اللّوامع التوحیدیّة فی الولایة التکوینیّة

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:پیماني السدهي، عبدالرسول، 1349-

عنوان و نام پديدآور:اللوامع التوحیدیه فی الولایه التکوینیه/مؤلف عبدالرسول پيماني السدهي.

تفاصيل النشر:اصفهان: آیینه هستی، 1402.

مواصفات المظهر:110ص.

شابک:450000ریال:978-622-7607-77-2

حالة الاستماع:فیپا

لسان:العربية.

ملحوظة:ببليوغرافيا مع ترجمة.

موضوع:ولایت تکوینی

*Guardianship of genesis

ولایت تکوینی -- جنبه های قرآنی

*Guardianship of genesis -- Qur'anic teaching

ولایت تکوینی -- احادیث

*Guardianship of genesis -- Hadiths

واسطه های فیض

*Means of grace

واسطه های فیض -- جنبه های قرآنی

‪*Means of grace -- Qur'anic teaching

واسطه های فیض -- احادیث

*Means of grace -- Hadiths

وحدت وجود (فلسفه اسلامی)

*Pantheism (Islamic philosophy)

تصنيف الكونجرس:BP223/5

تصنيف ديوي:297/45

رقم الببليوغرافيا الوطنية:9394346

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

اللّوامع التوحیدیّة فی الولایة التکوینیّة

عبدالرسول پيماني السدهي

ص: 3

السلام علیك

یا اباالحسن یا علی بن موسی الرّضا المرتضیٰ

حجّة اللّه علی من فوق الأرض

و من تحت الثّریٰ و رحمة اللّه و برکاته

ص: 4

الفهرس

المقدّمة الاولی: فی اصالة الوجود تحقّقاً و اصالة الماهیّة جعلاً................................... 8

المقدّمة الثانیة: فی وحدة الوجود و کثرة الموجود.................................................... 13

المقدمة الثالثة: تقریرات أربعة لوحدة الوجود و بیان المفاسد الشنیعة اللازمة للصوفیّة فی قولهم بالوحدة الشخصیّة 22

المقدّمة الرابعة: فی مراتب الوجود الثلاثة.............................................................. 27

المقدّمة الخامسة: في العوالم الأربعة................................................................... 28

المقدّمة السادسة: الاضافة الاشراقیّة..................................................................... 28

المقدّمة السابعة: الفیض الاقدس والفیض المقدّس................................................. 29

المقدّمة الثامنة: هل الواجب من قبیل لابشرط أو من قبیل بشرط لا؟.............................. 30

المقدّمة التاسعة: شبهات أربعة و الجواب عنها....................................................... 32

المقدّمة العاشرة: الفوارق العشرة بین قول الصّوفیّة بالوحدة الشخصیّة و قول صدر المتألّهین بالوحدة العلّیة 33

الباب الأوّل: تعریف الولایة و أقسامها................................................................... 37

الباب الثانی: فی بیان الآیات الدالّة علی الولایة التکوینیّة............................................ 39

الباب الثالث: فی بیان الرّوایات الدالّة علی أنّ محمّداً و أهل بیته صلوات الله علیها أفضل الخلائق.......... 48

ص: 5

الباب الرابع: فی بیان الرّوایات الدالّة علی أنَّ محمّداً و أهل بیته (صلوات الله علیهم) عالمون بالغیب............ 57

الباب الخامس: فی بیان الآیات و الرّوایات الدالّة علی سریان النور المحمّدیّ و العلویّ فی العوالم 76

الباب السّادس: فی کیفیّة صدور الکثیر من الواحد................................................... 84

الباب السّابع: فی أنّ الاسم الأعظم و الأسماء الحسنی یظهر فی کلّ عالم متناسباً له......... 86

الباب الثّامن: فی الآیات الدالّة علی کثرة الموجود.................................................... 88

خاتمة: فی بیان حقیقة الشجرة الخبیثة.................................................................. 93

ص: 6

بسم اللّه الرحمن الرحیم

الحمدللّه الّذی له الصفات العلیا و الأسماء الحسنی و الصّلاة و السّلام علی من دنیٰ فتدلّیٰ فکان قاب قوسین أو أدنیٰ دنوّاً و اقتراباً من العلّی الأعلیٰ و علی آله الشّجرة الطیّبة الّتي أصلها ثابت و فرعها فی السّماء و اللعن علی أعدائهم الشجرة الخبیثة ما دامت الأرض و السّماء.

امّا بعد فهذه وجیزة فی الولایة التکوینیّة و الوساطة فی الفیوضات الرّبانیّة حسبما یستفاد من الادلّة العقلیّة و النقلیّة و سمّیتها «اللوامع التوحیدیّة في الولاية التكوينيّة».

فاقول: الولایة التکوینیّة هی احاطة أفضل الخلائق أجمعین المبعوث رحمةً للعالمین أعنی سیّدنا و نبیّنا محمّداً و أهل بیته الطیّبین الطاهرین صلوات اللّه علیهم أجمعین علی سائر الخلائق من الأنبیاء و المرسلین و الملائکة المقرّبین و سائر المخلوقین من الانس و الجنّ و السّماوات و الأرضین كما قال الامام الخمينيّ و هو من الحكماء الرّاسخين و العرفاء الشّامخين: «هيولی عالم الإمكان مسخّرة تحت يدي الوليّ يقلّبها كيف يشاء»(1).

و الوساطة فی الفیض هی أنّ هؤلاء الأولیاء الکاملین صلوات اللّه علیهم أجمعین هم مجری فیض ربّ العالمین و انّه لا یمکن جریان الفیض الإلهی و سریان النور الربوبیّ علی أحد من الخلائق إلاّ من هذا المجری فاللّه الواحد الأحد وحدة حقّة حقیقیّة ذاتاً و صفةً و فعلاً لایجری فیضه و لایفیض نوره فی السّماوات و الأرضین إلاّ من هذا المجریٰ، فهؤلآء المحیطون بإذن اللّه الّذي هو أکبر من أن یوصف علی سائر الخلائق هم الوسائط فی الفیض کما قال الإمام الخمینی: «العالم بجمیع أجزائه و جزئیّاته من القوی العلّامة و العمّالة للولیّ الکامل»(2)

و لابدّ قبل الخوض فی المقصود من تمهید مقدّمات فلسفیّة.

ص: 7


1- . مصباح الهداية، ص 53
2- . مصباح الهدایة، ص 77

المقدّمة الاولی: فی اصالة الوجود تحقّقاً و اصالة الماهیّة جعلاً

اختلفوا فی أنّ الأصیل أعنی منشأ الآثار هل هو الوجود أو الماهیّة، فذهب شیخ الاشراقییّن و من تبعه من المتأخّرین الی أنّ الأصیل هی الماهیّة و الوجود اعتباریّ، و قال صدر المتألّهین و أکثر من أتی بعده من المحقّقین أنّ الاصیل هو الوجود و الماهیّة اعتباریّة، و فصّل المحقّق الدوانی فقال باصالة الوجود فی الواجب و اصالة الماهیّة فی الممکنات و هذا التفصیل لعلّه رأی کلّ من قال باصالة الماهیّة کما نسبها صدر المتألّهین الی جمهور المتأخّرین(1).

توضیحه: انّه لا خلاف بین الحکماء فی أنّ الماهیّة قبل جعلها أی قبل عروض الوجود علیها اعتبار محض، فلایمکن أن تکون منشأ للآثار کما لا خلاف فی أنّ الوجود بمعناه المصدریّ أعنی المفهوم العامّ الّذی یسمّی بالکون «بودن» انتزاعیّ أی ینتزع من الماهیّات المجعولة الموجودة و انّما الخلاف فی الماهیّات الموجودة هل هی أصیلة بمعنی أنّ الآثار تنشأ منها أم هی اعتباریّة و الأصیل هو الوجود فالآثار تنشأ منه، فذهب صدرالمتألّهین الی أنّ العقل یحلّل الماهیّة الموجودة الی وجود و هو الأصیل و الی ماهیّة و هی محض الاعتبار.

و قال شیخ الاشراقییّن و من تبعه من المتأخّرین: أنّ الماهیّة الموجودة أصیلة و الوجود انتزاعیّ فیحتمل أن یریدوا بالوجود المفهوم العامّ المصدریّ الّذی یسمّی فی الفارسیّة «بودن» کما احتمله صدر المتألّهین(2)،بل کلام العلّامة قطب الدین الشیرازی کالصّریح فی هذا المعنی، قال: الوجود انتساب الماهیّة الی الخارج أو الی الذهن بلفظة «فی»(3) و هذا عبارة اخری عن کونها فیه و هو المفهوم العامّ المصدری الّذی هو انتزاعیّ لأنّ حقیقة الوجود

ص: 8


1- . الاسفار ج 1 ص 94
2- . الاسفار ج 1 ص 388
3- . شرح حکمة الاشراق ج 2 ص 298

الّذی یسمّی فی الفارسیّة «هستی» لایمکن أن یکون انتراعیّاً کما نقل عن سیِّد المدقّقین فی حواشیه علی شرح التجرید أنّ الوجود لیس إلاّ المفهوم العامّ(1) فلذا قال باعتباریّة الوجود و تصلّب فیه و لأنّ القائلین باصالة الماهیّة قبل صدر المتألّهین انّما طرحوا المسألة فی مبحث العلّة و المعلول فمرادهم بأنّ الماهیّة أصیلة اصالتها جعلاً و لم یطرحوا المسألة فی مبحث الوجود و الماهیّة حتّی یکون مرادهم بأصالتها أنّها أصیلة تحقّقاً و لهذا اکّدوا علی أنّ الاصیل هی الماهیّة الموجودة یعنون أنّ الماهیّة بعد أن تعلّق بها الجعل فصارت موجودة تنشأ منها الآثار فیمکنهم القول باصالة الماهیّة جعلاً و اصالة الوجود تحقّقاً.

و هذا التفصیل یظهر من السیّد المحقّق الدامّاد فی شرح الدعاء الثانی عشر من الصحیفة السجادیة عند شرح قوله (صلوات الله علیه): «اذ جمیع احسانك تفضّل و اذ کلّ نعمك ابتداء» قال: فکما أنّ النّعم و المواهب فیوض جودك و رحمتك فکذلك الاستحقاقات و الاستعدادات المترتّبة فی سلسلة الاسباب و المسبّبات مستندة جمیعاً إلیك و فائضة بأسرها من تلقاء فیّاضیّتك، انتهی(2).

فأنّ قوله «النعم و المواهب فیوض جودك و رحمتك» ظاهر فی أنّ الآثار تنشأ من الرَّحمة الواسعة أعنی الوجود المطلق الّذی هو الصادر الأوّل عن العلّة الاولی فالوجود المطلق الّذی هو ظلّ الحقّ تعالی و تقدّس هو المنشأ للآثار و هی الوجودات المقیّدة.

و قوله «الاستحقاقات ... فائضة الخ» صریحة فی مجعولیة الماهیّة إلّا أن يحمل كلامه علی مجعوليّة الوجود أوّلاً و بالذّات و مجعوليّة الماهيّة ثانياً و بالعرض حتّی يوافق رأي تلميذه صدر المتألّهين لكنّه خلاف ما هو المعروف عنه من اصالة الماهيّة و هذا التفصیل أعنی اصالة الوجود تحقّقاً و أصالة الماهیّة جعلاً هو الّذی اختاره صریحاً بعض الأکابر(3)،

ص: 9


1- . مجموعه مصنفات حکیم مؤسس ج 3 ص 231
2- . لوامع الانوار العرشیة ج3 ص 8
3- . شرح المشاعر ص 175

فعلی هذا یرتفع النزاع من البین و یقع التّصالح بین الطرفین و یزیدك وضوحاً ما نقله الحکیم المتألّه النراقی فی رسالة أفردها فی الوجود سمّاها «قرّة العیون» ما هذا لفظه: «و قد صرّح بعض من قال بمجعولیّة الماهیّة بانّا نقول انّ الوجود الّذی هو أمر اعتباریّ لیس مجعولاً بالذّات بل المجعول بالذّات ما هو منشأ انتزاع هذا المفهوم فالقائل بمجعولیّة الوجود إن کان غرضه الوجود الاعتباریّ فهو ظاهر البطلان و إن کان غرضه من ما هو حقیقة عینیّة هی منشأ انتزاع هذا المفهوم العامّ فلا نزاع له بل یصیر النزاع حینئذٍ لفظیّاً لأنّا سمّینا هذه الحقیقة بالماهیّة و هو سمّاها بالوجود»(1).

فان قلت: المراد بمجعولیّة الماهیّة عند من یقول بها هو انّ الماهیّة صادرة عن الفاعل و فائضة من العلّة نظیر المفعول المطلق فأنّه الصادر عن الفاعل کما هو صریح ما نقله صدر المتألّهین فی اواخر الفصل الثالث من المرحلة الثالثة من الاسفار عن بعض العرفاء أنّه قال: «انّ کلّ معلول فهو مرکّب من جهتین: جهة بها یشابه الفاعل و یحاکیه و جهة بها یباینه و ینافیه.... و الجهة الأولی النورانیّة یسمّی وجوداً و الجهة الآخری الظلمانیّة هی المسمّاة ماهیّة و هی غیر صادرة عن الفاعل.... فثبت قول من قال الماهیّة غیر مجعولة و لا فائِضة من العلّة...» الخ(2).

قلت: قال المحقّق الداماد و هو من المتصلّبین فی مجعولیّة الماهیّة : و هی حینئذٍ اللیس البسیط یخرجها مبدعها الی عالم التقرّرو الایس بجعل بسیط یتبعها علی اللزوم الوجود بلا توسّط جعل مؤلّف(3) و هذا صریح فی أنّ المراد بمجعولیة الماهیّة انّها متعلّق الجعل نظیر المفعول به فأنّه الّذی وقع علیه فعل الفاعل و أصرح منه ما قاله القیصریّ فی مقدّمات شرحه علی الفصوص قال : «الجعل انّما یتعلق بها «الأعیان الثابتة« بالنسبة الی

ص: 10


1- . منتخباتی از آثار حکما ج4 ص 474
2- . الاسفار ج1 ص 396
3- . الشواهد الربوبیة ج 1 ص 74

الخارج و لیس جعلها إلاّ ایجادها فی الخارج لا أنّ الماهیّة جعلت ماهیّة فیه... و حینئذٍ یرجع النزاع لفظیاً» انتهی(1).

توضیحه: أنّ من قال بأنّ الاعیان الثابتة غیر مجعولة أراد انّها من حیث کونها صوراً علمیّة لاتوصف بانّها مجعولة و من قال أنّها مجعولة أراد أنّها إذا اوجدها مبدعها فی الخارج فهی مجعولة فالصادر عن اللّه تعالی هو الوجود و متعلّق هذا الوجود هی الأعیان الثابتة أعنی الماهیّات الممکنة، فمن قال باصالة الوجود أراد بها صدوره و من قال باصالة الماهیّة أراد بها ایجادها و تعلّق الوجود بها کما قال نصیر الحقّ و الملّة و الدین: «الأمر الصادر عن الأوّل و هو المسمّی بالوجود فقال قطب الدین الرازی فی شرحه: لمّا کان المذهب المنسوب الی القوم انّ المهّیة لیست مجعولة بل المجعول الوجود فالوجود هو الصادر بالحقیقة و أمّا الماهیّة فتحقّقها فی الخارج بواسطة الوجود فهی مفعولة بالعرض و المفعول الحقیقیّ هو الوجود فاذا صدر عن المبدأ شيء فذلك الشيء له هویّة أی ماهیّة لکنّ الصادر عنه هو الوجود بناءً علی أنّ الماهیّة غیر مجعولة و هو مغایر للماهیّة» انتهی(2).

اقول: هذان الکلامان صریحان فی أنّ المراد باصالة الوجود جعلاً هی اصالة صدوره و أنّ المراد بالمجعول هو الصادر و أنّ الصادر نظیر المفعول المطلق فالحاصل أنّه إن کان المراد بالمجعول هو الفائض من الفاعل و الصادر عن العلّة فلاریب فی أنّ المجعول هو الوجود لأنّه لایصدر من الوجود إلاّ الوجود و إن کان المراد بالمجعول ما هو متعلّق الجعل فلا شكّ أنّه لایتعلّق الجعل و الایجاد إلاّ بالأعیان الثابتة و الماهیّات الإمکانیّة فیمکن الجمع بین القولین بأنّ القائل بمجعولیّة الماهیّة یرید أنّها متعلّق الجعل و القائل بمجعولیّة الوجود یرید أنّه الصادر عن العلّة و الفائض من الفاعل.

ص: 11


1- . شرح الفصوص ص 65
2- . شرح الاشارات ج3 ص 245

و إن شئت قلت: الماهیّات مجعولة بذواتها و استعداداتها فی الحضرة العلمیّة أی ظهور الأعیان الثابتة ظهوراً علمیّاً بالفیض الأقدس و وجود تلك الأعیان فی العین أی ایجادها فی الخارج مجعول بالفیض المقدّس فالماهیّات مجعولة فی العلم و الوجود مجعول فی العین فارتفع النزاع من البین کما حکی عن کمال الدین اللاری فی شرح الزوراء(1) هذا کلّه بناء علی ما تقتضیه الحکمة النظریّة المتعالیة و أمّا بناء علی ما یقتضیه الذّوق العرفانیّ فالجعل لایتعلّق بالوجود لا فی الحضرة العلمیّة و لا فی العین الخارجیّة کما قال الإمام الخمینیّ : «لیس الجعل علی طریقة أهل اللّه متعلّقاً بالوجود فأنّ الوجود هو الحقّ بل الجعل متعلّق بالماهیّة و لا فرق بینهما فی الحضرة العلمیّة و غیرها و لایختصّ بالخارج» انتهی(2).

فالمتحصِّل انّه لامحیص عن القول باصالة الوجود تحقّقاً و أمّا اصالة الجعل فان کان المراد بالمجعول هو الصادر عن العلّة فالوجود هو الأصیل جعلاً و إن کان المراد بالمجعول هو متعلّق الجعل، فالماهیّة هی الأصیلة جعلاً و لمّا کان الواجب تعالی و تقدّس لا ماهیّة له فانّ الحقّ ماهیّته انّیتّه فلا محیص للقائلین باصالة الماهیّة عن التفصیل المنسوب الی المحقّق الدوانی أعنی اصالة الوجود فی الواجب و اصالة الماهیّة فی الممکنات.

فان قلت: بل المجرّدات أیضاً لا ماهیّة لها کما صرّح شیخ الاشراقییّن بأنّ النفس و ما فوقها من المفارقات انّیات بحتة بحیث نسبه صدر المتألّهین الی التناقض فی الکلام(3) و قیل بل استبصر و قال باصالة الوجود(4).

قلت: الماهیّة لها اصطلاحان، الأوّل هو الحدّ الفقدانی و الماهیّة بهذا الاصطلاح منفیّ عن المجرّدات و الثانی هو الحدّ الوجودی فکلّ الموجودات المقیّدة من العقل و النفس و

ص: 12


1- . شرح الفصوص ص 71
2- . شرح الفصوص ص 160
3- . الاسفار ج 1ص 68
4- . تعالیق شرح المنظومة ج2 ص 7-66

الجسم و الجوهر و العرض محدودة و لها ماهیّة بهذا المعنی.

و ان شئت قلت: المجرّدات من العقل و النفس کلّها الوجود و لکن لیس بکلّ الوجود و لکنّ الحقّ تعالی و تقدّس کلّ الوجود و کلّه الوجود(1) علی نحو الحقّ الحقیقیّ و أمّا الوجود المطلق فکلّه الوجود و کلّ الوجود علی نحو الحقّ الظلّی لأنّه الصادر الأوّل عن العلّة الاولی(2) و لا یصدر من الواحد إلاّ الواحد فالوجود المطلق عین الإضافة الاشراقیّة الی الوجود الحقّ، فقد ظهر أنّ الجمع بین هذین القولین من شیخ الاشراقییّن أعنی قوله باصالة الماهیّة و قوله بأنّ النفس و ما فوقها من المفارقات انیّات بحتة هو انّه یقول باصالة الماهیّة جعلاً و اصالة الوجود تحقّقاً و لمّا لا معنی للمجعولیّة فی الواجب تعالی و تقدّس و لایتفوّه به عاقل فضلاً عن فاضل فضلاً عمّن هو متألّه فلامحیص عن أن نقول کلّ من هو قائل باصالة الماهیّة جعلاً لا تحقّقاً یقول باصالة الماهیّة فی الممکنات و اصالة الوجود فی الواجب إلاّ أنّ المحقّق الدوانی صرّح بهذا التفصیل و الباقون لم یصرّحوا به لوضوحه و لهذا نسب هذا التفصیل فی موضع من الاسفار(3) الی جمهور المتأخّرین یعنی التابعین لشیخ الاشراقییّن.

المقدّمة الثانیة: فی وحدة الوجود و کثرة الموجود

القائلون بالتوحید حسبما أفاده المحقّق السبزواری فی حاشیة الاسفار طوائف اربعة. قال: القائل بالتوحید إمّا یقول بکثرة الوجود و الموجود جمیعاً مع التکلّم بکلمة التوحید لساناً و اعتقاداً بها إجمالاً و أکثر النّاس فی هذا المقام، و إمّا أن یقول بوحدة الوجود و الموجود جمیعاً و هو مذهب بعض الصوفیّة، و إمّا أن یقول بوحدة الوجود و کثرة الموجود و هو المنسوب الی أذواق المتألّهین و عکسه باطل، و إمّا أن یقول بوحدة الوجود و الموجود جمیعاً فی عین

ص: 13


1- . شرح المنظومة ج2 ص 67
2- . الشواهد الربوبیة ج1 ص70
3- . الاسفار ج 1ص94

کثرتهما و هو مذهب المصنّف (قدس سره) و العرفاء الشّامخین و الاوّل توحید عامّی و الثالث توحید خاصّی و الثّانی توحید خاصّ الخاصّ و الرّابع توحید اخصّ الخواصّ (1) انتهی.

اقول: القول الثالث أعنی وحدة الوجود و کثرة الموجود الّذی اختاره المحقّق الدوانی و نسبه الی أذواق المتألّهین و استحسنه أکثر الأنام ممّن اتی بعده(2) و اکبّ علیه أکثر الناظرین و تلقّوه بالقبول و التحسین(3) بل اختاره بعض من تقدّم علی الدوانی و هو الشریف الجرجانی ناسباً له الی بعض المحقّقین من مشایخ الصوفیّة(4) هذا القول هو الحقّ و یمکن الجمع بینه و بین ما اختاره صدر المتألّهین.

توضیحه أنّ القول المنسوب الی أذواق المتألّهین قرّر بوجوه:

الأوّل: تقریر صدر المتألّهین و هو انّ الوجود الحقیقیّ شخص واحد و هو ذات الباری تعالی و الماهیّات أمور حقیقیّة موجودیّتها عبارة عن انتسابها الی الوجود الواجبیّ و ارتباطها به تعالی فالوجود واحد شخصیّ عندهم و الموجود کلّیّ له أفراد متعدّدة و هی الموجودات ثمّ ردّ علیه ردّاً عنیفاً(5).

الثانی: تقریر بعض المحقّقین فی تعالیقه علی شرح المنظومة قال : و جملة القول انّ التوحید عند ذوق التألّه هو انّ الوجود الصمدیّ مطلق بالاطلاق السعیّ الوجودیّ و ما سواه حصص ذلك الوجود الصمدیّ أی جداول مرتبطة و منتسبة ببحر الوجود الصمدیّ مثلاً ارتباطاً نوریّاً و انتساباً غیر مقولیّ بمعنی انّ ما سواه اضافة اشراقیّة الیه تعالی شأنه الخ(6).

ص: 14


1- . الاسفار ج 1ص92
2- . الاسفار ج 6 ص 61
3- . الاسفار ج 6 ص 68
4- . شوارق الالهام ج1 ص465
5- . الاسفار ج 1 ص 93 و ج 6 ص 68-57
6- . شرح المنظومة ج 2 ص 117

اقول: شتّان ما بین التقریرین فإنّ التقریر الأوّل ظاهر فی أنّ الموجودات الممکنة مضافة الی الوجود الحقّ تعالی و تقدّس اضافة مقولیّة کما صرّح به المحقّق السبزواری فی حواشیه علی الاسفار قال: «انّ النسبة لیست اضافة اشراقیّة و إلاّ کانت وجوداً وراء المنسوب إلیه و هم لایقولون به فهی نسبة مقولیّة فرع وجود الطرفین» الخ(1). و لکنّ التقریر الثانی صریح فی أنّ الموجودات الممکنة مضافة الی الوجود الحقّ تعالی و تقدّس اضافة اشراقیّة و التقریر الأوّل مبتن علی أنّ المحقّق الدوانی قائل باصالة الماهیّة جعلاً و تحقّقاً لکنّا قلنا بأنّه لایقول إلاّ باصالتها جعلاً و الشاهد هو الّذی نقله عنه صدر المتألّهین و هذا نصّه: «انّ الأمر الّذی هو مبدأ انتزاع المحمول «الوجود بمعناه العامّ المصدریّ » فی الممکن ذاته من حیثیّة مکتسبة من الفاعل و فی الواجب ذاته بذاته» الخ(2). فانّ قوله من حیثیّة مکتسبة من الفاعل کالصّریح فی أنّ مراده بالانتساب الی الوجود هی الاضافة الاشراقیّة الّتی هی من سنخ الوجود لا المقولیة الّتی هی من سنخ الماهیّة و لا یمکنه هذا القول ما لم یکن قائلاً باصالة الوجود تحقّقاً و أمّا التقریر الثانی فصریح فی أنّ المحقّق الدوانی ذهب الی الوحدة الشخصیّة بتقریر ذکره المحقّقون من الصوفیّة و لا یهمّنا التعرّض له، فهذان التقریران تفسیران لکلام المحقّق الدوانی في جانبي الإفراط و التّفریط.

الثالث: تقریر بعض العرفاء الشّامخین من انّ الّذی نسبه المحقّق الدوانی الی أذواق المتألّهین هو التشکیك، قال ما هذا نصّه:

«بدان که ذوق المتألّهین چنانست که وحدت را حقیقی و کثرت را اعتبار می دانند و تحقّق جمیع عوالم غیر متناهیه و حقائق جمیع اشیاء را من البدء الی الختم حتی الأسماء و الصفات بما هی أسماء و صفات به اعتبارات و لحاظات دانند و فاعل اعتبار و لحاظ حضرت حقّ است جلّ و علا یا وسائط فیض او است بالاعتبار که فی الحقیقة یرجع الیه

ص: 15


1- . الاسفار ج 1 ص 93
2- . الاسفار ج 1 ص 385

جّل و علا که تعبیر از او به تجلیّات و ظهورات او سبحانه می شود به اعتبار قیام آن به حضرت او سبحانه که قیّوم و مصدر جمیع اشیاء است و تعبیر باضافة اشراقیّة باعتبارها فی نفسها و بوجودات خاصّة اشیاء تعبیر می شود باعتبار اضافته بالاشیاء و ملحوظ و منشأ صدور و تعیّنات ، اسماء و صفات و شئونات او است که محدود می شوند به همین لحاظ که تعبیر می شود از آنها به اشیاء به اعتبار تعلّق لحاظ و مشیّت به آنها فالحقّ حقّ و الخلق خلق اینست کیفیّت خلق اشیاء و لکنّ الخالق هو اللّه فافهم إن کنت من أهله و این است معنی «أنّ اللّهَ خَلَقَ الْأشیاءَ بِالْمَشِیَّةِ وَ خَلَقَ الْمَشِیَّةَ بِنَفْسِها ....» و از این جهت است که گفته اند بسیط الحقیقة کلّ الأشیاء و لیس بشيءٍ منها و گفته اند دارای ما دون است به نحو اعلی و اشرف نه به نحو وجود ما دون که محدود بوده باشد و اشتمال القویّ علی الضعیف نیز به همین نحو است لااشتماله علیه بحدّه و الاّ فالقویّ و الضعیف متباینان و المشکّک جنس تحته أنواع و الاختلاف بینها بالذات لا نوع تحته أفراد متّحدة بالذات و منشأ این توهم آن است که چون ما به الامتیاز عین ما به الاشتراک است توهّم اندماج ضعیف فی القوی شده است، الی آخر ما افاده «رفع اللّه تعالی فی الخلد اعلامه».(1)

و قد أشار فی هذه العبارة الی نکات لطیفة:

منها قوله: «وحدت را حقیقی و کثرت را اعتباری دانند»، اقول: مراده من الاعتباریّ لیس هو الاعتباریّ الّذی هو مقابل الأصیل بل مراده الاعتباریّ الّذی هو مقابل الوجود المنحاز المستقلّ فانّ العوالم کلّها من العقل الأوّل الی الهیولی الاولی کلّها موجودات غیر مستقلّة.

و منها قوله: «تعبیر به اضافه اشراقیّه می شود باعتبارها فی نفسها»، اقول: کلامه هذا صریح فی انّ مراد المحقّق الدوانی من انّ الماهیّات المجعولة منتسبة الی الوجود هی الاضافة الاشراقیّة.

ص: 16


1- . توحید علمی و عینی، ص 57

و منها قوله: «و به وجودات خاصّه اشیاء تعبیر می شود باعتبار اضافته بالأشیاء»، اقول: هذا الکلام کالصّریح فی انّ الوحدة و الکثرة کلتاهما حقیقیّتان کما هو رأی صدر المتألّهین خلافاً لجماعة من الصوفیّة فأنّهم یصرّحون بانّ الوحدة حقیقیّة و الکثرة اعتباریّة و یقولون بأنّ العالم(1) کلّه خیال فی خیال أو مجاز فی المجاز یریدون انّ العالم کلّها ماهیات اعتباریّة(2) و کثرتها اعتبار فی اعتبار.

و منها قوله فالحقّ حقّ و الخلق خلق اشاره الی المفاسد الشنیعة الّتی هی لوازم القول الوحدة الشخصیه الّتی ذهبت الیها جماعة من الصوفیة کما ستأتی.

و منها قوله فالقویّ و الضعیف متباینان و المشکّک جنس تحته أنواع و الاختلاف بینها بالذات الخ أشار بکلامه هذا الی تأویل ما نسب الی المشّائین من تباین الوجودات بارجاعه الی ما ذهب الیه الاشراقیّون من التشکیک الخاصّی فی الوجود بأنّ الوجود جنس تحته أنواع مختلفة بالذّات من الحقّ و المطلق و المقیّد و هذه الأنواع هی المراتب التشکیکیّة فوقع التّصالح بین الطرفین کما انّ الفیّاض اللّاهیجیّ حاول الجمع بین الاقوال بما حاصله ارجاع ما نسب الی المشّائین من تباین الوجودات الی مذهب العرفاء الشّامخین أعنی وحدة الوجود لأنّ الوجود واحد أوّلاًو بالذّات و یصیر متکثّراً ثانیاً و بالعرض أی بعرض الماهیّات المتکثّرة ثمّ الجمع بین قول الحکماء المتألّهین بالتشکیک فی المظاهر و بین قول العرفاء الشّامخین بالتشکیک فی الظهورات بأنّ الظهورات مقولة بالتشکیک بحسب المظاهر و هذا هو بعینه قول المشّائین بالتشکیک فی الوجود بحسب القوابل فأنّهم لم ینکروا التشکیک مطلقاً.

و الحاصل انّ العرفاء الشامخین فی قولهم بوحدة الوجود أوّلاًو بالذّات لم ینکروا تکثّرها ثانیاً و بعرض الماهیّات کما أنّ المشّائین فی قولهم بتباین الوجودات أی تکثّرها بکثرة

ص: 17


1- . الاسفار، ج 2، ص 283
2- . تمهید القواعد، ص 191

الماهیّات أی المراتب الّتی هی أنواع جنس الوجود لم ینکروا التشکیک فتباین الوجودات المنسوب الی المشّائین لاینافی التشکیک الّذی هو مذهب الاشراقییّن لأنّ مرادهم بمراتب الوجود هی أنواع الجنس لا أفراد النوع هذا هو حاصل مرامه بتوضیح منّا فراجع(1) و لکنّ الوحدة الشخصیّة الّتی ذهبت الیها جماعة من الصوفیّة لایمکن توجیها بوجه کما اعترف به الفیّاض فی موضع آخر(2).

و أمّا ما أفاده صدر المتألّهین من أنّ حقائق الفصول هی الوجودات الخاصّة(3) فلیس مراده انّ الوجود نوع تحته أفراد متّحدة لأنّ هذا الکلام ناظر الی التحصیل الوجودیّ و ما قاله الحکما من انّ حقائق الاجناس هی الفصول الاخیرة ناظر الی التقویم الماهویّ(4) فاختلاف المراتب النوریّة من الحقّ و المطلق و المقیّد من قبیل اختلاف أنواع الجنس الواحد ناظر الی اختلاف المراتب الوجودیّة و امّا اختلاف الوجودات المقیّدة من العقل و النفس و الجسم ثمّ اختلاف انواع الجسم من الحجر و الشجر اختلاف ماهویّ فهذه الأنواع المختلفة ماهیّة المتقوّمة بفصولها الأخیرة اذا وجدت فی الخارج صارت متشخّصة فلم تتحصّل الاّ بوجوداتها الخاصّة.

و بالجملة الکثرة فی الموجودات علی نحوین: کثرة وجودیّة فهذا علّة و ذاک معلول و کثرة ماهویّة فهذا حجر و ذاک شجر فالکثرة الوجودیّة النوریّة هو التشکیک الخاصّی الّذی یکون ما به الاشتراک عین ما به الامتیاز بخلاف الکثرة الماهویّة الظلمانیّة فأنّها أنواع متقوّمة بالفصول فی العقل و متحصّلة بوجوداتها الخاصّة فی الخارج و کأنّی خرجت عمّا کنت بصدده من تقریر قول المحقّق الدوانی فارجع.

ص: 18


1- . شوارق الالهام ج 1 ص 462
2- . شوارق الالهام ج 1 ص184
3- . الاسفار ج 2 ص 33
4- . نهایة الدرایة ج 1 ص 205

و أقول الوجود أعنی الحقّ تعالی و تقدّس واحد وحدة حقّة حقیقیّة و المطلق أعنی الصادر الأوّل واحد وحدة حقة ظلّیة و المقیّد من العقل الأوّل الی الهیولی الاولی متکثّرات کثرة حقیقیّة فذوق التألّه یقضی بالوحدة الحقیقیّة للوجود و الکثرة الحقیقیّة للموجودات فلا

منافاة بین ما نسبه المحقّق الدوانی الی أذواق المتألّهین و بین التشکیک الّذی ذهب الیه صدر المتألّهین و هذا نصّ ما ذکره المحقّق المذکور فی شرحه لهیاکل النور المسمّی بشواکل الحور:

«انّ أصحاب البصائر الناقدة یدرکون فی بادئ النظر اشتراک الحقائق فی أمر واحد نسبی و هو الکون فی الأعیان ثمّ بعد التوغّل فی النظر یظهر لهم انّ هناک أمراً هو حقیقة الوجود قائم بذاته مستغنی عن المؤثّربه تصیر تلک الحقائق متّصفة بهذا المعنی الاضافیّ بل هو الّذی یصیر بالاضافة الی کلّ حقیقة کوناً لتلک الحقیقیّة باعتبار العارض و هو فی ذاته خال عن جمیع تلک النسب بمعنی أنّ شیئاً منها لایدخل فی حقیقته کما أنّ الموجود من الحرکة هو التوسّط و هو أمر شخصیّ مستمرّ من مبدأ المسافة الی المنتهی ثمّ یصیر هو بالاضافة الی کلّ حدّ من الحدود المفروضة کوناً فی ذلک الحدّ فاشتراک الحقائق فی ذلک الأمر النسبیّ مستلزم لاتّحاد ذلک الأمر الّذی هو حقیقة الوجود الناشئ منه تلک النسب لما اشرنا الیه فتفطّن ثمّ تحدّس هذا علی رأی المشّائین.

و امّا علی ذوق أهل الاشراق فحقیقة النور أمر وحدانی لا تعدّد فیه إلاّ باعتبار الشدّة و الضعف و الکمال و النقص و غایة کماله هو المرتبة الواجبیّة و غایة نقصه هو أن یکون عرضاً مفتقراً الی غیره کالأنوار المحسوسة، أمّا وحدة حقیقة النور فلأنّ المراد بالنور هو ما یکون ظاهراً بذاته بمعنی أن یکون حقیقته عین الظهور فهو أظهر المفهومات و لا تعدّد فی هذا المفهوم من حیث هو هو و لیس هذا المفهوم وجهاً لأمر غیرمعلوم حتّی یقال انّ حقیقته قد تکون متعدّدة کما یقال فی طریقة المشّائین بل حقیقته ما یدرک بأوّل الملاحظة و الاّ لم یکن نوراً لاحتیاجه فی الظهور الی غیره و لا شکّ انّ المفهوم المدرک فی بادئ النظر أمر مشترک

ص: 19

و أمّا اختلافها بالمراتب فلأنّ النور الزائد لایزید علی النور الناقص إلاّ بالحقیقة النوریّة أی بأنّ الحقیقة النوریّة فیه أشدّ و أقوی لا بأمر مغائر له و الاّ لم یکن نوراً صرفاً کما انّ الخطّ الزائد علی خطّ آخر لایزید علیه الاّ بنفس الخطّ لا بأمر آخر»، انتهی ما قصدنا من کلامه زید فی علوّ مقامه(1).

قد أشار فی هذا الکلام الی نکات ظریفة دقیقة لابدّ من أن نبیّنها.

منها قوله: «أمر واحد نسبیّ و هو الکون...» یرید به المفهوم العامّ البدیهیّ أعنی المعنی المصدری الّذی یسمّی فی الفارسیّة «بودن» فأنّه کما ینتزع من حقیقة الوجود الّذی یسمّی فی الفارسیّة «هستی» و هو الواجب تعالی و تقدّس لأنّ الوجود الصرف لیس الّا هو کذلک ینتزع ممّا هو منسوب الی تلک الحقیقة اضافة اشراقیّة کما صرّح به فی تفسیر سورة التوحید علی ما نقله عنه بعض الافاضل زید عزّه فی تعالیقه علی نهایة الحکمة قال: المعنی المسمّی بالوجود.... و هو الّذی یصدق علی ما یصدق علیه أعمّ من أن یکون حقیقة الوجود أو امراً آخر معروضاً له أمر اعتباریّ من المعقولات الثانیّة بدیهیّ و لمّا ثبت بالبرهان أنّ ما ماهیّته مغایرة للوجود ممکن و لابدّ من انتهائه الی ما یکون ماهیّته عین الوجود فلاجرم یکون ذلک أمراً قائماً بذاته غیر عارض لغیره و یکون هو حقیقة الوجود و یکون وصف غیره بالوجود لا بواسطة کونه معروضاً له بل بواسطة انتسابه الیه فانّ صدق المشتقّ علی شئٍ لایقتضی قیام مبدأ الاشتقاق به فانّ صدق الحدّاد انّما هو سبب کون الحدید موضوع صناعته علی ما تقرّر فی موضعه و صدق المشمّس علی الماء مستند الی نسبة الماء الی الشّمس فبعد امعان النظر یظهر انّ الوجود الّذی هو مبدأ اشتقاق الموجود هو أمر قائم بذاته و هو الواجب تعالی و موجودیّة غیره عبارة عن انتسابه الیه فیکون الموجود أعمّ من تلک الحقیقة و من غیرها المنتسبة الیها انتهی(2).

ص: 20


1- . شواکل الحور ص 170
2- . نهایة الحکمة ج 1 ص 53

و منها قوله حقیقة الوجود قائم بذاته مستغنی عن المؤثّر یرید به انّ حقیقة الوجود لایتعلّق بها الجعل بل الجعل یتعلّق بالماهیّة فهی أصیلة جعلاً.

و منها قوله به تصیر تلک الحقائق متّصفة یرید به انّ حقیقة الوجود أصیلة تحقّقاً فلایمکن أن تکون اعتباریّة تحقّقاً کما لایمکن أن تکون أصیلة جعلاً لأنّها مستغنیة عن الجعل فالماهیّة أصیلة جعلاً اوّلاً بالذات و الوجود أصیل جعلاً ثانیاً و بالعرض کما أنّ الوجود أصیل تحقّقاً أوّلاً و بالذّات و الماهیّة أصیلة تحقّقاً ثانیاً و بالعرض و أمّا الوجود بمعنی الکون فهو اعتباریّ عند الکلّ کما أنّ الماهیّة قبل عروض الوجود علیها اعتباریّة عند الکلّ.

و منها قوله: بهذا المعنی الاضافیّ یرید به أنّ الماهیّات المتّصفة بالوجود بسبب اضافتها الی حقیقة الوجود لاتکون أصیلة تحقّقاً أی لاتکون منشأً للآثار بل المنشأ للآثار هی اضافة الماهیّات الی حقیقة الوجود فالمنشأ فی الحقیقة هو الوجود و إن شئت قلت الماهیّة مجعولة أی أصیلة جعلاً دون الوجود و الماهیّات المجعولة أی المضافة الی الوجود اضافة اشراقیّة أصیلة تحقّقاً بعرض اضافتها الی الوجود لا بنفسها فالاصالة تحقّقاً للوجود أوّلاً و بالذّات و للماهیّات ثانیاً و بالعرض.

و منها قوله : بل هو الّذی یصیر بالاضافة الی کلّ حقیقة کوناً لتلک الحقیقیّة یرید به انّ الوجود واحد لکنّ الموجود أی المضاف الی الوجود اضافة اشراقیّة کثیر و لمّا کان قوله هذا موهماً للحلول و الاتّحاد أی حلول الواجب تعالی و تقدّس فی الماهیّات الممکنة الموجودة أو اتّحاده بها تعالی اللّه عمّا یقول الظالمون أراد أن ینزّه الواجب تعالی فقال: و هو فی ذاته خال عن جمیع النسب بمعنی أنّ شیئاً منها لاتدخل فی حقیقته فمعیّة المطلق مع المقیّد معیّة قیّومیّة فلا یمکن أن یکون المقیّد مع المطلق.

و منها قوله: امّا اختلافها بالمراتب الخ حاصله أنّ الماهیّات المجعولة أعنی الممکنات المضافة الی الوجود أنوار مشترکة فی الحقیقة النوریّة و مختلفة فی المراتب النوریّة فهی

ص: 21

مشترکة فی النوریّة و ممتازة فی النوریّة فحقیقة الوجود النوریّة فی الواجب و الممکنات واحدة و مراتبها التشکیکیّة کثیرة و هذا التشکیک بما انّه خاصّی فالمراتب النوریّة جنس تحته أنواع متباینة لا نوع تحته أفراد متّحدة فقد أشار بکلامه هذا الی امکان الجمع بین ما نسب الی المشّائین من تباین الوجودات و ما هو مذهب الاشراقییّن من التّشکیک، خذ و اغتنم.

فقد اتّضح لک أنّ ما اختاره المحقّق الدوانی و نسبه الی أذواق المتألّهین من وحدة الوجود و کثرة الموجود هو عبارة اخری عن التشکیک الّذی ذهب الیه صدر المتألّهین و هو الّذی لامحیص عنه لأنّه قول عدل بین الافراط الّذی ذهبت الیه جماعة من الصوفیّة أعنی الوحدة الشخصیّة و بین التفریط المنسوب الی المشّائین اعنی تباین الوجودات فالوجود واحد وحدة حقّة حقیقیّة و الموجود أعنی المضاف الی الوجود اضافة اشراقیّة کثیر.

و امّا ما قاله بعض المحقّقین من الفقهاء (قدس سره) من انّ القول بوحدة الوجود و کثرة الموجود مبتنٍ علی اصالة الماهیّة و هی فاسدة(1)،

ففیه انّه خلط بین الجعل و التحقّق فاصالة الماهیّة تحقّقاً باطل دون اصالتها جعلاً فأنّها ثابتة بل لا محیص عنها کما شرحناها تفصیلاً و هی الّذی اصرّ علیها شیخ الاشراقییّن و من تبعه من المتأخّرین.

المقدمة الثالثة: تقریرات أربعة لوحدة الوجود

و بیان المفاسد الشنیعة اللازمة للصوفیّة فی قولهم بالوحدة الشخصیّة

وحدة الوجود یقرّر بتقاریر أربعة:

الأوّل: الوحدة الشخصیّة الّتی ذهبت الیها جماعة من الصوفیّة و تلزمهم المفاسد الشنیعة من الحلول و الاتّحاد و اتّصاف الواجب تعالی و تقدّس بصفات الممکنات و لهذا

ص: 22


1- . موسوعة السید الخوئی ج 3 ص 76

نسبها صدر المتألّهین الی الجهلة من المتصوّفة المقلّدین و أنکر نسبتها الی أکابر الصوفیّة(1)، قال الآقا محمّد رضا القمشهیّ و هو قدوة أرباب الکشف و الیقین فی حواشیه علی «تمهید القوائد» ما هذا لفظه:

«طائفة من الصوفیّة ذهبت الی انّها «الکثرة» لیست واقعة فی الوجود و لا موجودة فی نفس الأمر و الموجود فیه ذات واحدة بسیطة واجبة لذاتها قائمة بنفسها لا تعدّد لها و لا تکثّر فیها و هی حقیقة الوجود و الکثرة المترائیة فیها صرف التوهّم و محض التخیّل کثانیة ما یراه الأحول فتکون الوحدة حقیقیّة و الکثرة اعتباریّة محضة و لعلّهم یسندون ذلک الی مکاشفاتهم و یلزمهم نفی الشرائع و الملل و انزال الکتب و ارسال الرسل و یکذّبهم الحسّ و العقل کما عرفت و هذا امّا من غلبة حکم الوحدة علیهم و امّا من مداخلة الشیطان فی مکاشفاتهم» الخ(2).

الثانی: الوحدة السنخیّة أی وحدة حقیقة الوجود و کثرة مراتبها و هی الّتی اختارها صدرالمتألّهین فی اوائل الاسفار مواضعة لغرض التعلیم علی حدّ تعبیره(3) و هی وحدة الوجود و کثرة الموجود الّتی ذهب الیها المحقّق الدوانی و نسبها الی أذواق المتألّهین و قد وجّهناها و أوضحناها بما لا مزید علیه.

الثالث: الوحدة العلّیّة و هی الّتی اختارها صدرالمتألّهین فی مبحث العلّة و المعلول قال: و محصّل الکلام انّ جمیع الموجودات عند أهل الحقیقة و الحکمة الإلهیّة المتعالیة عقلاً کان أو نفساً أو صورة نوعیّة من مراتب أضواء النّور الحقیقیّ و تجلّیات الوجود القیّومیّ الإلهیّ و حیث سطح نور الحقّ اظلم احکامها و لوازمها من مراتب الوجودات الّتی هی أضواء و اظلال للوجود الحقیقیّ و النور الأحدیّ و برهان هذا الأصل من جملة ما آتانیه ربّی

ص: 23


1- . الاسفار ج 2 ص 281
2- . تمهید القواعد ص 191
3- . الاسفار ج 1 ص 92

من الحکمة بحسب العنایة الازلیّة و جعله قسطی من العلم بفیض فضله و جوده فحاولت به اکمال الفلسفة و تتمیم الحکمة .... فکما وفّقنی اللّه بفضله و رحمته الاطّلاع علی الهلاک السرمدیّ و البطلان الازلیّ للماهیّات الامکانیّة و الأعیان الجوازیّة فکذلک هدانی ربّی بالبرهان النیّر العرشیّ الی صراط مستقیم من کون الوجود و الموجود منحصراً فی حقیقة واحدة شخصیّة لا شریک له فی الموجودیّة الحقیقیّة و لا ثانی له فی العین و لیس فی دار الوجود غیره دیّار و کلّما یترآی فی عالم الوجود انّه غیر الواجب المعبود فانّما هو من ظهورات ذاته و تجلّیات صفاته الّتی هی فی الحقیقة عین ذاته کما صرّح به لسان بعض العرفاء بقوله: فالمقول علیه سوی اللّه أو غیره أو المسمّی بالعالم هو بالنسبة الیه تعالی کالظلّ للشخص فهو ظلّ اللّه فهو عین نسبة الوجود الی العالم فمحلّ ظهور هذا الظلّ الالهیّ المسمّی بالعالم انّما هو أعیان الممکنات علیها امتدّ هذا الظلّ، الی آخر ما أفاده اعلی اللّه تعالی مقامه(1).

اقول: هذه العبارة و إن کانت توهّم بظاهرها الوحدة الشخصیّة و لکنّ المداقّة فیها ترفع الوهم فکما انّ الوحدة السنخیّة برزخ بین تباین الوجودات و الوحدة الشخصیّة هکذا الوحدة العلّیة برزخ بین الوحدة السنخیّة و الشخصیّة و ذلک لأن انکاره انّ للماهیّات الممکنة وجوداً معناه أنّها معدومة أوّلاً و بالذّات و إن کان لها وجود ثانیاً و بالعرض و تأکیده لاعتباریّة الماهیّات لایکون بمعنی اعتباریّة هویتها کما صرّح به فی موضع آخر(2).

و قوله: فهو عین نسبة الوجود الی العالم صریح فی الاضافة الاشراقیّة فهذه الوحدة العلّیّة لاتنافی المذهب المنسوب الی أذواق المتألّهین فی تقریر بعض العرفاء الشّامخین کما تقدّم تفصیله.

ص: 24


1- . الاسفار ج 2 ص 238
2- . الاسفار ج 2 ص 260

ثمّ اعلم انّ صدرالمتألّهین برهن علی مختاره هذا فی الفصل السادس و العشرین من مبحث العلّة و المعلول(1)

بما حاصله أنّ العلّة لاتکون علّة بالذات الّا اذا کان جمیع ما عداه معلولاً بالذّات فصرف الوجود علّة و ما سواه معلول و هو رقیقة العلّة و هی حقیقته الی أن قال: تحقّق أنّ لجمیع الموجودات أصلاً واحداً و سنخاً فارداً هو الحقیقة و الباقی شئونه و هو الموجود و ما ورائه جهاته و حیثیّاته .... ظهر انّ لا ثانی للوجود الواحد الأحد الحقّ و اضمحلّت الکثرة الوهمیّة و ارتفعت اغالیط الأوهام و الآن حصحص الحقّ .... اذ قد انکشف انّ مایقع علیه اسم الوجود ولو بنحو من الأنحاء فلیس الاّ شأناً من شؤون الواحد القیّوم و نعتاً من نعوت ذاته و لمعة من لمعات صفاته فما وضعناه أوّلاً انّ فی الوجود علّة و معلولاً بحسب النظر الجلیل قد آل آخر الامر بحسب السلوک العرفانیّ الی کون العلّة منهما أمراً حقیقیّاً و المعلول جهة من جهاته و رجعت علّیة المسمّی بالعلّة و تأثیره للمعلول الی تطوّره بطور و تحیّثه بحیثیّة لا انفصال شئٍ مباین عنه، انتهی ما قصدنا من کلامه زید فی علوّ مقامه.

قوله: لا انفصال شئ مباین عنه الخ علّق علیه الحکیم المؤسّس بقوله(2) : أی بینونة بالعزلة فلها وجود غیر وجود الحقّ و لکن لایباین وجودها عن وجوده الّا بینونة صفة و لذلک ما نفی وجودها رأساً بان قال لیس لها وجود سوی وجود الحقّ بل نفی البینونة عن وجودها لوجود الحقّ، تدبّر تفهم(3).

و الحاصل انّه فرق واضح بین الوحدة العلّیة و الوحدة الشخصیّة و هو انّ القائل بالوحدة الشخصیّة یصرّح بانّ الکثرة اعتباریّة بل تخیّل(4) و لکن صدرالمتألّهین صرّح بالوحدة

ص: 25


1- . الاسفار ج 2 ص 244
2- . الاسفار ج 2 ص 245
3- . مجموعه مصنفات ج 1 ص 355
4- . تمهید القواعد ص 191

و الکثرة الحقیقیّتین حیث قال: و التکثّر فی الظهورات و التفاوت فی الشؤون لا یقدح وحدة الذّات(1).

الرابع: الوحدة الشهودیّة و هی الّتی اختارها قدوة ارباب الکشف و الیقین الآقا محمّد رضا القمشهیّ فی حواشیه علی «تمهید القواعد» ناسباً لها الی العلماء الرّاسخین و العرفاء الشّامخین و الحکماء المتألّهین یقولون الکثرة الظاهرة فی الوجود حقیقیّة لأنّ المتکثّرات موجودات فی نفس الأمر متخالفة بالماهیّات لترتّب الآثار المختلفة علیها و وحدتها أیضاً حقیقیّة لوحدة الوجود الناطق بها الکتاب و السنة و الکشف الصحیح و العقل الصریح کما یظهر فی موضعها و لاتنافی بین الوحدة الحقیقیّة و الکثرة الحقیقیّة لأنّ الوحدة فی الوجود و الکثرة فی الماهیّة.... و لیس انبساطها فی الکثرات کانبساط الدم فی الأعضاء لیلزم اتّحادها بها و لا کانبساط الدهن و سریانه فی الطعام لیلزم حلولها فیه و لا کانبساط البحر فی الامواج لیلزم تخصّصها و تجزّیها بل یکون کانبساط الضوء فی اشراقاته و النّور فی لمعاته و العاکس فی عکوسه و اطواره فالوحدة متطوّرة بالکثرة و الکثرة اطوار الوحدة و هذا معنی الوحدة فی الکثرة و الکثرة فی الوحدة فان نظرت الی الوحدة تکون الکثرة مرآتاً لها و حکم المرآة ان لاتری و ان نظرت الی الکثرة تکون الوحدة مرآتاً لها و حکم المرآة ان لاتری و بهذین الاعتبارین یکون الحقّ مرآة الخلق و الخلق مرآة الحقّ، و قیل النظر الاوّل بالعین الیمنی و النظر الثانی بالعین الیسری فکن ذاعینین لتری الحقّ فی الخلق و الخلق فی الحقّ، الی آخر ما أفاده اعلی اللّه تعالی مقامه(2).

اقول: هذه الوحدة الشهودیّة کالوحدة العلّیّة فی عدم تنافیها للقول بوحدة الوجود و کثرة الموجود و ذلک لأن قائلها کما رأیت صرّح بالوحدة و الکثرة الحقیقیّتیّن بینما القائلون

ص: 26


1- . الاسفار ج 2 ص 283
2- . تمهید القواعد ص 192

بالوحدة الشخصیّة یقولون بالوحدة الحقیقیّه و الکثرة الاعتباریّة و ان شئت قلت: وحدة الوجود و کثرة الموجود کما یقرّر بالوحدة السنخیّة یمکن تقریرها بتقریر أدقّ أی الوحدة العلّیة کما یمکن تقریرها بتقریر ألطف و هی الوحدة الشهودیّة و بعبارة ثالثة کلّ من الوحدة السنخیّة و العلّیة و الشهودیّة مقابلة للوحدة الشخصیّة و المتحصّل انّا نقول بوحدة الوجود و کثرة الموجود و هذا القول یمکن تقریره بکلّ من الوحدة السنخیّة و العلّیة و الشهودیّة و لا نتفوّه بالوحدة الشخصیّة للزوم المفاسد الشنیعة.

المقدّمة الرابعة: فی مراتب الوجود الثلاثة

انّ للوجود مراتب: الوجود الحقّ و الوجود المطلق و الوجود المقیّد.

فالوجود الحقّ هو الوجود المجرّد عن جمیع الألقاب و الأوصاف و النعوت حتّی عن هذا الوصف «لابشرط مقسمی» و الوجود المقیّد اثره کوجود الملك و الفلك و الوجود المطلق هو فعله و صنعه و فی کلّ بحسبه و بذاته لا عقل و لا نفس و لامثال و لا طبع و لمّا کان بذاته عاریاً عن احکام الماهیّات و الأعیان یسمّی بالفیض المقدّس .... و هذا الوجود المطلق عرش الرّحمن و الماء الّذی به حیاة کلّ شيء.... و یسمّی برزخ البرازخ و الحقیقیّة المحمّدیّة و النفس الرحمانی و الرّحمة الواسعة المشار الیها فی دعاء کمیل «اللَّهُمَّ

إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ» و «وَجْهُ اللّهِ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ كُلِّ شَيْ ءٍ» و لمّا کان برزخاً بین الطرفین لم یکن صانعاً و لا مصنوعاً بل صنعاً و لمّا کان کالمعنی الحرفیّ لم یصر موضوعاً لحکم بل هو داخل فی صقع الربوبیّة، الی آخر ما أفاده الحکیم السبزواری(1).

و حاصل ما أفاده فی شرح الأسماء و فی حواشی الاسفار(2) هو أنّ الوجود الحقّ واحد

ص: 27


1- . شرح الاسماء ص 57
2- . الاسفار ج 2 ص 238 وص 281 و ج 2 ص 96

وحدة حقّة حقیقیّة و الوجود المطلق واحد وحدة حقّة ظلّیة و الوجود المقیّد أعنی الماهیّات المجعولة و الممکنات الموجودة متکثّرة فالأوّل وجود و الثانی ظلّ و الثالث ظلمة و إن شئت قلت: الأوّل ظاهر و الثانی ظهور و الثالث مظهر و بعبارة ثالثة الأوّل خالق و الثانی خلق و الثالث مخلوق.

ثمّ لا یخفی انّ مقام الکثرة فی الوحدة للوجود الحقّ و مقام الوحدة فی الکثرة للوجود المطلق فالأوّل بمعنی انّ وجود کلّ موجود نشأ من الحقّ و الثانی بمعنی أنّ کلّ الممکنات الموجودة عین الوجود المطلق.

المقدّمة الخامسة: في العوالم الأربعة

انّ للوجود عوالم مترتّبة ترتّب المعلول علی العلّة، أی کلّ عالم لاحق معلول لسابقه و الکلّ معلول للعلّة الاولی أعنی علّة العلل.

قال العلّامة الطباطبائی (قدس سره): انّ فی الوجود عوالم کلّیة مترتّبة بحسب قوّة الوجود کلّ علی طبق الآخر، الأوّل عالم الأسماء و الصفات و یسمّی عالم اللّاهوت و الثّانی عالم التجرّد التامّ و یسمّی عالم العقل و الروح و الجبروت و الثالث عالم المثال و یسمّی بعالم الخیال و المثل المعلّقة و البرزخ و الملکوت الرابع عالم الطبیعة و یسمّی بعالم الناسوت(1).

و قال المحقّق السبزواری فی حواشیه علی الاسفار: انّ للماهیّات أکواناً سابقة و برزات متقدّمة فی مراتب الوجود فاختلافها فی النشأة الطبیعیّة ظلّ اختلافها فی النشأة المثالیّة و اختلافها هناک ظلّ اختلافها فی النشأة الجبروتیّة و اختلافها هناک ظلّ اختلافها فی النشأة اللاهوتیّة المشار الیها بالفیض و ذلک الاختلاف ظلّ اختلاف الأسماء و الصفات و أسمائه و صفاته غیر معلّلة و فی بعض خطب نهج البلاغة : «من قال لم فقد علّله»، انتهی(2).

ص: 28


1- . الرسائل التوحیدیة ص 122
2- . الاسفار ج 2 ص 289

المقدّمة السادسة: الاضافة الاشراقیّة

الاضافة الاشراقیّة هی اشراق نور الانوار جلّ شأنه و اشراقه هو الوجود المنبسط فکان هو أصیلاً و هذه الاضافة هی المرادة بحیثیّة فاعلیّة الفاعل الداخلة فی مصداق الحکم بأنّ الشيء الفلانیّ موجود، انتهی کلام الحکیم السبزواری(1).

و انّما سمّی اضافة تشبیهاً بالاضافة الّتی هی بین الطرفین فی انّه بین المرتبة الأحدیّة الّتی هی غیب الغیوب و بین الماهیّة الامکانیّة و هو برزخ البرازخ(2).

المقدّمة السابعة: الفیض الاقدس والفیض المقدّس

الفیض الالهیّ ینقسم بالفیض الاقدس و الفیض المقدّس فبالأوّل یحصل الأعیان الثابتة و استعداداتها الأصیلة فی العلم و بالثانی یحصل تلک الأعیان فی الخارجة و بعبارة اخری الفیض الاقدس عبارة عن التجلّی الحبّی الذاتی الموجب لوجود الاشیاء و استعداداتها فی الحضرة العلمیّة ثمّ العینیّة.... و الفیض المقدّس عبارة عن التجلیّات الأسمائیّة الموجبة لظهور ما تقتضیه استعدادات تلک الأعیان فی الخارج فالفیض المقدّس مترتّب علی الفیض الاقدس و انّما سمّی الاوّل بالاقدس لأنّه اقدس من شوائب الکثرة الأسمائیّة و نقائص الحقائق الامکانیّة و اقدس من أن یکون الفیض مغائراً للمفیض کما فی الفیض المقدّس و إن شئت قلت اقدس من ان یکون المستفیض غیر المفیض و الاضافة.

و الحاصل انّ الفیض المقدّس هو التجلّی الافعالیّ الّذی هو ظهور الذات المتعالیة فی المظاهر الّتی هی الماهیّات الامکانیّة بوجوداتها الخاصّة فی کلّ بحسبه و یعبّر عن هذا

ص: 29


1- . شرح المنظومة ج 2 ص 73
2- . شرح المنظومة ج 1ص 468

الظهور بالوجود المطلق المنبسط علی کلّ الأشیاء و بالاضافة الاشراقیّة الّتی هی فیضه المقدّس الاطلاقیّ، انتهی ما أفاده بعض المحقّقین فی تعالیقه علی شرح المنظومة(1).

المقدّمة الثامنة: هل الواجب من قبیل لابشرط أو من قبیل بشرط لا؟

هل الحقیقة الواجبیّة هو الوجود بشرط لا أو الوجود لابشرط، فیه خلاف، فالحکماء یخصّون الواجبیّة بمرتبة واحدة هی تلک الحقیقة بشرط ان لایتعیّن بشئ من الماهیّات و الصوفیّة یجعلون الواجبیّة لتلک الحقیقة لابشرط ان یتعیّن بشئ من الماهیّات فیکون کلّ حقیقة وجودیّة واجبة اذا اعتبرت من حیث هی هی مقطوعة النظر عن التعیّن و ممکنة باعتبار اخذها بشرط التعیّن فتکون الممکنات فی الحقیقة هی التعیّنات و الواجب هو الحقیقة المطلقة، الی آخر ما ذکره الفیّاض اللاهیجیّ(2).

و لمّا کان ظاهر قول الحکماء خلاف ما قاله مولی الموحّدین امیرالمؤمنین (صلوات الله علیه) بقوله: «وَ حُکْمُ التَّمْییزِ بَیْنُونَةُ صِفَةٍ لا بَیْنُونَةُ عُزْلَةٍ»(3)و بینونة العزلة یؤدّی الی التعطیل و مغلولیّة ید اللّه الجلیل کما انّ قول الصوفیّة لازمه المفاسد الشنیعة من الحلول و الاتّحاد و اتّصاف الواجب تعالی و تقدّس بصفات الممکنات فقد سلک صدرالمتألّهین مسلکاً معتدلاً فقال بانّ الحقیقة الواجبیّة و هو المسمّی بوجود الحقّ تعالی و تقدّس لابشرط مقسمی فلا یسری فی العوالم فلا یلزم الحلول و الاتّحاد و الوجود المطلق و هو فعل الواجب تعالی لابشرط قسمی فیسری فی العوالم کلّها فی کلّ بحسبه(4)

و تبعه جماعة من الحکماء المتألّهین و العرفاء الشّامخین منهم الحکیم السبزواری کما تقدّم کلامه فی المقدّمة الرابعة و منهم

ص: 30


1- . شرح المنظومة ج 3 ص 590
2- . شوارق الالهام ج 1 ص 463
3- . الاحتجاج ج 1ص475
4- . الشواهد الربوبیة ج 1 ص 70

العارف القمشهیّ قال:

و فی هذا المطلب برهان ألهمنی اللّه تعالی بفضله و جوده.... تلخیصه انّ الوجود من حیث هو هو أی نفس الطبیعة الاطلاقیّة مع عزل النّظر عن جمیع الاعتبارات و الحیثیّات التعلیلیّة و التقییدیّة ینتزع منه مفهوم الوجود و یحمل علیه و یصدق علیه و کلّ ما هو کذلک فهو واجب الوجود بالذّات فالوجود من حیث هو هو واجب الوجود بالذّات امّا الصغری فظاهرة و امّا الکبری فلأنّ ما کان انتزاع مفهوم الوجود عن ذاته بذاته یکون حیث ذاته حیث التحقّق و الثبوت فیمتنع طریان العدم علیه بالذات لبطلان اجتماع النقیضین و قلب احدهما الی الآخر، الی آخر ما أفاده اعلی اللّه مقامه(1).

اقول: توضیحه أنّ المصداق الذاتیّ لکلّ مشتقّ هو الّذی ینتزع عنه المشتقّ و یحمل علیه بلاضمّ ضمیمة کما فی قولنا «النّار حارّة» و «الماء مرطوب» و علامته جواز حمل المبدأ علیه فیقال النّار حرارة و الماء رطوبة فحمل «حارّة» علی النار حمل حقیقیّ أی أوّلاً بالذّات لجواز حمل الحرارة علیها بخلاف حملها علی غیر النّار کالماء المجاور للنّار فأنّه حمل مجازیّ أی ثانیاً و بالعرض.

إذا عرفت هذا فاعلم انّ حمل «موجود» علی جمیع الممکنات حمل مجازیّ أی ثانیاً بالعرض بخلاف حمله علی واجب الوجود بالذّات فأنّه حمل حقیقیّ أوّلاً و بالذّات لجواز حمل المبدأ «وجود» علیه و لایجوز حمله علی الممکنات فالمصداق الحقیقیّ للموجود هو الواجب تعالی لأنّه ینتزع عنه الموجود و یحمل علیه بلا ضمّ حیثیّة تقییدیّة أو تعلیلیّة فقد ثبت انّ الواجب الوجود بالذّات من قبیل اللّا بشرط المقسمیّ لانّه مطلق حتّی عن قید الاطلاق و یعجبنی نقل عبارة الامام الخمینی و هو من العرفاء الشّامخین الرّاسخین فی الحکمة المتعالیة قال:

ص: 31


1- . تمهید القواعد ص 213

«قد اختلف کلمة أصحاب السلوک و العرفان و مشایخ المعرفة و أرباب الایقان فی أنّ حقیقة الواجب جلّ سلطانه و بهر برهانه هل هی الوجود بشرط عدم الأشیاء معه المعبّر عنه بالوجود بشرط لا و المرتبة الأحدیّة .... أو الموجود المأخوذ لابشرط شيء أی الطبیعة من حیث هی هی المعبّر عنها بالوجود المطلق.... بعد الاتّفاق فی انّ الفیض الاقدس.... و الفیض المقدّس.... ظلّان لذلک الوجود و ظلّ الشيء هو باعتبار و غیره باعتبار و بعد الاتّفاق فی وحدة حقیقة الوجود بل الموجود الحقیقیّ و قد استقرّ رأی الفحل المطابق للبرهان و الموافق للعیان علی الثانی و انّ حقیقة الواجب هو الوجود لابشرط شيء و تعیّن و حیثیّة تعلیلیّة أو تقییدیّة فانّ حقیقته هو الوجود الصرف و الخیر المحض و النور الخالص بلاشوب عدم و اختلاط شریّة و غبار ظلمة و لیس لعدم شيء فی انتزاع مفهوم الوجود عنه مدخل فأنّه المصداق بالذّات للوجود و قد ثبت عند أرباب التحقیق و أصحاب التدقیق انّ

المصداق الذاتیّ للشيء ما لایکون لانتزاع مفهومه عنه محتاجاً الی دخل حیثیّة تعلیلیّة أو تقییدیّة بل مع عزل النظر عن کلّ شيء و حیثیّة ینتزع منه والّا لم یکن المصداق مصداقاً بالذّات و الفیض المنبسط علی الأشیاء المجامع کلّ شيء ظلّ الوجود اللابشرط لابشرط، الی آخر ما أفاده (قدس سره)(1).

المقدّمة التاسعة: شبهات أربعة و الجواب عنها

تُوهِم ظواهر کلمات صدرالمتألّهین شبهات تفطّن هولها و أجاب عنها.

الأولی: اتّصاف الباری تعالی بصفات الممکنات و منشأها الخلط بین الرابطیّ و الرابط و دفعها انّ الممکنات روابط محضة أی انّها محض الربط و التعلّق لا شيء له الربط فلیس

ص: 32


1- . شرح دعاء سحر ص 116

لها وجود لا استقلالیّ و لا تعلقیّ «رابطی» حتّی یلزم المحذور المزبور(1).

الثانیة: أنّ الممکنات الموجودة أمور اعتباریّة محضة و منشأ التوهّم الخلط بین الهویّة و الماهیّة و دفعها انّ الممکنات ذات جهتین الماهیّة و هی اعتباریّة و الهویّة أی الوجود و هی أصیلة(2).

الثالثة: ما توهّمته الجهلة من المتصوّفة و هو ان لیس للذّات الأحدیّة تحقّق بالفعل مجرّدة عن المظاهر و المجالیّ و منشأ التوهّم هو الخلط بین الوجود الحقّ و الوجود المطلق فالحقّ من قبیل اللابشرط المقسمیّ فلا یسری و المطلق ظلّ الحقّ فهو لا بشرط مقیّد بقید الاطلاق فهو لا بشرط قسمیّ فیسری فی العوالم کلّها(3).

الرابعة: ما یتوهّمه کثیر من الناس اذا سمعوا انّ بسیط الحقیقة کلّ الأشیاء لایهام

الانعکاس أی کلّ الأشیاء بسیط الحقیقة و منشأ التوهّم الخلط بین مقام الکثرة فی الوحدة أی الفیض الاقدس و مقام الوحدة فی الکثرة أی الفیض المقدّس(4).

المقدّمة العاشرة: الفوارق العشرة بین قول الصّوفیّة بالوحدة الشخصیّة

و قول صدر المتألّهین بالوحدة العلّیة

قد تحصّل من مطاوی ما ذکرناه فروق واضحة بین قول الصوفیّة بالوحدة الشخصیّة و قول صدرالمتألّهین بالتشکیک و هی کما تلی:

قول الصوفیّة بالوحدة الشخصیّة *** قول صدرالمتألّهین بالتشکیک الخاصّی

1- الوجود واحد شخصیّ الوجود المستقلّ واحد شخصیّ

ص: 33


1- . الاسفار ج 2 ص 248
2- . الاسفار ج 2 ص 260
3- . الاسفار ج 2 ص 282-281
4- . الاسفار ج 6 ص 7-96

2- وحدة الوجود و الموجود وحدة الوجود و الموجود فی عین کثرتهما

3- الوحدة حقیقیّة و الکثرة اعتباریّة

الوحدة و الکثرة کلتاهما حقیقیّتان

4- التشکیک فی الظهورات التشکیک فی المظاهر

5- الوجود ذو مظاهر الوجود ذو مراتب

6- الواجب لا بشرط قسمیّ الواجب لا بشرط مقسمیّ

7- الواجب سار فی العوالم کلّها

الوجود المنبسط سار فی العوالم کلّها

8- انمحاء الممکنات اختفاء الممکنات

9- فناء الممکنات وجوداً و ماهیّة فناء الممکنات وجوداً

10- الممکن هو الحقّ المتعیّن الممکن هو المنبسط المتعیّن

و لا یخفی انّ ما قالته الصوفیّة أو جماعة منهم من سریان الواجب فی العوالم کلّها و تعیّنه تعالی بالممکنات کفر و زندقة تعالی اللّه عن ذلك علوّاً کبیراً کما انّ ما ذهبت الیه جماعة منهم من الوحدة الشخصیّة تلزمهم المفاسد الشنیعة من الحلول و الاتّحاد و اتّصاف الواجب بصفات الممکنات بخلاف ما ذهب الیه صدرالمتألّهین و من تبعه من الحکماء المتألّهین و العرفاء الشّامخین کما أوضحناها فی مطاوی هذه المقدمات.

و تلک عشرة کاملة ان تدبّرت فیها حقّ التّدبّر تعرف انّ حقیقة الوجود الحقّ الّذی هو صرف الوجود صرافةً حقّةً حقیقیّة و واحدة وحدةً حقّةً حقیقیّة هی أصیلة تحقّقاً أی منشأ للآثار و الماهیّات أصیلة جعلاً أی مخلوقة معلولة و امّا الوجود المطلق الّذی هو فعل تلک الحقیقة الصرفة و ظلّها فهو عین الاضافة الاشراقیّة الیها فلاجرم یکون واحداً وحدةً حقّةً ظلّیة لأنّه الصادر الاوّل عن العلّة الاولی و لایصدر من الواحد الّا الواحد فهو أعنی الوجود المطلق محیط بسائر الوجودات المقیّدة المتکثّرة کثرةً حقیقیّة احاطة قیوّمیةً ظلّیة ظلّ الاحاطة الحقّة الحقیقیّة الثابتة لتلک الحقیقة العینیّة و لایمکن افاضة الفیض و جریانه و اضائة النور و سریانه من الوجود الحقّ الی الوجودات المقیّدة الاّ من هذا المجری أعنی

ص: 34

الوجود المطلق الّذی یسمّونه بالمنبسط لانبساطه علی سموات الأرواح و اراضی الاشباح و بالفیض المقدّس لتقدّسه عن شوائب الامکان و بالرّحمة الواسعة لانّها وسعت کلّ الوجودات المقیّدة اقتباساً من قوله تعالی: «وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» (1) و بغیرها من النعوت کلّ باعتبار فهذه الاحاطة القیّومیّة الظلّیة الثابتة للوجود المطلق أعنی الحقیقة المحمّدیّة المتّحدة بالحقیقة العلویّة و العترة الطاهرة فی تلک النشأة الغیبیّة هی الّتی نعبّر عنها بالولایة التکوینیّة کما انّ الاحاطة القیّومیّة الحقّة الحقیقیّة الثابتة للوجود الحقّ هو التوحید فالولایة التکوینیّة ظلّ التوحید و هی مجری فیض الواحد الأحد تعالی و تقدّس الی الوجودات المقیّدة المتکثّرة فالوجود المنبسط واسطة فی الفیوضات الربّانیّة فکما أنّ التوحید مقتضی الفطرة و لایمکن لأحد ان ینکره و من انکر فانّما ینکره باللسان و قلبه مطمئنّ بالایمان هکذا الولایة لأنّها السبیل الاعظم و الصراط المستقیم و الطریق الواحد الی اللّه

الّذی لا اله الاّ هو الرّحمن الرّحیم و لا حول و لا قوّة الّا باللّه العلیّ العظیم فمن أراد اللّه و قصده توجّه الیه تعالی باسمه الاعظم و رحمة الّتی وسعت کلّ شئ و وجهه الباقی بعد فناء کلّ شيء و إن أخطأ فی التطبیق فظنّ انّه هو عیسی بن مریم مثلاً و أمّا الّذین یلحدون فی أسمائه فهم الّذین یکابرون مقتضی فطرتهم و یقرّون عند الموت بذنوبهم و لات حین مناص کما قال فرعون: «آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمينَ آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ کُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدينَ»(2).

و قد فسّرت الفطرة بالولایة کما فسّرت بالتوحید(3) فی معتبرة علیّ بن ابراهیم القمیّ عن أبی الحسن الرضا (صلوات الله علیه) أنّ الولایة هی التوحید فأنّه نقل عن جدّه أبی جعفر الباقر (صلوات الله علیه) فی تفسیر

ص: 35


1- . الاعراف / 156
2- . يونس / 91
3- . تفسیر البرهان ج6 ص 150-156

الفطرة انّه قال: «هی لا اله الاّ اللّه محمّد رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) علیّ امیرالمؤمنین ولیّ اللّه الی ها هنا التّوحید»(1).

و سرّه هو الّذی سیأتی فی الباب الثالث من الرّوایات الواردة فی تفسیر عالم الذرّ من أنّ الناس کما أخذ علیهم المیثاق للّه بالربوبیّة فی ذلک العالم أخذ علیهم المیثاق لرسول اللّه بالنبوّة و لأمیرالمؤمنین و الأئمّة بالامامة و المتّصف بتلک الولایة التکوینیّة و الوساطة فی الفیوضات الربّانیّة و الاحاطة القیّومیّة الظلّیة هم الّذین عبّر اللّه تبارک و تعالی عنهم فی محکم کتابه الکریم بأسماء اللّه الحسنی تارة(2)و بوجه اللّه اخری(3) و بالنّور ثالثة(4) الی غیرها من الاشارات و الکنایات الّتی فسّرها أهل البیت الّذین طهّرهم اللّه تطهیراً(5) و أولو الامر الّذین قرن اللّه طاعتهم بطاعته و فرض طاعتهم علینا(6) و العترة الطاهرة الّتی أمرنا خاتم النبیّین (صلی الله علیه و آله و سلم) بالرّجوع الیهم فی حدیث الثقلین المتواتر بین الفریقین(7)

فقالوا نحن و اللّه الأسماء الحسنی(8) و نحن وجه اللّه(9)

و قالوا النّور و اللّه الائمّة من آل محمّد الی یوم القیامة(10) الی غیرها من الآیات و الروایات المستفیضة الّتی وردت بشأنهم و سیأتی تفسیرها ان شاء اللّه تعالی فی ضمن أبواب ثمانیة عدد أبواب الجنّة.

ص: 36


1- . تفسیر البرهان ج6 ص154
2- . الاعراف / 180
3- . الروم / 38
4- . الاعراف / 157
5- . الاحزاب / 33
6- . النساء / 59
7- . نهج الحق ص 226
8- . الکافی ج 1 ص 169
9- . الکافی ج 1 ص 164، بصائرالدرجات ص 92 و 97
10- . الکافی ج 1 ص 217

الباب الأوّل: تعریف الولایة و أقسامها

فی تعریف الولایة و أقسامها، فنقول الولایة علی قسمین: تشریعیّة و تکوینیّة.

فالتشریعیّة قد یراد بها وجوب الاطاعة المطلقة و هی ثابتة للنّبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة المعصومین من أهل بیته (صلوات الله علیهم) بنصّ الکتاب العزیز حیث قال: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللَّهَ وَ أَطيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْکُمْ»(1)

و لمّا لایمکن أن تجعل الاطاعة المطلقة لمن لایکون مطهّراً من کلّ الأدناس الباطنیّة و الارجاس الظاهریّة فلاجرم ینطبق اولوالامر فی هذه الآیة الکریمة علی «الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً»(2)، فقد ظهر أنّ الأئمّة المعصومین صلوات اللّه علیهم أجمعین أولی بالمؤمنین من أنفسهم کما أنّ النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) أولی بالمؤمنین من أنفسهم بنصّ الکتاب العزیز(3) .

و قد وردت روایات مستفیضة دلّت علی حصر أولی الأمر فی الأئمّة الاثنی عشر(4)

و قد یراد بها الرّئاسة علی المسلمین و تدبیر أمورهم أعنی الخلافة الظاهریّة و الحکومة السیاسیّة فیدلّ علیها قوله تعالی: «إِنَّما وَلِيُّکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ» (5) هذه الآیة الکریمة نزلت فی علی بن أبی طالب (صلوات الله علیهما) باتّفاق المفسّرین(6) کما یدلّ علیه قول النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) فی حدیث الغدیر المتواتر بین الفریقین: «من کنت

ص: 37


1- . النساء / 59
2- . الاحزاب / 33
3- . الاحزاب / 6
4- . تفسیرالبرهان ج 2 ص 65-252
5- . المائدة / 55
6- . تفسیر البرهان ج 2 ص 486 الغدیر ج 3 ص 62- 157

مولاه فهذا علیٌّ مولاه»(1) بل صرّح به النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) مرّة بعد مرّة(2) و تدلّ علیها الروایات المستفیضة علی حصر خلفاء الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) فی الأئمّة الاثنی عشر من عترته و أهل بیته الطّاهرین (صلوات الله علیهم)(3).

و قدیراد بها المرجعیّة العلمیّة فی کلّ ما یتعلّق بأمر الدّین من الأصول و الفروع و المبدأ و المعاد فیدلّ علیها حدیث الثقلین المتواتر بین الفریقین(4) و قد یراد بها حقّ تشریع الأحکام فتدلّ علیها الروایات المستفیضة الواردة فی التفویض الی الأئمّة (صلوات الله علیهم)(5).

فقد تحصّل الی هنا أنّ الولایة التشریعیّة بکلّ معانیها ثابتة للنبیّ المصطفی المختار و اهل بیته الأطهار (صلوات الله علیهم) و أمّا الولایة التکوینیّة فقد تقدّم تعریفها و اقامة البرهان العقلیّ علیها فعلینا أن نثبتها بالادلّة النقلیّة من الآیات و الروایات فلنتبرّک أوّلاً بذکر روایة جامعة لأقسام الولایة رواها ثقة الاسلام الکلینی عطر اللّه تعالی مرقده الشّریف عن أبی جعفر الثانی (صلوات الله علیه) فی باب مولد النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) قال:

»لَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُتفرِّداً بِوَحْدَانِيَّتهِ ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً و فاطِمَةَ فَمَكَثُوا الْفَ دَهْرٍ ثُمَّ خَلَقَ الاشْياءَ فَاشْهَدْهُمْ خَلْقَها وَ اَجْریٰ طاعَتَهُمْ عَلَيْها وَ فَوَّضَ اُمُورَهَا اِلَيْهِمْ فَهُمْ يُحِلُّونَ مَا يَشَاؤُونَ وَ يُحَرِّمُونَ مَا يَشَاؤُونَ وَ لَنْ يَشاؤُوا اِلاّ اَنْ يَشاءَ اللَّهُ تَبارَكَ وَ تَعالي...» الْحَدِيث(6) و امّا الاشکال فی سند الولایة بمحمّد بن سنان فقد اجبنا عنه فی الفوائد الرجالیة(7).

ص: 38


1- . الغدیرج 1 ص 30-25، غایة المرام ج 2 ص 60-3
2- . المراجعات ص 32-19
3- . غایة المرام ج 1 الباب العاشر و ج 2 ص 509-317
4- . نهج الحقّ ص 226
5- . الکافی ج 1 ص 292 و ص 497
6- . الکافی ج 1 ص 501 و بصائر الدرجات ص 494- 504
7- . بحوث متفرقة ص 42

الباب الثانی: فی بیان الآیات الدالّة علی الولایة التکوینیّة

فی تفسیر الآیات الکریمة الّتی اشیر فیها الی الولایة التکوینیة من دون تصریح باسمها و رمز فیها الی الوساطة فی الفیض من دون تصریح بلفظها.

فمنها قوله تعالی: «وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها»(1) ولنقدّم لتفسیرها أموراً:

الأوّل: بیان ترکیبها فنقول «للّهِ» خبر مقدّم یفید الحصر و «الأسماء» مبتدأ مؤخّر و هو جمع محلّی بالّلام یفید العموم و الّلام للاختصاص و «الحسنی» أفعل التفضیل نعت للأسماء و الفاء فی فادعوه للتفریع و الضمیر المفرد المنصوب راجع الی اللّه و الباء للاستعانة أو للسببیّة و الضمیر المجرور راجع الی الأسماء فالمعنی والله العالم انّه یختصّ باللّه کلّ اسم أحسن من بین الأسماء الّتی بعضها حسن و بعضها أحسن و إذا کانت الاسماء الحسنی مختصّة باللّه تعالی فادعوا اللّه أی نادوه أو توجّهوا الیه بهذه الأسماء الّتی تکون أحسن من غیرها أی نادو اللّه بواسطة أسمائه الحسنی أو توجّهوا الیه بواسطة تلک الأسماء أو باستعانتها لانّکم لاتقدرون و لاتستطیعون أن تتوجّهوا الیه بلاواسطة من أسمائه لأنّه مختصّ بمن دنی فتدلّی فکان قاب قوسین أو أدنی کما ستأتی الاشارة الیه فی الباب الآتی حینما نذکر احادیث المعراج. لکن له تعالی أسماء الی ما شاء اللّه بعضها حسن و بعضها أحسن و بعضها أحسن من الکلّ فإذا أردتم التوجّه الی اللّه تعالی فتتوجّهوا الیه بتلک الأسماء الّتی تکون أحسن من الکلّ فلا تتوجّهوا الیه تعالی بالأسماء الحسنة فضلاً عن الاسماء الجزئیّة «وَ ذَرُوا الَّذينَ يُلْحِدُونَ في أَسْمائِهِ»(2).

الأمر الثانی: الاسم کما قال الرّاغب: «ما یعرف به ذات الشّيء و أصله سِموٌ بدلالة

ص: 39


1- . الاعراف / 180
2- . الاعراف / 180

قولهم أسماءٌ و سُمَیٌّ و أصله من السموّ و هو الّذی به رفع ذکر المسمّی فیعرف به»، و لا یخفی انّ الاسم علی قسمین: اسم لفظیّ کما فی أعلام الأشخاص و الأمکنة و البلدان و اسم عینیّ کما فی الأثر فأنّه اسم للمؤثّر کما أنّ العمارة اسم للمعمار فأنّها اثره الّذی یعرف المعمار به فلهذا اللّه الخالق الباریء المصوّر له الأسماء الحسنی فهو تعالی یعرف بها فمخلوقاته العظیمة من الأنبیاء و المرسلین و ملائکته المقرّبین و العرش و حملته و من حوله و الکرسیّ و اللّوح و السّموات و الأرضین کلّها أسمائه و بها تعرف صفاته فالأسماء اللفظیّة من اللّه و الرّحمن و الرّحیم و العلیم و القدیر و السمیع و البصیر و الحق و الحیّ و المرید و المدرک و الخالق و الرّازق و غیرها من الأسماء الّتی تدلّ علی صفاته الذاتیّة و الفعلیّة هی فی الحقیقة أسماء الأسماء و الشاهد علیه قوله تعالی: «وَ عَلَّم آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَی الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِؤونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»(1) فانّ الضمیر فی «عرضهم» و اسم الاشاره «هؤلآء» یرجعان الی «الأسماء» فی صدر الآیة الکریمة فالمراد بتلک الأسماء هی الأسماء العینیّة أعنی أشخاصاً کباراً عظاماً لأنّ ضمیر«هم» لایرجع إلاّ الی ذوی العقول و کذلک اسم الاشارة «هؤلاء» لایشار به الی غیر ذوی العقول و أمّا المراد بأسماء هؤلاء بحسب الظاهر واللّه العالم هی الأسماء اللفظیّة فالعلیم و القدیر و غیرهما من الصفات الذاتیّة و الخالق و الرازق و غیرهما من الصفات الفعلیّة کلّها أسماء لفظیّة لتلک الأسماء العینیّة الکبار العظام و فیها من هو أحسن من غیره و فیها من هو أحسن من الکلّ و هو الاسم الأعظم.

الأمر الثالث: کما أشرنا الیه فی تفسیر الآیة الکریمة «وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني» الأسماء لیست فی حدّ واحد، بل فی ما بینها درجات فمخلوقات اللّه تعالی فی عالم النّاسوت علویّاته و سفلیّاته لیست فی حدّ مخلوقاته فی عالم الملکوت من الملائکة العظام و هم

ص: 40


1- . البقرة / 31

لیسوا فی حدّ من فی عالم الجبروت کمن حول العرش و هم لیسوا فی درجة حملة العرش و هم لیسوا فی رتبة الرّوح فأنّه خلق أعظم من الملائکة(1) فمخلوقات اللّه فی عالم النّاسوت تسمّی بالأسماء الجزئیّة الکونیّة و ما بإزائها فی عالم الملکوت یسمّی بالأسماءِ الجزئیّة المثالیّة و ما فوقها فی الملکوت العلیا من الملائکة العظام یسمّی بالنّفس الکلّیّة و ما فوقها فی عالم الجبروت یسمّی بالعقل الکلّیّ و بالأسماء الکلّیّة الإلهیّة و فوقها الأسماء الحسنی کما وردت فی الروایات المعتبرة(2).

اذا عرفت هذه الأمور الثلاثة و تدبّرت فیها تعرف أنّ کلّ واحد من الخلائق من عالم الملك الی الملکوت و من عالم الجبروت الی اللّاهوت(3) بمقدار ما له من العلم یکون اسماً له تعالی و مظهراً لخالقه العلیم القدیر و لکن لا یصل من هو اسم جزئیّ کونیّ فی عالم الطبیعة الی من هو اسم جزئیّ مثالیّ فی عالم الملکوت و هو لایصل الی من فوقه فی عالم الجبروت من الملائکة العظام و هم لایصلون الی جبرئیل فأنّه اسم کبیر من الأسماء و لذا جعله اللّه أمین وحیه و لکن له حدّ لیس له أن یتجاوز عنه و الّا لاحترقت أجنحته کما سیأتی فی الباب الآتی فهو اسم حسن و لکنّه لیس أحسن بل الأحسن هو الّذی دنیٰ فتدلّیٰ فکان قاب قوسین أو أدنیٰ و یتلوه أوصیائه الأسماء الحسنیٰ کما فی الرّوایات الواردة فی خلقهم النوریّ و ستأتی فی الباب الآتی.

و قد یتوهّم من هو جاهل بالمعارف الولائیّة و إن کان عالماً بالعلوم الظاهریّة أنّ النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) انّما وصل الی مقام أو أدنیٰ فی تلک اللیلة الّتی اسری به الی السّماء ثمّ تنزل عنه و لکنه توهّم فاسد لانّ من لم یکن أصله من ذلک المکان الرفیع لایمکن أن یصعد إلیه کما صرّح به الصادق (صلوات الله علیه) فی روایة معتبرة رواها علیّ بن ابراهیم القمیّ بسنده المتّصل عن ابن سنان عن

ص: 41


1- . تفسیر البرهان ج 8 ص 328
2- . الکافی ج 1 ص 164
3- . بحوث متفرقة ص 77

الصادق (صلوات الله علیه) قال: «أَوَّل مَنْ سَبَقَ مِنَ الرُّسُلِ اِلي بَلي رَسُولُ اللَّهِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ اَقْرَبُ الْخَلْقِ اِلَي اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي و كانَ بِالْمَكَانِ الَّذِي قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ لَمَّا اُسْرِيَ بِهِ اِلَی السَّماءِ تَقَدَّمْ يا مُحَمَّدُ فَقَدْ وَطِئتَ مَوْطِئاً لَمْ يَطَأْهُ اَحَدٌ قَبْلَكَ وَ لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لاَ نَبِيٌ مُرْسَلٌ وَ لَوْلاَ أَنَّ رُوحَهُ وَ نَفْسَهُ كَانَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَمَا قَدرَ اَنْ يَبْلُغَهُ فَكَانَ مِنَ اللَّهِ كَمَا قَالَ اَللَّهُ قابَ قَوْسَيْنِ اَوْ اَدْنی اَيْ بَلْ اَدْنیٰ فَلَمَّا خَرَجَ الْاَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَقَعَ اِلي اَوْلِيائِهِ»(1).

اقول: هذه الرّوایة الشّریفة کالصّریح فی أنّ الولایة التکوینیّة هی الاحاطة الظلّیة فما تقدّم فی آخر المقدّمة العاشرة من أنّ الولایة ظلّ التوحید منصوص و من الأسماء الحسنیٰ هو الممیت کما قال اللّه تعالی: «اللَّهُ يَتَوَفَّي الْأَنْفُسَ حينَ مَوْتِها» (2) فالّذی یمیت الأحیاء أوّلاً و بالذّات هو اللّه تعالیٰ و لکن له فی صفته هذه مظهر عظیم یسمّی عزرائیل کما قال اللّه تعالی: «قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذي وُکِّلَ بِکُمْ»(3)و لهذا الملک المقرّب العظیم أعوان من الملائكة الّتی دونه فی الدّرجة کما قال اللّه تعالی: «الَّذينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظالِمِی أَنْفُسِهِمْ»(4) فهؤلاء الملائکة المشار إلیهم فی هذه الآیة الکریمة هم أسماء للّه تعالی فی صفته هذه أعنی التوفّی و الإماتة و لکنّهم لایکونون فی رتبة عزرائیل و هو اسم عظیم للّه تعالی فی صفة التوفّي و الإماتة و لکنّه لیس اسماً أحسن لأنّه لم یقبض روح النبیّ الاکرم (صلی الله علیه و آله و سلم) الّا بعد الاستئذان منه(5)،فالاسم الأحسن لصفة التوفّي و الإماتة هو النبیّ و أوصیائه (صلوات الله علیهم) .

و من أسمائه تعالیٰ انّه هو المحیي کما قال اللّه تعالی : «ذلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّهُ

ص: 42


1- . تفسیر البرهان ج3 ص238
2- . الزمر / 42
3- . السجدة / 11
4- . النحل / 28
5- . بحارالانوار ج22 ص505 عن الصدوق فی الامالی ص 165-6

يُحْيِ الْمَوْتیٰ»(1) فهو الّذي یحیي الموتیٰ استقلالاً و له فی صفته هذه أعنی الإحیاء مظهر عظیم یسمّی باسرافیل کما قال اللّه تعالی : «وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَ کُلّ أَتَوْهُ داخِرينَ»(2) و قال: «وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثمّ نُفِخَ فيهِ أُخْریٰ فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ»(3)، فهاتان الآیتان المبارکتان کما تدلّان علی أنّ النافخ فی الصّور هو اسم عظیم للّه تبارك و تعالی فی صفة الإحیاء کذلك تدلّان علی انّه لا یکون اسماً أحسن فی هذه الصّفة و ذلک لقوله تعالی فی الآیتین «اِلاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ» و هذه المشیئة لیست مشیئة تشریعیّة بل تکوینیّة کما هو واضح لأنّ عالم الآخرة لیست عالم التشریع فمشیئته التکوینیّة تعلّقت بعدم موت من شاء اللّه فلایموت بالنفخة الاولی حتّی تحییه النفخة الثانیة فمعنا الآیتین و اللّه العالم انّ النافخ لمّا لم تکن سعته الوجودیّة فی رتبة من شاء اللّه فلا تؤثّر نفخته الأولی و لا الثّانیة فیهم فتحقّق انّ النافخ فی الصور لیس اسماً أحسن فی صفة الإماتة و الإحیاءِ بل الأحسن هم الّذین شاء اللّه عدم تأثیر النفختین فیهم مشیئة تکوینیّة أی من یکون أعلی درجةً من اسرافیل و أوسع وجوداً و أضوَء نوراً منه و هم الأسماء الحسنیٰ.

ومن الآیات الکریمة الّتی تدلّ علی علوّ الدرجة الوجودیّة و سموّ الرّتبة التکوینیّة للنبیّ الأکرم و اهل بیته الکرام (صلوات الله علیهم) هو قوله تعالی: «إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ کُلّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْليسَ اسْتَکْبَرَ وَ کانَ مِنَ الْکافِرينَ قالَ يا إِبْليسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْعالينَ»(4).

ص: 43


1- . الحج / 6
2- . النمل / 87
3- . الزمر / 68
4- . ص / 71 -75

فانّ اللّه تعالی ذمّ ابلیس علی ترکه السّجود لآدم فقال ما المانع من سجودك له أزعمت انّک کبیر مع انّک صغیر أم کنت من الّذین لهم علوّ الدرجة و سموّ الرتبة علی آدم فلم یأمرهم اللّه بالسّجود فلما لم تکن من هؤلاء العالین فقد استکبرت و کنت من الکافرین.

و بالجملة الآیة الکریمة دلّت بوضوح علی انّ اللّه خلق خلائق عالین و لم یأمرهم بالسّجود لآدم مع انّ الملائکة کلّهم امروا بالسّجود فسجد کلّهم أجمعون فالعالون هم الأفضلون من الملائکة کلّهم أجمعین بما فیهم جبرائیل و من فی درجته فلا جرم ینطبق علی الأنوار المقدّسة الّتی وردت بشأنهم الرّوایات المستفیضة الدالّة علی الخلق النوریّ العرشیّ لهم و هذه الروایات المستفیضة جمع أکثرها فی الجزءِ الخامس عشر من بحار الأنوار(1) و سیأتی بعضها فی الفصل الآتی ولنکتف هنا بما رواه الصدوق فی التوحید بسنده المتّصل عن ابی سعید الخدریّ قَالَ: «كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) اِذْ اَقْبَلَ اِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) اخْبِرْنِي عنْ قَولِ اللّهِ عَزَّوَ جَلَّ لِابْليسَ اَسْتَكْبَرْتَ اَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) اَلَّذِينَ هُمْ اَعْليٰ مِن الْمَلاَئِكَة الْمُقَرَّبِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) اَنَا وَعَلِيٌّ وَ فاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ كُنَّا فِي سُرَادِقِ الْعَرْشِ نُسَبِّحُ اللَّهَ فَسَبَّحَتِ الْمَلائِكَةُ بِتَسْبِيحِنَا قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ آدَمَ بَاِلْفَيْ عَامٍ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ اَمَرَ الْمَلائِكَةَ اَنْ يَسْجُدُوا لَهُ وَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالسُّجُودِ اِلاّ لِأجْلنا فَسَجَدَتِ الْمَلائِكةُ كُلُّهُمْ اَجْمَعُونَ اِلاّ ابْلِيسَ فَأَنَّهُ اَبي اَنْ يَسْجُدَ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ مَنْ هَؤُلاَءِ الْخَمْسة الْمَكْتوبَةِ اَسْمَاؤُهُمْ فِي سُرَادِقِ الْعَرْشِ فَنَحْنُ بَابُ اللَّهِ الَّذِي يُوتِي مِنْهُ بِنا يَهتَدِي الْمُهْتَدُونَ فَمَنْ اَحَبَّنَا اَحَبَّهُ اللَّهُ وَ اَسكَنَهُ جَنَّتَهُ ومَنِ ابْغَضَنَا اَبْغَضَهُ اللَّهُ وَ اَسْكَنَهُ نارُهُ وَ لاَ يُحِبُّنا اِلاّ مَن طابَ مَوْلِدُهُ»(2).

ص: 44


1- . بحارالانوار ج 15 ص 2-25
2- . تفسیر البرهان ج 6 ص 516

و من الآیات الکریمة الدالّة علی عُلُوّ النبیّ المصطفی المختار و أهل بیته الأطهار فی کلّ الصفات الکمالیّة الرّاجعة الی الوجود هو قوله تعالی: «کُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقي وَجْهُ رَبِّکَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِکْرامِ»(1) توجیه دلالة الآیة الشریفة هو انّه تعالی وصف وجهه بأنّه ذوالجلال و الاکرام کما وصف نفسه بهذا الوصف فی آخر السورة فقال: «تَبارَكَ اسْمُ رَبِّکَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِکْرامِ» (2) فاثبت لوجهه ما اثبت لنفسه من الصّفات الجمالیّة و الجلالیّة فکما انّه تعالی علیم قدیر سمیع بصیر حیّ مدرك مرید رازق خالق الی غیرها من الصّفات الجمالیّة الذاتیّة و الفعلیّة کذلک وجهه و کما انّه تعالی منزّه عن الصّفات السلبیّة فلایکون حالّاً و لامرکّباً و لا جسماً و لامرئیّاً فکذلک وجهه کما انّه تعالی اسند فی هذه الآیة الثانیة التبارک الّذی عبارة عن الصفات الجمالیّة الی وجهه الشّریف و قد أسنده فی آیة أخری إلی نفسه فقال: «فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقينَ»(3).

فالحاصل أنّ اللّه تعالی کلّ القدرة و کلّه القدرة و کلّ العلم و کلّه العلم الی آخر الصّفات کذلک وجهه کلّ القدرة و کلّه القدرة و کلّ العلم و کلّه العلم الی آخر الصفات و لکنّ اللّه تعالی کلّ العلم و کلّه العلم بنحو الحقّ الحقیقیّ و کلّ القدرة و کلّه القدرة بنحو الحقّ الحقیقیّ و لکن وجهه کذلک بنحو الحقّ الظلّی و لمّا کانت الصفات الکمالیّة راجعة الی الوجود فاللّه تعالی کلّه الوجود و کلّ الوجود وجوداً حقّاً حقیقیّاً و لکن وجهه کلّ الوجود و کلّه الوجود وجوداً حقّاً ظلّیّاً.

فما تقدّم فی المقدّمة الرّابعة من انّ الوجود المطلق ظلّ الحقّ قد انطبق علی وجه اللّه تعالی و ما تقدّم فی المقدّمة الثامنة من انّ الوجود الحقّ تعالی و تقدّس لابشرط مقسمیّ و

ص: 45


1- . الرحمن / 26
2- . الرحمن / 78
3- . المؤمنون / 14

لکنّ الوجود المنبسط الّذی هو الصادر الأوّل و ظلّ الحقّ، هو من قبیل الّلابشرط القسمیّ قد انطبق علی وجه اللّه تبارک و تعالی و یزیدک وضوحاً ما أفاده الحکیم المتألّه و المفسِّر المحقّق العلّامة الطباطبائی قال: و قال سبحانه أیضاً «کُلّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقي وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِکْرامِ» و قد اطبق القرّاء علی قرائة ذو بالرّفع و لیست صفة مقطوعة یشهد به قوله تعالی: «تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ» و «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلي» فهو صفة وجه و الجلال و الاکرام جامعان لصفات الجلال و الجمال جمیعاً فلایشذّ عنهما صفة من صفاته العلیا و لا اسم من أسمائه الحسنی فهؤلاء متمکّنون بینها و فیها و لا اسم لهم و لا رسم الا صفاته و أسمائه سبحانه و ارتفع الحجاب اذ لم یبق منهم و لامعهم و لا دونهم شيء و لا غیر وجهه ذی الجلال و الاکرام شيء، فافهم(1).

و قد روی الصدوق بسنده الصحیح قال حدّثنا احمد بن زیاد بن جعفر الهمدانی قال: «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ابْرَاهِيمَ عَنْ اَبِيهِ اِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ عبْدالسّلاَمِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ قَالَ قُلْتُ لِعَلِيِّ بْن موسي الرِّضَا: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَمَا مَعَني الْخَبَرُ الَّذِي رَوَوْهُ ان ثَوابَ لا اله اِلاّ اللَّهُ النَّظَرُ الی وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَي؟ فَقَالَ: يَا اباصَلْتُ مَن وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَي بِوَجهٍ كَالْوُجُوهِ فَقَد كَفَرَ وَ لكِنَّ وَجْهُ اللَّهِ تَعالي اَنْبِيَاؤُهُ وَ رُسُلُهُ وَ حُجَجُهُ (صلوات الله علیهم) هُمُ الَّذِينَ بِهِمْ يُتَوَجَّهُ اِلَي اللَّهِ وَ اِلي دِينِهِ وَ مَعْرِفَتِهِ»(2).

و قد وردت روایات کثیرة و فیها الصّحاح فی تفسیر قوله تعالی : «کُلُّ شَيْ ءٍ هالِکٌ إِلاَّ وَجْهَهُ»(3) تبلغ عشرین روتها المشایخ الثّقات الاثبات کعلیّ بن ابراهیم و الکلینیّ و البرقیّ و الصدوق.

ص: 46


1- . تحریر رسالة الولایة ج2 ص 361
2- . تفسیر البرهان ج 6 ص 390
3- . القصص / 88

منها ما رواه الکلینیّ عن مروان بن الصبّاح قال قال ابوعبداللّه (صلوات الله علیه): «اِنَّ اللّهَ خَلَقَنا فَاَحْسَنَ خَلْقَنا وَ صَوَّرَنَا فَاَحْسَنَ صُوَرَنَا وَ جَعَلَنَا عَيْنَهُ فِي عِبادِهِ وَ لِسانَهُ النَّاطِقَ في خَلقِهِ وَ يَدَهُ المَبسُوطَةَ عَلي عِبَادِهِ بِالرَّأْفَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ وَجْهَهُ الَّذِي يُؤْتيٰ مِنْهُ وَ بابَهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وَ خُزَّانَهُ فِي سَمائِهِ وَ اَرْضِهِ بِنَا اِثْمَرَّتِ الْأَشْجارُ وَ اَيْنَعَتِ الثِّمارُ وَ جَرَتِ الأَنْهَارُ وَ بِنَا يَنْزِلُ غَيْثُ السَّماءِ وَ يَنْبُتُ عُشْبُ الْاَرْضِ وَ بِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللَّهُ وَ لَوْلاَ نَحْنُ مَا عُبِدَ اللَّه»(1).

و منها ما رواه الصفّار بسند رفعه الی الحارث بن المغیرة قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ اَبِي عَبْدِاللَّهِ (صلوات الله علیه) فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) فَقَالَ: «مَا يَقُولُونَ فِيهِ؟» قُلْتُ: يَقُولُونَ يَهْلِكُ كُلُّ شَيْءٍ اِلاّ وَجْهَهُ. فَقَالَ: «سُبْحَانَهُ، لَقَدْ قَالُوا قَوْلاً عَظِيماً، اِنَّما عَنيٰ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجهَهُ الَّذي يُؤْتيٰ مِنْهُ وَ نَحْنُ وَجْهُهُ الَّذي يُؤتيٰ مِنْهُ».

وَ مَا رَوَاهُ اَلصَّدُوقُ بسنده الصَّحِيحِ عَنْ اَبي عَبْدِاللَّهِ (صلوات الله علیه) فِي قَوْلِ اللَّهِ: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) قَالَ: «مَنْ اَتَی اللَّهَ بِما اُمِرَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ مُحَمَّدٍ و الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ (صلوات الله علیهم) فَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لايَهْلِكَ» ثُمَّ قَرَأَ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ اَطاعَ اللَّهَ)(2).

أقول: السند معتبر لأنّه لا یکون فیه من یخدش فیه الاّ سهل بن زیاد و لکن أجاب عنه شیخنا الوحید مدّ ظلّه المدید بما لامزید علیه(3).

ص: 47


1- . تفسیر البرهان ج 6 ص 103
2- . تفسیر البرهان ج 6 ص 105
3- . العقد النضید ج 4 ص 10-14 بحوث متفرقه ص 45

الباب الثالث: فی بیان الرّوایات الدالّة علی أنّ

محمّداً و أهل بیته الأطهار أفضل الخلائق

فی الأدلّة النقلیّة الّتی دلّت علی انّ النبیّ المصطفی المختار و أهل بیته الأطهار أفضل الخلائق أجمعین و أقربهم من اللّه ربّ العالمین و هي علی طوائف:

الاولی: الروایات الّتی وردت فی تفسیر قوله تعالی: (فَتَلَقَّیٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ)(1) فمنها ما رواه الصّدوق بسنده المتّصل عن ابن عبّاس قالَ:

«سَأَلْتُ النَّبِيَّ عَنِ الْكَلِمَاتِ الَّتي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ فَتَابَ عليه، قال: سَأَلَهُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ و عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ اِلاّ تُبْتَ عَلَيَّ فَتابَ اللّهُ عَلَيْهِ»(2).

و منها ما رواه العیّاشی عن عبدالرّحمن بن کثیر عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قَالَ:

«إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَرَضَ عَلَى آدَمَ فِي الْمِيثَاقِ ذُرِّيَّتَهُ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلى عَلِيٍّ (صلوات الله علیه) وَ فَاطِمَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهَا تَتْلُوهُمَا وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ (صلوات الله علیهما) يَتْلُوَانِ فَاطِمَةَ، فَقَالَ اللَّهُ : يَا آدَمُ إِيَّاكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِمْ بِحَسَدٍ أُهْبِطْكَ مِنْ جِوَارِي فَلَمَّا أَسْكَنَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ مُثِّلَ لَهُ النَّبِيُّ وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ بِحَسَدٍ ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ فَأَنْكَرَهَا فَرَمَتْهُ الْجَنَّةُ بِأَوْرَاقِهَا فَلَمَّا تَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْ حَسَدِهِ وَ أَقَرَّ بِالْوِلَايَةِ وَ دَعَا بِحَقِّ الْخَمْسَةِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ...) الْآيَة»(3).

و منها ما رواه الصدوق فی الامالی بإسناده عن معمر بن راشد قال سمعت أباعبداللّه الصادق (صلوات الله علیه) يَقُولُ:

ص: 48


1- . البقرة / 37
2- . تفسیر البرهان ج 1 ص 195
3- . تفسیر البرهان ج 1 ص 196

«أَتىٰ يَهُودِيٌّ النَّبِيَّ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ جَعَلَ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا يَهُودِيُّ مَا حَاجَتُكَ؟ فقَالَ: أَنْتَ أَفْضَلُ أَمْ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّبِيُّ الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ وَ الْعَصَا وَ فَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ وَ أَظَلَّهُ بِالْغَمَامِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صلی الله علیه و آله و سلم) : إِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ وَ لَكِنِّي أَقُولُ إِنَّ آدَمَ لَمَّا أَصَابَ الْخَطِيئَةَ كَانَتْ تَوْبَتُهُ أَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لَمَّا غَفَرْتَ لِي فَغَفَرَهَا اللَّهُ لَهُ وَ إِنَ نُوحاً لَمَّا رَكِبَ فِي السَّفِينَةِ وَ خَافَ الْغَرَقَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لَمَّا أَنْجَيْتَنِي مِنَ الْغَرَقِ فَنَجَّاهُ اللَّهُ عَنْهُ وَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لَمَّا أَنْجَيْتَنِي مِنْهَا فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْداً وَ سَلاماً وَ إِنَّ مُوسَى لَمَّا أَلْقَىٰ عَصَاهُ وَ أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ لَمَّا آمَنْتَنِي فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ لاتَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلىٰ. يَا يَهُودِيُّ إِنَّ مُوسَى لَوْ أَدْرَكَنِي ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنْ بِي وَ بِنُبُوَّتِي مَا نَفَعَهُ إِيمَانُهُ شَيْئاً وَ لَا نَفَعَتْهُ النُّبُوَّةُ، يَا يَهُودِيُّ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِيَ الْمَهْدِيُّ إِذَا خَرَجَ نَزَلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ لِنُصْرَتِهِ فَقَدَّمَهُ وَ صَلَّىٰ خَلْفَه».(1)

الطائفة الثانیة: الروایات الواردة فی المعراج فی تفسیر قوله تعالی: (سُبْحانَ الَّذي أَسْریٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَیٰ)(2)و فی تفسیر قوله تعالی: (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّی فَکانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنیٰ)(3):

فمنها صحیحة عمر بن أذینة عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) رواها الکلینیّ ففیها : «ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَنَفَرَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى أَطْرَافِ السَّمَاءِ وَ خَرَّتْ سُجَّداً وَ قَالَتْ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ مَا أَشْبَهَ

ص: 49


1- . تفسیر البرهان ج 1 ص 199
2- . الاسراء / 1
3- . النجم / 9-7

هَذَا النُّورَ بِنُورِ رَبِّنَا فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ اجْتَمَعَتِ الْمَلَائِكَةُ فَسَلَّمَتْ عَلَى النَّبِيِّ (صلی الله علیه و آله و سلم) أَفْوَاجاً وَ قَالَتْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ أَخُوكَ إِذَا نَزَلْتَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ قَالَ النَّبِيُّ (صلی الله علیه و آله و سلم) أَ فَتَعْرِفُونَهُ قَالُوا وَ كَيْفَ لَا نَعْرِفُهُ وَ قَدْ أُخِذَ مِيثَاقُكَ وَ مِيثَاقُهُ مِنَّا وَ مِيثَاقُ شِيعَتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَيْنَا وَ إِنَّا لَنَتَصَفَّحُ وُجُوهَ شِيعَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ خَمْساً يَعْنُونَ فِي كُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ وَ إِنَّا لَنُصَلِّي عَلَيْكَ وَ عَلَيْه...

اَلْحَدِيثَ»(1) و الرّوایة طویلة نکتفی بهذه القطعة منها.

و منها ما رواه علیّ بن ابراهیم القمیّ بسنده المتّصل المعتبر عن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول لِعَلِيٍّ (صلوات الله علیه): «يا عَلِيُّ اِنَّ اللَّهَ اَشْهَدَكَ مَعِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ اَمّا اَوّلُ ذَلِكَ فَلَيْلَة اُسْرِي بِي اِلَي السَّماءِ قَالَ لِي جَبْرَئِيلُ اَيْنَ اَخُوكَ؟ فَقُلْتُ: خَلَّفْتُهُ وَرَائِي. قَالَ: اُدْعُ اللَّهَ فَلْيَأْتِكَ بِهِ فَاِذا مِثالُكَ مَعِي وَ اذا الْمَلاَئِكَةَ وُقُوفٌ صُفُوفٌ، فَقُلْتُ: يَا جَبْرَئِيلُ مَنْ هَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ: هُمُ الَّذِينَ يُبَاهِيهِمُ اللَّهُ بِكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَدَنَوْتُ وَ نَطَقْتُ بِمَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ اِلیٰ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... اَلْحَدِيثَ»(2).

و منها ما رواه الشیخ فی الامالی بسنده المتّصل عن انس قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم): لَمَّا عُرِجَ بِي اِلَي السَّمَاءُ دَنَوْتُ مِنْ رَبِّي حَتّی كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ اَدْنی، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ تُحِبُّ مِنَ اَلْخَلْقِ؟ قُلْتُ: يا رَبِّ عَلِيّاً، قَالَ: الْتَفِتْ يَا مُحَمَّدُ فَالْتَفَتُّ عَنْ يَسَارِي فَاِذَا عَلِيٌّ بْنُ أبِي طالِبٍ». (3)

الطائفة الثالثة: الروایات الکثیرة الّتی رواها المشایخ الثقات الاثبات کالصفّار و الکلینیّ

ص: 50


1- . الكافي ج 3 ص 483
2- . تفسیر البرهان ج 7 ص 347
3- . تفسير البرهان ج 7 ص 348

و الصدوق و المفید و الطوسیّ رضی اللّه عنهم فی تفسیر قوله تعالی: (وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ)(1) و لنکتف بما نقله المحدِّث البحرانیّ عن الصدوق بسنده المتّصل المعتبر عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمیرالمؤمنین علی بن ابی طالب (صلوات الله علیه) یقول: سمعت رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم)يَقُول:

«أَفْضَلُ الْكَلَامِ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ أَوَّلُ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَنْ أَوَّلُ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا وَ أَنَا نُورٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَ أُوَحِّدُهُ وَ أُسَبِّحُهُ وَ أُكَبِّرُهُ وَ أُقَدِّسُهُ وَ أُمَجِّدُهُ وَ يَتْلُونِي نُورٌ شَاهِدٌ مِنِّي. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَنِ الشَّاهِدُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي وَ صَفِيِّي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي وَ وَصِيِّي وَ إِمَامُ أُمَّتِي وَ صَاحِبُ حَوْضِي وَ حَامِلُ لِوَائِي. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يَتْلُوهُ؟ فَقَالَ: الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة».(2)

الطائفة الرابعة: الروایات المستفیضة الّتی رواها المحدّثون المتقدّمون الثقات الاثبات کالخزّاز القمیّ و الکلینیّ و الصدوق فی بیان الخلق النوریّ العرشیّ للنبیّ المصطفی المختار و أهل بیته الحجج الأبرار الأطهار (صلوات الله علیهم)، جمع أکثرها غوّاص بحار الأخبار فی الجزء الخامس عشر من کتابه القیِّم(3)

و المحدِّث البحرانی فی غایة المرام(4).

فمنها ما رواه الکلینیّ عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قال: «قَالَ اللَّهُ تَبارَكَ وَ تَعَالَي: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي خَلَقْتُكَ وَ عَلِيّاً نُوراً يَعْنِي رُوحاً بِلَا بَدَنٍ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَاوَاتِي وَ أَرْضِي وَ عَرْشِي وَ بَحْرِي فَلَمْ تَزَلْ تُهَلِّلُنِي وَ تُمَجِّدُنِي ثُمَ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً فَكَانَتْ تُمَجِّدُنِي

ص: 51


1- . هود / 17، فراجع تفسیر البرهان
2- . حلیة الابرار ج 1 ص 481
3- . بحار الانوار ج 15 ص25-2
4- . غایة المرام ج 1 ص 103-41

وَ تُقَدِّسُنِي وَ تُهَلِّلُنِي ثُمَّ قَسَمْتُهَا ثِنْتَيْنِ وَ قَسَمْتُ الثِّنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَصَارَتْ أَرْبَعَةً مُحَمَّدٌ وَاحِدٌ وَ عَلِيٌّ وَاحِدٌ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ثِنْتَانِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورٍ ابْتَدَأَهَا رُوحاً بِلَا بَدَنٍ ثُمَّ مَسَحَنَا بِيَمِينِهِ فَأَفْضَى نُورَهُ فِينَا».(1)

و منها ما رواه الکلینیّ عن المفضّل قال: «قُلت لابي عبداللَّهِ (صلوات الله علیه) كَيْفَ كُنْتُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي الْأَظِلَّةِ؟ فَقَالَ: يَا مُفَضَّلُ كُنَّا عِنْدَ رَبِّنا لَيسَ عِندَهُ احَدٌ غَيرُنا في ظُلَّةٍ خَضْراءَ نُسَبِّحُهُ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُهَلِّلُهُ وَ نُمَجِّدُهُ وَ ما مِن مَلَكٍ مُقَرَّبٍ و لا ذي رَوْحٍ غَيْرُنَا حَتّي بَدَا لَه في خَلْقِ الأَشْيَاء فَخَلَقَ ما شاءَ كَيْفَ شَاءَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ اُنْهَي عِلْمَ ذَلِكَ اِلَيْنَا».(2)

و منها ما رواه الصّدوق فی العیون و العلل و اکمال الدین بسنده المتّصل عن علیّ بن موسی الرضا (صلوات الله علیه) عن أبیه موسی بن جعفر عن أبیه جعفر بن محمّد عن أبیه محمّد بن علیّ عن أبیه علیّ بن الحسین عن أبیه الحسین بن علی عن أبیه علی بن أبی طالب (صلوات الله علیه) قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) : مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَفْضَلَ مِنِّي وَ لَا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنِّي. قَالَ عَلِيٌّ (صلوات الله علیه): فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَنْتَ أَفْضَلُ أَمْ جَبْرَئِيلُ؟ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَضَّلَ أَنْبِيَاءَهُ الْمُرْسَلِينَ عَلَى مَلَائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَ فَضَّلَنِي عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ الْفَضْلُ بَعْدِي لَكَ يَا عَلِيُّ وَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِكَ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَخُدَّامُنَا وَ خُدَّامُ مُحِبِّينَا، يَا عَلِيُّ (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ... وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)(3) بِوَلَايَتِنَا، يَا عَلِيُّ لَوْ لَا نَحْنُ مَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَ لَا حَوَّاءَ وَ لَا الْجَنَّةَ وَ لَا النَّارَ وَ لَا السَّمَاءَ وَ لَا الْأَرْضَ فَكَيْفَ لَا نَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ قَدْ سَبَقْنَاهُمْ إِلَى مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَ تَسْبِيحِهِ وَ تَهْلِيلِهِ وَ

ص: 52


1- . الکافی ج 1 ص 501
2- . الکافی ج 1 ص 502
3- . المؤمنون / 40

تَقْدِيسِهِ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلْقُ أَرْوَاحِنَا فَأَنْطَقَنَا بِتَوْحِيدِهِ وَ تَحْمِيدِهِ ثُمَّ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ فَلَمَّا شَاهَدُوا أَرْوَاحَنَا نُوراً وَاحِداً اسْتَعْظَمُوا أَمْرَنَا فَسَبَّحْنَا لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ أَنَّا خَلْقٌ مَخْلُوقُونَ وَ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِنَا فَسَبَّحَتِ الْمَلَائِكَةُ بِتَسْبِيحِنَا وَ نَزَّهَتْهُ عَنْ صِفَاتِنَا فَلَمَّا شَاهَدُوا عِظَمَ شَأْنِنَا هَلَّلْنَا لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّا عَبِيدٌ وَ لَسْنَا بِآلِهَةٍ يَجِبُ أَنْ نُعْبَدَ مَعَهُ أَوْ دُونَهُ فَقَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَلَمَّا شَاهَدُوا كِبَرَ مَحَلِّنَا كَبَّرْنَا لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ أَنَّ اللَّهَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُنَالَ عِظَمُ الْمَحَلِّ إِلَّا بِهِ فَلَمَّا شَاهَدُوا مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا مِنَ الْعِزَّةِ وَ الْقُوَّةِ قُلْنَا لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا حَوْلَ لَنَا وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَلَمَّا شَاهَدُوا مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْنَا وَ أَوْجَبَهُ لَنَا مِنْ فَرْضِ الطَّاعَةِ قُلْنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ لِتَعْلَمَ الْمَلَائِكَةُ مَا يَحِقُّ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَيْنَا مِنَ الْحَمْدِ عَلَى نِعْمَتِهِ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَبِنَا اهْتَدَوْا إِلَى مَعْرِفَةِ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَ تَسْبِيحِهِ وَ تَهْلِيلِهِ وَ تَحْمِيدِهِ وَ تَمْجِيدِه...» اَلْحَدِيثَ.(1)

و منها ما أخرجه الشیخ المتقدّم الخزّاز القمیّ فی کفایة الاثر و الشیخ الصّدوق فی کتاب النصوص عن أنس بن مالک عن رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) انه قال : «خَلَقَنِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ أَهْلَ بَيْتِي مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِسَبْعَةِ آلَافِ عَامٍ ثُمَّ نَقَلَنَا إِلَى صُلْبِ آدَمَ ثُمَّ نَقَلَنَا مِنْ صُلْبِهِ إِلَى أَصْلَابِ الطَّاهِرِينَ إِلَى أَرْحَامِ الطَّاهِرَاتِ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ كُنْتُمْ وَ عَلى أَيِّ مِثَالٍ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَشْبَاحاً مِنْ نُورٍ تَحْتَ الْعَرْشِ نُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُمَجِّدُهُ، ثُمَّ قَالَ (صلی الله علیه و آله و سلم): لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ وَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَدَّعَنِي جَبْرَائِيلُ، فَقُلْتُ لَهُ: فِي هَذَا الْمَكَانِ تُفَارِقُنِي؟ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَجُوزُهُ فَتُحْرَقَ أَجْنِحَتِي، ثُمَّ قَالَ: زُجَّ بِي فِي النُّورِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَ أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَيَّ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي اطَّلَعْتُ إِلَى الْأَرْضِ اطِّلَاعَةً فَاخْتَرْتُكَ مِنْهَا فَجَعَلْتُكَ نَبِيّاً ثُمَّ اطَّلَعْتُ ثَانِيَةً فَاخْتَرْتُ مِنْهَا عَلِيّاً وَ جَعَلْتُهُ وَصِيَّكَ وَ وَارِثَكَ

ص: 53


1- . غایة المرام ج 1 ص 9-77

وَ وَارِثَ عِلْمِكَ وَ الْإِمَامَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أُخْرِجُ مِنْ أَصْلَابِكُمَا الذُّرِّيَّةَ الطَّاهِرَةَ وَ الْأَئِمَّةَ الْمَعْصُومِينَ خُزَّانَ عِلْمِي فَلَوْلَاكُمْ مَا خَلَقْتُ الدُّنْيَا وَ لَا الْآخِرَةَ وَ لَا الْجَنَّةَ وَ لَا النَّارَ يَا مُحَمَّدُ أَ تُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَنُودِيتُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَنْوَارِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ مِنْ بَيْنِهِمْ نُوراً كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌ فَقُلْتُ يَا رَبِّ وَ مَنْ هَؤُلَاءِ وَ مَنْ هَذَا قَالَ يَا مُحَمَّدُ هُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِكَ الْمُطَهَّرُونَ مِنْ صُلْبِكَ وَ هَذَا الْحُجَّةُ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا وَ يَشْفِي صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ فَقُلْنَا بِآبَائِنَا وَ أُمَّهَاتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ قُلْتَ عَجَباً فَقَالَ (صلی الله علیه و آله و سلم): وَ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْماً يَسْمَعُونَ مِنِّي هَذَا الْكَلَامَ ثُمَ يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَ يُؤْذُونَنِي فِيهِمْ مَا لَهُمْ لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي».(1)

الطائفة الخامسة: الروایات الکثیرة الواردة فی تفسیر عالم الذّر:

فمنها ما رواه الشّیخان الصفّار و الکلینیّ عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه): «أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) : بِأَيِّ شَيْ ءٍ سَبَقْتَ الْأَنْبِيَاءَ وَ أَنْتَ بُعِثْتَ آخِرَهُمْ وَ خَاتَمَهُمْ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِرَبِّي وَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَ حِينَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ (وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ نَبِيٍّ قَالَ بَلَى فَسَبَقْتُهُمْ بِالْإِقْرَارِ بِاللَّه»(2).

و الإشکال فی سند الرّوایة باشتماله علی صالح بن سهل قد أجاب عنه المحدّث النوریّ فقال انه من حملة اسرار الأئمّة فلذا رموه بالغلوّ.(3)

ص: 54


1- . غایة المرام ج 1 ص 3- 91
2- . بصائر الدرجات ص 123، الکافی ج 1 ص 501
3- . خاتمة المستدرك ج 3 ص 12-509

و منها ما رواه الکلینیّ فی باب طینة المؤمن و الکافر عن أبي جعفر (صلوات الله علیه) قال: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى حَيْثُ خَلَقَ الْخَلْقَ ثُمَّ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى النَّبِيِّينَ فَقَالَ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ثُمَّ قَالَ وَ أَنَّ هَذَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ أَنَّ هَذَا عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا بَلَى فَثَبَتَتْ لَهُمُ النُّبُوَّةُ وَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أُولِي الْعَزْمِ أَنِّي رَبَّكُمْ وَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ وُلَاةُ أَمْرِي وَ خُزَّانُ عِلْمِي وَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ أَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِي وَ أُظْهِرُ بِهِ دَوْلَتِي وَ أَنْتَقِمُ بِهِ مِنْ أَعْدَائِي وَ أُعْبَدُ بِهِ طَوْعاً وَ كَرْهاً قَالُوا أَقْرَرْنَا وَ شَهِدْنَا يَا رَبِّ وَ لَمْ يَجْحَدْ آدَمُ وَ لَمْ يُقِرَّ فَثَبَتَتِ الْعَزِيمَةُ لِهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ فِي الْمَهْدِيِّ وَ لَمْ يَكُنْ لآِدَمَ عَزْمٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِه وَ هُوَ قَوْلُهُ (لَقَدْ عَهِدْنَا اِلی آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) اَلْحَدِيث».(1)

و منها صحیحة ابن سنان عن الصادق (صلوات الله علیه) : «كَانَ ذَلِكَ الْمِيثَاقُ مَأْخُوذاً عَلَيْهِمْ للَّهِ بِالرُّبُوبِيَّة وَ لِرَسُولِهِ بِالنُّبُوةِ وَ لِأَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ وَ الْاَئمَّةِ بِالْامامَة». (2)

و منها رواه الشیخ الصفّار عن احمد بن محمّد عن الحسن بن موسی عن علیّ بن حسّان عن عبد الرّحمن بن کثیر عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) فی قول اللّه تعالی: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الی آخر الآیة قَالَ: «اَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ اِلي يَوْمِ الْقِيامَةِ فَخَرَجُوا كَالذَّرِّ فَعَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ وَ لَوْلا ذلِك لمْ يَعْرِفْ اَحَدٌ رَبَّهُ ثُمَّ قَالَ اَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلی وَ اَنَّ هَذا مُحَمَّدٌ رَسُولِي وَ عَلِيٌّ أميرالمُؤْمنِينَ خَلِيفَتِي وَ أَمينِي».(3)

اقول: الروایة معتبرة صحیحة لأنّ الشیخ الصفّار من أجلّاء الطبقة الثامنة فالحسن بن موسی الّذی روی عنه الصفّار هو الخشّاب الّذی یروی عن الامّام العسکری (صلوات الله علیه) و هو من

ص: 55


1- . الکافی ج 2 ص 30
2- . تفسیر البرهان ج3 ص 238
3- . بصائر الدرجات ص 106

الطبقة السابعة و قد صرّح بوثاقته فی کتب الرجال(1) و أمّا علیّ بن حسّان فهو الواسطیّ الّذی من الطبقة الخامسة فهو الّذی یمکن للحسن بن موسی أن یروی عنه و هو ثقة کما صرّح به الکشّی(2) و أمّا عبدالرحمن بن کثیر الهاشمیّ فاستظهر الوحید البهبهانیّ وثاقته من روایة الاجلّاء الثقات کتبه و اکثار الاجلّة من الرّوایة عنه(3) و نظیر هذه الرّوایة ما رواه العیّاشی مرسلاً و الکلینیّ مسنداً عن جابر عن أبی جعفر الباقر (صلوات الله علیه). (4)

اقول: هذه الطوائف الخمسة من الرّوایات متواترة تواتراً معنویّاً أعنی أنَّ لها معنی واحداً و مفهوماً فارداً و هو انّ النبیّ الأکرم و أهل بیته الکرام صلوات اللّه علیهم مخلوقون خلقاً نوریّاً عرشیّاً و به فضّلهم اللّه تعالی علی سائر الخلائق من الأنبیاء و المرسلین و الملائکة المقرّبین و السّموات و الأرضین و من یکون هذا شأنه فهو أقرب الخلائق من اللّه ربّ العالمین، فلا جرم یکون واسطاً فی افاضة الفیض و اضائة النور الی السائرین و بالجملة هذا الخلق النوریّ الّذی هو أفضل الخلائق أجمعین و أقربهم من ربّ العالمین هو مجری الفیوضات الربّانیّة و الأنوار الرّحمانیّة فما تقدّم فی المقدّمة الرابعة من انّ الوجود المطلق برزخ بین الحقّ تعالی و تقدّس و بین الوجودات المقیّدة و انّه لایمکن افاضة الفیض و اضائة النّور من الحقّ الی المقیّدات الاّ من مجری الوجود المطلق قد انطبق علی الخلق النوریّ الثابت للنبیّ الأکرم و اهل بیته الکرام (صلوات الله علیهم).

ص: 56


1- . معجم رجال الحدیث ج5 ص14 – الوسائل ج30 ص 348
2- . اختیار معرفة الرجال ص 452
3- . منهج المقال ج6 ص359
4- . تفسیر البرهان ج3 ص238 و ص244

الباب الرابع:

فی بیان الرّوایات الدالّة علی أنَّ محمّداً و أهل بیته الأطهار عالمون بالغیب

فی ما یدلّ علی سعة علم النبیّ الأکرم و أهل بیته الکرام (صلوات الله علیهم) و انّهم یعلمون الغیب و لایشذّ عن علمهم شیء و حلّ التعارض المترآی فی ظواهر الآیات و الروایات، فنقول قال اللّه تعالی: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ)(1) و قد روی الکلینیّ بسنده المعتبر عن سدیر الصیرفیّ قال: سمعت حمران بن أعین یسأل أباجعفر (صلوات الله علیه) «فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ: أَ رَأَيْتَ قَوْلَهُ (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (صلوات الله علیه): إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ... وَ أَمَّا قَوْلُهُ: (عالِمُ الْغَيْبِ) فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا غَابَ عَنْ خَلْقِهِ بِمَا يُقَدِّرُ مِنْ شَيْ ءٍ وَ يَقْضِيهِ فِي عِلْمِهِ فَذَلِكَ يَا حُمْرَانُ عِلْمٌ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ إِلَيْهِ فِيهِ الْمَشِيَّةُ فَيَقْضِيهِ إِذَا أَرَادَ وَ يَبْدُو لَهُ فِيهِ فَلَا يُمْضِيهِ فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي يُقَدِّرُهُ اللَّهُ وَ يَقْضِيهِ وَ يُمْضِيهِ فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) ثُمَّ إِلَيْنَا».(2)

اقول: الروایة معتبرة إذ لایکون فی سندها من یخدش فیه غیر عبداللّه بن محمّد بن عیسی و هو الاشعریّ الملقّب ببُنان و هو ثقة علی ما حقّقه المحدّث النوریّ فی خاتمة المستدرک(3).

دلّ قوله (صلوات الله علیه) : «فامّا العلم الّذی یقدّره اللّه ...» علی انّ جمیع ما فی اللّوح المحفوظ معلوم للنبیّ و أوصیائه (صلوات الله علیهم). و أمّا قوله (صلوات الله علیه): «علم موقوف عنده ...» فهو و اللّه العالم اشارة الی منشأ البداء أعنی مرتبة من العلم الّتی هی عین الذّات فانّ لعلمه تعالی مراتب کما ذکرناه فی رسالة الطلب و الإراده(4) و الشّاهد لهذا التفسیر قول أبی جعفر (صلوات الله علیه) فی معتبرة الفضیل بن

ص: 57


1- . الجن / 26
2- . تفسیر البرهان ج 8 ص 145
3- . خاتمة المستدرک ج 3 ص 340
4- . بحوث متفرقة ص 94

یسار.... و علم عنده مخزون یقدّم منه ما یشاء و یؤخّرمنه ما یشاء و یثبت ما یشاء.(1)

و من الآیات الدالّة علی سعة علمهم قوله تعالی: (قُلْ کَفی بِاللَّهِ شَهيداً بَيْني وَ بَيْنَکُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ)(2)

و قد وردت روایات تبلغ نیّفاً و عشرین فی تفسیر هذه الآیة المبارکة و انّ من عنده علم الکتاب هو أمیرالمؤمنین و أوصیائه(3).

منها ما رواه الکلینیّ عن برید بن معاویة قال قُلْتُ لاَبِي جَعْفَرٍ (صلوات الله علیه) (قُلْ كَفی بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) قالَ: اِيَّانا عَنيٰ وَ عَلِيٌّ اَوّلُنا وَ اَفْضَلُنا وَ خَيْرُنا بَعْدَ النَّبِيِّ (صلی الله علیه و آله و سلم).(4)

و منها صحیحة عبداللّه بن بکیر عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَهُ فَذَكَرُوا سُلَيْمَانَ وَ ما اُعْطِيَ مِنَ العِلمِ وَما اُوتِيَ مِنَ الْمُلْكِ فَقَالَ لِي: وَ مَا اُعْطِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ داوُدَ اِنّما كَانَ عِنْدَهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنَ الاِسْمِ الأَعْظم وَ صَاحِبُكُمُ اَلَّذِي قَالَ اللَّه (قُلْ كَفيٰ بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكتابِ) وَ كَانَ وَ اللَّهِ عِنْدَ عَلِيٍ (صلوات الله علیه) عِلْمُ الْكِتَابِ، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ وَ اللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاك».(5)

و منها صحیحة برید بن معاویة قَالَ: «قُلْتُ لاَبِي جَعْفَرٍ (صلوات الله علیه) (قُلْ كَفی بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) قالَ: اِيَّانا عَنيٰ وَ عَلِيٌّ (صلوات الله علیه) اَوّلُنَا وَ اَفْضَلُنَا وَ خَيْرُنَا بَعْدَ النَّبِيِّ (صلی الله علیه و آله و سلم)».(6)

ص: 58


1- . الکافی ج 1 ص 167
2- . الرعد / 43
3- . تفسیر البرهان ج 4 ص 304-298
4- . تفسیر البرهان ج 4 ص 298
5- . بصائرالدرجات ص 280
6- . بصائرالدرجات ص 283

اقول: سیاق الآیة یدلّ علی انّ المراد بالکتاب هو اللّوح المحفوظ لأنّه تعالی ذکر قبله بثلاث آیات: (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِت وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ)(1) کما صرّح به الصّادق (صلوات الله علیه) فی روایة رواها الطبرسیّ فی «الاحتجاج» ففیها قَالَ عَنْ صَاحِبِكُمْ يَعْنِي أمِيرالمُؤْمِنِينَ (صلوات الله علیه) : (قُلْ کَفی بِاللَّهِ شَهيداً بَيْني وَ بَيْنَکُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ) و قال اللّه: (وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاَّ في کِتابٍ مُبينٍ)(2) وَ عِلْمُ هذَا الْكِتَابِ عِنْدَهُ.(3)

و منها الروایات الکثیرة الواردة فی تفسیر قوله تعالی: (وَ ما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(4) فمنها صحیحة برید العجلی عن أبی جعفر (صلوات الله علیه) فی قول اللّه تعالی: (وَ ما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) اَفْضَلُ الرَّاسِخِينَ قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ مَا اَنزلَ اللَّهُ اِلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيلِ وَ التَّأْويلِ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يُعَلِّمهُ تَأويلَهُ وَ أوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُونَهُ كُلَّهُ...» الْحَدِيث. (5)

و منها ما رواه ثقة الاسلام الکلینیّ عن الحسین بن محمّد عن معلّی بن محمّد عن محمّد بن أورمة عن علیّ بن حسّان عن عبدالرحمن بن کثیر عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قَالَ: «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ اَمِيرالْمُؤْمِنِينَ وَ الْاَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ».(6)

و الروایة معتبرة لأنّ الحسین بن محمّد هو الأشعریّ القمیّ الثقة(7) و أمّا المعلّی فاستظهر المحدِّث النوریّ من اکثار الکلینیّ الروایة عنه و روایة الاجلّاء عنه لاسیّما ابن الولید الّذی

ص: 59


1- . الرعد / 39
2- . الانعام / 59
3- . تفسیر البرهان ج 4 ص 302
4- . آل عمران / آیه 7
5- . تفسیرالبرهان ج 2 ص 11-8
6- . بصائرالدرجات ص 268
7- . الکافی ج 1 ص 239

حاله فی التحرّز عن الضعفاء و المتّهمین معلوم و ثاقته(1) مضافاً الی انّه صاحب کتاب معتمد فی مشیخة الفقیه(2) و أمّا محمّد بن أورمة فقد رماه القمیّون بالغلوّ و لا اعتبار بهذا الرّمی کما نبّهنا علیه مراراً و قد أوضح الوحید البهبهانی فساد ما رموه بما لامزید علیه(3) و أمّا علیّ بن حسّان فان کان هو الواسطیّ فلا اشکال فی وثاقته و ان کان هو الهاشمیّ و هو ابن اخ لعبدالرحمن بن کثیر فقد حکم بصحّة اخبارهما الصدوقان و استظهر الوحید البهبهانیّ و المحدّث النوریّ وثاقتهما(4). و الحاصل أنّ السند لا بأس به فالرّوایة معتبرة فالجمع بین الآیتین هو أنّ اللّه عالم باللّوح المحفوظ ذاتاً و أسمائه الحسنی عالمون به بإذن اللّه و تعلیمه ایّاهم.

و منها الروایات الواردة فی الاسم الأعظم فی البصائر و الکافی و هی کثیرة فلا حاجة الی تحقیق أسنادها منها روایة جابر عن أبی جعفر (صلوات الله علیه) قَالَ: «إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً وَ إِنَّمَا عِنْدَ آصَفَ مِنْهَا حَرْفٌ وَاحِدٌ فَتَكَلَّمَ بِهِ فَخُسِفَ بِالْأَرْضِ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَرِيرِ بِلْقِيسَ ثُمَ تَنَاوَلَ السَّرِيرَ بِيَدِهِ ثُمَّ عَادَتِ الْأَرْضُ كَمَا كَانَتْ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ وَ عِنْدَنَا نَحْنُ مِنَ الِاسْمِ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً وَ حَرْفٌ عِنْدَ اللَّهِ اسْتَأْثَرَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم»(5).

و منها ما رواه الکلینیّ بسند رفعه الی أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) یقول: «إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أُعْطِيَ حَرْفَيْنِ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا وَ أُعْطِيَ مُوسَى أَرْبَعَةَ أَحْرُفٍ وَ أُعْطِيَ إِبْرَاهِيمُ ثَمَانِيَةَ أَحْرُفٍ وَ

ص: 60


1- . وسائل الشیعة ج 3 ص 355
2- . خاتمة المستدرک ج 2 ص 791
3- . خاتمة المستدرک ج 3 ص 757
4- . منهج المقال ج 8 ص 151
5- . بصائرالدرجات ص 274 و الکافی ج 1 ص 256

أُعْطِيَ نُوحٌ خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً وَ أُعْطِيَ آدَمُ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ حَرْفاً وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِمُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ ثَلَاثَةٌ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ (صلی الله علیه و آله و سلم) اثْنَيْنِ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً وَ حُجِبَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِد».(1)

اقول: الحرف الواحد الّذی استأثر اللّه به فی علم الغیب هو الذّات فهو أعظم من سائر الحروف و الدّلیل علی انّه هو الذات هو انّ محمّداً (صلی الله علیه و آله و سلم) دنی فتدلّی فکان قاب قوسین أو أدنی فلم یستر علیه شيء غیر الذّات و إن شئت قلت الحرف الّذی استأثر اللّه به هو مرتبة من العلم هی عین الذّات و الشاهد له هو قول الصّادق (صلوات الله علیه) فیما رواه الصفّار عن البرقیّ: «وَ احْتَجَبَ حَرْفاً لِئَلايَعْلَمَ مَا فِي نَفْسِهِ وَ يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِ اَلْعِبَادِ»(2).

و منها الروایات الواردة فی الصّحیفة و الجفر و الجامعة و مصحف فاطمة (صلوات الله علیها) فمنها صحیحة أبی بصیر قال: «دخلت علی أبی عبدالله (صلوات الله علیه) فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فَداكَ انِّي اسئَلُكَ عَن مَسْأَلَةٍ... ثُمَّ قَالَ (صلوات الله علیه): وَ إِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ (صلوات الله علیها) وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ (صلوات الله علیها). قَالَ قُلْتُ: وَ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ (صلوات الله علیها)؟ قَالَ: مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَ اللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ. قَالَ قُلْتُ: هَذَا وَ اللَّهِ الْعِلْمُ. قَالَ: إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ مَا هُوَ بِذَاكَ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَ قَالَ: إِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ مَا كَانَ وَ عِلْمَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ. قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا وَ اللَّهِ هُوَ الْعِلْمُ. قَالَ: إِنَّهُ لَعِلْمٌ وَ لَيْسَ بِذَاكَ، قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيُّ شَيْ ءٍ الْعِلْمُ؟ قَالَ: مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِ الْأَمْرِ وَ الشَّيْ ءُ بَعْدَ الشَّيْ ءِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة».(3)

ص: 61


1- . الکافی ج 1 ص 256
2- . بصائرالدرجات ص 275
3- . الکافی ج 1 ص 265

و قد روی الشیخ الثقة الثبت الجلیل الصّفار فی هذا الباب ثلاثین و نیّفاً من الأحادیث(1) و منها الروایات الصریحة فی انّ النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمّة (صلوات الله علیهم) یعلمون علم ما کان و ما هو کائن الی یوم القیامة و انّه لایخفی علیهم الشيء، فمنها صحیحة أبی بصیر عن أبی جعفر (صلوات الله علیه) قال: «سُئِلَ عليٌّ عَنْ عِلْمِ النَّبِيِّ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَقَالَ: عِلْمُ النَّبِيِّ عِلْمُ جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَ عِلْمُ ما كَانَ وَ عِلْمُ مَا هُوَ كَائِنٌ الي قِيَامِ السَّاعَةِ. ثمّ قال: وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ اِنِّي لَاَعْلَمُ عِلْمَ النَّبِيِّ (صلی الله علیه و آله و سلم) و عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَ قِيَامِ السَّاعَةِ»(2).

و منها صحیحة الفضلاء سمعوا أباعبداللّه (صلوات الله علیه) يَقُولُ: «إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ أَعْلَمُ مَا فِي الْأَرَضِينَ وَ أَعْلَمُ مَا فِي الْجَنَّةِ وَ أَعْلَمُ مَا فِي النَّارِ وَ أَعْلَمُ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْئَةً فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ كَبُرَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ فَقَالَ: عَلِمْتُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ء)».(3)

و الاشکال فی سند الروایة باشتماله علی محمّد بن سنان لاینبغی صدوره من العلّامة المجلسی(4) و قد أجاب عنه أبوه المحقّق فی شرح الفقیه کما نقلناه فی الفوائد الرجالیّة.(5)

و بازاء هذه الرّوایات روایات أخر یظهر منها أنّ الأئمّة (صلوات الله علیهم) لایعلمون الغیب کلّه و هی طوائف من الأخبار:

الأولی: ما دلّ علی أنّهم یزدادون فی لیلة الجمعة فمنها ما رواه الکلینیّ بسنده المتّصل عن أبی یحیی الصنعانیّ عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قال: «قَالَ لِي: يَا أَبَا يَحْيَى إِنَّ لَنَا فِي لَيَالِي

ص: 62


1- . بصائرالدرجات ص 219-208
2- . بصائرالدرجات ص 179
3- . الکافی ج 1 ص 288 .
4- . مرآة العقول ج 3 ص 130
5- . بحوث متفرقة ص 44 روضة المتقین ج 14 ص 28

الْجُمُعَةِ لَشَأْناً مِنَ الشَّأْنِ. قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا ذَاكَ الشَّأْنُ؟ قَالَ: يُؤْذَنُ لِأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ الْمَوْتَى وَ أَرْوَاحِ الْأَوْصِيَاءِ الْمَوْتَى وَ رُوحِ الْوَصِيِّ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى تُوَافِيَ عَرْشَ رَبِّهَا فَتَطُوفُ بِهِ أُسْبُوعاً وَ تُصَلِّي عِنْدَ كُلِّ قَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تُرَدُّ إِلَى الْأَبْدَانِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا فَتُصْبِحُ الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَوْصِيَاءُ قَدْ مُلِئُوا سُرُوراً وَ يُصْبِحُ الْوَصِيُّ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ وَ قَدْ زِيدَ فِي عِلْمِهِ مِثْلُ جَمِّ الْغَفِير»(1).

الثانیة: ما دلّ علی انّهم لولا یزدادون لنفد ما عندهم فمنها صحیحة صفوان بن یحیی قال: «سمعت اباالحسن (صلوات الله علیه) يَقُولُ كَانَ جَعْفَرَ بْنُ مُحَمَّدٍ (صلوات الله علیهما) يَقُولُ لَوْلاَ أَنَّا نَزْدَادُ لاَنْفَدْنَا».(2)

الثالثة: ما دلّ علی انّهم إذا شاؤون یعلموا علموا فمنها خبر أبی عبیدة المدائنی عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قال: «إِذا أَرادَ الْإمامُ أَنْ یَعْلَمَ شَیْئاً أَعْلَمُهُ اللّهُ ذلِکَ»(3).

الرابعة: الروایات الواردة فی تفسیر قوله تعالی: (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ)(4) فمنها روایة عبداللّه بن مسکان عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قال: «إِذا كَانَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّوحُ وَ الْكَتَبَةُ اِليٰ سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَكْتُبُونَ مَا يَكُونُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي فِي تِلْكَ السَّنَةِ فاِذا اَرادَ اللَّهُ اَنْ يُقَدِّمَ اَوْ يُؤَخِّرَ اَوْ يَنْقُصَ شَيْئاً اَوْ يَزِيدَهُ اَمَرَ الْمَلَكَ اَنْ يَمْحُوَ ما يَشاءُ ثُمَّ اَثْبَتَ الَّذِي اَرادَ، قُلْتُ: وَ كُلُّ شِئْ عِنْدَهُ بِمِقْدار مُثْبَتٍ فِي كِتَابِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَأَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ بَعْدَهُ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ ثُمَّ يُحْدِثُ الله اَيْضاً مَا يَشَاءُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي»(5).

ص: 63


1- . الکافی ج 1 ص 279
2- . الکافی ج 1 ص 280
3- . الکافی ج 1 ص 284
4- . الرعد / 39
5- . تفسیرالبرهان ج 4 ص 291

و منها صحیحة محمّد بن مسلم قال: «سئل أبوجعفر (صلوات الله علیه) عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ: تَنَزَّلُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّوحُ وَ الْكَتَبَةُ اِلیٰ سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَكْتُبُونَ مَا هُوَ كَائِنٌ فِي امر السَّنَةِ وَ مَا يُصِيبُ الْعِبَادَ فِيها وَ اَمْرٌ مَوْقُوفٌ لِلَّهِ تَعالَي فِيهِ الْمَشِيئَةُ يُقَدِّمُ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَی : (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتابِ)(1).

و منها ما رواه الکلینیّ عن محمّد بن اسماعیل عن الفضل بن شاذان عن حمّاد بن عیسی عن ربعیّ بن عبداللّه عن الفضیل بن یسار قال: «سمعت أباجعفر (صلوات الله علیه) يَقُولُ الْعِلْمُ عِلْمَانِ فَعِلْمٌ عِنْدَ اللَّهِ مَخْزُونٌ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ وَ عِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ فَمَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَا يُكَذِّبُ نَفْسَهُ وَ لَا مَلَائِكَتَهُ وَ لَا رُسُلَهُ وَ عِلْمٌ عِنْدَهُ مَخْزُونٌ يُقَدِّمُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ مَا يَشَاء».(2)

اقول: الروایة معتبرة إذ لم یکن فی سندها من یخدش فیه غیر ربعیّ و لایضرّ بالسند لأنّ الرّاوی عنه هو حمّاد بن عیسی الّذی هو ممّن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنهم.

و منها صحیحة معمّر بن خلّاد قَالَ: «سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ (صلوات الله علیه) رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ فَقَالَ لَهُ أَ تَعْلَمُونَ الْغَيْبَ؟ فَقَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (صلوات الله علیه): يُبْسَطُ لَنَا الْعِلْمُ فَنَعْلَمُ وَ يُقْبَضُ عَنَّا فَلَا نَعْلَمُ وَ قَالَ سِرُّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَسَرَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ وَ أَسَرَّهُ جَبْرَئِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ أَسَرَّهُ مُحَمَّدٌ (صلی الله علیه و آله و سلم) إِلَى مَنْ شَاءَ اللَّه».(3)

اقول: قد عرفت اختلاف الرّوایات فی علم الأئمّة (صلوات الله علیهم) کمّاً و کیفاً و العلماء ذهبوا یمیناً و شمالاً فی کیفیّة الجمع بینها لایهمنّا التعرّض لأکثر الاقوال فأنّها سخیفة(4) و قد توقّف الشّیخ

ص: 64


1- . تفسیرالبرهان ج 4 ص 291
2- . الکافی ج 1 ص 167
3- . الکافی ج 1 ص 282
4- . اوائل المقالات ص 21 الفوائد الطوسیة ص 114 و ص 207

الاعظم فقال:

«و أمّا مسألة مقدار معلومات الإمام من حیث العموم و الخصوص و کیفیّة علمه بها من حیث توقّفه علی مشیّتهم أو علی التفاتهم إلی نفس الشّيء أو عدم توقّفه علی ذلک فلا یکاد یظهر من الأخبار المختلفة فی ذلک ما یطمئنّ به النفس فالأولی و کول علم ذلک إلیهم صلوات اللّه علیهم أجمعین».(1)

و لنکتف بأهمّ الأقوال فی حلّ التعارض المترآی فی الآیات و الروایات:

الأوّل: ما أفاده غوّاص بحار الأخبار العلّامة المجلسیّ قال: «مقتضی الجمع بین الآیات و الأخبار حملها علی انّ نفی الغیب عنهم معناه انّهم لایعلمون ذلک من أنفسهم بغیر تعلیمه تعالی بوحی أو إلهام و الاّ فظاهر أنّ عمدة معجزات الأنبیاء و الأوصیاء (صلوات الله علیهم) من هذا القبیل واحد وجوه اعجاز القرآن أیضاً الأخبار بالغائبات» إلی آخر ما أفاده أعلی اللّه تعالی مقامه.(2)

و قد سلک هذا المسلک فی الجمع بین الآیات العلّامة الطباطبائی (قدس سره) فی تفسیر قوله تعالی: (قُلْ ما کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْري ما يُفْعَلُ بي وَ لا بِکُمْ)(3) فقال:

«و نفی الآیة العلم بالغیب عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) لاینافی علمه بالغیب من طریق الوحی کما یصرّح تعالی به فی مواضع من کلامه کقوله: (ذلِکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحيهِ إِلَيْکَ)(4) و قوله: (تِلْکَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ)(5) و قوله: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ)(6) .... وجه عدم المنافاة أنّ الآیات النافیة للعلم بالغیب عنه و عن سائر الأنبیاء

ص: 65


1- . فرائد الاصول ج 2 ص 134
2- . مرآة العقول ج 3 ص 117 جواهر الکلام ج 1 ص 361 الوافی ج 3 ص 593
3- . الاحقاف / 9
4- . آل عمران / 44
5- . هود / 49
6- . الجن / 27

انّما تنفیه عن طبیعتهم البشریّة.... و هذا لاینافی انکشاف الغیب لهم بتعلیم الهیّ من طریق الوحی کما أنّ إتیانهم بالمعجزات فیما اتوا بها لیس عن قدرة نفسیّة فیهم یملکونها لأنفسهم بل بإذن اللّه تعالی».(1)

و هکذا قال فی تفسیر قوله تعالی: (وَ لَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ)(2) قال: «و لایعلم الغیب حقیقة غیره تعالی إلاّ بوحی و تعلیم الهیّ».(3)

الثانی: ما أفاده الحکیم المحقّق السبزواری فی حواشیه علی الاسفار قال: «النفوس القدسیّة النبویّة و الولویّة الّتی لم تخل الأرض عنها طرفة عین و لولاها لساخت الأرض بأهلها و لباد العالم علی انّها أیضاً لابدّ أن تتّصل فی علومها و أفعالها بالنفس السماویّة .... إلاّ أنّ لهم (صلوات الله علیهم) مقامات باعتبار باطن ذواتهم ینبغی أن یتّصل النفس السماویّة بباطن ذواتهم» إلی آخر ما أفاده رفع اللّه أعلامه.(4)

حاصل ما أفاده هو انّ النفس النبویّة و الولویّة إن لو حظت بوجودها الناسوتیّ فر بّما تتّصل بعالم اللّوح المحفوظ «أی عالم الملکوت العلیا و هی عالم النفس الکلّیّة» فیخبر عن الغیب و إن لو حظت بوجودها الجبروتیّ «عالم العقل الکلّیّ أی التجرّد التّام» فضلاً عن وجودها اللّاهوتی «عالم الأسماء الحسنی أی فوق التجرّد» فسائر العوالم تحتاج إلیها و تتّصل بها لما تقدّم فی المقدّمه الخامسة من ترتّب العوالم الأربعة ترتّب المعلول علی العلّة و احتیاج کلّ معلول إلی العلّة و افتقار کلّ ناقص إلی الکامل فعالم الناسوت معلولة للملکوت و محتاجة إلیها و الملکوت معلولة للجبروت و محتاجة إلیها و الجبروت معلولة للّاهوت و مفتقرة إلیها و الکلّ معلول للّه الواحد القهّار و محتاج إلیه تعالی فالنبیّ الأکرم و

ص: 66


1- . المیزان ج 18 ص 424
2- . الاعراف / 188
3- . المیزان ج 8 ص 550
4- . الاسفار ج 6 ص 338 و بیان السعادة ج2 ص222

أهل بیته الکرام صلّی اللّه علیهم أجمعین بوجوداتهم الناسوتیّة ربّما یتّصلون باللّوح المحفوظ الّذی هو فی مرتبة النفس الکلّیّة و یخبرون بالغیب و إن کان اللّوح المحفوظ محتاجاً إلی وجود هم الجبروتی الّذی هو فی مرتبة العقل الکلّیّ کما انّ العقل الکلّیّ محتاج فی وجوده إلی وجودهم اللّاهوتی «الأسماء الحسنی» و هی عین الاضافة الاشراقیّة الّتی تقدّم تعریفها فی المقدّمة السادسة و انّه برزخ البرازخ أی الواسطة فی الفیض الإلهی إلی جمیع الخلائق و ممّا ذکرناه فی توضیح کلام الحکیم السبزواریّ یظهر تفصیل ما أجمله صاحب الکفایة فی هذا المقام قال :

«نعم من شملته العنایة الإلهیّة و اتّصلت نفسه الزکیّة بعالم اللّوح المحفوظ الّذی هو من أعظم العوالم الربوبیّة و هو أمّ الکتاب یکشف عنده الواقعیّات علی ما هی علیها کما ربّما یتّفق لخاتم الأنبیاء و لبعض الأوصیاء کان عارفاً بالکائنات کما کانت و تکون».(1)

قوله: کما ربّما یتّفق لخاتم الأنبیاء أقول: ظاهر هذا الکلام و إن کان یعطی أنّه لایکون کذلک دائماً و لهذا استشکلّه تلمیذه المدقّق فقال: کیف و هو (صلی الله علیه و آله و سلم) فی قوس الصعود متّصل بعالم العقل الکلّیّ و مقامه مقام العقل الأوّل و هو فوق النفس الکلّیّة عالم اللّوح المحفوظ و إن کانت العبارة تشعر بأنّ عالم اللّوح المحفوظ غایة ارتفاعه و صعوده فی سیره الاستکمالیّ.(2)

اقول: قد تبیّن بما أوضحنا به کلام الحکیم المحقّق السبزواری انّ النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) بوجوده النوریّ فوق العقل الأوّل فهو فوق اللّوح المحفوظ و العرش و قوائمه و حاملیه و من حوله و لهذا یکون واسطاً فی الفیض إلی سائر الخلائق کما تقدّم فی الروایات الواردة فی المعراج و لکنّه (صلی الله علیه و آله و سلم) بوجوده العنصریّ الجسمانیّ قد یتّصل باللّوح المحفوظ فصاحب الکفایة لایقول

ص: 67


1- . کفایة الاصول ص 240
2- . نهایة الدرایة ج 2 ص 488

بأنّ غایة ارتفاع النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) هو اللّوح المحفوظ بل یقول انبائه (صلی الله علیه و آله و سلم) عن المغیّبات و عرفانه بالکائنات کما کانت و تکون لایمکن للنبیّ الأکرم و أهل بیته الکرام علیه و علیهم الصّلاة و السّلام بالوجود العنصریّ الجسمانیّ فی هذه الدّنیا الّا باتّصالهم باللّوح المحفوظ لا أنّ

مقاماتهم فی القوس الصعودیّ ینتهی إلی اللّوح المحفوظ و الشاهد علیه هو الّذی ذکره صاحب الکفایه فی فوائده قال:

«لایبعد أن یکون الصحیفة المکتوبة فیها جمیع الأحکام الموروثة من إمام إلی إمام (صلوات الله علیهم) کنایة عن عقل الإمام المنعکس فیه جمیع الکائنات علی ما هی علیها لتمام صفاته و کذا المراد بالجفر و غیره»(1) انتهی کلامه الرّفیع أسکنه اللّه جنّته الفسیح الوسیع.

و کیف لایکون النبیّ الأکرم و أهل بیته الکرام (صلوات الله علیهم) فوق اللّوح المحفوظ و قد قال اللّه تعالی عن الربّانییّن: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فيها هُديً وَ نُورٌ يَحْکُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هادُوا وَ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ کِتابِ اللَّهِ) و قد ورد فی تفسیر الآیة الکریمة فی الکافی باب الاشارة و النصّ علی أمیرالمؤمنین الحدیث الثالث روایة معتبرة عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه): «وَ إِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَحْفَظِينَ لِأَنَّهُمُ اسْتُحْفِظُوا الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ عِلْمُ كُلِّ شَيْ ءٍ الَّذِي كَانَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ)(2) ... (وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ)(3) الْكِتَابُ الِاسْمُ الْأَكْبَر» الحدیث.(4)

و قد نقل العلّامة المجلسیّ فی «مرآة العقول» فی تفسیر الآیة الکریمة و الرّوایة الشریفة

ص: 68


1- . فوائد الاصول ص 124
2- . الرعد / 38
3- . کذا فی النسخ و فی المصحف فی سورة الحدید/ 25: لقد ارسلنا رسلنا بالبینات و انزلنا معهم الکتاب و المیزان.
4- . الکافی ج 1 ص 325

عن بعض المحقّقین و الظاهر أنّه صدرالمتألّهین ان قال: «استحفاظهم الاسم الاکبر الّذی هو الکتاب الجامع للعلوم الغیر المنفکّ عن الأنبیاء لعلّه کنایة عن انتقاش قلوبهم الصافیة المصیقلة بنور اللّه بما فی اللّوح المحفوظ و صیرورتهم العقل بالفعل و بلوغهم رتبة الشهود التّامّ .... و من الأنبیاء و الأوصیاء من اوتی علم الکتاب کلّه و منهم من اوتی بعضه و إلی الأوّل اشیر بقوله عزّوجل: (قُلْ کَفی بِاللَّهِ شَهيداً بَيْني وَ بَيْنَکُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ)(1) یعنی به أمیرالمؤمنین (صلوات الله علیه) و إلی الثانی بقوله: (قالَ الَّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتابِ)(2) حیث أتی بمن التبعیضیّة یعنی آصف بن برخیا.(3)

و ممّا بیّنا به ما أجمله صاحب الکفایة یظهر جواب ما أورده علیه بعض المعاصرین زید عزّه بأنّ النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) و أوصیائه (صلوات الله علیهم) هم العقل الأوّل و هو من عالم الجبروت و هو محیط باللّوح المحفوظ و الکتاب المبین ثمّ انّهم مع حفظ مرتبتهم فی عالم العقل الأوّل یحضرون فی جمیع المراتب المخلوقة لأنّهم خلیفة اللّه تبارک و تعالی فی جمیع العوالم من الملک إلی الملکوت و الجبروت .... فلا معنی لارتقائهم إلی عالم اللّوح المحفوظ بل هم متّحدون مع اللّوح المحفوظ.(4)

اقول: لم ینکر صاحب الکفایة احاطة العقل الأوّل و هو نور النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) و أهل بیته الأطهار (صلوات الله علیهم) باللّوح المحفوظ و إنّما أنکر فی ظاهر کلامه احاطة الجسم العنصریّ لهم فی هذه الدنیا بما هو فوقه من اللّوح المحفوظ فکما أنّ النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) بوجوده النوریّ محیط باللّوح المحفوظ احاطة العقل الکلّیّ بالنّفس الکلّیّة و احاطة الجبروت بالملکوت هکذا عالم الملکوت محیط بعالم الملک.

ص: 69


1- . الاسراء / 96
2- . النمل / 40
3- . مرآة العقول ج 3 ص 272
4- . عیون الانظار ج 3 ص 9-428

و ثانیاً لم ینکر صاحب الکفایة حفظ مرتبتهم (صلوات الله علیهم) فی عالم العقل الأوّل بل أنکر فی ظاهر کلامه أن یکونوا بمرتبتهم فی عالم الملک و النّاسوت متّصلین دائماً بمرتبتهم فی عالم الملکوت و اللّوح المحفوظ و یمکن أن تکون الرّوایات المتقدّمة الدالّة علی انّهم یزدادون فی کلّ لیلة جمعة مشیرة إلی انّهم (صلوات الله علیهم) بوجود هم العنصریّ الجسمانیّ فی عالم النّاسوت لیسوا متّصلین کمال الاتّصال دائماً بوجودهم النوریّ فی عالم الجبروت لست اقول انّهم بوجودهم الجسمانیّ منفصلین عن وجودهم النوریّ بل اقول لایکونون متّصلین کمال الاتّصال فانّ الازدیاد ظاهر فی کمال الاتّصال فیدلّ علی انّهم قبل الازدیاد متّصلین اتّصالاً غیرکامل.

و ثالثاً حصر مقامهم (صلوات الله علیهم) فی عالم العقل و الجبروت لاینبغی صدوره من الفاضل المعاصر زید عزّه فانّ النبیّ ارتقی إلی قاب قوسین أو أدنی و أوصیائه هم الأسماء الحسنی و قد تقدّم تفسیرها.

الثالث: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی جملة من کتبه من انّ النبیّ (صلی الله علیه و آله و سلم) و أوصیائه المعصومین صلوات اللّه علیهم أجمعین غیر عالمین بالعالم الربوبیّ و بما أحاط به علمه المخزون(1)

قال :

انّ المستفاد من نصوص الباب انّ القضاء الإلهیّ علی ثلاثة أنواع:

الأوّل: قضاؤه تعالی الّذی لم یطلع علیه أحداً من خلقه حتّی نبیّنا (صلی الله علیه و آله و سلم) و هو العلم المخزون الّذی استأثر به لنفسه المعبّر عنه باللّوح المحفوظ تارة و بأمّ الکتاب تارة أخری و لا ریب أنّ البداء یستحیل أن یقع فیه کیف یتصوّر فیه البداء و أنّ اللّه سبحانه عالم بجیمع الأشیاء بشتّی ألوانها منذ الأزل لایعزب عن علمه مثقال ذرّة لا فی الأرض و لا فی السّماء من هنا قد ورد فی روایات کثیرة أنّ البداء انّما ینشأ من هذا العلم لا انّه یقع فیه منها ما رواه

ص: 70


1- . اجود التقریرات ج 2 ص 407 تفسیر البیان ص 385 المحاضرات ج 5 ص331 الهدایه ج 2 ص 387

الصّدوق باسناده عن الحسن بن محمّد النوفلی أنّ الرضا (صلوات الله علیه) قَالَ لِسُلَيْمانَ الْمروزي: «... رُويتُ عَنْ أَبِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (صلوات الله علیه) أَنَّهُ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِلْمَيْنِ عِلْماً مَخْزُوناً مَكْنُوناً لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ الْبَدَاءُ وَ عِلْماً عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ فَالْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ يَعْلَمُونَهُ».(1)

الثانی: قضاء اللّه الّذی أخبر نبیّه و ملائکته بأنّه سوف یقع حتماً و لا شبهة فی أنّ هذا القسم أیضاً لایقع فیه البداء ضرورة أنّ اللّه تعالی لایکذّب نفسه و رسله و ملائکته و اولیائه فلا فرق بینه و بین القسم الاوّل من هذه الناحیة، نعم یفترق عنه من ناحیة أخری و هی أنّ هذا القسم لاینشأ من البداء دون القسم الاوّل و تدلّ علی ذلک عدّة روایات منها قوله (صلوات الله علیه) فی الرّوایة المتقدّمة عن الصدوق: «إِنَّ عَلِيّاً (صلوات الله علیه) كَانَ يَقُولُ: الْعِلْمُ عِلْمَانِ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ فَمَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَ لَا يُكَذِّبُ نَفْسَهُ وَ لَا مَلَائِكَتَهُ وَ لَا رُسُلَهُ وَ عِلْمٌ عِنْدَهُ مَخْزُونٌ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ يُقَدِّمُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَ يَمْحُو ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ مَا يَشَاء».(2)

الثالث: قضاء اللّه الّذی أخبر نبیّه و ملائکته بوقوعه فی الخارج لا بنحو الحتم بل معلّقاً علی أن لا تتعلّق مشیئة اللّه علی خلافه و فی هذا القسم یقع البداء عنه.... و قد دلّت علی ذلک عدّة نصوص منها ما فی تفسیر علی بن ابراهیم عن عبداللّه بن مسکان عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قال: «اذا كَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ نَزَلَتِ الْمَلَاَئِكَةُ وَ الرُّوحُ وَ الْكَتَبَةُ اِلی سَمَاء الدُّنْيَا فَيَكْتُبُونَ مَا يَكُونُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَی فِي تِلْكَ السَّنَةِ فاِذا أَرادِ اللَّهُ اَن يُقَدِّمَ شَيْئاً أو يُؤَخِّرَ أو يَنْقُصَ شَيْئاً اَمَرَ الْمَلِكُ اَنْ يَمْحُوَ ما يَشاءُ ثُمَّ اَثْبَتَ الَّذِي اَرادَه».(3)

ص: 71


1- . عیون الاخبار الرضا ب 13 ح 1 و التوحید ب 66 ح 1
2- . نفس المصدر
3- . تفسیر القمی ج 1 ص 366 – المحاضرات ج 5 ص 333

ثمّ قال: فالنتیجة علی ضوء هذه الرّوایات هی أنّ البداء یستحیل أن یقع فی القسم الأوّل من القضاء المعبّر عنه باللّوح المحفوظ و بأمّ الکتاب و العلم المخزون عند اللّه بداهة أنّه یتصوّر البداء فیه و أنّ اللّه سبحانه عالم بکنه جمیع الأشیاء بشتّی ألوانها منذ الأزل لایعزب عن علمه مثقال ذرّة فی الأرض و لا فی السّماء نعم هذا العلم منشأ لوقوع البداء یعنی أنّ انسداد باب هذا العلم لغیره تعالی حتّی الأنبیاء و الأوصیاء و الملائکة اوجب وقوع البداء فی بعض اخبار اتهم.(1)

اقول: قد تقدّم فی الباب الثانی أنّ الجمع بین آیتین من القرآن المجید أعنی قوله تعالی : (وَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ)(2) و قوله تعالی: (وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْکِتابِ)(3) هو أنّ اللّه تعالی عالم باللّوح المحفوظ ذاتاً و خلفائه و أسمائه الحسنی عالمون به بتعلیم من اللّه تعالی.

و بهذا الجمع یظهر أنّ المراد بالعلم المخزون الّذی استأثر به لنفسه هو مرتبة من العلم الّتی هی عین الذّات و أمّا اللّوح المحفوظ و لوح المحو و الاثبات و العرش و القلم و الکرسیّ فکلّها مراتب من العلم الّتی لیست عین الذّات(4)

فلاتکون من العلم الّذی استأثر اللّه به لنفسه فمنشأ البداء و إن کان هو العلم المخزون کما هو صریح معتبرة أبی بصیر عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قَالَ: «انّ لِلَّهِ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ مَكْنُونٌ مَخْزُونٌ لَايَعْلَمُهُ اِلّا هُوَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ الْبَدَاءُ» الْحَدِيث (5).

و لکنّ العلم المکنون المخزون غیر اللّوح المحفوظ لما رواه الکلینیّ عطّر اللّه مرقده باسناده عن سدیر الصیرفیّ قال سمعت حمران بن أعین یسأل أباجعفر (صلوات الله علیه): «... فَقَالَ لَهُ

ص: 72


1- . المحاضرات ج 5 ص 333
2- . الرعد / 39
3- . الرعد / 43
4- . شرح المنظومة ج 3 ص 611 بحوث متفرقة ص 94
5- . الکافی ج 1 ص 168

حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ: أَ رَأَيْتَ قَوْلَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (صلوات الله علیه): (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) وَ كَانَ وَ اللَّهِ مُحَمَّدٌ (صلی الله علیه و آله و سلم) مِمَّنِ ارْتَضَاهُ وَ أَمَّا قَوْلُهُ: (عالِمُ الْغَيْبِ) فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا غَابَ عَنْ خَلْقِهِ بِمَا يُقَدِّرُ مِنْ شَيْ ءٍ وَ يَقْضِيهِ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ اَن يَخلُقَهُ وَ قَبلَ اَن يُفْضِيَهُ اِلَي الْمَلائِكَة فَذَلِكَ يَا حُمْرَانُ عِلْمٌ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ إِلَيْهِ فِيهِ الْمَشِيَّةُ فَيَقْضِيهِ إِذَا أَرَادَ وَ يَبْدُو لَهُ فِيهِ فَلَا يُمْضِيهِ فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي يُقَدِّرُهُ اللَّهُ وَ يَقْضِيهِ وَ يُمْضِيهِ فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) ثُمَّ إِلَيْنَا»(1).

فإنّ قوله (صلوات الله علیه): »فامّا العلم الّذی...» صریح فی اللّوح المحفوظ و قد قال (صلوات الله علیه) فهو العلم الّذی انتهی إلی رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) الخ.

فهذه الرّوایة صریحة فی أنّ النبیّ و أوصیائه علیه و علیهم الصّلاة و السّلام عالمون باللّوح المحفوظ فالعلم الموقوف عنده غیر اللّوح المحفوظ و أصرح من هذه الرّوایة روایة أخری رواها السّدیر أیضاً عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه): «فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ اِلي صَدْرِهِ فقال: عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا، عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا»(2).

فکما أنّ اللّه تعالی لایعزب عن علمه شيء فی السّموات و الأرض هکذا أسمائه الحسنی لایعزب عن علمهم شيء فی السّموات و لا فی الارض، قال اللّه تعالی : (... عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِين)(3) قد دلّت الآیة الکریمة علی أنّ کلّ ما فی السّموات و الأرض فی کتاب مبین و هو اللّوح المحفوظ و قد دلّت الرّوایة علی أنّ علم الکتاب کلّه عندهم (صلوات الله علیهم) و قد تقدّم

ص: 73


1- . الکافی ج 1 ص 283
2- . الکافی ج 1 ص 284
3- . سبأ / 3

فی المقدّمة الثامنة أنّ اللّه تعالی هو الموجود الحقّ الصرف الّذی یکون مطلقاً حتّی عن قید الإطلاق و قد تقدّم فی المقدّمة الرابعة انّ الصّادر الأوّل لابدّ أنْ یکون مطلقاً لوجوب التسانخ بین العلّة و المعلول فکما انّ الحقّ تعالی و تقدّس هو صرف الوجود صرافةً حقّة حقیقیّة هکذا الصّادر الأوّل یکون وجوداً صرفاً صرافةً حقّة ظلّیّة و بما أنّ العلم من الصفات الذاتیّة فصرف الوجود لابدّ أنْ یکون صرف العلم فکما أنّ اللّه تعالی کلّه الوجود و کلّ الوجود هکذا یکون کلّه العلم و کلّ العلم و هکذا الصّادر الاوّل کلّه العلم و کلّ العلم و لکنّ اللّه یکون کذلک بالنحو الحقّ الحقیقیّ و الصادر الاوّل یکون کذلک بالنحو الحقّ الظلّیّ و قد تقدّم فی الباب الثالث أنّ اوّل ما خلق اللّه هو نور النبیّ و أهل بیته الأطهار (صلوات الله علیهم) فالصّادر الاوّل ینطبق علیهم و لایمکن أن یکون الصادر الأوّل غیر عالم باللّوح المحفوظ لاستلزامه الجهل فی المصدر و المبدأ الأعلی تعالی اللّه عن ذلک علوّاً کبیراً، فالعلم الّذی هو من الصقع الربوبیّ الّذی لایمکن أن یعلمه غیر اللّه تعالی هو مرتبة من العلم الّتی تکون عین الذّات لا اللّوح المحفوظ فأنّه و ان کان من أعظم العوالم و لکنّه لایکون من الصقع الربوبیّ بل لایکون فی مرتبة الوجود النوریّ للنّبیّ و أهل بیته الکرام علیه و علیهم الصّلاة و السّلام فأنّ ذاک النور و تلک الانوار هو أوّل ما خلق اللّه کما تقدّم فی الباب الثالث و أوّل ما خلق اللّه هو أقرب الخلائق من اللّه تبارک و تعالی کما صرّحت به الطوائف الخمسة من الرّوایات الّتی تکون متواترةً تواتراً معنویاً الّتی تقدّمت فی الباب الثالث.

و بالجملة من یکون أقرب من اللّه تعالی و من یکون أفضل الخلائق لابدّ و أن یکون عالماً باللّوح المحفوظ و محیطاً به و إلاّ یلزم أن یکون اللّوح المحفوظ أعظم من تلک الأنوار و أفضل و أشرف و هو کما تری منافٍ للرّوایات المتواترة المشار إلیها.

و یزیدک وضوحاً أنّ اللّه تبارک و تعالی وصف نفسه بالسّمیع البصیر فقال: (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ

ص: 74

إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ)(1) کما وصف نبیّه بالسّمیع البصیر فقال: (سُبْحانَ الَّذي أَسْري بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَي الَّذي بارَکْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ)(2)

فانّ الظاهر رجوع الضمير إلی العبد(3) فتأکید الکلام بالجملة الاسمیّة الدالّة علی الثبوت و بکلمة «انّ» الدالّة علی التأکید و بضمیر الفصل الدالّ علی الحصر و التأکید و بتعریف المسند الدالّ علی الحصر یدلّ علی حصر السمیع البصیر فی اللّه أی لا سمیع حقیقة و لا بصیر حقیقة إلاّ اللّه تعالی بل هو عین السّمع و البصر لما عرفت فی المقدّمة الثامنة من انّ المصداق الذاتیّ لکلّ مشتقّ هو الّذی ینتزع عنه المشتقّ من دون ضمّ حیثیّة تقییدیّة أو تعلیلیة و لمّا أثبت اللّه فی الآیة الثانیة هذین الوصفین بهذه التأکیدات الأربعة لعبده فالجمع بین الآیتین هو انّ اللّه تعالی عین السّمع و البصر بنحو الحقّ الحقیقیّ و عبده عین السّمع و البصر بنحو الحقّ الظلّی.

ص: 75


1- . فصلت / 36
2- . الاسراء / 1
3- . بیان السعادة ج 2 ص 433

الباب الخامس: فی بیان الآیات و الرّوایات

الدالّة علی سریان النور المحمّدیّ و العلویّ فی العوالم

فیما دلّ من الآیات و الرّوایات علی سریان النور المحمّدیّ و العلویّ فی عوالم الغیب و الشهود فمنها قوله تعالی: (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکاةٍ فيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَکَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَکادُ زَيْتُها يُضي ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلی نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)(1) فقال الصادق (صلوات الله علیه) فی تفسیر هذه الآیة المبارکة : (اَللَّهُ نُور السَّمَوَاتِ وَ الاَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةِ) فَاطِمَةَ (فِيهَا مِصْبَاحٌ) اَلْحَسَنُ (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) الحُسَينُ (اَلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) فاطمة كوْكَبٌ دُرِّيٌ بَينَ نِسَاءِ اهلِ الدُّنْيَا (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) ابْرَاهِيمُ (زَيْتُونَةٍ لاشَرْقِيَّةٍ وَ لاغَربِيَّةٍ) لا يَهُودِيَّةٍ وَ لَا نَصْرَانِيَّةٍ (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) يَكَادُ الْعِلْمُ يَتَفَجَّرُ بِهَا (وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورُ عَليٰ نُورٍ) امام مِنْهَا بَعْدَ اِمَامٍ (يَهْدِي اَللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاء).(2)

اقول: الروایة معتبرة فإنّ الکلینیّ رواها بأسانید ثلاثة و الإشکال فیها باشتمال بعضها علی سهل بن زیاد و بعضها علی صالح بن سهل قد اجبنا عنه فیما تقدّم(3) و امّا اشتمال بعض اسنادها علی عبداللّه بن عبدالرّحمن الاصمّ الّذی رماه ابن الغضائریّ بالغلوّ فقد اجبنا عنه فی الفوائد الرجالیة(4).

ص: 76


1- . النور / 35
2- . الکافی ج 1 ص219 – تفسیر البرهان ج 5 ص 386
3- . العقد النضید ج 4 ص 14- 10 بحوث متفرقة ص 45 خاتمة المستدرک ج 3 ص 509 کما تقدم فی الباب الثالث
4- . بحوث متفرقة ص 54

و روی الکلینیّ فی الروضة باسناده عن جابر عن أبی جعفر (صلوات الله علیه) قَالَ: «ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَضَعَ الْعِلْمَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ عِنْدَ الْوَصِيِّ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) يَقُولُ أَنَا هَادِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ الْعِلْمِ الَّذِي أَعْطَيْتُهُ وَ هُوَ نُورِيَ الَّذِي يُهْتَدَى بِهِ مَثَلُ الْمِشْكَاةِ فِيهَا الْمِصْبَاحُ فَالْمِشْكَاةُ قَلْبُ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ الْمِصْبَاحُ النُّورُ الَّذِي فِيهِ الْعِلْمُ... وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)يَقُولُ مَثَلُ أَوْلَادِكُمُ الَّذِينَ يُولَدُونَ مِنْكُمْ مَثَلُ الزَّيْتِ الَّذِي يُعْصَرُ مِنَ الزَّيْتُونَ (يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ)».(1)

اقول: هذه الآیة المبارکة بضمیمة هذه الرّوایات المفسّرة لها دلّت علی سریان النور المحمّدیّ فی أهل بیته و أوصیائه الطاهرین و منهم إلی المؤمنین و أولادهم إلی یوم القیامة و أمّا تفسیر الشجرة المبارکة بابراهیم فلأنّهم (صلوات الله علیهم) فی وجودهم العنصریّ الجسمانیّ فی عالم النّاسوت منتسبون إلیه و الاّ فأنّهم من حیث وجودهم النوریّ أفضل الخلائق أجمعین کما تقدّم فی الباب الثالث.

و لنعم ما قال العارف القمشهیّ فی تفسیر الآیة المبارکة بقوله: «به قامت سماوات العقول و أرض الأجسام و فیه أسرار جُمّة منها سریان النور المحمّدی (صلی الله علیه و آله و سلم) بسریان ولایة علیّ بن أبی طالب (صلوات الله علیه) فی جمیع ذراری الوجود من الأرواح و الأجساد» الخ(2).

و منها قوله تعالی: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).(3)

ص: 77


1- . تفسیرالبرهان ج 5 ص 387
2- . تمهید القواعد ص 315
3- . ابراهيم / 25-24

و قد ورد فی تفسیر هذه الآیة الکریمة روایات رواها المشایخ الثّقات الاثبات کالصفّار و علیّ بن ابراهیم و الکلینیّ و الصدوق(1) و حیث انّ مضمونها واحد فلنکتف بواحدة منها و هی الّتی رواها الصدوق بسنده المتّصل عن جابر الجعفی قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (صلوات الله علیه) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) قَالَ: أَمَّا الشَّجَرَةُ فَرَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ فَرْعُهَا عَلِيٌّ (صلوات الله علیه) وَ غُصْنُ الشَّجَرَةِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ ثَمَرُهَا أَوْلَادُهَا (صلوات الله علیهم) وَ وَرَقُهَا شِيعَتُنَا. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيَمُوتُ فَيَسْقُطُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَرَقَةٌ وَ إِنَّ الْمَوْلُودَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيُولَدُ فَتُورِقُ الشَّجَرَةُ وَرَقَةً».(2)

اقول: هذه الرّوایات تدلّ بوضوح و صراحة علی سریان النّور المحمّدیّ و هو أصل الشجرة فی فرعها و هو علیّ (صلوات الله علیه) و منه إلی غصنها و هی فاطمة (صلوات الله علیها) و منها إلی أولادها (صلوات الله علیهم) أثمار الشّجرة و إلی أوراقها أعنی شیعة أمیرالمؤمنین (صلوات الله علیه).

و منها قوله تعالی: (الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبي لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ)(3) و قد ورد فی تفسیر طوبی روایات رواها المؤالف و المخالف متقاربة المضمون، منها ما رواه علیّ بن ابراهیم رفعه إلی أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قَالَ: «طُوبي شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ فِي دَارِ أميرالمُؤْمِنِينَ (صلوات الله علیه) وَ لَيْسَ اَحَدٌ مِنْ شِيعَتِهِ اِلاّ وَ فِي دَارِهِ غُصْنٌ مِنْ اَغْصانِهَا وَ الْوَرَقَةُ مِنْ اَوْرَاقِهَا تَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا أُمَّةٌ مِنَ الْاُمَم».(4)

و منها ما رواه الراوندی فی کتاب الخرائج: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) قَالَ: «يَا فَاطِمَةُ بِشَارَةٌ أَتَتْنِي مِنْ رَبِّي لِأَخِي وَ ابْنِ عَمِّي وَ ابْنَتِي بِأَنَّ اللَّهَ زَوَّجَ عَلِيّاً بِفَاطِمَةَ وَ أَمَرَ رِضْوَانَ خَازِنَ الْجَنَّةِ

ص: 78


1- . تفسیر البرهان ج 4 ص 21-318
2- . تفسیر البرهان ج 4 ص 319
3- . الرعد / 29
4- . تفسیر البرهان ج 4 ص 275

فَهَزَّ شَجَرَةَ طُوبَى فَحَمَلَتْ رِقَاعاً بِعَدَدِ مُحِبِّي أَهْلِ بَيْتِي وَ أَنْشَأَ مَلَائِكَةً مِنْ تَحْتِهَا مِنْ نُورٍ وَ دَفَعَ إِلَى كُلِّ مَلَكٍ خَطّاً فَإِذَا اسْتَقَرَّتِ الْقِيَامَةُ بِأَهْلِهَا فَلَا تَلْقَى تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ مُحِبّاً لَنَا إِلَّا دَفَعَتْ إِلَيْهِ صَكّاً فِيهِ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّار».(1)

اقول: دلالة هذه الرّوایات علی سریان الرّحمة الخاصّة و هی النّور العلویّ فی شیعة أمیرالمؤمنین (صلوات الله علیه) واضحة.

و منها قوله تعالی: (فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَ خَرَّ مُوسي صَعِقاً)(2) فقال امین الاسلام: و قیل ان تجلّی بمعنی جلی کقولهم حدث و تحدّث و تقدیره جلی ربّه أمره للجبل أی أبرز فی ملکوته للجبل ما تدکدک به و یؤیّده ما جاء فی الخبر انّ اللّه تعالی أبرز من العرش مقدار الخنصر فتدکدک به الجبل(3). و روی الصّدوق بسنده الصحیح عن الصادق (صلوات الله علیه) «وَ انّما طَلَعَ مِن نُورِهِ عَلَي الْجَبَلِ كَضَوْءٍ يَخْرُجُ مِنْ سَمِّ الْخَيَاطِ فدكدك الاَرْضُ وَ صَعِقَتِ الْجِبَالُ وَ خَرَّ مُوسي صَعِقاً أي ميّتاً»(4) و فیما رواه الصّدوق عن علیّ بن موسی الرضا (صلوات الله علیهما): «فلمّا تجلّی ربّه بآیة من آیاته»(5)

و أصرح منها هی المرفوعة الّتی رواها الشیخ الصفّار عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قال: «إِنَّ الْكَرُوبِيِّينَ قَوْمٌ مِنْ شِيعَتِنَا مِنَ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ جَعَلَهُمُ اللَّهُ خَلْفَ الْعَرْشِ لَوْ قُسِمَ نُورُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَكَفَاهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مُوسَى لَمَّا أَنْ سَأَلَ رَبَّهُ مَا سَأَلَ أَمَرَ وَاحِداً مِنَ الْكَرُوبِيِّينَ فَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكّا».(6)

ص: 79


1- . تفسیر البرهان ج 4 ص 279
2- . الاعراف / 143
3- . مجمع البیان ج 2 ص 557
4- . تفسیرالبرهان ج 3 ص 208
5- . تفسیرالبرهان ج 3 ص 207
6- . تفسیرالبرهان ج 3 ص 210

اقول: دلالة هذه الرّوایات علی التّشکیک فی النّور الربوبیّ و سریانه بسریان نور الأئمّة المعصومین (صلوات الله علیهم) فی عوالم الغیب و الشهود غیر خفیّة و أصرح من الکلّ هی الروایة الّتی نقلت عن الشیخ فی «مصباح الانوار» رفعها إلی رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) ففیها :

«لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعالي أَنْ يَخْلُقَنَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَلَقَ مِنْهَا نُوراً ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أُخْرَى فَخَلَقَ مِنْهَا رُوحاً ثُمَّ مَزَجَ النُّورَ بِالرُّوحِ فَخَلَقَنِي وَ خَلَقَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ فَكُنَّا نُسَبِّحُهُ حِينَ لَا تَسْبِيحَ وَ نُقَدِّسُهُ حِينَ لَا تَقْدِيسَ فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُنْشِئَ الصَّنْعَةَ فَتَقَ نُورِي فَخَلَقَ مِنْهُ الْعَرْشَ فَالْعَرْشُ مِنْ نُورِي وَ نُورِي مِنْ نُورِ اللَّهِ وَ نُورِي أَفْضَلُ مِنَ الْعَرْشِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ أَخِي عَلِيٍّ فَخَلَقَ مِنْهُ الْمَلَائِكَةَ فَالْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورِ أَخِي عَلِيٍّ وَ نُورُ عَلِيٍّ مِنْ نُورِ اللَّهِ وَ عَلِيٌّ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ ابْنَتِي فَاطِمَةَ فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فَالسَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ مِنْ نُورِ ابْنَتِي فَاطِمَةَ وَ نُورُ ابْنَتِي فَاطِمَةَ مِنْ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى وَ ابْنَتِي فَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ وَلَدِيَ الْحَسَنِ وَ خَلَقَ مِنْهُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ فَالشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ مِنْ نُورِ وَلَدِيَ الْحَسَنِ وَ نُورُ وَلَدِيَ الْحَسَنِ مِنْ نُورِ اللَّهِ وَ الْحَسَنُ أَفْضَلُ مِنَ الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ ثُمَّ فَتَقَ نُورَ وَلَدِيَ الْحُسَيْنِ فَخَلَقَ مِنْهُ الْجَنَّةَ وَ الْحُورَ الْعِينَ فَالْجَنَّةُ وَ الْحُورُ الْعِينُ مِنْ نُورِ وَلَدِيَ الْحُسَيْنِ وَ نُورُ وَلَدِيَ الْحُسَيْنِ مِنْ نُورِ اللَّهِ فَوَلَدِيَ الْحُسَيْنُ أَفْضَلُ مِنَ الْجَنَّةِ وَ الْحُورِ الْعِينِ ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ الظُّلُمَاتِ أَنْ تَمُرَّ عَلَى سَحَائِبِ النَّظَرِ فَأَظْلَمَتِ السَّمَاوَاتِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَضَجَّتِ الْمَلَائِكَةُ بِالتَّقْدِيسِ وَ التَّسْبِيحِ وَ قَالَتْ إِلَهَنَا وَ سَيِّدَنَا مُنْذُ خَلَقْتَنَا وَ عَرَّفْتَنَا هَذِهِ الْأَشْبَاحَ لَمْ نَرَ بَأْساً فَبِحَقِّ هَذِهِ الْأَشْبَاحِ إِلَّا مَا كَشَفْتَ عَنَّا هَذِهِ الظُّلْمَةَ فَأَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ نُورِ ابْنَتِي فَاطِمَةَ قَنَادِيلَ فَعَلَّقَهَا فِي بُطْنَانِ الْعَرْشِ فَأَزْهَرَتِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ ثُمَّ أَشْرَقَتْ بِنُورِهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَتِ الزَّهْرَاءَ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَهَنَا وَ سَيِّدَنَا لِمَنْ هَذَا النُّورُ الزَّاهِرُ الَّذِي قَدْ أَشْرَقْتَ بِهِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا

ص: 80

هَذَا نُورٌ اخْتَرَعْتُهُ مِنْ نُورِ جَلَالِي لِأَمَتِي فَاطِمَةَ ابْنَةِ حَبِيبِي وَ زَوْجَةِ وَلِيِّي وَ أَخِي نَبِيِّي وَ أَبِي حُجَجِي عَلَى عِبَادِي فِي بِلَادِي أُشْهِدُكُمْ مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَ تَسْبِيحِكُمْ وَ تَقْدِيسِكُمْ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَ شِيعَتِهَا وَ مُحِبِّيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة».(1)

و مِنْها ما رَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ فِي بَابِ مَوْلِدِ النَّبِيِّ عَنْ أبي عَبدِاللَّهِ (صلوات الله علیه) قَالَ: «اِنَّ اللَّهَ كَانَ إِذْ لَا كَانَ فَخَلَقَ الْكَانَ وَ الْمَكَانَ وَ خَلَقَ نُورَ الْأَنْوَارِ الَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ وَ أَجْرَى فِيهِ مِنْ نُورِهِ الَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ وَ هُوَ النُّورُ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً فَلَمْ يَزَالا نُورَيْنِ أَوَّلَيْنِ إِذْ لَا شَيْ ءَ كَوَّنَ قَبْلَهُمَا فَلَمْ يَزَالا يَجْرِيَانِ طَاهِرَيْنِ مُطَهَّرَيْنِ فِي الْأَصْلَابِ الطَّاهِرَةِ حَتَّى افْتَرَقَا فِي أَطْهَرِ طَاهِرِينَ فِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي طَالِب».(2)

اقول : قوله (صلوات الله علیه): «اجری فیه من نوره الّذی نوِّرت منه الأنوار» ظاهره انّ نور الأنوار أی النور الّذی هو منشأ لجمیع الأنوار هو نور اللّه فلم یک مخلوقاً و لکن صریح قوله (صلوات الله علیه): «خلق نور الانوار» انّه مخلوق، فالجمع بین هذین الکلامین انّ اللّه نور الأنوار بنحو الحقّ الحقیقیّ و أمّا نور محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) و علیّ (صلوات الله علیه) فهو نور الأنوار بنحو الحقّ الظلّیّ فاللّه الّذی هو نور الأنوار خلق نوراً مثل نوره فیکون هذا النّور المخلوق مثل ذاک النور أی کما انّ نوره نوِّرت منه الأنوار هکذا النور المخلوق نورِّت منه الأنوار و بالجملة اطلق الإمام فی صدر الروایة نور الأنوار علی نور محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) و علیّ (صلوات الله علیه) و وصف ذاک النور بأنّه نوِّرت منه الأنوار ثمّ قال فی ذیل الرّوایة انّ اللّه اجری فی ذاک النّور من نوره الّذی نوّرت منه الأنوار فاطلق نور الأنوار علی نور اللّه فالجمع بین الصدر و الذیل هو انّ نور اللّه نور الأنوار الّذی یکون منشأً لسائر الأنوار بنحو الحقّ الحقیقیّ و ذاک النّور المخلوق هو نور الأنوار الّذی یکون منشأً لسائر الانوار بنحو الحقّ الظلّی.

ص: 81


1- . تفسیر البرهان ج 2 ص 276-277
2- . الکافی ج 1 ص 502

و إن شئت قلت: خلق اللّه من نوره الّذی هو نور الأنوار أوّلاً و بالذّات نور محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) و علیّ (صلوات الله علیه) و هو نور الأنوار ثانیاً و بالعرض أی هذا النّور الثانی هو الّذی لم یزل و لایزال منشأً لسائر الأنوار بإذن اللّه تبارک و تعالی و هذا هو معنی سریان النّور المحمّدیّ و العلویّ فی

عوالم الغیب و الشهود و إلی هذا اشیر فی التوقیع الشریف عن الناحیة المقدّسه: «فبهم ملأت سمائك و أرضك حتّی ظهر أن لا إله إلاّ أنت» أی أنت یا اللّه بولاة أمرک ملأت سمائک و ارضک فقد اتّضح سرّ ما قلناه فی أوّل الرّسالة من أنّه لایمکن سریان النّور الربوبیّ و جریان الفیض الإلهیّ إلاّ من هذا المجری فالساری فی عوالم الغیب و الشهود هو نور الأنوار الثانی الّذی هو ظلّ نور الأنوار الأوّل.

و ان شئت قلت: الساری فی العوالم کلّها هو نور الولایة الّذی هو ظلّ نور التوحید لما تقدّم فی المقدّمة الثامنة من أنّ القول بسریان النّور الربوبیّ بنفسه فی العوالم تلزمه المفاسد الشنیعة.

و منها ما رواه الکلینیّ فی باب طینة المؤمن بسنده المتّصل عن أبی حمزة الثمّالی قال سمعت أباجعفر (صلوات الله علیه) يَقُولُ: «اِنَّ اللَّهَ خَلَقَنا مِنْ اَعْلي عِلِّيِّينَ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ وَ خَلَقَ اَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ وَ قُلُوبُهُمْ تَهْوِي الينَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنا مِنْهُ»

الحديث. (1)

و منها ما عن البحار عن جابر بن عبداللّه قَالَ: «قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم): أَوَّل شَيْ ءٍ خَلَقَ اللَّه مَا هُوَ؟ فَقَالَ: نُورُ نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ خَلَقَهُ اللَّهُ ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ كُلَّ خَيْرٍ».

و منها ما عَنْ جَابِرٍ اَيْضاً قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم): اوّل مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِي اِبْتَدَعَهُ مِنْ نُورِهِ وَ اشْتَقَّهُ مِنْ جَلاَلِ عَظَمَتِه»(2) إلی غیرها من الرّوایات الّتی یجده المتتبّع کلّها تدلّ علی معنی واحد و هو انّ نور النبیّ الأکرم و أهل بیته الکرام علیه و علیهم الصّلاة و السّلام ظلّ

ص: 82


1- . الکافی ج 2 ص 26
2- . الانوار الساطعة ج 4 ص 8-267

نور اللّه تبارک و تعالی و للظلّ کلّ ما لذی الظلّ من العلم و القدرة و سائر الصفات الکمالیّة إلاّ أنّ هذه الصّفات ثابتة للّه تبارک و تعالی استقلالاً و اصالة و أوّلاً و بالذّات و لتلک الأنوار المقدّسة تبعاً و ثانیاً و بالعرض فما تقدّم فی المقدّمة الرّابعة من انّ الوجود المطلق ظلّ للحقّ تعالی و تقدّس قد انطبق علی نور النبیّ و أهل بیته الأطهار (صلوات الله علیهم) ما دام اللّیل و النّهار فما تقدّم فی المقدّمة الرّابعة من انّ الوجود المطلق ظلّ الحقّ تعالی و تقدّس و ما تقدّم فی آخر المقدّمة العاشرة من أنّ الوجود المطلق عین الاضافة الاشراقیّة إلی الحقّ تعالی و تقدّس قد انطبق علی النّور المحمّدیّ و قد ورد فی التوقیع الشریف عن الناحیة المقدّسة : «لا فَرْقَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَها اِلّا اَنَّهُمْ عِبَادُكَ وَ خَلْقُكَ» و هذا التوقیع رواه الشیخ فی المصباح قال أخبرنی جماعة عن ابن عیّاش قال ممّا خرج علی یدی الشیخ الکبیر أبی جعفر محمّد بن عثمان بن سعید2 من النّاحیة المقدّسة ما حدّثنی به خیبر بن عبداللّه.(1)

اقول: لا بأس بهذا السّند لأنّ ابن عیّاش هو أحمد بن محمّد بن عبیداللّه بن الحسن بن عیاش و هو الّذی حسّن الرجالیّ المحقّق المامقانی روایاته و أمّا خیبر بن عبداللّه فحرمانه من التوثیق لأجل انّه لم یکن صاحب أصل لایضرّ بالسّند لأنّ دوره دور شرفی.

ص: 83


1- . مصباح المتهجد ص 559

الباب السّادس: فی کیفیّة صدور الکثیر من الواحد

فی کیفیّة صدور الکثیر من الواحد و اشتقاق الأسماء بعضها من بعض و ترتّب الصّفات بعضها علی بعض قد دلّت علی هذه کلّها روایة جامعة رواها الشیخان الکلینیّ و الصدوق فی «الکافی» و «التوحید» عن الصادق (صلوات الله علیه) قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ اسْماً بِالْحُرُوفِ غَيْرَ مُتَصَوِّتٍ وَ بِاللَّفْظِ غَيْرَ مُنْطَقٍ وَ بِالشَّخْصِ غَيْرَ مُجَسَّدٍ وَ بِالتَّشْبِيهِ غَيْرَ مَوْصُوفٍ وَ بِاللَّوْنِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْأَقْطَارُ مُبَعَّدٌ عَنْهُ الْحُدُودُ مَحْجُوبٌ عَنْهُ حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّمٍ مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ فَجَعَلَهُ كَلِمَةً تَامَّةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ مَعاً لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ قَبْلَ الْآخَرِ فَأَظْهَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ لِفَاقَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهَا وَ حَجَبَ مِنْهَا وَاحِداً وَ هُوَ الِاسْمُ الْمَكْنُونُ الْمَخْزُونُ فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ الَّتِي ظَهَرَتْ فَالظَّاهِرُ هُوَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ سَخَّرَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ رُكْناً ثُمَّ خَلَقَ لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ اسْماً فِعْلًا مَنْسُوباً إِلَيْهَا فَهُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ... فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ وَ مَا كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى حَتَّى تَتِمَّ ثَلَاثَ مِائَةٍ وَ سِتِّينَ اسْماً فَهِيَ نِسْبَةٌ لِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ وَ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ وَ حَجَبَ الِاسْمَ الْوَاحِدَ الْمَكْنُونَ الْمَخْزُونَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَة» اَلْحَدِيثَ.(1)

اقول: هذه الرّوایة الشّریفة تدلّ بوضوح علی اتّصاف هذا الاسم الأعظم بکلّ صفات اللّه تعالی فما تقدّم فی آخر المقدّمة العاشرة من الاحاطة الظلّیّة الثابتة للصّادر الأوّل عن العلّة الأولی قد انطبق علی هذا الاسم کما تدلّ هذه الرّوایة علی انّ کلّ اسم من الأسماء الثلاثة لها أرکان أربعة و هذه الأرکان مسخرّة لتلک الأسماء و لکلّ من الأرکان الاثنی عشر ثلاثون فعلاً منسوباً إلیها و هذا کالصریح فی التشکیک الخاصّیّ الّذی تقدّم تقریره مفصّلاً فی

ص: 84


1- . الکافی ج 1 ص 133-141، التوحید ص 190

المقدّمة الثانیة کما قال العلّامة الطباطبائی:

«هو من غرر الأحادیث یشتمل علی وجازته علی کیفیّة حقیقة الأسماء و قیام حقائق بعضها ببعض بالظهور و البطون و علی کیفیّة تکثّرها و تکثّر الأسماء الخاصّة بنسب الأسماء العامّة و علی کیفیّة فاقة الخلق إلیها و هو احتیاجه فی ذواتهم إلیها و قیام وجودهم بها و علی أنّ هذا الترتّب و التنزّل أمر حقیقیّ لیس بالاعتبار اللغویّ الأدبیّ فحسب».(1)

قال الحکیم المتألّه الفیض الکاشانی فی تفسیر هذه الرّوایة الشّریفة النفیسة ما هذا لفظه: «کأنّ الاسم الموصوف بالصفات المذکورة إشارة إلی أوّل ما خلق اللّه الّذی مرّ ذکره فی باب العقل أعنی النور المحمّدیّ و الرّوح الأحمدیّ و العقل الکلّیّ و أجزائه الأربعة إشارة إلی جهته الإلهیّة و العوالم الثلاثة الّتی یشتمل علیها أعنی عالم العقول المجرّدة عن الموادّ و الصور و عالم الخیال المجرّد عن الموادّ دون الصور و عالم الأجسام المقارنة للموادّ .... و معیّة الأجزاء عبارة عن لزوم کلّ منها الآخر و توقّفه علیه فی تمامیّة الکلمة و جزءه المکنون السرّ الإلهیّ و الغیب اللّاهوتیّ .... فالظاهر هو اللّه یعنی أنّ الظاهر بهذه الأسماء الثلاثة هو اللّه فانّ المسمّی یظهر بالاسم و یعرف به و الأرکان الأربعة الحیاة و الموت و الرزق و العلم الّتی و کلّ بها أربعة ملك هی إسرافیل و عزرائیل و میکائیل و جبرائیل و فعل الأوّل نفخ الصور و الأرواح فی قوالب الموادّ و الأجساد ... و فعل الثّانی تجرید الأرواح و الصور عن الاجساد و الموادّ و اخراج النفوس من الأبدان .... و فعل الثالث اعطاء الغذاء و الانماء علی قدر لائق و میزان معلوم لکلّ شئٍ بحسبه .... و فعل الرابع الوحی و التعلیم و تأدیة الکلام من اللّه سبحانه إلی عباده...».(2)

فلا حاجة فی تصحیح صدور الکثیر عن الواحد إلی الفرضیّة المعروفة عن المشّائین من

ص: 85


1- . الرسائل التوحیدیة ص 53
2- . الوافی ج 1 ص 465

العقول العشرة و الأفلاک التسعة کما لا حاجة إلی ما أسسّه شیخ الاشراقیّين من العقول الطولیّة و العرضیّة.

الباب السّابع:

فی أنّ الاسم الأعظم و الأسماء الحسنی یظهر فی کلّ عالم متناسباً له

فی أنّ الاسم الأعظم و سائر أسمائه الحسنی یظهر فی کلّ عالم متناسباً لذلک العالم و قد أشیر إلیه فی فقرات دعاء السحر: «اَللّهُمَّ اِنِّي اَسْأَلُكَ مِنْ بَهائِكَ باَبْهاهُ وَ كُلُّ بَهائِكَ بَهِيٌّ اَللّهُمَّ اِنِّي اَسْأَلُكَ بِبَهائِكَ كُلِّهِ» إلی قَوله: «اَللّهُمَّ اِنِّي اَسْأَلُكَ بِما اَنْتَ فيهِ مِنَ الشَّأْنِ وَ الْجَبَروتِ وَ اَسْأَلُكَ بِكُلِّ شَأْنٍ وَحْدَهُ وَ جَبَرُوتٍ وَحْدَها».(1)

فقد أشکل علی بعض المعنی المقصود من فقرات هذا الدّعاء العظیم فسأل لحلّ العویصة عن قدوة أرباب الکشف و الیقین الآقا محمّد رضا القمشئیّ فاجاب بما هذا لفظه:

«ذاته تعالی نور مضيء و بهاء صرف لا أنور و لا أبهی منها و النور لایفاض منه الّا النّور.... فجمیع تجلّیاته أنوار و کلّ نور نیّر و کلّ بهاء بهیّ لکنّ التجلّیّات منها ذاتیّة فائضة عن أسماء الذّات و منها وصفیّة فائضة عن أسماء الصفات و فی السیر إلی اللّه و أطوار الولایة المعبّر بالسیر فی اللّه التجلیّات الذاتیّة بعد التجلیّات الوصفیّة و ما لم یعبر السائر فی التجلیات الوصفیّة لم ینل إلی التجلیّات الذاتیّة.... و ظهر بهذا البیان أنّ أفضلیّة المراتب بحسب نفس الأمر لا بالمقایسة إلی الدّاعی أو المدعوّمنه».(2)

و فی دعاء السّمات المرویّ فی «مصباح» الشیخ و «جمال الأسبوع» للسیّد بن طاووس و کتب الکفعمی بأسانید معتبرة علی ما صرّح به المحدّث القمی(3):

ص: 86


1- . اقبال الاعمال ص 345
2- . رساله خلافت کبری ص 204
3- . مفاتیح الجنان ص 70

«اَللّهُمَّ اِنّى اَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظيمِ الْأَعْظَمِ الْأَعَزِّ الْأَجَلِّ الْأَكْرَمِ الَّذى اِذا دُعيتَ بِهِ عَلى مَغالِقِ اَبْوابِ السَّمآءِ لِلْفَتْحِ بِالرَّحْمَةِ انْفَتَحَتْ، وَ اِذا دُعيتَ بِهِ عَلى مَضآئِقِ اَبْوابِ الْأرْضِ لِلْفَرَجِ انْفَرَجَتْ، وَ اِذا دُعيتَ بِهِ عَلَى العُسْرِ لِلْيُسْرِ تَيَسَّرَتْ، وَ اِذا دُعيتَ بِهِ عَلَى الْأَمْواتِ لِلنُّشُورِ انْتَشَرَتْ، وَ اِذا دُعيتَ بِهِ عَلى كَشْفِ الْبَأسآءِ وَ الضَّرّاءِ انْكَشَفَتْ... وَ بِكَلِمَتِكَ الَّتى خَلَقْتَ بِهَا السَّماواتِ وَالاْرْضَ، وَبِحِكْمَتِكَ الَّتى صَنَعْتَ بِهَا الْعَجآئِبَ وَخَلَقْتَ بِهَا الظُّلْمَةَ وَجَعَلْتَها لَيْلاً وَجَعَلْتَ اللَّيْلَ سَكَناً وَخَلَقْتَ بِهَا النُّورَ وَجَعَلْتَهُ نَهاراً وَجَعَلْتَ النَّهارَ نُشُوراً مُبْصِراً، وَخَلَقْتَ بِهَا الشَّمْسَ وَجَعَلْتَ الشَّمْسَ ضِيآءً، وَخَلَقْتَ بِهَا الْقَمَرَ وَجَعَلْتَ الْقَمَرَ نُوراً، وَخَلَقْتَ بِهَا الْكَواكِبَ وَجَعَلْتَها نُجُوماً وَبُرُوجاً وَمَصابيحَ وَزينَةً وَرُجُوماً».

و فی التوقیع الشّریف عن الناحیة المقدّسة الوارد فی أعمال شهر رجب المرجّب: «وَ بِاسْمِكَ الْأعْظَمِ الْأَجَلِّ الْأَكْرَمِ الَّذِي وَضَعْتَهُ عَلَی النَّهَار فَاضَاءَ وَ عَلَي اللَّيْل فَاَظْلَم».(1)

و فی دعاء کمیل: «وَ بِأَسْمَائِكَ الَّتِي مَلَأَتَ اَرْكَانَ کُلِّ شَيء».(2)

و فی زیارة مولانا أمیرالمؤمنین علیه أفضل صلوات المصلّین الّتی رواها الشیخ المفید و غیره: «السَّلامُ عَلي أَبِي الْائِمَّةِ... وَ كَلِمَةِ اَلرَّحْمَنِ ... وَ مُقَلّبِ الْأحْوال ... السَّلامُ عَلَي حُجَّةِ اللَّهِ الْبالِغَةِ وَ نِعْمَتِهِ السَّابِغِةِ وَ نِقْمَتِهِ الدّامِغَة»(3) و فی زیارة أخری له رواه السیّد بن طاووس: «السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللَّهِ عَلَي الْخَلْقِ اَجْمَعِينَ اَشْهَدُ اَنَّكَ حَبِيبُ اللَّهِ وَ خَاصَّتُه وَ خالِصَتُه اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ وَ مَوْضِعَ سِرِّهِ و عَيْبَةِ عِلْمِهِ وَ خَازِنِ وَحْيِهِ»(4) و فی زیارته السّادسة:

ص: 87


1- . مفاتیح الجنان ص 135
2- . مفاتیح الجنان ص 63
3- . مفاتیح الجنان ص 346
4- . مفاتیح الجنان ص 352

«اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللَّهِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ اللَّهِ النَّاظِرَة وَ يَدَهُ الْبَاسِطَة وَ اُذُنُهُ الْوَاعِيةِ وَ حِكْمَتَهُ الْبَالِغَة وَ نِعْمَتَهُ السَّابِغِةِ اَلسَّلاَمُ عَلي

قَسِيمِ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ اَلسَّلامُ عَلَي نِعْمَة اللَّهِ عَلَي الْأَبْرار وَ نِقْمَتَه عَلَي الْفُجّار ... اَلسَّلامُ عَلَي الْأَصْلِ الْقَدِيمِ وَ الْفَرْعِ الْكَرِيم»(1).

فما تقدّم فی المقدّمة السابعة فی تعریف الفیض المقدّس و ما تقدّم فی المقدّمة الرّابعة من انّ الوجود المطلق یظهر فی کلّ من العقل و النفس و المثال و الطبع و الملک و الفلک و غیرها بصورة و لکنّه لا عقل و لا نفس و لاملک و لا فلک و لا غیرها قد انطبق علی الاسم الأعظم و سائر أسمائه الحسنی و نسبة الوجود المنبسط إلی اللّه تعالی کما قال صدر المتألّهین کنسبة النور المحسوس و الضوء المنبثّ علی أجرام السّماوات و الأرض إلی الشّمس(2)، فانظر إلی الصّفات المزبورة لمولانا أمیرالمؤمنین علیه أفضل صلوات المصلّین فی الزیارات المذکور تجد انّ الوجود المنبسط ینطبق علیه.

الباب الثّامن: فی الآیات الدالّة علی کثرة الموجود

فی الإشارة إلی الآیات القرآنیّة الّتی تدلّ علی کثرة الموجود أعنی الممکنات المضافة إلی الوجود إضافة اشراقیّة و قد تقدّم فی المقدّمة الثالثة انّ الوجود یحمل علی الواجب و الممکن و علی العلّة و المعلول و علی المجرّد و المادیّ بمعنی واحد و مفهوم فارد فهذا هو المراد بوحدة حقیقة الوجود و قد عرفت هناك کثرة الوجودات المقیّدة المضافة إلی الوجود الحقّ تعالی و تقدّس إضافة اشراقیّة بما لامزید علیه فنقول کلّ آیة من الآیات الکریمة القرآنیّة الّتی تثبت ممکناً من الممکنات کالسّماء و الأرض و الجنّة و النّار و الملك و الجنّ و الانس و الشجر و الدوابّ و تثبت لها أثراً من الآثار فقد أثبت ممکناً مضافاً إلی الوجود

ص: 88


1- . مفاتیح الجنان ص 355
2- . شرح المشاعر ص 178

الحقّ تعالی و تقدّس إضافة اشراقیّة.

فمنها قوله تعالی :

(خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوي عَلَي الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فيها وَ هُوَ مَعَکُمْ أَيْنَ ما کُنْتُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ (خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوي عَلَي الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فيها وَ هُوَ مَعَکُمْ أَيْنَ ما کُنْتُمْ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ)(1)

و منها قوله تعالی: (الَّذينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (2)

و منها قوله تعالی: (وَ تَرَي الْمَلائِکَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ)(3)

و منها قوله تعالی: (وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(4)

و منها قوله تعالی: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَکَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ کانَ حَليماً غَفُوراً)(5)

و منها قوله تعالی:

(ما يَکُونُ مِنْ نَجْوي ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْني مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما کانُوا)(6) إلی غیرها من الآیات المبارکة.

و هذه الآیات کما تدلّ علی احاطة اللّه تعالی علی الخلائق و انّها بیده تعالی وجوداً أی ثبوتاً و بقاءً بالمطابقة هکذا تدلّ بالملازمة علی انّها موجودات و لها آثار و لکن لمّا تقدّم فی المقدّمة الثامنة انّ المصداق الحقیقیّ للموجود هو الّذی یتنزع عنه الموجود بلا دخل اَیَّة

ص: 89


1- . الحدید / 4
2- . الغافر / 7
3- . الزمر / 75
4- . الحجر / 21
5- . الفاطر / 41
6- . المجادلة / 7

حیثیّة تقیيدیّة أو تعلیلیّة و لایکون کذلک إلاّ من هو صرف الوجود و لایکون أحد کذلک إلاّ اللّه تبارک و تعالی و الباقون هم المضافون إلیه إضافة اشراقیّة فقد ثبت وحدة الوجود و کثرة الموجود، فانظر إلی الآیة الأولی من الآیات المزبورة کیف یثبت اللّه السّموات و الأرض و ما یلج فی الأرض و ما ینزل من السماء ثمّ یثبت معیّته القیّومیّة بکلّ افراد الانسان و احاطته العلمیّة بأعمالهم فهذه المعیّة القیّومیّة لاتبقی للانسان وجوداً حقیقیاً فهو عین الاضافة الاشراقیّة.

و بالجملة التدبّر فی هذه الآیة یکفی لاثبات وحدة حقیقة الوجود و کثرة المضافات إلی الوجود و إن کنت فی ریب ممّا قلناه فامعن النّظر فیما رواه الشّیخ الصدوق عن أبی الحسن الرّضا علیه آلاف التحیّة و الرّضا ردّاً علی عمران الصابی حینما سَأَلَ أَ لَا تُخْبِرُنِي يَا سَيِّدِي أَ هُوَ فِي الْخَلْقِ أَمِ الْخَلْقُ فِيهِ؟ قَالَ الرِّضَا (صلوات الله علیه): جَلَّ يَا عِمْرَانُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ فِي الْخَلْقِ وَ لَا الْخَلْقُ فِيهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَ سَأُعَلِّمُكَ مَا تَعْرِفُهُ بِهِ وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْمِرْآةِ أَنْتَ فِيهَا أَمْ هِيَ فِيكَ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْكُمَا فِي صَاحِبِهِ فَبِأَيِّ شَيْ ءٍ اسْتَدْلَلْتَ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ؟ قَالَ عِمْرَانُ: بِضَوْءٍ بَيْنِي وَ بَيْنَهَا. قَالَ الرِّضَا (صلوات الله علیه): هَلْ تَرَى مِنْ ذَلِكَ الضَّوْءِ فِي الْمِرْآةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَرَاهُ فِي عَيْنِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الرِّضَا (صلوات الله علیه): فَأَرِنَاهُ فَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً قَالَ (صلوات الله علیه): فَلَا أَرَى النُّورَ إِلَّا وَ قَدْ دَلَّكَ وَ دَلَّ الْمِرْآةُ عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْكُمَا وَ لِهَذَا أَمْثَالٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذَا لَا يَجِدُ الْجَاهِلُ فِيهَا مَقَالًا (وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) الْحَدِيث.(1)

اقول: قوله (صلوات الله علیه): «لیس هو فی الخلق و لا الخلق فیه» تنزیه للّه تعالی عن الحلول و الاتّحاد فهو ردّ علی الوحدة الشخصیّة ثمّ ضرب له مثلاً هی المرآة فأنّها تُری للناظر صورته

ص: 90


1- . بحارالانوار ج 10 ص 313 عن التوحید ص 434

و تمثاله و تدلّ علی الناظر و علی صورته فقال و دلّ المرآة علی أنفسکما و هذا الکلام یدلّ بالمطابقة علی تعدّد المرآة و الناظر و صورته.

و قوله (صلوات الله علیه): «من غیر أن یکون فی واحد منکما» تأکید لنفی الحلول و الاتّحاد بالمطابقة و لنفی الوحدة الشخصیّة بالملازمة، فما ذهب إلیه العرفاء الشّامخون من الشیعة الإمامیّة و یقولون بالوحدة الشهودیّة کما تقدّم فی المقدّمة الثالثة کأنّه اقتباس من هذه الرّوایة الشریفه کما یظهر من تمثیلهم بالمرآة و قد قلنا هناک ان القول بالوحدة الشهودیّة لاینافی التشکیک و کثرة الموجود.

فما قیل من أنّ التمثیل بالمرآة یناسب الوحدة الشخصیّة(1) غیر سدید إلاّ أن یراد بها الوحدة الشهودیّة کما هو غیر بعید فأنّ کلّ ما استدلّ به حکماء الامامیّة علی الوحدة الشخصیّة و استظهروها من الآیات و الرّوایات(2) لایزید علی الوحدة العلیّة أو الشهودیّة شیئاً و الوحدة العلیّة و الشهودیّة لاتنافیان التشکیک کما تقدّم فی المقدّمة الثالثة بخلاف الوحدة الشخصیّة التی ذهبت إلیها جماعة من الصوفیّة فأنّها تلزمها المفاسد الشنیعة کما تقدّم فی المقدمة الثالثة.

قوله (صلوات الله علیه): «و للّه المثل الأعلی» اشارة إلی اسم اللّه الاعظم العینیّ و هو خاتم الأنبیاء و المرسلین (صلی الله علیه و آله و سلم) کما تقدّم فی تفسیر قوله تعالی: (وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْني فَادْعُوهُ بِها)(3) و روی الصدوق فی العیون باسناده الی یاسر الخادم عن أبی الحسن علی بن موسی الرّضا (صلوات الله علیهما) قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) لِعَلِيٍّ يَا عَلِيُّ اَنْتَ حُجَّةُ اللَّهِ وَ اَنْتَ بابُ اللَّهِ وَ اَنْتَ الطَّرِيقُ اِلَي اللَّه وَ اَنْتَ

ص: 91


1- . عین نضّاخ ج 1 ص 323
2- . تحریر الفصوص الحکم ج1 ص 77-321
3- . الاعراف / 180

النَّبَأُ الْعَظِيمُ وَ اَنْتَ الصِّراطُ الْمُسْتَقِيمُ وَ اَنْتَ الْمَثَلُ الأَعْلي»(1) و قد قلنا فی آخر المقدّمة العاشرة انّ الحقیقة المحمّدیّة متّحدة بالحقیقة العلویّة و العترة الطاهرة (صلوات الله علیهم) فی تلک النشأة الغیبیّة و لهذا أطلق المثل الأعلی علی جمیع الأئمّة المعصومین (صلوات الله علیهم) فی الزّیارة الجامعة.

ص: 92


1- . نورالثقلین ج 4 ص 180

خاتمة: فی بیان حقیقة الشجرة الخبیثة

فی بیان حقیقة الشجرة الخبیثة و بیان أصلها و ساقها و فروعها و أثمارها و أوراقها حسبما اشیر إلیه فی الآیات و فسّر فی الرّوایات، فمن الآیات قوله تعالی: (وَ مَثَلُ کَلِمَةٍ خَبيثَةٍ کَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ)(1) قال امین الاسلام الطبرسی: خبیثة أی غیر زاکیة و اجتثّت من فوق الأرض أی اقتطعت و استوصلت و اقتلعت جثّته من الأرض ما لها من قرار أی ما لتلک الشجرة من ثبات فانّ الرّیح تنسفها و تذهب بها فکما أنّ هذه الشجرة لا ثبات لها و لا بقاء و لا ینتفع بها أحد فکذلک الکلمة الخبیثة لاینتفع بها صاحبها و لا یثبت له منها نفع و لا ثواب(2).

و عن تفسیر علیّ بن ابراهیم القمی: اِنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله و سلم) ثُمَّ قَالَ وَ فِي رِوَايَةِ ابي الْجَارُودِ عَنْ اَبِي جَعْفَرٍ (صلوات الله علیه) قَالَ كَذَلِكَ الْكَافِرُونَ لاتَصْعَدُ اَعْمالُهُمْ اِلَي السَّمَاءِ وَ بَنُو اُميَّةَ لَايَذْكُرُونَ اللَّهَ فِي مَسْجِدٍ وَ لاَ مَجْلِسٍ وَ لاتَصْعَدُ اَعْمالُهُمْ اِلَي السَّماءِ اِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ(3).

فهذه الشجرة الخبیثة هی الشجرة المعلونة فی القرآن، قال اللّه تعالی: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ)(4) فقد وردت روایات کثیرة فی کتب الفریقین صرّحت بأنَّ الشجرة الملعونة فی القرآن بنو أمیّة(5).

و منها قوله تعالی: «أَوْ کَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ

ص: 93


1- . ابراهیم / 26
2- . مجمع البیان ج 3 ص 383
3- . نور الثقلین ج 2 ص 538
4- . الاسراء / 60
5- . تفسیر البرهان ج 4 ص 6-574

سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَکَدْ يَراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ

أَوْ کَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَکَدْ يَراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ»(1).

فقد روی الکلینیّ بسنده المتّصل عن الصادق (صلوات الله علیه): «قُلْتُ اَوْ كَظُلُمَاتٍ قَالَ الأَوّلُ وَ صَاحِبُهُ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ... اَلثَّالِثُ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ظلمات الثَّاني بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مُعَاوِيَةُ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ فِتَنُ بَنِي أُمَيَّة اذا اخرج يَدَهُ الْمُؤْمِنُ فِي ظُلْمَةِ فِتَنِهِمْ لَمْ يُكَدْ يراهَا وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ نُوراً اماماً مِنْ وُلْدِ فاطِمَةَ (صلوات الله علیها) فَمَا لَهُ مِنْ نُورِ امام يَوْمَ الْقِيامَةِ»(2).

و منها قوله تعالی: (وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها وَ النَّهارِ إِذا جَلاَّها وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها)(3) ففی الکافی بسنده المتّصل عن أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قَالَ: «الشَّمْسُ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) أَوْضَحَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ لِلنَّاسِ دِينَهُمْ. قَالَ قُلْتُ: (وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها) قَالَ: ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صلوات الله علیه) تَلَا رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ نَفَثَهُ بِالْعِلْمِ نَفْثاً. قَالَ قُلْتُ: (وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) قَالَ: ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ الَّذِينَ اسْتَبَدُّوا بِالْأَمْرِ دُونَ آلِ الرَّسُولِ (صلوات الله علیهم) وَ جَلَسُوا مَجْلِساً كَانَ آلُ الرَّسُولِ (صلی الله علیه و آله و سلم) أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ فَغَشُوا دِينَ اللَّهِ بِالظُّلْمِ وَ الْجَوْرِ فَحَكَى اللَّهُ فِعْلَهُمْ فَقَالَ: (وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها)، قَالَ قُلْتُ: (وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها)، قَالَ: ذَاكَ الْإِمَامُ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ (صلوات الله علیها) يُسْأَلُ عَنْ دِينِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَيُجَلِّيهِ لِمَنْ سَأَلَهُ فَحَكَى اللَّهُ قَوْلَهُ تَعَالَى فَقَالَ: (وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها)».(4)

اقول: «الشجرة الخبیثة الّتی اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار تفسیرها» و اللّه العالم هو انّها لا أصل لها فی العالم النوریّ فلیس لها ان ترجع إلی الصقع الربوبیّ بل یرجع إلی أسفل درک من الجحیم و انّ جهنّم لموعدهم أجمعین لها سبعة ابواب لکلّ باب منهم

ص: 94


1- . النور / 40
2- . الکافی ج 1 ص 219
3- . الشمس / 4-1
4- . تفسیر البرهان ج 8 ص 297

جزء مقسوم بخلاف الشجرة الطیّبة الّتی أصلها ثابت و فرعها فی السّماء و قد تقدّم فی الباب الثالث أنّ النبیّ الأکرم و أهل بیته الکرام علیه و علیهم الصّلاة و السّلام کانوا مخلوقین خلقاً نوریّاً عرشیّاً و به فضّلوا علی جمیع الأنبیاء و المرسلین و الملائکة المقرّبین فأصل الشجرة الطیّبة ذاک العالم النوریّ الّذی هو من الصقع الربوبیّ و ترجع إلیه کما قال اللّه تعالی: (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعي إِلي رَبِّکِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلي في عِبادي وَ ادْخُلي جَنَّتي)(1) و امّا الشّجرة الخبیثة فلا أصل لها فی العالم النوریّ فترجع إلی أسفل درک من الجحیم کما قال اللّه تعالی: (وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ کَثيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ)(2).

و امّا ما تقدّم فی الباب الثالث من انّ بنی آدم کلّهم مخلوقون خلقاً ذرّیاً قبل خلقهم فی هذه الدّنیا الدنیّة فهو غیر الخلق النوریّ و یمکن تطبیق ما تقدّم فی المقدّمة الخامسة من عالم المثال و الملکوت علی الخلق الذرّی الاّ أنّ المؤمنین کانوا فی الخلق الذرّی من الملکوت العلیاء أعنی الملائکة و إلیها یرجعون و لکنّ الکفّار و المنافقین کانوا من الملکوت السفلی أعنی الجنّ و الشیاطین و إلیها یرجعون.

و قد روی الکلینیّ بسنده المتّصل عن أبی حمزة الثّمالیّ قال سمعت أبا جعفر یقول: «اِنَّ اللهَ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ وَ خَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الْآيَةَ: (كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ اَلْمُقَرَّبُونَ) وَ خَلَقَ عَدُوَّنَا مِنْ سِجِّينٍ وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِهِمْ مِمَّا خَلَقَهُمْ مِنْهُ وَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقُوا مِنْهُ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الْآيَةَ: (كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُکَذِّبينَ)»(3).

ص: 95


1- . الفجر / 30-27
2- . الاعراف / 179
3- . الکافی ج 2 ص 26

اقول: الظاهر أنّ هذا الخلق للأئمّة (صلوات الله علیهم) الّذی اشترکهم فیه قلوب شیعتهم هو عالم الملکوت العلیاء و هی دون الخلق النوریّ الّذی اختصّ به النبیّ و أهل بیته الّذی تقدّم فی الباب الثّالث فأنّه عالم الجبروت و فوقه کما أنّ عالم سجّین دون الملکوت العلیاء لانّها عالم العقل فلا یمکن أن تصل إلیه أیدی الجبابرة و أعداء اللّه و أعداء رسوله و أعداء عترته فالملکوت السّفلی الّتی هی مرکز الشیاطین انطبق علی سجّین و الخباثة الذاتیّة الثابتة للکفّار و المنافقین من الانس و الجنّ و الشیاطین فی بدء خلقهم أعنی عالم الملکوت السفلی «عالم الذرّ» انّما هی بمعنی استعداد ذواتهم الشقیّة و اقتضاء ماهیّاتهم الدنیّة لا بمعنی العلّیّة التامّة و الفعلیّة الکاملة فلا اشکال فی خلقهم و ان علم اللّه علماً أزلیاً انّهم یختارون الکفر و العصیان فیستحقّون العذاب و النّیران لأنّ علم اللّه لایسلب عنهم الاختیار نعم إن أراد اللّه تبارک و تعالی کفرهم و عصیانهم ارادة ازلیّة فلازمها الجبر و تمام الکلام یطلب ممّا ذکرناه فی رسالة الطلب و الارادة(1).

و لکن ظاهر الآیات و صریح الرّوایات أنّ الارادة لیست صفة ذاتیّة بل من صفات الفعل و تمام الکلام فی الطلب و الارادة(2).

و أخبث الموجودات فی عالم الملکوت و اردأ المخلوقات هناک أصحاب التّابوت و هم أرباب کلّ الطواغیت و الظلمة من الجنّ و الشّیاطین و الکفّار و المنافقین فهؤلاء أصل الشجرة الخبیثة و سائر الطواغیت ساقها و فروعها و تابعوهم أوراقها و أثمارها.

قال اللّه تبارک و تعالی : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) (3) فقد دلّت الآیة الکریمة بوضوح علی انّ الاستمساک بالعروة الوثقی لایتحقّق إلاّ

ص: 96


1- . بحوث متفرقة ص 103
2- . بحوث متفرقة ص 96
3- . البقرة / 256

بأمرین: الأوّل الکفر بالطّاغوت و الثانی الایمان باللّه و ليعلم أنّ الطاغوت هو الّذی طغی أی تجاوز عن حدّه و ادّعی منصباً لیس له و هو علی قسمین:

الأوّل: من یدّعی خلافة الرسول الّتی لم یجعله اللّه إلّا لأولی الأمر الّذین قرن اللّه طاعتهم بطاعته و طاعة رسوله (صلی الله علیه و آله و سلم) و قد تقدّم تفسیره.

الثانی: من یدّعی حقّ التشریع و یظهر البدع و یشرّع من تلقاء نفسه أحکاماً و ینسبها إلی اللّه و الرّسول، فالقسم الأوّل هم الحکّام الظلمة و خلفاء الجور من الکفّار و المنافقین و القسم الثانی هم الفقهاء المبتدعون و العلماء المضلّون من الکفّار و المنافقین فمن لم یکفر بهؤلاء الخلفاء و العلماء فلم یستمسک بالعروة الوثقی أی لم یسلک الصراط المستقیم و قد خرج عن الدّین.

و قد ورد روایات کثیرة عن الفریقین فی تفسیر العروة الوثقی بأمیرالمؤمنین (صلوات الله علیه) أو ولایته و ولایة سائر الأئمّة(1) و الجمع بینها و بین صحیحة عبداللّه بن سنان الّتی فسّرها بالایمان باللّه وحده لا شریک له(2)

هو الّذی تقدّم فی المقدّمة العاشره من أنّ الولایة ظلّ التوحید، فمن آمن بولایة أمیرالمؤمنین و أوصیائه (صلوات الله علیهم) فقد آمن باللّه و رسوله و ما أنزل اللّه علی رسوله (صلی الله علیه و آله و سلم) و قد قال الصادق (صلوات الله علیه) فی صحیحة ابن أبی یعفور: «لاَ دِينَ لِمَنْ دَانَ اَللَّه بِوِلاية امام جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اَللَّهِ ... فَلَمَّا تَوَلَّوْا كلَّ امام جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ خَرَجُوا بِوِلايَتِهِمْ اِيّاهُ مِنْ نُورِ الاِسْلامِ اِلَي ظُلُماتِ الْكُفْرِ فَاَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ اَلنَّارَ مَعَ الْكُفَّارِ فاولئك اَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خالدون»(3).

اقول: الجمع بین هذه الصحیحة و سائر الرّوایات هو أنّ الصحیحة وردت فی علمائهم دون العوامّ و لا سیّما إذا کانوا قاصرين و تمام الکلام یطلب ممّا ذکرناه فی رسالة الطلب و الارادة(4).

ص: 97


1- . تفسیرالبرهان ج 1 ص 8- 536
2- . البرهان ج 1 ص 536
3- . الکافی ج 1 ص 424
4- . بحوث متفرقة ص 105- 104

و من آمن بالطّاغوت فقد لعنه اللّه و من لعنه اللّه فلا یکون مؤمناً باللّه و رسوله (صلی الله علیه و آله و سلم) کما قال اللّه تعالی: (أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذينَ أُوتُوا نَصيباً مِنَ الْکِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذينَ کَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدي مِنَ الَّذينَ آمَنُوا سَبيلاً أُولئِکَ الَّذينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصيراً)(1) هذه الآیة دلّت بوضوح علی أنّ من یؤمن بالطّاغوت فقد لعنه اللّه أی أخرجه من ولایته و رحمته الخاصّة و من لعنه اللّه فلیس له ناصر أی لا تشمله الشفاعة إن کان عالماً دون من کان جاهلاً لاسیّما إذا کان قاصراً و اللّه العالم فالآیة الأولی دلّت بمفهومها علی أنّ من لم یکفر بالخلفاء و العلماء من المنافقین فلم یستمسک بالعروة الوثقی الّتی لانفصام لها أی انحرف عن الصراط المستقیم و الآیة الثانیة دلّت بمنطوقها علی أنّ من آمن بالخلفاء و العلماء من المنافقین فقد لعنه اللّه تعالی أی أخرجه من ولایته و رحمته الخاصّة و اذا کان هذا حکم من لم یکفر بالطّاغوت أو آمن به فکیف یکون حکم الطّاغوت نفسه؟!!!

فقد ظهر أنّ التابعین للطّاغوت هم فروع الشجرة الخبیثة و أوراقها و أثمارها فالطواغیت من الحکّام الظلمة و العلماء الضالّة المضلّة هم ساقها و أمّا أصل الشجرة الخبیثة فهم أصحاب تابوت من نار فیه اثنا عشر رجلاً ستّة من الأوّلین و ستّة من الآخرین، «أَمَّا الْأَوَّلُونَ فَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ وَ فِرْعَوْنُ الْفَرَاعِنَةِ وَ الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ وَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَدَّلَا كِتَابَهُمْ وَ غَيَّرَا سُنَّتَهُمْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَهَوَّدَ الْيَهُودَ وَ الْآخَرُ نَصَّرَ النَّصَارَى وَ إِبْلِيسُ سَادِسُهُمْ وَ فِي الْآخِرِينَ الدَّجَّالُ وَ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ أَصْحَابُ الصَّحِيفَةِ وَ الْكِتَابِ وَ جِبْتُهُمْ وَ طَاغُوتُهُمُ الَّذِي تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ وَ تَعَاقَدُوا عَلَى عَدَاوَتِكَ يَا أَخِي وَ تَظَاهَرُوا عَلَيْكَ بَعْدِي»(2).

اقول: أصحاب الصحیفة هم الأول و الثانی و الثالث و أبو عبیدة الجرّاح و معاذ بن جبل

ص: 98


1- . النساء / 52
2- . بحارالانوار ج 30 ص 7-405 عن کتاب سلیم بن قیس و تفسیر علی بن ابراهیم

و نقل غوّاص بحار الأخبار روایة عن الشیخ الصدوق فی کتابه المسمّی بثواب الاعمال تتضمّن انّ أصحاب التابوت سبعة، خمسة من الأمم السّالفة و اثنان من هذه الأمّة و إلیک نصّ الروایة الّتی رواها الشیخ الصدوق عن ابن الولید عن الصفّار عن عبّاد بن سلیمان عن محمّد بن سلیمان الدیلمیّ عن أبیه عن اسحاق بن عمّار عن موسی بن جعفر (صلوات الله علیهما) قَالَ:

«قُلْتُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ، حَدِّثْنِي فِيهِمَا بِحَدِيثٍ، فَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ فِيهِمَا بِأَحَادِيثَ عِدَّةٍ. قَالَ فَقَالَ لِي: يَا إِسْحَاقُ الْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ الْعِجْلِ، وَ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ السَّامِرِيِّ. قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي فِيهِمَا. قَالَ هُمَا وَ اللَّهِ نَصَّرَا وَ هَوَّدَا وَ مَجَّسَا، فَلَا غَفَرَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمَا. قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي فِيهِمَا. قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: رَجُلٌ ادَّعَى إِمَاماً مِنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَ آخَرُ طَعَنَ فِي إِمَامٍ مِنَ اللَّهِ، وَ آخَرُ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً. قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي فِيهِمَا. قَالَ: مَا أُبَالي يَا إِسْحَاقُ مَحَوْتُ الْمُحْكَمَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ جَحَدْتُ مُحَمَّداً (صلی الله علیه و آله و سلم) النُّبُوَّةَ أَوْ زَعَمْتُ أَنْ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ، أَوْ تَقَدَّمْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صلوات الله علیه). قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي. قَالَ فَقَالَ لِي يَا إِسْحَاقُ إِنَّ فِي النَّارِ لَوَادِياً يُقَالُ لَهُ سَقَرُ لَمْ يَتَنَفَّسْ مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ، لَوْ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ فِي التَّنَفُّسِ بِقَدْرِ مَخِيطٍ لَأَحْرَقَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَ إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَتَعَوَّذُونَ مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الْوَادِي وَ نَتْنِهِ وَ قَذَرِهِ، وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ لِأَهْلِهِ، وَ إِنَّ فِي ذَلِكَ الْوَادِي لَجَبَلًا يَتَعَوَّذُ جَمِيعُ أَهْلِ ذَلِكَ الْوَادِي مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الْجَبَلِ وَ نَتْنِهِ وَ قَذَرِهِ وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ لِأَهْلِهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَ إِنَّ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ لَشِعْباً يَتَعَوَّذُ جَمِيعُ أَهْلِ ذَلِكَ الْجَبَلِ مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الشِّعْبِ وَ نَتْنِهِ وَ قَذَرِهِ وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ لِأَهْلِهِ، وَ إِنَّ فِي ذَلِكَ الشِّعْبِ لقليب يَتَعَوَّذُ جَمِيعُ أَهْلِ ذَلِكَ الشِّعْبِ مِنْ حَرِّ ذَلِكَ الْقَلِيبِ وَ نَتْنِهِ وَ قَذَرِهِ وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ لِأَهْلِهِ، وَ إِنَّ فِي ذَلِكَ الْقَلِيبِ لَحَيَّةً يَتَعَوَّذُ أَهْلُ ذَلِكَ الْقَلِيبِ مِنْ خُبْثِ تِلْكَ الْحَيَّةِ وَ نَتْنِهَا وَ قَذَرِهَا

ص: 99

وَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي أَنْيَابِهَا مِنَ السَّمِّ لِأَهْلِهَا، وَ إِنَّ فِي جَوْفِ تِلْكَ الْحَيَّةِ لَسَبْعَةَ صَنَادِيقَ فِيهَا خَمْسَةٌ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَ اثْنَانِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَالَ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَ مَنِ الْخَمْسَةُ وَ مَنِ الِاثْنَانُ. قَالَ: فَأَمَّا الْخَمْسَةُ فَقابيل الَّذِي قَتَلَ هَابِيلَ، وَ نُمْرُودُ الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ، فَقَالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ، وَ فِرْعَوْنُ الَّذِي قَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وَ يَهُودُ الَّذِي هَوَّدَ الْيَهُودَ، وَ بُولَسُ الَّذِي نَصَّرَ النَّصَارَى، وَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَعْرَابِيَّانِ» انْتَهي. قَالَ العلّامة الْمَجْلِسِيُّ اعْلي اللَّهُ مَقَامَهُ: الأعرابيّانِ الأوّلُ وَ الثَّاني اللَّذَانِ لَمْ يُؤْمِنَّا بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ.(1)

اقول: سند الرّوایة لا بأس به فانّ الشیخ الصدوق رئیس المحدّثین نقل عن شیخه محمّد بن الحسن بن الولید و هو عن محمّد بن الحسن الصفّار و الکلّ من الأجلّاء الاثبات الأخیار و أمّا عبّاد بن سلیمان فاستظهر المحدّث النوری وثاقته لأجل روایة الأجلّاء عنه(2) و أمّا سلیمان الدیلمیّ و ابنه محمّد فقد رماه الکشیّ و ابن الغضائری بالغلوّ(3) و لا اعتبار بهذا الرّمی کما صرّح به الوحید البهبهانیّ فی تعلیقته(4) بل یظهر من الشیخ و النجاشیّ أنّ جماعة من أجلّاء الرّواة و المشایخ اعتمدوا علی کتابیهما أعنی کتابی سلیمان الدیلمیّ و ابنه محمّد(5) فالسند لا بأس به لاسیّما مع اعتضاده بما عن کتاب سلیم بن قیس الهلالیّ و تفسیر علیّ بن ابراهیم القمیّ(6) و ما سیأتی من موثّقة حنّان بن سدیر الّتی رواها الصدوق عن ابن الولید عن الصفّار عن ابن معروف عن ابن محبوب عن حنّان بن سدیر قال حدّثنی رجل من أصحاب أبی عبداللّه (صلوات الله علیه) قال سمعته یقول: «إِنَ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَسَبْعَةُ نَفَرٍ

ص: 100


1- . بحارالانوار ج 30 ص 9-407
2- . خاتمة المستدرک ج 3 ص 525
3- . منهج المقال ج 6 ص 75
4- . منهج المقال ج 9 ص 301
5- . منهج المقال ج 6 ص 75
6- . بحار الانوار ج 30 ص 406

أَوَّلُهُمُ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ وَ نُمْرُودُ الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ وَ اثْنَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ هَوَّدَا قَوْمَهُمَا وَ نَصَّرَاهُمَا وَ فِرْعَوْنُ الَّذِي

قَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وَ اثْنَانِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدُهُمَا شَرُّهُمَا فِي تَابُوتٍ مِنْ قَوَارِيرَ تَحْتَ الْفَلَقِ فِي بِحَارٍ مِنْ نَار».

اقول: الرّوایة معتبرة لأنّ حنّان بن سدیر و إن کان من الواقفة و لکنّه ثقة(1) و لایضرّ الارسال بسند الروایة لأنّ ابن محبوب من الّذین أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنهم(2)

و الباقون من رجال السند کلّهم من الأجلّاء فالرّوایة موثّقة.

ثمّ اقول: هذه الرّوایات الواردة فی أصحاب التّابوت علی اختلافها فی عددهم و أشخاصهم متوافقة فی أنّ الأوّل و الثانی من أهل التابوت و هذا هو المقصود من ایرادنا هذه الروایات فی هذا المقام فهما أصل الشجرة الخبیثة و سائر من أتی بعدهما من عفاریتهم أعنی کبراء خلفائهم و عظماء أحبارهم هم ساق تلک الشجرة الخبیثة و سائر حکّامهم و وزرائهم و علمائهم و فضلائهم فهم فروع تلک الشجرة و سائر أتباعهم و أشیاعهم أوراق تلک الشجرة و أثمارها فالأصل و الساق أعنی عفاریت المنافقین و أحبارهم فی جهنّم خالدون دون الأوراق و الأثمار و تمام الکلام ذکرناه فی رسالة الطلب و الارادة(3).

ثمّ اعلم انّ هذه الرّوایات و لاسیّما روایة اسحاق بن عمّار صریحة فی أنّ جمیع الشرور و الخبائث نشأت من هذه الشجرة الخبیثة و إلیها تعود فأنّ الأوراق و الأثمار تنشأ من الفروع و هی من الساق و هو من الأصل فالکلّ نشأ من الأصل فآثار الأوراق و الأثمار أعنی الذّنوب و المعاصی الّتی صدرت من أشیاع المنافقین و أتباعهم کما تنسب إلیهم تنسب إلی الفروع أیضاً أعنی وزرائهم و فضلائهم و آثار الفروع من الذّنوب و المعاصی کما تنسب إلیهم تنسب

ص: 101


1- . وسائل الشیعة ج 30 ص 362
2- . رجال الکشی ص 549
3- . بحوث متفرقة ص 104-105

إلی الساق أعنی عفاریتهم و أحبارهم و آثار الساق أعنی ذنوب العفاریت و الأحبار کما تنسب إلیهم تنسب إلی الأصل أعنی الأوّل و الثانی فکلّ الذنوب و المعاصی تعود إلیهم.

فقد تحقّق أنّ الشّجرة الّتی نهی اللّه آدم و حواء عنها فقال: (وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونا مِنَ الظَّالِمينَ)(1) هی تلک الشجرة الخبیثة الّتی نشأت منها الشّرور و الأنجاس و الذّنوب و المعاصی و إلیها تعود کما صرّح به فی بعض الروایات.

منها ما رواه الصدوق فی العیون عن أحمد بن محمّد بن الهیثم العجلی قال حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النیسابوری العطّار رحمه اللّه قال حدّثنا علیّ بن محمّد بن قتیبة عن حمدان بن سلیمان عن عبدالسّلام بن صالح الهرویّ قال: «قُلْتُ لِلرِّضَا (صلوات الله علیه): يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَكَلَ مِنْهَا آدَمُ وَ حَوَّاءُ مَا كَانَتْ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي أَنَّهَا الْحِنْطَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي أَنَّهَا الْعِنَبُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي أَنَّهَا شَجَرَةُ الْحَسَدِ، فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ. قُلْتُ: فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى اخْتِلَافِهَا؟ فَقَالَ: يَا أَبَا الصَّلْتِ إِنَّ شَجَرَةَ الْجَنَّةِ تَحْمِلُ أَنْوَاعاً فَكَانَتْ شَجَرَةَ الْحِنْطَةِ وَ فِيهَا عِنَبٌ وَ لَيْسَتْ كَشَجَرَةِ الدُّنْيَا وَ إِنَّ آدَمَ لَمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِإِسْجَادِ مَلَائِكَتِهِ لَهُ وَ بِإِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ قَالَ فِي نَفْسِهِ هَلْ خَلَقَ اللَّهُ بَشَراً أَفْضَلَ مِنِّي فَعَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ فَنَادَاهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا آدَمُ فَانْظُرْ إِلَى سَاقِ عَرْشِي فَرَفَعَ آدَمُ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَى سَاقِ الْعَرْشِ فَوَجَدَ عَلَيْهِ مَكْتُوباً لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ زَوْجَتُهُ فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقَالَ آدَمُ: يَا رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ: مِنْ ذُرِّيَّتِكَ وَ هُمْ خَيْرٌ مِنْكَ وَ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِي وَ لَوْلَاهُمْ مَا خَلَقْتُكَ وَ لَا خَلَقْتُ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ وَ لَا السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ فَإِيَّاكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْحَسَدِ

ص: 102


1- . البقرة / 35

فَأُخْرِجَكَ عَنْ جِوَارِي فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْحَسَدِ وَ تَمَنَّى مَنْزِلَتَهُمْ فَتَسَلَّطَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ حَتَّى أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا وَ تَسَلَّطَ عَلَى حَوَّاءَ لِنَظَرِهَا إِلَى فَاطِمَةَ بِعَيْنِ الْحَسَدِ حَتَّى أَكَلَتْ مِنَ الشَّجَرَةِ كَمَا أَكَلَ آدَمُ فَأَخْرَجَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ جَنَّتِهِ وَ أَهْبَطَهُمَا عَنْ جِوَارِهِ إِلَى الْأَرْض»(1).

اقول: الروایة معتبرة فانّ أحمد بن الهیثمّ العجلی و ثقّة النجاشیّ و العلّامة(2) و ترضّی له الصدوق(3) و أمّا عبد الواحد فهو من مشایخ الصدوق الّذین اعتمد علیهم کثیراً مترضّیاً و صحّح العلّامة طریق الصدوق إلیه(4) و أمّا علّی بن محمّد بن قتیبة فقال صاحب الوسائل: کثرة اعتماد الکشیّ علیه ظاهره توثیقه ایّاه(5) و امّا حمدان بن سلیمان فهو موثّق بتوثیق النجاشیّ و العلّامة(6) و أمّا عبدالسّلام بن صالح فهو ابوالصلت الهرویّ الّذی روی الکشیّ مدحه و توثیقه(7).

و منها ما رواه الصدوق فی المعانی بسنده المتصل عن المفضّل قَالَ قَالَ أبوعبداللَّهُ (صلوات الله علیه): «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ بِأَلْفَيْ عَامٍ فَجَعَلَ أَعْلَاهَا وَ أَشْرَفَهَا أَرْوَاحَ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ فَعَرَضَهَا عَلَى السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَغَشِيَهَا نُورُهُمْ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لِلسَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ هَؤُلَاءِ أَحِبَّائِي وَ أَوْلِيَائِي وَ حُجَجِي عَلَى خَلْقِي وَ أَئِمَّةُ بَرِيَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ

ص: 103


1- . تفسیر البرهان ج 1 ص 187-188
2- . وسائل الشیعة ج 30 ص 313
3- . خاتمة المستدرک ج 2 ص 525
4- . خاتمة المستدرک ج 2 ص 525
5- . وسائل الشیعة ج 30 ص 934
6- . وسائل الشیعة ج 30 ص 360
7- . رجال الکشی ص 605

إِلَيَّ مِنْهُمْ وَ لِمَنْ تَوَلَّاهُمْ خَلَقْتُ جَنَّتِي وَ لِمَنْ خَالَفَهُمْ وَ عَادَاهُمْ خَلَقْتُ نَارِي فَمَنِ ادَّعَى مَنْزِلَتَهُمْ مِنِّي وَ مَحَلَّهُمْ مِنْ عَظَمَتِي عَذَّبْتُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ وَ جَعَلْتُهُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنْ نَارِي وَ مَنْ أَقَرَّ بِوَلَايَتِهِمْ وَ لَمْ يَدَّعِ مَنْزِلَتَهُمْ مِنِّي وَ مَكَانَهُمْ مِنْ عَظَمَتِي جَعَلْتُهُ مَعَهُمْ فِي رَوْضَاتِ جَنَّاتِي وَ كَانَ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ عِنْدِي وَ أَبَحْتُهُمْ كَرَامَتِي وَ أَحْلَلْتُهُمْ جِوَارِي وَ شَفَّعْتُهُمْ فِي الْمُذْنِبِينَ مِنْ عِبَادِي وَ إِمَائِي فَوَلَايَتُهُمْ أَمَانَةٌ عِنْدَ خَلْقِي فَأَيُّكُمْ يَحْمِلُهَا بِأَثْقَالِهَا وَ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ دُونَ خِيَرَتِي فَأَبَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ وَ الْجِبَالُ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنِ ادِّعَاءِ مَنْزِلَتِهَا وَ تَمَنِّي مَحَلِّهَا مِنْ عَظَمَةِ رَبِّهَا فَلَمَّا أَسْكَنَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ آدَمَ وَ زَوْجَتَهُ الْجَنَّةَ قَالَ لَهُمَا... إِيَّاكُمَا أَنْ تَنْظُرَا إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْحَسَدِ وَ تَتَمَنَّيَا مَنْزِلَتَهُمْ عِنْدِي وَ مَحَلَّهُمْ مِنْ كَرَامَتِي فَتَدْخُلَا بِذَلِكَ فِي نَهْيِي وَ عِصْيَانِي فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ قَالا رَبَّنَا وَ مَنِ الظَّالِمُونَ قَالَ الْمُدَّعُونَ لِمَنْزِلَتِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالا رَبَّنَا فَأَرِنَا مَنَازِلَ ظَالِمِيهِمْ فِي نَارِكَ حَتَّى نَرَاهَا كَمَا رَأَيْنَا مَنْزِلَتَهُمْ فِي جَنَّتِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى النَّارَ فَأَبْرَزَتْ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ أَلْوَانِ النَّكَالِ وَ الْعَذَابِ وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ مَكَانُ الظَّالِمِينَ لَهُمْ الْمُدَّعِينَ لِمَنْزِلَتِهِمْ فِي أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنْهَا... يَا آدَمُ وَ يَا حَوَّاءُ لَا تَنْظُرَا إِلَى أَنْوَارِي وَ حُجَجِي بِعَيْنِ الْحَسَدِ فَأُهْبِطُكُمَا عَنْ جِوَارِي وَ أُحِلُّ بِكُمَا هَوَانِي فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ... وَ حَمَلَهُمَا عَلَى تَمَنِّي مَنْزِلَتِهِمْ فَنَظَرَا إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْحَسَدِ فَخُذِلَا حَتَّى أَكَلَا مِنْ شَجَرَةِ الْحِنْطَةِ... قَالَ اهْبِطَا مِنْ جِوَارِي فَلَا يُجَاوِرُنِي فِي جَنَّتِي مَنْ يَعْصِينِي... فَأَصْلُ كُلِّ ظُلْمٍ مِنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة»(1).

اقول: تأویل ما فی هذه الرّوایة واللّه العالم هو أنّ ما أودع اللّه تعالی فی صلب آدم من أصل الشجرة الخبیثة أعنی الأوّل و الثانی هو الّذی کان سبباً لتمنّی آدم و بتبعه حوّاء منزلة

ص: 104


1- . تفسیر البرهان ج 1 ص 186

حجج اللّه تبارک و تعالی لأنّ الاوّل و الثانی الّذین ادّعیا الولایة فی هذه الدّنیا کان لهما فی صلب آدم و فی عالم الذرّ اقتضاء هذا التمنّی و استعداد هذه الدّعوی العظيمة فکلّ ظلم وقع منذ زمن آدم إلی الخاتم (صلی الله علیه و آله و سلم) و منه إلی زمن القائم عجل الله تعالی فرجه الشریف یرجع إلی تلک الشجرة الخبیثة منها بدأت الفتنة و إلیها تعود فأنّها منشأ کلّ ظلم فعلته الظلمة و إلیها تعود آثارها من أنواع العذاب و ممّا ذکرناه تعرف التوجیه الفنّی و التقریب العلمی لروایة نقلها غوّاص بحار الأخبار عن الشیخ حسن بن سلیمان الحلّی صاحب کتاب «مختصر البصائر» وردت فی انتقام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف عن الشیخین الأوّل و الثانی و مظالمهما و الروایة طویلة نأخذ منها موضع الحاجة: «ثُمَ يَأْمُرُ بِإِنْزَالِهِمَا فَيُنْزَلَانِ إِلَيْهِ فَيُحْيِيهِمَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَ يَأْمُرُ الْخَلَائِقَ بِالاجْتِمَاعِ ثُمَّ يَقُصُّ عَلَيْهِمْ قَصَصَ فِعَالِهِمَا فِي كُلِّ كُورٍ وَ دُورٍ حَتَّى يَقُصَّ عَلَيْهِمْ قَتْلَ هَابِيلَ بْنِ آدَمَ وَ جَمْعَ النَّارِ لِإِبْرَاهِيمَ وَ طَرْحَ يُوسُفَ فِي الْجُبِّ وَ حَبْسَ يُونُسَ فِي الْحُوتِ وَ قَتْلَ يَحْيَى وَ صَلْبَ عِيسَى وَ عَذَابَ جِرْجِيسَ وَ دَانِيَالَ وَ ضَرْبَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَ إِشْعَالَ النَّارِ عَلَى بَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ لِإِحْرَاقِهِمْ بِهَا وَ ضَرْبَ يَدِ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ بِالسَّوْطِ وَ رَفْسَ بَطْنِهَا وَ إِسْقَاطَهَا مُحَسِّناً وَ سَمَّ الْحَسَنِ وَ قَتْلَ الْحُسَيْنِ وَ ذَبْحَ أَطْفَالِهِ وَ بَنِي عَمِّهِ وَ أَنْصَارِهِ وَ سَبْيَ ذَرَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ وَ إِرَاقَةَ دِمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ وَ كُلِّ دَم...» الخ(1).

فأنّ کلّ هذه المظالم فعلیة لذاک الاقتضاء و الاستعداد الماهویّ و الخباثة الذاتیّة الثابتة فی کمون تلک الشجرة الخبیثة و تمام الکلام یطلب ممّا ذکرناه فی رسالة الطلب و الإرادة(2).

ثمّ اعلم انّه یجب التبرّی عن الشجرة الخبیثة أصلها و ساقها و فروعها و أوراقها و أثمارها کما قال اللّه تبارك و تعالی: (وَ لَقَدْ بَعَثْنا في کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا

ص: 105


1- . بحار الانوار ج 53 ص 14، مختصر البصائر ص 449
2- . بحوث متفرقة ص 104-108

الطَّاغُوتَ)(1) و قال عزّ من قائل: (قَدْ کانَتْ لَکُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْراهيمَ وَ الَّذينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْکُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ کَفَرْنا بِکُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَکُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّي تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(2).

اقول: دلالة الآیة الأولی علی وجوب الاجتناب عن الطّاغوت لاتحتاج إلی توضیح و قد مرّ تفسیر الطّاغوت و هو الحاکم الظالم و العالم المضلّ، و دلالة الآیة الثانیة علی وجوب التبریّ من کلّ معبود سوی اللّه و کلّ من عبدهم واضحة أی یجب التبریّ من الطواغیت و أولیائهم و قد ورد فی الزیارة الجامعة: «وَ بَرِئْتُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَ مِنَ الْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ الشَّيَاطِينِ وَ حِزْبِهِمُ الظَّالِمِينَ لَكُمْ وَ الْجَاحِدِينَ لِحَقِّكُمْ وَ الْمَارِقِينَ مِنْ وَلَايَتِكُمْ وَ الْغَاصِبِينَ لِإِرْثِكُمُ الشَّاكِّينَ فِيكُمُ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْكُمْ وَ مِنْ كُلِّ وَلِيجَةٍ دُونَكُمْ وَ كُلِّ مُطَاعٍ سِوَاكُمْ وَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى النَّار».

اقول: هذه الزّیارة الشریفة النفیسة رواها رئیس المحدّثین الصدوق عن علیّ بن أحمد بن موسی و هو الدقّاق الّذی أکثر الصدوق من الرّوایة عنه مترضیّاً(3) و الحسین بن ابراهیم بن احمد الکاتب و هو الّذی یروی عنه الصدوق مترضیاً(4) عن محمّد بن عبداللّه الکوفی و هو ابن جعفر الأسدیّ الّذی هو من الوکلاء(5) عن محمّد بن اسماعیل البرمکی و هو الّذی یروی عنه الکلینیّ بواسطة محمّد بن جعفر الأسدیّ و هو أعنی البرمکیّ الرازی ثقة بتوثیق النجاشیّ و ان ضعّفه ابن الغضائری فأنّه لا اعتبار بتضعیفاته(6) عن موسی بن عبداللّه النخعیّ

ص: 106


1- . النحل / 36
2- . الممتحنة / 4
3- . خاتمة المستدرک ج 3 ص 596
4- . خاتمة المستدرک ج 3 ص 380
5- . الوسائل ج 30 ص 465
6- . معجم رجال الحدیث ج 15 ص 84 ، منتهی المقال ج 5 ص 7-236

و هو مجهول فی کتب الرّجال و لکن حرمانه من التوثیق من حیث انّه لم یکن صاحب أصل و أکثر الکتب الرجالیّة من المتقدّمین الّتی وصلت إلینا موضوعة لأحوال ذوی الکتب و الأصول و کیف کان فقد قال المحدّث النوریّ انّه أی النخعیّ ممّن یحتمل أسرارهم(1).

توضیحه انّ عبداللّه بن موسی النخعیّ أمره دائر بین أن یکون غالیاً وضّاعاً اخترع هذه الزیارة و نسبه إلی الامام الهادی (صلوات الله علیه) و أن یکون ثقة جلیلاً رآه الامام (صلوات الله علیه) لائقاً لحمل هذه الأسرار، و الاحتمال الأوّل ضعیف غایته لأنّه لایمکن عادة لغیر المعصوم انشاء هذه المضامین العالیة فیثبت الاحتمال الثانی فهو أی النخعی محتمل اسرارهم (صلوات الله علیهم) فهو من الأجلّاء و ان کان غیر مذکور فی کتب الرّجال فالسند معتبر هذا بحسب اصطلاح المتأخّرین و امّا بحسب اصطلاح المتقدّمین فالسند صحیح لأنّ الزیارة مودّعة فی الکتب المعتبرة و مأخوذة من الأصول المعوّل علیها و کیف کان فقد رواها الصدوق بهذا السند عن الامام علی النقی الهادی (صلوات الله علیه).

و دلالة هذه الفقرة علی وجوب التبریّ من أصل الشجرة الخبیثة و ساقها و سائر فروعها و أورقها و أثمارها ممّا لایخفی و قد نقل عن الصادق (صلوات الله علیه) انّه قال: «حُبُّ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَاجِبٌ وَ الْوَلَايَةُ لَهُمْ وَاجِبَةٌ وَ الْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَاجِبَةٌ وَ مِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّدٍ (صلوات الله علیهم) وَ هَتَكُوا حِجَابَهُ وَ أَخَذُوا مِنْ فَاطِمَةَ (صلوات الله علیها) فَدَكَ وَ مَنَعُوهَا مِيرَاثَهَا وَ غَصَبُوهَا وَ زَوْجَهَا حُقُوقَهُمَا وَ هَمُّوا بِإِحْرَاقِ بَيْتِهَا وَ أَسَّسُوا الظُّلْمَ وَ غَيَّرُوا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ الْبَرَاءَةُ مِنَ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ وَاجِبَةٌ وَ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْأَنْصَابِ وَ الْأَزْلَامِ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ وَ قَادَةِ الْجَوْرِ كُلِّهِمْ أَوَّلِهِمْ وَ آخِرِهِمْ وَاجِبَةٌ وَ الْبَرَاءَةُ مِنْ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ شَقِيقِ عَاقِرِ نَاقَةِ ثَمُودَ قَاتِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (صلوات الله علیه) وَاجِبَةٌ وَ الْبَرَاءَةُ مِنْ جَمِيعِ قَتَلَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ (صلوات الله علیهم) وَاجِبَة»(2)

ص: 107


1- . خاتمة المستدرک ج 3 ص 769
2- . الانوار الساطعة ج 5 ص 59 عن البحار ج 20 ص 54 عن الشیخ الصدوق فی الخصال

و فی الزیارة الجامعة: «وَ عَلی مَنْ جَحَدَ ولایَتکُم غَضَبُ الرَّحْمن»

اقول: الجحد فی اللّغة هو انکار ما تعرفه(1) کما هو صریح قوله تعالی: (وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ )(2) فلا یشمل الجاهل القاصر ففی الخصال باسناده عن أبی عبداللّه عن أبیه عن جدّه عن علیّ (صلوات الله علیهم) قَالَ: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ بَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ النَّبِيُّونَ وَ الصِّدِّيقُونَ وَ بَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ الشُّهَدَاءُ وَ الصَّالِحُونَ وَ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ يَدْخُلُ مِنْهَا شِيعَتُنَا وَ مُحِبُّونَا فَلَا أَزَالُ وَاقِفاً عَلَى الصِّرَاطِ أَدْعُو وَ أَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ شِيعَتِي وَ مُحِبِّي وَ أَنْصَارِي وَ مَنْ تَوَلَّانِي فِي دَارِ الدُّنْيَا فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكَ وَ شُفِّعْتَ فِي شِيعَتِكَ وَ يُشَفَّعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ شِيعَتِي وَ مَنْ تَوَلَّانِي وَ نَصَرَنِي وَ حَارَبَ مَنْ حَارَبَنِي بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فِي سَبْعِينَ أَلْفَ مِنْ جِيرَانِهِ وَ أَقْرِبَائِهِ وَ بَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْت»(3).

و قد نقل ثقة الاسلام الکلینیّ عطّر اللّه تعالی مرقده الشّریف فی باب الکفر من الکافی الشریف روایات تدلّ علی أنّ من خرج عن ولایة علیّ (صلوات الله علیه) فهو کافر ولنکتف هنا بروایة واحدة و هی صحیحة فضیل بن یسار عن أبی جعفر (صلوات الله علیه) قال: «انّ اللّه نَصَبَ عَلِيّاً عَلَماً بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ فَمَنْ عَرَفَهُ كَانَ مُؤْمِناً وَ مَنْ اَنْكَرَه كَانَ كَافِراً وَ مَنْ جَهِلَهُ كَانَ ضَالّاً وَ مَنْ نَصَبَ مَعَهُ شَيْئاً كَانَ مُشْرِكاً وَ مَنْ جاءَ بِوَلاَيَتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَ مَنْ جَاءَ بِعَدَاوَتِهِ دَخَلَ اَلنَّار»(4).

و الجمع بین الرّوایات المتعارضة فی کفر المخالفین و اسلامهم هو الّذی یظهر من المحقّق الخوئی من أنّ من أنکر الولایة عالماً أی جحدها فهو کافر و من أنکرها و هو جاهل

ص: 108


1- . ترتیب مقائیس اللغة ص 159
2- . النمل / 14
3- . الانوار الساطعة ج 5 ص 325
4- . الکافی ج 2 ص 392

اغترّ بما ذکره علمائهم فهو مسلم(1) و تمام الکلام فی محلّه.

و السرّ فی أنّ انکار الولایة کفر و الاقرار بها ایمان هو الّذی تقدّم فی الباب الثالث فی بیان الرّوایات المفسّرة لعالم الذرّ من أنّ الناس أخذ علیهم المیثاق علی الولایة کما أخذ علیهم المیثاق علی التوحید و قد تقدّم فی آخر المقدّمه العاشرة تصریح بعض الرّوایات بأنّ

الرسالة و الولایة من التوحید و فی زیارة العاشوراء الّتی رواها الشیخ فی المصباح(2) بسنده عن أبی جعفر الباقر (صلوات الله علیه) و صحّح سندها فقیه العصر السیّد الزنجانی مدظلّه العالی و هو الخرّیت فی فنّ الرجال، ففیها: «وَ أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوَالاتِكُمْ وَ مُوَالاةِ وَلِيِّكُمْ وَ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَ النَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ وَ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَ أَتْبَاعِهِمْ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ وَ حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ وَ وَلِيُّ لِمَنْ وَالاكُمْ وَ عَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُم«(3)

اقول: دلالة هذه الفقرة من زیارة العاشوراء علی وجوب التبریّ من أصل الشجرة الخبیثة و ساقها و فروعها و أثمارها و أوراقها أوضح من أن یخفی و فی الزیارة الجامعة: «مَنْ وَالاكُمْ فَقَدْ وَالَى اللَّهَ وَ مَنْ عَادَاكُمْ فَقَدْ عَادَى اللَّهَ وَ مَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ وَ مَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّه» و فیها أیضاً: «مَنْ جَحَدَکُمْ کافِر وَ مَنْ حارَبَکُمْ مُشْرِک وَ مَنْ رَدَّ عَلَیْکُمْ فی اَسْفَلِ دَرَکٍ مِنَ الْجَحیم» و فیها أیضاً: «مَنْ أَطَاعَكُمْ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ عَصَاكُمْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَ مَنْ أَحَبَّكُمْ فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ وَ مَنْ أَبْغَضَكُمْ فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّه».

و بالجملة لا فرق بین من جحد اللّه و من جحد رسوله أو أوصیاء رسوله فأنّ جحود رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) راجع إلی جحود اللّه و جحود أوصیاء رسول اللّه (صلی الله علیه و آله و سلم) جحود ما أنزل اللّه تعالی علی رسوله فالجاحد للولایة کافر و لکنّ الجاحد لایشمل الجاهل القاصر کما تقدّم و

ص: 109


1- . موسوعة السید الخوئی ج 3 ص 58 و ص 64 و ص 79
2- . مصباح المتهجد ص 7-568
3- . مفاتیح الجنان

لایشمل المستضعف کما وردت فی الروایات(1) و هناک طائفة مرجون لأمر اللّه(2)

و قد نقل عن ابن مردویه و هو من علماء العامّة انه روی بسنده المتّصل عن ابن عبّاس قال:

«سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) يَقُولُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَ هُوَ جَاحِدٌ وَلَايَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (صلوات الله علیه) لَقِيَ اللَّهَ وَ هُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئاً مِنْ أَعْمَالِهِ فَيُوَكَّلُ بِهِ سَبْعُونَ مَلَكاً يَتْفُلُونَ فِي وَجْهِهِ وَ يَحْشُرُهُ اللَّهُ تَعَالَى أَسْوَدَ الْوَجْهِ أَزْرَقَ الْعَيْن»(3).

اللّهم العن أوّل ظالم ظلم حقّ محمّد و آله و آخر تابع له علی ذلک اللّهم العنهم جمیعاً اللّهم ارزقنا شفاعة الحسین یوم الورود و احشرنا فی زمرة خیر خلقك محمّد و أهل بیته الطاهرین آمین ربّ العالمین الحمد للّه الّذی هدانا لهذا و ما کنّا لنهتدی لولا أن هدانا اللّه ربّ العالمین.

لیلة الأربعاء 27 صفر الخیر سنه 1445 الحوزة العلمیة باصفهان المحروسة

عبدالرّسول پیمانی السدهی

عفی عنه و عن والدیه

ص: 110


1- . الکافی ج 2 ص 405
2- . الکافی ج 2 ص 407
3- . الفضائل لشاذان بن جبرئیل القمی ص 622

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.