)للمستشرق البريطاني «ريتشارد بل»(18)، و«اليهودية والإسلام: الخلفية العهدينيَّة والتلمودية للقرآن وتفاسيره»(19)للمستشرق الأمريكي «آبراهام كاتش»(20)،

ص: 105


1- The Original Sources of The Qur'an, 1905.
2- William St. Clair Tisdall.
3- 1910 ,resungen ber den Islam جرى نقل الكتاب إلى العربيَّة بعنوان: «العقيدة والشريعة في الإسلام».
4- Ignác Gold ziher.
5- Die haggadischen Elemente im erzaehlenden Teil des Korans, 1907.
6- Israel Schapiro.
7- Die Abhängigkeit des Qorans von Judentum und Christentum, 1922.
8- Wilhelm Rudolph.
9- Jewish Proper Names and Derivatives in the Koran, 1925.
10- Josef Horovitz.
11- Die biblischen Erzählungen im Qoran, 1931.
12- Heinrich Speyer
13- Bible Characters in the Koran, 1931.
14- John Walker
15- The Jewish Foundation of Islam, 1933
16- Charles Cutler Torrey
17- The Origin of Islam in its Christian Environment, 1968
18- Richard Bell
19- Judaism in Islam: Biblical and Talmudic Backgrounds of the Koran and its Commentaries, 1980.
20- Abraham Isaac Katsh

و«محمد»(1)للمؤرخ البريطاني «ميخائيل كوك»(2). وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى الأب «یوسف درَّة الحدّاد» الذي انكبَّ -زهاء عشرين سنة- على تأليف مجموعة من الكتب؛ ليثبت نصرانية دعوة القرآن(3)، وكذلك الكاتب الهندي العلماني المعروف ب-«ابن ورّاق»(4)الذي ألف مجموعةً من الكتب ضدَّ الإسلام، من أهمها: كتاب «مصادر القرآن»(5). والكتب والمقالات في هذا المجال كثيرة جدا، لا تتسع هذه العجالة لذكرها(6).

تظهر دراسة مسار تأليف الكتب والمقالات على مرّ التاريخ أنَّ دعوى اقتباس القرآن من اليهوديّة والنصرانيَّة تغيَّرت من رؤية جدليَّة إلى رؤية أكاديمية، وقد ألزم المستشرقون أنفسهم بأن يثبتوا دعاويهم وفقًا للمعايير العلمية، وانتقادات المستشرقين أنفسهم بعضهم على بعض من نتائج هذه الرؤية العلمية. وكانت دراسات علم اللسانيات الرؤية السائدة في هذا المجال، لكنَّ هذه الدراسات تسير نحو زيادة التقارب من رؤية المسلمين حول القرآن الكريم ومصدره الإلهيّ(7)، وقليلاً ما نجد مستشرقا يدَّعي دعوى الاقتباس في العصر الراهن(8).

من هنا، اتَّضح بجلاء أنَّ مبنى لكسنبرغ (أي الأصل المسيحيّ للقرآن) لا يختلف عمَّا كان بصدده أسلافه من المستشرقين(9)، عندما سعوا في إثبات اقتباس القرآن

ص: 106


1- Muhammad, 1983
2- Michael Allan Cook
3- اسکندرلو، محمد جواد؛ عتابي، أحمد سالم عبد علي: [ردّ شبهات يوسف درّة الحداد في كتابه القرآن دعوة نصرانية]، مجلة دراسات استشراقية (تصدر عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية التابع للعتبة العباسية المقدَّسة، بيروت، العدد 6، 2016م، ص42-43.
4- هذا اسم مستعار. أما اسمه الحقيقي، فغير معروف.
5- The Origins of The Koran: Classic Essays on Islam's Holy Book, 1998.
6- وللاطلاع على فهرس من المصادر الأخرى التي ركّزت على تأثر القرآن بشتّى الثقافات، انظر: (160). 2016 ,Morrison-161).
7- انظر: شاكر ؛ فيَّاض، [سير تحول دیدگاههای خاورشناسان در مورد مصادر قرآن]، م.س، ص136.
8- Schöller, Marco: Post-Enlightenment Academic Study of the Quran. In Encyclopaedia of the Quran, Leiden- Boston, Brill, 2004, vol. 4, p. 195.
9- وقد اعتنى عدد من العلماء المسلمين بالرد على هذه الدعوى، انظر على سبيل المثال: معرفت، محمد هادي: شبهات وردود حول القرآن الكريم؛ عصاصة، سامي: القرآن ليس دعوة نصرانية؛ بدوي، عبد الرحمن دفاع عن القرآن ضد منتقديه؛ رضوان، عمر بن إبراهيم: آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره؛ فخر الإسلام، محمد صادق: بيان الحق والصدق المطلق.

من التوراة والإنجيل وغيرهما؛ استنادًا إلى موافقته مع بعض مواضيعها(1)، لكنَّ المسلمين يرون أنَّ سبب هذه الموافقة هو صدورها جميعها من مصدر واحد(2)لا أخذَ بعضها من بعض ولا عن صدفة(3). ومضافًا إلى ذلك، فإنَّ القرآن الكريم يصف نفسه بالمهيمن على الكتب السماوية الأخرى، وهو قوله - تعالى-: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾(4)، وتبيّن الهيمنة أنَّ للقرآن الكريم سمات من قبيل المرجعيّة، والجامعية، والسيطرة على الكتب السماوية الأخرى، وأنَّه مرجع يلجأ إليه الخصماء، وفيصل حاكم تُختم عنده الأشياء(5).

ونهدف في هذا الكتاب إلى الرد على ما امتاز به لكسنبرغ عن غيره، ألا وهو منهجيَّته الغريبة في إعادة فهم النص القرآني والنتائج التي تترتّب عليها. يمرّ لكسنبرغ بالمراحل الآتية واحدةً تلو الأخرى؛ ليصل -على حد قوله - إلى الفهم الصحيح من المفردات القرآنية:

- الخطوة الأولى: هي فحص تفسير الطبري؛ بحجة أنَّ فيه بعض النقاط التي أغمض عنها مترجمو القرآن إلى اللغات اللاتينية

- الخطوة الثانية: تتمثل بالرجوع إلى معجم لسان العرب؛ بغية تبيين أوضح للمفردات؛ فإنَّ الطبري والمفسّرين المتقدمين لم يراجعوا القواميس قط

- الخطوة الثالثة: ينتقل لكسنبرغ إلى هذه الخطوة في ما لو لم ينجح في إثبات مراده من الخطوتين السابقتين، فيأتي إلى المعاجم السريانية-الآرامية؛ ليجد مشتركا لفظيًّا يختلف معناه عن معنى تلك المفردة الغامضة في العربيَّة، ويتناغم مع السياق القرآني.

ص: 107


1- انظر: رضائي اصفهاني، محمد علي: پروان، صديقه: [دفاع دانشمندان شیعه از قرآن در برابر شبههی اقتباس]، مجلة قرآن پژوهشی خاورشناسان، العدد ،23 1369ه-.ش، ص 67.
2- انظر: معرفت، محمد هادي: شبهات وردود حول القرآن، لا ط، قم المقدَّسة، مؤسسة التمهيد، 1423ه-.ق، ص 11.
3- انظر: من، ص 13.
4- سورة المائدة، الآية 48
5- انظر: الكمالي، طلال فائق: نظرية الهيمنة في القرآن الكريم، لا ط، كربلاء المقدسة، مركز كربلاء للدراسات والبحوث 1427 ه-.ق، ص 709.

- الخطوة الرابعة: في حال أعجزته الخطوات السابقة، يقدم لكسنبرغ قراءةً جديدةً للمفردة عبر تغيير نقاطها؛ لأنَّ القرآن قد نُقْطَ في وقت لاحق [عن نزوله وكتابته]، ولربّما حدث خطأ فى ذلك.

- الخطوة الخامسة : إن بقيت المفردة مبهمةً يعمل لكسنبرغ على إيجاد معادِل لها في السريانية - الآرامية بعد تغيير نقاطها.

- الخطوة السادسة : إنْ لم تُجدِ محاولاته السابقة نفعًا يلجأ إلى ترجمة هذه المفردة العربيَّة إلى السريانيَّة؛ لأنَّها - بحسبه - قد أخذت من السريانية. وهذه الخطوة تنطوي على أهمِّيَّة كبرى، وقد أعطت للنص القرآني مفهومًا منطقيا يرتضيه المؤلّف(1).

يتّضح ممَّا أقرَّ به المؤلّف نفسه ومارسه خلال كتابه أنَّ له فرضًا مسبقًا، وهو أنَّ المفردات الغامضة في القرآن - مع أنَّه لم ينبس ببنت شفة عن معاييره في تحديد هذا صا الله الغموض - مأخوذةٌ عن السريانيّة. وهذا رأي ناجم عن اعتقاد أنَّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)كان يقرأ الكتب المقدَّسة ويقتطف منها ما يشاء ولكنَّ الله - سبحانه وتعالى- قد راً هذه الشبهة البائسة في قوله: ﴿وَمَا كُنتَ نَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ، مِن كِتَبٍ وَلَا تَخْطُهُ بِيَمِينِكَ إِذَا لَاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾(2). وفضلاً عن هذا الكلام الشريف -الذي هو الحجة البالغة - يمكن القول: إنَّه لم تكن هناك أي نسخة عربية من التوراة والإنجيل في العصر النبوي(3)، بل إنَّ أقدم المخطوطات المتبقية من الكتب المقدسة يعود تاريخها إلى القرن الهجري الثاني(4)،ثمَّ إنّ بعض المستشرقين نقلوا عن يهود المدينة أنَّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)لم يكن عالماً بالأسفار المقدَّسة(5)، ولم يكن قد قرأها أبدًا(6).

ص: 108


1- Luxenberg, 2007, p. 23 -24
2- سورة العنكبوت، الآية 48.
3- انظر: مغنية، محمد جواد: شبهات الملحدين والإجابة عنها، لا ط، بيروت، دار ومكتبة الهلال، 1984م، ص82.
4- انظر: عوّاد :كوركيس: مكتبة نور أقدم المخطوطات العربيَّة في مكتبات العالم، لا ط، العراق، دار الرشيد للنشر، 1982م، ص 61-66.
5- Grunebaum, Gustave Edmund: Medieval Islam: A study in cultural orientation (Second), Chicago London, The University Of Chicago Press, 1953, p. 78.
6- انظر: آرمسترونغ، كارين: الله والإنسان على امتداد 4000 سنة من إبراهيم الخليل حتَّى العصر الحاضر، ترجمة: محمد الجورا، لا ط، دمشق، دار الحصار للنشر والتوزيع، 1996م، ص 143.

وعليه، فإنَّ ما انتهجه لكسنبرغ هو أشبه بتفسير القرآن بالرأي؛ إذ إنَّه بهدف تقديم بيان أوضح لمفردة رآها غامضة، لم يفحص -لذلك- سوى تفسير الطبري، والأشنع من ذلك كله تغاضيه عن تفاسير علماء الشيعة بأسرها، كما أنّه لم يستخدم منهجًا إيتيمولوجيا للبحث عن أصل المفردة واللغة التي أُخِذت منها، بل راجع مباشرةً المعاجم السريانية، واختار المعنى الذي يتناسب مع متخيله عن السياق القرآني، أو غير نقاطها بشكل يتناسب مع فرضه المسبق، بمعزل عن دراسة تاريخ القرآن وقراءاتها المقبولة لدى العلماء المسلمين، وتراثهم العلمي والأدبي. وقد وجّه المستشرقون أنفسهم انتقادات(1) -لاذعة أحيانًا - إلى لكسنبرغ ومنهجيته، وهي من أفضل الأدلة على بطلان قوله.

2 - النقد على أساس المعاجم:

تقدَّم أنَّ لكسنبرغ عمل على إعادة فهم التعابير القرآنيَّة، وهذا بعد أن شكّك في عربيَّة هذه التعابير، ورأى أنّها مأخوذة من السريانية-الآرامية، وأنَّ المفسرين المسلمين أخطأوا في قراءتها أو فهمها؛ لعدم علمهم بتلك اللغة، واستند في مواضع كثيرة إلى المعاجم السريانية الآرامية. هذا ، ولكن دراسةً لغويَّةً تُثبت أنَّ دعاويه قد تُعارِض ما ورد في المعاجم الساميَّة، من العربيَّة والسريانية معًا، بل هناك شواهد عدَّة في هذه المعاجم تؤيد فهم المسلمين من تلك التعابير.

أوّل مفردةٍ شكّك لكسنبرغ في صحة قراءتها هي لفظة «استفزز»(2)، واقترح إزالة نقطتي الزايين - أي استبدالها ب-«استفرِز»- ليصبح المعنى أنَّ الشيطان يطلب من الناس أن يفرّوا، حسب القواعد العربيَّة. لكنَّ المشكلة هي أنَّ «الاستفرار» لم يرد في معجم واحدٍ من المعاجم العربيَّة، بل لا أصل لها، ولم يقرأ أحد من القراء بهذه القراءة(3).

ص: 109


1- سيأتي بيانها لاحقًا، فانتظر.
2- الواردة في الآية 64 من سورة الإسراء، وقد تقدم الكلام عنها تفصيلاً في الفصل الأول.
3- عمر، أحمد مختار؛ مكرم، عبد العال سالم: معجم القراءات القرآنية، لا ط، الكويت، مطبوعات جامعة الكويت، 1408 ه-. ق، ج 3، ص 330.

أمَّا المفردة الثانية، وهي «وأجلِبْ »(1)، فرأى لكسنبرغ أنَّه من الواجب وضع نقطة الجيم فوقها وتعديلها إلى «واخلِبْ» بمعنى الخدعة بحسب لسان العرب، لكنَّه لم ينتبه إلى أنَّ هذا الفعل متعد إلى المفعول بنفسه، ولا يتعدى بواسطة حرف الجرّ، كما يتبيَّن ذلك من لسان العرب: «خَلَبَه يَخْلُبُه خَلْباً وخِلابَةٌ: خَدَعَه »(2)، بينما يتعدى الفعل «أجلبَ » بواسطة حرف الجرّ(3). ثمَّ إنَّه لم يختلف في قراءتها أحد من القراء، وهذه قرينة على أنَّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)قرأها كذلك. وبذلك تبقى دعوى لكسنبرغ موضع ريبٍ وشك.

ثمَّ شكَّك لكسنبرغ في معنى مقطع من الآية 53 من سورة الأحزاب وغير نَظِرِينَ إِنَنْهُ ﴾، حيث ادَّعى أنَّ المفسّرين ترجموا «إناه» بالطعام المحضّر، بينما القراءة الصحيحة هي «إنثه» وتعني أزواجه. ويُستشكل عليه بأنَّه ما المشكلة في تفسير المسلمين، وما الدليل على خطئه؟ فهو لم يبرهن على ما ادعاها(4)، بل نقل عنهم أنَّهم ترجموه بالطعام المحضّر ، ولم يقل من قال به منهم؛ فإنَّ الهاء ضمير عائد إلى الطعام المذكور قبل هذا المقطع، و «الإنّى» مصدر «أَنَى يَأني» ومعناه الإدراك والبلوغ، وقد ورد فعله في قوله -تعالى-: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ﴾(5)، ويؤيده ما أنشده الحطيئة(6):

وهذه قرينة على أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قرأها كذلك، وما ادعاه لكسنبرغ موضع ريب وشك.

وأنيتُ العَشاءَ إِلَى سُهَيل *** أوِ الشَّعْرَى فطال بيَ الأَنَاءِ

أمَّا بالنسبة إلى نظريته عن الحور العين، فنبدأ من قوله -تعالى-: ﴿كَذَلِكَ

ص: 110


1- الواردة في الآية 64 من سورة الإسراء.
2- ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 3، ص 363.
3- انظر: م.ن، ج 1، ص 269.
4- Luxenberg, 2007, p. 246
5- سورة الحديد، الآية 16.
6- الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج22، ص 25.

وَزَوَّجْنَهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾(1)؛ فالتزويج من مادة «الزوج» وله وجوه من المعاني، كالحليلة والصنف والقرين. وإذا ورد في باب التفعيل يتعدّى إلى مفعولين، كما في قوله - تعالى -: ﴿زَوَّجْنَكَها﴾(2)، ولا يحتاج إلى حرف الجرّ، وهو بمعنى النكاح؛ ﴿ لكنَّ التزويج في قوله - تعالى -: ﴿وَزَوَّجْنَهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾(3)متعد بحرف الباء، ويعني قرناهم بحور عين؛ لأنَّه ليس في الجنَّة عقد تزويج أو نكاح؛ ويدل على ذلك عدم التكليف في الجنَّة. إذًا، ليس التزويج في الجنَّة بمعنى النكاح المتعارف في الدنيا. وعليه، فإنَّ دعوى لكسنبرغ -على فرض صحة فرضه المسبق بتأسي القرآن بالعهدين- بتعارض القرآن والعهدين في جزاء المؤمنين في الجنَّة -أي وعد القرآن بنكاح المؤمنين وعدم ذلك في العهدين- يعاني من تعسُّف وتعجّل؛ لأنَّ في الجنَّة القرآنية - أيضًا - لا يوجد نكاح بالمعنى المتعارف كما زعم لكسنبرغ .

لفظة «الزوج» خلاف الفرد(4)وتعني: امرأة الرجل(5)، والقرين(6)، أو ضرب من النبات(7). وهذه المعاني تماثل ما ورد في معاجم اللغات السامية؛ فمعنى 91 (زوج) في المعجم الكلداني: «زوج ، قرن»(8)، وفي معاجم السريانية: «انضم بعضهم ببعض، التوحد بالزواج، الحليلة، الصاحب، الزوجة، المتساوي»(9)، وفي معجم «بار بلهول»، وهو من أقدم المعاجم السريانية :«91 (زوجا). د 91: is:(بر زوجا) الشفيق، الرفيق، الربيب، الخدن»(10).وهذا التقارب في معاني هذه

ص: 111


1- سورة الدخان، الآية 54.
2- سورة الأحزاب، الآية 37.
3- سورة الدخان، الآية 54.
4- انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 2، ص 291.
5- انظر: ابن عباد، المحيط في اللغة، م.س، ج7، ص 148.
6- انظر: الزمخشري، أساس البلاغة، م.س، ص 277.
7- انظر: الأزهري، تهذيب اللغة، م.س، ص 6.
8- منا، يعقوب أوجين: قاموس كلداني عربي، تصحيح: روفائیل بیداوید، لا ط، بیروت، منشورات مرکز بابل، 1975م، ص192.
9- Smith, J. Payne: A Compendious Syriac Dictionary-Found upon the Thesaurus Syriacus of R. Payne Smith, London, University of Oxford, 1903, p. 111
10- Bar Bahlule, Hassano: Lexicon Syriacum, Parisiis, E Reipublicae Typographaeo, 1886, vol. 1, p. 678.

المفردة دليل على وجودها في اللغات السامية. إذًا، لا داعي لإزالة نقطة الجيم في «زوَّجناهم»(1)؛ فإنَّ لكسنبرغ - حسب المنهج الذي يسير عليه - يحكم بإزالة النقطة وتغيير القراءة إذا كانت الكلمة غير موجودة في المعاجم العربية والسريانية، بينما هی - أي لفظة الزوج - مستعملة في كلتا اللغتين(2).

اللفظة التالية في الآية سالفة الذكر(3)هي حرف الباء، ويرى لكسنبرغ أنه يعني بين وتحت في السريانية-الآراميَّة، فيقدِّم قراءةً جديدةً للآية، وهي: «وروّحناهم بحور عين»، ويقدِّم معنى جديدًا لها، وهو ترويح المؤمنين تحت حور عين. وبما أنَّ الحور العين تعادل - عنده - الأعناب البيض، فسيكون المعنى الجديد: ترويحهم تحت [أشجار] الأعناب البيض. لكن لهذا الحرف (الباء) أربعة عشر معنى في العربيَّة(4)وأكثر من عشرين معنى في معجم «منا» وهو المعجم الذي استند إليه لكسنبرغ والمعنى العشرين هو «بين»(5). ولم يرد معنى «تحت» للباء لا في العربيَّة(6)،ولا في المعاجم«منا»(7)، ولا في المعاجم السريانية(8). إذًا، معنى «تحت» لحرف (الباء)هو من اختلاق مخيّلة لكسنبرغ ومن صنعه، ولا يصح حمله على الآية الشريفة.

اللفظة الثالثة في الآية هي «الحور»، وهي جمع «الحور»، وهي جمع الأحور أو الحوراء، وقد ذكرت لها معان ثلاثة:

ص: 112


1- الواردة في سورة الدخان، الآية 54.
2- والجدير بالذكر أنه لم يختلف أحد من القرّاء في قراءة "وَزَوَّجْنَاهُمْ (انظر: عمر ومكرم، معجم القراءات القرآنية، م.س، ج 6، ص143- 144 وهذه قرينة على صحة انتساب هذه القراءة إلى الرسول الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم).
3- سورة الدخان، الآية 54
4- انظر: ابن هشام، جمال الدين بن يوسف: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد لا ط، قم المقدسة، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404ه-. ق، ج 1، ص 101.
5- انظر: منّا، قاموس كلداني عربي، م.س، ص48.
6- انظر: ابن هشام، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، م.س، ج1، ص 101-106.
7- انظر: منّا، قاموس كلداني عربي، م.س، ص47-48.
8- Maclean, 1902, p. 23; J. P. Smith, 1903, p. 33; Costaz, Louis: Dictionnarie Syriaque-Francais (Troisième), Beyrouthm Dar El-Macheq, 2002, p. 231902, p. 23; J. P. Smith, 1903, p. 33; Costaz, 2002, p. 23.

- بيض الوجوه(1)

- شديد بياض العين وشديد سوادها(2)

- والتي يحار فيها الطرف(3)

وقد استبعد الطبري المعنى الأخير لعدم موافقته مع القواعد العربيَّة(4)؛ لأنَّ الحَوْرَ تعني شدَّة بياض العين وشدَّة سوادها(5). وتعادلها كلمة «سه i» (حور) في الكلدانية وهي، تعني: «اشتدَّ بياض عينه»(6)، وكذلك معناها في القاموس السرياني ذيل «سهi» (حور): «أن يصير أبيض، أن يلتزم بثياب بيض كرمز للحزب»(7)، مضافًا إلى: «أن یری أن يلاحظ أن يلمح»(8). ومعنى هذا الجذر: «أن يكون أبيض»(9). وبهذا اتَّضح معنى هذه اللفظة في اللغات السامية، وهناك علاقة ملحوظة بينها وبين العين في هذه اللغات، فلا داعي لتخطئة تفاسير المسلمين؛ إذ إنَّهم أولوا الحور ببيض الأعين، وهذا ما تؤيده الدراسة اللغوية.

ثم تجدر الإشارة إلى ما تشبث به لکسنبرغ ليُثبت ما ادعاه، وهو المعنى الوارد في لسان العرب ذيل لفظة البيضة: «عِنَبُ بالطائف أبيض عظيم الحَبّ»(10). ولكنَّه أغمض عما ورد بعده: «بَيْضةُ الخِدْر: الجاريةُ ؛ لأنَّها في خِدْرها مكنونة»(11). فدعوى عدم العلاقة بين البياض والعين غير صحيح، بل يُثبتها المعجم نفسه الذي استخدمه لكسنبرغ .

ص: 113


1- انظر: ابن سلیمان، مقاتل: تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق: عبد الله محمود شحاته، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1423ه-.ق، ج 3، ص 826.
2- انظر: اليزيدي، عبدالله بن يحيى: غريب القرآن وتفسيره: تحقيق: محمد سليم الحاج، لاط، بيروت، عالم الكتب، 1405ه-. ق، ص 363.
3- انظر: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج25، ص 81-82.
4- انظر: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج25، ص81-82.
5- انظر: الفراهيدي، العين، م.س، ج 3، ص 288.
6- منا، قاموس كلداني عربي، م.س، ص228.
7- وهذا يؤيد ما ورد في معنى الحواريين من أنّهم كانوا رجالاً يبيضون ثيابهم (انظر: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج 3، ص 201).
8- J. P. Smith, 1903, p. 133- 134
9- Fraenkel, Siegmund: Die Aramäischen Fremdwörter im Arabischen, Leiden, Brill, 1886, p. 32
10- ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج7، ص125.
11- م.ن.

أمَّا مفردة «العين»، وهي جمع الأعين أو العيناء - والتي فسرها لكسنبرغ باللامع والشفّاف، لافتًا إلى حبوب العنب- فمعناها في العربية واسعات العيون(1)، وتعادلها كلمة «حسن» (عينا) في الكلدانية، وتعني: «عين باصرة، نظر؛ وجه، منظر، لون»(2)، ومن مشتقاتها كلمة «حمسة » (عيننا) التي تعني: «أعين، متسع العينين»(3). وقد ورد في المعجم السرياني ذيل لفظة «حم» (عين): «أن ينظر، أن يرى، أن يشاهد؛ أن يشير، أن يُظهِر»(4)، وكذلك ورد معنى «ذو عين عظيمة» ذيل لفظة «حس»(عيننا)(5). ولم يرد في معانيها اللامع وما شابه ذلك، بل هو ما أتى به لکسنبرغ من تلقاء نفسه. وحري بالذكر ورود معنى «أوسع عينه» في معجم «تزاروس»(6) -وهو من مصادر لكسنبرغ في إثبات نظريته - وقد أغمض عنه، وهذا المعنى يؤيد ما ورد في المعاجم العربيَّة لمفردة «العين»(7).

وبعد دراسة مفردات الآية المذكورة نعالج شبهةً أثارها لكسنبرغ عن تعبير «أَزْواجُ مُطَهَّرَةٌ»(8)؛ حيث قال إنَّ الزوج أُطلقت على النباتات في القرآن الكريم كما أُطلقت على زوجة الرجل، ومن ثَمَّ فسَّر هذا التعبير بأنواع طيبة من الأعناب. والجواب هو أنَّ مشتقات «الزوج» وردت في إحدى وثمانين آية من القرآن الكريم(9)، وكلَّما استُخدمت للنباتات رافقتها قرينةٌ، ومن هذه القرائن:

- «من» البيانية: كما في قوله -تعالى-: ﴿وَمِن كُلِ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين﴾(10)، أو ﴿فِيهِمَا مِن كُلِّ فَكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾(11).

ص: 114


1- انظر: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج 25، ص 82.
2- منا، قاموس كلداني عربي، م.س، ص 540.
3- منا، قاموس كلداني ، عربي، م.س، ص540.
4- J. P. Smith, 1903, p. 411
5- ibid, p. 412
6- Smith, R. Payne: Thesaurus Syriacus, Londini, E Typographeo Clarendoniano, 1895, p. II 2870
7- انظر: الفراهيدي، العين، م.س، ج 3، ص 255.
8- الوارد في سورة البقرة، الآية 25.
9- انظر: عبد الباقي، محمد فؤاد: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لا ط، القاهرة، دار الحديث 1364ه-.ق، ص 332-334.
10- سورة الرعد، الآية 3.
11- سورة الرحمن، الآية 52.

- الفعل «أنبت»: كما في قوله -تعالى-: ﴿وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِ زَوْجٍ بَهِيج﴾(1)،﴿أو فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾(2).

- الفعل «أخرج»: كما في قوله - تعالى -: ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَجًا مِن نَبَاتِ شَتَّى﴾(3).

هذا، فضلا عن أنَّه لم تُطلق صفة «المطهَّر» في القرآن الكريم على النباتات؛ إلَّا أن نعتبر «أزواج مطهَّرة» فواكة الجنَّة، وفقًا لما قاله لكسنبرغ، وهذا يعني أنَّ فواكه الدنيا غير مطهَّرة؛ لأنَّها لم تُنعت بالطهارة في القرآن، بينما امتازت فواكه الجنَّة بها. ولكن ليس الأمر كذلك؛ فإنَّ الطهارة في هذه العبارة ضد الحيض، كما ورد هذا التضاد في قوله - تعالى -: ﴿وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا نَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾(4)؛ وتؤيد هذا المعنى الأحاديث التي ستأتي لاحقا.

نعت القرآن الكريم الحور العين بسمات أخرى، حاول لكسنبرغ أن يُغيّر مداليلها إلى ما يتناسب مع الأعناب البيض ، ومنها «قاصرات الطرف»، التي فسرها لكسنبرغ ب-[الأعناب] المنخفضة المتدلّية. وإذا بدأنا ب-«القصر»، فمعناها «الغاية» في العربيَّة، وجملة «قصرتُ طرفي» تعني «لم أرفعه إلى ما لا ينبغي»، و«قصر النفس» معناه كفّها عن شيء ما(5)؛ ولذلك قال الله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن نَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلَوةِ﴾(6)، وقيل معناه : ترك بعض أركانها(7)؛ لأنَّ القِصر خلاف الطول(8)، وقاصر الطرف قريب من الخاشع(9). وورد المعنى المذكور نفسه في معجم

ص: 115


1- سورة الحج، الآية 5.
2- سورة لقمان، الآية 10.
3- سورة طه، الآية 53.
4- سورة البقرة، الآية 222.
5- انظر: الفراهيدي، العين، م.س، ج5، ص 57-58.
6- سورة النساء، الآية 101.
7- انظر: الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، م.س، ص 673.
8- انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 5، ص 95.
9- انظر: الفراهيدي، العين، م.س، ج 5، ص 58.

«منا» ذيل «مى i» (قصر)(1)، ولم يقتصر استعماله على الأغصان والأشجار. وعليه، يفتقر فهم المقصود من القصر إلى فهم ما أضيف إليه، أي الطرف.

أمَّا «الطرف»، فهو اسم جامع للبصر(2)، وثمة آيات شريفة ورد فيها «الطرف»

بهذا المعنى؛ كقوله - تعالى -: ﴿أَنَا ءَانيكَ بِهِ ، قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾(3)و ﴿وَتَرتَهُم يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيّ﴾(4).وما يلفت الانتباه هو معنى كلمة «ذف» (طرپ) في الكلدانيَّة: «التفت وجه نظره»(5)، ومعنى كلمة «حلف» (مطرب) في السريانية: «طرفة العين»(6)، مضافًا إلى معنى الورق ذيل كلمة «ف» (طرپا)(7)لكنَّ لكسنبرغ اختار المعنى الثاني؛ بناءً على فرض عدم وجود الحوريات. وحري بالذكر أنَّ مصطلح «قاصرات الطرف» كان معروفًا قبل الإسلام، وقد أورده امرؤ القيس في قصيدته(8):

من القاصرات الطَّرْفِ لو دَبٌ مُحْول

من الذّرّ فوق الإثب منها لأثَّرا(9)

وثمة سمةٌ أخرى مدحت بها الحور العين، هي «خَيْرَاتٌ حسان»(10)مفردتان يرى لكسنبرغ أنَّهما يعادلان«محh محص» (گبيتا طبا) في السريانية-الآرامية، بينما هناك خلاف جذري بين اللفظ العربي واللفظ السرياني، ولا يُعرف من أين وجدهما معادلين للفظ القرآني؟ إذًا، دعواه غير مستدلّ عليها ولا تستحق

ص: 116


1- انظر: منّا، قاموس كلداني عربي، م.س، ص 696.
2- انظر: الفراهيدي ،العين، م.س، ج 7، ص414؛ ابن عباد، المحيط في اللغة، م.س، ج 9، ص 160؛
3- سورة النمل، الآية 40.
4- سورة الشورى، الآية 45.
5- انظر: منا، قاموس كلداني ، عربي، م.س، ص297.
6- تزاروس، ج 1، ص 1526.
7- کمبنديوس، ص 183.
8- الفراء، يحيى بن زياد: معاني القرآن، تحقيق: أحمد يوسف النجاتي ومحمد علي النجار، لا ط، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة،1980م، ج2، ص409.
9- المحول: الذي تم له حول (انظر: ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، م.س، ج4، ص 5؛ والإتب: قشر الشعيرة (انظر: م.ن، ج 9، ص 514).
10- الواردة في سورة الرحمن، الآية 70.

الردّ. وكذلك ما ادعاه بشأن «العرب»؛ إذ استبدل قراءتها ب-«العري»، من دون أن يأتي بدليل على خطأ القراءة التي بين أيدينا والتي اتَّفق عليها القراء بقراءة الباء معجمةً موحدةً(1). وقد نقل الطبري أكثر من عشر روايات عن الصحابة والتابعين في معنى العُرُب، واتَّفقوا على أنّها تعني «غنجات متحبّبات إلى أزواجهن»(2)، وهذا دليلٌ على أنَّ هذه المفردة كانت تُقرأ هكذا منذ القرن الأوّل، وتغيير قراءتها موضع ريب وشكّ. وإن سلَّمنا أنَّ القراءة الصحيحة هي «عريا »، فهذه المفردة موجودة في العربيَّة بمعنى الريح الباردة(3)، وليست بالضرورة مفردةً مأخوذةً من السريانية، كما يعتقد لكسنبرغ.

نكتفي بهذا القدر لإثبات أخطاء ارتكبها لكسنبرغ في تحليله اللغوي، وهناك إشكالات على المنهج الذي اتَّبعه للوصول إلى هذه النتائج، نذكر جملةً منها في مبحث لاحق.

3 - النقد على أساس تراث الأدب الجاهلي:

تقدم سابقًا أنَّ لكسنبرغ يقول: إنَّ المسلمين أخطأوا في فهم بعض المفردات والتعابير الواردة في القرآن الكريم، لزعمهم أنَّها بالعربيّة، ففسروها على أساس تلك اللغة؛ ولكنَّ الحقيقة هي أنَّها باللغة السريانيّة ويجب إعادة فهمها على أساس هذه اللغة.

لكن في المقابل، تُظهر دراسة الأدب العربي في العصر الجاهليّ أنَّ هناك عددًا لا بأس به من الأشعار التي أنشدها شعراء ذلك العصر، وقد استخدموا في أشعارهم المفردات والتعابير نفسها، ولم تكن معانيها موافقة لما ادعاه لكسنبرغ، بل بقرينة السياق والمفردات الأخرى التي وردت في الأبيات ندرك أنَّ تلك المفردات والتعابير كانت معروفة لدى العرب قبل الإسلام، واستُخدمت في القرآن الكريم بالمعاني نفسها، فكان المفسّرون المسلمون محقِّين في فهمها. ونقصد على وجه التحديد

ص: 117


1- انظر: عمر ومكرم، معجم القراءات القرآنية، م.س، ج 7، ص 67.
2- انظر: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج27، ص 107-108.
3- انظر: الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، م.س، ص563.

مفهوم «الحور العين» وكلّ لفظة قرآنيَّةٍ أخرى تُشعر بوجود جواري الجنّة. ونستنتج من دراسة أشعار العرب قبل الإسلام أنَّ شعراءهم كانوا يستخدمون هذه التعابير مشيرين إلى جمال النساء؛ فدعوى لكسنبرغ بأنَّ هذه الألفاظ تدلّ على الأعناب البيض موضع ريبٍ ولا تمت إلى الواقع بصلة. ونذكر في ما يأتي نماذج من الكمِّيَّة الهائلة ممَّا أنشده شعراء العصر الجاهلي في وصف جمال حبيباتهم، وهي شواهد على وجود هذه الألفاظ في اللغة العربية قبل نزول القرآن المجيد، وبالمعاني نفسها التي قال بها علماء اللغة والتفسير.

نبدأ بتعبير الحور العين»، وقد كان لافتًا للانتباه منذ القرن الهجري الأوَّل، وهو ما سأل عنه نافع بن الأزرق ابن عباس، فأجابه منشدًا بيتًا عزاه إلى الأعشى(1):

وحورٌ كأمثالِ الدِّمى ومناسف

وماءً وريحان وراحَ يَضعُ

وقد وردت لفظة «الحور» في أشعار كثيرة أخرى؛ منها ما أنشده عبيد بن الأبرص، يشرح فيه قصّة سبي عدد من الشابات الحور اللاتي تشبه الدمى فيقول(2):

وَأَوانِسِ مِثلِ الدمى

حورِ العُيونِ قَدِ استَبَينا

وفي شعر آخر، يُشبّه بياض السحاب ببياض أسنان فتيات شابات يتبسمن ويضحكن(3):

ولاحَ بها تبسم واضحات

يَزينُ صفائح الحور القلاص(4)

ص: 118


1- ابن الأزرق، نافع: سؤالات نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن عباس، جمع وتحقيق: إبراهيم السامرائي، لا ط، بغداد ، مطبعة المعارف، 1968م، ص44.
2- ابن الأبرص، عبيد: ديوان عبيد بن الأبرص، جمع وتحقيق: أشرف أحمد عدرة، لا ط، بيروت، دار الكتاب العربي، 1414ه-.ق، ص 120.
3- ابن الأبرص، ديوان عبيد بن الأبرص، م.س، ص 73.
4- جمع القلوص، أي الأنثى من الإبل (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 7، ص 81) ويريد بها هنا الفتاة الشابة.

وأنشد عمرو بن سعد بن مالك - الملقَّب بالمرقّش الأكبر - في وصف منطقة اسمها «برقة رعم» قائلا(1):

وفيهنَّ حُورٌ كمثلِ الظُّباء

تَقَرَّوا بأعلى السليل الهدالا(2)

وفيه يشبه الحور بالظباء، وهذا تشبيه شائع يُستخدم لوصف جمال المرأة؛ إذ لا يشبه عاقل الأعناب بالظباء. كما استخدم أيضًا - ابن عمّ أبيه، الحارث بن عباد، تشبيها مماثلا للحور، مُنشدًا:

أَقوَت وَقَد كانَت تَحُلُّ بِجوِّها

حور المدامع من ظباء الشام(3)

وكذلك ما أنشده عرفجة بن جنادة بن أبي ،نعمان، وفيه يشبه الحور بالظباء، فيقول(4):

فروضٌ تُوَيْر عن يمين رَويّةٍ

كأن لم تربَّعه أوانسُ حور

رقاقُ الثّنايا والوجُوهِ، كأَنَّها

ظباء الملا فى لحظهنَّ فتور(5)

وقد نعت بعضهم الحور بالناعمات، كما أنشد عدي بن زيد العبادي - وهو من أشهر شعراء النصارى من الجاهليّين - قائلًا(6):

ص: 119


1- ابن سعد، عمرو (المرقش الأكبر)؛ ابن حرملة، عمرو (المرقش الأصغر): ديوان المرقشين، تحقيق: کارین صادر ،بیروت، دار صادر، 1998م، ص65.
2- القرّ: صب الماء (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 5، ص 83)؛ والسليل: مجرى الماء في الوادي (انظر: م. ن ، ج 11، ص 340)؛ وهدل الشيء: أرسله إلى أسفل (انظر: م.ن، ج 11، ص 692).
3- الجو: أي الأرض المنخفضة (انظر: م.ن، ج 14، ص 159)؛ والمدامع : أطراف العين (انظر: م.ن، ج8، ص 91).
4- أبو الفرج الإصبهاني، علي بن الحسين: الأغاني، لا ،ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1415ه-.ق، ج19، ص22.
5- الملا: أي الصحراء (انظر: الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربيَّة ، م.س، ج6، ص2497).
6- العبادي التميمي، عدي بن زيد: ديوان عدي بن زيد، جمع وتحقيق: محمد جبار المعيبد، لا ط، بغداد، شركة دار الجمهورية للطباعة والنشر، 1385ه-. ق، ص 138.

هَيَّجَ الدَّاء في فُؤادِكَ حُورٌ

ناعِماتٌ بِجانِبِ الملطَاطِ(1)

آنِسَاتُ الحديثِ فِي غَيْرِ فُحش

رافِعاتٌ جَوانِبَ الفسطاط

وتأويل ما ورد في البيتين إلى الأعناب البيض دونه خرط القتاد، بل هو أصعب؛

ولكنَّه يمدح يمدح الفتيات جزمًا. وليس هو الوحيد من يصف الحور بالناعمات، بل كان هذا تشبيهًا شائعًا لدى الشعراء الجاهليّين. وأنموذج آخر من ذلك هو ما أنشده سلامة بن جندل، في شعر له يمدح فيه محبوبته أسماء قائلا(2):

وَعِندَنا قينَةٌ بَيضاء ناعِمَةٌ

مِثلُ المَهاةِ مِنَ الحورِ الخَراعيب(3)

وقد استخدم بعضهم مفردة «الحور» مضافةً إلى العيون، كما أنشد خليفة بن بشير بن عمير شعرا يمدح فيه حبيبته. وواضح من كلامه أنَّه لا يصف عنبًا؛ إذ يقول(4):

ما زالَ يفتح أبواباً ويغلقها

دوني ويفتح بابا بعد إرتاج

حتى أضاءَ سِراج دونه حَجَلٌ

حُورُ العيونِ مِلاح طرفها ساجي(5)

ص: 120


1- الملطاط، أعلى حرف الجبل (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 7، ص 390).
2- ابن جندل، سلامة: ديوان سلامة، جمع وتحقيق: محمد بن الحسن الأحول، لا ط، بيروت، دار الكتاب العربي، 1414ه-. ق، ص 61.
3- القينة: الأمة المغنية (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 13، ص 351 والخرعبة الشابة الحسنة القوام (انظر: الفراهيدي العين م.س، ج2، ص284؛ والمهاة قطعة من البلور (انظر: م.ن، ج4، ص99).
4- الآمدي، الحسن بن بشر: المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم، تحقيق: ف. كرنكو، لا ط ،بیروت، دار الجيل 1411ه-.ق، ص 155.
5- الحجل: الخلخال (انظر: الجوهري ،1407، ج 4، ص 1666)؛ والملاح: جمع المليح أي الشريف (انظر: م.ن، ج1، ص406).

يكشرْنَ للهو واللذاتِ عن بُرد

تكشف البرق عن ذي لُجَّةٍ داجي

ثمَّ هناك أبيات تضمُّ مفردة «الحوراء»، تشير إلى محبوبة الشاعر، كما أوردها عبيد بن الأبرص في شعر يمدح فيه حبيبته سعدة قائلًا(1):

لِسَعدة إذ كانت تُثيبُ بِوُدِّها

وإذ هي لا تَلقاك إلَّا بأَسعُدِ

وإذ هي حوراء المدامع طفلةٌ

كمثل مهاة حُرَّة أَمْ فَرقَدِ

وكذلك ما أنشده عمرو بن قميئة في مدح حبيبته خَولَة وذكر فراقه عنها قائلًا(2):

وَفِيهِنَّ خَولَةٌ زَينُ النِس--ا-

ءِ زادَت عَلى الناسِ طُرّاً جَمالا

لَها عَينُ حَوراءَ في رَوضَة

وَتَقرُو مَعَ النَّبتِ أَرطى طوالا(3)

ومثال آخر هو ما أنشده عاجنة الهمداني؛ وكان قد بعث إلى تجارة، فعثر على

مال في الطريق، فأخذه وعاد جذلًا، ثم قال(4):

فأسْرَعْتُ الإِيابَ بخَيْرِ حالِ

إلى حَوْرَاء خُرْعَبْةٍ لَعُوبِ

ص: 121


1- ابن الأبرص، ديوان عبيد، م. س ص 57.
2- ابن قميئة، عمرو: ديوان عمرو بن قميئة، جمع وتحقيق: خليل إبراهيم العطية، لا ،ط، بيروت، دار صادر، 1994م، ص55.
3- طرا: أي جميعًا (انظر: ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، م.س، ج 9، ص 125)؛ والأرطى : اسم شجرة (انظر: من، ج9، ص205)؛ وقراه أي تتبعه (انظر: م.ن، ج6، ص 545).
4- الميداني، أحمد بن محمد مجمع الأمثال، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد لا ط، بيروت، دار المعرف، لا ت، ج 1، ص304.

ويماثله ما أنشده ابن إسرائيل عندما يذكر قصَّة لقائه مع حبيبته، ويقول(1):

وعدت بوصل والزمانُ مسوَّفٌ

حوراء ناظرُها حُسامٌ مُرهَفٌ

نَشوَانَة خَصباءُ مَنهَلٌ ثغرها

وَردٌ ورِيقتُها سُلافٌ قَرقَفٌ(2)

والجدير بالانتباه ما أنشده حامل لواء الشعر امرؤ القيس بن حجر، وفيه دلالة واضحة على أنّه يحكي عن امرأة تعطف على طفلها، ويعبر عنها ب-«الحوراء»، فيقول(3):

نَظَرَتْ إِليكَ بِعَيْنِ جازنَّةٍ

حَوْراءَ حانِيَةٍ على طِفْلِ

وأوضح منه دلالةً ما أنشده مالك بن فهد الأزدي - وكان من ملوك عمان- وهو يحكي قصة حياته، بعد إصابته بسهم رماه وَلده سليمة(4):

نَكَحتُ بها فَتاةَ بَني زُهَيْرٍ

وَخَودَةَ بنتَ نَصر الأسودان

وَجعدة بنت حارثة بن حَربٍ

من الحور المُحَبَّرة الحسانِ

ص: 122


1- الأبشيمي، محمد بن أحمد: المستطرف في كل فن مستظرف، لا ط، بيروت، عالم الكتب، 1419ه-.ق، ص427.
2- حسام السيف: طرفه (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 12، ص134)؛ المرهف: أي الرقيق (انظر:م.ن ، ج 9، ص128)؛ والنشوانة: السكرانة (انظر: م. ن، ج 15، ص 325) والسلاف: جمع السلف (انظر: م . ن ، ج 9، ص 158)والقرقف: اسم للخمر (انظر: م.ن، ج9، ص 282).
3- الصرصري، سليمان بن عبد القوي: موائد الحيس في فوائد القيس، تحقيق: مصطفى عليان، لا ط ،الكويت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1435ه-. ق، ص 262.
4- الخصيبي، محمد بن راشد: شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان، لا ط، مسقط، وزارة التراث القومي والثقافة، 1427ه-.ق، ج2، ص76-177.

وأُمِّ جَذيمةٍ وَهناةَ بِكرٌ

عَقيلَةٌ من ذُرى العرب الهجان

وقد استخدم بعض الشعراء الجاهليّين مفردة «الكواعب» فضلًا عن «الحور»، ما يثبت أنهما كانتا معروفتين لديهم لوصف الفتيات؛ كما يظهر ذلك بجلاء ممَّا أنشده بشر بن أبي خازم الأسدي(1):

الواهب البيض الكواعب كالدمى

حورًا بأيديها المزاهر تعزفُ

ولیست «الكواعب » دالةً على الأعناب أو فواكه أخرى، بل تدلّ على الشابات الناهدات الثدي منذ أمد بعيد، وهذا ما يُستنتج من أشعار العرب قبل نشأة الإسلام. ونموذج ذلك ما أنشده امرؤ القيس قائلا(2):

ويا رُبَّ يوم قد أروح مرجّلا

حبيبا إلى البيض الكواعب أملسا

يُرعنَ إلى صوتي إذا ما سمعنه

كما تَرعَوي عَيط إلى صوتِ أعيَسا(3)

وثمة أشعار كثيرة وردت فيها لفظة «الكاعب»، قصدًا بها إلى فتاة شابة. ومثال ذلك ما أنشده تأبّط شرّاً بعد أن لقي الغول فقتله، وقال(4):

ص: 123


1- ابن أبي خازم الأسدي، بشر: دیوان بشر، جمع وتحقيق: مجید طراد، لا ط، بيروت، دار الكتاب العربي، 1415ه-. ق، ص 110.
2- امرؤ القيس، ابن حجر بن الحارث الكندي: ديوان امرئ القيس، تحقيق: مصطفى عبد الشافي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1425ه-. ق، ص 86.
3- المرجل: مسرَّحُ الشعر (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج2، ص479)؛ وارعوى إلى شيء: أي كفَّ عنه (انظر: م.ن، ج 14، ص328)؛ العيط جمع العيطاء: أي الناقة الطويلة العنق (انظر: من ، ج 7، ص 357) ؛ والجمل الأعيس : ما فيه أُدمة (انظر: م.ن، ج6، ص152).
4- تأبط شراء، ثابت بن جابر: دیوان تأبط شرا وأخباره، جمع وشرح وتحقيق: علي ذو الفقار شاكر، لا ط، لا م، دار الغرب الإسلامي 1404ه-. ق، ص 164.

وأدهم قد جُبتُ جلبابه

كما اجتابتِ الكاعبُ الخَيعلا(1)

ومثال آخر هو ما أنشده أوس بن حجر في شعر يعزّي نفسه في رزيَّةٍ قد أصابته، فيقول(2):

وكانت الكاعبُ الممنّعةُ ال-

حسناء في زاد أهلها سَبْعا(3)

وكذلك ما أنشدته جنوب الهذيليَّة، وهي ترثي أخاها عمرًا ذا الكلب وتقول(4):

المخرج الكاعِبَ الحَسْناءَ مُذْعِنةً

في السَّبْي يَنفَحُ من أَرْدانِها الطِّيبُ

ويماثله ما أنشدته هند بنت معبد في رثاء ابن عمها خالد بن حبيب، وموضعُ الشاهد قولها(5):

إِذْ يَخرجُ الكاعبُ مِن خِدرِها

يومَك لا تذكر فيه الحي--ا(6)

وزد عليه ما أنشدته خويلة الرئاميَّة القضاعيَّة، وذلك بعد مجزرة ارتكبها بنو داهن وبنو ناعب في قبيلتها، فقطَّعت خويلة خناصر أسرتها وصنعت بها قلادة، ثم علَّقتها في عنقها، وقالت(7):

ص: 124


1- اجتاب: أي لبس (انظر: الأزهري، تهذيب اللغة، م.س، ج 11 ص 149)؛ والخيعل قميص لا كمّ له (انظر: م.ن، ج 1، ص 116).
2- ابن حجر، أوس: ديوان أوس بن حجر، جمع وتحقيق: محمد يوسف نجم، لا ط، بيروت، دار بيروت للطباعة والنشر، 1400ه-.ق، ص66.
3- الممنعة: أي المحفوظة المخبأة (انظر: المبرد، محمَّد بن يزيد: التعازي، تحقيق: إبراهيم محمد حسن الجمل، لا ط، مصر، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، لا ت ص 66).
4- الشعراء الهذليون: ديوان الهذيليين، ترتيب وتعليق: محمد محمود الشنقيطي، لا ط، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، 1385ه-. ق، ج 3، ص 126.
5- يموت بشير: شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، لا ط، بيروت، المكتبة الأهلية، 1352ه-. ق، ص 28.
6- الخدر: هو ستر الجارية (انظر: الأزهري، تهذيب اللغة، م.س، ج7، ص119).
7- مهنا، عبد: معهم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، لا ت، ص81.

هذي خَناصِرُ أُسرتي مَسرُودةً

في الجيد مِنّي مثل سمط الكاعب(1)

وما أنشده المنخّل بن الحرث اليشكري يثبت أنَّ لفظة «الكاعب» تدلّ على المرأة، لا على العنب ولا أي فاكهة أخرى؛ فهو القائل(2):

ولقد دَخَلتُ على الفَتاة

الخدرِ في اليَومِ المطير

الكاعِبُ الحَسناء تَر -

فُلُ في الدِّمَقسِ وَفي الحَرِيرِ(3)

وهناك أشعار وردت فيها الكواعب إلى جانب الأتراب كما ورد في القرآن الكريم(4)- وأنموذج ذلك ما أنشده زهير بن جناب، وفيه يعير بني تغلب بعد قتال شدید شنه عليهم(5):

حي دارًا تَغيّرتْ بالجَناب

أقفَرتْ مِن كَواعِبَ أتراب(6)

ص: 125


1- سردَ: أي نسج (انظر: الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربيَّة، م.س، ج2، ص 487)؛ والسمط : هو الخيط ما دام فيه الخرز (انظر: م.ن ج 3، ص 1134).
2- التبريزي، يحيى بن علي: ديوان الحماسة، لا ط بيروت، دار القلم لا ت، ص 204.
3- رفل: أي سحب أذياله ومشى (انظر: ابن دريد، محمد بن الحسن: جمهرة اللغة، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، لا ط، بيروت، دار العلم للملايين، ج 2، ص 787)؛ الدمقس: ضرب من الحرير (انظر: م.ن، ج2، ص1165).
4- سورة النبأ، الآية 32.
5- ابن جناب الكلبي، زهير: ديوان زهير بن جناب الكلبي، جمع وتحقيق: محمد شفيق البيطار، لا ط، بيروت، دار صادر، 1999م، ص62.
6- أقفر المكان: أي خلا (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج5، ص 110).

وكذلك الأمر في «الأتراب»، فهي بمعنى الذين هم في سن واحدة، ولا تدلّ على فواكه طازجة، كما ادعى لكسنبرغ. والدليل على ذلك ما أنشده المسيب بن علس وهو يشيد بحبيبته ليلى قائلا(1):

فدَعْ عَنكَ لَيلَى وأترابَها

فَقد تَقَطَّعَ الغانيات الوِصالا

ويماثله ما أنشده عبد الله بن عجلان النهدي يذكر فيه هندا، وهذا بعد أن طلقها وأنكحت في بني عامر ، فنشب بينهما قتال دام وانهزمت بنو عامر، فقال عبد الله(2):

ذكرتُ بها هِندًا وأترابها الألى

بها يُكذبُ الواشي وَيُعصَى أميرُها(3)

وفي شعر آخر يمدحها قائلًا(4):

أَتَتْ بَين أَترَابِ تَمَايَسُ إِذ مَشْتْ

دبيبُ القَطا أو هُنْ مِنهنَّ أقطَفُ(5)

وكذلك ما أنشده عنترة بن شداد واستخدم فيه لفظة «الأتراب» لافتًا إلى أقران حبيبته، وهو يقول(6):

ص: 126


1- الفاصل بين الحق والباطل من مفاخر أبناء قحطان واليمن، تحقيق: محمد عبد الرحيم جازم؛ منير عربش، لا ط، صنعاء، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية والمعهد الألماني للآثار، 1430ه-. ق، ص 102.
2- ابن العجلان النهدي، عبد الله: ديوان عبد الله بن العجلان النهدي، جمع وتحقيق: إبراهيم صالح، لا ط، أبو ظبي هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، 2009م، ص 27.
3- وشى بفلان: إذا سعى به أو ذكره بالقبيح (انظر: ابن دريد، جمهرة اللغة، م.س، ج1، ص 239).
4- أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، م.س، ج22، ص435.
5- ماس: أي تبختر في مشيه (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج6، ص (224؛ والقطا طائر معروف، سمّي بذلك لثقل مشيه (انظر: م.ن، ج15، ص 189)؛ وقطفت الدابَّة: أي أساءت السير وأبطأت (انظر: م.ن، ج9، ص 286).
6- ابن شداد، عنترة: ديوان عنترة بن شداد، جمع وتحقيق: محمد معروف الساعدي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 2009م، ص104.

أَسائِل عَن فتاةِ بَني قُرَاد

وَعن أَترابِها ذَاتِ الجَمال

وقد نعت القرآن الكريم الحور العين بسمات أخرى، من قبيل: الأبكار، والعرب، والمقصورات. وهذه كلها مستعملة فى أشعار الشعراء الجاهليّين، ومنها على سبيل المثال ما قاله عبيد بن الأبرص، وهو يصف مشهد رحيل الأحبَّة(1):

وفوق الجمال الناعِجَاتِ كَوَاعِبُ

مَخامِيصُ أَبكار أَوانِسُ بيض(2)

وقد وصف الرحيل بشر بن أبي خازم مادحًا خليله وهو يقول(3):

تبيَّنْ خَليلي هَل تَرى مِن ظَعائِن

غَرائرَ أَبكارٍ بِبُرقَةِ تَمثَم(4)

وأنشد أوس بن حجر شعرًا يمدح فيه الجواري الحسان قائلا(5):

غرّ غَرائرُ أَبكارٌ نَشَأنَ معًا

حُسنُ الخلائِقِ عَمَّا يَتقى نور

لَبِسنَ رَيطًا وَدِيباجًا وأَكسِيةً

شَتَّى بها اللون إِلَّا أَنّها فور(6)

ص: 127


1- ابن الأبرص، ديوان عبيد بن الأبرص، م.س، ص 75.
2- الناعجات من الإبل: هي البيض الكريمة (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 2، ص 380-381) والخميص ضامر البطن (انظر: م.ن، ج 7، ص 30).
3- ابن أبي خازم الأسدي، ديوان بشر، م.س، ص136.
4- الظعائن: جمع الظعينة، وتعني امرأة في هودج (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج13، ص 271)؛ والغريرة: الشابة التي لا تجربة لها (انظر: م.ن ، ج 5، ص 16)؛ وبرقة ثمثم : اسم موضع (انظر: الحموي، ياقوت بن عبد الله: معجم البلدان، لا ط، بیروت، دار صادر، 1995م ج 1، ص 392).
5- ابن حجر، ديوان أوس بن حجر، م.س، ، ص 40.
6- النور: جمع النوار، وهي المرأة العفيفة (انظر: الفراهيدي، العين، م.س، ج 8، ص 276)؛ والريط: ضرب من الثياب (انظر: ابن دريد جمهرة اللغة، م.س، ج 2، ص726)؛ والفور: أي الظباء ولا مفرد لها (انظر م.ن، ج2، ص788).

والحري بالذكر ما أنشده النابغة الذبياني في نهي قومه عن رعي مواشيهم في وادي «ذي أقر»، خوفًا من إغارة الغساسنة عليهم وسبي نسائهم، وعندما يشبههن بالبقر الوحشي في الجمال يقول(1):

لا أَعرِفَنْ رَبْرَبا حُورًا مَدامِعُها

كَأْنَ أَبكَارَها نعَاجُ دُوّار(2)

وأمَّا لفظة «العرب» فقد استخدم مفردها في أشعار عدة؛ ومن جملة ذلك ما أنشده لبيد بن ربيعة العامري وهو يتغنّى بمناظر الحياة الصحراوية قائلًا(3):

وفِي الْحُدُوجِ عَرُوبٌ غَيْرُ فَاحِشَةٍ

رَيَّا الرَّوَادِفِ يَعْشَى دوَنها البَصَرُ(4)

وكذلك ما أنشده النابغة الذبياني وهو يصف حبيبته سُعدى قائلًا(5):

عَهدتُ بها سعدی، وسعدى غَريرةٌ

عَروبٌ، تَهادَى في جَوارِ خَرائِدِ(6)

ص: 128


1- النابغة الذبياني، زياد بن معاوية بن ضباب المري: ديوان النابغة الذبياني، جمع وتحقيق: حنا نصر الحتّي، لا ط، بیروت، دار الكتاب العربي، 1411ه-.ق، ص 108.
2- الربرب: أي جماعة البقر (انظر: ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، م.س، ج 10، ص 240)؛والدوار: مستدار رمل تدور حوله الوحش (انظر: .م. ن، ج9، ص418).
3- ابن ربيعة العامري، لبيد: ديوان لبيد بن ربيعة العامري، تحقيق: حمدو طمأس، لا ط، بيروت، دار المعرفة، 1425ه-.ق، ص38.
4- الحدوج: جمع الحدج وهو من مراكب النساء (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 2، ص 230)؛ والروادف : الأعجاز (انظر: م.ن، ج9، ص 115)؛ والعشا سوء البصر (انظر: م.ن، ج 15، ص 56).
5- النابغة الذبياني، ديوان النابغة الذبياني، م.س، ص63.
6- تهادَت المرأة: إذا تمايلت في مشيها (انظر: الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية، م.س، ج6، ص 2534)؛خرائد: جمع الخريدة وتعني العذراء (انظر من ج2 ص468).

ووردت مفردة «العروب» في شعر أنشده طفيل الغنوي وهو يصف حبيبته قائلًا(1):

عَرُوبٌ كأنَّ الشَمسَ تَحتَ قِناعِهَا

إِذَا ابْتَسَمتْ أو سَافِرًا لَم تَبسّم(2)

وهو مَنْ أنشد شعرًا، واستخدم فيه مفردة «المقصورة» ناعتًا امرأةً محبوسةً بيتها، وهو يقول(3):

فَقالَ اِركَبوا أَنتُم حُمَاةٌ لِمِثلِها

فَطِرنا إِلَى مَقصورَةٍ لَم تُعَبَّلِ

وقد تقدَّم في ما سبق أنَّ لكسنبرغ اتَّخذ من مقارنة القرآن الكريم بين الحور العين وبين الياقوت والمرجان أو اللؤلؤ المكنون -يعني تشبيههنّ بها- مؤيدا لدلالة الحور العين على الأعناب البيض، معتبرًا وجه الشبه بينهما هو المساواة في اللون. ولكنَّ الشعراء الجاهليّين قد شبَّهوا المرأة بالدرّ وما شابه ذلك، فكان التشبيه معروفًا لديهم لبيان جمال النساء، لا لذكر بياض الأعناب. ومن هذه الأشعار: ما أنشده سويد بن أبي كاهل اليشكري وهو يشبه حبيبته سليمى بدرة عمانية قائلًا(4):

كالتُّوأَمِيَّةِ إِنْ باشَرْتَها

قَرَّتِ العَيْنُ وطابَ المُضْطَجَع(5)

وشبَّه المسيّب بن علس حبيبته بدرّة وأباها بغوّاص وجدها بأعماق البحر، فأنشد قائلًا(6):

ص: 129


1- الغنوي: طفيل، ديوان طفيل الغنوي، جمع وتحقيق: حسان فلاح أوغلي، لا ط، بيروت، دار صادر، 1997م، ص103.
2- المرأة السافر: التي سفرت النقاب عن وجهها (انظر: الفراهيدي العين، م.س، ج 7، ص 246).
3- الغنوي، ديوان طفيل الغنوي، م.س، ص 91.
4- الضبي، المفضل بن محمد: المفضليات، تحقيق: أحمد محمد شاكر؛ عبد السلام محمد هارون، لا ط، القاهرة، دار المعارف، لا ت ص 196.
5- التؤاميَّة: هي درَّة نُسبت إلى تؤام قصبة عمان (انظر: ابن عباد، المحيط في اللغة، م.س، ج9، ص 477).
6- ابن علس، المسيّب : ديوان المسيب بن علس، جمع وتحقيق: عبد الرحمن محمد الوصيفي، لا ط، القاهرة، مكتبة الآداب، 1423ه-. ق، ص 78.

كَجُمانَةِ البَحرِيٌّ جَاءَ بِها

غَوّاصُها مِن لُجَّةِ البَحرِ(1)

وتجدر الإشارة إلى قصيدة أنشدها الأعشى الكبير وهو يحن إلى حبيبته قَتْلَة، ويشبهها بأجمل ما يعرفه العرب، قائلًا(2):

وَقَد أَراهَا وَسطَ أَترَابِها

فِي الحَيِّ ذِي البَهجَة والسامر

كَدُميَةِ صُوِّر محرَابُها

بُمُذهَبٍ فِي مَرمَرٍ مَائرِ

أَو بَيضَةٍ فِي الدِّعصِ مَكنُونةٍ

أَو دُرَّةٍ شِيفَتْ لَدى تَاجِرِ

يَشفِي غَلِيلَ النَفْس لَاهِ بها

حَورَاءُ تُصبِي نَظَرَ النَاظر(3)

ومن تشبيه العرب النساء بالبيضة قصيدة عدي بن زيد العبادي، وكان مسجونًا لما أنشدها، فوصف حبيبته قائلًا(4):

ص: 130


1- الجمانة: أي الدرّة (انظر: ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، م.س، ج 7، ص 469)؛ لجة البحر: حيث لا تُرى أرض (انظر: الفراهيدي،العين، م.س، ج6، ص 19).
2- الأعشى الكبير، ميمون بن قيس: ديوان الأعشى الكبير، جمع وتحقيق: محمد حسين، لا ط ،القاهرة مكتبة الآداب، لا ت ص 139.
3- سمر: أي لم ينم (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 4، ص 376)؛ والمحراب: صدر البيت (انظر: م . ن ، ج 1 ، ص 305)؛ والمذهب: أي الوسوسة في الماء (انظر: م.ن، ج 1، ص394)؛ والمائر: البراق (انظر: م.ن، ج 5، ص 187)؛ والدعص: أي قور من الرمل (انظر: م.ن، ج7، ص 35)؛ وشاف الشيءَ: أي جلاه (انظر: م.ن، ج9، ص184)؛ والغليل: شدَّة العطش والحرارة (انظر: م.ن، ج 11، ص499)؛ وأصبى: أي استمال (انظر: ،من، ج 14، ص 451).
4- العبادي التميمي، ديوان عدي، م.س، ص84.

كَدُمَى العَاجِ فِي المَحارِيبِ أو كال-

بَيضِ في الرَوضِ زَهوه مُستَنِيرُ

والآخر قول المخبّل السعدي وهو يمدح حبيبته الرباب، حيث أنشد قائلًا(1):

أَوْ بَيْضَةِ الدِّعْصِ التي وُضِعَتْ

في الأرض ليس لِمَسِّها حجم(2)

والأفصح من ذلك ما أنشده امرؤ القيس، وهو يشبه لون العشيقة بلون بيض النعام قائلا(3):

کبكْرِ المُقاناةِ البَيَاضِ بِصُفْرةٍ

غَذَاها نَمِيرُ المَاءِ غَيْرَ مُحلَّل(4)

وعلى الرغم من وصف الشعراء الجاهليّين النساء بالبيض، لم يتمكنوا من الإتيان ببلاغة القرآن ولم يقدروا على ذلك؛ فلقد أبدع القرآن الكريم في الوصف؛ إذ شبّه الحور العين بالبيض المكنون(5)؛ فلفظة «المكنون» تتضمَّن معنى السلامة من جميع العوارض التي تُنقص رونقه، وتشين بياضه، وتكسف بهاءه(6).

ويكفينا ما ذكرنا من أشعار الشعراء الجاهليين لنثبتَ أنَّ المفردات القرآنية وتشبيهاته كانت معروفة لديهم لوصف جمال النساء. فما حار المفسرون في فهمها -كما زعم لكسنبرغ - بل كانوا مصيبين في تأويلها إلى جواري الجنَّة الحسان، وهو ما يوافق التراث العربي العريق.

ص: 131


1- الضبي، المفضليات، م.س، ص 115.
2- الحجم: أي النتو (انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج 12، ص 116).
3- الأنباري، محمد بن القاسم: شرح القصائد السبع الطوال الجاهليّات، تحقيق: عبد السلام محمد هارون لا ط، لا م، دار المعارف، لا ت ص 70.
4- المقاناة: أي إشراب لون بلون (انظر: الفراهيدي ،العين، م.س، ج5، ص 218)؛ والميرة: جلب الطعام (انظر: م.ن، ج8، ص 295)؛ والمحلل: أي اليسير (انظر: من ج 3، ص 38).
5- سورة الصافات، الآية 49
6- ابن ناقيا، عبد الله بن الحسين: كتاب الجمان في تشبيهات القرآن، تحقیق: محمود حسن أبو ناجي الشيباني، لا ط، جدة، براج وخطيب، 1407ه-. ق، ص 191.

4 - النقد على أساس السياق القرآني:

ادَّعى لكسنبرغ غير مرَّة عدم تناسب فهم المفسّرين المسلمين لبعض التعابير آخر والمفردات القرآنية مع السياق الذي وردت فيه؛ ما دفعه إلى تقديم فهم ومعاني أخرى لهذه المفردات، اعتبرها أكثر ملائمةً وتناسبًا مع السياق القرآني.

لذا كان لا بدَّ من عرض السياق القرآني ودراسته؛ لمعرفة ما إذا كان فهم المفسّرين المسلمين معارضًا للسياق، وما إذا كانت المعاني التي قدمها لكسنبرغ تنسجم مع السياق كما يدعي.

أمَّا الأنموذج الأول، فهو قوله تعالى-: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَالِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَجُ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَابٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾(1)، وفيه وعد الله المؤمنون بنعَم يجزيهم بها في الجنَّة، ومن هذه النعم الأزواج المطهَّرة، التي ترجمها لكسنبرغ بنوع من الفاكهة، وتحديدًا الأعناب الطيبة.

ولفهم المقصود منها الذي يتناسب وينسجم مع السياق الواردة فيه لا بدَّ من دراسة الآيات السابقة واللاحقة لها؛ ففي الآية السابقة(2)يذمّ الله -تعالى- الناس لحبِّهم الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة، وما إلى ذلك من متاع الدنيا القليل الفاني التي وعدهم - في الآية موضع الدراسة- بخير منها، ويحثّهم على العمل للآخرة والنعم الأخروية البديلة عن متاع الدنيا هذه والتي لا تُقارن بها، وقد ترك ما يقابل شهوات الدنيا في ذكر نعم الآخرة، وكذلك المال والبنين؛ للاستغناء عنها في الجنَّة، وأبقى النساء والحرث؛ بما يُفهم منه أنَّ جنات الآخرة بديلةً من حرث الدنيا، وهي خير منه جزمًا، وأنَّ الأزواج المطهَّرة تقابل نساء الدنيا(3)وافتراض أنَّ الأزواج المطهَّرة هي الأعناب البيض معناه وعد

ص: 132


1- سورة آل عمران، الآية 15.
2- ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ سورة آل عمران، الآية 14.
3- انظر: ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد: التحرير والتنوير، لا ط، تونس، الدار التونسية للنشر، 1984م، ج 3، ص184.

المؤمنين بما هو أسوأ مما في الدنيا، وهو مخالف لسياق الوعد ومناقض له؛ إذ لا يقول عاقل بأنَّ الأعناب خير من النساء، ولا يُعقل أن يوعد الإنسان بأسوء مما لديه مقابل كفّ نفسه عنه! وعليه، فإنَّ المعنى الذي اقترحه لكسنبرغ في غاية الغرابة والبعد عن السياق، على العكس تمامًا من المعنى الذي فهمه المفسرون المسلمون والذي هو في غاية الانسجام والتناسب والتناسق مع السياق.

وأمَّا الأنموذج الثاني فهو قوله - تعالى - في الآية 22 من سورة الواقعة: ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ . وقد فسَّر لكسنبرغ الحور العين في هذه الآية بالأعناب البيض، كما تقدَّم مرارًا وتكرارًا. ولكنَّ هذا المعنى غير متناسب مع الآيات السابقة؛ لأنَّ هذه الآيات -كما هو واضح - بصدد بيان نِعَم الجنَّة ؛ ففي الآية 20 ذَكَرَ الفواكه التي يتخيَّرها المؤمنون، وهو طعامهم النباتي، ويليها ذكرُ طعامهم من لحوم الطير، ثمَّ جاء بعدهما ما هو أفضل منهما، وهو الحور العين التي يعرفها المسلمون بالجواري الحسان وتفسيرها بالأعناب البيض غير صحيح، وهو تكرار لا فائدة منه؛ لأنَّ العنب من الفواكه، وقد ذُكرت بعمومها، فيكون ذكر العنب بالخصوص لغوًا. واعتبارها من باب ذكر الخاص بعد العام لإفادة التأكيد غير صحيح أيضًا؛ لأنَّه قد فُصِلَ بينهما بفاصل من جنس آخر، وهو لحوم الطير.

وزيادةً على ذلك، فإنَّ سياق الآيات يُظهر أنَّ الحور العين أفضل مما ذكر قبلها؛ لأنَّ الشخص إذا وعد شخصًا آخر ليحرّضه على عمل، وعده أوَّلًا بما يحبُّه وبما هو أفضل ممَّا عنده، ثمَّ إن أراد ترغيبه أكثر في العمل وعده بما هو أفضل ممّا وعده به أولًا، وهكذا يعده بالأفضل مما تقدَّم كلَّما أراد ترغيبه أكثر. فإن وعده أوَّلًا بما يحبُّه ثُمَّ جاء ثانية بما هو أقل منه درجةً فقد آيسه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الآيات الشريفة، فإنّها تعد المؤمنين بالطعام النباتي ثمَّ بالحيواني وتختار أطيبها وهي لحوم الطير، فإن جاءت بعدهما وفي مقام ترغيبهم بنوع خاص من المأكولات النباتية فقد آيستهم عن العمل وحطَّت من عزيمتهم عليه. وهذا لا ينسجم أبدًا مع سياق الدعوة إلى عمل ما والترغيب به.

ص: 133

لا ينتهي تعارض تفسير لكسنبرغ مع السياق القرآني في هذه الآيات فحسب، بل إنَّ معظم آيات هذه السورة -أيضًا- ترفض ما ادعاه بشأنها؛ فالآيات (10-26) تصف نعيم «السابقون السابقون»، والآيات (27-38) تصف نعيم أصحاب اليمين، وفيها إشارة إلى كائناتٍ أبكارٍ عرُبٍ أتراب، وفسرها لكسنبرغ بالأعناب الطازجة الباردة. فتبدأ نِعَم هؤلاء الأبرار بالأشجار الوارفة الظلال، ثم تليها ثمار الأشجار وهي ﴿ وَفَكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾(1)، ثمَّ يتغير الضمير بعد ذلك من المفرد المؤنَّث إلى جمع المؤنَّث، فيقول - تعالى -: ﴿ إِنَّا أَنشَأْنَهُنَّ إِنشَاءَ(35)فَجَعَلْنَهُنَّ أَبْكَارًا (36)﴾(2)وهذا التغيير يفيد تغيير مرجع الضمير، ولو كانت هذه الكائنات من جنس الفواكه لقال: إنَّا أنشأناها إنشاءً، فجعلناها أبكارا؛ لأنَّ الأبكار العرب الأتراب -وهي الأعناب على فرض صحصَّة تفسير لكسنبرغ - ليست الفواكه الوحيدة التي هي طازجة طريّة، وغيرها من فواكه الجنة ذابلة! إذا، ما قاله لكسنبرغ لا يمكن قبوله إلَّا بقطع النص القرآني من سياقه وتجاهل الآيات السابقة واللاحقة.

والأنموذج الثالث، هو قوله - تعالى -: ﴿وَكَوَاعِبَ أَزْرابا﴾(3)في سورة النبأ، وقد تقدم سابقًا أنَّ لكسنبرغ يرى «الكواعب» نعتًا للأعناب. ولكنَّ هذا التفسير يخالف قواعد اللغة العربيَّة؛ لأنَّ الآية السابقة تحدثت عن الأعناب، قائلةً: ﴿حَدَابِقَ وَأَعْنَبا﴾(4)، ثمّ عطفت عليها الكواعب، وبما أنَّ النعت لا يُعطف على المنعوت(5)، لا يمكن أن تكون الكواعب نعتًا للأعناب.

ثمَّ إِنَّ أغرب دعاوى لكسنبرغ قوله بأنْ ليس في الجنَّة إلَّا الأطعمة والأشربة(6). ولكن يردّ دعواه هذه قوله - تعالى - في وصف نعيم الآخرة: ﴿ جَنَّتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا

ص: 134


1- سورة الواقعة، الآيتان 32-33
2- سورة الواقعة، الآيتان 35-36
3- سورة النبأ، الآية 33
4- سورة النبأ، الآية 32
5- انظر: ابن الفخار، محمد بن علي: شرح الجمل، تحقيق: روعة ناجي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية 1434ه-.ق، ج 1، ص 147.
6- Luxenberg, 2007, p. 270

تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَرُ هُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾(1)؛ فَإِنَّ الإطلاق في الآية دليل على وجود كلِّ نعمة ممَّا يخطر على البال وما لا يخطر، كما قال -سبحانه- في وصف الذين يسهرون الليالي بذكره جل جلاله: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةٍ أَعْيُنِ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾(2)، وهو دليل على التلذذ في الجنَّة بما لا نعرفه من النِعم، فليس من المستبعد أن تشتمل على نساء حسان الوجوه تسر ناظريها، كما يُشعر بذلك قوله - تعالى -: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ اَلْأَعْيُنُ ﴾(3).

فهذه جملة من النماذج الكافية في تثبيت ضعف دعاوى لكسنبرغ وتعارضها مع العقل والنقل.

5 - النقد على أساس التراث الروائي:

اشارة

يتجاهل لكسنبرغ التراث الإسلامي بكامله سوى القرآن الكريم، ويحاول دومًا تقديم قراءة جديدة من الآيات القرآنيَّة عبر تعديل رسمها أو إصلاح فهمها، مستدلا بأنَّ المفسّرين المتأخرين -أي في القرنين الثالث والرابع الهجري، كما أشار إلى ذلك في آخر مقاله- قد حاروا في فهم المراد الحقيقي للمقاطع القرآنية وأخطؤوا في تأويلها.

ولا شلَّ بأنَّ أفضل الطرق لفهم القرآن هو مراجعة من نزل عليه القرآن؛ فله مهمة تبيين القرآن، كما أكد ذلك قوله - تعالى -: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِلَ إِلَيْهِمْ ﴾(4)؛ إذ فيه دليل على حجيَّة قول الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في بيان القرآن(5)، وهو(صلی الله علیه و آله و سلم)المرجع الأوَّل في الكشف عما أشكل من القرآن. وقد ثبت عنه(صلی الله علیه و آله و سلم)بالتواتر لدى الفريقين أنَّه قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أَمَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»(6)،

ص: 135


1- سورة النحل، الآية 31
2- سورة السجدة، الآية 17.
3- سورة الزخرف، الآية 71.
4- سورة النحل، الآية 44
5- انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج 12، ص 261.
6- الصفار، محمد بن الحسن: بصائر الدرجات في فضائل آل محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، تصحیح: محسن کوچه باغی، قم المقدم، سة مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404ه-.ق، ج 1، ص 413؛ وانظر - مع اختلاف يسير في اللفظ-: ابن حنبل، أحمد: فضائل الصحابة، تحقيق: وحي الله محمد عباس، لاط، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1403ه-.ق، ج 2، ص 585.

وعدم افتراقهما يدلّ على أنَّ العترة(علیهم السّلام)هم مفسّرو القرآن(1)، وهم خزان علمه وتراجمة وحيه(2)،وهم أهل البيت الذين نزل عليهم جبرائيل(3)، وأهل البيت بما في البيت أدرى(4)، وقد شدَّد جملة من المفسرين على أهميَّة الاستفادة من كلماتهم(علیهم السّلام)في فهم القرآن(5).

وليس هذا الأمر غريبًا؛ إذ ليس رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بدءًا من الرسل(6)، وكان الأنبياء السابقون(علیهم السّلام)- أيضًا - يبينون لأقوامهم آيات الله(7)، وقد أعطى عيسى(علیه السّلام)الحوارييه أن ينشروا تعاليمه في العالم، وتُعتبر كلمتهم كلمةً من الله(8)، وكذلك أهل بيت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)،حديثهم حديث رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)،وهو قول الله سبحانه وتعالى(9). ثمّ إنَّ من عاصر تكونَ نقّ ما هو أقرب إلى فهمه ممَّن لم يدرك ذلك الزمن ولم يعش الخطاب السائد في بيئته؛ فالأئمة المعصومون(علیهم السّلام)والصحابة والتابعون يفهمون النصَّ القرآني والمراد الحقيقي من آياته أفضل ممَّن جاء بعدهم بقرونِ عدَّة ولم تصله سوى مرويات شتَّى عما مضى في تلك العصور.

من هذا المنطلق نذكر -هنا- جملةً من الروايات الواردة عن النبي الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم)وعن الأئمة الأطهار(علیهم السّلام)، ونستكمل النقد بما نُقل عن الصحابة والتابعين -وقد عاش جميعهم قبل القرن الثالث الهجري - ؛ لنتبيَّن كيف كانوا يفهمون المقاطع القرآنية آنذاك؛ وما إذا كان في التراث الإسلاميّ ما يؤيد دعاوى لكسنبرغ أو يرفضه. والأحاديث النبوية تدلّنا على المراد الحقيقي للتعابير القرآنية حتى على مقولة

ص: 136


1- انظر: جوادي آملي، عبد الله: تفسير تسنيم، تحقيق: علي إسلامي، لا ط، قم المقدسة، إسراء للنشر، 1388ه-.ش، ج 1، ص 150.
2- انظر: ابن قیس، سلیم کتاب سليم بن قيس الهلالي، تحقيق: محمد أنصاري زنجاني خوئيني، لا ط، قم المقدسة، الهادي، 1405ه-.ق، ج 2، ص 857.
3- انظر: الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، لا ط، طهران، دار الكتب الإسلامية، ج 1، ص400.
4- انظر: الفيض الكاشاني، محسن: تفسير الصافي، تحقيق: حسين أعلمي، لا ط، طهران، مكتبة الصدر، 1415ه-. ق، ج 1، ص 8.
5- انظر: خداياري، علي نقي: [نقش احاديث معصومان در تفسیر قرآن]مجله سفينه، العدد 2، 1383ه-.ش، ص8.
6- سورة الأحقاف، الآية 9: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعَا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾.
7- سورة إبراهيم، الآية :4 ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيَنَّ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
8- Coppieters, Honoré: Apostles, In The Catholic Encyclopedia, New York, Robert Appleton Company, 1907, vol. 1, p. 1692.
9- انظر: الكليني، الكافي، م.س، ج1، ص 53.

صا الله لكسنبرغ وزعمه الباطل بأنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)قد ألّف القرآن من تلقاء نفسه وليس هو وحيًا من الله، فلا تزال تمسّ الحاجة إلى كلماته الشريفة ومنقولات من أدركه ومن توارثوا علمه في الحصول على مقاصد الآيات ومفرداتها الغامضة لدينا(1).

أ- معاني مفردات الآية 64 من سورة الإسراء

*أ- معاني مفردات الآية 64 من سورة الإسراء(2):

ليس في التراث الروائي الإسلاميّ ما يؤيد الألفاظ البديلة التي اقترحها لكسنبرغ لبعض مفردات الآية 64 من سورة الإسراء، بل ثمة ما يؤيّد ويؤكِّد الألفاظ والمفردات نفسها الواردة في الآية وينفي بالتالي مزاعم لكسنبرغ. فمما ورد عن أمير المؤمنين(علیه السّلام)- وهو من أدرك الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله و سلم)وتعلم منه القرآن الكريم والمعنى المنشود لآياته - خطبته القاصعة التي يذم(علیه السّلام)فيها إبليس ويدعو الناس إلى الاعتبار ممَّا صنع، بقوله: «فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ عَدُوَّ اللَّهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ وَأَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ وَأَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِه»(3)؛ فهو(علیه السّلام)يستخدم الألفاظ القرآنية من دون أي تغيير في قراءة مفرداتها، ولو كانت القراءة الصحيحة لتلك الألفاظ ما ادعاه لكسنبرغ، كان على أمير المؤمنين(علیه السّلام)- وهو الذي رأى نور الوحي والرسالة - أن يقرأها بشكل مختلف عما بين أيدينا من القرآن. وكذلك ما ورد عن ابن عباس - وهو من كبار أصحاب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)،وحبر الأمة على ما لقبه بذلك أهل السنة(4)- في وصفه من حارب أمير المؤمنين علسلام قائلاً: «وَاللَّهِ لَقَدْ أَجْلَبَ إِبْلِيسُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّ خَيْلٍ كَانَتْ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّ كُلَّ رَاجِلٍ قَاتَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ مِنْ رَجَالَةِ إِبْلِيسَ»(5)، فهذا -أيضًا - دليلٌ على صحة النقط القرآني وفقًا القراءة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، وخصوصًا عندما عبر عن أعداء أمير المؤمنين(علیه السّلام)برَجَالَة

ص: 137


1- هذا كله بحسب دعوى لكسنبرغ ومعتقده. أمَّا حقيقةً وواقعا فالقرآن وحي من الله أنزله على نبيه محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، وقد بينه وشرحه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)للناس، وهذا الشرح هو بيان للمراد الحقيقي لله تعالى؛ لأنه(صلی الله علیه و آله و سلم)لا ينطق عن الهوى، إن هو إلَّا وحي يوحى.
2- ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾.
3- الشريف الرضي، محمد بن الحسين: نهج البلاغة (الجامع لخطب ومواعظ ورسائل وكلمات أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(علیه السّلام)) تحقيق: صبحي الصالح، لا ط، قم المقدسة، دار هجرت، 1414ه-.ق، ص287.
4- انظر: الذهبي، محمد بن أحمد: سير أعلام النبلاء، أشرف على التحقيق: شعيب الأرناؤوط، لا ط، لا م مؤسسة الرسالة، 1405ه-.ق، ج 3، ص 331.
5- ابن شهر آشوب، محمد بن علي: مناقب آل أبي طالب(علیه السّلام)، لا ط، قم المقدَّسة، علامة للنشر، 1379ه-.ش، ج 3، ص 123.

إبليس. وبذلك يتّضح بجلاء أنَّ اللفظ القرآني الصحيح هو الرجل وليس الدجل.

أما بالنسبة إلى مفردة «شارك»، فهناك روايات عدة تُصرّح : بأنَّ إبليس يشارك في الأولاد إذا كان المولود مبغضًا لأمير المؤمنين(علیه السّلام)، من قبيل الروايات التي تدلّ على أنَّ أمير المؤمنين(علیه السّلام)قد رأى إبليس، وبينما هما يتحادثان قال له اللعين أنَّه يدخل في رحم أمّ مبغضيه. ومن هذه الروايات :

- ما نُقل عن أمير المؤمنين(علیه السّلام)أنه صادفَ إبليس ، وقال اللعين له بعد كلام:

«يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ مَا أَحَدٌ يُبْغِضُكَ إِلَّا أَشْرَكْتُ فِي رَحِمٍ أُمِّهِ»(1).

- ما نقل من أنَّه(علیه السّلام)كان جالسًا عند باب الدار مع رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، وإذ أقبل شيخ وعرفه الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)عليه(علیه السّلام)أنه إبليس، فأراد الإمام(علیه السّلام)أن يضربه بالسيف، فقال له اللعين: «ظَلَمْتَنِي يَا أَبَا الْحَسَن أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ؛ فَوَ اللَّهِ مَا شَارَكْتُ أَحَداً أَحَبَّكَ فِي أُمِّه»(2).

- ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري من أنه كان بمنى أنَّه كان بمنى مع الرسول

الأعظم(صلی الله علیه و آله و سلم)، فرأى الأصحاب شيخًا يُصلّي متضرعًا، فاستحسنوا صلاته حتى قال الرسول الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم)أنَّه من أخرج أباهم من الجنَّة فَهَمَّ علي(علیه السّلام)بقتله، فأقبل إبليس قائلًا: «لَنْ تَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ مِنْ عِنْدِ رَبِّي. مَا لَكَ تُرِيدُ قَتْلِي؟ فَوَ اللَّهِ مَا أَبْغَضَكَ أَحَدٌ إِلَّا سَبَقَتْ نُطْفَتِي إِلَى رَحِمٍ أُمِّهِ قَبْلَ نُطْفَةٍ أَبِيهِ وَلَقَدْ شَارَكْتُ مُبْغِضِيكَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ»(3).

- وكذلك ما نقله ابن عباس من أنَّه(علیه السّلام)كان جالسا مع رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فرأوا حيَّةً عظيمةً، فقام علي(علیه السّلام)ليضربها بالعصا، فنهاه الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)قائلًا: «إِنَّهُ إِبْلِيسُ وَإِنِّي قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْهِ شُرُوطاً، أَلَّا يُبْغِضَكَ مُبْغِضٌ إِلَّا شَارَكَهُ فِي رَحِمٍ أُمِّها»(4).

ص: 138


1- الكوفي، فرات بن إبراهيم: تفسير فرات الكوفي، تحقيق: محمد كاظم، لا ط، طهران، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الإرشاد الإسلامي 1410ه-. ق، ص 148.
2- البرقي، أحمد بن محمد: المحاسن، تصحيح: جلال الدین محدث، لا ط، قم المقدسة، دار الكتب الإسلامية، 1371ه-.ق، ج2، ص332.
3- ابن بابویه، محمَّد بن علي: علل الشرائع، لا ط، قم المقدسة كتاب فروشی داوری، 1385ه-. ق، ج 1، ص 142-143.
4- الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله: شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تحقیق: محمد باقر محمودي ،لا ،ط، طهران، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، 1411ه- ق، ج 1، ص 451.

وقد ورد هذا المعنى أيضًا عن الرسول الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم)في تفسير الآية الشريفة، عندما

قال(صلی الله علیه و آله و سلم): «أَخْلِفُوا ظَنَّ إِبْلِيْسَ اللَّعِيْنِ فِيْمَا سَأَلَ رَبَّهُ، فَإِنَّ شِرْكَهُ فِي الْأَمْوَالِ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ غَيْرِ حِلْهَا، وَشِرْكُهُ في الأَوْلَادِ الحَرَامِ فَطَيِّبُوا النِّكَاحَ، وَازْدَجَرُوا عَنِ الزِّنَا»(1).

تُظهر هذه الروايات أنَّ القراءة الصحيحة للآية المذكورة هي «شارك»، وتعني إسهام الشيطان في الولادة، وليست «شرك» بمعنى إضلال الشيطان الناس بالحبائل. أمَّا لكسنبرغ، فقد تبنّى القراءة الثانية (أي شرك) بحجة أن لا معنى لمشاركة الشيطان في الأولاد، متجاهلا هذه الأحاديث الكثيرة التي تُثبت أنَّ هذا المعنى معروف لدى المسلمين؛ ولكنَّه تجاهل ذلك كلّه، ومن ثَمَّ قام بتغيير رسم القرآن بشكل لا يتناسب والتراث الإسلامي.

ب - الحور العين:

التحدي الأكبر للكسنبرغ يتمحور حول مدلول الحور العين؛ إذ يدَّعي أنَّ هذا التعبير يدلّ على العنب الأبيض لا على جواري الجنَّة، ومن هذا المنطلق عدل مداليل كلّ ما يُشعِر بأنَّ في الجنة نساءًا يتزوّج بهنّ أهلها، وحصر نِعَمَ الجنَّة بالفواكه، وبأعلاها جودةً وهي العنب. ويكفي في الردّ عليه إثبات وجود كائنات أنثويَّة في الجنَّة القرآنيَّة يستمتع بهنّ أهلها. ولكن قبل الأخذ باستعراض الروايات التي تثبت ذلك، نقف على بعض الملاحظات المفيدة في المقام:

- الملاحظة الأولى : إنَّه على فرض الحكم على هذه الروايات برمتها بأنَّها موضوعة مختلقة، لا يزال بالإمكان إثبات أنّ متخيّل المسلمين من الحور العين في القرون الأولى لم يكن إلا نساءًا متواجدات في الجنَّة، بغضّ النظر عن تفاصيلهن. وهذه قرينة على أنَّ رسولَ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)قد عرفهم بالنساء، وذاع المفهوم في المجتمع الإسلامي، وإلَّا كيف يتبادر إلى أذهان المسلمين أنَّ الحور العين - قبل أن ینبس الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بنت شفة ويبيّن حقيقتها- نساء؟ وبما أنَّ الروايات الواردة في هذا المجال كثيرةً جدًا - سيأتي ذكر عددٍ منها- يثبت التواتر المعنوي في هوية هذه الكائنات في الجنَّة.

ص: 139


1- البحراني، هاشم: البرهان في تفسير القرآن، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميَّة في مؤسسة البعثة، لا ط، قم المقدسة، مؤسسة البعثة 1374ه-.ق، ج 3، ص 357.

الدرامية القرآن)

- الملاحظة الثانية: لو لم تكن هذه الكائنات نساءًا بل كانت أعنابًا لكان من المتوقع أن نجد أثرًا لذلك في الأخبار الواردة عن الأئمة(علیهم السّلام)أو الصحابة الذين أدركوا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وتعلموا منه تفسير القرآن الذي قرأه عليهم، خصوصًا مع توفر الدواعي الكثيرة لنشر هذه الأخبار؛ نتيجةً لكثرة تساؤل النَّاس عما يجري في الحياة الآخرة عامة، وعمَّا يجزى به المؤمنون في الجنَّة، وما سيستلمون حيال كفّ أنفسهم عن الشهوات في الحياة الدنيا خاصَّة. هذا، مضافًا إلى انتفاء موانع النشر، من قبيل الحظر الحكومي أو التقيَّة؛ فإنَّها لا تهدّد أيَّا من التيَّارات السياسية أو الطائفيّة في عصر البعثة وما بعدها حتّى يحاول فريقٌ منهم طمسها.

- الملاحظة الثالثة : إنَّه حتَّى على فرض كون تعبير «الحور العين مشتركا بين جواري الجنَّة وبين الأعناب، لكان لزامًا على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)أن يبيّن أنّها فواكه أو شيء آخر - لأنه(صلی الله علیه و آله و سلم)هو المرجع الأساس والمعوّل عليه في تبيين آيات القرآن المجيد- حتَّى لا يبقى المقصود من هذا التعبير مختلطا على الأمَّة، ومن ثَمَّ كُنَّا سنشهد -نتيجةً لتلك الروايات الصحيحة إلى جانب الروايات الموضوعة - اضطرابًا في التراث الروائي بين الأحاديث التي تعتبر الحور العين أعنابًا وبين ما تعتبرها نساءًا؛ ولكن لم يكن الأمر كذلك، بل إنَّ كثرة الروايات التي تعرف الحور العين بأبكار الجنّة، مضافًا إلى عدم وجود رواية واحدة تعرّفها بالأعناب البيض تفيد الاطمئنان بأنَّ رسولَ الله(صلی الله علیه و آله و سلم)أو خلفاءه لم يقولوا بأنَّ الحور العين أعناب، وكذلك المسلمون منذ القرن الهجري الأوَّل كانوا يعدّون الحوريات فتيات لا فواكه مثل الأعناب.وهذا خلاف ما يدعيه لكسنبرغ حين يصف الحور الحين بالخرافة، ويحدد تاريخ وضعها بالقرن الهجري الثالث فصاعدًا، إلَّا أن نفترض أنَّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)لم يعرف مدلول هذا التعبير، ولم يسأله الصحابة عنه حتَّى جاء المفسِّرون في القرن الثالث واختلقوا هذه الأكذوبة، وبقي هذا التعبير رمزًا غامضًا إلى أن جاء لكسنبرغ وكشف الستار عنه؛ ولكنّه فرضٌ لا يعدو الخيال، وبالتالي ليس فرضًا علميًا واقعيًا حتّى يكون قابلا للدراسة والتحقيق.

أما الروايات، فهي على طوائف سبع:

ص: 140

* الطائفة الأولى : الروايات التي تدلّ على المقارنة بين الحور العين ونساء الدنيا:

توضح هذه الروايات بجلاء أنَّ الحور العين غير نساء الدنيا، وأنَّهنَّ من نوع الإنسان لا الفواكه؛ إذ لا يُعقل السؤال عن التفاضل بين الإنسان وبين العنب. ومن هذه الروايات:

ما ورد عن أبي عبد الله(علیه السّلام)أنَّه قال: «الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَهُنَّ أَجْمَلْ مِنَ الْحُورِ الْعِين»(1). وهذه الرواية نقّ في أنَّ الخيرات الحسان نساء ولا تبقي مجالًا لتخيَّل أنَّهنَّ فواكه ممتازة، كما زعم لكسنبرغ. وبمقارنتهن بالحور العين ندرك أنَّ الحور العين - أيضًا - من الجنس نفسه ولسن من جنس المأكولات

- وما ورد عن أبي عبد الله(علیه السّلام)عن أبيه(علیه السّلام)في رواية أخرى، يشيد فيها بالشيعة ويحثّهم على التنافس في فضائل الدرجات، فيصف كلَّ مؤمنة بحوراء عيناء وكلَّ مؤمن بصديق(2). ومن غير المنطقي -طبعًا- أن يوصف الإنسان بالفاكهة! بل المراد من هذا التشبيه أنَّ كلَّ مؤمنة في الجنَّة تحظى بمواصفات الحوريات من الحسن والجمال(3).

- ما ورد من نقاش دار بين التابعين حول التفاضل بين الحور العين ونساء الدنيا(4). وهو دليل آخر على أنَّهم كانوا يرونهنَّ نساءًا؛ فإنَّ العاقل لا يجادل على التفاضل بين العنب والإنسان. ويُستنتج من هذا الخبر أنَّ الذين أدركوا الصحابة كانوا جازمين بأنَّ الحور العين نساء. وهذه قرينةٌ أخرى تُثبت -لنا- أنَّ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)فسَّر لهم الحور العين بنساء الجنة؛ إذ لا يوجد مبدأ لهذه النقاشات سوى تفسيره(صلی الله علیه و آله و سلم)، وما يوصلنا إلى هذا التفسير هو ذلك النقاش المذكور.

ص: 141


1- الطبرسي، الحسن بن الفضل: مكارم الأخلاق، لا ط، قم المقدَّسة، مطبعة الشريف الرضي، 1412ه-.ق، ص 200.
2- انظر: الكليني، الكافي، م.س، ج8، ص 213.
3- انظر: المجلسي، محمَّد باقر : مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، تصحيح: هاشم رسولي محلاتي، لا ط طهران، دار الكتب الإسلامية 1404ه-. ق، ج26، ص 123.
4- انظر: القرطبي، محمد بن أحمد: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني؛ إبراهيم أطفيش، ط2، القاهرة، دار الكتب المصرية 1962م، ج 17، ص 187-188.

- ما استدل به بعضهم في إثبات أفضليَّة الحور العين، وهو دعاء الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله و سلم)في تشييع أحد المؤمنين بعد أن استغفر الله له وطلب منه الرحمة والعفو عنه: «وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ»(1).

- ما استدل به آخرون مما نقلت عنه(صلی الله علیه و آله و سلم)أم سلمة عندما سألته عن أفضلهما، فأجاب(صلی الله علیه و آله و سلم): « نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كَفَضْلِ الظُّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ»، لافتًا إلى عبادتهن الله(2).

فهذه الروايات توضح وضوح الشمس أنَّ في الجنَّة نساءًا يتزوج بهنَّ المؤمنون، وأَنَّ نِعَمَ الجِنَّةِ لا تقتصر على الفواكه.

* الطائفة الثانية : الروايات التي تنسب صفاتٍ إنسانية إلى الحور العين:

وقد وردت في هذه الأخبار نعوت يستحيل انطباقها إلا على الإنسان؛ فبعض هذه الروايات ناظرة إلى أفعالهنَّ في الجنَّة العليا، وأخرى تدلّ على مجيئهنّ العابر إلى الدنيا.

أفعال الحور العين في الجنَّة :

نبدأ ذكرها من استقبالهنّ المؤمنين بحفاوة عند دخولهم الجنة؛ إذ تضرب الملائكة حلقة بابها الأعظم، فيتنامى صوت صريرها إلى «كُلّ حَوْرَاءَ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَعَدَّهَا لِأَوْلِيَائِهِ فَيَتَبَاشَرْن»(3)، وتُرسل الحور إلى من بكى على الإمام الحسين(علیه السّلام)في الدنيا قائلات: «إِنَّا قَدِ اشْتَقْنَاكُمْ مَعَ الْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ»(4). والأروع منهما مشهد دخول السيّدة فاطمة الزهراء(سلام الله علیها)المحشر تستقبلها سبعون ألف حوراء مستبشرات

ص: 142


1- مسلم، ابن الحجاج: صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، لا ت، ج2، ص662.
2- الطبراني، سليمان بن أحمد: المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد، لا ط، القاهرة، مكتبة ابن تيميَّة 1994م، ج 23، ص367.
3- القمي، علي بن إبراهيم: تفسير القمي، تصحيح: طيب موسوي جزائري، لا ط، قم المقدسة، دار الكتب، 1404ه-.ق، ج2، ص54؛ وانظر -مع اختلاف يسير في اللفظ الكليني، الكافي، م.س، ج8، ص 96.
4- ابن قولویه، جعفر بن محمد: كامل الزيارات، تحقيق: عبد الحسين أميني، لا ط، النجف الأشرف، دار المرتضوية، 1356ه-. ق، ص 82.

بالنظر إليها، يحملن مجمرات(1)من نور يفوح منها ريح العود(2). 143 ثمَّ إنَّ المؤمنين إذا دخلوا الجنَّة وسكنوا منازلهم ووضع على رؤوسهم إكليل الكرامة والبسوا بالحلل والذهب مشت الحور العين صوبهم مع وصائفهن(3)، ولها مشي باهرٌ يُسمع من ساقيها تقديس الخلاخيل ومن ساعديها تمجيد الأسورة(4).وللمؤمن أن يعانق الحور الحسان إن كان قد أدَّى حقه على أخيه(5)وأحب أمير المؤمنين(علیه السّلام)(6).

*كلام الحور العين:

تمة روايات تشير إلى كلام تقوله الحور العين منها:

- ما ورد عن أبي بصير، أنه سأل الإمام الصادق(علیه السّلام)عن كلامهن فقال(علیه السّلام):

«[الهن] كَلَامٌ يَتَكَلَّمْنَ بِهِ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِ»(7).

- ما نُقل عن أمير المؤمنين؛ إذ قال إنَّ في الجنَّة سوقًا تجتمع فيه الحور العين، «يَرْفَعْنَ أَصْوَاتَا لَمْ يَرَ الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا»(8). وبما أنَّه في الجنَّة لا يُسمع لغو ولا تأثيم(9)، بين رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)المقصود من الرواية بأنَّ غناء الحور العين «لَيْسَ بِمِزْمَارِ الشَّيْطَانِ وَلَكِنْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ وَتَقْدِيسِهِ»(10).

ص: 143


1- ما يُوضَع فيه الجَمْر مع البخور (انظر: مختار أحمد: معجم اللغة العربيَّة المعاصرة، لا ط ،لا م، عالم الكتب، 1429ه-.ق، ج 1، ص 391).
2- انظر: الكوفي، تفسير فرات الكوفي، م.س، ص445.
3- انظر: الكليني، الكافي، م.س، ج8، ص97. وصائفهنّ: خادماتهنّ (انظر: مختار، معجم اللغة العربيَّة المعاصرة، م.س، ج 3، ص 2448).
4- انظر: الثعلبي، أحمد بن محمد: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، لا ط، بيروت، دار إحياء اتلتراث العربي، 1422ه-.ق، ج9، ص 205.
5- انظر: الخصيبي، الحسين بن حمدان: الهداية الكبرى، لا ط بیروت، دار البلاغ، 1419ه-. ق، ص 231.
6- انظر: العسكري، الحسن بن علي: التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري(علیه السّلام)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي(علیه السّلام)،لاط ، قم المقدسة، 1409ه-.ق، ص 306.
7- انظر: الشعيري، محمد بن محمد: جامع الأخبار، لا ط، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، لا ت، ص 173.
8- ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: كمال يوسف الحوت، لا ط، الرياض، مكتبة الرشد، 1409ه-. ق، ج 7، ص 30.
9- ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيمًا﴾ سورة الواقعة، الآية 25.
10- الطبراني، سليمان بن أحمد: مسند الشاميين، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، لاط، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1405 ه- ق، ج 2، ص 423؛

- ما ورد في بعض الروايات من ضحكهن في وجوه أزواجهن(1).

- ما نُقل عن قراءتهن القرآنَ يومَ زوَّج الله - تعالى - فاطمة(سلام الله علیها)من علي(علیه السّلام)(2)،وتهاديهن(3)وتفاخرهنّ بهذا الزواج المبارك(4).

*تزين الحور العين:

وردت جملة من الروايات التي تصف جمال الحور العين وتنسب إليهن سمات صا الله لا يتّصف بها إلَّا الإنسان. ومن هذه الروايات ما نقله ابن عبّاس عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)في فضائل شهر رمضان الكريم، وأولها تزين الجنَّة في بداية هذا الشهر، ثمَّ هبوب ريح من تحت العرش، فتصفق ورق أشجار الجنَّة، ومن ثم تتزيَّن الحورُ العينُ واقفات على شُرَف الجنَّة، ينادين الله أن يزوِّجهنّ مَنْ يخطبهنّ. وقد ورد الخبر ذاته باختلاف يسير في اللفظ. وفي بعض الروايات إشارة إلى بروزهن(5)، أو مجيئهن(6)، أو نظرهنّ(7) بدلاً من تزينهنّ. وقد أعد الله - تعالى - لصائمي هذا الشهر المبارك في الجنَّة قصورًا تسكنها الحور العين مع خدام لهنّ، وترتدي كلّ منهنَّ خمارًا «خِمَارٌ إِحْدَاهُنَّ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»(8).

*مجيء الحور العين إلى الدنيا:

الروايات التي تتحدَّث عن المجيء العابر للحور العين إلى الدنيا أو إشرافهن عليها كثيرةٌ ، وتُعدُّ دليلا على هويتهن الإنسانيَّة إنْ قبلنا صحة نقلها، وإن لم نقبل

ص: 144


1- انظر: ابن قتيبة، عيون الأخبار، م.س، ج2، ص396؛
2- انظر: ابن بابويه، محمد بن علي: الأمالي، لا ط ،طهران ،کتابچي، 1376ه-.ش، ص559.
3- تبادل الهدايا (انظر: مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، م.س، ج 3، ص2337).
4- الطوسي، محمد بن الحسن: الأمالي، تصحيح: مؤسسة البعثة، لا ط، قم المقدسة، دار الثقافة، 1414ه-. ق، ص257.
5- انظر: المفيد، محمد بن محمد: الأمالي، تحقيق: حسين استاد ولي؛ علي أكبر غفاري، لا ط ، قم المقدسة، کنگرهي شيخ مفيد، 1413 (أ)، ص230. بروزهن: خروجهن إلى مكان ( انظر : مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، م.س، ج1، ص188).
6- انظر: الفاكهي، محمد بن إسحاق: أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، تحقيق: عبد الملك عبد الله دهيش، لا ط، بیروت، دار خضر، 1414 ه-.ق، ج9، ص 287.
7- انظر: الموصلي، أحمد بن علي: مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، لا ط ،دمشق، دار المأمون للتراث، 1404ه-. ق، ج 9، ص 180.
8- ابن بابويه، الأم لي، م.س، ص49.

ذلك فهي دليل على الشيء نفسه في متخيّل واضعيها -على فرض وضعها جميعًا- من الصحابة والتابعين أو أصحاب الأئمة(علیهم السّلام)في القرنين الأول والثاني، ثُمَّ نُسبت إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم). وهذا - أيضًا - دليل آخر يبطل دعوى لكسنبرغ من أنَّها قد اختلقت في القرنين الثالث والرابع.

من هذه الروايات ما ورد في فضل يوم الجمعة وهي تشير إلى إشراف الحور العين على الدنيا وقولهن آنذاك: «أَيْنَ الَّذِينَ يَخْطُبُونَا إِلَى رَبِّنَا»(1). وتزيد بعض الروايات في وصف هذه الحوريات، فتقول: «لَوْ أَنَّ حُوراً مِنْ حُورِ الْجَنَّةِ أَشْرَفَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا وَأَبْدَتْ ذُؤَابَةً(2)مِنْ ذَوَائِبِهَا لَأَفْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا»(3).

وهذه الصفات التي أثبتتها هذه الروايات للحور العين - من استقبال، ونمشي، وتفاخر، وقراءة قرآن، وتحادث، وتزين، وإشراف على الدنيا، ومجيء إليها- تُثْبِتُ جميعها بما لا يبقى معه مجال للشك إنسانيَّة الحور العين، وبالتالي بطلان دعوى لكسنبرغ؛ إذ لا تنطبق هذه الصفات على الأعناب البيض بوجه من الوجوه، ولو بالتكلُّف والتعسف.

*الطائفة الثالثة: الروايات التي تُصرّح بأنَّ الحور العين إناث:

تصرّح جملة من الأحاديث بوجود نساء في الجنَّة هنَّ من الحور العين؛ وذلك باستخدام «مِنْ» البيانيَّة. ومن هذه الأحاديث:

- ما ورد عن النبي الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم)في آخر خطبة له قبل وفاته، يتناول فيها ثواب الحسنات وعقاب السيئات، ويوصي فيها - بعد أن نهى عن قطع الرحم- بالتزويج بين المؤمنين قائلًا: «مَنْ عَمِلَ فِي تَزْوِيجِ بَيْنَ مُؤْمِنَيْنِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا زَوْجَهُ اللَّهُ أَلْفَ أَلْفِ امْرَأَةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ»(4).

ص: 145


1- البرقي، المحاسن، م.س، ج1، ص 58.
2- ضفيرة مُنسدِلة من وسط رأس الفتاة إلى ظهرها (انظر: مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، م.س، ج1، ص799).
3- الكوفي الأهوازي، الحسين بن سعيد: الزهد، تحقيق: غلام رضا عرفانيان يزدي، لا ط، قم المقدسة، المطبعة العلمية، 1402ه-. ق، ص102-103.
4- ابن بابويه، محمد بن علي: ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، لا ط، قم المقدسة، دار الشريف الرضي للنشر، 1406ه-. ق، ص 288.

- ما ورد عنه(صلی الله علیه و آله و سلم)في تفسير (مساكن طيّبة) في قوله - تعالى -: ﴿ وَمَسَكِنَ فِي جَنَّتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾(1)بأنها قصر في الجنَّة يضم عددًا كبيرا من البيوت، فيها فرش كثيرة ، « عَلَى كُلُّ فِرَاشِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ»(2). ومثله حديث آخر نُقل عن أبي الحسن الرضاعة السلام، لكن فيه «زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِين»(3)؛ بدلاً من (امرأة من الحور العين).

- ما ورد في وصف مشهد دخول المؤمنين الجنَّة: «تُشْرِفُ عَلَيْهِمْ أَزْوَاجُهُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَالْآدَمِيِّينَ»(4). فهذا المقطع من الرواية يثبت أنَّ الحور العين من الأزواج لا من الفواكه، ويُبطل في الوقت نفسه الدليل الذي حاول لكسنبرغ التمسك به لإنكار وجود الحور العين في الجنَّة. فقد أنكر لكسنبرغ وجود الحوريَّات في الجنّة بحجّة أنَّ تمتُّع الرجال بهنّ سيكون سببًا لاستياء زوجاتهم من النظر إلى هذا المشهد حسدًا لهنّ(5)؛ ولكنَّ هذه الرواية تبين أنَّ للمؤمنين أزواجًا من الآدميين -وهم رجال الدنيا للمؤمنات أو نساءها للمؤمنين- ومن الحور .العين. وإن ترجمنا الحور إلى الأعناب سيكون المعنى مما يُضحك الثكلى! هذا، مضافًا إلى أنَّ دعوى لكسنبرغ هذه لا يمكن تعميمها على المؤمنين بأسرهم؛ فمن المؤمنين من يمت قبل أن يتزوّج في الدنيا، ومنهم من يكون مصير زوجته النار، كما أكد القرآن الكريم على أنَّ بعضَهنَّ أعداء للمؤمنين(6)، فهذا الحسد النسوي - بتعبيره - لا يصلح دليلًا على نفى وجود الحور العين بمعناها المتصوّر عندنا(7). هذا، مضافًا إلى قوله - تعالى -: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَيذٍ وَلَا

ص: 146


1- سورة الصف، الآية 12.
2- ابن المبارك، عبد الله: الزهد، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، لا ت، ج 1، ص 550.
3- انظر: الرضا، علي بن موسى: صحيفة الإمام الرضا(علیه السّلام)، تحقيق: محمد مهدي نجف لا ط، مشهد ،المقدَّسة کنگره جهانی امام رضا(علیه السّلام)1406ه-.ق، ص 92.
4- القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص54؛ الكليني، الكافي، م.س، ج 8، ص 96.
5- Luxenberg, 2007, p. 254
6- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ سورة التغابن، الآية 14.
7- انظر: همتی؛ شاکر: گزارش نقد و بررسی آراء کریستف لوگزنبرگ در کتاب قرائت آرامی-سریانی قرآن، م.س، ص225.

يتساءلون ﴾(1)؛ ما يعني الاختلاف الكبير بين الدنيا والآخرة من ناحية الأنساب؛ فقد لا تُرافق المؤمنَ زوجته التي كانت معه في الدنيا، وبالتالي لن يكون هناك معنىً للحسد النسوي لزوجة المؤمن عند مشاهدتها استمتاعه بالحور العين.

* الطائفة الرابعة: الروايات التي تدلّ على زواج ولد آدم(علیه السّلام)بحوراء من الجنَّة:

نقاش في التراث الإسلاميّ عن كيفية استمرار نسل البشر بعد مقتل هابيل، وقد اختلف العلماء المسلمون في الجواب عن هذا السؤال المحرج؛ فمنهم من حكم بزواج أبناء آدم ببناته، واستدلوا لذلك بقول الصحابة(2)، ومنهم من خالفهم وحكم بزواج أولاد آدم بغيرهم. والنقاش يطول وذو شجون؛ لكن هناك روايات تنفي نظرية زواج أولاد آدم بعضهم ببعض؛ لأنَّ زواج المحارم حرام، وتؤيد الرأي الثاني المذكور في المصادر الشيعية.

من هذه الروايات ما رواه زرارة عن أبي عبد الله(علیه السّلام)عندما سأله(علیه السّلام)عن قول العامة في هذه المسألة وعقيدتهم في التزاوج بين أولاد آدم، فشنّع الإمام على معتقدهم واعتبره سببًا لخَلْق صفوة خَلْق الله وأحبائه من الأنبياء والمرسلين والمؤمنين والمؤمنات من ،حرام بينما كان الله -تعالى- قادرًا على خلقهم من حلال، وقد أخذ ميثاقهم على ذلك، ثمّ أخذ الإمام(علیه السّلام)ببيان حقيقة الأمر، فقال: «إنَّ الله أنزل حوراء من الجنَّة، فأمر آدم أن يزوجها شَيْثًا، وهكذا استمر النسل من الحلال»(3).

وتؤيد هذه الرواية روايات أخرى تماثلها في المضمون(4). وهي جميعها تصوّر للحور العين هويَّةً إنسانيَّةً ، أو شيئًا غير الفاكهة على أقل تقدير.

ص: 147


1- سورة المؤمنون، الآية 101.
2- وقد أورد الطبري هذا الحديث عن السدي عن بعض الصحابة، والحديث موقوف. (انظر: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج 10، ص 206).
3- انظر: ابن بابويه، علل الشرائع، م.س، ج1، ص 18-20.
4- انظر: الكليني، الكافي، م.س، ج5، ص569.

* الطائفة الخامسة : الروايات التي تعبّر عن الزواج مع الحور العين بغير اللفظ القرآني:

بدأ لكسنبرغ في إثبات نظريته -من أنَّ المقصود بالحور العين هو الأعناب البيض- بقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾(1)، ما اضطره إلى تعديل قراءة (وزوَّجناهم) إلى (وروحناهم)، ثمَّ أخذ يُغيّر مدلول كلّ عبارة قرآنية أخرى تُشعر بوجود نساء في الجنَّة يستمتع بهن المتَّقون.

وما يُستشكل به على هذه النظرية هو نفس البدء بهذه الآية، فلو بدأ بآية آخرى لما استطاع الوصول إلى النتيجة التي وصل إليها. وبعبارة أخرى: لو بدأ بتعابير أخرى تحمل المعنى نفسه ولكن بألفاظ أخرى لما وصل إلى ما وصل إليه، ولكانت النتيجة ستختلف عما انتهى إليه. ومن هذه التعابير ما ورد في روايات متعدّدة تلفت إلى الآية ذاتها مع اختلاف يسير فى الألفاظ المستخدمة فيها(2).

يعتقد لكسنبرغ بأنَّ المسلمين أخطأوا في قراءة الآية حين قرأوها زوّجناهم، وفهموا الآية مخطئين لسبب قراءتهم الخاطئة في القرون التالية. لكن ثمة - في التراث الإسلامي - روايات جمة استخدم راويها مادة «زوج» لا «روح»، وعلى فرض القبول بدعوى لكسنبرغ والأخذ بها، يلزم تغيير كل رواية ورد فيها هذا اللفظ - أي التزويج أو أي صيغة أخرى من هذا الجذر - وتعديل قراءتها إلى ما ادعاه لكسنبرغ.

ولكن يجب نغفل عن أنَّ هذه الروايات منقولةٌ عن الصحابة والتابعين أو أصحاب الأئمة الطاهرين(علیهم السّلام)وبعضهم أدركوا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وسمعوا قراءته الله مشافهةً، وبعضهم تعلَّموا من الطبقة السابقة عليهم قراءة رسول(صلی الله علیه و آله و سلم). فلو كانت القراءة الصحيحة «روّحناهم» بدلا من «زوجناهم»، لوجدنا لها أثرا في التراث الروائي، فضلا عن القراءات. ولكن الأمر على العكس، بل إنَّ الروايات الكثيرة تعبر عن استلذاذ المتَّقين في الجنَّة بمادة «التزويج»، وهذا دليل على أنَّ الذين سمعوا

ص: 148


1- سورة الدخان، الآية 54.
2- ولا نعني أنَّ هذه الروايات تعادل النصّ القرآني الشريف؛ بل نقصد أنَّ هناك رواية كثيرة بمضمون واحد (أي التزوج بالحور أو ما يماثله) وبألفاظ مختلفة تدل على وجود مدلول واحد عُبّر عنه بألفاظ شتّى.

قراءة النبي الأكرم(صلی الله علیه و آله و سلم)أو سمعوا القراءة ممَّن تعلَّم منه القرآن -على فرض وضع جميع الروايات على أيدي هؤلاء(1)- كانوا يقرأون الآية «وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عين»؛ ولذلك استخدموا في ما رووه هذا اللفظ، أي التزويج وما إلى ذلك. إذًا، القراءة التي بين أيدينا ليست خاطئة، وبناءًا على هذه القراءة لا يمكن إنكار التزويج في الجنَّة. وقد تقدَّم كلام في معنى هذه العبارة في مبحث الردّ على أساس المعاجم.

أمَّا الروايات التي تتحدَّث عن تزويج المؤمنين بالحور العين مستخدمةً عبارات غير اللفظ القرآني الشريف، فمنها:

- الروايات الواردة في بيان ثواب جملة من الأعمال الحسنة، وعبّر الرواي عن جزاء عاملها ب-«التزويج من الحور العين»؛ إذ لا يمكن تأويله بما ادعاه لكسنبرغ لاختلافه عن اللفظ القرآني، وهو دليل على وجود تزويج المتقين في الجنة، بغضّ النظر عن تفاصيله. ومن ذلك ما نقله الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاء(علیه السّلام)من أنّه(علیه السّلام)قال: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يُكَبِّرَهُ مُؤْمِنٌ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ وَيُحَمِّدَهُ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ وَيُسَبِّحَهُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ وَيُهَلِّلَهُ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ وَيُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَقُولَ: اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، إِلَّا زَوَّجَهُ اللَّهُ حَوْرَاءَ مِنَ الْجَنَّة»(2). وما ورد في دعاء عن الإمام الصادق(علیه السّلام)في تعقيب الصلاة: «اللَّهُمَّ أَعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ وَأَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ وَزَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ»(3)، وما ورد عنه(علیه السّلام)- أيضًا - في دعاء يستعيذ فيه بالله من سكرات الموت وغمراته ويستعينه على ضيق القبر ووحشته، ويستنجده من أهوال القيامة، ثمَّ يقول: «اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ»(4).

- الروايات الواردة في حثّ المؤمنين على عددٍ من الأعمال الصالحة، والتي تعرف هذه الأعمال الصالحة بأنها مهور الحور العين، ما يعني أنَّهنَّ نساء الجنَّة،

ص: 149


1- وإن قبلنا صحتها فلا حاجة إلى هذا الاستدلال.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج 5، ص376؛ ابن بابويه محمَّد بن علي، عيون أخبار الرضاع(علیه السّلام)، تحقيق: مهدي لاجوردي، لا ط، طهران، نشر جهان، 1378ه-ش، ج 2، ص 84.
3- الكليني، الكافي، م.س، ج 3، ص344.
4- الراوندي، سعيد بن هبة الله: الدعوات، لا ط، قم المقدسة، انتشارات مدرسه امام مهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، 1407ه-.ق، ص251-250.

وكأنَّ الزواج بهنّ وتمكَّن المؤمن من التمتُّع بهنَّ في الجنَّة، يتطلَّب سداد مهورهن

قبل الموت. ومن هذه الأعمال - مثلا - تلك التي أوصى الرسول الأعظم(صلی الله علیه و آله و سلم)أمير المؤمنين(علیه السّلام)بها، والتي منها خدمة العيال(1)، وأكل ما يقع من الطعام تحت المائدة(2). هذا وقد اعتبر رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)- في مواضع أخرى - تنظيف المساجد وإخراج القمامة منها -أيضًا- مهور الحور العين(3).

- الروايات التي ورد فيها التعبير بالخطوبة؛ فالخطوبة -أيضًا- مفردة من المفردات التي ترتبط بموضوع الزواج من الحور العين، وورودها في بعض الروايات يرشدنا إلى الهويَّة الإنسانيَّة لهنّ؛ إذ لا تُعقل الخطوبة من الفواكه. ومن هذه الروايات المرتبطة بالخطوبة من الحور ما نُقل عن الإمام زين العابدين(علیه السّلام)عندما خرج إلى المسجد ليلةً معطّرًا بالغالية(4)فسُئل عن قصده، فقال(علیه السّلام): «إني أُرِيدُ أَنْ أَخْطُبَ الْحُورَ الْعِينَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ»(5). ونُقل في رواية أخرى ما تقوله الحور العين عند إشرافهن على الدنيا أيَّام الجمعة: «أَيْنَ الَّذِينَ يَخْطُبُونًا إِلَى رَبِّنَا»(6).

- هاتان الروايتان وما يماثلهما دليل على الحياة الزوجية بين المتقين والحور العين في الجنَّة. ووجود هذا المضمون الواحد -أي الحياة الزوجية- في جملة من الأحاديث بألفاظ شتّى يكشف بالتواتر المعنوي عن صحته.

* الطائفة السادسة : الروايات التي تفصل الحور العين عن فواكه الجنَّة:

يرد في بعض الروايات ذكر الحور العين من نعم الجنة إلى جانب الأشجار والفواكه، ولكنَّها ترد قسيمًا لها لا قسمًا منها. وبما أنّه ليس من المنطقي أن يجعل المتكلّم العاقل

ص: 150


1- انظر: الشعيري، جامع الأخبار، م.س، ص 103.
2- انظر: الراوندي، الدعوات، م.س، ص 154.
3- انظر: الطبراني، المعجم الكبير، م.س، ج 3، ص 19.
4- نوعٌ من الطيب مركّب من مسك وعنبر وعود ودهن (انظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، م.س، ج 3، ص 383).
5- الكليني، الكافي، م.س، ج6، ص516.
6- البرقي، المحاسن، م. م، ج 1، ص 58.

قسم الشيء قسيماً له(1)، يُستنتج أنَّ الحور العين لسن من نوع المأكولات بل لهنَّ هوية أخرى اتضحت عَبْر الروايات السالفة الذكر. ومن هذه الروايات:

- دعاء الإمام زين العابدين لأهل الثغور يطلب لهم من الله إنساءَهم ذكر دنیاهم الخدّاعة، وإمحاء خطرات المال الفتون عن قلوبهم، وجعل الجنة نُصب أعينهم والتلويح لأبصارهم ما أعد لهم فيها: «مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ وَمَنَازِلِ الْكَرَامَةِ، وَالْحُورِ الْحِسَانِ، وَالْأَنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ بِأَنْوَاعِ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَشْجَارِ الْمُتَدَلِّيَةِ بِصُنُوفِ الثَّمَرِ»(2)؛ لكيلا يهم أحدهم بالإدبار ويحدث نفسه بالفرار. فلو كانت الحور الحسان من جنس الأشجار والأعناب لكان لزامًا ألّا يذكرهن(علیه السّلام)قسيما لهما ويفصل بينهما -أي الحور والأشجار - بنعمة أخرى، أي الأنهار.

- ما ورد في مناجاته(علیه السّلام)- أيضًا - مما فيه دلالة أوضح على تباين الحور العين والأعناب؛ إذ يصف(علیه السّلام)الجنَّة وينادي الله خاشعًا: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ جَنَّةً لِمَنْ أَطَاعَكَ، وَأَعْدَدْتَ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ ... وَأَخْبَرْتَ عَنْ سُكَّانِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ حُورٍ عَيْنٍ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ، وَوِلْدَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ الْمَنْثُورِ، وَفَاكِهَةٍ وَنَخْلٍ وَرُمَّانٍ، وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ»(3). ففي هذا الخبر يذكر الإمام السجاد(علیه السّلام)الحور العين وكذلك الأعناب، ولو كانتا شيئًا واحدًا لكان حشوًا ولغوا في الكلام، بل لا توجد علاقة بينهما سوى توفّرهما في الجنَّة لمن يدخلها.

حكايتان:

وختامًا لهذا المبحث، نشير إلى حكايتين يعود تاريخهما إلى القرنين الأول والثاني، وقد ميّز راوِيهما بين العنب والحور؛ فهما تنفيان وتدحضان بقوة ما ادعاه لكسنبرغ من أنَّ عبارة «الحور العين» فهمت خطأ منذ القرن الثالث للهجرة، وتُثبتان - في الوقت نفسه - وضوح الفارق الجوهري بين الحور العين والعنب منذ العصر النبوي.

- الحكاية الأولى: نقل الأصبغ بن نباتة - وكان من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام)

ص: 151


1- انظر: المظفر، محمد رضا: المنطق، لا ط، قم المقدَّسة، مؤسسة انتشارات دار العلم، 1394ه-. ق، ج 1، ص 109.
2- انظر: السجاد علي بن الحسين(علیه السّلام): الصحيفة السجادية، لا ط، قم المقدّسة، دفتر نشر الهادي، 1376ه- ش، ص 126-128.
3- المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج 91، ص 135.

- أن جماعة من أصحاب علي(علیه السّلام)دخلوا عليه(علیه السّلام)طالبين منه المعجزة(1)، فانطلقوا إلى الصحراء فأشار بيده المباركة نحوها فرأوا قصورًا فاخرة فيها حور وغلمان، وأشجار وأنهار ، وطيور ونباتٌ، وما كانت سوی لحظات حتى انمحت بأسرها(2).

- الحكاية الثانية: قصَّة رجل شارك في غزو الروم، فدخل كرما قبل جهاده، وبينما كان يملأ مائدته من عنبه لمح امرأة من الحور العين عيانًا فغض بصره عنها، وكان أوّل من استشهد في تلك الحرب الدامية(3).ولا اعتبار لصحة هذا النقل أو عدمه؛ إذ المهم هو ورود هذه الحكاية في كتاب أُلف قبل القرن الثالث الهجري، وهذا دليل على وجود تأويل الحور العين إلى نساء الجنَّة قبل ذلك الزمن، وليس تأويلا مختَلَقًا من القرن الثالث فصاعدًا.

*الطائفة السابعة : الروايات التي تذكر أوصاف نساء الجنَّة بتعابير أخرى غير «الحور العين» استعملها القرآن الكريم في وصف الحور العين:

تتحدّث جملة من الروايات الواردة عن الأئمة الأطهار(علیهم السّلام)عن فتيات الجنَّة، وبعض صفاتها وخصائصها وما يتعلّق بها، وتستعمل في وصفها بعض الأوصاف التي استعملها القرآن الكريم في وصف الحور العين من دون أن تشير هذه الروايات إلى عبارة «الحور العين» بحد ذاتها. فهذه الروايات تبيّن حقيقة هذه الكائنات، وتصفها بالأوصاف نفسها التي وصف بها القرآن الكريم الحور العين، وتشرح -بلسان من يعرف القرآن ظاهره وباطنه- تلك الأوصاف بما لا يبقي مجالا للشك بأنَّها صفات توصف بها الفتيات والنساء لا الفواكه والأعناب. ومن هذه الأوصاف:

- «الأزواج المطهَّرة»: يبيَّن الإمام الصادق(علیه السّلام)المقصود من المطهرة بأنَّها المطهَّرة

ص: 152


1- دليلاً على إمامته.
2- انظر: الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، لا ط، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1425ه-. ق، ج 3، ص 560.
3- انظر: ابن المبارك، عبد الله: الجهاد، تحقيق: نزيه حماد، لا ط تونس، الدار التونية، 1972م، ص117.

من الحيض والحدث(1)، ويفضّل الإمام العسكري(علیه السّلام)المراد منها بقوله: «أَزْواج مُطَهَّرَةٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَقْذَارِ وَالْمَكَارِهِ مُطَهَّرَاتٍ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، لَا وَلَاجَاتِ وَلَا خَرَّاجَاتٍ وَلَا دَخَالاتٍ وَلَا خَتَّالاتٍ وَلَا مُتَغَابِرَاتٍ وَلَا لِأَزْوَاجِهِنَّ فَرِكَاتٌ(2)وَلاَ صَغَابَاتٍ وَلَا عَيَّابَاتٌ وَلَا فَخَاشَاتٍ، وَمِنْ كُلِّ الْعُيُوبِ وَالْمَكَارِهِ بَرِيَّاتٍ»(3). وقد ذُكر أنَّه من أجل ذلك سُمِّيت فاطمة الزهراء(سلام الله علیها)بالحوريَّة؛ فهي لم تر دمًا(4).

- «الكواعب»: فسَّرها الإمام الباقر(علیه السّلام)بالفتيات الناهدات(5).

- «العرب»: ورد عن أمير المؤمنين(علیه السّلام)تفسير لفظة «العَربَة» بالغنجة الرضيَّة

المرضيَّة(6)، في جوابه(علیه السّلام)لشاب استفسره الآية ﴿ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾(7)

- «الخيرات الحسان»: وقد فسرها رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بخيرات الأخلاق وحسان الوجوه(8)، وزاد الإمام الصادق(علیه السّلام): «هُنَّ صَوَالِحُ الْمُؤْمِنَاتِ الْعَارِفَات»(9).

ذكرنا إلى هنا عددًا لا بأس به من الروايات، وهو أكثر مما فيه الكفاية للحصول على التواتر المعنوي بأنَّ المسلمين - من مختلف الاتِّجاهات المذهبية - كانوا يرون الحور العين جواري الجنَّة منذ القرن الهجري الأوَّل، ولم يختلفوا في هويتهن قطُّ. وهذا دليل على أن المراد الحقيقيّ من هذا التعبير القرآني كان واضحا وضوح

صار الله الشمس لدى المجتمع الإسلامي. ولو كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)- وهو المرجع في تفسير

ص: 153


1- انظر: ابن بابويه، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، لا ط، قم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1413ه-.ق، ج 1، ص 89.
2- أي مبغضات لأزواجهن (انظر: الطريحي، مجمع البحرين ومطلع النيرين، م.س، ج5، ص284-285).
3- العسكري، التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري(علیه السّلام)، م.س، ص 203.
4- انظر: الطبري الآملي، محمَّد بن جرير: دلائل الإمامة، تحقيق ونشر: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، قم المقدسة، 1413ه-. ق، ص 148.
5- انظر: القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص402. نهد الثدي: أي برز وارتفع (انظر: مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، ج3، ص2291).
6- انظر: المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج 97، ص 13.
7- سورة الواقعة، الآية 37.
8- انظر: المفيد، محمد بن محمد: الاختصاص، تحقيق: علي أكبر الغفّاري؛ محمود محرمي زرندي، لا ط، قم المقدسة، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، 1413، (ب)، ص 352.
9- الكليني، الكافي، م.س، ج8، ص 156.

كلام الله سبحانه وتعالى - فسّره لهم بالأعناب البيض(1)، لبان أثر من ذلك في التراث الروائي، أو اضطراب في الروايات على أقل تقدير، بل قد اتفقت الروايات على هويتهن الإنسانيَّة، وما كان لهذا الاتفاق أن يتحقق إلَّا لأنَّ له مبدأ واحدًا، وهو صلى الله تفسير رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم).

وعليه، فإنَّ نظرية لكسنبرغ تعارض التراث الروائي الإسلامي، ولا يمكن قبولها حتَّى إن فرضنا ضعف الروايات برمّتها؛ لأنَّ الروايات يعود تاريخها إلى القرن الأوّل أو الثاني، بينما ادَّعى لكسنبرغ أنَّ دلالة الحور العين على نساء الجنَّة موضوعةٌ في القرن الثالث أو الرابع.

6 - الانتقادات الموجهة إلى لكسنبرغ من قبل المستشرقين:

أثار كتاب لكسنبرغ «القراءة السريانية - الآرامية للقرآن» جدلًا واسعًا في الأوساط العلميّة، وتلقَّى ردودًا وانتقادات كثيرةً من قِبَل المستشرقين. وهي انتقادات تُثبت - في حد نفسها - ضعف منهج لكسنبرغ؛ إذ لم يكن هؤلاء المنتقدون مسلمين حتّى ينتقدوه دفاعًا عن معتقداتهم وتعاليم أسلافهم. وقد تعدَّت هذه الانتقادات وتنوّعت على أكثر من صعيد وفي أكثر من جهة

- فمنهم من عابَ على لكسنبرغ منهجه، وأنَّه ليس منهجًا فيلولوجيا في الأصل، بل اعتمده وسيلةً لتبرير ما افترضه مسبقًا. وفي ذلك قال «كينغ»(2): أغرب شيءٍ في عَمَله هو أنَّه يحاول بكلّ ما أوتي من قوة أن يعيد إلى القرآن معناه الحقيقي عبر إيجاد الموافقة بينه وبين العهدين؛ ليؤيد ما ادعاه القرآن بشأن اتِّساقه مع العهدين. وهذا بغرابته كلّها، نقاش ديني وإيديولوجي لم يثبت من قبل، ما يضع مشروعه الفيلولوجيّ موضع ريبٍ ويجعله يبدو كلاميًا؛ فهو يقدّم قراءة ما بعد الحداثة للقرآن من أجل حوار بين الأديان(3). ويأتي في السياق نفسه ما قاله «غريفيث»(4)

ص: 154


1- إذ لا يُعقل أن يكون المراد الحقيقي من ذلك التعبير الأعناب البيض، ويقدّم لهم رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)تفسيرا آخر.
2- Daniel King
3- King, Daniel: A Christian Qur'ān? A Study in the Syriac background to the language of the Qur'ān as presented in the work of Christoph Luxenberg, Journal for Late Antique Religion and Culture, (3), 2009, p. 64-65
4- Sidney Griffith.

ذمه؛ إذ يقول : يتعهد لكسنبرغ السير على منهج فيلولوجي بحت في البحث عن المواضيع؛ لكنَّه يبدأ البحث - بالتأكيد- على أساس غير فيلولوجيّ(1). وكذلك قول «بويرينغ»(2): دراسة لكسنبرغ من المنظور الفيلولوجيّ ضيّقة في المنهج، وفي الوقت نفسه تخمينيَّةٌ في النتائج بوجه عام(3). وهذا ماديغان(4)يؤكد -أيضًا- ارتكاز دراسة لكسنبرغ على الافتراضات المسبقة اللاهوتية والتأويليَّة، ويقول: إنَّ ضعفه في فهم كيفية عمل اللغات وتطوُّرها يزيد الطين بلة(5).وللسبب نفسه يستهزئ «وايلد»(6)من حجة لكسنبرغ في ما قاله حول الآية 74 من سورة الرحمن التي حاول تغيير معنى الطمث فيها لتصوُّره أنَّ الوحي لا يتحدث عن الجنس بصراحة، فيشبه محاولته بعمل شخص يطبق المنهج الفيلولوجيّ على سفر «نشيد الأناشيد»؛ لتضمنه إشاراتِ جنسيّة؛ بغية تعديل مفرداته(7).

- ومنهم من اعتبر عمله مبنيًّا على الدور والصدفة. فهذا «هرستن»(8)يُعرب عن أسفه لعدم تحديد لكسنبرغ معاييره في دراسته، ويقول: يواجه القارئ استدلالا دائريَّا، إن لم يجد عمله اعتباطيا(9). وهذه نويفيرت(10)ترى أنَّ كثيرا من مواضيع لكسنبرغ يعتمد على نقاش دائري واضح، وتصف السريانية بالزاخرة بالمفردات الدينيَّة التي توفّر كمِّيَّةً هائلةً من النماذج للدراسة الإتيمولوجية، ولكنَّها ليست -في الوقت نفسه- بالضرورة دليلًا على تماس ثقافي بين السريانية والعربية، وبالتالي

ص: 155


1- Griffith, Sidney: St. Ephraem the Syrian, the Quran, and the Grapevines of Paradise: An Essay in Comparative Eschatology, In Roads to Paradise: Eschatology and Concepts of the Hereafter in Islam, Leiden, Brill, 2017, vol. 2, p. 787
2- Gerhard Böwering
3- Böwering, Gerhard: Recent research on the construction of the Qur'an, In The Quran in its Historical Context, USA and Canada, Routledge, 2008, p. 77
4- Daniel Madigan
5- Madigan, Daniel: Foreword, In The Quran in its Historical Context, USA and Canada, Routledge, 2008, p. xi.
6- Stefan Wild.
7- Wild, Stefan: Lost in Philology? The Virgins of Paradise and the Luxenberg Hypothesis, In The Qur'an in Context, Leiden, Brill, 2010, p. 639.
8- Piet Horsten.
9- Horsten, Piet: Review of Christoph Luxenberg, Islamochristiana, (28), 2002, p. 311.
10- Angelika Neuwirth

تستشكل على لكسنبرغ منهجه؛ إذ اتَّخذ الأصول السريانية للمفردات العربيَّة حجَّةً كلاميَّةً، إلى جانب دليل على التقارض اللغوي، ومن ثَمَّ تصف تحليله اللغوي بأنَّه آليَّة وظفها لتساعده على نظريته الكلاميَّة(1). أما «شودري»(2)فقد لامه على اختياره الآيات بشكل عشوائي، على الرغم من قوله : إنَّه بصدد دراسة النصوص القرآنية الصعبة(3).

- ومنهم من اتَّهمه باتِّخاذه هذه الدعوى بشأن لغة القرآن - من أنَّها مزيجة من العربية الآرامية - ذريعةً من أجل تفسير القرآن كيف يشاء. قال «دونر»(4): يلجأ لكسنبرغ إلى تعريف سقيم للغة المزيجة، تعريف يعطيه عذرًا ليدعي أنَّ قواعد اللغات المعروفة (يعني العربيَّة والآراميَّة) لا يمكن تطبيقها على النصوص الغامضة، وهذا يُطلِق له العنان ليصنع ظنونًا نزويَّةً حول نصوص مختارة، على الرغم من أنَّها مرفوضةً لمخالفتها القواعد(5). وقوله هذا يماثله ما صدر عن «وايلد» في هذا المجال، من أنَّ: اللغة المزيجة من العربية والآرامية التي افترضها لكسنبرغ لفترة ما قبل [نزول] القرآن لا تخضع لقواعد علم الصرف العربي ولا الصرف الآرامي؛ ولذلك تزداد التفاسير المحتملة [من الآيات] بينما تقل المعايير للتمييز بينها(6). ثمَّ إنَّ دراسة النقوش المتبقيَّة من قبل الإسلام ونشوء الخط العربي، حدث ب-«هويلاند»(7)إلى اعتبار فكرة لكسنبرغ حول تأثُر القرآن بالبيئة السريانية نوعًا من المبالغة(8).

- ومنهم من فنّد مزاعم لكسنبرغ وفروضه المسبقة مستدلّين بضعف وثائقه

ص: 156


1- Neuwirth, Angelika: Qur'an and History: a Disputed Relationship Some Reflections on Qur'anic History and History in the Qur'an, Journal of Qur'anic Studies, (5), 2003, p. 9 -10.
2- Saf Chowdhury.
3- Chowdhury, Saf: Grapes in Heaven: Lüling, Luxenberg and The Ol' Syriac Route, Birkbeck College, 2009, p. 17.
4- Fred Donner.
5- Donner, Fred: The Qur'an in recent scholarship: challenges and desiderata, In The Quran in its Historical Context, USA and Canada, Routledge, 2008, p. 38 -39.
6- Wild, 2010, p. 637.
7- Robert Hoyland.
8- Hoyland, 2008, p. 63.

وحججه. ومن هؤلاء: «برينشتيل»(1)الذي نعت محاولاته بأنَّها فاشلة ومحرّفة، قائلًا: كل تعديل اقترحه لكسنبرغ يثبت أنه بني على مزاعم خاطئة أو استناد خاطي إلى مصادر اللغة السريانية(2). ومنهم -أيضًا - «باستن»(3)الذي نعت نتائجه بأنّها بعيدة التناول، ووثائقه بأنّها ضعيفة جدًّا(4). وكذلك «داي» الذي عاب على لكسنبرغ مهجه في أكثر من موضع، مرجعًا السبب في استخدامه هذا المنهج إلى عدم مبالاته بالسياق التاريخي والأدبي [للآيات] واستخدامه الاعتباطي للأدلة اللغويَّة(5). ومثله «شودري» الذي يرى بأنَّ لكسنبرغ افترض من البداية ماهيَّةً سريانيَّةً للقرآن وقام بقراءة [الآيات] بشكل يتناسب مع افتراضه هذا، ويلومه بالتالي على دراسة القرآن بمعزل عن تاريخه الحقيقي(6). واستشكلت «نويفيرت» على لكسنبرغ ارتكاز نظريته على أسس متواضعة، قائلةً: لكسنبرغ لم يأخذ بعين الاعتبار المؤلفات السابقة عليه في شتّى المجالات المرتبطة بالقرآن: لا التاريخيَّة ولا الدينية، ولا التراث الجاهلي، ولا العلاقات اليهودية، على الرغم من ارتباط أبحاثه بمعظم هذه الجوانب، بل قصر نفسه على منهج لغويٌّ آلي وضعي دون الالتفات إلى الملاحظات النظرية في علم اللسانيَّات الحديثة(7). وفي هذا السياق يقول «ستيوارت»(8)أيضًا: لم يكترث لكسنبرغ بالدراسات الأكاديميَّة ذات الصلة بالموضوع، ومن الواضح أنّه تجاهل في جملة من المواضع النتائج المقبولة [يعني البحوث الأكاديمية] على نطاق واسع، من دون أن يُقدِّم حجّةً مقنعةً لفعله هذا(9).وهذا إشكال وارد على كتاب لكسنبرغ

ص: 157


1- Daniel Birnstiel
2- Birnstiel, Daniel: Illibration or Incarnation ? A critical assessment of Christoph Luxenberg's alleged Christmas liturgy, Horizonte der Koranexegese und Koranwissenschaften, 2015, p. 42
3- Martin Baasten
4- Baasten, Martin F.J.: A Syriac Reading of the Qur'an? The Case of Surat al-Kawtar, In Arabic in Context, Leiden, Brill, 2017, p. 389
5- Dye, Guillaume: Traces of Bilingualism/Multilingualism in Qur'anic Arabic, In Arabic in Context, Leiden, Brill, 2017, p. 337, footnote
6- Chowdhury, Saf: Grapes in Heaven, Lüling, Luxenberg and The Ol' Syriac Route, Birkbeck College, 2009, p. 18
7- Neuwirth, 2003, p. 10
8- Devin Stewart
9- Stewart, Devin: Notes on medieval and modern emendations of the Qur'an, In The Quran in its Historical Context, USA and Canada, Routledge, 2008, p. 228

بكامله ومن أجل ذلك قال «كورينت»(1)حينما يردّ عليه: بما أنه ليست هناك مصادر تاريخيَّة لصدر الإسلام أو رواية موثوقة عن الوضع الاجتماعي واللغوي في ذلك العصر تؤيد دعاوى لكسنبرغ، فهو يلفّق نظريته على أساس جدوى القراءة السريانية - الآرامية بديلًا لفهم النصوص المبهمة من القرآن، وقد يفاجأ الشخص بالحلّ الذي قدَّمه في كل حالة، فيجد قليلاً منها مقبولًا، وعلى الرغم من إمكان قبول بعضها؛ لكنَّها ليست بالضرورة صحيحةً، وبعضها الآخر يجب أن يُستبعد على الإطلاق؛ لخطأ الفهم أو المعلومات الخاطئة(2).

-ومنهم من وجد عنده مشكلة في الفهم والمعلومات أمثال: «هابكينز»(3)الذي رأى أنَّ لكسنبرغ ارتكب أخطاءً عدَّة في نسخ المفردات السريانية، وقال - بعد أن وصف منهجه بالتهور: لجأ المؤلّف غير مرَّة إلى معاجم العربية المعاصرة، وهذا أمرٌ غريب في دراسة تركّز على اللغة العربية القديمة، وأضاف قائلًا: إلى جانب تطرفه في الفيلولوجيا ونزوته في التفسير، لم يحاول لكسنبرغ قط أن يضع نتائج البحث في سياق تاريخي معقول(4). وإلى جانب ذلك، تحدَّث «غريفيث» عن سوء فهم لكسنبرغ لكتاب «أفرام»، واعتبر السبب في ذلك تصوره المسبق عن الكتاب المقدَّس ورؤيته الفريدة عن أصول القرآن، ثم عدَّ الفيلولوجيا آليَّةً وظفها لكسنبرغ لإنتاج قراءة جديدة عن القرآن(5). وتوقع «دي بلوا»(6)أن تُشكّل هذه البدع والشذوذ جاذبيَّةً للكتاب لدى العامة، على الرغم من أنَّه لا يسلط الضوء على القرآن أو تاريخ الإسلام(7).

ص: 158


1- Federico Corriente
2- Corriente, Federico: On a proposal for a "Syro-Aramaic" reading of the Qur'ān, Collectanea Christiana Orientalia, (1), 2003, p.309-310
3- Simon Hopkins
4- Hopkins, Simon: Review of Christoph Luxenberg, Jerusalem Studies in Arabic and Islam, (28), 2003, p. 379- 380
5- Griffith, 2017, vol. 2, p. 789 - 790.
6- Francois De Blois.
7- De Blois, 2003, p. 96.

وهذا غيض من فيض. وثمة ردود جمَّةٌ أخرى لا تتسع لها هذه العجالة.

7 - نقد مصادر البحث:

لا شلَّ أنَّ للمصادر التي يراجعها المؤلّف ويسند إليها قوله دخلًا في اعتبار بحثه، بحيثُ يستطيع القارئ أن يثق بنتائج البحث في ما إذا كانت المصادر معتمدة وموثوقة، بينما تقل صلاحيّة البحث ونتائجه ويضعف اعتبارهما في ما إذا كانت المصادر ضعيفةً وتَجَاهل المؤلّف المصادر الموثوقة. وضعف المصادر هذا سمةٌ ملحوظة في كتاب القراءة السريانية - الآراميَّة للقرآن عامة، وفي الفصلين الرابع عشر والخامس عشر خاصَّةً.

فعلى صعيد التفاسير لم يراجع لكسنبرغ من التفاسير سوى تفسير الطبري، بل وصل به الأمر في بعض الأحيان إلى تجاهل بعض ما يقوله الطبري نفسه أو الاستهزاء ببعض ما أورده عن الصحابة والتابعين. ولم يدرس آراء علماء المسلمين، ولا سيّما الشيعة منهم، ولم يراجع من مؤلَّفاتهم شيئًا.

وعلى صعيد الرجوع إلى القواميس والمعاجم العربيَّة، فلم يرجع إلَّا إلى لسان العرب. وهذه بدعة غريبة؛ فإنَّ هذا الكتاب من المصادر المتأخّرة في علم اللغة، ويحتوي على المعاني الحديثة للمفردات الواردة فيه، وابن منظور [م 711 ه-. ق] نفسه يقول إنّه جمع فيه ما ورد في كتب أهل اللغة المتقدمين عليه(1). فكان على لكسنبرغ النظر في هذه المعاجم المتقدّمة المعتبرة لأجل العثور على معاني المفردات القرآنية.

وأما بالنسبة إلى المعاجم السريانية والآرامية، فقد استخدم لكسنبرغ المعجم الكلداني ل-«أوجين منا»، ومعجم «تزاروس» السرياني ل-«باين اسميث»(2)، مضافًا إلى

ص: 159


1- انظر: ابن منظور، لسان العرب، م.س، ج1، ص 8.
2- R. Payne Smitl

المعجم السرياني ل-« كارل بروكلمان»(1). وقد أثبتنا - في ما سبق - أنَّ لكسنبرغ اختار المعنى الذي يحلو له، وأغمض عن المعنى المتناسب مع التفاسير الإسلامية.

وبناءً على هذا كلّه، فإنَّ دراسة لكسنبرغ تفتقر إلى المصادر الموثوقة، وتعاني من تجاهل الحقيقة وكلّ ما خالف نظريته.

ص: 160


1- Carl Brockelmann

خاتمة :

تبين ممَّا تقدَّم أنَّ المستشرق «كريستوف لكسنبرغ» حاول أن يقدم قراءةً جديدةً للقرآن الكريم في كتابه المسمَّى ب-«القراءة السريانية-الآرامية للقرآن». وتتلخص أهم دعاويه في نقاط ستّ:

1. نزل القرآن بلغةٍ مزيجةٍ من العربيَّة والآرامية، وهي اللغة التي كانت مستخدمةً في مكَّة أم القرى؛ وذلك للوجود الحاشد للعرب النصارى فيها الذين كانوا يشاركون في الطقوس المسيحية-السريانية، فأدخلوا عناصر

ديانتهم في لغتهم العربيّة.

2. لا توجد كتابات عربيَّة قبل القرآن؛ إذ كان الخط العربي متخلفا إلى حدٍّ لا يصلح للكتابة به في صدر الإسلام، فكان الخط السرياني أنموذجًا لتطوير الخطّ العربي لدى مخترعيه، ثمَّ إِنَّ الخطّ العربي أخذ من الخط السرياني الإعجام.

3. ثمة بعض المفردات القرآنية التي سُجِّلت في القرآن بشكل خاطئ، ما أدى إلى الإبهام في فهم هذه الآيات وعدم التماسك في مضامين القرآن؛ وأنموذج ذلك الآية 64 من سورة الإسراء، والآية 53 من سورة الأحزاب.

4. ثمة في القرآن -أيضًا- مفردات وتعابير فُسّرت بشكل خاطئ، وأساءَ المسلمون فهمها؛ لعدم علمهم باللغة السريانيّة؛ إذ كانت هذه الكلمات سرياينة الأصل لا عربيَّة؛ وأنموذج ذلك الآيات التي تُشعر بوجود الجواري الحسان في الجنَّة الأخروية، ويجب تعديل هذا الفهم؛ لأنَّ المقصود الحقيقي منها هو: الأعناب البيض.

5. إن دراسةً فيلولوجيَّةً تُعيد إلى القرآن معانيه الحقيقية، وتثبت أن القرآن يتوافق مع كتاب ترانيم «أفرام» السريانيّة؛ فلا نِعَمَ في الجنَّة القرآنية -أيضًا - إلَّا من الأطعمة والأشربة وأفضلها الأعناب البيض.

6. التفاسير الخاطئة عن الحور العين موضوعة في القرن الثالث الهجري فصاعدًا.

ص: 161

وقد أثبتنا في ما سبق أنَّ هذه الدعاوى لا تمت إلى الواقع بصلة؛ لتعارضها مع حقائق كثيرة؛ منها:

بالنسبة إلى الفصل الأوّل:

1. لم يثبت تاريخيًا أنَّ اللغة السريانية هيمنت على أهل مكة، أو كانت منطوقة لديهم بشكل واسع النطاق؛ بل تُظهر الدراسات التاريخيّة أنَّ مكَّة كانت مأهولة بالعرب قبل الإسلام.

2. لم تكن هناك جماعةٌ مسيحيّةً متأصلةً في مكّة أو في يثرب قبل الإسلام، بل كان المسيحيون جاليةً قليلة العدد، ولم يتمتَّعوا بالنفوذ فيهما، فضلا عن إدخال عناصر ديانتهم أو نشرها في أناس أقاموا على عبادة الأصنام منذ عهود سحيقة.

3. أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم باللغة العربية الفصحى، وهي التي اصطلحنا عليها باللغة المشتركة، لا لغة قريش أو أي قبيلة أخرى بعينها، فهي لغة نشأت بشكل غير شعوري في مكّة؛ بسبب اختلاط وفود الحجاج، ونمت وازدهرت في الأسواق الأدبية التي كانت تعقد قبل الإسلام، وهي متأثَّرةُ تأثرًا شديدًا بلغة قريش، ولكنَّها - في الوقت نفسه - تتفوق عليها وعلى أي لغة غيرها.

4. تُظهر دراسة النقوش المكتشفة أنَّ الخط العربي مشتق من الخط النبطي، وهو فرع من الخطّ الآرامي الذي يرجع أصله إلى الخط الفينيقي، وهو بدوره مأخوذ من الخط المصري القديم.

5. كانت ظاهرة الإعجام والتنقيط معروفةً عند العرب في عهد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)،وقد عُثر على نقوش نبطيَّةٍ، وفيها حروفٌ معجمةً؛ لكنَّ إهمال الإعجام كان شائعًا للغاية؛ فنادرًا ما يُعثر على وثيقة عربيّة تحمل نقط الإعجام ويعود تاريخها إلى ذلك الزمن.

ص: 162

وبالنسبة إلى الفصل الثاني:

1. الفحص في المعاجم السريانيّة وغيرها يُثبت أنَّ لكسنبرغ اختار من معاني المفردات ما يتناسب مع نظريته، وتجاهل المعاني الأخرى في المعاجم نفسها، والتي تؤيد تفاسير العلماء المسلمين للآيات.

2. إنَّ مفردة «الحور» والمفردات الأخرى التي عرَّفها لكسنبرغ بميزات أعناب الجنَّة وصفاتها كانت معروفةً لدى الشعراء الجاهليّين لوصف جمال المرأة، فلم يكن القرآن أوّل من وصف المرأة بهذه الأوصاف، ولم يكن استخدامها من قِبَلِه غريبًا عند العرب أو مذهلًا لهم.

3. إنَّ التفاسير التي قدمها لكسنبرغ لبعض الآيات لا تتناسب مع السياق القرآني، وتارةً تعطي للآية معنى مضحكا لا يمكن القبول به.

4. تُظهر الروايات الإسلامية -بالتواتر المعنوي- أنَّ تعبير «الحور العين» والتعابير الأخرى المماثلة لها تدلُّ على كائنات أنثويَّة، يستمتع بهنَّ المؤمنون في الجنَّة. وهذا ما يُبطل دعاوى لكسنبرغ بشأنها.

5. وجه جملة من المستشرقين انتقادات حادة إلى لكسنبرغ وخطأوا منهجه ونتائج بحثه، وهذا أقوى دليل على فشله في فكّ غموض القرآن، خلافا لما يظهر من عنوان كتابه.

6. لم يُراجع لكسنبرغ من تفاسير المسلمين سوى تفسير الطبري. وهذا التغاضي عن المصادر الإسلاميَّة الأخرى، وخصوصًا مؤلَّفات علماء الشيعة، دليل على ضعف مستواه العلمي في هذا المجال.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ

وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

ص: 163

الملحقات

الصورة

خارطة أسماء المدن الواردة في هذا الكتاب(1)

ص: 164


1- مقتبسة من مقالة«Ancient North Arabian» ل-«Michael Macdonald» في كتاب The Ancient Languages of Syria - Palestine and Arabia» سنة 2008م، ص 180.

الصورة

جدول المقارنة بین الأقلام

ص: 165

صور من النقوش المكتشفة ونقحرتها وترجمتها

1 - نقش أمّ الجمال الأوّل

الصورة

دنه نفسو فهربر سلي ربو جذيمت ملك تنوخ

هذا قبر فهر بن سلي مربي جذيمة ملك تنوخ(1)

ص: 166


1- ضمرة، الخط العربي جذوره وتطوره، م.س، ص35. 166

2 - النمارة

الصورة

تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج

وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجا

بزجي في حبج نجرن مدينة شمر وملك معدو ونزل بنيه

الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه

عكدي هلك سنة 223 يوم بكسلول بلسعد ذو ولده

هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي حاز التاج

وملك الأسدين ونزارًا وملوكهم وهزّم مزحج بقوته وجاء

إلى نزجي في حبج نجران مدينة شمر وملك معدًا وقسّم بين بنيه

[أرض] الشعوب ووكّله الفرس والروم فلم يبلغ ملك مبلغه

في الحول عكدي هلك سنة 223 يوم سبعة من كسلول ليسعد الذي ولده(1)

ص: 167


1- ولفسون، تاريخ اللغات السامية، م.س، ص190.

3 - زبد

الصورة

قراءة ليتسبارسكي : [بس]م الإله شرحو... بر مع قيمو... بر مر القس

قراءة ليتمان: [بنصر] الإله شرحو بر امت منفو وظبی بر مر القس

وشرحو بر سعدو وستر وشريحو بتميمي (المفردة الاخيرة مكتوبة بالسريانية)(1)

4 - جبل أُسَيس

ص: 168


1- ولفسون، تاريخ اللغات السامية، م.س، ص191.

أنه قيم/قثم بن مغيرة الأوسي

أرسلني الحرث الملك على أسيس مسلحة سنت(1)

5- حران

الصورة

ص: 169


1- Al-Ghabban, 2008, p. 226.

أنا شر حيل بر ظلمو بنيت ذا المرطول

سنت 463 بعد مفسد

خیبر

بعم

أنا شراحيل بن ظالم بنيت هذه الكنيسة

سنت 463 بعد مفسد

خیبر

بعام(1)

6 - أم الجمال الثاني

الصورة

ص: 170


1- عبد التواب، فصول فقه العربية، م.س، ص 57.

الله غفرا لاليه

بن عبيدة كاتب

الخبير اعلى بنى

عمري صلو عليه من

يقراه

يا رب اغفر لأليه بن عبيدة الكاتب

الخبير أششرف بني

عمرو ادعُ له أيها

القارئ(1)

7 - ورق بردي يعود إلى سنة 22 للهجرة

الصورة

ص: 171


1- عبد التواب، فصول في فقه العربية، م.س، ص58.

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أخذ عبد الله

ابن جبير وأصحبه من الجزر من أهنس أخذنا

من خليفة تذرق ابن أبو قير الأصغر ومن خليفة اصطفن ابن أبو قير الأكبر خمسين شاة

من جزر وخمسة عشرة شاة أخرى أجزرها أصحب سفنة وكتتبه وثقلاه في

شهر جمدي الأولى من سنة اثنتين وعشرين وكتب ابن حديده(1)

8 - سد الطائف

الصورة

هذا السد لعبد الله معاوية أمير المؤمنين بنيه

عبد الله بن صخر

بإذن الله لسنة ثمن وخمسين اللهم اغفر لعبد

الله معاوية امير المؤمنين وثبته وانصره ومتّع

المؤمنين به كتب عمرو بن جناب(2)

ص: 172


1- Al-Ghabban, 2008, p. 220
2- Miles, George: Early Islamic Inscriptions Near Ta'if in the Ḥijāz, Journal of Near Eastern Studies, 74), 1948, p. 237

9 - زهير

الصورة

بسم الله أنا زهير كتبت زمن توفي عمر سنة أربع وعشرين(1)

10 - نقش نبطي منا منقط(2)

ص: 173


1- Al-Ghabban, 2008, p. 212
2- Al-Ghul, 2004. p. 106

المصادر والمراجع

اشارة

القرآن الكريم

المصادر والمراجع العربيّة:

1. ابن أبي خازم الأسدي، بشر: ديوان بشر، جمع وتحقيق: مجید طراد، لا ط، بيروت، دار الكتاب العربي، 1415ه-. ق.

10. ابن النديم، محمَّد بن إسحاق: الفهرست، تحقيق: إبراهيم رمضان، بيروت، دار المعرفة، 1417ه-.ق.

100. الفاصل بين الحق والباطل من مفاخر أبناء قحطان واليمن، تحقيق: محمد عبد الرحيم جازم؛ منير عربش، لا ط، صنعاء، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية والمعهد الألماني للآثار، 1430ه-. ق.

101. الفاكهي، محمد بن إسحاق : أخبار مكَّة في قديم الدهر وحديثه، تحقيق: عبد الملك عبد الله دهيش ،لا ط، بیروت، دار خضر، 1414ه-.ق.

102. الفتّال، محمَّد بن أحمد: روضة الواعظين وبصيرة المتَّعظين، لا ط، قم المقدَّسة، انتشارات رضي، 1375ه-.ش.

103. الفخر الرازي، محمَّد بن عمر: التفسير الكبير، تصحيح: مكتب تحقیق دار إحياء التراث العربي، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1420ه-. ق .

104. الفراء، يحيى بن زياد: معاني القرآن، تحقيق: أحمد يوسف النجاتي ومحمد علي النجار، لا ط، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1980م.

105. الفراهيدي، الخليل بن أحمد: العين، لا ط، قم المقدَّسة، نشر هجرت، 1409ه-. ق.

106. الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب: بصائر ذوي التمييز فى لطائف الكتاب العزيز، لا ط، القاهرة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1416ه-.ق.

ص: 174

107. الفيض الكاشاني، محسن: تفسير الصافي، تحقيق: حسين أعلمي، لا ط، طهران، مكتبة الصدر، 1415ه-. ق .

108. القرطبي، محمد بن أحمد: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني؛ إبراهيم أطفيش، ط2، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1962م.

109. القشيري، عبد الكريم بن هوازن: لطائف الإشارات، تحقيق: إبراهيم البسيوني، لا ط، مصر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، لا ت.

11. ابن بابويه، محمد بن عليّ الأمالي لا ط، طهران، کتابچي، 1376ه-.ش.

110 القمي، علي بن إبراهيم: تفسير القمي، تصحيح: طيب موسوي جزائري، لا ط، قم المقدَّسة، دار الكتب، 1404ه-.ق.

111. الكردي، محمد طاهر بن عبد القادر: تاريخ الخط العربي وآدابه، لا ط، لا م، مكتبة الهلال، 1939م.

112. الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، لا ط، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1407ه-. ق.

113. الكمالي، طلال فائق: نظريَّة الهيمنة في القرآن الكريم، لا ط، كربلاء المقدسة،مرکز کربلاء للدراسات والبحوث، 1427ه- .ق.

114. الكوفي الأهوازي، الحسين بن سعيد: الزهد، تحقيق: غلام رضا عرفانيان يزدي، لاط، قم المقدَّسة المطبعة العلمية، 1402ه-.ق.

115. المبرد، محمَّد بن يزيد: التعازي، تحقيق : إبراهيم محمد حسن الجمل، لا ط، مصر، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، لا ت.

116. المبرد، محمَّد بن یزید: نسب عدنان وقحطان، تحقيق: عبد العزيز الميمني الراجكوتي، لا ط، الهند، لا ن، 1936م.

ص: 175

117. المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تحقيق: جمعٌ من المحققين لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403ه-.ق.

118. المجلسي، محمَّد باقر : مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، تصحيح: هاشم رسولي محلاتي، لا ط، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1404ه-.ق.

119. المظفر، محمد رضا: المنطق، لا ط، قم المقدَّسة، مؤسسة انتشارات دار العلم، 1394 ه- .ق.

12. ابن بابويه، محمد بن علي: الخصال، تحقيق: علي أكبر الغفاري، لا ط، قم المقدَّسة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1362ه-.ش.

120. المفيد، محمَّد بن محمَّد: الاختصاص، تحقيق: علي أكبر الغفّاري؛ محمود محرمي زرندي، لا ط، قم المقدسة، المؤتمر العالمي لألفيَّة الشيخ المفيد، 1413 (ب) ه-.ق.

121. المفيد، محمد بن محمد: الأمالي، تحقيق: حسين استاد ولي؛ علي أكبر غفاري، لا ط، قم المقدَّسة، کنگرهي شيخ مفيد، 1413 (أ) ه-.ق.

122. الموصلي، أحمد بن عليّ: مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، لا ط، دمشق، دار المأمون للتراث، 1404ه-. ق .

123. الميداني، أحمد زیاد بن محمَّد: مجمع الأمثال، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، لا ط ،بیروت، دار المعرفة، لا ت.

124. النابغة الذبياني، زياد بن معاوية بن ضباب المري: ديوان النابغة الذبياني، جمع وتحقيق: حنا نصر الحتّي، لا ط، بيروت، دار الكتاب العربي، 1411ه-.ق.

125. اليزيدي، عبدالله بن يحيى: غريب القرآن وتفسيره: تحقیق: محمد سلیم الحاج ،لا ،ط، بيروت، عالم الكتب، 1405ه- .ق.

ص: 176

126. امرؤ القيس، ابن حجر بن الحارث الكندي: ديوان امرئ القيس، تحقیق: مصطفى عبد الشافي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1425ه-.ق.

127. أنيس، إبراهيم: من أسرار اللغة، لا ط ،القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1966م.

128 بروکلمان، کارل: فقه اللغات السامية، ترجمة: رمضان عبد التواب، لا ط، المملكة العربيّة السعودية، جامعة الرياض، 1977م.

129. تفليسي، حبيش بن إبراهيم: وجوه قرآن، لا ط، طهران: دانشگاه طهران، 1371 ه-.ش.

13. ابن بابويه، محمَّد بن عليّ: ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، لا ط، قم المقدسة، دار الشريف الرضي للنشر، 1406ه-. ق.

130. حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لا ط ،بغداد، مكتبة المثنى، 1941م.

131. حسام الدين، كريم زكي: العربيَّة تطوّر وتاريخ، لا ط، لام، لا ن، 1422 ه- .ق.

132. حسان، تمام: الأصول دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب، لا ط، القاهرة، عالم الكتب، 1420ه- .ق.

133. خشيم، علي فهمي: هل في القرآن أعجمي: نظرة جديدة إلى موضوع قديم، لاط، بيروت، دار الشرق الأوسط، 1997م.

134. دیورانت، ويل: قصَّة الحضارة، ترجمة: زكي نجيب محمود وآخرون، لا ط، بيروت، دار الجيل، 1408ه-.ق.

135. ذنون، يوسف: «قديم وجديد في أصل الخط العربي وتطوّره في عصوره المختلفة»، مجلة المورد، المجلد 15، العدد 4، 1986

ص: 177

136. رضا، أحمد: رسالة الخطّ، لا ط، صيدا، مطبعة العرفان، 1332ه-.ش.

137. زالي، آن؛ بيرثييه، آني: تاريخ الخط العربي وغيره من الخطوط العالمية، ترجمة: سالم سليمان العيسى، لا ط، دمشق، الأوائل، 2004م.

138. شيخو، لويس: النصرانيَّة وآدابها بين العرب الجاهليّة، لا ط، بيروت، دار المشرق، 1989م.

139. صالح، سلوى بالحاج: المسيحيّة العربية وتطوُّراتها من نشأتها إلى القرن الرابع الهجري، لا ط، بيروت، دار الطليعة، 1998م.

14. ابن بابويه، محمَّد بن علي: علل الشرائع، لا ط، قم المقدسة، كتاب فروشی داوری، 1385ه-. ق .

140. ضمرة، إبراهيم: الخط العربي جذوره وتطوّره، لا ط، الأردن، مكتبة المنار، 1407ه- .ق.

141. ضيف شوقي: تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، لا ط، القاهرة، دار المعارف، 1940م.

142. ظاظا، حسن: الساميون ولغاتهم، لا ط، دمشق، دار القلم، 1410ه-.ق.

143. عبّاس، إحسان: تاريخ دولة الأنباط، لا ط، الأردن دار، الشروق، 1987م.

144. عبد الباقي، محمد فؤاد: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لا ط، القاهرة، دار الحديث، 1364ه-. ق.

145. عبد التواب، رمضان: فصول في فقه العربيَّة، لا ط، القاهرة، الخانجي، 1420 ه-. ق.

146. علي، جواد: أصنام الكتابات، لا ط، بغداد، دار الوراق، 2007م.

147. عمر ، أحمد مختار؛ مكرم، عبد العال سالم : معجم القراءات القرآنية، لا ط،

ص: 178

الكويت، مطبوعات جامعة الكويت، 1408ه-. ق .

148. عوّاد كوركيس مكتبة نور أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم لا ط العراق دار الرشيد للنشر، 1982م.

149. كانتينو، ج.: اللغة النبطية، ترجمة: مهدي الزعبي، لا ط، الأردن، وزارة الثقافة، 2015م.

15. ابن بابويه، محمد بن علي: عيون أخبار الرضا، تحقيق: مهدي لاجوردي، لا ط، طهران، نشر جهان، 1378ه-.ش.

150. ماسبيرو، غاستون: تاريخ المشرق، ترجمة: أحمد زكي، لا ط، القاهرة، هنداوي 2014م.

151. مختار، أحمد: معجم اللغة العربية المعاصرة، لا ط، لا م، عالم الكتب، 1429 ه-. ق .

152. معرفت، محمد هادي: شبهات وردود حول القرآن، لا ط، قم المقدسة، مؤسسة التمهيد 1423ه-. ق.

153. مغنية، محمد جواد: شبهات الملحدين والإجابة عنها، لا ط، بیروت، دار ومكتبة الهلال، 1984م.

154. منّا، يعقوب أوجين: قاموس كلداني عربي، تصحيح: روفائیل بیداوید، لا ط، بيروت، منشورات مرکز بابل، 1975م.

155. مهنا، عبد: معجم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام، لا ط، بیروت، دار الكتب العلمية، لا ت.

156. ناصف، حفني: حياة اللغة العربيَّة، لا ط، لا م، مكتبة الثقافة الدينية، 1423 ه- .ق.

ص: 179

157. نامي، خليل يحيى: أصل الخط العربي وتاريخ تطوّره إلى ما قبل الإسلام، لا ط، القاهرة، مطبعة بول باربيه، 1935م.

158. نولدکه، تیودور: تاریخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، ط1، بيروت، نشر جورج ألمز، 2004م.

159. ولفسون، إسرائيل: تاريخ اللغات الساميَّة، لا ط، مصر، مطبعة الاعتماد، 1929م.

16. ابن جناب الكلبي، زهير: ديوان زهير بن جناب الكلبي، جمع وتحقيق: محمد شفيق البيطار، لا ط، بيروت، دار صادر، 1999م.

160. يموت، بشير: شاعرات العرب في الجاهليّة والإسلام، لا ط، بيروت، المكتبة الأهلية، 1352ه- .ق.

161. ابن العربي، محمد بن عبد الله: أحكام القرآن، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1424ه-.ق.

162. ابن بابويه، محمد بن عليّ : من لا يحضره الفقيه، تحقيق: علي أكبر الغفاري، لا ط، قم المقدَّسة، مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1413ه-.ق.

163. ابن حجر، أوس: ديوان أوس بن حجر، جمع وتحقيق: محمد يوسف نجم،لا ط بیروت، دار بيروت للطباعة والنشر، 1400ه-.ق.

164. ابن درید، محمد بن الحسن: جمهرة اللغة، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، لا ط ،بيروت، دار العلم للملايين، 1988م.

165. ابن شداد، عنترة: ديوان عنترة بن شداد، جمع وتحقيق: محمد معروف الساعدي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 2009م.

166.ابن شهر آشوب، محمد بن عليّ: مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، لا ط، قم المقدَّسة علامة للنشر، 1379ه-.ش.

ص: 180

167. ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقیق: مصطفى بن أحمد العلوي؛ محمد عبد الكبير البكري، لا ط، المغرب، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387ه-.ق.

168 . ابن علس، المسيّب: ديوان المسيّب بن علس، جمع وتحقيق: عبد الرحمن محمَّد الوصيفي، لا ط، القاهرة، مكتبة الآداب، 1423ه-. ق .

169 . ابن فارس، أحمد:معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، لا ط، قم المقدَّسة، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404ه-.ق.

17. ابن جندل، سلامة: ديوان سلامة، جمع وتحقيق: محمد بن الحسن الأحول، لا ط، بيروت، دار الكتاب العربي، 1414ه-.ق.

170.ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم: تأويل مشكل القرآن، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1423ه-.ق.

171 . ابن قولويه، جعفر بن محمد: كامل الزيارات، تحقيق: عبد الحسين أميني، لا ط، النجف الأشرف، دار المرتضوية، 1356ه-.ق.

172. اسكندرلو، محمد جواد؛ عتابي، أحمد سالم عبد عليّ: «ردّ شبهات يوسف درّة الحداد في كتابه القرآن دعوة نصرانيَّة»، مجلة دراسات استشراقية (تصدر عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية التابع للعتبة العبَّاسيَّة المقدَّسة، بيروت، العدد 6،2016م.

173. الأبشيهي، محمَّد بن أحمد: المستطرف في كل فن مستظرف، لا ط، بيروت، عالم الكتب، 1419ه-. ق.

174. الإسكندري، أحمد؛ عناني، مصطفى: الوسيط في الأدب العربي وتاريخه، لا ط، مصر، مطبعة المعارف، 1925م.

175. الآمدي، الحسن بن بشر : المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم

ص: 181

وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم، تحقيق: ف. كرنكو، لا ط، بيروت، دار الجيل، 1411 ه- .ق.

176. الأندلسي، محمد بن يوسف: البحر المحيط في التفسير، تحقيق: صدقي محمد جميل، لا ط، بيروت، دار الفكر، 1420 ه-. ق .

177. الباقلاني، محمَّد بن الطيب: إعجاز القرآن، تحقيق: أحمد صقر، لا ط، مصر، دار المعارف، 1997م

178. البحراني هاشم: البرهان في تفسير القرآن، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، لا ط، قم المقدَّسة، مؤسسة البعثة، 1374ه-.ق.

179. البقاعي، إبراهيم بن عمر: نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور، تحقيق: عبد الرزّاق غالب مهدي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1427ه-.ق.

18. ابن حزم، علي بن أحمد: جمهرة أنساب العرب، لا ط، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1403ه-. ق.

180. الخصيبي، الحسين بن حمدان. (1419 ) . الهداية الكبرى. بيروت: البلا.

181. الداني، عثمان بن سعيد: التيسير في القراءات السبع، تحقيق: أوتو تريزل، لا ط، بيروت، دار الكتاب العربي، 1404ه-.ق.

182. الشعراء الهذليون : ديوان الهذيليّين، ترتيب وتعليق: محمد محمود الشنقيطي،لا ط، القاهرة، الدار القوميّة للطباعة والنشر، 1385 ه- .ق.

183 . الطبري الآملي، محمد بن جرير .(1413). دلائل الإمامة.(قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة محقق). قم: بعثت.

184. الكوفي، فرات بن إبراهيم: تفسير فرات الكوفي، تحقيق: محمد كاظم، لا ط، طهران، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الإرشاد الإسلامي، 1410ه-. ق.

ص: 182

185. انظر: ابن الفخار، محمد بن علي: شرح الجمل، تحقيق: روعة ناجي، لا ط، بیروت، دار الكتب العلميّة، 1434ه-.ق.

186. انظر: ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم: عيون الأخبار، لا ط، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1418ه- ق .

187. تأبط شرا، ثابت بن جابر: دیوان تأبّط شرًا وأخباره، جمع وشرح وتحقيق: علي ذو الفقار شاكر، لا ط، لا م، دار الغرب الإسلامي، 1404ه-. ق.

188. علي، جواد: المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، لا ط، لا م دار الساقي، 1422ه-. ق.

189. القلقشندي، أحمد بن علي: صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية لا ت.

19. ابن حنبل، أحمد: فضائل الصحابة، تحقيق: وصيّ الله محمد عباس، لا ط،بيروت، مؤسسة الرسالة، 1403ه- ق .

190. مسلم، ابن الحجاج: صحيح مسلم، تحقیق: محمد فؤاد عبد الباقي، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، لا ت.

191. نامي، خليل يحيى: العرب قبل الإسلام، القاهرة، دار المعارف، 1986م.

2. ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: كمال يوسف الحوت، لا ط، الرياض، مكتبة الرشد، 1409ه-. ق.

20. ابن خالويه، الحسين بن أحمد: الحجّة في القراءات السبع، تحقيق: عبد العال سالم مکرم ،لا ط، بيروت، دار الشروق، 1401ه-.ق.

21. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، تحقيق: خليل شحادة، لا ط، بيروت، دار الفكر، 1408ه-. ق .

ص: 183

22. ابن خلکان، أحمد بن محمد: وفيَّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عبّاس، لا ط ،بيروت، دار صادر، 1900م.

23. ابن ربيعة العامري، لبيد: ديوان لبيد بن ربيعة العامري، تحقيق: حمدو طمَّاس، لا ط، بيروت، دار المعرفة، 1425 ه-.ق.

24. ابن سعد، عمرو (المرقش الأكبر)؛ ابن حرملة، عمرو (المرقش الأصغر): ديوان المرقشين، تحقيق: کارین صادر ،بیروت، دار صادر، 1998م.

25. ابن سليمان، مقاتل: تفسير مقاتل بن سليمان، تحقیق: عبد الله محمود شحاته، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1423ه-. ق.

26. ابن سيده، علي بن إسماعيل : المحكم والمحيط الأعظم، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1421ه-.ق.

27. ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد: التحرير والتنوير، لا ط ،تونس، الدار التونسية للنشر، 1984م.

28. ابن عباد، إسماعيل : المحيط فى اللغة، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، لا ط، بيروت، عالم الكتب، 1414ه-. ق.

29. ابن عبد ربّه، أحمد بن محمد: العقد الفريد، لا ط، بيروت، دار الكتب : العلميَّة، 1404ه-.ق .

3. ابن الأبار، محمَّد بن عبد الله: التكملة لكتاب الصلة، تحقيق: عبد السلام الهراس، بيروت، دار الفكر، 1415 ه-.ق.

30. ابن فارس، أحمد: الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ط1، لا م، نشر محمد علي بيضون، 1418ه-.ق.

31. ابن قميئة، عمرو: ديوان عمرو بن قميئة، جمع وتحقيق: خليل إبراهيم العطية، لا ط، بيروت، دار صادر، 1994م، ص55..

ص: 184

32. ابن قیس، سلیم: کتاب سليم بن قيس الهلالي، تحقيق: محمد أنصاري زنجاني 1405 خوئيني، لا ط، قم المقدسة، الهادي، ه-.ق.

33. ابن مجاهد، أحمد بن موسى: كتاب السبعة في القراءات، تحقيق: شوقي ضيف، لا ط مصر، دار المعارف، 1400ه-. ق .

34. ابن منظور، محمد بن مکرم: لسان العرب، لاط، بیروت، دار صادر، 1414ه-. ق.

35. ابن ناقيا، عبد الله بن الحسين: كتاب الجمان في تشبيهات القرآن، تحقيق: محمود حسن أبو ناجي الشيباني، لا ط، جدة* براج وخطيب، 1407ه-.ق.

36. ابن هشام، جمال الدین بن يوسف: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق:محمد محيي الدين عبد الحميد، لا ط، قم المقدسة، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404ه-. ق.

37. أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين: الأغاني، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1415ه-.ق.

38. أبو عبيدة، معمر بن المثنى: مجاز القرآن، تحقیق: محمد فؤاد سزگین، لا ط، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1381ه-.ش.

39. آرمسترونغ، کارین: الله والإنسان على امتداد 4000 سنة من إبراهيم الخليل حتّى العصر الحاضر، ترجمة: محمد الجورا، لا ط، دمشق، دار الحصاد للنشر والتوزيع، م1996.

4. ابن الأبرص، عبيد: ديوان عبيد بن الأبرص، جمع وتحقيق: أشرف أحمد عدرة، لاط، بيروت، دار الكتاب العربي، 1414ه-. ق .

40. الآبي، منصور بن الحسين: نثر الدرّ في المحاضرات، تحقيق: خالد عبد الغني محفوظ، لا ط، بیروت، دار الكتب العلميّة، 1422ه-. ق.

41. الأزرقي، محمد بن عبد الله: أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، تحقيق:

ص: 185

رشدي الصالح ملحس، لا ط، بيروت، دار الأندلس للنشر، 1403ه-. ق.

42. الأزهري، محمد بن أحمد: تهذيب اللغة، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1421ه-.ق.

43. الأسد، سيد فرج: الكتابة من أقلام الساميين إلى الخط العربي، لا ط، القاهرة، الخانجي، 1415ه-.ق.

44. الأسد، ناصر الدين: مصادر الشعر الجاهلي، لا ط، مصر، دار المعارف، 1988م.

45 الأعشى الكبير، ميمون بن قيس: ديوان الأعشى الكبير، جمع وتحقيق: محمد حسين، لا ط ،القاهرة مكتبة الآداب، لا ت.

46. الألوسي، شهاب الدين محمود بن عبد الله: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني، تحقيق: علي عبد الباري، لا ط، بيروت، دار الكتب العلميَّة، 1415 ه- .ق.

47. الأنباري، محمد بن القاسم: شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، لا ط، لا م، دار المعارف، لا ت.

48 البرقي، أحمد بن محمد: المحاسن، تصحيح: جلال الدين محدث، لا ط، قم المقدَّسة، دار الكتب الإسلامية، 1371ه-.ق.

49 البغوي، الحسين بن مسعود: معالم التنزيل في تفسير القرآن، تحقيق: المهدي عبد الرزاق، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1420ه-.ق.

5. ابن الأثير، المبارك بن محمد : النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي؛ محمود محمد الطناحي، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية، 1399ه-. ق .

50. البلاذري، أحمد بن يحيى: فتوح البلدان، لا ط، بیروت، دار ومكتبة الهلال، 1988م.

ص: 186

51. البيضاوي، عبد الله بن عمر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1418 ه-.ق.

52. التبريزي، يحيى بن علي: ديوان الحماسة، لا ط، بيروت، دار القلم، لا ت.

53. الثعلبي، أحمد بن محمد: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1422ه-.ق.

54. الجبوري، سهيلة ياسين: الخط العربي وتطوّره في العصور العباسية في العراق، لا ط ،بغدا،د المكتبة الأهلية، 1962م.

55. الجوهري، إسماعيل بن حماد: تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، لا ط، بيروت، دار العلم للملايين، 1407ه-.ق.

56. الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، لا ط، بيروت، مؤسسة الأعلمى، 1425ه-.ق.

57. الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله: شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تحقيق: محمد باقر محمودي، لا ط، طهران، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، 1411ه-.ق.

58. الحلبي، علي بن إبراهيم: السيرة الحلبية، لا ط، بيروت، دار الكتب العلمية،1427ه-. ق.

59. الحمد، غانم قدوري: علم الكتابة العربيَّة، عمان دار ،عمار 1425ه-.ق.

6. ابن الأزرق، نافع: سؤالات نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن عباس، جمع وتحقيق: إبراهيم السامرائي، لا ط، بغداد ، مطبعة المعارف، 1968م.

60. الحموي، ياقوت بن عبد الله: معجم البلدان، لا ط، بيروت، دار صادر، 1995م. .

61. الخصيبي، محمد بن راشد: شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان، لا ط، مسقط، وزارة التراث القومي والثقافة، 1427ه-.ق.

ص: 187

62. الداني، عثمان بن سعيد: المحكم في نقط المصاحف، تحقيق: عزة حسن، لا ط،دمشق، دار الفكر، 1407 ه-.ق.

63. الذهبي، محمد بن أحمد: سير أعلام النبلاء، أشرف على التحقيق: شعيب الأرناؤوط، لا ط، لا م، مؤسسة الرسالة، 1405ه-. ق .

64. الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد: المفردات في غريب القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داودي، لا ط، بيروت، دار القلم، 1412ه-. ق.

65. الراوندي، سعيد بن هبة الله: الدعوات، لا ط، قم المقدسة، انتشارات مدرسه امام مهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، 1407ه-.ق.

66. الرضا، علي بن موسى: صحيفة الإمام الرضا ، تحقيق: محمد مهدي ،نجف لا ط مشهد المقدَّسة کنگره جهانی امام رضا ، 1406ه-. ق .

67 الرفاعي، بلال عبد الوهاب: الخط العربي تاريخه وحاضره، دمشق؛ بیروت، دار ابن كثير، 1410 ه-.ق.

68. الزمخشري، محمود بن عمر: أساس البلاغة، لا ط، بيروت: دار صادر، 1979م.

69. السجاد، علي بن الحسين : الصحيفة السجادية، لا ط، قم المقدسة، دفتر نشر الهادي، 1376ه-.ش.

7. ابن العجلان النهدي، عبد الله: ديوان عبد الله بن العجلان النهدي، جمع وتحقيق: إبراهيم صالح، لا ط، أبو ظبي، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، 2009م.

70. السجستاني، عبد الله بن سليمان: المصاحف، تحقيق: محمد بن عبده، لا ط،القاهرة، دار الفاروق الحديثة، 1423ه-. ق.

71. السمين الحلبي، أحمد بن يوسف: عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ، تحقيق: محمد التونجي، بيروت، عالم الكتاب، 1414ه-. ق.

ص: 188

72. السيد، رضوان : المستشرقون الألمان النشوء والتأثير والمصائر، لا ط، لا م، دار المدار الإسلامي 2016م

73. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق:

فؤاد علي منصور، لا ط، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1418ه-. ق.

74. الشافعي، محمَّد بن إدريس: الرسالة، تحقيق: أحمد شاكر ، لاط ،مصر، مكتبة الحلبي، 1358ه-.ش.

75. الشرقاوي، محمد عبد الله: الاستشراق في الفكر الإسلامي المعاصر، لا ط، القاهرة، لا ن، 1992م.

76. الشريف الرضي، محمد بن الحسين: نهج البلاغة (الجامع لخطب ومواعظ ورسائل وكلمات أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب)، تحقيق: صبحي الصالح، لا ط، قم المقدَّسة، دار هجرت، 1414ه-. ق.

77. الشعيري، محمد بن محمد: جامع الأخبار ، لا ط، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، لا ت.

78. الشمري نهاد حسن حجي: «نظرية التأثير الآرامي في اللهجات العربية البائدة دراسة ساميَّة مقارنة»، مجلة لارك للفلسفة واللسانيات والعلوم الاجتماعية، المجلد 3، العدد 32،2019م.

79. الصرصري، سليمان بن عبد القوي: موائد الحيس في فوائد القيس، تحقيق: مصطفى عليان، لا ط، الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1435ه-.ق.

8. ابن المبارك، عبد الله: الجهاد، تحقیق نزيه حماد، لا ط، تونس، الدار التونيَّة،1972.

80. الصفار، محمد بن الحسن: بصائر الدرجات في فضائل آل محمد، تصحيح: محسن کوچه باغی، قم المقدَّسة، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404ه-.ق.

81. الصولي، محمد بن يحيى: أدب الكتاب، تصحيح: محمد بهجة الأثري، لا ط،

ص: 189

مصر؛ بغداد، المطبعة السلفيّة، المكتبة العربية، 1341ه-. ق.

82. الضبي، المفضل بن محمد: المفضليات، تحقيق: أحمد محمد شاكر؛ عبد السلام محمَّد هارون، لا ط، القاهرة، دار المعارف، لا ت.

83. الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، لا ط، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1390ه-.ش.

84. الطبراني، سليمان بن أحمد: المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد، لا ط، القاهرة، مكتبة ابن تيمية، 1994م.

85. الطبراني، سليمان بن أحمد: مسند الشاميين، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، لا ط، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1405ه-.ق.

86. الطبرسي، أحمد بن علي: الاحتجاج على أهل اللجاج، تحقيق: محمد باقر خراسان، لا ط، مشهد المقدَّسة، نشر مرتضی، 1403ه-. ق .

87. الطبرسي، الحسن بن الفضل: مكارم الأخلاق، لا ط، قم المقدسة، مطبعة الشريف الرضي، 1412ه-.ق.

88. الطبرسي، الفضل بن الحسن: مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: فضل الله يزدي؛ هاشم رسولي، لا ط، طهران ناصر خسرون، 1372ه-.ش.

89. الطبري، محمد بن جرير: جامع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، لا ط، بيروت، دار المعرفة، 1412ه-.ق.

9. ابن المبارك، عبد الله: الزهد، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، لا ط، بيروت،دار الكتب العلميّة، لا ت.

90. الطريحي، فخر الدين بن محمَّد : مجمع البحرين ومطلع النيّرين، تصحيح: أحمد حسيني أشكوري* لا م، دفتر نشر فرهنگ اسلامی، 1375ه-.ش.

91. الطوسي، محمد بن الحسن: الأمالي، تصحيح: مؤسسة البعثة، لا ط، قم

ص: 190

المقدَّسة، دار الثقافة، 1414ه-.ق.

92. الطوسي، محمد بن الحسن: التبيان في تفسير القرآن، تصحيح: أحمد حبيب العاملي، لا ط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، لا ت.

93. الطوسي، محمَّد بن الحسن: تهذيب الأحكام، تصحيح: حسن الموسوي خراسان، لا ط ، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1407ه-.ق.

94. العبادي التميمي، عدي بن زيد: دیوان عدي بن زيد، جمع وتحقيق: محمد جبَّار المعيبد، لا ط، بغداد، شركة دار الجمهورية للطباعة والنشر، 1385ه-.ق.

95. العسقلاني، أحمد بن عليّ: لسان الميزان لا ط، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1406ه-. ق.

96. العسكري، الحسن بن عبد الله: تصحيح الوجوه والنظائر، تحقيق: محمد عثمان، لا ط، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، 1428ه-.ق.

97. العسكري، الحسن بن علي: التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي (عج) ، لا ط، قم المقدسة، 1409ه-.ق.

98. العيَّاشي، محمد بن مسعود: تفسير العياشي، تصحيح: هاشم رسولي محلاتي، لا ط، طهران، المطبعة العلمية، 1380ه-. ق.

99. الغنوي، طفيل: ديوان طفيل الغنوي، جمع وتحقيق: حسان فلاح أوغلي، لا ط، بیروت، دار صادر، 1997م.

ص: 191

المصادر والمراجع الفارسية:

192. آذرنوش، آذرتاش: تاریخ فرهنگ و زبان عربی ،تهران، سمت، 1381ه-.ش.

193. پاکتچی، أحمد: فقه الحدیث با تکیه بر مسائل لفظ، تهران، دانشگاه امام صادق(علیه السّلام)، 1396ه-.ش.

194. جوادي آملي، عبد الله: تفسير تسنيم، تحقيق: علي إسلامي، لا ط، قم المقدَّسة، إسراء للنشر، 1388ه-.ش.

195. چهرقاني، رضا : تأملی ریشه شناختی در خاستگاه و معنای کلمه «مکه»، فصلنامه لسان مبين، العدد 38، 1398ه-.ش.

196. خدایاري، علي نقي: «نقش احادیث معصومان در تفسیر قرآن»، مجله سفينه العدد 2، 1383ه-.ش.

197. شاكر محمد کاظم؛ فيَّاض، محمد سعيد: «سیر تحول دیدگاههای خاورشناسان در مورد مصادر قرآن» پژوهشهای قرآن،وحدیث، العدد 1، 1389ه-.ش.

198. عبد الجليل، ج. م.: تاریخ ادبیات عرب، ترجمة: آذرتاش آذرنوش، تهران،امير كبير، 1363ه-.ش.

199. نفيسي، شادي؛ حق اللهي، مهديه: «تأثير عرضه شواهد مادی در گزارشها و آرای خاستگاه و تاریخ خط ابداع عربی»، مطالعات قرآنی و فرهنگ اسلامی، العدد 4، 1397ه-.ش.

200. نويفيرت، انجلیکا: قرآن پژوهی در غرب در گفت وگو با خانم آنگلیکا نویورت، هفت آسمان، المجلد 9، العدد 34، 1386ه-.ش.

201. همتي، محمد علي؛ شاكر، محمد کاظم: گزارش نقد و بررسی آراء کریستف لوگزنبرگ در کتاب قرائت آرامی-سریانی قرآن، لا ط، قم المقدَّسة، دانشکده اصول الدين، 1395ه-.ش.

ص: 192

202. رامیار، محمود: تاریخ قرآن، تهران، امير كبير، 1369ه-.ش.

203. رضائي اصفهاني، محمد علي؛ پروان، صدیقه: «دفاع دانشمندان شیعه از قرآن در برابر شبههی اقتباس»، مجلة قرآن پژوهشی خاورشناسان، العدد 23، 1369ه-.ش.

204. صرفي، زهرا: «نقد دیدگاه لوگزنبرگ درباره سریانی بودن خط قرآن در نگارش نخستین»، ادب عربي، العدد (1)، 1395ه-.ش.

205. كريمي نیا، مرتضی: مسأله تأثير زبانهای آرامی و سریانی در زبان قرآن، لا ط،نشر دانش، 1382ه-.ش.

ص: 193

المصادر والمراجع الإنكليزية :

206.Abbott, Nabia: The rise of the North Arabic script and its Kur'ānic development, Chicago, University of Chicago, 1939.

207.Al-Azami, Muhammad Mustafa: The History Of The Qurani Text, England, UK Islamic Academy, 2003.

208.Al-Ghabban, 'Ali Ibrāhīm: The evolution of the Arabic script in the period of the Prophet Muḥammad and the Orthodox Caliphs in the light of new inscriptions discovered in the Kingdom of Saudi Arabia, In The develop-ment of Arabic as a written language, UK, Oxford, 2010.

209.Al-Ghabban, 'Ali Ibrāhīm: The inscription of Zuhayr, the oldest Islamic inscription (24 AH/AD 644-645), the rise of the Arabic script and the nature of the early Islamic state, (R. Hoyland, tran.), Arabian Archeology and Epigraphy, 19(2),

2008.

210.Al-Ghul, Omar: An Early Arabic Inscription from Petra Carrying Diacritic Marks, Syria, 81, 2004.

211.Ali, Muhammad Mohar: The Qur'an And The Orientalists: An Examination of their Main Theories and Assumptions, Ipswich: Jamiyat Ihyaa Minhaj Al-Sunnah, 2004.

212.Al-Jallad, Ahmad: Pre-Islamic Arabic. In Arabic and contact-induced change, Berlin, Language Science Press, 2020.

213.Baasten, Martin F.J.: A Syriac Reading of the Quran? The

ص: 194

Case of Sūrat al-Kawtar, In Arabic in Context, Leiden, Brill, 2017.

214.Bar Bahlule, Hassano: Lexicon Syriacum, Parisiis, E Reipubli-cae Typographaeo, 1886.

215.Beeston, Alfred Felix Landon: Languages of Pre-Islamic Arabia, Arabica, 2(28), 1981.

216.Bellamy, James: The Arabic Alphabet, In The Origins of Writing, Lincoln London: University of Nebraska, 1991.

217.Birnstiel, Daniel: Illibration or Incarnation? A critical as- sessment of Christoph Luxenberg's alleged Christmas liturgy, Horizonte der Koranexegese und Koranwissenschaften, 2015.

218.Blau, Joshua: The emergence and linguistic background of Judaeo-Arabic: A study of the origins of Neo-Arabic and Middle Arabic (second), Jerusalem, Ben-Zvi Institute, 1981.

219.Böwering, Gerhard: Recent research on the construction of the Qur'an, In The Quran in its Historical Context, USA and Canada, Routledge, 2008.

220.Chowdhury, Saf: Grapes in Heaven: Lüling, Luxenberg and The Ol' Syriac Route, Birkbeck College, 2009.

221.Cooke, George: A Text-book of North-Semitic Inscriptions, Clarendon, Oxford, 1903.

222.Coppieters, Honoré: Apostles, In The Catholic

ص: 195

Encyclopedia, New York, Robert Appleton Company, 1907.

223.Corriente, Federico: On a proposal for a "Syro-Aramaic" reading of the Qur'an, Collectanea Christiana Orientalia, (1), 2003.

224.Costaz, Louis: Dictionnarie Syriaque-Francais (Troisième), Beyrouthm Dar El-Macheq, 2002.

225.De Blois, Francois: Review of Die Syro-aramäische Lesart des Koran by Christoph Luxenberg, Journal of Qur'anic Studies, (5), 2003.

226.Donner, Fred: The Qur'an in recent scholarship: challenges and desiderata, In The Quran in its Historical Context, USA and Canada, Routledge, 2008.

227.Dye, Guillaume: Traces of Bilingualism/Multilingualism in Qur'ānic Arabic, In Arabic in Context, Leiden, Brill, 2017, p. 337, footnote.

228.Fiema, Zbigniew; Al-Jallad, Ahmad; Macdonald, Michael; Nehmé, Laïla: Provincia Arabia: Nabataea, the Emergence of Arabic as a Written Lan-guage, and Graeco-Arabica. In Arabs and Empires before Islam, United King-dom, Oxford, et al, 2015.

229.Grafton, David: The identity and witness of Arab pre- Islamic Arab Christianity: The Arabic language and the Bible, HTS Teologiese Studies, 1(70), 2014.

ص: 196

230.Griffith, Sidney: St. Ephraem the Syrian, the Quran, and the Grapevines of Paradise: An Essay in Comparative Eschatology, In Roads to Par-adise: Eschatology and Concepts of the Hereafter in Islam, Leiden, Brill, 2017.

231.Gross, Markus: Foreword to the English Edition, In Early Islam, A Critical Reconstruction Based on Contemporary Sources, New York, Prometheus Books, 2013.

232.Grüendler, Beatrice: The Development of the Arabic Scripts: from the Nabatean era to the first Islamic century according to dated texts, Georgia, Scholars Press, 1993.

233.Grunebaum, Gustave Edmund: Medieval Islam: A study in cultural orientation (Second), Chicago London, The University of Chicago Press, 1953.

234.Hawting, Gerald: Book Review: Die dunklen Anfänge, Journal of Qur'anic Studies, 8(2), 2006.

235.Henninger, Joseph: Pre-Islamic bedoun religion, In The Arabs and Arabia on the Eve of Islam, London and New York, Routledge, 2017.

236.Heschel, Susannah: German Jewish Scholarship on Islam as a Tool for De-Orientalizing Judaism, New German Critique, 39(3), 2012.

237.Hopkins, Simon: Review of Christoph Luxenberg,

Jerusalem Stud-ies in Arabic and Islam, (28), 2003.

ص: 197

238.Horsten, Piet: Review of Christoph Luxenberg, Islamochristia-na, (28), 2002.

239.Hoyland, Robert: Arabia and the Arabs: from the Bronze Age to the coming of Islam, London and New York, Routledge, 2001.

240.Hoyland, Robert: Epigraphy and the linguistic background to the Qur'an, In The Quran in its Historical Context, USA and Canada: Routledge, 2008.

241.Hoyland, Robert: Language and Identity: The Twin Histories of Arabic and Aramaic, Scripta Classica Israelica, 23, 2004.

242.Ibn Warraq: An Introduction to, and a Bibliography of, Works by and about Christoph Luxenberg, In Christmas in the Koran, Luxenberg, Syriac, and the Near Eastern and Judeo- Christian Background of Islam, New York, Prometheus Books, 2014.

243.Kaufman, Stephen: Aramaic. In The Semitic Languages. London and New York: Routledge, 2005.

244.Khagga, Feroz-ud-Din Shah; Warraich, Mahmood: Revisionism: A Modern Orientalistic Wave in the Qur'ānic Criticism, Al-Qalam, 2015.

245.King, Daniel: A Christian Qur'ān? A Study in the Syriac back-ground to the language of the Qur'an as presented in

ص: 198

the work of Christoph Luxenberg, Journal for Late Antique Religion and Culture, (3), 2009.

246.Koren, Judith; Nevo, Yehuda: Methodological Approaches to Islamic Studies, Der Islam, (68), 1991.

247.Lecker, Michael: Idol Worship in Pre-Islamic Medina (Yathrib), In The Arabs and Arabia on the Eve of Islam, London and New York, Routledge, 2017.

248.Luxenberg, Christoph: Al-Najm (Q 53), Chapter of the Star, A new Syro-Aramaic reading of verses 1 to 18. In New Perspectives on the Qur'an: The Qur'an in Its Historical Context 2, Oxon - New York, Routledge, 2011.

249.Luxenberg, Christoph: No Battle of "Badr." In Christmas in the Koran, Luxenberg, Syriac, and the Near Eastern and Judeo- Christian Background of Islam. New York, Prometheus Books, 2014a.

250.Luxenberg, Christoph: Syriac Liturgy and the "Mysterious Letters" in the Qur'an: A Comparative Liturgical Study. In Christmas in the Koran, Luxenberg, Syriac, and the Near Eastern and Judeo-Christian Background of Islam. New York, Prometheus Books, 2014b.

251.Luxenberg, Christoph: The Syro-Aramaic Reading of the Koran, Berlin, Verlag Hans Schiler, 2007.

252.Maclean, Arthur John: A Dictionary of the Dialects of

ص: 199

Vernacular Syriac, London, Edinburgh and New York, Oxford, 1902.

253. Madelung, Wilferd: Book Review: Arabische Paläographie, Jour-nal of Near Eastern Studies, 34(3), 1975.

254.Madigan, Daniel: Foreword, In The Quran in its Historical Con-text, USA and Canada, Routledge, 2008.

255.Mansour, Kamal: On the Origin of Arabic Script, In Proceedings of Graphemics in the 21st Century, Brest, Fluxus Editions, 2018.

256.Martin, Richard: Islamic Studies: History of the Field, In The Oxford encyclopedia of the modern Islamic world, New York, Oxford University Press, 1995.

257.Miles, George: Early Islamic Inscriptions Near Ta'if in the Ḥijāz, Journal of Near Eastern Studies, 7(4), 1948.

258.Mingana, Alphonse: Syriac Influences On The Style Of The Kur'an. Bulletin of the John Rylands Library, 11, 1927.

259.Mingana, Alphonse: The Transmission of the Quran, The Journal of the Manchester Egyptian and Oriental Soeicty, 5, 1916.

260.Morisson, Toni: The Throne of Solomon in the Islamic World, In The Wandering Throne of Solomon, Objects and Tales of Kingship in the Medieval Mediterranean, Leiden, Brill, 2016.

ص: 200

261. Moritz, Bernhard: Arabic Palaeography: A Collection of Arabic Texts from the First Century of the Hidjra till the Year 1000, Cairo, The Khe-dival Library, 1905.

262.Moscati, Sabation: An Introduction to the Comparative Grammar of the Semitic Languages. Wiesbaden: Otto Harrassowitz, 1980.

263.Motzki, Harald: Alternative accounts of the Qur'an's formation, In The Cambridge Companion to the Qur'an, Cambridge, Cambridge University, 2006.

264.Motzki, Harald: Dating Muslim Traditions: A Survey. Arabica, 2(52), 2005.

265.Moukarzel, Joseph: Maronite Garshuni texts, on their evolution, characteristics, and function, Journal of Syriac Studies, 17.2, 2015.

266. Mousa, Issam: The Arabs in the First Communication Revolution: The Development of the Arabic Script, Canadian Journal of Communication, 26(4), 2001.

267.Naveh, Joseph: The Origin of the Mandaic Script, Bulletin of the American Schools of Oriental Research, 198, 1970.

268.Nehmé, Laïla: A glimpse of the development of the Nabataean script into Arabic based on old and new epigraphic material, In The develop-ment of Arabic as a written language, UK, Oxford, 2010.

ص: 201

269.Neuwirth, Angelika: Qur'an and History: a Disputed Relation-ship Some Reflections on Qur'anic History and History in the Qur'an, Journal of Qur'anic Studies, (5), 2003.

270.Osman, Ghada: Pre-Islamic Arab converts to Christianity in Mecca Medina: An investigation into the Arabic Sources, The Muslim World, (95), 2005.

271.Peters, Francis: Mecca: A literary history of the Muslim holy land. USA: Princeton University Press, 1994.

272.Rabin, Chaim: Ancient West-Arabian, London, Taylor's Foreign Press, 1951.

273.Revell, E.J: The diacritical dots and the development of the Ar-abic alphabet, Journal of Semitic Studies, 20(2), 1975.

274.Rippin, Andrew: The role of the study of Islam at the university: A Canadian perspective. In The Teaching and Study of Islam in Western Universities. Oxon - New York, Routledge, 2014.

275.Rodinson, Maxime: A Critical Survey of Modern Studies on Muham-mad, In Studies on Islam, New York, Oxford University Press, 1981.

276.Rubin, Aaron: A Brief Introduction to the Semitic Languages. USA, Gorgias Press, 2010.

277.Said, Edward: Orientalism, London, Penguin, 1977.

ص: 202

278.Schöller, Marco: Post-Enlightenment Academic Study of the Quran. In Encyclopaedia of the Quran, Leiden-Boston, Brill, 2004.

279.Smith, J. Payne: A Compendious Syriac Dictionary-Found upon the Thesaurus Syriacus of R. Payne Smith, London, University of Oxford, 1903.

280.Smith, R. Payne: Thesaurus Syriacus, Londini,Typographeo Clarendoniano, 1895.

281.Steenbrink, Karel: New Orientalist Suggestions on the Origins of Islam, The Journal of Rotterdam Islamic and Social Siences, 1(1), 2010.

282.Stewart, Devin: Notes on medieval and modern

emendations of the Qur'an, In The Quran in its Historical

Context, USA and Canada, Routledge, 2008.

283.Stillman, Norman: The story of Cian and Abel in the Qur'an and the Muslim commentators: Some observations, Journal of Semitic Studies, 19(2), 1974.

284.Trimingham, Spencer: Christianity Among the Arabs in Pre-Islamic Times. London and New York: Longman, 1979.

285.Wild, Stefan: Lost in Philology? The Virgins of Paradise and the Luxenberg Hypothesis, In The Qur'an in Context, Leiden, Brill, 2010.

ص: 203

المصادر والمراجع الألمانية:

286.Fraenkel, Siegmund: Die Aramäischen Fremdwörter im Arabischen, Leiden, Brill, 1886.

287.Lidzbarski, Mark: Handbuch Handbuch der nordsemitischen Epigraphik, Nebst Ausgewählten Inschriften, Leipzig, Weimar, 1898.

288.Luxenberg, Christoph: Neudeutung der arabischen Inschrift im Felsendom zu Jerusalem. In Die dunklen Anfänge, Neue Forschungen zur Entstehung und frühen Geschichte des Islam, Berlin, Verlag Hans Schiler, 2007a.

289.Luxenberg, Christoph: Relikte Syro-aramäische

Buchstaben in frühen Korankodizes im hijazi- und kufi-Duktus. In Der frühe Islam, Eine historisch-kritische Rekonstruktion anhand zeitgenössischer Quellen, Berlin, Verlag Hans Schiler, 2007b.

290.Nöldeke, Theodor: Die semitischen Sprachen (Zweite), Strassburg, Leipzig, 1899.

ص: 204

هذا الكتاب

تتناول هذه الدراسة بالتحليل والنقد كتاب "القراءة السريانية-الآرامية للقرآن" للمستشرق الألماني كريستوف لكسنبرغ الذي بذل فيه مساعيه - كما يدعي- في تقديم رؤية حديثة في لغة القرآن الكريم وطريقة فهمها. يتمحور الكتاب حول إثبات أن لغة القرآن الكريم ليست عربيَّةً محضة، بل فيه مفردات من اللغة السريانية تسببت في صعوبة فهمه لدى المسلمين، إلى جانب الأخطاء التي ارتكبها الكتاب والتي أدت إلى عدم التماسك والاتّساق في نصوصه الشريفة. ورأيه هذا ناجم عن الاعتقاد بأصل سرياني للقرآن، وهو رأي لا يخلو من التعشف والتسرع، وفيه تخاض عن حقائق جمة؛ فإنَّ بيانات علم الآثار وتصريحات علماء الساميات تعارض التاريخ الذي صنعه لكسنبرغ لمكة وأهلها، وكذلك التراث الروائي الإسلامي والشعر والأدب الجاهلي زاخر بالشواهد المتعدّدة التي ترفض دعاويه بشأن مفردات القرآن. هذا، مضافًا إلى استخدامه الخاطئ للمنهج الفيلولوجي الذي وظفه بشكل منحاز في إثبات نظريته، فضلًا عن السياق القرآني الذي لا يتناسب مع ما ادعاه.

المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية

http://www.iicss.iq

islamic.css@gmail.com

ص: 205

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.