هذه فاطمة صلوات الله عليها

هویة الکتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2799:2012

الرقم الدولي ISBN: 9789933489458

الحسني، نبيل، 1965 - م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها: وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة وتحليل نبيل الحسني. ط 1 - كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434 ق. = 2013 م.

8 ج. - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100).

المصادر.

1. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - فضائل. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (س)، 11 ق. 5. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. إيذاء وتعقيب. 6. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 1

المجلد 1

اشارة

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله و سلامه عليها و هی قلبي و روحي التي بین جنبي

کاتب:نبیل حسنی

المنتج: العتبة الحسینیة المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة. شعبة الدراسات و البحوث الإسلامیة

عدد المجلدات :8 ج

لسان: العربي

الناشر:العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة - کربلای معلی عراق

سنة النشر: 1434 هجری قمری|2013 میلادی

قانون الكونجرس:/ح5ھ4 27/2 BP

ص: 2

ص: 3

حقوق النشر محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1434 ه -- 2013 م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

قسم الشؤون الفكرية والثقافية - هاتف: 326499

Web: www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 4

الإهداء

إلى: أول مولود في بيت النبوة...

وثاني الائمة... وسبط الأمة.

إلى: بكر الزهراء البتول...

وشبيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

إلى قرة عين المرتضى عليه السلام....

إلى: سيدي ومولاي وإمامي

الحسن المجتبى ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

أهدي هذا الكتاب قربة الى الله تعالى.

خادمكم وولدكم نبيل

ص: 5

ص: 6

مقدمة الكتاب

خصوصية الحديث عن الشخصية الرسالية

اشارة

حينما يكون الحديث عن الشخصية الرسالية، أي التي ارتبطت بالسماء، فإن هذا الحديث سيكون له خصوصية كخصوصية السماء والأمر الإلهي.

من هنا:

لابد أن يكون هذا الحديث متعدد الجوانب وواسعاً، فضلاً عن الدقة في بيان جزئيات هذه الرسالية، وذلك لما ارتبطت به هذه الشخصية من غرض سماوي (إلهي) في تحقيق الإصلاح لبني الإنسان وإتمام الحجة التي لازمت حركة الرسالات والنبوّات منذ أن قدر الله تعالى أن يجعل خليفته على هذه الأرض.

ولذا:

نجد أن القرآن الكريم يستعرض لنا تلك الخصوصية في الحديث عن تلكم الشخصيات التي ارتبطت أسماؤها بل وتكوينها بالأمر الإلهي المقدّس، فيبدأ في

ص: 7

بيان تكوينها، وولادتها، ونشأتها، وصباها، وشبابها، وشيخوختها، وموتها، وبعثها، ونشورها، وحسابها، ومثواها في الجنة؛ فضلاً عن دورها الرسالي والتبليغي.

ففي تكوينها الرحمي (الجنيني): نجد القرآن الكريم يظهر جانباً مفصلاً عن تلك المرحلة التي سبقت ولادة هذه الشخصية الرسالية كنبي الله عيسى عليه السلام وأمه مريم عليها السلام فيبين لنا حال مريم عليها السلام وما بلغت إليه من القرب والطاعة لله تعالى لتنال الكرامة منه سبحانه في الاختيار لهذه الرسالية، فمريم عليها السلام قد أعدت لتكون صاحبة الرحم الطاهر الذي خلق فيه روح الله وكلمته.

قال تعالى:

وَ اُذْكُرْ فِي اَلْكِتٰابِ مَرْيَمَ إِذِ اِنْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهٰا مَكٰاناً شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجٰاباً فَأَرْسَلْنٰا إِلَيْهٰا رُوحَنٰا فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِيًّا قٰالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قٰالَ إِنَّمٰا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاٰماً زَكِيًّا قٰالَتْ أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلاٰمٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا قٰالَ كَذٰلِكِ قٰالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّٰاسِ وَ رَحْمَةً مِنّٰا وَ كٰانَ أَمْراً مَقْضِيًّا(1) .

فهذه الآيات المباركة تظهر لنا بوضوح المرحلة الجنينية لتلك الشخصية الرسالية، وإن الحكمة في إيراد ذلك الحديث يتعلق بكونها رسالية؛ ومن قبل ذلك كان القرآن قد أظهر في بيانه لتلك الشأنية الرسالية ما كان يختص بشخص مريم

ص: 8


1- سورة مريم، الآيات: 16-21.

عليها السلام إذ أظهر لنا القرآن تلك الخصوصية في بيانه المتعدد الجوانب عمن ارتبط تكوينهم بالرسالات فها هي امرأة عمران يحدثنا القرآن عنها كيف قد نذرت ما في بطنها محرراً لله عزّ وجل كي تكون هذه الأم قد هُيّئت لتلد رحماً طاهراً مطهراً ممثلاً في شخص مريم لينشأ بين أحشائها المخصوص بالنبوة والمجتبى لرسالة الإنجيل.

قال الله تبارك وتعالى:

إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مِنَ اَلْمُقَرَّبِينَ (1) .

بمعنى: أن العناية الإلهية سبقت خروج نبي الله عيسى عليه السلام في جدته لأمه امرأة عمران فهذه المرأة حينما ارتبط وجودها بالنبوة والرسالة والحكم الشرعي هيّأها الله وأعدها من قبل أن يرى نبي الله عيسى الحياة الدنيا.

قال تعالى:

إِذْ قٰالَتِ اِمْرَأَتُ عِمْرٰانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ فَلَمّٰا وَضَعَتْهٰا قٰالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهٰا أُنْثىٰ وَ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا وَضَعَتْ وَ لَيْسَ اَلذَّكَرُ كَالْأُنْثىٰ وَ إِنِّي سَمَّيْتُهٰا مَرْيَمَ وَ إِنِّي أُعِيذُهٰا بِكَ وَ ذُرِّيَّتَهٰا مِنَ اَلشَّيْطٰانِ اَلرَّجِيمِ (2) .

وهذا العرض القرآني إنما جاء لكي يعطي صورة واضحة المعالم عن تلك الشخصيات الرسالية، وهذا أولا.

ص: 9


1- سورة آل عمران، الآية: 45.
2- سورة آل عمران، الآيتان: 35 و 36.

وثانيا

كي لا يبدو مستغرباً ذلك الحديث حينما يتناول فاطمة بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو أمها خديجة عليها السلام فمثلما شملت العناية الإلهية والسبق في اللطف الرحماني امرأة عمران بكينونة النبوة في عيسى عليه السلام كذاك الحال كان في أم المؤمنين خديجة عليها السلام بكينونة الإمامة التي خصت بها أم الأئمة فاطمة عليها السلام.

ثالثاً

لكي نتبع ذلك النهج القرآني في معرض بيانه لحياة تلك الشخصيات الرسالية؛ بمعنى: يعلمنا القرآن أن الحديث عن الشخصية الرسالية يلزم المتحدث بالسعة والمتابعة والبيان، وأن الحديث يلزم أيضا صاحبه بالرجوع إلى المراحل الأولى لبدء ظهور هذا الدور الرسالي أو ذاك.

وعليه:

كان لابد أن نرجع إلى تلك الحيثيات القرآنية في حديثنا عن سيدة نساء العالمين ونتبع تلك المنهجية القرآنية في الحديث عن الشخصية الرسالية مما تطلب جهداً مضاعفاً خلال سيرنا في هذا العمل الذي بلغ بضع سنين منذ ان اذن الله برحمته ان نشرع في هذا العمل حينما كنت في دمشق الشام سنة 1999 ميلادية.

فمن أروقة مكتبة الأسد الوطنية كانت الانطلاقة ثم الى لبنان ثم العودة الى دمشق ثم الرجوع الى العراق عام 2003 م والعودة الى دمشق حيث كان كثير من المعلومات منابعها ومصادرها في مكتبة الأسد لاسيما بعض المخطوطات والمصادر

ص: 10

التخصصية في العلوم الاجتماعية والنفسية وقد كنت حينها قد انهيت ثلاثة أجزاء من الكتاب لاسيما وان الجزء الثالث كان خاصاً بالبحث والدراسة لدورها عليها السلام كزوجة وأم فبين الزوجة الرسالية والأم الرسالية بحوث متعددة في العلوم التربوية والنفسية والاجتماعية كما سيمر بيانه.

ثم العودة الى العراق وعيش معاناة نقص الخدمات والأمن؛ مما أثر سلباً على سير البحث والدراسة في هذا العمل وضياع أيام كثيرة مما دفعنا الى تأجيل العمل في هذا الكتاب والانتقال الى أبحاث أخرى بما توفر لدينا من مصادر ومنابع للمعلومات فوفقنا الله تعالى ومن خلال أروقة مكتبة الروضة الحسينية المطهرة الى الانتهاء من سبعة عشر بحثاً طبع منها خمسة عشر بحثاً فلله الحمد وله المنة والفضل. على ما وفقنا إليه.

ثم لم نزل برحمته الواسعة وسابق لطفه وعنايته ان منّ علينا فعدنا لهذا البحث الجزء الرابع ليغدقنا الله بكرمه ويعيننا على إنهائه فكان بثمانية مجلدات، متبعين في ذلك منهج القرآن الكريم في بيانه لحياة الشخصية الرسالية.

ولتكون أولى محطاتنا هي خلق نورها وشأنيته، وسماته، ودوره الرسالي، ثم خلق روحها، وطينتها، وخلقها من ثمار الجنة، وما رافق انتقال النور الفاطمي الى الصلب المحمدي، ليرسو بنا الحديث في محطة المرحلة الجنينية لسيدة نساء العالمين حينما كانت خديجة عليها السلام في مرحلة الحمل والولادة، ليكون الحديث ضمن مباحث عديدة.

ثم انتقلنا في بحثنا لدراسة مرحلة طفولة فاطمة عليها السلام، وصباها، وما

ص: 11

شهدته من بزوغ فجر الإسلام في مكة وظهور دعوة النبوة والتوحيد، ودورها ضمن هذه المرحلة الجهادية في الدفاع عن النبوة، حتى حط بها الرحال مهاجرة الى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في خروج علي بن أبي طالب عليه السلام بالفواطم.

ثم لتبدأ مرحلة جديدة من عمر الشخصية الرسالية لسيدة نساء العالمين في دار الهجرة ومستقر النبوة ليتم معها مشروع إلهي آخر يسير بموازاة النبوة المحمدية، وهي مرحلة إنشاء الأسرة الإلهية من خلال نزول الأمر الإلهي بتزويجها من علي بن أبي طالب عليهما السلام، فكان زواج النور من النور، وظهور البيت الأسري الأنموذج في الإسلام ليشهد العاقل منظومة حياتية متكاملة في العلاقة الأسرية، ابتداءً من التوافق الزواجي، والتكافؤ الثنائي، مقنناً بذاك أطر الواجبات والحقوق بين الرجل والمرأة في بيت الزوجية غير باخسين جهود الدراسات المعاصرة في علم اجتماع الأسرة في فهم العلاقة الزوجية وبنائها بين الرجل والمرأة من النواحي النفسية والاجتماعية والسلوكية والتربوية علّنا بذاك نكون قد وفقنا في هذا الجزء وهو الثالث من أجزاء الكتاب في بيان تلك الأسس الحياتية التي قامت عليها الاسرة الإلهية والأنموذج في الإسلام لجميع القراء الذين تعددت ثقافاتهم واهتماماتهم العلمية.

ليلي ذلك بحوث مكثفة في مرحلة الطفولة في بيت فاطمة وظهور دورها كأم، وكيفية تنشئتها لأولادها ضمن أسس الرسالة المحمدية، والتعاليم القرآنية؛ فضلاً عن تأسيسها لقواعد تربوية في بناء شخصية الطفل وتكوينه الخلقي، والمعرفي، والحركي.

ص: 12

ثم انتقلنا في دراستنا لحياة فاطمة صلوات الله عليها الى جانب آخر من هذه الشخصية الرسالية وقد تعلق بمنزلتها عند الله تعالى، وبيان تلك الخصوصية في التلازم بين رضاها ورضا الله، وغضبها وغضب الله تعالى، وآثار ذلك في بناء الهوية الإسلامية والعقيدة الإيمانية.

ثم انتقلنا الى منزلتها في القرآن فكان ضمن محورين:

المحور الأول دار حول الآيات العامة التي ضمت تحت مقاصدها واختصاصها بآل البيت عليهم السلام جميعاً كآية التطهير، وآية المودة، وآية المباهلة وغيرها.

والمحور الثاني دار حول الآيات الكريمة التي اختصت بشخص فاطمة عليها السلام كآية القربى، وليلة القدر، وغيرها مكتفين في ذلك بإيراد الروايات الشريفة التي تنص على هذا الاختصاص وسبب النزول.

ثم عرجنا إلى منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليظهر لنا ان علاقتها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ارتكزت على مجموعة من المعطيات المتعددة كالإيمانية، والتقوائية، والولائية، والأبوية.

ليكون ذلك مدخلاً الى مباحث الجزء الخامس كمنزلتها عند الملائكة والأنبياء عليهم السلام، والكتب السماوية، وفي الآخرة ابتداءً من خروجها من القبر الى ساحة المحشر، ومجريات يوم القيامة الى منزلتها في الجنة؛ ثم انتقلنا في محطات البحث الى بعض شؤون فاطمة عليها السلام ككراماتها، ومعاجزها، والوقوف عند بعض خواصها كالرحى، والمغزل، وبقلتها، وما تحب من الطعام.

ص: 13

اما ما تضمنه الجزء السادس من الدراسة فكان حول عبادتها، وصلاتها، وتسبيحها، وعلمها، وفقهها، وبعض نظرياتها، والوقوف عند بيانها لحركة التاريخ وسننه ضمن مباحث متعددة حاولنا قدر المستطاع الاحاطة بهذه المعطيات في الفكر الفاطمي؛ وكم تمنيت أن أوفق إلى المزيد من هذه القراءة والبحث عن تلك المعطيات والنظم والمرتكزات في بناء الحياة وتقويم السلوك وقيام المجتمع وإصلاحه الذي فاض بها الفكر الفاطمي وإني لقاصرٌ عن بلوغ العلا حتى أيقنت ان هذا حد رزقي من اللطف الإلهي وهو القائل عز وجل:

(إِنّٰا كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقْنٰاهُ بِقَدَرٍ).

فله الحمد على ما أنعم وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم. ومازلت ألتمس من فضله أن يفتح علي أبواب رحمته فأوفق للمزيد في المستقبل انه لا يخيب رجاء راجيه.

اما ما كان من التوفيق في الجزء السابع فهو البحث والدراسة لما أحاط بفاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، من المصائب، والرزايا، والمحن، ابتداءً من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وانتهاءً بوفاتها؛ وما بين الرزيتين يهدّ الجبال.

وقد واجهت فيه مجموعة من الصعوبات تمثلت في الوقوف عند جزئيات مصيبة الباب ومجرياتها لاسيما وان سياسة التعتيم، والتكتيم، والامحاء، التي مارستها السلطة التي جلست في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ بيعة السقيفة وإلى يومنا هذا كانت كفيلة في ضياع كثير من تفاصيل هذه الحادثة في

ص: 14

مصادر أبناء السنة مما استلزم الرجوع الى مصادر مذهب العترة النبوية وما روي عنهم في بيان مجريات الحادثة اما عموميات الحادثة فلم تخلُ منها كتب أبناء السنة وفيها كفاية لبيان وقوع جريمة الباب وقتل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولنا في ذلك أسوة بكتاب الله تعالى الذي اعتمد بيان العموميات كقوله تعالى:

(وَ أَنْ أَقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ اِتَّقُوهُ ) .

أما كيفية الإقامة، وأجزاء الفريضة، ومقدماتها، وأركانها، وشرائطها، فكان من خلال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعترته أهل بيته عليهم السلام.

وكذا كانت حادثة باب فاطمة، وجريمة قتلها، وولدها المحسن الذي أجهضته بفعل عصرها بين الباب والحائط عند اقتحام عمر بن الخطاب وعصابته من (المسلمين) بعد تهديده بالإحراق فجمع الحطب وأحرق به البيت كما وردت بذلك بعض النصوص الصريحة الصحيحة كما سيجدها القارئ خلال هذا الفصل.

كما سيجد القارئ مجريات الحرب المفتوحة على ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى كافة الأصعدة، كالاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، والعقائدية فضلاً عن الجسدية حتى لحقت بربها شهيدة.

وهو ما اختتمنا به الجزء السابع لننتقل بعد ذلك في الجزء الثامن وهو الأخير إلى بيان مراسيم تجهيزها للانتقال الى روضتها الفردوسية، وموضع قبرها، وزيارتها، والصلاة عليها، والاستغاثة بها، وآثار حبها وبغضها، فضلاً عن بيان عاقبة الذين ظلموها، لنختتم كتابنا بعلاقتها بزائر الحسين عليه السلام،

ص: 15

وخصوصية ارتباطها بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف نسباً، ورسالة، وهدفاً إلهياً في بسط العدل والقصاص ممن ظلمها، وظلم أباها وبعلها وبنيها وشيعتها.

(وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلاّٰ بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ ) ، (وَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ ) .

فصل يا رب على بضعة نبيك، وحبيبة رسولك، وقلبه، وروحه التي بين جنبيه، وحليلة وليك، وحجتك على خلقك، أول المؤمنين برسولك، وأسبق المصدقين به، وخاصته من أهل بيته، ووصيه، وخليفته من بعده؛ وصل يا رب على أم أوليائك، وحججك على خلقك حين خلقت نورها من نور عظمتك، وجلالك، وحين فجرته من نور حبيبك وخيرتك من خلقك فأشرقت الأرض بنور ربها؛ وصل عليها حين أودعتها في ثمار الجنة، ونقلتها الى نور نبيك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فأنبتها في أرض الطهر، ومعدن العفة خديجة فأولدتها بإذنك كريمة، ميمونة، مطهرة، مقرة بالتوحيد لك، وبالنبوة لرسولك صلى الله عليه وآله وسلم، وبالإمامة لوليك.

وصل عليها يا رب يوم أرجعتها إليك راضية، مرضية، صابرة محتسبة، وصل عليها كلما صليت على أبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ وصلِّ عليها يوم تبعثها حية؛ وصل عليها حين تدخلها الجنة، وتلحقها بأبيها وحبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل بن السيد قدوري بن السيد حسن بن السيد علوان

بن السيد جاسم بن السيد حسين الحسني

من أروقة مكتبة الروضة الحسينية المقدسة بكربلاء لسنة 1434 ه -- 2013 م

ص: 16

الفصل الاول: نور فاطمه عليها السلام

اشارة

ص: 17

ص: 18

لعل الحديث عن النور مجهول لدى البعض من المسلمين أو غيرهم من الناس باختلاف معتقداتهم المستوحاة من دياناتهم السماوية والأرضية(1).

والسبب في ذلك يعود إلى أن الكثير من الكتاب والباحثين لم يخوضوا فيه، أو يتحدثوا عنه عندما يبدؤون بحديثهم أو كتاباتهم عن الشخصيات التي اندمج تكوينها ونشأتها وحياتها وسيرها بالله عزّ وجلّ ؛ ونقصد بذلك الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام.

ولأن الحديث عن النور هو الخوض في غمار المبهمات التي أخفيت ماهيتها وعللها، فقد تجنبها الكثير من الملتمسين للمعرفة مع مالها من الأهمية البالغة، فأمر النور كأمر الروح الذي أشارت إليه الآية الكريمة:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلرُّوحِ قُلِ اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً(2) .

لكن الذي يبدو من خلال بعض الأحاديث أن النور الذي خلق منه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم غير روحه الطاهرة، فيكون عندها أن النور

ص: 19


1- المراد بالديانات الأرضية كالديانة البوذية والزردشتية وغيرها من الديانات التي أخذت تعاليمها من رجال لم يرتبطوا بالسماء برباط النبوة.
2- سورة الإسراء، الآية: 85.

والروح هما من أمر الله عزّ وجلّ الذي لا يعلمهما إلا الله جلت قدرته. وعندما نأتي إلى القرآن لنستلهم منه بعض الحقائق عن النور نجد أن الله سبحانه وتعالى حينما ضرب للناس مثلاً عن نوره ترى هذا المثل قد احتار فيه العقلاء وتوقف عنده العرفاء، ولم يعلموا منه غير الذي أبداه لهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام. وأما غير هذا فهو هواء في شبك؛ لأن من ادعى المعرفة بكتاب الله تعالى بغير تنصيب إلهي كان ادعاؤه جهلاً، وقوله زيفاً؛ قال عزّ وجلّ :

اَللّٰهُ نُورُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اَللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَضْرِبُ اَللّٰهُ اَلْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (1) .

ومن هنا: فإن الحديث عن نور فاطمة عليها السلام لا يمكن لنا تبين معانيه، أو الوقوف عند مراسيه لما ذكر سابقاً. لكن هذا لا يمنعنا من ركوب سفينة العترة المحمدية عليهم السلام لنبحر بها إلى ذلك العالم اللامتناهي من المعاني التي يسبح فيها الذهن ويدور في فضائها الفكر، وهو يتنقل بين محطاتها المتعددة، فيقف محتاراً في جمالها، ومتأملاً في إبداعها، ومذهولاً في جلالها.

هكذا كانت رحلة العقل في سفينة العترة النبوية عليهم السلام وهي تتنقل بين محطات عالم نور فاطمة عليها السلام، فبين محطتنا الأولى وهي بدء خلق نورها عليها السلام إلى (ما كان يصنع هذا النور) محطتنا الأخيرة كان سيرنا بعون الله وفضله، مشتملاً على جملة من المباحث والمسائل، وهي كالآتي:

ص: 20


1- سورة النور، الآية: 35.

المبحث الأول: بدو خلقِ النور

اشارة

قبل خوض غمار البحث في نور فاطمة عليها الصلاة والسلام فلابد من التوقف أولاً عند الأحاديث التي تتحدث عن بدء خلق النور بشكل عام لنفهم من خلالها كينونة هذا النور الفاطمي حسبما تفصح عنه هذه الأحاديث الشريفة ويعيننا عليه فهمنا لها وفوق كل ذي علم عليم.

المسألة الأولى: سؤال العباس بن عبد المطلب عن العلة في تفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام على الناس
الحديث الأول

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ دخل العباس بن عبد المطلب، فسلم فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورحّب به فقال: يا رسول الله بما فضل الله علينا أهل البيت، علي بن أبي طالب والمعادن واحدة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«إذن أخبرك يا عم، إن الله خلقني وخلق عليا ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا لوح ولا قلم.

ص: 21

فلما أراد الله عزّ وجلّ بدو خلقنا تكلم بكلمة فكانت نوراً، ثم تكلم كلمة ثانية فكانت روحاً؛ فمزج في ما بينهما واعتدلا فخلقني وعلياً منهما، ثم فتق من نوري نور العرش وأنا أجل من العرش؛ ثم فتق من نور علي نور السماوات، فعلي أجل من السماوات؛ ثم فتق من نور الحسن نور الشمس؛ ومن نور الحسين نور القمر؛ فهما أجل من الشمس والقمر وكانت الملائكة تسبح لله تعالى وتقول في تسبيحها: سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى.

فلما أراد الله تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا فقال الله عزّ وجلّ : وعزتي وجلالي لأفعلنّ (فخلق نور فاطمة الزهراء عليها السلام كالقنديل وعلقه في قرط العرش فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع) من أجل ذلك سميت فاطمة (الزهراء)»(1).

الحديث الثاني

وفي حديث آخر، عن أنس بن مالك، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأيام صلاة الفجر، ثم أقبل علينا بوجهه الكريم فقلت له يا رسول الله، إن رأيت أن تفسر لنا قوله تعالى:

فَأُولٰئِكَ مَعَ اَلَّذِينَ أَنْعَمَ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ اَلنَّبِيِّينَ وَ اَلصِّدِّيقِينَ وَ اَلشُّهَدٰاءِ وَ اَلصّٰالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً(2) .

ص: 22


1- البحار للمجلسي: ج 43 ص 17.
2- سورة النساء، الآية: 69.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أما النبيون فأنا، وأما الصديقون فأخي علي وأما الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين».

قال: وكان العباس حاضراً فوثب وجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ألسنا أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من نبعة واحدة ؟، قال:

«وما ذاك يا عم»؟

قال: لأنك تعرف بعلي وفاطمة والحسن والحسين دوننا.

قال: فتبسم النبي وقال:

«أما قولك يا عم: ألسنا من نبعة واحدة فصدقت، ولكن يا عم إن الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم عليه السلام حين لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار».

فقال العباس: وكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله ؟، فقال:

«يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نوراً، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، ثم مزج النور بالروح، فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فكنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس.

فلما أراد الله تعالى أن ينشئ الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري، ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش، ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور أخي علي، ونور أخي علي من نور الله،

ص: 23

وعلي أفضل من الملائكة؛ ثم فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله تعالى، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض؛ ثم فتق نور ولدي الحسن، فخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور ولدي الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر؛ ثم فتق نور ولدي الحسين، فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة وحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، فولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين.

ثم أمر الله الظلمات أن تمر بسحائب الظلم فأظلمت السماوات على الملائكة فضجت الملائكة بالتقديس والتسبيح وقالت:

إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا وعرفتنا هذه الأشباح لم نرَ بأساً فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنا هذه الظلمة فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة قناديل فعلقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات والأرض ثم أشرقت بنورها فلأجل ذلك سميت (الزهراء) فقالت الملائكة: ألهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر الذي قد أشرقت به السماوات والأرض ؟

فأوحى الله إليها:

(هذا نور اخترعته من نور جلالي، لأمتي فاطمة ابنت حبيبي وزوجة وليي وأخي نبيي وأبو حججي على عبادي في بلادي، أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة).

قال: فلما سمع العباس من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك وثب وقبل بين عيني علي - عليه السلام - وقال: والله يا علي أنت الحجة البالغة لمن

ص: 24

آمن بالله واليوم الآخر»(1).

دلالة الحديثين

1 - يبدو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حدث بهذا الحديث أكثر من مرة وأن العباس بن عبد المطلب كان ينتهز الفرصة فيسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن فضل أهل بيت النبوة، فمرة كان هو المبتدأ بالسؤال كما مرَّ في الحديث السابق؛ ومرة كان حاضراً فسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدث عن فضل أهل البيت عليهم السلام، فيسأل العباس عن سبب هذا التفضيل فيعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم له وللحاضرين ابتداء فضلهم على سائر ما خلق الله، منذ البدء في الخلق والنشأة.

ولذا نجد أن الحديث تناول هذه الألفاظ، ففي بدء الخلق، قال صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة، وفي النشأة قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«فلما أراد الله أن ينشئ الصنعة فتق نوري».

2 - يستفاد من سياق الحديث الأول والثاني أن الله سبحانه وتعالى خلق نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنوار أهل بيته من نور واحد وروح واحدة.

ثم فتق أنوارهم من ذلك النور الذي هو من نور الله عزّ وجلّ فكانت هذه الأنوار الخمسة هي الأصل في رجوع الأشياء التي خلقها الله إليهم أي من نورهم.

ص: 25


1- البحار للمجلسي: ج 37 ص 82-84، نقلاً من كتاب مصباح الأنوار للشيخ الطوسي؛ مدينة المعاجز: ج 3، ص 223 و 422؛ تفسير كنز الدقائق: ص 525.

3 - أما السبب في اختلاف نسبة الأشياء إلى أنوارهم كأن يكون خلق نور السماوات والأرض من نور علي في الحديث الأول، ونسبة خلق السموات والأرض إلى نور فاطمة في الحديث الثاني هو ليس اختلافاً بين الحديثين بل يدل على أن جميع الأشياء خلقت من نورهم الذي هو نور واحد، فضلاً عن أن الحديث الأول قد خصص النسبة في خلق نور السماوات إلى نور علي عليه السلام؛ أي: إن نورها من نور علي أما أصل خلق السموات والأرض فكان من نور فاطمة وهذا يكشف عن أن التكامل في خلق السموات والأرض كان من نورهما عليهما السلام.

4 - إن الفرق بين دلالة لفظ (الخلق) و (النشأة) في الحديث: هو أن الله تعالى ابتدأ بهذه الأنوار لتكون هي المادة الأساسية لخلق الأشياء بمعنى: أن هذه الأنوار تدخل تحت دلالة لفظ (الخلق) وأن الأشياء التي خلقها الله من هذه الأنوار تدخل تحت لفظ النشأة.

ومن هنا: نجد دلالة الآية الكريمة في قوله تعالى:

وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ اَلنَّشْأَةَ اَلْأُولىٰ فَلَوْ لاٰ تَذَكَّرُونَ (1) .

هو أن الإنسان نشأ من نطفة ثم علقة ثم مضغة وهكذا فكانت النطفة دالة على النشأة ولولاها لخلق الإنسان بالكينونة، بمعنى: كلما أراد الله أن يخلق إنساناً ويخرجه إلى الوجود قال له كن فيكون، في حين اقتضت مشيئة الله تعالى أن يكون هناك مادة أولية وأنه أجرى في حكمه وقدرته وسننه لتمر بعدة مراحل حتى تخرج

ص: 26


1- سورة الواقعة، الآية: 62.

بشكلها الذي اختاره الله تعالى.

وعليه: كانت هذه الأنوار هي المادة الأساسية وهي التي نالت بلطف الله الكينونية؛ لأنها أساس نشأة الأشياء ولذا قال علي أمير المؤمنين عليه السلام:

«فإنا صنايع ربنا، والناس بعد صنايع لنا»(1).

فكان خلقهم لله وكان خلق الأشياء ونشأتها يعود إليهم ومثاله كمن ينشأ في بيت أو قوم فإنه ينسب إليهم ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم لعمه العباس:

«فلما أراد الله أن ينشأ الصنعة فتق نوري».

المسألة الثانية: سؤال عبد الله بن مسعود للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في علة تفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام على سائر الناس
اشارة

روي عن عبد الله بن مسعود قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلمت وقلت: يا رسول الله أرني الحق انظر إليه بياناً؟ فقال:

«يا ابن مسعود لُج المخدع فانظر ماذا ترى»؟

قال: فدخلت فإذا بعلي بن أبي طالب - عليه السلام - راكعاً وساجداً وهو يخشع في ركوعه وسجوده ويقول:

«اللهم بحق نبيك محمد إلا ما غفرت للمذنبين من شيعتي».

فخرجت لأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فوجدته راكعاً وساجداً وهو يخشع في ركوعه وسجوده ويقول:

«اللهم بحق علي وليك إلا ما غفرت للمذنبين من أمتي».

ص: 27


1- تحف العقول لابن شعبة الحراني: ص 7؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 260.

فأخذني الهول فأوجز صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته وقال:

«يا ابن مسعود أكفراً بعد إيمان»!؟

فقلت: لا وعيشك يا رسول الله، غير إني نظرت إلى علي وهو يسأل الله تعالى بجاهك، ونظرت إليك وأنت تسأل الله تعالى بجاهه، فلا أعلم أيكما أوجه عند الله تعالى من الآخر!؟ فقال:

«يا ابن مسعود إن الله تعالى خلقني وخلق علياً والحسن والحسين من نور قدسه، فلما أراد أن ينشئ خلقه فتق نوري وخلق منه السماوات والأرض، وأنا والله أجل من السماوات والأرض، وفتق نور علي وخلق منه العرش والكرسي، وعلي والله أجل من العرش والكرسي، وفتق نور الحسن وخلق منه حور العين والملائكة، والحسن والله أجل من الحور العين والملائكة، وفتق نور الحسين وخلق منه اللوح والقلم، والحسين والله أجل من اللوح والقلم.

فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب، فضجت الملائكة ونادت: إلهنا وسيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلا ما فرجت عنا هذه الظلمة.

فعند ذلك (تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، فأحتمل النور الروح، فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب، فلأجل ذلك سميت الزهراء).

يا ابن مسعود: إذا كان يوم القيامة يقول الله عزّ وجلّ لي ولعلي أدخلا الجنة من أحببتما والقيا في النار من أبغضتما، والدليل على ذلك قوله تعالى:

أَلْقِيٰا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّٰارٍ عَنِيدٍ(1).

ص: 28


1- سورة ق: آية 24.

فقلت: يا رسول الله من الكفّار العنيد؟ قال:

الكفار من كفر بنبوتي والعنيد من عاند علي بن أبي طالب(1).

دلالة الحديث
أولا: المراد بقوله تعالى: (ألقيا) الملائكة أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام ؟

لعل قائلاً يقول: إن كلمة (ألقيا) المراد بها الملائكة فهي التي تلقي الكفار بأمر الله عزّ وجلّ في جهنم.

فنقول: وإن كان هذا القول صحيحاً إذ الملائكة هي التي تقوم بهذا العمل يوم القيامة لكن الأمر يتم بمراحل وهو أشبه ما يكون في عصرنا الحاضر بدائرة أو مؤسسة يتم العمل فيها على وفق النظم التشريعية والتنفيذية، فالأمر يصدر من الجهة العليا التي تشرع هذه القوانين والذي ينفذ العمل جهات خاضعة ومرتبطة بهذه الهيئة التشريعية.

فبناء الجسور أو تهيئة الطرقات وغيرها قد تم إنشاؤها بواسطة أيدٍ عاملة تلقت الأمر من جهاتها المسؤولة عنها صعوداً إلى أعلى سلطة تشريعية.

والحديث يجري على هذا المعنى نفسه: فالأمر الإلهي هو عبارة عن قانون قد وضع لتحديد نتائج أعمال العباد وما تؤول إليه مصائرهم، فمن كان مستوفياً لما جاء به هذا القانون من شروط كانت نتيجته إيجابية ومصيره إلى الجنة، ومن كان مخالفاً لهذا القانون فإن مصيره إلى جهنم والعياذ بالله.

ص: 29


1- البحار للمجلسي: ج 36، ص 74؛ تأويل الآيات: ج 2، ص 612.

والقانون قد نطق به القرآن في أكثر من موضع، وبينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أكثر من مكان، فكان كل من القرآن والنبي قد أعلنا مراراً هذا القانون ونبها الناس إليه.

أما القرآن فقوله تعالى:

من يطع الرسول فقد أطاع الله(1).

وقوله: و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما(2).

وقوله: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و لا تبطلوا أعمالكم(3).

وقوله: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم و الله غفور رحيم(4).

وغيرها من الآيات الكريمة التي ربطت طاعة الله بطاعة الرسول بل إن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي طاعة الله عزّ وجلّ ، وهذا الرسول الأعظم الذي أمر الله بطاعته واتباعه قد أعلن للمسلمين الشق الثاني من القانون الذي وضع لتحديد مصير العباد وقبول أعمالهم فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«عليٌ ، طاعتهُ طاعتي ومعصيتهُ معصيتي»(5).

ص: 30


1- النساء، آية: 80.
2- الأحزاب، آية: 71.
3- محمد، آية: 33.
4- آل عمران، آية: 31.
5- الأربعون حديثاً لمنتجب الدين بن بابويه: ص 53؛ الأمالي للصدوق: ص 149؛ الخصال للصدوق: ص 496؛ فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة الكوفي: ص 54؛ غاية المرام لسيد هاشم البحراني: ج 2، ص 289 وج 5 ص 286؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 6، ص 421.

وقد صرح القرآن الكريم بمصير المنافق وأين يكون مثواه فقال عزّ وجلّ :

إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ فِي اَلدَّرْكِ اَلْأَسْفَلِ مِنَ اَلنّٰارِ(1) .

وجعلهم سبحانه، أي المنافق والكافر في الإثم سواء فقال تعالى:

إِنَّ اَللّٰهَ جٰامِعُ اَلْمُنٰافِقِينَ وَ اَلْكٰافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً(2) .

ومن هنا فإن كلمة (ألقيا) قد أريد بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمقتضى اقتران طاعته بطاعة الله وهو الشخص الأول، وأما الشخص الثاني الذي عنته الآية فهو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، بحكم قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«وطاعته طاعتي».

وهما اللذان يتلقيان الأمر الإلهي فيأمران الملائكة بسوق كل كافر وكل معاند ليلقياهم في جهنم.

ثانيا: دلالة وجود حرف الألف في (فالقيا)

وجود الألف في فعل الأمر دليل على أن الأمر موجه إلى اثنين والمخاطب هما اثنان ولو كان الخطاب موجهاً إلى الملائكة لكان الفعل يحمل واو الجماعة فيكون: ألقوا في جهنم.

ص: 31


1- سورة النساء، آية: 145.
2- سورة النساء، آية 140.
ثالثا: العلة في إيراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليلاً من القرآن لعبد الله بن مسعود

إيراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدليل من القرآن على ما قاله لابن مسعود سببه الحال التي كان عليها عبد الله بن مسعود وقد صرح هو بذلك قائلاً: (فأخذني الهلع) فأدركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأوجز في صلاته، وهذا الفعل من مصاديق الآية التي أشارت إلى كون النبي بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (1) .

رابعا: هل يحتاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى إيراد دليل من القرآن

إن كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو تشريع ولا يحتاج إلى دليل.

وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ (2) .

لكنه صلى الله عليه وآله وسلم جاء لعبد الله بن مسعود بدليل ليسكن قلبه، وتستقر نفسه، ويثبت إيمانه فلا يهلك وقد أشار إلى ذلك بقوله:

«يابن مسعود أكفر بعد إيمان»؟!

أي: إن من لم يؤمن بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحديثه فكيف يؤمن بالقرآن.

خامسا: التلازم فيما بين النبي والوصي منذ خلقهما وإلى قيام القيامة

إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار في هذا الحديث إلى الترابط والتلازم

ص: 32


1- سورة التوبة، الآية: 128.
2- سورة النجم، الآية: 3-4.

فيما بينه وبين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام منذ بدء خلقهما وإلى يوم القيامة، فلا يمكن أن يصح إيمان امرئ وهو يرى فرقاً بين عصمة النبي والوصي، وأما من لا يؤمن بالوصي من الأصل فقد ضل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته واتبع شريعة غيره.

سادسا: منهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإبلاغ عن فضائل علي عليه السلام

إن عملية إيصال حقيقة فضل محمد وأهل بيته عليهم السلام لعبد الله بن مسعود نقلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسلوب دقيق أدمج فيه اشتراك العقل مع القلب، ليثبْتَ في قلبه ما سيسمعه منه ويعي بقوة ما سيرى منه صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا من أسرار حكمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخفي لطائفه في إيصال المعلومة إلى ذهن السائل. ليثبّت إيمانه، وإلا كان من الممكن أن يجيبه صلى الله عليه وآله وسلم من دون أن يطلب منه الدخول إلى داخل الدار فيرى علياً عليه السلام واقفاً يصلي ويدعو الله بجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يغفر لشيعته، ثم يخرج فيرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقفاً يصلي وهو يدعو الله بجاه علي عليه السلام أن يغفر لأمته، فيحرك بهذا العمل خلجات نفس عبد الله بن مسعود ويثير الدهشة في قلبه.

إذن: تدل هذه الأحاديث على أن بدء خلق النور كان حينما (تكلم الله بكلمة خلق منها نوراً، ثم تكلّم بكلمة أخرى فخلق منها روحا ثم مزج النور بالروح) فخلق منها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام.

ص: 33

ص: 34

المبحث الثاني: متى خلق الله نورها؟

اشارة

نعرض في هذا المبحث الأحاديث التي أخبرت عن الزمن الذي خلق الله فيه نور الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، وحيث إن الحساب الزمني لم يوضع بما تتضمنه كلمة: (متى) باعتباراتها الابتدائية إذ لا مصداقية لها بسبب خلوها من الحس الزمني لانعدام الآنية والكيفية في الله عز وجل.

وبانعدام مدلولها الاستفهامي في البدء اللازم لمعرفة لحظة خلق الزمن ليتم الاعتماد عليها، وبما أن هذه اللحظة متقدمة على الخلق وهي مما لم يظهره الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فقد أصبحت (متى) بمدلولها الزمني مرتبطة بالكينونية التي لا يستقيم معناها إلا بنفي الزمن عنها وهو ما دل عليه حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندما سأله السائل مستفهماً متى كان الله!؟ فقال صلوات الله عليه:

«ومتى لم يكن».

ومن هنا: فإنّ كلمة:

«متى» التي تصدّرت عنوان هذا المبحث إنما تشير إلى اللحظة الابتدائية التي تم الاعتماد عليها في وضع العدد الدال على الزمن الذي

ص: 35

خلق الله تعالى فيه نور فاطمة الزهراء عليها السلام.

وحيث إن هذه اللحظة الابتدائية هي لحظة خلق آدم عليه السلام أو هي لحظة خلق الخلق، فإن من هذه اللحظة أو تلك كان ل - (متى) مدلولها الزمني ومن هنا أصبح لها مصداقية في المدلول على وجود الزمن، وهو ما دلت عليه ألفاظ الأحاديث الشريفة وهي كالآتي:

الحديث الأول

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام فَأَجْرَيْتُ اخْتِلاَفَ الشِّيعَةِ فَقَالَ :

«يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَفَرِّداً بِوَحْدَانِيَّتِهِ ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَفَاطِمَةَ فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْرٍ ثُمَّ خَلَقَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ فَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا وَأَجْرَى طَاعَتَهُمْ عَلَيْهَا وَفَوَّضَ أُمُورَهَا إِلَيْهِمْ فَهُمْ يُحِلُّونَ مَا يَشَاءُونَ وَيُحَرِّمُونَ مَا يَشَاءُونَ وَلَنْ يَشَاءُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ الدِّيَانَةُ الَّتِي مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مَحَقَ وَمَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ خُذْهَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ»(1).

الحديث الثاني

عن علي بن الحسين بن رباط، عن أبيه، عن المفضل قال، قال الصادق عليه السلام:

ص: 36


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 441.

«أن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا.

فقيل له: يابن رسول الله ومن الأربعة عشر؟، فقال:

محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين، آخرهم القائم الذي يقوم غيبته فيقتل الدجال ويطهّر الأرض من كل جور وظلم»(1).

الحديث الثالث

عن جابر بن عبد الله، عن أبي جعفر - الباقر - عليه السلام قال:

«إن الله تعالى خلق أربعة عشر نوراً من نور عظمته قبل خلق آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا.

فقيل له: يابن رسول الله عدّهم بأسمائهم فمن هؤلاء الأربعة عشر نوراً؟ فقال:

محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين.

ثم عدّهم بأسمائهم، ثم قال:

نحن والله الأوصياء الخلفاء من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن المثاني التي أعطاها الله نبينا، ونحن شجرة النبوة ومنبت الرحمة، ومعدن الحكمة، ومصابيح العلم، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وموضع سرّ الله ووديعة الله جل اسمه في عباده، وحرم الله الأكبر، وعهده المسؤول، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله، ومن خفره فقد خفر ذمة الله وعهده(2)، عرفنا من عرفنا، وجهلنا من

ص: 37


1- البحار للمجلسي: ج 15، ص 23، وج 51، ص 145.
2- الخُفَارَة: الذِّمّة، وانتهاكا خفارها؛ «المحيط في اللغة للصاحب بن عباد: ج 4، ص 33، ط عالم الكتب؛

جهلنا، ونحن الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا، ونحن والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه.

إن الله تعالى خلقنا فأحسن خلقنا، وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه على عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدل عليه، وخزان علمه، وتراجمة وحيه، وأعلام دينه، والعروة الوثقى، والدليل الواضح لمن اهتدى، وبنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، ونزل الغيث من السماء، ونبت عشب الأرض، وبعبادتنا عُبد الله، ولولانا ما عرف الله؛ وأيم الله لولا وصية سبقت، وعهد أخذ علينا، لقلت قولاً يعجب منه - أو يذهل منه - الأولون والآخرون»(1).

الحديث الرابع

ما رواه الشيخ في أماليه بإسناده عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«كان ذات يوم جالسا في الرحبة و الناس حوله مجتمعون فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك يعذب في النار فقال له: فض الله فاك والذي بعث محمدا بالحق نبيا لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم أبي يعذب بالنار وابنه قسيم النار.

ثم قال: والذي بعث محمدا بالحق إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار نور محمد ونوري ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ومن ولده من

ص: 38


1- التوحيد للشيخ الصدوق: ص، 153، ح 8؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 25، ص 4-5، ح 7.

الأئمة لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله عز و جل من قبل خلق آدم بألفي عام»(1).

الحديث الخامس

روى الديلمي في مسنده: عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله معلقاً، يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام؛ فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب فجزء أنا وجزء علي»(2).

المسألة الأولى: ارتباط نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنور الوصي عليه السلام

إنّ ما أخرجه الديلمي في بيان تاريخ خلق نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام - مع خلوه من بيان لتاريخ خلق نور فاطمة عليها السلام - إلاّ أنه يعطي المعنى نفسه الذي يتضمنه هذا المبحث من بيان لمنزلة أهل البيت عليهم السلام منذ بدء خلق الخلق.

كما أن هذا الحديث يقدم صورة أخرى من حقيقة ارتباط نور النبي صلى الله

ص: 39


1- الأمالي للشيخ الطوسي: ص 305، برقم (59/612)؛ تأويل الآيات الظاهرة لشرف الدين الحسيني: ص 393.
2- فردوس الأخبار للديلمي: ج 3 ص 283 برقم (4851)؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 174؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42، ص 67؛ غاية المرام للسيد هاشم البحراني: ج 1، ص 27 و 30؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 5، ص 244.

عليه وآله وسلم بنور الإمام علي عليه السلام، بل ذهب الحديث جنباً إلى جنب مع الأحاديث السابقة لبيان أن نورهما في الأصل هو نور واحد وظل هذا النور يسير في أصلاب الأنبياء وأرحام النساء عليهم السلام ابتداءً من آدم إلى إبراهيم وإسماعيل ثم انتقل منه إلى عبد المطلب فهنا تجزأ النور إلى جزأين جزء عند عبد الله عليه السلام والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجزء عند أبي طالب عليه السلام والد الإمام علي صلوات الله عليه ليخرج هذا النور من صلب عبد الله فيكون في الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وليخرج هذا النور من صلب أبي طالب ليكون في علي أمير المؤمنين عليه السلام.

وهذه الحقيقة لا يمكن لمؤمن عارف بالكتاب والسنة أن ينكرها أو يتجاهلها، وقد نطق بها القرآن الكريم قبل السنة المشرفة على صاحبها وآله آلاف الصلاة والسلام، فقال عزّ وجلّ في محكم تنزيله:

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ (1) .

فقد نصت هذه الآية المباركة على أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلا النبوة بقوله تعالى: وَ أَنْفُسَنٰا وقد ذكر بعض المفسرين أن المراد بهذه الكلمة هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام(2).

ص: 40


1- سورة آل عمران، آية: 61.
2- راجع تفسير الفخر الرازي؛ تفسير ابن كثير: ج 1، ص 379؛ تفسير الكشاف للزمخشري؛ تفسير روح البيان للآلوسي؛ تفسير القرطبي: ج 4، ص 104؛ وقد ذكر ذلك جميعهم في تفسير سورة آل عمران.

وحتى وإن لم يصرح بها البعض الآخر من المفسرين أو المحدثين، إما تغافلاً وأما ميلاً إلى معتقد أو حيداً عن الحق، فإن الصفة التي خرج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأفراد الذين أخرجهم معه من بين أفراد عشيرته وأقربائه ونسائه(1)، لا تحتاج إلى معرفة خاصة في التفسير أو دراية بالرواية لأنها كالصبح لمن كان له عينان.

أما وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي اَلْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً(2) .

وأما من كان متغافلاً فلن يغير من الحق شيئاً،

وَ يُرِيدُ اَللّٰهُ أَنْ يُحِقَّ اَلْحَقَّ بِكَلِمٰاتِهِ وَ يَقْطَعَ دٰابِرَ اَلْكٰافِرِينَ (3) .

وأما من كان متحايداً فلن يضر الله شيئاً،

وَ يَأْبَى اَللّٰهُ إِلاّٰ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكٰافِرُونَ (4) .

المسألة الثانية: مراحل تكوين الخلائق

1. إن الوقت الذي خلق الله فيه نور فاطمة عليها السلام هو قبل خلق الخلق ب -

«أربعة عشر ألف عام» بمعنى: إن مرحلة الحساب الزمني ابتدأت عند خلق الله تعالى للخلق، فهذه اللحظة هي نقطة الانطلاق في تدوين الحقبة والمرحلة الزمنية لمراحل تكوين الخلائق وتثبيتها.

ص: 41


1- أجمعت الأمة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما خرج لمباهلة نصارى نجران أخرج معه الحسن والحسين وأمهما فاطمة الزهراء، وأبوهما الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام.
2- سورة الإسراء، الآية: 72.
3- سورة الأنفال، الآية: 7.
4- سورة التوبة، الآية: 32.

2. إن الظاهر في الأحاديث الشريفة أن المراحل الزمنية التي تتابعت في خلق الخلق كانت كل (14) ألف عام فالحديث الأول الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام قد أشار إلى إحدى هذه الحقب الزمنية بين خلق الله تعالى لهذه الأنوار وبين خلقه للخلائق، بينما أشار حديث الإمام الباقر عليه السلام إلى الحقبة الزمنية الثانية وهي بين خلق آدم وخلق الخلق فكانت (14) ألف عام، بدليل أن خلق الملائكة والسموات والأرض مقدم على خلق آدم عليه السلام كما هو واضح في قوله تعالى:

وَ إِذْ قٰالَ رَبُّكَ لِلْمَلاٰئِكَةِ إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً قٰالُوا أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ اَلدِّمٰاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قٰالَ إِنِّي أَعْلَمُ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ (1) .

فسياق الآية المباركة يدل بوضوح على تقديم خلق الملائكة على آدم.

أما لماذا أشار كل حديث إلى إحدى هذه الحقب الزمنية ؟ فيعود إلى مخاطبة الأئمة عليهم السلام، الناس على قدر عقولهم، قال علي عليه الصلاة والسلام:

«كلموا الناس على قدر عقولهم، أتحبون أن يكذبوا الله ورسوله»(2).

فقد لا يحتمل السائل معرفة أمور وحقائق عن خلق الخلق والنشأة.

3. قد ورد في الحديث الأول لفظ (ألف دهر) أي أن الإمام محمداً الجواد عليه السلام قد أشار إلى أن الحقبة الزمنية بين خلق الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة عليهم الصلاة والسلام وبين خلقه سبحانه وتعالى للخلائق ألف دهر.

ص: 42


1- سورة البقرة، الآية: 30.
2- تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي: ج 1، ص 153؛ نهاية الإحكام للعلامة الحلي: ج 2، ص 21.

في حين أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى أن الحقبة الزمنية بين خلقه سبحانه لأنوار محمد وأهل بيته أصحاب الكساء وبين خلقه للخلائق كانت (14) ألف عام بمعنى: أن الدهر الواحد كان مقداره (14) عاماً.

4. إنّ هذه الأنوار هي أرواح العترة النبوية الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين لقول الإمامين الصادق والباقر عليهما السلام:

«فهي أرواحنا».

5. قد ورد في الأحاديث تكرر ذكر العدد (14) ويظهر من ذلك أن لهذا العدد منزلة عند الله تعالى، فقد جعله الرقم الذي تكتمل فيه الدورة الزمنية في تعاقب مراحل النشأة والتكوين؛ وهو العدد الذي تم فيه اكتمال المعصومين عليهم السلام لهذه الأمة فلم يجعلهم الله تعالى ثلاثة عشر ولا خمسة عشر.

6. قد دلّ الحديثان على تعاقب حقبتين زمنيتين قبل خلق نور الزهراء عليها السلام وهما ما بين خلق آدم عليه السلام وخلق الخلق وهي (14) ألف عام وهي الحقبة الأولى؛ والحقبة الثانية هي من خلق الخلق إلى خلق أنوار العترة الطاهرة عليها السلام والبالغة (14) ألف عام وهذا يدل على أن الحقبة الزمنية بين خلق نور الزهراء عليها السلام وخلق آدم (28) ألف عام.

إلا أن هذين الحديثين قد كشف كل منهما لإحدى هاتين الحقبتين.

7. ورد في الحديث الرابع عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بيان حقيقة إيمان أبي طالب عليه السلام مع ما تم ترويجه في المجتمع من ثقافة التجري على حرمة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحد الذي وصل فيه الناس إلى

ص: 43

التجاهر بمحاربة رسول الله وإيذائه حينما يعلن ذلك في وجه أمير المؤمنين في تكفير أبي طالب عليه السلام مما دعا الإمام إلى توبيخ السائل وزجره مع بيان حقيقة هذه الادعاءات والغرض منها وهو محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإن الفاعل في ذلك هو معاوية وأسلافه وأشياعهم.

ولذا: نجد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد كشف للناس حقيقة منزلة أبيه عليه السلام عند الله تعالى وأنه ممن اصطفاهم الله لحفظ شرعه وحماية رسوله وسيد خلقه، فكان بيانه عليه السلام يدل على سابق لطف الله به منذ خلق أنوار محمد وعترته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولو كان القائل - ومن كان بمحضره - يستوعب المزيد لسمع من البيان لمنزلة أبي طالب وفضله عليه السلام، حتى إننا نرى أن الإمام قد اقتصر على ذكر الألفين من السنين وهي جزء من الأربعة عشر ألف لكي لا يكذّب السامعون قول الإمام عليه السلام آنذاك.

ص: 44

المبحث الثالث: من أي نور خلقها الله عزّ وجلّ؟

اشارة

سنتناول في هذا المبحث الأحاديث التي ورد فيها الأصل الذي خلق الله منه نور فاطمة عليها السلام. وبما أن الأحاديث فيها أكثر من مضمون فقد أخذنا موضع الشاهد وتركنا بقية الحديث لما يناسب العناوين الأخرى في هذا المبحث وهي كالآتي:

الحديث الأول: إن الله تعالى خلق نور فاطمة عليها السلام من نوره

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«خلقها الله عزّ وجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم»(1).

الحديث الثاني: إن الله تعالى خلق نور فاطمة عليها السلام من نور عظمته

عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال، قلت له: لم سميت فاطمة الزهراء، زهراء؟ فقال:

«لأن الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته..»(2).

ص: 45


1- معاني الأخبار للصدوق: ص 396؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 24؛ الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري: ج 1، ص 338.
2- علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 180؛ البحار: ج 43، ص 12؛ الجواهر السنية للحر العاملي: ص 240؛ الإمامة والتبصرة لابن بابويه القمي: ص 133.
الحديث الثالث: إن الله تعالى خلقها من نور عرشه

عن أبي أيوب الأنصاري قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لما خلق الله عزّ وجلّ الجنة خلقها من نور العرش، ثم أخذ من ذلك النور فقذفه، فأصابني ثلث النور، وأصاب فاطمة ثلث النور، وأصاب علياً وأهل بيته ثلث النور، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد، ومن لم يصبه من ذلك النور ضل عن ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

الحديث الرابع: إن الله تعالى خلقها من نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم

عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال:

«ثم اقتبس من نور محمد فاطمة ابنته كما اقتبس نوره من المصابيح»(2).

الحديث الخامس: إن الله تعالى خلقها من نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونور الوصي عليه السلام

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعت، وخلق من نوري علياً فدعاه فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته»(3).

ص: 46


1- الخصال للصدوق: ص 188؛ البحار: ج 43، ص 12.
2- بحار الأنوار: ج 35، ص 28؛ الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري: ج 1، ص 322.
3- الهداية الكبرى للخصيبي: ص 375؛ دلائل الإمامة: ص 448؛ البحار: ج 15، ص 9.
الحديث السادس: إن الله تعالى خلقها وخلق النبي وعلياً والحسن والحسين من نور واحد

عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

«أن الله عزّ وجلّ خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين من نور واحد»(1).

إن المستفاد من هذه الروايات أن البضعة النبوية فاطمة الطاهرة عليها السلام قد خلقت من أنوار عدة أي بمعنى أن نورها خلقه الله عزّ وجلّ من الأنوار التي أشارت إليها الروايات وهذا لا يعني أن هناك اختلافاً في الروايات بل الذي عنته هذه الأحاديث أن نور فاطمة عليها السلام قد خلقه الله من هذه الأنوار لما فيه من حكمة ربانية يمكن استظهارها من هذه الأحاديث الشريفة نفسها وهي كما يأتي:

1 - نلاحظ أولاً أن هناك تدرجاً في مراحل خلق هذا النور وهي:

ألف/ مرحلة خلقه من نور الله تعالى.

باء/ مرحلة خلقه من نور عظمة الله جل شأنه.

جيم/ مرحلة خلقه من نور عرش الله عزّ وجلّ .

دال/ مرحلة خلقه من نور المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

هاء/ مرحلة خلقه من نور الوصي علي عليه السلام.

وهو أشبه ما يكون بمراحل تكوين الجنين في رحم أمه فانه يحتاج إلى أربعين أسبوعاً حتى يتمكن من الظهور بهذا الشكل الذي قدّره الله تعالى؛ وقد أشار

ص: 47


1- البحار: ج 27، ص 131؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 225.

القرآن الكريم إلى هذه المراحل التكوينية في قوله تعالى:

ثُمَّ خَلَقْنَا اَلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا اَلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا اَلْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا اَلْعِظٰامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ (1) .

وهذه السنة التكوينية نجدها أيضاً في خلقه تعالى للسماوات الأرض فقد جعل مراحل تكوينها في ستة أيام كي يأخذ الزمن استحقاقه في الخلق.

وإلا ف - إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (2) .

ولهذه السنة فقد استلزم ظهور نورها أن يمر بهذه المراحل التي أشارت إليها الأحاديث الشريفة.

2 - دلت الأحاديث على حملها عليها السلام لخصائص الأنوار التي خلقت منها، بمعنى أن الله تعالى قد خلق من أنوار العترة النبوية عليهم السلام، الجنة والسماوات والملائكة والشمس والقمر وغيرها مما يدل على أن نور فاطمة عليها السلام قد حمل من خصائص تلك الأنوار التي خلق منها، أي انه حمل من خصائص نور الله ونور عظمته ونور العرش ونور الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ونور الوصي عليه السلام.

3. سنخية نور فاطمة عليها السلام بمعنى أن نورها سنخ من هذه الأنوار التي خلق منها، أي انها: بضعة من نور الله ونور عظمته ونور عرشه ونور حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ونور وصي حبيبه علي عليه السلام.

ص: 48


1- سورة المؤمنون، الآية: 14.
2- سورة يس، الآية: 82.

4. حصول نورها على الأثر الأعظم بمعنى إن الله تعالى قد جعل لنور فاطمة عليها السلام من الأثر ما لم يبلغه نور آخر فهو أشبه ما يكون بمصباحٍ جمعت فيه فتائل عدة وقد أوقدت في وقت واحد فكم يكون أثر نور هذا المصباح.

ولذا: نجد أن الأحاديث قد دلت على بلوغها عليها السلام مقامات سامية لم يبلغها أحد؛ لأنها أبضاع متعددة من تلك الأنوار التي خلقت منها، فلنورها من البهاء والجلالة والسناء والشرف والقوة والعلم ما لهذه الأنوار المقدسة مجتمعة.

ص: 49

المبحث الرابع: أين كان نور فاطمة عليها السلام ؟

اشارة

إن من الأسئلة التي ترد على الذهن، هو أين كانت أنوار محمد وعترته صلوات الله عليهم أجمعين قبل أن يخلق الله تعالى السموات والأرض ؟ بمعنى آخر: بعد أن دلت الأحاديث السابقة إلى بدو خلق هذه الدنيا ومراحل الخلق والنشأة فلابد أنها كانت في محل خاص، فأين هذا المحل ؟

في البدء لا يمكن لنا الوقوف على هذه الإجابة من دون الرجوع إلى النبي الأعظم وعترته فهم أمناء الله على شرعه ومحال علمه وحكمته ومظهر أسمائه الحسنى.

ولذا: تفيد بعض الأحاديث - كما سيمر في حديث الأشباح - بأن هذه الأنوار كانت حول العرش؛ أما ما يخص البضعة النبوية فقد جاء البيان واضح الدلالة، مخصصاً في تعيين المكان الذي كان فيه نور فاطمة؛ أو حسبما نص عليه

ص: 50

لفظ الحديث: (كانت فاطمة) أي: ليس نورها بل هي، كما سيمر بيانه.

وعليه:

يكشف لنا الحديث الشريف - الآتي الذكر - خصوصية خاصة في منزلة فاطمة عليها السلام، فضلاً عن إتباع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم منهاجاً خاصاً في تعريف الناس بفاطمة على وجه الخصوص لأسباب عديدة من بينها أن ذلك الفعل النبوي كان يراد منه حفظ مقامها وعدم التعرض لحرمتها وانتهاك حدود الله في ذلك.

أما ما بيّنه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من كون وجودها عليها السلام في عالم الأنوار والأرواح فكان كالآتي:

روى الشيخ الصدوق رضي الله تعالى عنه بسنده (عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن سدير الصيرفي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«خلق نور فاطمة عليها السلام قبل أن تخلق الأرض والسماء».

فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«فاطمة حوراء إنسية».

قال: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم، إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم».

ص: 51

قيل: يا نبي الله، وأين كانت فاطمة ؟، قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«كانت في حقة تحت ساق العرش».

قالوا: يا نبي الله، فما كان طعامها؟، قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«التسبيح والتهليل والتحميد، فلما خلق الله عز وجل آدم وأخرجني من صلبه، أحب الله عز وجل أن يخرجها من صلبي، جعلها تفاحة في الجنة، وأتاني بها جبرئيل عليه السلام فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد؛ قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل، فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام، قلت: منه السلام وإليه يعود السلام، قال: يا محمد، إن هذه تفاحة أهداها الله عز وجل إليك من الجنة، فأخذتها وضممتها إلى صدري، قال: يا محمد يقول الله جل جلاله كلها؛ ففلقتها فرأيت نورا ساطعا ففزعت منه، فقال: يا محمد ما لك لا تأكل ؟ كلها ولا تخف، فإن ذلك النور المنصورة في السماء، وهي في الأرض فاطمة.

قلت: حبيبي جبرئيل ولم سميت في السماء المنصورة، وفي الأرض فاطمة ؟

قال: سميت في الأرض فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها من حبها، وهي في السماء المنصورة وذلك قول الله عز وجل:

وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ اَلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اَللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشٰاءُ (1).

يعني نصر فاطمة لمحبيها»)(2).

ويشتمل الحديث على مسائل عدة، وهي كالآتي:

ص: 52


1- سورة الروم، الآيتان: 4 و 5.
2- معاني الأخبار للشيخ الصدوق رحمه الله: ص 396؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 43، ص 4؛ الخصائص الفاطمية للكجوري: ج 1، ص 338.
المسألة الأولى: انصراف ذهن السائل إلى أن المقصودة بالذكر هي فاطمة الإنسية وليس نورها

إن من الملاحظ في الحديث النبوي الشريف، هو ابتداء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث عن بيان منزلة فاطمة عليها السلام وتحديداً عن نورها من دون مقدمات أو مناسبة دعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذا البيان أو لعل ذلك من دون مناسبة أو مقدمة كي يشد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أذهان الناس إليه ويحرك عقولهم في التفكير بهذا الخطاب أو الحديث المفاجئ.

والظاهر في أجواء الرواية أن هذا هو القصد في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الناس انهالوا عليه بالأسئلة.

كما هو واضح من خلال قول الإمام الصادق عليه السلام فقال بعض الناس.

والملاحظ أيضاً أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يتحدث لهم عن نور فاطمة عليها السلام في حين انصرف ذهن السامعين على نفس فاطمة عليها السلام وليس إلى مقصد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا قال السائلون: يا نبي الله فليست هي إنسية ؟

والعلة في انصراف ذهن السائلين إلى نفس فاطمة دون نورها هو للأسباب الآتية:

1 - لأن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى الزمن الذي خلق

ص: 53

فيه نور فاطمة وهو قبل خلق السموات والأرض، وهذا يتعارض مع مبدأ خلق آدم عليه السلام وإسكانه الأرض وأن فاطمة بالأسباب المادية هي من ذرية آدم فكيف تكون مخلوقة قبل السموات والأرض مع كونها إنسية أي من جنس الإنسان كما أنها ليست من الملائكة الذي تقدم خلقهم على خلق الإنسان.

2 - لعل الناس لم يعهدوا من قبل أنهم قد سمعوا من النبي الأكرم أحاديث عن عالم الأنوار والأرواح أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد حدث بذلك إلا أن هؤلاء الجالسين لم يشهدوا هذه الأحاديث فكانت غريبة عليهم.

3 - لعدم تمكّنهم من الفصل بين كون محمد وعترته أنواراً في بدو خلقهم وبين كونهم إنسيين يمشون ويأكلون ويولدون ويتولدون ومن ثم لا يمكن الجمع بين الجنسين جنس النور وجنس الإنس في هيئة واحدة.

وهو ما دل عليه تكرار السؤال على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أجاب على السؤال الأول بقوله:

«فاطمة حوراء إنسية».

أي إنها عليها السلام قد جمعت جنسين في هيئة واحدة، وهي هذه الهيئة التي ترونها وتسمعون صوتها وتحدثونها فهي حوراء، أي من الحور العين، من عالم الجنة والنور، وفي الوقت نفسه من عالم الأرض من بني الإنسان.

لكن هذا الجواب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث في الأذهان طاقة أكبر على التفكير والسؤال فقالوا له:

وكيف هي حوراء إنسية ؟

ص: 54

أي: لا يمكن استيعاب المسألة لاسيما وهم لم يسمعوا من قبل بمثل هذا الحديث ولم تصل الى مسامعهم من قبل هذه الحقائق حتى مع ما علموه من أخبار عن مريم عليها السلام، إذ لم تكن بتلك المنزلة والخصوصية الخاصة.

فكان البيان النبوي الكاشف عن حقيقة فاطمة عليها السلام جاء في رده صلى الله عليه وآله وسلم على سؤالهم قائلاً:

«خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم».

المسألة الثانية: أين كان نور فاطمة عليها السلام قبل خلق آدم عليه السلام ؟

حينما علم الناس أن فاطمة عليها السلام قد خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، لزم عليهم الآن أن يعلموا أين كانت قبل خلق آدم عليه السلام ؟ إذ إن هذا الوجود يقتضي أن ينال محلاً.

ولذا: اتبعوا جواب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على سؤالهم من كيفية أن تكون فاطمة حوراء إنسية بسؤال جديد فقالوا: يا نبي الله، وأين كانت فاطمة ؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«كانت في حقة تحت ساق العرش».

ويمكن لنا الوقوف عند دلالة الحديث من خلال أمرين، الأمر الأول: الدلالة اللغوية، والثاني: الدلالة الوجدانية.

فالحقة: هي الوعاء، ومنه حُقَّة نقود، وهو وعاء مغلق مثقوب تحفظ فيه

ص: 55

النقود(1) والحقوة هي الأزرار(2).

أي بمعنى: إنها عليها الصلاة والسلام، كانت في وعاءٍ تحت ساق عرش الله عزّ وجلّ .

والحديث فيه بيان لمنزلتها الكبيرة عند الله تعالى، بل إنه يشير إلى الاعتناء الخاص بفاطمة عليها السلام.

لأن الناس باختلاف ثقافاتهم وإدراكاتهم ومعتقداتهم إذا أراد الفرد منهم أن يتعامل مع الأشياء الثمينة والمهمة فإنه يضعها في مكان خاص ويحيطها بوسائل عدة ليحفظها، وتراه يحرص عليها أشد الحرص ولا يبديها إلاّ لأخلص خلصائه علماً أن الغاية في فعل ذلك قد تختلف بحسب نوع هذا الشيء الثمين وأهميته، ومن خلال هذه الأهمية يتحدد نوع الوسيلة والأسلوب المتبع في التعامل مع هذه الأشياء؛ فمنهم من يفعل ذلك حباً لهذا الشيء، ومنهم من يفعل ذلك خوفاً من أمر ما، ومنهم من يكون الباعث في فعله الاستعانة؛ إلى غيرها من العلل والغايات في سلوك هذا الأسلوب.

إلا أن الجامع المشترك في جميع هذه الغايات والعلل هو: أهمية هذا الشيء وثمنه ونفاسته، وكلما كبرت هذه المعاني كبر حجم الاعتناء بهذا الشيء الثمين.

ومن هذا المعنى: فإن وجود فاطمة عليها السلام في حقة تحت ساق العرش هو: غاية كبرى في الاهتمام والعناية.

ص: 56


1- المنجد في اللغة: ص 306.
2- لسان العرب: ج 3، ص 226، (مادة: حق).

وهي عند الله تعالى بمحل لا يعلمه إلا هو سبحانه، لأنه صاحب العرش وهو أعلم بما تكون فاطمة عليها السلام التي جعلها في وعاء تحت ساق العرش، جلت قدرته، وعز شأنه فسبحان من،

لاٰ يُسْئَلُ عَمّٰا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ (1) .

المسألة الثالثة: ما هي الحكمة في جعل طعام نور فاطمة التسبيح والتهليل، والحاجة إلى الطعام من لوازم البدن ؟

ما زال الناس لم يفرقوا بين نور فاطمة عليها السلام وبين نفس فاطمة الإنسية التي بين ظهرانيهم حتى مع ذلك البيان الذي قدمه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك: نجدهم يسألون النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عن طعام فاطمة عليها السلام حينما كانت في حقة تحت ساق العرش على الرغم من أن منطلق حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عن نور فاطمة عليها السلام.

إلا أن السؤال - كما قيل: رب ضارة نافعة - كان نافعاً جداً؛ إذ جاء الجواب النبوي ببيان جديد يكشف عن حقيقة أخرى من حقائق شأن فاطمة ومنزلتها عند الله تعالى.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم رداً على سؤالهم عن طعام فاطمة عليها السلام، إنه:

«التسبيح، والتهليل، والتحميد».

ص: 57


1- سورة الأنبياء، الآية: 23.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الموضع، هو: ما هي الحكمة في جعل طعام نور فاطمة عليها السلام التسبيح والتهليل والتحميد، والحاجة إلى الطعام من لوازم البدن ؟

وأقول:

أولا: لم يزل الناس - كما أسلفت - لم يفرقوا بين نور فاطمة عليها السلام ونفسها الإنسية فذهبوا بهذه العلة إلى السؤال عن طعام فاطمة بلحاظ أنها إنسية، ومن لوازم وجودها الطعام، في حين كان جواب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يعيد الأذهان إلى جادة التفكير الصحيح فيقوم لهم المنهج التفكيري فيجيبهم بأن طعامها التسبيح والتهليل والتحميد وإن هذا الطعام يختلف عن طعام الإنس، لأن الإنسان يحتاج إلى ما تنبته الأرض وإلى اللحوم والماء ليتناسب ذلك مع طبيعة بدن الإنسان ومادته.

أما التسبيح والتهليل والتحميد فهو من لوازم عالم الأمر، عالم الجنة، والنور والسماء، ولذلك فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدثهم عن نور فاطمة وليس عن إنسية فاطمة.

ولكن يبقى السؤال قائما لماذا استخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفس الرؤية التي تبادرت في ذهن الناس فبين لهم أنها كانت تطعم، وطعامها من نوع خاص يتلاءم مع ذلك العالم ؟

بمعنى آخر: كان بالإمكان أن يرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سؤالهم بأنها لم تكن بحاجة إلى طعام لأنها من النور والحاجة إلى الطعام من لوازم

ص: 58

الحياة لأنه يدل على النمو والزيادة.

ثانيا: وهناك سؤال آخر، وهو: أن هذا التسبيح والتهليل والتحميد لا يرقى بها إلى التفاضل بلحاظ محدودية المنزلة والشأنية التي عليها في عالم النور والأرواح، قبل خلق آدم.

وحيث إنها لا تحتاج إلى النمو والزيادة لكونها نوراً فهي بذاك لا تحتاج إلى طعام.

بمعنى آخر: يحتاج عباد الله تعالى إلى التعبد وذكر الله لغرض الارتقاء وزيادة الأجر والثواب والتفاضل - عند ذلك - في المنازل الأخروية أما قبل ذلك، أي قبل خلق آدم عليه السلام فهذا التسبيح والتهليل لا يزيد في شأنية فاطمة بحيث ترتقي إلى مقام أسمى مما هي فيه فقد جعل الله سبحانه الإمام علياً عليه السلام أفضل منها وجعل رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سيد خلقه وأفضل أنبيائه ورسله.

وعليه: ما هي الحاجة إلى ذلك التسبيح والتهليل ؟ ولماذا جعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفة الطعام ؟

وأقول:

أولاً: إنّ التفاضل في العبادة من لوازم عالم الدنيا عالم التكليف أما قبل ذلك فقد كان من لوازم العبودية المحضة لله كتعبد الملائكة فهم لا يتفاضلون بعبادتهم لأنهم جبلوا على ذلك وخلقوا لهذا العمل، وعليه كان ذكرهم لله في مقام العبودية المحضة المنزهة من الشهوات الدنيوية والابتلائية.

ص: 59

ثانيا: إن حال فاطمة هنا يختلف؛ إذ إن تسبيحها وتهليلها وتحميدها لله عز وجل كان بمنزلة القيمومية وليس النمو؛ بمعنى آخر: إنّ هذا النور يكون قائماً ومتوهجاً ومضيئاً ومشرقاً من خلال التسبيح لله تعالى وتهليله وتحميده جلت قدرته.

أي إن قوامه كان بهذه الأذكار كما أن قوام المصباح يكون بالزيت، فالمصباح يحتاج إلى الزيت لا لكي ينمو ويزداد حجمه وإنما يحتاج إليه لقيموميته.

ولذلك نجد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أجاب السائلين بالرؤية الذهنية نفسها التي نطقها سؤالهم إليه، فقالوا: (يا نبي الله فما كان طعامها)، وهو في الوقت نفسه كشف لهم عن حقيقة خلقها وفضلها ومنزلتها عند الله تعالى.

أما بقية دلالات الحديث فسنعرض لها إن شاء الله تعالى حسب ما يناسبها من عناوين الكتاب كخلقها من ثمار الجنة، أو معاني أسمائها، أو منزلتها في القرآن وغير ذلك.

ص: 60

المبحث الخامس: ماذا خلق الله من نور فاطمة عليها السلام ؟

اشارة

قد مرَّ علينا في السابق أن الله تعالى قد خلق من نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنوار العترة الطاهرة كل خير، وهم كانوا فاتحة الوجود وبهم تكون خاتمته.

وفي هذا الفصل نقوم بذكر الأحاديث التي أفصحت عن الخيرات التي خلقها الله تعالى من نور فاطمة الزهراء عليها السلام.

الحديث الأول: إن الله خلق من نورها السماوات والأرض

في حديث طويل نأخذ منه موضع الشاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ثم - إن الله - فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض»(1).

ص: 61


1- البحار للعلامة للمجلسي: ج 15، ص 10؛ الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري: ج 1، ص 326، نقلاً عن كنز جامع الفوائد «مخطوط»؛ تفسير كنز الدقائق للمشهدي: ج 2، ص 525؛ تأويل الآيات لشريف الدين الحسيني: ج 1، ص 138.
الحديث الثاني: إن الله خلق من نورها شيعتها
اشارة

عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

«إن الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة - عليهم السلام - من نورٍ، فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبحنا فسبحوا، وقدسنا فقدسوا، وهللنا فهللوا ومجّدنا فمجّدوا ووحّدنا فوحّدوا»(1).

دلالة الحديث

يظهر الحديث مجموعة من الدلالات وهي كالآتي:

1 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن الله خلقني وخلق علياً» هو إشارة إلى أن الله تعالى أول ما ابتدأ في الخلق خلق نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم عندما سأله جابر بن عبد الله عن أول شيء خلقه الله عزّ وجلّ فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم:

«أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر»(2).

وإن هذا النور المحمدي فيه تلازم مع النور الذي خلق الله منه علياً عليه السلام.

ص: 62


1- المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 203؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ النمازي: ج 6، ص 131؛ كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 85.
2- بدر تمام في ذكر النبي وآله الكرام لابن العظيم الدمشقي (مخطوط) برقم (4003) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق؛ الخصوصيات النبوية لابن قضب البان (مخطوط) برقم (12730) يرقد في مكتبة الأسد؛ البحار ج 15، ص 24 وكذلك ج 25، ص 22 وكذلك ج 54، ص 170؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ النمازي: ج 2، ص 14؛ كشف الخفاء للعجلوين: ج 1، ص 265، برقم (827)؛ الانتصار للعاملي: ج 4، ص 221.

ولذلك نجده صلى الله عليه وآله وسلم أعاد كلمة

«الخلق» في علي عليه السلام ولم يقل:

«خلقني وعلياً».

2 - هو تأكيد منه صلى الله عليه وآله وسلم على اشتراكهم جميعاً بالنور الذي خلق الله منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي بمعنى: أن الله تعالى خلق حبيبه المصطفى من نورٍ، ثم خلق علياً وفاطمة والحسن والحسين من ذلك النور نفسه وهو معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من نور».

ولذلك نجد أن الحديث وردت فيه كلمة (الخلق) مرتين.

3 - إنّ هذا الحديث يدل على بيان منزلة شيعة(1) أهل البيت عليهم السلام على سائر الأمة بل على أتباع الأنبياء عليهم السلام لاختصاصهم بالأشرف والأفضل على ما خلق الله عزّوجلّ وهو حبيبه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عدل القرآن وثاني الثقلين(2).

ص: 63


1- سنتناول بعون الله الحديث عن شيعة أهل البيت عليهم السلام وشيعة فاطمة على الخصوص في مباحث الكتاب نعرض فيه ما جاء في القرآن والسنة عن الشيعة مع ذكر بعض رجالاتها ابتداءً من الصحابة المنتجبين كسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم، وحسبما يقتضيه البحث.
2- أي حديث الثقلين الذي أخرجه أئمة الحديث في صحاحهم ومسانيدهم ومستدركاتهم حتى بلغ حد التواتر وبألفاظ متعددة وكلها نصت على القرآن وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (وأنهما لن يفترقا حتى يردا على النبي الحوض).

4 - إنّ شيعة أهل البيت عليهم السلام مخلوقون من نورهم عليهم السلام وبهذه العلة كانوا تبعاً لهم وشيعة.

5 - قد يستوقف القارئ لفظ (فعصر ذلك النور) فيرى عدم تناسب دلالة العصر مع ماهية النور؛ إذ إن العصر يدل على اختصاص الفعل بالمادة الصلبة أو المواد التي لها كثافة كعصر العنب أو التمر أو المعادن لتصغير حجمها وصناعة الآلات وغير ذلك.

أما أن يكون العصر في النور فهذا يصعب فهمه ودلالته ؟

وأقول: مما لا يخفى على القارئ الكريم أن النور وإن لم تكن له كثافة كما لغيره من المواد إلا أنه يتكون من جزيئات وذرات وهذه الذرة تتكون من نواة ونيوترونات وإنه بالإمكان عصر هذه الجزيئات ودمجها أو فكها حسب ما هو مقرر عند الكيميائيين وبطرق مختلفة؛ وعليه: تصبح إمكانية العصر للنور واقعة ومنتجة لنور آخر يكون تبعاً لذلك النور؛ وهذا فضلاً عن استخدام الموشور البلوري لتحليل الضوء الأبيض إلى الألوان الأساسية وغير ذلك.

ص: 64

المبحث السادس: إشراق فاطمة عليها السلام وضياء نورها

اشارة

عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إن الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت لله ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري وأسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون إلى حقي وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي»(1).

مسائل البحث في الحديث:

ص: 65


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 12؛ معاني الأخبار للصدوق: ص 64؛ الإمامة والتبصرة للقمي: ص 133؛ علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج 1، ص 180؛ الجواهر السنية للحر العاملي: ص 240؛ الدر النظيم لابن حاتم العاملي: ص 456.
المسألة الأولى: الإشراق الفاطمي

إن الله سبحانه وتعالى لما أراد أن يعرف الملائكة بفاطمة عليها السلام، فإن هذه المعرفة تستلزم الظهور أي: ظهور فاطمة عليها السلام، كما هو الحال عندما نريد أن نتعرف على الشمس فلا بد للشمس أن تظهر وظهورها هو إشراقها وإضاءة نورها الذي يضيء الأرض.

ومع أن معنى أشرقت: أطلعت كما تشير مصادر اللغة(1)، إلاّ أن هذا المعنى لا يفي بالغرض، بدليل: أننا لا نقول لظهور القمر وطلوعه بالشروق، أو عند طلوع كوكب الزهرة بنوره المزرّق، انه أشرق بالشروق.

ومن هنا: فإن معنى (أشرقت) يفيد بظهور النور الذي له إضاءة كبيرة تطغى على ذرات الظلام فتحولها إلى ذرات مضيئة، وهي أي: (أشرقت) تفيد أيضاً بالسعة النورانية لحد الشمولية في الحيز المشرق فيه هذا النور، فتصبح الإضاءة شاملة لكل ذرات الفضاء المنبثق فيه هذا النور.

ومن هذا المعنى: فإن المراد من قول الإمام الصادق عليه السلام:

«فلما أشرقت - فاطمة - أضاءت السماوات والأرض بنورها» أي: إنها لما طلعت وبدت وظهرت فاطمة عليها السلام أضاء نورها السماوات والأرض، وهو يدل على الإحاطة من كل الجهات، أي: انعدام تحقق الظلمة.

ومن هذا المعنى نستدل على أن نور فاطمة عليها السلام في حال إشراقه أي ظهوره أحاط بالسماوات والأرض من جميع الجهات فلم تبقَ أجزاء مظلمة في

ص: 66


1- لسان العرب لابن منظور: ج 10، ص 175. وقيل: الشمس حين تشرق، يقال: طلعت الشرق.

السماوات بل إن كل ذرة في السماوات والكون أحاط بها هذا النور الفاطمي.

وهذه السعة وهذه الإحاطة هي من خواص الكرسي وهو قوله تعالى:

وَسِعَ كُرْسِيُّهُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ (1) .

وجميع هذا المعنى لا يمكن أن يتحقق ويثبت في القلب إلا من حيث كونها من نور الله عزّ وجلّ :

مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اَللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَضْرِبُ اَللّٰهُ اَلْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (2) .

وقد جاء في معنى هذه الآية المباركة وبيان تأويلها الذي ورد عن الإمام الحسن الزكي العسكري عليه السلام:

أن

«المشكاة» هي فاطمة الزهراء صلوات الله عليها(3).

ولنا عودة لها في باب أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام إلا أننا نقول:

إنّ معنى لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ هو انعدام الظلمة، لأن المشرق هو جهة ظهور

ص: 67


1- سورة البقرة، آية: 255.
2- سورة النور، آية: 35.
3- جواهر العقدين للسمهودي ص 244؛ مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص 316؛ تفسير القمي لعلي ابن إبراهيم القمي: ج 2، ص 103؛ تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي: ص 40؛ العمدة لابن البطريق: ص 356، برقم (686)؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد ابن طاووس، ص 135، برقم (214).

الشمس وإضاءة نورها، والمغرب هو ذهاب الشمس وغياب نورها، ولهذا السبب أطلقت التسمية على جهة المشرق والمغرب، ولكن لو حدث أن شمساً أخرى ظهرت من المغرب وأن هاتين الشمسين تظهران في وقت واحد فإن الأرض لا يصبح فيها مشرق ولا مغرب أي: لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ .

ومن هنا: فإن فاطمة لما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وبمعنى آخر: أن نور فاطمة أضاءَ السماوات والأرض وأحاط بهما من كل الجهات، هذه الإحاطة أسقطت وألغت معنى الشروق والغروب لعدم وجود الظلمة.

المسألة الثانية: نور فاطمة عليها السلام يغشي أبصار الملائكة عليهم السلام

إنّ الحديث يظهر مزية أخرى لهذا النور الفاطمي ألا وهي: شدة الإضاءة التي عبر عنها قوله عليه السلام:

«فغشيت أبصار الملائكة».

ومثاله كمن وقف في منتصف النهار في فصل الصيف ينظر إلى قرص الشمس، أو كمن أبصر في مصباح عظيم التوهج فإن العين بكلا الحالين تصاب ب - (الغشاوة)، أي كمن وضع غشاء أو غطاء على العين فلا يبصر شيئاً إلا أن الغطاء لا ينزل ألماً واضطراباً في العين لأن العين في وضع الغطاء تكون قد حفظت عصب الرؤيا من التأثر وهو عكس النظر إلى قرص الشمس فإن عدسة العين تنحصر وتضيق إلى درجة كبيرة لحفظ شبكيتها من التأثر بهذا الضوء فلذلك جاءت كلمة: غشاوة ولم يقل غطاء وهو قوله تعالى:

ص: 68

فَأَغْشَيْنٰاهُمْ فَهُمْ لاٰ يُبْصِرُونَ (1) .

وهو يفيد عدم الرؤيا بسبب إصابة عصب العين وعجزه عن النظر، بينما يفيد قوله تعالى:

فَكَشَفْنٰا عَنْكَ غِطٰاءَكَ فَبَصَرُكَ اَلْيَوْمَ حَدِيدٌ(2) .

هو سلامة العين ونفوذ بصرها وقوة التقاطها للصور فهي كقوة الحديد وصلابته. إذ إنّ العين لها محيط محدود لا يمكن تجاوز حدوده بينما عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم محيط درجة النظر فيها دائرية أي إنه ينظر من الأمام واليمين والخلف والشمال والأعلى والأسفل في وقت واحد.

أي إن النظرة الواحدة منه صلى الله عليه وآله وسلم تكون في جميع الجهات وفي أبعد المسافات فإنه يرى سدرة المنتهى ويرى الأرض السابعة - وسيأتي بيانه بشكل أوضح لاحقاً إن شاء الله تعالى -.

ومن هنا فإن سبب سجود الملائكة لله عزّ وجلّ عندما غشي نور فاطمة أبصارهم ما هو إلا اعتراف بعظمة الله الذي خلق هذا النور وخصه بهذه الخصائص.

المسألة الثالثة: العلة في تفضيل نور فاطمة عليها السلام على نور جميع الأنبياء عليهم السلام

قبل أن نبين وجه التفضيل في نور فاطمة صلوات الله عليها على جميع

ص: 69


1- سورة يس، الآية: 9.
2- سورة ق، الآية: 22.

الأنبياء عليهم السلام، لا بد من التفريق أولاً بين النبي والرسول سلام الله عليهم أجمعين.

ففي الرواية التي رواها الصفار في البصائر عن زرارة قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام من الرسول، من النبي، من المحدث ؟ فقال:

«الرسول: يأتيه جبرائيل فيكلمه قبلا فيراه كما يرى الرجل صاحبه الذي يكلمه، فهذا الرسول، والنبي: الذي يؤتى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من السبات إذا أتاه جبرائيل هكذا النبي.

ومنهم من تجمع له الرسالة والنبوة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبياً يأتيه جبرائيل قبلا فيكلمه ويراه في النوم، والنبي الذي يسمع كلام الملك حتى يعاينه فيحدثه»)(1).

فهذا هو الفرق بين النبي والرسول.

والحديث نص على تفضيل النور الفاطمي على الأنبياء خاصة دون الرسل؛ ووجه التفضيل في هذا النور هو لاختصاص النور الفاطمي بأنوار الإمامة واحتوائها فهي أم الأئمة وأم الأنوار وحقة النور التي كانت تحت ساق العرش.

ولقد أشار القرآن الكريم إلى أن مقام الإمامة كان مما تتمناه الأنبياء وتتوق في الوصول إليه، ونيل فضل الله فيه، وهي، أي الإمامة موضع ابتلاء الله وعهده الأكبر قال تعالى:

ص: 70


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 391؛ البحار: ج 26، ص 80، عن الإمام الباقر عليه السلام؛ تفسير نور الثقلين للشيخ الحويزي: ج 3، ص 515؛ مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني، ص 53.

وَ إِذِ اِبْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قٰالَ إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ (1) .

فقد دلت الآية على ابتلاء إبراهيم الخليل عليه السلام بها ولشدة فرحه بها سأل الله تعالى أن يجعلها في ذريته فكانت في رسول الله الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي ذريته وعترته من خلال بضعته النورانية الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله عليها أي في أولادها الأئمة وهم: (الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن المهدي الموعود الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً) صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ص: 71


1- سورة البقرة، الآية: 124.

المبحث السابع: ماذا كان يعمل نورها؟

اشارة

كل شيء خلقه الله تعالى وجعل فيه الروح فقد أراد منه سبحانه العمل، لأن بالعمل يسعى الكل لإثبات كيانه، ثم هو بيان للمصلح من المفسد وتعريف للتقي من الفاجر.

ولولا العمل لما ظهرت حقيقة الأشياء العاملة، فمن خلال العمل ظهرت حقيقة إبليس، ومن خلال العمل أيضاً أخرج آدم من الجنة.

وللعمل خُلقَ الإنسان، وخصص الله للعمل أكثر من موضع يوم القيامة، فالميزان والصراط والحوض وغيرها إنما أعدت للعمل، وعلى أية حال فإن الحديث عن هذا الجانب له تفرعات كثيرة نأتي إليها إن شاء الله في منزلة فاطمة عليها السلام في السنة.

لكن أردت أن أذكر في هذا المبحث أو أعرض بين يدي القارئ الكريم العمل الذي كان يقوم به نور البضعة النبوية فاطمة الزهراء عليها السلام.

فعن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل أنه قال:

ص: 72

«... ثم خلق الله السماوات والأرض وخلق الملائكة، فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً ولا تمجيداً فسبحنا وسبحت شيعتنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا، وقدسنا فقدست شيعتنا فقدست الملائكة لتقديسنا، ومجّدنا فمجدت شيعتنا فمجدت الملائكة لتمجيدنا، ووحدنا فوحدت شيعتنا، فوحدت الملائكة لتوحيدنا، وكانت الملائكة لا تعرف تسبيحا ولا تقديسا من قبل فنحن الموحدون حيث لا موحد غيرنا»(1).

دلالات الحديث
أولا: ما هو المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فسبحنا»؟

1 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فسبحنا» المراد به نفسه صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته الطاهرون عليهم السلام وهذا يدل على أن نور فاطمة عليها السلام كان يسبح ويهلل ويمجد ويقدس ويوحد الله عزّ وجلّ وكان يعلم الملائكة ذلك كله.

ثانيا: ما هو المراد من مكوث الملائكة مائة عام وهي لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً؟

يشير قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً، فسبحنا فسبحت شيعتنا، فسبحت الملائكة».

المراد به: أن الإذن من الله عزّ وجلّ في تعليم الملائكة التسبيح والتهليل إنما

ص: 73


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 26، ص 343-344، وكذلك ج 27، ص 131؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 202 و 225؛ كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 85.

كان بعد مرور مائة عام على خلقها.

أما الطريقة في التعليم فهي من خلال كشف الحجاب عن السمع فقد أسمعها الله تعالى تسبيح رسوله وأهل بيته عليهم السلام وشيعتهم فعندها سبحت الملائكة.

ثالثا: لا يتوهم بأنهم عليهم السلام كانوا ماكثين أيضاً عن التسبيح

لا يتوهم أن معنى (فسبحنا) هو ابتداء تسبيحهم عليهم السلام مع ابتداء الملائكة أي إنهم عليهم السلام كانوا أيضاً ماكثين دون تسبيح فهذا وهم ؟ لأن الروايات الكثيرة تخبر عن أنهم عليهم السلام كانوا منذ أن خلقهم الله أنواراً معلقة تسبح الله وتهلله ومما يدل عليه أيضاً، قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عزّ وجلّ يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بألف عام، فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل في شيء واحد، حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ففيّ النبوة، وفي علي الخلافة»(1).

ص: 74


1- العمدة لابن البطريق: ص 88، برقم (105) وص 89، برقم (107) وص 91 برقم (112) وص 338؛ كشف الغطاء (ط. ق) للشيخ جعفر كاشف الغطاء: ج 1، ص 10؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاووس: ص 16، برقم 1؛ الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي: ج 1، ص 247، وج 2، ص 34؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 35، ص 23، ج 38، ص 147؛ غاية المرام للسيد هاشم البحراني: ج 1، ص 30 و 326 و 327 و 329؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 4، ص 92، و ج 7، ص 390 وج 15، ص 198.

المبحث الثامن: ما هو نور فاطمة عليها السلام ؟

اشارة

إنّ الإجابة على هذا السؤال ربما بدت واضحة لدى القارئ الكريم من خلال ما مرّ عليه في الفصول السابقة، لكن أحببت أن أورد هذا الحديث إتماماً للفائدة وحصول الأجر والثواب.

فقد أورد الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى في أماليه حديثاً طويلاً تضمن مسائل كثيرة يسألها رجل من أهل الكتاب للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن نورد هذا السؤال وجوابه الذي يعرفنا بنور فاطمة عليها السلام.

قال اليهودي: (فأخبرنا عن خمسة أشياء مكتوبات في التوراة أمر الله بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها من بعده، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

فأنشدتك الله إن أنا أخبرتك تقرّ لي، قال اليهودي نعم يا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.

قال: فقال: النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

أول ما مكتوب في التوراة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي بالعبرانية

«طاب».

ص: 75

ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية:

يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي اَلتَّوْرٰاةِ وَ اَلْإِنْجِيلِ (1) ، يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي اَلتَّوْرٰاةِ وَ اَلْإِنْجِيلِ (2) .

وفي السطر الثاني: أسم وصيي علي بن أبي طالب، والثالث والرابع: سبطي الحسن والحسين، وفي السطر الخامس أمهما فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام، وفي التوراة أسم وصيي (إليا)، وأسم السبطين (شبر وشبير)، وهما نورا فاطمة عليها السلام)(3).

مسائل البحث في الحديث:

المسألة الأولى: إنّ الأنبياء عليهم السلام أمروا بحب محمد وآله الطاهرين

قول السائل: أمر الله بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها من بعده هذا السؤال يتكون من شطرين: الشطر الأول: أن يقتدوا بموسى فيها، والشطر الثاني: (من بعده)؛ فالشطر الأول المراد منه: أن الله كان قد أمر موسى الكليم أن يؤمن هو بها أولاً في حياته، ويؤمن أن هؤلاء هم خير خلق الله، وأكرمهم عنده، ولأجلهم خلق الله الأفلاك، فمن أراد القرب من الله والتوجه إليه فلا بد له من اتخاذ الوسيلة التي أمر الله عباده بها فقال عزّ وجلّ :

ص: 76


1- سورة الأعراف، الآية: 157.
2- سورة الصف، الآية: 6.
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 9، ص 298، وج 37، ص 36؛ الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري: ج 1، ص 375، و 376.

وَ اِبْتَغُوا إِلَيْهِ اَلْوَسِيلَةَ (1) .

وإنّ هذه الوسيلة ابتغاها الأنبياء عليهم السلام من قبل موسى، فقد ابتغاها آدم عليه السلام فدعا الله بها، وتوجه إليه بهم، سائلاً ربه عزّ وجلّ ، أن يتوب عليه بحقهم، وقد حكى أبو الليث السمرقندي، وغيره: أن آدم عليه السلام قال عند معصيته: اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي، وتقبل توبتي، فقال له عزّ وجلّ : من أين عرفت محمداً؟ قال: رأيت في كل موضع من الجنة مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك(2).

وروى الآجري بلفظ آخر: فقال آدم: لما خلقتني رفعت رأسي فرأيت مكتوباً على العرش فإذا فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحدٌ أعظم قدراً عندك فجعلت اسمه مع اسمك(3).

فمنذ تلك اللحظات الأولى التي رأى فيها آدم العرش، ودخوله الجنة أدرك أن صاحب هذا الاسم هو أعظم الخلق قدراً وأكرمهم منزلاً عند الله، ومن خلال هذه المعرفة أوحى إليه الله أن يدعوه بالكلمات.

فَتَلَقّٰى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ (4) .

وأول هذه الكلمات هي: (محمد) وثانيها (علي) وثالثها (فاطمة) ورابعها

ص: 77


1- سورة المائدة، آية: 35.
2- جلاء الإبصار والبصائر لابن قضيب البان «مخطوط» برقم (12529) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق؛ تفسير السمرقندي: ج 1، ص 72؛ الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض: ج 1، ص 173.
3- دفاع الشيعة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للحصين الدمشقي: ص 138 و 139؛ ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج 1، ص 65.
4- سورة البقرة، آية: 37.

(الحسن) وخامسها (الحسين)(1).

فَتٰابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ (2) .

وعلى هذا النهج سارت الأنبياء عليهم السلام وهو الميثاق الذي أخذ الله عليهم بأن يؤمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً فينصرونه ويدعون قومهم إلى الإسلام ويبشرونهم به، وهو قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذَ اَللّٰهُ مِيثٰاقَ اَلنَّبِيِّينَ لَمٰا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتٰابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمٰا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قٰالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قٰالُوا أَقْرَرْنٰا قٰالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ اَلشّٰاهِدِينَ (3) .

وما من نبي إلا وقد أعلن إسلامه وكان دينه الذي يدين الله به هو الإسلام وما من نبي إلاّ وقد دعا أتباعه وقومه الذين آمنوا به إلى دين الإسلام وعرفهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبأهل بيته الطاهرين عليهم السلام؛ لأن من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجب عليه إتباعه وطاعته والتمسك بكتابه الذي

ص: 78


1- الدر المنثور للحافظ السيوطي ج 1 ص 61؛ جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 15، ص 249، برقم (824).
2- سورة البقرة: آية 37.
3- سورة آل عمران: آية 81، ونقل ابن قضيب البان عن العلامة المغربي في كتابه مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الرواية: «إن الله تعالى لما خلق نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن ينظر إلى أنوار الأنبياء عليهم السلام فغشيهم من نوره ما أنطقهم الله به وقالوا يا ربنا من غشينا نوره فقال الله تعالى هذا نور محمد بن عبد الله إن آمنتم به جعلتكم أنبياء قالوا آمنا به وبنبوته، فقال أشهد عليكم قالوا: نعم فذلك قوله تعالى: «و إذ أخذ من النبيين» الآية، جلاء الأبصار والبصائر لابن قضيب البان - مخطوط - يرقد في مكتبة الأسد برقم «12529».

أنزل الله عليه وهو القرآن الكريم وبأوصيائه وخلفائه الأئمة الاثني عشر.

فها هو القرآن الكريم يفصح عن نهج الأنبياء عليهم السلام وسيرتهم ابتداء من أولهم بعثاً وهو آدم عليه السلام وكيف كان حاله وتوسله إلى الله بهم عليهم السلام ثم نوح عليه السلام قائلاً للذين تولوا عنه وأعرضوا عنه:

فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمٰا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّٰ عَلَى اَللّٰهِ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ (1) .

ثم إبراهيم الخليل عليه السلام وحقيقة الدين الذي اعتنقه فقال عزّ وجلّ :

مٰا كٰانَ إِبْرٰاهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لاٰ نَصْرٰانِيًّا وَ لٰكِنْ كٰانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ مٰا كٰانَ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ (2) .

وهو النهج نفسه الذي دعا إليه ولده إسماعيل فكانت دعوتهما إلى الله أن يجعلهما مسلمين:

رَبَّنٰا وَ اِجْعَلْنٰا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنٰا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنٰا مَنٰاسِكَنٰا وَ تُبْ عَلَيْنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ (3) .

ولعظم الأمر وأهميته البالغة فقد جعله إبراهيم ومن بعده يعقوب عليهما السلام خير ما يوصيان به أبناءهم:

وَ وَصّٰى بِهٰا إِبْرٰاهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يٰا بَنِيَّ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ لَكُمُ اَلدِّينَ فَلاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ

ص: 79


1- سورة يونس: آية 72.
2- سورة آل عمران: آية 67.
3- سورة البقرة: آية 128.

وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (1) .

وهل غير الإسلام دين اصطفاه الله لأنبيائه وأبنائهم حتى إن بعضهم أخذ يسأل الأبناء عن حقيقة دينهم الذي يعبدون به الله فيكون جوابهم إقراراً وتقريراً منهم وإمضاء لما يقولون:

أَمْ كُنْتُمْ شُهَدٰاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ اَلْمَوْتُ إِذْ قٰالَ لِبَنِيهِ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قٰالُوا نَعْبُدُ إِلٰهَكَ وَ إِلٰهَ آبٰائِكَ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ إِلٰهاً وٰاحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (2) .

أما يوسف عليه السلام فقد ظل يدعو الله أن يتوفاه على هذا الدين ويلحقه بالصالحين فقال:

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ اَلْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ اَلْأَحٰادِيثِ فٰاطِرَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّٰالِحِينَ (3) .

حتى إذا بعث موسى الكليم عليه السلام وأخذ يدعو قومه إلى عبادة الله الواحد الأحد فإنه لم يدعُهم إلاّ إلى الدين القيم الذي دان الأنبياء له ولم يؤمن به إلا طائفة قليلة، أو هي ذرية من قومه كما وصفهم القرآن:

فَمٰا آمَنَ لِمُوسىٰ إِلاّٰ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلىٰ خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعٰالٍ فِي اَلْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ اَلْمُسْرِفِينَ (4) .

ص: 80


1- سورة البقرة: آية 132.
2- سورة البقرة: آية 133.
3- سورة يوسف: آية 101.
4- سورة يونس: آية 83.

وعلى الرغم من تلك المخاوف ومن قلتهم إلا أنه عليه السلام ذكرهم بأمر مهم فلا اعتبار لفرعون وقوته، فهو الأساس في قوة هذه الطائفة القليلة:

وَ قٰالَ مُوسىٰ يٰا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (1) .

وتلك حقيقة أدركها صنفان من بني إسرائيل، صنف آمن ودعا الله أن يمنَّ عليه بحسن العاقبة وأن يختم لهم أعمارهم وهم مسلمون لله وهؤلاء السحرة:

وَ مٰا تَنْقِمُ مِنّٰا إِلاّٰ أَنْ آمَنّٰا بِآيٰاتِ رَبِّنٰا لَمّٰا جٰاءَتْنٰا رَبَّنٰا أَفْرِغْ عَلَيْنٰا صَبْراً وَ تَوَفَّنٰا مُسْلِمِينَ (2) .

وصنف لم يؤمن حتى أدركه العذاب فآمن بحقيقة الدين الذي آمنت به بنو إسرائيل لعله ينجو من الهلاك. لكن هيهات فلم ينفعه إقراره وإعلانه عن إيمانه بهذا الدين.

وكأن القدر ساقه إلى هذا المصير لكي يسجل له هذا الاعتراف الذي كشف من خلاله عن حقيقة الدين الذي عليه بنو إسرائيل. فقال عزّ وجلّ :

وَ جٰاوَزْنٰا بِبَنِي إِسْرٰائِيلَ اَلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتّٰى إِذٰا أَدْرَكَهُ اَلْغَرَقُ قٰالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اَلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرٰائِيلَ وَ أَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ (3) .

ثم جاء نبي الله عيسى عليه السلام مكملاً لخطى الأنبياء السابقين في دعوتهم

ص: 81


1- سورة يونس: آية 84.
2- سورة الأعراف: آية 126.
3- سورة يونس: آية 90.

إلى الإسلام ومبيناً لقومه ما بينه الأنبياء لقومهم وما كانوا يدعونهم إليه وهو الإسلام، فلم يؤمن بدين عيسى عليه السلام إلا طائفة قليلة:

فَلَمّٰا أَحَسَّ عِيسىٰ مِنْهُمُ اَلْكُفْرَ قٰالَ مَنْ أَنْصٰارِي إِلَى اَللّٰهِ قٰالَ اَلْحَوٰارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصٰارُ اَللّٰهِ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ اِشْهَدْ بِأَنّٰا مُسْلِمُونَ (1) .

ومن خلال هذا العرض الذي قدمه القرآن الكريم نجد أن الأنبياء جميعهم عليهم السلام كانت تدين بدين الإسلام وهو الدين الذي اختاره الله لهم، بل هو الدين الذي من أجله بعثهم إلى خلقه ليعرفوهم بدينه الذي ارتضاه وبنبيه الذي اصطفاه على العالمين واجتباه من بينهم فكان حقاً عليهم (عليهم السلام) أن يأمروا قومهم باتباع دين الإسلام والإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبأهل بيته الطاهرين المطهرين من الرجس.

وعليه: فإن المراد من قول السائل الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (عن الكلمات التي أمر الله بني إسرائيل أن يقتدوا بموسى فيها)! كانت هذه الكلمات هي: (محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين) وهي الكلمات التي كان موسى عليه السلام يؤمن بها.

أما الشطر الثاني من قول السائل: (من بعده) فالمراد من هذا القول هو: أن يؤمنوا بهذه الكلمات من بعد موسى عليه السلام وعندما يدركون النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أي بمعنى أن الله أمرهم إذا أدركوا زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسمعوا ببعثته أن يؤمنوا به ويدينوا بدينه وهو الإسلام؛ لأنه

ص: 82


1- سورة آل عمران: آية 52.

الدين الذي كان يؤمن به نبي الله موسى عليه السلام فلزم على الذين آمنوا بموسى أن يقتدوا به عليه السلام.

المسألة الثانية: ورود أسماء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام في التوراة

قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«وفي التوراة، اسم وصيي (إليا)، واسم السبطين (شبر وشبير) وهما نور فاطمة عليها السلام».

هذه الفقرة من الحديث أشارت إلى مجموعة من الدلالات، وهي كالآتي:

1 - أن حقيقة أهل البيت عليهم السلام قد دونها الله عزّ وجلّ في الكتب السماوية جميعاً، وأن حقيقة الوصي ثابتة كحقيقة القرآن الكريم والإنجيل والتوراة.

ولكن نكران البعض لها لا يعني انتفاءها، فحال الناكر لها كمن أصيب بالعمى منذ الولادة فهو لم ير الشمس ولذا ينكرها، وإن كان يتعرق من حرها، ويتألم من لذعة شعاعها.

وَ مَنْ كٰانَ فِي هٰذِهِ أَعْمىٰ فَهُوَ فِي اَلْآخِرَةِ أَعْمىٰ وَ أَضَلُّ سَبِيلاً(1) .

2 - قد ورد في الصحاح والمسانيد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عند تسمية الإمامين الحسن والحسين أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسماهما بأسماء أبناء هارون شبر وشبير، دالاً صلى الله عليه وآله وسلم بذلك على أن المراد من تسميتهما بهذين الإسمين هو وجودهما أي: (الحسن والحسين)

ص: 83


1- سورة الإسراء، الآية: 72.

عليهما السلام في التوراة.

بدلالة: وجود هذا الترتيب في الأسطر التي حوت اسم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والصديقة فاطمة، واسميهما عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

3 - أن السؤال الذي تصدر عنوان هذا الفصل: (ما هو نور فاطمة) أجاب عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:

«وهما نور فاطمة» أي: الحسن والحسين عليهما السلام.

ص: 84

المبحث التاسع: أنها أحد الأشباح الخمسة عليهم السلام

اشارة

قد يبدو العنوان غريباً للوهلة الأولى لدى القارئ الكريم ولذا فقد احتاج إلى مزيد من البيان والتوضيح للأمور التالية:

1 - إن هذه الكلمة (الأشباح) هي نفسها بحاجة إلى بيان.

2 - إن حديث الأشباح هو من خصائص العترة الطاهرة عليهم الصلاة والسلام قبل خلق آدم عليه السلام، وأن الملائكة كانت تسأل الله بهذه الأشباح عندما تتوجه إليه بحاجة، أما آدم عليه السلام فقد تعرف عليها قبل أن يدخل الجنة أي منذ أن سرت فيه نفخة الروح.

3 - لاهتمام بعض المسلمين بهذا الحديث ومحاولتهم نسبه إلى غير أهله لكي يضيفوا بذلك منقبة مصطنعة إلى أحد الشخصيات التي صحبت النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم - كما سيمر بيانه -.

4 - لارتباطه بنور فاطمة عليها السلام ولبيانه أحدى مراحل تنقل النور من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.

ص: 85

5 - إن الأحاديث الصادرة عن العترة النبوية عليهم السلام في بيان هذه الحقيقة الخاصة بشرافة خلق أنوارهم، ومراحل تنقلها استلزمت - في بعض الأحيان - الإسهاب منا لغرض بيان عظيم شأنهم وفخامة أمرهم عند الله عزّ وجلّ ؛ وذلك من خلال بيان ما نزل به الوحي من الذكر الحكيم، وما حملته السنة النبوية من أحاديث تخص هذه الحقيقة.

ولذا فقد قمنا ببحث فقرات الأحاديث مستدلين في بيان الحقائق بكتاب الله عزّ وجلّ والحديث النبوي الشريف، كي تبدو الصورة واضحة المعالم لدى القارئ الكريم، والله ولي التوفيق.

الحديث الأول

عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه، عطس، فألهمه الله (الحمد لله رب العالمين)(1) فقال له ربه: يرحمك ربك؛ فلما اسجد له الملائكة تداخله العجب، فقال: يا رب خلقت خلقاً أحب إليك مني ؟ فلم يجب، ثم قال في الثانية فلم يجب، ثم قال الثالثة فلم يجب، ثم قال الله عزّ وجلّ : نعم، ولولاهم ما خلقتك، فقال يا رب فأرنيهم ؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ملائكة الحجب: أن ارفعوا الحجب، فلما رفعت، فإذا آدم بخمسة أشباح قدّام

ص: 86


1- وفي رواية إن الله عزّ وجلّ قال لآدم: «يرحمك الله يا آدم لذا خلقتك» وقد أورده السيوطي في معترك الأقران: ج 3، ص 6؛ قصص الأنبياء للراوندي: ص 47؛ نهج الحق للعلامة الحلي: ص 232؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 15، ص 217؛ الغدير للشيخ الأميني: ج 7، ص 301؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 823؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 1، ص 98؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 7، ص 393.

العرش، فقال: يا رب من هؤلاء؟ فقال: يا آدم هذا محمد نبييّ : وهذا علي أمير المؤمنين ابن عم نبييّ ووصيه، وهذه فاطمة بنت نبيّي، وهذان الحسن والحسين ابنا علي ولدا نبييّ ثم قال يا آدم هم ولدك، ففرح بذلك، فلما اقترف الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي؛ فغفر الله له بهذا(1)، فهذا الذي قال الله عزّ وجلّ :

فَتَلَقّٰى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ فَتٰابَ عَلَيْهِ (2) .

فلما هبط إلى الأرض صاغ خاتماً نقش عليه: (محمد رسول الله وعلي أمير المؤمنين)(3)، ويكنى آدم بأبي محمد(4).

الحديث الثاني

قال الإمام الحسين بن علي - أمير المؤمنين - عليهما السلام:

إن الله تعالى لما خلق آدم وسواه وعلمه أسماء كل شيء وعرضهم على الملائكة

ص: 87


1- أن الله عزّوجلّ غفر لآدم الخطيئة وتاب عليه بهذا الدعاء الذي كان يدعو به وهو: «يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي»؛ راجع في تلك: مناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي: ص 63، حديث 89؛ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ج 1، ص 290، ط دار الأسوة وص 97 وص 239 ط اسلامبول وص 112 و 283 ط الحيدرية؛ منتخب كنز العمال للمتقي الهندي مطبوع بهامش مسند أحمد: ج 1، ص 419؛ تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 1، ص 60؛ الغدير للأميني: ج 7، ص 300؛ إحقاق الحق للتستري: ج 3، ص 78.
2- سورة البقرة: آية 37.
3- اليقين لابن طاووس: ص 175؛ قاموس الرجال للشيخ التستري: ج 9، ص 458.
4- البحار للعلامة المجلسي: ج 11، ص 175، حديث 20؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 26، ص 326؛ قصص الأنبياء للراوندي: ص 51.

جعل محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين أشباحاً خمسة في ظهر آدم، وكانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش فأمر الله الملائكة بالسجدة لآدم تعظيماً له إنه قد فضله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم نورها الآفاق فسجدوا إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت وقد تواضعت لها الملائكة كلها فاستكبر وترفع فكان بإبائه ذلك وتكبره من الكافرين(1).

الحديث الثالث

قال الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين صلوات الله عليهما حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعاً من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبين الأشباح فقال: يا رب ما هذه الأنوار؟.

قال الله عزّ وجلّ : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح.

فقال آدم: يا رب لو بينتها لي، فقال الله تعالى: انظر يا آدم إلى ذروة العرش فنظر آدم عليه السلام ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أشباحنا كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا.

فقال: ما هذه الأشباح يا رب ؟ فقال: يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي وبرياتي، هذا

ص: 88


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 26، ص 326؛ قصص الأنبياء للجزائري: ص 43؛ تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني: ج 1، ص 44.

محمد وأنا الحميد المحمود، وهذا علي وأنا العلي العظيم، شققت له اسماً من اسمي، وهذه فاطمة، وأنا فاطر السماوات والأرضين، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عما يصيبهم ويشينهم، فشققت لها أسماً من اسمي.

هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي بهم آخذ وبهم أعاقب وبهم أثيب فتوسل إلي بهم يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاء ك فإني آليت على نفسي قسماً حقاً لا أخيب بهم أملاً ولا أرد بهم سائلاً؛ فلذلك حين زلت الخطيئة دعا الله عزّ وجلّ بهم فتاب عليه وغفر له(1).

الحديث الرابع

روى ابن شاذان بإسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ليلة أسري بي إلى الجليل جل جلاله أوحي إلي:

آمَنَ اَلرَّسُولُ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ .

فقلت والمؤمنون، فقال: صدقت يا محمد، من خلفت في أمتك ؟.

قلت: خيرها، قال: علي بن أبي طالب ؟ قلت: نعم يا رب قال يا محمد إني اطّلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من أسمائي فلا اذكر في موضع إلاّ ذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم اطّلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي، يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرضين فمن

ص: 89


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 26، ص 328، وج 11، ص 151، ط مؤسسة الوفاء، بيروت. تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص 220. تفسير الصافي للكاشاني: ج 1، ص 115.

قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد لو أن عبداً عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى - يؤمن - بولايتكم.

يا محمد تحب أن تراهم ؟ قلت نعم يا رب فقال: لي: التفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن ابن علي، والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلون، وفي وسطهم المهدي يضيء كأنه كوكب دري.

فقال: يا محمد هؤلاء الحجج، والقائم من عترتك؛ وعزتي وجلالي هذه الحجة الواجبة لأوليائي وهو المنتقم من أعدائي، بهم يمسك الله السماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنه»(1).

المسألة الأولى: ما هو المراد بأشرف بقاع العرش الذي ورد في الحديث الثالث ؟

من البديهي أن العرش كل جزء فيه هو برتبة الشرافة، إلا أن المراد بهذه العبارة هو الجهة، إذ إن اليمين أشرف من الشمال، والأعلى أشرف من الأسفل.

وهذه سنة جعلها الله عزّ وجلّ في كثير من المواضع والأشياء التي شرفها وكرمها وفضلها كبيت الله الحرام - الكعبة المشرفة - فإن فيها من المواضع ما كان برتبة الأشرف فموضع الحجر هو أشرف، والركن اليماني أشرف من بقية الأركان، ويمين المؤمن أشرف من شماله والجنة في اليمين والنار في الشمال وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة:

ص: 90


1- البحار للمجلسي: ج 27 ص 199-200؛ إيضاح دفائن النواصب: ص 11 و 12.

فَأَصْحٰابُ اَلْمَيْمَنَةِ مٰا أَصْحٰابُ اَلْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحٰابُ اَلْمَشْئَمَةِ مٰا أَصْحٰابُ اَلْمَشْئَمَةِ (1) .

وأعلى عليين، وغيرها من المواضع التي تدل على شرافة البقعة مع وجود شرافة الكل، فشرافة الجزء من شرافة الكل.

ومن هنا: فإن البقعة التي أشار إليها الحديث بالأشرف هي قمة العرش.

بل إن المراد هو: أشرف موضع من قمة العرش، وهي ذروته كما دل عليه الحديث فذروة كل شيء: أعلاه، وذروة السنام والرأس أشرفهما(2).

وعليه: فقد كانت هذه الأشباح في سنام العرش ورأسه، أي: ذروته، ثم نقلها الله عزّ وجل إلى صلب آدم لما خلقه بيده ونفخ فيه من روحه.

المسألة الثانية: ما هي علة سجود الملائكة لآدم عليه السلام ؟

قد كشف هذا الحديث الشريف على قائله صلاة الرحمن وعلى آله القادة إلى الجنان: إن العلة من سجود الملائكة لآدم عليه السلام هي: لكونه كان وعاء لهذه الأنوار فإن السجود كان في الحقيقة لهذه الأنوار، وفي هذا يقول ابن معصوم في بديعته(3):

وآدم إذ بدا عنوان زلته *** به توسل عند الله في القدمِ

ثم أردف هذا البيت من البديع بشرح بيّن فيه العنوان قائلاً:

ص: 91


1- سورة الواقعة: الآيتان 8 و 9.
2- لسان العرب لابن منظور: ج 5 ص 40، ط دار إحياء التراث العربي، وج 14، ص 274، ط نشر أدب الحوزة، قم.
3- أنوار الربيع لابن معصوم: ج 4، ص 334.

العنوان في هذا البيت هو الإشارة إلى ما ذكره الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام في تفسيره لقوله تعالى:

فَتَلَقّٰى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ فَتٰابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ .

قال:

لما زلت من آدم الخطيئة واعتذر إلى ربه وقال: يا ربّ تب علي واقبل معذرتي وأعدني إلى مرتبتي، وارفع إليك درجتي، فلقد تبين بعض الخطيئة وذلها بأعضائي، وسائر بدني قال الله تعالى: يا آدم أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمد وآله الطيبين الطاهرين عند شدائدك ودواهيك وفي النوازل التي تبهظك ؟

قال آدم: يا رب بلى.

قال الله عزّ وجلّ : فبهم، وبمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم خصوصاً فادعني، أجبك إلى ملتمسك، وأزدك فوق مرادك.

فقال آدم: يا رب وإلهي قد بلغ عندك من محلهم إنك بالتوسل إليهم وبهم تقبل توبتي، وتغفر خطيئتي ؟ وأنا الذي أسجدت له ملائكتك وأبحته جنتك، وزوجته حواء أمتك، وأخدمته كرائم ملائكتك.

قال الله: يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك في السجود إذ كنت وعاء لهذه الأنوار ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها، وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منها، لكنت قد جعلت ذلك، ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقاً لعلمي، فالآن فبهم فادعني لأجيبك.

فعند ذلك قال آدم: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين، بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن

ص: 92

والحسين، والطيبين من آلهم، لما تفضلت بقبول توبتي، وغفران زلتي، وإعادتي من كرامتك إلى مرتبتي. فقال الله عزّ وجلّ : قد قبلت توبتك، وأقبلت برضواني عليك، وصرفت آلائي ونعمائي إليك وأعدتك إلى مرتبتك من كرامتي، ووفرت نصيبك من رحماتي. فذلك قوله عزّ وجلّ :

فَتَلَقّٰى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ فَتٰابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ (1) .

المسألة الثالثة: لماذا لم يتمكن آدم عليه السلام من رؤية الأشباح فرأى نورها، ولماذا قال ما هذه، ولم يقل من هذه ؟

إن من الحقائق التي يكشفها حديث الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام والتي تعلقت بخلق أنوار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته هي حقيقة عدم تمكن نبي الله آدم عليه السلام من رؤية أشباح محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، حينما نقلها الله تعالى من ذروة العرش إلى صلب آدم عليه السلام فسطع نورها من صلبه فرآها آدم عليه السلام فقال: يا رب ما هذه الأنوار؟

وسؤاله هنا:

كان لسبب واحد وهو اعتقاده بأنه الخليفة وأنه المفضل على الملائكة والمختار من بين خلق الله تعالى لهذه المهمة، ومن ثم يعد وجود هذه الأنوار حالة تبعث على التساؤل كما تساءلت الملائكة من قبل عن العلة في خلق مخلوق جديد يناط إليه هذا العمل، وهم قد امتازوا بخصائص عدة كشفها سؤالهم لربهم قائلين له جلت قدرته:

ص: 93


1- سورة البقرة: آية 37، والخبر أورده ابن معصوم في: أنوار الربيع الجزء الرابع صفحة 334.

أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ اَلدِّمٰاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ (1) .

أي: لدينا من المؤهلات ما تمكننا من القدرة على تحمل هذه المسؤولية.

ولذلك:

حينما رأى آدم هذه الأنوار بدا له أن هناك خلقاً لهم عند الله تعالى من المكانة السامية ما ليس لأحد غيرهم أن ينالها ويرقى إليها لاسيما وإنه لم يتمكّن من رؤية الأشباح وإنما رأى أنوار هذه الأشباح.

بمعنى: أن هذه الحالة التي ظهرت أمامه من عدم تمكن رؤيته للأشباح هي بحد ذاتها تعد رتبة عالية تستلزم منه أن يكون حائزاً على خصائص معينة كي يتمكن من رؤيتها ومثال ذلك كمن أراد أن ينظر إلى عين الشمس بدون وسيلة تحفظ له عينه فإنه لن يتمكن من النظر إلى عين الشمس سوى للحظات محدودة، وذلك بسبب شدة إضاءتها وقوة وهجها.

وكذا آدم عليه السلام ليس له من القدرة من النظر إلى وهج هذه الأشباح النورانية على الرغم من أنّ لديه إمكانيات خاصة تتمثل بأنه النبي والخليفة.

ولذلك: كي يتعرف آدم عليه السلام على هذه الأنوار فلابد من وسيلة يتمكن من خلالها من النظر إلى مصدر هذه الأنوار، فكان الجواب من الباري عزّ وجل على سؤاله، أن قال له: (أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح).

ص: 94


1- سورة البقرة، الآية: 30.

وهذه الإجابة: تكشف لآدم عليه السلام حقائق لم يكن يعلمها قبل رؤيته لهذه الأنوار، وهي:

1 - أنها أنوار أشباح، أي الذي رآه هو أنوار هذه الأشباح وليس عين الأشباح.

2 - أن هذه الأشباح كانت في أشرف بقاع العرش.

3 - أن الله تعالى نقلها من ذلك المكان إلى ظهر آدم عليه السلام.

4 - أن العلة في سجود الملائكة إليه كانت لهذه الأشباح وليس لشخص آدم عليه السلام.

5 - أن من العناوين التي اختارها الله له بكونه خليفة أن جعله الله عزّ وجل وعاءً لتلك الأشباح النورانية.

بعد أن تبين لنبي الله آدم عليه السلام هذه الحقائق عن هذه الأنوار التي رآها، أحب أن يتبينها، فهو إلى الآن لم يتمكن من تشخيص هذه الأنوار لشدة نورها.

فقال عليه السلام:

يا ربّ لو بيّنتها لي ؟!

وبيان هذه الأنوار مع عدم وجود الوسيلة متعذر لدى آدم عليه السلام ولو كان قادراً لما سأل ربه عن بيانها، ولذلك كانت الوسيلة هو أن ينظر آدم عليه السلام إلى ذروة العرش كما نصّ عليه الحديث الشريف.

فقال الله تعالى: (أنظر يا آدم إلى ذروة العرش، فنظر آدم عليه السلام ووقع

ص: 95

نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أشباحنا كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا).

وهنا: تنكشف لنا حقيقة أخرى، إذ إن آدم عليه السلام حينما أراد أن ينظر إلى أشباح محمد وأهل بيته عليهم السلام نظر إلى ذروة العرش، بمعنى: أن آدم يتمكن من النظر إلى ذروة العرش لكنه لم يتمكن من النظر إلى تلك الأشباح وهذا يكشف - وكما مر سابقا - أن العرش مخلوق من هذه الأنوار ومن ثم فهو من الصنعة وليس من الأصل الذي خلق الله منه كل شيء أي نور النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا أولا.

وثانيا: لوجود التجانس بين العرش وهذه الأشباح بعلة خلق العرش منها ومثاله تجانس الثلج مع الماء فالأصل هو الماء والصنعة هي الثلج.

ولذلك: انطبعت في العرش صور أشباح محمد وعترته أهل بيته كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى الأشباح، أي تحققت الواسطة.

ولكن مع وجود هذه الواسطة إلا أن آدم عليه السلام لم يتمكن من تشخيص هذه الأشباح، ولذا نراه قال لربه عزّ وجل:

(ما هذه الأشباح يا رب ؟) وسؤاله بصيغة: (ما هذه ؟) يكشف عن عدم قدرته على التشخيص ولو قال: (من هؤلاء) لكشف سؤاله عن رتبة أعلى من التشخيص، ولكن حتى في هذه الصيغة فإن ذلك ليدل على عدم تمكنه من التبيان والتشخيص لهذه الأشباح إلا أنّ هذه الصيغة أعلى رتبة من المعرفة من قوله (ما هذا).

ص: 96

والفرق بين الصيغتين أو اللفظين قد أشار إليه العلامة الطباطبائي في تفسير قوله تعالى:

رَبِّي هٰذٰا أَكْبَرُ(1) .

أن قال: (إذ رأيت شبح إنسان لا تدري أرجل هو أم امرأة تسأل وتقول: من هذا؟ تريد الشخص لأنك لا تعلم منه أزيد من أنه شخص إنسان، فيقال: امرأة فلان أو هو فلان، وإذا رأيت شبحاً لا تدري إنسان هو أو حيوان أو جماد تقول: ما هذا؟ تريد الشبح، أو المشار إليه، إذ لا علم لك من حاله إلا أنه شيء جسماني أيا ما كان، فيقال لك هذا زيد أو هذه امرأة فلان، أو هو شاخص كذا.

ففي جميع ذلك تراعي - وأنت جاهل بالأمر - من شأن أولي العقل وغيره، والذكورية والأنوثية مقدار مالك به علم؛ وأما المجيب العالم بحقيقة الحال فعليه أن يراعي الحقيقة)(2).

ومن هنا: كان سؤال نبي الله آدم عليه السلام: (ما هذه الأشباح يا رب ؟) كاشفاً عن رؤيته للأشباح من دون القدرة على تشخيصها هل هي لرجال أو لنساء، أو لجمادات، فقد تبين له الشاخص ولم يتبين شبح الشخص، ولذلك: سأل عن الأشباح وليس عن أشخاصها.

فكان الجواب من رب العزة سبحانه أنه قال:

(يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي وبرياتي، هذا محمد وأنا الحميد المحمود،

ص: 97


1- سورة الأنعام، الآية: 78.
2- تفسير الميزان: ج 7، ص 158.

وهذا علي وأنا العلي العظيم، شققت له اسماً من أسمائي، وهذه فاطمة، وأنا فاطر السموات والأرضين، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عما يصيبهم ويشينهم، فشققت لها اسما من اسمي.

هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي، بهم آخذ، وبهم أعاقب، وبهم أثيب، فتوسل إلي بهم يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاءك فإني آليت على نفسي قسماً حقا لا أخيب بهم أملاً ولا أرد بهم سائلاً.

فلذلك حين زلت الخطيئة دعا الله عزّ وجل بهم فتاب عليه وغفر له)(1).

مسائل البحث في الأحاديث على مضامين عديدة نحاول الوقوف عندها من خلال المسائل الآتية:

المسألة الرابعة: اطلاع الله تعالى إلى الخلق واختيار حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من بينهم
اشارة

قوله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عزّوجلّ :

«يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من أسمائي فلا اُذكر في موضع إلا ذُكِرت معي فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو عليّ ».

حملت هذه الفقرة مسائل عديدة تتضمن معاني كثيرة نذكر منها ما ألهمنا الله به ووفقنا إليه.

ص: 98


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص 220؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 26، ص 328، وج 11، ص 151.
أولا: معنى الاطلاع والاختيار الإلهي الأول

إن الله سبحانه وتعالى قد خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته قبل أن يخلق السماوات والأرض، بل قبل أن يخلق الخلق كما مرَّ في الأحاديث السابقة، إلا أن معنى قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإسراء:

«إني اطلعت إلى الأرض فاخترتك منها».

فيه من المعاني التالية:

1 - إن الله تبارك وتعالى قد جعل الأرض موضعاً اختاره لوجود جنس من أجناس خلقه ألا وهو الإنسان، فأنزله إليها، وجعل عيشه ومماته فيها ونشوره منها.

وهي موضع الابتلاء في بيان الصالح من المفسد ومعرفة المؤمن من الكافر فإذن لابد من وجود الإنسان على هذه الأرض ليخوض معركة الطاعة والمعصية كي يعلم الخلق أجمعون أن أطوعهم لله هو الحبيب المصطفى محمد وأهل بيته فاطمة وزوجها وبنوها الحسن والحسين والأئمة التسعة من ذرية الحسين عليهم السلام.

2 - إن الغاية في خلق الأرض هي إيجاد الخليفة.

وبمعنى أدق: (إن الله جعل الخليفة قبل الخليقة) فاختار الأرض مقراً لخليفته.

قال عز من قائل:

إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً (1) .

ص: 99


1- سورة البقرة، آية: 30.

هذا الجعل سبقه من الله عزّ وجلّ : إطلاعة فكانت عبارة عن العلم المسبق بخلقه، ومعرفته بحقائق قلوبهم، وعاقبة أمرهم، إلا أنه مع العلم بذاك فقد فحصهم وقلبهم بهذه الإطلاعة، فكان أشرف أهل الأرض وأفضلهم وأكملهم وأرتبهم وأحبهم وأعبدهم لله عزّ وجلّ هو حبيبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فاختاره منهم، واجتباه من بينهم، واصطفاه عليهم، وهو عبده الأول الذي وصل في عبوديته لله إلى الرتبة الأولى التي لم يصل إليها أحد من الخلق، فكان عبده ورسوله الذي من أجله خلق الله الخليقة.

فقال له عزّ وجلّ :

«يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك»(1).

ثانياً: معنى الإطلاع والاختيار الإلهي الثاني

ثم يليه من حيث الرتبة في العبودية أخوه وابن عمه وخليفته ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فكان صاحب الإطلاع الثاني لله عز جل فاختاره من بين خلقه ليحل بعد نبيه المصطفى في العبودية لله جل شأنه.

والعبودية لله تعالى لا تتحقق إلا بالمعرفة، فأعرف الخلق بالخالق هو حبيبه المصطفى ورسوله الأكرم أبو القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم يليه بعد

ص: 100


1- مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 3، ص 169، وج 8، ص 243؛ مجمع النورين للشيخ أبي الحسن المرندي: ص 14 و 187؛ الأسرار الفاطمية للشيخ محمد فاضل المسعودي: ص 18 و 59 و 82 و 231 و 237 و 395.

ذلك الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ومن هنا قال صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً الإمام علي عليه السلام:

«يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا»(1).

ومن المعرفة كان الحب، ولأجله اتخذه الله حبيباً له، ومن أجل هذا الحب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم خيبر:

«إني لأعطي الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله»(2).

ففي الحديث السابق دارت المعرفة في ثلاثة، وفي هذا الحديث دار الحب بين ثلاثة.

ثم يلي مقام الحب، مقام الخوف وأصله المعرفة أيضاً فكان النبي الأعظم أخوف خلقه وهو القائل:

«أنا أخوف خلق الله لله»(3).

حتى عاتبه الرحمن فقال عزّ وجلّ :

طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ (4) .

ص: 101


1- مختصر بصائر الدرجات لحسن بن سليمان الحلي: ص 125؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 334؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 7، ص 182؛ الذريعة للطهراني: ج 21، ص 275؛ مكيال المكارم لميرزا محمد تقي الأصفهاني: ج 1، ص 369.
2- شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 21، ص 454.
3- لمحات للشيخ لطف الله الصافي: ص 308.
4- سورة طه، الآيتان: 1 و 2.

ثم يليه في هذا المقام: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو القائل بأبي وأمي:

«لو أعطيت الأقاليم السبع بما فيها على أن أعصي الله في نملة أجلبها حبة شعير لما فعلت»(1).

ولاحظ أيها العارف المؤمن لم يقل عليه السلام أسلبها بل قال أجلبها والجلب لم يحقق المعصية حتى في حال حدوثه لأن الفعل كاشف عن النية فلو حدث وجلبها لم يكن في نيته المعصية وعنوان الجلب يختلف عن عنوان السلب وهو الفعل المسبوق بنية المعصية.

فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخوه الإمام علي عليه السلام هما أعرف الخلق بالله وأعرفهم لديه، وأحبهم لله، وأحبهم عنده، وأخوفهم منه، وأقربهم إليه، فسبحان من اصطفاهم واجتباهم واصطنعهم وفضلهم وأكرمهم وطهرهم من الرجس تطهيرا.

ومن هنا: اشتق الله لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم اسماً من أسمائه الحسنى فهو (المحمود) وحبيبه (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم.

ولأن الحمد من أهم مصاديق العبودية للخالق، فإن الله عزّ وجلّ قد أشرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الذكر.

لأنه صلى الله عليه وآله وسلم (أحمد) الخلق للخالق، فكان اسمه في الأرض (محمداً) وفي السماء (أحمد).

ص: 102


1- الأمالي للصدوق: ص 721؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 40، ص 348؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 11، ص 245؛ جواهر التاريخ للشيخ الكوراني: ج 1، ص 196.
ثالثاً: اقتران ذكر الله مع ذكر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم

وقوله:

«فلا أذكر في موضع إلا ذُكرت معي».

فإن أحب المواضع إلى الله عزّ وجلّ هي السجود، والذكر في هذا الموضع عند أهم الفرائض وهي الصلاة التي:

«إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها»(1).

وهي أفضل القرابين فكانت؛

«قربان كل تقي»(2).

فإن الذكر الذي يقوله المصلي في سجوده هو (سبحان ربي الأعلى وبحمده) والمراد منها:

هو أننا نسبح لله ونحمده ب - (حمده) الذي حمده به أول الحامدين وأصدقهم وأخلصهم حبيبه (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم، ولأجله اقترن ذكر الله بذكر النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في أحب الفرائض وعند أحب المواضع وهو السجود.

ص: 103


1- رسائل فقهية «مخطوط» للشيخ الجواهري: ص 67؛ شرح أصول الكافي لمولى محمد صالح المازندراني: ج 12، ص 439.
2- نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ج 4، ص 34، رقم (136)؛ الكافي للكليني: ج 3، ص 265، رقم (6)؛ الخصال للصدوق: ص 620؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1، ص 210، برقم (637)؛ تحف العقول: لابن شعبة الحراني: ص 110؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18، ص 332.

ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سنخ رحمة الله عزّ وجلّ ، وكان بعثه رحمة للعالمين ولأن الرحمة تقتضي الإنذار للخلق من عاقبة الآثام والمعاصي وتحذيرهم من الوقوع فيها فإن الله تعالى جعل لحبيبه المصطفى مقام الإنذار كي يتم مصداق الرحمة الإلهية لجميع ما خلق ولاسيما بني آدم.

ولذا كان خطابه عزّ وجلّ في محكم كتابه للذين كفروا كاشفاً عن هذه الحقيقة الربانية، فقال عزّ وجلّ :

وَ يَقُولُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لاٰ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ(1) .

فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو (المنذر) و (علي) عليه السلام هو الهادي لكل قوم آمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم مما خلق الله تعالى من الخلق وهو القائل عز شأنه:

وَ يَخْلُقُ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ (2) .

فهذا الخلق وهذه العوالم التي بُعث إليها النبي الأعظم فكان رحمة للعالمين، كل هذه العوالم كان النبي منذراً لها وكان علي عليه السلام لكل قوم منهم آمنوا هادياً إلى الله تعالى.

وبهذا المعنى يمتاز أئمة الهدى من أئمة الضلال التي تضل الناس عن الصراط المستقيم؛ ولأجله يقول المصلون:

ص: 104


1- سورة طه، آية 7.
2- سورة النحل، الآية: 8.

اِهْدِنَا اَلصِّرٰاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ صِرٰاطَ اَلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (1) .

وهم محمد وآله عليهم السلام.

ومن هذا المعنى ورد في المأثور في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه: وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على صدره فقال:

(أنا المنذر).

ثم أومأ إلى منكب علي عليه السلام، وقال:

«وأنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي»(2).

وله شاهد آخر يسير جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم، وهو قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يحدث فاطمة عليها السلام:

ص: 105


1- سورة الحمد، الآيتان: 6 و 7.
2- راجع في تفسير الآية: تفسير الرازي: ج 10 ص 20 ط دار الفكر (في تفسير سورة طه) وج 19، ص 14؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 1 ص 293-398 إلى حديث 5416، أي أورد في هذا القول (18) حديثاً بطرق مختلفة؛ تفسير الطبري: ج 13 ص 108؛ تفسير ابن كثير: ج 2 ص 271، وج 2، ص 520، ط دار المعرفة، بيروت؛ تفسير الشوكاني: ج 3، ص 70؛ تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 4 ص 45؛ تفسير زاد المسير لابن الجوزي: ج 4 ص 307؛ تفسير روح المعاني للآلوسي: ج 13، ص 97؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3 ص 129-130؛ نور الأبصار للشبلنجي الشافعي: ص 70؛ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص 110 و 121؛ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: ص 90؛ فتح البيان لصديق حسن خان: ج 5 ص 75؛ فرائد السبطين: ج 1، ص 148؛ كفاية الطالب للكنجي الشافعي: 914 و 915 و 916؛ ترجمة الإمام علي ابن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 2، ص 415، ح 913؛ إحقاق الحق للتستري: ج 4، ص 301؛ منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 5 ص 34؛ الفصول المهمة لابن الصاغ المالكي: ص 107.

«يا فاطمة أما ترضين أن الله عزّ وجلّ ، اطلع على أهل الأرض، فاختار رجلين أحدهما أبوك، والآخر بعلك»(1).

المسألة الخامسة: احتياج الأرض إلى خليفة
اشارة

قوله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عزّوجلّ :

«يا محمد من خلفت في أمتك ؟ قلت: خيرها، قال: علي بن أبي طالب ؟ قلت: نعم يا رب.

هذه الفقرة من الحديث - وعلى صغرها - إلا أنها تكشف عن أصلين من أصول الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانهما، أي هذين الأصليين يكمل أحدهما الآخر فهما متلازمان معاً.

أولاً: مفهوما الخلافة الظاهري والباطني

إن خلافة الأنبياء عليهم السلام لها مفهومان، مفهوم ظاهري، ومفهوم باطني، أما المفهوم الظاهري: فهو أن يحل الخليفة محل النبي التشريعي ولا نقصد به أن يحل مقام النبوة إنما المراد من المحل التشريعي: أن تكون له صلاحية إصدار

ص: 106


1- راجع في ذلك مستدرك الحاكم: ج 3 ص 129؛ تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ص 309؛ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 1 ص 294 حديث: 315 و 317 و 318؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 421؛ كفاية الطالب للكنجي: ص 297؛ كنز العمال: ج 6 ص 391 حديث 5992 ط و ج 15 ص 95 حديث 270؛ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 4 ص 195 و 196؛ الغدير للعلامة الأميني: ج 2 ص 318؛ إحقاق الحق: ج 5 ص 226، وج 22، ص 545؛ الكشف الحثيث لسبط ابن العجمي: ص 216؛ تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لمحسن بن كرامة: ص 183؛ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: ج 1، ص 357.

الحكم الشرعي، فمن كان جاهلاً بالحكم الشرعي لا يحق له أن يخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولأن العلم بالحكم الشرعي حضوري لا حصولي من حيث إن مقام النبوة إنما كان من قبل الله عزّ وجلّ فلا يتوج صاحب هذا المقام إلاّ بأمر الله عزّ وجلّ فقد اقتضت هذه الحيثية واستلزمت أن يكون مقام الخلافة هو أيضاً منصوصاً على صاحبه من الله عزّ وجلّ على لسان نبيه، ليكون علمه بالحاكم الشرعي حضورياً لا حصولياً.

وبذلك يكون الخليفة منصوصاً عليه من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو الأصل الأول.

أما إذا أُريد بالخلافة: هو من يخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الملك.

فالأنبياء عليهم السلام ليسوا ملوكاً وما كانوا سلاطين يلبسون التيجان ويحملون الصولجان، لكن يبدو أن الكثيرين قد اعتقدوا هذا وجعلوا نهجهم في ذلك مستوحىً من هذا المعتقد، وهو ماصرح به أبو سفيان للعباس بن عبد المطلب في عام الفتح عندما أخذ ينظر إلى جيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال للعباس: (لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً)(1) فقال العباس فقلت له: (ويلك إنها النبوة)، والمبدأ نفسه يتكرر عندما تولى عثمان بن عفان مقام الخلافة فقال أبو سفيان: (تلقّفوها يا بني أمية تلقف الكرة).

ص: 107


1- تاريخ الطبري، ج 2، ص 331؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 23، ص 450؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15، ص 175؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 31، ص 104، وج 33، ص 208.

وهو الأمر نفسه الذي دعا بعمر بن خطاب أن يسأل صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أخلف أبا بكر قائلاً: (أخليفة أنا أم ملك)(1)؟

وفي هذا المفهوم الظاهري وقع الحكام الذين خلفوا الأمة بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

أما المفهوم الباطني، فهو أن الله لا يُخلي الأرض من حجة،

(ولو لا الحجة لساخت الأرض بأهلها)(2).

ومن هنا فإن عروج النبي إلى السماء في رحلة الإسراء يعني خلو الأرض من الحجة وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الخلو يعرض الأرض ومن عليها إلى الدمار والهلاك المحتوم.

ومن عجيب حكمة الله عزّ وجلّ هو أن يصف الحديث الشريف أن هذا الهلاك بعملية (الانصهار) وانكسار جميع ذرّات الأرض بمن عليها وهو ما جاء في كلمة: (ساخت).

وعليه: فإن عروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء يوجب وجود خليفة له في الأرض لأنها تحفظ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والوصيّ عليه السلام.

وهذا الأمر يستلزم كينونة الوصي وتعيينه، منذ كينونة النبي وبعثه، بل إن

ص: 108


1- حياة الصحابة: ج 2، ص 163؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 12، ص 66؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 5، ص 306؛ جواهر التاريخ للكوراني: ج 2، ص 231.
2- مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 5، ص 277؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 57، ص 213.

الأمر أبعد من ذلك إذ إن تعيين النبي منذ الخلق استلزم تعيين الوصي وهو ما جاء بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله معلقاً يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق - الخلق - بأربعة آلاف عام فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم نزل شيئاً واحداً حتى افترقنا في صلب عبد المطلب فجزء أنا وجزء علي»(1).

ولذلك نجد أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أعلن الوصي والخليفة من بعده وهو الإمام علي بن أبي طالب منذ البعثة وتحديداً عند نزول قوله تعالى:

وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ (2) .

وهو الحديث المشهور المعروف بحديث الدار فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«هذا أخي ووصييّ وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا»(3).

وإنما ذلك لأجل أن تحفظ الأمة بل تحفظ الأرض ومن عليها.

تلك هي:

سُنَّةَ اَللّٰهِ اَلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اَللّٰهِ تَبْدِيلاً(4) .

ص: 109


1- ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 307؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 5، ص 244.
2- سورة الشعراء، آية: 214.
3- تاريخ الطبري: ج 2، ص 321، ط دار سيودان، وج 2، ص 63، ط مؤسسة الأعلمي، بيروت؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 1، ص 661، ط دار الكتاب العربي، وج 2، ص 63، ط دار صادر ودار بيروت - لبنان؛ تفسير البغوي: ج 3 ص 481 ط دار إحياء التراث، وج 3، ص 400، ط دار المعرفة؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 307.
4- سورة الفتح، آية: 23.
ثانياً: الخيرية أصل في الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

لقد دلّ الحديث الشريف في قوله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تعالى في الإسراء والمعراج: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

«يا محمد من خلفت في أمتك ؟ قلت: خيرها، قال: علي بن أبي طالب ؟ قلت نعم يا ربّ ».

عن إعلان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن خير أهل الأرض. وذكر الباري عزّ وجلّ : (لاسم علي بن أبي طالب عليه السلام) هو شهادة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي:

وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ (1) .

وهذه الحقيقة أقرها القرآن وصرحت وأفصحت عنها السنة المطهرة على صاحبها وآله صلوات الرحمن وسلامه.

أما القرآن الكريم فنصوصه في هذا الأمر كثيرة، نأخذ قبساً منها.

قال تعالى في محكم كتابه:

إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ اَلْبَرِيَّةِ (2) .

قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا علي هم أنت وشيعتك»(3).

ص: 110


1- سورة النجم، آية: 3 و 4
2- سورة البينة، آية: 7.
3- راجع في ذلك: الدر المنثور لخاتمة الحفاظ السيوطي: ج 6، ص 379؛ تفسير روح المعاني للآلوسي: ج 30

أما شاهده من السنة المطهرة قوله: صلى الله عليه وآله وسلم:

«علي خير البشر، من أبى فقد كفر»(1).

وهذا يدل على الأصل الثاني في تحقق وجود الخليفة، وهو الخيرية، بمعنى: لابد أن يكون الخليفة هو خير أهل الأرض كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خير أهل الأرض وكذا حال كل نبي أو رسول في زمانه، فهم حين يبعثون يكونون خير أهل الأرض ولأن الخيرية لا يمكن إحرازها من الناس حتى لو اجتمع جميع عقلاء الأرض وأهل الحل والعقد وذلك لجهالتهم بالباطن وحقيقة السرائر، ومن ثم سيفشلون في اختيارهم هذا لأنه مبنيٌّ على الظاهر أو على الظنون فعليه تصبح الخيرية أمراً محال الحصول والإحراز.

ولذا: وجب أن يكون تحديد الخيرية مناطاً بمن يعلم السر وأخفى، وبمن يعلم ما توسوس به نفس الإنسان وهو:

أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ .

فكان علمه عز وجل بخيرية أنبيائه من بين أهل الأرض جاء كذلك علمه

ص: 111


1- تاريخ دمشق لابن عساكر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: ج 42 ص 372، رقم 8970 و 8971.

سبحانه بخيرية خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بين أهل الأرض وبذلك تتحقق الخلافة الشرعية للأمة والتي بها يكون كمال الإيمان وبها يتحقق صلاح العباد والبلاد.

المسألة السادسة: ما هو الفرق بين سنخ النور وشبح النور؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم، عن الله عزّ وجلّ :

«يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري».

قد مرَّ عليك أيها القارئ الكريم من خلال الأحاديث السابقة أن الله عزّ وجلّ قد خلق محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرين من نوره عزّ وجلّ إلا أن الشيء الجديد هنا هو:

كلمة: (من سنخ نور من نوري) وفي رواية (من شبح نور من نوري)(1)؛ إلاّ أن الأولى والأصح هو من سنخ نور من نوري.

لأن الشبح هو: كل ما بدا شخصه من الناس وغيرهم من الخلق، وما يرى من بعيد أو خلف ساتر أو ثوب رقيق من غير تمييز للونه(2)، أو هو: (ظل النور) كما جاء عن الإمام الباقر عليه السلام وهو يحدث جابراً فقال له عليه السلام:

ص: 112


1- إيضاح دفائن النواصب: ص 11 و 12؛ البحار للمجلسي: ج 36، ص 262؛ الغيبة للطوسي: ص 148، برقم 109؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاووس: ص 173؛ كتاب الأربعين لمحمد ظاهر القمي الشيرازي: ص 354.
2- لسان العرب، مادة شبح، المصطلحات، إعداد مركز المعجم الفقهي: ص 1449؛ معجم ألفاظ الفقه الجعفري لأحمد فتح الله: ص 240.

«يا جابر إن الله أول ما خلق، خلق محمداً وعترته الهداة فكانوا أشباح نور بين يدي الله، قلت وما الأشباح ؟ قال: ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح»(1).

وعليه: فإن خلقهم من شبح نور من نوره، يكون بمعنى خلقهم عليهم السلام من ظل النور لا من أصل النور، وهذا منافٍ لما ورد في الأخبار، كما أنه يتعارض مع ما أعطاهم الله من فضله وخصهم برحمته بأنهم حقائق نورانية مخلوقة من نور الله عزّ وجلّ ، وليسوا من صورة النور أو ظله.

ولأن ذلك يقتضي ارتفاع منزلة الملائكة على النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم لأن الملائكة خلقوا من النور.

علماً أن محمداً وعترته (أهل بيته) عليهم السلام هم أشرف وأطهر وأفضل وأعلى ما خلق الله عزّ وجلّ .

والعرش والكرسي والملائكة والسماوات والأرض والجنة وما فيها واللوح والقلم وكل ما خلق الله، بل وكل خير هو مخلوق من أنوارهم عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام.

ولذا: فإن الصحيح في الرواية هو:

«من سنخ نور من نوري» أي من أصل نور من نوري، وهذا يتفق ويتناسب مع الأحاديث السابقة لأن سنخ كل شيء أصله، وسنخ الكلمة: أصل بنائها والسنخ والأصل واحد فلما اختلف اللفظان أضاف أحدهما إلى الآخر(2).

ص: 113


1- أصول الكافي: ج 1، ص 442؛ البحار: ج 15 ص 25، وج 7، ص 150؛ الكافي للكليني: ج 1، ص 442؛ حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج 1، ص 19، برقم (4).
2- لسان العرب: ج 6 ص 386، مادة السنخ، وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله
المسألة السابعة: عرض ولاية أهل البيت عليهم السلام على السماوات والأرض
اشارة

وهو قوله عز شأنه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم:

«عرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرضين فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين».

إنّ عرض ولاية أهل البيت عليهم السلام على أهل السماوات وأهل الأرضين قد شهد بها القرآن الكريم في مواضع عدة نشير إليها بالآتي:

الشاهد الأول: «آية الأمانة»

إِنّٰا عَرَضْنَا اَلْأَمٰانَةَ عَلَى اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ اَلْجِبٰالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهٰا وَ حَمَلَهَا اَلْإِنْسٰانُ إِنَّهُ كٰانَ ظَلُوماً جَهُولاً(1) .

فالأمانة التي عرضها الله عزّ وجلّ هي: ولاية أهل البيت عليهم السلام(2)، وكان العرض عليهن تخيراً لا إلزاماً، ولو ألزمن لم يمتنعن من حملها، فالسماوات

ص: 114


1- سورة الأحزاب، آية: 72.
2- راجع تفسير الصافي: ج 2 ص 369، وج 6، ص 72-73؛ تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2 ص 198؛ غاية المرام ص 396، وج 4، ص 189-190؛ الكافي للكليني: ج 1، ص 413، برقم (22)؛ شرح أصول الكافي لمولى محمد صالح المازندراني: ج 1، ص 254؛ الرسائل العشر للطوسي: ص 312؛ بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص 96؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 274، برقم (66)؛ معاني الأخبار للصدوق: ص 110.

والأرض كلها خاضعة لله عزّ وجلّ مطيعة ساجدة له كما قال تعالى: للسماوات والأرض:

اِئْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ (1) .

وقال في الحجارة:

وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اَللّٰهِ (2) .

وقوله عزّ وجلّ :

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اَللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ وَ اَلشَّمْسُ وَ اَلْقَمَرُ وَ اَلنُّجُومُ وَ اَلْجِبٰالُ وَ اَلشَّجَرُ وَ اَلدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ اَلنّٰاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ اَلْعَذٰابُ (3) .

والمراد بالسماوات والأرض هو أهل السماوات والأرض من الملائكة في السماء والجن في الأرض، كقوله تعالى:

وَ سْئَلِ اَلْقَرْيَةَ اَلَّتِي كُنّٰا فِيهٰا(4) .

أي اسأل أهل القرية.

أما: (فأبين منها) أي من الأمانة لعظم جرمها وقوة أركانها وسعة أرجائها وثقل محلها و (أشفقن منها) خوفاً وخشيةً من الله في التفريط بها وعدم صونها وحفظها، فيستحققن بذلك العذاب.

ص: 115


1- سورة فصلت، آية 11.
2- سورة البقرة، الآية: 74.
3- سورة الحج، آية: 18.
4- سورة يوسف، آية 82.

فإذا قيل ما الفرق بين إبائهنّ وإباء إبليس في قوله تعالى:

إِلاّٰ إِبْلِيسَ أَبىٰ أَنْ يَكُونَ مَعَ اَلسّٰاجِدِينَ (1) .

فجوابه: إن إباء إبليس كان استكباراً وخروجاً عن الطاعة لأن السجود كان فرضاً على الملائكة بينما الأمر هنا يختلف تماماً فإن العرض كان تخييراً لا إلزاماً والإباء هنا كان سببه الإشفاق والخشية من حمل الولاية.

إلا أنّ المفسرين قد اختلفوا في معنى (الأمانة):

فمنهم من قال: إنها الطاعة والفرائض بثوابها وعقابها(2)، وقيل هي الصلاة والصيام وغسل الجنابة(3)، ومنهم من قال إنها جميع معاني الأمانات في الدين وأمانات الناس واستندوا في قولهم إلى:

«إن الله لم يخص بقوله: [عرضنا الأمانة] بعض معاني الأمانات»(4).

وذهب بعضهم في معنى الأمانة إلى: (إن آدم لما حضرته الوفاة سأل الله من يستخلف بعده ويقلده من الأمانة ما يقلده، فأمره أن يعرض ذلك على الأرض

ص: 116


1- سورة الحجر، آية 31.
2- تفسير القرطبي: مج 7 ج 13 ص 72 ط دار الجيل، وج 14، ص 254، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت؛ تفسير ابن كثير: ج 5 ص 522 ط دار الأندلس، وج 3، ص 530، ط دار المعرفة، بيروت؛ الجدول في إعراب القرآن الكريم للصافي: مج 11 ص 198؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 5، ص 225؛ فتح القدير للشوكاني: ج 4، ص 310.
3- إعراب القرآن للنحاس: ص 328؛ تفسير القرطبي: ج 14، ص 254؛ فتح القدير للشوكاني: ج 4، ص 309؛ تفسير البحر المحيط للأندلسي: ج 7، ص 243.
4- تفسير الطبري مج 12 ج 22 ص 57؛ جامع البيان للطبري: ج 22، ص 71، برقم 21905.

والجبال فكلها أباه، ثم أمره أن يعرضه على ولده فقبله بالشرط ولم يتهيب من ما تهيبته السماء والأرض والجبال)(1).

ونقول:

إن جميع هذه الأقوال مردودة لعدم صحتها، وقد صرّح القرآن الكريم بزيف هذه الأقوال وبطلان هذه الآراء في الآية التي تلت آية الأمانة مباشرةً .

فقال عزّ وجلّ :

لِيُعَذِّبَ اَللّٰهُ اَلْمُنٰافِقِينَ وَ اَلْمُنٰافِقٰاتِ وَ اَلْمُشْرِكِينَ وَ اَلْمُشْرِكٰاتِ وَ يَتُوبَ اَللّٰهُ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ وَ كٰانَ اَللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً(2) .

فإن (اللام) التي تصدّرت الفعل (يعذب) هي (لام) التعليل، والمصدر المؤول (أن يعذب) في محل جر باللام متعلق ب - (حملها) أو (عرضنا).

أي بمعنى: إن العلة من عرض الأمانة وحملها هو لكي يعذب الله المنافقين والمنافقات؛ وقد علم المسلمون أن المنافقين والمنافقات كانوا يصلون ويصومون ويحجون ويزكون ويأتون بالفرائض - كما يعرض لنا القرآن الكريم في مواضع عدة من أحوالهم وصفاتهم - إلا أنهم لم يؤدّوا أهم الفرائض التي أوجبها الله تعالى وهو: حب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته.

وهو القائل صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 117


1- تفسير القرطبي: مج 7 ج 13 ص 231؛ تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة: ص 436؛ تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 352؛ زاد المسير لابن الجوزي: ج 6، ص 220.
2- سورة الأحزاب، آية: 37.

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده، ولا يحبني حتى يحب أهل بيتي لحبي»(1).

والقرآن يشهد بكفرهم ومعاداتهم للنبي وأهل بيته، رغم صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجهم، قال عزّ وجلّ :

إِذٰا جٰاءَكَ اَلْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اَللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ اِتَّخَذُوا أَيْمٰانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ إِنَّهُمْ سٰاءَ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ (2) .

ثم تتوالى الآيات لتبين فسادهم وجرمهم وخطرهم على الإسلام، فقال عزّوجلّ مخاطباً النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

هُمُ اَلْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قٰاتَلَهُمُ اَللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ (3) .

والقرآن الكريم يبين هنا أن غاية المنافقين هو الصد عن سبيل الله أي: منع المسلمين من سبيل الله، بالتضليل مرة، وبالقهر من خلال السلطان مرة، وبإثارة الشبهات مرة أخرى؛ وإلاّ لم يرد في التاريخ الإسلامي، ولا في السيّر، ولا في الأدب، أن مسلماً كان يصد المسلمين ويمنعهم من أداء الصلاة، أو الزكاة، أو الصيام، أو الحج، وينكرها عليهم والسبب في ذلك وبكل بساطة، هو أن من يقوم

ص: 118


1- الأمالي للصدوق: ص 414، برقم (9/414)؛ علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 140، الباب 119؛ بشارة المصطفى لمحمد بن علي الطبري: ص 93، برقم (26)؛ مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي: ج 2، ص 134، برقم 619.
2- سورة المنافقون، آية: 1 و 2.
3- سورة المنافقون، آية: 4.

بذلك حكمه عند فقهاء المسلمين الارتداد وعاقبته القتل وظهر كفره للصغير والكبير.

لكن الذين كانوا يصدون عن ولاية محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام كان الحكام وأشياعهم يطبطبون لهم على ظهورهم ويشكرون لهم سعيهم ويجزلون لهم العطاء، لأنهم كانوا أداة لهم، ولم يحكم أحد عليهم بالكفر لأنهم بالغل والبغض والعداوة لله ورسوله قد ملأوا قلوبهم.

وإلا كيف يمكن تصديق من يدعي حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يعمد إلى قتل ولده وسلبهم وسبيهم كأنهم من الترك أو العجم، فإذا ذهب آل الرسول قتلاً وتشريداً عمدوا إلى شيعتهم ومحبيهم فأنزلوا فيهم ما كان ينزل فرعون بقومه، وإذا أرادوا أن يرحموهم قالوا: (رافضة) لأنهم رفضوا النفاق وأهله وتمسكوا بصراط الله المستقيم وحبله المتين واتبعوا وصية النبي الأمين في التمسك بالثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة: (علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين صلوات الله عليهم أجمعين).

ومن هنا كان (ظلوماً) لولاية أهل البيت عليهم السلام، (جهولاً) لحقها، غير جاهل بها، لأن الجهل ضد العلم بل هم علموا حق الولاية لكنهم ظلموا أهلها.

الشاهد الثاني: آية الإرسال

وفيها جاء عرض ولاية أهل البيت عليهم السلام على الأنبياء عليهم السلام، وإنهم أرسلوا على ولاية محمد وعترته أهل بيته عليهم السلام(1).

ص: 119


1- راجع ذلك في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2 ص 156 حديث 855 و 856 و 857؛ المناقب للخوارزمي: ص 221؛ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق: ج 2 ص 97 حديث 599؛ غاية المرام: باب 44 ص 249.

وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا أَ جَعَلْنٰا مِنْ دُونِ اَلرَّحْمٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (1) .

فهذه الآية تدل على أن الأنبياء عليهم السلام قد أرسلوا إلى الناس ليدعوهم إلى أمر التوحيد وهو ظاهر الآية.

لكن الذي دلت عليه الآية هو: أن الله يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسؤال الأنبياء عن أمر معين هذا الأمر يتعلق بعبادتهم، وعبادة الأنبياء عليهم السلام هي تبليغ شرع الله عزّ وجلّ ، وإلاّ لا يصح أصلاً التوهم بأنهم يسألون عن التوحيد لأنهم أول من نطق بالتوحيد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولأجل التوحيد خصهم الله بالنبوة واصطفاهم للرسالة.

ولذا: فهم يسألون عن التبليغ إلى الإسلام والولاية لمحمد وعترته أهل بيته عليهم الصلاة والسلام.

الشاهد الثالث: آية المساءلة

وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (2) .

فقد جاء في تفسير هذه الآية: إن العباد لتسأل يوم القيامة عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو ما روي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما): (إن الخلق يسألون عن ولاية علي - عليه السلام -)(3).

ص: 120


1- سورة الزخرف، آية: 45.
2- سورة الصافات، آية 24.
3- تفسير روح المعاني للآلوسي: ج 13 ص 118؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 147 ط الحيدرية، وص 89 ط الميمنية بمصر؛ شواهد التنزيل للحاكم: ج 2 ص 106، حديث 785 و 786 و 787 و 789؛ كفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص 247 ط الحيدرية وص 120 ط الغري؛ نظم درر السمطين
الشاهد الرابع: آية النعيم

ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ اَلنَّعِيمِ (1) .

والنعيم هو ولاية أهل البيت عليهم السلام الذي يسأل عنه العباد يوم القيامة(2)، لينالوا النعم بصونها وحفظها ورعايتها النعيم في الآخرة.

المسألة الثامنة: (لا يقبل العمل إلا بالولاية لآل محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم)
اشارة

ما زلنا في رحاب الحديث الذي رواه ابن شاذان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أوحاه الله عزّ وجلّ إليه في ليلة الإسراء والمعراج، وقد تضمن الحديث العديد من خصائص العترة الطاهرة وفضائلهم وقد تناولنا هذه الفضائل بنحو يكاد يكون موسعاً من أجل أن يطّلع القارئ على هذه الفضائل والخصائص بشكل علمي يستند إلى القرآن والسنّة المطهرة.

ليصل من خلالها القارئ الكريم إلى قناعة تامة مستمدة من أصولها الحقيقية في معرفة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام، لاسيما ونحن لم نبدأ بعد

ص: 121


1- سورة التكاثر: آية 8.
2- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2 ص 368، حديث (1150 وحديث 1151 وحديث 1152) وج 2، ص 476؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 131؛ غاية المرام ص 257؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 404.

بتناول البحث في بعض جوانب حياة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء صلوات الله عليها.

ولذلك: فإن من الحقائق التي نطقت بها السنة المحمدية والمتعلقة بقبول عمل المسلم عند الله تعالى هي إقران هذا القبول بموالاة محمد وعترته أهل بيته والاعتقاد بولايتهم.

بمعنى آخر: فإن كل عمل يقوم به المسلم لا يوجد عليه طابع الولاية لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يصل إلى صاحبه ويعاد إليه لخلوه من الشرط الأساس الذي وضعه الله تبارك وتعالى في قبول الأعمال وأما جحودها فإنه يدخل النار.

وهذا ممن أوحاه الله تعالى إلى نبيه ليلة الإسراء والمعراج، وهو قوله تعالى:

«وأما من قبلها - أي الولاية - كان من المؤمنين ومن جحدها كان من الكافرين».

«يا محمد لو أن عبداً عبدني حتى يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم».

والأحاديث النبوية في هذا كثيرة جداً نشير إلى بعضها كي لا يخرج الموضوع عن قصده.

الحديث الأول

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 122

«والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار»(1).

الحديث الثاني

«معرفة محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب»(2).

الحديث الثالث

«فلو أن رجلاً صف قدميه بين الركن والمقام فصلى وصام وهو مبغض لآل محمد دخل النار»(3).

وهذه الأحاديث الشريفة وغيرها كلها تنبع من معين واحد وتنصب في حوض واحد وتحقق أمراً واحداً لا ثاني له وهو الطاعة والاتباع والحب والموالاة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعترته أهل بيته.

ص: 123


1- مستدرك الحاكم: ج 3 ص 150؛ وأقره الذهبي في التلخيص مطبوع مع المستدرك: ج 3 ص 150؛ إسعاف الراغبين للصبان: ص 104؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 172 و 237؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 104، وج 2، ص 461، ح 281؛ نظم الدرر للزرندي: ص 106؛ إحقاق الحق للتستري: ج 9 ص 461؛ مناقب الإمام علي لابن المغزلي: 138 حديث 181؛ منتخب كنز العمال مطبوع بهامش مسند احمد: ج 5 ص 94.
2- جواهر العقدين للسمهودي: ص 245؛ السيرة النبوية في مفهوم القاضي عياض: ص 354؛ الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي: ص 4؛ ينابيع المودة: ص 240، 286، 314، 444؛ فرائد السمطين: ج 2 ص 257 حديث 525؛ إحقاق الحق للتستري: ج 9 ص 494؛ فضائل أهل البيت عليهم السلام لعبد الله بن عيسى (مخطوط) مكتبة الأسد برقم (4039).
3- المستدرك للحاكم: ج 3 ص 149، واقره الذهبي في تلخيصه (مطبوع مع المستدرك)؛ الصواعق المحرقة لابن حجر ص 172؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 18؛ ينابيع المودة: ص 226-331 ط الحيدرية، وج 2، ص 376، ح 67، ط دار الأسوة؛ إحقاق الحق للتستري ج 9 ص 492.
المسألة التاسعة: حديث الأشباح وتحريف المبطلين

لم تقتصر المدرسة الإمامية على حديث الأشباح رواية وكتابة، وإنما تعدى هذا الحديث إلى المدرسة السنية كذلك. فقد أوردت بعض مصادر أبناء العامة حديث الأشباح بصيغة أخرى أرادوا بها تحريف الحقيقة ونسب هذه المنقبة إلى غير أهلها. لينالوا حظاً من الدنيا وما لهم في الآخرة من نصيب.

والصيغة التي صيغ بها الحديث هي: (عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

«أخبرني جبرائيل أن الله تعالى لما خلق آدم وأدخل الروح في جسده أمرني أن آخذ تفاحة من الجنة فاعصرها في حلقه فعصرتها في فمه فخلقك الله من النقطة الأولى أنت يا محمد ومن الثانية أبا بكر ومن الثالثة عمر، ومن الرابعة عثمان، ومن الخامسة علي فقال آدم: كم هؤلاء الذين كرمتهم ؟ فقال الله تعالى: هؤلاء خمسة أشباح من ذريتك، وقال: هؤلاء أكرم عندي من جميع خلقي، قال: فلما عصى آدم ربه قال: ربَّ برحمة ألائك الأشباح الذين فضلتهم إلا تبت علي فتاب الله عليه»)(1).

وهذا الحديث ذكره المحب الطبري ونقله عنه ابن حجر، وبعد أن أورده قال: (عهدته عليه)(2).

ونحن نسأل ابن حجر عن الدافع الذي جعله يرمي بعهدة الحديث في وزر الطبري.

ص: 124


1- الرياض النضرة: ج 1 ص 51.
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 50.

إلاّ اللهم إنه يعلم جيداً أنه موضوع ومنكر سنداً ومتناً فنقله مع قبحه لأنه ينسجم مع عقيدته السلفية.

والرواية التي تصرخ بالوضع، قد قال بكذبها كل من خاتمة الحفاظ السيوطي والعجلوني(1).

ومع هذا فقد أورد العلامة الشيخ الأميني (أعلى الله مقامه) أدلة كثيرة، وشواهد محكمة على بطلان الرواية وكذبها فأشفى بما أورده صدور المؤمنين(2).

ونضيف لما أورده العلامة الأميني دليلاً آخر لننال بذلك الأجر والثواب ونشارك القارئ الكريم بالأجر أيضاً. جاء في الرواية:

«أمرني أن آخذ تفاحة من الجنة فأعصرها في حلقه فعصرتها في فمه - إلى قوله - فقال آدم من هؤلاء الذين أكرمتهم فقال الله تعالى: هؤلاء خمسة أشباح من ذريتك».

من المعروف في اللغة أن الإحساس بالأشباح هو من خاصية حاسة البصر، أي الرؤية بواسطة العين، ولا تعرف الأشباح من حاسة الذوق، وعن طريق الفم على شكل قطرات؛ إذ قالت العرب في التصريف: أسماءُ الأشباح وهو ما أدركته الرؤية والحس، والشَّبِّحُ : ما بدا لك شخصهُ من الناس وغيرهم من الخلق، والجمع أشباح(3).

ص: 125


1- كشف الخفاء للعجلوني: ج 1 ص 233.
2- الغدير للأميني: ج 7 ص 299.
3- لسان العرب لابن منظور: ج 2، ص 494، فصل الشين المعجمة؛ كتاب العين للخليل الفراهيدي: ج 3، ص 99، باب الحاء والشين والميم.

فهذا ما عليه العقلاء، أما أن تعرف الأشباح عن طريق الفم فهذا خاص فقط بواضع الحديث.

ومع بطلان الحديث سنداً ومتناً إلا أنّ الذي يستفاد منه أنه يدل على أن حديث الأشباح الخمسة كان معروفاً عند الرواة وأنه منقبة من مناقب العترة النبوية صلوات الله عليهم، فأراد البعض ممن أعماه التعصب أو سعى في إرضاء المخلوق بسخط الخالق أو هو ممن كان همه الوحيد الدينار والدرهم، أن ينال أحد هذه الخصال فنسج هذا الحديث بخيوط أوهن من خيوط العنكبوت.

المسألة العاشرة: شبح نور فاطمة وأثره في الملائكة

وبعد هذا العرض فإن حديث الأشباح هو منقبة من مناقب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام.

وهو أحد خصائصهم المخصوصة بهم دون غيرهم، فأي مخلوق يداني منزلتهم، وأي شريف يصل إلى رتبة شرفهم، وقد طأطأ كل شريف لشرفهم، وتواضع كل عزيز لعزهم، وقد اصطفاهم الله لنفسه، واجتباهم لعبادته، واختارهم لطاعته، فكانوا أهلاً لذلك.

ومن هنا: فإن الله جلت قدرته خصهم بما لم يخص به أحداً من العالمين، وإن هذه العناية الربانية والاهتمامات الإلهية كانت لهم، وبهم، ومعهم، وفيهم، منذ بدء خلقهم، فكان نور حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فاتحة الخلق، ومبدأ الخير الذي جعله الله عزّ وجلّ فيه ومنه، فكان هذا النور من نور الله عزّ وجلّ .

ص: 126

ثم خلق من نوره سبحانه أيضاً نور علي أمير المؤمنين، وهو نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كما مر في الأحاديث -، ثم نور البضعة النبوية فاطمة الزهراء عليها السلام ثم نور الحسن، ونور الحسين عليهما السلام سبطي نبي الرحمة، وريحانتيه من الدنيا.

ثم حجب جلت قدرته هذه الأنوار بحجب الغيب التي استأثر بها لنفسه فكانوا بقرب قريب من ربهم وسيدهم ومولاهم وإلههم بمراتب ودرجات، فأقربهم وأدناهم إلى الله عزّ وجلّ عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ثُمَّ دَنٰا فَتَدَلّٰى فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ (1) .

ثم إن الله عزّ وجل خلق الملائكة بعد خلقه لهذه الأنوار بأربعة عشر ألف عام.

فكانت هذه الأنوار الإلهية محجوبة عن الملائكة أجمعين، فلما أراد الله عزّ وجلّ أن يظهرهم لملائكته وتراهم جميع عوالم الملائكة من الكروبيين والمقربين والروح وغيرهم أنزلهم تبارك اسمه من عوالم الغيب والحجب إلى عالم الشهادة الأخروية الخاصة بملائكة العزيز القهار جلت قدرته، فأظهرهم لملائكته بهيئة أشباح نور، أي أجسام نورانية بلا أرواح تطوف بعرش الله عزّ شأنه، وكانت الملائكة تنظر إليهم وتسبح الله وتقول: (سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله) دون أن تعرف ما هي هذه الأشباح، وفيما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«ولما أراد الله تبارك وتعالى ابتلاء الملائكة وتعريفهم بهذه الأشباح أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها، وأظلمت

ص: 127


1- سورة النجم، الآيتان: 8 و 9.

السماوات على الملائكة، فضجت الملائكة بالتسبيح والتقديس لله عزّ وجلّ وقالت: إلهنا منذ خلقتنا وعرفتنا هذه الأشباح - أي جعلتنا ننظر إليها - لم نرَّ بأساً، فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنا هذه الظلمة.

فأخرج الله من نور فاطمة قناديل فعلقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات والأرض ثم أشرقت بنورها، فلأجل ذلك سميت فاطمة عليها السلام: (بالزهراء)، فقالت الملائكة لمن هذا النور الزاهر الذي قد أشرقت به السماوات والأرض ؟

فأوحى الله إليها هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي وزوجة وليّي وأخي نبييّ وأبو حججي على عبادي، أشهدكم ملائكتي إني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة»(1).

ولعل البعض يتصور ثقل هذا المعنى: (بجعل ثواب تسبيح الملائكة لفاطمة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة)!؟

ونقول:

1 - إن الله عزّ وجلّ يرزق من يشاء ويهب لمن يشاء بغير حساب.

2 - إن فاطمة عليها الصلاة والسلام هي أعظم عند الله من الملائكة ومن كان عند الله أعظم فعمله الذي يصعد إلى الله أعظم من عمل الملائكة، فعمل فاطمة عليها السلام أفضل عند الله من عمل الملائكة.

3 - إن الله تبارك وتعالى لغني عن تسبيح ملائكته وجميع خلقه، فضلا عن

ص: 128


1- البرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص 392-393؛ البحار للمجلسي: ج 37، ص 82-84؛ تأويل الآيات لشرف الدين الحسيني: ج 1، ص 139؛ غاية المرام لسيد هاشم البحراني: ج 1، ص 43، الباب 2 وج 4، ص 297، الباب 184؛ مصباح الهداية في معرفة الولاية لسيد علي البهبهاني: ص 275؛ مدينة المعاجز لسيد هاشم البحراني: ج 3، ص 223، و 421.

ذلك إنه تعالى جعل ثواب التسبيح ولم يجعل التسبيح وفي هذا القبيل جاءت الأحاديث النبوية كثيرة في حصول ثواب الأعمال.

4 - لأن نور فاطمة أنجى الملائكة من الهلاك ومن الظلام الذي حل بالسماوات والأرض.

5 - إنّ ذكر الأرض هنا جاء إشارة إلى عموم الكون وهو في الوقت نفسه يشير إلى وجود الملائكة في كل ذرة من السماوات والأرض فما خلق الله خلقاً أعظم كثرة من الملائكة، وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام روحي فداه إنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما من شيء خلقه الله أكثر من الملائكة، وإنه ليهبط في كل يوم وفي كل ليلة سبعون ألف ملك، فيأتون البيت الحرام فيطوفون به، ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يأتون أمير المؤمنين فيسلمون عليه، ثم يأتون الحسين فيقيمون عنده، فإذا كان السحر وضع لهم معراج إلى السماء، ثم لا يعودون أبداً»)(1).

فكان جزاء نور فاطمة الذي أنار السماوات والأرض وبدد ظلامها وأزاح يحمومها، أن جعل ثواب تسبيح الملائكة لها.

أما دخول شيعتها ومحبيها في هذه الهبة الإلهية والمنحة الربانية فهو إكراماً لفاطمة عليها السلام، ومن أحب عمل قوم حُشر معهم، ومن أجل عين ألف عين تكرمُ .

فهذا نور فاطمة.. وهذا شبح نورها.. وهذا توسل الملائكة إلى الله بها..

ص: 129


1- البحار: ج 56 ص 175 ج 4 وقوله: (فيأتون الحسين فيقيمون عنده) هو ضريح قبر الحسين صلوات الله عليه في كربلاء، وج 97، ص 117، الباب 2، ح 7؛ تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 206؛ تفسير الصافي للفيض الكاشاني: ج 4، ص 230، وج 6، ص 114.

ص: 130

الفصل الثانى: خلق روح فاطمه عليها السلام و طينتها

اشارة

ص: 131

ص: 132

المبحث الأول: خلق روح فاطمة عليها السلام

اشارة

من الواضح لدى الجميع أن موضوع الروح هو موضوع قد أحيط بغموض تام بل قد أحيط بحواجز لا يمكن تخطيها أو تجاوزها.

الحديث الأول

عن محمد بن سنان، عن المفضل قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:

«إنَّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم، فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم»(1).

ص: 133


1- معاني الأخبار للصدوق: ص 108، ط مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، قم. البحار للمجلسي: ج 26، ص 320، وج 8 ص 308. المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 279، ط انتشارات المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف. الجواهر السنية للعاملي: ص 254، الباب (12)، ط مطبعة النعمان، النجف الأشرف.
الحديث الثاني

أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ : (عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ مُرَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ :

«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا مُحَمَّدُ إِنِّي خَلَقْتُكَ وَعَلِيّاً نُوراً يَعْنِي رُوحاً بِلا بَدَنٍ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَاوَاتِي وَأَرْضِي وَعَرْشِي وَبَحْرِي فَلَمْ تَزَلْ تُهَلِّلُنِي وَتُمَجِّدُنِي ثُمَّ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً فَكَانَتْ تُمَجِّدُنِي وَتُقَدِّسُنِي وَتُهَلِّلُنِي ثُمَّ قَسَمْتُهَا ثِنْتَيْنِ وَقَسَمْتُ الثِّنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَصَارَتْ أَرْبَعَةً مُحَمَّدٌ وَاحِدٌ وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ثِنْتَانِ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورٍ ابْتَدَأَهَا رُوحاً بِلا بَدَنٍ ثُمَّ مَسَحَنَا بِيَمِينِهِ فَأَفْضَى نُورَهُ فِينَا»)(1).

والسبب بسيط جداً وهو عجز الإنسان عن تخطي أول الحواجز الموضوعة حول الروح بكل ما أوتي من قوة، وما أوتي إلا قليلا كما أعلنت الآية، مصرحة بضعف قدرة الإنسان ومعلنة حقيقة رصيده العلمي المعبَّر عنه بأنه (قليل)(2).

وهذا الضعف، وهذه القلة في العلم لم ولن تمكن الإنسان من التقدم ولو خطوة واحدة في الوصول إلى معرفة الروح التي هي جزء من الأمر الإلهي، لأن الآية تشير إلى (من) البعضية، أي: إنّ هذه الروح التي تتحدى عقل الإنسان هي بعض أو جزء من أمر الله عزّ وجلّ ، فكيف بأمره جلت قدرته ؟!

ص: 134


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 1، ص 440؛ الجواهر السنية للحر العاملي: ص 212؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 54، ص 65.
2- والآية هي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلرُّوحِ قُلِ اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً، من سورة الإسراء، آية: 85.
المسألة الأولى: إنّ أرواح محمد وعترته صلى الله عليه وآله وسلم هي أنوارهم

1 - تنص الأحاديث على أن أنوار أهل البيت عليهم السلام التي كانت بهيئة الأشباح وهي في الوقت نفسه أرواحهم لقول الباقر والصادق عليهما السلام:

(وقول الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عزّ وجل:

«إني خلقتك وعلياً نوراً يعني روحاً»).

2 - في حديث خلق الأرواح يقول الإمام الصادق عليه السلام (فغشيها نورهم) و (عرضها على السموات والأرض) وقد مر سابقاً أن الله تعالى عرض هذه الأنوار على السموات والأرض مما يدل على أن أرواحهم هي أنوارهم.

3 - بقيت مسألة وهي قول الباقر عليه السلام في تعريف الأشباح: أبدان نورانية بلا أرواح.

وجوابه:

ألف. إن هذه الأنوار كانت على هيئة أبدان من النور بمعنى أن الله تعالى جعلها بهذه الهيئة، هيئة الأبدان باعتبار أن النور يمكن أن يأخذ أشكالاً محدودة في ذهن السامع تتطابق هذه الأشكال مع ما يراه في الحياة الدنيا، أي لم تكن من صور الخيال الذهني، بل لها واقع محسوس بحاسة البصر ومن ثمّ إمّا أن يأخذ النور شكلاً كرويا فينتشر في جميع الجهات حينما ينبعث مثلاً من المصابيح أو الشمعة وإمّا أن يأخذ شكلاً مستقيما على هيئة العمد حينما ينبعث من مصابيح السيارات أو ما يعرف ب - (الكاشف) أو (لايت) (Light) ، ومن ثمّ لا يهتدي السامع إلى معرفة

ص: 135

الحديث الشريف حينما يتحدث عن أنوارهم.

وعليه: كان الإمام الباقر عليه السلام قد بيّن لجابر الهيئة التي كانت عليها هذه الأنوار.

في الوقت نفسه دلت الأحاديث التي نصت على ذكر الأشباح الدلالة نفسها، أي بيان الهيئة التي كان عليها هذا النور.

باء. حينما اتخذت هذه الأنوار هيئة الأبدان انصرف ذهن السامع إلى دلالة لفظ البدن المتصور في الحياة الدنيا أي بدن الإنسان ومن ثم حينما تكون هذه الأنوار بتلك الهيئة لزم أن يكون لها روح تختلف عن البدن بمعنى: أن تأخذ الدلالة الذهنية نفسها لما يراه الإنسان في الحياة الدنيا من وجود اختلاف بين جنس البدن وجنس الروح.

ولأن هذه الأبدان النورانية والأشباح هي من جنس الأرواح نفسها بل هي عينها كما نصت الأحاديث كان جواب الإمام الباقر عليه السلام لجابر يشير إلى هذا المعنى: أي لا ينصرف ذهنك يا جابر إلى أن هذه الأبدان النورانية لها أرواح مغايرة عن جنسها بل هي نفسها أرواح اتخذت هيئة البدن.

وعليه: يمكن أن تصل إلى أن معنى الأشباح هي أبدان من الروح وأن هذه الروح هي النور.

المسألة الثانية: بث الحياة في السماوات والأرض والجبال

فقد جاء في الحديث: (إن الله عرض أرواحهم عليهم الصلاة والسلام على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم) والهاء في (غشيها) يعود إلى

ص: 136

السماوات والأرض والجبال. والعلة في ذلك هو مد السماوات والأرض والجبال بالحياة! إذ لا يخفى أنَّ الأصل في حياة كل شيء هي الروح، والأجسام الخالية من الروح، أجسام ميتة، أو هي بمنزلة الجماد لكن ليست من الجمادات؛ إذ إنَّ المراد من الجماد هو عدم الحركة ظاهراً وليس خلوه من الحياة كما يشير القرآن الكريم إلى وجود الحياة في الحجارة.

وَ إِنَّ مِنَ اَلْحِجٰارَةِ لَمٰا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ اَلْأَنْهٰارُ(1) .

والماء هو مادة الحياة لقوله تعالى:

وَ جَعَلْنٰا مِنَ اَلْمٰاءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ (2) .

ولذلك: فإن المراد من عرض أرواحهم هو بث الحياة في الجبال والسماوات والأرض.

فهم نواة الحياة في الموجودات أو كما تسمى بالممكنات. قال تعالى:

وَ تَرَى اَلْأَرْضَ هٰامِدَةً فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا اَلْمٰاءَ اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (3) .

وقوله سبحانه وتعالى:

وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنَّكَ تَرَى اَلْأَرْضَ خٰاشِعَةً فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا اَلْمٰاءَ اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ اَلَّذِي أَحْيٰاهٰا لَمُحْيِ اَلْمَوْتىٰ إِنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ(4) .

ص: 137


1- سورة البقرة، آية: 74.
2- سورة الأنبياء، آية: 30.
3- سورة الحج، الآية: 5.
4- سورة فصلت، الآية: 39.

وعليه: فإن أرواحهم جعلها الله تبارك وتعالى الأصل في بث الحياة في السماوات والأرض والجبال:

«والعرض» هو أشبه ما يكون بالنفخ فيها. أو كالماء الذي يعرض على الأرض ليسقيها ويحييها بالزرع.

المسألة الثالثة: فتق السماوات والأرض والجبال بالتسبيح

إنّ عرض أرواح فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام على السماوات والأرض والجبال كان من أجل فتقها بالتسبيح.

فأهل السماوات من الملائكة وأهل الأرض من الجن والإنس والبهائم والدواب والنبات والطير والحشرات وما خلق الله سبحانه في البحار من مخلوقات لا تعد ولا تحصى وكل ذي روح من كبار المخلوقات إلى صغارها كالبكتريا والفيروسات والجينات وما هو أصغر من ذلك وما لم يعلم.

وَ يَخْلُقُ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ (1) .

فجميعها يسبح لله عزّ وجلّ وإن كثيراً منها جعلت آجالها مرهونة بدوام التسبيح فما إن ينقطع تسبيحها يحضر أجلها، قال الله تعالى:

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اَللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ وَ اَلشَّمْسُ وَ اَلْقَمَرُ وَ اَلنُّجُومُ وَ اَلْجِبٰالُ وَ اَلشَّجَرُ وَ اَلدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ اَلنّٰاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ اَلْعَذٰابُ وَ مَنْ يُهِنِ اَللّٰهُ فَمٰا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اَللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ (2) .

فجميع ما خلق الله، جعله الله ينطق بالتسبيح وقد أخذه من محمد وعترته

ص: 138


1- سورة النحل، آية: 8.
2- سورة الحج، آية: 18.

عليهم السلام الطاهرة فهم الذين علموا الخلق الحمد، لأنهم أحمد الخلق للخالق.

فعرض أرواحهم أجمعين كان لتعليم السماوات والأرض والجبال ومن فيهن وكل ما خلق الله التسبيح.

ولقد مرّ في الأحاديث السابقة أن الملائكة لبثت سنين عديدة وهي لا تعلم. التسبيح والتقديس حتى جاء الإذن من الله عزّ وجلّ لها بأخذ التسبيح والتهليل والتحميد والتقديس من محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتعلمه منهم.

قال تعالى:

وَ لَقَدْ آتَيْنٰا دٰاوُدَ مِنّٰا فَضْلاً يٰا جِبٰالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ اَلطَّيْرَ(1) ، إِنّٰا سَخَّرْنَا اَلْجِبٰالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ اَلْإِشْرٰاقِ (2) .

فإذا كان هذا هو حال نبي الله داود عليه السلام فكيف يكون حال سيد الأنبياء والمرسلين وهو أشرف ما خلق الله عزّ وجلّ .

المسألة الرابعة: مد السماوات والأرض والجبال بالطاقة

هذه الحقيقة جاءت من خلال قوله عليه السلام: (فغشيها النور) فإن المراد من (غشي) السماوات والأرض والجبال ب -

«نورهم» عليهم الصلاة والسلام هو: مد القوة في السماوات والأرض والجبال، والنور هو كناية عن الطاقة المحركة لما في السماوات والأرض والجبال.

ص: 139


1- سورة سبأ، آية 10.
2- سورة ص، آية: 18.

أما السماوات فالمراد منه: المجرات النجمية بما تحتويه من مجموعات كوكبية، فالنجوم والسُدم، والبُلسارات، والنجوم المزدوجة، والنجوم النابضة، والعناقيد النجمية، والقوى الجاذبية وغيرها من التسميات الفلكية والظواهر الكونية فالأصل في حركتها وأخذ الطاقة في هذه الحركة جعله الله عزّ وجلّ من نور فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم من خلال غشيها بنور العترة عليهم السلام.

وأما الأرض: فكان الأصل في حركتها وجريانها ودورانها، هو النور المحمدي.

وأما الجبال فما كان فيها من قوى مكنونة ومخزونة في معادنها كل مصدره النور وهو الأصل في حركة الجبال، قال تعالى:

وَ تَرَى اَلْجِبٰالَ تَحْسَبُهٰا جٰامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ اَلسَّحٰابِ (1) .

المسألة الخامسة: ظهور مصداق اسم الله تعالى (الجليل) في السموات والأرض

قد مر سابقاً أن الله عزّ وجلّ خلق نور فاطمة عليها الصلاة والسلام من نور جلالته عزّ شأنه، والحديث يشير في قوله:

«فغشيها نورهم»، أي السماوات والأرض والجبال، وهذا يعني أن كل شيء خلقه الله عزّ وجلّ تجد فيه قبساً من نور فاطمة وروحها؛ لأنها خُلقت من نور جلاله تعالى. وبهذا النور يظهر مصداق اسمه تعالى (الجليل).

ص: 140


1- سورة النحل، آية: 88.
المسألة السادسة: إنّ الله تعالى خلق فاطمة عليها السلام من نور ابتدأها روحاً بلا بدن

تناولنا في المسألة الأولى بيان حقيقة سنخية أنوار محمد وأهل بيته عليهم السلام مع أرواحهم، بمعنى أن الله تعالى حينما خلق أنوارهم كانت هي أرواحهم عليهم السلام بدلالة الحديث الثاني الذي أخرجه الشيخ الكليني رضي الله عنه عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«قال الله تبارك وتعالى يا محمد إني خلقتك وعلياً نوراً يعني روحاً بلا بدن».

وغيرها من الأحاديث التي مرت الإشارة إليها في المسألة الأولى من المبحث.

إلا أن الحقيقة الجديدة التي يظهرها الحديث الشريف هي:

1 - إن هذه الأرواح كانت بلا أبدان والحكمة في ذلك هي أن الله تعالى شاء أن تكون الأرواح من لواحق الأبدان وخواصها، ومن ثم حينما يكون هناك خلق للروح لزم أن يكون هناك بدن تحل فيه، هكذا يفهم من ظاهر الرواية الشريفة.

2 - ولأن هذه الأرواح هي من النور فلذا لا لزومية لوجود الأبدان وذلك لسببين:

ألف: لأنها، أي الأبدان، من مقتضيات الحياة الدنيا، وأن هذه الأرواح هي في السماء وفي عالم الأمر.

باء: أو لاختلافها في أهل البيت عليهم السلام؛ إذ إن الله تعالى جعل أرواحهم هي أنوارهم.

3 - إن الله سبحانه وتعالى اختص روح فاطمة عليها الصلاة والسلام في

ص: 141

خلقها بخاصية منفردة وهي أنه عزّ شأنه خلقها من نور مستقل من ذلك النور الأول الذي خلق الله منه أرواح محمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام.

والذي أفهمه من الحديث أن العلة في هذا التغاير هو لوجود سر الحياة فيه أي الشفع والوتر، والذكر والأنثى.

بمعنى آخر:

إن المخلوقات الأنثوية التي جعلها الله تعالى في الحياة الدنيا تحتاج إلى روح ونور، وطاقة تختلف عما تحتاج المخلوقات الذكورية، أي إن عنصرَيْ الحياة وهما الذكورية والأنثوية وقطبَي الدورة الحياتية على الأرض تقتضي المغايرة.

فكل شيء قائم في الحياة الدنيا على هذين العنصرين ولولاهما لما كانت هناك دورات حياتية على الأرض في كل ما احتوته من كائنات حية.

حتى إننا نلمس ذلك التجلي للنور الذي خلق الله تعالى منه فاطمة عليها السلام في السماء وعلى المخلوقات من خلال اسم الزهراء عليها السلام.

أي ظهور اللون الزهري الذي يرمز به عادة للأنوثة للدلالة على وجود قطبي الحياة على الأرض وفي السموات حتى اتصافها بالأنثوية عاد إلى نور فاطمة الزهراء عليها السلام، فهذه السموات ولا يقال هذا السموات وهكذا.

وإلا فهم في الحقيقة - وكما مرّ سابقاً - قد خلقهم الله تعالى من نوره ولا اختلاف في نوره سبحانه ولا تنافر وإنما كانوا مظاهر لتجلي بعض صفات الله تعالى في الخلق حتى ورد في الأحاديث الشريفة، عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:

ص: 142

«نحن الأسماء الحسنى الذي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا»(1).

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال:

«نحن الاسم المخزون المكنون، نحن الأسماء الحسنى التي إذا سئل الله تعالى بها أجاب، نحن الأسماء المكتوبة على العرش ولأجلنا خلق الله عز وجل السماء، والأرض والعرش والكرسي والجنة والنار، ومنا تعلمت الملائكة التسبيح والتقديس..»(2).

إذن: الحكمة في تفرد خلق روح فاطمة عليها السلام من نور آخر غير الذي خلق الله تعالى منه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً عليه السلام هو لخلق قطبي الحياة وعنصري الوجود وهو الذي يرمز لها بالشفع والوتر.

والوتر أشرف عند الله تعالى من الشفع كتشريف محمد صلى الله عليه وآله وسلم على جميع خلقه وكتشريف لفظ الجلالة على بقية الأسماء الحسنى وكل أسمائه عزّ شأنه شريفة.

المسألة السابعة: مراحل خلق أنوار محمد وعترته والحكمة في تعدد هذه المراحل
اشارة

إنّ مما اختزنه الحديث الثاني الذي أوردناه في المبحث هو إظهار الإمام الصادق عليه السلام حقيقة أخرى تتعلق بشأنية محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته أهل بيته عليهم السلام عند الله وبيان سمو هذه الشأنية والمقامية لديه عزّ اسمه وجلت قدرته.

ص: 143


1- المحتضر للحسن بن سليمان الحلي: ص 288.
2- مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني: ج 1، ص 556؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 25، ص 5.

فكانت هذه الحقيقة هي بيان مراحل خلق أنوارهم عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام مع بيان للحكمة في هذه المراحل من الخلق والنشأة لأنوارهم أي أرواحهم كما نص عليه الحديث الشريف، وهي كالآتي:

أولاً: الابتداء بخلق نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام فكانت روحاهما أول ما خلقه تعالى

يشير الحديث الشريف بوضوح تام إلى أن أول ما خلق الله تعالى كان روح محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم نور علي بن أبي طالب عليه السلام وإن روحيهما لم تزل تهلل الله وتمجده ما شاء الله من الزمن.

والحكمة في هذا البدء هو لأن الله تعالى جعل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً عليه السلام فاتحة الخير والرحمة، فالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو المنذر لجميع الأمم التي خلقها الله تعالى بلحاظ مقام السيّدية التي لديه على الأنبياء عليهم السلام الذين هم نذرٌ لقومهم، وإن علياً عليه السلام كان الهادي لهذه الأمم من خلال مقام الوصاية التي لازمت مقام النبوة منذ الخلق الأول لهما إلى ظهورهما أشباحاً في ظهر آدم إلى نزولهما في عالم الدنيا فكان المصطفى نبيا ورسولا وكان علي وصيا للنبي وخليفة وهما يدعوان إلى طاعة الله وتوحيده من خلال مقام النبوة ومقام الإمامة والولاية قال تعالى في محكم كتابه الكريم:

إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ(1) .

ص: 144


1- سورة الرعد، الآية: 7.

وقد روى الشيخ الصدوق في أماليه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه (قال:

«ما نزلت من القرآن آية إلا وقد علمت أين نزلت، وفيمن نزلت، وفي أي شيء نزلت، وفي أي سهل نزلت، أو في جبل نزلت».

قيل: فما نزل فيك ؟ فقال:

«لولا أنكم سألتموني ما أخبرتكم، نزلت فيّ هذه الآية:

إنما أنت منذر و لكل قوم هاد.

فرسول الله المنذر وأنا الهادي إلى ما جاء به»)(1).

وقد مرّ سابقا من خلال المباحث أنّ الأنبياء عليهم السلام كلهم كانوا مسلمين وأنه صلى الله عليه وآله وسلم الشاهد عليهم، قال تعالى:

فَكَيْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنٰا بِكَ عَلىٰ هٰؤُلاٰءِ شَهِيداً(2) .

فكانت هذه هي المرحلة الأولى من خلق نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه علي عليه السلام.

ثانيا: الحكمة في جمع روحي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام في المرحلة الثانية من خلق أنوارهم فكانت روحاً واحدة
اشارة

يشير الحديث الشريف أيضا إلى المرحلة الثانية من مراحل خلق أنوار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته أهل بيته عليهم السلام وهي خاصة أيضاً، أي

ص: 145


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 350.
2- سورة النساء، الآية: 41.

هذه المرحلة بنور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونور وصيه فيقول الإمام الصادق عليه السلام عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تعالى:

«ثم جمعت روحيكما فجعلتها واحدة».

وهذه المرحلة من الخلق قد نص عليها القرآن الكريم في آية المباهلة في قوله تعالى:

فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ (1) .

فكان علي عليه السلام نفس النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أي إن روحيهما واحدة لكن مقاماتهما مختلفة فالمصطفى في مقام النبوة والرسالة وبه ختم الله هذا المقام وكان علي عليه السلام في مقام الوصاية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. تقول سيدة النساء فاطمة عليها السلام في بيان مقام أبيها:

«اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بما يلي الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور ابتعثه الله إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه»(2).

أما الحكمة في هذا الجمع - كما يبدو لي - فهو في أمور منها:

ألف: إن شأنية النبي والوصي من شأنية شريعة الله تعالى

من البديهي أن كل هذه الشأنية والتكريم إنما هو رعاية لشرع الله تعالى وإن

ص: 146


1- سورة آل عمران، الآية: 61.
2- الاحتجاج للطبرسي: خطبة الزهراء عليها السلام، ج 1، ص 133.

شأنية محمد ووصيه إنما جاءت من نفس شأنية شريعة الله تعالى ومقامها ولذا قال عزّ وجل:

وَ مَنْ يُطِعِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فٰازَ فَوْزاً عَظِيماً(1) .

وقال سبحانه وتعالى:

وَ مَنْ يُطِعِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اَللّٰهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْفٰائِزُونَ (2) .

ومن ثمّ كان وجودهما هو عين وجود شريعة الله تعالى في خلقه وهذا يلزم أن يكون هناك جمع لروحيهما، وذلك لأن مقام الوصي في بيان شريعة الله تعالى هو نفس مقام بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشريعة الله تعالى، ولذا فطاعتهما واحدة وهي طاعة الله ومعصيتهما واحدة وهي معصية الله وبها تكون مخالفة شريعة الله تعالى.

ومن هنا يظهر خطر ادعاء الحكام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمقام الخلافة القرآنية بدون تعيين واختيار من الله سبحانه ومنها ظهرت الفتن وتمخضت البدع، وانتهكت حدود الله تعالى.

باء: إن جمع روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم والوصي كان لوحدة التلقي

أول مظهر من مظاهر الحكمة في جمع الله تعالى لروح النبي صلى الله عليه وآله وسلم والوصي عليه السلام هو وحدة التلقي لنزول الفيض، بمعنى: أن نزول الحكم الشرعي على قلب النبي والوصي مصدره واحد إلا أن الاختلاف يكمن في

ص: 147


1- سورة الأحزاب، الآية: 71.
2- سورة النور، الآية: 52.

أن ما يتلقاه النبي يكون وحياً وأن الوصي لا يوحى إليه وإنما يأتيه هذا الفيض من قلب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه روحهما واحدة ومما يدل عليه، قول أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام:

«ولقد كنت أتبعه إتباع الفيصل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله سلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة.

ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت يا رسول الله، ما هذه الرنّة، فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، أنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير، وأنك لعلى خير»(1).

ثالثا: إنّ الله تعالى خلق روح الحسن والحسين من روح النبي والوصي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

يمضي الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام في بيانه لحقائق خلق محمد وعترته أهل بيته عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام فيبين لنا المرحلة الثالثة من مراحل خلق أنوارهم، يعني أرواحهم، فبعد أن جمع الله تعالى روح النبي والوصي فجعلهما واحدة فكانت تمجد الله وتقدسه وتهلله.

ثم تكون المرحلة الجديدة: وهي تقسيم هذه الروح إلى ثنتين ولم يشِر الحديث إلى الحقبة الزمنية بعد هذا التقسيم بمعنى انتقالها إلى مرحلة جديدة وهي تقسيم الثنتين

ص: 148


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 13، ص 198؛ الطرائف للسيد ابن طاووس: ص 415؛ البحار للمجلسي: ج 14، ص 476.

إلى ثنتين أخريين فصارت هذه الروح أربعة، محمد واحد، وعلي واحد، والحسن والحسين اثنان.

وهذا يدل على أن الله تعالى جمع في الحسن والحسين روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم والوصي، والحكمة في هذا الجمع فضلاً عما تقدم من اختصاصهما بمقام الوصاية فهم أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ظهور هذا الجمع أي عودة هذه الروح إلى ما كانت عليه في بدو خلقها في الوصي الأخير للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف فبه يظهر الله شريعته على الدين كله قال تعالى:

هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدىٰ وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ (1) .

فبالقائم عجل الله تعالى فرجه الشريف من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يظهر الله الإسلام على جميع الشرائع حتى يسود الأرض ويكون الدين الوحيد.

ص: 149


1- سورة الصف، الآية: 9.

المبحث الثاني: خَلق طينة فاطمة عليها السلام

اشارة

في هذا المبحث نورد بعض ما وفقنا الله إليه في ذكر أحاديث تُخبر عن أصل الطينة الطاهرة المباركة التي خلقت منها الصديقة الكبرى أم الأئمة فاطمة صلوات الله عليها.

إلا أنني لم أوفق إلى حديث مستقل بطينة البضعة النبوية، فقد جاءت الروايات الشريفة تتحدث عن النبي وعترته عليهم السلام بشكل عام، على عكس ما كان في باب نور فاطمة صلوات الله عليها، فقد جاءت الأحاديث تتحدث عن نورها بشكل خاص، والعلة في ذلك هي لوجود خصائص كثيرة في النور الإلهي الفاطمي؛ منها ما كشف عنه، ومنها ما لم يكشف بعد، ولم يظهره أحد من العترة المحمدية، لأنه من الأسرار الإلهية التي حجب عنها الخلق فلا سبيل إلى معرفتها أو الإحاطة بها.

أما الغرض من ذكر أحاديث الطينة التي خلقت منها فاطمة عليها السلام، فهي من أجل معرفة بعض الحقائق عن البضعة النبوية صلوات الله عليها.

ص: 150

لأن بالمعرفة يتحقق القرب، ومن القرب يتحقق الحب، ومن الحب يتحقق الفوز برضى الله ورضى رسوله ورضى فاطمة التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، فطوبى لمن حاز رضى فاطمة عليها السلام، والويل لمن ائتزر بغضب فاطمة عليها السلام.

المسألة الأولى: حقيقة أبدان العترة النبوية عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام وهل هذه الحقيقة تتعارض مع المثلية التي نص عليها القرآن

إن هذه الأحاديث الشريفة تكشف عن حقيقة أبدان العترة الطاهرة، فهي ليست كأبدان الآدميين، وهي حقيقة لم تختص بالمدرسة الإمامية وإنما تناولها أئمة مدرسة السنة والجماعة في كتبهم في حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني لست كهيئتكم»(1).

وإن الاختلاف بين هيئة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أي بدنه الشريف وبين أبداننا يعود إلى الطينة التي خلق منها محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرة فهي غير الطينة التي خلق منها بنو آدم، فطينة النبي وعترته عليهم السلام كانت من السماء وطينة جميع الناس من الأرض.

ص: 151


1- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصوم، باب الوصال: برقم (1836)، وج 2، ص 242، ط دار الفكر؛ وأخرجه مسلم في الصحيح: كتاب الصوم باب النهي عن الوصال، برقم (1105)، وج 3، ص 134، ط دار الفكر، بيروت؛ وسوف نورد المزيد من مصادره في باب: خلقها من ثمار الجنة؛ المجموع للنوري: ج 6، ص 356؛ كتاب الموطأ لمالك: ج 1، ص 300؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 64، ص 252؛ مسند احمد بن حنبل: ج 2، ص 128.

وشتان بين عالم السماء الذي يسمى بعالم الأمر وبين عالم الخلق وهو الأرض، فكل عالم له خصائصه وأحواله التي تختلف كلياً عن العالم الآخر.

فعالم الأمر لا كثافة لمادته التي تتكون منها الأشياء؛ وفي نشوئها لا تحتاج إلى مدة زمنية؛ لأنها تظهر بأمر الله عزّ وجلّ ، أمّا عالم الخلق والجسمانيات فالأشياء فيه لا تتكون إلاّ من مادة ولا تستغني عن الزمن، والإنسان جمع الله فيه عالم الأمر وعالم الخلق، فالروح من عالم الأمر والجسد من عالم الخلق فالروح لا تتدرج في النمو إنما الذي ينمو هو البدن وهو الذي يتدرج.

وعالم الروح طاهر نوراني وعالم البدن مركب ظلماني، والروح باقية، والبدن فانٍ والمتوفى الذي حضر أجله لا تموت فيه الروح إنما في الحقيقة الذي يموت هو البدن لخروج الروح منه. وهذا يعني أن الأشياء التي مصدرها عالم الأمر كالروح فهي باقية حيّة وتبعث الحياة في الأجسام التي خلقت من عالم الخلق وما الحياة في عالم الخلق إلاّ لحلول جزء من عالم الأمر فيها وهي الأرواح فإذا تركت الروح الجسد عاد الجسد إلى عالمه الذي خلق منه وأخذ حالته وصفته وطبعه الذي جعله الله فيه؛ ومن طباع عالم الخلق الفناء والاضمحلال والزوال.

ومن هنا: نجد أن نبي الله الخضر عليه السلام كان إذا جلس على جذع يابس اخضر وإذا مشى على الأرض الميتة اخضرت، ولهذا سمي (بالخضر)، والسر في ذلك وعلته، إنه عليه السلام شرب من ماء الحياة، وماء الحياة هو ماء من عالم الأمر الذي تكون الأشياء فيه باقية حية وتبعث الحياة في الأجسام الميتة بإذن الله تعالى، وهي حقيقة نص عليها القرآن في قوله تعالى:

ص: 152

وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِفَتٰاهُ لاٰ أَبْرَحُ حَتّٰى أَبْلُغَ مَجْمَعَ اَلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً فَلَمّٰا بَلَغٰا مَجْمَعَ بَيْنِهِمٰا نَسِيٰا حُوتَهُمٰا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي اَلْبَحْرِ سَرَباً فَلَمّٰا جٰاوَزٰا قٰالَ لِفَتٰاهُ آتِنٰا غَدٰاءَنٰا لَقَدْ لَقِينٰا مِنْ سَفَرِنٰا هٰذٰا نَصَباً قٰالَ أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنٰا إِلَى اَلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ اَلْحُوتَ وَ مٰا أَنْسٰانِيهُ إِلاَّ اَلشَّيْطٰانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَ اِتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي اَلْبَحْرِ عَجَباً(1) .

وسبب تعجب وصي موسى عليه السلام هو عودة الحياة للسمكة المجففة اليابسة حينما لامست ماء الحياة فأخذت تجري فيها.

وهكذا هي الأجسام التي خلقت من عالم الملك فإنها إذا اتصلت بشيء من عالم الأمر عالم السماء ظهرت فيها الحياة بإذن الله، وإذا فارقتها ماتت وفنيت؛ لأنها تخضع لقانون وحالة من حالات عالم الخلق.

فحقيقة الموت هو إرجاع كل جزء إلى عالمه فالروح تعود إلى عالمها الذي خلقت منه وهو عالم الأمر بعد مراحل تمر بها وهي القبر ثم البرزخ ثم المحشر ثم الحساب ثم إما إلى النار - والعياذ بالله - وإما إلى الجنة حيث تنقاد هذه الروح إلى قوانين ذلك العالم وطبيعته ومنها البقاء والخلود، أما الجسد فيعود إلى عالمه فتنحل مادته وتنصهر خلاياه وهو آخر أمره.

أما قبل هذه المرحلة فإن الأجسام بعد تحلل مادتها تعاد مرّة أخرى كما ينصهر الذهب، ويعاد شكله من صورة إلى أخرى فقد تعود بعض ذرات هذه الثمرة إلى ذلك البدن الإنساني أو الحيواني، بعد أن يمزج الجميع في التربة، أما عند

ص: 153


1- سورة الكهف، الآيات: 60 و 61 و 62 و 63.

يوم البعث فإن الأجساد تعود إلى نواتها فتتجمع الذرات حول نواة الأجسام وتعاد إلى هيئاتها وصورها التي خلقها الله تعالى شأنه.

ويتعارف الناس بصورهم وهيئاتهم التي خلقوا عليها باستثناء العلل التي كانت في هذه الأبدان في الحياة الدنيا؛ إذ يتخلص البدن من جميع عيوبه وعلله في يوم البعث من القبور، يوم النشر والحشر.

ومن هنا:

فإن بدن النبي الأعظم والإمام علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين صلوات الله عليهم أجمعين تختلف عن أبدان الخلق أجمعين؛ لأن الطينة المقدسة التي خلقوا منها هي من عالم الأمر والسماء، من عالم النور، فهي بذلك طاهرة لطيفة لا كثافة فيها مع أن الأبصار تدركها والحواس تحسها.

بمعنى آخر:

أن الله تبارك وتعالى جمع في بدن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم المثلية البشرية كما نص عليها قوله تعالى:

قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (1) .

فهو يأكل مما يأكله البشر ويتزوج كما يتزوجون وله ولد كما لهم وإنه ولد من أبوين وغيرها من المظاهر والأفعال البشرية التي تنزهه عن الغلو وتجعله في مصاف البشرية الآدمية.

ص: 154


1- سورة الكهف، الآية: 110.

إلا أن هذه المثلية التي نص عليها القرآن قد جمع الله معها آثار النور والروح والطينة التي خلق منها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والتي أشارت الأحاديث الشريفة إلى مواضعها من السماء.

فكان للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من الخصائص النبوية التي تفرد بها عن أنبياء الله مع ما له من المثلية البشرية التي جاء بها القرآن الكريم، وهذه الخصائص النبوية هي كالآتي:

1 - لا يقع على بدن النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ولا على ثيابه الذباب والبعوض(1).

2 - لا يشم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم رائحة كريهة(2).

3 - لا يصيبه حر ولا برد(3).

4 - إن النبي الأكرم يكون طاهر الحدثين، يعني طاهر البول والغائط(4).

5 - إن دمه صلى الله عليه وآله وسلم طاهر(5).

6 - إن جسد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا تأكله الأرض فهو لا يبلى(6).

ص: 155


1- الخصائص النبوية للقسطلاني: ص 85؛ تاريخ الخميس للدياربكري: ج 1، ص 219؛ الشفا للقاضي عياض: ج 1، ص 368.
2- المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 108؛ البحار للمجلسي: ج 16، ص 176.
3- سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسيد العلامة الطباطبائي: ص 403.
4- الشفا بحقوق المصطفى للقاضي عياض: ج 1، ص 63.
5- طهارة آل محمد للسيد علي عاشور: ص 210.
6- سنن النبي للعلامة الطباطبائي: ص 86؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 4،

7 - لا يرى ما يخرج منه عند الاختلاء فالأرض تبتلع ما يخرج منه(1).

8 - لا تصيبه الجنابة من الاحتلام فالشيطان لا يقربه، ولذا فهو لم يحتلم قط(2).

9 - ليس للنبي الأكرم ظل، أي إذا وقف في الشمس أو في أي ضوء فلا يرى له ظل(3).

10 - إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يسمع في منامه كما يسمع في انتباهه(4).

11 - لا ينتقض وضوؤه بالنوم(5).

12 - إن العود اليابس يخضر في يديه صلى الله عليه وآله وسلم(6).

13 - ولد مختونا مقطوع السرة(7).

14 - خرج يوم ولدته آمنة ولم يكن به قذر(8).

ص: 156


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، ص 171؛ الفضائل لابن شاذان القمي: ص 29؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 8، ص 21؛ الصفا بحقوق المصطفى للقاضي عياض: ج 1، ص 63؛ أخبار اصبهان للحافظ الاصبهاني: ج 1، ص 211.
2- الخرائج والجرائح للراوندي: ج 2، ص 571.
3- امتاع الأسماء للمقريزي: ج 10، ص 308؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي: ج 2، ص 90.
4- سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للطباطبائي: ص 408.
5- السنن الكبرى للبيهقي: ج 1، ص 202.
6- مصباح الكفعمي: ص 733.
7- الخصائص النبوية للقسطلاني: ص 85.
8- المصدر السابق.

15 - كان صلى الله عليه وآله وسلم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء(1).

16 - غوص قدميه في الصخر إذا مشى(2).

17 - إنه حي في قبره ويصلي(3).

18 - إن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى من وراء ظهره كما يرى من أمامه، وقد تناقلت هذه الحقيقة صحاح أهل السنة والجماعة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني لأراكم من وراء ظهري»(4).

وغيرها من الخصائص النبوية التي تفرد بها صلى الله عليه وآله وسلم وهي خلاف ما عليه البشر وتتقاطع مع المثلية معهم.

إذن:

تنص الآية المباركة (قل إنما أنا بشر مثلكم) على أن هذه المثلية البشرية مقيدة بقيود، هذه القيود حددت من اطلاق المثلية التي نصت عليها الآية وقد تمثلت بتلك الخصائص التي ليس لبشر أن حظي بها سوى عترته أهل بيته الذين خلقهم الله تعالى من نوره ونور حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وأن طينتهم واحدة كما نصت عليها الأحاديث الشريفة.

ص: 157


1- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني: ج 5، ص 254؛ الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض: ج 1، ص 68.
2- الخصائص النبوية للقسطلاني: ص 90.
3- الخصائص النبوية للقسطلاني: ص 189.
4- صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب: فضل استقبال القبلة: ج 1، ص 108؛ مسند أحمد: ج 2، ص 303، من رواية أبي هريرة.

وعليه:

فإن بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبدن فاطمة، وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين من طينة واحدة، ولذا كان بيت فاطمة وعلي عليهما السلام في مسجد رسول الله يحل لهما فيه ما يحل لرسول الله.

المسألة الثانية: أحاديث الطينة التي خلق منها محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
أولا: (إنها من جنة الفردوس)

عن عبيد الله بن يحيى، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن جده الحسن بن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد وألين من الزبدة، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينة خلقنا الله عزّ وجلّ منها وخلق شيعتنا منها، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منّا ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الذي أخذ الله عزّ وجلّ عليه ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام»(1).

ثانيا: (إن هذه الطينة من عليين)

1 - محمد بن عيسى بن أبي الحجاج قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام:

ص: 158


1- الأمالي للطوسي: ص 308، ح 67/620؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 42، ص 65؛ بشارة المصطفى للطبري: ص 318، ح 32.

«يا أبا الحجاج إن الله خلق محمداً وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من طينة عليين، وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك، وخلق شيعتنا من طينة دون ذلك، وخلق قلوبهم من طينة عليين، فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد»(1).

2 - قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام:

«خلقنا من عليين، وخلق أرواحنا من فوق ذلك، وخلق أرواح شيعتنا من عليين وخلق أجسامهم من دون ذلك، فمن أجل القرابة التي بيننا وبينهم قلوبهم تحن إلينا»(2).

قال العلامة المجلسي رحمهُ الله: الحنين: شوق وتوقان النفس، نقول منه الله حنّ إليه يحن حنيناً فهو حان.

3 - عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«إنّ الله خلقنا من أعلى عليين، وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم ممن دون ذلك فقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا، ثم تلا هذه الآية:

كلا إن كتاب الأبرار لفى عليين(3)»(4).

4 - عن جابر بن عبد الله الجعفي قال: (كنت مع محمد بن علي عليهما السلام، فقال عليه السلام:

ص: 159


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 34؛ البحار للمجلسي: ج 25، ص 8، ح 12؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 6، ص 623.
2- بصائر الدرجات للصفار: ج 1، ص 19، وص 40، ح 10؛ الكافي للكليني: ج 1، ص 389، ح 1؛ علل الشرايع للصدوق: ج 1، ص 117، ح 15؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 58، ص 44، ح 21.
3- سورة المطففين، الآية: 18.
4- بصائر الدرجات للصفار: ص 35.

«يا جابر خلقنا نحن ومحبينا من طينة واحدة بيضاء نقية من أعلى عليين فخلقنا نحن من أعلاها وخلق محبونا من دونها فإذا كان يوم القيامة التفّت العليا بالسفلى وإذا كان يوم القيامة ضربنا بأيدينا إلى حجزة نبينا وضرب أشياعنا بأيديهم إلى حجزتنا، فأين ترى يصيّر الله نبيه وذريته، وأين ترى يصيّر ذريته محبيهم».

فضرب جابر يده على يده فقال: دخلناها ورب الكعبة، ثلاثاً)(1).

5 - عن الصادق عليه السلام قال:

«إنّ الله عزّ وجل خلقنا من عليين، وخلق محبينا من دون ما خلقنا منه، وخلق عدونا من سجين وخلق محبيهم مما خلقهم منه فلذلك يهوي كل إلى كل»(2).

6 - عن فصيل بن الزبير عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«أما علمت أن رسول الله قال: إنّا أهل بيت خلقنا من عليين وخلق قلوبنا من الذي خلقنا منه وخلق شيعتنا من أسفل من ذلك وخلق قلوب شيعتنا منه، وإن عدونا خلقوا من سجين وخلق قلوبهم من الذي خلقوا منه، وخلق شيعتهم من أسفل من ذلك وخلق قلوب شيعتهم مما خلقوا منه فهل يستطيع أحد من أهل عليين أن يكون من أهل سجين، وهل يستطيع أهل سجين أن يكونوا من أهل عليين»(3).

ص: 160


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 36.
2- بصائر الدرجات للصفار: ص 36 و 37.
3- بصائر الدرجات للصفار: ص 38.
ثالثا: (إنها من طينة تحت العرش)

1 - ابن عيسى عن ابن محبوب عن بشر بن أبي عقبة، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال:

«إن الله خلق محمداً من طينة من جوهرة تحت العرش، وإنه كان لطينته نضح فجبل طينة أمير المؤمنين من نضح طينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لطينة أمير المؤمنين عليه السلام نضح فجبل طينتنا من نضح طينة أمير المؤمنين عليه السلام وكان لطينتنا نضح فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا، فقلوبهم تحن إلينا وقلوبنا تعطف عليهم، تعطّف الوالد على الولد، ونحن خير لهم، وهم خير لنا، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير لنا، ونحن له خير»(1).

2 - عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

«إنّ الله عزّ وجل خلق محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وعترته من طينة العرش، فلا ينقص منهم واحد، ولا يزيد منهم واحد»(2).

3 - عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول:

«خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه فكنا خلقاً نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيباً وخلق أرواح شيعتنا من أبداننا، وأبدانهم من طينة مخزونة

ص: 161


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 34؛ البحار للمجلسي: ج 15 ص 12؛ مستدرك علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي: ج 2، ص 27، ح 2097.
2- بصائر الدرجات للصفار: ص 38.

مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل ذلك الذي خلقهم منه نصيباً إلا الأنبياء والمرسلين، فلذلك صرنا نحن وهم الناس، وصار سائر الناس همجاً في النار وإلى النار»(1).

رابعا: (إنها من طينة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم)

عن وهب بن منبه، وابن عباس إنهما قالا: لما أراد الله أن يخلق محمداً قال لملائكته: إني أريد أن أخلق خلقاً أفضله وأشرفه على الخلائق أجمعين، وأجعله سيد الأولين والآخرين وأشفعه فيهم يوم الدين، فلولاه ما زخرفت الجنان، ولا سعرت النيران، فاعرفوا محله وأكرموه لكرامتي، وعظموه لعظمتي فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا وما اعتراض العبيد على مولاهم سمعنا وأطعنا، فعند ذلك أمر الله تعالى جبرائيل وملائكة الصفيح الأعلى وحملة العرش فقبضوا تربة رسول الله من موضع ضريحه وقضى أن يخلقه من التراب ويميته في التراب ويحشره على التراب فقبضوا من تربة نفسه الطاهرة قبضة طاهرة لم يمشِ عليها قدم مشت إلى المعاصي فعرج بها الأمين جبرائيل فغسلها في عين السلسبيل حتى نقيت كالدرة البيضاء فكانت تغمس في كل يوم في نهر من أنهار الجنة، وتعرض على الملائكة فتشرق أنوارها فتستقبلها الملائكة بالتحية والإكرام، وكان يطوف بها جبرائيل في صفوف الملائكة فإذا نظروا إليها قالوا: إلهنا إن أمرتنا بالسجود سجدنا، فقد اعترفت الملائكة بفضله وشرفه قبل خلق آدم عليه السلام(2).

ص: 162


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 389؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 4، ص 414؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 283.
2- البحار للعلامة المجلسي (قدس سره): ج 15 ص 26-27، نقلاً عن كتاب الأنوار لأبي الحسن البكري، ( وهو مخطوط لم أوفق في العثور عليه، لكن عثرت على الحديث بشكل مختصر في (مخطوط): (جلاء الأبصار والبصائر لابن قضيب البان)، باب: مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أعقبه المصنف بقوله: أورده أبو نصر فتح بن موسى بن حماد المغربي في كتابه: (الوصول إلى السؤول في مولد الرسول) ناقلاً إياه من كتاب شفاء الصدور لابن سبع والمخطوط يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم (12529).
خامسا: أن هذه الطينة مأخوذة من الجنة والأرض

عن علي بن عطية الزيات يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال، (قال علي بن أبي طالب عليه السلام:

«إنّ لله نهراً دون عرشه، ودون النهر الذي دون عرشه نور من نوره وإن في حافتي النهر روحين مخلوقين، روح القدس وروح من أمره، وأن لله عشر طينات، خمس من نفح الجنة وخمسة من الأرض، وفسر الجنان وفسر الأرض، ثم قال: ما من نبي ولا من ملك من بعد جبله إلا نفخ فيه من الروحين وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من إحدى الطينتين».

قلت لأبي الحسن عليه السلام: ما الجبل ؟،

قال:

«الخلق غيرنا أهل البيت، فإن الله خلقنا من العشر الطينات جميعاً، ونفخ فينا من الروحين جميعا فأطيبهما طيباً».

وروى غيره، عن أبي الصامت قال: طين الجنان جنة عدن وجنة المأوى وجنة النعيم والفردوس والخلد وطين الأرض مكة والمدينة والكوفة وبيت المقدس والحائر).

وهذه الأحاديث تضمنت مسائل عديدة وهي كالآتي:

ص: 163

المسألة الثالثة: (إن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وعترته خلقوا من طينة واحدة)

قد تبين لنا من خلال هذه الروايات أن الطينة التي خلقت منها البضعة الطاهرة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء البتول صلوات الله عليها هي نفس الطينة التي خلق الله منها حبيبه الأكرم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وهي نفسها التي خلق منها الإمام علي بن أبي طالب والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين سواء كانت هذه الطينة التي خلقوا منها من جنة الفردوس، أو عليين، أو من العرش، أو من ضريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومما يدل عليه أيضاً:

1 - عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام:

ألا أبشرك يا علي قال: بلى بأبي وأمي يا رسول الله، قال: أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين خلقنا من طينة واحدة وفضلت منها فضلة فجعل منها شيعتنا ومحبينا، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أمهاتهم ما خلا نحن وشيعتنا ومحبينا فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم(1).

2 - روى ابن قولويه رضي الله عنه عن الإمام الصادق عليه السلام في زيارة أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال:

«.... أشهد أنكم كلمة التقوى، وباب الهدى، والعروة الوثقى، والحجة البالغة على من فيها ومن تحت الثرى، وأشهد أن أرواحكم وطينتكم من طينة

ص: 164


1- بحار الأنوار: ج 7، ص 240-241؛ وقريب من هذا اللفظ تجده في: شرح الأخبار للمغربي: ج 3، ص 495؛ الارشاد للمفيد: ج 1، ص 445؛ الأمالي للطوسي: ص 79.

واحدة، طابت وطهرت من نور الله، ومن نور رحمته»(1).

3 - روى رحمه الله عن زيد الشحام، قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيهما أفضل الحسن أو الحسين ؟، قال:

«إن فضل أولنا يلحق فضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق فضل أولنا، فكل له فضل».

قال: قلت له: جعلت فداك وسع عليّ في الجواب، فإني والله ما أسألك إلا مرتاداً(2)؟ فقال:

«نحن من شجرة برأنا الله من طينة واحدة، فضلنا من الله، وعلمنا من عند الله، ونحن أمناء الله على خلقه، والدعاة إلى دينه، والحجاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدك يا زيد؟».

قلت: نعم، فقال:

«خلقنا واحد، وعلمنا واحد، وفضلنا واحد، وكلنا واحد عند الله عزّ وجل».

فقلت: أخبرني بعددكم ؟، فقال:

«نحن اثنا عشر هكذا حول عرش ربنا جل وعزّ في مبتدأ خلقنا، أولنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد»)(3).

المسألة الرابعة: ما هي الحكمة في تعدد الأمكنة التي أخذت منها الطينة المسعودة لخلق أبدان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام
اشارة

إن تعدد الأمكنة التي أخذت منها الطينة المسعودة في خلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته يدل بحسب الظاهر على وجهين:

ص: 165


1- كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه: ص 524.
2- مرتاداً، أي: طالباً للحق.
3- كتاب الغيبة للشيخ النعماني: ص 88 المحتضر للحلي: ص 277؛ خاتمة المستدرك للنوري: ج 1، ص 126.
الوجه الأول: للتشريف

هو تشريف لهذه الأمكنة لكون النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أشرف ما خلق الله عزّ وجلّ .

الوجه الثاني: لكي تجتمع خصائص هذه الأمكنة

هو أن تعدد الأمكنة يفيد بأن الله تبارك وتعالى قد أخذ من جميع هذه الأمكنة وجمعها مع بعضها ثم جعلت طينة واحدة خلق منها النبي وأهل بيته عليهم السلام كي تجتمع خصائص هذه الأمكنة في موضع واحد وهو طينة بدن النبي وعترته.

ولذلك جاءت الروايات تشير إلى أكثر من موضع في عالم الأمر، أي: السماء، وهي العرش، والفردوس، والعليين.

المسألة الخامسة: (لا تعارض بين آية منها خلقناكم وبين أحاديث الطينة)
اشارة

فقد مرّ في الأحاديث السابقة أن أصل الطينة التي خلق منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته هي من عالم الأمر، بينما نجد أن القرآن ينص على أن خلق الإنسان كان من عالم الملك أي الأرض لقوله تعالى:

مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ (1) .

وفي الحقيقة أنه لا يوجد تعارض بين الآية والأحاديث؛ لأن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من عالم الأمر وليس من عالم الخلق لقوله صلى الله عليه

ص: 166


1- سورة طه، آية: 55.

وآله وسلم:

«بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة»(1).

وهذا الحديث يدل على أن طينة ضريح قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي من عالم الأمر أصلاً، أما كيفية حصول ذلك يمكن معرفته من أمرين:

الأمر الأول: رفع طينة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء

وهو ما جاء في الحديث الرابع الذي أوردناه في أحاديث الطينة المسعودة المباركة المشرفة، وقد جاء فيه: إن الله عزّ وجلّ أمر جبرائيل وملائكة الصفيح الأعلى بأخذ قبضة من ضريح قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورفعها إلى السماء ثم غمسها في عين السلسبيل حتى نقيت - وتنقيتها هي خلوصها من الكثافة والعوارض الظلمانية وتحولها إلى طبيعة عالم الأمر لتكون بذلك شفافة لطيفة نورانية فكانت كالدرة البيضاء لخلوها من الكثافات الترابية فكانت تشرق أنوارها للملائكة لتكون مزاراً وموضعاً يعرج إليه جبرائيل والملائكة أجمعون يطوفون من حولها كطواف الحجيج حول الكعبة المشرفة التي حوت حجراً أسود وأنى للحجر الأسود أن يضاهي شرافة الطينة الدرّية النورانية التي خلق الله منها بدن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

وما استقبال الملائكة لها بالتحية والإكرام والرغبة بالسجود إلاَّ تعظيمٌ لله بتكريمها وتشريفها بحلول روح الشريعة الإلهية والنواميس الربانية فيها.

ص: 167


1- مصباح المتهجد للطوسي: ص 710، ح 59/790؛ من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 568، ح 3158؛ مسند احمد بن حنبل: ج 3، ص 64؛ التاريخ للطبري: ج 1، ص 392، ح 250.
الأمر الثاني: أن تكون الطينة قد أنزلت من السماء إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

أو قد يكون نزول هذه الطينة المشرفة إلى الأرض ووضعها في ضريح قبر خاتم الأنبياء والمرسلين كان قبل خلق بدنه المقدس فيكون بذلك توافق بين الآية الكريمة التي أخبرت عن أصل خلق الإنسان، وبين أحاديث الطينة التي دلت على أنها من السماء؛ وذلك من خلال حمل الآية على قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة».

المسألة السادسة: العلاقة بين الطينة وموضع القبر

ربما قد لاح في فضاء ذهن القارئ سؤال مفاده: ما هي العلاقة بين الطينة التي يخلق منها الإنسان وموضع قبره ؟ أو بمعنى آخر هل هناك ترابط بين الطينة التي يخلق منها الإنسان وبين القبر الذي سوف يدفن فيه ؟

والجواب: لقد ورد في بعض النصوص التي تخبر عن خلق طينة الإنسان، أنها تكون من تراب قبره، وهو ما جاءت به الآية على نحو الخصوص في مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ أي من طينة القبر وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ .

وعليه فإن قبر فاطمة صلوات الله عليها وقبور الأئمة المعصومين الطاهرين كلها روضة من رياض الجنة، وذلك أن بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبدان عترته من طينة واحدة، وأنها أخذت من عالم السماء فلا بد أن تعاد إلى موضع تتوفر فيه طبيعة العالم الذي أخذت منه هذه الطينة وخواصه مما يلزم أن يكون قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور عترته الطاهرة روضة من رياض الجنة.

ص: 168

وقد روى الشيخ الكليني رضي الله تعالى عنه عن أمير المؤمنين عليه السلام في باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم أنه قال:

«... وإن لله عشر طينات، خمسة من الجنة وخمسة من الأرض».

ولقد روى عنه أبي الصامت أن هذه الطينات هي:

«طين الجنان: جنة عدن وجنة المأوى، وجنة النعيم، والفردوس، والخلد؛ وطين الأرض: مكة، والمدينة، والكوفة، وبيت المقدس، والحائر»(1).

وبهذا يكون مصداقاً قوله تعالى:

مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ (2) .

ص: 169


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 390، ح 3.
2- سورة طه، الآية: 55.

المبحث الثالث: (شيعة محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم خلقوا من فاضل طينتهم)

اشارة

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: من هم الشيعة ؟

الشيعة من حيث المعنى اللغوي هو المشايعة، أي المتابعة وشيعة الرجل اتباعه ومريدوه وأنصاره، والأشياع هم الفرق والجماعات التي ترجع إلى إمام معين أو قائد أو حاكم أو خليفة، ويستفاد من ذلك أصحاب الآراء وأتباعهم فكل من تبنى رأياً واعتقده فهو مشايع له(1).

وأما من حيث المعنى القرآني فقد أعطى القرآن صورتين للتشيع صورة تتناغم مع المعنى اللغوي من حيث مفهوم المتابعة والمناصرة لتظهر مصاديقها في النموذجين، الأول هو في الأنبياء عليهم السلام وتتابع بعضها لبعض في المنهج الرسالي فقال عز وجل في اتباع إبراهيم ومشايعته شريعة نوح.

ص: 170


1- لسان العرب لابن منظور، مادة (شيع): ج 8، ص 188-192.

وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرٰاهِيمَ (1) .

والأنموذج الثاني في مناصرة الأنبياء عليهم السلام ومؤازرتهم شيعتهم هو قوله عزّ وجل في من آمن بموسى وناصره بالتشيع:

فَاسْتَغٰاثَهُ اَلَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى اَلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسىٰ فَقَضىٰ عَلَيْهِ (2) .

وهنا إشارة إلى أن هذه النصرة متلازمة بين الأنبياء وشيعتهم، أي إنها متبادلة وهي سنة قرآنية قال عزّ وجل:

إِنْ تَنْصُرُوا اَللّٰهَ يَنْصُرْكُمْ (3) .

ولذا من يشايع النبي الأعظم ويناصره يحصل بالمقابل على نصرة النبي الأعظم ومشايعته له كما بين القرآن في قضية موسى الكليم عليه السلام، وكذلك بالنسبة للعداء فهو متبادل.

والصورة الثانية التي يظهرها القرآن لمفهوم التشيع هو: الأشياع أي الفرق الذين يسلكون غير سبيل المرسلين كما في قوله تعالى:

وَ كٰانُوا شِيَعاً(4) .

وأما من حيث المعنى النبوي فقد وضع النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قانوناً ومقياساً لمن أسلم هذا القانون متمثلاً بحب علي عليه السلام وبغضه فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 171


1- سورة الصافات، الآية: 83.
2- سورة القصص، الآية: 15.
3- سورة محمد، الآية: 7.
4- سورة الروم، الآية: 32.

«يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».

وعند الرجوع إلى المعنى اللغوي والقرآني وحملهما على المعنى النبوي للتشيع نستنتج أن الذين لزموا أمير المؤمنين علياً عليه السلام وتابعوا نهجه وناصروه هم شيعته وهم المؤمنون بعلة قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يحبّك إلا مؤمن».

وإن الذين تركوه وانصرفوا إلى غيره وتابعوا غير نهجه وناصروا غيره هم المنافقون بدلالة قوله:

«لا يبغضك إلا منافق».

المسألة الثانية: التفاضل في درجات الإيمان والتفاوت في درجات النفاق

إنّ من الحقائق التي يعرضها القرآن هي سريان سنّة التفاضل التي أجراها الله تعالى في خلقه ابتداءً من الأنبياء والمرسلين فقال عزّ وجل:

تِلْكَ اَلرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ (1) .

كذلك نجد أن هذه السنّة الربانية في درجات الإيمان والحب والبغض؛ فبعض المسلمين يحبون الإمام علياً عليه السلام لكنهم لا يتبعون نهجه بل قد يفضلون غيره عليه ويجدون سنة غيره أفضل من سنته ولذلك انحازوا إليها واتبعوها؛ في حين انهم نسوا أو تناسوا أن الحب حسب المفهوم القرآني هو المتابعة ولا يكفي أن يكون الحب مجرد لقلقة لسان فهذا مخالف للنواميس الطبيعية، قال تعالى في خطابه للذين وقعوا في غفلة التفريق بين الحب اللفظي والحب القلبي:

ص: 172


1- سورة البقرة، الآية: 253.

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ (1) .

والآية الكريمة واضحة الدلالة في التلازم بين حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبين هذا الحب الواحد الذي لا يمكن تجزئته أو التفريق فيما بينه وبين المتابعة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؛ بمعنى تحقق مصداق حب الله يكون بأتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وان نتيجة هذا الحب هو حب الله لمن تبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما أن يدعي المسلم أنه يحب الله وهو يخالف رسول الله فذاك هو الخسران المبين الذي تحدث عنه القرآن الكريم بقوله:

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالاً اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً(2) .

وهذا هو حال كثير من المسلمين الذين وقعوا فريسة للتضليل الإعلامي والفكري منذ حادثة السقيفة التي اتفق فيها الحاضرون على مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته التي أوصى بها الأمة في التمسك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته، وهذا يكفي لمن أراد النجاة يوم القيامة وان يعلم أين يضع قدمه من هذه الأحداث.

بل يكفي بالعاقل أن ينأى بنفسه عن كثيرٍ مما قيل وقال ويعود فقط إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم في علي:

«لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».

ص: 173


1- سورة آل عمران، الآية: 31.
2- سورة الكهف، الآيتان: 103 و 104.

ويأخذ بعين الاعتبار معنى الحب الذي أظهره القرآن ومعنى المشايعة التي بينتها اللغة والقرآن.

إذن:

يتفاوت الناس في معتقداتهم وفي مستوى إيمانهم كما يتفاوتون في مستوى حبهم للأشياء فمنهم من يتفانى في حب من أحب حتى يكاد يكون صورة حية لمن أحب في هديه وسمته؛ ومنهم من يكون وبالاً على من أحب كالولد السيّئ الخلق الذي يكون شيناً لوالديه.

ومن الناس من يتفانى في بغضه لكثير من الأشياء فيتراوح شعوره لها بين الابتعاد والهجر والنفور والكره والحقد والبغض والنصب والعياذ بالله، وهم الذين توعدهم الله بمكان وعذاب خاصّين من جهنم قال تعالى:

عٰامِلَةٌ نٰاصِبَةٌ (1) .

وأول درجات النفاق خلو القلب من أدنى درجات الحب الباعثة إلى الاتباع وإن أول درجة من الاتباع هي أول درجات الحب.

ولذا نجد أن القرآن الكريم يتحدث عن صور كثيرة عن بعض المسلمين الذين يحضرون الصلاة ويخرجون للجهاد لكن كيف كان اتباعهم وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ بل بعضهم يتربص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضهم يفرح حينما يصاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسوء.

قال عزّ وجل:

ص: 174


1- سورة الغاشية، الآية: 3.

لَقَدِ اِبْتَغَوُا اَلْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ اَلْأُمُورَ(1) .

وقال سبحانه وتعالى:

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنٰا أَمْرَنٰا مِنْ قَبْلُ وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ (2) .

وجاء في القرآن أيضا:

وَ إِذٰا لَقُوا اَلَّذِينَ آمَنُوا قٰالُوا آمَنّٰا وَ إِذٰا خَلَوْا إِلىٰ شَيٰاطِينِهِمْ قٰالُوا إِنّٰا مَعَكُمْ إِنَّمٰا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اَللّٰهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيٰانِهِمْ يَعْمَهُونَ (3) .

قال عزّ وجل:

هُمُ اَلْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قٰاتَلَهُمُ اَللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ (4) .

وغيرها من الآيات الكريمة.

ولذا: يتفاضل المسلمون في درجات إيمانهم وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتمسك بهديه كما يتفاوتون في نفاقهم؛ لأن القرآن الكريم يعطي صورة لأولئك المنافقين وطريقة قيامهم لشعائر الإسلام فهم يصلون لكن بأي صلاة قال تعالى:

وَ إِذٰا قٰامُوا إِلَى اَلصَّلاٰةِ قٰامُوا كُسٰالىٰ (5) .

ص: 175


1- سورة التوبة، الآية: 48.
2- سورة التوبة، الآية: 50.
3- سورة ا لبقرة، الآيتان: 14 و 15.
4- سورة المنافقون، الآية: 4.
5- سورة النساء، الآية: 142.

لكن مع صلاتهم هذه فهم في الآخرة بهذا المستوي الذي نصّ عليه قوله تعالى:

إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ فِي اَلدَّرْكِ اَلْأَسْفَلِ مِنَ اَلنّٰارِ(1) .

وقال عزّ وجل:

إِنَّ اَللّٰهَ جٰامِعُ اَلْمُنٰافِقِينَ وَ اَلْكٰافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً(2) .

فالملاك والسبيل المنجي في الدنيا والآخرة هو حب محمد وعترته أهل بيته واتباعهم؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أما بعد ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر بوشك أن يأتي رسول ربي فأجيبه، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به».

فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:

«وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»(3).

ص: 176


1- سورة النساء، الآية: 145.
2- سورة النساء، الآية: 140.
3- صحيح مسلم: باب فضائل علي عليه السلام، ج 7، ص 123؛ مسند أحمد بن حنبل، من حديث زيد ابن أرقم: ج 4، ص 367؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 23؛ السنن الكبرى للبيهقي: باب بيان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ج 7، ص 30 وج 10، ص 114؛ تحفة الأحوذي للمباركفوري: ج 10، ص 197؛ منتخب مسند عبد بن حميد: ص 114؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 51؛ صحيح ابن خزيمة: باب إعطاء الفقراء، ج 4، ص 63؛ رياض الصالحين للنووي: باب وداع الصحابة ووصيته: ص 358.
المسألة الثالثة: من أين خلقت قلوب الشيعة ؟

إنّ شيعة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين قد خصهم الله بفضله وتفضل عليهم بكرمه، فكرّمهم على كثير من عباده وخلقه.

ومن بين هذه الفضائل والخصائص أنه عزّ وجل خلقهم من فاضل طينة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وسواء كانت هذه الطينة المقدسة قد أخذت من الفردوس أو من عليين أو من تحت العرش أو من موضع قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو إنها جمعت من جميع هذه المواضع فالنتيجة الحاصلة هي واحدة فهم يتبعون طينة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين.

ولكن أخلقت أبدان الشيعة من فاضل طينتهم عليهم السلام أم أرواحهم أم قلوبهم ؟

ثم ما لهذا الأمر من الخصائص الخاصة ؟ وما معنى الفاضل من الطينة والمشيئة الإلهية تقتضي انحصار الطينة على عدد أهل البيت وهم المعصومون الأربعة عشر صلوات الله عليهم، كما جاء في الرواية:

«فلا ينقص منهم واحد ولا يزيد فيهم واحد»(1).

فما هذا الفاضل من الطينة ؟

وأقول:

1 - أما الموضع الذي أشارت إليه الأحاديث في خلق الشيعة من طينة أهل البيت عليهم السلام، فهو: (قلوبهم وأرواحهم)، أي بمعنى: إن قلب كل مؤمن

ص: 177


1- البحار: ج 25 ص 12 ح 21؛ بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص 37، ح 12؛

حمل وسام التشيع وبلغ مقام شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإن قلبه خلق من الطينة التي خلق الله منها أبدان محمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الإمام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم:

«إن الله خلق محمداً وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من طينة عليين وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك، وخلق شيعتنا من دون عليين، وخلق قلوبهم من طينة عليين فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

بينما أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى أن أرواح شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم خلقت من طينة أبدانهم عليهم السلام، قال عليه السلام:

«خلقنا من عليين وخلق أرواحنا من فوق ذلك، وخلق أرواح شيعتنا من عليين وخلق أجسادهم من دون ذلك»(2).

فإذن: قلوب شيعة أهل البيت عليهم السلام وأرواحهم قد خلقت من طينة أبدانهم وهذه الطينة منشأها وأصلها من عليين.

2 - أما لماذا خص القلب والروح بهذه الطينة المقدسة ؟ فهو لما يلي:

ألف: إن ما ينزل من البلاء على العترة الطاهرة عليهم السلام ينزل بشيعتهم وما يحل من الرخاء بهم عليهم السلام يحل بشيعتهم، ويظهر هذا جلياً من خلال

ص: 178


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 64، ص 126، ح 28؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 6، ص 623؛ بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص 34، ح 2.
2- البحار: ج 58، ص 44، ح 21؛ علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 117، ح 15؛ الكافي للكليني: ج 1، ص 389، ح 1.

جواب الإمام الباقر عليه السلام لرجل قال له: والله إني لأحبكم أهل البيت، فقال عليه السلام:

فاتخذ للبلاء جلباباً، فو الله إنه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي، وبنا يبدأ البلاء ثم بكم، وبنا يبدأ الرخاء ثم بكم(1).

باء: إن ما يصيبهم من أفراح وأحزان يصيب شيعتهم وهو ما أشار إليه قول الإمام الصادق عليه السلام:

«شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا ويحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا»(2).

جيم: إن قلوب شيعتهم تحن إليهم وهو من الحنين وشوق النفس وتوقانها إليهم صلوات الله عليهم وهو قوله عليه السلام:

«قلوبهم تحن إلينا»(3).

ثم يبين - بأبي وأمي - هذا الترابط وهذا التبادل في المحبة قائلاً:

«قلوبنا تعطف عليهم تعطّف الوالد على الولد، ونحن خير لهم، وهم خير لنا، ورسول الله لنا خير ونحن له خير»(4).

ص: 179


1- الأمالي للطوسي: ص 154، ح (7/255)؛ البحار: ج 46، ص 360، ح 1؛ بشارة المصطفى لمحمد بن علي الطبري: ص 146، ح 99.
2- شجرة طوبى للشيخ محمد مهدي الحائري: ج 1، ص 3 و 6.
3- البحار ج 25، ص 12، ح 24؛ بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص 40، ح 10؛ مشكاة الأنوار لعلي الطبرسي: ص 173.
4- البحار للمجلسي: ج 15، ص 22، ح 35؛ مستدرك علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي: ج 2، ص 26، ح 2097.
المسألة الرابعة: في بيان مقام «من» أهي بعضية أم جنسية ؟ وخصوصية ذلك

إن المراد من قوله صلوات الله عليه: (من فاضل طينتا) هو القرابة النورانية لا البضعية، بمعنى: أن معنى (من) هو للجنس، أي من جنس هذه الطينة المحمدية وهو كقرابة الشعاع من النور فهذه الصلة وهذه النسبة حقَّقَتْ القرابة بينهم وبين شيعتهم وأصله من الطينة المقدسة التي خلقت منها أبدانهم عليهم السلام، ومن فاضلها خلق الله قلوب شيعتهم وأرواحهم(1)، وقد أطلق صلوات الله عليه على هذا الترابط ب -

«القرابة بيننا وبينهم»(2).

ومن هنا جاء قول خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم:

«سلمان منا أهل البيت»(3).

أي من طينة أبداننا ومما يدل عليه أيضاً ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في بيان المراد من هذا الحديث:

ص: 180


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 53، ص 303؛ روضة الواعظين للنيسابوري: 296.
2- الكافي للكليني: ج 1، ص 389، ح 1؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 4، ص 212؛ بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص 40، ح 10.
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 598؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 4 ص 83؛ حلية الأولياء: ج 1 ص 187 ط دار الكتاب العربي، وأخرجه أبو نعيم وابن عبد البر وابن سعد من طريق آخر هو: (ابن جريج عن زدان الكندي عن علي عليه السلام قوله: (سلمان منّا أهل البيت)، وهو في أخبار اصبهان لأبي نعيم: ج 1 ص 54؛ الاستيعاب: ج 2 ص 636؛ وابن الجوزي في صفة الصفوة: ج 1 ص 535؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 1، ص 70، ح 272؛ دلائل الإمامة للطبري الشيعي: ص 140.

فعن المفضل بن عيسى الهاشمي أنه قال:

دخلت على أبي عبد الله عليه السلام أنا وأبي عيسى فقال له: أمن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«سلمان منا أهل البيت»؟

قال:

نعم.

قال: أي من ولد عبد المطلب، فقال:

«منّا أهل البيت»؟

فقال عليه السلام له:

«أي من ولد أبي طالب».

فقال:

«منّا أهل البيت».

فقال له - عيسى -: إني لا أعرفه، فقال عليه السلام:

فاعرفه يا عيسى فإنه منّا أهل البيت.

ثم أومأ بيده إلى صدره ثم قال:

ليس حيث تذهب، إن الله خلق طينتنا من علّيين، وخلق شيعتنا من دون ذلك فهم منا، وخلق طينة عدونا من سجين وخلق طينة شيعتهم من دون ذلك وهم منهم، وسلمان خير من لقمان(1).

ص: 181


1- البحار للمجلسي: ج 108، ص 345؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 5، ص 129؛ نفس الرحمن في فضائل سلمان لميرزا حسين النوري الطبرسي: ص 374.
المسألة الخامسة: في بيان معنى (الفاضل من الطينة المحمدية)

إنّ الفاضل من الطينة التي جاءت به الأخبار والتي تحدثت عن تخصيص الأمكنة وتعيينه كعليين وغيرها لا تعرف ماهيتها؛ لأنها من الأمور الغيبية المحجوبة عن البشر إلا ما أخبر به خير البشر صلى الله عليه وآله وسلم.

ولأن ما جاء به الوحي عن الجنان والنيران لا يمكن إدراكه ووصفه؛ لأنه خاضع تحت نطاق: (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قبل بشر)(1) ولذا كيف يمكن أن يتعرف قلب البشر على هذا العالم المحجوب عن قلوبهم حتى ولو من لمح الخاطر. وعليه: فلا يمكن التعرف على ماهية الطينة التي خلقت منها أبدانهم المقدسة وإن ما حملته هذه الأحاديث من مسميات عالم الملك والجسمانيات - وما أكثر هذه المسميات التي حملت نفس المفردة ونفس اللفظ - كالنار والأنهار فهي لا تعطي نفس الماهية التي لها في عالم الأمر، أي الجنة والنار وعالم السماء.

فإذن لا يمكن معرفة المراد من كلمة

«الطينة» إلاّ بقدر ما أفصح عنها أهلها عليهم السلام. وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ما يشير إلى أن المراد من: (فاضل طينتنا) هو الشعاع من النور. فيفهم منه أن أحد معاني هذه (الطينة) المقدسة هي (النور). وأن الفاضل من النور هو الشعاع.

وعليه: وبعد هذا العرض فإن طينة حقة الأنوار الإلهية(2)، وصاحبة الخدر

ص: 182


1- الخلاف للطوسي: ج 1، 33؛ الأمالي للصدوق: ص 281؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1، ص 295؛ المزار للمفيد: ص 228؛ تهذيب الأحكام للطوسي: ج 6، ص 22.
2- وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنها كانت في حقة تحت العرش». البحار للمجلسي ج 43 ص 4، ح 3؛ معاني الأخبار للصدوق: ص 396، ح 53.

والبضعة المحمدية، وبضعة الطهر والعصمة النبوية(1)، وشجنة الخلق العظيم(2)، وقلب عالم الإمكان(3)، وقطب علة التكوين، وروح شريعة رب العالمين(4)، وأم الحسن والحسين. الطاهرة المطهرة، الصدّيقة الصابرة، أرض أنوار الإمامة، وأم الأئمة والنبوة والزعامة(5).

فاطمة الزهراء البتول عليها الصلاة والسلام: قد كانت من عالم الأمر والنور والسماء من طينة جنة الفردوس، وعليين، والعرش، وقبر النبي الأكرم

ص: 183


1- وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما فاطمة بضعة مني» وهو صلى الله عليه وآله وسلم صاحب العظمة والطهر، ففاطمة بضعة العصمة النبوية فيرضى الله لرضاها. مختلف الشيعة للعلامة الحلي: ج 1، ص 121، ح 1؛ المجموع لمحي الدين النووي: ج 17، ص 296؛ المحلى لابن حزم: ج 8، ص 57، ح 1155؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 240، ص 323.
2- وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن فاطمة شجنة مني» وهو صاحب الخلق العظيم، ففاطمة شجنة من هذا الخلق العظيم. معاني الأخبار للصدوق: ص 303؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 54؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 405.
3- وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فاطمة قلبي...» وهو أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم العلة في خلق الكون ولولاه لم يخلق الله الأفلاك، ففاطمة قلب عالم الإمكان. الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي: ص 146؛ الغدير للشيخ الأميني: ج 7، ص 235؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 13، ص 79.
4- وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي» وبما أنه صلى الله عليه وآله وسلم صاحب شريعة رب العالمين ففاطمة روح الشريعة. الغدير للشيخ الأميني: ج 7، ص 235؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 8، ص 251.
5- وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فاطمة أم أبيها». المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 397؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 25، ص 29.

صلى الله عليه وآله وسلم، وأن بدنها من هذه الطينة المقدسة الطاهرة، وهي لأجل ذلك:

«ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتلون»(1).

فلا يرى لها انقطاع عن العبادة كما تنقطع النساء لعلة انقطاع طهرهن، فهي طاهرة، مطهرة، طهور، منذ أن خلقها الله عزّ وجلّ ، وأنشأها وبرأها وأخرجها إلى الحياة الدنيا من صلب نور النبوة، وابنتها في أرض الطهر والطهارة أم المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام.

وهي في روضتها البرزخية الفردوسية، العلينية، السلسبيلية، الدّرية، النورية، المحمديّة، تسمع الكلام وترد السلام وتنظر في أعمال أمة أبيها.

وَ قُلِ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اَللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ اَلْمُؤْمِنُونَ (2) .

وتشفع لشيعتها ومحبيها، غياث المستغيثين ومدركة الملهوفين بإذن رب العالمين، وبابه الذي يؤتى منه، وطريقه الموصلة إليه؛ فصلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.

ص: 184


1- البحار للمجلسي: ج 37 ص 64؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22 ص 401 ح 100؛ معجم الزوائد للهيثمي: ج 9 ص 356.
2- سورة التوبة، الآية: 105.

الفصل الثالث: خلقها من ثمار الجنة

اشارة

ص: 185

ص: 186

توطئة

اشارة

وتشتمل على مسألتين:

نتناول في هذا الباب، الأحاديث الواردة في خلق فاطمة من ثمار الجنة ولكون أن هذا العنوان قد انفردت به الزهراء عليها السلام دون غيرها من الخلق، فقد تضمن هذا الباب فصولاً ومباحث كثيرة.

ولذا فقد اقتضى البحث أن يسبقه توطئة تشتمل على مبحثين.

المسألة الأولى: تفاعل الكتاب مع حدث خلق فاطمة من ثمار الجنة
اشارة

كيف استقبل بعض الكتاب الإسلاميين هذا الحدث، وكيف تفاعلوا معه ؟ وماذا أفرز هذا التفاعل من أقوال قد أكثر فيها البعض النقد والتجريح والتهجم ؟!(1) فكان أهون ما قيل: (إنه غريب الإسناد والمتن)(2).

ص: 187


1- الموضوعات لابن الجوزي: ج 1 ص 412-413.
2- المستدرك للحاكم: ج 3 ص 156.

والسبب للأمور التالية:

الأمر الأول: الاعتماد على رواية واحدة

هو اعتماد البعض ممن كتب في سير النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم على الرواية التي تقول:

«إن فاطمة عليها السلام قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات»(1).

الأمر الثاني: الاختلاف في وقت الإسراء

الاختلاف في وقت حدوث رحلة الإسراء والمعراج النبوي الشريف، بين وقوعها في السنة الثالثة من البعثة، وهو ما عليه أئمة أهل البيت النبوي عليهم السلام، وبين وقوعها في السنة الثالثة عشرة من البعثة وهو ما عليه بعض صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الأمر الثالث: الإعراض عن روايات أهل البيت عليهم السلام لا يدل على صحة المُعْرِض عنها

إعراض بعض هؤلاء الكتاب عن الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام فلم يأخذوا بما ورد عنهم في هذا المجال أو في غيره، دون تقديم سبب منطقي لهذا الإعراض في حين أن الشرع المقدس والعقل يوجبان الأخذ بأقوالهم.

وهذه الأمور مجتمعة أو منفردة جعلت البعض كابن الجوزي وغيره، يتحامل على الرواية وراويها وكأنه جاء بما لا يغتفر!

ص: 188


1- تاريخ الخميس للديار بكري: ج 1 ص 277؛ ميزان الاعتدال للذهبي: ج 3، ص 439، ح 7070؛ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: ج 1، ص 307.

والحال إنه كان يكفي أن توصف هذه الرواية، على فرض عدم صحتها بما يناسبها من مصطلحات علم الحديث، من حيث السند، وكان يكفي من المعترضين الإشارة إلى وجود تعارض بينها وبين ما يعتقده ابن الجوزي السلفي في وقت الإسراء والمعراج! وبهذا يتحقق القصد في بيان واقع الرواية عند من يعتقد بأن الإسراء وقع سنة ثلاث عشرة من البعثة.

فهذه هي وظيفة الباحث حينما يريد أن يظهر عدم صحة هذه الرواية أو ذاك الحدث.

أما أن يكون التعليق يحمل كلمات التوهين والتنقيص بالرواية، ووصف الراوي بالغباء والخزي، لأنه خالف عقيدة ابن الجوزي أو غيره، فهذا يكشف عن الافتقار إلى النزاهة العلمية، ويكشف أيضاً عن سريرة القائل، وميوله النفسية.

المسألة الثانية: السنة النبوية والعقل يؤكدان حقيقة خلق فاطمة عليها السلام من ثمار الجنة
اشارة

إن مسألة خلق فاطمة عليها السلام من ثمار الجنة هي حقيقة نصت عليها السنة المحمدّية على صاحبها وآله الصلاة والسلام.

ولو كان هؤلاء الذين اعترضوا على هذه الحقيقة قد تدبروا سنة النبي المصطفى بقلبٍ حر من قيود الأهواء، لوجدوا الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بينت هذه الحقيقة، في مواضع كثيرة وقبل أن نشير إلى بعض هذه المواضع، فلا بد من الالتفات إلى ما أخرجه الكثير من الحفاظ لرواياتٍ عديدة في مولد فاطمة الزهراء عليها السلام.

ص: 189

فمنهم من روى أنها ولدت على رأس البعثة(1).

ومنهم من قال: سنة إحدى وأربعين(2).

ومنهم من ذهب إلى السنة الثامنة من البعثة(3).

وكثيرٌ منهم قد قال: إنها ولدت في السنة الخامسة من البعثة(4).

وهذه الأقوال وإن كانت لا تنسجم مع ما اعتقده بعضهم من أن الإسراء والمعراج كان في السنة الثانية عشرة من البعثة، إلا أنّ هذا لا ينافي كونها عليها السلام قد خلقت من ثمار الجنة كما أن الاعتقاد بهذا القول لا يصلح أن يكون دليلاً على دحض حقيقة خلق فاطمة من ثمار الجنة، بعد أن نصت عليها السنة النبوية المطهرة بنصوص صحيحة، نذكر منها نصين فقط على سبيل الاستدلال لا الحصر.

أولاً: ما أخرجه البخاري ومسلم، وابن حبان، وابن خزيمة وغيرهم، عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال:

ص: 190


1- تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 2 ص 441؛ منح المدح لابن سيد الناس: ص 355، وقد جاء فيهما: «وكان لها يوم تزوجها علي بن أبي طالب خمس عشرة سنة وخمسة أشهر» أي: إنها ولدت سنة أربعين؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 75.
2- مستدرك الحاكم: ج 3 ص 163؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 2 ص 71؛ مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج 2 ص 269؛ نهاية الأرب للنويري: ج 8 ص 213؛ المواهب اللدنية للقسطلاني: ج 1 ص 198.
3- نهاية الأرب للنويري: ج 18 ص 213؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 43 ص 9.
4- دلائل الإمامة للطبري: ص 10؛ مروج الذهب للمسعودي: ج 2 ص 289؛ ذخائر العقبى: ص 52؛ تاريخ الخميس للديار بكري: ج 2، ص 278؛ مواليد أهل البيت للدراع: ص 278؛ البحار للمجلسي: ج 43 ص 1-10.

«إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقين»(1).

وعليه:

فهل يا ترى أنّ الله تبارك وتعالى كان يطعم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من ثمار الجنة أم من غير ثمارها!؟ أم كان يسقيه من غير مائها وأنهارها؟!

فإن قيل: إن الله عزّ وجل كان يطعمه من غير ثمار الجنة، فهو يؤدي إلى جعل مريم بنت عمران أفضل من سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وبه يأثم قائله، ويكفر إذا كان قصده التقليل من شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وإن قيل: كان يطعمه عزّ وجلّ من ثمار الجنة، ويسقيه من مائها، فما وجه اعتراض المعترضين وامتعاض قلوب المنافقين من أن أصل النطفة الزكية، الطيبة، التي خلقت منها البضعة النبوية فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، كانت من ثمار الجنة التي أطعمها الله لنبيه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

ثانياً: قد جاء في كثير من الروايات: أن جبرائيل عليه السلام كان يهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ثمار الجنة ويطعمه من طعامها، فمما جاءت به صحاح المسلمين من هذه الأحاديث، نزول الطائر المشوي من الجنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتناوله مع علي بن أبي طالب(2) عليه السلام، وهذا

ص: 191


1- المجموع للنووي: ج 6، ص 356؛ المدونة الكبرى للمالك: ج 1، ص 237؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 64، ص 252؛ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 10، ص 72.
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 1، ص 137؛ الأمالي للطوسي: ص 253، ح 46/454؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 300، ح 3805؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42، ص 246.

الحديث يغني الباحث عن التقصي خلف حقيقة إطعام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ثمار الجنة وأن فاطمة الزهراء عليها السلام خلقت من هذه الثمار.

أما جميع المسألة فهي من أيسر ما يمكن أن يعطيه الله لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فما قدر الجنة مقابل علو مقام سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وهل تنال الجنة بدون حب المصطفى وعترته والتمسك بهم ؟!

وهل يدرك المسلم الجنة وعلي قسيم النار والجنة، ومن ثمّ ما قيمة ثمار الجنة حينما يتناولها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحياة الدنيا؟!

وقبل الدخول إلى مباحث هذا الفصل والمسائل التي رافقته، فلا بد من الإشارة إلى ما يلي:

أولا: إن الأحاديث في هذا الفصل تنقسم إلى قسمين
القسم الأول: تناول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمار الجنة في الإسراء والمعراج

ونتحدث فيه عن تناول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ثمار الجنة في رحلة الإسراء والمعراج ودخوله صلى الله عليه وآله وسلم الجنة وأكله من ثمارها.

القسم الثاني: تناول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمار الجنة في الأرض

وفيه نشير إلى أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد أكل من ثمار الجنة وهو في الأرض، حينما كان ينزلها إليه جبرائيل عليه السلام بأمر من الله تبارك وتعالى.

ص: 192

ثانيا: دور جبرائيل عليه السلام في إطعام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآثار ذلك في خلق فاطمة عليها السلام

إن جميع هذه الثمار سواء كان تناولها في السماء أو في الأرض كان الحامل والمقدم لها هو جبرائيل عليه السلام، وهذا له من الأسرار العجيبة والألطاف الإلهية المحكمة التي خص الله بها فاطمة عليها السلام وسنشير إليه في حينه إن شاء الله تعالى.

ثالثا: دلالة تحديد هذه الثمار
اشارة

قد أشارت الأحاديث في هذا الفصل: إلى تناول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأكثر من نوع من أنواع الثمار وهي: (التفاح - السفرجل - الرطب - العنب - شجرة طوبى) ولم يختر الله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم غيرها، وهذا يدل على أمرين:

الأمر الأول: لأنها أحب إلى نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم

أي: إنّ الله عزّ وجلّ قد اختار هذه الثمار لنبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنها من أحب الثمار إليه صلى الله عليه وآله وسلم وأقربها إلى نفسه المقدسة.

وقد ورد في الحديث عن الإمام علي الرضا صلوات الله عليه فيما يخص حب النبي لبعض هذه الثمار، أنّه قال:

«إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب السفرجل حباً شديداً»(1).

ص: 193


1- مكارم الأخلاق للطوسي رحمه الله: ص 162 باب 7، فصل 10.
الأمر الثاني: تأثير خصائص هذه الثمار على الجنين

إن الحكمة في تعدد هذه الثمار وتحديداً هذه الأصناف التي ذكرتها الروايات كان لوجود خصائص ومميزات لكل نوع من هذه الأنواع التي ذكرت وتأثيرها في تكوين الجنين بايولوجياً بشكل عام وروحياً بشكل خاص؛ وقد أشارت الأحاديث الشريفة إلى وجود علاقة بين الجنين وهذه الثمار وتحديداً: (السفرجل والرطب)، وتأثيرها في ذكاء الطفل وجمال خلقته وخلقه(1) كما سيمر بيانه.

ص: 194


1- سنشير إلى فوائد هذه الثمار حسب إيرادها في فصول هذا الباب بعونه تعالى. مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 172، الباب 7، الفصل 10.

المبحث الأول: إنها خلقت من شجرة طوبى

اشارة

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

«كان رسول الله يكثر تقبيل فاطمة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها آلاف التحية والسلام، فانكرت ذلك عائشة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عائشة إني لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرائيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها فأكلته فحول الله ذلك ماءً في ظهري، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها»(1).

مسائل البحث في الحديث:

المسألة الأولى: دلالة كثرة تقبيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابنته فاطمة عليها السلام

يكشف الحديث الشريف عن حالة خاصة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتسم بالمنهجية لتغير الحياة الأسرية في الإسلام وذلك من خلال العلاقة

ص: 195


1- تفسير القمي: ج 1، ص 21-22.

الوالدية المفعمة بالمحبة والرقة اتجاه البنات خاصة دون الذكور.

وهو الأمر الجديد الذي لم يعهده العرب منذ سنين عديدة، وهم الذين لديهم تأصلت ثقافة الوأد والتهميش والإقصاء لدور المرأة في الحياة، فكيف اليوم يرون كل هذا الحب الذي يقدمه رسول الله لهذه البنت ؟!

فضلاً عن ذلك فقد كشف الحديث أيضاً عن خصوصية خاصة بسيدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام وهي خلقها من ثمار شجرة طوبى وفوح عطر هذه الثمار منها، ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«فما قبلتها قط إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها».

وهذا يدل على أن هذه الرائحة مقيدة بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى:

إن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشمْمنَ هذه الرائحة، ولذا لم يرو عنهنّ ما يدل على هذا المعنى كوجود رائحة مميزة في بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم تختلف عن كل ما عرفته النساء من العطور آنذاك.

وعليه: فهذا الشذى الفردوسي مقيّد بشخص النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأنه هو الذي أطعم من هذه الثمار فعرف عطرها في شخص فاطمة صلوات الله عليها.

المسألة الثانية: ما هي شجرة طوبى ؟

أما شجرة طوبى فقد وردت روايات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام تبيّن صفة هذه الشجرة وهي كالآتي:

ص: 196

1. عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:

«طوبى هي شجرة تخرج من جنة عدن غرسها ربنا بيده»(1).

2. روى القرطبي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر - عليه السلام -: (سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى:

طُوبىٰ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ (2) .

قال:

«شجرة أصلها في داري وفروعها في الجنة».

ثم سأل عنها مرة أخرى فقال:

«شجرة أصلها في دار علي وفروعها في الجنة».

فقيل له يا رسول الله! سئلت عنها فقلت: أصلها في داري وفروعها في الجنة، ثم سئلت عنها فقلت: أصلها في دار علي وفروعها في الجنة ؟، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنّ داري ودار علي غدا في الجنة واحدة في مكان واحد»)(3).

3. وعن ثابت، عن ابن سيرين، في قوله:

طُوبىٰ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ .

ص: 197


1- تفسير أبي حمزة الثمالي رحمه الله: ص 217؛ تفسير العياشي لابن مسعود: ج 2، ص 212، ح 47؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 8، ص 143، ح 64.
2- سورة رعد، الآية: 29.
3- تفسير القرطبي: ج 9، ص 317؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 1، ص 398؛ تفسير الثعلبي: ج 5، ص 290.

قال:

طوبى شجرة أصلها في حجرة علي عليه السلام، وليس في الجنة حجرة إلا فيها غصن من أغصانها(1).

4. وعن معاوية بن حمزة، عن أبيه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«طوبى شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وأن أغصانها لترى من وراء سور الجنة»(2).

5. عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:

لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛

طُوبىٰ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ .

قام المقداد بن الأسود الكندي إلى رسول الله فقال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«يا رسول الله وما طوبى»؟.

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا مقداد شجرة في الجنة لو يسير الراكب الجواد لسار في ظلها مائة عام قبل أن يقطعها، وورقها وبسرها برود خضر، وزهرها رياض صفر، وأفناؤها سندس واستبرق، وثمرها حلل خضر، وصمغها زنجبيل وعسل وبطحاؤها ياقوت وزمرد أخضر، وترابها مسك وعنبر وكافور أصفر وحشيشها

ص: 198


1- تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 4، ص 59؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 71، ص 372، ح 65؛ تفسير العياشي لمحمد بن مسعود: ج 2، ص 212، ح 48.
2- تفسير الثعلبي: ج 5، ص 2288؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 183، ص 219؛ تفسير فرات الكوفي: ص 208، ح 277 و 279؛ تفسير القرطبي: ج 9، ص 217.

زعفران يتأجج من غير وقود يتفجر من أصلها السلسبيل والرحيق والمعين وظلها مجلس من مجالس شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(1).

6. روى الشيخ الكليني عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّ لأهل الدين علامات يعرفون بها: صدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعهد، وصلة الأرحام، ورحمة الضعفاء، وقلة المراقبة للنساء - أو قال: قلة المواتاة للنساء - وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الخلق، واتباع العلم، وما يقرب إلى الله عزّ وجل (طُوبىٰ لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ )

وطوبى شجرة في الجنة، أصلها في دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها لا تخطر على قلبه شهوة شيء إلا أتاه به ذلك الغصن، ولو أن راكباً مجداً سار في ظلها مائة عام ما خرج منها، ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما، إلا ففي هذا فارغبوا، إن المؤمن نفسه منه في شغل والناس منه في راحة، وإذا جنّ عليه الليل افترش وجهه وسجد لله عزّ وجل بمكارم بدنه، يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته، ألا فهكذا كونوا»(2).

ص: 199


1- تفسير سعد السعود لابن طاووس: ص 109؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 3، ص 496؛ البحار للمجلسي: ج 65، ص 72، ح 131.
2- الكافي للكليني: باب المؤمن وعلاماته وصفاته، ج 2، ص 239؛ الأمالي للصدوق: ص 290.

المبحث الثاني: إنها خلقت من سفرجل الجنة

الحديث الأول

روى القمي في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال:

«لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعان تفق ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما أمسكوا فقلت لهم ما لكم ربما بنيتم وربما أمسكتم ؟ فقالوا حتى تجيئنا النفقة فقلت: وما نفقتكم ؟ فقالوا قول المؤمن في الدنيا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإذا قال بنينا وإذا أمسك أمسكنا وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أسري بي إلى سبع سماواته أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فأجلسني على درنوك من درانيك الجنة فناولني سفرجلة فانفلقت نصفين فخرجت من بينهما حوراء فقامت بين يدي فقالت عليك السلام يا محمد السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا رسول الله فقلت وعليك السلام من أنت ؟ فقالت: أنا الراضية المرضية خلقني الجبار من ثلاثة أنواع أسفلي من المسك ووسطي من العنبر وأعلاي من الكافور وعجنت بماء الحيوان ثم قال جل ذكره لي كوني فكنت لأخيك ووصيك علي بن أبي طالب(1).

ص: 200


1- تفسير القمي: ج 1، ص 22.
الحديث الثاني

عن الزهري عن سعيد بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أتاني جبرائيل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أُسريَ بي فعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة»(1).

مسائل البحث في الحديث:

المسألة الأولى: مبحث عقائدي (رائحة الجنة)

إن من السنن الكونية التي سنّها الله عزّ وجلّ في هذا الكون هي سنّة (التأثر)، وهي أن يتأثر الإنسان والأشياء بما يخالطها من الأشياء الأخرى، فكلما كان المؤثر أقوى والمتأثر أضعف كلما كان التأثير كبيراً.

ومن خلال هذه القاعدة والسنة الكونية التي يشير لها الحديث أن فاطمة صلوات الله عليها قد تأثرت برائحة الجنة لدرجة النفوذ في البدن بل أصبحت عليها السلام من سنخ هذه العطور لكونها خلقت منها. وإن هذه الرائحة تفوح من موضع الرقبة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«شممت رقبة فاطمة صلوات الله عليها».

وهو أشبه ما يكون بمن جلس في محل لبيع العطور فترة من الزمن ثم يقوم

ص: 201


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 156؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 12، ص 109، ح 34228؛ تذكرة الموضوعات للفتني: ص 99؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 4، ص 153.

ويخرج فكلما مرَّ بموضع شُمَ منه رائحة العطر وإذا كانت هذه الرائحة قد أثرت في هذا الإنسان في ثوبه وجسمه فإنه يقوم بنقل هذه العطور إلى المحل والموضع الذي يجلس فيه واليد التي سوف تتصل بيده ومن هذا المعنى: فإن أم الأنوار الإلهية والبضعة المحمدّية سيدة المخدرات وتاج العفة والحياء قد حملت من عطور الجنة وروحها وريحانها ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لأنه هو الذي شم رائحة الجنة.

أما الوجه الثاني لهذا المعنى الذي جاء به الحديث الشريف فهو: دلالة المنتج؛ إذ جرت العادة ومنذ القدم أن تحمل الأشياء القادمة من مكان تصنيعها وإنتاجها أو موطنها الأصلي علامة تدل عليها، ودلالة تشير إلى اسم المنتج أو المكان الذي صُنّعت فيه، وعلى وفق هذه العلامة تترفع قيمة الشيء الحامل لها لاعتبارات خاصة ولضوابط وضعها ذوو الاختصاص، حتى باتت جميع الأشياء التي من حولنا خاضعة لهذه السُنّة الاعتبارية ولم يعد الأمر محصوراً في الأشياء المصنعة بل حتى التي لا دخل ليد الإنسان فيها.

كالتي تحمل اعتبارات المكان والموضع الذي تعود إليه، فهذا ماء زمزمي، وهذا فراتي، وهذا تمر مدني، وذلك عقيق يماني، وهذه سجدة كربلائية على صاحبها الصلاة والسلام وهكذا.

ومن هذا المعنى: فإن الدلائل التي حملتها البضعة النبوية فاطمة صلوات الله عليها كانت كالتالي: عطور فردوسية، روح علينية، ورياحين عدنية، وحياة سلسبيلية، وأنوار إلاهية، وغيرها مما لا حصر لها، وجميعها علائم تدل على مكان خلقها وتشير وترشد إلى موطنها الأصلي.

ص: 202

المسألة الثانية: آثار السفرجل في الروح والنفس والجسد
أولا: علاقته مع الأنبياء عليهم السلام

إن لهذه الثمرة علاقة خاصة مع الأنبياء سلام الله عليهم؛ إذ قال الصادق عليه السلام:

«ما بعث الله نبياً إلا وفي يده سفرجلة أو بيده سفرجلة»(1).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«وما بعث الله نبياً إلا أطعمه من سفرجل الجنة فيزيد فيه قوة أربعين رجلاً»(2).

وهذا هو أحد أسرار هذه الثمرة فقد ورد في ذكر خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم أن له قوة أربعين رجلاً فلا يضعفه جوع أو جماع(3).

ولعله هو أحد الأسباب التي أطعم فيها السفرجل فتحول ماءً في صلبه صلى الله عليه وآله وسلم لتلد خديجة سلام الله عليها الحوراء الإنسية صلوات الله عليها ليكون أولادها الأئمة عليهم السلام يحملون من القوة ما يحمله الأنبياء عليهم السلام.

ولعل عطر هذه الثمرة المميزة جعلها الله مخصوصة بالأنبياء عليهم السلام، قال الإمام علي الرضا صلوات الله عليه:

ص: 203


1- مستدرك الوسائل: ج 16 ص 402، باب 69 برقم (20330)؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 172، الباب 27، الفصل 10؛ جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 23، ص 423، ح 1704.
2- بحار الأنوار: ج 63، ص 177، ح 37؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 172، الباب 27، الفصل 10؛ جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 23، ص 419، ح 1680.
3- مكارم الأخلاق: ص 172.

«ما بعث الله نبياً إلا أوجد منه ريح السفرجل»(1) - وأن -

«رائحة الأنبياء رائحة السفرجل»(2).

أضف إلى ذلك أن لهذه الثمرة آثاراً عديدة منها:

(روحية، ونفسية، وجسدية، وخلقية وعقلية) وغيرها مما قد جاءت به الأبحاث في المجالات الطبية والمعالجة بالأغذية الطبيعية، أو ما يسمى بالطب البديل.

ثانيا: آثارها الروحية

فقد ورد في الحديث عن الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه أنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«عليكم بالسفرجل، فإنه يجلو القلب ويذهب بطخاء الصدر»(3).

وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه:

«السفرجل قوة القلب وحياة الفؤاد ويشجع الجبان»(4).

ص: 204


1- مكارم الأخلاق: ص 162-163؛ بحار الأنوار: ج 63، ص 176.
2- بحار الأنوار للمجلسي: ج 63، ص 176؛ مكارم الأخلاق: ص 162-163؛ مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ج 1، ص 435، ح 3/1093؛ جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 16، ص 662، ح 2322.
3- وسائل الشيعة: ج 25 ص 167، باب 93، برقم (31542)؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 172، الباب 7، الفصل 10؛ جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 23، ص 420، ح 1681.
4- الكافي للشيخ الكليني رضي الله عنه: ج 6 ص 357 وفيه أيضاً: ويطيب المعدة؛ مستدرك الوسائل: ج 16 ص 410؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 172، الباب 7، الفصل 10.
ثالثا: آثاره في المجالات النفسية

فمنها أنه يفيد في الخلاص من الحزن، جاء بيان ذلك في الحديث الوارد عن باقر العلم الإمام محمد بن علي صلوات الله عليه وعلى آبائه الأئمة الهداة المهديين، أنه قال:

«السفرجل يذهب بهم الحزين»(1).

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«كلوا السفرجل وتهادوه بينكم، فإنه يجلو بالبصر ويثبت المودة في القلب»(2).

رابعا: آثاره في العقل

1 - قال الإمام الصادق سلام الله عليه:

«من أكل السفرجل أجرى الله الحكمة على لسانه أربعين صباحاً»(3).

2 - أنه يصفي الذهن ويزيد في الحكمة والعلم وهو ما جاء عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

«كلوا السفرجل فإنه يزيد في الذهن، ويذهب بطخاء الصدر، وتحسين الولد»(4).

ص: 205


1- الكافي للشيخ الكليني رضي الله عنه: ج 6 ص 358، ح 7؛. بحار الأنوار: ج 63، ص 176، ح 18؛ المحاسن لأحمد بن محمد بن خالد البرقي: ج 2، ص 550، ح 886؛ مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ج 16، ص 402، ح 203229.
2- بحار الأنوار للمجلسي: ج 63، ص 176.
3- الكافي لثقة الإسلام الشيخ الكليني رضي الله عنه: ج 6، ص 357، باب السفرجل، ح 5؛ وسائل الشيعة للعاملي: ج 25، ص 165، باب السفرجل، برقم 31535؛ المحاسن لأحمد بن محمد خالد البرقي: ج 2، ص 548، باب السفرجل، ح 875؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 172، الباب 7، الفصل 10.
4- مستدرك وسائل الشيعة: ج 16، ص 402؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 172، الباب 7، الفصل 10.

وقال أيضاً:

«من أكل السفرجل ثلاثة أيام على الريق صفا ذهنه وامتلأ جوفه حكماً وعلماً ورقى من كيد إبليس وجنوده»(1).

ومنها قول الإمام الرضا عليه السلام:

«عليكم بالسفرجل، فإنه يزيد بالعقل».

خامسا: آثاره الخَلقية

إنه يؤثر بشكل كبير في جمال الطفل في أثناء الحمل ويستحب أكله من الرجل والمرأة. قال الإمام الصادق صلوات الله عليه وقد نظر إلى غلام جميل:

«ينبغي أن يكون أبو هذا أكل سفرجلاً ليلة الجماع»(2).

وبهذا الحديث يضاف سبب آخر إلى الأسباب التي كانت وراء تقديم جبرائيل عليه السلام سفرجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهو مستحب للمرأة أيضاً، فقد ورد ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أطعموا حبالاكم فإنه يحسّن أولادكم»، وفي الرواية:

«يحسن أخلاق أولادكم».

وهذا أثر خلقي وخُلقي في آن واحد. ثم إن للسفرجل أثراً في جمال الإنسان رجلاً كان أو امرأة ويزيد في حسن الوجه. قال الإمام الرضا سلام الله عليه:

ص: 206


1- بحار الأنوار: ج 63، ص 168، ح 4، باب: التفاح والسفرجل؛ وسائل الشيعة «آل البيت» للعاملي: ج 2، ص 169، ح 31552.
2- الكافي للكليني رضي الله عنه: ج 6 ص 22، ح 2؛ بحار الأنوار: ج 63، ص 177، ح 37؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 172، الباب 7، الفصل 10.

«من أكل السفرجل على الريق طاب ماؤه وحسن وجهه»(1).

وغيرها من الأحاديث الشريفة.

سادساً: دخول السفرجل في الأبحاث الطبية

أما ما جاء في الأبحاث الطبية والعلاجية فإنه يستخدم في العلاجات التالية:

(تجاعيد الوجه، لمعان الشعر، نبات شعر الأجفان، والدمعة، والجمرة، السل، الآفات الصدريّة، المغص، الإسهال والاضطراب الهضمي، حصى المثانة، نحول الأطفال ووهنهم، الحمل، تقوية الدماغ، تقوية المعدة)(2).

ويحتوي السفرجل على المعادن والفيتامينات التالية:

وهو غني بالفيتامين (A) و (B).

ويحتوي أيضاً:

وهذه الخصائص التي جعلها الله تعالى في السفرجل تكشف عن الحكمة في اختيار جبرائيل عليه السلام لها وإطعامها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 207


1- مستدرك وسائل الشيعة: ج 16 ص 402، برقم (20333-1)؛ بحار الأنوار: ج 63 ص 176.
2- الفاكهة غذاء ودواء، إعداد الدكتور يوسف البقاعي: ص 88-89.

المبحث الثالث: خلقها من رطب الجنة

الحديث الأول
اشارة

عن الهروي(1)، قال: قلت للرضا عليه السلام: (يابن رسول الله أخبرني عن الجنة والنّار أهما اليوم مخلوقتان ؟ فقال:

ص: 208


1- (أبو الصلت الهروي) هو عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب بن مسيرة القرشي مولاهم، سكن نيسابور ورحل في الحديث إلى الأمصار وخدم الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، وذكره الحافظ العجلي في ثقاته (الثقات للعجلي: ص 303 برقم (1002)، وأورد له ابن حجر في التهذيب (تهذيب التهذيب: ج 3 ص 428 برقم (4764)، ترجمة مطولة جاء فيها: (قال أحمد بن سيار: وكان قشافة الزهد، ولم يفرط في التشيع، وناظر شر المرديسي عند المأمون وكان الظفر له. وقال الحسن بن علي بن مالك: سألت ابن معين عن أبي الصلت: فقال ثقة صدوق إلا أنه يتشيع. وقال ابن الجنية (سؤالات ابن الجنية: ص 359): عن ابن معين: قد سمع وما أعرفه بالكذب. وقال الحاكم وثقة أمام أهل الحديث يحيى بن معين. وقال الآجري عن أبي داود: ضابطاً، ورأيت ابن معين عنده. وقال الأردبيلي (جامع الرواة: ج 1 ص 456-457، برقم (3752): ثقة، صحيح الحديث، روى عن الإمام الرضا عليه السلام.

«نعم، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء».

قال: فقلت له: إن قوماً يقولون: إنهما مقدّرتان غير مخلوقتين، فقال عليه السلام:

«ما أولئك منّا ولا نحن منهم، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذّبنا وليس من ولايتنا على شيء، وخلّد في نار جهنم، قال الله عزّوجلّ :

هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون يطوفون بينها و بين حميم آن(1).

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرائيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة»(2).

مباحث الحديث:

المسألة الأولى: (القول في أن الجنة والنار مقدّرتان)

هذا القول هو من معتقدات إحدى الفرق الإسلامية والتي تعرف ب - (الهشاميّة) وهم أصحاب هشام بن محمد الفوطي، الذي ذهب إلى (أن الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن، إذ لا فائدة في وجودهما وهما جميعاً خاليتان ممن ينتفع

ص: 209


1- سورة الرحمن: الآيتان: 43-44.
2- بحار الأنوار: ج 8، ص 119؛ الأمالي للصدوق: ص 546، ح 7/728؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 2، ص 191.

ويتضرر بهما)(1).

وبقيت هذه المسألة منه اعتقاداً للمعتزلة إلا أنهم شكوا في وجودهما اليوم ولم يقولوا بتكفير من قال أنهما مخلوقتان(2).

وبالغ هشام الفوطي في القدر ومبالغته فيه كانت أشد وأكثر من مبالغة أصحابه، وكان يمتنع من إطلاق إضافات أفعال إلى الباري تعالى وأن ورد بهما التنزيل منها قوله:

(إن الله لا يؤلف بين قلوب المؤمنين، بل هم المؤلفون باختيارهم)!؟

وقد ورد في التنزيل:

مٰا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (3) .

ومنها قوله:

«إن الله لا يحبّب الإيمان إلى المؤمنين ولا يزينه في قلوبهم»!؟

وقد قال تعالى:

حَبَّبَ إِلَيْكُمُ اَلْإِيمٰانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ (4) .

أما حكم هذه الفرقة عند الشيعة والسنة فقد اختلف فيه فيما بينهم، فقد حكم عليهم الشيعة بحكم واحد وهو ما صدر من الإمام الرضا عليه السلام بالبراءة منهم لتكذيبهم القرآن والرسول وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم وهذا

ص: 210


1- الملل والنحل للشهرستاني: ج 1 ص 72.
2- الفرق بين الفرق للبغدادي: ص 150.
3- سورة الأنفال، آية: 63.
4- سورة الحجرات: آية 7.

الحكم ظاهرٌ جلي في كلام الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله وسلامه عليه وهو أحد أئمة العترة النبوية صلوات الله عليهم أجمعين وبه يكون حكم الشيعة من المسلمين، وهذا الحكم لا يشمل التعرض للهشامية لدمائهم وأموالهم وأعراضهم.

أما حكم أهل السنة، وهم (أهل العامة والجماعة) من المسلمين فإنهم يقولون في الفوطي وأتباعه: (إن دماءهم وأموالهم حلال للمسلمين، وفيه الخمس، وليس على قاتل الواحد منهم تود، ولا دية، ولا كفارة، بل لعائلته عند الله القربى والزلفى)(1).

وشتان بين ثقافة القتل، وثقافة الحياة المبتنية على عدم الإكراه في الدين كما نص عليها القرآن والعترة المحمّدية.

المسألة الثانية: آثار التمر في المجال النفسي والخلقي للإنسان
اشارة

التمر ثمرة شجر النخيل ويسمى بسراً حين يكون غضاً طرياً، ويدعى بلحاً ما دام أخضر، ورطباً حين ينضج ويلين، وتمراً حين ييبس. وللنخلة تاريخ طويل فلم يقتصر الأمر على شعب من الشعوب، فقد اهتم بها الفراعنة في مصر ونقشوها على جدران معابدهم وكذلك بالنسبة إلى الأقباط فقد وجدت كتابات في الأديرة القبطية تدل على اهتمام القساوسة والرهبان وعامة الأقباط بها ولم يقتصر الأمر على الفراعنة والأقباط بل تعدّاها إلى اليونان والرومان والفينيقيين.

وتحتلّ شجرة النخل مكانة مقدسة عند البابليين والسومريين والفينيقيين ومعظم الشعوب السامية. إنها شجرة الحياة التي ولدت منها عشتار، وتعني كلمة

ص: 211


1- الفرق بين الفرق للبغدادي: ص 151.

(Palmyra) التي تطلق على مدينة تدمر وذلك من كلمة « Palm » بمعنى النخلة، كما تعني كلمة (فينقس) باليونانية النخلة.

وللنخلة مكانة عند العرب في جاهليتهم، وعند المسلمين، فقد عرف الإسلام قيمة هذه الشجرة المباركة وأثرها في صحة الإنسان فجاء ذكرها في القرآن الكريم في عشرين آية، أما الأحاديث النبوية فكثيرة.

ولقد كان رسول الله يأكلها ويشيد بها وبفوائدها وينصح بأكلها(1).

وللتمر آثار كثيرة في مختلف الجوانب التي ترتبط بالإنسان ولم يقتصر فقط على الجانب الصحي للبدن بل له أثر في النفس والروح والخلق، وقد كشفت الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرة عن الآثار المختلفة، نذكر بعضاً منها:

أولاً: آثاره الروحية والنفسية

1. عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه:

«كلوا التمر فإن فيه شفاء من الداء»(2).

2. وعن أبي عبد الله سلام الله عليه:

«العجوة من الجنة وفيها شفاء من السحر»(3).

3. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 212


1- الفاكهة غذاء ودواء للدكتور يوسف البقاعي ص 42 و 43.
2- مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 58 و 59.
3- مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 168، الباب 7، الفصل 9.

«من تصبح بعشر تمرات عجوة لم يضرهُ ذلك اليوم سحر ولا سم»(1).

4. وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«نزل علي جبرائيل بالبرني من الجنة»(2).

5. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أطعموا المرأة - في شهرها التي تلد فيه - التمر، فإن ولدها يكون حليماً تقياً»(3).

6. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم يصف البرني، قال:

«فيه تسع خصال: يقوي الظهر، ويخبل الشيطان، ويجري الطعام، ويطيب النكهة، ويزيد في السمع والبصر، ويقرب من الله عزّ وجلّ ، ويباعد من الشيطان، ويزيد من المباضعة، ويذهب بالداء»(4).

ثانياً: آثاره الطبية والعلاجية

أما آثاره الطبية والعلاجية فكثيرة جداً فهو يفيد في علاج الأمراض التالية: (غشاوة العين، تساقط الرموش والحواجب، لضعف الأعصاب السمعية والبصرية، للاضطراب النفسي والقلق، للتخفيف من العصبية عن الأطفال،

ص: 213


1- مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 168، الباب 7، الفصل 9؛ البحار للمجلسي: ج 63، ص 141، ح 58.
2- مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 169، الباب 7، الفصل 9؛ ميزان الاعتدال للذهبي: ج 2، ص 388، ح 4190؛ الموضوعات لابن جوزي: ج 3، ص 24؛ البحار للمجلسي: ج 63، ص 141، ح 58.
3- مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 169، الباب 7، الفصل 9؛ مستدرك الوسائل للنوري: ج 16، ص 384، ح (20260) 2؛ جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 23، ص 380، ح 1494.
4- الخصال للصدوق: ص 416، ح 8؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 169، الباب 7، الفصل 9؛ البحار للمجلسي: ج 63، ص 125، ح 2.

لمعالجة ضعف السمع وإزالة الوشة، لمعالجة الكلى وإنزال الحصاة، المساعدة على تقوية النشاط الفكري، تقوية النشاط العضلي، لقتل الديدان في الأمعاء، وهو من مثبطات السرطان، لمعالجة السعال والتهاب القصبات الصدرية، لإزالة الأوجاع المزمنة في الصدر، لمعالجة التهاب الأمعاء)(1)، وغيرها من الآثار العلاجية التي توصل إليها الطب الحديث، والسبب يعود إلى ما تحتويه هذه التمرة من المواد المعدنية والفيتامينات التي نعرض لها إن شاء الله في الحديث القادم.

الحديث الثاني
اشارة

عن حذيفة اليماني قال: دخلت عائشة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقبل فاطمة عليها السلام، فقالت:

«يا رسول الله أتقبلها وهي ذات بعل ؟ فقال لها: - وساق حديث المعراج إلى أن قال -:

ثم أخذ جبرائيل عليه السلام بيدي فأدخلني الجنة وأنا مسرور فإذا أنا بشجرة من نور مكللة بالنّور، في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل إلى يوم القيامة، ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أرَ تفاحاً هو أعظم منه، فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت عليّ منها حوراء كأن أشفارها مقاديم أجنحة النسور، فقلت: لمن أنت ؟ فبكت وقالت: لابنك المقتول ظلماً الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد، وأحلى من العسل فأخذت رطبة فأكلتها وأنا أشتهيها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة

ص: 214


1- الفاكهة غذاء ودواء للبقاعي ص 47-50.

شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام»(1).

مسائل البحث في الحديث:

المسألة الأولى: علة سؤال عائشة
اشارة

قد يلحظ القارئ الكريم من خلال ما أوردناه من أحاديث، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد طرحت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص تقبيله لابنته فاطمة عليها السلام أكثر من صيغة للسؤال فمرة جاء السؤال بلفظ: (إنك تكثر من تقبيل فاطمة)(2)، ومرة أخرى تنكر ما تراه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذا الحديث جاءت بصيغة جديدة للسؤال وبلفظ جديد لا يليق أن يطرح بحضرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وهو أشبه ما يكون بالاتهام! وهذه الحالة التي أدت إلى طرح السؤال بهذا اللفظ ربما تكون واحدة من هذه الاحتمالات:

1 - إما أن تكون هذه الصيغة سببها الجهل، لأنها في التاسعة من العمر.

2 - وإما أنها لم ترَ أحداً من المسلمين يقبل ابنته المتزوجة.

3 - وإما أن تكون هذه الحالة سببها الغيرة وهو ما اشتهرت به.

4 - وإما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جاء بخلاف العرف السائد من أنهم لا يقبلون بناتهم بعد الزواج.

ص: 215


1- البحار للمجلسي: ج 8، ص 119؛ تفسير فرات الكوفي: ص 76، ح 31-49؛ الأمالي للصدوق: ص 546، ح 7/728؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 2، ص 191؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 401.
2- ذخائر العقبى للطبري ص 36؛ أخبار الدول للقرماني: ج 1 ص 256؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 177.

5 - وإما أنها لم تحظَ بقبلة واحدة من أبيها أبي بكر ولو لمرة واحدة بعد زواجها.

وأيّا يكن السبب من وراء هذا السؤال الذي طرحته عائشة بهذا اللفظ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجبها بما يوافق هذا اللفظ كأن يقول لها: نعم يمكن للأب أن يقبل ابنته وهي ذات بعل؛ لكنه صلى الله عليه وآله وسلم أجابها على هذا السؤال بجواب يحمل منهجين تربويين في آن واحد.

المنهج الأول خلق معطيات جديدة لثقافة الشأنية

أي إظهاره لمنزلة فاطمة عليها السلام وإنها: (حوراء إنسية) وهي ليست كغيرها من النساء، وهذا خارج عن دائرة سؤالها المرتكز على استهجانها لتقبيل الأب لابنته بعد زواجها أي خلق معطيات جديدة لثقافة الشأنية التي خص الله بها فاطمة عليها السلام.

المنهج الثاني: التثقيف على منهج الإيمان بالآخرة

إنّ من أهم العوامل التي تقوّم السلوك الإنساني هو الإيمان بالغيب واليوم الآخر، ولقد سعى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى تثبيت هذا الحس الإيماني في نفوس المؤمنين؛ لاسيما، إنّ الحديث يشير إلى تركيز النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على تثقيف الأسرة وبالأخص الزوجة؛ لأنها منوط بها تربية الأولاد وتعليمهم العقائد الدينية والفضائل النفسية.

ولذا نجده صلى الله عليه وآله وسلم قد ابتدأ مع عائشة ليزرع في نفسها الحس الإيماني بالغيب كي تنتقل من هذه الأجواء المادية إلى أجواء البيت النبوي وان لا تنسى أنها زوجة سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم وأن تتعامل ضمن

ص: 216

هذه الحيثية التي طالما كان القرآن الكريم يذكر بها نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحثهن على الالتزام بها، وانهن من موقع يفرض عليهن كثيراً من الالتزامات والضوابط السلوكية، قال تعالى:

يٰا نِسٰاءَ اَلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ اَلنِّسٰاءِ إِنِ اِتَّقَيْتُنَّ فَلاٰ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ اَلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً(1) .

والخطاب القرآني واضح الدلالة في لوازم هذه المقامية التي لهن في المجتمع، والتي اشترطها القرآن في عدة شروط فقال:

لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ اَلنِّسٰاءِ إِنِ اِتَّقَيْتُنَّ .

وفي موضع آخر يظهر القرآن الكريم عدم قدرة بعضهن على الالتزام بتلك الشروط من جهة، ومن جهة أخرى محاولة البعض منهن الجمع بين حيثيات سكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين حيثيات المجتمع المادي والدنيوي فقال تعالى:

يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اَلْحَيٰاةَ اَلدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا فَتَعٰالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلاً وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ اَلدّٰارَ اَلْآخِرَةَ فَإِنَّ اَللّٰهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنٰاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً(2) .

ومن هنا: تظهر الحكمة في سرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحديث المعراج لعائشة حينما قالت له:

«أتقبلها وهي ذات بعل»؟! أي: أراد صلى الله عليه وآله وسلم منها ان تثقف ما يفرضه عليها موقع الزوجية من سيد الخلق وإلاّ

ص: 217


1- سورة الأحزاب، الآية: 32.
2- سورة الأحزاب، الآيتان: 28 و 29.

كان يمكن أن يجيبها صلى الله عليه وآله وسلم بكلمة واحدة: وهي نعم، يمكن للأب أن يقبل ابنته وهي ذات بعل.

والحكمة الثانية التي يظهرها الحديث أنّ السؤال لم يكن عرضياً وان لحن السؤال لا يليق بحضرته المقدسة مما دفعه إلى ذكر حديث المعراج كاملاً ونقلها من هذه الأجواء والنظرة المادية إلى الأجواء الإيمانية والنظرة الأخروية وانه وبضعته لا يقاس بهم أحد من الناس أجمعين.

المسألة الثانية: شجرة طوبى تحمل أصنافاً متعددة من الفاكهة وأنها الأصل في خلق فاطمة عليها السلام

قد مرّ سابقاً في بيان صفة شجرة طوبى ما يشير إلى أنها (تنبت الحلي والحلل)(1)، ولقد تكررت هذه الإشارة أيضا في هذا الحديث دون ذكر اسم شجرة طوبى وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فإذا أنا بشجرة نور مكللة بالنور في أصلها ملكان يطويان الملل والحلل إلى يوم القيامة».

ولعل هذه الصفة هي صفة شجرة طوبى وأن من صفاتها أيضاً أنها تحمل أكثر من صنف من أصناف الفاكهة فقد تقدم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فإذا به يرى التفاح، ثم يتقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيرى أمامه الرطب، والملفت في الحديث هو عدم ذكره للفظ الشجرة بمعنى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أشار إلى هذين الصنفين من الفاكهة في أثناء رؤيته لهذه الشجرة التي من النور ومكللة بالنور وهذا يدل على أن الأصل في خلق فاطمة عليها

ص: 218


1- تفسير الثعلبي: ج 5، ص 2288؛ تفسير فرات الكوفي: ص 208، ح 277؛ تفسير القرطبي: ج 9، ص 317؛ تفسير الطبري: ج 13، ص 196.

السلام هي شجرة طوبى وأن هذه الشجرة تحمل أصنافاً مختلفة من الفاكهة في آن واحد (فتبارك الله أحسن الخالقين) وله الحمد بما اصطفى لخير المرسلين، والصلاة والسلام عليه وعلى آله الطاهرين.

المسألة الثالثة: بكاء الحور العين على الإمام الحسين عليه السلام قبل خلقه

إن من الحقائق التي يظهرها الحديث الشريف هو اقتران الدمعة بسيد الشهداء وريحانة سيد الأنبياء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام.

وإن لهذه الملازمة كانت ولم تزل منذ أن خلق الله أنوار محمد وأهل بيته وإلى ما شاء الله تعالى.

بل: الظاهر في الحديث أن أهل الجنة إذا نظروا إلى سيد الشهداء ستفيض أعينهم من الدمع لوجود الملازمة بينهما أي بين الدمع والإمام الحسين عليه السلام.

ولعل قائلاً يقول: إن الدمع سببه الحزن ومحركه الألم وأن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وأقول: فهل كان بكاء المؤمن حينما يسمع ذكر آيات الله فتفيض عينه من الدمع باعثه الحزن ومحركه الألم، أو لتجانس القلب مع ذكر الله تعالى. قال سبحانه:

وَ إِذٰا سَمِعُوا مٰا أُنْزِلَ إِلَى اَلرَّسُولِ تَرىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ اَلدَّمْعِ مِمّٰا عَرَفُوا مِنَ اَلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنٰا آمَنّٰا فَاكْتُبْنٰا مَعَ اَلشّٰاهِدِينَ (1) .

فضلاً عن أنها من الملازمة الإيمانية كما دل عليه الحديث الشريف الوارد عن الإمام الحسين عليه السلام، فقال:

ص: 219


1- سورة المائدة، الآية: 83.

«أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر»(1).

الحديث الثالث
اشارة

«عن طاووس اليماني(2) عن عبد الله بن عباس قال: دخلت عائشة على

ص: 220


1- كامل الزيارة لابن قولويه: ص 216؛ الأمالي للشيخ الصدوق: ص 200؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر: ج 3، ص 239؛ البحار للمجلسي: ج 44، ص 284.
2- (طاووس اليماني): أحد رجال البخاري ومسلم (رجال صحيح البخاري للكلاباذي: ج 1 ص 376 برقم «536»؛ رجال صحيح مسلم لابن منجويه الأصبهاني: ج 1 ص 231 برقم «724») ومن أبرز رجال الشيعة طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني، أبو عبد الرحمن اليماني، وأمه من الفرس، وأبوه من النمر بن قاسط، قال ابن سعد: قال الواقدي، وقال الذهلي: إنه مولى بجير بن ريسان الحميري (رجال صحيح البخاري: ج 1، ص 377). وقد أرسل أهل السنة كونه من سلف الشيعة إرسال المسلمات (المراجعات للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين ص 140 ترجمة رقم «43» المراجعة 16)، عدة من رجالهم كل من الشهرستاني (الملل والنحل: ج 1 ص 190 فصل: «رجال الشيعة ومصنفو كتبهم من المحدثين») وابن قتيبة (المعارف: ص 1) وقد احتج به أصحاب الصحاح الستة (صحيح الترمذي: ج 1 ص 56، كتاب الطهارة، باب 53 حديث 70؛ وفي سنن أبي داود كتاب الطهارة باب: الإستبراء من البول، حديث 20؛ سنن النسائي: كتاب المناسك حديث رقم (2821 و 2922)، كتاب الطلاق حديث رقم «3406، 3516»، كتاب الهبة حديث رقم «3694 و 3706» وغيرها في كتب الرقى والقسامة والأشربة). وقال عنه ابن حبان: كان من أعبد أهل اليمن ومن سادات التابعين، وكان مستجاب الدعوة (الثقات للحافظ محمد بن حبان: ج 4، ص 391). وقال ابن حجر: ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ (تهذيب التهذيب لابن حجر: ص 223). وقال ابن معين: ثقة، وكذا قال أبو زرعة (تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 3، ص 9). وعده الأردبيلي من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام (جامع الرواة للأردبيلي الغروي: ج 1، ص 420)، وقال عنه عمرو بن دينار (كما في التهذيب لابن حجر: ج 5، ص 9): ما رأيت أحداً أعف مما في أيدي الناس من طاووس، وقال ابن عينية: مجتنبو السلطان ثلاثة: أبو ذر في زمانه، وطاووس في زمانه،

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقبل فاطمة، فقالت له: أتحبها يا رسول الله ؟ فقال:

أما والله لو علمت حبي لها لازددت لها حبّاً، إنه لما عرج بي إلى السماء الرابعة أذن جبرائيل وأقام ميكائيل، ثم قيل لي: أدن يا محمد، فقلت أتقدم وأنت بمحضري يا جبرائيل ؟ قال: نعم إن الله عزّوجلّ فضل أنبياءه والمرسلين على ملائكته المقربين، وفضلك أنت خاصة، فدنوت فصليت بأهل السماء الرابعة، ثم التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام في روضة من رياض الجنة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة، ثم إني صرت إلى السماء الخامسة، ومنها إلى السادسة فنوديت: يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك عليّ ، فلما صرت إلى الحجب أخذ جبرائيل عليه السلام بيدي فأدخلني الجنة فإذا أنا بشجرة من نور في أصلها ملكان يطويان الحلل والحلي، فقلت: حبيبي جبرائيل لمن هذه الشجرة ؟ فقال: هذه لأخيك علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذان الملكان يطويان له الحلي والحلل إلى يوم القيامة، ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد، وأطيب من المسك وأحلى من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي فلما أن هبطت إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة عليها السلام(1).

ص: 221


1- علل الشرايع للصدوق: ج 1، ص 184، الباب 147، ح 2؛ البحار للمجلسي: ج 8، ص 189، ح 160.

مسائل البحث في الحديث:

المسألة الأولى: التأكيد على حب فاطمة عليها السلام

من الأمور التي تستوقف الإنسان وهو ينظر في سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو حبه لفاطمة عليها السلام وما من كاتب كتب عن هذه السيرة إلا وقد بدا متعجباً لهذه العلاقة ومستفهماً عن تلك الروابط القوية التي تربط النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببضعته الطاهرة.

وهنا في هذا الحديث يلفت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم انتباه عائشة إلى مقدار حبه لفاطمة، لدرجة أنه صلى الله عليه وآله وسلم يعطي مرتبة لهذا الحب يتعسر على عائشة معرفتها، فلذلك هو يقسم بالله عزّ وجلّ لزوجته بقوله:

«أما والله لو علمت حبي لها لازددت حباً».

و

«لو» هنا تفيد انتفاء العلم فيما مضى وكونه مستلزماً ثبوته لثبوت الزيادة وهو معنى قول ابن مالك في

«لو»:

(لو) حرف شرط يقتضي امتناع ما *** يلي وكون تِلوِ تلْوٍ لازماً(1)

أي إنه لو ثبتت الزيادة في حبها لفاطمة عليها السلام لثبت العلم، ولعدم الإمكان في حصول العلم لدى عائشة بشكل يكاد يكون قطعياً، ولعلمه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فلقد جاء ب - (لو) مع القسم.

أي: استحالة أن تعلم عائشة بمقدار حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 222


1- شرح الكافية الشافية لابن مالك: ج 3 ص 1631.

لفاطمة عليها الصلاة والسلام، وهذا يدل على عدم حب عائشة لفاطمة عليها السلام بأكثر مما هي عليه.

المسألة الثانية: (هذه لأخيك علي بن أبي طالب عليه السلام)

إن حادثة المؤاخاة بين النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من الخصائص التي برزت في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام؛ بل هي فضيلة لم يحظَ بها أحد غيره وانعدام الحظوة لسببين:

1 - لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العالمين وهو يلزم وجود الأهلية والكفاءة لبلوغ مقام الأخوة له صلى الله عليه وآله وسلم.

2 - لوجود الكفاءة والأهلية في علي بن أبي طالب عليه السلام فهو الكفء الوحيد له في أخوته، ولانعدامها في غيره من العالمين، فليس هناك كالنبي أخٌ لعلي وليس هناك كعلي أخٌ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولقد آخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمام علياً عليه السلام مرتين(1) وقد جاءت الحادثة مسجلة

ص: 223


1- راجع في مؤاخاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام: صحيح سنن الترمذي برقم «3729»، كتاب المناقب: ج 13، ص 169 من شرح الأحوذي لسنن الترمذي؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج 8، ص 649 برقم «6487»؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3، ص 14؛ مصابيح السنة للبغوي: ج 42، ص 173 برقم «4769»؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 73 حديث «7» من الفصل الثاني باب «9»؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 142 الأحاديث «14655-14656-14657»؛ تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع مع المستدرك: ج 3، ص 14؛ مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي: ج 3 ص 1720 برقم «6048»؛ كفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص 193 و 194؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص 21؛ تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي الحنفي ص 20 و 22 و 23 و 24؛ مناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي: ص 37 حديث 57 و 59 و 60 و 65؛ سيرة ابن

ومدونة في صحاح المسلمين بنصوص ثابتة وبطرق صحيحة عن كل من ابن عباس، وابن عمر، وزيد بن أرقم، وزيد بن أوفى، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، ومخدوج بن يزيد، وعمر بن الخطاب، والبراء بن عازب، وعلي بن أبي طالب عليه السلام وغيرهم.

وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام:

«أنت أخي في الدنيا والآخرة»(1).

بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد نصبه أخاً له منذ بداية الدعوة إلى التوحيد في حديث الدار المشهور وقد أخذ برقبة علي:

«إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»(2).

فهل سمعوا له وأطاعوا؟ سيمر علينا جوابه في مظلومية فاطمة عليها السلام.

ص: 224


1- الطبقات لابن سعد: ج 3، ص 22.
2- تاريخ الطبري: ج 2، ص 321؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 1، ص 661؛ وفي تفسير الطبري: ج 11، ص 122 ط دار الفكر لكن مما يؤسف له أن يد الظالمين حرفت آخر الحديث وحذفت كلمتي: «ووصيي وخليفتي فيكم» وأبدلت بكلمة: «كذا وكذا»، فإن الحديث بهذا الشكل: «على أن يكون أخي، كذا وكذا» تفسير معالم التنزيل للبغوي: ج 3، ص 481؛ تفسير الخازن: ج 5، ص 127 ط دار الفكر، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13، ص 210 و 214، شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 371، 514 و 580؛ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 1، ص 85 حديث 193 و 140 و 141؛ البحار للمجلسي: ج 38، ص 222، ح 23.

المبحث الرابع: إنها عليها السلام خلقت من تفاحة من الجنة

الحديث الأول

عن ابن عمارة عن أبيه عن جابر، عن أبي جعفر - الباقر - عليه السلام عن جابر ابن عبد الله الأنصاري قال: (قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك تلثم فاطمة وتلزمها وتدنيها منك وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك ؟ فقال:

«إن جبرائيل عليه السلام أتاني بتفاحة من الجنة فأكلتها فتحولت ماء في صلبي ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة الجنة»)(1).

ورد في الحديث لفظ (أحد بناتك) وقلنا في الفصول السابقة إن المراد بكلمة (بناتك) الربائب؛(2) لأن العرب اعتادت أن تطلق على الربيبة اسم البنت فكان

ص: 225


1- علل الشرايع للصدوق: ج 1، ص 183، الباب 147، ح 1؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 5، حديث 4؛ تاريخ بغداد للخطيب: ج 5؛ ص 17؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 146، ح 54.
2- لقد وفقنا الله تعالى للبحث في هذه المسألة بشكل موسع ضمن كتاب: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، في الجزء الأول من الكتاب، ضمن عنوان: بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين النقل والعقل.

هذا هو لسانهم الذي بعث عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى:

وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اَللّٰهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (1) .

الحديث الثاني
اشارة

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أعطيت تفاحة ليلة المعراج فأكلتها فصارت ماءً في ظهري فلما رجعت واقعت خديجة فحملت بفاطمة فإذا هي: حورية إنسية سماوية أرضية»(2).

مسائل البحث في الحديثين:

المسألة الأولى: (الحوراء الإنسية)
اشارة

قد اشتهر هذا الاسم وهذه الصفة لفاطمة عليها السلام بشكل كبير، لاسيما عند محبيها وشيعتها، وقد انفردت به صلوات الله عليها دون غيرها من نساء العالمين حتى السيدة مريم عليها السلام التي نص القرآن على اصطفائها وطهارتها.

حيث قال تعالى:

وَ إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اِصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ اَلْعٰالَمِينَ (3) .

ص: 226


1- سورة إبراهيم، آية: 4.
2- معجم الأوائل: ص 478.
3- سورة آل عمران، الآية: 42.

فإنه لم تحظَ بهذه الصفات (الحوراء الإنسية).

أما سبب تسميتها ووصفها بالحوراء الإنسية السماوية الأرضية للأسباب التالية:

1. لأنها عليها السلام خلقت من نور الله عزّ وجلّ

جاء هذا في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما تحدث عن خلق نور فاطمة عليها السلام فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال:

(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

خلق الله نور فاطمة عليها السلام قبل أن يخلق الأرض والسماء.

فقال بعض الناس: يا نبيّ الله فليست هي إنسية ؟

فقال:

فاطمة حوراء إنسية.

قالوا: يا نبيّ الله وكيف هي حوراء إنسية ؟ قال:

خلقها الله عزّ وجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلما خلق الله عزّ وجلّ آدم عرضت على آدم)(1).

2. لأنها عليها السلام خلقت من ثمار الجنة

جاء ذلك أيضاً من خلال أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبخاصة تلك الرواية التي تخبر عن نوع هذه الثمرة التي خلقت منها فاطمة عليها السلام

ص: 227


1- معاني الأخبار للصدوق: ص 396، ح 53؛ البحار للمجلسي: ج 43 ص 4 حديث 3.

وهي (الرطب)(1).

وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأطيب رائحة من المسك وأحلى من العسل فأخذت رطبة فأكلتها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي فلما أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة»(2).

أما لماذا جاءت هذه التسمية أي (الحوراء الإنسية) في هذه الرواية التي تحدثت عن خلق فاطمة من ثمار الجنة ؟

ألف: فربما لخصوصية خاصة في هذه الثمرة التي أطعمها الله لمريم عند ولادة نبي الله عيسى عليه السلام.

باء: أو ربما لما حوته هذه الثمرة من كم هائل من المعادن والفيتامينات التي اكتشفها الطب الحديث؛ فقد حوت على المعادن التالية:

(الفسفور، الحديد، الكالسيوم، ويحتوي التمر على الحامض الأميني (اللارجنين) ويحتوي على الفيتامينات التالية: (A) ، (C) ، (K) ، (B1) ، (B2) ، (PP) ، ويحتوي على حامض الفوليك: Foligue Acid ، ويحتوي على البيوتين « Bietine »).

ص: 228


1- بحار الأنوار: ج 8 ص 190؛ علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 184، الباب 147، ح 2؛ كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 87؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 147، ح 55/55.
2- عيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب: ص 50؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 239، ح 320؛ تفسير فرات الكوفي: ص 76، ح 31-49.

وتبلغ أهمية الحامض الأنيمي (اللارجنين) للإنسان لكونه يدخل بنسبة مرتفعة في البروتينات المكونة لنواة الخلية أو البروتمينات والهسنونات والأسرمان والأسبرميدين حيث يوجدان في النطفة الآدمية(1).

ومن هنا تظهر أهمية التمر، ومن هنا نحصل على أحد المعاني التي لأجلها أطعم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هذه الثمرة.

3. لأنها عليها السلام لا ترى ما ترى النساء عند انقطاع الطهر

إن من الأسباب التي كانت وراء تسمية فاطمة عليها السلام بالحوراء الإنسية وتفردها بذلك عن النساء وهو ما سنتناوله بمزيد من البيان في باب أسمائها، إلا أننا نقول قد ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام شواهد تدل على اختصاصها بهذه الميزة الخاصة ومنها قوله تعالى:

إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(2) .

فالتطهير يستلزم عدم انقطاع الطهر، كما إنها عليها السلام شوهدت تصلي بعد ولادة أبنائها عند دخول وقت الصلاة ولم يكن بينها وبينا الصلاة إلا ساعات قلائل(3).

وهذا يعني انها لم يكن لها نفاس وكانت لا ترى ما ترى النساء في كل شهر، أي إنها طاهرة من الحيض(4).

ص: 229


1- الفاكهة غذاء ودواء للدكتور البقاعي: ص 50-57.
2- سورة الأحزاب، آية: 33.
3- دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري: ص 150، ح 62/62؛ المحتضر لحسن بن سليمان: ص 243، ح 329.
4- أخبار الدول للقرماني: ج 1 ص 256.
الحديث الثالث
اشارة

عن عائشة قالت: يا رسول الله مالك إذا قبّلت فاطمة جعلت لسانك في فيها فكأنك تريد أن تلعقها عسلاًَ فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنه لما أسري بي أدخلني جبرائيل الجنة فناولني تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في ظهري فلما نزلت من السماء واقعت خديجة ففاطمة من تلك النطفة فكلما اشتقت إلى تلك التفاحة قبلتها»(1).

مسائل البحث في الحديث:

المسألة الأولى: (فكأنك تريد أن تلعقها عسلاً)
أولا: ما هو السبب الذي جعل ابن الجوزي والذهبي يعدان هذه الرواية من (الموضوعات)؟

هذه الرواية قد عدّها ابن الجوزي، والذهبي من الموضوعات(2)، والسبب في ذلك هو لاعتقاد ابن الجوزي والذهبي بأن فاطمة ولدت قبل الإسراء، وحيث إن عقيدة المصنف لا يعتد بها كدليل على صحة الرواية أو عدمها فإن هذه الرواية ليست من الموضوعات - كما سيمر لاحقاً -.

ص: 230


1- شرف النبوة لأبي سعيد الخركوشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق برقم «1887»؛ ونقله عنه الديار بكري في تاريخ الخميس: ج 1 ص 277، وقال: أخرجه الملا في سيرته، كما جاء خلق فاطمة من تفاحة الجنة في: أخبار الدول للقرماني: ج 1، ص 256؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 36؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 131، ح 369؛ الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي: ج 1، ص 170؛ ذكر أخبار اصبهان للحافظ الأصبهاني: ج 1، ص 78.
2- الموضوعات لابن جوزي: ج 1، ص 412؛ ميزان الاعتدال: ج 3، ص 540؛ تاريخ بغداد للبغدادي: ج 5، ص 293؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 36.
ثانيا: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطي صورة مخالفة لما صورته عائشة في فعل تقبيله لابنته فاطمة وتفسيراً جديداً

أن السؤال الذي طرحته عائشة زوج النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، هو في حقيقته يحمل تفسيراً لما كانت تراه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يقبل ابنته وقلبه وروحه التي بين جنبيه فاطمة عليها السلام وقد أعطت في وصفها ذلك صورة جمالية في فعل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فالذي يفهم من كلامها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم بهذا الفعل لكي يسقي فاطمة العسل: وهو بنص تعبيرها: (فكأنك تريد أن تلعقها عسلاً)، بينما نرى أن جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطى صورة مخالفة للصورة والتفسير الذي أبدته عائشة ؟!

وبمعنى أوضح: إن عائشة وصفت طعم ريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم كأنه العسل، فعندما يضع لسانه في فم ابنته البضعة النبوية فهو يلعقها ويسقيها من هذا العسل الذي هو ريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد دلّت الأخبار على أن ريق النبي كان أحلى من العسل، فمنها:

1 - إنّ ريقه يعذب الماء المالح(1).

2 - إنّ الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام عندما ولد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجعل لسانه في فم الحسن عليه السلام(2)، وفي رواية إنه صنع هذا الصنيع مع الإمام الحسين عليه السلام خاصة فأخذ الحسين

ص: 231


1- الخصوصيات النبوية لابن قضيب البان (مخطوط) في مكتبة الأسد بدمشق برقم (12730).
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي: ج 2، ص 232، ح 696.

عليه السلام يمص لسانه صلى الله عليه وآله وسلم حتى شبع ونام، وبعدها لم يكن ليأخذ لبن مرضعة حتى يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيلقمه لسانه، وظل هكذا لعدة شهور حتى نما عظمه ولحمه وعصبه من ريق النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم(1).

فإذن هي تصف طعم ريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو في حقيقته أحلى من العسل، وأي عسل في الحياة الدنيا يستطيع ان يحول طعم الماء المالح إلى ماء عذب من دون أن يلاحظ فيه أثر للملح.

نعم يمكن أن يجعله مقبولاً لدى من يشربه، لكن أن يزيل أثر الملح من الماء، فهذا أمر مخالف لقوانين الطبيعة التي سنها الله تعالى، حتى لو جمع عسل الدنيا، فإنه لا يزيل ذرات الملح من الماء؛ لكن ريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم يغير الماء طعماً وتكويناً من ماءٍ أجاج إلى ماءٍ عذب فرات لذة للشاربين، إذ لا تتحقق اللذة إلا بالتغيير والتبديل لمكونات هذا الماء.

أما جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أتى ليعطي صورة تختلف عن الصورة التي أبدتها عائشة، فهو صلى الله عليه وآله وسلم يضع لسانه في فم البضعة النبوية فاطمة عليها السلام ليروي شوقه إلى الجنة، ويعيد إلى روحه الطاهرة المقدسة عذوبة ثمارها، لأن ابنته الطاهرة المطهرة خلقت من تلك الثمار.

ص: 232


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 465، ح 4.

المبحث الخامس: إنها خلقت من جميع ثمار الجنة

اشارة

عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكثر تقبيل فاطمة عليها السلام فقالت له عائشة: (بأبي أنت وأمي إني أراك تكثر تقبيل فاطمة) فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن جبرائيل ليلة أسري بي أدخلني الجنة وأطعمني من جميع ثمارها فصار ذلك ماء في صلبي فحملت مني خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت إلى تلك الثمار قبلت فاطمة فأصبت من ريح تلك الثمار التي أكلتها»(1).

مسائل البحث في الحديث:

أولا: (فأصبت من ريح تلك الثمار)

هذا الحديث جاء ليعطي صورة أخرى لعلة تقبيل النبي صلى الله عليه وآله

ص: 233


1- ذخائر العقبى لمحب الدين الطبرسي: ص 36؛ تاريخ الخميس للديار بكري: ج 1، ص 277؛ أخبار الدول للقرماني: ج 1، ص 256-257؛ مناقب الإمام علي عليه السلام لابن المغازلي: ص 222 برقم (406). ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج 2، ص 131، ح 369.

وسلم ابنته فاطمة عليها السلام، وهو يقرب المعنى أكثر لما مرَّ في الحديث السابق. إلا أن الصورة الجديدة هي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصرح لعائشة بأن رائحة فاطمة عليها السلام هي رائحة ثمار الجنة.

فكيف يمكن أن تكون صفة هذه العطور؟ الله ورسوله أعلم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الوحيد الذي أكل من جميع هذه الثمار، وهو الوحيد الذي شم عطرها.

ثانيا: أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان كثير الاشتياق إلى الجنة

إن الأمر الآخر الذي يظهر من خلال هذا الحديث إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان كثير الشوق إلى الجنة وكثرة الشوق دفعته إلى كثرة التقبيل لابنته الحوراء الإنسية الزهراء عليها السلام، وهو ما أثار اهتمام عائشة قائلة له صلى الله عليه وآله وسلم: (إني أراك تكثر تقبيل فاطمة).

ص: 234

المبحث السادس: إنها عليها السلام خلقت من ثمرة شجرة من أشجار الجنة

اشارة

عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل فاطمة، فقلت يا رسول الله إني أراك تفعل شيئاً ما كنت أراك تفعله من قبل ؟ فقال:

«يا حميراء إنه لما اسري بي إلى السماء أُدخلت الجنة فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم أر في الجنة شجرة هي أحسن منها ولا أبيض منها ورقة ولا أطيب منها ثمرة فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت ريح فاطمة، يا حميراء إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتلون»(1).

ص: 235


1- المعجم الكبير للطبراني: ج 22 ص 401 حديث (1000)؛ البحار للمجلسي: ج 37 ص 64؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 326؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 110؛ إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي: ج 1، ص 291.

مسائل البحث في الحديث:

المسألة الأولى: اعتراض ابن الجوزي على هذا الحديث

قد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وقال: (هذا حديث موضوع لا يشك المبتدئ في العلم في وضعه، فكيف بالمتبحر، ولقد كان الذي وضعه أجهل الجهال بالنقل والتاريخ فإن فاطمة ولدت قبل النبوة بخمس سنين... الخ)(1).

والذي يظهر من خلال حديث ابن الجوزي أن الدليل الذي استدل به على وضع الرواية هو اعتماده على رواية ابن إسحاق التي يذكر فيها أن فاطمة ولدت قبل البعثة بخمس سنوات وعليه فإن ولادة فاطمة تكون قبل الإسراء والمعراج بسنين عديدة!؟

وأقول: لا أدري ما الذي جعل ابن الجوزي يتمسك بهذه الرواية التي أخرجها ابن إسحاق في سيرته(2)، وترك العديد من الروايات التي تنص على أن فاطمة عليها السلام ولدت بعد البعثة فمنهم من قال: (إنها ولدت رأس البعثة)(3)، ومنهم من قال: (إنها ولدت سنة إحدى وأربعين) وهو ما اعتمده ابن عبد البر وسار على أثره الكثير من الحفاظ(4)، أضافة إلى ما جاء أيضاً عن الكثير من

ص: 236


1- الموضوعات لابن الجوزي: ج 1 ص 412-413؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 12، ص 109، ح 34228.
2- السيّر والمغازي: ص 82.
3- تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 75؛ منح المدح لابن سعيد الناس: ص 355.
4- مستدرك الحاكم: ج 3 ص 63؛ الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 263؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 71؛ تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 20.

العلماء: (إنها ولدت سنة اثنتين وأربعين)(1).

فلماذا قد ترك ابن الجوزي جميع هذه الروايات واعتمد على رواية ابن إسحاق.

فهل ابن عبد البر أيضاً من الجهال عندما خالف رواية ابن إسحاق أو إن ابن الجوزي هو الوحيد المتبحر بالنقل والتاريخ الإسلامي أو إنه ثقيل على قلبه أن يرى أو يسمع فضيلة لفاطمة عليها السلام.

ومع هذا كله فإن الروايات الصحيحة الواردة عن أهل البيت النبوي عليهم الصلاة والسلام تنص على أن ولادة فاطمة عليها السلام كانت سنة خمس من البعثة النبوية على صاحبها وأهل بيته صلوات الرحمن وسلامه.

فهل يا ترى إن ابن الجوزي وغيره هم أعرف وأدرى بميلاد فاطمة عليها السلام من أولادها وأبنائها عليهم السلام ؟!

المسألة الثانية: (إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتلون)
اشارة

هذه الفقرة من الحديث تتضمن إشارات عديدة ومعانيَ جمة نشير إلى بعضها وهي كالآتي:

أولاً: ما معنى: إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ؟

هنا يشير صلى الله عليه وآله وسلم إلى حقيقة تتعلق بالجانب التكويني لفاطمة عليها السلام فهي من حيث النشأة التكوينية تختلف عن نساء الآدميين؛ إذ إن أهل البيت عليهم السلام يختلفون حتى من جهة التكوين الفايسلوجي فأبدانهم

ص: 237


1- نهاية الأرب للنويري: ج 18 ص 213؛ البحار: ج 43 ص 9.

كأبدان الآدميين ظاهراً لكنها ليست لها كثافة كما للآدميين فأجسامهم في ظاهرها آدمية لكن في حقيقتها نورانية.

ولقد جاءت السُنة النبوية بأحاديث كثيرة صحيحة تنص على اختلاف بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بني البشر من حيث التكوين والطبيعة الفايسلوجية.

وأما (المثلية) التي جاء بها القرآن الكريم(1) فهي المثلية من حيث الظواهر البشرية كالأكل والشرب والجماع والمرض والصحة والموت والبعث والنشور وحتى هذه الأمور التي هي من جهة (المثلية) فقد اختلف فيها صلى الله عليه وآله وسلم عن البشر، كقدرته على الجوع مع إتيانه لتسع نساء في الليلة الواحدة، وقد صرح لأصحابه عن اختلافه عنهم عندما منعهم من الوصال في رمضان وقد أدركهم الضعف فقالوا له إنك تواصل النساء؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقين»(2).

أضف إلى ذلك أن المراد من (المثلية) هو نفي الربوبية عنه صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما صرح به الوصي في آخر الآية بقوله تعالى:

أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(3) .

ص: 238


1- سورة الكهف، آية: 110، وهو قوله تعالى: قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحىٰ إِلَيَّ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ.
2- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصيام، باب الوصال برقم (1863)؛ ومسلم: باب الوصال، رقم 1105؛ المدونة الكبرى لمالك: ج 1، ص 237.
3- سورة الكهف، الآية: 110.

ولعل قائلاً يقول: وإن صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خوارق العادات لكونه نبياً فما بال فاطمة يُنسب لها ذلك أيضاً!؟

قلنا: دليله من أمرين:

الأمر الأول: قد تواترت الأحاديث في الصحاح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني»(1).

أي: (جزء مني)(2) فما يجري عليها من الحوادث النازلة بها والرعاية لها.

وإذا قيل: إن المراد من البضعة هي كونها ابنته، وكل مولود هو بضعة من أبويه.

قلنا: لم يرد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ذلك لأحد من ولده حتى في حال فقدهم وحزنه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم؛ بل لم يرد هذا القول عن أحد من الصحابة، أي لم يقل أحد منهم لولده: انك بضعة مني وماذا إلا لعلمهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قصد بقوله: (بضعة مني) أراد به الجانب الشرعي والتكليفي وهو الأمر الذي ألزمه بأعناقهم.

ومن هنا ذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة على فاطمة عليها السلام كالصلاة على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم(3)، وأن من سبها فقد كفر وأن

ص: 239


1- صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب: مناقب فاطمة: ج 2 ص 308 برقم (3510)؛ ومسلم في صحيحه: باب فضائل فاطمة؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 653.
2- إتحاف السائل للمناوي: ص 57.
3- إتحاف السائل للمناوي: ص 57؛ محاسن الوسائل: ص 283، نقلاً عن السهيلي؛ الزهور الندية للقسطلاني ص 213 طبع وتعليق: احمد بن محمد طاحون؛ أعلام النساء: ج 4 ص 152 - الهامش -.

حكمه كمن سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1).

ثانيا: ما معنى: إنّ فاطمة عليها السلام لا تعتل كما يعتلون ؟

أي إن فاطمة عليها السلام لا تعتل في كل شهر بسبب الحيض فهي عليها السلام البتول الطاهرة من كل رجس كما أنّه ليس لها نفاس(2)، وهذه بطبيعة الحال من الظواهر التي تلازم المرأة؛ لأنها خاضعة لقانون فايسلوجي في البدن أما فاطمة عليها السلام فهي تختلف عن نساء الآدميين كما قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 240


1- الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للسيد جعفر مرتضى: ج 11، ص 130.
2- كنز العمال للمتقي الهندي: ج 12 ص 109 برقم 34226؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 26.

الفصل الرابع: التهيئة النبوية لنزول الانوار الفاطمية

اشارة

ص: 241

ص: 242

تناولنا بحمد الله وتوفيقه في الفصل السابق الأحاديث التي تخبر عن خلق فاطمة من ثمار الجنة، وفي هذا الفصل سنتناول نفس المعنى لكن مع وجود الاختلاف بين هذا الفصل وذاك وهو أننا سنعرض هنا الأحاديث التي تخبر عن نزول جبرائيل عليه السلام بثمار من الجنة بينما كان الحديث في الفصل السابق يخص تناول النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الثمار في رحلة السماء رحلة الإسراء والمعراج.

ومن هنا فإن جميع هذه الأحاديث التي في البابين تنص على مسألة واحدة هي: (إن النطفة النورانية الزكية التي خلقت منها البضعة النبوية والصديقة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت من عالم الأمر وعالم النور من خلال ثمار الجنة).

أما كيف يمكن الجمع بين هذه الأحاديث وتلك السابقة ولاسيما إن فاطمة

ص: 243

الزهراء سلام الله عليها قد ولدت بعد المعراج بسنتين، أي إن هذه الثمار بقيت سنتين في بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومفاد الأحاديث يخبر عن انتقال هذا النور إلى خديجة عليها السلام بعد هذه الرحلة السماوية وهو محل إشكال ؟!

والجواب على ذلك من وجهين:

الوجه الأول: لا يصح قياس ثمار الجنة بثمار الدنيا

فهذه الثمار لا يمكن قياسها بثمار عالم الدنيا، وقد بينا في السابق أن هذه الثمار تحمل من المعاني الدنيوية المسميات لغرض بيان دلالة اللفظ الذي يطلق على هذه الثمرة أو تلك، ولكي يتناسب ذلك مع العقل البشري ولا تمجه أذهانهم، فالناس ليسوا بمستوى واحد من الإدراك والاستيعاب للحقائق.

وعليه فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما أراد أن يبين للناس منزلة فاطمة صلوات الله عليها ومقاماتها صاغ الأمر بشكله الذي يستوعبه السامع أما بواطن الكلمات وألطاف معانيها فهي لذوي القلوب النيرة والآذان الواعية.

ومن هنا فإن معنى تناول النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ثمار الجنة في الإسراء والمعراج كان لغاية واحدة، هذه الغاية هي انتقال النور الإلهي إلى صلب النبوة، وإن الحكمة الإلهية اقتضت أن يتم انتقال هذا النور على مرحلتين، المرحلة الأولى: تتم في الإسراء والمعراج وفي مكان خاص من السماء وهي السماء السادسة التي جعل الله فيها الجنة وأن يكون المرشد والطاعم والدليل هو روح القدس، وأمين الوحي جبرائيل عليه السلام، وإن يكون هذا النور من ضمن هيأة خاصة وعناصر محددة من اللون والطعم والرائحة، فكل لون من الألوان له أسراره الخاصة به

ص: 244

ومدلولاته الكونية، فلذا ترى تعدد الثمار من: (رطبٍ ، وتفاحٍ ، وسفرجل)، مع ثمرة شجرة طوبى التي لم تصرح الرواية عن طبيعتها ولم تذكر صفاتها.

كل ذلك لأسرار خاصة بنور فاطمة صلوات الله عليها، فهذه هي الغاية التي من أجلها تناول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هذه الثمار؛ في الجنة، وليست الغاية هي تذويق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الثمار إذ ما أسهل ذلك عليه وهو الذي يبيت عند ربه كل ليلة وله مُطعم يطعمه وساقٍ يسقيه(1)! فهذه هي المرحلة الأولى من انتقال النور من عالم الأمر، أي: عالم السماء، إلى عالم الشهادة، أي: الأرض.

ثم تكون المرحلة الثانية من انتقال النور الإلهي وجمعه في الأرض من خلال نزول جبرائيل عليه السلام حاملاً هذه الثمار فيضاف إليها (العنب) وهو ما لم تشرِ إليه الأحاديث التي تحدثت عن تناول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هذه الثمار في الجنة، أي: إن الثمار التي تناولها النبي في الأرض قد اقتصرت على صنفين وهما العنب والرطب وهو لحكمة خاصة سيمر بيانها.

وعليه: فيمكن أن يكون هذا النور الإلهي الذي خلقت منه البضعة النبوية فاطمة الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام قد انتقل إلى صلب النبوة مفرقاً على هيأة شعبتين، الأولى كانت في الجنة والثانية كانت في الدنيا لتجمع هاتين الشعبتين في صلب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض وينقل إلى رحم الطاهرة خديجة بنت خويلد عليها السلام.

ص: 245


1- صحيح البخاري، كتاب الصيام، باب: الوصال، برقم 1863؛ ومسلم في صحيحه، كتاب الصوم، باب: الوصال، برقم 1105.

الوجه الثاني: خصوصية بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

إذ إنّ من خواص بدن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو حفظ ما يرد إليه من الأنوار الإلهية والفيوضات الرحمانية لتناسب طبيعة بدنه المقدس مع هذه الأنوار بإذن الله عزّ وجلّ .

فضلاً عن أن من المعاجز النبوية التي فاقت معجزة إبراهيم الخليل عليه السلام هي معجزة احتفاظ بدن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لنار السم الذي احتوته كتف الشاة المشوية لمدة عام حتى ظهر أثره عليه وتوفي شهيداً بسببه وهو ما دل عليه قول الإمام الحسن السبط الشهيد عليه الصلاة والسلام:

«ما منا إلا مسموم أومقتول»(1).

وعليه فإن بقاء ماء هذه الثمار في بدنه المقدس وفي صلبه النوراني النبوي أولى من بقاء نار السم الذي أطعم.

أما العلة في بقاء السم دون ظهور أي إشارة فذلك لكونه أفضل الأنبياء والمرسلين وهذا التفضيل يقتضي الشدة في الابتلاء، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما أوذي نبي مثل ما أوذيت»(2).

ص: 246


1- كفاية الأثر للخزاز القمي: ص 228؛ البحار للمجلسي: ج 27، ص 217؛ الأنوار البهية للشيخ عباس القمي: ص 322؛ مصباح الفقاهة للسيد الخوئي: ص 343؛ منهاج الصالحين للشيخ وحيد الخراساني: ج 1، ص 341.
2- تفسير الرازي: ج 4، ص 175؛ البحار للمجلسي: ج 39، ص 56؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 42.

وأن يأتي بجميع معاجز الأنبياء عليهم السلام وبشكل أكبر وأقوى من معاجزهم ومنها معجزة إبراهيم الخليل، وهي دخوله النار التي ألقي فيها فكانت معجزة النبي المصطفى أكبر من ذلك؛ إذ بقاء النار في جوف الإنسان وفي داخل بدنه لمدة عام كامل أكبر وأعظم بكثير من معجزة دخول النار للحظات والخروج منها سالماً بإذن الله تعالى.

وقد بيّن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هذه الحكمة في ابتلاء النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأظهر طرفاً من العلة في تفضيله عليهم حينما أجاب على مسائل بعض اليهود، فكان مما سألوه: (فإن إبراهيم عليه السلام قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر فجعل الله عزّ وجل عليه النار برداً وسلاماً فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك ؟ قال عليه السلام:

«لقد كان كذلك، ومحمد لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فصير الله السم في جوفه برداً وسلاما إلى منتهى أجله، فالسم يحرق إذا استقى كما أن النار تحرق، فهذا من قدرته لا تنكره»(1).

إذن كان الوجه الثاني: هو احتفاظه صلى الله عليه وآله وسلم بهذا النور أو بماء هذه الثمار في صلبه لمدة عامين أو أكثر بأمر الله تعالى، حتى حان الإذن الإلهي في انتقال هذه النطفة إلى الطاهرة خديجة عليها السلام.

وفيما يأتي نذكر هذه الأحاديث ونشير إلى معانيها التي وفقنا الله لبيانها والإشارة إليها بشفاعة البضعة المحمدية صلوات الله عليها.

ص: 247


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 319.

المبحث الأول: الله تعالى يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتهيؤ لنزول أمر مهم

الحديث الأول في نزول الثمار من الجنة لإطعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه (كان جالساً بالأبطح ومعه عمّار بن ياسر، ومنذر بن الضحضاح، وعلي بن أبي طالب عليه السلام، وغيرهم، إذ هبط عليه جبرائيل عليه السلام في صورته العظمى قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه:

«يا محمد العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام وهو يأمرك أن تعتزل خديجة أربعين صباحاً، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لها محبّاً وبها وامقاً».

قال: فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل، حتّى إذا كان في آخر أيامه ذلك بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال: قل لها:

ص: 248

«يا خديجة لا تظني إنّ انقطاعي عنك هجرة ولا قلى، ولكن ربّي عزّوجلّ أمرني بذلك لتنفيذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلا خيرا فإن الله عزّوجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كلّ يوم مراراً، فإذا جنّك الليل فأجيفي الباب وخذي مضجعك من فراشك، فإنّي في منزل فاطمة بن أسد».

فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

هذه المقطوعة اقتطعناها من حديث طويل سنورد بقية ما جاء فيه في المبحثين القادمين مع ما يناسبها من أحاديث أخرى.

مسائل البحث في الحديث:

يظهر الحديث الشريف أن الله عزّ وجلّ يأمر نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالتهيئة والاستعداد لتلقي أمر معين وعبر هذه الترتيبات وهذا التأهب تظهر أهمية هذا الأمر وعظم منزلته عند الله تبارك وتعالى، وهو ما سيوفقنا الله لبيانه من خلال هذه المسائل.

المسألة الأولى: لماذا الاعتزال لمدة أربعين يوماً؟
أولا: الاعتزال

هو منهج من مناهج القرآن الكريم وطريقة من طرق الأنبياء والمرسلين، وأسلوب تعبدي من أساليب الأولياء والصالحين بالتقرب إلى الله رب العالمين، وهو

ص: 249


1- بحار الأنوار: ج 16، ص 78-79، ح 20؛ الخصائص الفاطمية للكجوري: ج 1 ص 343-344؛ الأنوار البهية للشيخ عباس القمي: ص 53-54.

من الرياضات الروحية التي اعتمدت عليها مدارس العرفان لاسيما إذا توج بالتفكر والتأمل.

والقرآن الكريم يعرض هذا المنهج التعبدي التقربي في مواضع عدة ليبين آثاره على من انتهجه وسلكه، ومن ذلك قوله عزّ وجلّ في أصحاب الكهف:

وَ إِذِ اِعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ مٰا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اَللّٰهَ فَأْوُوا إِلَى اَلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً(1) .

فهذه الآية الكريمة ترشد العارف إلى خصيصتين من خواص الاعتزال وهي أنه يمنح المنتهج له آثار رحمة الله فيكون مستحقاً لهذه الرحمة فينشرها الله عليه.

وثانياً: إن الله عزّ وجلّ يهيئ للمتقرب إليه بهذه العبادة سبل النجاة وطرق الخلاص من المهلكات، كما كان واضحاً من حال هذه النخبة المؤمنة التي انتهجت هذا النهج التعبدي، لأن أهم ما في هذا النهج أنه من معين الإخلاص لله رب العالمين، فيروي القلب بمائه الصافي وينعش الروح بعذبه الفراتي.

ومن هنا تجده مرافقاً لأولياء الله عزّ وجلّ ، لأن الإخلاص غايتهم الموصولة إلى رياض القدس الإلهية وموجباً لنزول الفيوضات الربانية، كما كان حال العذراء مريم عليها السلام ونهجها التجردي الاعتزالي التعبدي إلى الله عزّ وجلّ فكانت لا ترى أحداً ولا يراها أحد إلا نبي الله زكريا عليه السلام فلم تأخذها العاطفة إلى أهلها والشوق إلى خاصتها وذويها؛ لأن الإخلاص لله غايتها.

قال تعالى:

ص: 250


1- سورة الكهف، آية: 16.

فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجٰاباً فَأَرْسَلْنٰا إِلَيْهٰا رُوحَنٰا فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِيًّا(1) .

فكانت بهذا النهج قد حازت على الاصطفاء والطهر من الله عزّ وجلّ ، وأصبحت موضعاً لامتداد النبوة، فمن خلالها لحق عيسى بإبراهيم عليهما السلام.

ثم ينقل القرآن الكريم صورة أخرى لهذا النهج التعبدي، ورائداً آخر من رواد هذا الصرح الولائي لله عزّ وجلّ لنلمس جانباً آخر من جوانب رحمة الله، وأثراً خاصّاً من آثار عناية الله ولوناً جديداً من ألوان المنّ الإلهي والفضل المولوي والعطاء الرباني على عبده ونبيه وخليله إبراهيم عليه السلام.

فنبي الله إبراهيم أيضاً قد سلك هذا المسلك وتقرب إلى الله عزّ وجلّ بهذا النوع من العبادة متقرباً بالإخلاص عبده إلى الله تعالى، فكان ذلك سبباً لنزول الرحمة الإلهية واختصاصه بالأفضال الربانية، وموجباً للعناية الإلهية بعد طول عناء وجهد واجتهاد.

قال تعالى:

فَلَمَّا اِعْتَزَلَهُمْ وَ مٰا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلاًّ جَعَلْنٰا نَبِيًّا(2) .

فكان (اعتزال) إبراهيم الخليل عليه السلام لقومه وما يعبدون من دون الله سبباً في نزول الرحمة الإلهية فوهب له عزّ شأنه الذريّة وخص هذه الذرية بالنبوة.

ص: 251


1- سورة مريم، آية: 17.
2- سورة مريم، آية 49.

ومن هنا:

يظهر لنا بعض أوجه الحكمة في اعتزال النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة عليها السلام متعبداً بهذا النهج، وكان مع اعتزاله صائماً في النهار وقائماً في الليل يتقرب إلى الله بأحب العبادات إليه وأوصلها إلى قربه ليلمس آثار رحمة الله العظمى ويتلقى الهبة الربانية والتحفة الإلهية وليعطى ما لم يعطِه الله لأحدٍ من العالمين، فهذه كوثر الأخيار، وحقة الأنوار، وأمة الملك الجبار، وأم الأئمة الأطهار صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.

ثانيا: علم الأعداد والحروف وشرافة العدد أربعين

إن علم الأعداد والحروف من بين أهم علوم أرباب الأسرار وأهل العرفان، والمتصوفة، وكان له رواج كبير لدى العلماء السابقين، أما المتأخرون فما يزال هناك من يأنس بهذا العلم لاسيما المهتمين منهم بالأمور العرفانية، وقد وردت معانٍ كثيرة لخواص هذا العدد في أحاديث أهل البيت عليهم الصلاة والسلام(1).

ونحن لا نريد أن ندخل في هذا العلم وأبوابه الواسعة وأسراره الخفية إلا أننا نقول فيما يخص الأعداد، ولاسيما فيما نحن بصدده وهو العدد (أربعون) - الذي جاءت به الرواية من خلال ما ذكره جبرائيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما حدد له المدة في الاعتزال - نقول: إن لهذا العدد سره الدفين الذي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم وهم محمد وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، فهم العارفون بخصائصه الغيبية.

ص: 252


1- تفسير الثقلين: ج 1، ص 162.

إلاّ أننا يمكن أن نصل إلى قناعة في أهمية هذا العدد وآثاره الغيبية عبر: (القرآن والعترة المحمدية)، فهذه الآيات القرآنية والأحاديث الواردة عن العترة المحمدية تعرض لنا بعض الحقائق المرتبطة بالأنبياء وعلاقتها بهذا العدد.

قال تعالى:

وَ إِذْ وٰاعَدْنٰا مُوسىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اِتَّخَذْتُمُ اَلْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظٰالِمُونَ (1) .

فالقرآن يعرض لنا في هذه الآية المدة التي غاب فيها موسى عليه السلام عن قومه وبعد انتهاء هذه المدة، أي الأربعون يوماً فإن القوم انقلبوا على أعقابهم واتخذوا عبادة العجل.

ثم يبين القرآن الكريم في نفس المجال فيطلق على هذا العدد ب - (الميقات) فيقول عزّ وجلّ :

وَ وٰاعَدْنٰا مُوسىٰ ثَلاٰثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنٰاهٰا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقٰاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (2) .

فالآية هنا تشير إلى سر خفي في هذا العدد الذي به يتم الميقات الإلهي.

والقرآن لا يقتصر في أسرار هذا العدد على الأنبياء عليهم السلام بل ينقل لنا صورة عن العقاب الإلهي للظالمين فيقول تعالى:

قٰالَ فَإِنَّهٰا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي اَلْأَرْضِ فَلاٰ تَأْسَ عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْفٰاسِقِينَ (3) .

ص: 253


1- سورة البقرة، آية: 51.
2- سورة الأعراف، آية 142.
3- سورة المائدة، آية: 26.

وهم قوم نبي الله موسى الذين رفضوا دخول الأرض المقدسة فتاهوا أربعين سنة في البيداء.

ثم ينتقل القرآن الكريم إلى مجال آخر فيشير إلى تكرر هذا العدد في موضع جديد، وهو كمال العقل والأشد، قال تعالى:

حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قٰالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ (1) .

ومن هنا نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد هبط عليه جبرائيل عليه السلام في الأربعين من عمره الشريف فبعثه الله رحمة للعالمين.

أما ما جاء في الأحاديث الواردة عن العترة الطاهرة فكثيرة في هذا المجال، نذكر ما تيسر منها تيمناً.

فقد ورد ذكر هذا العدد في حفظ الأحاديث النبوية على ناطقها وآله آلاف الصلاة والسلام، وأثر هذا الحفظ المقيد بالأربعين حديثاً على الإنسان في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«من حفظ عني من أمتي أربعين حديثاً في دينه يريد وجه الله عزّوجلّ والدار الآخرة بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً»(2).

وقد ورد أيضاً ذكر هذا العدد وبيان آثاره فيمن أخلص لله عزّ وجلّ مدّة من الزمن بتمامه، فعن أبي جعفر الباقر عليه الصلاة والسلام أنه قال:

«ما أخلص عبد الإيمان لله أربعين يوماً أو قال: ما أجمل عبد ذكر الله أربعين يوماً

ص: 254


1- سورة الأحقاف، آية: 15.
2- بحار الأنوار: ج 2، ص 153 و 154، ح 3 و 5 و 6؛ الخصال للصدوق: ص 542، ح 17؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 8، ص 45، ح 595.

إلا زهّدَه الله في الدنيا وبصَّره داءها ودواءها وأثبتت الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه»(1).

وجاء ذكره فيمن أراد التوجه إلى الله عزّ وجلّ بالدعاء وطلب الاستجابة في قضاء الحوائج أن يقدم الاستغفار لأربعين مؤمناً ويدعو لهم حتى يضمن لنفسه الاستجابة وقضاء الحاجة.

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:

«من قدّم في دعائه أربعين من المؤمنين ثم دعا لنفسه استجيب له»(2).

ومنه جاء الاستحباب في تقديم أربعين مؤمناً يعدّهم بأسمائهم ويستغفر لهم في صلاة الوتر من نافلة الليل قبل أن يستغفر لنفسه.

ومن الأسرار الخفية في قضاء الحوائج هو أنّ اجتماع أربعين رجلاً في مجلس واحد يدعون الله عزّ وجلّ في أمرٍ ما ليقضي الله لهم هذا الأمر ويستجيب لهم، وهو ما جاء عن الإمام جعفر بن محمد الصادق روحي فداه، قال عليه السلام:

«ما من رهط أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزّ وجلّ في أمر إلا استجاب لهم»(3).

ومنها استحباب رش قبر الميت لمدة أربعين يوماً في كل يوم مرة، وقد أمر

ص: 255


1- البحار: ج 70، ص 240، حديث 8؛ جامع السعادات للنراقي: ج 2، ص 313؛ مستدرك الوسائل للنوري: ص 295، ح 17/5901.
2- وسائل الشيعة: ج 4 باب 45 من أبواب الدعاء ص 1154 حديث 5؛ الأمالي للصدوق: ص 541، ح 725؛ البحار للمجلسي: ج 90، ص 384، ح 6.
3- وسائل الشيعة: ج 4 باب 38 ص 1143 حديث 1؛ الكافي للكليني: ج 2، ص 487، باب الاجتماع في الدعاء، ح 1؛ عدة الداعي لابن فهد الحلي: ص 144.

الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما صاحب أحد المقابر بأن يرش قبر يونس بن يعقوب فقال: أمرني أن أرش قبره أربعين شهراً، أو أربعين يوماً، في كل يوم مرة(1).

ومنها أن مراحل تكوين الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام، أربعين يوماً لكل مرحلة، فيكون الجنين عند ذلك في شهره السادس وهو قوله تعالى:

ثُمَّ خَلَقْنَا اَلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا اَلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا اَلْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا اَلْعِظٰامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ (2) .

وغيرها من الأحاديث في المجالات المختلفة فإن جميعها تدل على أسرار هذا العدد وشرافته من بين الأعداد عند الله عزّ وجلّ .

وعليه نلمس العناية الإلهية في اعتزال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هذه المدة من الزمن؛ لكي يتهيأ ويستعد لاستقبال الهبة الربانية والتحفة الإلهية وهو في نفس الوقت يكشف عن عظم الأمر الذي ينزل به جبرائيل عليه السلام وكبر شأنه عند الله تعالى؛ لأنه استلزم اعتزال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً متعبداً فيها صائماً قائما مصلياً متصدقاً متقرباً إلى الله عزّ وجلّ .

ص: 256


1- وسائل الشيعة «آل البيت»: ج 2 ص 860 باب 32 من الدفق حديث 6؛ وسائل الشيعة «الإسلامية»: ج 3، ص 197، باب 33، ح (3393) 6؛ كشف اللثام للفاضل الهندي: ج 2، ص 396، الفصل الرابع.
2- سورة المؤمنون، آية: 14.
المسألة الثانية: جبرائيل عليه السلام يهبط في صورته العظمى
اشارة

لا بد من الحديث عن الملائكة قبل الدخول في معنى نزول الملك جبرائيل عليه السلام بصورته العظمى، حتى نصل إلى نتيجة البحث وندرك معنى الأمر، ونفهم عظم المسألة التي استعد لها أشرف خلق الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فأما معنى تسميتهم بالملائكة: فهو إما مشتقة من الألوكة بمعنى (الرسالة)، أو مشتقة من الملك بمعنى (العبودية) المحضة الخالصة.

والملائكة المدبرات والمقدرات، وملائكة الجنة والنار، والملائكة الذين هم حملة التدبير والتقدير والتسخير وغيرها، سميت ملكا لظهور مبدأ الاشتقاق فيه، لأنهم رسل الله في إيصال ما يتحملونه من جهات الفيض ورؤوس المشيئة إلى محالها ومواقعها كما نصّ عليهم بأنهم رسل الله في قوله تعالى:

إِنّٰا رُسُلُ (1) .

وهم المتمحضون في العبودية والمخلصون في الطاعة:

لاٰ يَعْصُونَ اَللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ (2) بحال من الأحوال وطور من الأطوار، كما نص عليهم بقوله:

وَ جَعَلُوا اَلْمَلاٰئِكَةَ اَلَّذِينَ هُمْ عِبٰادُ اَلرَّحْمٰنِ إِنٰاثاً(3) .

وقوله تعالى:

ص: 257


1- سورة هود، آية: 81.
2- سورة التحريم، آية: 6.
3- سورة الزخرف، آية: 19.

بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (1) .

وقوله تعالى:

لاٰ يَعْصُونَ اَللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ (2) .

فلما ظهر فيهم مبدأ الاشتقاق وتحققت المناسبة المطلوبة بين اللفظ والمعنى أطلق عليهم لفظ الملائكة، وإلا فهم صنف آخر ونوع آخر غير جنس الجن والإنس وغيرهم، وإنما سموا (ملائكة) لهذه العلة التي هي ظهور مبدأ الاشتقاق، فعلى هذا كل شيء فيه هذا المعنى يصح إطلاق لفظ الملائكة عليهم(3).

وهي - أي الملائكة - (ذوات نورانية قد اضمحلت فيهم جهة الميولات النفسانية والشهوات الإنسانية والجنسية، فغلبت عليهم جهة النور، بحيث اضمحلت فيهم الظلمة بالرمة فلا أثر لها بالكلية)(4) وهذا القول مأخوذ من أقوال العترة المحمدية صلوات الله وسلامه عليهم.

فقد وصفهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه:

«صور عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد، تحلى بها فأشرقت، وطالعها فتلألأت، وألقى في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله»(5).

وفيما يخص الملائكة من أحاديث فهي كثيرة جداً في مدرسة ثقل القرآن

ص: 258


1- سورة الأنبياء، الآيتان: 26-27.
2- سورة التحريم، آية: 6
3- أنوار الغيب للعالم الرباني السيد كاظم الحسيني الرشتي رحمهُ الله: ص 50.
4- شرح القصيدة للسيد كاظم الرشتي أعلى الله مقامه: السؤال 15 ص 231، أنوار الغيب: ص 46.
5- كتاب أصول العقائد: ص 184.

وعترة الهادي إلى طريق الرحمن، أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم إلا أننا أوردنا هذا المقدار؛ لكي لا يطول بنا الوقوف عند هذا البحث وهو ليس قصدنا وغايتنا بقدر ما نريد أن نمهد لمعنى نزول جبرائيل عليه السلام بصورته العظمى ونضيف إلى ذلك أنهم ملائكة عليهم السلام لهم مراتب ثابتة فلا يستطيع أحدهم الصعود إلى مرتبة أعلى من خلال طاعته وهو ما جاء في قول مولانا وسيدنا الإمام الصادق سلام الله عليه في الملائكة:

«إنهم ناقصون لا يحتملون الزيادة»(1).

وهي بمعنى أوضح:

أن الملك ناقص لا يحتمل الكمال؛ لأنه صورة عارية عن المواد خالية عن القوة والاستعداد؛ لأن الملك مطبوع على الطاعة ومقطوع عليها، مثلاً ميكائيل عليه السلام لما خلقه الله تعالى، له مقام ومرتبة ولكنه لا يزيد ولا ينمو بطاعته وخدمته لله تعالى إلى مقام أرفع وأعلى من الآن.

وإنما هو كالسراج إذا أشعلته في أول الليل وأتيت إليه في آخر الليل لا تجده أنور وأشد ضوءاً عن أول الليل، فإنه نور لا يوجد في مقابلته ظلمة.

وأما الإنسان فإنه تتساوى عنده باختياره نسبة الطاعة إلى المعصية، فإنه مركب من قوى رحمانية عقلية ومن قوى حيوانية، فهو متردد بين الكمال والنقصان، فبطاعته ينمو ويزداد ويترقى إلى مقام القرب الإلهي كسلمان المحمدي رضوان الله عليه فإنه انقطع إلى الله وإلى عبادته مع وجود النقيض في النفس(2)،

ص: 259


1- البحار للمجلسي: ج 3، ص 15 و 37.
2- أنوار الغيب للسيد كاظم الحسيني الرشتي: ص 53.

وهو أول الصحابة المنتجبين وأسبق الشيعة إلى ولاية آل الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.

لذلك تجدهم عليهم السلام في مراتب مختلفة فمنهم (العالون) وهم: (اسرافيل، وجبرائيل، وميكائيل وعزرائيل) عليهم السلام، ومنهم الكروبيون وهم:

الذين

«جعلهم الله خلف العرش، ولو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم».

وهو قول مولانا الإمام الصادق عليه السلام في وصفهم(1).

والقرآن الكريم يذكر أنواع الملائكة في قوله تعالى:

وَ اَلنّٰازِعٰاتِ غَرْقاً وَ اَلنّٰاشِطٰاتِ نَشْطاً وَ اَلسّٰابِحٰاتِ سَبْحاً فَالسّٰابِقٰاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّرٰاتِ أَمْراً(2) .

وقوله تعالى:

فَالْعٰاصِفٰاتِ عَصْفاً وَ اَلنّٰاشِرٰاتِ نَشْراً فَالْفٰارِقٰاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِيٰاتِ ذِكْراً(3) .

وقوله:

وَ اَلْمُرْسَلاٰتِ عُرْفاً فَالْعٰاصِفٰاتِ عَصْفاً وَ اَلنّٰاشِرٰاتِ نَشْراً فَالْفٰارِقٰاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِيٰاتِ ذِكْراً(4) .

ولكونهم ذوات نورانية، وقوى روحانية وجسمانية، ذوات شعور وإدراك

ص: 260


1- البحار للعلامة المجلسي: ج 56 ص 184، رواية 26.
2- سورة النازعات، الآيات: 1-5.
3- سورة الصافات، الآية: 1-3.
4- سورة المرسلات، آية: 1-5.

واختيار، لكنها لضعف تركيبها وعدم كمال انعقادها وغلبة نوريتها تتشكل بأشكال مختلفة، وتظهر بصور مختلفة، ما عدا الصور القبيحة والخبيثة(1).

وقد كان جبرائيل عليه السلام يظهر بصورة (دحية الكلبي) وهو أحد صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ظهر بصورته مرات عديدة للمسلمين بشكل جماعي وهم ذاهبون لغزوة خيبر(2)، وبشكل منفرد كما ظهر لأم سلمة رضي الله عنها(3).

بينما كان يظهر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بصورة رجل جميل الصورة عذب الصوت، كما ظهر لمريم بهيأة بشرية:

فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِيًّا(4) .

أي: جميل الصورة والصوت.

ثانيا: المواضع التي ظهر فيها جبرائيل بصورته العظمى
اشارة

أما صورته الأصلية فلم يظهر فيها إلا في ثلاثة مواضع:

الموضع الأول: في غار حراء، يوم المبعث

تجلى فيه جبرائيل عليه السلام بصورته الأصلية في غار حراء يوم المبعث في السابع والعشرين من شهر رجب لسنة أربعين من عمره المبارك، وفي هذا اليوم،

ص: 261


1- أنوار الغيب للسيد كاظم الرشتي: ص 41.
2- تاريخ الطبري: ج 2، ص 246؛ والبداية والنهاية: ج 4، ص 136؛ الكافي للكليني: ج 2، ص 587، ح 25؛ أمالي الصدوق: ص 426 سنن النسائي: ج 8، ص 103.
3- صحيح مسلم، كتاب المناقب، مناقب أم سلمة رضي الله عنها.
4- سورة مريم، آية: 17.

وفي هذا الموضع، ولهذا الأمر شأن ومنزلة وخطرٌ عظيمٌ عند الله عزّ وجلّ ، ولذا تراه تجلى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بصورته الأصلية.

الموضع الثاني: عند سدرة المنتهى

فقد تجلى فيه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بصورته العظمى التي خلقه الله عليها ليلة الإسراء والمعراج.

وهو مفاد قوله تعالى:

وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرىٰ عِنْدَ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهىٰ (1) .

وهذه الصورة التي عليها جبرائيل عليه السلام كانت آية من آيات الله الكبرى، ولقوله تعالى:

مٰا زٰاغَ اَلْبَصَرُ وَ مٰا طَغىٰ لَقَدْ رَأىٰ مِنْ آيٰاتِ رَبِّهِ اَلْكُبْرىٰ (2) .

الموضع الثالث: في ليلة انعقاد النطفة الزكية لخلق فاطمة عليها السلام

هو عند نزول أمر الله تعالى لنبيه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالاعتزال عن خديجة عليها السلام والناس لمدة أربعين يوماً، وفي هذا دليل على عظمة مهمّته وجلالة الأمر الذي جاء به، وهو انعقاد نطفة أم الأئمة الأطهار وزوجة ولي الله حيدرة الكرار صلى الله عليهم أجمعين(3).

ص: 262


1- سورة النجم، آية: 13-14.
2- سورة النجم، آية: 17-18.
3- الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري: ج 1، ص 344. العدد القوية لعلي بن يوسف الحلي: ص 220. البحار للمجلسي: ج 16، ص 78.
ثالثا: أثر الاعتزال والرياضة النفسية في خلق الجنين

إن التعبد بصيام أربعين يوم وقيام لياليها، واعتزال الخلق، وهجران الزوجة، وتشديد الشوق والميل الطبيعي بين السيدة خديجة والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كل ذلك يكون له الأثر الخاص في انعقاد النطفة الزكية، خصوصاً إذا ألحق به ارتياض سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم رياضة تكسر الشهوات وتكدر اللذات حتى حصل الاستعداد لقبول الهدية السماوية والعطية الربانية، لئلا يقع القصور والفتور بعد الرياضة النفسانية في عملية إيداع تلك الوديعة الإلهية.

رابعاً: الأدب النبوي في بيان حبه لزوجه خديجة عليها السلام

إن بعثه صلى الله عليه وآله وسلم لعمار بن ياسر رضوان الله عليه إلى خديجة ليطمئنها عليه وينقل لها كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان مقامها ومنزلتها عند الله وإنه ليباهي ملائكته بها كل ذلك دلائل على عظم منزلتها عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو دليل على حب النبي الكبير للسيدة الجليلة خديجة سلام الله عليها.

ص: 263

المبحث الثاني: جبرائيل عليه السلام ينزل بالنور الفاطمي من الجنة

اشارة

تناولنا في الفصل الأول: اعتزال النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً صائماً قائماً مصلياً متصدقاً متقرباً إلى الله عزّ وجلّ .

ونورد هنا ما كان من مجريات للأحداث التي رافقت هذا الأمر الإلهي لسيد الأنبياء وأكرم ما خلق الله عزّ وجلّ حبيبه المصطفى وعبده المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم.

قال سيدنا ومولانا روحي له الفدى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه:

«فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد! العليّ الأعلى يقرئك السلام هو يأمرك بأن تتأهب لتحيته وتحفته.

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبرائيل وما تحفة ربّ العالمين ؟ وما تحيته ؟، قال: لا علم لي، قال: فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس، أو قال: إستبرق، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقبل جبرائيل عليه السلام وقال: يا محمد يأمرك ربّك أن تجعل

ص: 264

الليلة إفطارك على هذا الطعام.

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام:

كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يريد الإفطار، فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي على باب المنزل وقال: يا بن أبي طالب، إنه طعام محرم إلا عليّ .

قال علي عليه السلام:

فجلست على الباب وخلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالطعام وكشف الطبق، فإذا عُثق من رطب وعنقود من عنب فأكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه شبعاً، وشرب من الماء رياً، ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرائيل وغسل يده ميكائيل وتمندل له اسرافيل، وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء ثم قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصلي فأقبل جبرائيل وقال: الصلاة محرّمة عليك في وقتك حتى تأتي خديجة فتواقعها، فإن الله عزّ وجلّ آل على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة، فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى منزل خديجة»(1).

مسائل البحث في الحديث:

المسألة الأولى: اشتراك الملائكة الثلاثة عليهم السلام في إيصال الوديعة

نزول الملائكة المقربين الثلاثة وهم العالون، خصوصاً اسرافيل، حيث لم ينزل قط سوى هذه المرة مصحوباً بالتشريفات الخاصة من السندس والإبريق

ص: 265


1- بحار الأنوار: ج 16، ص 79، باب 5؛ الدر النظيم لابن حاتم العاملي: ص 453؛ العدد القوية لعلي بن يوسف الحلي: ص 221؛ بيت الأحزان للشيخ عباس القمي: ص 20؛ الخصائص الفاطمية للكجوري رحمه الله: ج 1 ص 344-345.

والمنديل والماء والطبق من الجنة مع ما قاموا به عليهم السلام من تقسيم في الخدمة في حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك (التشريف) السماوي فكان الذي أفاض الماء جبرائيل عليه السلام والذي غسل يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميكائيل، والحال كان يكفي بصب الماء على اليدين فيقوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغسلهما لكن أن يقوم ميكائيل عليه السلام بغسل يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم غاية قصوى في التشرف بخدمته، كذلك الحال بالنسبة لاسرافيل عليه السلام فإنه يمكن للنبي أن يأخذ المنديل من اسرافيل عليه السلام فيمسح يديه بذلك المنديل لكن أن يقوم اسرافيل ويمندل يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمسحهما فهو تشريف لاسرافيل عليه السلام وإكرام لفاطمة صلوات الله عليها، حيث أنزلت تلك العطايا والهدايا يحملها عظماء سكان الملأ الأعلى.

وكيف لا وهي صاحبة النور الأوحد الذي خلقه الله من نور عظمته فأشرقت به السماوات والأرضون، وقد غشي أبصار الملائكة فخروا لله ساجدين وبحمده قائلين وبثنائه مسبحين.

المسألة الثانية: (هل لإفطار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرطب والعنب علاقة بفاطمة عليها السلام)؟!
اشارة

اختيار الرطب والعنب فطوراً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن دون حكمة إلهية بل إن ذلك من ألطاف حكمة الله عزّ شأنه وهو العزيز الحكيم، فما من شيء إلا وله عند الله سر خفي، لكن لا يظهره لحكمةٍ أجراها وسنة أمضاها في خلقه عز شأنه.

ص: 266

وعليه: فان للرطب والعنب خصوصية خاصة مع فاطمة صلوات الله عليها، كما أن لهما خصوصية غذائية لم تكن قد وجدت في غيرهما.

أما علاقتهما بالزهراء صلوات الله عليها فمن خلال بعض الأمور:

الأمر الأول: لتزويد هذه الحبات العنبية من نور القناديل

قد مرّ في باب نور فاطمة صلوات الله عليها إن الله تبارك وتعالى قد ابتلى الملائكة بظلمة شديدة لم تتمكن الملائكة فيها أن ترى أولها من آخرها ولا آخرها من أولها مما دعاها إلى التضرع إلى الله عزّ وجلّ بالأشباح النورانية الخمسة التي تطوف بالعرش أن يكشف عنها هذه الظلمة فاستجاب لها وكان خلاصها من هذه الظلمة أن أخرج من نور فاطمة قناديل، وفي رواية قنديل، فعلقها بالعرش فأشرقت السماوات والأرض بنور هذه القناديل.

وعندما أراد الله عزّ وجلّ أن ينقل هذا النور إلى صلب النبوة والرسالة المحمدية كان الانتقال على مرحلتين، المرحلة الأولى: كانت في عالم السماء وتحديداً في السماء السادسة على هيأة ثمار تناولها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أما المرحلة الثانية من انتقال النور الفاطمي إلى الصلب المحمدي فكان في الأرض تجسماً على هيأة عثق من الرطب وعنقود من العنب، وهنا يظهر اللطف الإلهي بانتقال هذه الأنوار التي حوتها القناديل إلى حبات الرطب وحبات العنب، فحملت كل حبة من الرطب والعنب نوراً من تلك القناديل.

ومن هذه الأنوار الفاطمية اكتسبت حبات الرطب وحبات العنب اللون الأسود والأحمر والأصفر والأخضر بتدرجاتها التكوينية في الحياة الدنيا، ولذلك

ص: 267

نجد أن هذه الألوان مشتركة في الرطب والعنب مع أن اللون الغالب في الرطب هو الأصفر وهو الوقت الذي يتحول فيه النور الفاطمي عند الزوال إلى الصفرة - كما سيمر بيانه -، كما أن اللون الغالب لأكثر أنواع العنب الأصفر المخضر.

الأمر الثاني: لما يحمل العنب من آثار متعددة في مجالات مختلفة نص عليها القرآن والسنة
اشارة

أما بالنسبة للرطب فقد مر بيانه في المبحث الثالث من فصل (خلقها من ثمار الجنة)، وبقي أن نذكر آثار العنب وخواصه الغذائية والعلاجية في الطب قديماً وحديثاً مما أكسبه تاريخاً قديماً، فقد عرفته الشعوب واهتمت به كثيراً وقامت بنسج الأساطير حوله، وأكثرت من ذكر الحكايات التي تدور حوله ولاسيما شجرته، وهي شجرة مقدسة عند البرتغاليين والأمريكيين الأصليين.

ومما زاد في اهتمام الناس بهذه الثمرة هو وجودها في الكتب السماوية الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن الكريم.

ألف: وروده في القرآن وعلاقته بفاطمة

فقد ورد ذكره في القرآن في إحدى عشرة آية، وهي:

1. قال تعالى:

أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنٰابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ(1) .

2. قال تعالى:

ص: 268


1- سورة البقرة، آية: 266.

وَ هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مٰاءً فَأَخْرَجْنٰا بِهِ نَبٰاتَ كُلِّ شَيْ ءٍ فَأَخْرَجْنٰا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرٰاكِباً وَ مِنَ اَلنَّخْلِ مِنْ طَلْعِهٰا قِنْوٰانٌ دٰانِيَةٌ وَ جَنّٰاتٍ مِنْ أَعْنٰابٍ (1) .

3. وقوله تعالى:

وَ فِي اَلْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجٰاوِرٰاتٌ وَ جَنّٰاتٌ مِنْ أَعْنٰابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوٰانٌ (2) .

4. وقوله تعالى:

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ اَلزَّرْعَ وَ اَلزَّيْتُونَ وَ اَلنَّخِيلَ وَ اَلْأَعْنٰابَ وَ مِنْ كُلِّ اَلثَّمَرٰاتِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) .

5. وقوله تعالى:

وَ مِنْ ثَمَرٰاتِ اَلنَّخِيلِ وَ اَلْأَعْنٰابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) .

6. وقوله تعالى:

وَ اِضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنٰا لِأَحَدِهِمٰا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنٰابٍ وَ حَفَفْنٰاهُمٰا بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنٰا بَيْنَهُمٰا زَرْعاً(5) .

ص: 269


1- سورة الأنعام، آية: 99.
2- سورة الرعد، آية: 4.
3- سورة النحل، آية: 11.
4- سورة النحل، آية: 67.
5- سورة الكهف، آية: 32.

7. وقوله تعالى:

فَأَنْشَأْنٰا لَكُمْ بِهِ جَنّٰاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنٰابٍ لَكُمْ فِيهٰا فَوٰاكِهُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ (1) .

8. وقوله تعالى:

وَ جَعَلْنٰا فِيهٰا جَنّٰاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنٰابٍ وَ فَجَّرْنٰا فِيهٰا مِنَ اَلْعُيُونِ (2) .

9. وقوله تعالى:

حَدٰائِقَ وَ أَعْنٰاباً(3) .

10. وقوله تعالى:

وَ عِنَباً وَ قَضْباً(4) .

11. وقوله تعالى:

أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ اَلْأَنْهٰارَ خِلاٰلَهٰا تَفْجِيراً(5) .

ومما لا يخفى على البصير أن عدد أبناء فاطمة من الأئمة المعصومين هو أحد عشر إماماً أولهم الحسن المجتبى وآخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

باء: التلازم بين ذكر العنب والرطب في القرآن الكريم

ومما يلاحظ في الآيات التي مرت أن العنب كان يلازم الرطب مما يدل على

ص: 270


1- سورة المؤمنون، آية: 19.
2- سورة يس، الآية: 34.
3- سورة النبأ، آية: 32.
4- سورة عبس، آية: 28.
5- سورة الإسراء، آية: 91.

أهميتهما الغذائية، وهو الأمر الذي توصلت إليه البحوث الطبية فقد أظهرت هذه الأبحاث أن العنب يتمتع بقيمة غذائية عالية جداً ولحد الآن لم تتوصل الأبحاث إلى معرفة جميع فوائد هذه الثمرة لكن يمكن أن نلخص ذلك عبر قول بعض العلماء الذين وازنوا بينه وبين الحليب، بل ذهب بعضهم إلى أن العنب يفوق قيمة الحليب، ولعل أهم ما توصل إليه العلماء هو أن العنب أهم الفواكه على الإطلاق فائدة ومردوداً(1).

جيم: آثاره الغذائية

وأما ما يحتويه العنب من مواد فهي كالآتي لكل (100 غم) من ثمار العنب(2).

ص: 271


1- الفاكهة غذاء ودواء للبقاعي: ص 97.
2- الفاكهة غذاء ودواء للدكتور البقاعي: ص 96.

أما الزبيب وهو مجفف ثمار العنب فالجدول الذي يبين القيمة الغذائية لكل (100 غ) هو:

ص: 272

وهذه الآثار الغذائية التي جعلها الله تعالى في العنب تكشف عن تكريم الله لها لاقترانها بخلق فاطمة عليها السلام.

المسألة الثالثة: (هل يجوز تأخير الصلاة في شتى الأحوال لعلل راجحة)؟!
اشارة

قد جاء في الحديث:

قول جبرائيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي منزل خديجة».

أما الجواب على هذا السؤال فهو عند الفقهاء: (الجواز) فقد جاء في الشريعة السمحاء موارد عديدة يستثنى فيها من المبادرة إلى إقامة الصلاة في أول وقتها.

الأول: الظهر والعصر إذا أراد الإتيان بنافلتهما، وكذا الفجر إذا لم يقدم نافلتها قبل دخول الوقت، ما لم يتضيق وقت فضيلة الفريضة.

الثاني: مطلق الحاضرة لمن عليه قضاء يومه أول ليلته، فإن عليه المبادرة بالفائتة ما لم تتضيق الحاضرة حتى لو كان قد نوى الحاضرة فعليه أن يعدل إلى الفائتة، هذا إذا تذكر قبل فوات محلها، وذلك للنصوص(1)، التي لأجلها قيل بالمضايقة في قضاء يومه وليلته إلا في فريضة الفجر فلا يتقدم عليها فائتة لحديث أبي بصير وحديث ابن مسكان، كلاهما عن الإمام الصادق عليه السلام(2).

ص: 273


1- الوسائل، باب 62 من أبواب المواقيت، الحديث: 1، 2، 4، 7، 8 وجميع أحاديث الباب 63.
2- الوسائل، باب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 3-4.

الثالث: المتيمم مع احتمال زوال العُذر أو رجائه، أو لمن عليه البحث عن الماء غلوة سهم أو سهمين كما هو مبين في أحكام التيمم عند الفقهاء.

الرابع: لدفع الأخبثين للحاقن بهما، لقول الصادق عليه السلام:

«لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة»(1).

وقوله:

«لا تصلّ وأنت تجد شيئاً من الأخبثين»(2).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يصلي أحدكم وبه أحد العنصرين، يعني: البول والغائط»(3).

أي حتى يزيلهما ويتطهر من جديد ويصلّي.

الخامس: ليدرك فضيلة الجماعة، والمسجد، وحضور القلب، ولدرك كلّ فضيلة وكمال، ما لم يفض إلى الإفراط في التأخير.

السادس: المستحاضة الكبرى، لها أن تؤخر الظهر لتجمعها مع العصر بغسل واحد، وتؤخر المغرب لتجمعها مع العشاء كذلك.

السابع: المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات إلى المشعر، فله أن يؤخرهما ولو إلى ثلث الليل فيجمع بينها، وهذه من السنة المؤكدة ففي صحيح محمد بن

ص: 274


1- الوسائل، باب 8 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث: 2؛ أمالي الصدوق: ص 498، ح 12/683؛ المعتبر للمحقق الحلي: ج 2، ص 262؛ المحاسن لأحمد بن محمد البرقي: ج 1، ص 83.
2- الوسائل: باب 8 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث: 3-8؛ تذكرة الفقهاء: ج 3، ص 298؛ تهذيب الأحكام للطوسي: ج 2، ص 326، ح 1333.
3- المحاسن لأحمد بن محمد البرقي: ج 1، ص 82، ح 14.

مسلم عن أحدهما: لا تصلي المغرب حتى تأتي جمعاً(1) وإن ذهب ثلث الليل(2) ونحوه موثقة سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام(3).

الثامن: صلاة المغرب لمن ينتظره قوم صوّم يخشى أن يحبسهم عن إفطارهم، أو هو تشتاق نفسه إلى الإفطار وتنازعه. كما في صحيح الحلبي وحديث الفضيل وزرارة(4).

التاسع: من أتى بأربع ركعات من صلاة الليل أو أكثر، فدخل الفجر، فله أن يتم وتره مخففة ثم يصلي الفجر، ما لم يسفر الصبح أو تغور النجوم(5)، ونافلة الفجر أفضل من الوتر.

العاشر: صلاة المغرب للمسافر حتى يغيب الشفق، أو إلى ربع الليل، أو إلى ثلثه، بل مطلق الصلاة لمطلق المسافر المستعجل(6)، بل ولمطلق الاعتذار والاضطرار(7).

فجميع هذه الموارد قد وردت في الشريعة المحمدية عن طريق العترة النبوية صلوات الله عليهم أجمعين.

ص: 275


1- جمعاً: الجمع هو المشعر الحرام، ويسمى، أيضاً: المزدلفة.
2- الوسائل، باب 5، من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1-2؛ روض الجنان للشهيد الثاني: ص 186؛ منتهى المطلب للعلامة الحلي: ج 2، ص 723.
3- منتقى الجمعان للشيخ حسن صاحب المعالم: ج 3، ص 353.
4- الوسائل، باب 7 من أبواب آداب الصائم، الحديث 1-2.
5- الوسائل، الباب 47-48 من أبواب المواقيت.
6- الوسائل، الباب 19 من أبواب المواقيت.
7- أنظر: اجماعيات فقه الشيعة للفقيه المحقق إسماعيل الحسيني، الجزء الأول، كتاب الصلاة.

وقد ورد في التاريخ والسيرة العطرة لسيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم أنه قد أمر المسلمين بتأخير الصلاة في غزوة خيبر.

إضافة إلى ما ذكر فإن إدخال السرور على قلب مؤمن من السنن المستحبة المؤكدة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أفضل الأعمال بعد الفرائض إدخال السرور على قلب المؤمن»(1).

ومن المؤكد أن رؤية الوجه النوراني المشرق باللطف الرحماني لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم المسرات على قلب المؤمن ولاسيما زوجته الحبيبة خديجة الكبرى، وقد طال بها الانتظار لرؤياه وحدا بها الشوق لملقاه وآلمها الحنين لعذوبة صوته وحلاوة منطقه. ومما لا شك فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذ به الشوق والحنين إلى حبيبته وأم ولده سلام الله عليها، فما تأخير الصلاة عن أدائها في أول أوقاتها مع جميع هذه العلل الراجحة والحال التي عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا من باب العناية الإلهية بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

الحديث الثاني: في نزول الثمار من الجنة لإطعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

عن فرات بن إبراهيم الكوفي عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«معاشر الناس تدرون لما خلقت فاطمة ؟.

قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:

ص: 276


1- أعلام الدين في صفات المؤمنين للديلمي: ص 254.

خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية.

وقال:

خلقت من عرق جبرائيل ومن زغبه ؟

قالوا: يا رسول الله استشكل علينا، تقول:

حوراء إنسية لا إنسية.

ثم تقول:

من عرق جبرائيل وزغبه ؟

قال:

إذا أُنبئكم: أهدى إليّ ربي تفاحة من الجنة أتاني بها جبرائيل عليه السلام: فضمها إلى صدره، فعرق جبرائيل عليه السلام وعرقت التفاحة، فصار عرقهما شيئاً واحداً، ثم قال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. قلت: وعليك السلام يا جبرائيل، فقال: إن الله أهدى إليك تفاحة من الجنة، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري، ثم قال: يا محمد كلها.

قلت يا حبيبي يا جبرائيل هدية ربي تؤكل ؟ قال: نعم قد أُمرت بأكلها، فأفلقتها فرأيت منها نوراً ساطعاً ففزعت من ذلك النور، قال: كُل فإن ذلك نور المنصورة فاطمة.

قلت: يا جبرائيل ومن المنصورة ؟ قال: جارية تخرج من صلبك، واسمها في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة.... إلى آخر الحديث»(1).

ص: 277


1- بحار الأنوار: ج 43 ص 18 حديث 17 باب 2، تفسير فرات الكوفي: ص 321؛ الخصائص الفاطمية للكوجري: ج 1، ص 340.

قال العلامة المجلسي رحمه الله: الزغب: الشعيرات الصغرى على ريش الفرخ وكونها من زغب جبرائيل، أما لكون التفاحة فيها عرق وعلقت من بينهما، أو لأنه التصق بها بعض ذلك الزغب فأكله النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

مسائل البحث في الحديث:

المسألة الأولى: (خلقها عليها السلام من عرق جبرائيل وزغبه)

ذكرنا في السابق أن معنى كون فاطمة عليها السلام «حوراء إنسية» كان لسببين:

السبب الأول: (هو أنها خلقت من نور الله عزّ وجلّ قبل خلق آدم عليه السلام) كما مر في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

والسبب الثاني: هو (أنها خلقت من ثمار الجنة).

وفي هذا الحديث يبين النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم سبباً آخر لمعنى أنها (حوراء إنسية)، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم يضيف إلى هذا السبب الآخر لفظاً تفجرت منه معانٍ عديدة وحقائق كثيرة وإشارات إلى أسرار خفية، لعل الله يمنّ علينا بمعرفتها ويوفقنا لفهمها والإحاطة بها.

وهذا السبب الآخر لكونها حوراء إنسية، هو خلقها من زغب جبرائيل عليه السلام وعرقه الذي جمع مع ثمرة الجنة وقد ظهر هذا السبب في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا إنسية).

فلما استشكل الأمر على صحابته بيّن لهم معنى أنها: (حوراء إنسية لا إنسية)، لكن هذا البيان صاغه صلى الله عليه وآله وسلم بألفاظ تسمعها الأذن الحسية وتدركها

ص: 278

الأذن الواعية بأبعد معانيها وخواص مضامينها فحمل كل عاقل شرح الله قلبه للإيمان من هذا المعين العذب ما يقدر على حمله، وكلما وقف الظمآن على هذا المعين روى منه قلبه وأخذ به الشوق إلى الاغتراف منه غرفات لأجل نقلها إلى العطاشى من أحبابهم وإخوانهم، فكان إنفاقهم من وحي الحصول على الأجر والثواب فأنفقوا (كلاً على سعته).

ومن هنا فقد تناول أهل العرفان هذه الألفاظ وبينوا معانيها وأشاروا إلى لطائفها وخصائصها بأجمل المعاني وأوضح الإشارات وكأنهم قدموا هذا الماء الذي اغترفوه من معين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكؤوس منمقة ومناديل معطّرة لينالوا الحظ الأوفر في خدمة إخوانهم من المؤمنين وشيعة آل محمد الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

فمنهم من قال في بيان معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«خلقت من عرق جبرائيل وزغبه».

هو: (إن الجنة دار الحيوان ودار الله ومحل الرضوان، وكل ما فيها من أشجار وأثمار وأنهار وغيرها منسوب إلى الله، وجميع سكانها هم أهل الله وخيرته من خلقه وزبدة عبيده، كما أن الثمرة خلاصة الشجرة وعصارتها، وجبرائيل خير أهل الملكوت وعصارتهم، وعرق كل شيء أصفى منه وكأنه عصارة ذلك الشيء وجوهره)(1).

وفي الحديث إشارة إلى ان فاطمة عليها السلام خلقت من خلاصة دار الله

ص: 279


1- الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري: ج 1، ص 349.

وعصارة دار الحيوان، حيث أفيضت عليها الحياة الأبدية التي لا ممات فيها ولا فناء، بل هي حياة خالدة سرمدية، وقد ذكرت كتب الأخبار حديث وفاتها حينما ألقى الحسنان عليهما السلام بنفسيهما على بدنها فمدت باعها وأخرجت يداها من الكفن واحتضنتهما.

والخلاصة: أن هذا النحو من التكوين خاص بوجودها المقدس وليس لأحد هذا الشرف منذ أن سكن آدم وحواء في هذه الدار.

وخير لنا أن نبسط البيان فنقول: لم يرَ أحد جبرائيل بالعين الظاهرة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواه، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يراه بعينه النبوية لتجانسهما وتناسخهما، وعدم مغايرتهما في صفاء الجسمانية ومقتضى النورانية، ولأنهما من مبدأ واحد ومشتقان من مادة واحدة، ولا خلاف في اتصال نورهما وارتباط وجودهما.

وكذلك كان نور فاطمة الزهراء عليها السلام، الذي تجسد في صورة التفاحة من الجنة متحداً مع الذات النبوية المقدسة، وكان الحامل والمحمول والآكل والمأكول في غاية التلاؤم والتناسب.

وجبرائيل الأمين عليه السلام هو خلاصة سكان الملكوت الأعلى، وجسمه اللطيف غير الأجسام الترابية والظلمانية، وهو رشحة من رشحات الذات المقدسة، غير أنه كان إذا توجه إلى هذا العالم - الدنيوي - لبس كسوة تناسب هذا العالم، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يراه بهذه الكسوة فإذا أبلغ الوحي ورجع إلى مقره الأصلي خلع عنه تلك الكسوة وعاد إلى ما كان عليه.

ص: 280

والآن نسأل: من أين كان عرق جبرائيل ؟، أكان من بدنه الأصلي أم من بدنه المستعار؟

من المعلوم أن التعرق من لوازم هذا العالم وهذا البدن العنصري، فلا يبعد أن يقال: إن عرق جبرائيل كان من بدنه الملكي مع بقاء كون بدنه غير الأبدان العنصرية الظلمانيّة.

وإن قيل: إن عرقه كان من بدنه الأصلي، فقد يقال: إن ذلك البدن لا يعرق، وكل عاقل يعلم إن إدراك حقيقة جبرائيل لا تسعها عقولنا، فكيف نتصور عرقه وكذلك القول في زغبه وجناحه، حيث إن عالم البدن الأصلي لجبرائيل لا زغب فيه ولا جناح.

ومن هنا يعلم أن نور فاطمة في صورة تفاحة الجنة حقيقة، وإنما تصوّرت بهذه الصورة لتناسب مذاق روح العالمين - أي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم - وتكون مادة لتلك النطفة الزكية.

والتعرق من مقتضيات الحركة والحرارة، والمحرك هنا المحبة، حيث ضمّها جبرائيل كما تضم الروح العزيزة، وألصق تلك العطية السماوية والهدية العلية بصدره حتى امتزج بها عرقه وزغبه اللطيف، وناولها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعها على عينه وضمها إلى صدره إعظاماً لهدية الله ومحبّة لكرامة الله، ثم استأذن جبرائيل وتناولها.

ولا يقدر أحد قط أن يتصور حالة النشاط والسرور والانبساط التي عاشها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجبرائيل في تلك اللحظة.

ص: 281

أما جبرائيل فلأنه كان حاملاً ذلك النور الموقور المسرور، وأنه ردَّ الوديعة الإلهية وأوصل الأمانة، ويشهد لبالغ سروره شدّة التزامه وضمّه إياها إلى صدره وهو تعبير عن شدة الحب.

وأما النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فقد سرَّ لهذا العطاء والكوثر الكثير، لما امتن به الله عليه وأراه ثمرة شجرة وجوده وحاصل عمره واسترد الوديعة المنيفة حيث تناولها من يد الحقّ ، فعاد النور إلى النور ورجعت تلك اللطيفة الإلهية إلى مقرها الأصلي، وصار صلب النبي الأطهر صلى الله عليه وآله وسلم مقرّاً لذلك النور المطهر.

وأما زغب جبرائيل فكأنه تعويذ وحرز لحفظ روح قدّوة آل الخليل صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ورد نظيره في البصائر والبحار من تعويذ فاطمة عليها السلام الحسن والحسين عليهما السلام بزغب جبرائيل حيث جمعته وشدّته بساعديهما(1). وأيضاً عن الصادق عليه السلام:

أنه كان يجمع بيده المباركة من حجرته الشريفة ما يتناثر فيه من زغب الملائكة(2).

ص: 282


1- البحار للمجلسي: ج 43 ص 263 حديث 9 باب 12؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 162؛ ترجمة الإمام الحسن عليه السلام لابن عساكر: ص 113، ح 184.
2- البحار: ج 26 ص 353 حديث 8 باب 9، وفيه: عن الثمالي قال: دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السلام فاحتبس ساعة، ثم دخلت عليه البيت وهو يلتقط شيئاً وأدخل يده في وراء الستر فناوله من كان في البيت، فقلت: جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقط أي شيء؟ فقال: خصلة من زغب الملائكة نجمعه إذا جاءونا... الكافي للكليني: ج 1، ص 394؛ بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص 111؛ التفسير الصافي للفيض الكاشاني: ج 4، ص 231.

وأما إذا قلنا: إن زغب جبرائيل كان من جسده الأصلي، فلا يسعنا إلاّ أن نقول: إنها الإفاضات والبركات الخاصة.

وعليه: فالمراد من زغبه وعرقه الألطاف الخاصة والأفضال المختصة التي كان يفيضها مفيض الخير والجود على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجليل بواسطة جبرائيل عليه السلام.

وبعبارة أخرى: إن قسماً من أقسام النور وجود جبرائيل عليه السلام ألحق - حينئذٍ - بأمر الملك العلاّم بتلك النطفة الزكية، فأشرق فيها وصار جزءاً متماً ومكملاً لها في هذا العالم العنصري، وعبّر عن ذلك بالزغب والعرق لضيق عالم الملك والشهود عن استيعاب جزيئات الملكوت الأعلى، ولعل الصفرة التي تعتري وجه فاطمة الطاهرة وقت الظهر إشارة إلى صفة زغب جبرائيل عليه السلام، ولعله بقي هذا اللون وهو برزخ بين البياض والحمرة في وجهها الوضاء من إفاضات نور جبرائيل عليه السلام.

وأما إذا ذهبنا إلى أن العرق والزغب كانا من ذاك البدن اللطيف الحسي المستعار لجبرائيل كما ورد في الأخبار، فلا يعدو ذلك أن يكون خصيصة من خصائص فاطمة عليها السلام حيث امتزجت صورتها الحسية وقالبها الملكي - أي تفاحة الجنة - بذاك العرق والزغب، وليس في رجال الأبرار ولا نساء العالمين الأطهار من فاز بحمل هذا الفخر والمنزلة، وليس من النطف الزكية للأنبياء والأولياء نطفة واحدة كان جبرائيل عليه السلام وسيطاً في إقرارها في مستقرها، وهذا دليل على حرمتها وشرفها الذاتي، وهو إكرام وإعظام لسيد الأنام

ص: 283

عليه وآله الصلاة والسلام(1).

وأضيف إلى هذا البيان المستبان من الفيوضات الرحمانية لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على شيعتهم ومحبيهم، بهذا الوجه الآخر لمعنى أنها عليها الصلاة والسلام: (خلقت من عرق جبرائيل وزغبه) وهو:

أن جبرائيل عليه السلام هو الناقل للوحي وهو الوسيط في انتقال الفيوضات الإلهية إلى النفس المحمدية المقدسة، وأن محل استلام وتلقي الفيض الإلهي والوحي الرباني هو قلب جبرائيل عليه السلام فيحمله، أي الفيض الإلهي والوحي الرباني ويهبط به لينزله على قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فمن قلب جبرائيل عليه السلام إلى قلب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مفاد قوله تعالى:

نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ عَلىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ اَلْمُنْذِرِينَ (2) .

ومن هنا فإن حمل جبرائيل عليه السلام للتفاحة وتقبيلها ووضعها على عينه وضمها إلى صدره وهو موطن القلب، وموضع الوحي، وبيت الفيض الإلهي، وتعرقه ثم تعرق التفاحة فيكون عرقهما شيئاً واحداً، فهو عبارة عن مزج للمادة التي خلق منها جبرائيل مع المادة التي خلقت منها التفاحة وتجانسهما معاً، فيكون لهذا الاختلاط وهذا التجانس اشتراك في بدن فاطمة صلوات الله عليها، أي بمعنى: أن البدن الذي حوى النور الإلهي الفاطمي تكوّن من نفس المادة التي خلق

ص: 284


1- الخصائص الفاطمية للشيخ العارف الرباني الواعظ محمد باقر الكجوري رحمه الله: ج 1، ص 349-153 ط انتشارات الشريف الرضي - إيران.
2- سورة الشعراء، آية: 193-194.

منها بدن جبرائيل عليه السلام، لتجانس المادة في كلا البدنين.

وبمعنى أوضح لذوي القلوب النيرة، أن النور الفاطمي متصل بمحل نزول الفيض الإلهي للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أي القلب ولأجله قال بأبي وأمي:

«فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي»(1).

فما ينزل به جبرائيل عليه السلام من الفيض الرباني على قلب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يستقبله النور الإلهي الذي خلقت منه أم الأنوار الإلهية المرضية.

فإذا قيل:

ان ذلك يدعو إلى إشراك نور فاطمة عليها السلام بالنبوة؛ لان نورها هو محل استقبال الفيض الإلهي أي قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قلنا: إذا صح ذلك فهو ينطبق على جبرائيل عليه السلام؛ لأنه هو الأصل في نزول هذا الفيض على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأصبح بذلك شريكا - والعياذ بالله -.

في حين أنه عليه السلام الأمين على هذا الوحي وقد خلقه الله بكيفية خاصة لأداء هذا التكليف ولنفس الغرض خلقت فاطمة عليها السلام بكيفية خاصة نوهت إليها الأحاديث النبوية التي مر ذكرها لغرض أداء التكليف الإلهي الذي خلقت لأجله قلب النبوة وروحها.

ص: 285


1- كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 95؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 54؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ج 1، ص 666؛ المحتضر للحلي: ص 235.

وهو مفاد قوله: (فاطمة شجنة مني)(1).

وعليه كانت (حجة الله على الحجج الإلهية)، لأنها محل نزول الفيض الرباني على الحجج المعصومين لسنخية محل نورها مع محل الوحي أي امتزاج عرق بدن جبرائيل مع عرق التفاحة التي هي محل نور فاطمة عليها السلام.

وصلى الله على محمد عبده ورسوله وعلى علي عبده وأخي رسوله ووصيه وخليفته من بعده وعلى فاطمة أمته وابنت رسوله وزوجة وليه وعلى ولديها إمامي الرحمة وسبطي النبوة وعلى أولادها الأئمة التسعة من ولد الحسين صلوات الله عليهم أجمعين.

ص: 286


1- معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص 303؛ مناقب آل أبي طالب للمازندراني: ج 3، ص 112؛ مسند أحمد بن حنبل: ص 332؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 154؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 10، ص 26.

المبحث الثالث: انتقال النور الفاطمي إلى الأرض الطاهرة

اشارة

نكمل إن شاء الله تعالى في هذا المبحث رحلة النور والفيض الأقدس لكوثر الخير وحوض اليمن ونسمة الطهر فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، ومراحل تنقل هذا النور الإلهي من تحت ساق العرش وإشراقه في قناديل معلقة وانتقاله إلى الجنة فأودعه الرحمن في ثمارها ليستلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضمن مرحلتين، كانت الأولى في الجنة، وكانت الثانية من يد جبرائيل عليه السلام لتقر الوديعة الإلهية في قرار النبوة وصلب الرسالة وعمود الوحي وروح الشريعة، ثم ينتقل هذا النور الإلهي المودع في النطفة الزكية الفاطمية في أرض الطاهرة خديجة الكبرى سيدة النساء بعد فاطمة المحمدية.

فَتَقَبَّلَهٰا رَبُّهٰا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَهٰا نَبٰاتاً حَسَناً(1) .

لتنمو في تلك الأرض الطاهرة المطهرة المعدة لاستقبال النور الإلهي فتنال

ص: 287


1- سورة آل عمران، آية: 37.

بذلك ما لم تنلْهُ امرأة من العالمين، فأي رحمٍ حوى مثل فاطمة المطهرة ؟! وأي بطن نما فيه مثل البضعة الزاهرة ؟!

ولقد ذكرنا في المبحثين السابقين حديث خلق فاطمة عليها السلام من ثمار الجنة التي نزل بها جبرائيل عليه السلام بعد أن اعتزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة أربعين يوماً، وفي هذا المبحث نكمل ما بقي من هذا الحديث لاختصاصه بعنوان هذا المبحث. قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«قالت خديجة رضوان الله تعالى عليها: وكنت قد الفت الوحدة - بسبب اعتزال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها هذه المدة - فكان إذا جنني الليل غطيت رأسي، واسجفت ستري، وغلقت بابي، وصليت وردي، وأطفأت مصباحي، وآويت إلى فراشي، فلما كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمشبهة، إذ جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرع الباب، فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها إلا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟

قالت خديجة عليها السلام: فنادى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.

قالت عليها السلام: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وفتحت الباب ودخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنزل وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهر للصلاة ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما ثم يأوي إلى فراشه، فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالإناء ولم يتأهب للصلاة، غير أنّه أخذ بعضدي وأقعدني على فراشه وداعبني ومازحني وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء ما تباعد عني النبي

ص: 288

صلى الله عليه وآله وسلم حتى حسست بثقل فاطمة في بطني»(1).

مسائل البحث في الحديث الأول:

المسألة الأولى: (المنهاج التربوي الأسري عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم)

هنا في هذا الحديث تظهر لنا أم المؤمنين خديجة سلام الله عليها إحدى الصور المشرقة من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأسرية، فهو المعلم الأول في الحياة المدنية المتحضرة.

وهذه الصورة كانت تحكي عن جانب من الجوانب العديدة في الحياة الأسرية، يمتاز بالأهمية الكبيرة والتأثير النفسي في الأسرة وهو أحد المناهج التي تنمو بواسطتها الأسرة ولتنتج أبناء صلحاء نافعين لأنفسهم ولمجتمعهم.

ولذلك كيف يكون الأسلوب الذي يقوم به الزوج عند دخوله البيت ؟

هنا في هذه اللحظات القليلة والدقائق المعدودة ينظر الجميع ببالغ الأهمية لما يقوم به الأب من أفعال وينصتون إلى ما يخرج من فمه من كلمات، فإذا كانت مظاهر التعب والضجر واضحة على الأب انعكس ذلك على الزوجة والأولاد ولاسيما لو كانت في الأسرة بنيات فهن الأسرع تأثراً بهذا المنظر والأكثر شعوراً لما يظهر على الوالد.

ومن هنا: فإن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يدخل إلى البيت بهذا الشكل الذي نقلته هنا زوجته الحبيبة البارة المخلصة الوفية بهذه الكلمات: (وكان إذا

ص: 289


1- الأنوار البهية للشيخ عباس القمي: ص 56؛ العدد القوية لعلي بن يوسف الحلي: ص 222، ح 14؛ بيت الأحزان للشيخ عباس القمي: ص 21؛ الدر النظيم لابن حاتم العاملي: ص 453.

دخل المنزل دعا بالإناء فتطهر للصلاة ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما ثم يأوي إلى فراشه).

وهنا يظهر بشكل واضح هذا المنهاج التربوي الأسري الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالأب الذي يبدأ حياته الأسرية بالوضوء والصلاة فإنه يضفي على زوجته وأولاده الطمأنينة والسكينة والرحمة، وهو في نفس الوقت يعلمهم أهمية الصلاة وإنها المفتاح الذي يجب عليهم أن يفتتحوا به خطوات حياتهم، فيتمسكوا بها ويستعينوا بها ويكونوا مصادقاً لقوله:

وَ اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ اَلصَّلاٰةِ وَ إِنَّهٰا لَكَبِيرَةٌ إِلاّٰ عَلَى اَلْخٰاشِعِينَ (1) )(2).

المسألة الثانية: (المنهاج التربوي في العلاقة الزوجية)

ثم تمضي أم المؤمنين خديجة سلام الله عليها لتبين لنا صورة أخرى من الصور التعليمية في جميع جوانب الحياة الدنيوية والأخروية.

وهنا تنقلنا السيدة خديجة عليها السلام في رحاب العلاقة الزوجية لتشير إلى أهم الأسس التي يعتمد عليها قيام البيت، وهي صمام الأمان في الحياة الأسرية، فكم من أسرة تهدمت، وكم من علاقة زوجية فشلت، وكم من أطفال ضيعت، وكانت هي الضحية، بل هي التي تدفع ثمن الأسلوب الفاشل الذي يعتمده الأب في العلاقات الزوجية كحالات منفردة متعددة.

ص: 290


1- سورة البقرة، الآية: 45.
2- البحار للمجلسي: ج 16، ص 80؛ سنن النبي للسيد الطباطبائي: ص 185، الباب السادس، ح 4؛ الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري: ج 1، ص 345.

وعندما نقول الأب لأسباب كثيرة منها القيمومية التي لديه والقدرة في التحكم في شؤون الحياة الأسرية وغيرها.

ومن هنا فإن السيدة خديجة سلام الله عليها تصف لنا هذه العلاقة الزوجية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الكلمات الرقيقة والمنطق العذب والرقة والعاطفة والحب الكبير لهذا الزوج مع الحفاظ على العفة المحاطة بهذه الكلمات، والحشمة التي تفوح من هذه الألفاظ، قالت سلام الله عليها:

«فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالإناء ولم يتأهب للصلاة، غير إنه أخذ بعضدي وأقعدني على فراشه وداعبني ومازحني، وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها».

فهذه الكلمات على قلتها قد كشفت إحدى السنن النبوية في آداب المعاشرة الزوجية وتظهر بشكل كبير الأجواء العاطفية التي ينبغي لكل زوج أن يتعلمها ويستسن بها؛ لأن هذا التعامل يجمع الشفافية في الأسلوب، والجمال في المبادرة لاستجلاب وتحريك عاطفة المرأة واستدرار حبها.

ومن هنا فهذا المنهاج التربوي من أهم المناهج التي تدوم بها الحياة الأسرية وتستمر بواسطتها العلاقة الزوجية.

وقد اعتمد طب النفس الأسري في كثير من البحوث والدراسات على هذا المنهاج ووضعه كمنهاج يعتمد عليه قيام الرابط الأسري وهو أحد الأسس التي يقوم عليها دوام العلاقة الزوجية، وكم نحن اليوم بحاجة إلى مراجعة تلك السنن النبوية ومعرفة الآداب المحمدية في مختلف ضروب الحياة ولاسيما في الجانب الأسري كأزواج وآباء وإخوان وأبناء.

ص: 291

المسألة الثالثة: «الإحساس بثقل فاطمة عليها السلام»
اشارة

إن إحساس السيدة الطاهرة والصديقة الجليلة أم الزهراء صلوات الله عليها بثقل فاطمة عليها السلام، هو خلاف العادة البشرية، وعملية الإحساس بثقل الجنين يتحدد عند الأم بعد الشهر الرابع للحمل.

أمّا بالنسبة للسيدة خديجة عليها السلام فإن إحساسها بثقل فاطمة عليها السلام عائد إلى النطفة الزكية الحاملة للنور الفاطمي وهو كإحساس السيدة مريم عليها السلام بعد أن تمثل لها روح القدس عليه السلام بشراً سويا، فإحساسها بثقل فاطمة إنما هو من نور فاطمة وكونها من عصارة دار الآخرة وخلاصة نعيمها الممزوج بعرق روح القدس وزغبه وهو حامل الوحي والفيض الإلهي.

الحديث الثاني

عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لما أن مات ولدي من خديجة، أوحى الله إلي أن أمسك عن خديجة وكنت لها عاشقاً، فسألت الله أن يجمع بيني وبينها، فآتاني جبرائيل في شهر رمضان ليلة الجمعة لأربع وعشرين ومعه طبق من رطب الجنة فقال لي: يا محمد كل هذا وواقع خديجة الليلة، ففعلت فحملت بفاطمة، فما لثمت فاطمة إلاّ وجدت ريح ذلك الرطب وهو في عترتها إلى يوم القيامة»(1).

ص: 292


1- مقتل الحسين للخطيب الخوارزمي: ج 1 ص 68 الفصل الخامس نقلاً عن كتاب فضائل السادات؛ نوادر المعجزات لمحمد بن جرير الطبري: ص 83؛ شرح إحقاق الحق للمرعشي: ج 10، ص 5؛ الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري: ج 1، ص 342.

مسائل البحث في الحديث الثاني:

المسألة الأولى: (تعيين ليلة انعقاد النطفة الزكية النبوية لخلق فاطمة عليها السلام)

في هذا الحديث تعيين لليلة انعقاد النطفة الزكية لفاطمة صلوات الله عليها وهي ليلة الجمعة من شهر رمضان الواقعة في الليلة الرابعة والعشرين منه، وهذا التوقيت الدقيق لانتقال النور الفاطمي إلى رحم خديجة عليها السلام في غاية الاهتمام الرباني والعناية الإلهية، إذ لا يخفى أن العشر الأواخر من شهر رمضان هي أفضل لياليه وإن كل ليلة من هذه الليالي يطلب العباد فيها التوفيق لليلة القدر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«اطلبوها في العشر الأواخر»(1).

إضافة إلى فضل ليلة الجمعة على الليالي فسبحان من قدّر لها هذا التقدير وهيأ لها هذا الوقت المحفوف بالبركات ونزول الفيوضات الرحمانية.

وعليه:

فإن ولادتها الميمونة السعيدة تكون في شهر جمادى الآخرة وهو ما اشتهر في ميلادها ومطابقٌ لما نصت عليه الروايات الواردة عن العترة النبوية صلوات الله عليهم أجمعين.

ص: 293


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 2، ص 395، في ليلة القدر، ح 11؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 8، ص 633، ليلة القدر، ح 24486؛ تفسير الثعلبي: ج 10، ص 252؛ مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ص 467، ح (8669) 4.
المسألة الثانية: (القاسم وعبد الله عليهما السلام ولدا وماتا في الإسلام)

هذا الحديث يحمل دليلاً ينص على أن حقيقة أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم ثلاثة فقط، ولدان وهما القاسم وعبد الله وقد ولدا وماتا في الإسلام وفيها قال: العاص بن وائل السهمي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: دعوه فإنه مات ولده فهو أبتر، فأنزل الله تعالى فيه:

إِنَّ شٰانِئَكَ هُوَ اَلْأَبْتَرُ(1) .

وبنت واحدة هي فاطمة صلوات الله عليها والحديث واضح وضوح الشمس أن الله منَّ على نبيه الأعظم بفاطمة بعدهما، فكانت كوثر ذريته وأولاده وهو قوله تعالى:

إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ اَلْكَوْثَرَ(2) .

ولنا وقفة مع هذه السورة إن شاء الله تعالى(3).

ص: 294


1- سورة الكوثر، آية: 3.
2- سورة الكوثر، آية: 1.
3- للمزيد من الاطلاع والتعرف على هذه الحقيقة بشكل مفصل أنظر كتابنا (خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، الجزء الأول منه).

الفصل الخامس: ولادة فاطمة عليها السلام

اشارة

ص: 295

ص: 296

المبحث الأول: فاطمة عليها السلام في الأرحام المطهرة

اشارة

أصبح من البديهي ونحن نسير بمنهج القرآن الكريم في حديثه عن الشخصية الرسالية أن يكون لمرحلة الإعداد الرحمي (الجنينية) لبضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم خصوصياتها وسماتها المتفردة.

فمثلما كانت المرحلة الجنينية لنبي الله عيسى عليه السلام تحظى بسماتها الخاصة كشاهد على تلك المنهجية القرآنية والتدبير الإلهي فإن هذه المرحلة من حياة فاطمة عليها السلام لها سماتها الخاصة؛ إلا أن الفارق بين السعة في بيان المرحلة الرحمية لعيسى عليه السلام وبين بقية الشواهد الجنينية لنبي الله إسحاق عليه السلام اقتصرت على بيان كبر سن إبراهيم وزوجه سارة وكذا حال نبي الله يحيى عليه السلام وكبر سن زكريا عليهم السلام.

ففي مرحلة حمل إسحاق قال سبحانه:

وَ اِمْرَأَتُهُ قٰائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنٰاهٰا بِإِسْحٰاقَ وَ مِنْ وَرٰاءِ إِسْحٰاقَ يَعْقُوبَ قٰالَتْ

ص: 297

يٰا وَيْلَتىٰ أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هٰذٰا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هٰذٰا لَشَيْ ءٌ عَجِيبٌ قٰالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اَللّٰهِ رَحْمَتُ اَللّٰهِ وَ بَرَكٰاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ اَلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ(1) .

وحينما يكون الأمر منوطا بالله تعالى كما أخبرت الملائكة:

أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اَللّٰهِ ؟!!

فإن حال زكريا وولده يحيى عليهما السلام يكون خاضعاً أيضاً لأمر الله تعالى:

يٰا زَكَرِيّٰا إِنّٰا نُبَشِّرُكَ بِغُلاٰمٍ اِسْمُهُ يَحْيىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا قٰالَ رَبِّ أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلاٰمٌ وَ كٰانَتِ اِمْرَأَتِي عٰاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ اَلْكِبَرِ عِتِيًّا(2) .

كما أن حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحال أم المؤمنين خديجة عليها السلام وحال سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام منوطاً بأمر الله سبحانه وتعالى أيضاً.

ولذا:

فقد كانت فاطمة عليها السلام في تلك المرحلة الرحمية الجنينية تحظى بخصوصيات خاصة وسمات فريدة تتناسب مع حجم الشأنية التي لها عند الله تعالى والمرتكزة على دورها الرسالي فضلاً عن الإمامة كما دلت عليها أحاديث العترة النبوية عليهم السلام وهي كالآتي:

ص: 298


1- سورة هود، الآيات: 71-73.
2- سورة مريم، الآيتان: 7 و 8.
أولا: رواية الشيخ الصدوق رحمه الله (المتوفى 381 ه -)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن (حماد بن عيسى(1)، عن زرعة بن محمد،

ص: 299


1- حماد بن عيسى الجهني هو: غريق جحفة، ذكره أبو علي في منتهى المقال، وغيره من علماء الشيعة أصحاب الفهارس والمعجمات وعدّوه جميعاً من الثقات الأثبات من أصحاب الأئمة الهداة عليهم السلام، أصله الكوفة مولى وقيل عربي، روى عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق، وأبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم والإمام علي بن موسى الرضا عليهم السلام ومات في حياة أبي جعفر الثاني «الجواد» عليه السلام سبعين حديثاً فلم أزل أدخل الشك على نفسي حتى اقتصرت على هذه العشرين توفي سنة تسع وقيل ثماني ومائتين بوادي قناة وهو واد يسيل من الشجرة إلى المدينة، وله نيف وتسعون سنة. (رجال النجاشي: ص 103؛ الفهرست للطوسي: ص 86؛ تنقيح المقال: حرف الحاء). وله كتب، قال رحمه الله تعالى: دخلت على أبي الحسن الأول عليه السلام - أي الإمام الكاظم - فقلت: جعلت فداك ادع الله أن يرزقني داراً وزوجة وولداً وخادماً والحج في كل سنة، فقال عليه السلام: اللهم صلّ على محمد وآل محمد وارزقه داراً وزوجة وولداً وخادماً والحج خمسين سنة. فلما شرك خمسين سنة علمت أني لا أحج أكثر من خمسين سنة، قال: فحججت ثماني وأربعين سنة، وهذه داري رزقتها، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، وهذا ابني وهذا خادمي، قد رزقت كل ذلك ثم حج بعد ذلك الكلام حجتين تمام الخمسين، وخرج بعدها حاجاً، فزامل أبا العباس النوفلي القصير فلما صار في موضع الإحرام، دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فخرق قبل أن يحج زيادة على الخمسين رحمه الله. (رجال الكشي: ص 316، ط إيران و ص 268، ط النجف؛ جامع الرواة للأردبيلي: ج 1، ص 275). وقد ذكره الذهبي. (ميزان الاعتدال للذهبي: ج 1، صص 598، برقم 2263). وتحامل عليه إذ نسب إليه الطامات ووضع على اسمه «ت» إشارة إلى من أخرج له من أصحاب السنن - سنن الترمذي -. (سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب: ما جاء في رفع الأيدي عند الدعاء، حديث رقم 3395؛ عرضة الأحوذي على شرح سنن الترمذي: ج 12، ص 275). كما تحامل عليه من ضعفه لتشيعه، وقد أخرج له علماؤنا رضوان الله عليهم في الكافي والتهذيب ومن لا( يحضره الفقيه والاستبصار. (جامع الرواة للأردبيلي: ج 1، ص 275، ط دار الأضواء: وقد أشار إلى مواضع أحاديثه في الكتب الأربعة).

عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام ؟ فقال:

«نعم، إن خديجة عليها السلام لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها، ولا يسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك، وكان جزعها وغمها حذراً عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

فلما حملت بفاطمة كانت - فاطمة - عليها السلام تحدثها من بطنها وتصبرها وكانت - خديجة - تكتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل رسول الله يوماً فسمع خديجة تحدث فاطمة عليها السلام فقال لها:

يا خديجة من تحدّثين ؟

قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني.

قال: يا خديجة هذا جبرائيل يبشرني أنها أُنثى، وإنها النّسلة الطاهرة الميمونة وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة عليها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم: أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: أنت عصيتنا، ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئا.

فاغتمت خديجة عليها السلام لذلك، فبينا هي كذلك، إذ دخل عليها أربع

ص: 300

نسوة سمر طوال، كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.

ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة، وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن وأطيب ريحا من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة، وقنعتها بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين، وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء، وأن بعلي سيد الأوصياء، وولدي سادة الأسباط، ثم سلمت عليهن، وسمت كل واحدة منهن باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة عليها السلام، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة، وألقمتها ثديها، فدر عليها، فكانت فاطمة عليها السلام تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر، وتنمي في الشهر كما ينمي الصبي في السنة»)(1).

ص: 301


1- أمالي الصدوق: ص 690-691؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 2.
ثانيا: رواية الطبري رحمه الله (المتوفى 310 ه -)

روى ابن جرير الطبري (الإمامي) بسنده إلى المفضل بن عمر (حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني، قال: حدثني أبو القاسم موسى بن محمد بن موسى الأشعري القمي، ابن أخت سعد بن عبد الله، قال: حدثني الحسن بن محمد بن أبي إسماعيل، المعروف بابن أبي الشورى، قال: حدثني عبد الله بن علي بن أشيم، قال: حدثني يعقوب بن زيد الأنباري، عن همام بن عيسى بن زرعة بن عبد الله، عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام كيف كان ولادة فاطمة ؟ قال - عليه السلام -:

«نعم إن خديجة رضي الله عنها لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن إليها، ولا يسلمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل إليها، فاستوحشت خديجة من ذلك.

فلما حملت بفاطمة وكانت خديجة تغتم وتحزن إذا خرج رسول الله كانت فاطمة تحدثها من بطنها، وتصبرها، وكان حزن خديجة من حذرها على رسول الله، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله، فدخل يوما فسمع فاطمة تحدث خديجة، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: يا خديجة من يحدثك.

قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني.

فقال: يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني بأنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم ليلين منها ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها، بأنك أغضبتنا ولم تقبلي

ص: 302

قولنا وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له فلسنا نجيئك ولا نلي من أمرك، فاغتمت خديجة لذلك فبينا هي في ذلك إذ دخل إليها أربع نسوة كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك ونحن أخواتك.

أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفورا بنت شعيب، بعثنا الله إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها، والثانية عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة طاهرة مطهرة.

فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض، ولا في غربها موضع إلا أشرق فيه النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، ودخلت عشر من الحور العين مع كل واحدة طست من الجنة، وإبريق فيه من ماء الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، وغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوتين أشد بياضا من اللبن، وأطيب رائحة من المسك، والعنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالأخرى، ثم استنطقتها، فنطقت بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن أباها محمدا سيد الأنبياء، وأن بعلها عليا سيد الأوصياء، وأن ولديها سيدا الأسباط. ثم سلمت عليهن، وسمت كل واحدة باسمها، وضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادتها، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، وبذلك لقبت الزهراء.

ثم قالت خذيها يا خديجة طاهرة، مطهرة، زكية، ميمونة، بورك فيها، وفي نسلها؛ فتناولتها خديجة فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدر عليها وشربت وكانت تنمو في كل يوم كما ينمو الصبي في الشهر، وفي كل شهر كما ينمو الصبي في السنة»)(1).

ص: 303


1- دلائل الإمامة للطبري: ص 8-9.
المسألة الأولى: إن فاطمة عليها السلام كانت تحدث أمها خديجة وهي في بطنها
اشارة

إن من السنن التي سنها الله عز وجل في هذا الكون أن جعل آيات وعلامات ومعاجز ترافق سيرة رسله وأنبيائه وأوليائه، وكلما عظمت منزلة الرسول أو النبي أو الولي وعلا شأنه ودنا قربه وأكرم محله كلما كانت هذه الآيات والدلائل والمعاجز التي ترافقه أعظم وأكبر وأدل وآثر وابلغ تأثيراً في العقل البشري، قال عز وجل:

تِلْكَ اَلرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ (1) .

ولذلك نجد أن انشقاق القمر هو أعظم من فلق البحر، وأن القرآن أكبر وأدل وأبلغ من التوراة والإنجيل والزبور، وأن مما خص به خاتم النبيين بفاطمة كونها أم الأئمة الهداة الميامين وأن مما خص به الأئمة أنهم: (محدثون) وقد سأل زرارة بن أعين الإمام الباقر عليه السلام: (من الرسول ؟ ومن النبي ؟ ومن المحدّث ؟ قال عليه السلام:

«الرسول: يأتيه جبرائيل فيكلمه قبلاً فيراه كما يرى الرجل صاحبه الذي يكلمه، فهذا الرسول، والنبي: الذي يؤتى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من السبات إذا أتاه جبرائيل، هكذا النبي. ومنهم من تجمع له الرسالة والنبوة، وكان رسول الله رسولاً نبياً، يأتيه جبرائيل قبلاً فيكلمه ويراه ويأتيه في النوم، والنبي الذي يسمع كلام الملك حتى يعاينه فيحدثه، أما المحدّث فهو الذي يسمع ولا يعاين ولا يؤتى في المنام»(2).

ص: 304


1- سورة البقرة، الآية: 253.
2- بصائر الدرجات للصفار: ص 393؛ البحار: ج 26، ص 80.

وهذا الأمر هو من خواص عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالأئمة عليهم السلام كلهم (محدّثون)، جاء ذلك عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد سمعه سليم بن قيس، يقول:

«إني وأوصيائي من ولدي مهديون كلنا محدّثون.

فقلت: يا أمير المؤمنين من هم ؟ قال:

الحسن والحسين ثم ابني علي بن الحسين عليهم الصلاة والسلام.

قال: وعلي يومئذ رضيع، ثم ثمانية من بعده واحداً بعد واحد، هم الذين أقسم الله بهم فقال:

وَ وٰالِدٍ وَ مٰا وَلَدَ(1).

أما الوالد فرسول الله وأما ما ولد يعني هؤلاء الأوصياء(2).

أمّا بخصوص فاطمة عليها السلام فإنها كانت محدَّثة وهو أحد أسمائها فهي تُحدّثها الملائكة وهو غير الوحي ولا يسمى بهذه التسمية وهو ما عليه أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام.

قال الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدّوق رضي الله تعالى عنهما: (أصل الوحي هو الكلام الخفي، ثم قد يطلق على كل شيء قصد به إلى إفهام المخاطب على الستر له عن غيره، والتخصيص له به دون من سواه، وإذا أضيف إلى الله تعالى كان فيما يخص به الرسل صلى الله عليهم خاصة دون سواهم على عرف

ص: 305


1- سورة البلد، الآية: 3.
2- بصائر الدرجات: ص 392؛ البحار: ج 26، ص 79.

الإسلام وشريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تعالى:

وَ أَوْحَيْنٰا إِلىٰ أُمِّ مُوسىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ (1).

فاتفق أهل الإسلام على أن الوحي كان رؤيا مناماً وكلاماً سمعته أم موسى في منامها على الاختصاص، وقال تعالى:

وَ أَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى اَلنَّحْلِ (2).

يريد به الإلهام الخفي إذ كان خالصاً لمن أفرده دون ما سواه، فكان علمه حاصلاً للنحل بغير كلام جهر به المتكلم فأسمعه غيره.

وساق رحمه الله الكلام إلى أن قال: وقد يُري الله في منامه خلقاً كثيراً ما يصح تأويله ويثبت حقه - أي إن كثيراً من الخلق الله يرُيها في منامها الصحيح من الرؤيا التي تثبت حقه - لكنه - أي هذا الذي يرى في منامه - لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي ولا يقال في هذا الوقت لمن أطلعه الله على علم شيء: إنه يوحى إليه، وعندنا - أي أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، الإمامية الإثنا عشرية - أنّ الله يسمع الحجج بعد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كلاماً يلقيه إليهم، أي الأوصياء في علم ما يكون لكنّه لا يطلق عليه اسم الوحي لما قدمناه من إجماع المسلمين.

على أنه لا وحي لأحد بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لا يقال في شيء مما ذكرناه: إنه الوحي إلى أحد، ولله تعالى أن يبيح إطلاق الكلام أحياناً ويحظره أحياناً، ويمنع السماع بشيء حيناً ويطلقها حيناً فأما المعاني فإنها لا تتغير

ص: 306


1- سورة القصص، الآية: 7.
2- سورة النحل، الآية: 68.

عن حقائقها على ما قدّمناه)(1).

فإذن: اعتقادنا في عترة الهادي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، أن الله يُسمع الأئمة عليهم السلام كلاماً إليهم بواسطة الملائكة عليهم السلام وهو لا يسمى وحياً لأنه لا يوحى لأحد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام:

«إنما الوقوف علينا في الحلال والحرام فأما النبوة فلا»(2).

وقال المجلسي رحمه الله في بيان الحديث: (أي إنما يجب عليكم أن تقوموا عندنا وتعكفوا على أبوابنا والكون معنا - أي الكينونة معهم - لاستعلام الحلال والحرام لا أن تقولوا بنبوتنا، وإنما لكم أن تقفوا علينا في إثبات علم الحلال والحرام وإنّا نواب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بيان ذلك لكم ولا تتجاوزوا بنا إلى إثبات النبوة)(3).

ومن هنا فإن تسمية فاطمة عليها السلام ب - (المحدّثة) هو لسماعها حديث الملائكة وهي تحدثها، وحالها كحال مريم بنت عمران عليها السلام قال الله تعالى:

وَ إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اِصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ اَلْعٰالَمِينَ يٰا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اُسْجُدِي وَ اِرْكَعِي مَعَ اَلرّٰاكِعِينَ (4) .

وقد بيّن الإمام الصادق عليه السلام هذا المعنى فقال:

ص: 307


1- تصحيح الاعتقاد: ص 56 و 57؛ البحار: ج 26، ص 83-84.
2- أصول الكافي للكليني: ج 1، ص 268؛ البحار للمجلسي: ج 26، ص 83.
3- البحار للمجلسي: ج 26، ص 83.
4- سورة آل عمران، الآيتان: 42-43.

«إنما سميت فاطمة محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها وإن الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين»(1).

وفي حديث آخر: عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعد بن جبير، عن ابن عباس في حديث طويل في: (فضائل علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام) رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في فاطمة عليها السلام وما يصيبها من الظلم بعده:

«ثمّ ترى ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها الله تعالى بالملائكة، فتناديها مرجعة بما نادت به مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض...»(2).

ولم يقتصر الأمر على مريم فقط، فقد حدثت الملائكة زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام وهو قوله تعالى:

ص: 308


1- علل الشرايع: ج 1، ص 182؛ البحار: ج 14، ص 206، من طريق: محمد بن الحسن الجوهري، عن شعيب بن واقد، عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي زين العابدين قال: سمعت..؛ دلائل الإمامة للطبري (الإمامي): ص 56.
2- أمالي الصدوق: ص 176؛ البحار: ج 14، ص 205، برقم 22.

وَ اِمْرَأَتُهُ قٰائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنٰاهٰا بِإِسْحٰاقَ وَ مِنْ وَرٰاءِ إِسْحٰاقَ يَعْقُوبَ (1) .

وفي الأحياء إنه (قرأ ابن عباس وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث، سليم قال: سمعت محمد بن أبي بكر قرأ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث، قلت: وهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: مريم ولم تكن نبية وكانت محدَّثة وأم موسى ولم تكن نبية، وكانت محدَّثة وسارة وقد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم تكن نبية، وفاطمة كانت محدَّثة ولم تكن نبية)(2).

إذن: ففاطمة عليها السلام: (محدَّثة) بفتح الحاء والدال وتشديدها، وهي: (محَدِّثة) بفتح الحاء وكسر الدال، أي هي التي كانت تحدث أمها خديجة عليها السلام وهي في بطنها كما جاء في الحديث.

وهذا الأمر هو أحد معاجزها عليها السلام، وحالها كحال عيسى عليه السلام وحديثه مع أمه بعد الولادة قبل أن يكلم أحداً من قومه وهو قوله تعالى:

فَنٰادٰاهٰا مِنْ تَحْتِهٰا أَلاّٰ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا(3) .

ولعل البعض لا يستسيغ حقيقة كون فاطمة عليها السلام كانت تحدث أمها وهي جنين في بطنها، فضلاً عن نطقها أثناء الولادة، ومن ثم لا وجه للتشابه بينها وبين عيسى عليه السلام الذي نطق في المهد صبيا، ونقول:

ص: 309


1- سورة هود، الآية: 71.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 468؛ المناقب: ج 3، ص 336؛ كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 823؛ الاختصاص للمفيد: ص 329؛ إرشاد القلوب للديلمي: ص 393-394؛ بصائر الدرجات: ص 372.
3- سورة مريم، الآية: 24.
أولاً: إنّ المدار في المعجزة هو التصديق بكون صاحبها ممن يرتبط بالأمر الإلهي

ولعل قائلاً يقول: إن تكلّم عيسى في المهد كان من مصاديق نبوته عليه السلام ودعوته لأمه إلى التصديق به ؟! فما بال فاطمة عليها السلام ؟!

قلنا: إن مريم كانت تؤمن به نبياً قبل ميلاده وهو قوله تعالى:

إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مِنَ اَلْمُقَرَّبِينَ وَ يُكَلِّمُ اَلنّٰاسَ فِي اَلْمَهْدِ وَ كَهْلاً وَ مِنَ اَلصّٰالِحِينَ (1) .

أما كون ذلك من مصاديق نبوته ؟!، فقد انطق الله عز وجل طفلاً في مهده ولم يكن من النبيين كما في قصة نبي الله يوسف عليه السلام في قوله تعالى:

وَ شَهِدَ شٰاهِدٌ مِنْ أَهْلِهٰا(2) .

فالشاهد كان طفلاً في المهد بل إن الناطقين في المهد أربعة هم: شاهد يوسف، وابن ماشطة بنت فرعون، وعيسى بن مريم، وصاحب جريج الراهب)(3).

ثانياً: اعتراض الفخر الرازي أن الشاهد الذي شهد ليوسف عليه السلام لم يكن طفلاً في المهد! اعتراض يدفعه القرآن

أما اعتراض الفخر الرازي على هذا القول، وذهابه إلى أن الشاهد ليوسف عليه السلام أنه كان ابن عم للمرأة وكان رجلاً حكيماً واتّفق في ذلك الوقت أنه

ص: 310


1- سورة آل عمران، الآيتان: 45-46.
2- سورة يوسف، الآية: 26.
3- التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 9، ص 126، عن ابن عباس رضي الله عنه.

كان مع الملك يريد أن يدخل عليه فقال: قد سمعنا الجلبة من وراء الباب وشق القميص إلا إنا لا ندري أيكما قدام صاحبه، فإن كان شق القميص من قدامه فأنت صادقة والرجل كاذب... الخ) وإن هذا القول أولى من القول الأول لوجوه منها: (إنه تعالى لو أنطق الطفل بهذا الكلام لكان مجرد قوله إنها كاذبة كافياً وبرهاناً قاطعاً، لأنه من البراهين القاطعة القاهرة، والاستدلال بتمزيق القميص من قبل ومن دبر دليل ظني ضعيف والعدول عن الحجة القاطعة حال حضورها وحصولها إلى الدلالة الظنية لا يجوز)(1).

قلنا: وإن كان هذا الكلام صحيحاً أعني: (لا يجوز العدول عن الحجة القاطعة عند حصولها وحضورها إلى الدلالة الظنية) إلا أن هذه الحجة لا يمكن عدّها قاطعة لمجرد نطق الصبي قائلاً: (إنها كاذبة وهو صادق لأن الاكتفاء بهذا اللفظ لا يحقق حجية القطع، فما أهون أن يتهم يوسف عليه السلام بالسحر، فنقول عند المرأة إنه سحر الطفل فانطقه بسحره، فلا حجة أصلاً لنجاته ولا برهان لصدقه، كما اتهم فرعون موسى.

ومن هنا تظهر حكمة الله عز وجل في إعطاء الدليل العقلي لزوج المرأة بحيث لا يقبل الشك بالتحقق من جهة قدّ القميص، وإن هذا الدليل صادر من فم الطفل في المهد فهذا أعمق في الدلالة وأبلغ في الحجة وأمضى في القطع، لأن الأمر متعلق بعفة يوسف عليه السلام وإخلاصه وهو أعظم شيء يمتلكه الإنسان وبخاصة الدعاة إلى الله عز وجل ولأن الأنبياء عليهم السلام أقصى ما اتهموا به السحر والجنون لكن لم يتهموا بعفتهم فهم أعف الخلق ومن هنا يظهر خطر المسألة

ص: 311


1- تفسير الفخر الرازي: ج 9، ص 126.

وعظمها، فكان نطق الصبي والدليل الذي أعطاه قد حقق حجية القطع عند الملك بعفة يوسف عليه السلام.

فإن قيل: إن هذا الكلام يرد فيه إشكال وهو: أن يوسف عليه السلام في هذه الحادثة لم يبعث نبياً بعد، والمعاجز تحصل بعد بعث الأنبياء عليهم السلام ؟!

قلنا: إن الإشكال مرفوع بأمرين:

1 - إن من لطيف حكمة الله عز وجل أن جعل دلائل كثيرة ترافق الأنبياء عليهم السلام قبل بعثهم ليسهل على الناس التصديق بهم والاهتداء إليهم وإتباعهم، كتظليل الغمامة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عند خروجه إلى الشام(1)، والاستسقاء به وغيرها من الآيات الربانية.

وكموسى عليه السلام وسقيه بنات شعيب عليه السلام، وقد شاهد الناس قوته الخارقة أو إلقائه في البحر وعودته إلى أمه لترضعه، ونطق الصبي في المهد ليوسف وغيرها من الدلائل والظواهر التي ترافق سيرة الأنبياء والرسل قبل بعثهم.

2 - قد نص القرآن الكريم على أن المتكلم هو صبي في المهد وليس رجلاً حكيماً ابن عم لها.

وهو قوله تعالى:

ثُمَّ بَدٰا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مٰا رَأَوُا اَلْآيٰاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّٰى حِينٍ (2) .

فلا يقال لكلام رجل حكيم بأنه آية من آيات الله عز وجل، وإنما يقال ذلك:

ص: 312


1- سيرة ابن هشام: ج 1، ص 192.
2- سورة يوسف، الآية: 35.

عندما يحصل أمر خارق للعادة ومخالف لقوانين الطبيعة، أو هو مما يعجز عنه البشر، ففي هذه الأمور وعند حدوثها يقال لها: آية من آيات الله عز وجل، كما هو الحال في نطق الصبي وهو في المهد.

ومن هنا فإن ما ورد في الحديث من أن: (فاطمة كانت تحدث أمها خديجة وهي في بطنها فتصبرها وتؤنسها).

هو: آية من آيات الله عز وجل التي يظهرها لأوليائه، ومما لا شك فيه أن أم المؤمنين خديجة عليها السلام هي من أولياء الله عز وجل، ومما لا شك فيه أن فاطمة أكرم عند الله من ابن ماشطة بنت فرعون أو الشاهد الذي شهد ليوسف عليه السلام وهو في المهد، وهي بضعة أشرف خلق الله وسيدة نساء العالمين التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.

ومن كانت بهذه المنزلة فما أهون على الله تعالى أن ينطقها وهي في بطن خديجة عليها السلام، أو أن تحدثها الملائكة كما كانت تحدث مريم بنت عمران عليها السلام، أو أم موسى.

المسألة الثانية: بشارة جبرائيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنها أنثى
اشارة

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا خديجة هذا جبرائيل يبشرني أنها أنثى، وإنها النسلة الطاهرة الميمونة، وإن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه».

هذه الكلمات كانت من قبل جبرائيل عليه السلام وهي مما بشر به النبي

ص: 313

صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاءت هذه الكلمات لتبين صفات هذه المولودة وتظهر خصائصها.

أولاً: البشارة نهج خاص في حياة الأنبياء ويعرضه القرآن الكريم في تبشير الأنبياء السابقة

يعرض لنا القرآن الكريم البشارة على أنها نهج خاص بالأنبياء السابقين لمن يأتي من بعدهم ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالدعوة إلى نبيّ من الأنبياء، أو يكون النبي المبشر به هو من نسل نبي أيضاً، وهذه البشارات إنما بدأت من إبراهيم الخليل كما يعرضها القرآن الكريم، وهذا بحد ذاته يكشف عن الألطاف الإلهية التي خصت إبراهيم عليه السلام حينما ابتدأت به، وما ذاك إلا للإعلان عن البشارة الكبرى والرحمة العظمى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقرآنه وعترته الثقلين اللذين أوصى بهما هذه الأمة المرحومة به صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن هنا فإن البشرى بدأت ببيت إبراهيم عليه السلام، قال تعالى:

وَ لَقَدْ جٰاءَتْ رُسُلُنٰا إِبْرٰاهِيمَ بِالْبُشْرىٰ (1) .

هذه البشرى كانت بامتداد النبوة من إبراهيم وجعلها في نسله وصولاً إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فضلاً عن أن هذه البشارة كانت تحمل معها أيضاً صفات هذا الغلام. قال تعالى:

قٰالُوا لاٰ تَوْجَلْ إِنّٰا نُبَشِّرُكَ بِغُلاٰمٍ عَلِيمٍ قٰالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلىٰ أَنْ مَسَّنِيَ اَلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قٰالُوا بَشَّرْنٰاكَ بِالْحَقِّ فَلاٰ تَكُنْ مِنَ اَلْقٰانِطِينَ (2) .

ص: 314


1- سورة هود، الآية: 69.
2- سورة الحجر، الآيات: 53-55.

وفي آية أخرى أضيفت صفة أخرى إلى هذا الغلام غير العلم وهي أنه، (حليم):

فَبَشَّرْنٰاهُ بِغُلاٰمٍ حَلِيمٍ (1) .

فيكون هذا الغلام يحمل العلم والحلم، ثم ينتقل القرآن ليعطي صورة أخرى عن هذه البشرى ووصولها إلى أم هذا الغلام، وهي زوجة إبراهيم وسماعها للبشرى كان للأسباب التالية:

1 - رعاية لحق الأمومة، فالأم هي بحاجة أيضاً إلى سماع البشرى بحصول الحمل.

2 - سماعها حديث الملائكة مع إبراهيم عليه السلام يكشف عن منزلتها عند الله عز وجل وإن هذه المنزلة محفوظة ولأجلها كشف لها عن السمع فسمعت حوارهم وحديثهم، ثم هي تعلم أنهم رسل الله عز وجل لأنها لاحظت عليهم كما لاحظ زوجها إبراهيم إن أيديهم لا تصل إلى الطعام، فلهذه المنزلة بُشرت.

3 - لإخلاصها لزوجها وقيامها على خدمته والعناية به ورعايته، على الرغم من كبر سنها، فهي أيضاً قد مستها الشيخوخة.

ومن اللطائف الإلهية أن الملائكة اكتفت بذكر البشارة بمجيء الغلام فقط دون أن تذكر لها صفاته، واللطف الإلهي في ذلك يكشف عن حبها الكبير في أن ترى طفلاً ينمو في أحشائها ويربى في حجرها، أي إنها كانت بعطش كبير لسد حاجة الأمومة التي شعرت للحظات أنها قد فقدتها وإلى الأبد، لكن رحمة الله

ص: 315


1- سورة الصافات، الآية: 101.

تعالى أدركتها فبشرتها بامتداد هذا النسل، وإن الله سيجعل من ولدها هذا نبياً وهو يعقوب عليه السلام، ثم تبيّن الملائكة: إن ذلك كله من رحمة الله وبركاته على أهل البيت.

قال تعالى:

وَ اِمْرَأَتُهُ قٰائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنٰاهٰا بِإِسْحٰاقَ وَ مِنْ وَرٰاءِ إِسْحٰاقَ يَعْقُوبَ قٰالَتْ يٰا وَيْلَتىٰ أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هٰذٰا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هٰذٰا لَشَيْ ءٌ عَجِيبٌ قٰالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اَللّٰهِ رَحْمَتُ اَللّٰهِ وَ بَرَكٰاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ اَلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ(1) .

ثم يستمر القرآن بالبشرى فبشر إبراهيم عليه السلام بولد آخر وهو من الأنبياء أيضاً:

وَ بَشَّرْنٰاهُ بِإِسْحٰاقَ نَبِيًّا مِنَ اَلصّٰالِحِينَ (2) .

ثم تنتقل البشرى من إبراهيم عليه السلام إلى زكريا:

يٰا زَكَرِيّٰا إِنّٰا نُبَشِّرُكَ بِغُلاٰمٍ اِسْمُهُ يَحْيىٰ (3) .

وهذا النبي يحمل صفات عدة بشر بها زكريا عليه السلام ومن بين هذه الصفات أنه مصدق بالنبي الذي يعاصره وهو عيسى عليه السلام:

أَنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اَللّٰهِ وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً(4) .

ص: 316


1- سورة هود، الآيات: 71-73.
2- سورة الصافات، الآية: 112.
3- سورة مريم، الآية 7.
4- سورة آل عمران، الآية: 39.

فكانت أولى هذه الصفات: «التصديق بكلمة من الله» وهكذا إلى مريم عليها السلام وتبشيرها بعيسى:

إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ (1) .

وعيسى يبشر بخاتمة البشارات وأصل إطلالتها، والعلة في تنقلها، فيقول عز وجل في كتابه الكريم عن تبشير عيسى عليه السلام بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم:

وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اِسْمُهُ أَحْمَدُ(2) .

بشرى المسيح أتتْ عنوان دعوته *** وقبله كل هادٍ صادق القدمِ (3)

حتى إذا بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن البشرى كانت في أمرين.

الأمر الأول: هو القرآن الكريم:

طس تِلْكَ آيٰاتُ اَلْقُرْآنِ وَ كِتٰابٍ مُبِينٍ هُدىً وَ بُشْرىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (4) .

وقوله تعالى:

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ اَلْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (5) .

ص: 317


1- سورة آل عمران، الآية: 45.
2- سورة الصف، الآية: 7.
3- أنوار الربيع لابن معصوم: ج 4، ص 333، والبيت للشيخ عز الدين الموصلي.
4- سورة النمل، الآيتان: 1-2.
5- سورة النحل، الآية: 102.

والأمر الثاني: هو عترته صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته الذين قال الله فيهم:

إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(1) .

ثم أعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمة عظمهما وخطرهما وإنهما نجاة للمسلمين فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي وقد نبأني اللطيف الخبير إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(2).

وعدم افتراق أهل البيت عن القرآن حجة قاطعة في عصمتهم التي هي عدل عصمة القرآن.

ومن هنا: يظهر معنى بشارة جبرائيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، بفاطمة عليها السلام؛ ومن هنا ندرك معنى صفاتها التي أعلنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين خديجة عليها السلام، وهو نفس النهج الذي جاء به القرآن الكريم في ذكر البشارة بولادة الأنبياء عليهم السلام وبيان صفاتهم.

ونحن لا نقول إن فاطمة عليها السلام من الأنبياء، إلا أنها البضعة النبوية التي جعل الله نسل النبي المصطفى منها، وجعل من نسلها أئمة هداة مهديين خلفاء

ص: 318


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- تناقلت صحاح المسلمين ومسانيدهم ومستدركاتهم حديث الثقلين بطرق عدة وأسانيد جمة وبألفاظ كثيرة سنعرض لها في حينه من الكتاب، راجع في ذلك: صحيح مسلم: ج 4، حديث 36 (2408)، ص 1873؛ صحيح سنن الترمذي: ج 5، ص 328.

لله في أرضه، وحججاً له على عباده، بعد انقضاء وحيه.

ثم ذكر صلى الله عليه وآله وسلم بعض صفاتها وهي:

«النّسمة، الطاهرة، الميمونة».

ثانيا: معنى أنها: النسمة، الطاهرة، الميمونة

فهذه صفات ثلاث ذكرها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وكل صفة لها معنىً خاص بها، فأما معنى: (النّسمة)، فهي الروح أو النفس(1)، فإذا أريد بها (الروح) فإن فيها معاني جمّة، ودلائل عظيمة، منها: الحياة، فإن كل شيء لا روح فيه فلا حياة له أو فيه، وهو إما جماد وإما موات ؟

كما أن للحياة معنى آخر هنا: وهي حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بوصفها الأصل في نمو ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن معانيها أيضاً: حياة الشريعة فمن فاطمة عليها السلام كان ظهور الأئمة عليهم السلام، لأنها أمهم جميعاً عليهم الصلاة والسلام الذين أحيا الله بهم الدين.

وأما إذا أريد به: (النفس)

ففاطمة عليها الصلاة والسلام هي: (النفس المطمئنة)(2)، ويمكن الاستدلال على ذلك بأمور:

ص: 319


1- لسان العرب لابن منظور: ج 14، ص 130، مادة: نسم.
2- وهو قوله تعالى في سورة الفجر، الآيتان: 27 و 28 يٰا أَيَّتُهَا اَلنَّفْسُ اَلْمُطْمَئِنَّةُ اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً مَرْضِيَّةً .

1 - قد ورد في الحديث في ذكر أسمائها عليها السلام أنها (الراضية، المرضية)(1).

2 - الاطمئنان أصله الإيمان ومقره القلب، حتى إنه ارتبط به ارتباطاً وثيقاً، قال تعالى:

اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اَللّٰهِ (2) .

فقدم الإيمان على الاطمئنان لأنه الأصل، ولولاه لم يحدث الاطمئنان.

وبالإيمان يثبت القلب أي يكون مستقراً فلا تؤثر فيه الكروب النازلة أو الحوادث المكرهة قال تعالى:

إِلاّٰ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ (3) .

ومن هنا فإن من كان الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها(4)، كانت كل ذرة في ذاتها وكيانها تنطق إيماناً وتشع اطمئناناً.

ص: 320


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 133؛ الأمالي للصدوق: ص 250؛ عيون أخبار الرضا للصدوق: ج 1، ص 30؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 8، ص 178؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 9، ص 282؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 1، ص 410 و ج 2، ص 179، ط دار الأسوة.
2- سورة الرعد، الآية: 28.
3- سورة النحل، الآية: 106.
4- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3، ص 153-154؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 401، برقم (1001)؛ الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 56-57؛ الثغور الباسمة للسيوطي: ص 30، برقم 42؛ وقال: إسناده حسن مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 203، وقال: إسناده حسن؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج 7، ص 1224.

وعليه: فإنها عليها السلام كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (النّسمة أي: (النفس المطمئنة).

أما: (الطاهرة) فهو مأخوذ من أمرين:

1 - من القرآن، وهو قوله تعالى:

إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(1) .

وقد اجتمعت الأمة على أنها نزلت في النبي وفاطمة وزوجها وابنيها عليهم السلام أجمعين.

2 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتلون».

وقد مرّ بيانه، أي: إنها لا ترى ما تراه النساء، فهي في طهرٍ دائم.

أما (الميمونة)

فأصله: (اليُمْنُ ) وهو (البَرَكَةُ )(2)، محرَّكة: النَّماءُ والزيادةُ ، والسَّعادةُ (3).

ومن هذا المعنى فإنها عليها السلام أصل (النماء) في ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت ذريته أكثر ذراري الناس عدداً.

وهي صلوات الله عليها أصل (الزيادة) في كل خيرٍ يُنزله الله تعالى على عباده المؤمنين وله فروع كثيرة منها (الشفاعة) فلها شفاعة بعد شفاعة النبي صلى الله

ص: 321


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- لسان العرب لابن منظور: ج 15، ص 457.
3- القاموس المحيط للفيروز آبادي: ص 1336، مادة (برك)، باب الكاف.

عليه وآله وسلم، وهذه زيادة في الخير.

وأما (السعادة) فحبّها وتوليها يوجب السعادة للمؤمنين في الدنيا والآخرة.

وله معنى آخر: فإنها كلما دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورآها وسمع صوتها تكون قد أدخلت عليه السعادة والبهجة والسرور، لطالما كان يُخبر عن سعادته البالغة برؤياها وزوجها وولديها، وطالما كانت تتقاطر حبات دموعه البلورية على خدّيه لما يحل بها وببيتها من المصائب فيبكي الجميع لبكائه فيبقى بين ألم ما أخبره به جبرائيل عليه السلام وبين همّ البوح لهم بذلك(1)؟!

ص: 322


1- سيمر عرضه مفصلاً إن شاء الله تعالى في باب: (بيت فاطمة عليها السلام).

المبحث الثاني: فأجاءها المخاض

اشارة

وبعد أن حملت الصديقة الطاهرة، أم المؤمنين خديجة الكبرى سلام الله عليها للنطفة الزكية النورانية المحمّدية ونمت فاطمة سلام الله عليها في أحشاء خديجة تسعة أشهر إلاّ أربعة أيام باعتبار أن ليلة انعقاد النطفة النبوية كانت ليلة الرابع والعشرين من رمضان المبارك، وها هو اليوم العشرون من جمادى الآخرة وفيه بدت آلام المخاض على أم المؤمنين خديجة عليها السلام.

ومع هذه الآلام كانت آلام أخرى ترافقت مع بعضها ليشق على أم المؤمنين خديجة عليها السلام، الحال الذي أصبحت عليه، هذا الحال يُظهره لنا الإمام الصادق عليه السلام فيقول:

«- ولما - حانت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء، فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة عليها السلام لذلك، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهنَّ لما رأتهنَّ فقالت إحداهنَّ : لا تحزني يا خديجة

ص: 323

فإنا رسل ربك إليك ونحن أخواتك!

أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء. فجلست واحدة عن يمينها، وأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة.

فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النّور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.

ودخل عشر من الحور العين كلّ واحدة منهنَّ معها طشت من الجنة وإبريق من الجنّة وفي الإبريق ماء من الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاويتين أشد بياضاًَ من اللّبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر فلفتها بواحدة، وقنعتها بالثانية.

ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن أبي رسول الله، وأن بعلي سيّد الأوصياء وولدي سادة الأسباط.

ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة منهن باسمها وأقبلن يضحكن إليها وتباشرت الحور العين وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.

وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها وفي نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة والقمتها ثديها فدّر عليها فكانت فاطمة عليها السلام تنمي في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر وتنمي في الشهر كما ينمو الصبي في السنة»(1).

ص: 324


1- الأمالي للصدوق: ص 69؛ الخرائج والجرائح للراوندي: ج 2، ص 524؛ العدد القوية: ص 222؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 2، حديث 1، وج 16، ص 80.

نقاط البحث في الحديث:

المسألة الأولى: العلة في تخصيص الرفقة لآسية مع خديجة عليها السلام في الجنة

إنّ من الأسئلة التي تتبادر في البحث هي:

لماذا ذكر الإمام الصادق عليه السلام الرفقة لآسية مع خديجة في الجنة ولم يذكرها لبقية النساء وهنَّ جميعاً في الجنة ؟! والإجابة على هذا السؤال من وجوه:

الوجه الأول هو أن آسية بنت مزاحم كانت قد سألت الله أن يبني لها بيتاً في الجنة:

إِذْ قٰالَتْ رَبِّ اِبْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي اَلْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ اَلْقَوْمِ اَلظّٰالِمِينَ (1) .

وإن خديجة بنت خويلد سلام الله عليها كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب(2).

أي: إن كلا منهما قد خصت ببيت في الجنة وهما في دار الحياة الدنيا.

الوجه الثاني: والظاهر أن البيت الذي سألت الله عنه آسية هو بجوار بيت خديجة، ولعله يحمل من المواصفات التي تحدّث عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان لبيت خديجة عليها السلام. بهذا تكون رفيقة وجارة لخديجة في الجنة.

ص: 325


1- سورة التحريم، الآية: 11.
2- صحيح البخاري: ج 4، ص 231؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 224؛ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 7، ص 302؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج 5، ص 438؛ الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 101؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 16، ص 8.
المسألة الثانية: هل دخول النساء على خديجة عليها السلام بسمة نساء بني هاشم له علاقة بفاطمة عليها السلام ؟!

إنّ لدخول النساء الأربع التي جاء ذكرهنَّ وتعريفهنَّ في الحديث الشريف للإمام الصادق عليه السلام بصفة وهيأة نساء بني هاشم له عدة أوجه.

منها:

1 - لأفضلية وشرافة بني هاشم على سائر قبائل العرب، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم»(1).

2 - من الطبيعي أن امتناع نساء قريش عن المجيء إلى خديجة عليها السلام، ترك في نفسها الحزن والشعور بالوحشة، ودخول نساء على غير الهيأة المألوفة لنساء قريش ولاسيما بني هاشم يزيد في فزعها عند رؤيتها لهنّ مما يؤدي إلى التسبب في زيادة آلامها وهي في وضع لا يسمح أن تضطرب فيه نفسيتها.

بل بحاجة إلى السكينة والطمأنينة لتسهل عليها الولادة، فدخولهنَّ عليها بهيأة نساء بني هاشم كان خوفاً عليها وعلى مولودها النبوي الفاطمي صلوات الله عليها.

ص: 326


1- أخرجه مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع: ج 7، ص 59، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 245، ح 3687؛ ذخائر العقبى لأحمد بن عبد الله الطبري: ص 10؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 2، ص 18؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 62، ص 344؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 38، ص 317، ح 25.

3 - من المفروض أن يستجيب الأقرباء إلى تلبية نداء المحتاج للمعونة من أقربائهم وخديجة هي أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ إنها تتصل معه بالجد الرابع وهو قصي بن كلاب فبنو هاشم هم أولى برعاية خديجة عليها السلام وهي في حالة كهذه من المخاض.

4 - لوجود صفات جمالية في نساء بني هاشم كالطول مثلاً كما ذكره الحديث الشريف بقوله عليه السلام:

«إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال».

والظاهر أن أهل الجنة يتصفون بجميع الصفات الجمالية ومنها الطول.

المسألة الثالثة: ما المقصود من دخول نور فاطمة عليها السلام إلى بيوت مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور؟!

والجواب من وجهين:

الوجه الأول: هو إشارة إلى دخول الإسلام إلى جميع بيوت مكة وهذا معنى عام ولكونها عليها السلام شجرة النبوة وشجنتها.

الوجه الثاني: وهو الأقرب إلى القصد، فإن نورها الذي ملأ الشرق والغرب وأشرق في جميع مواضع الدنيا هو ولدها الإمام المهدي عجل الله فرجه،

«الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً»(1).

ص: 327


1- وهو حديث نبوي، أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه: ج 9، ص 478؛ الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: ج 1، ص 187؛ الجواهر السنية للحر العاملي: ص 285.

وهذا الامتلاء لا يتحقق معناه إلا بوصول العدل الإسلامي المحمدي العلوي الفاطمي إلى كل ذرة في الأرض، كما هو حال نور فاطمة عليها السلام الذي أشرق في كل موضع من الشرق والغرب.

المسألة الرابعة: نطق فاطمة عليها السلام بالشهادتين

هذا الأمر من خواص المعصومين عليهم السلام، وهو أحد الدلائل التي تدل على اختصاصهم بالعصمة الإلهية، والاصطفاء الرباني.

إذ إن المعصوم يبيّن بعد ذكره الشهادتين، المهمة المكلف بها، والدور الذي اختاره الله له، والأمر الموكل إليه، وشاهده من الكتاب الحكيم عن ولادة نبيّ الله عيسى:

قٰالَ إِنِّي عَبْدُ اَللّٰهِ آتٰانِيَ اَلْكِتٰابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا(1) .

ولقد جاء هنا ذكر العبودية لله عز وجل مقدما على ذكر النبوة التي اجتبي لها من خلال العبودية والإخلاص في التوحيد فلذا قدم العبودية على النبوة.

بعد ذلك بيَّن عليه السلام الأمر الإلهي الذي كلف به:

وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلاٰةِ وَ اَلزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا وَ بَرًّا بِوٰالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّٰاراً شَقِيًّا(2) .

ولذلك:

فإن الزهراء فاطمة عليها السلام بعد أن ذكرت الشهادتين، ذكرت الولاية

ص: 328


1- سورة مريم، الآية: 30.
2- سورة مريم، الآيتان: 31، و 32.

لعلي بن أبي طالب، وبأنه سيد الأوصياء، وأن ولديها سادة الأسباط، ومن هذا الكلام تُظهر عليها السلام الجعل الإلهي لها فقد جعلها الله تعالى: (زوجة سيد الأوصياء) و (أم سادة الأسباط).

ثم قامت عليها السلام بالسلام على جميع مَنْ حضرْنَ للتشرّف بولادتها، وتسميتهن بأسمائهنَّ لأنها عليها الصلاة والسلام سيدتهنَّ ، فهي: (سيدة نساء العالمين)(1) والحور من نساء العالمين.

المسألة الخامسة: ظهور النور الزاهر عند ولادة فاطمة عليها السلام للملائكة

إن ظهور هذا النور بهذا اللون الزهراويّ هو أحد تجليات النور الفاطمي، وقد تجلى هذا النور من قبل للملائكة بعد أن ابتليت بالظلمة فخرت الملائكة لله سجداً، وتجلى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض بعد أن فلق التفاحة المودع فيها النور الفاطمي ففزع منه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ولادتها تجلى لأهل السماء بهذا اللون الزهراني الذي أزهرت به السماوات والأرض منذ أن خلقه الله عز وجل ولأجله سميت ب - (الزهراء).

وللنور الفاطمي تجليات أخرى ظهرت لصاحب مقام الولاية الإلهية والوصاية النبوية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

ص: 329


1- أخرجه الحاكم في المستدرك: ج 3، ص 156؛ والديلمي في مسند الفردوس: ج 3، ص 145، حديث 4388؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 12، ص 110، حديث 24232؛ الجمع بين رجال الصحيحين للعتسراني: ج 2، ص 611؛ الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 56؛ الجامع من المقدمات لابن رشد: ص 66؛ وسوف نورد المزيد من المصادر في باب: (منزلة فاطمة في السنة النبوية).
المسألة السادسة: تبشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولادة فاطمة عليها السلام

روى الصدوق رضي الله تعالى عنه في ثواب الأعمال عن البرقي، رفعه قال: بشّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفاطمة عليها السلام فنظر في وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم، فقال:

«ما لكم! ريحانة أشمها ورزقها على الله عزّ وجل»(1).

تشير الرواية إلى جملة من الأمور، منها:

أولاً: تبشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفاطمة عليها السلام لم يكن إلا من خلال أهل بيته، فقد يكون الشخص المبشر هو فاطمة بنت أسد عليها السلام أو أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخادمته أو لعله يكون عمه أبو طالب.

والبشارة بولادة فاطمة لا تكون إلا من خلال أسباب، منها:

ألف: إن الشخص الذي بشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له من المعرفة بما تحمل فاطمة من شأنية وجاه عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولقد مر علينا سابقاً تبشير جبرائيل عليه السلام رسول الله بها؛ وإن البشارة بها متعلقة بحفظ شريعة الله في أرضه وظهور دينه على الدين كله، وذلك بابن فاطمة ومهدي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 330


1- ثواب الأعمال للصدوق: ص 202؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 3، ص 481؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 21، ص 365؛ العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 1، ص 234؛ البحار للمجلسي: ج 101، ص 91.

باء: أو أن بشارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولادة فاطمة عليها السلام إنما كان لتأخر الحمل على خديجة عليها السلام، بمعنى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد فقد ولدين قبل ولادة فاطمة عليها السلام وهما (القاسم وعبد الله)، ومن ثمّ أصبح البيت النبوي خالياً من طفل جديد.

جيم: أو أن سبب البشارة هو تحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسبقا بما في رحم خديجة عليها السلام وأنها أنثى - كما مرّ بيانه - وأن لها شأناً خاصاَ وإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتظر بفارغ الصبر هذه الولادة واستقبال أم الأئمة وبضعته النبوية؛ فكان الشخص المبشر عارفاً بحال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتظاره لهذا الخبر.

ثانياً: ظهور الكراهة في وجوه الصحابة إنما كان لما عليه العرب من المجتمع المكي وغيره من المجتمعات العربية من كراهة ولادة البنت، فضلاً عن وأدها، ولقد دل القرآن الكريم على هذه الحالة الاجتماعية النفسية لمجتمع الجزيرة؛ قال تعالى:

وَ إِذٰا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمٰا ضَرَبَ لِلرَّحْمٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ (1) .

فهذه الكراهة التي ظهرت في وجوه الصحابة إنما هي حالة طبيعية لما كانت عليه نفوس العرب، ولذا نجد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عالج الأمر ضمن وضع منهاج تربوي في المجتمع الإسلامي، فقال لهم.

«ريحانة، أشمها ورزقها على الله».

ص: 331


1- سورة النحل، الآية: 58.

بمعنى: أن الفتاة في البيت هي ريحانة تدخل على أبيها الراحة والسكينة فلماذا تراه يعرض عنها وهي تحقق ما لم يستطع الصبي تحقيقه، والرجل مثلما يحتاج إلى من يعينه في كسب المعيشة ودفع الضرر ودرء السوء عنه وعن حرمه وماله كذا هو بحاجة إلى الأنس والسكينة والهدوء والراحة، وهو مرهون بوجود المرأة وهذه أحد الأسباب لوجود الكراهة في وجوه الصحابة.

وهناك سبب آخر: وهو أن هذه الكراهة كانت لما خص الله به هذه المولودة من كونها (النسمة، الطاهرة، الميمونة) وإن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يحتمل أن يكون قد حدّث بهذه الصفات وما لهذه البضعة النبوية من شأنية ومن ثم لا يروق للبعض منهم اختصاص فاطمة بهذه الصفات لاسيما وإن القاعدة في اكتساب سمة الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو رؤيته والسماع منه، وهو عنوان واسع يدخل ضمنه المؤمن والمنافق(1).

وعليه:

فمثلما هناك من بشر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولادة فاطمة والبشارة من الناحية النفسية لا تكون إلا لمن يجد سرورا في نفس صاحب الشأن إن لم يكن هو الآخر مسروراً بحمل هذه البشارة؛ كذلك هناك من يجد في نفسه سوءاً لما خص به النبي الأكرم من نعمة عظيمة وهي فاطمة عليها السلام، ولذا ظهرت الكراهة في وجهه، إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حول الحدث إلى ناحيته الأسرية والدنيوية لا الأخروية ولا ما خص الله به هذه المولودة وذلك بسبب رؤيته الكراهة في وجوه عدد من الصحابة.

ص: 332


1- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني: ج 16، ص 169.
المسألة السابعة: النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يضيف ركعة إلى صلاة المغرب شكراً لله على ولادة فاطمة عليها السلام

حينما يكون شكر النعم شريان العبادة كما دل عليه قوله تعالى:

اِعْمَلُوا آلَ دٰاوُدَ شُكْراً(1) .

فإن سيد الأنبياء والمرسلين عليهم السلام هو الأولى بهذه العبادة وبشكر الله على ما وهب له وأعطى من نعم عظيمة وعطايا جزيلة فكان شكره لربه على اختصاصه بفاطمة الفردوسية وأم الأئمة النجباء أن جعل الصلاة هي الوسيلة لشكر رب العزة جل جلاله في كل يوم وإلى يوم القيامة حيث ما كان هناك لله مسلم على هذه الأرض وذلك من خلال العمل الآتي الذي يكشفه الإمام الصادق عليه السلام.

فقد روى الصدوق، وابن شهر آشوب، والحر العاملي رحمهم الله، عن أبي محمد العلوي الدينوري باسناده رفع الحديث إلى الصادق عليه السلام، قال، (قلت له: لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر ولا سفر؟

فقال عليه السلام:

«إنّ الله عزّ وجل أنزل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لكل صلاة ركعتين في الحضر فأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكل صلاة ركعتين في الحضر وقصر فيها في السفر إلا المغرب والغداة، فلما صلى المغرب بلغه مولد فاطمة عليها السلام فأضاف إليها ركعة شكراً لله عزّ وجل، فلما أن

ص: 333


1- سورة سبأ، الآية: 13.

ولد الحسن عليه السلام أضاف إليها ركعتين شكراً لله عزّ وجل، فلما أن ولد الحسين عليه السلام أضاف إليها ركعتين شكراً لله عزّ وجل، فقال: للذكر مثل حظ الأنثيين فتركها على حالها في الحضر والسفر»)(1).

ويدل الحديث على أمور، منها:

أولاً: إن الحكمة في جعل صلاة المغرب ثلاث ركعات كي تكون هذه الركعة شكراً لله تعالى على ولادة فاطمة عليها السلام ولأن المسلم بحكم دين الإسلام ملزم بعمل رسول الله وواجب عليه أداء هذا العمل فهو يكون شاكراً لله تعالى في صلاته على ولادة فاطمة عليها السلام.

ثانياً: يدل الحديث الشريف على أن الوقت الذي ولدت فيه فاطمة عليها السلام كان إما بعد صلاة المغرب فجعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم التالي ثلاث ركعات؛ وأما أنه كان في أثناء الصلاة وبشر بذلك لغرض إفراحه وإدخال السرور عليه فجعلها ثلاث ركعات في الوقت نفسه، فمضى فعله فريضة على الأمة.

المسألة الثامنة: خصوصية تسمية البنت ب - (فاطمة عليها السلام)

لم يزل أئمة أهل البيت عليهم السلام يرشدون الناس إلى معرفة حق العترة النبوية على الأمة المسلمة، ويدلونهم على الأعمال التي يتضح فيها حب العترة وموالاتها.

والتسمية بأسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم

ص: 334


1- علل الشرائع للصدوق: ج 2، ص 324؛ المناقب لابن شهر آشوب: ج 4، ص 266؛ وسائل الشيعة للعاملي: ج 4، ص 88.

السلام إنما هي واحدة من الأعمال الكاشفة عن حب المسلم لرسول الله وأهل بيته عليهم السلام؛ فلولا هذا الحب لما كان هناك محرك أو دافع لهذه التسمية.

ولو نظرنا إلى سيرة أهل البيت عليهم السلام لوجدنا أن هذا المنهاج التربوي والولائي هو قائم عند أهل البيت عليهم السلام، فالأئمة الاثنا عشر عليهم السلام ثلاثة منهم باسم (محمد) وأربعة منهم باسم (علي).

بل لو جئنا إلى الإمام السبط وسيد شباب أهل الجنة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام لوجدنا أن جميع أبنائه قد سماهم بعلي عليه السلام، فعلي زين العابدين عليه السلام هو المنصوص عليه بالإمامة، وعلي الشهيد في كربلاء الملقب بالأكبر، وعلي الأصغر واسمه عبد الله الرضيع عليهم السلام جميعا؛ وهذا كله يدل على حب الإمام الحسين عليه السلام لصاحب هذا الاسم فضلاً عن إظهار الموالاة.

وعليه: دأب أتباع الأئمة الاثني عشر على إظهار حبهم وموالاتهم لأهل البيت والتسمي بأسمائهم عليهم السلام، لاسيما أصحاب الكساء الذين جللهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالكساء اليماني ونزل فيهم قوله تعالى:

إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(1) .

والتسمية ب - (فاطمة عليها السلام) لها من الخصوصية الخاصة التي يدل عليها حديث الإمام الصادق عليه السلام الآتي:

روى الشيخ الكليني رحمه الله عن علي بن محمد، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن السكوني، قال: (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، وأنا مغموم مكروب، فقال لي:

ص: 335


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.

«يا سكوني مما غمك ؟».

قلت: ولدت لي ابنة. فقال عليه السلام:

«يا سكوني على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك، وتأكل من غير رزقك، فسرى والله عني».

فقال لي:

«ما سميتها؟».

قلت: فاطمة. قال عليه السلام:

«آه آه».

ثم وضع يده على جبهته، فقال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حق الولد على والده إذا كان ذكراً، أن يستفره(1) أمه، ويستحسن اسمه، ويعلمه كتاب الله، ويطهره، ويعلمه السباحة.

وإذا كانت أنثى أن يستفره أمها، ويستحسن اسمها، ويعلمها سورة النور، ولا يعلمها سورة يوسف، ولا ينزلها الغرق؛ ويجعل سراحها إلى بيت زوجها.

أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها»)(2).

والحديث فضلاً عما قدمنا له فهو يدل على بعض الأمور منها:

أولاً: بيان حقوق الأبناء على الآباء، وأن حقوق الصبي محفوظة كما هي حقوق الفتاة محفوظة، بمعنى: أن الإسلام وتحديداً على مذهب أهل البيت عليهم

ص: 336


1- يستفره أمه، أي: يستكرم أمه، ولا يدعو بالسب لأمه.
2- الكافي للكليني: ج 6، ص 49؛ تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ج 8، ص 112؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 15، ص 200.

السلام لا يبخس المرأة حقها الأسري؛ وبل حقها في الحياة، إذ يتدرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الأب في هذه الحقوق منذ ولادة الأنثى وحتى زواجها، مع التركيز على ما يناسب وضعها الأنثوي من حيث صونها وتأديبها وحفظ حيائها الذي هو أعز ما تملكه المرأة فبه دوام عفتها.

ثانياً: ولأن التسمية ب - (فاطمة) له من الخصوصية عند أهل البيت عليهم السلام؛ وذلك إكراماً لمن سميت باسمها وهي بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيدة نساء العالمين فلزم توقيرها واحترامها، فإن على الأب تنشئة هذه الفتاة على ما كانت عليه سيدة نساء العالمين حينما تترعرع في كنف أبيها وهي تلقى منها هذا الاهتمام والخصوصية إكراماً لمن سميت باسمها.

بمعنى آخر: تنشأ الفتاة على العزة والكرامة وحب العترة والسعي في معرفة سيرة البتول عليها السلام والتأسي بها في الحياة وبذلك يضمن الأب خلق نموذج فعال في إصلاح المجتمع من خلال إخراج امرأة صالحة ستقوم بتنشئة جيل يعتمد الإصلاح والعمل الصالح كأداة في حياته مع الناس.

ثالثاً: ذكره عليه السلام لهذه الآهات عند سماعه لاسم فاطمة عليها السلام إنما يكشف عن الألم البالغ الذي خلفه مصاب الزهراء عليها السلام وإسقاط جنينها وحرق دارها وغيرها مما جرى عليها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فكان سماع الإمام الصادق عليه السلام لاسم جدته فاطمة الزهراء عليها السلام صورة حية لما جرى عليها من المصائب وهكذا ينبغي بالمؤمنين حينما يمر عليهم ذكر بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المظلومة الشهيدة.

ص: 337

المبحث الثالث: تاريخ ولادة فاطمة عليها السلام

اشارة

في الحديث عن تاريخ ولادة فاطمة صلوات الله عليها، يظهر للمتتبع لهذا الحدث الاختلافات الكثيرة عند جميع علماء المسلمين في تحديد السنة، والشهر، واليوم، الذي ولدت فيه البضعة النبوية الطاهرة.

وهذا الأمر ليس بالغريب على المتتبع لكتب المسلمين وقراءة المصادر التي تعنى بسيرة الشخصيات الإسلامية، فضلاً على ذلك الاختلاف:

في يوم المولد النبوي، ويوم فاجعة الإنسانية بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم.

فكيف يكون حال الاختلاف في بقية المسائل، التي من بينها مولد البضعة النبوية فاطمة الزهراء عليها السلام.

إلا أن الأمر الذي يجب الأخذ به، والاعتماد عليه في معرفة التاريخ الصحيح لمولد فاطمة عليها السلام يكون بالرجوع إلى المصدر الموثوق الذي لا يقبل الريب.

ص: 338

إذ إنّ معرفة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام بتاريخ مولد أمهما فاطمة صلوات الله عليها أصح وأصدق من قول فلان من عامة الناس وهم يجهلون ميلاد أنفسهم فكيف لهم بمعرفة ميلاد أمهاتهم بل أنى لهم بمعرفة مولد فاطمة صلوات الله عليها؟!

ومن هنا فإن العقل يلزمنا بالاعتماد على أحاديث الإمامين الشهيدين سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين في مولد فاطمة عليها السلام.

أضف إلى ذلك أن الشريعة المحمّدية كانت قبل العقل والمنطق قد ألزمتنا وأوجبت علينا التمسك بهم والرجوع إليهم في جميع الأمور، قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي وقد نبأني اللطيف الخبير إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(1).

وعليه فإنّا من أجل أن لا نقع في الهاوية ونضل عن طريق الله وصراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم، فإنّا قد تمسكنا بالثقلين (القرآن وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم) كما تمسك بهم كل عاقل شرح الله صدره للإسلام فما

ص: 339


1- وحديث الثقلين مجمع عليه عند الفرقين، فإنه قد رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعة وثلاثون من الصحابة والصحابيات وأخرجه أكثر من مائة وثمانين من أكابر أهل السنة في جوامعهم وصحاحهم وسننهم بأسانيد صحيحة، وإذا أضيف إليه ما أخرجه علماء الإمامية ومحدثوهم بطرقهم الصحيحة المتصلة بالعترة النبوية فإن هذا الحديث يكون من أكثر الأحاديث رواية وسماعاً وكتابة وشهرة. (الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 1، ص 11).

العقل: (إلا ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان)(1).

وإلا أي عاقل يرضى لنفسه الهلاك والوقوع في نار جهنم وهو بحكم كونه عاقلاً لا يمكن له أن يترك وصية نبيه الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ويتبع سبلاً أخرى لا تزيد السائر إلا ضلالاً ولا تضيف إلى حيرته إلا عذاباً ولا تلحقه إلا ندماً وخسراناً ويومئذٍ:

وَ يَقُولُ اَلْكٰافِرُ يٰا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرٰاباً(2) .

لترك أبي تراب(3) صلوات الله عليه.

فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله في إتباع ما أوصى به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن هذا المنطلق فإنا نذهب إلى أهل البيت صلوات الله عليهم ونورد ما قالوه عن ولادة فاطمة سلام الله عليها، فأهل البيت أدرى بالذي فيه ويكفي القارئ الكريم دلالة على ما نقول ما حملته هذه الحادثة من معنى جميل.

فقد روي: أن عبد الله ابن الإمام الحسن بن فاطمة عليها السلام قد دخل

ص: 340


1- معاني الأخبار للصدوق: ص 240؛ وسائل الشيعة (آل البيت) للحر العاملي: ج 15، ص 205؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 7، ص 315؛ تفسير نور الثقلين للشيخ الحويزي: ج 5، ص 382.
2- سورة النبأ، الآية: 40.
3- وهو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام سيد الأوصياء ووصي خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يقول عليه السلام: «هي أحب الكنى إلي»، والعلة في تكنيته هو أن الكفار والمنافقين لشدة حسرتهم وتفريطهم في جنب الله وحق علي بن أبي طالب يتمنون أن يكونوا تراباً.

على هشام بن عبد الملك وعنده الكلبي النّسابة، فسألهما عن سن فاطمة عليها السلام فاختلفا، فقال عبد الله بن الحسن: سلني عن أمّي فأنا أعلم بها، وسل الكلبي عن أمه فهو أعلم بها(1).

وهذا ما جاء عنهم عليهم السلام:

المسألة الأولى: أقوال أهل البيت عليهم السلام في تاريخ مولد فاطمة عليها السلام
أولاً: تعيين سنة ولادتها عليها السلام

أخرج ثقة الإسلام الشيخ الكليني رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«ولدت فاطمة بعد مبعث الرسول بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين»(2).

ثانياً: تعيين شهر ولادتها عليها السلام

أما شهر ولادتها عليها السلام فقد وقع الخلاف فيه بين شهر رمضان، رجب، ربيع الأول، جمادى الآخرة، ولكن الأغلب والأشهر بين الفريقين أنّه في العشرين من جمادى الآخرة(3).

وأما الطائفة الإمامية ولاسيما قدماؤهم فقد اتفقوا على شهر ولادتها بلا

ص: 341


1- البحار: ج 43، ص 213، حديث 44، باب 7.
2- الكافي: ج 1، ص 457، حديث 10.
3- الخصائص الفاطمية للكجوري رحمه الله: ص 386-387.

خلاف وهو جمادى الثانية، كصاحب الكافي والدلائل والحدائق والمناقب والمصباح وغيرهم من المتأخرين حيث أجمعوا على هذا اليوم، وعليه عمل العلماء والمعاصرون في هذا الزمان(1).

واختاره أيضاً المرحوم الشيخ الحر العاملي صاحب الوسائل، كما ذكره في منظومته:

قد وُلِدَت فاطمة الزهراء *** البضعة الزكية الحوراء

بِمكة الغراء يومَ الجمعة *** في ملك يزدجر مبدي الشمعة

وذاك قبل رجب بعشر *** وقيل قبله بنصفِ شهر

لخمسة من مبعث النبي *** المصطفى المكرم الزكي

وقد روى مخالف ما قبله *** بخمسةٍ ومن رواه أبله

والمراد العشرون من جمادى الآخرة، لأنها قبل رجب بعشرة أيام، عيّن رحمه الله سنة الولادة بخمس سنين بعد البعثة ووصف المخالف لهذا القول بالأبله(2).

ثالثاً: تعيين يوم ولادتها عليها السلام

فقد ذهب علماء الإمامية رضوان الله عليهم إلى أنه الجمعة(3)، وذهب غيرهم من العامة إلى أنه يوم الثلاثاء.

ص: 342


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.
3- بحار الأنوار للمجلسي رحمه الله: ج 43، ص 9، حديث 15، باب 1.

والأصح هو يوم الجمعة لأن أهل البيت عليهم السلام أعلم بمولد البضعة المحمدية والشجنة النبوية من غيرهم، كما أن الله عز وجل قد كرم الجمعة على الأيام، وكرم شهر رمضان على الشهور ومن الأولى أن تلد الكريمة النبوية والهبة الربانية في يوم الجمعة.

فهذه أقوال أهل البيت عليهم السلام وبها تأخذ الطائفة الشيعية من المسلمين.

المسألة الثانية: أقوال أهل العامة من المسلمين
أولاً: إنها عليها السلام ولدت قبل المبعث بخمس سنوات
اشارة

وهذا القول عليه أكثر أهل العامة(1) والسبب في ذلك يعود لاعتمادهم على رواية واحدة رواها ابن إسحاق رحمه الله والاكتفاء بها دون غيرها وهذا يرجع إلى مجموعة من الأسباب، وهي:

السبب الأول

إن هذه الرواية تجعل فاطمة عليها السلام امرأة كبيرة السن في وقت زواجها، إذ الواضعون لهذه الرواية أرادوا بذلك أن يكون سن فاطمة عليها السلام عند الزواج عشرين سنة، والمرأة عندما تصل إلى هذه السن في ذلك الوقت ولا تتزوج تكون امرأة غير مرغوب بها للزواج وقد صرّح البعض منهم بحقيقة ما حملته هذه الرواية من أغراض دنيئة، ناسياً أو متناسياً أن من قصد فاطمة بمنقصة يريد

ص: 343


1- تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 3، ص 157؛ المنتخب من ذيل المذيل للطبري: ص 90؛ الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد: ج 8، ص 26؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 25، ص 93.

استهانتها فقد كفر، وهذا الحكم اعتمده القاضي عياض وصرح به في الشفا كما أعلنه أيضاً العلامة السهيلي(1) وغيرهم من علماء المسلمين.

إذ إن الفتاة في مجتمع مكة كانت تتزوج في سن مبكرة، فما أن تصل إلى سن السابعة والثامنة فإن الخُطّاب يدقون باب أهلها في التسع فإنها تكون قد انتقلت إلى دار زوجها وهذا في الإسلام أما قبله فإن الفتاة كانت تتزوج قبل التاسعة.

فبقاء المرأة إلى هذا العمر دون أن تتزوج يعيب المرأة ويؤلم أهلها لأن ابنتهم فاتها الخاطبون وتركها الرجال بينما يكون أترابها قد أنجبن العديد من الأولاد.

ونحن نسأل هؤلاء المنافقين الظالمين المؤذين لله ورسوله ألم يكن هناك بين صحابة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم رجل يحمل في داخله الرغبة في مصاهرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والتقرب إليه، أو إحرازه للسبب الذي لا ينقطع بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالزواج من ابنته ؟!

أم أنّه ليس فيهم رجل يملك الحس الإنساني فيتقدم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويخطب منه ابنته التي بقيت جليسة الدار دون زواج ولو من باب رفع الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينال بذلك الأجر والثواب ؟! أم لا رغبة عندهم في الحصول على الأجر والثواب وكسب رضا الله ورضا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟! أم أنهم لم يعلموا أن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بنتاً اسمها فاطمة!؟ فهم في معزل عنه صلى الله عليه وآله وسلم أم أنهم فقدوا رجولتهم فلم يتمكن أحدهم من الزواج ؟!

ص: 344


1- سنورد أقوال العلماء من المذاهب الإسلامية في باب: (ظلامة فاطمة).

أم بغضاً للنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فلم تطعهم أنفسهم من التقرب إليه ومصاهرته ؟!

ألم يسأل أحد نفسه هذه الأسئلة وغيرها عندما يعلم أن فاطمة البضعة النبوية ظلت كل هذه السنين في دار أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وهو أمر يرفضه ويعيبه المجتمع المكي والمدني ؟!

أليس هذا تعريضاً وتجريحاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبابنته الطاهرة سيدة نساء العالمين وتعريض بصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث هجروا نبيهم ولم يتقربوا من مصاهرته حتى جاءها ابن عمها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فتزوجها؟!

وعليه:

فإن هذا هو السبب الأول الذي جعل الكثير من الكتّاب الذين لهم ميول أموية يعتمدون على هذه الرواية القائلة بأن فاطمة ولدت سنة خمس قبل المبعث.

والسبب الثاني

هو تعريض بالروايات الصادرة عن حضرة النبوة وعترة الرسالة التي تخبر عن تفضيل فاطمة عليها السلام على جميع البشر لاختصاصها وتكريمها بأن الله عز وجل أودعها في ثمار الجنة، وأن النطفة النورانية الزكية التي خلقت منها كانت من هذه الثمار التي تناولها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما بيناه في الأبواب السابقة، إذ كونها ولدت قبل المبعث يعارض هذه الروايات ومن ثم يدفع المسلم إلى عدم الأخذ بها أي تجريد فاطمة صلى الله

ص: 345

عليه وآله وسلم من هذه المنقبة الفريدة التي لم يحظ بها أحد من العالمين، ودافعه إما غرض في نفس الراوي أو مرض في قلبه؛

فَزٰادَهُمُ اَللّٰهُ مَرَضاً(1) .

والسبب الثالث

هو جعل ذلك منقبة لعائشة بحيث إنها تزوجت في سن التاسعة وخطبت في السادسة ولطالما كانت تفتخر بذلك وتعلنه مراراً لتظهر رغبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها ومسارعته لخطبتها، بينما أراد الواضعون لهذه الرواية جعل البضعة النبوية فاطمة الزهراء قد بلغت العشرين من عمرها ولم تتزوج وهذه المقارنة لا تخفى على الباحث المتتبع لأحداث الإسلام منذ الهجرة النبوية إلى يومنا هذا.

ثانياً: إنها عليها السلام ولدت سنة البعثة النبوية

أي إنها عليها السلام ولدت سنة أربعين من عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا القول قد ذهب إليه بعض علماء العامة فمنهم من صرح به علناً ومنهم من قال: إنها ولدت الحسن ولها من العمر خمس عشرة سنة، أي إن ولادتها كانت سنة أربعين من عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم(2).

ص: 346


1- البقرة، الآية: 10.
2- تهذيب التهذيب: ج 12، ص 391؛ مرآة الجنان لليافعي: ج 1، ص 54؛ غاية الأماني ليحيى بن الحسين: ج 2، ص 77؛ الروضة للفيحاء: ص 228؛ موسوعة التاريخ الإسلامي لأحمد شبلي: ج 1، ص 358؛ تاريخ الخلفاء: ص 75؛ وابن سيد الناس في منح المدح: ص 355؛ وفاء الوفا للسمهودي: ج 1، ص 274.
ثالثاً: إنها ولدت سنة إحدى وأربعين من عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

وهو قول: ابن عبد البر، والمزّي، والنويري، والمقدسي، وابن الأثير، والحاكم، والبيهقي، والسيوطي، وابن حيان، واليعقوبي، والقسطلاني وابن منظور، ومغلطاي، وغيرهم(1).

رابعاً: إنها عليها السلام ولدت سنة اثنتين وأربعين من عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم

وقد ذهب إلى هذا القول النويري وغيره(2).

خامساً: إنها ولدت سنة ثلاث بعد البعثة

وقد ذهب إلى هذا القول: ابن حبان(3).

سادساً: إنها ولدت سنة خمس بعد البعثة

وهو قول: المسعودي، والديار البكري، والمحب الطبري، وأبو بكر الدراع، وغيرهم(4).

ص: 347


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1893؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 35، ص 248؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 163؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 71؛ نهاية الأرب للنويري: ج 18، ص 213؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج 12، ص 273، فصل 8؛ التبين لابن قدامة المقدسي: ص 96؛ الثغور الباسمة للسيوطي: ص 9؛ تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 20؛ مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: ج 2، ص 269؛ المواهب اللدنية للقسطلاني: ج 1، ص 198؛ كتاب المفهم للحافظ أبي العباس القرطبي: ج 6، ص 351.
2- نهاية الأرب للنويري: ج 18، ص 213.
3- تاريخ الصحابة لابن حبان: ص 208.
4- مروج الذهب للمسعودي: ج 2، ص 289؛ إثبات الوصية للمسعودي ذخائر العقبى للطبري: ص 52؛ تاريخ الخميس للديار بكري: ج 1، ص 278.

فهذه أقوال أهل العامة من المسلمين في تعيين سنة ولادة فاطمة عليها السلام وقد بدتْ الخلافات ظاهرة فيها.

وعليه:

فإنّا نأخذ بالقول الأخير لأنه يوافق مذهب أهل البيت عليهم السلام، فهم موضع الرسالة، ومهبط الوحي، ومحل التنزيل، والباقي هواء في شبك، سوى ما كان منها يشير إلى ولادتها بعد البعثة بسنة أو بسنتين؛ لأنه يتقارب مع كونها خلقت من ثمار الجنة، ولكونها تتفق مع طبيعة المجتمع المكي في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي يعيب تأخر البنت عن الزواج بعد العاشرة من عمرها ولاسيما إذا كانت تحمل صفات وخصائص كان يركز عليها أهل مكة ويتنافسون في الاستباق إليها وهي ابنت نبيهم المصطفى مع ما لها من مزايا لم تحظ بها امرأة من العالمين.

ص: 348

المبحث الرابع: الاحتفال بعيد المولد الفاطمي

اشارة

قبل الدخول بمجريات هذا المبحث وما يناسبه من المسائل فإننا نتوجه إلى جميع المسلمين بإحياء يوم العشرين من جمادى الثانية وهو يوم مولد فاطمة سلام الله عليها، والاحتفال به وإظهار السرور بما يناسب عظم هذا اليوم ومنزلته عند الله ورسوله وأهل بيته.

وهذه الدعوة لا تقتصر على المسلمين حسب، بل هي دعوة لجميع الأديان وأصحاب الفكر ورعاة الإنسانية ؟! لأن فاطمة الزهراء عليها السلام قبس من ذلك السراج الوهاج الذي أضاء بنوره الحياة الإنسانية.

فمن واقع الإخلاص لكل من يسعى جاهداً في بناء الحياة الإنسانية أن يوقر عظماءها ويُذكر أهلها بهؤلاء العظماء الذين كانوا أحد أركان الرقي والترقي الإنساني.

ص: 349

وكلنا يعلم اليوم ونحن في الألفية الثالثة أن رعاة الفكر وأعضاء الهيئات الإنسانية التي تهتم بالكيان الإنساني قد اتخذت منهاجاً لتكريم هؤلاء العظماء فقامت بتكريم (الأم تريزا) ومنحها جائزة نوبل للسلام في منطلق ردود الأفعال في خدمة الإنسانية من دون النظر إلى معتقدها ومذهبها، لأن الملاك هو من بنى وأسهم ووضع حجر الأساس في بناء حياة الإنسان فمن الأولى أن يُعظم فاطمة الزهراء سلام الله عليها جميع رجال الفكر الإنساني فما قدمته فاطمة من جهود جبارة في بناء ورقي حياة الإنسان وأخرجت للحياة قادة وعظماء ومفكرين وأئمة فجعلها الله عز وجل المدرسة التي يتخرج منها هؤلاء العظماء ولاسيما ولدها الإمام المهدي صلوات الله عليه الذي ينتظره كل إنسان على وجه الأرض مهما كان معتقده فكل دين وكل مذهب يؤمن بوجود (المصلح) أو (المنقذ) الذي يأتي في يوم معين ليغير العالم ويخلصه من الظلم والفساد حتى الفلاسفة وعلى اختلاف مناهجهم ومشاربهم وآرائهم الفلسفية والمنطقية فإنهم يحلمون بالوصول إلى (المدينة الفاضلة(1) التي تقوم على أساس وجود العدل والحق والحرية وهذا كله لا يتحقق إلا بالإمام المهدي روحي فداه لأن قوى الشر لا يمكن أن يتم القضاء عليها وإنهاؤها من النفس البشرية بدون قوى الخير المحض الذي يكون من الله واختصاصه وإيداعه رجلاً من خلقه يكون من سلالة نبي ولأهمية الأمر وثقله فلا يمكن أن يتعدى ذرية خاتم الأنبياء وسيدهم فأعد لهذا الأمر فاطمة الزهراء عليها السلام التي بشرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً:

ص: 350


1- تذكرة أولي الألباب للشيخ داود الأنطاكي: ج 1، ص 6؛ مقدمة في أصول الدين للشيخ وحيد الخراساني: ص 94.

«ابشري يا فاطمة فإن المهدي من ولدك»(1).

ومن هنا ينبغي من جميع الأحرار وعشاق الحق ودعاة الحرية أن يتخذوا من يوم مولد فاطمة عليها السلام رمزاً ومناسبةً للتذكير بجميع القيم الإنسانية، كأن يكون يوم العشرين من جمادى الآخرة يوماً يطلق عليه:

«يوم عيد الفضيلة» التي العالم اليوم بحاجة إليها بعد أن عاث دعاة الشر وأئمة الضلال في الحياة الفساد حتى افقدوها طعم الإنسانية.

أما شيعتها ومحبوها فقد اتخذوا هذا اليوم، يوم سرورهم وابتهاجهم يتبادلون الهدايا ويطعمون الفقراء والمحتاجين ويفرقون الحلوى على الأطفال ويزينون الدور ويعقدون المجالس فتنشد الشعراء بما تجيش به قرائحهم بفضل فاطمة ومنزلتها لينالوا القرب من رسول الله ويفوزوا برضا الله.

فما من عمل أحب إلى الله من إدخال السرور على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذريته فجزاهم الله خيراً.

أما ما يرتبط بهذا المبحث من مسائل فإنا نعرض لها كالآتي:

المسألة الأولى: البحث في مشروعية الاحتفال
اشارة

قبل الدخول بمشروعية الاحتفال بعيد المولد الفاطمي فإننا نذهب أولاً لننظر في مشروعية الاحتفال بعيد المولد النبوي فما جاز هنا يجوز أن يكون هناك مع وجود المرجحات الأكثر في الاحتفال بعيد المولد الفاطمي التي سنشير إليها إن شاء

ص: 351


1- كفاية الأثر للخزاز القمي: ص 124؛ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني: ص 98؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 51، ص 78؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 10، ص 173.

الله تعالى.

أما لماذا اتخذ هذا الحدث حيزاً في المناقشة والبحث حول جواز الإتيان به أو عدم ذلك، حتى لوحظ أن بعض البلاد الإسلامية لم تولِ هذه المناسبة اهتماما يتناسب مع حجم هذا اليوم ؟ ومرجع ذلك يعود إلى أمرين:

الأمر الأول: المستوى الثقافي العام للفرد المسلم كان له مدخلية كبيرة في التعامل مع هذه المناسبة، وذلك بسبب بعض التداخلات الفكرية والثقافية القادمة من بيئات إما غير إسلامية، وإما إسلامية متطرفة.

الأمر الثاني: وضع الاحتفال بيوم المولد النبوي بين حكم الممدوح والمذموم أو ما يسمى ب - (البدعة الحسنة) و (البدعة المذمومة) من قبل جهات خاضعة لآلية خاصة بها في فهم النصوص الشرعية لاسيما أولئك القائلين بذم الاحتفال واثم المحتفل بالمولد النبوي.

فانعكس ذلك على ثقافة المسلم فأهمل هذا اليوم حتى أصبح لديه قناعة بأنه مأثوم إذ احتفل بيوم مولد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، بل ويدعو إلى محاربة هذا الاحتفال فضلا عن كيل التهم للمحتفلين وكأنه الوحيد الذي على بصيرة من أمره.

وجدت أن أعود إلى أصل المدعى والعنوان الذي دارت من حوله هذه التجاذبات، أي ما أسماه كلا الفريقين المختلفين بين كونه بدعة حسنة أم مذمومة.

بمعنى: أن الفريقين ينطلقان من عنوان واحد وهو كون الاحتفال بيوم المولد النبوي (بدعة) لكن أهي: حسنة أم مذمومة ؟ وهذا بحد ذاته، - أي: وصف العمل

ص: 352

بأنه بدعة - مخالف لما عليه مذهب أهل البيت عليهم السلام، فقد تواترت الأحاديث الشريفة عنهم بالحث على إحياء شعائر الله تعالى وإظهار مظاهر التولي لأولياء الله والبراءة من أعدائه.

إلا أننا هنا لابد أن نقف أولاً عند منطلق الفريقين، في حكمهم على المولد النبوي، وأعني: (البدعة) كي نفهم أن وصف عمل الاحتفال بالبدعة صائب أم خاطئ.

أولاً: البدعة في اللغة

ألف: قال الخليل الفراهيدي: البدع: إحداث شيء لم يكن له من قبل خلف ولا ذكر ولا معرفة.

وقال أيضا: البدع: الشيء الذي يكون أولاً في كل أمر كما قال الله تعالى:

مٰا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ اَلرُّسُلِ (1) .

أي: لست بأول مرسل.

والبدعة: اسم ما ابتدع من الدين وغيره، والبدعة ما استحدث بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأهواء والأعمال(2).

باء: قال ابن فارس: البدع له أصلان: ابتداء الشيء وضعه لا عن مثال، والآخر الانقطاع والكلال، والمقصود في المقام هو المعنى الأول(3).

ص: 353


1- سورة الأحقاف، الآية: 9.
2- كتاب العين للفراهيدي: ج 2، ص 54.
3- معجم مقاييس اللغة لابن فارس زكريا: ج 1، ص 210.

قال الراغب الاصبهاني: الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء ولا اقتداء، والبدعة في المذهب، إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها بصاحب الشريعة وأمثالها المتقدمة وأصولها المتقنة(1).

ثانيا: البدعة كما يراها أهل السنة
ألف: القول المطلق في البدعة
1. قول ابن رجب الحنبلي في البدعة

البدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة(2).

2. قول ابن حجر العسقلاني في البدعة

البدعة: أصلها ما أحدث على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة(3).

وقال أيضا:

المحدثات جمع محدث، والمراد بها أي في حديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ما أحدث وليس له أصل في الشرع، ويسمى في أصل الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة(4).

ص: 354


1- مفردات غريب القرآن للراغب الاصبهاني: كتاب الباء وما يتصل بها، ص 38.
2- جامع علوم الحكم: ص 160، ط الهند.
3- فتح الباري لابن حجر: ج 5، ص 156.
4- المصدر السابق.
3. قول ابن حجر الهيثمي

البدعة لغة: ما كان مخترعا، وشرعا ما أحدث على خلاف أمر الشرع ودليله الخاص والعام(1).

4. قول التفتازاني

إنّ المراد ب - (البدعة) هو أن يجعل في الدين ما ليس منه(2).

وهذه الأقوال تنص على أن البدعة هي أن يسند الأمر إلى الشرع وهو ليس من الشرع، وبمعنى آخر كل أمر ليس له أصل في الشريعة، وهذا المعنى يحتاج إلى مفهوم خاص بالشريعة، إذ متى ما نحدد مفهوم الشريعة استطعنا أن نشخص أن هذا الأمر بدعة أم لا.

وبما أن أبناء الجماعة، أي أهل السنة يجعلون الصحابة أحد مصادر التشريع وأن قولهم وفعلهم حجة عليهم بكونهم عدولاً، فلذا: أصبحوا في تخبط في تحديد مفهوم البدعة ومصداقها مما جعلهم يصنفون البدعة إلى صنفين، وبتسميتين، وهما: البدعة الحسنة والبدعة المذمومة، وهذه بعض أقوال علمائهم.

باء: القول المقيد في البدعة
1. قول إمام المذهب الشافعي في البدعة

المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو اجماعاً، فهذه البدعة الضلالة.

ص: 355


1- التبيين بشرح الأربعة لابن حجر الهيثمي: ص 221.
2- شرح المقاصد: ج 2، ص 272.

والثانية: مما أحدث من الخير مما لا خلاف فيه لواحد من هذا فهي محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر في قيام رمضان نعمت البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى(1).

أقول:

يمكن ملاحظة اصطدام المعنى الحقيقي للبدعة عند الشافعي مع معنى الشريعة مما دعاه إلى جعلها، - أي البدعة - إلى بدعة حسن وبدعة مذمومة مع علمه أن مفهومها ومصداقها لا يستقيم في كونها حسنة أو مذمومة؛ لأنها لا أصل لها في دين الله تعالى، وهي دخيلة عليه، غريبة عنه، ما أنزل الله بها من سلطان.

إلا أن توقفه في فعل عمر بن الخطاب في صلاة التراويح وتصريحه بنفسه بأنها بدعة ابتدعها، دفعه - أي الشافعي - إلى تقسيمها هذا التقسيم وما هو بمغير من حقيقة البدعة شيئاً يعتد به يوم القيامة، فالبدعة بدعة، كما أن الكذبة، كذبة في الشريعة سواء كانت كذبة بيضاء أو سوداء.

وعليه:

وقوع علماء أهل السنة والجماعة في عدم الوقوف على مصداق البدعة ومفهومها ومعناها مع مصداق الشريعة ومفهومها ومعناها دفعهم إلى جعلها حسنة ومذمومة؛ ومن ثم هم مختلفون في كل أمر جديد فضلاً عن التفات السلفية إلى هذا التقاطع في المعنيين، معنى المدعى ومعنى الشريعة مما جعلوهم يحرمون كل أمر جديد لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثم عهد

ص: 356


1- سبل الهدى والرشاد للصالحي: ج 1، ص 364.

الصحابة والتابعين وهو ما يعبر عنه بالقرون الثلاثة مما زاد الأمر سوءاً.

والسبب في ذلك هو محاربة كل ما لم يكن في تلك الأزمنة مما يتمخض عن إرجاع البشرية إلى قبل ألف ومائة سنة ومن ثم أصبح المسلم لا يستطيع أن يحيا هذه الحياة وهو على مشارف الألفية الثالثة التي لم يكن فيها شيء على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة سوى بعض المسميات التي اختلفت في مدلولاتها حتى احتاجت الألفاظ إلى قرائن تدل على معانيها ومقاصدها.

وفي هذه المشكلة يقول التفتازاني:

(ومن الجهلة من يجعل كل أمر لم يكن في زمن الصحابة بدعة مذمومة، وإن لم يقم دليل على قبحه تمسكا بقوله عليه الصلاة والسلام:

«إياكم ومحدثات الأمور».

ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل في الدين ما ليس منه، عصمنا الله من اتباع الهوى وثبتنا على اقتضاء الهدى بالنبي وآله)(1).

2. وقال الشافعي أيضا في البدعة

(البدعة: بدعتان، بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم)(2).

3. قول ابن الأثير في البدعة

البدعة: بدعتان، بدعة هوى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر

ص: 357


1- شرح المقاصد للتفتازاني: ج 2، ص 271.
2- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 1، ص 106.

الله به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه، وحث عليه الإسلام أو رسوله فهو في حيز المدح.

4. قول ابن حزم الأندلسي في البدعة

البدعة في الدين، كل ما لم يأتِ في القرآن ولا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن منها ما يؤجر عليه صاحبه ويعذر بما قصد إليه من الخير، ومنها ما يؤجر عليه صاحبه ويكون حسنا وهو ما كان أصله الإباحة كما روي عن عمر: بنعمت البدعة هذه، ومنها ما يكون مذموما ولا يعذر صاحبه وهو ما قامت الحجة على فساده فتمادى القائل به(1).

إذن: تكمن المشكلة في اصطدام علماء أهل السنة والجماعة بفعل الصحابة الذي لم يكن موافقاً للقرآن والسنة كفعل عمر بن الخطاب الصريح في مخالفته لشريعة الإسلام حينما جمع الصلاة المستحبة تحت إمام واحد في ليالي رمضان وهو ما لم يكن من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل حينما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الصحابة وقفوا خلفه يصلون ويقتدون به في نوافله ترك الصلاة كي لا تكون سنة.

بمعنى أن عمر بن الخطاب عمل على ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما ترك صلاته في المسجد، فيأتي عمر بن الخطاب فيجمع الناس على إمام واحد وهم في صلاة النافلة ثم ليصرح بأنها بدعة أحدثها بنفسه.

ص: 358


1- البدعة، مفهومها للشيخ جعفر السبحاني: ص 26.

ولذلك: لم يجد أولئك من سبيل إلاّ من خلال تقسيم البدعة إلى مذمومة وممدوحة وذلك كي يبرّروا ما فعله عمر بن الخطاب من مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما ابتدع بدعته تلك.

إلا أنهم حينما يأتون إلى فعل الاحتفال بالمولد النبوي يحكمون وبدون تردد على أنه بدعة مع علمهم أن البدعة هي إدخال أمر في الدين وهو ليس منه كما فعل عمر بن الخطاب أما الاحتفال بمولد منقذ البشرية وسيد الأنبياء والمرسلين والحث على حبه واتباعه والاتّعاظ بسيرته والاقتداء بسننه في تلك المجالس مع غيرها من المرجحات والمندوبات كل ذلك هو في نظر القوم بدعة!!!

ولكن تلك الآراء المتطرفة لم تكن بمكمّمة لأفواه كثير من العلماء في الحث على إقامة هذه المجالس وإحيائها وهذه جملة من أقوالهم.

المسألة الثانية: أقوال علماء أهل السنة في الحث على الاحتفال بالمولد النبوي
1. قال الحافظ أبو الخير السخاوي في فتاواه

عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد، ثم لا زال أهل الإسلام في سائر الأقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وآله وسلم بعمل الولائم البديعة المشتملة على أمور البهجة الرفيعة ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويزيدون في المبرات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليه من بركاته كل فضل عميم(1).

ص: 359


1- سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 1، ص 362.
2. قال الحافظ أبو الخير بن الجزري - شيخ القراء - البغدادي الحنبلي

من خواصه - أي الاحتفال بالمولد - أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة لنيل البغية والمرام(1).

3. قال ابن الجوزي

لو لم يكن في ذلك إلا إرغام الشيطان وإدعام أهل الإيمان(2).

4. قال العلامة ابن ظفر

بل في الدر المنتظم، وقد عمل المحبون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فرحا بمولده الولائم(3).

5. قال الشيخ نصير الدين المبارك الشهير بابن الطباخ في فتوى بخطه

إذا انفق المنفق تلك الليلة وجمع جمعا أطعمهم ما يجوز إطعامه وأسمعهم ما يجوز سماعه ودفع للمسمع المشوق للآخرة ملبوساً، كل ذلك سرورا في مولده صلى الله عليه وآله وسلم، فجميع ذلك جائز ويثاب فاعله إذا أحسن القصد(4).

6. قال الشيخ جمال الدين بن عبد الرحمن بن عبد الملك الشهير بالمخلص الكتابي

مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبجل مكرم، قدس يوم ولادته وشرف وعظم، وكان وجوده صلى الله عليه وآله وسلم مبدأ سبب النجاة لمن اتبعه

ص: 360


1- المواهب اللدنية للعسقلاني: ج 1، ص 27.
2- سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 1، ص 363.
3- المصدر السابق.
4- سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 1، ص 363-364.

وتقليل حظ جهنم لمن أعد لها لفرحه بولادته صلى الله عليه وآله وسلم وتمت بركاته على من اهتدى به، فشابه هذا اليوم يوم الجمعة من حيث أن يوم الجمعة لا تسعر فيه جهنم، هكذا ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم فمن المناسب إظهار السرور وإنفاق الميسور، وإجابة من دعاه رب الوليمة للحضور(1).

7. قال الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي

هذا الفعل لم يقع في الصدر الأول من السلف الصالح، وهي بدعة حسنة إذا قصد فاعلها جمع الصالحين والصلاة على النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم، وإطعام الطعام للفقراء والمساكين(2).

8. قال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث)

ومن أحسن ما ابتدع في زماننا هذا ما كان يفعل بمدينة أربل، جبرها الله تعالى، كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين(3).

وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا(4)، أحد

ص: 361


1- سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 1، ص 364.
2- المصدر السابق.
3- إعانة الطالبين للبكري الدمياطي: ج 3، ص 414.
4- عمر بن محمد بن خضر الأربلي الموصلي، أبو حفص، معين الدين، المعروف بالملاء: شيخ الموصل؛ كان صالحا، زاهدا، عالما، له أخبار مع الملك العادل نور الدين بن محمود بن زنكي، أمر الملك العادل نوابه في

الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيرهم رحمهم الله تعالى.

9. قال الشيخ صدر الدين موهوب بن عمر الجزري الشافعي

هذه بدعة لا بأس بها، ولا تكره البدع إلا إذا راغمت السنة، وأما إذا لم تراغمها فلا تكره، ويثاب الإنسان بحسب قصده في إظهار السرور والفرح بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1).

10. أول من احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

أن أول من أقام الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الملك أبو سعيد كوكبوري الأربلي، وقد بذل الكثير من الأموال في الإعداد لهذا الاحتفال وبما يليق بصاحب هذه المناسبة صلى الله عليه وآله وسلم، وبعده جرت العادة في البلاد.

وذكر ابن خلكان: أن الحافظ أبا الخطاب ابن دحية حينما وصل إلى أربل ورأى اهتمام مظفر الدين به، أي بالمولد النبوي، قام فكتب كتابا في الم 0 ولد الشريف أسماه التنوير في مولد السراج المنير(2)، فلما وصل إلى الملك أبي سعيد أهداه ألف دينار على كتابه(3).

ص: 362


1- سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 1، ص 365.
2- وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 4، ص 119؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 24، ص 283؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 45، ص 403-404.
3- تاريخ الإسلام للذهبي: ج 45، ص 404.
11. وقال العلامة المغربي الأزهري

(إن ما شاع في الأمصار والاعصار، وظهور الشمس في رابعة النهار عمل مولد النبي والاحتفال بقرابته والتنافس على اقتباس هاتيك الأنوار وهو وإن لم يكن عليه عمل السلف لكنه بدعة مستحبة أطبق عليها جل الخلف، وقواعد الشرع بأنها من محاسن الأفعال ولا عبرة بمنكر زلَّ قلمه وطغى بخرايف الأقوال - ثم أضاف -: ويجب عدم اختلاط الرجال بالنساء والتصفيق والنظر إلى وجوه الأحداث والأجانب أو جعله وسيلة للجمع بين العاشق ومعشوقه والتوصل به إلى ضرب المعازف وغيرها(1)، (انتهى كلامه).

12. قال الهيثمي عندما تناول الحديث عن المولد

(إنه من البدعة الحسنة المتفق على ندبها)(2).

13. قول الحافظ ابن دحية

وقد مدحه - يعني عمل المولد - الحافظ ابن دحية، والحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ أبوالفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، وردوا على الفاكهاني في أنه بدعة مذمومة - وهذا قول الفاكهاني في احتفال المسلمين بمولد سيد الأنبياء والمرسلين - وكل بدعة ضلالة. انتهى قوله إنا لله وإنا إليه راجعون(3).

ص: 363


1- إسعاف ذوي الوفا بمولد المصطفى لمحمد المغربي، جلاء الأبصار لابن قضيب البان: «مخطوط» بمكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم «12529».
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.
14. قول الحافظ العراقي (أبو زرعة)

وقد سُئل أبو زرعة وهو ابن الحافظ العراقي، عن فعل المولد أمستحب أم مكروه ؟! وهل ورد فيه شيء؟ أو نقل فعله عمن يقتدى به ؟ فأجاب بقوله: الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضمّ إلى ذلك السرور بظهور نور النبوة في هذا الشهر الشريف، يعني ربيع الأول ؟! ولا نعلم ذلك عن السلف ولا يلزم كونه بدعة كونه مكروهاً فكم من بدعة مستحبة بل واجبة إذا لم ينضمّ إلى ذلك مفسدة والله أعلم.

15. قال الحافظ بن حجر العسقلاني الشافعي

إنه ينبغي أن يتحرى اليوم بعينه فإن كان ولد ليلاً فليكن شكر النعمة بوجوده صلى الله عليه وآله وسلم ليلاً، أو نهاراً فكذلك وليكن الشكر بما يناسب الليل من قيام وإطعام أو النهار من صيام ولا بد أن يكون ذلك اليوم من عدد أيام ذلك الشهر بعينه حتى يطابق أصلاً استنباط مشروعيته بالقياس وذلك لأمور عديدة:

الأول: إن أبا لهب الذي نزل القرآن بذمه في سورة المسد بفرحة ليلة مولده صلى الله عليه وآله وسلم بأن يمتص من إبهام يده ماءً بإعتاقه ثوبية الأسلمية حاضنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بشرته بولادته صلى الله عليه وآله وسلم، فما ظنك بالمؤمن الموحد إذا سر بمولده صلى الله عليه وآله وسلم وبذل ما بذل من المال من محبته صلى الله عليه وآله وسلم إنما جزاؤه من الله الكريم أي يدخله بفضله جنات النعيم.

الثاني: إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدهم الأكبر، فأهل

ص: 364

الإسلام أولى بذلك وأحق وأجدر ما لهم من الحظ الأوفر فلو لم يكن في ذلك إلا إرغام الشياطين وسرور أهل الإيمان لكان كافياً في كونه...؟

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن ليلة المولد أفضل من ليلة القدر لوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: إنها ليلة ظهوره بذاته وليلة القدر بعض ما أوتي.

الوجه الثاني: إنه أفضل من الملائكة وإنما شرفت ليلة القدر بنزول الملائكة.

الوجه الثالث: إن الفضل في ليلة القدر إنه خاص بهذه الأمة وليلة المولد عام لساير الخلق وأمان ورحمة للعالمين(1).

المسألة الثالثة: ما عليه أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام في الاحتفال بيوم المولد النبوي

إنّ إظهار السرور والاحتفال بيوم مولد خير خلق الله صلى الله عليه وآله وسلم، حكمه الاستحباب المؤكد، وتركه مذموم لورود النصوص الصريحة في القرآن والسنة النبوية.

1 - قال تعالى:

ذٰلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اَللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى اَلْقُلُوبِ (2) .

وإظهار الفرح وإبداء السرور لمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإقامة

ص: 365


1- جاء ورود جميع هذه الأقوال في: جلاء الأبصار لابن قضيب البان المتوفى (1308 ه -)، والكتاب «مخطوط» يرقد بمكتبة الأسد بدمشق برقم «12529».
2- سورة الحج، الآية: 32.

الموائد وإطعام المسلمين والإنفاق على المحتاجين منهم تبركاً بهذا اليوم إنما هو تعظيم لشعائر الله عز وجل.

2 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»(1).

وإظهار الفرح والمسرات في يوم مولده الشريف أحد مظاهر التعبير عن حبه صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله مع أنبيائه وأصفيائه»(2).

ومما لا شك فيه أن إقامة مجالس الابتهاج والفرح بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد المناهج التربوية التي تترك أثراً كبيراً في نفوس الأطفال وهي إحدى الوسائل التي يتم من خلالها تعريف الأطفال بسيرة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم وهذه المعرفة تعمق إيمانهم وتشد عقيدتهم وتمسكهم بالإسلام وبنبيه وأهل بيته عندما يعلم أولئك الأطفال أن النبي الأكرم قد أوصى بحبهم وباتباعهم والتمسك بهم بعد القرآن فيكونون متسلحين بالثقلين القرآن وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مما يدخل السرور على قلب أهل البيت سلام الله عليهم

ص: 366


1- صحيح البخاري: ج 1، ص 9؛ صحيح مسلم: ج 1، ص 49؛ سنن النسائي: ج 8، ص 114؛ المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 11، ص 200؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 6، ص 534؛ خلاصة عبقات الأنوار: ج 9، ص 63.
2- فيض القدير للمناوي: ج 1، ص 292، حديث 311، ط دار الكتب العلمية.

وهم ينظرون إلى هؤلاء الأطفال قد ملأت قلوبهم الفرحة؛ لأنهم يحتفلون بمولد نبيهم وهم سوف ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر لأنهم ينالون فيه الهدايا والحلوى والفاكهة.

4 - قال الإمام جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليهما:

«رحم الله شيعتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا»(1).

فقد اعتاد شيعة أهل البيت سلام الله عليهم أن تكون أيام فرحهم هي أيام فرح آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأيام حزنهم هي أيام حزن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فما يوم المولد النبوي الشريف إلا واحد من أيام فرحهم العظيمة وكذا يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم البيعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وولايته العامة على المؤمنين وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك اليوم:

«من كنت مولاه فهذا علي مولاه»(2).

المسألة الرابعة: المرجحات في الاحتفال بعيد المولد الفاطمي على غيره من المواليد

إن هناك من المرجحات ما تجعل الاحتفال بمولد البضعة النبوية يفضل على غيره من المواليد.

ص: 367


1- شجرة طوبى للشيخ محمد مهدي الحائري: ج 1، ص 3؛ الشيعة في أحاديث الفريقين للسيد مرتضى الأبطحي: ص 514..
2- صحيح الترمذي: ج 3، ص 522، باب مناقب علي بن أبي طالب؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 958، حديث 9026.

والوجه في ذلك: هو أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلاً يدخل السرور على قلب المسلمين بينما الاحتفال بمولد فاطمة الزهراء صلوات الله عليها يدخل السرور على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإدخال السرور على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم أرجح من إدخال السرور على قلوب المسلمين مع أن الاحتفال بالمولد الفاطمي يدخل السرور على قلوب المؤمنين أيضاً وهذا أولاً.

ثانياً: إن الاحتفال بعيد المولد الفاطمي فيه إيذاء للمنافقين وأحد الوسائل لمحاربتهم التي نص القرآن عليها، لأن المنافق لا يجرؤ على نكران حبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أن ينكر فضيلة من فضائله؛ لأن في ذلك كشفاً لنفاقه، بينما بالنسبة لفاطمة عليها السلام فما أهون الأمر عليه في نكران فضلها وتفضيل غيرها عليها ولا يبالي أن يجهر بذلك كابن حزم الذي عدّ أزواج النبي أفضل من الصحابة وأفضل من فاطمة عليها السلام.

فضلاً عن بتر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما يحذفون منها الآل تعبيراً عن بغضهم حبهم لأهل البيت ؟ فكيف يمكن أن يحتفل مثل هؤلاء بمولد الزهراء صلوات الله عليها. أو لا يظهرون تكفير من يفعل ذلك.

ص: 368

المحتويات

الإهداء 5

مقدمة الكتاب 7

خصوصية الحديث عن الشخصية الرسالية 7

وثانيا 10

ثالثاً 10

المبحث الأول: بدو خلقِ النور 21

المسألة الأولى: سؤال العباس بن عبد المطلب عن العلة في تفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام على الناس 21

الحديث الأول 21

ص: 369

الحديث الثاني 22

دلالة الحديثين 25

المسألة الثانية: سؤال عبد الله بن مسعود للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في علة تفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام على سائر الناس 27

دلالة الحديث 29

أولا: المراد بقوله تعالى: (ألقيا) الملائكة أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام ؟ 29

ثانيا: دلالة وجود حرف الألف في (فالقيا) 31

ثالثا: العلة في إيراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليلاً من القرآن لعبد الله بن مسعود 32

رابعا: هل يحتاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى إيراد دليل من القرآن 32

خامسا: التلازم فيما بين النبي والوصي منذ خلقهما وإلى قيام القيامة 32

سادسا: منهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإبلاغ عن فضائل علي عليه السلام 33

المبحث الثاني: متى خلق الله نورها؟ 35

الحديث الأول 36

الحديث الثاني 36

الحديث الثالث 37

الحديث الرابع 38

الحديث الخامس 39

المسألة الأولى: ارتباط نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنور الوصي عليه السلام 39

المسألة الثانية: مراحل تكوين الخلائق 41

المبحث الثالث: من أي نور خلقها الله عزّ وجلّ؟ 45

الحديث الأول: إن الله تعالى خلق نور فاطمة عليها السلام من نوره 45

الحديث الثاني: إن الله تعالى خلق نور فاطمة عليها السلام من نور عظمته 45

ص: 370

الحديث الثالث: إن الله تعالى خلقها من نور عرشه 46

الحديث الرابع: إن الله تعالى خلقها من نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم 46

الحديث الخامس: إن الله تعالى خلقها من نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونور الوصي عليه السلام 46

الحديث السادس: إن الله تعالى خلقها وخلق النبي وعلياً والحسن والحسين من نور واحد 47

المبحث الرابع: أين كان نور فاطمة عليها السلام ؟ 50

المسألة الأولى: انصراف ذهن السائل إلى أن المقصودة بالذكر هي فاطمة الإنسية وليس نورها 53

المسألة الثانية: أين كان نور فاطمة عليها السلام قبل خلق آدم ؟ 55

المسألة الثالثة: ما هي الحكمة في جعل طعام نور فاطمة التسبيح والتهليل، والحاجة إلى الطعام من لوازم البدن ؟ 57

المبحث الخامس: ماذا خلق الله من نور فاطمة عليها السلام ؟ 61

الحديث الأول: إن الله خلق من نورها السماوات والأرض 61

الحديث الثاني: إن الله خلق من نورها شيعتها 62

دلالة الحديث 62

المبحث السادس: إشراق فاطمة عليها السلام وضياء نورها 65

المسألة الأولى: الإشراق الفاطمي 66

المسألة الثانية: نور فاطمة عليها السلام يغشي أبصار الملائكة عليهم السلام 68

المسألة الثالثة: العلة في تفضيل نور فاطمة عليها السلام على نور جميع الأنبياء عليهم السلام 69

ص: 371

المبحث السابع: ماذا كان يعمل نورها؟ 72

دلالات الحديث 73

أولا: ما هو المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فسبحنا»؟ 73

ثانيا: ما هو المراد من مكوث الملائكة مائة عام وهي لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً؟ 73

ثالثا: لا يتوهم بأنهم عليهم السلام كانوا ماكثين أيضاً عن التسبيح 74

المبحث الثامن: ما هو نور فاطمة عليها السلام ؟ 75

المسألة الأولى: إنّ الأنبياء عليهم السلام أمروا بحب محمد وآله الطاهرين 76

المسألة الثانية: ورود أسماء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام في التوراة 83

المبحث التاسع: أنها أحد الأشباح الخمسة عليهم السلام 85

الحديث الأول 86

الحديث الثاني 87

الحديث الثالث 88

الحديث الرابع 89

المسألة الأولى: ما هو المراد بأشرف بقاع العرش الذي ورد في الحديث الثالث ؟ 90

المسألة الثانية: ما هي علة سجود الملائكة لآدم عليه السلام ؟ 91

المسألة الثالثة: لماذا لم يتمكن آدم عليه السلام من رؤية الأشباح فرأى نورها، ولماذا قال ما هذه، ولم يقل من هذه ؟ 93

المسألة الرابعة: اطلاع الله تعالى إلى الخلق واختيار حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من بينهم 98

أولا: معنى الاطلاع والاختيار الإلهي الأول 99

ثانياً: معنى الإطلاع والاختيار الإلهي الثاني 100

ثالثاً: اقتران ذكر الله مع ذكر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم 103

ص: 372

المسألة الخامسة: احتياج الأرض إلى خليفة 106

أولاً: مفهوما الخلافة الظاهري والباطني 106

ثانياً: الخيرية أصل في الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم 110

المسألة السادسة: ما هو الفرق بين سنخ النور وشبح النور؟ 112

المسألة السابعة: عرض ولاية أهل البيت عليهم السلام على السماوات والأرض 114

الشاهد الأول: «آية الأمانة» 114

الشاهد الثاني: آية الإرسال 119

الشاهد الثالث: آية المساءلة 120

الشاهد الرابع: آية النعيم 121

المسألة الثامنة: (لا يقبل العمل إلا بالولاية لآل محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم) 121

الحديث الأول 122

الحديث الثاني 123

الحديث الثالث 123

المسألة التاسعة: حديث الأشباح وتحريف المبطلين 124

المسألة العاشرة: شبح نور فاطمة وأثره في الملائكة 126 \\

المبحث الأول: خلق روح فاطمة عليها السلام 133

الحديث الأول 133

ص: 373

الحديث الثاني 134

المسألة الأولى: إنّ أرواح محمد وعترته صلى الله عليه وآله وسلم هي أنوارهم 135

المسألة الثانية: بث الحياة في السماوات والأرض والجبال 136

المسألة الثالثة: فتق السماوات والأرض والجبال بالتسبيح 138

المسألة الرابعة: مد السماوات والأرض والجبال بالطاقة 139

المسألة الخامسة: ظهور مصداق اسم الله تعالى (الجليل) في السموات والأرض 140

المسألة السادسة: إنّ الله تعالى خلق فاطمة عليها السلام من نور ابتدأها روحاً بلا بدن 141

المسألة السابعة: مراحل خلق أنوار محمد وعترته والحكمة في تعدد هذه المراحل 143

أولاً: الابتداء بخلق نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام فكانت روحاهما أول ما خلقه تعالى 144

ثانيا: الحكمة في جمع روحي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام في المرحلة الثانية من خلق أنوارهم فكانت روحاً واحدة 145

ألف: إن شأنية النبي والوصي من شأنية شريعة الله تعالى 146

باء: إن جمع روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم والوصي كان لوحدة التلقي 147

ثالثا: إنّ الله تعالى خلق روح الحسن والحسين من روح النبي والوصي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين 148

المبحث الثاني: خَلق طينة فاطمة عليها السلام 150

المسألة الأولى: حقيقة أبدان العترة النبوية عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام وهل هذه الحقيقة تتعارض مع المثلية التي نص عليها القرآن 151

المسألة الثانية: أحاديث الطينة التي خلق منها محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم 158

أولا: (إنها من جنة الفردوس) 158

ثانيا: (إن هذه الطينة من عليين) 158

ص: 374

ثالثا: (إنها من طينة تحت العرش) 161

رابعا: (إنها من طينة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم) 162

خامسا: أن هذه الطينة مأخوذة من الجنة والأرض 163

المسألة الثالثة: (إن محمداً وعترته خلقوا من طينة واحدة) 164

المسألة الرابعة: ما هي الحكمة في تعدد الأمكنة التي أخذت منها الطينة المسعودة لخلق أبدان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعترته 165

الوجه الأول: للتشريف 166

الوجه الثاني: لكي تجتمع خصائص هذه الأمكنة 166

المسألة الخامسة: (لا تعارض بين آية وبين أحاديث الطينة) 166

الأمر الأول: رفع طينة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء 167

الأمر الثاني: أن تكون الطينة قد أنزلت من السماء إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم 168

المسألة السادسة: العلاقة بين الطينة وموضع القبر 168

المبحث الثالث: (شيعة محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم خلقوا من فاضل طينتهم) 170

المسألة الأولى: من هم الشيعة ؟ 170

المسألة الثانية: التفاضل في درجات الإيمان والتفاوت في درجات النفاق 172

المسألة الثالثة: من أين خلقت قلوب الشيعة ؟ 177

المسألة الرابعة: في بيان مقام «من» أهي بعضية أم جنسية ؟ وخصوصية ذلك 180

المسألة الخامسة: في بيان معنى (الفاضل من الطينة المحمدية) 182

ص: 375

توطئة 187

المسألة الأولى: تفاعل الكتاب مع حدث خلق فاطمة من ثمار الجنة 187

الأمر الأول: الاعتماد على رواية واحدة 188

الأمر الثاني: الاختلاف في وقت الإسراء 188

الأمر الثالث: الإعراض عن روايات أهل البيت عليهم السلام لا يدل على صحة المُعْرِض عنها 188

المسألة الثانية: السنة النبوية والعقل يؤكدان حقيقة خلق فاطمة عليها السلام من ثمار الجنة 189

أولا: إن الأحاديث في هذا الفصل تنقسم إلى قسمين 192

القسم الأول: تناول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمار الجنة في الإسراء والمعراج 192

القسم الثاني: تناول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمار الجنة في الأرض 192

ثانيا: دور جبرائيل عليه السلام في إطعام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآثار ذلك في خلق فاطمة عليها السلام 193

ثالثا: دلالة تحديد هذه الثمار 193

الأمر الأول: لأنها أحب إلى نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم 193

الأمر الثاني: تأثير خصائص هذه الثمار على الجنين 194

المبحث الأول: إنها خلقت من شجرة طوبى 195

المسألة الأولى: دلالة كثرة تقبيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابنته فاطمة عليها السلام 195

المسألة الثانية: ما هي شجرة طوبى ؟ 196

المبحث الثاني: إنها خلقت من سفرجل الجنة 200

الحديث الأول 200

الحديث الثاني 201

المسألة الأولى: مبحث عقائدي (رائحة الجنة) 201

ص: 376

المسألة الثانية: آثار السفرجل في الروح والنفس والجسد 203

أولا: علاقته مع الأنبياء عليهم السلام 203

ثانيا: آثارها الروحية 204

ثالثا: آثاره في المجالات النفسية 205

رابعا: آثاره في العقل 205

خامسا: آثاره الخَلقية 206

سادساً: دخول السفرجل في الأبحاث الطبية 207

المبحث الثالث: خلقها من رطب الجنة 208

الحديث الأول 208

المسألة الأولى: (القول في أن الجنة والنار مقدّرتان) 209

المسألة الثانية: آثار التمر في المجال النفسي والخلقي للإنسان 211

أولاً: آثاره الروحية والنفسية 212

ثانياً: آثاره الطبية والعلاجية 213

الحديث الثاني 214

المسألة الأولى: علة سؤال عائشة 215

المنهج الأول خلق معطيات جديدة لثقافة الشأنية 216

المنهج الثاني: التثقيف على منهج الإيمان بالآخرة 216

المسألة الثانية: شجرة طوبى تحمل أصنافاً متعددة من الفاكهة وأنها الأصل في

ص: 377

خلق فاطمة عليها السلام 218

المسألة الثالثة: بكاء الحور العين على الإمام الحسين عليه السلام قبل خلقه 219

الحديث الثالث 220

المسألة الأولى: التأكيد على حب فاطمة عليها السلام 222

المسألة الثانية: (هذه لأخيك علي بن أبي طالب عليه السلام) 223

المبحث الرابع: إنها عليها السلام خلقت من تفاحة من الجنة 225

الحديث الأول 225

الحديث الثاني 226

المسألة الأولى: (الحوراء الإنسية) 226

1. لأنها عليها السلام خلقت من نور الله عزّ وجلّ 227

2. لأنها عليها السلام خلقت من ثمار الجنة 227

3. لأنها عليها السلام لا ترى ما ترى النساء عند انقطاع الطهر 229

الحديث الثالث 230

المسألة الأولى: (فكأنك تريد أن تلعقها عسلاً) 230

أولا: ما هو السبب الذي جعل ابن الجوزي والذهبي يعدان هذه الرواية من (الموضوعات)؟ 230

ثانيا: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطي صورة مخالفة لما صورته عائشة في فعل تقبيله لابنته فاطمة وتفسيراً جديداً 231

المبحث الخامس: إنها خلقت من جميع ثمار الجنة 233

أولا: (فأصبت من ريح تلك الثمار) 233

ثانيا: أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان كثير الاشتياق إلى الجنة 234

المبحث السادس: إنها عليها السلام خلقت من ثمرة شجرة من أشجار الجنة 235

ص: 378

المسألة الأولى: اعتراض ابن الجوزي على هذا الحديث 236

المسألة الثانية: (إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتلون) 237

أولاً: ما معنى: إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ؟ 237

ثانيا: ما معنى: إنّ فاطمة عليها السلام لا تعتل كما يعتلون ؟ 240

الوجه الأول: لا يصح قياس ثمار الجنة بثمار الدنيا 244

الوجه الثاني: خصوصية بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم 246

المبحث الأول: الله تعالى يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتهيؤ لنزول أمر مهم 248

الحديث الأول في نزول الثمار من الجنة لإطعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 248

المسألة الأولى: لماذا الاعتزال لمدة أربعين يوماً؟ 249

أولا: الاعتزال 249

ثانيا: علم الأعداد والحروف وشرافة العدد أربعين 252

المسألة الثانية: جبرائيل عليه السلام يهبط في صورته العظمى 257

ثانيا: المواضع التي ظهر فيها جبرائيل بصورته العظمى 261

الموضع الأول: في غار حراء، يوم المبعث 261

الموضع الثاني: عند سدرة المنتهى 262

الموضع الثالث: في ليلة انعقاد النطفة الزكية لخلق فاطمة عليها السلام 262

ص: 379

ثالثا: أثر الاعتزال والرياضة النفسية في خلق الجنين 263

رابعاً: الأدب النبوي في بيان حبه لزوجه خديجة عليها السلام 263

المبحث الثاني: جبرائيل عليه السلام ينزل بالنور الفاطمي من الجنة 264

المسألة الأولى: اشتراك الملائكة الثلاثة عليهم السلام في إيصال الوديعة 265

المسألة الثانية: (هل لإفطار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرطب والعنب علاقة بفاطمة عليها السلام)؟! 266

الأمر الأول: لتزويد هذه الحبات العنبية من نور القناديل 267

الأمر الثاني: لما يحمل العنب من آثار متعددة في مجالات مختلفة نص عليها القرآن والسنة 268

ألف: وروده في القرآن وعلاقته بفاطمة 268

باء: التلازم بين ذكر العنب والرطب في القرآن الكريم 270

جيم: آثاره الغذائية 271

المسألة الثالثة: (هل يجوز تأخير الصلاة في شتى الأحوال لعلل راجحة)؟! 273

الحديث الثاني: في نزول الثمار من الجنة لإطعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 276

المسألة الأولى: (خلقها عليها السلام من عرق جبرائيل وزغبه) 278

المبحث الثالث: انتقال النور الفاطمي إلى الأرض الطاهرة 287

المسألة الأولى: (المنهاج التربوي الأسري عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم) 289

المسألة الثانية: (المنهاج التربوي في العلاقة الزوجية) 290

المسألة الثالثة: «الإحساس بثقل فاطمة عليها السلام» 292

الحديث الثاني 292

المسألة الأولى: (تعيين ليلة انعقاد النطفة الزكية النبوية لخلق فاطمة عليها السلام) 293

المسألة الثانية: (القاسم وعبد الله عليهما السلام ولدا وماتا في الإسلام) 294

ص: 380

المبحث الأول: فاطمة عليها السلام في الأرحام المطهرة 297

أولا: رواية الشيخ الصدوق رحمه الله (المتوفى 381 ه -) 299

ثانيا: رواية الطبري رحمه الله (المتوفى 310 ه -) 302

المسألة الأولى: إن فاطمة عليها السلام كانت تحدث أمها خديجة وهي في بطنها 304

أولاً: إنّ المدار في المعجزة هو التصديق بكون صاحبها ممن يرتبط بالأمر الإلهي 310

ثانياً: اعتراض الفخر الرازي أن الشاهد الذي شهد ليوسف عليه السلام لم يكن طفلاً في المهد! اعتراض يدفعه القرآن 310

المسألة الثانية: بشارة جبرائيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنها أنثى 313

أولاً: البشارة نهج خاص في حياة الأنبياء ويعرضه القرآن الكريم في تبشير الأنبياء السابقة 314

ثانيا: معنى أنها: النسمة، الطاهرة، الميمونة 319

المبحث الثاني: 323

المسألة الأولى: العلة في تخصيص الرفقة لآسية مع خديجة عليها السلام في الجنة 325

المسألة الثانية: هل دخول النساء على خديجة عليها السلام بسمة نساء بني هاشم له علاقة بفاطمة عليها السلام ؟! 326

المسألة الثالثة: ما المقصود من دخول نور فاطمة عليها السلام إلى بيوت مكة ولم يبق

ص: 381

في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور؟! 327

المسألة الرابعة: نطق فاطمة عليها السلام بالشهادتين 328

المسألة الخامسة: ظهور النور الزاهر عند ولادة فاطمة عليها السلام للملائكة 329

المسألة السادسة: تبشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولادة فاطمة عليها السلام 330

المسألة السابعة: النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يضيف ركعة إلى صلاة المغرب شكراً لله على ولادة فاطمة عليها السلام 333

المسألة الثامنة: خصوصية تسمية البنت ب - (فاطمة عليها السلام) 334

المبحث الثالث: تاريخ ولادة فاطمة عليها السلام 338

المسألة الأولى: أقوال أهل البيت عليهم السلام في تاريخ مولد فاطمة عليها السلام 341

أولاً: تعيين سنة ولادتها عليها السلام 341

ثانياً: تعيين شهر ولادتها عليها السلام 341

ثالثاً: تعيين يوم ولادتها عليها السلام 342

المسألة الثانية: أقوال أهل العامة من المسلمين 343

أولاً: إنها عليها السلام ولدت قبل المبعث بخمس سنوات 343

السبب الأول 343

والسبب الثاني 345

والسبب الثالث 346

ثانياً: إنها عليها السلام ولدت سنة البعثة النبوية 346

ثالثاً: إنها ولدت سنة إحدى وأربعين من عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم 347

رابعاً: إنها عليها السلام ولدت سنة اثنتين وأربعين من عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم 347

خامساً: إنها ولدت سنة ثلاث بعد البعثة 347

ص: 382

سادساً: إنها ولدت سنة خمس بعد البعثة 347

المبحث الرابع: الاحتفال بعيد المولد الفاطمي 349

المسألة الأولى: البحث في مشروعية الاحتفال 351

أولاً: البدعة في اللغة 353

ثانيا: البدعة كما يراها أهل السنة 354

ألف: القول المطلق في البدعة 354

1. قول ابن رجب الحنبلي في البدعة 354

2. قول ابن حجر العسقلاني في البدعة 354

3. قول ابن حجر الهيثمي 355

4. قول التفتازاني 355

باء: القول المقيد في البدعة 355

1. قول إمام المذهب الشافعي في البدعة 355

2. وقال الشافعي أيضا في البدعة 357

3. قول ابن الأثير في البدعة 357

4. قول ابن حزم الأندلسي في البدعة 358

المسألة الثانية: أقوال علماء أهل السنة في الحث على الاحتفال بالمولد النبوي 359

1. قال الحافظ أبو الخير السخاوي في فتاواه 359

2. قال الحافظ أبو الخير بن الجزري - شيخ القراء - البغدادي الحنبلي 360

3. قال ابن الجوزي 360

4. قال العلامة ابن ظفر 360

5. قال الشيخ نصير الدين المبارك الشهير بابن الطباخ في فتوى بخطه 360

6. قال الشيخ جمال الدين بن عبد الرحمن بن عبد الملك الشهير بالمخلص الكتابي 360

7. قال الشيخ ظهير الدين جعفر التزمنتي 361

8. قال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث) 361

9. قال الشيخ صدر الدين موهوب بن عمر الجزري الشافعي 362

10. أول من احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم 362

11. وقال العلامة المغربي الأزهري 363

ص: 383

12. قال الهيثمي عندما تناول الحديث عن المولد 363

13. قول الحافظ ابن دحية 363

14. قول الحافظ العراقي (أبو زرعة) 364

15. قال الحافظ بن حجر العسقلاني الشافعي 364

المسألة الثالثة: ما عليه أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام في الاحتفال بيوم المولد النبوي 365

المسألة الرابعة: المرجحات في الاحتفال بعيد المولد الفاطمي على غيره من المواليد 367

المحتويات 369

ص: 384

المجلد 2

هوية الكتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2012-2800

الرقم الدولي ISBN : 9789933489465

الحسني، نبيل، 1965 - م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها: وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة وتحليل نبيل الحسني. ط 1 - كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434 ق. 2013 م.

8 ج. - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100).

المصادر.

1. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه. - فضائل. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (س)، 11 ق. 5. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه. إيذاء وتعقيب. 6. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه. - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

الطبعة الأولى

1434 ه - 2013 م

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الفصل الاول: مراسم ولادة فاطمه عليها السلام

اشارة

ص: 5

ص: 6

المبحث الأول: رضاعتها عليها السلام

إن السبب الذي دفعني لإفراد فصلٍ مستقلٍ عن رضاع فاطمة سلام الله عليها كان لأهمية حجر الأمومة وأثره الكبير في بناء شخصية الإنسان؛ إذ إن لبن الأم له تأثيرات بايلوجية وأخرى سايكلوجية.

فالأم التي تغذي وليدها بلبنها لا تنمّي فيه الجانب التكويني الخلقي فقط بل هي تنمي فيه الجانب الخلقي أيضاً فتورثهُ من صفاتها الأخلاقية الكثير من دون أن تشعر بذلك أو تريد، وهو ما أشار إليه حديث الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الخصوص فقال:

«لا ترضعوا أولادكم عند المرأة الحمقاء فإن لبنها يعدي»(1).

ص: 7


1- تذكرة الفقهاء، للعلامة الحلي: ج 2، ص 627؛ الحدائق الناضرة للمحقق البحراني: ج 23، ص 376؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 100، ص 323؛ تفسير نور الثقلين للشيخ الحويزي: ج 1، ص 229؛ ميزان الحكمة لمحمد الريشهري: ج 2، ص 1088؛ وسائل الشيعة (الإسلامية): ج 15، ص 188.

أي إن هذا اللبن يحمل بين جزيئاته وبحسب لغة الطب الوقائي (جرثوماً) أو (فايروساً) لكن لا يصيب الخلايا الجسمية إنما يصيب الخلايا العقلية، أو فلنقل المسؤول عن الإدراك والوعي في الدماغ، فيؤدي إلى نشوء طفل لا يحسن التصرف ولا يميز الأمور ولا يدرك بجدية ما يدور من حوله وبالنتيجة يتخرج من هذا الحجر الذي نما فيه وتربى عنده إنسان فاشل لا يشعر بالمسؤولية ولا يسعى لتحقيق أي هدف.

فكيف إذا أضيف له ما يتوارث من حجر الأم خاصة فهو وفي الوقت الذي يتناول فيه اللبن فإن آذانه تسمع ما تتلفظه هذه الأم وأن جهازه السمعي الباطني يسجل هذه الألفاظ في ذاكرة الدماغ فما إن يكبر الإنسان فإنه يجد هناك أموراً كثيرة تدفعه وتحرك مشاعره أما إلى الخير وأما إلى الشر وهو ما أشار إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»(1).

وعليه كيف يمكن أن يتحقق معنى التحصيل للعلوم فيما لو كان هذا الجهاز معطلاً أي الجهاز السمعي الباطني عند الطفل كما يتوهم الكثير باعتبار عدم مقدرة الطفل على تحصيله للعلوم وهو في حجر الأمومة لكن القرآن يتحدث عن وجود هذا الجهاز فيطلق عليه اسم: (الإذن الواعية)(2).

ص: 8


1- العلم والحكمة في الكتاب والسنة للريشهري: ص 206-207؛ كشف الظنون لحاجي خليفة: ج 1، ص 51؛ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: ج 4، ص 211.
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي: ج 1، ص 158؛ مصباح البلاغة، للميرجعاني: ج 1، ص 132؛ معاني الأخبار للشيخ الصدوق رحمه الله: ص 59، ح 9؛ منهاج الصالحين للشيخ

وهذه الأذن الواعية تتجلى بأكبر صورها وأعلى قدرتها عند النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعند الأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، وقيل إنها نزلت في علي بن أبي طالب سلام الله عليه خاصة(1).

فالمعصوم يسمع ويعي ما يسمع ويجيب على ما يسمع، ونحن نجد ذلك جلياً واضحاً في عيسى بن مريم عليهما السلام، عندما جاءت به تحمله إلى قومها فعندها وجّهوا إليها الأسئلة الكثيرة فلم تجب أحداً منهم واكتفت بالإشارة إلى هذا الطفل فكانت هذه الإشارة أفصح من مئات الكلمات فيما لو نطقت بها مريم عليها السلام.

وهنا لحظة كشف الحقائق ورد الظالمين لظلمهم فقالوا:

(كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كٰانَ فِي اَلْمَهْدِ صَبِيًّا)(2) .

وإذ يأتي الجواب من هذا الطفل الذي في المهد وليس من مريم عليها السلام ليدل بذلك على أنه كان يسمع كل ما يقال وينظر إلى أمه وإلى قومها فرأى إشارتها إليه أن اسألوا هذا الطفل الذي تنكرون عليَّ وجوده.

ومن هنا فإن الأنبياء والأئمة وهم عترة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 9


1- تفسير القرطبي: ج 18، ص 263؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 38، ص 351؛ المناقب للخوارزمي: ص 282؛ نهج الإيمان لابن جبر: ص 551.
2- سورة مريم، الآية: 29.

يسمعون ويرون ويدركون بإذن الله تعالى.

وإنّ البضعة النبوية المحمّدية وكما مر علينا سابقاً في الفصل الأول أنها كانت تسمع وترى وتجيب على ما كان يدور من حولها، وهذه إحدى خصائص من اجتباهم الله عز وجل لرسالته وجعلهم تراجمة وحيه ولسان توحيده، والدالين عليه والهادين إليه سلام الله عليهم أجمعين.

ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى الخصائص والمزايا التي يشترك بها بنو آدم معهم لنبين أنها حتى من هذا الجانب فقد خصها الله بما لم يخص به أحداً من العالمين.

ومن بين هذه الخصائص التي تشترك فيها الزهراء مع بني آدم من جهة المثلية لهم أنها عليها السلام دخلت إلى حجر الأمومة كما دخلوا لكن حجر الأمومة الذي ربيت فيه فاطمة الزهراء ليس له مثيل على وجه الأرض.

إنه حجر أم المؤمنين الصديقة الطاهرة الزكية الجليلة مسكن خاتم الأنبياء وأنس سيد المرسلين ومأوى حبيب رب العالمين وملجأ أشرف الخلق أجمعين.

فعندما تكون الأم التي تروي طفلها وتغذيه بلبنها بهذه الصفات كيف سينمو طفلها وأي صفات سيرثها؟!

وعندما يكون حجر هذه الأم التي كانت مأوى ووقاء لسيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الشكل، فكيف سيكون لفلذة كبدها ولاسيما أنها فقدت طفلين من قبل فكيف ستحنو على هذه المولودة سلام الله عليها.

فلذلك كانت إذا ولدت ولداً دفعته إلى من يرضعه، فلما ولدت فاطمة لم

ص: 10

يرضعها غيرها(1).

بل هي تولت ذلك بنفسها وهذا فيه من العناية الإلهية الخاصة بأن جعل فاطمة تنمو في أحشاء خديجة سلام الله عليها وترضعها وتتولى رعايتها والإشراف عليها منذ اللحظات الأولى لولادتها.

فما ن انتهت مراسيم استقبالها وتغسيلها بماء الجنة ولفها بخرقة بيضاء من الجنة كما مر بيانه، فتناولتها أم المؤمنين خديجة سلام الله عليها وهي فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدر عليها فكانت فاطمة عليها السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، وتنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السنة(2).

والحكمة في ذلك هو لكي يراها الناظر وهي على هيأه المرأة الكبيرة فيدرك وهو ينظر إليها وهي تمشي وجلبابها يخط الأرض أن الذي يمشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أولاً.

أما ثانياً: فلكي تُعد إعداداً خاصاً لما ينتظرها بعد وفاة خديجة سلام الله عليها من العناية والرعاية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكي تكون قادرة على خوض عملية بناء الإسلام مع أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

ثالثاً: إقراراً لعين رسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن يراها وهي أمامه امرأة تحاكي هيأتها من كانت في الخامسة عشرة فيسعد بها وهو يراها قد بلغت مبلغ النساء هيأتها فيعيد بالنظر إليها تلك اللحظات السعيدة التي عاشها مع أمها زوجته الحبيبة.

ص: 11


1- البداية والنهاية لابن كثير: ج 5، ص 328؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 4، ص 608؛ مختصر تاريخ دمشق، قسم السيرة النبوية: ص 263.
2- بحار الأنوار: ج 43، ص 3، حديث 1.

رابعاً: إن في ذلك حرباً على المنافقين وشوكةً في عيون الكافرين وقد وصفوا النبي من قبل بالأبتر بعد أن مات ولداه فهاهي فاطمة تنمو بأسرع مما ينمو به الطفل فتملأ الدار النبوي بهجةً وسروراً.

خامساً: إن في ذلك صفة جمالية خاصة بأن تكون المرأة تحمل سناً صغيراً مع هيأتها تحاكي العشرين لتقرّ بذلك عين سيد الأوصياء علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ومولى الموحدين بعد النبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 12

المبحث الثاني: تسميتها عليها السلام

توطئة

إن من السنة المؤكدة استحباب اختيار الاسم الجميل للمولود، بل قد ورد في الحديث: استحباب اختيار اسم للمولود قبل ولادته(1).

ولقد كانت العرب قبل تشرفها ببعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسمي أبناءها أسماء تكشف عن غلظة نفوسهم وحبهم للحروب، فكانت تختار ما يرمز إلى القوة والشدّة فذهبت إلى تسمية أبنائها بأسماء الحيوانات وبخاصة المفترسة أو الطيور الجارحة (كنمر، وأسد، وفهد، وصقر، وعقاب، وغيرها) وأيضاً ما كان يدل على الصلابة والتحدي: كصخر، وحرب، ومرة... الخ.

ص: 13


1- وسائل الشيعة (آل البيت عليهم السلام) للحر العاملي: ج 21، ص 387؛ وسائل الشيعة (الإسلامية) للحر العاملي: (ج 15، ص 121؛ جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 21، ص 331؛ الخصائص الفاطمية للشيخ الكجوري: ج 2، ص 569.

فلما جاء الإسلام وظهر في مجتمع الجزيرة تغير الحال وأخذ المسلمون أبناءهم بتسميات جميلة عملاً بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن»(1).

لكن قبل ذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يباشر بتغيير أسماء كثيرة كأبي بكر وكان اسمه قبل الإسلام عبد العزى فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (عبد الرحمن)(2) وكتغيير اسم زينب بنت أم سلمة وكان اسمها (برة) فسماها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (زينب)(3)، وغير ذلك هم كثر.

ثم بعد ذلك أخذوا يأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأبنائهم فيضعونهم في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليدعو لهم ويبارك عليهم ويسمي البعض منهم؛ وقد سجل التاريخ حادثة جرت لأحد هؤلاء الأطفال وهو (مروان بن الحكم) فما أن أدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونظر إليه فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون»(4)؟!

وتمر الأيام ويكبر هذا «الوزغ» وإذا به خليفة ؟

فكيف يكون حال الإسلام والحاكم الذي تسلط على رقابهم قد لعنه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والعجيب في الأمر أنك تجد صحاح المسلمين

ص: 14


1- الآداب للبيهقي: ص 290، ج 604.
2- سيرة الحلبي: ج 2، ص 414؛ إمتاع الأسماع للمقريزي: ج 6، ص 152؛ فتوح البلدان للبلاذري: ج 1، ص 110.
3- الأدب المفرد للبخاري: ص 244؛ الآداب للبيهقي: ص 292.
4- مستدرك الحاكم: ج 4، ص 479؛ الحدائق الناضرة للمحقق البحراني: ج 4، ص 196.

مليئة بأحاديث هذا الملعون على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأعجب منه أن يصنفه البعض ضمن قائمة الصحابة ونظرية: (كلهم عدول) فأي عدلٍ هذا والرجل إنما هو (بعض من لعنه الله) أو (قصص من لعنه الله) كما قالت له عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1).

والأمر لم يتوقف عليه فقد لعنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولعن أباه وولده جميعاً وهو ما رواه الشعبي عن ابن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لعن الحكم وولده»(2).

وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه: (بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبره كما تنزُّ القردة، فما رؤي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستجماً ضاحكاً بعد هذه الرؤيا حتى توفي)(3).

وقد نزل جبرائيل عليه السلام بعد هذه الرؤيا بقوله تعالى:

(وَ مٰا جَعَلْنَا اَلرُّؤْيَا اَلَّتِي أَرَيْنٰاكَ إِلاّٰ فِتْنَةً لِلنّٰاسِ وَ اَلشَّجَرَةَ اَلْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ )(4) .

وهذه الشجرة الملعونة هم: (بنو أمية)(5).

ص: 15


1- التفسير الكبير للرازي: ج 10، ص 239؛ سورة الإسراء، الآية: 60. تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 5، ص 208-210.
2- مستدرك الحاكم: ج 4، ص 481؛ والذهبي في التخليص مطبوع المستدرك: ج 4، ص 481.
3- كنز العمال للهندي: ج 6، ص 29، وص 39، وقال: أخرجه أحمد بن حنبل والطبراني؛ المستدرك للحاكم: ج 4، ص 480، عن أبي ذر الغفاري ووافقه الذهبي عليه في تلخيصه.
4- سورة الإسراء، الآية: 60.
5- التفسير الكبير للرازي: ج 10، ص 238، تفسير سورة الإسراء؛ تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 5، ص 209؛ وقال: أخرجه ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله يقول لجدك وأبيك: إنكم الشجرة الملعونة في القرآن.

ومن ذلك نعلم كيف أن الله ابتلى الإسلام بهم وجعلهم فتنة للناس جميعاً لا المسلمين فقط وهو ما دلّ عليه قوله تعالى بكلمة: (الناس) ولم يقل: (المسلمين)؟! لأن بلاءهم وأفعالهم أهلكت النسل والزرع ولم يسلم منهم أحد لا من المسلمين ولا من غيرهم، لأنهم أشر الخلق لله تعالى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً ودين الله دغلاً»(1).

ومن هذا كله يستفاد أن مجيئهم بأولادهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو لحكمة خاصة كان لله فيها الحجة البالغة ليعلم المسلمين أن هذا المولود وذلك إنما حقيقتهم هي بهذا الشكل الشنيع حتى يعلموهم ويتجنبوهم ويحذروهم لكن هيهات هيهات فكثير من المسلمين آزروه وناصروه فنالوا بذلك أثم إعانة الظالمين وتحمل أوزارهم وقد كشف لهم حقائق إيمانهم قائلاً صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء وبعضكم يومئذ شيعته»(2).

فإنا لله وإنا إليه راجعون.

والشيء الثاني المستفاد من تغييره صلى الله عليه وآله وسلم لأسمائهم: هو أن هذه الأسماء تؤثر من الناحية النفسية في الشخص الحامل للاسم غير الجميل.

ص: 16


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 3، ص 80؛ مستدرك الحاكم: ج 4، ص 480؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 5، ص 241.
2- كنز العمال: ج 6، ص 40.

وهذا الأمر من أسرار علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما لم يتوصل إليه أحد من العلماء والباحثين في علم النفس - على حد تتبعي -، على الرغم من تطور الحياة العلمية في جميع المجالات، وإن هذه الحقيقة لها أثارها السلبية والإيجابية في نفسية الإنسان ومدخليتها في السلوك.

وحديث سعيد بن المسيب يكشف لنا هذه الحقيقة، فعن عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني أن جده «حزناً» قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«ما اسمك»؟.

قال: اسمي حزن. قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«بل أنت سهل».

قال: (ما أنا بمغير اسماً سمانيه أبي).

قال ابن المسيب: (فما زالت فينا الحزونية)(1).

بعد هذه الجولة التي بينا فيها أحد مناهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بناء هذه الأمة ورفع مستواها الحضاري بعد أن كانت تعصف بها رياح الجهل والظلام فأنقذها الله بأبي الزهراء صلى الله عليه وآله وسلم.

نعود إلى رحاب فاطمة ونسأل: من الذي سمى البضعة النبوية بفاطمة عليها السلام ؟!

والجواب على هذا السؤال نسمعه أو نقرأه من خلال الحديث التالي الوارد عن العترة النبوية: فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:

ص: 17


1- الأدب المفرد للبخاري: ص 250، حديث 814؛ الآداب للبيهقي: ص 291، حديث 610.

«لمّا ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله عز وجل إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فسماها: فاطمة»(1).

المسألة الأولى: ما هو السر في اختصاص بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم باسم (فاطمة) عليها السلام ؟
اشارة

إنّ السر في اختصاص فاطمة عليها السلام بهذا الاسم يمكن معرفته من خلال الاحاطة بالمعاني الكثيرة والتفسيرات العديدة لهذا الاسم، وهي كالآتي:

أولاً: لأن الله فطمها ومن أحبها من النار

1 - فعن الإمام الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني سميت ابنتي فاطمة لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها من النار»(2).

2 - عن أبي الحسن الثالث - وهو الإمام علي الهادي عليه السلام - عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«سميت ابنتي فاطمة لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها من النار»(3).

3 - عن يحيى بن أبي كثير عن أبي هريرة قال علي عليه السلام:

«إنما سميت فاطمة لأن الله فطم من أحبها عن النار»(4).

ص: 18


1- علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 79؛ البحار للمجلسي: ج 34، ص 13، حديث 9، باب 2.
2- عيون أخبار الرضا للصدوق: ج ص ط. البحار: ج 43، ص 12، حديث 4، باب 2.
3- أمالي الطوسي: ص 294، برقم 18/571؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 43، ص 15، حديث 12، باب 2.
4- معاني الأخبار: ص 64، حديث 14؛ علل الشرايع: ج 1، ص 178، حديث 1، باب 142؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 43، ص 13، حديث 8.

4 - عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله فطمها وفطم محبيها من النار»(1).

ولكي نصل إلى معنى الحديث، والقصد المراد منه فلا بد من الرجوع إلى معنى الاسم لغةً و (فاطمة) أصله: (الفَطْمُ ، ومعناه: القطع)(2)، ويقال فطمت وهي فاطم فطاماً(3) وفطمت الصبي أمه، أي تفطمه عن الرضاع(4)، وهو الولد الذي انقطع عنه اللبن(5)، فيقال له فطيم(6)، والأنثى فطيمة، والأم فاطم، وبه سميت المرأة فاطمة على الهاء للعلمية(7)، ويقول الرجل للرجل: لأفطمنَّك عن كذا، أي لاقطعنَّ طمعك عنه(8).

ومن خلال هذا المعنى يستبان المراد من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إن الله فطمها ومحبيها عن النار) أي: القطع والمنع من دخولها ومحبيها إلى النار.

أما فطامها من النار فهذا لا غرابة فيه؛ لأنها المعصومة من الخطأ بنص القرآن في آية التطهير وسيأتي، إن شاء الله بيانه لاحقاً في باب منزلتها في القرآن، وهي مع

ص: 19


1- مسند الفردوس الديلمي: ج 1، ص 346، حديث 1385؛ البحار: ج 43، ص 16، حديث 14؛ مسند فاطمة للسيوطي: ص 21.
2- كتاب خلق الإنسان لابن ثابت: ص 16.
3- كتاب الجحيم للشيباني: ج 3، ص 60.
4- كتاب العين للفراهيدي: ج 2، ص 1404.
5- الرافد لأمين ناصر الدين: ص 106.
6- فقه اللغة للثعالبي: ج 1، ص 136؛ كتاب الفرق لأبي فارس: ص 85.
7- المخصص لابن سيده: ج 1، ص 27؛ الإفصاح في فقه اللغة: ج 1، ص 8.
8- جمهرة اللغة لابن دريد: ج 2، ص 920.

ذلك يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ولا يرضى الله لرضى امرئ ما لم يكن عالماً محيطاً بجميع الحلال والحرام بل قوله تشريع وحجة بدلالة وقوع التلازم بين رضا الله ورضاها، وغضب الله وغضبها.

وعليه يتحقق معنى فطام محبيها عن النار وبمعنى أدق: إن الله بها فطمهم عن النار أي باتباعها والسير على نهجها بمعناه الأقصى وهو: «شيعتها» وجميع من دخل حبها في قلبه بمعناه الأعم ولا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا كافر.

ثانياً: لأن الله فطمها وشيعتها من النار

1 - عن الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي:

هل تدري لمَ سميت فاطمة ؟

قال علي:

لم سمّيت فاطمة يا رسول الله ؟

قال:

لأنها فطمت هي وشيعتها من النار(1).

وهذا الحديث يدل على اختصاص شيعتها بالنجاة من النار بفضل الله ولمشايعتهم فاطمة عليها السلام أي لاتباعهم وسيرهم على نهج فاطمة عملاً والتزاماً بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تظلوا من بعدي».

ص: 20


1- جمهرة اللغة لابن دريد: ج 2، ص 920.
ثالثاً: لأن الله فطمها وذريتها من النار

عن الإمام الرضا - علي بن موسى الرضا - عن آبائه عن علي - أمير المؤمنين - عليهم السلام قال:

«سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سميت فاطمة لأن الله فطمها وذريتها من النار(1)، من لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئت به»(2).

هذا الحديث الشريف جاء كنتيجة نهائية لما قدمته الأحاديث السابقة وهذه النتيجة هي الأساس للفوز في الحياة الآخرة.

إذ إن الملاك في تحقق «الفطم» من النار هو: (حب فاطمة عليها السلام) وإن بغضها موجب للدخول في النار وإن كان من ذريتها؟! بدلالة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«من لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئت به».

ومما جاء به عن الله عز وجل وما أمره الله تعالى به هو: (حق فاطمة) في قوله تعالى:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ )(3) .

ومن حقوق فاطمة على كل من آمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (حبها وموالاتها ومشايعتها) وهو: (التولي)، ومعه يكون: (التبرؤ من

ص: 21


1- مسند فاطمة للسيوطي: ص 21؛ وأخرجه النسائي صاحب السنن.
2- أمالي الطوسي: ص 570؛ البحار: ج 43، ص 18، حديث 18، باب 2.
3- سورة الإسراء، آية: 26، راجع في تفسير هذه الآية: الدر المنثور للسيوطي: ج 5، ص 273-274، وقال فيه أخرجه: البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه؛ وشواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 218، حديث 292؛ ينابيع المودة: ص 50.

أعدائها وظالميها ومن آذوها وسلبوا حقوقها) وهو: (التبري) وهما أحد فروع الدين.

ولا يستحق هذا المعنى إلا بالتبري أيضاً ممن رضي بظلمها والتمس العذر لفعل الظالمين؛ لأن ذلك أشد عليها ممن ظلموها؟!

ولأجله: منعتهم شهود جنازتهم وستمنعهم يوم القيامة شفاعتها أعاذنا الله من سخط الله وسخط رسوله وسخط فاطمة، وأماتنا على الإيمان به متمسكين بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

رابعاً: لأن الله تعالى فطمها بالعلم
اشارة

عن أبي جعفر - الصادق - عليهما السلام قال: لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله عز وجل إلى ملك فأنطق لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فسماها فاطمة، ثم قال:

«إني فطمتك بالعلم وعن الطمث»(1).

قال العلاّمة المجلسي رحمه الله:

فطمتك بالعلم أي أرضعتك بالعلم حتى استغنيتِ وفُطِمتِ ، أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم أو جعلت فطامك من اللبن مقروناً بالعلم كناية عن كونها فيفطمها في فطرتها عالمة بالعلوم الربانية.

وعلى التقادير، الفاعل بمعنى المفعول، كالدافق بمعنى المدفوق.

ص: 22


1- علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 179؛ البحار: ج 43، ص 13، حديث 9، باب 2.

أو يقرأ على بناء التفعيل أي: جعلتك قاطعة الناس عن الجهل، أو المعنى: لما فطمتها عن الجهل فهي تفطم الناس منه.

والوجهان الأخيران يشكل إجراؤهما في قوله: فطمتك عن الطمث، إلا بتكلف، بأن يجعل الطمث كناية عن الأخلاق والأفعال الذميمة.

أو يقال على الثالث: لما فطمتك عن الأدناس الروحانية والجسمانية، فأنت تفطم الناس عن الأدناس المعنوية(1). (انتهى كلامه رحمه الله).

وإضافة إلى ما بينه العلاّمة المجلسي في معنى هذا الحديث.

فنقول: أنّ لكلام الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام وجهين:

الوجه الأول

هو إن الله عز وجل فطمها عن الجهل بالعلم فهي عالمة قبل أن يخلق الله تعالى آدم، بل قبل خلق الملائكة.

وعندما أراد الله تعالى أخذ الميثاق على الأنبياء عليهم السلام بالإيمان بالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وبرسالته وبالولاية له ولأهل بيته عليهم السلام، كانت فاطمة عليها الصلاة والسلام عالمة بالميثاق الذي أخذه الله تعالى على الأنبياء.

فهي عالمة بذلك الميثاق وببنوده، وهي أحد الشهود عليهم وبإقرارهم بذلك الميثاق.

قال تعالى:

ص: 23


1- البحار للمجلسي: ج 43، ص 13-14.

(وَ إِذْ أَخَذَ اَللّٰهُ مِيثٰاقَ اَلنَّبِيِّينَ لَمٰا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتٰابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمٰا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قٰالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قٰالُوا أَقْرَرْنٰا قٰالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ اَلشّٰاهِدِينَ )(1) .

والوجه الثاني

فإن فاطمة عليها الصلاة والسلام عالمة عند الأنبياء عليهم السلام وإنهم أقروا بالعلم وإن الله فطمها عن الجهل بالعلم، وقد أشهدهم الله على ذلك وأخذ عليهم الميثاق بمعرفتها بأنها العالمة المفطومة به.

فهي: (العالمة) التي على معرفتها دارت القرون الأولى، وهي الأزمنة التي بعث فيها الأنبياء عليهم السلام، وأنزل من أخذ عليه الميثاق بمعرفتها، فكانت أحد الأسماء التي تعلمها آدم ثم عرضها على الملائكة فكانت هذه الأسماء التي تعلمها آدم عليه السلام هي الحجة على الملائكة والتي بها أقروا بأنهم لا علم لهم إلا ما علمهم الله، وبهذا العلم الذي حصل عليه آدم فاق به رتبة الملائكة لأنه أعلم منهم وعلّمهم.

خامساً: لأنها فطمت من الشر

عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري أي شيء تفسير فاطمة ؟.

قلت: أخبرني يا سيدي، قال: فطمت من الشر(2).

ص: 24


1- سورة آل عمران، الآية: 81.
2- علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 179؛ الخصال للصدوق: ص 414؛ أمالي الصدوق: ص 688؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 10، باب 2.

وللوصول إلى معنى الحديث نورد: (الشر) لغةً ، فقد قيل أن: (الشُرّ) بالضم هو العيب(1).

وحكى ابن العربي: قد قبلت عطيتك ثم رددتها عليك من غير شُرّك ولا ضُرَك ثم فسره فقال: أي من غير ردّ عليك ولا عيب لك ولا نقصٍ ولا إزراءٍ .

وفي الصحاح: إنما قلته لغير عَيبك، ويقال: ما رددت هذا عليك من شُرّ به أي من عيب ولكني آثرتك به، وأنشد: عين الدليل البُرتِ من ذي شُرّهِ ، أي من ذي عيبه، أي من عيب الدليل، لأنه ليس يحسن أن يسير فيه حَيْرةً (2).

وعليه: يظهر معنى الحديث: أي إن فاطمة صلوات الله عليها سميت ب (فاطمة) لأنها فطمت من كل عيب ؟!

وليس هناك شيء أكثر عيباً من الذنب فهي بهذا تكون قد فطمت أي: انقطعت عن الإتيان بأي ذنب منذ أن خلقها الله عز وجل وهذا يتلازم من قوله تعالى:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(3) .

فالله تعالى طهرها وفطمها من كل عيب منذ أن خلقها.

وقيل: (الشَّر) بالفتح هو: (السوء)(4).

وعلى هذا المعنى: فإن فاطمة عليها السلام فطمها الله من كل سوء، فهي المنقطعة عن كل سوء.

ص: 25


1- لسان العرب لابن منظور: ج 7، ص 78، ط دار إحياء التراث العربي.
2- لسان العرب: ج 4، ص 400.
3- سورة الأحزاب، الآية: 33.
4- المحيط في اللغة لابن عباد: ج 7، ص 258.
سادساً: لأنها فطمت الأحياء عن الطمع في وراثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة فجعلها الله في ولدها

عن عبد الله بن الحسن(1) بن الحسن بن علي بن أبي طالب قال أبو الحسن

ص: 26


1- عبد الله بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. عبد الله هو: أبو محمد الهاشمي وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، شيخ من شيوخ الطالبيين روى عن أبيه وأمه. (أنظر: التاريخ الكبير للبخاري: ج 5، ص 71، برقم (180)؛ تهذيب التهذيب: ج 3، ص 117). وابن عم جده (عبد الله بن جعفر الطيار) وروى أيضاً عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين والإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام وأخرج له الخاصة والعامة في كتبهم الحديثية، فقد أخرج له شيخ الإسلام الكليني رحمه الله في الكافي، الأبواب: «باب: من لا دية له، وفي باب: الرجل قتل مملوكه، وباب: إن الإيمان مبثوث بجوارح البدن» وأخرج له ثقة الإسلام الشيخ الصدوق في التهذيب والاستبصار في أبواب عدة. (أنظر: التهذيب في الأبواب التالية: (الوصية، والمياه، والظهار، والمساجد، وغيرها) وفي الاستبصار: باب الظهار والوصية، وغيرها، وقد أشار إليها الأردبيلي في (جامع الرواة: ج 1، ص 481). ومن العامة أخرج له البخاري في حديث الاستخارة في طريق عبد الرحمن بن أبي الموال قال: سمعت محمد ابن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن يقول أخبرني جابر بن عبد الله فذكر حديث الاستخارة (). كما أخرج له: أبو داود والترمذي والنسائي. (أنظر: تهذيب الكمال للمزي: ج 4، ص 112؛ كتاب من روى عن أبيه عن جده لأبي العدل: ص 326، برقم (186). وعده ابن حبان في الثقات. (كتاب الثقات لابن حبان: ج 1، ص 1؛ العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل: ج 1، ص 175، (الهامش)؛ تقريب التهذيب لابن حجر: ص 242، برقم (3274). وكذا النسائي، وقال عبد الخالق بن منصور عن أبي معين: ثقة مأمون، وقال يحيى بن المغيرة الرازي عن جرير: كان مغيرة إذا ذكر له الرواية عن عبد الله بن الحسن قال: هذه الرواية الصادقة. (أنظر: الجرح والتعديل للرازي: ج 5، ص 34؛ تهذيب الكمال: ج 4، ص 162؛ تهذيب التهذيب: ج 3، ص 117). ( وقال مصعب الزبيري: ما رأيت أحداً من علمائنا يكرمون أحداً ما يكرمونه. (أنظر: تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 3، ص 117؛ العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل: ج 1، ص 175، برقم (119) وفيه وكان يغدو إلى مجلس العطاء). وقال محمد بن سعد: عن محمد بن عمر: كان من العباد وكان له شرف وعارضة وهيبة ولسان شديد. (أنظر: كتاب من روى عن أبيه عن جده لأبي العدل: ص 326؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 4، ص 112؛ تهذيب التهذيب: ج 3، ص 117). وهو أحد الرواة الذين ذكروا تفاصيل فاجعة كربلاء لأن والده الحسن (المثنى) كان مع عمه الإمام الحسين عليه السلام وقاتل فقتل (17) وأصابته (18) جراحة وأسر. (أنظر: تاريخ الطبري: ج 6، ص 261؛ كامل ابن الأثير: ج 4، ص 33؛ إسعاف الراغبين 28 على هامش نور الأبصار، اللهوف في قتلى الطفوف: ص 8). قد توفي عبد الله في حبس أبي جعفر المنصور وهو ابن 70 سنة، وقال الواقدي: كان موته قبل مقتل ابنيه محمد وإبراهيم بشهر. (أنظر: مقاتل الطالبيين لأبي فرج الأصفهاني: ص 184). ولما مات ضربت امرأته القبة على قبره سنة. (أنظر: صحيح البخاري: كتاب الجنائز، باب: ما يكره اتخاذ المساجد على القبور). وكانت وفاته رحمه الله سنة (145). (أنظر: مقاتل الطالبيين: ص 184؛ العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل: ج 1، ص 175، (الهامش).

عليه السلام وهو الإمام زين العابدين عليه السلام:

لم سميت فاطمة، فاطمة ؟!

قلت: فرقاً بينه وبين الأسماء، قال:

إن ذلك لمن الأسماء، ولكن الاسم الذي سميت به إنَّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتزوج في الأحياء وإنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله فلما ولدت فاطمة سماها الله

ص: 27

تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها فقطعهم عمّا طمعوا فبهذا سميت فاطمة لأنها فطمت طمعهم، ومعنى فطمت قطعت(1).

وتعقيباً على هذا الحديث قال المجلسي رحمه الله:

قوله: فرقاً بينه وبين الأسماء لعله توهم أن هذا الاسم مما لم يسبقها إليه أحد فلذا سمّيت به لئلا يشاركها فيه امرأة ممن مضى، فأجاب عليه السلام: بأنه كان من الأسماء التي كانوا يسمّون بها قبل(2).

ويدل الحديث على أمور منها:

أولاً: قد تسمى بهذا الاسم الشريف قبل ولادة فاطمة عليها السلام تسع من جدات النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وأيضاً تسمى به من بني هاشم وهن: فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وفاطمة بنت أسد رضوان الله عليها وهي أم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

وهذا كله يدل على أن الاسم كان معروفاً عند العرب وفي قريش خاصة، بل إنه معروف لدى جميع الأنبياء عليهم السلام ابتداءً من آدم وانتهاءً بموسى الكليم عليه السلام وسنفرد مبحثاً خاصاً لهذا الموضوع نورد فيه منزلتها عند الأنبياء مع ما وجده علماء الآثار والمختصون في علم اللغات والديانات من ألواح لسفينة نوح عليه السلام كتب عليها أسماء أهل البيت عليهم السلام وهم الخمسة أصحاب الكساء: «محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي أمير المؤمنين وفاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة عليهم أفضل الصلاة والسلام»،

ص: 28


1- علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 178؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 13، حديث 7، باب 2.
2- البحار للمجلسي: ج 43، ص 13.

وقد وجدت في روسيا وعلى الفور شكلت لجنة من العلماء لدراستها.

وكذلك عثر في فلسطين على لوح لنبي الله سليمان عليه السلام كتب عليه أسماء أهل البيت عليهم السلام واستغاثة النبي سليمان وتوسله إلى الله بهم، وسنورده إن شاء الله مع ترجمته والمصادر التي نشرتْ هذا اللوح (السليماني) مع ترجمته من اللغة العبرية إلى اللغة الإنكليزية والعربية.

ثانياً: هذا الحديث يكشف عن حقيقة خاصة بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ إنه يرشد إلى أن الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيطمع فيها أناس هم من ذوي أزواجه كما أشار الحديث الموضوع في إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من زوجته مارية القبطية، والحديث هو:

فقد روى ابن ماجه عن ابن عباس: (لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: إن له مرضعاً في الجنة، ولو عاش لكان صديقاً نبياً، ولو عاش لعتقت أخواله القبط وما استرق قبطي)(1).

فهذا الحديث يكشف عن أمور عدة.

1 - طمع القوم في خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلال أزواجه فهو يدل على اتباع إبراهيم وطاعته.

2 - صرف الأنظار عن فاطمة وبعلها وبنيها.

3 - جعل التفاضل في أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحداً فكل أولاده هم في المنزلة سواء؟!

ص: 29


1- سنن ابن ماجه: ج 1، ص 484؛ القاديانية لسليمان الظاهر العاملي: ص 187.

هذا خلاف القرآن الذي جاء بتفضيل فاطمة وبعلها وبنيها ومودتهم واتباعهم، وهم أهل بيت النبي وذوو القربى.

4 - تدخل يد السياسة في صياغة مثل هذه الأحاديث ولاسيما ممن هم أعداء الإسلام الذين همهم الوحيد تغيير هذا الدين وطمس معالمه وتغيير سننه.

(وَ يَأْبَى اَللّٰهُ إِلاّٰ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكٰافِرُونَ )(1) .

إذ لم يرد مثل هذا المضمون في ولدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «القاسم وعبد الله» عليهما السلام على الرغم من كونهما ولديه بينما ورد في إبراهيم ؟!

والسبب في ذلك هو إرادة الوضاع له من إعادة هذا الدين القيم إلى الديانة المسيحية باعتبار أن زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم إبراهيم رضي الله عنها من الأقباط، فلو قدر لإبراهيم أن يعيش لكان نبياً ولتجد أكثر أتباعه من القبط لأنهم هم أهل أمه ؟!

وهؤلاء لم يكتفوا بهذه المحاولة بل إنك تجد أحاديث عديدة صحيحة السند أو ضعيفة تجري كلها في مجرى واحد وهو:

إن هذا الدين سينتهي وستعود الديانة العيسوية في آخر الزمان وسينقلب المسلمون مسيحيين بدلالة الحديث:

«لا أخاف على أمة أنا أولها وعيسى آخرها»(2).

ص: 30


1- سورة التوبة، الآية: 32.
2- الإيمان والكفر للشيخ جعفر السبحاني: ص 170؛ السيرة الحلبية: ج 1، ص 315؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 29، ص 307؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 47، ص 522؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 41.

بينما حقيقة الأمر وصوابه كما ورد عن أهل البيت عليهم السلام:

«إن عيسى عليه السلام يصلي خلف الإمام المهدي صلوات الله عليه»(1).

وبه يتحقق قول الله تعالى وبشارته:

(هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدىٰ وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ )(2) .

فبعترة المصطفى يظهر دين الله تعالى دين الحق على جميع الأديان.

أما الغاية والحكمة في ظهور عيسى مع الإمام المهدي ابن فاطمة الزهراء عليها السلام، وصلاته خلف الإمام مؤتماً به فهو لأمرين:

ألف: لدخول جميع من يؤمن بعيسى عليه السلام في هذا الدين القيم واتباعهم الشريعة الإسلامية المحمدية.

باء: هو أن نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام يدين بالإسلام ويتعبد بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الأصل كما يعلن القرآن ذلك صريحاً جلياً:

(وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى اَلْحَوٰارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي قٰالُوا آمَنّٰا وَ اِشْهَدْ بِأَنَّنٰا مُسْلِمُونَ )(3) .

ص: 31


1- عين المعجزات لحسين عبد الوهب: ص 138، برقم 56؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاووس: ص 182؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 9، ص 195؛ ح 45 و ج 14، ص 350، ح 13؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ النمازي: ج 7، ص 228؛ السيرة الحلبية: ج 1، ص 314.
2- سورة التوبة، الآية: 33.
3- سورة المائدة، آية: 111.

فمن البديهي أن يصلي عيسى عليه السلام خلف إمامه المهدي عجل الله فرجه وسهل مخرجه لأنه عليه الصلاة والسلام خليفة الله في أرضه وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

5 - إن هذا الحديث كفى به دلالة على الوضع ؟ إذ لا نبي بعد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فحتى لو قدر لإبراهيم عليه السلام أن يعيش فلم ولن يكون نبياً لأن أباه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام أجمعين.

رابعاً: إنه يظهر لنا حقيقة أخرى في طمع القوم في خلافة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة تدل على أنَّه أمرٌ إلهي وتعيين رباني ونصّ نبوي لا كما يدعي أئمة الظلام بخلاف هذا.

لأن النبوة ليست ملكاً وزعامة وكرسياً يجلس فيه من يروق له ذلك، كما حدث في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد وجد بعض الأنصار المؤهلات في أنفسهم كما وجدها المهاجرون وبدا كلا الفريقين يظهر ما يمتلكه من مميزات وخصائص وجد فيها الأحقية في خلافة النبي والجلوس في مكانه ليدير أمر هذه المملكة التي أخذت توازي الإمبراطورية الفارسية في الشرق والإمبراطورية الرومانية في الغرب.

والدافع الوحيد هو حب السلطة والزعامة والرئاسة لدرجة أن الأمر اشتبه على عمر بن الخطاب فأخذ يسأل عن حقيقة جلوسه في هذا المنصب قائلاً:

ص: 32

(أخليفة أنا أم ملك)(1)؟!

وعندما وصلت النوبة إلى بني أمية وجلس عثمان بن عفان في كرسي الرئاسة كما يصورها أبو سفيان قائلاً لذويه وبنيه: (يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة)(2)؟!

ثم ذهب إلى قبر حمزة فرفسه برجله، مخاطباً أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (يا أبا عمارة، إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف، صار في يد غلماننا، يتلعبون به)(3)؟!

وخاطب عثمان بن عفان الأموي بقوله: (يا عثمان إن الأمر، أمر عالمية، والملك ملك جاهلية، فاجعل أوتاد الأرض بني أمية)(4).

فحقيقة هذه الأطماع في نفوس القوم راسخة، بل كانوا يسعون في الوصول إلى الخلافة بمفهومها السلطوي بشتى الوسائل وسحق كل من يقف أو يحول دون تحقيق هذه الأطماع.

ص: 33


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديث المعتزلي: ج 12، ص 66؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 12، ص 567؛ برقم 35775؛ تدوين القرآن للشيخ علي الكوراني: ص 431؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 5، ص 306؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3، ص 306؛ جواهر التاريخ للشيخ الكوراني: ج 2، ص 231.
2- مروج الذهب للمسعودي: ج 2، ص 230.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 1، ص 208.
4- الأغاني للأصفهاني: ج 6، ص 355؛ تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 6، ص 409.

ومن بين الوسائل تلفيق الأحاديث ووضعها لكسب الصفة الشرعية لهذا الجلوس كما فعل معاوية بن أبي سفيان، فقد بذل الأموال على من يدخل هذا السوق العريض الذي يُعرض فيه شيئان وهما: «الدين والضمير» والثمن هو أكياس معاوية المليئة بالدراهم.

فكان الرواد لهذا (السوق) كثيرين وعلى رأسهم أبو هريرة الذي لم ينسَ معاوية هذه الوقفة المشرفة فعاد على ورثة أبي هريرة ببره وإحسانه وأكياسه.

لدرجة أن البعض منهم كان يعلن ذلك بشكله المفضوح الذي زار معاوية مع خمسة كالحتات بن يزيد (أبو منازل) أحد بني حوى بن سفيان بن مجاشع حينما قدم هو والاحنف بن قيس وجارية بن قدامة والجون بن قتادة الجشمي إلى معاوية بن أبي سفيان فأعطى كل رجل منهم مائة ألف وأعطى الحتات سبعين ألفاً، فلما كانوا في الطريق سأل بعضهم بعضاً فأخبروه، بجوائزهم فكان الحتات أخذ سبعين ألفاً فرجع إلى معاوية، فقال معاوية:

ما ردك يا أبا منازل ؟

قال: فضحتني في بني تميم، أما حسبي بصحيح ؟! أو لست مطاعا في عشيرتي ؟! فقال معاوية: بلى.

قال: فما بالك خسست بي دون القوم ؟ فقال معاوية: إني اشتريت في القوم دينهم، ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفان - وكان عثمانيا - فقال: وأنا فاشترِ مني ديني!!! فأمر له بتمام جائزة القوم(1).

ص: 34


1- تاريخ الطبري: ج 4، ص 180؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 1، ص 413؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 10، ص 277.

ومن بين هذه الوسائل:

هو حرق بيت الزهراء، واقتحامه، وانتهاك حرمته، وضرب فاطمة صلوات الله عليها وترويعها وترويع أطفالها وهم سبطا النبي وريحانتاه وسيدا شباب أهل الجنة(1)، فإن لله وإنا إليه راجعون ؟!

وكل هذا دافعه الطمع في الحكم والتسلط والرئاسة.

فإذن: سماها الله بفاطمة.

وذلك بجعل الإمامة في ولدها عليهم السلام.

والإمامة: هي الخلافة للنبوة بمفهومها التشريعي، أي إن الإمام الذي يلي خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المعين من الله عز وجل والمنصوص عليه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن النبوة هي إيصال أحكام الله وشرعه إلى الناس وتبيان الدين الإلهي الذي أنزل من الله إليهم بواسطة الوحي:

(نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ (193) عَلىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ اَلْمُنْذِرِينَ )(2) .

والإمام يجلس محل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس من حيث كونه نبياً فلا نبوة بعد المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام لا يوحى إليه ولا من حيث التسلط وإدارة الأمة كنظام ملكي.

إنما هو: وارث علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة وبدونها أي إن علم الإمام حضوري وحصولي، فأما الحضوري: فهو التسديد والتأييد من الله عز

ص: 35


1- سنورد جميع هذه الأحداث التي حلت ببيت فاطمة عليها السلام في باب ظلامتها.
2- سورة الشعراء، الآية: 193.

وجل أي إنه «محدث» بفتح الدال، لأن الله هو الذي اجتباه واختاره من بين خلقه لخلافة نبيه وتكميل دينه وشرعه كما أشارت آية الإكمال بعد بيعة الغدير(1)، وأما الحصولي فهو عند الإمام أقرب ما يكون إلى الحضوري كقول الإمام أمير المؤمنين:

«علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب».

وهذا لا يمكن أن يتحقّق بالمقاييس المادية والعلمانية لأنه يقوم على خرق القوانين الطبيعية ولأن الأمر متعلق بالنبوة وأسرارها.

ومنه أيضاً حديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتِ الباب».

وحديث:

«أنا مدينة العلم وعلي بابها».

فالخلافة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمفهوم القرآني هي: العلم بالحلال والحرام والمندوب والمكروه وجميع حدود الله عز وجل وأن يجري قوله وتقديره ضمن تلك الحدود ولا يتحقق هذا إلا بالتعيين الإلهي لأن الله عز وجل هو الأعلم الأصلح والأقدر والأكفى بحمل شريعته ثم مع علمه عز وجل يكون الاجتباء والاصطفاء لهذا الخليفة، أي «الإمام» وبهذا يكون أعدل الناس وأتقى الناس وأعبدهم لله عز وجل، وأعلمهم بالقرآن والسنة.

وهذه الحقيقة قد أدركها القوم بل كانوا يعلمون علم اليقين أنهم جلسوا في غير مجلسهم وأنهم انتزعوا الأمر من أهله، واغتصبوا هذا الحق الذي ليسوا له أهلاً.

ص: 36


1- (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً)، سورة المائدة، آية: 3.

المبحث الثالث: عقيقتها عليها السلام

إنّ من السنن المستحبة التي ترافق المولود بعد ولادته هي العقيقة.

(والعقيقة) هي: الشعر الذي يولد به الطفل لأنه يشق الجلد، فيقال لهذا الشعر (عقيقة) وجعل الزمخشري: الشعر أصلاً والشاة المذبوحة مشتقة منه.

وعقّ الرجل عن ابنه يعقّ : أي حلق عقيقته، أو ذبح عنه شاة(1)، وفي التهذيب: يوم أسبوعه فقيده بالسابع، واسم تلك الشاة العقيقة(2).

وفي الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

في العقيقة عن الغلام شاتان مثلاً، وعن الجارية شاة.

ص: 37


1- لسان العرب، لابن منظور: ج 9، ص 324، مادة: (عقق).
2- تهذيب الصحاح للزنجاني: ص 590.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«في الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى»(1).

وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:

«عق عنه - أي المولود - وأحلق رأسه يوم السابع»(2).

والعقيقة شاة أو جزور تجتمع فيها شرائط الأضحية، وهي: السلامة من العيوب والسمن، والسن على الأفضل، ويجزي فيها مطلق الشاة(3).

قال الإمام الصادق عليه السلام:

«انما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية يجزي منها كل شيء وخيرها أسمنها»(4).

- وسنورد مزيداً من التفصيل في باب أولادها عليهم السلام -.

اما ما يخص البضعة النبوية عليها السلام، فقد عقت عنها السيدة خديجة عليها السلام بشاة(5) وإنها أطعمتها للمؤمنين عملا بالسنة وقصداً لحصول الأجر في ورود السرور عند الإطعام.

ص: 38


1- الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 665، برقم: (5959).
2- الوسائل: كتاب النكاح باب، 44، من أبواب أحكام الأولاد الحديث: 8.
3- اللمعة الدمشقية للشهيد جمال الدين العاملي: ج 5، ص 447. كتاب النكاح، أحكام الأولاد.
4- الوسائل للعاملي: كتاب النكاح، باب: 45، من أبواب أحكام الأولاد الحديث: 2.
5- الوفا بأحوال المصطفى لابن الجوزي: ج 2، ص 656، ط دار الكتب الحديثة. المختصر الكبير لابن جماعة: ص 83.

الفصل الثاني: طفولتها و صباها

اشارة

ص: 39

ص: 40

نتناول في هذا الفصل الأحداث التي مرت في حياة الصديقة الكبرى والبتول العظمى فاطمة الطاهرة من السنة الأولى لميلادها إلى السنة الثامنة حيث تبدأ مرحلة جديدة في حياتها المقدسة.

هذه المرحلة مليئة بالأحداث التي واكبت مسيرة بناء الإسلام بشكل عام وحياتها الشخصية والأسرية والقيادية بشكل خاص.

والسنين الأولى في حياة فاطمة عليها السلام وهي مرحلة الطفولة والصبا تختلف بظروفها ومجرياتها عن جميع الخلق البشري.

إذ ليس لأحد أبٌ مثل أبي الزهراء صلى الله عليه وآله وسلم وليس لأحد أم مثل أمها «خديجة» الكبرى في شرفها وعلو شأنها، سلام الله عليها، وعندما يتهيّأ لإنسان مثل هذين الأبوين فمما لا شك فيه أن طفولته وحياته تكون مميزة بل فريدة.

ص: 41

المبحث الأول: فاطمة عليها السلام في حِجْرِ النبوة

إنّ المراد بالحجر لغةً هو: (الحِضْنُ )، فيقال: حَجْرُ المرأة وحِجْرُها حِضْنُها(1).

وهنا عندما نقول: حَجْرُ النبوة، أي إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي احتضنها ورباها ضمن أصول وقواعد ومناهج النبوة.

فأدّبها فأحسن تأديبها فكان خلقها خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي خاطبه المولى قائلاً:

(وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ )(2) .

وخاطب هو صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنين قائلاً:

«لقد أدبني ربي فأحسن تأديبي»(3).

ص: 42


1- لسان العرب لابن منظور: ج 3، ص 57، مادة حجر.
2- سورة القلم، الآية: 4.
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 16، ص 210؛ سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسيد الطباطبائي: ص 11؛ مكاتيب الرسول لأحمدي الميانجي: ج 1، ص 79؛ ميزان الحكمة للريشهري: ج 1، ص 58، برقم 73؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 11، ص 233؛ الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي: ج 1، ص 51، برقم 310؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 11، ص 406، برقم 31895.

فأدب فاطمة وخُلقها هو: أدب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلقه. حتى قالت عائشة: (ما رأيت أحداً أفضل من فاطمة غير أبيها)(1).

والسبب في قولنا: فاطمة في حجر النبوة هو لبيان أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إنشاء هذه النشأة والصناعة المحمدية لفاطمة عليها السلام.

كما هو الحال بالنسبة لإسماعيل عليه السلام فقد نسب دور أمه هاجر في حضانته وتنشئته إلى إسماعيل عليه السلام فسمي موضع قبرها بحجر إسماعيل، أي: الحضن الذي احتضن إسماعيل ولم يقل: (قبر هاجر).

وما ذاك إلا تعظيماً وإكراماً للنبوة، وان الحجر الذي يحتضن النبوة يسمى بها وينسب لها، فسمي بحجر إسماعيل.

وعليه: سمي الحجر الذي احتضن فاطمة عليها السلام هو: حجر النبوة أو: (الحجر المحمدي).

بعد هذه الإشارة في بيان الركنين الأساسين في نشأة كل إنسان وأقصد والديها فإننا نرحل في سفينة الحب النبوي إلى بيت خديجة أم المؤمنين عليها السلام لترسي بنا سفينتنا على سواحل أعتاب بيتها نلتمس الإذن في الدخول إلى رحاب البيت الذي كان سكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومحطة سكونه وسكينته ومنبع الحنان والحب والمودة التي ملأت كل ذرة من كيان أم المؤمنين خديجة عليها

ص: 43


1- الغدير للأميني: ج 3، ص 25؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 201؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 3، ص 137؛ الإصابة لابن حجر العسقلاني: ج 8، ص 264؛ ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج 2، ص 58؛ السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام لمحمد بيومي: ص 156 و 168؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي النجفي: ج 25، ص 37.

السلام. لتهبها لزوجها وتبذلها له فما ادخرت جهداً وما بخلت بعطية، وما شكت ألما، ولا تبرمت من حال أنزله بها كفار مكة نساءً ورجالاً.

فعندما يحيا الإنسان وتكون أيام طفولته في مثل هذه الأجواء المليئة بالحب والحنان والرحمة فمما لا شك فيه سيكون هذا الإنسان منبعاً لهذه الفضائل التي نمت عليها عروقه وتوغلت فيها جذوره.

ونحن وان كنا نعرض مثل هذه النقاط التي مع أهميتها الكبيرة لدى الباحثين وأصحاب الاختصاص في الحياة الأسرية والعلوم النفسية، إلا أننا لا نجعلها الأساس في تكوين شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام.

إذ إن الملاك والضابطة في حياة الأولياء هو الاصطفاء الإلهي وهو مفاد قوله تعالى:

(إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(1) .

ومع هذا الاصطفاء يكون الاصطناع الرباني، لقوله تعالى:

(وَ اِصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)(2) ، (فَاسْتَمِعْ لِمٰا يُوحىٰ )(3) .

فالصناعة ربانية، والاصطفاء إلهي ومن كان الله قد اصطفاه لنفسه فلا تؤثر فيه قوى الشر ولا يمسه رجس الكافرين، وقد أعطى القرآن دليلاً لمن كان يؤمن

ص: 44


1- سورة آل عمران، الآيتان: 33-34.
2- سورة طه، الآية: 41.
3- سورة طه، الآية: 13.

بالله تعالى إن الظروف والعوامل التي تحيط بحياة الأنبياء والأولياء لا يمكن حملها على بقية حياة الناس وكيفية نشأتهم.

فها هو نبي الله موسى الكليم تلقيه أمه وهي خائفة وجلة عليه من القتل فترميه في البحر ليقوده جبرائيل عليه السلام إلى بيت عدو الله، ليأخذه ويربيه ويتولى تنشئته، ولم يكن قصر فرعون وطغيانه وكفره مؤثّراً في إيمان موسى عليه السلام.

أما سبب تأكيدنا على البيت الذي نشأتْ فيه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام فذلك من أجل معرفة العناية الإلهية الكبيرة، والاهتمام البالغ والتركيز على فاطمة عليها السلام.

لان الغاية والعلة التي خلقت لها فاطمة تستوجب هذا الاعتناء الرباني، وهذا الاهتمام الإلهي. ويكفيك من هذا دلالة على عناية الله بها بأنها (أم أبيها).

فالمصطفى والصانع لها الله عز وجل، والمربي والمعلم لها حبيبه.

ص: 45

المبحث الثاني: السنين الأولى لطفولتها عليها السلام

أعادت فاطمة عليها السلام في السنين الأولى لطفولتها بسمة الأمومة لخديجة عليها السلام، تلك البسمة التي لا تمنحها الأم إلاّ لطفلها الذي يتأمل بعينين مفتوحتين تلك التقاطيع التي ترافق وجه أمه وهي مبتسمة له وكأنها تسمعه بأعذب الكلمات التي تعجز عنها لغات العالم.

فأي لغة يمكن ان تعبر عما ينطقه وجه الأم وهي تنظر لولدها وقد زينت وجهها هذه الابتسامة.

لغة لا يعلمها إلا قلب هذا الطفل ولا يصدرها الا قلب الأم.

وبخاصة عندما تتعامل أم كخديجة مع طفلها الجديد الذي انتظرته كثيراً بعد أن فقدت طفلين هما (القاسم وعبد الله عليهما السلام)، اللذين لم يعيشا طويلاً، بل انهما لم يكملا رضاعهما فقد اختار الله لهما دار الآخرة.

ثم تبقى خديجة عليها السلام تنتظر رحمة الله عز وجل أن يمنّ عليها بحمل

ص: 46

ومولود جديد ويطول بها المقام ويتأخر عليها الحمل، لحكمة أرادها الله عز وجل.

ومن هنا فان حملها بفاطمة وولادتها قد أعادت عليها تلك الابتسامة التي كانت تطلقها لأخوي فاطمة عليها السلام. فتتولى رضاعتها لتغذيها من روحها ودمها وحبها.

فكانت سنتا الرضاعة أياماً عاشتها فاطمة بالحب والرحمة والرأفة والحنان النبوي اللا متناهي ومع هذا كله كانت تعيش أجواء السلام والطمأنينة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مُحَصَناً منيعاً بعمه أبي طالب الذي دأب يحنو عليه ويذب عنه كيد قريش ويدفع عنه طغاتها.

فكانت هذه السنتان من عمرها المبارك مميزة مليئة بالدفء والحنان والرحمة والحب والسكينة.

لكن سرعان ما يتغير الأمر في السنة الثالثة من عمرها الشريف وهي السنة الثامنة من البعثة (إذ يشتد الضغط على المسلمين ويبدأ طغاة قريش بالاعتداء على من أسلم، واتبع رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم من أصحابه فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم، ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر من استضعفوا منهم يفتنونهم عن دينهم، فمنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبه ومنهم من يَصْلَب لهم وبعصمة الله منهم)(1).

والنبي مع هذا كله استمر يدعو الله تعالى ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، لا

ص: 47


1- السيرة لابن هشام: ج 1، ص 339.

يصرفه عن ذلك صارف ولا يرده عن ذلك راد، ولا يصدّه عن ذلك صاد، يتبع الناس في انديتهم ومجامعهم ومحافلهم، وفي المواسم، وموقف الحج، يدعو من لقيه من حرٍ وعبد، وضعيف وقوي، وغني وفقير، جميع الخلق في ذلك عنده شرع سواء)(1).

فلما رأى طغاة قريش أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماضٍ في تبليغ رسالة الله عز وجل عزموا على قتله والنيل منه.

وأول من عزم على ذلك أبو جهل - عليه لعنة الله - فقد أخذ يجاهر بقتل النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أمام قريش قائلاً لهم: يا معشر قريش إنّ محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسنّ له غداً بحجر، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بي بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم(2).

وهذا القول الذي أطلقه أبو جهل كان القصد من ورائه تحقيق الأهداف التالية:

1. تحفيز قريش على كسر طوق الحصانة التي فرضها أبو طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

2. الحث على قيام أشخاص آخرين بمثل هذه المحاولات، وان الأمر ليس بهذا القدر من الصعوبة، وانه يمكن لهم القيام بمثل هذا العمل كما عزم على فعله

ص: 48


1- السيرة النبوية لابن كثير: ج 1، ص 460.
2- السيرة النبوية لابن كثير: ج 1، ص 464؛ سيرة ابن هشام: ج 1، ص 194.

أبو جهل عليه لعنة الله.

3. إشعال نار الحرب بين بني هاشم وبين قبائل قريش، لأنّ بني عبد مناف يمكن أن يكون المقصود بهم أعمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبناءهم ويمكن أن يكون المقصود هم أبناء أبي طالب لأن اسمه (عبد مناف).

وبالنتيجة الضرب على زر الأمان وإطلاق نار الثأر المتأصلة في النفس العربية، وعندها إما يتم القضاء على بني هاشم كافة وهم أهل الفضائل التي لا تروق لأبي جهل وأمثاله؛ وأما القضاء على بني عبد مناف أي أبو طالب وولده ويبقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحيداً لا ناصر له ولا معين غير الله عز وجل وهذا ما لا يفهمه المشركون. لأنهم يتعاملون مع المادة والظاهر. وعندها يسهل عليهم قتله، إن لم يكن هو المستهدف أولاً.

أما نتيجة هذه المحاولة من أبي جهل فقد كانت درساً له ولغيره؛ فقد رد الله كيده في نحره وسقط الحجر من يده وبهت الذي كفر بعد ان تمثل له جبرئيل بهيأة جمل عظيم الخلقة(1).

لكن هيهات:

(وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمٰا يَزِيدُهُمْ إِلاّٰ طُغْيٰاناً كَبِيراً)(2) .

فقد اشتد العذاب على المسلمين أكثر فأكثر، ويتسع الأمر ليشمل كل من آمن بهذا الدين الجديد.

ص: 49


1- السيرة النبوية لابن كثير: ج 1، ص 464؛ سيرة ابن هشام: ج 1، ص 194.
2- سورة الإسراء، الآية: 60.

فقد روي عن سعيد بن جبير انه قال: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك ؟ قال: نعم والله ان كانوا ليضربون أحدهم ويجوعونه ويعطشونه حتى ما يقدر ان يستوي جالساً من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له، اللات والعزّى إلهك من دون الله ؟.

فيقول: نعم، حتى إن الجُعَل(1) ليمرّ بهم فيقولون له: أهذا الجعل إلهك من دون الله ؟ فيقول: نعم افتداءً منهم مما يبلغون من جُهده(2).

وكان بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه، وكانوا أهل بيت إسلام إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة، فيمرّ بهم رسول الله فيقول: صبراً آل ياسر موعدكم الجنة، فأما أمه فقتلوها وهي تأبى إلاّ الإسلام، فقضت شهيدة وهي أول شهيد في الإسلام(3).

والملفت هنا في هذه الحادثة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمر بكثير من المسلمين وهم يعذبون أشد العذاب لكن لم يسجل التاريخ ان النبي صلى الله

ص: 50


1- الجعل، والجلعلعة: الخنفساء؛ لسان العرب لابن منظور: ج 8، ص 52؛ فتح الباري لابن حجر: ج 7، ص 126، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المشركين بمكة؛ فيض القدير شرح جامع الصغير للمناوي: ج 5، ص 550؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج 4، ص 45؛ العثمانية للجاحظ: ص 30؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 1، ص 219؛ إمتاع الأسماع للمقريزي: ج 9، ص 114، ط منشورات محمد علي بيضون؛ السيرة النبوية لابن هشام الحميري: ج 1، ص 212؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 2، ص 357؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي النجفي: ج 31، ص 362.
2- السيرة النبوية لابن هشام: ج 1، ص 343.
3- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 282؛ الاستيعاب على هامش الإصابة: ج 4، ص 330؛ الإصابة: ج 4، ص 35.

عليه وآله وسلم صبر أحداً بهذا الشكل وبشره بالجنة بل الذي يفهم من كلامه صلى الله عليه وآله وسلم هو التعجيل لهم بالجنة.

وهذا يدل على صدق إيمانهم وثبات يقينهم فتلك سيرة الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه تفوح بالإيمان وصدق القول وإخلاص العمل حتى فارقت روحه الدنيا شهيداً محتسباً ممّا نزل به من القتل وهو في التسعين من عمره يقاتل بسيفه جنباً إلى جنب مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حتى قضى في صفين وقد أخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه تقتله الفئة الباغية(1)، وهم معاوية بن أبي سفيان وحزبه وشيعته، فلما استشهد اضطرب جيش معاوية اضطراباً شديداً وكان يقول قبل استشهاده: والله لو قاتلتكم حتى أصل إلى شعاب مكة لعلمت أننا على حق وأنكم على باطل(2).

وهذا مما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمار قائلاً له:

«يا عمار لو رأيت الناس كلهم في واد وعلي بن أبي طالب في واد فاسلك الوادي الذي فيه علي بن أبي طالب - عليه السلام -»(3).

ص: 51


1- الغدير للشيخ الأميني: ج 10، ص 358؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 43، ص 436؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3، ص 579-580؛ الإمام جعفر الصادق عليه السلام لعبد الحليم الجندي: ص 252.
2- مواقف الشيعة لأحمدي الميانجي: ج 2، ص 163.
3- زبدة البيان للمحقق الأردبيلي: ص 14؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 38، ص 32، الباب السابع والخمسون؛ مع رجال الفكر للسيد مرتضى الرضوي: ج 2، ص 105؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 8، ص 461؛ غاية المرام للسيد هاشم البحراني: ج 5، ص 284؛ كشف اليقين للعلامة الحلي: ص 234.

وهناك وصية أخرى للنبي تمسك بها هذا الصحابي الجليل وعض عليها بالنواجذ وهي:

«أوصي من آمن بالله وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب، من تولاه فقد تولاّني، ومن تولاني فقد تولى الله ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله عز وجل»(1).

فهذه السيرة الخالدة المشرقة تدلّ على علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحال هذا الصحابي وإيمانه وكيف كانت عاقبة أمره الذي ختمها بالشهادة.

وجميع هذه المآسي كانت فاطمة الزهراء تراها وتسمع النبي يحدث خديجة بها وتسمعه يتحدث مع علي بن أبي طالب في حال المسلمين وما ينزل بهم وعندها كانت تدرك ان الخطر يحف بأبيها من كل جانب فماذا عساها ان تفعل ؟! سيمر علينا إن شاء الله في أحداث مرحلة صباها وقبل هجرتها إلى المدينة المنورة.

ص: 52


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 38، ص 31؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 109؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42، ص 240.

المبحث الثالث: فاطمة عليها السلام تعيش معاناة المسلمين في شعب أبي طالب

اشارة

مازلنا في رحاب الحديث عن طفولة فاطمة الزهراء عليها السلام ومرحلة صباها، فبعد ان اشتد الأمر بالمسلمين من قبل طغاة قريش وإنزالهم أشد أنواع الأذى بكل من وقعت يدهم عليه من المسلمين.

وبعد ان يئسوا من النيل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقتله لان الله منعه منهم بعمه أبي طالب، ودخول الكثير من بني هاشم الإسلام والتفافهم حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقد عزمت قريش على إخراج بني هاشم من مكة إلى خارجها في الشعب المعروفة بشعب أبي طالب وإقامة الحصار عليهم.

وكانوا قد تعاهدوا وتكاتبوا على ذلك في صحيفة وضعوها في بيت الله الحرام

ص: 53

توكيداً على أنفسهم على الالتزام بها وكانت تنص على:

1. ألا يتزوجوا إليهم ولا يزوجوهم.

2. لا يبيعوهم شيئاً، ولا يبتاعوا منهم(1).

3. لا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم.

4. لا تأخذهم بهم رأفة ولا رحمة ولا هوادة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للقتل(2).

فلما فعلت ذلك قريش، انحازت بنو هاشم وبنو عبد المطلب إلى أبي طالب، فدخلوا معه في شعبه وذلك في محرم سنة سبع من النبوة، وخرج من بني هاشم أبو لهب بن عبد المطلب وكان مع قريش، وأقام بنو هاشم على ذلك حتى جهدوا من ضيق الحصار، وأكلوا ورق السمر، وأطفالهم يتضاغون من الجوع، حتى يسمع بكاؤهم من بعيد، وقريش تحول بينهم وبين التجار، فيزيدون عليهم في السلعة أضعافاً حتى لا يشتروها(3).

ومكثوا على هذه الحال ثلاث سنوات ليس من ينفق عليهم أو يتولى إطعامهم أو رعاية أطفالهم ونسائهم سوى خديجة أم المؤمنين عليها السلام فقد أنفقت كل ما تملك على المسلمين وهم محاصرون في شعب أبي طالب(4).

وكانت خديجة عليها السلام امرأة ذات مال وفير، ولها من العبيد والخدم

ص: 54


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 1، ص 375.
2- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 311. دلائل النبوة لأبي نعيم الاصبهاني: ج 1، ص 272، ط دار النفائس.
3- السيرة النبوية للندوي: ص 139، ط دار ابن كثير.
4- خديجة بنت خويلد أمة جُمعت في امرأة للسيد نبيل الحسني، ج 2.

الكثير، وهي مع هذا امرأة تاجرة، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قوماً تجاراً(1).

وخديجة عليها السلام مع كل هذا المال والسلطان كانت امرأة حازمة ضابطة لبيبة شريفة حتى لقبت بسيدة قريش ولقبت أيضاً بالطاهرة لشدة عفافها وطهارتها(2).

وعندما يروي لنا التاريخ انها عليها السلام قد أنفقت كل ما تملك على المسلمين منذ بدء البعثة النبوية والى آخر لحظات حياتها المباركة، فالمقصود هو ان الذي انفق هذا المال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنها وهبت كل ما تملك من مال وعبيد وخدم لرسول الله(3) صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن هنا فاننا نجد ان هذه التجارة العظمى التي كانت تسير بها القوافل من مكة إلى الشام ومن مكة إلى اليمن قد توقف مسيرها فلم نجد أي مصدر من المصادر التاريخية الإسلامية وغيرها تناول حركة تجارة أم المؤمنين خديجة عليها السلام بعد زواجها من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

والسبب في ذلك يرجع إلى أمور:

ص: 55


1- السيرة النبوية للحافظ ابن حبان: ص 47. الدلائل النبوية للبيهقي: ج 1، ص 66. السيرة النبوية لابن هشام: ج 1، ص 199. السيرة النبوية للندوي: ج 1، ص 110. السيرة النبوية لابن جرير الطبري: ص 38، ط الدار المصرية اللبنانية.
2- يراجع الباب الأول في حياتها فصل «منزلتها قبل الإسلام» من الكتاب.
3- الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للسيد جعفر مرتضى العاملي: ج 2، ص 119، ط دار الهادي ودار السيرة، بيروت

أولاً: إنها وَهَبَتْ جميع ما تملك إلى النبي الأعظم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو لم يعمل بهذا المال ولم يتجر به أو يستأجر أحداً لهذا والعلة في ذلك لكي لا يقال ان زواجه منها كان رغبةً في مالها وهذا من جانب.

وأما الجانب الآخر فهو لاعتزاله قومه وتوجهه صلى الله عليه وآله وسلم للعبادة فلذا قال: أول ما ابتدأ بي الوحي انه حبب إليّ العزلة(1). وهذا قبل النبوة.

ثانياً: لو عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتجارة بعد البعثة فان طغاة قريش سرعان ما كانت تشن حملات على هذه القوافل وتصادرها.

ثالثاً: إن جميع هذا المال أنفقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين وبخاصة عندما تم حصرهم في شعب أبي طالب رضي الله عنه.

ومن هنا نجد أن أم المؤمنين خديجة عليها السلام قد حمت المسلمين من الضياع وأنقذتهم من الهلاك من خلال مالها الذي وهبته لزوجها صلى الله عليه وآله وسلم.

وان أبا طالب رضي الله عنه قد وفر لهم ملجأ يلتجئون إليه وهو الحي الذي كان له، المعروف ب (شعب أبي طالب).

وعندما نأتي إلى داخل هذا الملجأ لنرى كيف يعمل شيخ الأبطح في الذود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإننا لا نملك إلاّ أن نقف وقفة إجلال وإكبار وإعظام لهذا الرجل البار برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 56


1- صحيح البخاري: كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي. صحيح مسلم: ج 1، ص 16، في الإيمان من حديث عائشة. زاد المعاد لابن القيم: ج 1، ص 76، مؤسسة الرسالة.

إذ كان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد المكر به واغتياله، فإذا نوّم الناس أمر أحد بنيه، أو أخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي فرشهم فينام عليه(1).

ومن خلال هذا الموقف المتكرر لمدة ثلاث سنوات بلياليها البالغة «1080» ليلة نحن نسأل: هل هناك مسلم قدم أولاده قرابين يفدي بهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذا العدد من المرات ؟ بل هل هناك من قدم ولده فداءً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو لمرة واحدة فيضعه في الموضع الذي يعرضه للقتل فيما لو أراد المشركون أو المنافقون اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كما كان يفعل أبو طالب رضي الله عنه.

فأي إيمان كان يملكه هذا الصدّيق وأي عقيدة راسخة كان يمتاز بها أبو طالب وأي حب لله ولرسوله كان قد فاق كل حب له في الحياة فكان أصدق صورة لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده والناس أجمعين»(2).

ص: 57


1- تاريخ الإسلام للذهبي: ج 1، ص 222.
2- مغني المحتاج لمحمد بن أحمد الشربيني: ج 4، ص 222؛ كشاف القناع للبهوتي: ج 5، ص 30؛ أمالي الصدوق: ص 414؛ أمالي الطوسي: ص 416؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 22، ص 88؛ خلاصة عبقات الأنوار للسيد حامد النقوي: ج 9، ص 63؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 3، ص 177؛ صحيح البخاري: ج 1، ص 9؛ صحيح مسلم: ج 1، ص 49؛ سنن النسائي: ج 8، ص 114

فها هو أبو طالب رضي الله عنه صورة ناطقة فعلاً وقولاً عن حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانه أحب إليه من نفسه وولده والناس أجمعين.

وهذا الرصيد الكبير الضخم من الحب لله ولرسوله مكنه من تحمل الويلات التي أنزلها به قومه، ومكنه أيضاً من التحمل على ما نزل ببني هاشم وهم يتضورون من الجوع والعطش وقسوة الطبيعة التي تمتاز بها مكة من الحر الشديد في الصيف ولهيب الرياح الحاملة للرمال وبرد الشتاء.

ترى كيف صبر على جميع ذلك وهو يسمع بكاء الأطفال وصراخهم ودموع الناس وذبول شفاههم ؟!

كل هذا كان يراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما رآه أبوطالب وعاشته خديجة عليها السلام مع ابنتها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام فهي قد شهدت وعاشت كل هذه المعاناة التي عاشها بنو هاشم في شعب أبي طالب خلال ثلاث سنوات.

فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن بني قصي، ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق، واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه وبعث الله عز وجل على صحيفتهم الأرضة(1) فلحست كل

ص: 58


1- الهداية للشيخ الصدوق: ص 144؛ كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص 87؛ معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص 36.

ما كان فيها من عهد وميثاق.

ويقال انها كانت معلقة في سقف البيت، ولم تترك اسماً لله عز وجل إلا لحسته، وبقي ما كان فيها من شرك وظلم وقطيعة رحم واطلع الله عز وجل رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي طالب، فقال أبو طالب:

لا والثواقب ما كذبني.

فانطلق يمشي بعصابة من بني عبدالمطلب حتى أتى المسجد، وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامدين لجماعتهم، أنكروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء فأتوا ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فتكلم أبو طالب فقال:

قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم فاتوا صحيفتكم التي تعاهدتم عليها فلعله ان يكون بيننا وبينكم صلح.

وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل ان يأتوا بها فأتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدفوع إليهم فوضعوها بينهم وقالوا قد آن لكم ان تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم، فإنما قطع بيننا وبينكم رجلٌ واحد جعلتموه خطراً لهلكة قومكم وعشيرتكم وفسادهم فقال أبو طالب:

إنما أتيتكم لأعطيكم أمراً لكم فيه نصف ان ابن أخي أخبرني ولم يكذبني: ان الله عز وجل بريءٌ من هذه الصحيفة التي في أيديكم ومحا كل اسم حوله فيها وترك فيها غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم علينا بالظلم،

ص: 59

فان كان الحديث الذي قال باطلاً دفعناه فقتلتم أو استحييتم.

قالوا: قد رضينا بالذي يقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر خبرها، فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب، قالوا: والله! ان كان هذا قط الا سحراً من صاحبكم، فارتكسوا وعادوا بشر ما كانوا عليه من كفرهم والشدة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى المسلمين رهطه، والقيام بما تعاهدوا عليه، فقال أولئك النفر من بني عبدالمطلب: ان أولى بالكذب والسحر غيرنا فكيف ترون ؟ فانا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم وهي في أيديكم طمس الله ما كان فيها من اسم وما كان من بغي تركه، أفنحن السحرة أم أنتم ؟. فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء من بني هاشم منهم: أبو البختري والمُطْعم بن عدّى، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة، وزمعة بن الأسود، وهشام بن عمرو وكانت الصحيفة عنده وهو من بني عامر بن لؤي في رجال من أشرافهم ووجوههم: نحن برآء مما في هذه الصحيفة، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل.

وأنشأ أبو طالب يقول الشعر في شأن صحيفتهم ويمتدح النفر الذين تبرأوا منها(1) وبعد هذه الحادثة خرجوا من الشعب فكانت تنتظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصائب تنهد لها الجبال ؟!

قال أبو طالب رضوان الله عليه:

ص: 60


1- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 312-314. دلائل النبوة للاصبهاني: ج 1، ص 273-275.

ألا أبلغا عنّي على ذات بيننا *** لؤيّا وخصّا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً *** نبيّاً كموسى خط في أول الكتب

وأن عليه في العباد محبةً *** ولا خير ممن خصه الله بالحبّ

وان الذي ألصقتمُ من كتابكم *** لكم كائن نحساً كراغية السّقب

أفيقوا أفيقوا قبل ان يحفر الثرى *** ويصبح من لم يجن ذنباً كذي الذنب

ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا *** أواصرنا بعد المودة والقرب

وتستجلبوا حرباً عواناً وربما *** أمر على من ذاقه جلب الحرب

فلسنا ورب البيت نسلم أحمداً *** لعزاء من عض الزمان ولا كرب(1)

المسألة الأولى: وفاة أم المؤمنين خديجة عليها السلام وهي أول المصائب

بعد هذه المحنة التي عاشها بنو هاشم، التي استمرت ثلاث سنوات كانت فيها الليالي والأيام تمضي بألم كبير، وحزن بالغ ألمّ بالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو يرى المسلمين من بني عشيرته وأرحامه وغيرهم ممن لم يؤمنوا وهم يتضورون من الجوع، ويسمع صراخ الأطفال التي لم تجد في صدور أمهاتها لبناً تتغذى عليه فقد جف لبن الأمهات المرجفات، وانهكهن الجوع والعطش.

وفي الواقع اني لا أجد وصفاً يفي بتلك المحنة وأجوائها سوى الوقوف عند قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت»(2).

ص: 61


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 1، ص 377-378.
2- تفسير ابن العربي: ج 1، ص 151؛ كشف الغمة لابن أبي الفتح الأربلي: ج 3، ص 346؛ مناقب آل ( أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 42؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 39، ص 56؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ النمازي: ج 1، ص 102؛ ميزان الحكمة للريشهري: ج 1، ص 67 و ج 4، ص 3227؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 3، ص 130؛ تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: ج 6، ص 53؛ تفسير الرازي: ج 4، ص 175.

فأي نبي من الأنبياء حاصره قومه هو وأرحامه وعشيرته رجالاً ونساءً وأطفالاً، سواء كانوا ممن آمنوا به أم ممن لم يؤمنوا فالجميع قد نزل بهم الظلم، وشملهم سوط الحصار الذي اتخذته قريش ضد بني هاشم جميعاً باستثناء أبي لهب لأنه أحد طغاة الكفر.

ثم هل انتهى ألم رسول الله بعد هذه المحنة ؟! أم هل توقف قومه عن إيذائه بأشد أنواع الأذى ؟!

والجواب: لا.

لأن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يثنِهِ عن عزمه في إبلاغ رسالة ربه ظلم المشركين، ولا أذى الكافرين، فكلما ازدادوا في ظلمهم ازداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم صبراً وهمةً .

أما آلامه صلى الله عليه وآله وسلم، فهو بأبي وأمي مازال يزداد ألماً يوماً بعد يوم.

فها هي أول المصائب التي تحل بالبيت النبوي التي فقد فيها أحد أهم ركائزه، وانهد فيها احد ركنيه ولا أدري بأيهما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعظم مصاباً أبفقده لأبي طالب عليه السلام أم بفقده لأم ابنته فاطمة عليهما السلام ؟!

ص: 62

فأما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد وجد على خديجة عليها السلام حتى خشي(1) عليه من الهلاك.

وأما فاطمة عليها السلام فقد عصفت بها أول المصائب، ويا لها من مصيبة عظيمة قد ألّمت بها وعصرت قلبها!

فقد فقدت فيها فاطمة صورة الأم، فلم ترَ عينها بعد اليوم هذا الوجه الذي ينهدر منه شلال الرحمة، ولم تسمع فاطمة بعد اليوم هذا الصوت الذي يشدو بالحنان والطمأنينة، ولم تجد فاطمة عليها السلام بعد اليوم حجراً تضع رأسها فيه لتغفو مطمئنة بعد أن تداعب شعرها أنامل أمها خديجة عليها السلام، فقد رحلت عنها وتركتها وهي في أحوج ما تكون إلى وجودها معها وهي لم تتجاوز بعد السنة الخامسة من عمرها، فكل ما عاشته فاطمة عليها السلام مع أمها هي هذه السنوات الخمس التي لم تجد فاطمة مثل عذوبتها إلى ان رحلت إلى ربها ملتحقةً بأمها وأبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

فكانت هذه أول المصائب التي حلت بفاطمة عليها السلام ولكثرة ما سترى فاطمة من المصائب فقد كانت بحق: (أمّاً للمصائب) التي لا تنتهي إلا بساحة المحشر وهي حاملة معها ثياب مصبوغة بالدم فتقول:

أي رب أحكم بيني وبين من ظلمني(2).

ص: 63


1- الإصابة لابن حجر: ج 7، ص 603، ط دار الجبل، الطبقات الكبرى لابن سعد.
2- أمالي الصدوق: ص 70؛ روضة الواعظين للفتال النيسابوري: ص 149؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 108؛ الفضائل لشاذان بن جبرئيل القمي: ص 11؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 219، الباب الثامن؛ بشارة المصطفى لمحمد بن علي الطبري: ص 43؛ اللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري: ص 891؛ صحيفة الزهراء للشيخ جواد القمي: ص 188؛ مجمع النورين للشيخ أبو الحسن المرندي: ص 172؛ غاية المرام للسيد هاشم البحراني: ج 6، ص 88؛ الهجوم على بيت فاطمة لعبد الزهراء مهدي: ص 28.

أما أم المؤمنين السيدة الصديقة الطاهرة خديجة عليها السلام فقد انتقلت إلى ربها عز وجل مطمئنة مسرورة برحمة ربها بعد أن أبلت بلاءً حسناً وضربت أعلى مثل للزوجة المؤمنة التي وقفت بكل ما آتاها الله من قوة وطاقة بجانب النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

فلم تبخل بشيء ولم تقصر في حق، صابرة محتسبة، ثابتة، صلبة أمام طغاة قريش وصناديد الشرك حتى أدت الأمانة وبرت بحق هذا الزوج صلى الله عليه وآله وسلم، لا لشيء إلاّ ابتغاء رضا الله ورضا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

سنين انقضت من الجهد والجهاد، والتقوى، والمودة، والرحمة.

سنين كانت خمساً وعشرين(1) عاشتها مع خير خلق الله وأشرف مَنْ نطق وصمت من خلقه.

سنين عاشها رسول الله مع هذه الزوجة البارة المؤمنة هنيئاً مطمئناً، مسروراً بقربها، مستأنساً بصدقها.

هكذا كانت خديجة الكبرى. فهي الكبرى بفضلها على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائر نساء الأمة ما عدا ابنتها فاطمة الزهراء عليها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.

ص: 64


1- المواهب اللدنية: ج 1، ص 66؛ التبين للمقدسي: ص 71؛ سمط النجوم: ج 1، ص 367؛ تاريخ الخميس: ج 1، ص 264؛ حدائق الأنوار: ج 1، ص 155.

فهذا سبب تسميتها بالكبرى، إذ لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخت أو زوجة غيرها تحمل هذا الاسم لتكون الصغرى، وتكون خديجة عليها السلام هي الكبرى.

فكانت كذلك لأنها كبيرة الفضل عظيمة الشأن عند الله وعند رسوله والمؤمنين. وحفاظاً على هذه المنزلة لم يتزوج عليها طوال هذه السنين الخمس والعشرين.

بينما نراه صلى الله عليه وآله وسلم خلال ثلاث عشرة سنة تزوّج العديد من النساء.

وكفى بهذا دليلاً على عظم مكانتها في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولطالما صرّح بهذه المنزلة في مواقف عديدة، مما دعا بعائشة، أن تعترض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكثرة ما كان يذكر خديجة لدرجة انها أغضبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضباً شديداً.

والحال ان من أغضب رسول الله فقد أغضب الله عز وجل، فتقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها، واستغفار، فذكرها ذات يوم فاحتملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن - وفي رواية - لقد أبدلك الله خيراً منها(1)، قالت: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضب غضباً أسقطت في جلدي، وقلت في نفسي: (اللهم انك إن أذهبت غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم أعد أذكرها بسوء ما بقيت فلما رأى النبي ما لقيت قال:

ص: 65


1- صحيح البخاري: ج 4، ص 231؛ فتح الباري لابن حجر: ج 7، ص 106.

«كيف قلت ؟! - وفي قول - «والله ما أبدلني الله خير اًمنها»(1)، لقد آمنت بي وكفر بي الناس وآوتني إذ رفضني الناس وصدقتني إذ كذبني - الناس - ورزقني منها الولد إذ حرمتموه مني.

قالت فغدا وراح علي بها شهراً»(2).

أي إنه صلى الله عليه وآله وسلم: قد هجرها شهراً بسبب ما قالته في انتقاص الصديقة الطاهرة أم الزهراء خديجة عليها السلام.

وفي رواية أخرى أنها قالت: «ما غرت على امرأة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما غرت على خديجة، مما كنت أسمع من ذكره لها، وما تزوجني إلا بعد وفاتها بثلاث سنين، ولقد أمره ربه ان يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب وانه كان يذبح الشاة ويهدي منها لصدائق خديجة»(3).

وقد علق ابن حجر على هذه الرواية بقوله: قولها «ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم»، فيه ثبوت الغيرة، وان عائشة انها كانت تغار من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن كانت تغار من خديجة أكثر، وقد بينت ذلك، وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة(4).

ص: 66


1- الإفصاح للشيخ المفيد: ص 217؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 224؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1824؛ فيض القدير للمناوي: ج 3، ص 656؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 3، ص 158.
2- كتاب الأربعين لابن عساكر: ص 96. تاريخ دمشق لابن عساكر - قسم السيرة: ص 160-161.
3- صحيح البخاري: حديث رقم (3816) من فتح الباري. ومسلم في صحيحه برقم: (2435). والترمذي في الصحيح برقم: (3885).
4- العمدة لابن البطريق: ص 393، برقم 784 و 787، ط مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين،

وهكذا نرى كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل مع ذكرى خديجة حتى وصل به الأمر أن يجهر بحبها عليها السلام، بعد ان سئل عن سبب كثرة ذكرها فقال:

«قد رُزقت حبها»(1).

ومما لا يخفى على ذوي القلوب النيرة ان معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «قد رُزقت حبها» هو دليل على ان هذا الحب من الله عز وجل وان الله اثبته في قلب حبيبه المصطفى.

وعندما يثبت الله عز وجل حب إنسان في قلب حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم وانه تعالى اختار له هذا الحب فهذا فيه الرفعة والشأن العظيم الذي حازته الصديقة الطاهرة خديجة عند الله عز وجل.

وبسبب هذا الحب الكبير الذي كان يحمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخديجة عليها السلام، فانه قد دخل عليه من الحزن الشديد والأسى البالغ والوحشة الكبيرة بعد وفاتها ما لا نظير له ؟ حتى خشي عليه(2)!

ص: 67


1- صحيح مسلم: كتاب النبوات، باب: فضائل خديجة بنت خويلد برقم: (2430). المفهم في تلخيص مسلم للقرطبي: ج 6، ص 315، برقم: (2343).
2- الإصابة لابن حجر: ج 7، ص 603، ط دار الجيل.

وحتى قالت العرب وسادات قريش: «ما رأينا رجل حزن على امرأة مثل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.

وقال بعضهم: (يحق له أن يحزن عليها للخصال التي ركبت فيها من عقلها وعفتها وطهارتها وأدبها وحسن ودادها فقال:

فقال رجل منهم يقال له (أبو عزيزة) يرثي خديجة - عليها السلام - وينشده ويقول:

ذرفت دموعك يبن عبد مناف *** زين الرجال وسيد الأشراف

يا ابن الأكابر من ذوابة هاشم *** وابن المعد لرحلة الإيلاف

المطعمون الطير في أوكارها *** والقائلون هلم للأضياف

رزي النبي بفقده لخديجة *** حتى تتابع دمعه بوكاف

ما في الأنام محافظ لقرينه *** الا الأمين وصاحب الإنصاف

يبكي خديجة دهره زين النسا *** ء الطاهرات جميلة الأوصاف

قال: فبلغت إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأعجبه ذلك وبعث إليه ببردة ودراهم كرامة له على أبياته. وتحدّث أهل مكة بحديثه(1).

فهذا كان حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هذا القدر كان حزنه على خديجة عليها السلام، وظل دائم الذكر لها في مناسبة وفي غيرها.

وتجلس فاطمة عليها السلام يوماً تحدث أباها صلى الله عليه وآله وسلم وتسأله عن أمها خديجة أين هي ؟!

ص: 68


1- الجزء الثاني من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي الحسن البكري، (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم (12442).

فيجيب قائلاً:

«انها في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب بين مريم وآسية».

قالت:

«من هذا القصب»؟.

قال:

لا بل من القصب المنظوم بالدرّ واللؤلؤ والياقوت(1).

وقد اقرأها الله السلام، وكذلك جبرائيل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.

ثم يُحدث صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته وأصحابه عن فضل هذه الزوجة البارة، والمرأة القانتة الراكعة الساجدة فيقول:

«خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد»(2).

ومعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «خير نسائها»، أي: خير نساء أهل الدنيا.

وكيف لا تكون كذلك بعد أن وقفت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكل صدق وإخلاص ومنذ اللحظة الأولى فهي أول من آمن به على المشهور عند أهل القبلة، وانه صلى الله عليه وآله وسلم نُبّئ يوم الاثنين فصلت

ص: 69


1- المعجم الأوسط للطبراني: ج 1، ص 274، برقم 443، مكتبة المعارف الرياض؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 358، برقم 15273، ط دار الفكر؛ مجمع البحرين للطريحي: ج 6، ص 351، برقم: 3825، ط مكتبة الرشد.
2- صحيح البخاري: برقم (3815)؛ صحيح مسلم: برقم (2430). الترمذي: برقم (3877).

آخر ذلك اليوم(1).

فكانت بذلك وكما أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأنها أحد النساء اللواتي جعلن خير نساء العالمين فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«خير نساء العالمين أربع، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة»(2).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم معرفاً للعالم منزلتها في الجنة قائلاً:

«أفضل نساء أهل الجنة، خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(3).

وفي لفظ آخر:

«سيدة نساء أهل الجنة، مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد، وآسية بنت مزاحم، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(4).

فهكذا كانت أم المؤمنين خديجة عليها السلام وهكذا نالت من الخير الوفير، والمنزلة العظيمة والشأن الرفيع، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجلّها كل هذا الإجلال ويكن لها كل هذا الحب.

فكان لها كما كانت له رحيماً، ودوداً، محباً مؤنساً، ومخففاً لألمها وهمومها، فيدخل عليها وهي في مرضها الذي توفيت فيه - يجلس عندها - فيقول:

ص: 70


1- المفهم من تلخيص مسلم للحافظ القرطبي: ج 6، ص 314، ط ابن كثير.
2- صحيح ابن حبان: برقم (2222 / موارد)؛ واحمد في الفضائل برقم: (1325)؛ والترمذي برقم: (3888) من حديث أنس.
3- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 160؛ الهيثمي في المجمع: ج 9، ص 2223؛ واحمد بن حنبل: ج 1، ص 293.
4- المنتخب في أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم للزبير بن بكار: ص 34، ط مؤسسة الرسالة.

«بالكره مني ما أرى منك يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيراً كثيراً، أما علمت ان الله قد زوّجني معك في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون.

قالت:

وقد فعل الله ذلك يا رسول الله ؟!

قال:

نعم.

قالت:

بالرفاء والبنين(1).

وهذا الحوار يكشف لنا عن مدى الارتباط الوثيق بينهما، ويدل على الطاعة المطلقة التي تمتاز بها خديجة والحب الحقيقي.

فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «قد زوجني الله معك في الجنة...» أراد فيه أمرين:

1. تبشيرها بأنها زوجته صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة.

2. ملاطفتها ومزاحها وهي في وضع تحتاج فيه إلى الملاطفة لكي يخفف عليها هموم المرض وهذا فيه من الآثار الكبيرة على نفسية الزوجة وبخاصةٍ في حالات الضعف والمرض.

وأما قولها عليها السلام: «وقد فعل الله ذلك يا رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 71


1- البحار: ج 19، ص 20 نقلاً عن المنتقى في مولد المصطفى: ص 65-77، الباب الخامس.

وسلم»؟!.

فانه كاشف عما يأتي:

1. أدبها البالغ في الحديث واحترامها اللامتناهي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلى الرغم من عدم قبول فكرة وجود ضرة وزوجة أخرى في حياة كل امرأة إلاّ انها عليها السلام استفسرت عن جدية الأمر بمنتهى الأدب فلم تقل له باسمه الصريح إنما قالت: يا رسول الله.

2. أظهرت في هذا القول البليغ معنىً في منتهى الجمال كما يكشف في نفس الوقت عن ثقتها الكبيرة بحب رسول الله لها وانه صلى الله عليه وآله وسلم انما تزوج من مريم وكلثم وآسية تنفيذاً لأمر الله، إذ لم يكن الأمر من قبله صلى الله عليه وآله وسلم فهو بأبي وأمي لم يجد هناك بديلاً عن حبها حتى بعد وفاتها عليها السلام فقد أعرض عن الزواج لمدّة من الزمن.

إذن فزواجه صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة من مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى، وآسية بنت مزاحم إنما كان من الله عز وجل، ولذا قالت عليها السلام:

«وقد فعل الله ذلك يا رسول الله»؟!

قال:

«نعم».

فقالت:

«بالرفاء والبنين».

ص: 72

وهذا يدل على إيمانها الراسخ بالله عز وجل ويكشف عن صلابة يقينها؛ إذ إن قبولها بالأمر وتسليمها به لأنه من الله، ودعاءها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ب «الرفاء والبنين» غاية في الرضا والتسليم بقضاء الله عز وجل مع الحب البالغ لزوجها حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم لم يمد بها المرض كثيراً فقد قيل انها بقيت بعد وفاة أبي طالب ثلاثة أيام(1)، قيل بل أكثر من ذلك(2)، وقد اختلف ايهما كانت وفاته قبل الآخر.

وليس مهماً أيهما كانت وفاته قبل الآخر عليهما السلام، إذ المهم إنهما ماتا في عام واحد بعد خروجهما وبني هاشم من الشعب وانّ الفاصل بينهما أيام معدودة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد عن أربعين يوماً.

ولشدة المصاب الذي نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد سمى هذا العام بعام الحزن(3).

وقد قيل إنّ قريشاً هي التي سمت هذا العام بعام الحزن، والمراد من ذلك تضييع ما نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الألم الشديد لفراقهما، وهذا أولاً.

وثانياً: التقليل من مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ونحن نسأل أولئك الذين نسبوا القول إلى قريش دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 73


1- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 353. مستدرك الحاكم: ج ؟؟، ص ؟؟.
2- البحار للمجلسي: ج 19، ص 21.
3- الرسالة المحمدية للثعالبي: ص 76.

أو كانت قريش بكفارها ومشركيها تسمي العام الذي توفي فيه عدوها والشوكة التي في أعينها بعام الحزن ؟ فعلى أي شيء حزنت، لموت أبي طالب أم على ضياع عشر سنوات من عمرها وهي تحاول مراراً الوصول إلى رسول الله وقتله ؟

وفي نفس الخصوص نجد ان أحد الكتاب يسمي العام الذي توفي فيه أبو طالب وخديجة عليهما السلام ب (عام المنحة) وليس (المحنة)! وان الذي سمى «عام الحزن» هم بعض العلماء(1).

ونحن نسأل أيضاً: من هؤلاء العلماء؟ فان كانوا من علماء السنة فهم لا يؤمنون بأن أبا طالب مات مسلماً فكيف يسمون عام وفاته عام الحزن ؟ وكيف يمكن رفع التعارض بين القولين ؟! كيف انه مات على غير الإسلام، وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حزن عليه حزناً شديداً؟ وإذ كانوا علماء الشيعة: فهم لم يقولوا ذلك، وليس هذا رأيهم لأنهم يعتقدون انه عام حزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاجتماع مصيبتين عليه في هذا العام.

فكان موت أبي طالب بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مصيبة عظمى فلذا هو الذي سماه بعام الحزن.

أضف إلى ذلك ان علماء الشيعة: تؤمن ان أبا طالب ليس فقط انه كان مؤمناً بالله وبرسوله بل انه من خواص سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أحد أولياء الله عز وجل لما بذله في حماية الإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

وسنورد إن شاء الله في الفصل اللاحق منزلة أبي طالب عليه السلام وانه ثالث من أسلم بعد ولده علي عليه السلام وأم المؤمنين خديجة.

ص: 74


1- دموع وأحزان في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لمجدي السيد: ص 51، ط مكتبة القرآن.
المسألة الثانية: اللحظات الأخيرة تقضيها خديجة عليها السلام مع ابنتها فاطمة عليها السلام

وجاء اليوم الذي لا مفر منه فقد حان وقت رحيل هذه الزوجة العظيمة إلى عالم الآخرة لتستقر هانئة مطمئنة في جوار ربها.

بينما هي في هذه الحالة أخذت توصي ابنتها الوحيدة وقرة عينها فاطمة بوصايا عديدة أول هذه الوصايا هو الاهتمام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يبقَ للنبي من يقوم برعايته والاهتمام به، ولاسيما ان أبا طالب قد فارق الحياة مما جعلها تضطرب عليه كثيراً.

وأما الوصية الثانية فكانت على هيأة طلب وحاجة في نفسها كلما أرادت أن تحدث بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان الحياء يقف حائلاً بينها وبين ما تريده من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلذا وجدت عليها السلام ان خير وسيلة لقضاء هذه الحاجة التي عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي ان تأتي إليه من خلال الباب الذي لا يرد أحدٌ وقف خلفه، هذا الباب هو قرة عينه وروحه وقلبه وبضعته فاطمة عليها السلام فأم المؤمنين خديجة تعلم ماذا تعني فاطمة لأبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

فقالت لها: بنية فاطمة إذ اما قضيت نحبي فقولي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يلفني بالدثار الذي غطيته به عندما هبط عليه الوحي(1)، وفي قول إنها طلبت أن يلف بدنها بأحد أثواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 75


1- شجرة طوبى: ج 2، ص 235؛ خديجة بنت خويلد عليها السلام للسيد نبيل الحسني، ج 4.

فلما توفيت قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتنفيذ وصاياها فغسلها وجهزها وقام يسير مع نعشها فلما وصلوا إلى الحجون وحفروا لها القبر قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزل في قبرها(1)، ودفنت بالحجون بعد أن صلى عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقيل لم يصلِ لان الصلاة على الجنائز لم تسن بعد، فيما الأرجح أنه صلى عليها للرواية الواردة عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام(2).

ودخل من الحزن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما ليس له مثيل، حتى خشي عليه ولزم بيته وأقل الخروج(3)، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

فكانت السنة العاشرة من البعثة هي السنة الذي توالت فيها مصيبتان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، المصيبة الأولى وفاة خديجة والمصيبة الثانية وفاة أبي طالب(4) عليه السلام.

وكان اليوم العاشر(5) من رمضان هو يوم العزاء الذي تحيي ذكراه شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهم في ذلك إنما يعزون رسول الله صلى الله عليه

ص: 76


1- صفة الصفوة لابن الجوزي: ج 1، ص 338. الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص 141.
2- البحار للمجلسي: ج 19، ص 18.
3- الرسالة المحمدية للثعالبي: ص 77، ط دار القلم.
4- الذرية الطاهرة للدولابي: ص 63. المنتخب من كتاب أزواج النبي للزبير بن بكار: ص 33. سمط النجوم العوالي: ج 1، ص 367. التبين في القرشيين لابن قدامة: ص 73. المواهب اللدنية: ج 1، ص 296. المصنف لعبد الرزاق: ج 7، ص 492، ح (14003). القوانين الفقهية لابن الكلبي: ص 408، ط دار الكتاب العربي. الإصابة: ج 7، ص 605، ط دار الجيل، وسيلة الإسلام لابن قنفذ: ص 54.
5- الآثار الباقية للبيروني: ص 322.

وآله وسلم وعترته اعترافاً منهم بمعرفة قدر أم المؤمنين خديجة(1) فعن سلمان المحمدي قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده جماعة من أصحابه وأهل بيته، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

من عرف قدر خديجة فقد عرف قدري، ومن أهان قدرها فقد أهان قدري(2).

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

من أراد هوان خديجة فقد أهان الله تعالى(3).

وفي رثائها يقول السيد عبد الله ابن السيد إبراهيم الميرغني:

وقد كتب في مناقب أم المؤمنين عليها السلام كتابه بعنوان «المقاصد الفخرى في بعض مناقب السيدة خديجة الكبرى(4) وقد كتبه في جمادى الثانية سنة 1179 ه في المدينة المنورة بمسكنه.

وقد افتتح كتابه هذا بهذه الأبيات متوسلاً بآل الكساء - عليهم السلام -:

بأحمد والبتول وصنو طه *** وبالحسنين أصحاب الكساء

توسل مستغيثٌاً مستجيراً *** وبالأحباب ثم أولي العباء

أما قصيدته فكانت في آخر الكتاب وسبقها بقوله:

ص: 77


1- الرسالة المحمدية للثعالبي: ص 77.
2- كتاب فضائل العشرة لابن العباس الكنكشي «مخطوط» يرقد في مكتبة الأسد بدمشق برقم (12990).
3- المصدر السابق.
4- «مخطوط» يرقد في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق الشام ويحمل الرقم: (4134) وتوجد نسخة أخرى لهذه المخطوطة التي في دمشق هي بخط المؤلف رحمه الله، في سنة 1179 ه.

وهذا آخر الكلام على المقاصد الفخرى في بعض مناقب السيدة خديجة الكبرى نفعنا الله بها في الدنيا والآخرة وقد ألحقتها أبياتاً متوسلاً بجيرانها عليها ومستغيثاً بها إليها وهي:

أيا عبر الحجون وخير وادٍ *** تقدس سرمداً أبد الدهور

حويتم للمكارم والمعالي *** وفزتم بالجنان وبالقصور

وحزتم محشد الشرف المعلى *** وفقتم بالاصايل والبكور

رقيتم خير مرقى بالمعلى *** إلى كبرى النساء وخير حور

فطوبى ثم طوبى ثم طوبى *** لكم يا أهل هاتيك الخدور

ولم لا والخديجة زوج طه *** حبيبته على مرّ العصور

هي السلطانة العظمى لديكم *** وهي مجد وهي بحر البحور

وهي السند العظيم لخير آل *** ومرجع آل مكة في الأمور

فيا عرب الحجون بكم إليها *** فانى بالتطاول في القصور

وإني في بحار من ذنوب *** بلاعد ولا حصر حصور

وها أنا في حماكم مستجير *** أراقب نجدة من ذي القبور

ومن كبرى الأنام وخير ملجا *** ومن هي في العلى صدر الصدور

ومن قد غارت الغرّاء منها *** وزادت في التغاير والغيور

ومن قد بشرت حقاً وصدقاً *** ببيت من لآل في القصور

ومن هي آمنت قبل البرايا *** وثبتت الرسول على الظهور

ومن هي أثمرت أقطاب كون *** وانجاجا وأبدالا بنور

واشرافاً وسادات كراماً *** غياثاً للأنام مدى الدهور

عليها من إلهي خير فيض *** يدوم مع الشمول بلا فتور

مع الآل الكرام وخير صحب *** عقيب خليلهم حب الشكور

ص: 78

المبحث الرابع: فاطمة عليها السلام تدافع عن النبوة

اشارة

بعد رحيل أم المؤمنين خديجة عليها السلام إلى الآخرة ولحوق أبي طالب عليه السلام بها بعد ثلاثة أيام، فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصبح وحيداً غريباً لا ناصر له ولا معين سوى الله عز وجل فقد هُد ركناه اللذان كان يستند إليهما في تبليغ رسالة ربه عز وجل.

وفي هذه الظروف الجديدة، واشتداد الأمر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وازدياد الخطر الذي يحيط به من كل جانب فإن البضعة النبوية فاطمة عليها السلام لم تجلس مكتوفة اليدين وهي ترى أعداء الله يسومون المسلمين أشد أنواع العذاب، وتسمع وترى آلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ينزل بهم.

وكانت فاطمة عليها السلام وهي في هذه العمر البالغ خمس سنوات تعيش حالة الشعور بالمسؤولية المترتبة عليها بعد رحيل أمها وعم أبيها، أبي طالب إزاء أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، هذا الشعور جعلها تبحث عن طريقة ما تمكنها من الدفاع عن النبوة وتحمي أباها بعد غياب أبي طالب عليه السلام.

ص: 79

والذي يبدو لي من خلال سياق الأحداث التي ذكرها التاريخ انها عليها السلام كانت تتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج تراقبه وهي عازمة على فدائه بنفسها فيما لو حاول أحد المشركين التعرض له.

وهي مع ذاك كانت تخرج إلى بيت الله الحرام تطوف بالبيت وتدعو الله أن يحفظ لها أباها صلى الله عليه وآله وسلم.

فهذه هي حقيقة حال فاطمة عليها السلام بعد رحيل أمها وأبي طالب عليهما السلام. ومما يدل على هذه الحقيقة هو ما يأتي:

المسألة الأولى: فاطمة عليها السلام تدفع القتل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

أخرج البيهقي من طريق سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس، عن فاطمة - عليها السلام - قالت:

«اجتمع مشركو قريش في الحجر فقالوا إذا مرّ محمد عليهم ضربه كل واحد منا ضربةً فسمعتهم، فدخلت على أبيها فذكرت ذلك له.

فقال: يا بنية اسكني، ثم خرج فدخل عليهم المسجد فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا فأخذ قبضة من ترابٍ فرمى بها نحوهم. ثم قال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلاً منهم إلا قتل يوم بدر كافراً»(1).

وفي رواية أخرى: أنها عليها السلام أقبلت تبكي، حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت:

ص: 80


1- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 277، ط دار الكتب العلمية.

«هذا الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك فما منهم رجل إلا وقد عرف نصيبه من دمك».

قال:

«يا بنيّة أريني وضوءا».

فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد؛ فلما رأوه قالوا ها هوذا وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم وعقروا في مجالسهم فلم يرفعوا إليه بصرا ولم يقم إليه منهم رجل فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قام على رؤوسهم فأخذ قبضة من التراب، فقال:

«شاهت الوجوه ثم حصبهم بها فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرا»(1).

وهذه الحادثة تشير إلى النقاط التالية:

1. شدة تعلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفاطمة عليها السلام فهو - بأبي وأمي - لم يستطع أن يرى هذا الفزع والخوف الذي أدخله مشركو قريش على قلب البضعة النبوية عندما سمعتهم يريدون قتل أبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

2. قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا بنيّة اسكني» يريد أن يَهَدِّئُ من روعها ويسكن فؤادها الذي اضطرب لما سمعته من قريش، أي أراد حلول السكينة عليها.

ص: 81


1- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 8، ص 417، حديث (13872)؛ وجاء فيه قوله: (رواه أحمد باسنادين من رجال أحدهما رجال الصحيح؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 303؛ المستدرك للحاكم: ج 1، ص 163؛ صحيح ابن حبان: ج 14، ص 430.

3. خروجه صلى الله عليه وآله وسلم إليهم ودعاؤه عليهم كان لما تسببوه من أذى لفاطمة عليها السلام وليس لكونهم تآمروا على قتله لأن هذا ديدنهم منذ أن بعث نبيا صلى الله عليه وآله وسلم فكم من مرة ومرة أراد مشركو مكة القضاء عليه، وكم من مرة ومرة يسمعهم يتآمرون عليه، لكن كان يقابلهم بالصفح بل إنه يدعو لهم بالهداية كما اشتهر عنه بأبي وأمي وهو يقول:

«اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»(1).

وفي لفظ آخر:

«أللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون»(2).

لكن عندما وصل الأمر إلى إيذاء فاطمة، وإدخال الفزع على قلبها فهذا ما لم يحتمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخرج ودعا عليهم.

4. أصل الخروج فيه غايتان، الأولى: لتسكين روع فاطمة عليها السلام من خلال هذا الخروج المسبوق بالوضوء.

والغاية الثانية: لكي لا يتجرأ هؤلاء الأوباش مرة أخرى من أن يسمعوا فاطمة كلاماً يؤذيها؟

ولا أدري ما هو حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يراها مكسورة الضلع محمرة العين من الضرب، منهوبة الإرث ؟!

فإنا لله وإنا إليه راجعون

ص: 82


1- صحيح البخاري: ج 4، ص 152.
2- المناقب لابن شهر: ج 1، ص 166.
المسألة الثانية: فاطمة عليها السلام تميط الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

بعد هذه الحادثة يزداد يقين فاطمة عليها السلام بخطورة الوضع الذي يعيشه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن هؤلاء الأوباش عازمون على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتراها بين الدعاء إلى الله جل جلاله بنجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين متابعته بنفسها.

ويتجدد الأمر مرة أخرى ويقومون بإنزال الأذى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،؟ لكن هذه المرة كان الألم فيها كبيرا على فاطمة عليها السلام كما كان الأذى كبيرا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟

فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي عند الكعبة وجمع من قريش في مجالسهم فيهم أبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم - وهو عقبة بن أبي معيط - فجاء فنظر حتى إذا سجد النبي وضعه على ظهره بين كتفيه - فلم يرفع النبي رأسه -(1) وثبت ساجداً.

فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك فانطلق منطلق إلى فاطمة عليها السلام - وهي جويرية - فأقبلت تسعى، وثبت النبي ساجدا حتى ألقته عنه وأقبلت عليهم (تسبهم)؟(2).

ص: 83


1- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2 ص 278.
2- صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب المرأة تطرح عن المصلي شيئا من الأذى برقم (520)، ج 1، ص 131 و 132، صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي من أذى المشركين، ح 1794.

فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة قال:

«اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش».

فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال:

«اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد»(1).

قال عبد الله:

فو الله لقد رأيتهم صرعوا يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«واتبع أصحاب القليب لعنة»(2).

وكانوا قد ألقوا جميعا في بئر غير أمية بن خلف كان رجلا بادنا فتقطع قبل أن يبلغ به البئر(3).

مسائل البحث في الحادثة

وقبل الدخول في نقاط البحث فإن هذه الحادثة لهي أشدّ ما نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشدتها لا تكمن فيما ألقي عليه من السلاة، بل لأن ذلك روّع فاطمة وآذاها أشد الأذى وهي تنظر إليه وقد صنع به القوم ذلك وهم يضحكون بشكل مفرط حتى مال بعضهم على بعض كما وصفتهم الرواية.

ص: 84


1- صحيح مسلم، باب: ما لقي النبي من أذى المشركين، ج 5، ص 180.
2- صحيح البخاري: كتاب الصلاة باب المرأة تطرح عن المصلي.
3- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2 ص 278، سيرة ابن كثير: ج 1 ص 468.

وهذا المنظر أشدّ ألماً في النفس فيما لو قيس بالألم الجسدي فطالما كانوا يتبعونه صلى الله عليه وآله وسلم ويرمونه بالحجارة، ولطالما كانت فاطمة ترى الحجارة تنهال منهم على أبيها حتى عند دخوله البيت، فمازال الموضع الذي كانت تسقط فيه حجارة المشركين وهم يرمون بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معروفا باسم «المختبئ»(1) وهو ملاصق لقبة الوحي وقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يختبئ من الحجارة التي يرميه بها المشركون.

وهذا اللفظ الأخير من الرواية لا يتناسب مع سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ إنه لم يكن يهرب من حجارة قريش ولم يظهر آلاما وهي تتساقط عليه وما شكا أو دعا عليهم وهم يصنعون به ذلك.

فكيف يمكن أن يختبِئ من حجارتهم كما يصفه الحافظ أبو الطيب الفاسي المكي(2) وهو نبيٌ يلاحظ فيه آثار النبوة من القدرة البالغة على تحمل الأذى والصبر الكبير عليها مع إظهار التسامح لهم وهو القائل صلى الله عليه وآله وسلم:

«اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»(3).

وقريش كانت تعي بعمق أن هذه مظاهر النبوة كما قالوا لعلي بن أبي طالب

ص: 85


1- شفاء الغرام للفاسي: ج 1، ص 272، ط دار الكتب العلمية.
2- وهو محمد بن أحمد بن علي الملقب بتقي الدين والذي يعود نسبه إلى إدريس بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط المجتبى عليه السلام، وكان يكنى بأبي الطيب، وقد ولد بمكة المكرمة ونشأ بها، وتتلمذ على علمائها وأهل الفضل فيها وسمع كثيرا من الكتب وروى كثيرا من الأحاديث، وكان قاضي قضاة المالكية بمكة ولد سنة 775 ه وتوفي 832 ه بمكة المكرمة، (مقدمة شفاء إلزام له).
3- المعجم الكبير للطبراني: ج 6 حديث رقم: (5694).

عليه السلام عندما نام في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذوا يرمونه بالحجارة في الليل إلى الصباح لعله يقوم فيخرج لينهالوا عليه بسيوفهم فلما يئسوا منه عزموا على دخول البيت وعندما كشفوا عنه الملاءة، قالوا:

إنك لتتضور وكان صاحبك لا يتضور، ولقد استنكرناه منك(1).

أي لا يظهر لهم ألمه لما ينزل له صلى الله عليه وآله وسلم.

وعليه فإن الذي يختبئ هو: (الحجارة) وليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الأمر هو الأرجح للأسباب التالية:

1. إن اختباء الحجارة بعد أن تصل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه دلالة وآية على نبوته صلى الله عليه وآله وسلم.

2. إن ذلك يترك أثرا في نفس من تطاوعه نفسه أن يحمل حجرا فيرمي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينظر إلى ذلك الحجر وقد اختفى وعندها إما أن يدخل عليه الخوف فلا يعاود الكرة، وأما أن يكون ذلك أحد العلائم والظواهر التي تجعله يتأمل في هذا الأمر ليصل في النهاية إلى الإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

3. وفي الغالب أن الحامل لهذه الحجارة أقصى ما يمكن حمله في يديه حجران فإذا رمى بها واختفت ترك الأمر وذهب فإما أن يذهب ليبحث عن حجارة، وإما

ص: 86


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3، ص 4؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 120؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 177؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 331؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 12، ص 78؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 19، ص 78، برقم 31 و ج 38، ص 242.

أن يكتفي بما في يديه، وفي النتيجة أن الله تعالى يدفع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأذى ويرشد من كان في قلبه خيرٌ فيشرح قلبه للإسلام.

ومن هنا:

فإن أشد ما نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو هذه الحادثة التي وضع فيها عقبة بن أبي معيط السلاة على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكما قلنا فإن السبب في ألم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو ترويعهم فاطمة عليها السلام لما رأت ما صنعوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بأبي وأمي يسمعها تدعو عليهم(1) فكان دعاؤه لدعاء فاطمة عليها السلام وما كان دعاؤها إلا لشدة الألم الذي نزل بها وهي ترى السلاة على ظهر أبيها وهو ساجد لله عز وجل.

ص: 87


1- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2 ص 278، الجوهرة في نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

المبحث الخامس: حقيقة موقف أبي بكر من الحادثة

اشارة

قلنا قبل قليل أن أشد ما نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو حادثة رمي السلاة على كتفيه، لكن البعض أراد تغيير الحقائق، لأجل تسجيل موقف لأحد الشخصيات الإسلامية هذا من جانب، ومن جانب آخر للتعتيم على دور فاطمة عليها السلام في حماية أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، ودفاعها عن النبوة.

فقد أخرج البخاري حديثا: عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو ابن العاص، قال: قلت: «حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أقبل عقبة بن أبي معيط ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي عند الكعبة فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم»(1).

ص: 88


1- صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب: قول النبي لو كنت متخذا خليلا، وفي كتاب مناقب الأنصار، باب: ما لقي النبي وأصحابه من المشركين بمكة، حديث (3856)، وفي كتاب التفسير، تفسير سورة المؤمن حديث (4815) والبيهقي في الدلائل: ج 2، ص 274، ط دار الكتب العلمية.
المسألة الأولى: دراسة الحديث سندا ومتنا

1. أما بالنسبة لسند الحديث فهو عند البخاري وغيره صحيح لانطباق الشروط التي وضعها البخاري في صحة الأحاديث التي أخرجها في كتابه الذي أسماه ب (الصحيح).

ونحن لا نأخذ بهذه الشروط والقيود التي وضعها البخاري والسبب في ذلك أننا نخضع للشروط والقيود التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فليس من المنطق والعقل ترك كلام خير خلق الله ونحن ندين بدينه ونسير بهديه ونتمسك بكلام البخاري ونقدمه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وعلى هذا الأساس نأتي لدراسة السند وننظر في صورة هؤلاء الرواة الذين أخرج لهم البخاري في (صحيحه) وفق الشروط التي وضعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي القرآن والعترة.

فالراوي الذي روى هذه الحادثة التي عدّها هو (أشد ما نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أيدي المشركين) هو: عبد الله بن عمرو بن العاص.

وهذا الرجل قد سجل له التأريخ موقفا يكشف عن حقيقة إيمانه وصدقه، هذا الموقف هو اشتراكه في معركة صفين مع أبيه يقاتلان جنباً إلى جنب لنصرة معاوية بن أبي سفيان الذي جهز الجيوش وخرج لقتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ولم يترك معاوية حتى دخل معه الكوفة(1).

وبهذا الموقف يكون قد حارب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقوله:

ص: 89


1- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: ج 3 ص 206 ترجمة رقم (4055) ط دار المعرفة بيروت.

«من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله»(1).

وهو بهذا الفعل يكون منافقا لبغضه علي بن أبي طالب عليه السلام لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»(2).

ولا يجتمع عند عاقل الحب والبغض في آن واحد فإما حب وإما بغض، وعليه فلا حجة لمنافق على مؤمن، ولا يجوز الأخذ بحديثه.

2. أما من حيث المتن فإنه يتعارض مع النبوة ودلائلها وخواصها وصفاتها.

والسبب في ذلك:

أنه يصور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحالة من الضعف بحيث لا يقدر على دفع هذا المشرك (عقبة بن أبي معيط) عن نفسه، وظل مسلما عنقه لهذا الكافر المشرك حتى انتظر من يأتي لنجدته فجاء أبو بكر فدفعه عنه! ونحن نسأل:

هل من الإنصاف قبل الإيمان وما يلزم به المؤمن بنبذ مثل هذه السخافات أن يصوّر خاتم الأنبياء بهذا القدر من الضعف وبهذه الصورة التي تجعله أشبه ما يكون بالعاجز عن دفع القتل عن نفسه وهو الذي أعطاه الله قوة أربعين

ص: 90


1- تحف العقول لابن شعبة الحراني: ص 459؛ أمالي الطوسي: ص 134؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 13؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 5، ص 69؛ و ج 31، ص 654.
2- مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ج 1، ص 19؛ عوالي اللآلي لابن أبي جهور الاحسائي: ج 2، 102؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 3، ص 184؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 4، ص 83؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 11، ص 622؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42، ص 278؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 87.

رجلا(1)، وهو الليث الذي لا يقف بوجهه شيء، وهو موضع غيث الناس وملاذهم، وهو الذي يلوذ به المسلمون إذا اشتبكت الأسنة، كما يصفه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قائلا:

كنا إذا اشتد بنا الوطيس لذنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(2).

وهو مع هذا كله كان جبرائيل عليه السلام محاميا له دافعاً عنه ما يتآمر عليه المشركون، ولقد ذكرت مصادر السيرة والتاريخ أن أبا جهل عندما عزم على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحمل حجرا وأراد ضرب النبي كان جبرائيل عليه السلام له بالمرصاد فتمثل له بهيأة جمل عظيم الخلقة، فلم يستطع أن يتقدم ويرمي الحجر من يده(3).

وفي مرة أخرى قال: لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقيل ما يمنعك ؟ قال: قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب.

قال ابن عباس: والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه(4).

فلماذا يا ترى يترك من هو أشقى القوم يخنق النبي صلى الله عليه وآله وسلم خنقا شديدا كما يصفه الراوي دون أن يمنعه جبرائيل، ويخلي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأن الأمر محصور فقط بأبي جهل يترصد له جبرائيل عليه السلام ؟!

ص: 91


1- المبسوط للسرخسي: ج 1، ص 73.
2- الوهابية والتوحيد للشيخ الكوراني: ج 2، ص 252.
3- السيرة النبوية لابن كثير: ج 1 ص 465.
4- السيرة النبوية لابن كثير: ج 1 ص 467.
المسألة الثانية: الحادثة تروى من نفس الراوي بشكلين مختلفين تماما؟!

ولعل السبب في ذلك هو أن عبد الله بن عمرو بن العاص قد حكى الحادثة الأولى في زمن ما ثم مضى على كلامه مدّة طويلة من الزمن فعاد يحدث بالحادثة مرة ثانية فلا يعلم هو نفسه أي الصورتين هي الأصدق! فالتبس عليه الأمر فحكاها بشكلين مختلفين!.

وأما الصورة الثانية لهذه الحادثة التي يرويها عبد الله بن عمرو بن العاص فكانت بهذا الشكل:

عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: «ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما كانت تظهره من عدوانه ؟ فقال: لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقالوا: ما رأينا مثل ما صرنا عليه من هذا الرجل قط: سفه أحلامنا وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا وسب آلهتنا، وصبرنا منه على أمرٍ عظيم أو كما قالوا فبينما هم في ذلك طلع رسول الله فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مرّ بهم طائفاً بالبيت غمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمضى فلما مرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفتها في وجهه، فمضى ثم مر الثالثة فغمزوه بمثلها فوقف ثم قال:

«أتسمعون يا معشر قريش: اما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح»؟!.

فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجلٍ إلا وكأنما على رأسه طائر

ص: 92

واقع، حتى ان أشدهم فيه وصاة(1)، قبل ذلك ليرفؤه(2) أحسن ما يجد من القول حتى انه ليقول: انصرف يا أبا القاسم راشداً فما أنت بجهولٍ .

فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال: بعضهم لبعض. ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينا هم على ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون أنت الذي تقول كذا وكذا لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

نعم أنا الذي أقول ذلك.

فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجامع ردائه وقام أبو بكر الصديق يبكي دونه ويقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله، ثم انصرفوا عنه وإن ذلك لأكثر ما رأيت قريشاً بلغت منه قط(3).

وفي هذا الحديث:

انه صلى الله عليه وآله وسلم أوعدهم بالذبح وهو القتل في مثل تلك الحال ثم صدق الله تعالى قوله بعد ذلك بزمان فقطع دابرهم، وكفى المسلمين شرهم(4).

وفي رواية أخرى: (أن أبا بكر ألزمه من ورائه ثم قال: أتقتلون رجلاً أن يقول

ص: 93


1- الوصاة، الوصية، يعني الذين كانوا يحرصون عليه ويوصون بإيذائه.
2- يرفؤه: يهدئه ويسكنه.
3- السيرة النبوية لابن اسحاق: 4، ص 214.
4- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 275-276.

ربي الله وقد جاءكم بالبيات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وان يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم ان الله لا يهدي من هو مسرف كذاب»، الآية ؟!(1).

المسألة الثالثة: دراسة الرواية وتحليلها
أولاً

قوله: (لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر).

هذا اللفظ يراد به الاطراء على هذه المجموعة التي اجتمعت لإنزال الأذى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل فيها ميل للجاهلية وأمجادها.

ثم من أين لأبي جهل وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف، وعتبة بن شيبة، والوليد بن عتبة وأشباههم، بالشرف وهم أوباش قريش وفجارها، وهم أهل الخمر والزنا ومعقل الرذائل ؟! لكن السبب الذي جعل عبدالله بن عمرو بن العاص يصفهم ب «الشرف» لأنه كان معهم كما صرح به في الرواية، فلا يروق له ان يصفهم بغير هذه الصفة وهو أحد أفراد هذه المجموعة.

ثانياً

قوله: (غمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ثم أعادوا الغمز بالقول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتين فأجابهم صلى الله عليه وآله وسلم -:

«أتسمعون يا معشر قريش: أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح»(2)؟!.

ص: 94


1- دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 277، وأبو يعلى الموصلي والطبراني عن عروة.
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 2، ص 218؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 6، ص 16؛ فتح الباري لابن حجر:

فقبل الولوج في بحث هذا القول الذي أخرجه أحمد وغيره فإنا نقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، من عظيم قولٍ يُتهم به خير خلق الله وصاحب خير شريعة أخرجت للناس.

فأحمد بن حنبل ينقل وعبدالله بن عمرو بن العاص يروي قائلاً: (- ان النبي يقول لمعشر قريش -: لقد جئتكم بالذبح»؟!.

والقرآن يقول لهما ولغيرهما:

(لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ )(1) .

والعجب كل العجب أن يقول لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«أتسمعون يا معشر قريش: أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح»؟!

وأبو بكر يقول لهم:

(أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اَللّٰهُ وَ قَدْ جٰاءَكُمْ بِالْبَيِّنٰاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ) ؟!(2).

أينطق أبو بكر بالقرآن فيبين للناس ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والنبي يقول خلاف قول القرآن، فيقول: جئتكم بالذبح! فأرسل الله نبيه بالذبح والسلخ أم أرسله رحمة للعالمين ؟!(3).

ص: 95


1- سورة التوبة، الآية: 128.
2- سورة غافر، الآية: 28.
3- وهو قوله تعالى: (وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ )، سورة الأنبياء، الآية: 107.

أجاء النبي بالقرآن والهدى والنور أم جاء بالذبح ؟! وهو يقسم على ذلك ويعيده عليهم باليوم التالي ؟!. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثالثاً

قوله: «فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم».

هذا القول الذي يعترف فيه عبد الله بن عمرو بن العاص (أنه كان معهم).

شاهدٌ على جرمه واشتراكه معهم في إنزال الأذى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى قوله -: (وإن ذلك لأكثر ما رأيت قريشاً بلغت منه قط». فكان هذا الفعل منه ومن العصابة التي كان معهم أبلغ ما أصابت به قريش النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا اعترافه هو سيد الأدلة على جرمه.

ولعل قائلاً يقول: إن الإسلام يجبُّ ما قبله.

قلنا: وإن يك هذا الأمر صحيحاً - أي - ان الإسلام يجبُّ ما قبله لكن أوردنا اعترافه الذي ينص على أنه معهم ليس لمعاقبته إنما أوردناه لكي نقول: إنه كاذب لم يكن معهم ولم يشهد هذه الحادثة لأنها لم تقع أصلاً إنما هي مما نسجه خيال أبيه عمرو ابن العاص المنافق المشهور بحربه لله ورسوله(1) لأجل تسجيل موقف لأبي بكر بأنه كان يدافع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأجل كسب رضا معاوية

ص: 96


1- لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حارب علياً فقد حاربني» وقال الله تعالى: (إِنَّمٰا جَزٰاءُ اَلَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاٰفٍ )، سورة المائدة، الآية: 33.

بن أبي سفيان الذي مال معه يدبر له أمر حربه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(1) عليه السلام. ولا حباً بأبي بكر فهؤلاء حبهم وولاؤهم للدينار والدرهم.

والدليل على أنه كاذب ولم يكن قد رأى هذه الحادثة هو ما يلي:

1 - ذكر البخاري في ترجمة (عبد الله بن عمرو بن العاص): انه مات وهو ابن اثنين وسبعين عاماً(2)، وذكر ابن حجر العسقلاني انه مات في سنة (سبع وسبعين)(3) للهجرة النبوية، وعليه: تكون ولادة (عبد الله بن عمرو بن العاص) سنة (خمس) من الهجرة النبوية ؟!

فمتى شهد حادثة اجتماع «أشراف»؟ قريش عند الحجر وهو يقول: «وأنا معهم» وهو ولد سنة خمس هجرية.

وإذا ذهبنا إلى قول البخاري في سنة وفاته وهي «تسع وستون»(4) للهجرة فان ولادته تكون سنة عشر من البعثة وبهذا يكون شهوده لهذه الحادثة من ضروب الخيال.

فقوله: (وأنا معهم) وقوله: (فغمزوه فعرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) يفيد بأنه كبير السن يميز بحيث عرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 97


1- الإصابة: ج 4، ص 653.
2- التاريخ الكبير للبخاري: ج 5، ص 5، ترجمة رقم: 6، ط دار الكتب العلمية. الإصابة لابن حجر: ج 4، ص 4.
3- تهذيب التهذيب: ج 3، ص 206، ترجمة برقم: «4055».
4- التاريخ الكبير للبخاري: ج 5، ص 5. الإصابة لابن حجر: ج 4، ص 194.

فكيف لطفل عمره سنتان يشترك مع أشراف قريش فيتآمرون على انزال القتل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يلاحظ آثار التغيير في وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.؟! ألم يخشَ (أشراف قريش) من وجود طفل معهم يسمع تآمرهم على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بان يذهب فيشي بهم.

فأي أشرافٍ هؤلاء الذين يجلسون طفلاً معهم وهم يدبرون أمراً عظيماً؟!

المسألة الرابعة: رمي السلاة

قول عبدالله بن مسعود: (فانطلق إنسان فأخبر فاطمة - عليها السلام - فجاءت وهي جويرية فطرحت عنه ثم أقبلت عليهم تسبّهم فلما قضى النبي صلاته رفع صوته...).

هذا القول فيه من البحث ما يأتي:

1. قوله: «فانطلق إنسان فأخبر فاطمة - عليها السلام -» لا يصح لأنه لم يصرح بهوية هذا الإنسان وقد توقف عنده ابن حجر فقال: لعلّه عبدالله بن مسعود»(1).

وهذا لا يمكن لأنه لو كان هو الذي ذهب يخبر فاطمة عليها السلام لقال: فذهبت وأخبرت فاطمة عليها السلام، لكن قوله كان واضحاً وصريحاً بأنه لم يذهب، إنما الذي ذهب إلى فاطمة شخص آخر، ثم أن يكون هناك شخص قد ذهب إلى فاطمة ليخبرها لا يصح أصلاً.

لأنه لا يعقل أن يظل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساجداً والسلاة على

ص: 98


1- فتح الباري: ج 1، ص 781، باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئاً من الأذى، حديث: 520.

كتفيه والقوم يتمايلون من الضحك هذه المدة الطويلة من الزمن من ذهاب هذا الإنسان إلى بيت خديجة عليها السلام واخباره فاطمة ومجيئها والنبي على هذه الحالة.

ثم من يكون هذا الإنسان الذي أخذته الحمية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فان كان مسلماً لعرفه ابن مسعود وان كان كافراً فهذا محال منه لأنه لا يقوم بمثل هذا الفعل كافر والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عدوه.

وعليه: فان الصحيح في الحادثة هو: ان فاطمة عليها السلام كانت تتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج من البيت تراقبه وتنظر إليه وهو يطوف بالبيت الحرام وهو يصلي فلما وقعت الحادثة جاءت إليه مسرعة ورفعت عنه السلاة التي وضعها أشقى القوم عقبة بن أبي معيط. فهذا أمر يتقبله العقل ويتناسب مع خوفها عليها السلام على أبيها، لاسيما قد سمعتهم في مرة سابقة انهم يريدون قتله صلى الله عليه وآله وسلم.

2. قوله: (ثم أقبلت عليهم تسبهم) لا يصح ومرفوض أصلاً؛ لأنه يخالف القرآن الذي أخبر بطهارتها من الرجس، وهو ما يتنافى أيضاً مع خلق فاطمة التي تخلقت بأخلاق أبيها وتأدبت بأدبه فضلاً عن ان المؤمن ليس بسباب.

والصحيح في الحادثة: «فجاءته فاطمة فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك» وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه والبيهقي في الدلائل وغيرهما(1).

ص: 99


1- صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث 108. دلائل النبوة للبيهقي: ج 2، ص 278، ط الكتب العلمية. الجوهرة في نسب النبي: ج 1، ص 41.
المسألة الخامسة: عقبة بن أبي معيط تحت المجهر
اشارة

وهو: عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، واسم أبي معيط: «أبان» واسم أبي عمرو بن أمية: «ذكوان».

وعليه يكون اسمه: عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس.

وكان أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام بعد ان نافره هاشم جد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والمنافرة: المحاكمة في الحسب، ويقال: نافره فنفرّه ينفر بالضم غلبه فالمنفور المغلوب والنافر الغالب.

وسبب المنافرة هو انّ هاشماً جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج من ماله كل سنة للرفادة مالاً عظيماً، وكان أيسر قريش، وكانت قد انتقلت إليه الرفادة والسيادة في بيت الله، وكان يقف في أيام الحج فيقول: يا معشر قريش، إنكم جيران الله وأهل بيته، وانه يأتيكم في موسكم هذا زوار الله تبارك ذكره يعظمون حرمة بيته وهم أضيافه وأحق الناس بالكرامة فأكرموا أضيافه زوار كعبته... الخ كلامه رحمه الله.

وكان أمية بن عبد شمس ذا مالٍ ، فتكلف ان يفعل كما فعل هاشم في إطعام قريش فعجز عن ذلك، فشمت به ناس من قريش وعابوه لتقصيره، فغضب ونافر هاشماً على خمسين ناقة سود الحدق تُنْحر بمكة وعلى جلاء عشر سنين، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي وهو جد عمرو بن الحمق الخزاعي - الصحابي الجليل وأحد رجال شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام الذي قتله جند معاوية وحملوا رأسه إلى الشام وهو أول رأس يحمل في الإسلام -(1).

ص: 100


1- مدينة النجف لمحمد علي جعفر التميمي: ص 124، برقم 5.

وكنان منزل الكاهن الخزاعي في عُسفان(1) وكان مع أمية أبو همهمة بن عبد العزى الفهري وكانت ابنته عند أمية.

فقال الكاهن:

(والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر من منجدٍ وغائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر أول منها وآخر، وأبو همهمة بذاك خابر).

فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر وخرج أمية إلى الشام فأقام عشر سنين(2)، فوقع على أمة للخم يهودية من أهل صفورية، يقال لها: «ترنا» وكان لها زوج من أهل صفورية يهودي فولدت له (ذكوان) فادعاه أمية - أي ان ذكوان هذا يكون ابن زنا من هذه اليهودية وهو جد «عقبة» ووالد «أبي معيط» - فاستلحقه أمية وكناه: «أبا عمرو» ثم قدم به مكة(3).

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعقبة يوم أمر بقتله عند الفراغ من بدر الكبرى، إذ قال عقبة: يا محمد، أتقتلني من بين أسارى قريش، صبراً، فأجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«حسن قدح ليس منها، إنما أنت يهودي من أهل صفورية»(4).

ص: 101


1- عسفان: بضم أوله وسكون ثانية: منهل من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة قرية جامعة بها شجر ونخيل على ستة وثلاثين ميلاً عن مكة وهي حد تهامة - معجم البلدان لياقوت الحموي -.
2- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1، ص 69-70، ط دار اليقظة العربية.
3- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1، ص 69-70، ط دار اليقظة العربية.
4- «حسن قدح ليس منها» مثل يضرب لمنتحل نسباً أو فضلاً، معجم الأمثال.

فقال عقبة: «يا محمد من للصبية ؟».

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«النار»(1).

والصبية هم:

«الوليد، وعمارة، وخالد، وهم أخوة عثمان بن عفان لأمِّه»(2). وهي أروى بنت كريز(3). كانت زوجة لعقبة بن أبي معيط «شيطان قريش وفاسقها»(4)، وقد أسلموا ثلاثتهم عام الفتح(5).

وباعتبار نظرية عدالة الصحابة التي أطلقها علماء الجماعة فان هؤلاء «الصحابة»! الذين سأل عنهم أبوهم قائلاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا محمد من للصبية»؟ فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم: «النار».

فهم عند علماء السنة والجماعة «عدول» ويجب الأخذ بأحاديثهم دون النظر إلى سيرتهم لأنهم صحابة، والصحابي هو: كل من شاهد أو سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(6)، ومن كان بهذه الصفة فهو «صحابي» ومن كان كذلك فهو «عادل»!

والآن فلنأتِ إلى أحد هؤلاء «العدول» فنرَ عدالته.

ص: 102


1- الإصابة لابن حجر: ج 6، ص 481، ط دار الكتب العلمية.
2- النسب لابن سلام: ص 201. الجوهرة في نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم للبري: ج 1، ص 42.
3- الاستيعاب لابن عبدالبر: ج 4، ص 1552.
4- الإكمال لابن ماكولا: ج 7، ص 207.
5- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1552، ترجمة «2721». أسد الغابة: ج 5، ص 420.
6- تاريخ أبي الغداء: ج 1، ص 61، ط دار الكتب اللبنانية.
الوليد بن عقبة بن أبي معيط

كان يكنى «أبو وهب» ولا خلاف بين أهل العلم بتفسير القرآن أن قوله عز وجل:

(إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ...)(1) .

نزلت في الوليد بن عقبة، وسبب نزولها: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثه مُصْدقاً إلى بني المصطلق، فأخبر عنهم أنهم ارتدوا، وأبوا من أداء الصدقة، وذلك أنهم خرجوا إليه فهابهم، ولم يعرف ما عندهم، فانصرف عنهم، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم منعوه الصدقة.

فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد، وأمره أن يثبت فيهم. فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام ونزلت:

(يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ...) .(2)

ووقع بينه وبين - الإمام أمير المؤمنين - علي بن أبي طالب عليه السلام كلام فقال الوليد: «لأنا أردّ للكتيبة، واضرب لهامة البطل المشيح منك».

فانزل الله تعالى:

(أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ )(3) .

ص: 103


1- سورة الحجرات، الآية: 6. الإصابة: ج 6، ص 481. الاستيعاب: ج 4، ص 1553. أسد الغابة: ج 5، ص 420. تهذيب التهذيب: ج 11، ص 126.
2- الاستيعاب: ج 4، ص 1553. الإصابة: ج 6، ص 481. تهذيب التهذيب: ج 11، ص 126، ط دار الكتب العلمية.
3- سورة السجدة، الآية: 18. الجوهرة في نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ج 1، ص 44. الاستيعاب: ج 4، ص 1554.

وعندما تولى الخلافة عثمان بن عفان ولصلة القرابة بينه وبين الوليد بن عقبة بن معيط فهو أخوه من أمه أروى بنت كريز(1) فقد ولاه عثمان الكوفة، وعزل عنها سعد ابن أبي وقاص فلما قدم الوليد على سعد، قال له سعد: «ما أدري أكِسْتَ بعدنا أم حُمقنا بعدك».

- والمراد من قوله: هو: أعقلت وصرت عاقلاً بعدنا أم نحن أصبحنا حمقى بعدك فأجابه قائلاً: «لا تجزعنّ أبا إسحاق، فإنما هو الملك يتغدّاه قوم ويتعشاه آخرون».

فقال سعد: «أراكم والله ستجعلونها مُلكاً»(2)؟!

فلما استلم ولاية الكوفة وأصبح والياً للمسلمين خرج عليهم في يوم وهو سكران فصلى بهم صلاة الصبح أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال: «أزيدكم»؟!

فقال عبدالله بن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم(3).

وخبر صلاته بهم وهو سكران، وقوله: أزيدكم - بعد أن صلى أربعاً(4) مشهور من رواية الثقات نقله أهل الحديث وأهل الاخبار وقد شهد عليه اثنان من أهل الكوفة عند عثمان بن عفان بأنه شرب الخمر وتقيأها وهو في المسجد. وكانا قد انتزعا خاتمه من يده وهو لا يعقل وخرجوا من فورهم إلى المدينة. قال الحطيأة الشاعر:

ص: 104


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1552، ط دار الجيل - بيروت. أسد الغابة لابن الأثير: ج 5، ص 420.
2- أسد الغابة لابن الأثير: ج 5، ص 421. الاستيعاب: ج 4، ص 1554.
3- الاستيعاب: ج 4، ص 1554. أسد الغابة: ج 5، ص 421.
4- مروج الذهب للمسعودي: ج 2، ص 341، ط دار القلم.

تكلم في الصلاة وزاد فيها *** علانية وجاهر بالنفاقِ

ومجّ الخمر في سنن الصلاة *** ونادى والجميع إلى افتراق

أزيدكم على ان تحمدوني *** فما لكم ومالي من خلاق(1)

ولما شهدوا عليه عند عثمان أبى أن يقيم عليه الحد لكونه أخاه فزجرهما ودفع في صدورهما وقال: تنحيا عني، فخرجا من عنده واتيا علي بن أبي طالب - عليه السلام - وأخبراه بالقصة فأتى عثمان وهو يقول:

دفعت الشهود وأبطلت الحدود.

فقال له عثمان: فما ترى ؟. قال:

أرى أن تبعث إلى صاحبك فتحضره فان أقاما الشهادة عليه في وجهه ولم يدرأ عن نفسه بحجة أقمت الحد.

فلما حضر الوليد دعاهما عثمان: فأقاما الشهادة عليه ولم يُدل بحجة فألقى عثمان السوط إلى علي فقال علي لابنه الحسن:

قم يا بني فأقم عليه ما أوجب الله عليه.

فقال - الحسن -:

يكفينه بعض من ترى.

فلما رأى - الإمام علي عليه السلام - إلى امتناع الجماعة عن إقامة الحد عليه توقّياً لغضب عثمان لقِرابته منه أخذ علي السوط ودنا منه، فلما أقبل نحوه سبه الوليد!!

وقال: يا صاحب مكس(2)، فقال عقيل بن أبي طالب وكان ممن حضر:

ص: 105


1- الاستيعاب لابن عبدالبر: ج 4، ص 1555.
2- المكس: مكس في البيع يمكس مكسا إذا جبى مالاً، هذا أصل معنى المكس. «تاج العروس للزبيدي: ج 8، ص 477، ط دار الفكر».

انك لتتكلم يا ابن أبي معيط كأنك تدري من أنت، وأنت علج من أهل صفورية.

فأقبل الوليد يروغ من علي - عليه السلام - فاجتذبه - الإمام - علي فضرب به الأرض، وعلاه بالسوط، فقال عثمان: ليس لك ان تفعل به هذا؟!

قال - الإمام علي عليه السلام -:

بل وشراً من هذا إذا فسق ومنع حق الله تعالى ان يؤخذ منه(1).

فجلده أربعين سوطا(2).

وقد حاول البعض التستر على امتناع عثمان بن عفان من جلد أخيه وإقامة الحد عليه مما دعا بالإمام علي عليه السلام بجلد الوليد بن عقبة وإقامة الحد عليه بقولهم: «إن عثمان قال لعلي: أقم عليه الحد»(3)، وبهذا يكون عثمان هو الآمر والإمام علي هو المنفّذ فينتهي عندها الإشكال ويلتبس الأمر على القارئ كما بينه: «ابن عبد البر» بقوله: «أضاف الجلد - أي الراوي - إلى علي لأنه أمر به»(4)؟!

ونحن نسأل:

1. لماذا لم يباشر العمل عثمان بنفسه، وهو خليفة المسلمين وموقعه هذا يلزمه ان يباشر بنفسه إقامة الحدود.

ولماذا لم يعمل بسيرة صاحبه عمر بن الخطاب، وقد بايع أصحاب الشورى

ص: 106


1- مروج الذهب للمسعودي: ج 2، ص 341.
2- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1556.
3- أسد الغابة: ج 5، ص 421.
4- الاستيعاب: ج 4، ص 1556.

عليها عندما اشترطوا عليه العمل بها كي يصبح خليفة، ألم يجلد عمر ولده عبد الرحمن وأقام عليه الحد بعد أن اعترف أنه شرب الخمر مع أبي سروعة بن الحارث وهما بمصر(1) لماذا لم يعمل عثمان بسيرة عمر بن الخطاب ؟!

2. ما الذي دعاه لزجر الشهود وطردهما وقد حملا معهما دليلاً على إدانة الوليد ابن عقبة ؟!

3. لم يسجل لنا التاريخ الإسلامي ولو من خلال رواية موضوعة ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان يعمل عند عثمان بن عفان أو الذين سبقوه في جلد من استوجب الجلد؟!

أو أنه عليه السلام احتاج لرأي أحدٍ منهم أو من غيرهم ؟! أو انه أخذ باجتهادهم ؟!

بل ان كتب التاريخ والسيرة والحديث والفقه والتفسير تجمع على رجوع الخلفاء الثلاثة إليه في معضلات الأمور وبواطن الأحكام وظواهرها واحتياجهم إلى حكمه. لأنه أقضاهم جميعاً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(2) بنص الحديث النبوي.

ص: 107


1- تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي: ص 263، ط مكتبة التراث. مناقب عمر بن الخطاب للجميلي: ص 234، ط دار الكتاب العربي. الجوهر الثمين لابن دقماق: ص 41. مرآة الزمان لابن الجوزي: ج 4، ص 194.
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان: ج 1، ص 91؛ فتح الباري لابن حجر: ج 10، ص 488؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1، ص 18؛ المواقف للآيجي: ج 3، ص 627؛ فيض القدير للمناوي: ج 1، ص 285؛ كشف الخفاء للعجلوني: ج 1، ص 162؛ الانصاف لابن الميسر: ج 2، ص 272؛ تمهيد الأوائل للباقلاني: ص 545.

ولان أساس القضاء العدل وأساس العدل التقوى والعلم بالحلال والحرام فهو عليه السلام أعلمهم وأتقاهم وأعدلهم وأقضاهم.

ولأجل هذه الأسس رفض استلام الخلافة بعد عمر بن الخطاب عندما اشترطوا عليه أن يعمل بسيرة الشيخين من قبله(1) وفي هذا الرفض يسقط ما أحدثاه من أحكام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه مخالف للكتاب والسنة المحمدية المطهرة وناهيك من ذاك شاهداً قول عمر بن الخطاب في محدثات الأحكام: (نعم البدعة التي ابتدعتها)(2).

ومن هنا فان تعليل ابن عبد البر في نسب الجلد إلى الإمام علي عليه السلام لأنه مأمور من عثمان بن عفان لا يصمد أمام هذه الحقائق التأريخية.

وخلاف ما عُرف عن الإمام علي عليه السلام وما جاءت به سيرة عثمان بن عفان ؟

أما سبب امتناع الإمام الحسن عليه السلام عن جلد الفاسق، وقوله: (يكفينه بعض من ترى).

فهو في غاية الحكمة إذ لولا امتناعه عليه السلام لما تم التعرف على موقف جميع من حضر في مجلس عثمان وسمع شهادة الشهود وهم يشهدون على شرب الوليد بن عقبة ابن أبي معيط للخمر وتقيئها وهو في المسجد.

فلو امتثل لقول أبيه أمير المؤمنين عليه السلام لانتهى الأمر دون ان يسجل لنا التاريخ حقيقة ما وصل إليه المسلمون في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان: وهو

ص: 108


1- تاريخ مختصر الدول لابن العبري: ص 104، ط المطبعة الكاثوليكية - بيروت.
2- سبيل السلام لمحمد بن إسماعيل الكحلاني: ج 2، ص 173.

يكشف بوضوح عن حقيقة الخلافة والخليفة ولهذا السبب نجد ان الإمام علي أبي طالب عليه السلام «لما نظر إلى امتناع الجماعة عن إقامة الحد عليه»(1).

أخذ السوط ودنا منه وبيده سوط له طرفان(2) فجلده أربعين سوطاً.

ومن خلال هذا البحث نستخلص الآتي:

أولاً: بطلان نظرية عدالة الصحابة

إن نظرية «عدالة الصحابة» نظرية باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، قد وضعتها يد السياسة لتمشية المصالح الشخصية ولضرب طوق على عقول كثير من المسلمين، بحيث تتقبل عدالة القاتل والمقتول، وان يؤخذ الدين من الظالم والمظلوم!!

ثانياً: التعرض للنبي صلى الله عليه وآله وسلم دافعه الإنبات في الدنس

إنّ كل من سوّلت له نفسه المساس بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته أهل بيته وانتهاك حرمتهم فهو ممن قد نبتت عروقه في الرجس ونمت أوصاله في الدنس فكان مع كل خلية في بدنه شيطان يؤزه ازا.

لان الجرأة على الله ورسوله وأهل بيته لا يمكن ان تحدث من أصحاب الفطرة السليمة، والتاريخ مليء بالشواهد والأدلة على حقيقة وأصل كل من تعرض لحرم الله عز وجل، ويكفي في ذلك دلالة على هذه الحقيقة حال عقبة بن أبي معيط المولود من سفاح ذكوان في صفورية من تلك المرأة اليهودية.

ص: 109


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 31، ص 157.
2- الوافي بالوفيات للصفدي: ج 27، ص 277.
ثالثاً: فداء فاطمة عليها السلام لأبيها

إنّ البضعة النبوية فاطمة الزهراء عليها السلام كانت في صباها تدافع عن النبوة وتحمي أباها وهي عازمة على أن تفديه بنفسها لو لزم الأمر كما رأينا في حادثة رمي السلاة على ظهره صلى الله عليه وآله وسلم.

رابعاً: تكرر وقوع الحادثة في حياة أبي طالب عليه السلام على رواية

أشارت بعض المصادر إلى أن هذا الفعل قد تكرر وقوعه في حياة أبي طالب رضي الله عنه ولقد ضرب فيه أبو طالب أجلى صورة في الذود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعاقبة الفاعلين لهذا الجرم كما هو ظاهر، جلي في الحادثة.

فعن الإمام الصادق عليه السلام قال:

بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد الحرام وعليه ثياب له جدد فألقى المشركون عليه سلا ناقة فملؤوا ثيابه بها، فدخله من ذلك ما شاء الله، فذهب إلى أبي طالب فقال له: يا عم كيف ترى حسبي فيكم ؟

فقال له: وما ذاك يا ابن أخي ؟ فاخبره الخبر، فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السيف وقال لحمزة: خذ السلا، ثم توجه إلى القوم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معه فأتى قريش وهم حول الكعبة، فلما رأوه عرفوا الشرّ في وجهه.

ثم قال لحمزة: أمّر السلا على سبالهم، ففعل ذلك حتى أتى على أخرهم.

ثم التفت أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا ابن أخي هذا حسبك فينا(1).

ص: 110


1- الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 1، ص 449، باب بلد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته؛ البحار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 18، ص 239-240، باب: المبعث وإظهار الدعوة وما لقي من القوم.

وقد جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام رواية أخرى تدل على أن قريشاً كانت قد عمدت إلى مثل هذا الفعل أكثر من مرة في حياة أبي طالب رضي الله عنه وان الحادثة السابقة التي رويت عن الإمام الصادق عليه السلام تفيد بأنها الأولى وذلك من خلال ما بدا من عدم تعيين الفاعل ولعدم اجتماع بني هاشم وبني عبد المطلب وبني عبد مناف كما حدث في هذه الحادثة التي جمع فيها أبو طالب رضي الله عنه جميع أرحامه وبني عمومته وخرج بهم لمعاقبة الفاعل والراضين به كي لا يتجرأ عليه أحد مستقبلاً وعليه فقد انتظروا هؤلاء ان يموت أبو طالب عليه السلام حتى يتمكنوا من الانتقام من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أما الحادثة فهي كالتالي:

عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول:

مرّ رسول الله بنفر من قريش وقد نحروا جزوراً وكانوا يسمونها الفهيرة ويذبحونها على النصب فلم يسلم عليهم فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا: يمرّ بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه ؟.

فقال عبدالله بن الزبعرى السهمي: أنا أفعل.

فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظاهره فانصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتى عمه أبا طالب.

فقال: يا عم من أنا؟

فقال: ولم يا ابن أخي ؟ فقص عليه القصة.

فقال: وأين تركتهم ؟. فقال: بالأبطح.

فنادى - أبو طالب - في قومه: يا آل عبدالمطلب! يا آل هاشم! يا آل عبد مناف!.

ص: 111

فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين.

فقال: كم أنتم ؟ فقالوا: نحن أربعون.

قال: خذوا سلاحكم. فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتى انتهى إلى أولئك النفر فلما رأوه أرادوا ان يتفرقوا.

فقال لهم: ورب هذه البنية لا يقومن منكم أحد إلاّ جللته بالسيف، ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهار.

ثم قال: يا محمد! سألتني من أنت ؟.

ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

أنت النبي محمد *** قرم(1) أغرّ مسود

لمسوّ دين أكارم *** طابوا وطاب المولد

نعم الأرومة أصلها *** عمرو الخضم الأوحد

هشم الربيكة(2) في الجفان *** وعيش مكة انكد

فجرت بذلك سنّة *** فيها الخبيرة(3) تشرد

ولنا السقاية للحجييى *** - ج بها يمات العنجد(4)

والمأذمان(5) وما حوت *** عرفاتها والمسجد

أنّى تضام ولم أمت *** وأنا الشجاع العربد(6)

ص: 112


1- القرم: الفحل المصعب؛ كتاب العين: ج 5، ص 158.
2- الربيكة: الأقط والتمر والسمن يعمل رخوا ليس كالحيس؛ لسان العرب: ج 10، ص 431.
3- الخبيرة: مقتسمة؛ لسان العرب: ج 4، ص 226.
4- العنجد: رديء الزبيب؛ لسان العرب: ج 3، ص 310.
5- المأذمان: جيل من الهند بمنزلة الكرد يغزون المسلمين في البحر؛ كتاب العين: ج 8، ص 204.
6- العربد: الحية الخفيفة؛ لسان العرب: ج 3، ص 289.

وبطاح مكة لا يرى *** فيها نجيع(1) اسود

وبنوا أبيك كأنّهم *** أسد العرين توقّدوا

ولقد عهدتك صادقا *** في القول لا يتزيد

ما زلت تنطق بالصواب *** وأنت طفل امرد

ثم قال: يا محمد! أيهم الفاعل بك ؟ فأشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عبد الله ابن الزبعرى السهمي الشاعر فدعاه أبو طالب فوجأ(2) أنفه حتى أدماه، ثم أمر بالفرث والدم فأمر على رؤوس الملأ كلهم.

ثم قال: يا ابن أخي أرضيت ؟.

ثم قال: سألتني من أنت ؟.

أنت محمد بن عبد الله ثم نسبه إلى آدم عليه السلام.

ثم قال: أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً، يا معشر قريش! من شاء منكم يتحرك فلْيفعل أنا الذي تعرفوني(3).

فهذه الحادثة قد دلت بشكل واضح على أنها حدثت مرة ثانية من قبل قريش ولذا كان أبو طالب رضي الله عنه قد جمع وأعد هذه الأعداد ورد هذا الرد الحازم لكي لا يتكرر الفعل مرة أخرى وهو على قيد الحياة كما أشار بقوله:

أنى تضام ولم أمت *** وأنا الشجاع العربد

ص: 113


1- نجيع: مريءٌ ، وماء نجيع كما يقال نمير؛ لسان العرب: ج 8، ص 348.
2- الدر النظيم لابن حاتم العاملي: ص 214.
3- الغدير للعلامة الأميني رحمه الله: ج 7، ص 388-389، ط دار الكتاب العربي - لبنان، وجاء في قوله: رواه السيد ابن معد في الحجة: ص 106. وذكر هذه القضية الصفوري في نزهة المجالس: ج 2، ص 122. وابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق بهامش المستطرف: ج 2، ص 3، نقلاً عن كتاب الأعلام للقرطبي.

ولذلك نجد ان التاريخ يحدثنا: ان القوم قد عمدوا إلى مثل هذا العمل مراراً بعد وفاة أبي طالب رضوان الله عليه واعتادوا عليه، وبخاصةٍ عندما يأتي لإقامة الصلاة عند بيت الله الحرام فكان يخرج ذلك على العود - أي إنهم اعتادوا على هذا الفعل - وهو يقول: «أي جوار هذا يا بني عبد مناف»، ثم يقيه بالطريق(1).

ومن هنا فان الحقيقة التي يجب التوقف عندها هي:

«ان أشد ما نزل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم على يد قومه هو لما رأى فاطمة عليها السلام قد شهدت هذه الحادثة وأخذت تبكي وتدعو على القوم ولذا قام صلى الله عليه وآله وسلم ودعا عليهم ولم يدعُ على قريش إلا في هذا الوقت الذي حضرت فيه البضعة النبوية فاطمة عليها السلام.

هذه الحادثة كان أشقى القوم فيها هو عقبة بن أبي معيط اليهودي الأموي التحاقاً لا نسباً كما يذكر لنا التاريخ، وأما الحادثة السابقة فكان الشقي فيها هو عبدالله بن الزبعرى الذي كان لقي الرد المناسب من بطل قريش أبي طالب عليه السلام، أما عقبة ابن أبي معيط فكان رده دعاء فاطمة وأبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

فويل لمن سنّ ظلمها وآذاها.

ص: 114


1- الكامل في التاريخ لأبي الأثير: ج 1، ص 685، ط دار الكتاب العربي - بيروت.

الفصل الثالث: هجرتها الي المدينة

اشارة

ص: 115

ص: 116

المبحث الأول: أحداث سبقت الهجرة

اشارة

قبل الحديث عن هجرة فاطمة صلوات الله عليها لابد من التوقف قليلا مع الأحداث التي سبقت الهجرة ولاسيما أننا قد تناولنا دورها عليها السلام في الذود عن النبوة بعد رحيل أمها خديجة وأبي طالب عليهما السلام.

والأحداث قبل الهجرة جرت متسارعة كأنها في استباق مع الزمن، فمن ناحية كان الظالمون يتسابقون للنيل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإجهاض دعوته، ومن ناحية أخرى كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسعى لإيجاد وسيلة تمكّنه من الحفاظ على دعوته ونشرها، وفي نفس الوقت تخليص المسلمين من الاضطهاد والعذاب الذي ينزل بهم.

وخلال هذه السنوات الثلاث وهي المدّة الواقعة بين رحيل أبي طالب وخديجة عليهما السلام وبين هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة كانت الأحداث في هذه المدّة تجري أمام ناظر فاطمة عليها السلام لتكون شاهدة على ما جرى ولتحياها مع النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، تشاطره همومه وأحزانه، وتهون عليه ما يلقاه من قومه الذين لم يستجيبوا لدعوة الله عز وجل.

أما مسير الأحداث فلا نتعرض له بالتفصيل لكي لا نخرج عن موضوع

ص: 117

الكتاب ولكن لابد من الإشارة إلى أهم هذه الأحداث، ومن ثم التوقف عند بعض النقاط التي تكون بحاجة للبيان أو التحقيق. وقد رتبت هذه الأحداث حسب وقوعها الزمني.

المسألة الأولى: أحداث السنة العاشرة من البعثة
الحدث الأول: الخروج إلى الطائف

لم تمضِ أيام كثيرة على وفاة ناصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمه أبي طالب حتى أُذِن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخروج من مكة، أما صيغة الإذن فكان بالشكل التالي:

قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام:

«لما توفي أبو طالب رضي الله عنه نزل جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد أخرج من مكة فليس لك بها ناصر»(1).

وامتثالا لأمر الله تعالى خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة متوجها إلى الطائف مصطحبا معه علي بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن حارثة(2)، وبقي فيها عشرة أيام يدعو أهلها إلى الإيمان بالله تعالى وبنبوته، لكن لم يجد أحدا قد استجاب إليه بل على العكس قابلوا هذه الدعوة بتسليط صبيانهم وسفهائهم عليه يرمونه بالحجارة من كل جانب حتى أدموا ساقيه، وعلي بن أبي طالب عليه السلام وزيد بن حارثة يقيانه من هذه الحجارة ما استطاعا حتى أصيب

ص: 118


1- الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 1، ص 449.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 4، ص 127.

أحدهما وشج رأسه، فعاد محزنا إلى مكة(1).

أما حزنه فلم يكن لما نزل به فهو بعين الله تعالى ولكن تلك هي رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمته، فحزنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لأنه لم يجد أحداً يؤمن بهذه الدعوة.

وفي المقابل فإن قريشاً كانت تستعد لرجوعه، وهو مستعد لها بثقته بالله وصدق يقينه، قائلا لأحد رفيقيه: «إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه»(2).

الحدث الثاني: المجاعة تضرب مكة

وسببها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا الله أن يسلط عليهم ما يشغلهم عنه كي يتمكن من النهوض بدعوته بشكل يمكنه في المنعة منهم، فسلط الله عليهم الجوع حتى أكلوا العلهز(3)، والقد(4)، وحتى أحرقوا العظام فأكلوها، وأكلوا الكلاب الميتة، والجيف، ونبشوا القبور، وأكلت المرأة طفلها، وحتى كان الرجل يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان، فشغل ذلك الناس بأنفسهم ومشاكلهم(5).

ص: 119


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، ص 142، القسم الأول.
2- الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعلامة العاملي: ج 2، ص 165.
3- هو شيء يتخذونه في سنين المجاعة، يخلطون الدم بأوبار الأبل ثم يشوونه بالنار ويأكلونه، وقيل شيء ينبت ببلاد بني سليم، له أصل كأصل البردي (النهاية: ج 3، ص 293).
4- القد: جلود الحيوانات اليابسة.
5- الصحيح من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسيد جعفر مرتضى العاملي: ج 3، ص 277؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر: ج 1، ص 189؛ البدء والتاريخ: ج 4، ص 157.

ولم يطق أبو سفيان هذا الحال وقد بلغ بهم الضُر أقصى غاياته فقدم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: (يا محمد أنشدك الله والرحم قد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدم - فأنزل الله عز وجل:

(وَ لَقَدْ أَخَذْنٰاهُمْ بِالْعَذٰابِ فَمَا اِسْتَكٰانُوا لِرَبِّهِمْ وَ مٰا يَتَضَرَّعُونَ )(1)(2) .

وهنا وقفة نتأمل فيها هذه الحادثة:

ربما يتوهم البعض أن الذي حدث لأهل مكة سببه دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم كأي دعوة تصدر عن نبي من الأنبياء عليه السلام عندما كانوا يدعون على قومهم.

وفي الواقع: أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لم يدعُ على قومه دعوة غضب ليسلط الله عذابه عليهم، إلا مرة واحدة وهي دعوته على عقبة بن أبي معيط وأمثاله من قريش الذين اجترموا رمي السلاة على ظهره وهو ساجد يصلي فجاءت فاطمة عليها السلام فرأت ما هالها في هذا المنظر، ولأجل فاطمة وما نزل بها دعا ولم يعم بدعوته جميع القوم إنما عينهم بأسمائهم كما مر بيانه سابقا.

أما دعوته هنا صلى الله عليه وآله وسلم فهي لم تكن دعوة غضب بل دعوة لدفع الأذى فلو أنهم تمكنوا من النيل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل يبقيهم الله على وجه الأرض أم يجري بهم ما جرى بالأمم السابقة عندما انتهكت

ص: 120


1- سورة المؤمنون، الآية: 76.
2- مستدرك الحاكم: ج 2، ص 394؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 7، ص 73؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 6، ص 413؛ صحيح ابن حبان: ج 3، ص 247؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 11، ص 293.

حرمة الله وقتلت أنبياءه.

ولذا كان المراد في هذه الدعوة هو إشغالهم عنه حتى يتمكن من النهوض بهذا الدين.

الحدث الثالث: اغتنام موسم الحجيج

وفيما امتازت به هذه السنة والسنتان اللتان بعدها قبل سنة الهجرة هو أن النبي كان يغتنم مجيء الحجاج إلى مكة فيقوم بعرض دينه على القبائل ومن بين هذه القبائل قبيلة بني عامر بن صعصعة، فقد حدثهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدين الإسلام وعرضه عليهم ودعاهم إلى الإيمان به فقال له أحدهم وهو (بحيرة بن فراس): أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟.

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

الأمر لله، يضعه حيث يشاء.

فقال له - بحيرة بن فراس -: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه(1).

هذه الحادثة وما دار فيها من حوار تشير بشكل واضح للعقلاء إن: أمر خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانتقال أمر الأمة وقيادتها بعده إنما هو من الله عز وجل يضعه حيث يشاء فيمن يشاء من عباده ويخص به أحد أوليائه لأنه هو

ص: 121


1- سيرة ابن هشام: ج 2، ص 66. الروض الأنف: ج 1، ص 180. السيرة النبوية لزين وحادن: ج 1، ص 147. السيرة الحلبية: ج 2، ص 3. البداية والنهاية لابن كثير: ج 3، ص 139.

اللطيف الخبير بخلقه فلا شورى ها هنا ولا استحسان كما حدث لأصحاب موسى عندما نزلت بهم الصاعقة في الميقات والسبب واضح هو لانعدام القدرة في تحديد صلاحية المتولي لهذا العمل فلو كان الذي اختار هو الله عز وجل، فلا يمكن أن يهلك الذي اختاره الله عز وجل لأنه يعلم أين يضع رسالته فسبحان من هو اللطيف الخبير بعباده.

المسألة الثانية: أحداث السنة الحادية عشرة من البعثة
الحدث الأول: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله لكشف الضر عن أهل مكة

مرّ في أحداث السنة العاشرة أن أهل مكة سلط الله عليهم الجوع بدعاء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما دخلت السنة الحادية عشرة من البعثة جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد، جئت بصلة الرحم وقومك قد هلكوا جوعا، فادع الله لهم.

فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكشف عنهم، وفي هذه الحادثة يشير قول الله تعالى إليها:

(إِنّٰا كٰاشِفُوا اَلْعَذٰابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عٰائِدُونَ )(1) .

ملاحظة حول الحدث:

مما لا يخفى على كل باحث منصف غار في بحور النصوص وخرج منها وفي حوزته شيء من الفضيلة يمكن له أن يضعه في خانة بني أمية، وإن ادعى أحد ذلك

ص: 122


1- البدء والتاريخ للمقدسي: ج 4 ص 57.

فيكون إما أنه لم يقرأ كتاب الله عز وجل وإما أنه صاحب حاجة وصاحب الحاجة أعمى مع اختلاف الحاجات مادية أو نفسية أو مرضية؛

(فَزٰادَهُمُ اَللّٰهُ مَرَضاً) .

أما كتاب الله عز وجل فقد نطق بحقيقتهم في قوله تعالى:

(وَ اَلشَّجَرَةَ اَلْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ )(1) .

والله لا يلعن أحدا وهو يأتي بالفضائل.

وأما ما يريده البعض فهو لا يغني ولا يسمن من جوع ولا يزيد الطالب إليه إلا ظلمة وضلالاً بعد أن وصفهم الله بهذه الصفة وبعد أن ملئت مصادر المسلمين وكتبهم بسوء سيرتهم وسرهم.

ومن هنا لم يكن أبو سفيان بذلك الرجل الذي يخشى على قومه ويخاف عليهم الهلاك بقدر ما يهمه تصريف بضائعه وتوقف تجارته فإذا هلك أهل مكة فإلى من يبيع وعلى من يتآمر ومن أين يجد من ينحني له ويحييه بتحية الأسياد الذين سادوا بالرق والاحتكار فهذا الذي دفع أبا سفيان للمجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا الخوف على الناس وبخاصة الفقراء منهم لأن الخوف على الناس والحمية على القوم من المروءة، والمروءة لا تجتمع مع السفاهة ؟! وقد وصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها عندما انتهت معركة بدر.

أما قبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقول أبي سفيان ودعائه لأهل مكة فذاك التزاما منه بأمور:

ص: 123


1- سورة الإسراء، الآية: 60.

1 - لكي لا تكون لمشرك على الله حجة بأن أهل مكة والناطق عنهم يعلمون حقاً أنه نبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه مستجاب الدعوة، وأن الذي نزل بهم هو نتيجة لجرمهم وظلمهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن آمن به.

2 - أن أبا سفيان جاء حاملاً معه حقّاً كان الله قد أمر بصيانته وهو «صلة الرحم» والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدعو إلى شيء ثم لم يعمل به فتكون حجة عليه ولا حجة لكافر على نبي.

3 - التزاما بكتاب الله وبما جاء فيه ومنه قوله تعالى وقد أمر نبيه خاصة العمل بهذا القانون الذي يتصف ضمن مسؤوليات رجل الدولة وقائد الرعية قال عز وجل:

(وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ اِسْتَجٰارَكَ فَأَجِرْهُ ...)(1) .

4 - دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها حكمة عظيمة، إذ هذا يعني أنهم قد أذعنوا للحق وتأدبوا ورجعوا عن غيهم كما يشير إلى ذلك القرآن؛ إذ إن أحد أسباب العقاب الذي ينزله الله بالظالمين هو كفهم عن الإثم لينجوا من الهلاك وينجو منهم المؤمنون، قال تعالى:

(ظَهَرَ اَلْفَسٰادُ فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ بِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِي اَلنّٰاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ اَلَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )(2) .

5 - دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم لهم وكشف الضر عنهم دليل يضاف

ص: 124


1- سورة التوبة، الآية: 6.
2- سورة الروم، الآية، 41

إلى الأدلة في إثبات نبوته لكثير ممن لم يتيقن منهم بعد بأنه نبي حقا وإنه يدعوهم لما يحييهم وينجيهم.

6 - لم يكن أبو سفيان بأعلم من الله ورسوله بحال القوم وهل حقا أنهم هلكوا كما يدعي أبو سفيان ويبدي حرصه عليهم، كما أنه لم يكن بأرحم بهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي عاتبه الله تعالى على ما ينزله بنفسه من الألم والحسرة على قومه.

قال تعالى:

(فَلاٰ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰاتٍ إِنَّ اَللّٰهَ عَلِيمٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ )(1) .

كما لم يكن أبو سفيان بأحرص من نبي الرحمة على العباد وهو الذي يمتدحه الله بشدة حرصه على قومه، قال تعالى:

(لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ )(2) .

فإذن ما جاء أبو سفيان إلا من أجل مصلحته الشخصية وخوفه على ماله من الضياع وكساد تجارته.

الحدث الثاني: التقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفر من الخزرج

في موسم الحج للسنة الحادية عشرة، خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرض الإسلام على من يلتقيه من الحجاج القادمين إلى مكة حيث كانت العرب

ص: 125


1- سورة فاطر، الآية: 8.
2- سورة التوبة، الآية: 128.

تأتي في ذي الحجة إلى مكة قبل ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتطوف ببيت الله عز وجل الذي بناه إبراهيم الخليل وولده إسماعيل عليهما السلام.

ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر هذا الموسم ليبلغ عن دين الله ويعرض على الناس الدخول فيه، فكانت مشيئة الله تعالى قد جمعته مع نفر من أهل المدينة المنورة وكانوا ستة نفر وهم «اسعد بن زرارة، وجابر بن عبد الله بن رئاب، وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وعقبة وقطبة ابنا عامر»، وذكر المؤرخون في هذه الأسماء، مع تقديم وتأخير فيها، وقيل إنهم ثمانية، كانوا جميعا من الخزرج، فلما عاد أولئك النفر إلى المدينة كانوا يحدثون قومهم لما جرى لهم من التوفيق في لقائهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجتماعهم به ودخولهم في دين الإسلام، واخذوا يعرضون عليهم الدخول إلى هذا الدين الجديد فاستجاب لهم البعض وتواعدوا أن يذهبوا في العام المقبل إلى مكة المكرمة لكي يلقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1).

المسألة الثالثة: أحداث السنة الثانية عشرة من البعثة
الحدث الوحيد في هذه السنة هو: بيعة العقبة الأولى

لم يسجل لنا التاريخ حدثا مميزا في هذه السنة غير «بيعة العقبة الأولى» وسميت ب «الأولى» لوجود بيعة أخرى تلتها في السنة القادمة فسميت «ببيعة العقبة الثانية» ومعنى العقبة هو موضع في مكة اجتمع فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمن قدم إليه مسلما من أهل المدينة.

ص: 126


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 2، ص 72-73.

وكانوا اثني عشر نفراً، وهم مجموع الذين التقى بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند العقبة، اثنان منهم أوسيان، والباقون من الخزرج، وعند اجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بايعوه على:

«أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا بهتاناً يفترونه ما بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصوه في معروف، فإن وفوا فلهم الجنة، وإن غشوا من ذلك شيئا فأمرهم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر»(1).

ولما رجعوا إلى المدينة أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصعب بن عمير وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، فكان يسمى المقرئ بالمدينة(2).

المسألة الرابعة: أحداث السنة الثالثة عشرة من البعثة
الحدث الأول: بيعة العقبة الثانية

كانت بيعة العقبة الثانية قد تمت على وفق ما كان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين أصحاب العقبة الأولى وهم الاثنا عشر نفراً من اتفاق ينص على حضورهم في العام المقبل، ولما قدموا من المدينة، خرج معهم سبعون رجلا من

ص: 127


1- روى هذا الحديث جماعة من الصحابة، منهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وعبادة بن الصامت، وقد أخرجه البخاري في صحيحه: برقم (18) فمن كتاب الإيمان ومسلم برقم: (1709) والترمذي: برقم (1439)، والنسائي برقم: (148/7).
2- السيرة النبوية لابن هشام: ج 2، ص 76. السيرة النبوية لابن حبان السبتي: ص 81، ط المكتب الإسلامي.

الأنصار فيمن خرج من أهل الشرك من قومهم في أهل المدينة(1).

فلما قدموا مكة خرجوا على منى، فلما كان في أوساط أيام التشريق واعدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة، فخرجوا في جوف الليل، يتسللون في رحالهم، ويخفون ذلك عن قومهم المشركين.

فلما اجتمعوا عند العقبة والتقوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هناك في الدار التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نازلاً فيها، وهي دار عبد المطلب، وكان معه حمزة وعلي والعباس.

وبايعوه على أن يمنعوه وأهله مما يمنعون منه أنفسهم، وأهليهم وأولادهم، وإن يؤمروه وينصروه، وعلى السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يقولوا في الله، ولا يخافوا لومة لائم، وتدين لهم العجم ويكونوا ملوكا(2).

وفي رواية أنهم بايعوه: «على السمع والطاعة في العسر واليسر، وعلى أثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم»(3).

بعد ذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«أخرجوا إلي منكم أثني عشر نقيبا، يكونون على قومهم بما فيهم، فأخرجوا أثني

ص: 128


1- السيرة النبوية لابن جرير الطبري: ص 84، ط الدار المصرية اللبنانية. السيرة لابن حبان: ص 88.
2- السيرة النبوية للحافظ ابن حبان: ص 88.
3- أخرجه البخاري في صحيحه برقم: (6774). ومسلم أيضا برقم: (1709). ومالك بن أنس في الموطأ. برقم: (445/2). والنسائي في الصحيح برقم: (137/7). وابن ماجة رقم (2866) وغيرهم.

عشر نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.. فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي، قالوا: نعم»(1).

وهذه النقابة التي منحها النبي لهم كانت إلى حين قدومه المدينة، وبعدها كان الأمر جميعا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أما ما رافق هذه الحادثة من أمور أخرى ككلام العباس بن عبد المطلب فقد أعرضنا عنه واكتفينا بما ذكرناه لكي لا يطول المقام بنا ونحن نريد بعون الله تعالى المضي في حياة بقية النبوة فاطمة عليها السلام وإنما أوردنا هذه الأحداث لأنها عاشتها وشهدت مجرياتها.

الحدث الثاني: زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سودة بنت زمعة وعائشة

لقد مرت الأحداث متسارعة خلال هذه السنوات الثلاث التي أعقبت رحيل الصديقة الطاهرة خديجة الكبرى عليها السلام، وخلال هذه السنوات كبرت سيدة نساء العالمين فاطمة بضعة النبي الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.

فهي بين حنين الذكرى لأمها، وألم الفراق، وبين آهات الخوف على أبيها وقد أصبح وحيدا بعد أبي طالب وخديجة رضوان الله تعالى عليهما، لم تغفل ساعة عن مسؤولياتها اتجاه أبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

لكن فاطمة عليها السلام لم تزل بعد بحاجة لرعاية الأم، فهي في ربيعها الخامس وقد فجعت برحيل الأم، والبنت مهما كبرت تبقى تحن إلى أمها وتلتمس

ص: 129


1- السيرة النبوية لابن جرير الطبري: ص 85.

حنانها، لأنها تسير في ركب الحياة وهي تحيطها العفة ويجللها الحياء وكم من أمور لا تباح إلا إلى الأم، وكم من أمور تحتاج فيها البنت إلى أمها، لاسيما ليلة الزفاف، وساعة المخاض، وغيرها.. وغيرها..

ومن هنا كنت أسأل نفسي: مَنْ يا ترى كان يرعى فاطمة عليها السلام خلال هذه السنوات العصيبة وهي المدّة الواقعة بين رحيل أمها خديجة وبين زواجها بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام ؟ وبين الحيرة في العثور على اجابة بين أسطر الكتب وبين التماسها بين ثنايا الدعاء، ألهمت من خلال التأمل في ذاك أن الذي كان يرافقها خلال هذه السنوات ويحيطها برعايته هي السيدة الجليلة «فاطمة بنت أسد» زوجة أبي طالب رضي الله عنها وأم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

لأن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها كانت قد فجعت بوفاة زوجها، أبي طالب الذي توفي مع خديجة عليها السلام في نفس العام كما مر سابقا، وأن الله تعالى قد مد في عمرها حتى أكرمها بالهجرة إلى المدينة وفيها توفيت(1).

ومن هنا فإنها انتقلت إلى رعاية بنت النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كانت ترعى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل وتقوم بخدمته وتربيته، فلذا بكاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين وفاتها وقال: هي أمي ونزل في قبرها(2)، وسنورد إن شاء الله مزيداً من فضلها لاحقا في باب: «بيت فاطمة».

ص: 130


1- سيرة أعلام النبلاء للذهبي، قسم السيرة: ص 663، ط دار الفكر؛ السيرة لابن جرير: ص 365؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ النمازي: ج 8، ص 256.
2- كتاب الأربعين لابن عساكر: ص 54؛ تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لمحسن بن كرامة: ص 173؛

إلا أن ثمة سؤالاً يطرح: أحقاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج من سودة بنت زمعة بعد مرور أيام قلائل على وفاة خديجة كما تذكر بعض المصادر أم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أعرض عن الزواج بعد خديجة عليها السلام ؟!

أقول:

لقد أوردت كثير من المصادر التاريخية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بسودة بن زمعة بعد خديجة مباشرة وقد عقد على عائشة كذلك(1)!

أما زواجه صلى الله عليه وآله وسلم من سودة بنت زمعة بعد وفاة خديجة عليه السلام مباشرة فهو مرفوض أصلا ولا يستند إلى واقع للأسباب الآتية:

1 - قد اشتهر عند أهل الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد وجد على رحيل أم المؤمنين خديجة (حتى خشي عليه)(2)، ومن كانت هذه حالته لا تسوغه نفسه إلى الزواج بامرأة ثانية وهو مثقل بالأحزان لفراق زوجته الحبيبة، ونحن نقرأ هنا وهناك في أخبار الرجال ومقدار إخلاصهم ووفائهم لأحبابهم والتزامهم بسيرة من يحبون وهم من غير دين الإسلام فيثنى عليهم لأنهم جاؤوا بما يليق بأهل الفضل، وهو من السجايا النفسية الطيبة التي يأنس بها العقلاء، فكيف بأشرف ما خلق الله عز وجل أن يسارع إلى الزواج وبعد أيام قلائل، أي

ص: 131


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 52
2- المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 452؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 60؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 2، ص 116؛ الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 102.

في نفس الشهر الذي فقد فيه أم أولاده فيذهب ليتزوج بامرأة ثانية فهذا ما لا يرضاه أبسط الناس معرفة بالوفاء فكيف بمن هو على خلق عظيم.

2 - ورد في الرواية أنه أعرض عن كل امرأة حتى قيل له: «ألا تتزوج» لأنهم خافوا عليه كثرة الحزن.

ودخلت عليه خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنه، فقالت له: كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أجل كانت أمَّ العيال وربة البيت»(1).

3 - إن من المعروف عند كل مسلم اطلع على سيرة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولو اطلاعاً قليلاً أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة خديجة وأبي طالب عليه السلام قد ثارت عليه قريش من كل جانب وأنزلوا به من الألم والأذى ما لم يتسنَّ لهم طيلة حياة أبي طالب رضي الله عنه حتى اشتهر منه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب»(2).

فضلاً عن ما بيناه من خلال الأحداث التي شهدتها هذه السنوات الثلاث.

4 - عن عائشة من طريقين هما: عن معمر بن الزهري، عن عمرو، عنها،

ص: 132


1- الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 102؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 58؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 3، ص 172؛ الاسماع للمقريزي: ج 6، ص 33.
2- السيرة النبوية لابن هشام: ج 2، ص 283؛ تاريخ الطبري: ج 2، ص 80؛ المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 61.

والآخر: عن صالح بن رسم عن ابن أبي ملية، عن عائشة:

«أن عجوزا سوداء دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحياها وقال:

كيف أنت، وما حالكم ؟

فلما خرجت قالت عائشة: يا رسول الله، ألهذه السوداء تحيي وتضع ما أرى ؟ قال:

إنها كانت تغشانا في حياة خديجة وإن حسن العهد من الإيمان»(1).

فهل يا ترى أن الاصطبار على فراق الزوجة التي كان يحبها كل هذا الحب لم يكن عن حسن العهد؟! وإذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يرقّ قلبه ويأنس بمن يذكره بخديجة عليها السلام فهل يعقل أنه يتبع وفاتها بعرس جديد؟! فأي تعريض هذا بخلق النبي وسجاياه الكريمة ؟!

أما اعتراض عائشة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه رحب بامرأة لا ذنب لها إلا أنها عجوز سوداء؟! ففيه كفاية لمن يروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يفضلها على بقية أزواجه.

5 - أن الذين رووا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تزوج بعائشة سنة عشر من البعثة(2)، وأنه أولم عليها بهدايا الأنصار، وإن يومها كان كثير الأطباق

ص: 133


1- المنتخب من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزبير بن بكار: ص 34، ط مؤسسة الرسالة. وأخرجه الحاكم في المستدرك: ج 1، ص 15-16، عن ابن أبي ملكية عنها. وعبد الرزاق في المصنف: ج 5، ص 321، من طريق الزهري عن عروة عنها.
2- كتاب الأربعين لابن عساكر الدمشقي: ص 57، ط مكتبة التراث الإسلامي. المنتخب من كتاب أزواج النبي: ص 35.

والجفان(1).

فإن عائشة قد كذبتهم وفضحت زيف مقولتهم كما يروي لنا عنها البخاري وغيره، أما وقت زواجها فإنها تقول: «ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إياها».

قالت: «تزوجني بعدها بثلاث سنين...»(2).

فهذا قولها صريح وهي تذكر فيه متى تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومما لا اختلاف فيه عند أهل العلم أن النبي عقد على عائشة بمكة وبنى بها في المدينة بعد مضي ثمانية عشر شهرا من دخولها أي في السنة الثانية للهجرة النبوية على صاحبها وآله آلاف الصلاة والسلام، وأن خديجة عليها السلام توفيت سنة عشر من البعثة فهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عقد على عائشة بعد مضي ثلاث سنوات على وفاة خديجة عليه السلام أي قبل الهجرة بأيام ولعله بعد الهجرة بقليل.

6 - وأما ما جاء عن الزبير بن بكار: وأولم عليها - أي النبي أولم على عائشة - بهدايا الأنصار، طلبوا في ذلك إذنه فأذن لهم، فاتعدوا المسجد وغدوا عليه بالفتح، فيها التمر والجفنة، فيها الودك لحم أو غيره، وكان يومها كثير الأطباق والجفان ؟!

ص: 134


1- المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزيد بن بكار: ص 35.
2- صحيح البخاري: باب مناقب الأنصار، حديث رقم: (3817). وهو عند مسلم برقم: (2435). والبيهقي في الدلائل: ج 2، ص 351. وابن عساكر في كتاب الأربعين: ص 89 ط مكتبة التراث الإسلامي.

ونحن نأخذ بقوله أنه تزوجها بالمدينة وننكر عليه قوله في الوليمة، وإن يومها كان كثير الأطباق لأن السيدة عائشة تكذب هذا القول لأنها هي الأعلم بمراسيم عرسها، وفيه قالت: «ما نحرت جزور ولا ذبحت علي شاة وأنا ابنت تسع، حتى ارسل إلينا سعد ابن عبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

وإن السبب الذي منع النبي عن اقامة الوليمة في عرس عائشة ولم يحتفل بهذا العرس ما هو إلا رعاية لمشاعر فاطمة عليها السلام التي ما زالت تتفجع بفقد أمها عليها السلام، وما منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اقامة الأفراح إلا حفاظا لذكرى أم الزهراء خديجة بنت خويلد عليها السلام فما زال القلب حزيناً والعين تدمع لفراقها.

7 - أخرج البخاري عن عروة: أن خديجة توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين فلبث صلى الله عليه وآله وسلم سنتين أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين(2)، - ولبث هو عدم الزواج -.

ولهذه الأسباب لا يمكن أن يقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الزواج بعد وفاة الصديقة الطاهرة أم المؤمنين خديجة عليها السلام مباشرة، أي في السنة التي توفيت فيها.

بقي أن نقول: إن هناك سبباً قوياً يحول دون إقدام النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الزواج بعد خديجة مباشرة، وهو: أن البضعة النبوية فاطمة الزهراء

ص: 135


1- تاريخ الطبري: ج 2، ص 413.
2- صحيح البخاري: ج 4، ص 252.

عليها السلام كانت في السنة الخامسة من عمرها وهذه السن مع ما يلازمها من تعلق شديد بالأم، تمنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتجاهل هذه المشاعر، وهذه العواطف، وهو نبي الرحمة، بل سنخ رحمة رب العالمين، فكيف يمكن أن يرضى بأن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن خلال هذه الروايات المغرضة أبا غير رحيم بابنته المفجوعة بوفاة أمها فيذهب بعد أيام ليتزوج ويأتي بامرأة جديدة تحل محل هذا المكان المقدس، مكان الأم.

فمن رضي بهذا، وصدّق به، فعليه أن يعيد النظر في صحة إيمانه، ويتوقف كثيرا في طريقة تفكيره.

ص: 136

المبحث الثاني: التهيؤ للهجرة

اشارة

بعد أن تمت بيعة الأنصار في العقبة الثانية، وكانوا قد بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم على القتال وعادوا إلى المدينة، عزم بعض المسلمين في مكة على الهجرة إلى المدينة، وذلك قبل خروج النبي إليها بأمر منه صلى الله عليه وآله وسلم، قائلا لهم:

«إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها»(1).

فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر أن يأذن الله له بالخروج.

أما من بقي من المسلمين في مكة فقد لاقى من قريش أشد أنواع العذاب، وأبقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، كما بقي أيضا في مكة أبو بكر وهو ينتظر خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وعندما أدركت قريش أن المسلمين خرجوا إلى المدينة أيقنت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوف يلحق بهم، ولذا كانوا في حيرة من أمرهم لا يعلمون أي السبل تمكنهم عن الإحالة دون خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لو تمكن من ذلك وسكن المدينة لتجمع من حوله المسلمون، ولعظم أمره ولم يتمكنوا

ص: 137


1- السيرة النبوية لابن جرير الطبري: ص 88.

بعد ذلك من القضاء عليه.

ولذا: اجتمع أشرافهم في دار الندوة - وهي المكان الذي يجتمعون فيه للأمور المهمة - واتفقوا على أن يأخذوا من كل قبيلة رجلا قويا، ويعطى سيفا، ثم يجهزون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه ويتفرق دمه بين القبائل، وبذلك لا يتمكن بنو عبد مناف من الأخذ بثأره لأنهم لا قدرة لهم على قتال كل تلك القبائل ويرضون بالفدية.

فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون عليه.

فأنزل الله تعالى في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا عليه:

(وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اَللّٰهُ وَ اَللّٰهُ خَيْرُ اَلْمٰاكِرِينَ )(1) .

فأتى جبرائيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه».؟!.

فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام، فيثبوا عليه(2)، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب:

نم على فراشي وتسبّح ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم.

ص: 138


1- سورة الأنفال، الآية: 30.
2- السيرة النبوية للنووي: ص 85 ط دار البصائر، وجاء قوله: «انهم كانوا مائة نفر» وهذا خلاف المشهور.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.

قال: لما اجتمعوا له، وفيهم أبو جهل بن هشام، فقال وهم على بابه: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا، كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها.

قال - ابن إسحاق -: وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال:

إنا أقول ذلك، أنت أحدهم.

وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فلا يرونه، فجعل يفشي ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس:

(يس (1) وَ اَلْقُرْآنِ اَلْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ اَلْمُرْسَلِينَ (3) عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ اَلْعَزِيزِ اَلرَّحِيمِ ) إلى قوله (... فَأَغْشَيْنٰاهُمْ فَهُمْ لاٰ يُبْصِرُونَ ) .

حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما تنظرون ها هنا؟

قالوا: محمداً، قال: خيبكم الله! لقد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم ؟

قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليّا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 139

فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما عليه بردة، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي عليه السلام عن الفراش، فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا(1).

ولهذا الحديث وقفة نتناول فيها بعض ما جاء فيه من الأحداث ونسلط عليها الضوء لنرى ما حوته من مصداقية أو إخفاء لحقائق واقعية رافقت عملية الهجرة النبوية منذ خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهاجرا من مكة وإلى وصوله المدينة المنورة.

المسألة الأولى: أين فاطمة عليها السلام من هذه الأحداث ؟!

هذا السؤال استوقفني كثيرا وأنا أبحث بين أقوال الرواة وتناقل الحفاظ وهم يعرضون لنا أحداث هجرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فنجدهم يشيرون إلى ذكر بنتي أبي بكر «أسماء وعائشة» ويعطى لهما أدوارا مهمة في الجهاد والمشاركة وكتمان الأمر وإطعام الطعام، وغيرها من الأمور بينما لا نجد ولو مجرد ذكر لفاطمة! أو حتى مجرد التذكير بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بنت وهي الآن في السنة الثامنة من عمرها فما هو دورها في خضم هذه الأحداث وأين تركها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما خرج ؟! ولماذا لم تقم بأي دور كما قامت أسماء بنت أبي بكر؟

ص: 140


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 2، ص 126-127 ط دار القلم - بيروت. السيرة النبوية لابن جرير الطبري: ص 88؛ السيرة النبوية لابن سيد الناس: ج 1، ص 235. السيرة النبوية للندوي: ص 163، ط المكتب الإسلامي. السيرة النبوية لزين دحلان: ج 1، ص 304. السيرة النبوية لابن كثير الدمشقي: ج 2، ص 229-231، ط دار المعرفة. وفاء الوفاء للسمهودي: ج 1، ص 238، ط دار إحياء التراث العربي.

فهل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخفى عليها، أم أن الرواة جفوها لأن ذكرها لا يدر عليهم المال، أو لعله يغضب السلطة الحاكمة ؟!

وكيف يمكن أن يعقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلم بخروجه غير الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أراد منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينام في فراشه والشخص الثاني هو أبو بكر وآله!! أي: «عبد الله، وأسماء، وعائشة»؟ فهؤلاء فقط الذين علموا بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأين ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

ولكن مع هذا لا بأس، فنحن نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم في قولهم:

«ولم يعلم بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر»(1)؟! وذلك من خلال البحث الذي نورده في المسألة الثالثة.

أما بخصوص سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام فهي وإن لم يكن التاريخ قد أنصفها من خلال ما صاغته ألسنة الرواة ودونته ذاكرة الحفاظ، إلا أن العقل والوجدان الحي لا ينسجم مع فكرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يطلع ابنته الحبيبة التي لها من المكان في كيان النبي المقدس ما عرفه الجميع ويتركها دون أن يودعها أو على الأقل يوصيها بالاهتمام بنفسها.

إن الدين وجميع الشرائع السماوية لتقول وتأمر بالغيرة على العرض فما بالكم بسيد الخلق، فلا والله ما خرجَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد أن

ص: 141


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 2، ص 126-127. السيرة النبوية لابن كثير: ج 2، ص 234، ط دار المعرفة. وفي غيرها من المصادر - فراجع.

ودّع ابنته فاطمة عليها السلام في بيت آل أبي طالب وعند فاطمة بنت أسد تلك المرأة الجليلة التي أفنت عمرها في رعاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخيه علي بن أبي طالب ومن ثم سيدة النساء وبقية النبوة فاطمة عليها السلام.

لم يخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أمن عليها وأوصى بها ومن ثم طمأنها كما طمأن علياً عليه السلام بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم».

وأخبرها أن الله حامي أبيها وواقيه شر الأعداء، وأن الله جامعها معه وأن الفراق لن يطول كثيرا، فلا النبي بقادر على فراق فاطمة عليها السلام ولا فاطمة تحتمل فراق أبيها فسرعان ما اجتمعا في الدنيا والآخرة.

المسألة الثانية: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يفدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه ابتغاء مرضاة الله تعالى

إن مما يؤسف له أن ابن إسحاق أو من جاء بعده من روايته لم يكمل لنا بقية الرواية، ولم يطلع القارئ المسلم أو المتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بموقف الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام عندما سمع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يطلب منه أن ينام في فراشه، ويتسبح ببرده الحضرمي الأخضر، كي يتمكن هو صلى الله عليه وآله وسلم من النجاة.

وهذا يعني أن يكون الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو البديل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تلقي ضربات السيوف المسلولة خلف الباب.

وفي هذه الحالة؛ وهذا الموقف، لابد أن يكون هناك رد من الإمام علي بن

ص: 142

أبي طالب عليه السلام، وإن يكون له موقف، مهما كانت طبيعته ايجابا أم رفضا، فالأمانة في النقل تقتضي أن يروي الراوي أو الحافظ ما جاءت به الأحداث من مواقف تكشف عن حقائق الناس، لا أن يعمل بمنهاج (القضم) فيقضم من الرواية ما لا ينسجم مع موالاته وحبه لبعض الرموز، أو كسب رضا الساسة وما تحمله منحهم وأكياسهم.

ولكي لا نعمل بهذا المنهاج الذي عمل به الكثيرون، ومن أجل أن يطلع المسلم على طبيعة الرد ويعرف نوعية الموقف الذي أبداه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، نورد ما جاءت به بقية المصادر الإسلامية التي تناولت بأمانة مجريات هذه الحادثة.

1 - ذكر مفتي مكة السيد زيني دحلان: (كان علي رضي الله عنه أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، ووقى بنفسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه امتثل أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يقول له:

«لن يخلص إليك شيء».

فصدق عليه أنه بالامتثال باع نفسه)(1).

وفي هذه الفقرة إشارات منها:

1 - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يسجل التاريخ حقيقة هذه الشخصية للوجدان الإنساني؛ إذ يبدو بشكل واضح أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عرض عليه هذا العرض بدون ضمانات في السلامة أو النجاة، بل

ص: 143


1- السيرة النبوية لدحلان: ج 1، ص 304، ط الأهلية للنشر والتوزيع - بيروت.

إنه عرض طابعه وحقيقته (الموت)، وغايته الحصول على رضا الله عز وجل، وهنا تعرف حقائق الإيمان وتصرخ صفحات القلوب ملبية نداء التضحية بالنفس أو التمسك والتثبت بالحياة، وقد سجل التاريخ: أن علي بن أبي طالب عليه السلام قد قدّم رضا الله على النفس، فلتذهب إذا هذه النفس رخيصة إذا كانت هي الوسيلة في الحصول على رضا الله عز وجل، فكيف بها إذا كانت قد جمعت أيضا نجاة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وفيها رضاه.

ثم يبدو من هذه الحادثة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن بان له موقف الإمام علي عليه السلام - وهو العارف بحقائق علي عليه السلام - ذكر لعلي الضمانات في السلامة قائلا:

«فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه».

وفي هذه النقطة تحديدا نقول: لو شكلت لجنة حية الضمائر وأرادت أن تمنح أوسمة فهل تجد في تاريخ النبوة شخصية آمنت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصدّقتْ به وسلّمت نفسها للموت الحقيقي وهي لا تملك سوى صدقها بهذه الكلمات: «فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» ثم نامت هذه النفس مطمئنة لأنها مصدّقة بما سمعت!

فهل هذه اللجنة تجد من تمنحه وسام (الصدق) غير هذا النائم في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم أن هذه الأوسمة كانت وما تزال تمنح للبعض من أجل الوجاهة فتضاف في سجلات العوائل أو تعلق على الجدران، ويبقى في الاختيار عند ذوي العقول السليمة.

ص: 144

2 - روى ابن الأثير الجزري، والحاكم الحسكاني وغيرهما: (إن ليلة بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى الله تعالى إلى جبرائيل وميكائيل: إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بحياته فاختار كلاهما الحياة وأحبها فأوصى الله إليها: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ينادي: بخ بخ من مثلك يابن أبي طالب تباهي بك الملائكة)(1). فأنزل الله تعالى:

(وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ رَؤُفٌ بِالْعِبٰادِ)(2) .

أقول: إذا كان الله عزّ وجل يتباهى بعلي بن أبي طالب عليه السلام في فدائه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا لشيء إلا ابتغاء مرضاته سبحانه فكيف للمسلم أن لا يتباهى هو أيضا على الأمم الأخرى بعلي بن أبي طالب عليه السلام.

3 - أورد كثير من حفاظ المسلمين أن قول الله تعالى:

(وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ) .

نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام بعد أن نام بفراش النبي صلى الله

ص: 145


1- أسد الغابة لابن الأثير: ج 4، ص 25؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 4، ص 25؛ تفسير الرازي: ج 5، ص 224؛ تفسير الثعلبي: ج 2، ص 126؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ج 1، ص 295؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 19، ص 87؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 340.
2- سورة البقرة، الآية: 207.

عليه وآله وسلم وهو عازم على فدائه بنفسه(1).

وفيه قال الحاكم النيسابوري عن علي بن الحسن: (أن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب)، وأقره الذهبي في التلخيص(2).

4 - وفي هذا التكريم كان يفتخر الإمام علي بن أبي طالب فأنشد قائلا:

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا *** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إلهٍ خاف أن يمكروا به *** فنجاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا *** موقى وفي حفظ الإله وفي سترِ

وبت أراعيهم وما يتهمونني *** وقد وطنت نفسي على القتل والأسر(3)

وبالفعل فقد وطّن نفسه على القتل منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى هذا نمت عروقه فمنذ ذلك الوقت كان أبو طالب إذا جن الليل يأخذ ولده علياً فيضعه في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويأخذ النبي فيضعه في فراش علي ليفدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي عليه السلام إلا أن الفرق بين الحالتين كبير، ففي السابق كان احترازاً، لكن الآن نام عليٌ عليه السلام وهو مؤمن أن الموت يترصد به خلف الباب ولم يبالِ؟!

ص: 146


1- شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي: ج 1، ص 96، ح 133 و 134 إلى ح 142،. كفاية الطالب للشبلنجي: ص 239، ط الحيدرية. وص 164، ط الغري. الفصول المهمة لابن الصباغ: ص 31، ط الحيدرية. تذكرة الخواص لابن الجوزي: ص 30 و 200، ط الحيدرية. نور الابصار للشبلجني: ص 78، ط السعيدية. وص 78، ط العثمانية. ينابيع المودة للقندوزي: ص 92، ط اسطامبول، وص 105، ط الحيدرية. تفسير الرازي: ج 5، ص 223، ط البهية بمصر وج 2 ص 283، ط دار الطباعة بمصر. السيرة النبوية لزيني دحلان: ج 1، ص 304.
2- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 4، وبهامشه تلخيص الذهبي.
3- حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج 1، ص 148.

المبحث الثالث: هجرة أمير المؤمنين علي عليه السلام كما يذكرها الرواة وخروج الفواطم

اشارة

بعد أن أمضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث ليال في الغار خرج صلى الله عليه وآله وسلم متجها إلى المدينة المنورة، وقبل وصوله إليها نزل في قباء في بيت عمرو ابن عوف وفيها افترق عنه أبو بكر بعد أن حاول كثيرا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد منه التوجه إلى المدينة فكان عرضه يقابل بالرفض قائلا صلى الله عليه وآله وسلم له:

«ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي، وأخي، وابنتي عليا وفاطمة عليهما السلام»(1).

فلما أمسى فارقه أبو بكر ودخل المدينة، ونزل عند بعض الأنصار.

أما النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقد بقي في قباء ينتظر قدوم الأحبة وكان نزوله على أم كلثوم بن الهدم(2).

ثم كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه

ص: 147


1- الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص 35. وأمالي الشيخ الطوسي رحمه الله: ج 2، ص 83.
2- أعلام الورى: ص 66. البحار للمجلسي رحمه الله: ج 19، ص 106، نقلا عن الأعلام.

السلام كتابا يأمره فيه بالمسير إليه وقلة التلوم، وأرسل الكتاب مع أبي واقد الليثي.

فلما أتاه الكتاب تهيأ للخروج والهجرة، فاعلم من كان معه من ضعفاء المؤمنين، وأمرهم أن يتسللوا ويتخففوا إذا ملأ الليل بطن كل واد إلى ذي طوى.

المسألة الأولى: حوادث ينص عليها الوحي في محكم التنزيل

وخرج عليه السلام بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وتبعهم أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو واقد، فجعل يسوق بالرواحل فاعنف بهم، فقال علي عليه السلام:

ارفق بالنسوة أبا واقد أنهن من الضعائف.

قال:

إني أخاف أن يدركنا الطلب.

فقال علي عليه السلام:

أربع عليك فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: يا علي أما أنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه، ثم جعل يعني عليا يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يرتجز ويقول:

وليس إلا الله فارفع ظنكا *** يكفيك رب الناس ما أهمكا

وسار فلما شارف ضجنان أدركه الطلب سبع فوارس من قريش مستلئمين وثامنهم مولى الحارث بن أمية يدعى جناحا، فأقبل علي عليه السلام على أيمن وأبي واقد وقد تراءى القوم فقال لهما أنيخا الإبل واعقلاها وتقدم حتى أنزل

ص: 148

النسوة ودنا القوم فاستقبلهم علي عليه السلام منتضيا سيفه، فأقبلوا عليه.

فقالوا: ظننت أنك ناج بالنسوة ارجع لا أبا لك ؟. قال:

فإن لم أفعل ؟!.

قالوا: لترجعن راغما، أو لترجعن بأكثرك شعرا! وأهون بك من هالك ؟!.

ودنا الفوارس من المطايا ليثوروها!، فحال علي عليه السلام بينهم وبينها، فأهوى مولى الحارث بن أمية - جناح للإمام بسيفه فراغ علي عليه السلام - عن ضربته! وتختله علي عليه السلام فضربه على عاتقه فأسرع السيف مضيا فيه حتى مسَّ كاثبة فرسه!، - أي: إن ضربة الإمام علي عليه السلام قسمته نصفين ووصل سيف الإمام علي عليه السلام إلى ظهر الفرس.

وشد الإمام علي عليه السلام عليهم بسيفه، وهو يقول:

خلو سبيل الجاهد المجاهد *** آليت لا أعبد غير الواحد

فتصدع القوم عنه، وقالوا: أغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب

قال عليه السلام: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله بيثرب، فمن سرّه أن أفري لحمه وأهريق دمه فليتبعني، أو فليدن مني.

ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد، فقال لهما: اطلقا مطايا كما، ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل فتلوم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين، وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى ليلته تلك هو والفواطم أمه فاطمة بنت أسد رضي الله عنها، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفاطمة بنت الزبير يصلون لله ليلتهم ويذكرونه قياما

ص: 149

وقعودا وعلى جنوبهم فلن يزالوا كذلك حتى طلع الفجر، فصلى علي عليه السلام بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه، فجعل وهم يصنعون ذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم:

(اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اَللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً) .

إلى قوله تعالى:

(فَاسْتَجٰابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاٰ أُضِيعُ عَمَلَ عٰامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثىٰ )(1) .

الذكر علي عليه السلام، والأنثى فاطمة عليها السلام.

(بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هٰاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قٰاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئٰاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ ثَوٰاباً مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ عِنْدَهُ حُسْنُ اَلثَّوٰابِ ) .

ولما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدوم علي عليه السلام، قال: أدعوا لي عليا، قيل: يا رسول الله لا يقدر أن يمشي، فأتاه صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه، فلما رآه اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وكانتا تقطران دما(2).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: (يا علي أنت أول هذه

ص: 150


1- سورة آل عمران، الآيات: 191-195، وراجع: أمالي الشيخ الطوسي: ج 2 ص 83-86؛ البحار: ج 19، ص 65.
2- بحار الأنوار: ج 19 ص 64-67، تفسير البرهان: ج 1 ص 332 و 333، أعلام الورى: ص 190، السيرة لدحلان: ج 1 ص 321.

الأمة إيمانا بالله ورسوله وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمنا قد امتحن - الله قلبه للإيمان، ولا يبغضك إلا منافق، أو كافر)(1).

وحتى هذه، أي: (تقطر قدما الإمام علي عليه السلام) لم يدعها عباد السلطان أن تمر دون أن يأتوا بمثلها لأبي بكر إن لم يزيدوا عليها، فقالوا:

روي عن أبي بكر أنه قال لعائشة: لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ صعدنا الغار، فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتفطرتا، وأما قدماي فعادتا كأنهما صفوان ؟! فقالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعود الحفية ولا الرعية(2).

وقد صور البعض أن معنى قول عائشة هو تأكيد لما قاله أبي بكر، لكنه في الواقع هو تعريض واستنكار لما قاله أبو بكر، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعهده أحد من أهل بيته أو من أزواجه أو كل من شاهده أنه يمشي حافيا.

وعليه: ما هو الداعي والسبب الذي جعله يمشي حافيا؟! فإذا قيل كي لا يترك أثرا، قلنا: فهل المشي حافيا لا يصنع الأثر، فالأمر واحد؟!

2 - إنّ مما يدل على أن عائشة خالفت قول أبي بكر واعترضت عليه فيما ادعى، هو: عدم ذكرها لأبي بكر نفي الحفية، أي إذا كان سبب ما جرى لقدمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو عدم التعود على الحفية فما بال قدمي أبي

ص: 151


1- تفسير البرهان: ج 1 ص 332 و 333، المناقب لابن شهر: ج 1 ص 183-184.
2- تأريخ الخميس: ج 1 ص 326.

بكر؟ فإذا كان هو أيضا لم يتعود الحفية فلماذا لم تذكره عائشة، وإذا كان قد تعود الحفية فما بال قدميه قد تقطرتا؟! وقد تعود الحفية ؟!

3 - إن المسافة بين الغار ومكة لم تكن بالطويلة كي تترك أثرا على أقدام أبي بكر وهذا بعكس المسافة التي قطعها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من مكة إلى قباء مشيا على الأقدام وإن كان معه راحلة فكان هذا الفعل منه بقصد القربة على الله وحصول وافر الأجر عند الله تعالى(1)، وهو مما جاء في الحديث الشريف: (الأجر على قدر المشقة).

نحن نسأل وعند ذوي الألباب الإجابة. قبل أن ننهي هذه الرحلة وننتقل إلى أجواء أخرى في أحداث المدينة المنورة وظهور سمات كثيرة في حياة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام، بفعل الأحداث التي رافقت مسيرتها مع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد مماته والتي سيكون لنا وقفات يطول البحث فيها حينا، ويقصر حيناً آخر حسبما تمليه علينا أهمية الحدث.

فإننا لابد أن نشير ها هنا إلى نقطتين في غاية الأهمية، وهما:

أولا: مقارنة بين خروج الإمام علي عليه السلام وبين خروج أبي بكر.

وهنا نوجز الكلام لأن الحال بيّنٌ جليٌّ فشتان بين الخروجين، لكن نورد أسئلة ولا نجيب بل نذكر؛

(فَإِنَّ اَلذِّكْرىٰ تَنْفَعُ اَلْمُؤْمِنِينَ )(2) .

ص: 152


1- السيرة النبوية لزيني دحلان: ج 1 ص 321-322
2- سورة الذاريات، الآية: 55.

1 - ماذا سيكون حال أبي بكر فيما لو تعرض لنفس الموقف الذي تعرض له الإمام علي عليه السلام، أي: ماذا كان يصنع لو كان هو الذي قد أخرج حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولحق به فوارس قريش كما حدث لعلي عليه السلام ؟! ونحن لا نجيب بل نسأل ولكن نذكر بما نصت عليه الآية من (الحزن)، وبما أخرجه البخاري في (كثرة التفات أبي بكر، عندما لحق بهم رجل واحد وهو: (سراقة، فضلاً عن قول حفاظ المسلمين: بشدة خوفه لدرجة البكاء)؟!

2 - إن الذي يؤتمن على العرض والشرف والعفة، والحرمة أعظم ممن يؤتمن على النفس فهي، أي النفس تقدم رخيصة في مقابل الحفاظ على العرض والشرف.

ومن هنا: فإن ائتمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإمام علياً عليه السلام على عرضه وحرمه: المتمثلة بفاطمة البضعة النبوية وزوجته (سودة بنت زمعة) وابنة عمه: (فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب) وامرأة عمه أبي طالب رضي الله عنها وهي التي قال فيها: هي أمي، وابنة الزبير بن العوام ومولاته أم أيمن وولدها ونساء المؤمنين وضعافهم، كل هؤلاء وجميع هذه الحُرم عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصيانتها إلى الإمام علي عليه السلام وبهذا يكون الإمام علي عليه السلام:

(صائن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).

وعليه: فإن الذين كان ينظرون إلى المنزلة التي نالها أبو بكر برفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أثناء خروجه، كان الواجب والحق والانصاف والعقل يلزمهم بالنظر أولا إلى من صان عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحرمه.

ص: 153

المسألة الثانية: تأدية ودائع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أم نص على خلافة علي عليه السلام ؟!
اشارة

ذكر الرواة في خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قد أوكل إلى علي عليه السلام مهمة أخرى غير المبيت على فراشه، وهذه المهمة هي تأدية الودائع التي وضعتها قريش عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فما من أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لعلمه بصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمانته، ولاشتهاره بالصادق الأمين.

ولذا كان أمير المؤمنين علي عليه السلام ينادي ثلاثة أيام بالأبطح من كانت له عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وديعة فليأت تؤدى إليه أمانته(1).

وهنا أمور ينبغي الإشارة إليها:

1 - إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل من علي منزلة النفس أمام قريش فمن كان يعتقد بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (صادق، أمين) فهذا علي صادق أمين يؤدي الأمانات إلى أهلها؛ وهو كنفس محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

2 - إنّ الإمام عليه السلام كان لا يرد مدعيا يدعي أن له شيئاً وضعه عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان المدعي كاذبا، وهذه مسألة في غاية من الأهمية، إذ بهذه الطريقة يحفظ الإمام علي عليه السلام حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقطع على الكافرين أسلوب الطعن في أمانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان عليه السلام يعطي هذا المدعي ولا يسأله البيّنة لأن في ذلك تثبيتاً

ص: 154


1- السيرة النبوية لزيني دحلان: ج 1، ص 322.

لاعتقاد الناس بأمانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - إن أهم ما يشغل الناس وعلى كافة مستوياتهم هو حفظ أموالهم، وصيانة حقوقهم، وإن إيكال هذا الأمر المهم إلى الإمام علي عليه السلام لينوب به عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حفظ حقوق الناس وإن كانوا أعداء لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى رغم شدة إيذائهم له صلى الله عليه وآله وسلم، فإن جعل الإمام علي عليه السلام في هذا الموقع الذي هو فيه كالأصيل، بلحاظ كونه وكيلاً فإن ذلك إعلان صريح قولاً وفعلاً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم للناس بأن الذي يخلفني في أموركم وقضاء حوائجكم وصون حقوقكم هو علي بن أبي طالب عليهما السلام أي بمعنى: (من كانت له حاجة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فليأتِ عليا عليه السلام، ومن لم تكن له حاجة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فليذهب إلى غير علي عليه السلام).

4 - إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوكل إلى الإمام علي عليه السلام في قضية خروجه من مكة إلى المدينة ثلاث مهام لم تكن لأحد من المسلمين واحدة مثلها، فكيف بثلاثتها.

المهمة الأولى

هي المهمة التي كلف بها الإمام علي عليه السلام، وهي: المبيت على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذه حفاظ وسلامة ونجاة لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أي بهذه حفظ نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 155

المهمة الثانية

هي تكليفه بتأدية الودائع إلى الناس فكل من كانت له أمانة استودعها عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن الراد والمؤدي لهذه الأمانات إلى أهلها هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وبهذه حفظ مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحرمته.

المهمة الثالثة

فكانت تكليفه عليه السلام بحمل حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي الفواطم، وحرم المؤمنين وضعفاء المؤمنين وبهذه يكون الإمام علي عليه السلام قد حفظ وصان عرض النبوة.

وعليه:

فمن له هذه الثلاث: (حفظ نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم) (حفظ مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، (حفظ عرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وهذه فقط في حالة خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيرها من المواقف. فهذه الثلاث ؟! أم تلك التي قالها عمر بن الخطاب يوم السقيفة:

«ثاني اثنين» إذ هما في الغار صاحبه.

أفلهذه الثلاث أبُعد علي عليه السلام أم لتلك الثلاث قرب أبي بكر؟!

نحن نسأل... وعند ذوي الضمائر الحية الإجابة.

ص: 156

الفصل الرابع: تزويجها عليها السلام

اشارة

ص: 157

ص: 158

توطئة

اشارة

وفيها مسألتان:

المسألة الأولى: أين نزلت فاطمة في المدينة ؟
اشارة

سؤال ارتبطت بالإجابة عليه مسائل عديدة وحقائق كثيرة، رافقت مسيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة حتى وفاته.

بل امتدت حتى بعد وفاته، وما جرى على الأمة الإسلامية من أحداث عصفت بجميع جوانبه وأدمت جذور تكوينه فما زالت تلك الجذور تنزف ؟ لا تتوقف حتى يأذن الله بخروج ابن فاطمة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

ومرة أخرى نقول:

أين نزلت فاطمة بعد أن هاجرت إلى المدينة ملتحقةً بأبيها سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أخرجها علي بن أبي طالب عليهما السلام مع أمه فاطمة بنت أسد رضي الله عنها وابنة عمه فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب عليهم السلام، وجمع من نساء المؤمنين وكثير من ضعفاء المسلمين إلى المدينة.

ولكي تكون الإجابة على هذا التساؤل واضحة فلابد من الإحاطة بشكل

ص: 159

دقيق بحركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة ودخوله المدينة، ونبدأ في بحثنا هذا ونحن نسير في رحاب عطر النبوة من المحطة التي سبقت المدينة.

أولاً: قباء تجمع الأحبة

بين رقة النسيم، وعطر ذرات التراب التي علقت بثياب القادمين من مكة مهاجرين إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبين دموع اللقاء وتنهدات الفراق تحتضن أرض قباء حبيباً بأحبته لم يحتمل كل منهما فراق الثاني وغيابه عن ناظريه.

فها هي قباء تلتقط ذراتها صورة اللقاء لتروي من خلالها ألسنة الرواة مجريات هذا الجمع وما سبقه من أحداث.

فعن أحمد بن محمد بن يحيى، عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي حمزة(1) عن سعيد بن المسيب، قال - قلت - لعلي بن الحسين عليهما السلام:

ص: 160


1- ثابت بن دينار المعروف بأبي حمزة الثمالي، مولى المهلّب بن أبي صفرة، علم من أعلام التشيع وأحد أبرز رجالات الشيعة، أخرج له الترمذي في السنن: باب ما جاء في صفة الحوض برقم 2442 عن الزهري عن أنس بن مالك، وأبو داود في سننه: باب صفة الحوض برقم 4746، وترجم له الذهبي في الميزان ووضع أمامه رمز الترمذي إشارة إلى أنه من رجاله، ولعظم توفيقه من الله فقد تشرف بلقاء أربعة من أئمة أهل بيت النبوة وموضع الرسالة، وروى عنهم، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه، وعن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: أبو حمزة الثمالي في زمانه كلقمان في زمانه وذلك أنه خدم أربعة منا علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وبرهة من عصر موسى بن جعفر عليهم السلام، أخرج له الشيخ الكليني رحمه الله في كتابه الكافي في أبواب عدة، وأخرج له الشيخ الصدوق رحمه الله في ما لا يحضره الفقيه عن مشيخته عن محمد بن سنان عنه، وأخرج له الطوسي رحمه الله في التهذيب في أبواب عدة؛ أنظر: معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج 4، ص 292.

جعلت فداك كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أقبل إلى المدينة فأين فارقه ؟ فقال:

إن أبا بكر لمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قباء فنزل بهم ينتظر قدوم علي عليه السلام فقال له أبو بكر: انهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك، وهم يتريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم ها هنا تنتظر عليا، فما أظنه يقدم إليك إلى شهر.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلا، ما أسرعه، ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عزّ وجل، وأحب أهل بيتي إليّ ، فقد وقاني بنفسه من المشركين.

قال:

فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز وداخَلَه من ذلك حسد لعلي عليه السلام وكان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام وأول خلاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(1).

ولم يحتمل أبو بكر البقاء مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من أربع إلى خمس ساعات ؟ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد وصل قباء عند الزوال وصلى الظهر والعصر ركعتين، فلما أمسى جاءه أبو بكر يعرض عليه النزول إلى المدينة، ولما لم يجد كلامه مسموعا، ورأيه مقبولا ترك النبي ونزل غاضبا ولكن على من ؟!(2).

ص: 161


1- شرح أصول الكافي لمحمد صالح المازندراني: ج 12، ص 482؛ البحار للمجلسي: ج 19، ص 116.
2- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 19، ص 106.

فانطلق حتى دخل المدينة(1)، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقباء حتى ينتظر عليا(2)، فبقي خمسة عشر يوما نازلا على كلثوم بن الهدم في بيت عمرو بن عون فأقام عندهم - وهم - يقولون له أتقيم عندنا فنتخذ لك مسجدا؟ فيقول:

لا، إني أنتظر علي بن أبي طالب وقد أمرته أن يلحقني ولست مستوطنا منزلا حتى يقدم عليّ ، وما أسرعه إن شاء الله(3).

فقدم علي عليه السلام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيت عمرو بن عون فنزل معه(4)، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا قدم علي تحول من قباء إلى بني سالم بن عوف، وعلي عليه السلام معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس، فخط لهم مسجدا، ونصبت قبلته وصلى بهم فيه الجمعة ركعتين، وخطب خطبتين، ثم راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها، وعلي عليه السلام معه لا يفارقه يمشي بمشيه، وليس يمرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم، فيقول لهم:

«خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة».

فانطلقت به ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع لها زمامها حتى انتهت إلى الموضع الذي ترى - وأشار بيده إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ الذي يصلي عنده بالجنائز - فوقفت عنده، أي: الناقة، وبركت

ص: 162


1- وفاء الوفا للسمهودي: ج 1، ص 249؛ تحقيق النصرة للمراغي: ص 34.
2- موسوعة التاريخ الإسلامي لمحمد هادي اليوسفي: ج 2، ص 10.
3- الخصائص الفاطمية للشيخ الكجوري: ج 1، ص 470.
4- وفاء الوفا: ج 1، ص 249؛ الدرة الثمينة لابن النجار: ص 40؛ تحقيق النصرة للمراغي: ص 34؛ تاريخ المدينة للسخاوي الشافعي: ج 1، ص 34.

ووضعت جرانها على الأرض، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقبل أبو أيوب مبادرا حتى احتمل رحله فأدخله منزله، ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام معه حتى بنى له مسجده، وبنيت له مساكنه ومنزل علي عليه السلام فتحولا إلى منازلهما(1).

ثانيا: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبني مسجده

وابتنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد بناء المسجد لأصحابه خططا، فبنوا فيه منازلهم، وكل شرع منه بابا إلى المسجد، وخط لحمزة وشرع بابه إلى المسجد، وخط لعلي بن أبي طالب مثل ما خط لهم وكانوا يخرجون من منازلهم فيدخلون المسجد فنزل عليه جبرائيل عليه السلام فقال:

«يا محمد إن الله عز وجل يأمرك أن تأمر كل من كان له باب إلى المسجد أن يسدّه، ولا يكون لأحد باب إلى المسجد إلا لك ولعلي عليه السلام، ويحل لعلي فيه ما يحل لك ؟».

فغضب أصحابه وغضب حمزة، وقال: أنا عمه عليه السلام يأمر بسد بابي، ويترك باب ابن أخي وهو أصغر مني ؟ فجاءه صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«يا عم لا تغضب من سد بابك وترك باب علي فوالله ما أنا أمرت بذلك ولكن الله عز وجل أمر بسد أبوابكم وترك باب علي».

فقال: يا رسول الله رضيت وسلمت لله عزّ وجل ولرسوله(2).

ص: 163


1- البحار: ج 19، ص 112-116، وسنورد المزيد من التفاصيل في باب فاطمة (عليها السلام).
2- المصدر السابق.

ومن هذه الرواية نستلخص النتائج التالية:

ألف: أن البضعة النبوية فاطمة عليها السلام قد نزلت مع أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منزل أبي أيوب الأنصاري حتى تم الانتهاء من بناء المسجد النبوي وما تبعه من بناء لمنازل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ومما يدل عليه أيضا: ما أخرجه البيهقي من حديث لأنس بن مالك يقول فيه:

(وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث بنى منازله كانت فاطمة عنده)(1).

باء: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خط لبعض أصحابه خططا - أي قطع أراضٍ - بنوا فيها منازلهم، وكل شرع منه بابا إلى المسجد والذي يبدو من خلال سير الأحداث، وحديث سد الأبواب، أن هذه المنازل بنيت تباعا وبقيت أبوابهم شارعة في المسجد مدّة من الزمن.

جيم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سدّ أبواب منازل أصحابه الشارعة إلى المسجد وترك باب علي بن أبي طالب عليهما السلام وقد اعترضوا عليه فقال:

«إن ذلك من أمر الله عز وجل وأنه لم يفعله من نفسه إنما كان ينفذ أمرا إلهيا بسد أبوابهم وترك باب علي عليه السلام».

وعليه: كانت فاطمة عليها السلام مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم قبل بناء المسجد في دار أبي أيوب، ولكن أين نزلت فاطمة عليها السلام بعد بناء المسجد؟

ص: 164


1- أعلام الورى: ج 1، ص 160؛ البحار للمجلسي: ج 19، ص 112.
المسألة الثانية: أين نزلت فاطمة عليها السلام بعد بناء المسجد؟

قد مرّ سابقا في أثناء البحث في مجريات الأحداث بعد وفاة أم المؤمنين الصديقة الطاهرة سيدة قريش خديجة الكبرى عليها السلام، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تزوج بعد وفاتها من السيدة سودة بنت زمعة وكان زواجه صلى الله عليه وآله وسلم منها قبيل الهجرة إلى المدينة المنورة، وقد خلفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة وأمر الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام أن يأتي بها مع ابنته فاطمة عليها السلام كما مر بيانه.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا البحث هو:

هل يصح أن يجمع النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم زوجته سودة بنت زمعة وابنته فاطمة الزهراء عليها السلام، وأم كلثوم على الرواية التي تقول أنها خرجت مع الفواطم ولم تبقَ مع أختها زينب، فهل يصح جمعهن ثلاثتهن في حجرة واحدة من الناحية التربوية والنفسية ؟! والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو معلِّم البشرية الأول وأساس منهاجها الحضاري والتربوي، وهو صلى الله عليه وآله وسلم مع هذا يحمل إحساسا مرهفاً، وعاطفة غزيرة، يتدفق رحمة وحنانا، ويفوح رقة وجمالا، لا يرفع حق زوجة فوق حق بنت، ولا حق بنت مقابل حق زوجة، أساس العدل وسنخ الرحمة والإحسان؛ وما حبه لابنته وبضعته النبوية فاطمة عليها السلام وزوجها وولديها إلاّ من حبه عزّ وجل إياهم، لما خصهم به من شرعه، ولخلوصهم في عبوديته، وإقرارهم لوحدانيته، إقرار معرفة وعمل.

وعليه: كيف تتم الموازنة والمحافظة على الحقوق مع ما عليه الأنبياء عليهم

ص: 165

السلام من عدم المبيت في خلاء حال توفر الزوجة.

وجوابه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام بعد الانتهاء من بناء المسجد ببناء حجرة خاصة له كانت ملاصقة لجدار المسجد الشرقي(1)، وأنزل فيها فاطمة عليها السلام ضمانا لراحتها وهي التي لم تزل فاقدة للأم.

وبنى حجرة ثانية لزوجته سودة بنت زمعة رضي الله عنها فكانتا حجرتين فقط(2)، وهو ما اشتهر بين أصحاب السير والتاريخ.

أما بقية الحجرات التي كانت لأزواجه فقد بناها النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدة تلو الأخرى، أي: كلما دخل بامرأة بنى لها حجرة مستقلة، فكانت تسع حجرات، وهي التي أطلق عليها بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما حجرة فاطمة عليها السلام، فقد كانت حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخاصة به، وغرفته المستقلة، وهي أول ما بنى بعد الانتهاء من المسجد، وقد كانت مسكنا لفاطمة عليها السلام حتى تزوجت من الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام، فانتقلت وتحولت منها إلى منزل حارثة بن النعمان وهي بجنب بيت سودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبجانب بيت عائشة الذي بناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما بعد، أي: بعد أن بنى الحجرتين فكانت الأولى خاصة به وقد أنزل فيها فاطمة، وأنزل في الحجرة الثانية زوجته سودة بنت زمعة.

ص: 166


1- التاريخ الشامل للمدينة المنورة: ج 1، ص 142.
2- تحقيق النصرة للمراغي: ص 41.

المبحث الأول: تنافس الصحابة لخطبتها عليها السلام وإعراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنهم

اشارة

بعد أن استقر حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة، وبعد أن أدركت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدرك النساء، خطبها أكابر قريش(1) ومن أهل الفضل والسابقة في الإسلام والشرف والمال.

وكان كلما ذكرها رجل من قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه ؟! حتى كان يظن الرجل منهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساخط عليه، أو قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه وحي من السماء(2).

ص: 167


1- إرشاد القلوب للديلمي: ج 2، ص 232.
2- البحار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 43، ص 124.

وعن ابن عباس أنه قال: كانت فاطمة تذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يذكرها أحد إلا صدّ عنه حتى يئسوا منها(1).

وهذا الأمر لم يقتصر على المهاجرين وإنما شمل الأنصار أيضا فهم كذلك قد تنافسوا للفوز بالبضعة النبوية عليها السلام، ولم يكن حالهم في الرد على طلبهم بأفضل من حال المهاجرين، حتى لقي رهط منهم - أي من الأنصار - الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فقالوا له: لو خطبتَ فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخليق أن يزوجها فقال:

«وكيف وقد خطبها أشراف قريش فلم يزوجها»(2).

وكان من ضمن الذين خطبها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر، وعمر ابن الخطاب، وقد ظهر من خلال الروايات أنهما تقدما أكثر من مرة لخطبتها فردهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(3) في كل مرة فكانت بالشكل التالي:

أولا: تقدمهما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بشكل مباشر

فقد أخرج ابن إسحاق والطبراني، وابن حبان، والهيثمي، والمناوي وغيرهم بسند عن أنس بن مالك أنه قال:

(جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقعد بين يديه، فقال: يا

ص: 168


1- المعجم الكبير للحافظ الطبراني: ج 22، ص 410، رقم (1022)؛ المصنف لعبد الرزاق برقم 9782؛ مجمع الزوائد للبيهقي: ج 9، ص 333، برقم 95213.
2- رشفة الصادي للحضرمي: ص 9 من المقدمة.
3- المناقب للمازندراني: ج 3، ص 345.

رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وتقدمي على غيري، وإني وإني....

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«وما ذاك ؟».

قال: تزوجني فاطمة!

فأعرض عنه، - وفي رواية - فسكت عنه.

فرجع أبو بكر إلى عمر بن الخطاب، فقال له: قد هلكت وأهلكت!

قال عمر: وما ذاك ؟!

قال: خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعرض عني ؟!! قال: مكانك حتى آتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأطلب مثل الذي طلبت فأتى عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقعد بين يديه.

فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام، وإني.. وإني..!

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«وما ذاك ؟!».

قال: تزوجني فاطمة، فسكت عنه، فرجع إلى أبي بكر فقال له: إنه ينتظر أمر الله فيها)(1).

ص: 169


1- المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 407-409؛ صحيح ابن حبان: ج 15، ص 393؛ الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 19، (مختصرا)؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1، ص 487، (مختصرا)؛ ( اتحاف السائل للمناوي: ص 34-35؛ مجمع الزوائد للبيهقي: ج 9، ص 331، برقم (15210)؛ مناقب أمير المؤمنين علي لابن المغازلي: ص 217؛ السيرة النبوية لابن اسحاق: ص 246-247، الجزء الخامس من المغازي؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 33؛ مناقب الخوارزمي: ص 334-354 الأحاديث: 356 إلى 356؛ غرر البهاء الضوي: ص 219-292؛ البغية: ص 321-325، برقم (15210) و (15214)؛ الروض الفائق: ص 193-197؛ المجلسي (48)؛ المشرع الروي: ج 1، ص 3-5.
ثانيا: تقدمهما لخطبة فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوسط عائشة وحفصة

أخرج الهيثمي والبزار عن أنس بن مالك أنه قال:

(إن عمر بن الخطاب أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر ما يمنعك أن تتزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟

قال: لا يزوجني! قال: إذا لم يزوجك، فمن يزوج، وأنك من أكرم الناس عليه، وأقدمهم في الإسلام ؟ قال أنس بن مالك: فانطلق أبو بكر إلى بيت عائشة، فقال: يا عائشة إذا رأيت من رسول الله طيب نفس وإقبالا عليك فاذكري له أني ذكرت فاطمة، فلعل الله عزّ وجل أن يسيرها لي.

قال أنس: فجاء رسول الله فرأت منه طيب نفس وإقبالا، فقالت: يا رسول الله إن أبا بكر ذكر فاطمة، وأمرني أن أذكرها.

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«حتى ينزل القضاء».

قال أنس: فرجع إليها أبو بكر فقالت: يا أبتاه وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت!

ص: 170

فلقي أبو بكر عمر، فذكر أبو بكر لعمر ما أخبرته عائشة، فانطلق عمر إلى حفصة فقال: يا حفصة، إذا رأيت من رسول الله إقبالا - يعني عليك - فاذكريني له واذكري فاطمة، لعل الله أن يسيرها لي.

قال أنس: فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرأت طيب نفس ورأت منه إقبالا، فذكرت له فاطمة عليها السلام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«حتى ينزل القضاء».

فلقي عمر حفصة فقالت له: يا أبتاه وددت، إني لم أذكر له الذي ذكرت!

فانطلق عمر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ما يمنعك من فاطمة ؟ فقال علي:

«أخشى أن لا يزوجني!».

قال: فإن لم يزوجك فمن يزوج وأنت أقرب خلق الله إليه ؟

فانطلق علي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن له مثل عائشة وحفصة، قال: فلقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«إني أريد أن أتزوج فاطمة».

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«فافعل»(1).

إلى آخر الرواية وفيها خبر زواج علي عليه السلام.

ص: 171


1- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 332، برقم 15211؛ والبزار برقم (1409).
ثالثا: معاودة خطبتهما فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

قد ورد أمر تقدمهما لخطبة فاطمة عليها السلام في بعض المصادر مختصرا دون ذكر هذه المجريات، مع إعراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنهما أيضا مما يدل على أنهما قد عاودا خطبة فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمرين رافقا إعراضه عنهما:

الأمر الأول: ما أخرجه الحاكم عن أبي بريدة قال:

(خطب أبو بكر وعمر فاطمة عليها السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنها صغيرة».

فخطبها علي عليه السلام فزوجها)(1).

فهنا قد اعتذر صلى الله عليه وآله وسلم منهما بكونها (صغيرة) وسيمر بيانه مع سبب رفع هذا العذر عندما تقدم لخطبتها الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام.

الأمر الثاني: ما أخرجه ابن سعد:

(أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«يا أبا بكر أنتظر بها القضاء».

فذكر ذلك أبو بكر لعمر، فقال عمر: ردك يا ابا بكر؟!

ص: 172


1- المستدرك على الصحيحين: ج 2، ص 167؛ الذهبي في تلخيص المستدرك، وهو مطبوع بهامشه: ج 2، ص 17.

ثم أن أبا بكر قال لعمر: أخطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فخطبها، فقال له مثل ما قال لأبي بكر:

«أنتظر بها القضاء».

فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره، فقال له: ردك يا عمر!(1).

فهنا قد أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمر آخر في سبب إعراضه عنهما، والذي يبدو من خلال سياق الرواية: أن ابا بكر كان موقناً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يزوج ابنته من عمر بن الخطاب.

لكن الذي دفعه إلى ترغيب عمر - وهو الراغب دون ترغيب - وحثه إلى خطبة فاطمة عليها السلام هو: كي يسمعه تلك الكلمة التي تلقاها منه عندما ذكر له أمر مثوله عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا ابنته.

رابعا: تقدم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بخطبتها عليها السلام وغضب النبي من مقالتهما فحصبهما بالحجارة

من الأمور التي رافقت خطبة الصحابة لفاطمة عليها السلام وتقدمهم في ذلك على النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، هو تقدم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، خاطبين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فهذه الحادثة رافقها غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما قالاه، ولأنهما تعديا حدود الخطاب في حضرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بل تعدّيا في ذلك حرمة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

ص: 173


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، ص 16؛ (سنورد بقية مصادره).

فكان جوابه لهما: أن حصبهما بكف من الحجارة ؟ كي يعيدهما إلى رشدهما، وإنهما يخطبان بنت أشرف الأنبياء والمرسلين، وبضعته النبوية، لا بنت كسرى أو قيصر فيساومان معه على المال الذي يغريهما فيوافقان على تزويج بناتهما لمن يدفع أكثر.

فهذا سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم وبنته عليها السلام سيدة نساء العالمين، ومن كان بهذه المنزلة لا يخاطب بلغة المال، بل بلغة التقوى، والعبودية لله عزّ وجل.

فعن أنس بن مالك أنه قال: (ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري، وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله تزوجني فاطمة ابنتك وقد بذلت لها من الصدّاق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محملة كلها قباطي مصر وعشرة آلاف دينار، ولم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيسر من عبد الرحمن وعثمان.

وقال عثمان: أنا أبذل ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاما؟!

فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مقالتهما فتناول كفا من الحصى فحصب به عبد الرحمن ؟ وقال له:

«إنك تهول علي بمالك!».

فتحول الحصى درا، فقومت درة من تلك الدرر فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن(1).

ص: 174


1- دلائل الإمامة لابن جرير الطبري: ص 12، فصل تزويجها بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وفي رواية: فغضب صلى الله عليه وآله وسلم مد يده إلى حصى فرفعها فسبحت في يده فجعلها في ذيله فصارت درا ومرجانا يعرض به جواب المهر)(1).

وعليه:

فإن هذه الحادثة تكشف عن ظهور معجزة من معاجز النبوة وأحد الأدلة عليها، وهي في نفس الوقت تظهر ما لفاطمة عليها السلام من مكانة خاصة عند الله ورسوله.

مسائل البحث في الأحاديث:

المسألة الأولى: لماذا أعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كل خاطب، وصدّ عنهم ؟! حتى يئسوا منها!
اشارة

المسألة الأولى: لماذا أعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كل خاطب، وصدّ عنهم ؟! حتى يئسوا منها(2)!

أنّ مما يستوقف الباحث في تقدم الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة فاطمة عليها السلام، هو إعراضه صلى الله عليه وآله وسلم عنهم بتلك الصورة التي أظهرتها الروايات.

فمرة يفصح عن سبب هذا الإعراض، وأخرى يسكت صلى الله عليه وآله وسلم فلا يجيب ولو بكلمة واحدة.

كما حدث مع أبي بكر وعمر مما دعاهما للتقدم إليه صلى الله عليه وآله

ص: 175


1- البحار للمجلسي: ج 43، ص 108، عن الإبانة لابن بطة.
2- المصنف للصنعاني: ج 5، ص 486؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 207؛ الأحاديث الطوال: ص 139؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 410؛ المناقب للموفق الخوارزمي: ص 338؛ سبل الهدى للصالحي: ج 11، ص 39؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان: ج 2، ص 355؛ البحار: ج 43، ص 120.

وسلم أكثر من مرة، فكان الجواب في المحاولة الأولى السكوت.

وفي الثانية الاعتذار بعد أن جعلا بنتيهما وسيطا في الخطبة، وفي الثالثة: ينتظر بها أمر الله تعالى.

لكن بماذا كان يعتذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صحابته عن تزويجها عليها السلام ؟

1 - إنها صغيرة

وهو ما أخرجه الحاكم، والنسائي وغيرهما، عن بريدة:

(أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فقال:

«إنها صغيرة»)(1).

وهذا يدل على أنها عليها السلام ولدت سنة خمس من البعثة النبوية ليكون عمرها عند الهجرة النبوية ثماني سنين(2)، وفي السنة الأولى للهجرة تسع سنين(3)، فالمرأة بهذا السن يصح أن يقال عنها:

ص: 176


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 2، ص 167؛ أقره الذهبي في التلخيص وهو مطبوع مع المستدرك: ج 2، ص 67؛ مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي: ج 3، ص 1723، رقم 6095؛ أخرجه أيضا القطيعي في زوائده على الفضائل لأحمد برقم (1015)؛ النسائي في السنن الكبرى: برقم (5310) و (8454).
2- مروج الذهب للمسعودي: ج 2، ص 289؛ كشف الغمة: ج 2، ص 75؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 52؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 10.
3- بحار الأنوار: ج 19، ص 116، عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال: زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة من علي عليهما السلام بعد الهجرة بسنة وكان لها يومئذ تسع سنين.

إنها صغيرة.

فيعتذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تزويجها.

أما ما ذكره بعض الرواة: بأنها ولدت سنة خمس قبل البعثة! فغير صحيح ؟ لأنها تكون في سن التاسعة عشرة عند الهجرة النبوية، ومن كانت بهذا السن لا يصح أن يقول عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ب (أنها صغيرة).

وبه يتضح زيف الرواية وكذبها، وأنها ولدت بعد البعثة في السنة الخامسة كما تنص روايات أهل البيت عليهم السلام، وتدل الرواية أيضا على أنها خلقت من ثمار الجنة لأن النبي أسري به في السنة الثالثة من البعثة أي على خلاف ما يرويه أهل السنة والجماعة.

2 - أنتظر بها القضاء
اشارة

وهو ما أخرجه ابن سعد، والبلاذري، وابن شاهين وغيرهم:

أن أبا بكر وعمر خطبا فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهما:

«أنتظر بها القضاء»(1).

وهذا القول يحمل معنيين ظاهري وباطني.

ص: 177


1- كنز العمال للهندي: ج 12، ص 112؛ امتاع الأسماع للمقريزي؛ السيرة الحلبية: ج 2، ص 471؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 487؛ فضائل فاطمة للحافظ ابن شاهين: ص 50، برقم 36، ط مؤسسة الوفاء، وص 44، ط مكتبة التربية الإسلامية بالقاهرة؛ صورة من حياة الصحابيات لرأفت الباشا: ص 37؛ السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام لمحمد بيومي: ص 115.
المعنى الظاهري

هو أن أمر زواجها بيد الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتظر نزول الوحي ليخبره بالرجل الذي اختاره الله عزّ وجل لفاطمة زوجا.

المعنى الباطني

أما المعنى الباطني ففيه مسألتان:

الأولى: في الانتظار

في (الانتظار) وهو - أي الانتظار -: شعور وجداني يشترك فيه العقل والقلب، ولا يأتي إلا لأمر قد سبق تحديده وبيانه لدى الإنسان فيكون في ترقب لوقوعه وتحققه.

وعليه:

فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أخبر عن الله عزّ وجل بزواج البضعة النبوية، وأنه كان على علم بمن تتزوج، وأن هذا العلم حصل في الإسراء والمعراج - كما سيمر علينا - فلذا كان صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر أن يقدم إليه علي بن أبي طالب عليه السلام ليزوجه فاطمة عليها السلام.

الثانية: في القضاء

في (القضاء) وهنا يشير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن الله عزّ وجل قد قضى في سابق علمه، وما اقتضاه حكمه في أوليائه: أن يزوج فاطمة من علي عليهما السلام.

ص: 178

وأن هذا القضاء والحكم الإلهي جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصد عن كل خاطب يتقدم لخطبتها حتى يئسوا منها.

وعليه ومن خلال هذا المعنى في المسألتين:

فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتظر القضاء بالمباشرة وإتمام الزواج في الأرض وأمام المسلمين.

وبمعنى أوضح: أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتظر أن يهبط عليه جبرائيل عليه السلام ليخبره عن الإذن الإلهي في بدء الزواج وإتمامه في الأرض ليعلم الناس من خلال هذا الزواج مكانة علي وفاطمة عليهما السلام عند الله عزّ وجل، وليمضي حكمه في خلقه بخروج النسل الطاهر الطيب وليتم نوره عزّ وجل بآل محمد وعترته عليهم السلام الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فجعلهم ثقل القرآن، وأمان الأمة من الضلال، فأوجب حبهم وجعله علامة الإيمان، وحذّر من بغضهم وجعله علامة النفاق.

نستعيذ بالله من سخط الله وسخطهم ونسأله حبهم وشفاعتهم.

المسألة الثانية: لماذا كان يتغير حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند سماعه أمر خطبة فاطمة عليها السلام ؟!
اشارة

أن من الأمور التي أظهرتها الروايات فاستوقفتني هي: تَغَيُّر حال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أمام كل من تقدم إليه خاطباً فاطمة عليها السلام!

حتى كان يظن الرجل منهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساخط

ص: 179

عليه، أو قد نزل فيه وحي من السماء(1)، فيتمنى أنه لم يتكلم! ولم يكن قد سمح لنفسه أن يتقدم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر.

وهذه الحالة كان يراها الرجال والنساء، كما حدث لعائشة وحفصة، فبعد أن تكلمتا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبتين لأبويهما، فإن الصورة التي جاءتا بها إلى أبي بكر وعمر لا تكشف فقط عن رفض النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإعراضه عنهما، بل تكشف أيضا عن الندم الشديد الذي أنتابهما بعد هذه المحادثة فكانت كل منهما، تقول لأبيها: (يا أبتاه وددت أني لم أذكر له الذي ذكرت)(2).

فهذه الكلمات تنقل لنا صورة واضحة عن حالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتألمه لدرجة كان يظن فيها المتكلم أنه قد أسخط النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه، فاستحق نزول العذاب عليه من الله.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:

لماذا يتغير حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند سماعه المتكلم يذكر فاطمة عليها السلام في الزواج ؟!

وجوابه: أن ذلك لأحد هذه الأسباب، أو لعلها جميعاً:

السبب الأول

هو لخوفه صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة من أن يساء لها، أو أن تنتهك حرمتها فلا يحفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها، ولا يكرم بها،

ص: 180


1- البحار للعلامة المجلسي: ج 43، ص 124.
2- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 332، برقم (15211).

أو أن تجد قريش من خلالها ما يشفي غليلها من رسول الله فتنزل بها أنواع الأذى، لأنها قلبه وروحه التي بين جنبيه.

ولذلك أن الذي أساء إليها عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عارفاً بحجم الألم الذي أنزله على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلم كيف يسدد رميته ؟!

وعرف في أيّ موضع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أصاب - كما سيمر علينا في مجريات الأحداث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن شاء الله.

السبب الثاني

أن الحديث في زواج فاطمة عليها السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرك جرحا خلفه موت رقية رضي الله عنها، ويجدد ألما أحدثه بسبب وفاتها في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنها ومن خلال ما أخرجه أصحاب الصحاح قد ماتت بسبب الإساءة إليها وعدم رعايتها، فدعا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلن أمام الصحابة الذين حضروا دفنها عن سبب موتها وهو دامع العين محزون الفؤاد!

فقد أخرج البخاري والحاكم وغيرهما، واللفظ للبخاري:

(حدثني عبد الله المسندي(1)، حدثنا عفير حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس

ص: 181


1- الحافظ عبد الله بن محمد بن جعفر الجعفي البخاري، لقب المسندي لاعتنائه بالأحاديث المسندة؛ راجع التاريخ الكبير: ج 5، ص 189؛ تذكرة الحفاظ: ج 2، ص 69.

قال: لما ماتت رقية قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يدخل القبر رجل قارب أهله الليلة فلم يدخل عثمان القبر»)(1).

وفي رواية أخرى للبخاري، عن أنس: شهدنا ابنة لرسول الله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان! فقال:

هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة ؟!

قال أبو طلحة: أنا.

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنزل في قبرها».

فنزل في قبرها.

وقد قال البعض: إنها أم كلثوم وليست رقية ؟ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحضر دفنها فقد ماتت وهو في بدر(2).

وهذا القول لا يصل بصحته إلى ما أخرجه البخاري الذي نسب وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند قبر رقية، وبيانه ما عليه حالها مع عثمان مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أدرك دفنها عند عودته من بدر الكبرى، وهذا الحال نفسه يتكرر أيضا مع أم كلثوم فيبيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة أخرى الحالة التي عليها عثمان مع أم كلثوم وأنه لا يفي بوعوده التي قطعها على نفسه أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما تقدم مرة أخرى خاطبا

ص: 182


1- التاريخ الصغير للبخاري: ج 1، ص 30؛ الإصابة لابن حجر: ج 7، ص 650.
2- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 29-30؛ الاستيعاب: ج 4، برقم (3343)؛ غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال: ج 1، ص 152.

لأم كلثوم لدرجة أنه لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي بسبب خسارته الكبيرة لفقده مصاهرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا زوجه النبي مرة أخرى من ربيبته أم كلثوم رضي الله عنها، وعلى مثل صداقها وعشرتها(1).

وعليه فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة فلم يدخل عثمان القبر؟».

هو بيان منه صلى الله عليه وآله وسلم لسوء المعاملة، وعدم الاهتمام الذي كانت تتلقاه رقية رضي الله عنها فيهجرها تعاني آلامها وهي مصابة بالحصبة(2)، بينما يذهب يقضي الليل مع جاريته، ويأتي إلى دفن رقية وهو على جنابته!!!

فيؤذي ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتدمع عيناه! ولو كان الحال على ما يرضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكان قد همس في أذن عثمان، ولم يظهر حاله أمام الصحابة الذين حضروا دفن رقية رضي الله عنها(3).

ومن هنا:

فإن كل رجل كان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخطبة

ص: 183


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1952، برقم 4201؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج 7، ص 374؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 3، ص 153؛ المستدرك للحاكم: ج 4، ص 49.
2- الإصابة لابن حجر: ج 7، ص 650؛ أسد الغابة: ج 7، ص 115؛ الاستيعاب: ج 4، برقم (3343)؛ مستدرك الحاكم: ج 4، ص 48.
3- لمعرفة المزيد عن حياة (بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم الثلاثة: رقية، وأم كلثوم، وزينب) أنظر كتابنا الموسوم ب - (خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، الجزء الأول).

فاطمة عليها السلام، فهو إنما يذكره بذاك الألم ويحرك عليه ذلك الجرح الذي سببه سوء معاملة رقية رضي الله عنها؟ فيتغير حاله حتى يظن الخاطب أنه أسخط النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه.

السبب الثالث

أن التغير الذي يلاحظه المتكلم على حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو تعبير منه صلى الله عليه وآله وسلم عن المكانة الخاصة لفاطمة عليها السلام عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن المتقدم لها كان عليه أن يفهم أن الارتقاء للمقامات العظيمة عند الله عزّ وجل يحتاج إلى كفاءات تتناسب مع هذه المقامات، ولياقة متميزة وأهلية منفردة تمكنه من التقدم! بل عليه أن ينظر إلى هذا المقام السامي، من منظار القرب الإلهي، وأن يحمل رصيدا كبيرا في سجل التقوى لا في سجل المال والبنوك.

فالمتقدم لخطبة البضعة النبوية والصديقة الطاهرة وسيدة نساء العالمين وهو فاقد لتلك الكفاءات ومجرد من تلك المميزات! يكون تقدمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في موضع التجاسر. وتعدّياً للحدود التي فرضها الله عز وجل على المسلمين في آداب الخطاب بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عزّ وجل:

(لاٰ تَجْعَلُوا دُعٰاءَ اَلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوٰاذاً فَلْيَحْذَرِ اَلَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ )(1) .

ص: 184


1- سورة النور، الآية: 63.

ولذلك كان يتغير حاله صلى الله عليه وآله وسلم أمام المتكلم الخاطب كي يتهذب نفسيا وتربويا ويفهم أن الله عزّ وجل قد جعل حدودا في التعامل مع سيد الأنبياء عليهم السلام وأن الاقتران بسيدة نساء العالمين يلزم تحقق الكفاءة للخاطب.

ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفء»(1).

السبب الرابع

إن تغير حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لعلمه صلى الله عليه وآله وسلم بعدم صدق الذين تقدموا لخطبة فاطمة عليها السلام، فهو يعلم أنهم لن يصدقوا في رعايتها والحفاظ عليها، وصون حرمتها.

ولذا فهم غير جديرين بأن يودعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بضعته النبوية، ولا يستحقون أن يقلدهم قلبه وروحه التي بين جنبيه.

وقد صرّح النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لهم بتلك الحقيقة، وأعلن لهم عن أحد أسباب إعراضه عنهم وتزويجه علياً عليه السلام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

هي لك يا علي لست بدجال(2).

وقد حاول ابن سعد توجيه الحديث لغير معناه الواضح ودلالته البينة

ص: 185


1- مسند الفردوس للديلمي: ج 3، ص 373، رقم (5130)؛ وفاة فاطمة للبحراني: ص 10.
2- الثغور الباسمة للسيوطي: ص 21؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 16.

ومقصوده الجلي، قائلا عن الراوي:

(خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«هي لك يا علي لست بدجال»).

يعني: لستُ بكذاب، وذلك أنه قد وعد عليا بها قبل أن يخطب إليه أبو بكر وعمر(1).

وهذا التعليل من ابن سعد الذي جاء بضم التاء أراد به نفي الكذب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس الإمام علي عليه السلام بمعنى: نفي العلة عن الأشخاص الذين تقدموا لخطبة فاطمة عليها السلام، وهو تعليل خاطئ وتدليس وهذا أولاً.

ثانيا: قد ورد في كثير من الأحاديث: أن الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام كان آخر من تقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا؛ لأنهم يئسوا منها(2)، وفي أخرى أنه لم يذهب حتى عوتب من قبل جماعة من الأنصار(3)، وفي رواية أخرى أنه كان غير ملتفت أصلا إلى هذا الأمر(4)، وفي غير

ص: 186


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 20.
2- البحار للعلامة المجلسي ج 43، ص 92؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 410، برقم (1022)؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 223، رقم (15213).
3- رشفة الصادي للحضرمي: ص 9؛ كشف اليقين للحلي: ص 195؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 136-137، برقم 34 عن بريدة.
4- صحيح ابن حبان: ج 15، ص 393؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 331؛ المناقب لابن المغازلي: ص 17.

هذه الروايات: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث إليه فزوجه(1).

- كما سيمر بيانه لاحقا - فمتى وعده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفاطمة عليها السلام، وكما يقول ابن سعد: قبل أبي بكر وعمر.

ثالثا: لماذا لم يصرّح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أمام كل خاطب، فيعتذر منه: بأنه وعد عليا بها ولا يريد أن يخلف بوعده! أليس هذا أهون بكثير على نفوس المتقدمين إليه صلى الله عليه وآله وسلم من إعراضه وصدّه عنهم حتى كان يظن الرجل منهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم ساخط عليه أو أن وحيا نزل فيه ؟!

فإذن:

وبحسب ما جاء به هذا الحديث: فما زوّج النبي فاطمة لعلي عليهما السلام إلا لانتفاء العلة المانعة عنه، وثبوتها في غيره.

ص: 187


1- دلائل الإمامة للطبري: ص 12؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 345-347.

المبحث الثاني: تزويجها بالإمام علي عليه السلام

المسألة الأولى: دور الصحابة في خطبة الإمام علي لفاطمة عليهما السلام
اشارة

قد مرّ علينا في الفصل السابق: (تزاحم الصحابة فيما بينهم) لأجل الفوز ببضعة النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم.

لكن لم يحالف الحظ أحدا منهم بالوصول إلى ذلك المقام السامي، ولم تتوفر في أحدهم الكفاءة المطلوبة واللازمة لنيل هذا الفخر: بكونه زوجا لسيدة نساء العالمين.

ولأجل هذا التزاحم الذي كان بينهم ولإعراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنهم، فقد مدّت الأعناق وأحدقت الأبصار ب -: (علي بن أبي طالب عليه السلام)؟! لأنه الوحيد من بينهم الذي لم يتقدم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا فاطمة عليها السلام - هذا جانب -.

ص: 188

والجانب الآخر:

لاعتقاد قسم كثير منهم في أهلية الإمام علي عليه السلام لهذا المقام، بينما كان القسم الآخر يحاول رفع حالة الانكسار التي لحقته من رد النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، وجبرها بفعل جديد سجل فيه سعيه في خطبة الإمام علي لفاطمة عليهما السلام.

ومن هنا:

نجد أنّ الروايات التي تناولت الحديث من زواج الزهراء عليها السلام قد أشارت إلى تحرك أكثر من شخصية للحديث مع علي بن أبي طالب عليه السلام في تقدمه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا فاطمة عليهما السلام، فكانت على النحو التالي:

أولا: مجيء أبي بكر وعمر للإمام علي عليه السلام وعرضهما عليه الذهاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا
اشارة

إن مجيء أبي بكر وعمر للإمام علي عليه السلام بشأن خطبته لفاطمة عليها السلام قد تناولته مصادر المسلمين سواء التي تأخذ بالطرق المتصلة إلى صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو التي تأخذ بالطرق المتصلة إلى أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولهذا السبب أوردناهما أولا، على الرغم من أنهما كانا آخر من تحدث مع الإمام علي عليه السلام كما سيمر علينا.

ص: 189

ألف: ما جاء في ذلك من طرق الصحابة رضي الله عنهم

فقد أخرج ابن حبان، والطبراني، والهيثمي، والمناوي، وابن المغازلي وغيرهم بسند عن أنس بن مالك، أن عمر قال لأبي بكر بعد أن ردهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

(فانطلق بنا إلى علي حتى نأمره يطلب الذي طلبنا. قال علي عليه السلام:

«فأتياني وأنا أعالج فسيلا(1)».

فقال: ألا أتيت ابن عمك تخطب ابنته ؟ قال علي عليه السلام:

«فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي طرفا على عاتقي وطرفا على الأرض حتى أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم»(2).

وفي هذه الرواية: كان الذي يتحدث مع الإمام علي عليه السلام هو عمر بن الخطاب لكن أنس لم يفصح عنه هنا كما تدل عليه رواية الهيثمي قائلا:

(فانطلق عمر إلى علي بن أبي طالب فقال: ما يمنعك من فاطمة ؟ فقال:

«أخشى أن لا يزوجني!».

قال: فإن لم يزوجك فمن يزوج ؟ وأنت أقرب خلق الله إليه(3)، فانطلق علي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 190


1- الفسيل: هو شجرة النخيل.
2- صحيح ابن حبان: ج 15، ص 393؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 407؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 331، برقم (15210)؛ مناقب أمير المؤمنين علي عليه السلام: ص 217؛ إتحاف السائل للمنادي: ص 34-35؛ رشفة الصادي للحضرمي: ص 13؛ غرر البهاء الضوي: ص 291-292؛ السيرة الحلبية: ج 2، ص 472؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 185؛ موارد الظمآن للهيثمي: ج 7، ص 171.
3- مجمع الزوائد: ج 9، ص 332، برقم 15211.
باء: ما جاء في ذلك من طرق أهل البيت عليهم السلام

فقد أخرج الشيخ الطوسي، وابن شهر آشوب، وغيرهما، عن جويبر بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول:

«أتاني أبو بكر وعمر فقالا لو أتيت رسول الله فذكرت له فاطمة»(1).

ثانيا: مجيء نفر من الأنصار إلى الإمام علي عليه السلام

عن بريدة قال: قال نفر من الأنصار لعلي بن أبي طالب عليه السلام:

(لو خطبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخليق أن يزوجكها، فقال عليه السلام:

«فكيف وقد خطبها أشراف قريش فلم يزوجها».

فدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليخطبها فسلم، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هيبة وجلالة فأفحم فلم يتكلم. فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما حاجتك يا ابن أبي طالب ؟».

فسكت، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«لعلك جئت تخطب فاطمة ؟».

فقال:

«نعم».

ص: 191


1- الأمالي للطوسي: ص 39؛ مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص 345؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 45، ح 4؛ المختصر لحسن بن سليمان الحلي.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«مرحبا وأهلا».

فخرج إلى الرهط من الأنصار ينتظرونه، فقالوا ما وراءك ؟ قال:

«لا أدري غير أنه قال: مرحبا وأهلا».

فقالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحداهما قد أعطاك الأهل والرحب(1).

ثالثا: مجيء مولاة لعلي عليه السلام بشأن خطبته لفاطمة عليها السلام

فقالت لعلي عليه السلام:

(قد خطبت فاطمة عليها السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما يمنعك من رسول الله أن تأتيه فيزوجك ؟.

فقال:

«أو عندي شيء أتزوج به!».

فقالت:

«إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجكها»)؟(2).

ص: 192


1- السنن الكبرى للبيهقي: ج 6، ص 73؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 19، ص 143؛ رشفة الصادي للحضرمي: ص 9-10 من المقدمة؛ المشرع الردي: ص 1-3 من المقدمة؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 136-137.
2- البحار للمجلسي: ج 43، ص 136، (عن جاهد)؛ رشفة الصادي: ص 9 من المقدمة؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 348؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 2، ص 541.
رابعا: سعد بن معاذ يطلب من الإمام علي عليه السلام الذهاب لرسول الله خاطبا

وهو ما أخرجه عبد الرزاق الصنعاني بسنده عن ابن عباس أنه قال: (كانت فاطمة تذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يذكرها أحد إلا صدّ عنه، حتى يئسوا منها، فلقي سعد بن معاذ عليا، فقال:

إني والله ما أرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد بها غيرك.

فقال له علي عليه السلام:

«لما تر ذلك. فو الله ما أنا بواحد من الرجلين، ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي، وقد علم صلى الله عليه وآله وسلم ما لي صفراء ولا بيضاء، ولا أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه - يعني يتألفه بها - إني لأول من أسلم».

فقال سعد: فإني أعزم عليك لتفرجنها عني، فإن في ذلك فرجاً!

فقال له علي عليه السلام:

«فأقول ماذا؟».

قال: تقول: جئتك خاطبا إلى الله تعالى وإلى رسوله فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فانطلق علي عليه السلام فعرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي سفل حصير، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«كأن لك حاجة يا علي ؟».

قال عليه السلام:

«اجل».

ص: 193

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«هات ؟».

فقال عليه السلام:

«جئت خاطبا إلى الله ورسوله فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم».

فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«مرحبا، كلمة ضعيفة».

ثم رجع إلى سعد بن معاذ، فقال له: ما فعلت ؟ قال عليه السلام:

«فعلت الذي أمرتني به، فلم يزد على أن رحب بي كلمة ضعيفة»..

فقال سعد:

لقد أنكحك ابنته والذي بعثه بالحق إنه لا يخلف الآن ولا يكذب عنده»)(1).

المسألة الثانية: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث خلف علي عليه السلام فيزوجه

لقد أشارت بعض الروايات إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث خلف الإمام علي عليه السلام ليزوجه بفاطمة دون أن يكون هناك دور للصحابة.

ص: 194


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 5، ص 486؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 207؛ الأحاديث الطوال للطبراني: ص 140؛ المجمع الكبير للطبراني: ج 22، ص 410؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 359؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي: ج 11، ص 40؛ كشف اليقين للعلامة الحلي: ص 195-196.

فقد أخرج الشيخ الصدوق وفرات الكوفي والطبري(1) عن وهب عن جعفر بن محمد - الصادق - عن أبيه عن جده عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال:

«أتاني رسول، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وهو سلمان المحمدي - فقال: أجب يا علي (رسول الله) وأسرع!.

قال علي عليه السلام:

فأسرعت المضي إليه فلما دخلت ونظرت إليه فما رأيته أشد فرحا من ذلك اليوم فأبصرني، فتهلل وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه ولها بريق، وقال: أبشر يا علي فإن الله قد كفاني ما همني فيك من أمر تزويجك»(2).

وفي رواية انفرد بها ابن شهر آشوب:

(إن سلمان المحمدي أتى إليه وقال: أجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!.

فلما دخل عليه قال:

«أبشر يا علي فإن الله قد زوجك بها في السماء قبل أن أزوجكها في الأرض ولقد أتاني ملك وقال أبشر يا محمد باجتماع الشمل، وطهارة النسل.

قلت: وما اسمك ؟ قال: نسطائيل عن موكلي قوائم العرش سألت الله هذه البشارة وجبرائيل على أثري»(3).

ص: 195


1- أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري المازندراني، من الوجوه البارزة بين فقهاء الشيعة في القرن الرابع الهجري ومن معاصري الشيخين الطوسي والنجاشي.
2- دلائل الإمامة: ص 14؛ مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص 347.
3- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 345.
المسألة الثالثة: كيف جرت خطبة علي لفاطمة عليهما السلام ؟ أهي من طريق حديث الصحابة معه ؟ أم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث إليه ؟!
اشارة

كيف جرت خطبة الإمام علي لفاطمة عليهما السلام ؟ هذا السؤال تتوقف الإجابة عليه بمعرفة التسلسل الحدثي للخطبة، إذ إن الروايات قد تداخلت في ذكرها للحدث كما مرّ علينا بحيث أنها عرضت الخطبة بين تحرك الصحابة وطلبهم من علي عليه السلام الذهاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين إرسال النبي إليه وتزويجه دون الإشارة إليهم.

ولوجود هذا التداخل فيما بين هذه الروايات قمنا بإرجاع الخطبة إلى تسلسلها الحدثي كي تبدو الصورة واضحة أمام القارئ الكريم، وتحمل خطوطاً بينة أمام الباحث الذي يريد إكمال ما لم نوفق إليه. فكانت خطبة علي لفاطمة عليهما السلام بهذا الشكل.

الحدث الأول: علي عليه السلام هو من بادر لخطبة فاطمة دون أن يتدخل أحد من الصحابة في ذلك

إن الإمام علياً عليه السلام كان قد ذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يتحدث إليه أحد من الصحابة ويطلب منه أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وإنه عليه السلام كان حريصا أشد الحرص على الاقتران ببضعة المصطفى لدرجة أنه كان يخشى أن يزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لغيره، ولذلك قام وذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تشير الرواية التي أخرجها

ص: 196

الشيخ الصدوق عن أبيه بسنده إلى الإمام جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال:

«لقد هممت بتزويج بنت محمد صلوات الله عليهما فاطمة حيناً ولم أتجرأ أن أذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن ذلك اختلج في صدري ليلا ونهارا، حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:

يا علي!

قلت: لبيك يا رسول الله.

قال: هل لك في التزويج ؟

قلت: الله ورسوله أعلم، وظننت أنه يريد أن يزوجني بعض نساء قريش! وإني لخائف على فوت فاطمة»(1).

والمسألة الملاحظة في هذه الفقرة من الرواية: أن الإمام علياً عليه السلام لم يحصل على ما جاء من أجله، بل إنه توقع عكس ذلك بقوله:

«فظننت أنه يريد أن يزوجني بعض نساء قريش».

فخرج وهو ظانّ ذلك.

أما غاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السؤال فكانت: من أجل معرفة رغبة الإمام علي عليه السلام في الزواج بشكل عام فإن كانت له هذه الرغبة زوجه من ابنته فاطمة عليها السلام.

ص: 197


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 654؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 14؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 201؛ تفسير فرات الكوفي: ص 414؛ البحار: ج 43، ص 103، ح 12 و 13.
الحدث الثاني: مجيء مجموعة من الأنصار إلى الإمام علي عليه السلام بعد خروجه من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

فكان مجيء الأنصار إلى الإمام علي عليه السلام وكانوا قد جاؤوا إليه بعد خروجه من بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتحدثوا إليه قائلين: لو خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخليق أن يزوجكما؟ وهنا: لم يرد الإمام علي عليه السلام أن يخبرهم أنه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتكلم معهم عما في نفسه امتثالا للحياء، ولأن الله ورسوله أعلم بما في نفسه.

فرد عليهم بقوله:

«فكيف وقد خطبها أشراف قريش فلم يزوجها».

فلما طلبوا منه الذهاب امتثل لطلبهم ؟!

لأن عدم الذهاب يفسح المجال أمام البعض في الحديث من وجود مانع يمنع عن الزواج.

فلذا ذهب عليه السلام لمنع تساؤل كهذا وثانيا: لعله يجد ما كان يسعي إليه هذه المرة.

(فلما دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم امتلكته هيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجلالته ولم يستطع أن يتكلم! فبادره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسؤال قائلا:

«ما حاجتك يا ابن أبي طالب ؟».

فسكت، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«لعلك جئت تخطب فاطمة ؟».

ص: 198

فقال:

«نعم».

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«مرحبا وأهلا».

فخرج على الرهط من الأنصار ينتظرونه، فقالوا ما وراءك ؟ قال:

«لا أدري غير أنه قال: مرحبا وأهلا».

فقالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحداهما فقد أعطاك الأهل والرحب)(1).

والملاحظ هنا:

أنه عليه السلام لم يحصل على الجواب القاطع، بل رأى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدم الإعراض عنه فلذا قال:

«لا أدري غير أنه قال: مرحبا وأهلا».

فرد عليه الأنصار مطمئنين له نتيجة هذه المقابلة بقولهم: (يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحداهما فقد أعطاك الأهل والرحب)، والظاهر أن سعد بن معاذ كان من ضمنهم وقد تحدّث إليه منفردا.

الحدث الثالث: مجيء أبي بكر وعمر للإمام علي عليه السلام بعد ذهاب الأنصار إليه
اشارة

بعد أن خرج الإمام علي عليه السلام بهذه النتيجة التي لم تورد على نفسه الاستقرار، بل جعلته يزداد شوقا وخوفا من تغير القضاء لغير صالحه، فكان بين

ص: 199


1- قد مرّ تخريجهما في مواضعهما.

انتظار نزول رحمة الله التي تغمره بإتمام الأمر وتحققه، وبين الخوف بنزول الوحي فيأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتزويجها لغيره.

وبين تجاذب الشوق والخوف جاء إليه أبو بكر وعمر بن الخطاب، وهما آخر من تحدث معه بشأن الذهاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا فاطمة عليها السلام للأدلة التالية:

أولا: تكرر ذهاب أبي بكر وعمر لخطبة الزهراء عليها السلام

قد أوردنا ما أخرجه بعض الحفاظ في مصنفاتهم(1): إنهما، أي: أبو بكر وعمر، قد ذهبا مرات عديدة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبين بضعته، ورده لهما في كل مرة، فهذه المحاولات حالت دون مجيئهما للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ لأنهما لم يقطعا الأمل بعد في الحصول على بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ثانيا: اقتناع أبي بكر وعمر بعدم جدوى تكرار خطبة فاطمة عليها السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

بعد هذه المحاولات العديدة التي قوبلت بالرفض عدلا عن الذهاب مجددا؛ إذ وجدا أنه لا جدوى من تكرار المحاولة، ولاسيما أن الأنصار قد فهمت ذلك قبلهما وأيقنت به فلذا توجهوا إلى علي عليه السلام ليعرضوا عليه الذهاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا، فمن غير علي بن أبي طالب لفاطمة عليهما السلام.

ص: 200


1- قد مرّ تخريجهما في مواضعهما.
ثالثا: إن ذهاب أبي بكر وعمر إلى علي كان بعد ذهاب الأنصار إليه

بعد أن شاهد أبو بكر وعمر أن الأنصار قد ذهبت إلى علي عليه السلام وسجلوا بذلك مبادرتهم الطيبة في تزويج علي، فإنهما قاما وقدما على علي عليه السلام يحدثانه بالذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا ابنته.

رابعا: ولأنهما قد وجدا في ذلك التحرك

أي: ذهابهما إلى علي عليه السلام يحقق لهما المنفعة في كلتا الحالتين انتفاعهما، سواء رفض النبي ذلك أم قبوله بعلي.

وذلك أن حالة رد النبي ذلك لعلي ورفضه له كما ردهما، انتفعا من ذلك بتجدد الأمل في الحصول على بضعة الهادي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ لم يبقَ إلا علي عليه السلام لم يتقدم، وهو قد رده النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحينها لا مانع من المحاولة.

وفي حالة قبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي زوجاً لفاطمة انتفعا من تسجيل موقف بسعيهما إلى علي بشأن تقدمه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا إليه ابنته فاطمة عليها السلام.

والظاهر أن سبب التركيز على مجيئهما إلى الإمام علي عليه السلام عند أكثر الرواة كان لهذا السبب ولكن حقيقة الأمر تختلف كليا:

إذ إن تزويج فاطمة بعلي عليهما السلام لم يكن مرتبطا بحديث أبي بكر وعمر مع الإمام علي عليه السلام ولا بحديث أحد من الأنصار؟! إنما الأمر كان مرتبطا بنزول الوحي لتعين الوقت الذي أراده الله عزّ وجل لحكمة خاصة متعلقة

ص: 201

بنتائج هذا الزواج.

فقد ذهب الإمام علي عليه السلام بعد أن جاءه أبو بكر وعمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن هذه المرة امتازت بإفصاح الإمام عما في نفسه - قال عليه السلام:

«فأتيته - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحك ثم قال: ما جاء بك يا أبا الحسن ما حاجتك ؟

قال عليه السلام: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام، ونصرتي له وجهادي.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: صدقت فأنت أفضل مما تذكر.

فقلت: يا رسول الله فاطمة تزوجنيها؟

فقال: يا علي قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك.

فدخل عليها، فقامت فأخذت رداءه ونزعت نعليه وأتته بالوضوء، فوضأته بيدها وغسلت رجليه ثم قعدت.

فقال لها: يا فاطمة ؟!

فقالت: لبيك حاجتك يا رسول الله.

قال: إن علي بن أبي طالب قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه، وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه، وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئا فما ترين ؟!

فسكتت ولم تول وجهها، ولم ير فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كراهة.

ص: 202

فقام صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: الله أكبر سكوتها إقرارها(1).

فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد زوجها علي بن أبي طالب، فإن الله قد رضيها له ورضيه لها.

قال علي: فزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أتاني فأخذ بيدي فقال:

قم بسم الله، وقل على بركة الله وما شاء الله لا قوة إلا بالله توكلت على الله.

ثم جاءني حتى أقعدني عندها عليها السلام.

ثم قال: اللهم إنهما أحب خلقك علي فأحبهما وبارك في ذريتهما واجعل عليهما منك حافظا وإني اعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم»(2).

دلالة الرواية:

فقد دلت هذه الرواية على: أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قد فارق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المجلس وهو حامل معه قبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبول فاطمة عليها السلام من ناحية.

ومن ناحية أخرى هو منتظرٌ أن يقوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإعلان عن هذا الزواج ويباشر بإتمامه.

لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعلن عن هذا الزواج مباشرة، والسبب في ذلك يعود إلى انتظاره صلى الله عليه وآله وسلم بنزول الوحي حاملا إليه الإذن بالإعلان والإتمام لهذا الزواج.

ص: 203


1- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 350.
2- الأمالي للشيخ الطوسي: ص 40؛ وعنه المجلسي في البحار: ج 43، ص 93، ح 4.
الحدث الرابع: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلن للمسلمين عن تزويج فاطمة وعلي عليهما السلام
اشارة

بعد أن علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة رضاها بعلي زوجا، وهبوط جبرائيل عليها السلام حاملا رضا الله لرضاها كما هو واضح من خلال الرواية والتي دلت على خاصية من خواصها التي لم تحظَ بها امرأة من العالمين فبمجرد أن حصل الرضا منها هبط جبرائيل عليه السلام ليخبر النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم برضا الله لهذا الاختيار لكل منهما عليهما السلام.

فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتظر الإذن من الله عزّ وجل بالإعلان عن هذا الزواج فكان الإعلان عنه على مرحلتين:

أولا: الإعلان الخاص للزواج

فإن هذا الإعلان كان خاصا بالإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فهو أول من بشر بذلك فعن الإمام الصادق عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال:

«أتاني رسول، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أجب يا علي رسول الله وأسرع ؟!! قال: فأسرعت المضي إليه، فلما دخلت ونظرت إليه، فما رأيته أشد فرحا من ذلك اليوم، فأبصرني فتهلل وتبسم حتى نظرت إلى بياض أسنانه ولها بريق، وقال: أبشر يا علي فإن الله عزّ وجل قد كفاني ما همني فيك من أمر تزويجك»(1).

وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«يا أبا الحسن أبشر؟!.

ص: 204


1- دلائل الإمامة للطبري: ص 14؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 347؛ البحار: ج 43، ص 101، ح 12، نقلا عن أمالي الصدوق رحمه الله مع تغيير بسيط.

قال علي عليه السلام:

قلت، نعم فداك أبي وأمي بشرني، فإنك لا تزل ميمون النقيبة، مبارك الطائر، رشيد الأمر، صلى الله عليك».

فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أبشر يا علي فإن الله عزّ وجل قد زوجك بها في السماء قبل أن أزوجكها في الأرض ولقد أتاني ملك وقال أبشر يا محمد باجتماع الشمل وطهارة النسل.

قلت:

«وما اسمك ؟».

قال:

نسطائيل من موكلي قوائم العرش سألت الله عزّ وجل هذه البشارة وجبرائيل على أثري، يخبرك عن ربك عزّ وجل بكرامة الله تعالى(1)».

ثانيا: الإعلان العام لتزويج فاطمة وعلي عليهما السلام.

لم يقمْ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإعلان عن تزويج فاطمة علياً عليهما السلام حتى نزل عليه الوحي فأمره بالإعلان عنه وقد كشف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الحقيقة قائلا:

«إن الله عزّ وجل أمرني أن أزوجها من علي ولم يأذن لي في إفشائه إلى هذا الوقت، ولم أكن لأفشي ما أمر الله عزّ وجل به»(2).

فكان الإعلان العام عن هذا الزواج على النحو التالي:

ص: 205


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر: ج 3، ص 345؛ البحار: ج 43، ص 127، باختلاف يسير.
2- مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام لابن المغازلي الشافعي: ص 217، حديث رقم 397.

فعن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام عن جابر قال:

(لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يزوج فاطمة عليا، قال له:

«أخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في أثرك فمزوجك بحضرة الناس وذاكر من فضل ما تقر به عينك».

قال علي - عليه السلام -:

«فخرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا ممتلئ فرحا وسرورا فاستقبلني أبو بكر وعمر فقالا ما وراءك يا أبا الحسن ؟

فقلت: يزوجني رسول الله فاطمة، وأخبرني أن الله زوجنيها، وهذا رسول الله خارج في أثري ليذكر بحضرة الناس، ففرحا وسرا ودخلا معي المسجد فو الله ما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله، وإن وجهه ليتهلل فرحا وسرورا».

أقول: لم يفرح أبو بكر وعمر بهذا الزواج - كما سيمر بيانه من خلال الروايات والأحداث، بل أظهرا فرحاً وأخفيا امتعاضاً ولقد كانا من أشد المعترضين على فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

إلاّ أننا هنا نعود إلى حديث الإمام علي عليه السلام قائلاً:

«فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أين بلال ؟ قال: لبيك وسعديك، فقال: وأين المقداد؟ فلباه، فقال وأين سلمان ؟ فلباه، فلما مثلوا بين يديه قال: انطلقوا بأجمعكم إلى جنيات المدينة واجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين.

فانطلقوا لأمره، فأقبل حتى جلس على أعلى درجة من منبره فلما حشد المسجد بأهله قام صلى الله عليه وآله وسلم حمد الله وأثنى عليه، وقال:

الحمد لله الذي رفع السماء فبناها وبسط الأرض ودحاها، وأثبتها بالجبال فأرساها

ص: 206

وتجلل عن تعبير لغات الناطقين وجعل الجنة ثواب المتقين، والنار عقاب الظالمين، وجعلني رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين.

عباد الله إنكم في دار أمل بين حياة وأجل، وصحة وعلل، دار زوال متقلبة الحال جعلت سببا للارتحال، فرحم الله أمرأً قصر عن أمله، وجد في عمله، وانفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوته، فقدمه ليوم فاقته، يوم تحشر فيه الأموات، وتخشع فيه الأصوات وتنكر الأولاد والأمهات، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، يوم يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره يوم تبطل الأنساب وتقطع الأسباب، ويشتد على المجرمين الحساب، ويدفعون إلى العذاب، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.

أيها الناس! إنما الأنبياء حجج الله في أرضه والناطقون بكتابه العاملون بوحيه وإن الله تعالى أمرني أن أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي، وأولى الناس بي علي بن أبي طالب، والله عزّ شأنه قد زوجه بها في السماء، وأشهد الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض وأشهدكم على ذلك، ثم جلس»(1).

وفي خبر أنه خطبهم بهذه الكلمات فقال:

الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه وسطوته النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه،

ص: 207


1- دلائل الإمامة للطبري: ص 16-17؛ مستدرك الوسائل: ج 14، ص 205؛ نوادر المعجزات لمحمد بن جرير الطبري: ص 87؛ مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني: ج 2، ص 332؛ جامع أحاديث الشيعة للبروجردي: ج 20، ص 117؛ نهج السعادة للشيخ المحمودي: ج 1، ص 18.

وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

إن الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة سببا لاحقا وأمرا مفترضا، أوشج به الأرحام، وألزم به الأنام، وقال عز من قال:

(وَ هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ مِنَ اَلْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كٰانَ رَبُّكَ قَدِيراً)(1) .

فأمر الله يجري على قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب؛

(يَمْحُوا اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتٰابِ )(2) .

ثم أن الله عز وجل أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب فاشهدوا أني قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضا بذلك علي ؟».

فقال علي:

«رضيت يا رسول الله»(3).

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«فنعم الأخ أنت ونعم الحنين أنت، ونعم الصاحب أنت، وكفاك برضا الله رضا».

فخرّ علي ساجدا شكرا لله تعالى وهو يقول:

(رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ اَلَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ )(4) .

ص: 208


1- سورة الفرقان، الآية: 54.
2- سورة الرعد، الآية: 39.
3- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 359؛ المشرع الروي: ص 3-5؛ وعنه الحضرمي في رشفة الصادي: ص 10-11.
4- سورة النمل، الآية: 19. وفي سورة الأحقاف، الآية: 15؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 202

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«آمين»(1).

فلما رفع رأسه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«بارك الله عليكما وبارك فيكما وأسعد جدكما، وجمع بينكما وأخرج منكما الكثير الطيب(2)».

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«قم يا علي وأخطب لنفسك».

فقال علي عليه السلام:

«أخطب يا رسول الله وأنت حاضر؟!».

فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -:

«أخطب فهكذا أمرني جبرائيل أن آمرك تخطب لنفسك، ولولا أن الخطيب في الجنان داود لكنت أنت يا علي».

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أيها الناس اسمعوا قول نبيكم إن الله بعث أربعة آلاف نبي، ولكل نبي وصي، فأنا خير الأنبياء، ووصيي خير الأوصياء».

ثم أمسك صلى الله عليه وآله وسلم. وابتدأ الإمام عليه السلام فقال:

«الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين، وأنار بثواقب عظمته قلوب المتقين، وأوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين، وأبهج بابن عمي المصطفى العالمين،

ص: 209


1- بحار الأنوار: ج 43، ص 112.
2- بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 112؛ رشفة الصادي: ص 11، من المقدمة.

حتى علت دعوته دعوة الملحدين، واستظهرت كلمته على بواطن المبطلين، وجعله خاتم النبيين وسيد المرسلين، فبلّغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وأنار من الله آياته.

فالحمد لله الذي خلق العباد بقدرته، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد ورحم وكرم وشرف وعظم.

والحمد لله على نعمائه وأياديه، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة إخلاص ترضيه، وأصلي على نبيه محمد صلاة تزلفه وتحظيه.

وبعد: فإن النكاح مما أمر الله تعالى به، وأذن فيه، ومجلسنا هذا، مما قضاه الله تعالى ورضيه، وهذا محمد بن عبد الله، رسول الله، زوجني ابنته فاطمة على صداق أربعمائة درهم ودينار، وقد رضيت بذلك فاسألوه واشهدوا».

فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله ؟ قال:

«نعم».

قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما وجمع شملهما»)(1).

ص: 210


1- دلائل الإمامة للطبري: ص 17؛ البحار: ج 43، ص 112، وص 127-130؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 350، (باختصار)، نقلا عن: يحيى بن معين في أماليه؛ وابن بطة في الإبانة عن أنس بن مالك الفاضل للمبرد: ص 17؛ مستدرك الوسائل للنوري: ج 14، ص 206.

المبحث الثالث: النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوجها من علي عليه السلام أم الله عزّ وجل ؟

المسألة الأولى: النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يرد على المعترضين عليه تزويجه فاطمة من علي عليه السلام
اشارة

هكذا كانت الأجواء التي رافقت إعلان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تزويج فاطمة أجواء غمرتها الفرحة والسرور، وعلتها أصوات الدعوات لهما بالخير والبركة.

لكن برز من بين هذه الأصوات صوت معارض لفعل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم جاعلا من مهر فاطمة وسيلة يمرر من خلالها اعتراضه!.

بينما كان البعض الآخر قد أعلن وبصراحة عما في نفسه، مجاهرا باعتراضه على هذا الزواج، عادّاً منع النبي له وإعراضه عنه، ثم تزويجه عليا، إنما هو تجاهل لمكانته الاجتماعية، ووجاهته وعزه العشائري! ولم يفصح لنا التاريخ عن

ص: 211

أصحاب هذه الاعتراضات، ويصرح لنا بأسمائهم إلا أن من الأمور البديهية في الحياة أن يكون المعارض هو من يشعر بخسارة ما كان يسعى من أجله وحينما نرجع إلى الروايات السابقة نجد أن أكثر الذين كانوا يحرصون على خطبة فاطمة هما أبو بكر وعمر ومن ثمّ فمن المرجّح أنهما كانا أكثر المعترضين لاسيما وإن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يخصهم في حديثه حينما يبين للناس أن الله هو الذي زوّجهما.

ولذلك: نجد أن التاريخ إنما اكتفى بنقل تلك الأحاديث التي ردّ بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هؤلاء المعترضين والتي تدل على أن هذه الاعتراضات استمرت لمدّة! مما دعا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلن لهم ومرارا أن هذا الفعل ليس منه، ولكن من الله عز وجل، وأن الذي زوج فاطمة بعلي هو الرحمن، وليس هو صلى الله عليه وآله وسلم ولذا خاطبهم قائلا:

«والله ما أنا منعتكم وزوجته بل الله منعكم وزوجه»(1).

وقال لهم أيضا:

«إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي»(2).

وفي قول آخر:

ص: 212


1- عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 203؛ البحار: ج 43، ص 92؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 186؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 204؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 37، ص 13.
2- المعجم الكبير للطبراني: ج 10، ص 156؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 1، ص 259؛ إتحاف السائل للمناوي: ص 34؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 204؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 37، ص 13.

«ما زوجت فاطمة إلا لما أمرني الله عز وجل بتزويجها»(1).

والذي يظهر من خلال الروايات، أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحدثهم عن تزويج فاطمة في أوقات مختلفة وفي مناسبات عديدة وبطرق متنوعة، والسبب في ذلك من أمرين:

الأمر الأول: الإعلان عن مكانة فاطمة عند الله تعالى

كي يعلم الجميع مكانة فاطمة وعلي عليهما السلام عند الله عزّ وجل، وأن هذا الزواج الذي تم في السماء وبتلك المراسيم لم يكن لأحد من الخلق.

الأمر الثاني: حفظ المسلمين ولاسيما المعترضين عليه من الهلاك
اشارة

إن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان للحفاظ على جمع شمل المسلمين، ولحرصه صلى الله عليه وآله وسلم على نجاتهم؛ لأن الاعتراض عليه صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو اعتراض على الله عزّ وجل وأن الظان بأن أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن مسددة من الوحي لم يصح إيمانه بنبوته.

فكان بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم على النحو التالي:

أولا: رده صلى الله عليه وآله وسلم على مَن اعترض على تزويجها من علي بن أبي طالب عليه السلام في المسجد

عن جابر بن سمرة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أيها الناس هذا علي بن أبي طالب، وأنتم تزعمون أني أنا زوجته ابنتي فاطمة ولقد

ص: 213


1- عيون أخبار الرضا للصدوق: ج 1، ص 64؛ البحار: ج 43، ص 104 و ص 16؛ مناقب الإمام علي عليه السلام للكوفي: ص 218؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 17، ص 90.

خطبها إلي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك أتوقع الخبر من السماء حتى نادني جبرائيل ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام وقد جمع الروحانيين والكروبيين في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى، وزوج فاطمة عليا وأمرني فكنت الخاطب والله تعالى الوحي»(1).

والحديث يدل على جملة من الأمور، منها:

1 - إن الخطاب كان منه صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد ولذا قال: أيها الناس؛ وهذا يدل على أن المعترضين كان يؤلبون الناس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما استدعاه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخاطبهم جميعاً.

2 - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد في هذا البيان إظهار زيف ادعاء المعترضين على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي كان يردهم عن زواج فاطمة عليها السلام في حين أرجعهم إلى جادة الإيمان من خلال تذكيرهم بأنه لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى وأن منعهم وردهم وتزويجها من علي كان بأمر الله تعالى لا كما يدّعي المعترضون الذين لا يرون أن الأمر مرتبط بالسماء ولذا واصلوا احتجاجاتهم وتأليب الناس على ذلك.

3 - أن نزول الأمر الإلهي من السماء كان كما أظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة الرابعة والعشرين من شهر رمضان وفي هذه الليلة، أي الرابعة والعشرون كان انعقاد النطفة النورانية لفاطمة عليها السلام كما مر بيانه في الفصل الأول من الكتاب.

ص: 214


1- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 377؛ الغدير للعلامة الأميني: ج 2، ص 315؛ نقلاً عن كفاية الطالب للكنجي: ص 164؛ بحار الأنوار: ج 43، ص 139.

مما يدل على أن لهذه الليلة علاقة مع فاطمة الزهراء عليها السلام - ولعلنا نوفق لمعرفة الحكمة في ذلك بعون الله -.

إلا أننا هنا يمكن أن نرى جانباً من هذا التوقيت وهو أن خطبتها كانت بعد مرور سبعة أيام على معركة بدر الكبرى التي وقعت في اليوم السابع عشر من شهر رمضان، وكأن الأمر كان متناغما مع تحقق النصر الإلهي للمسلمين وتعزيز الإيمان بالغيب بعد نزول الملائكة في بدر.

ثانيا: جوابه صلى الله عليه وآله وسلم لمن اعترض على تزويجها بمهر قليل

عن جابر الأنصاري قال:

(لما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة من علي أتاه أناس من قريش فقالوا إنك زوجت عليا بمهر خسيس ؟! فقال لهم:

«ما أنا زوجت عليا ولكن الله تعالى زوجه»)(1).

المسألة الثانية: بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمواضع التي تم فيها زواج فاطمة علياً في السماء
اشارة

في هذا الجانب يظهر النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين مكانة علي وفاطمة عند الله عزّ وجل، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أمره الله بتزويجها في مرحلة الإسراء في ثلاثة مواضع.

ص: 215


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 3، ص 401؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42، ص 127؛ الدرر النظيم لابن أبي حاتم: ص 409؛ فضال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة الكوفي: ص 106؛ الأمالي للشيخ الطوسي: ص 258؛ دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري (الإمامي): ص 101؛ البحار: ج 8، ص 191.
الموضوع الأول: عند سدرة المنتهى

وهو ما أخرجه الشيخ الصدوق عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عن جده عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«ما أنا زوجت عليا ولكن الله عز وجل زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى، فأوحى الله عزّ وجل إلى السدرة أن انثري - ما عليك - فنثرت الدر والجوهر على الحور العين فهنّ يتهادينه ويتفاخرن به ويقلن هذا من نثار فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

الموضوع الثاني: عند وصوله صلى الله عليه وآله وسلم من الدنو الذي أشارت إليه الآية الكريمة

(ثُمَّ دَنٰا فَتَدَلّٰى (8) فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ )(2) .

عن عبد الله بن عمار عن ابي بكر عن حمران، قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل في كتابه:

(ثُمَّ دَنٰا فَتَدَلّٰى (8) فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ ) .

(قال: «أدنى الله عزّ وجل محمدا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن بينه وبينه إلا قفس من لؤلؤ فيه فراش يتلألأ من ذهب فأري صورة فقيل يا محمد أتعرف هذه الصورة ؟ فقال: نعم هذه صورة علي بن أبي طالب، فأوحى الله إلي أن أزوجه فاطمة وأتخذه وصيا(3)».

ص: 216


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 3، ص 401؛ البحار: ج 43، ص 104، ح 15؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42، ص 127.
2- سورة النجم، الآيتان: 8 و 9.
3- البحار: ج 18، ص 410، ح 122؛ مستدرك سفينة البحار للشاهرودي: ج 6، ص 390؛ تأويل الآيات الظاهرة: ج 2، ص 626.

وفي رواية: وليا)(1).

الموضوع الثالث: عند العرش

عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عن جده علي عليه السلام، في قوله عزّ وجل:

(إِذْ يَغْشَى اَلسِّدْرَةَ مٰا يَغْشىٰ )(2) .

«قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لما أسري به إلى ربه، قال: وقف بي جبرائيل عند شجرة عظيمة لم أرَ مثلها، على كل غصن منها ملك، وعلى كل ورقة منها ملك وعلى كل ثمرة منها ملك، وقد تجللها نور من نور الله عزّ وجل.

فقال جبرائيل: هذه سدرة المنتهى كان ينتهي الأنبياء قبلك إليها، ثم لا يجاوزونها، وأنت تجوزها إن شاء الله ليريك من آياته الكبرى، فاطمئن أيدك الله بالثبات حتى تستكمل كرامات ربك وتصير إلى جواره.

ثم صعد بي إلى تحت العرش، فدنا إلي رف أخضر فرفعني الرف بإذن الله إلى ربي فصرت عنده وانقطع عني أصوات الملائكة ودويهم وذهبت المخاوف والروعات، وهدأت نفسي واستبشرت وجعلت انتبه وأنقبض، ووقع علي السرور والاستبشار، وظننت أن جميع الخلق قد ماتوا ولم أر غيري أحدا من خلقه شركني ما شاء، ثم رد علي روحي، فأفقت وكان توفيقا من ربي أن غمضت عيني فكل بصري، فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني، بل أبعد

ص: 217


1- البحار: ج 18، ص 302، ص 6؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 222.
2- سورة النجم، الآية: 16.

وأبلغ، فذلك قوله تعالى:

(مٰا زٰاغَ اَلْبَصَرُ وَ مٰا طَغىٰ (17) لَقَدْ رَأىٰ مِنْ آيٰاتِ رَبِّهِ اَلْكُبْرىٰ )(1) .

وإنما كنت أبصر من خيط الأبرة نورا بيني وبين ربي لا تطيقه الأبصار فناداني ربي فقال الله تبارك وتعالى: يا محمد؟

قلت: لبيك ربي وسيدي وإلهي لبيك.

قال: هل عرفت قدرك عندي وموضعك ومنزلتك لدي ؟

قلت: نعم سيدي.

قال: يا محمد هل عرفت موقعك مني وموضع ذريتك ؟

قلت: نعم يا سيدي.

- إلى أن يقول صلى الله عليه وآله وسلم -.

ثم قال: يا محمد؟.

قلت: لبيك ربي وسعديك سيدي وإلهي.

قال: أسألك عما أنا أعلم به منك، من خلفت في الأرض بعدك ؟

قلت: خير أهلها، أخي وابن عمي، وناصر دينك، والغاضب لمحارمك إذا استحلت وهتكت غضب النمر إذا أغضب، علي بن أبي طالب.

قال:

صدقت، يا محمد اصطفيتك بالنبوة وبعثتك بالرسالة، وامتحنت عليا بالشهادة على أمتك وجعلته حجة في الأرض معك وبعدك، وهو نور أوليائي، وولي من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، وزوجته فاطمة.

فإنه وصيك ووارثك ووزيرك، وغاسل عورتك، وناصر دينك، والمقتول على

ص: 218


1- سورة النجم، الآيتان: 17 و 18.

سنتي وسنتك يقتله شقي هذه الأمة»(1).

المسألة الثالثة: بيانه صلى الله عليه وآله وسلم لأحدى الخصائص التي خص الله تعالى بها علياً وفاطمة بهذا الزواج
اشارة

«تزويج النور من النور».

عن علي بن جعفر، قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول:

بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حبيبي جبرائيل لم أرَك في مثل هذه الصورة ؟

قال الملك: أنا لست بجبرائيل، أنا محمود بعثني الله عزّ وجل أن أزوج النور من النور. فقال: من، ممن ؟!

فقال: فاطمة من علي.

قال: فلما ولى الملك إذا بين كتفيه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي وصيه.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: منذ كم كتب هذا بين كتفيك ؟!

فقال: من قبل أن يخلق الله عزّ وجل آدم باثنين وعشرين ألف عام»(2).

ص: 219


1- كشف اليقين للعلامة ابن طاووس: ص 300؛ البحار: ج 37، ص 321، ح 55. وج 36، ص 163، ح 144.
2- الكافي للكليني: ج 1، ص 460؛ مسائل علي بن جعفر: ص 326؛ معاني الأخبار للصدوق:

وفي رواية:

«بأربعة وعشرين ألف عام، وإن هذا الملك هو، صرصائيل»(1).

وفي أخرى:

«فزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة من علي بشهادة جبرائيل وميكائيل وصرصائيل(2).

والرواية تشير إلى بعض الأمور منها:

1 - إن الله تعالى يكلف ملكاً من الملائكة في تزويج فاطمة وعلي

قد يكون سماع هذا الحديث لمن سار معنا في واحة الحديث عن بضعة المصطفى صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، غير مستغرب لاسيما وقد بينا في الجزء الأول بعض الأمور المتعلقة بالملائكة من قبيل مراتبهم ووظائفهم وصفاتهم وما إلى ذلك.

وهنا: يشير الحديث إلى أن الله تعالى قد جعل أحد هؤلاء الملائكة مكلفاً بتزويج فاطمة وعلي عليهما السلام للدلالة على أهمية هذا الزواج وما ينتج عنه من قوائم تعمل على ثبات الشريعة وحفظها من الضياع والتحريف، وذلك من خلال الأئمة أبناء علي وفاطمة عليهم السلام.

ص: 220


1- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 349.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 362؛ المناقب للخوارزمي: ص 341؛ البحار: ج 43، ص 123، ح 31.
2 - هل هناك علاقة بين صورة الملك صرصائيل وهيأته التي رآه بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع زواج علي وفاطمة عليهما السلام

إنّ مما تحدّثت عنه الرواية الشريفة هو الصفة التي كان عليها الملك صرصائيل عليه السلام حينما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان بأربعة وعشرين وجهاً ومما لا شك فيه أن هذه الهيأة لها علاقة بزواج علي وفاطمة عليهما السلام! وقد أخبرت الرواية عن جانبٍ من هذه العلاقة.

وهي كالآتي:

ألف: استئناس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصورة كاشف عن جمالها

قد لا يستطيع القارئ رسم صورة مقاربة ولو بشكل بسيط لرأس فيه أربعة وعشرون وجها، لأنه أمر خارج عن المألوف ومن ثم قد ينصرف الذهن إلى رسم صورة موحشة في حين أن الرواية تدل على استئناس النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصورة.

ولذا قال:

«حبيبي جبرائيل لم أرَك في مثل هذه الصورة».

وابتداؤه صلى الله عليه وآله وسلم باللفظ الدال على المحبة يكشف عن الارتياح والأنس بهذه الصورة.

باء: لا يمكن من الناحية العقلية أن تكون هذه الصورة إلا في أجمل ملامحها لاسيما وهي مكلفة بأمر يتعلق بالنور، أي إنها اكتسبت جمالها من جمال هذا

ص: 221

النور فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بنور علي ونور فاطمة عليهما السلام.

جيم: يمكن أن نتصور هذه الصورة ونتقرب من ملامحها في الحياة الدنيا أي جمالية تعدد الوجوه الأربعة والعشرين للملك صرصائيل عليه السلام كتعدد الزهور أو الورود في الشجرة فكلما تعدد الأوراد وجمعت مع بعضها لتشكل (باقة) كلما كان جمالها أكثر وقعاً في النفس وأسرّ للقلب.

وعليه:

ظهور الملك صرصائيل بهذا العدد من الوجوه هو أشبه ما يكون بتعدد الورود في باقة.

دال: علاقة هذا بزواج علي وفاطمة هي علاقة جمالية، أي إن هذه الصورة المحاكية لصورة الورد هي دالة على جمالية اجتماع النورين في السموات والأرض نور الوصاية ونور النبوة لتثمر نور الإمامة في أولاد علي وفاطمة عليهما السلام ابتداءً من الإمام الحسن وانتهاءً بالإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

3 - الحكمة في هذا العدد من الوجوه الأربعة والعشرين

إن من البداهة التي تلازم فعل الحكيم عزّ وجل أن يكون كل فعله منزهاً من العبث؛ ولذا فانحصار هذه الوجوه بهذا العدد ينم عن حكمة خاصة يمكن الوقوف عند ظاهرها من خلال الرواية نفسها.

إذ تخبر الرواية عن أن الله تبارك وتعالى قد كتب بين كتفي الملك صرصائيل (محمد رسول الله علي وصيه) قبل خلق آدم بأربعة وعشرين ألف عام.

ص: 222

بمعنى:

أنّ كل ألف عام يظهر لهذا الملك وجه كما يظهر الورد في تعاقب الليل والنهار في الشجرة الواحدة.

وعليه فتعدد الورود في الشجرة الواحدة كاشف عن الزمن وكاشف أيضا عن عمر شجرة الورد - والله العالم بحقائق الأمور -.

المسألة الرابعة: بيانه صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين عن كيفية تزويج فاطمة من علي عليهما السلام في السماء
اشارة

عن أم سلمة رضي الله عنها، وسلمان الفارسي رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب عليه السلام، كلهم قالوا، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«هبط عليّ جبرائيل، فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا نبي الله، ثم أنه وضع في يدي حريرة بيضاء، من حرير الجنة وفيها سطران مكتوبان بالنور.

فقلت: حبيبي جبرائيل ما هذه الحريرة، وما هذه الخطوط.

فقال جبرائيل: يا محمد إن الله عزّ وجل أطلع إلى الأرض إطلاعة فاختارك من خلقه، فبعثك برسالته ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخا ووزيرا، وصاحبا وختنا فزوجه ابنتك فاطمة. فقلت: حبيبي جبرائيل ومن هذا الرجل ؟

فقال لي: يا محمد أخوك في الدنيا والآخرة وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب.

وإن الله أوحى إلى الجنان أن تزخرفي فتزخرفت الجنان، وإلى شجرة طوبى أحملي الحلي والحلل، وتزينت الحور العين، وأمر الله الملائكة: أن تجمّع في السماء الرابعة عند البيت المعمور فهبط من كان فوقها إليها وصعد من كان تحتها إليها.

ص: 223

وأمر الله عزّ وجل رضوان فنصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور وهو الذي خطب عليه آدم وعرض الأسماء على الملائكة، وهو منبر من نور، فأوحى الله إلى ملك من ملائكة حجبه يقال له (راحيل) أن يعلو ذلك المنبر وأن يحمده بمحامده، ويمجده بتمجيده، وأن يثني عليه بما أهله وليس في الملائكة أحسن منطقا ولا أحلى لغة من راحيل الملك فعلا المبنى، فقال: الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء العالمين، ونحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات وقربنا على الرادقات، وحجب عنا النهم للشهوات، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته الواهب نعمته، جل عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين، أنذرنا بأسه، وعرفنا سلطانه، توحد فعلاً في الملكوت الأعلى، واحتجب عن الأبصار، وأظلم نور عزته الأنوار، وكان من أسباغ نعمته واتمام قضيته، أن ركب الشهوات في بني آدم، وخصهم بالأمر اللازم، ينشر لهم الأولاد، وينشئ لهم البلاد فجعل الحياة سبيل ألفتهم، والموت غاية فرقتهم، وإلى الله المصير.

أختار الملك الجبار صفوة كرمه وعبد عظمته لأمته سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه المصدّق دعوته المبادر إلى كلمته على الوصول بفاطمة البتول ابنة الرسول(1).

وروي أن جبرائيل روى عن الله تعالى عقيبها قوله عزّ وجل:

«الحمد ردائي، والعظمة كبريائي والخلق كلهم عبيدي وإمائي، زوجت فاطمة

ص: 224


1- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 347؛ البحار: ج 43، ص 110؛ مستدرك سفينة البحار: ج 14، ص 208.

أمتي من علي صفوتي اشهدوا ملائكتي(1)، فارتجت السماوات فرحا وسرورا(2).

قال جبرائيل: ثم أوحى الله أن أعقد عقدة النكاح، فإني قد زوجت أمتي فاطمة بنت حبيبي محمد، - ب -- عبدي علي بن أبي طالب(3).

وفي خبر عن أم أيمن: وعقد جبرائيل وميكائيل في السماء نكاح علي وفاطمة، فكان جبرائيل المتكلم عن علي وميكائيل الراد عني(4).

قال جبرائيل: فعقدت عقدة النكاح، واشهدت على ذلك الملائكة أجمعين، وكتبت شهادتهم في هذه الحريرة، وقد أمرني ربي عزّ وجل أن أعرضها عليك وأن أختمها بخاتم مسك وأن أدفعها إلى رضوان، وأن الله عزّ وجل لما أشهد الملائكة على تزويج علي من فاطمة أمر شجرة طوبى أن تنثر حملها من الحلي والحلل، فنثرت ما فيها فالتقطته الملائكة والحور العين، وأن الحور العين ليتهادينه ويفتخرن به إلى يوم القيامة.

يا محمد! إن الله عزّ وجل أمرني أن آمرك أن تزوج عليا في الأرض وتبشرهما بغلامين زكيين نجيبين طاهرين طيبين خيرين فاضلين في الدنيا والآخرة»(5).

وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«أتاني جبرائيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها فناولنيها فأخذتهما وشممتهما فقلت ما سبب هذا السنبل والقرنفل ؟!

ص: 225


1- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 348؛ البحار: ج 43، ص 110.
2- البحار: ج 43، ص 128.
3- البحار: ج 43، ص 128.
4- البحار: ج 43، ص 109، المصنف لعبد الرزاق.
5- البحار: ج 43، ص 128.

فقال: إن الله تبارك وتعالى أمر سكان الجنان من الملائكة ومن فيها أن يزينوا الجنان كلها بمغارسها وأشجارها، وثمارها، وقصورها وأمر ريحها فهبت بأنواع العطر والطيب وأمر حور عينها بالقراءة فيها بسورة طه وطواسين ويس وحمعسق.

ثم نادى مناد من تحت العرش ألا أن اليوم، يوم وليمة علي بن أبي طالب عليه السلام ألا أني أشهدكم، أني قد زوجت فاطمة بنت محمد من علي بن أبي طالب رضى مني بعضهما لبعض. ثم بعث الله تبارك وتعالى سحابة بيضاء فقطرت عليهم من لؤلؤها وزبرجدها ويواقيتها، وقامت الملائكة فنثرت من سنبل الجنة وقرنفلها(1)، وكان هذا قبل خطبة الملك راحيل عليه السلام.

وكان الولي الله، والخطيب جبرائيل، والمنادي ميكائيل، والداعي اسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السموات والأرضين أجمعين، ثم أوحى الله إلى شجرة طوبى: أن أنثري الدرّ الأبيض والياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر، واللؤلؤ الرطب، فبادرت الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن إلى بعض، وهن يقُلْنَ : هذه تحفة خير النساء، فمن أخذ منه يومئذ شيئا أكثر مما أخذ صاحبه أو أحسن أفتخر به على صاحبه يوم القيامة(2).

والرواية تدل على بعض الأمور منها:

أولا: ما هي غاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان مجريات الزواج في السماء؟

إن غاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان كيفية حصول زواج فاطمة وعلي عليهما السلام في السماء هي:

ص: 226


1- البحار: ج 43، ص 101؛ دلائل الإمامة: ص 19؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 347؛ الأمالي للصدوق.
2- البحار: ج 43، ص 109.

1 - كي يبين لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكانة علي وفاطمة عند الله عزّ وجل، فقد خصهما الله بخصائص لم ينلها أحد مما خلق حتى الحبيب المصطفى عزّ وجل، وقد أوضح ذلك بنفسه لهم قائلا:

«إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة فإن تزويجها أنزل من السماء»(1).

2 - أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد بذلك حفظ أمته من الفرقة والاختلاف، وأن يدفع عنهم الضلالة والانحراف؛ لأن من كان لهما هذا الشأن العظيم، وهذه المكانة الرفيعة، وهذه المحبة عند الله فلا يمكن أن يكونا في بعد عن الله تعالى وشريعته.

بل العقل والشرع يلزم بأن تحصيل ذلك لا يكون إلا باختيار الله لهما من بين عباده فجعلهم المؤمنين على شرعه الدالين عليه، والموصلين إلى رضاه عزّ وجل.

وعليه:

فإن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أراد من خلال هذه الأحاديث إظهار الحجة على من آمن به في اتباع الطريق المؤدية إلى الله تعالى، وأنّ علياً وفاطمة وابنيهما هم ذلك الطريق.

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ ) .

والله لا يحب عبدا عصاه وضلّ عن طريقه الذي ارتضاه.

ص: 227


1- الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 5، ص 568، ح 54، باب النوادر.
ثانيا: دليل آخر يضاف إلى كونها البنت الوحيدة عليها السلام

قد ينافي ما مضى من البحوث أنها بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوحيدة، ونضيف هنا دليلاً آخر إلى هذه الحقيقة.

فها هي فاطمة عليها السلام، قد عجز في الارتقاء لمقامها أبو بكر وعمر، وفشل في الوصول إليها أشراف قريش، ويئس من التقدم لخطبتها المهاجرون والأنصار، حتى يئسوا منها جميعا، وظنوا أن النبي غير مزوجها لأحد منهم، ومع حالة اليأس كانت النفوس متلهفة، والعيون شاخصة تترقب من سيكون لفاطمة زوجا.

فهذه اللهفة الكبيرة في نفوس القوم، والأمنية العظيمة في قلوبهم كلها تدل على أن فاطمة عليها السلام هي البنت الوحيدة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، التي ليس له صلى الله عليه وآله وسلم غيرها.

فلو كان له بنت أخرى معها، لما كان هذا التنافس الكبير فيما بين الصحابة للزواج بفاطمة عليها السلام ؟

ولاسيما أن أم كلثوم وحسبما ينقله التاريخ كانت حاضرة مع فاطمة عليها السلام، وأنها قد خرجت معها مهاجرة! فلماذا لم يتقدم أحدٌ من الصحابة لخطبتها؟!

بل إن التاريخ يروي لنا أيضا: أنها ظلت بعد زواج فاطمة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يقارب السنتين، فلماذا لم يتقدم إليها أحد من الصحابة فيخطبها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينما يعظم الطلب ويشتد من

ص: 228

الصحابة للزواج بفاطمة ؟! وكلتاهما بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي التاريخ ؟ 1 إلاّ اللهم أنهم - أي - الصحابة قد علموا أنها بنت النبي الوحيدة، وأن أم كلثوم وزينب ورقية ربائب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد أجاد الشاعر الأصفهاني حيث قال:

أمّن بسيدة النساء قضى له *** ربي فأصبح أسعد الأختان

من بعد خطاب أتوه فردهم *** ردا يبين مضمر الأشجان

فأبان منعهما وقال صغيرة *** تزويجها في سنها لم يان

حتى إذا خطب الوصي أجابه *** من غير تورية ولا استيذان

فالله زوجه وأشهد في العلا *** أملاكه وجماعة السكان

والله قدر نسله من صلبه *** فلذا لأحمد لم يكن بنتان(1)

ص: 229


1- هذه الأبيات من قصيدة نونيه تسمى بالألفية، أو المجرة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام، وهي ثمان مائة ونيف وثلاثون بيتاً، وهي للشاعر أحمد بن علوية الأصبهاني الكرماني، المعروف بأبي الأسود أو بابن الأسود الكاتب، وقد توفي سنة 320 ه، وكان قد تجاوز المئة، وكان أيضاً، لغويا، أديبا، شاعراً، شيعياً، راويا للحديث، نادم الأمراء، والكبراء، وعمر طويلا، وله كتاب الاعتقاد في الأدعية، وله هذه القصيدة الألفية التي عرضت على أبي حاتم السجستاني، فقال: يا أهل البصرة! غلبكم والله شاعر أصفهان في هذه القصيدة في أحكامها وكثرة فوائدها. (للمزيد أنظر: أعيان الشيعة: ج 3، ص 22-33.

المبحث الرابع: لولا علي ما كان لفاطمة كفؤ

اشارة

إن من الأحاديث النبوية الشريفة التي اختصت بفاطمة عليها السلام هو هذا الحديث الذي استوقفني كثيرا؟!

فرحت أبحث بين معاني مفرداته اللغوية تارة، وبين معانيه الروحية والحياتية تارة أخرى، فلكل حديث نبوي نبض يمد النفس بالحياة، فأخذت أسعى هنا وهناك لعلي أجد بين مغارس رياض أهل العرفان وغيرهم من أهل الإشارة وأهل التفسير ما يقرع أذني بنبض من تلك النبضات، فيمد نفسي بالحياة، ويخرجني من حيرتي التي أنا فيها، إذ كيف لي بمعرفة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي جعل النبي معرفته شرطاً لمعرفة فاطمة. ولذلك أعزفت عن المسير، فأنّى لي بذلك ؟!

ولذا: فقد اقتصرت في هذا المبحث على نتاج أهل اللغة وعلومها في بيان معنى الحديث النبوي من جهة، ومن جهة أخرى مستعينا باثني عشر حديثا قالها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في الإمام علي عليه السلام فلعل من ينظر إلى هذه الأحاديث يصل إلى أحدى مقاصد قوله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرائيل:

«لو لم أخلق عليا لما كان لفاطمة كفؤ».

ص: 230

المسألة الأولى: الطرق التي روت هذا الحديث الشريف
ألف: ما جاء من خلال الطرق المتصلة بعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

1 - أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله بسند عن الإمام علي بن موسى الرضا عن أبيه الكاظم عن آبائه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال:

«قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة، وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت عليا!

فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوجته، بل الله منعكم وزوجه!

فهبط علي جبرائيل فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقول: لو لم أخلق عليا لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض آدم فمن دونه»(1).

2 - أخرج الشيخ الطوسي عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

«لولا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على الأرض»(2).

3 - الصدوق أيضا عن الإمام علي عليه السلام قال:

«جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطلبني فقال: أين أخي يا أم أيمن ؟

قالت: ومن أخوك ؟!

قال: علي.

قالت: يا رسول الله تزوجه ابنتك وهو أخوك ؟!

ص: 231


1- عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 23؛ البحار: ج 43، ص 92، ح 3؛ وفي ص 107 عن المفضل عن الإمام الصادق عليه السلام؛ الجواهر السنية للحر العاملي: ص 252.
2- الأمالي للطوسي: ص 43، المجلس 16؛ البحار: ج 43، ص 97، ح 6.

قال: نعم، أما والله يا أم أيمن لقد زوجتها كفؤاً شريفا وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين»(1).

4 - ذكر العلامة المجلسي رحمه الله: في بحاره قوله:

«عوتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمر فاطمة فقال:

لو لم يخلق الله علي بن أبي طالب ما كان لفاطمة كفؤ».

وفي خبر:

«لولاك - أي: يا علي - لما كان لها كفؤ على وجه الأرض»(2).

باء: ما جاء من خلال طرق الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

أخرج الحافظ الديلمي عن أم سلمة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ»(3).

المسألة الثانية: المبنى اللغوي للحديث
اشارة

قد ورد الحديث الشريف على صاحبه وآله الصلاة والسلام بلفظين، وهما:

ألف: بلفظ (لولا) و (لولاك)

و (لولا) من الحروف المركبة، من (لو) ومعناه: امتناع الشيء لامتناع غيره.

ص: 232


1- الأمالي للطوسي: 354، برقم (734) 74؛ البحار: ج 43، ص 105، ح 18.
2- البحار: ج 43، ص 107.
3- مسند الفردوس للديلمي: ج 3، ص 273، برقم (130)؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 68؛ الإمامة وأهل البيت لمحمد بيومي مهران.

و (لا) معناها النفي، فلما ركبوهما، وجعلتا شيئاً واحداً(1)، بطل معنياهما، ودلت «لولا»: على امتناع الشيء لوجود غيره(2)، نحو قولك: لولا زيدٌ لأحسنتُ إليك، والمعنى، أن الإحسان امتنع لحضور زيد فترفعه بالابتداء والخبر مضمر(3).

وقيل: إنها تدل على امتناع شيء لثبوت غيره(4)، وقد استعمل العرب (لولا) في الخبر وكثر بها الكلام حتى استجازوا أن يقولوا: (لولاك)، و (لولاي)(5) وهي من الحروف الشرطية التي تدل على امتناع الجواب لوجود الشرط(6).

وعليه يكون معنى الحديث الذي جاء بلفظ:

«لولا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على الأرض».

أي: امتناع وجود الكفؤ لفاطمة في غير علي، وبمعنى آخر: امتناع وجود الكفاءة في غير علي وثبوتها فيه.

ولما كانت (لولا) شرطية احتاجت إلى جواب، كجميع أدوات الشرط، وإن جوابها جائز أن يقترن باللام، كقوله تعالى:

(لَوْ لاٰ كِتٰابٌ مِنَ اَللّٰهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمٰا أَخَذْتُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ )(7) .

ص: 233


1- المقتضب المبرد: ج 3، ص 76.
2- أمالي الشجري: ص 76؛ المفصل لابن يعيش: ج 8، ص 145.
3- كتاب الجمل في النحو للزجاج: ص 311.
4- شرح الشافية: ج 3، ص 1650.
5- معاني القرآن للفراء: ج 2، ص 85؛ اللباب للصابوني: ص 15.
6- اللباب للصابوني: ص 100.
7- سورة الأنفال، الآية: 68.
باء: ورود الحديث بلفظ: (لولا أن الله...)

إنّ دخول (لولا) على (أنّ ) التوكيدية - في الحديث الثاني الذي رواه الطوسي رحمه الله -، يكون المراد من قوله عليه السلام:

«لولا أن الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة».

هو:

إنّ هذا الشرط مع زيادة التوكيد الذي تعطيه أنَّ ، هو: إشعار بأن علياً عليه السلام هو المختص بالكفؤ لها، لامتناع اختصاص ذلك في غيره، بل التأكيد بثبوت الكفؤ فيه، وعندما يكون المراد من قوله:

«ما كان لها كفؤ على الأرض».

هو نفي لوجود الكفؤ لها على الأرض، أي: يصبح وجود الكفؤ على الأرض لفاطمة أمراً مستحيلاً، ولهذه العلة خلق الله عزّ وجل لها عليا عليه السلام لثبوت الكفاءة وتحققها فيه.

ومما يدل عليه:

جيم: ورود الحديث بلفظ (لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ).

فقد مر سابقا: أن (لو) حرف يدل على انتفاء تام يلزم لثبوته ثبوت تاليه(1).

وبدخولها على (لم) الجازمة النافية(2)، يكون المراد هو: الانتفاء الجازم لوجود الكفؤ.

ص: 234


1- شرح الشافية الكافية لابن مالك: ج 3، ص 1636.
2- الكفاف للصيداوي: ج 1، ص 555-556.

وأن امتناع خلق علي عليه السلام يلزم امتناع الكفؤ لفاطمة مطلقا، لسبوق لولا ب (ما النافية)، أي: لا يوجد لفاطمة كفؤ على وجه الأرض وفي كل الأزمنة التي تخلق فيها الرجال وتظهر حتى قيام الساعة، هذه الحالة كانت تتحقق عند عدم خلق الله عزّ وجل للإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام.

المسألة الثانية: ما هو الكفؤ؟
اشارة

(الكفؤ) أو (الكفيءُ ) النظير، وكذلك الكُفْ ءُ ، والكفؤُ على فعلٍ ، وفعول؛ والمصدر: الكفاءةُ ، بالفتح والمدّ.

وتقول: لا كفاء له، بالكسر وهو في الأصل مصدر أي: لا نظير له.

والكفاء النظير المساوي، ومنه الكفاءة في النكاح وهو أن يكون الزوج مساويا للمرأة في حسبها ودينها ونسبها، وبيتها، وغير ذلك(1).

وقيل: تساوي الزوجين في الإسلام والإيمان، وهو الأشهر عند فقهاء الإمامية، وقيل: يعدُّ مع ذلك يسار الزوج بالنفقة قوة وفعلا(2).

وفلان كفاء لك، أي: مطيق في المضادة والمناراة.

قال حسان بن ثابت:

وجبرائيل أمين الله فينا *** وروح القدس ليس له كفاء(3)

وعليه يكون المعنى:

ص: 235


1- لسان العرب لابن منظور: ج 1، ص 139، مادة (كفأ).
2- مجمع البحرين: ج 1، ص 359-360.
3- كتاب العين للفراهيدي: ج 5، ص 414.

لو لم يخلق الله علي بن أبي طالب لما كان لفاطمة نظير في دينها وإيمانها وحسبها ونسبها وجميع خواصها وفضائلها، ومن هذا المعنى العام تظهر للحديث أوجه متعددة تشير إلى المعنى الخاص.

الوجه الأول: التكافؤ في المقام النوراني

قد مرّ في القسم الأول من الكتاب تبيين للنشأة الأولى في خلق نور فاطمة عليها السلام، ثم كيف أنها خلقت من ثمار الجنة فكانت حوراء إنسية فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن زوّج النور من النور، نور فاطمة من نور علي(1)، وبهذا يكون أحد أوجه الحديث:

«لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ».

المراد به: المقام النوراني لفاطمة فلولا مقام علي النوراني ما كان لمقامها كفؤ.

الوجه الثاني: المساواة بينهما

أي إن الله عز وجل قد ساوى بين فاطمة وبين علي بن أبي طالب عليهما السلام لقول الإمام الحسن العسكري عليه السلام:

«ما سوّى الله قط امرأة برجل إلا ما كان من تسوية الله فاطمة بعلي عليهما السلام، وإلحاقها وهي امرأة بأفضل رجال العالمين»(2).

ص: 236


1- بحار الأنوار: ج 36، ص 361، ح 232.
2- تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص 659؛ البحار: ج 37، ص 48-49، ح 27؛ الخصائص الفاطمية للكجوري: ج 1، ص 547.
الوجه الثالث: أن الله ارتضاهما كلا للآخر

وبذلك يكون المراد من كون الإمام علي بن أبي طالب كفؤاً لفاطمة عليها السلام، هو: أن الله قد ارتضاه لها، وارتضاها لعلي عليهما السلام.

وقد ورد في خبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سماه المرتضى لأن جبرائيل عليه السلام هبط إليه، فقال: يا محمد إن الله تعالى قد ارتضى عليا لفاطمة وارتضى فاطمة لعلي عليهما السلام»(1).

وقد جاء في أسمائها: (المرضية).

المسألة الثالثة: من هو علي بن أبي طالب الذي جعله الله كفؤاً لفاطمة عليهما السلام ؟
اشارة

في هذا الجانب من المبحث نورد بعض الأحاديث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيانه للناس عن شخصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

ونحن إذ نورد هذه المجموعة القليلة من الكم الهائل في حق الإمام علي نهدف في ذلك إلى بيان صورة واضحة من خلال هذه الأحاديث عن معنى أن يكون الإمام علي كفؤاً لفاطمة.

أي: فهم مقام الزهراء عند الله من خلال مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام.

ص: 237


1- البحار: ج 35، ص 59؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر: ج 2، ص 205.

وقد جعلت هذه المجموعة القليلة من الأحاديث النبوية قسمين، قسم يختص بكتاب الله عزّ وجل وهي سبع آيات نزلت بالإمام علي عليه السلام خاصة، وسبعة أحاديث قالها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه.

القسم الأول: بعض الآيات القرآنية التي نزلت في علي عليه السلام
الآية الأولى

(يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اَللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنّٰاسِ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْكٰافِرِينَ )(1) .

نزلت هذه الآية بعد رجوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة في حجة الوداع وقد هبط عليه جبرائيل عليه السلام بعد مضي خمس ساعات من نهار يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة. فقال:

«يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك يا رسول الله بلّغ ما أنزل إليك من ربك في علي بن أبي طالب، والله يعصمك من الناس»(2).

فكانت هذه الآية قد نزلت في يوم الغدير وهو يوم تنصيب رسول الله لعلي بن أبي طالب عليه السلام خليفة من بعده صلى الله عليه وآله وسلم(3).

ص: 238


1- سورة المائدة، الآية: 67.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 58.
3- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 2، ص 86، ح 586؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 187، ح 243 و 244 و 245؛ أسباب النزول الواحدي: ص 115؛ الدر المنثور: ج 2، ص 298؛ فتح القدير للشوكاني: ج 2، ص 60؛ تفسير الرازي: ج 12، ص 50؛ مطالب السؤول لابن طلحة: ج 1، ص 44؛ فرائد السمطين: ج 1، ص 158؛ الملل والنحل للشهرستاني: ج 1، ص 163؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 120.
الآية الثانية: آية العذاب

(سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ (1) لِلْكٰافِرينَ لَيْسَ لَهُ دٰافِعٌ (2) مِنَ اَللّٰهِ ذِي اَلْمَعٰارِجِ ) (1) .

وسبب نزول الآية هي مجيء الحارث بن نعمان الفهري إلى رسول الله يسأله عن حديث الغدير أهو من الله أم من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟

فقد أخرج الثعالبي والشبلنجي والحاكم الحسكاني وغيرهم عن سفيان بن عيينة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عن آبائه عليهم السلام عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (لما نصب رسول الله عليا يوم غدير خم وقال:

«من كنت مولاه فعلي مولاه».

طار ذلك في البلاد، فقدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم النعمان بن الحرث الفهري فقال:

أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها، ثم لم ترضَ حتى نصبت هذا الغلام فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا الشيء منك أو من عند الله ؟!

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«والله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله حتى قالها ثلاثا».

فولى النعمان بن الحارث وهو مغضب يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله بحجر وقع على هامته فخرج من دبره فقتله، فأنزل الله الآية)(2).

ص: 239


1- سورة المعارج، الآيات: 1-3.
2- تفسير الثعلبي: ج 8، ص 182؛ نور الأبصار للشبلنجي: ص 78؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 2،
الآية الثالثة: المساءلة

(وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ )(1) .

ورد في تفسيرها: عن المغيرة عن الشجي عن ابن عباس، قال:

(مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام)(2).

وعن أبي سعيد الخدري وسعيد بن جبير أيضا.

ص: 240


1- سورة الصافات، الآية: 24.
2- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2، ص 106، حديث: 785 و 786 و 787 و 788 و 789؛ تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ص 17؛ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: ص 109؛ كفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص 247؛ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص 112 و 114 و 270 و 295؛ المناقب للخوارزمي الحنفي: ص 195؛ الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي: ص 147؛ تفسير الحبري: ج 1، ص 312؛ تفسير فرات الكوفي: ج 1، ص 355؛ تفسير القمي: ج 2، ص 222؛ تفسير الصافي: ج 4، ص 266؛ الأمالي للطوسي: ص 290؛ عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 64؛ تفسير البرهان للبحراني: ج 5، ص 16؛ تفسير نور الثقلين للحويزي: ج 4، ص 401؛ تفسير كنز الدقائق: ج 11. ص 120؛ تفسير شبر: ج 1، ص 446؛ تفسير الجوهر الثمين: ج 5، ص 247. تفسير الميزان للطباطبائي: ج 17، ص 147.
الآية الرابعة: السابقون والمقربون

(وَ اَلسّٰابِقُونَ اَلسّٰابِقُونَ (10) أُولٰئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ )(1) .

نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام(2).

الآية الخامسة: أن علياً عليه السلام هو المؤمن وخصمه هو الفاسق

(أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ فَلَهُمْ جَنّٰاتُ اَلْمَأْوىٰ نُزُلاً بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ (1(9) وَ أَمَّا اَلَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوٰاهُمُ اَلنّٰارُ كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا أُعِيدُوا فِيهٰا وَ قِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذٰابَ اَلنّٰارِ اَلَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) (3) .

أخرج الكثير من المفسرين وحفاظ المسلمين كالطبري والزمخشري وابن كثير والسيوطي وغيرهم أن هذه الآيات نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وفي خصمه الفاسق الوليد بن عقبة، والنص الذي نقله المفسرون هو:

كان بين الوليد وبين علي عليه السلام كلام.

فقال الوليد: أنا أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأرد منك للكتيبة.

ص: 241


1- سورة الواقعة، الآيتان: 10-11.
2- تفسير ابن كثير: ج 4، ص 283؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 2، ص 213، حديث: 924 إلى 931؛ مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: ص 320، حديث 365؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 1، ص 231؛ تذكر ة الخواص لابن الجوزي: ص 17؛ تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 6، ص 154؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 123؛ العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 5، ص 94؛ تفسير فرات الكوفي: ج 1، ص 463، عن ابن عباس؛ تفسير البرهان: ج 5، ص 276؛ تفسير نور الثقلين: ج 5، ص 209؛ تفسير كنز الدقائق: ج 13، ص 23.
3- سورة السجدة، الآيتان: 18-20.

فقال علي عليه السلام:

«أسكت فإنك فاسق».

وفي لفظ:

«أسكت إنما أنت فاسق».

وفي آخر:

«ليس كما تقول يا فاسق».

فأنزل الله فيهما:

(أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ ...) .

قال قتادة: لا والله ما استويا لا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة(1).

ص: 242


1- مجمع البيان للطبري: ج 21، ص 107؛ الكشاف للزمخشري: ج 3، ص 514؛ تفسير القرطبي: ج 14، ص 105؛ فتح القدير للشوكاني: ج 4، ص 255؛ تفسير ابن كثير: ج 3، ص 462؛ شواهد التنزيل للحاكم: ج 1، ص 445-453، الأحاديث 610-622؛ مناقب الإمام علي لابن المغازلي: ص 324، حديث 370 و 371؛ أسباب النزول للواحدي: ص 200؛ أحكام القرآن لابن عربي: ج 3، ص 1489؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 4، ص 80 و ج 6، ص 292؛ ذخائر العقبى لابن طلحة الشافعي: ص 20؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 250؛ المناقب الخوارزمي: ص 197؛ تذكرة الخواص لابن الجوزي: ص 207؛ نظم درر السمطين: ص 92؛ زاد المسير لابن الجوزي: ج 6، ص 340؛ السيرة الحلبية: ج 2، ص 85؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2، ص 148، مدبت 150؛ تفسير الخازن: ج 3، ص 470؛ الرياض النضرة للطبري الشافعي: ج 2، ص 46؛ تفسير الحبري: ج 1، ص 15؛ تفسير فرات الكوفي: ج 1، ص 327؛ فضائل الخمسة: ج 1، ص 268؛ التفسير الخاص لصدر المتألهين: ج 6، ص 111؛ التبيان للطوسي: ج 8، ص 105؛ مجمع البيان: ج 4، ص 331؛ تفسير البرهان للبحراني: ج 4، ص 286؛ كنز الدقائق المشهدي: ج 1، ص 312.
الآية السادسة: الإمام علي عليه السلام هو من أمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيله

(أَ جَعَلْتُمْ سِقٰايَةَ اَلْحٰاجِّ وَ عِمٰارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرٰامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ جٰاهَدَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ لاٰ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلظّٰالِمِينَ )(1) .

وسبب نزولها أن طلحة بن شيبة والعباس بن عبد المطلب كانا قد افتخرا على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه، ولو أردت بت فيه. وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها. فقال علي عليه السلام:

«ما أدري ما تقولون، لقد صليت إلى هذه القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد».

فأنزل الله عزّ وجل هذه الآية(2).

ص: 243


1- سورة التوبة، الآية: 19.
2- التفسير الكبير للرازي: ج 8، ص 16، ص 12؛ تفسير القرطبي: مج الرابع، ج 8، ص 20؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 244، الأحاديث 328 إلى 338؛ مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: ص 321، حديث 367 و 368؛ تفسير الطبري: ج 10، ص 96؛ تفسير ابن كثير: ج 3، ص 374؛ أسباب النزول للواحدي: ص 139؛ تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 3، ص 218 و 219؛ نور الأبصار للشبلنجي: ص 70؛ كفاية الطالب للكنجي: ص 237؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص 108؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 93؛ نظم درر السمطين: ص 89؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج 9، ص 477؛ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 2، ص 413، حديث 910؛ إحقاق الحق للتستري: ج 3، ص 122؛ فضائل الخمسة للفيروز آبادي: ج 1، ص 279؛ فرائد السمطين: ج 1، ص 203، حديث 159.
الآية السابعة: الإمام علي عليه السلام هو ولي الله عزّ وجل، وهو ولي المؤمنين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

(إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (55) وَ مَنْ يَتَوَلَّ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اَللّٰهِ هُمُ اَلْغٰالِبُونَ )(1) .

وقد أخرج حفاظ المسلمين بطرق عديدة: أنَّ سائلاً دخل المسجد النبوي وهم بين راكع وساجد فجاء فوقف بجانب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يصلي النافلة فسأله السائل فأشار عليه السلام إليه بإصبعه وكان فيها خاتمٌ وهو في حالة الركوع، ففهم السائل أنه يريد منه أن يأخذ الخاتم من إصبعه فأخذه وخرج فلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له:

هل أعطاك أحد شيئا؟».

قال السائل: نعم. قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«من ؟».

قال: ذاك الرجل القائم. قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«على أية حال أعطاكه ؟».

قال: وهو راكع. قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«وذلك علي بن أبي طالب».

فكبر رسول الله عند ذلك وهو يقول:

(وَ مَنْ يَتَوَلَّ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اَللّٰهِ هُمُ اَلْغٰالِبُونَ )(2) .

ص: 244


1- سورة المائدة، الآية: 55.
2- تفسير الدر المنثور للسيوطي، المجلد الثالث: ج 3، ص 106؛ معالم التنزيل للبغوي: ج 2، ص 64؛ شواهد

وفي هذا القدر من الآيات كفاية لأهل الإنصاف في معرفة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، والأخذ بنهجه وأما من أراد المزيد فليتأمل قليلا بقول الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (ما نزل في أحد من كتاب الله عزّ وجل ما نزل في علي بن أبي طالب عليه السلام)(1).

ص: 245


1- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 2، ص 430، حديث 933؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 171؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 125؛ شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي: ج 1، ص 39، ح 49، و 53؛ نور الأبصار للشبلنجي الشافعي: ص 73؛ إسعاف الراغبين مطبوع بهامش نور الأبصار: ص 60.

وليتدبر كتاب الله تعالى ملياً وهو واضح أمام عينيه ما يقوله ابن عباس أيضا:

(ما أنزل الله يا أيها الذين آمنوا، إلا وعلي أمير ها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غير مكان من كتابه العزيز، وما ذكر عليا إلا بخير)(1).

وإنه: (نزل في علي ثلاث مائة آية من كتاب الله عزّ وجل)(2).

فبعد هذا هل يفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ؟!».

وهل علم المسلمون من تكون فاطمة عليها السلام ؟

فإن علموا فلماذا يكسر ضلعها!!! ولماذا يجهض حملها ويقتل ولدها!!! ولماذا ينهب إرثها، وتحرق دارها!!! ولماذا... ولماذا....؟؟؟؟

ص: 246


1- الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي: ص 125؛ ذخائر العقبى للمحب الطبري: ص 89؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 49، حديث 70 و 71 و 72 و 73 و 74 و 77 و 82؛ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 2، ص 340، حديث 932؛ كفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص 140؛ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص 126 و 286؛ نور الأبصار للشبلنجي: ص 73؛ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: ص 89؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 171؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 112؛ الرياض النضرة للطبري: ص 145؛ منتخب كنز العمال مطبع بهامش مسند أحمد: ج 38/5.
2- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 2، ص 31، حديث 934؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 172؛ كفاية الطالب للكنجي: ص 231؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 125؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 126 و 286؛ نور الأبصار للشبلنجي: ص 73؛ السيرة النبوية لدحلان بهامش السيرة الحلبية: ج 2، ص 11؛ إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص 160.
بعض ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

ليس من السهل الإحاطة بكل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن أردنا ذلك لكان ينبغي علينا تغيير منهاج الكتاب.

ولكن يكفي أن يعلم القارئ الكريم ما ورد عن أئمة الحديث في تقييمهم لما بذلوا أعمارهم بجمعه وروايته إلا وهو الحديث النبوي، أنهم قالوا في علي عليه السلام:

1 - (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب وهذه شهادة من إمام الحنابلة أحمد بن حنبل)(1).

2 - (لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان الصمام، ما جاء في علي عليه السلام).

هذا قول: القاضي إسماعيل، والنسائي صاحب السنن، وأبو علي

ص: 247


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3، ص 107؛ تلخيص الذهبي بهامش المستدرك: ج 3، ص 107؛ السيرة النبوية لدحلان بهامش السيرة الحلبية: ج 2، ص 11؛ فرائد السمطين: ج 1، ص 37، ح 309؛ مطالب السؤول لابن طلحة: ج 1، ص 87؛ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق: ج 6333، حديث 1108؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 19، حديث 7 و 8 و 9؛ المناقب للخوارزمي: ص 3؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 168؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 72؛ نظم درر السمطين: ص 80؛ كفاية الطالب للكنجي: ص 253؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 121 و 275؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 3، ص 399؛ السيرة الحلبية: ج 2، ص 207؛ الروض الأزهر: ص 96 و 102؛ إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص 148-149.

النيسابوري(1)، والتفتازاني(2).

ومن هنا: فإنا نكتفي فقط بذكر سبعة أحاديث صادرة من الحضرة النبوية المقدسة في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

وأول هذه الأحاديث:

الحديث الأول: حديث الغدير

لم يرد حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلغ هذا الحد من التواتر مثلما بلغه حديث الغدير، كما لم يروَ حديث بهذا الكم الهائل من الطرق مثلما بلغتها طرق حديث الغدير.

وقد تتبع هذا الحديث العلامة الأميني طيب ا لله ثراه في الكتاب والسنة والأدب فأخرجه في أحد عشر مجلدا، كما تتبعه أيضا التستري في إحقاق الحق.

ونحن نشير في هذا الموضوع إلى أحد الألفاظ التي رويت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم الغدير، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«من كنت مولاه فعلي مولاه»(3).

ص: 248


1- الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 118؛ فتح الملك العلي للمغربي: ص 20، ط الحيدرية، وص 2، ط مصر؛ الرياض النضرة للطبري: ج 2، ص 282؛ إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار: ص 149.
2- الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي: ص 12.
3- صحيح الترمذي: ج 5، ص 297، حديث 3797؛ سنن ابن ماجد: ج 1، ص 45، ح 121؛ خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص 94 و 95 و 50؛ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 110؛ التلخيص للذهبي بهامش المستدرك: ج 3، ص 106؛ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 1، ص 213، الأحاديث: 276 و 277 و 278 و 281 و 460 و 461 و 465، وفي الجزء

أما بقية الألفاظ الواردة عنه صلى الله عليه وآله وسلم فسوف نعرض لها إن شاء الله في باب: (فاطمة في حجة الوداع).

الحديث الثاني: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوصي كل من آمن به بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«أوصي من آمن بي وصدقني، بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه، فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجل»(1).

ص: 249


1- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق: ج 2، ص 93، ح 594 و 595؛ مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: ص 230، ح 277 و 279؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 108؛ منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 5، ص 32؛ فضائل الخمسة: ج 2، ص 202؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 282؛ فرائد السمطين: ج 1، ص 291.

الحديث الثالث: حديث المنزلة

قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام:

«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»(1).

الحديث الرابع

قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:

«والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»(2).

الحديث الخامس: الإمام علي عليه السلام باب مدينة علم النبوة

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب»(3).

ص: 250


1- صحيح البخاري كتاب المغازي، باب غزوة تبوك: ج 5، ص 129؛ صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل علي بن أبي طالب: ج 2، ص 360؛ صحيح الترمذي: ج 5، ص 301، ح 3808، وح 3813؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 3، ص 50، ح 1490، بسند صحيح، وص 56، ح 1505؛ سنن ابن ماجد: ج 1، ص 42، ح 115 و 121؛ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 109، وج 2، ص 337؛ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق: ج 1، حديث 30 و 125 و 148 و 149 و 150 وغيرها؛ الإصابة لابن حجر: ج 2، ح 507 و 509.
2- صحيح مسلم: ج 1، ص 48، ط عيسى الحلبي. سنن النسائي: ج 8، ص 117، ط أمنت بيروت. خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص 27، ط التقدم بمصر، وص 44، ط بيروت. مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي: ص 192، ح 227 و 232. أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2، ص 97، ح 20. مصابيح السنة للبغوي: ج 2، ص 275. كنوز الحقائق للمنادي: ص 192، ط. بولاق. جامع الأصول لابن الأثير: ج 9، ص 473، ح 6488. كفاية الطالب: ص 68، ط الحيدرية. مشكاة المصابيح للتبريزي: ج 3، ص 242، ط دمشق. كنز العمال: ج 15، ص 105، ح 300، ط 2. الفصول المهمة لابن الصباغ: ص 109. تذكرة الخواص لابن الجوزي: ص 28، وغيرها.
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3، ص 126 و 127، وصححه. أسد الغابة لابن الأثير: ج 2،

الحديث السادس: من آذى عليا فقد آذى رسول الله ومن آذى رسول الله فقد لعن في كتاب الله(1)

قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:

«من آذى عليا فقد آذاني»(2).

ص: 251


1- قال تعالى: (إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً) سورة الأحزاب، الآية: 57.
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 3، ص 483، ط الميمنية. مستدرك الحاكم: ج 3، ص 122، ط دار المعرفة. تلخيص الذهبي بهامش المستدرك: ج 3، ص 122. مجمع الزوائد: ج 9، ص 129. ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق: ج 1، ص 389، ح 495 و 498. مناقب الإمام علي عليه السلام لابن المغازلي: ص 52، ح 76. المناقب للخوارزمي: ص 93. شواهد التنزيل: ج 2، ص 98، ح 777 و 778. نور الأبصار: ص 73 ط السعيدية. كفاية الطالب: ص 276. الاستيعاب بهامش الإصابة: ج 3، ص 37. ذخائر العقبى: ص 65. الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 73 و 74، ط الميمنية. تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 173. ينابيع المودة للقندوزي: ص 181 و 187 و 205 و 282 و 272، ط اسطامبول. أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2، ص 146، ح 147. تذكرة الخواص لابن الجوزي: ص 44، ط الحيدرية. الإصابة لابن حجر: ج 2، ص 543. كنوز الحقائق للمنادي: ص 144، ط بولاق. كنز العمال: ج 15، ص 125، ح 360، ط 2. الرياض النضرة للطبري: ج 2، ص 218. أسواق الراغبين بهامش نور الأبصار: ص 156، ط السعيدية. الجامع الصغير للسيوطي: ج 1، ص 135. منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 5، ص 30. فرائد السمطين للحمويني: ج 1، ص 298، ح 236. إحقاق الحق للتستري: ج 6، ص 381، وغيرها.

الحديث السابع: النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يعين الخليفة من بعده منذ بدء الإعلان عن النبوة وينصب الإمام عليّاً لخلافة الأمة

عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: لما نزلت هذه الآية (وأنذر عشيرتك الأقربين) ثم يبين عليه السلام كيف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره بجمع بني عبد المطلب وبني هاشم وغيرهم من عشيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أنه صلى الله عليه وآله وسلم أطعمهم وخطبهم قائلا:

«يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، أني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني - ربي - أن أدعوكم، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون: أخي ووصيي وخليفتي فيكم. قال:

قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت: وإني لأحدثهم سنا: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوه».

وبعد هذا العرض من الأحاديث نكون قد نقلنا صورة عن أحد الأوجه التي يحملها معنى قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

«لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ»(1).

ص: 252


1- تاريخ الطبري: ج 2، ص 319-321؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 2، ص 62 و 63؛ شواهد التنزيل للحاكم: ج 1، ص 371، ح 512 و 580؛ كنز العمال: ج 15، ص 115، ح 334؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13، ص 210 و 244؛ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق: ج 1، ص 85، ح 139 و 140 و 141؛ تفسير الخازن: ج 3، ص 371 و 390؛ منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ج 5، ص 41 و 42؛ خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص 86؛ كفاية الطالب: ص 205؛ كلاهما بلفظ مقارب.

المبحث الخامس: مهر فاطمة عليها السلام

اشارة

امتاز مهر فاطمة عليها السلام بميزات عديدة جعلت منه مهرا انفردت به فاطمة عليها السلام دون نساء العالمين.

فما نالت امرأة مما خلق الله عزّ وجل من المهر مثلما نالت الزهراء عليها السلام، وما حظيت امرأة بزواجها من الخصائص بمثلما حظيت به بضعة الهادي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولكي نلم بتلك الميزات في مهر فاطمة عليها السلام، فقد فصلنا مهرها إلى قسمين، فلفاطمة مهران، مهر عند الله تعالى، ومهر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسنتعرض أولا لمهرها عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما جرت عليه السنة ثم نعرّج إلى مهرها عند الله عزّ وجل.

والسبب في ذلك - أي، الابتداء بمهرها عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم - هو لاعتراض بعض الصحابة على مهرها الذي زوجها عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 253

المسألة الأولى: مهرها عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

أجمعت الروايات على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قد زوج فاطمة من علي عليهما السلام وأمهرها الدرع الحطمية(1).

ولكن اختلف في مقدار ثمن الدرع أو بالأصح بكم باعها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

أما لماذا الدرع ؟

فالجواب هو: أن اختيار الدرع كان من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تدل الروايات عليه فقد روي عن الإمام جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام، في حديث زواج فاطمة، (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل الإمام عليّاً عليه السلام عن الصداق، قائلا:

«فما تصدقها؟».

قال عليه السلام:

«أصدقها سيفي، وفرسي، ودرعي، وناضحي».

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 254


1- الكافي للكليني رحمه الله: ج 5، ص 377؛ التهذيب للطوسي رحمه الله: ج 7، ص 364؛ وسائل الشيعة: ج 21، ص 251، باب استحباب قلة المهر؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 351؛ البحار للمجلسي رحمه الله: ج 43، ص 94 و 119 و 130 و 136 و 143؛ صحيح سنن أبي داود: ج 1، ص 593، برقم 2125، وقال عنه حسن صحيح؛ سنن النسائي بشرح السيوطي: ج 3، ج 6، ص 441، برقم 3376، ج 4 ص 328؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 3، ص 161؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 11، ص 821، برقم 12000؛ مسند أحمد: ج 1، ص 252، برقم 603؛ الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 20؛ مسند الحميدي: ج 1، ص 171، برقم 38؛ الثغور الباسمة للسيوطي: ص 18؛ الفائق للزمخشري: ج 1، ص 291.

«أما ناضحك وسيفك وفرسك فلا غنى بك عنها، تقاتل المشركين، وأما درعك فشأنك بها».

فانطلق علي وباع درعه بأربع مائة درهم وثمانين درهما قطرية، فصبها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يسأله عن عددها، ولا هو أخبره عنها)(1).

وفي رواية: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل عنها - أي - الدرع، فقال:

«ما فعلت الدرع التي سلحتكها؟، فقلت: عندي والذي نفسي بيده إنها لحطمية ما ثمنها إلا أربعمائة درهم.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: قد زوجتكها فابعث بها فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»)(2).

وفي أخرى:

(أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقبل على علي عليه السلام فقال:

«أنطلق الآن فبع درعك وائتني بثمنه حتى أهيئ لك ولابنتي فاطمة ما يصلحكما.

قال علي:

فانطلقت فبعته بأربعمائة درهم سود هجرية»)(3).

ص: 255


1- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 379؛ البحار للمجلسي: ج 1، ص 43، ص 140.
2- البحار للمجلسي: ج 43 ص 119 وص 136؛ الثغور الباسمة للسيوطي: ص 18؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 2 ص 544؛ الذرية الطاهرة للدولابي: ص 93؛ مستدرك الوسائل للنوري رحمه الله: ج 15 ص 67 برقم 1755.
3- البحار: ج 43 ص 129-130.
مسائل البحث في الروايات
أولا: كيف حصل الإمام علي عليه السلام على الدرع ؟!

هذه الدرع هي من غنائم معركة بدر الكبرى ولقد أعطاها النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام، وسلحه بها(1).

ولذا عندما جاء يخطب فاطمة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها قائلا:

«ما فعلت الدرع التي سلحتكها»؟.

فقلت: - أي الإمام علي يجيب على سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم -:

«عندي والذي نفسي بيده إنها لحطمية ما ثمنها إلا أربعمائة درهم»(2).

والملاحظ في سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو: الحس الجمالي الكاشف عن المحافظة على المشاعر الوجدانية وإنك يا علي لصادق فيما قلت بعدم امتلاكك من حطام الدنيا شيئا.

ولذلك كان سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن فعل الدرع لا عن فعل الإمام علي عليه السلام بها، والتاء في: (فعلت) عائدة إلى الدرع لا إلى علي عليه السلام.

أي: كأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام: لا تهتم

ص: 256


1- الإصابة لابن حجر: ج 8 ص 54، ترجمة فاطمة عليها السلام.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 358؛ البحار: ج 43 ص 136.

لعدم امتلاكك المال والدرع ما عملها.

وبمعنى آخر:

كمن جاء يشكو حاله عند امرئ صاحب نجدة ومروءة فيجيب المضطر بقوله: ونحن ما عملنا، فيكون الجواب بصيغة سؤال يفيد بإغاثة الملهوف ويعطي حلا للمشكلة، أي: لا تهتم ونحن عندك.

هذا وجه للسؤال، والوجه الآخر هو:

إنّ الإمام عليه السلام كان يعدّ هذه الدرع التي سلحه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي ملكاً للنبي عليه السلام وليست له، إذ لم تستقل الملكية اللازمة لعلي بخروجها من ملكية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وذلك لأسباب عدة، منها:

1 - لوجود الولاية الكاملة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأموال والأنفس، ولذا يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المالك الأصلي والمسلم متصرف مجاز بهذا المال، وفي حال وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على المال ينفك من ذمة المصرف ويعود لملكية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي ذلك نصوص قرآنية كثيرة منها: قوله تعالى:

(اَلنَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ )(1) .

ص: 257


1- سورة الأحزاب، الآية: 6.

وقوله عزّ وجل:

(وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاٰ مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاٰلاً مُبِيناً)(1) .

2 - أنها قد تكون تحت عنوان الهدية وبذلك يكون ضمن العقود الجائزة، أي بقاء الملكية معلقة.

3 - أن هذه الدرع من عدة الجيش وأحد تجهيزاته، ومن ثم تعود ملكيتها للحاكم وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يحق للمقاتل بيعها أو تلفها وإن حصل أمر كهذا فعليه العوض بالمثل.

ولذا قال عليه السلام مجيبا على سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«وهل عندك شيء تستحلها به».

فرد قائلا:

«لا والله يا رسول الله».

أي لا أملك شيئا. فيرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه:

«وما فعلت الدرع».

قال: «عندي...» أي إن هذه الدرع التي أعطيتكها، هي ملك لك وأنت حر التصرف بها. ولذا لم يقل صلى الله عليه وآله وسلم: ما فعلتَ بالدرع، فيكون المراد فعل الإمام علي عليه السلام وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما فعلتْ الدرع».

ص: 258


1- سورة الأحزاب، الآية: 36.
ثانيا: لماذا سميت هذه الدرع بالحطمية ؟ وما هي الحكمة في اختيار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها في المهر؟!

قال ابن الأثير: الحطمية هي التي تحطم السيوف أي تكسرها، وقيل: هي العريضة الثقيلة، وقيل هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم: حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع، وهذا أشبه الأقوال(1).

أما اختيار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للدرع خاصة دون السيف والناضح فهو لحكمة خاصة يمكن لنا فهم مفادها من خلال النقاط التالية:

1 - لأن من خلال هذا الزواج سيولد عترة رسول الله التي هي ثقل القرآن، أي: إنّ علياً وفاطمة والأئمة من ولدهما هم الدرع الواقية للإسلام والشريعة وبهم تحطم الشبهات والفتن.

ولاسيما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بين هذه الحقيقة في نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم

«في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الظالمين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون»(2).

2 - المعنى الآخر هو: كأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يقول بلغة

ص: 259


1- النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: ج 1، ص 402؛ الفائق للزمخشري: ج 1، ص 292؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 139.
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 148؛ العقبى للطبري: ص 17؛ ينابيع المودة: ص 226، وص 326-327.

الإيحاء لذوي الألباب: إنك يا علي لا تحتاج إلى درع في القتال، فأنت من يحطم الفرسان، ومن بأسك يتترس بالحديد الشجعان، فلا تغنيهم من سيفك دروعهم، ولا تقيهم من طعناتك متاريسهم.

3 - المعنى الآخر هو: أنك يا علي درع الإيمان، وأنت الحاطم لأنوف الشرك والنفاق.

ولهذا المعنى تشير فاطمة البضعة النبوية في خطبتها الاحتجاجية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلة:

«كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن للشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهيبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا»(1).

ثالثا: ما هو ثمن الدرع الذي جعل مهرا لفاطمة عليها السلام ؟!

أشارت الروايات إلى أن ثمن الدرع تراوح بين (30) درهما إلى (500) درهم وهي على النحو التالي:

1 - روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:

«زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة على درع حطمية يسوى ثلاثين درهما»(2).

ص: 260


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، باب احتجاج فاطمة عليها السلام.
2- الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 5، ص 377؛ التهذيب للشيخ الطوسي رحمه الله: ج 7، ص 364؛ وسائل الشيعة: ج 21، ص 350، برقم 27014 و 27017.

2 - ما روي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال:

«ما ثمنها إلا أربعمائة درهم»(1).

3 - عن سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في خبر:

«زوّج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليا على أربع مائة وثمانين درهما»(2).

4 - وفي رواية:

«أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوّج فاطمة على خمس مائة درهم»(3).

وهو الأصح، لكن يمكن الجمع بين تلك الروايات بوجوه كما قاله العلامة المجلسي:

الأول: أن يكون المراد كون الدرع جزءا للمهر.

الثاني: أن يكون المعنى أنه لو كان هذا اليوم لساوى ثلاثين درهما وإن كانت قيمته في ذلك الزمان أكثر.

الثالث: أن يقال: أنه كان يساوي ثلاثين درهما، لكن بيع بخمسمائة درهم.

الرابع: أن يكون بعض الأخبار محمولا على التقية(4).

وإضافة إلى ما ذكره العلامة المجلسي يمكن أن نجمع تلك الروايات بشكل أقرب للذهن؛ إذ إن الرواية التي ذكرت أن ثمن الدرع يساوي (30) درهما هي الأقوى والأشهر بينما الرواية التي تنص على أن مهر فاطمة خمس مائة درهم هي

ص: 261


1- البحار: ج 43، ص 119، نقلا عن كشف الغمة للأربلي.
2- البحار: ج 43، ص 112.
3- البحار: ج 43، ص 105.
4- البحار: ج 43، ص 143-144.

الأصح وطريق التوافق بينهما هو كالتالي:

أولا: أن الإمام الصادق عليه السلام لم يقل كان مهر فاطمة ثلاثين درهما إنما قال:

«على درع حطمية».

وأن هذه الدرع تساوي ثلاثين درهما، ووجهة الحكمة في هذا الحديث أن الإمام الصادق عليه السلام لم يذكر بكم بيعت الدرع إنما أشار إلى كم تساوي، ولذلك تعدّ هذه الرواية الأقوى من غيرها لوردها في الكافي، والتهذيب، والوسائل، وهي في نفس الوقت لا تتعارض مع غيرها لأنها لم تنص على بكم بيعت الدرع.

ثانيا: أما الدليل على أن مهر فاطمة عليها السلام كان خمس مائة درهم فهو لما قام به الإمام محمد الجواد عليه السلام في جعل مهر أم الفضل بنت عبد الله المأمون - الخليفة العباسي - كمهر جدته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا وهو:

«خمس مائة درهم»(1).

وبهذا يكون ثمن الدرع الذي قبضه الإمام علي عليه السلام عند بيعها هو خمس مائة درهم، وإن كانت تساوي ثلاثين درهما.

لكن من الذي اشترى هذه الدرع ودفع خمس مائة درهم ثمنا لها في حين أنها لا تساوي أكثر من ثلاثين درهما؟!

ص: 262


1- البحار: ج 50، ص 76، باب تزويجه عليه السلام بأم الفضل بنت المأمون؛ الاحتجاج: ج 2، باب احتجاجات الإمام الجواد عليه السلام.
رابعا: جبرائيل عليه السلام يشتري الدرع ثم يهديها للإمام علي عليه السلام

لما طلب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أن يذهب فيبيع الدرع خرج عليه السلام فنادى على درعه فبلغت أربعمائة درهم ودينارا فاشتراها دحية بن خليفة الكلبي، وكان حسن الوجه لم يكن مع رسول الله أحسن منه وجها.

فلما أخذ علي الثمن وتسلم دحية الدرع عطف دحية على علي وقال له: أسألك يا أبا الحسن أن تقبل مني هذه الدرع هدية ولا تخالفني فأخذها منه وحمل الثمن والدرع وجاء بهما إلى النبي فطرحها بين يديه وقال: يا رسول الله بعت الدرع بأربعمائة درهم ودينار، وقد اشتراها دحية وسألني أن أقبل الدرع هدية فما تأمرني أقبلها منه أم لا؟! فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال:

ليس هو دحية لكنه جبرائيل، والدراهم من عند الله لتكون شرفا وفخرا لابنتي فاطمة(1).

وكان الدينار يبلغ مائة درهمٍ وبذلك يكون المهر خمسمائة درهم هجرية.

المسألة الثانية: ما هو مهر فاطمة عند الله عزّ وجل ؟!
اشارة

قد جرت العادة في مناسبات الزواج، وإن اختلفت مكانا وزمانا وتقليدا، أن يكون المهر معبرا بشكل أو بآخر عن مكانة المرأة وأهميتها عند المتقدم لها، أو عند أهلها وقومها، بينما كان البعض الآخر يعدّه وسيلة للحصول على مبتغاه.

ومن هنا فقد اعترض أناس من قريش على مقدار مهر الزهراء عليها

ص: 263


1- دلائل الإمامة للطبري: ص 13.

السلام ؟ والسبب في ذلك: أنهم ظنّوا أن هذا الأمر خلاف العادة المتبعة في الزواج، أو كونها بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينبغي أن يكون مهرها باهظا، أو لأنها فاطمة..، ومن مثل فاطمة عليها السلام ؟! أو لسبب آخر مرّ بيانه.

ولهذه الأسباب أو غيرها أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوجت عليا بمهر خسيس! فقال لهم: ما أنا زوجت عليا، ولكن الله تعالى زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى(1).

ولم يكن هذا الرد من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كافيا عند البعض فتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معترضا، لكن بصورة أخرى تظهر الحب وتبطن البغض.

فقال: قد علمنا مهر فاطمة في الأرض فما مهرها في السماء؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك ؟!».

قيل: هذا مما يعنينا يا رسول الله.

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«كان مهرُها في السماء خمسَ الأرض فمن مشى عليها مبغضا لها ولولدها مشى عليها حرام إلى أن تقوم الساعة»(2).

والذي يبدو من خلال الرواية: أن السائل كان يلحن في القول، كما تشير الآية:

ص: 264


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق رحمه الله: ج 3، ص 401؛ برقم 4402؛ البحار: ج 8، ص 191.
2- البحار للمجلسي: ج 43، ص 113، وقد أوردها بلفظ «فمن مشى عليها مبغضا لها ولولدها».

(... وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ اَلْقَوْلِ ...)(1) .

ولذلك انتهره النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

الشيء الآخر الذي تدل عليه الرواية: أنّ المتكلَم شخصٌ واحدٌ وليس جماعة، وأن هذا الشخص يرى في نفسه أنه شيءٌ مهم فلذا كان يتحدث بصيغة الجمع قائلا: (قد علمنا) و (هذا مما يعنينا) ولكن ردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة التصغير قائلا:

«سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك».

ومما تدل عليه الرواية أيضا: أن هذا السائل سيقوم بانتهاك حرمة فاطمة عليها السلام وأنه سيغضبها، ولذا ردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مذكرا ومنفرا من عاقبة من يتعرض لحرمة فاطمة فيغضبها فقال:

«فمن مشى عليها - أي الأرض - مغضبا لها - لفاطمة ولولدها - مشى عليها حراما إلى أن تقوم الساعة».

ومما يستوقف الباحث والقارئ: هو الفقرة الأخيرة من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي:

«مشى عليها حراما إلى أن تقوم الساعة ؟».

إذ لا يعقل أن المغضب لفاطمة يظل يمشي إلى قيام الساعة.

وعليه: فما أراده صلى الله عليه وآله وسلم منها؟! يمكن لنا معرفة ذلك من وجوه:

أولا: أن المبغض أو المغضب لفاطمة حكمه ماض إلى قيام الساعة، فيكون

ص: 265


1- سورة محمد، الآية: 30.

مراده صلى الله عليه وآله وسلم (الحكم).

ثانيا: أن يكون مرادهُ صلى الله عليه وآله وسلم (الناس) فإن كلّ من أبغض أو أغضب فاطمة وولدها إلى قيام الساعة إذا مشى على الأرض فإنه يمشي عليها حراما، حتى ينفي الناس.

ثالثا: أن المقصود من ذلك هو (المضاعفة في الإثم) لمن أغضب فاطمة وولدها إلى قيام الساعة فيكون مراده من المشي المضاعفة والديمومة في الإثم.

رابعا: أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد بذلك: كل (ذرية فاطمة) إلى قيام الساعة فمن آذى أحد أولاد فاطمة عليهم السلام يكون قد آذاها، فيكون مراده صلى الله عليه وآله وسلم ذرية فاطمة أي: أبناء الحسن والحسين عليهما السلام إلى قيام الساعة.

والظاهر من ذلك كله: أن مراده صلى الله عليه وآله وسلم: أن من كان مبغضا لفاطمة ولولدها الأئمة عليهم السلام يضاعف عليه الإثم إلى قيام الساعة ؟ ليكون عليه العذاب أضعافا مضاعفة في الآخرة، وأن حال المغضب لها ولولدها كذلك. لقوله تعالى:

(أُولٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي اَلْأَرْضِ وَ مٰا كٰانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ يُضٰاعَفُ لَهُمُ اَلْعَذٰابُ مٰا كٰانُوا يَسْتَطِيعُونَ اَلسَّمْعَ وَ مٰا كٰانُوا يُبْصِرُونَ )(1) .

ولم يكتفِ النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من عترته ببيان ذلك فقط، وإنما قد كشفوا للمسلمين عن ما أعطاه الله عزّ وجل لفاطمة بزواجها

ص: 266


1- سورة هود: الآية 20.

من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

ويبدو أن سبب ذلك هو كثرة الأسئلة عن مهرها في السماء، أو لوجود معارضين لم يكتفوا بذلك البيان بعد، أو هو بشرى للمؤمنين لتقرّ بذلك عيونهم.

فكان مهر فاطمة عليها السلام في السماء هو:

أولا: ربع الدنيا

فقد أخرج الطوسي عن إسحاق بن عمار وأبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام:

«أن الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة عليها السلام ربع الدنيا، فربعها لها»(1).

ثانيا: جعلت لها في الأرض أربعة انهار

عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرائيل عليه السلام عن الله عزّ وجل:

«وجعلت - لفاطمة - في الأرض أربعة أنهار: الفرات، ونيل مصر، - ونهر - ونهروان، ونهر بلخ، فزوجها أنت يا محمد بخمس مائة درهم تكون سنّة لأمتك»(2).

ثالثا: أنّ الله تعالى أمهر فاطمة بزواجها من علي عليهما السلام الجنة والنار

أخرج الشيخ الطوسي رحمه الله: عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام:

«أن الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة الجنة والنار، تدخل أعداءها النار، وتدخل

ص: 267


1- أمالي الطوسي: ص 668، برقم (1399) 6؛ البحار: ج 43، ص 105 و 113.
2- البحار للمجلسي: ج 43، ص 113، نقلا عن كتابي الشفاء والجلاء.

أولياءها الجنة، وهي الصّديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى»(1).

رابعا: إنّ الله عزّ وجل نحلها شجرة طوبى

عن أم أيمن رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة عليها السلام فجعلها في منزل علي عليه السلام»(2).

خامسا: أن فاطمة طلبت أن يكون مهرها شفاعة المذنبين

ذكر أبو الحسن البكري: (أن فاطمة عليها السلام لما سمعت أن أباها صلى الله عليه وآله وسلم زوّجَها من علي وجعل الدراهم لها مهرا، قالت:

«يا أبت إن بنات ساير الناس على هذا تزوجن، على الدراهم والدنانير فلو زوجت ابنتك على الدراهم والدنانير، فما الفرق بينك وبين ساير الناس، فاسأل من الله تعالى أن يجعل مهري شفاعة أمتك».

فنزل جبرائيل من ساعة وبيده حربة فيها مكتوب:

«جعل الله مهر فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى شفاعة أمته».

وأوصت فاطمة عليها السلام وقت خروجها من الدنيا بأن يجعل تلك الحربة في كفنها، وقالت:

«إذا حشرت يوم القيامة ارفع هذه الحربة وأشفع لعصاة أمة أبي»(3).

ص: 268


1- أمالي الطوسي: ص 668، برقم (1399) 6؛ البحار: ج 43، ص 105 و 113.
2- البحار: ج 39، ص 226.
3- الجزء الثاني من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي الحسن البكري (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم 12442.

المبحث السادس: جهاز عرس فاطمة عليها السلام

اشارة

لم يكن لابنة النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم من الأثاث في تجهيز بيتها لتحل فيه عروسا لأمير المؤمنين علي عليه السلام ما اعتاد عليه الناس من اقتناء ما غلا ثمنه وبان ثراؤه حتى كأن الزواج أصبح عند البعض فرصة في تحسين حال البنت فلا يترك العريس حتى تنظف جيوبه وجيوب أهله وأحبائَه وهو يدور عليهم مقترضا منهم المال.

أو لاعتقاد البعض أن ذلك مما يحقق الراحة والسعادة للفتاة التي ستبحث عنهما طوال حياتها الزوجية.

فلا الراحة ستجدها في أدراج غرفة النوم، ولا السعادة تعثر عليها بين مثاقيل الذهب.

ولسبب بسيط، إذ إنها أخطأت الاختيار، ولم تضع ضمن مفاهيمها أن:

«من جاءكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه».

ص: 269

فهو السبيل للوصول إلى حياة هادئة ومستقرة، تظلها الرحمة، ويحيطها الحنان.

ولذلك نجد أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يشترِ السعادة لفاطمة من السوق، ولم يوصِ لها بالراحة من المتاجر لتأتي حسب الطلب، إنما زوجها من رجل ارتضى الله دينه وخلقه، فكانا اسعد زوجين عرفتهما البشرية، إذ لم يتكافأ رجل مع امرأة بمثلما تكافأ علي وفاطمة عليهما السلام.

وهذا هو أساس نجاح الحياة الزوجية، أي: (التكافؤ).

ولذا قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا علي قد أوتيت ثلاثا لم يؤتها أحدٌ، حتى أنا، أوتيتَ صهرا مثلي ولم أوت أنا مثلي؛ وأوتيت صديقةً مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة؛ وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم»(1).

المسألة الأولى: ما هو جهاز فاطمة ؟

(لما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا فاطمة عليهما السلام دخل عليها وهي تبكي فقال لها:

«ما يبكيك ؟ فو الله لو كان في أهل بيتي خير منه زوّجتك، وما أنا زوّجتك ولكن الله زوجك، وأصدق عنك الخمس ما دامت السموات والأرض».

أشارت الرواية إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لعلي عليه السلام:

«قُم فبع الدرع».

ص: 270


1- الحافظ الخركوشي في شرف المصطفى، الورقة: 173 (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق برقم 1887.

قال علي عليه السلام:

«فقمت فبعته وأخذت الثمن، ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسكبت الدراهم في حجره، فلم يسألني كم هي ولا أنا أخبرته».

ثم قبض قبضة ودعا بلالا فأعطاه فقال: ابتع لفاطمة طيبا.

ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدراهم بكلتا يديه فأعطاها أبا بكر وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت وأردفه بعمار بن ياسر وبعده من أصحابه.

فحضروا السوق فكانوا يعترضون الشيء مما يصلح، فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر، فإن استصلحه اشتروه.

- والسبب في ذلك هو أن أبا بكر كان يعمل سمساراً ولذا كانوا يعرضون عليه ما يشترون -.

فكان مما اشتروه:

1 - قميص(1) بسبعة دراهم.

2 - وخمار(2) بأربعة دراهم.

3 - قطيفة سوداء خيبرية(3).

4 - سرير مزمل بشريط.

5 - فراشان من خيش(4) مصر حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جزّ الغنم.

ص: 271


1- القميص الذي يلبس معروف مذكور في (لسان العرب): ج 11، ص 302.
2- الخمار للمرأة ما تغطي به رأسها (لسان العرب): ج 4، ص 213.
3- القطيفة: كساء له خمل (لسان العرب): ج 11، ص 229.
4- الخيش: ثياب رقاق النسج غلاظ الخيوط تتخذ من مشاقة الكتان ومن أردئه، وربما اتخذت من العصب (لسان العرب): ج 4، ص 216.

6 - أربع مرافق من أدم الطائف، حشوها أذخر(1).

7 - ستر من صوف.

8 - حصير هجري.

9 - رحى لليد.

10 - مخضب من نحاس(2).

11 - سقاء من أدم.

12 - قعب للّبن(3).

13 - شن للماء(4).

14 - مطهرة مزفتة.

15 - جرة خضراء.

16 - كيزان خزف(5).

حتى إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين كانوا معه الباقي، فلما عرض المتاع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل يقلّبه بيده ويقول: بارك الله لأهل البيت»)(6).

ص: 272


1- الإذخر: خيش طيب الرائحة، أطول من الثيل.
2- المخضب: إناء يغسل فيه الثياب
3- القعب: القدح الضخم، الغليظ، الجاني، وقيل: قدح من خشب مقعر، وقيل: هو القدح على الصغر، يشبه الحافر (لسان العرب): ج 11، ص 235.
4- الشن: القربة وتستخدم للماء حملا وتخزينا لأنه يرد فيها (لسان العرب): ج 7، ص 218.
5- الكوز من الأواني معروف وهو: الكوب الذي له عروة يمسك منها (لسان العرب): ص 186؛ و (الخزف) ما عمل في الطين وشوي بالنار فصار فخارا (لسان العرب): ج 1، ص 83.
6- أمالي الشيخ الطوسي رحمه الله: ص 41؛ البحار: ج 43، ص 94؛ وراجع في أثاث بيت فاطمة عليها السلام.

وفي رواية: (فلما وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما نظر إليه بكى وجرت دموعه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال:

«اللهم بارك لقوم جلّ آنيتهم الخزف»(1).

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قسم المهر إلى ثلاثة أثلاث، ثلث للطيب، وطلب من بلال أن يقوم بشرائه، وثلث للأثاث، وثلث للوليمة.

وفي تخصيصه صلى الله عليه وآله وسلم ثلثاً للطيب تأكيد على اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزينة المرأة وحثها على الاهتمام بمظهرها كي تنال إعجاب زوجها والفوز بحبه لها واهتمامه بها.

وبهذا تكون قد حققت الجو الملائم لبناء أسرة هادئة مطمئنة يحيا فيها الأبناء تحت رعاية أبوين يربطهما حب قوي.

المسألة الثانية: الإمام علي عليه السلام ينتظر الإذن بانتقال فاطمة عليها السلام إلى بيت الزوجية

قال الإمام علي عليه السلام:

(«ومكثت بعد ذلك شهرا لا أعاود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمر فاطمة بشيء استحياء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، غير أني إذا خلوت برسول الله يقول لي: يا أبا الحسن ما أحسن زوجتك وأجملها، أبشر يا أبا الحسن فقد زوّجتك سيدة نساء العالمين».

قال علي عليه السلام:

ص: 273


1- البحار: ج 43 ص 130.

«فلما كان بعد شهر دخل عليّ أخي عقيل بن أبي طالب فقال: يا أخي ما فرحت بشيء كفرحي بتزويجك فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يا أخي فما بالك لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخلها عليك فتقرّ عينا باجتماع شملكما».

قال علي:

«والله يا أخي إنني لأحب ذلك وما يمنعني من مسألته إلا الحياء منه».

فقال: أقسمت عليك إلا قمت معي.

«فقمنا نريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلقينا في طريقنا أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرنا ذلك لها».

فقالت: لا تفعل، ودعنا نحن نكلمه فإن كلام النساء في هذا الأمر أحسن وأوقع بقلوب الرجال.

«ثم انثنت راجعة فدخلت إلى أم سلمة فأعلمتها بذلك، وأعلمت نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاجتمعن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان في بيت عائشة، فأحدقن به وقلن: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الأحياء لقرت بذلك عينها. قالت أم سلمة: فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال:

«خديجة وأين مثل خديجة صدقتني حين كذبني الناس ووازرتني على دين الله وأعانتني عليه بمالها، إن الله عزّ وجل أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب (الزمرد) لا صخب فهي ولانصب»(1).

ص: 274


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 4، ص 356؛ كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 130.

قالت أم سلمة، فقلنا: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله إنك لم تذكر من خديجة أمرا إلا وكانت كذلك، غير أنها قد مضت إلى ربها، فهنأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في درجات جنته ورضوانه ورحمته.

يا رسول الله وهذا أخوك في الدنيا، ابن عمك في النسب علي بن أبي طالب يحب أن تدخل عليه زوجته فاطمة عليها السلام، وتجمع بها شمله.

فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -:

يا أم سلمة فما بال علي لا يسألني ذلك ؟

فقلت يمنعه الحياء منك يا رسول الله.

قالت أم أيمن: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«انطلقي إلى علي فأتيني به».

قالت: فخرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا علي ينتظرني ليسألني عن جواب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآني قال:

«ما وراك يا أم أيمن».

قلت: أجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال عليه السلام:

«فدخلت عليه وقمن أزواجه فدخلن البيت وجلست بين يديه مطرقا نحو الأرض حياء منه. فقال: أتحبّ أن تدخل عليك زوجتك ؟

فقلت وأنا مطرق: فداك أبي وأمي.

فقال: نعم وكرامة يا أبا الحسن أدخلها عليك في ليلتنا هذه أو في ليلة غد إن شاء الله. قال علي عليه السلام: فقمت فرحا مسرورا»)(1).

ص: 275


1- بحار الأنوار للمجلسي رحمه الله: ج 43 ص 130-131.

المبحث السابع: زفاف فاطمة عليها السلام

اشارة

قبل أن تزف فاطمة إلى الإمام علي عليهما السلام كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد طلب من الإمام علي عليه السلام أن يهيّئ لفاطمة منزلا. فقال له:

«هيئ منزلا حتى تحول فاطمة إليه ؟».

فقال علي عليه السلام:

«يا رسول الله ما ها هنا منزل إلا منزل الحارثة بن النعمان».

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«والله لقد استحيينا من الحارثة بن النعمان، قد أخذنا عامة منازله».

فبلغ ذلك حارثة فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله: أنا ومالي لله ولرسوله، والله ما من شيء أحب إلي مما تأخذه، والذي تأخذه أحب علي مما تتركه، فجزاه رسول الله خيرا، فحولت فاطمة إلى علي في منزل حارثة(1).

ص: 276


1- البحار: ج 19، ص 113.

وسنعود لهذا الحديث في باب: موقع بيت فاطمة بعون الله تعالى.

وكي نعطي مجريات الزفاف حقها قمنا بتقسيم المبحث إلى مسائل أربع.

المسألة الأولى: وليمة العرس
اشارة

قبل أن يخرج النبي الأكرم بضعته إلى بيت الزوجية في موكب الزفاف كان قد أعد لها في هذه المناسبة وليمة إطعام تليق بهذه الفرحة، حتى قالوا فيها ما لم يقلْه أحد في غيرها من الأعراس وشهدوا للناس بفرحتهم بعرس فاطمة.

تقول أسماء بنت عميس:

أولم علي على فاطمة، فما كان وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته(1).

ويقول جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه:

حضرنا عرس علي وفاطمة فما رأيت عرسا كان أطيب منه حشدنا البيت طيبا وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا(2).

أولاً: كيف أعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوليمة ؟!
اشارة

أنّ من الأمور التي امتازت بها وليمة عرس فاطمة عليها السلام مع شهادة الحاضرين هي:

1 - أنها ضمت هدايا الصحابة.

2 - ظهور أحد الأدلة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 277


1- ذخائر العقبى للطبري: ص 33.
2- ذخائر العقبى: ص 34.

3 - ظهور معجزة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذه الأمور الثلاثة رافقت الوليمة من الإعداد إلى نهاية الإطعام، فكان إعدادها على الشكل الآتي:

ألف: إعداد الحيس (حلوى العرس)

ويتكون (الحيس): من التمر والأقط(1)، والسمن، وقد يجعل عوض الاقط الدقيق(2).

وكان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذ عشرة دراهم وأعطاها إلى الإمام علي عليه السلام، وهذه الدراهم هي من ثمن الدرع، وقال له:

أشتر سمنا وتمرا وأقطا.

قال الإمام عليه السلام:

فاشتريت وأقبلت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحسر عن ذراعيه ودعا بسفرة من أدم وجعل يشدخ التمر والسمن ويخلطهما بالأقط، حتى اتخذه حيسا(3).

فكانت هذه حلوى العرس التي أعدها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بيده المقدسة.

ص: 278


1- الأقط: لبن جاف، وهو نوع من الجبن يعمل من لبن الإبل المخيض، (أنظر: المصطلحات، إعداد مركز المعجم الفقهي: ص 854).
2- ذخائر العقبى: ص 33.
3- البحار: ج 43 ص 132.
باء: إعداد القصعة، الخبز ثريدا مع اللحم

وكان إعدادها بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا، فقد أمر بطحن البر - أي القمح - وخبزه، وأمر عليا بذبح البقر والغنم، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفصل ولم ير على يده أثر دم.

جيم: كيف تمت دعوة الناس إلى الوليمة التي استمرت لثلاثة أيام ؟!

بعد أن فرغوا من الطبخ وتم إعداد الطعام المكون من الخبز واللحم والحلوى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام:

«أدع الناس».

قال علي عليه السلام:

«جئت إلى الناس فقلت: أجيبوا الوليمة، فأقبلوا».

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«أدخل عشرة، فدخلوا وقدم إليهم الطعام والثريد، فأكلوا ثم أطعمهم السمن والتمر، فلا يزداد الطعام إلا بركة فلما أطعم الرجال عمد إلى ما فضل منه، فتفل فيها وبارك عليها، وبعث منها إلى نسائه وقال: قلن لهن: كلن وأطعمن من غشيكن(1).

وفي هذا الخصوص فإن ريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس فقط يبارك في الطعام ويشفي المريض وإنما كان طعمه أحلى من العسل وكان يؤتي إليه بالماء المالح فيشرب منه ثم يمجه فيه فيكون أحلى من العسل(2).

وكان هذا الإطعام في اليوم الأول وقبل انتقال فاطمة عليها السلام إلى بيت علي عليه السلام، أي: قبل زفافها ببعض الوقت.

ص: 279


1- الخرائج والجرائح: ج 2، ص 535؛ البحار: ج 43، ص 106، حديث 21.
2- الخصوصيات النبوية لابن قضيب البان (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد برقم (12730).
ثانيا: اليوم الثاني للوليمة

فكان هذا اليوم قد اشتمل على هدايا الصحابة فقد جاؤوا إلى الإمام علي عليه السلام ببعض الأصوع من البِر، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطحن ويخبز فلما فرغوا من الطبخ - أي: طبخ لحم الغنم الذي ذبحها علي عليه السلام أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينادى على رأس داره: أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك كقوله:

«وأذن في الناس بالحج»(1).

فأجابوا من النحلات والزروع، فبسط النطوع في المسجد وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة، ورفعوا منها ما أرادوا ولم ينقص من الطعام شيء(2).

ثالثا: اليوم الثالث للوليمة

وفي اليوم الثالث أتى أبو أيوب بشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهاه جبرائيل عن ذبحها، فشق ذلك عليه فأمر صلى الله عليه وآله وسلم يزيد بن جارية الأنصاري فذبحها بعد يومين، أي: أن أبا أيوب جاء بالشاة في اليوم الأول فلما نهاه جبرائيل عن ذبحها لسبب سيمر علينا فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذبحها بعد يومين من عرس فاطمة عليها السلام.

فلما طبخت أمر ألا يأكلوا إلا باسم الله، وأن لا يكسروا عظامه، ثم قال:

ص: 280


1- سورة الحج، الآية: 28.
2- البحار: ج 43، ص 114.

(إنّ أبا أيوب رجل فقير إلهي أنت خلقتها، وأنت أفنيتها، وإنك قادر على إعادته، فأحيها يا حي لا إله إلا أنت).

فأحياها الله وجعل فيها بركة لأبي أيوب، وشفاء المرضى في لبنها فسماها أهل المدينة المبعوثة وفيها قال عبد الرحمن بن عوف أبياتا منها:

ألم يبصروا شاة ابن زيد وحالها *** وفي أمرها للطالبين مزيد

وقد رابحت ثم استجر إهابها *** وفصلها فيما هناك يزيد

وانضج منها اللحم والعظم والكلى *** فهلهله بالنار وهو هريد

فأحيا له ذو العرش والله قادر *** فعادت بحال ما يشاء يعود(1)

المسألة الثانية: المراسيم النبوية في زفاف فاطمة المرضيّة عليها السلام
اشارة

بعد أن أتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطعام الناس طلب من النساء تزيين فاطمة عليها السلام وقد ورد في كثير من الروايات التي أوردها العلامة المجلسي رحمه الله وهي تشير إلى وجود أم سلمة، وإنها قامت بتزيينها وإعدادها لهذه المناسبة. وهذا اشتباه كبير إذ لا وجود لأم سلمة في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه تزوج بها في السنة الرابعة من الهجرة، أي: بعد زواج فاطمة بسنتين(2)، فكيف تكون قد تكفلت بتزيينها في حجرتها(3)، وأن فاطمة زفت وحولت في هذه الليلة إلى حجرة أم سلمة(4).

ص: 281


1- المناقب لابن شهر: ج 1، ص 114؛ البحار: ج 78، ص 19.
2- الإصابة لابن حجر العسقلاني: ج 8، ص 222.
3- البحار: ج 43، ص 114.
4- البحار: ج 43، ص 95.

بينما نجد من الغريب جدا في حديث زواج فاطمة عليها السلام هو عدم وجود أي ذكر لفاطمة بنت أسد أم الإمام علي عليهما السلام، وهي أم النبي المصطفى كما سماها صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف تغيب أو تغيّب عن هذه المناسبة فلا يسند لها أي دور فيها، وقد هاجرت مع فاطمة عليها السلام، وماتت في المدينة، وأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفنها في قميصه وقال:

«لم نلق بعد أبي طالب أبرّ بي منها».

وكانت تعين فاطمة في بيتها(1)، إلا أن يقال أن أم سلمة كانت من الحاضرات مع النساء ولكن ليست كزوجة للنبي، وإنه صلى الله عليه وآله وسلم قد طلب منها ذلك الطلب لمعرفتها بما تحتاج المرأة من زينة ليلة زفافها، ولكن هذا من باب الاحتمال والله العالم بحقيقة وجودها في عرس فاطمة عليها السلام، وأن الأقرب إلى الواقع هو قيام فاطمة بنت أسد بكل ما تحتاج إليه بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أولاً: إنّ عطر فاطمة ليلة الزفاف عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل عليه السلام ممزوج بعرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم

إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر نساءه - ولم يكن له حينها سوى سودة وعائشة - أن يزيّنها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة.

فاستدعين من فاطمة طيبا فأتت بقارورة، فسئلت عنها، فقالت: كان دحية الكلبي يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول لي: يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمّك فكان إذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه.

ص: 282


1- الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 60، ترجمة رقم 11584.

فسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال:

«هو عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل».

وأتت بماء ورد فسألت أم سلمة عنه ؟

قالت: هذا عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنت آخذه عند قيلولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندي(1).

فلما كان وقت زفافها، أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببغلته الشهباء، وشنن عليها قطيفة، وقال لفاطمة:

أركبي.

وأمر سلمان الفارسي المحمدي رضي الله عنه أن يقودها، والنبي يسوقها(2). قال ابن بابويه: وحولها حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعقيل وجعفر أبنا أبي طالب رضي الله عنهما وأهل البيت يمشون خلفها مشهرين سيوفهم، ونساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدامها يرجزن فأنشأت أم سلمة:

سرْنَ بعون الله جاراتي *** واشكرنه في كل حالات

واذكرن ما أنعم ربّ العلى *** من كشف مكروه وآفات

فقد هدانا بعد كفر وقد *** أنعشنا ربّ السموات

وسرْن مع خير نساء الورى *** تفدى بعمّات وخالات

يا بنت من فضله ذو العلى *** بالوحي منه والرسالات

ص: 283


1- البحار: ج 43، ص 114-115.
2- البحار: ج 43، ص 104؛ الأمالي للشيخ الطوسي: ص 258؛ وسائل الشيعة للعاملي: ج 20، ص 92؛ من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 401؛ باب الستار والزفاف برقم 4402.

ثم قالت عائشة:

يا نسوة استرن بالمعاجر *** واذكرن ما يحسن في المحاضر

واذكرن ربّ الناس إذ يخصّنا *** بدينه مع كل عبد شاكر

والحمد لله على أفضاله *** والشكر لله العزيز القادر

سرن بها فالله أعطى ذكرها *** رخصها منه بطهر طاهر

ثم قالت حفصة:

فاطمة خير نساء البشر *** ومن لها وجه كوجه القمر

فضلك الله على كل الورى *** بفضل من خص بأي الزمر

زوّجك الله فتى فاضلا *** أعني عليا خير من في الحضر

فسرن جاراتي بها إنها *** كريمة بنت عظيم الخطر

ثم قالت معاذة بنت سعد بن معاذ:

أقول قولا فيه ما فيه *** وأذكر الخير وأبديه

محمد خير بني آدم *** ما فيه من كبر ولاتيه

بفضله عرّفنا رشدنا *** فالله بالخير يجازيه

ونحن مع بنت نبي الهدى *** ذي شرف قد مكّنت فيه

في ذروة شامخة أصلها *** فما أرى شيئا يدانيه

وكانت النسوة يرجّعن أول بيت من كل رجز، ثم يكبّرن ودخلنَ الدار(1).

ولكن من دون أن تحدثنا أحداهن عن ثوب زفاف فاطمة عليها السلام الذي لبسته هذه الليلة ؟!

ص: 284


1- البحار: ج 43، ص 115-116.
المسألة الثالثة: ثوب زفاف فاطمة عليها السلام يختلف عن أثواب زفاف جميع النساء

اهتم الناس كثيرا في ثوب الزفاف لدرجة أن البعض شبهه بتاج الملوكية لا فرق بينه وبين ثوب الزفاف سوى الموضع الذي يوضع فوقه كل منهما.

والحق يقال: إن هناك تشابها بين تاج الملوكية وثوب الزفاف فذاك يحتفل به لتثبيت الملك وهذا يحتفل به لتثبيت العفة والطهارة.

وربما يوجد بينهما أكثر من موضع للتشابه، ولكن أن يسعى البعض لجعل التشابه بينهما في الثمن فهذا ما لا يرضي الله ورسوله والعقلاء.

وربما اهتم البعض الآخر بثوب الزفاف سواء رجل أو امرأة، كي تتمكن التي ترتديه من خطف أبصار الحاضرين.

أو لجعل هذه الليلة، ليلة لا تنسى، إذ لا تكون المرأة بهذا الجمال إلاّ في هذه الليلة، ولن تعود لهذا الجمال في غيرها من الليالي ؟! فللزمن ضريبته القاسية على الجمال الذي ينتزعها دون إشعار مسبق... ولذا حرص الرجل على هذه الليلة ربما أكثر من المرأة.

وعلى أية حال لا نستطيع أن نأتي بجميع وجهات النظر حول أهمية ثوب الزفاف.

فيكفي أن يقال عنه في الوقت الحاضر: ثوب ليلة العمر.

ولكن كيف كان ثوب زفاف فاطمة عليها السلام ؟ وكيف كانت ليلة زفافها؟

أما ثوب الزفاف وهو محل حديثنا فإنه يختلف عن جميع أثواب زفاف النساء

ص: 285

منذ أن خلق الله عزّ وجل حواء إلى آخر امرأة تلبس ثوب زفافها؟!

فما من امرأة كان ثوب زفافها الذي لبسته ليلة عرسها يكون هو نفسه كفنها فتخرج به من الدنيا؟!!

ربما يقول البعض: بل هناك من قتلت ليلة زفافها! ونقول: نعم، قد حصل الكثير! ولكن هل حصل أن امرأة ارتدت ليلة عرسها ثوبها الذي زفت به ليكون ما تستعين به كغيره طيلة حياتها الزوجية البالغة ثماني سنوات ثم تمضي مقتولة شهيدة وهي في الثامنة عشرة من العمر فيكون هذا الثوب هو كفنها فهذا لم ولن يحصل لغير فاطمة.

لكن كيف أصبح ثوب زفافها هو كفنها؟ لا نجيب عليه الآن! بل في موضعه عند الحديث عن ظلامتها وما جرى عليها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما ما هو ثوب زفافها؟

فيقول الأبشيهي: (جلباب من صوف اكتسته ليلة بنى بها علي وخرجت به من الدنيا)(1).

والجلباب عند أهل اللغة هو: (القميص)(2).

وقيل هو: (الإزار) يشتمل به فيجلل جميع الجسد، وكذلك إزار الليل وهو: الثوب السابغ الذي يشتمل به النائم الذي يغطي جسده كله(3).

وأما فقهاء اللغة فقالوا: ف (الجلباب) هو ثوب أوسع من الخمار دون الرداء

ص: 286


1- المستطرف من كل فن مستظرف: ج 2، ص 211.
2- لسان العرب لابن منظور: ج 2، ص 317.
3- مجمع البحرين: ج 3، ص 204-205.

تغطي به المرأة رأسها وصدرها(1).

وقيل: (الجلباب) هو الخمار(2).

وقيل: جلباب المرأة: ملاءتها التي تشتمل بها، واحدها جلباب، وجمعه جلابيب(3).

وقيل: هو ثوب واسع دون الملحفة(4).

وقيل: هو الثوب الذي تغطي به ماعليك من الثياب، نحو الملحفة(5).

ومن خلال هذه المعاني يمكن الجمع بين هذه الأقوال وهي (القميص)، الإزار، الخمار، الملاءة، الملحفة بمعنى جامع يشير إلى أن الجلباب هو: ما تستر به المرأة رأسها وجسدها ويكون فوق الثياب، ليكون أول ما يقع عليه نظر المرء إذا نظر إلى المرأة.

وعليه: فإن الثوب الذي لبسته فاطمة ليلة زفافها هو (الجلباب)، وهو الذي حمل اسم (ثوب الزفاف) وبهذا الجلباب خرجت من الدنيا، أي كان كفنا لها؟!

ويفهم من ذلك أن الإمام عليّاً عليه السلام غسلها من فوق هذا الجلباب حالها في ذلك حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما غسله الإمام علي عليه السلام ولم يجرده من ثوبه.

ص: 287


1- الإفصاح في فقه اللغة: ج 1، ص 37.
2- تهذيب الألفاظ لابن السكيت: ج 2، ص 665.
3- الإفصاح في فقه اللغة: ج 1، ص 371.
4- المصدر نفسه.
5- تهذيب الألفاظ لابن السكيت: ج 2، ص 665؛ هدية الخطيب التبريزي: ج 2، ص 665.
المسألة الرابعة: نثار فاطمة في ليلة زفافها عليها السلام

من الأمور التي ترافق ليلة الزفاف لدى الناس هو (النثار)، والنثر: رميك الشيء بيدك متفرقا، والنثر: اسم للجوز والسكر، وما ينثر من الأشياء؛ والنثار الفعل، يقال: (أما شهدت نثار فلان، وما أهبت عن نثر فلان، أي ما نثر)(1).

و (النثارة) ما تناثر منه.

وقد اكتسب (النثار) ميزة خاصة من بين أمور ليلة الزفاف، إذ من خلاله يحاول أهل العروس إظهار مكانة (البنت) بين أهلها، وموضعها عند أبويها خاصة، ولذلك جادت بعض الأسر في نثارهم على بناتهم ليلة زفافهن قديما وحديثا.

ومن هذا المعنى: أي إظهار مكانة المرأة وموضعها عند أهلها، امتاز نثار فاطمة عليها السلام، بهذه الميزة، فكان نثارها شعيرة من الشعائر الإلهية التي رافقت حياتها.

فكان نثارها هو إظهار لمكانتها عند الله عزّ وجل، هذه المكانة والشأن الرفيع أظهره الله عزّ وجل للملأ الأعلى فهم عليهم السلام الأقدر على تعظيم هذه الشعيرة في حب فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ولكن هذا الأمر لا يعني فقدان المحب لهم في الأرض أو عدم تألمه لما جرى عليهم، إذ التاريخ يفصح بلسان مبين عن أولئك المحبين، ومن بينهم كانت مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم أيمن رضي الله عنها.

ص: 288


1- كتاب العين للفراهيدي: ج 8، ص 219؛ لسان العرب لابن منظور: ج 5، ص 191، مادة (نثر).

قال الإمام علي عليه السلام:

«دخلت أم أيمن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي ملحفتها شيء فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ما معك يا أم أيمن ؟!

فقالت: إن فلانة أملكوها فنثروا عليها فأخذت من نثارها، ثم بكت أم أيمن، وقالت: يا رسول الله فاطمة زوجتها ولم تنثر عليها شيئا؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم أيمن لم تكذبين! فإن الله تبارك وتعالى لما زوجت - زوّج - فاطمة عليا عليهما السلام أمر أشجار الجنة أن تنثر عليهم من حليها وحللها وياقوتها ودرّها وزمردها واستبرقها، فأخذوا منها ما لا يعلمون، ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة فجعلها في منزل علي»(1).

وفي رواية: عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

أوحى الله عزّ وجل إلى السدرة - أي سدرة المنتهى - أن انثري، فنثرت الدّر والجوهر على الحور العين فهن يتهادينه ويتفاخرن به، ويقلن هذا من نثار فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(2).

ص: 289


1- أمالي الصدوق: ص 363، برقم (446) 3؛ البحار: ج 43، ص 99؛ العجاجة الزرنبية للسيوطي: ص 50 و 51.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 401، برقم 4402؛ مكارم الأخلاق: ص 208؛ كشف اليقين للحلبي: ص 195، ونسبه إلى شجرة طوبى؛ كشف الغمة: ج 1، ص 367؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 23؛ الأمالي للطوسي: ص 257؛ المجلس العاشر إرشاد القلوب للديلمي: ج 2، ص 232؛ بحار الأنوار: ج 43، ص 139 و 104، وج 8، ص 191، وج 100، ص 266 و 274.

وفي خبر عن الإمام الرضا عليه السلام في فضل يوم الغدير:

«وأنهم - أي الملائكة - ليتها دون في ذلك اليوم نثار فاطمة»(1).

المسألة الخامسة: المراسيم الإلهية لزفاف فاطمة عليها السلام

فهكذا كان نثار فاطمة عليها السلام، وهكذا كان تعظيمها في السماء، ولكن لم يكتفِ الأمر فقط بنشر الفرحة في السماء، وتبادل الهدايا، بل إن الفيض الأقدس وهم ملائكة الرحمن جاؤوا في هذه الليلة ليشاركوا سيد الكونين فرحته ببضعته النبوية، بل إنهم هبطوا ليتولوا مراسيم زفافها إلى ولي الله وحجته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

فكانت المراسيم الإلهية بهذه الصورة التي ما سمعتها البشرية من قبل! ولم تسمع بها من بعد تلك صورة التي نقلتها كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصورتها عيون الوحي، فكانت عناصر تكوينها ملائكة السماء، ورياحين الجنان، وأنوار الرحمان.

فما هي هذه الصورة ؟!

يقول جابر بن عبد الله الأنصاري: (فلما كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة إلى علي عليهما السلام وبينما النبي ببعض الطريق إذ سمع صلى الله عليه وآله وسلم وجبة(2)! فإذا هو بجبرائيل في سبعين ألفاً، وميكائيل في سبعين ألفاً؟!

ص: 290


1- التهذيب للشيخ الطوسي رحمه الله: ج 6، ص 24، باب 7، ح 9؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 42؛ فرحة الغري: ص 106؛ إقبال الأعمال لابن طاووس: ص 468؛ البحار: ج 8، ص 182 وج 37، ص 163، وج 94، ص 118.
2- أي: صوتاً.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما أهبطكم إلى الأرض ؟».

قالوا:

«جئنا نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب»(1).

فأمسك جبرائيل بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليها كانت فاطمة، وأمسك إسرافيل بالركاب، وأمسك ميكائيل بالشفر، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسوي عليها الثياب(2).

فكبّر جبرائيل، وكبّر ميكائيل، وكبّر اسرافيل، وكبّرتْ الملائكة، وكبّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة(3).

فإذا سار المركب صار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامها، وجبرائيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ألف ملك خلفها يسبحون الله ويقدسونه حتى طلع الفجر)(4).

ص: 291


1- من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 401، برقم 4402؛ الأمالي للشيخ الطوسي: ص 257؛ المجلس العاشر إرشاد القلوب للديلمي: ج 2، ص 232؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 23؛ كشف اليقين للحلي: ص 195؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 367؛ البحار للمجلسي: ج 8، ص 191، وج 43، ص 139 و 104، وج 100، ص 266 و 274.
2- البحار: ج 43، ص 140.
3- من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 401، برقم 4402؛ الأمالي للطوسي: ص 257، المجلس العاشر؛ إرشاد القلوب: ج 2، ص 232؛ البحار: ج 8، ص 191، وج 43، ص 139 و 104؛ المستدرك: ج 14، ص 197، برقم 16495.
4- البحار: ج 43، ص 115.

المبحث الثامن: دموع ليلة العرس

اشارة

كل صغيرة وكبيرة في حياة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام لها خصوصيتها الأوحدية، وميزتها التفردية.

فليلة عرس فاطمة عليها السلام بما قدمنا كانت أوحدية في تكوينها، فكل حدث فيها يتفرد عن غيره من أحداث ليالي الأعراس لجميع البشر، حتى وإن حصل التطابق في العناوين المرافقة لحدث الزواج، كالمهر، والوليمة، والزفاف، وغيرها.

ولأن ليلة زفاف فاطمة لعلي عليهما السلام فيها مفردات كثيرة، قد يحصل بعضها في غيرها من الأعراس، ألا أن المفردات الأخرى لا يمكن أن نراها، أو نقرأها إلا في ليلة زفاف فاطمة عليها السلام.

فأما المفردات التي قد تحدث في غيرها من الأعراس هي:

ص: 292

المسألة الأولى: ليلة الزفاف وفقدان الأم

إن أول الدموع التي تناثرت كحبات لؤلؤ على وجه فاطمة عليها السلام كانت لفقدان الأم في هذه الليلة وخلو مكانها.

فليس مثل المرأة من يكون أحوج إلى الأم ليلة العرس، وإن كانت الأم مرهما لكل الجراحات لكن في الغالب احتياج الفتاة إلى أمها لا ينحصر بزمن معين ولا ينتهي بسبب واحد فما زالت المرأة بحاجة إلى الأم.

ربما لما يرد على المرأة من أمور خاصة بها كالنفاس ومن قبله الحمل، وربما لتعميق الإحساس في نفسها بعد أن تلمس ما يرافق مراحل الزواج من رعاية الزوج والحمل والإنجاب والرضاعة وغيرها فكل هذه العناوين كانت المرأة تسمعها من أمها أو أختها الكبيرة لكن أن تعيشها أو تحسها بتأثر، فذلك لا يتحقق إلا إن مرّت هي بهذه الأدوار.

وربما تحتاج الفتاة إلى الأم وقلنا في ليلة العرس بشكل خاص لغلبة الخجل عليها ولعدم قدرتها على الإفصاح لما يرافق ليلة العرس من مسؤولية يلزم عليها القيام بها وتحملها، فضلاً عن الإحساس بالخوف فكل هذه الأمور وغيرها تلمسها الفتاة بشكل مختلف عن الرجل.

ولهذا كان النبي الأكرم وهو سنخ رحمة الله عزّ وجل محملا بالهموم فمن مثل النبي المصطفى رحمة ورأفة وأحاسيس مرهفة فضلاً عن أنها فاطمة ولو يعلم الناس ما لفاطمة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من المكانة لرعوها مثل أحداق عيونهم، ولذا كان يعاني الأمرّين وهما ما تحسه فاطمة من ألم فقدان الأم،

ص: 293

ومن يحلّ محل خديجة هذه الليلة.

فكانت عيناه صلى الله عليه وآله وسلم تدمعان(1)، كما دمعت عينا فاطمة عليها السلام وكلاهما لذكرى خديجة عليها السلام.

التي كانت قد دمعت عيناها قبلهما، وحملت هم فاطمة هذه الليلة، ومن هذا الأمر نلمس ماذا تعني الأم، أن كانت بمثل حنان ورأفة أم المؤمنين خديجة عليها السلام التي لم تغفل عن احتياج فاطمة إليها وإلى وجودها بقربها في هذه الليلة، ليلة عرس ابنتها فاطمة.

تقول أسماء بنت عميس:

(حضرت وفاة خديجة عليها السلام فبكت، فقلت: أتبكين، وأنت سيدة نساء العالمين! وأنت زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم! مشيرة على لسانه بالجنة ؟!

فقالت:

«ما لهذا بكيت، ولكن المرأة ليلة زفافها لابدّ لها من امرأة تفضي إليها بسرّها، وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة حديثة عهد بصبى، وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذ؟»؟

فقلت: يا سيدتي لك (علي) عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر»(2).

ولقد أبرت أسماء قسمها فكانت عند فاطمة في هذه الليلة - كما سيمر لاحقاً -.

ص: 294


1- الخرائج والجرائح للراوندي: ج 2، ص 535.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 376؛ بحار الأنوار: ج 43، ص 138.
المسألة الثانية: لابد للعروس من طعام ليلة العرس

قد جرت العادة في الأعراس أن يخصص لليلة العرس طعام للعريسين، وتبعا لهذه العادة فقد اهتم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر، فقد دعا بصحفة فجعل فيها نصيباً - من الطعام الذي طبخ في الوليمة - وقال لعلي:

«هذا لك ولأهلك»(1).

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حرص على إطعام حبيبته ليلة عرسها.

وهذا الأمر وإن يكن مما تشهده ليالي الزفاف، لكن الذي لم يحصل إلاّ في ليلة زفاف فاطمة وعلي عليهما السلام هو: أن يأتيهما جبرائيل بهدية ليلة العرس.

فقد هبط عليه السلام في زمرة من الملائكة بهدية - وهي عبارة عن سلة وكانت مغلقة فلما استقر الحال بالعروسين في بيتهما - فتح النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم السلة فإذا فيها كعك وموز وزبيب فقال:

هذا هدية جبرائيل، ثم أقلب من يده سفرجلة فشقها نصفين وأعطى عليا نصفا وفاطمة نصفا، وقال:

هذه هدية من الجنة إليكما)(2).

وبذلك يكونان عليهما السلام قد أُطعما ليلة الزفاف من يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثمار الجنة التي نزل بها جبرائيل عليه السلام.

ص: 295


1- الخرائج والجرائح للراوندي: ج 2، ص 535؛ بحار الأنوار: ج 43، ص 106.
2- المصدر السابق.
المسألة الثالثة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحصن عليا وفاطمة ليلة الزفاف

قد مرّ سابقا كيفية خروج موكب زفاف فاطمة عليها السلام وما رافقه من مراسيم إلهية حتى وصولها إلى بيت علي عليه السلام.

(فأدخلت فاطمة مع النساء أول الأمر، ثم نادى النبي بفاطمة عليها السلام فأتت وهي تجرّ أذيالها، وقد تصب عرقا حياء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعثرت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقالك الله العثرة في الدنيا والآخرة، فلما وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتى رآها علي عليه السلام(1)، ثم جاء بها فأدخلها على علي عليه السلام فأجلسها إلى جنبه على الحصير القطري، ثم قال:

«يا علي هذه بنتي فمن أكرمها فقد أكرمني ومن أهانها فقد أهانني»(2).

ثم أخذ بيد فاطمة فوضعها في يد علي، وقال:

«بارك الله لك في ابنة رسول الله، يا علي نعم الزوجة فاطمة، ويا فاطمة نعم البعل علي»(3).

ثم قال:

«يا فاطمة آتيني بماء».

فقامت إلى قعب في البيت فملأته ماء ثم أتته به فأخذ جرعة فتمضمض بها

ص: 296


1- البحار: ج 43، ص 96.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 380؛ البحار: ج 43، ص 141.
3- البحار: ج 43، ص 96 و 114.

ثم مجها في القعب ثم صب على رأسها ثم قال:

«أقبلي».

فلما أقبلت نضح منه على صدرها ثم قال:

«أدبري».

فأدبرت فنضح منه بين كتفيها، ثم قال:

«اللهم هذه ابنتي وأحب الخلق إلي(1)، اللهم إنها مني وأنا منها، اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرها».

ثم دعا عليا فصنع به كما صنع بها ودعا له كما دعا لها(2)، ثم قال:

«اللهم هذا أخي وأحب الخلق إلي اللهم اجعله لك وليا وبك حفيا وبارك له في أهله، يا علي أدخل بأهلك بارك الله لك ورحمة الله وبركاته عليكم إنه حميد مجيد»(3).

وقال:

«مرحبا ببحرين يلتقيان، وبنجمين يقترنان».

ثم وثب صلى الله عليه وآله وسلم فتعلقت به وبكت، فقال لها:

«ما يبكيك ؟ فلقد زوجتك أعظمهم حلماً وأكثرهم علماً»(4).

ثم خرج إلى الباب يقول:

ص: 297


1- البحار: ج 43، ص 96، نقلا عن أمالي الطوسي: ص 43، برقم 14/45.
2- البحار: ج 43، ص 122.
3- البحار: ج 43، ص 96، نقلا عن أمالي الطوسي: ص 43، برقم 14/45.
4- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 380.

«طهركما وطهر نسلكما أنا سلم لمن سالمكما، وحرب لمن حاربكما، استودعكما الله، واستخلفه عليكما»(1).

وقال:

«اللهم بارك لهما، وبارك عليهما، واجعل لهما ذرية طيبة إنك سميع الدعاء»(2).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«اللهم إنهما أحب خلقك إلي، فأحبهما وبارك في ذريتهما، واجعل عليهما حافظا وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم»)(3).

قال ابن عباس: فأخبرتني أسماء بنت عميس إنها رمقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يزل يدعو لهما خاصة ولا يشركهما في دعائه أحدا حتى توارى في حجرته(4).

ثم إنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر النساء بالخروج فخرجن، وتخلفت أسماء بنت عميس كي تنفذ وصية خديجة بنت خويلد عليها السلام(5).

فلما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخروج رأى سوادا، فقال:

«على رسلك من أنت».

ص: 298


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 132؛ المناقب للموفق الخوارزمي: ص 325؛ كشف الغمة: ج 1، ص 271؛ البحار: ج 43، ص 117.
2- البحار: ج 43، ص 141.
3- البحار: ج 43، ص 117.
4- البحار: ج 43، ص 122.
5- البحار: ج 43، ص 117.

تقول أسماء: فقلت أنا أسماء بنت عميس(1).

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«ألم آمرك أن تخرجي ؟».

فقلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي وما قصدت خلافك(2)، ولكني أنا التي أحرس ابنتك، إن الفتاة ليلة يبنى بها لابد لها من امرأة تكون قريبة منها إن عرضت لها حاجة أو أرادت شيئا أفضت بذلك إليها(3).

وإني أعطيت خديجة عهدا وحدثته بما كان بينها وبين خديجة عندما حضرتها الوفاة فبكى صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:

«بالله لهذا وقفت ؟».

فقلت: نعم والله(4). قال:

«فإني أسأل الله أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم»(5).

وهكذا يهيئ الله عزّ وجل لفاطمة عليها السلام من يكون إلى جانبها ليلة عرسها، ولا تكون وحيدة وإن كان لا شيء يسد محل الأم.

ولكن ذلك أهون من أن تكون لحالها تدير طرفها فلا ترى من تفضي إليها بحاجتها هذه الليلة، وبذلك أيضا يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اطمأن

ص: 299


1- البحار: ج 43، ص 121.
2- البحار: ج 43، ص 138.
3- البحار: ج 43، ص 121.
4- البحار: ج 43، ص 138.
5- البحار: ج 43، ص 122.

أكثر على حبيبته وبضعته في حال احتياجها لأمر معين وفي نفس الوقت تكون خديجة عليها السلام قريرة العين وهي في روضتها الفردوسية تنظر إلى بنتها في هذه الليلة.

المسألة الرابعة: في ليلة عرس فاطمة عليها السلام يقام مأتم للحسين عليه السلام

قد يستغرب القارئ الكريم من هذا العنوان وذلك أن الإمام الحسين عليه السلام هو الابن الثاني لسيدة النساء عليها السلام فما علاقة مصيبته وما يجري عليه في كربلاء في هذه الليلة حتى احترت أو أمضي في كتابة هذا الموضوع أم أتركه ؟ إلاّ أنني أيقنت أن الأمر أعد من قبل أن يخلق الله الخلق، وأنّ محمداً وعترته صلى الله عليه وآله وسلم إنما خلقهم الله عزّ وجل لشريعته، ومن أجلها يسيرون في حياتهم، كي تحيا شريعة الله وأن جميع أمورهم من زواج، وإنجاب، أو ما يجري عليهم من مرض، وقتال، وتشريد، وسلب، وتقطيع، لا فرق بين من كان صغيرا على صدر أمه أو كبيراً تخضب شيبته بالدماء، أو طفلة في ربيعها الثالث كرقية بنت الإمام الحسين عليهما السلام، أو شابة في عرسها، أو امرأة ناهزت الخمسين كل هذه الأدوار اختارها الله عزّ وجل حسبما تقتضي مصلحة شريعته عزّ وجل.

وإلا بأي حكمة نظرية أو حكمة عملية كما يسميها علماء الشيعة والفلاسفة والعرفاء أن يقام مجلس في ليلة الزفاف فينبأ العروسان بما يجري على ولدهما بهذا الشكل الذي وقع يوم عاشوراء، غير أن يكون الله عزّ وجل قد خلقهم لشريعته واصطفاهم لتبليغ وحيه، قرن طاعته بطاعتهم، وفرض على الخلائق مودتهم، وضمن لمن تمسك بهم النجاة في الدنيا والفوز في الآخرة.

ص: 300

ولذا انظر معي أيها القارئ الكريم إلى ما يحدّث به الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من إقامة مأتم ولده الحسين في ليلة زفاف فاطمة إليه.

كما يروي لنا ابن عقدة الكوفي (المتوفى 333 ه)، عن علي عليه السلام، أنه قال:

«فلما كان في آخر السحر أحسست برسول الله فذهبت لأنهض».

فقال:

«مكانك أتيتك في فراشك رحمك الله.

فأدخل رجليه معنا في الدثار ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة فاستيقظت، فبكى وبكت وبكيت لبكائهما!!

فقال لي: ما يبكيك ؟!

فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله بكيت وبكت فاطمة، فبكيت لبكائكما. فقال: أتاني جبرائيل فبشرني بفرخين يكونان لك، ثم عزيت بأحدهما وعلمت أنه يقتل غريبا عطشانا.

فبكت فاطمة حتى علا بكاؤها، ثم قالت: يا أب لم يقتلوه وأنت جده وعلي أبوه وأنا أمه ؟!!

قال: يا بنية لطلبهم الملك، أما أنهم سيظهر عليهم سيف لا يغمد إلا على يد المهدي من ولدك، يا علي من أحبك وأحب ذريتك فقد أحبني ومن أحبني أحبه الله، ومن أبغضك وأبغض ذريتك فقد أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله وأدخله النار»(1).

ص: 301


1- فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة الكوفي: ص 108؛ نوادر المعجزات لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي): ص 96؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 24-25.

المبحث التاسع: فاطمة عليها السلام في صبيحة عرسها

اشارة

امتازت صبيحة عرس فاطمة عليها السلام بمسائل أربع:

المسألة الأولى: زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها في صبيحة يوم عرسها

قال علي عليه السلام:

«وكانت غداة قرة(1) قد أتى النبي في صبيحة يوم العرس وقال: السلام عليكم أدخل رحمكم الله، ففتحت أسماء الباب وكانا نائمين تحت كساء فقال على حالكما فأدخل رجليه بين أرجلهما فأخبر الله عن أورادهما.

(تَتَجٰافىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ اَلْمَضٰاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ )(2) .

فسأل عليا: كيف وجدت أهلك ؟!

ص: 302


1- البحار: ج 43، ص 132.
2- سورة السجدة، الآية: 16.

قال: نعم العون على طاعة الله، وسأل فاطمة ؟! فقالت: خير بعل.

فقال: اللهم اجمع شملهما وألف بين قلوبهما واجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم، وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة واجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك، ويأمرون بما يرضيك ثم أمر بخروج أسماء، وقال: جزاك الله خيرا.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم: قد جاء هما بعس فيه لبن فقال: لفاطمة: اشربي فداك أبوك.

وقال لعلي: اشرب فداك ابن عمك»(1).

المسألة الثانية: فاطمة عليها السلام تخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كرامة رأتها لعلي عليه السلام

من الكرامات التي خص الله بها علي بن أبي طالب عليه السلام هي هذه الكرامة التي رأتها فاطمة صبيحة يوم عرسها، فأخبرت أباها صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وقد أثرت هذه الكرامة في فاطمة فأفزعتها.

تقول فاطمة عليها السلام:

«سمعت الأرض تحدثه ويحدثها، فأصبحت وأنا فزعة فأخبرت والدي صلى الله عليه وآله وسلم فسجد سجدة طويلة، ثم رفع رأسه وقال: يا فاطمة أبشري بطيب النسل، فإنّ الله فضل بعلك على سائر خلقه، وأمر الأرض أن تحدثه بأخبارها وما

ص: 303


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر: ج 3، ص 132؛ شجرة طوبى للحائري: ج 2، ص 254؛ مستدرك سفينة البحار: ج 9، ص 225؛ إعلام الورى للطبرسي: ص 299؛ كشف الغمة للأربلي: ص 101؛ البحار: ج 43، ص 117.

يجري على وجهها من شرق الأرض إلى غربها»(1).

وفي رواية، أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا فاطمة زوجتك سيدا في الدنيا، وأنه في الآخرة لمن الصالحين، يا فاطمة لما أراد الله تعالى أن أملكك بعلي أمر الله تعالى جبرائيل فقام في السماء الرابعة، فصف الملائكة صفوفا ثم خطب عليهم فزوجك من علي، ثم أمر الله سبحانه بشجر الجنان فحملت الحلي والحلل، ثم أمرها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منهم يومئذ شيئا أكثر مما أخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة».

قالت أم سلمة رضي الله عنها:

لقد كانت فاطمة عليها السلام تفتخر على النساء؛ لأنها من خطب عليها جبرائيل عليه السلام(2).

المسألة الثالثة: دخول نساء من قريش عليها في صبيحة عرسها

إن مجيء بعض نساء قريش إلى زيارة فاطمة عليها السلام في صبيحة عرسها كان لأجل إسماعها بعض الكلمات التي تكشف في الدرجة الأولى عن الغيرة المفرطة التي انتابت بعضهن ولاسيما أن الدوافع كبيرة جدا لتأجج نيران هذه الخصلة في قلوب البعض.

وذلك يعود إلى الآتي:

ألف: إنّ ما حظيت به الزهراء عليها الصلاة والسلام من اهتمام إلهي

ص: 304


1- البحار: ج 43، ص 118.
2- البحار: ج 43، ص 108 و 139 و 142.

ونبوي فاق كل تصور لدى المسلمين جميعا نساءً ورجالاً، وهذا كما قلنا دافع قوي للغيرة.

باء: إنّ بعض هؤلاء النساء قد كان إخوانهن أو آباؤهن ممن تقدموا لخطبة فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم الذين يرون في أنفسهم الأهلية من منظار الموقع الاجتماعي والمالي وبهما يستطيعون أن ينالوا ما يرغبون الحصول عليه.

لكن عندما جاءوا إلى رسول الله خاطبين وجدوا أن المنظار الذي كانوا ينظرون من خلاله الأشياء هو منظار زائف في مفهوم النبوة.

فهذا الصدّ والإعراض الذي لمسوه من حضرة النبوة صلى الله عليه وآله وسلم انعكس على بناتهم وأخواتهم فلذا جئن إلى فاطمة عليها السلام كي ينلنّ منها في شيء يعاب فلم يجدْنَ غير فقر علي عليه السلام ليعيّرْنَها به فقلن لها: (قد زوجك رسول الله من عالٍ لا مال له)(1).

بينما وجد غيرهنّ شيئاً آخر يقلنه لفاطمة عليها السلام والذي يبدو من لفظهن تعاسة حالهن وسوء محضرهن، وأنهن ممن لم يحظين بزوج فقلن عنه عليه السلام: (إنه رجل دحداد البطن طويل الذراعين خضم الكراديس، أنزع، عظيم العينين والسكنة، مشاش، ضاحك السن لا مال له)(2).

فلم تجبهن فاطمة عليها السلام وانتظرت أن تقص ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن سألها عن حالها.

ص: 305


1- البحار: ج 40، ص 18، وج 43، ص 139.
2- البحار: ج 43، ص 98، ح 11.

وفي رواية: (أنها بكت لما سمعت منهنّ ذلك)(1)، لأنهن قلن هذه الألفاظ والقلوب مريضة. ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ردّ على هذه الأقوال سنعرض له بعون الله تعالى.

المسألة الرابعة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعود لزيارتها بعد ثلاثة أيام من ليلة الزفاف

هذه الحادثة وإن كانت بعد ثلاثة أيام إلا أنها تعدّ في عرسهما، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشديد الحرص على رعايتها.

يقول الإمام علي عليه السلام:

«ومكث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك ثلاثا لا يدخل علينا - أي بعد ليلة الزفاف وصبيحتها - فلما كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا ليدخل علينا، فذهبنا لنقوم، فقال: بحقي عليكما لا تفترقا حتى أدخل عليكما فرجعنا إلى حالنا ودخل صلى الله عليه وآله وسلم، وأدخل رجليه فيما بيننا وأخذت رجله اليمنى فضممتها إلى صدري، وأخذت فاطمة رجله اليسرى فضمتها إلى صدرها وجعلنا ندفئ رجليه من القر - أي البرد»(2).

ويبدو أن زواجهما عليهما السلام كان في فصل الشتاء، وتظهر الرواية خوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهما من البرد فلم يرضَ بترك فراشهما وأنه أدخل رجليه معهما لأنهما كانتا باردتين.

ص: 306


1- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 372؛ بحار الأنوار: ج 43، ص 133.
2- كتاب العين للفراهيدي: ج 5، ص 21؛ لسان العرب لابن منظور: ج 5، ص 82؛ مجمع البحرين: ج 3، ص 455.

نعود للرواية، يقول الإمام علي عليه السلام:

«حتى إذا دفئتا - أي: رجلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: يا علي آتني بكوز من ماء؟

قال عليه السلام: فأتيته فتفل فيه ثلاثا وقرأ فيه آيات من كتاب الله تعالى، ثم قال: يا علي اشربه واترك فيه قليلا، ففعلت ذلك، فرش باقي الماء على رأسي وصدري، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أذهب الله عنك الرجس يا أبا الحسن وطهرك تطهيرا.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم آتني بماء جديد، فأتيته به ففعل كما فعل وسلمه إلى ابنته عليها السلام، وقال لها: أشربي وأتركي منه قليلا، ففعلت، فرشه على رأسها وصدرها وقال صلى الله عليه وآله وسلم: أذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيرا، وأمرني بالخروج من البيت وخلا بابنته عليهما السلام.

أقول: وهنا يدور حوار بينهما تظهر بعضه - على الظاهر في الرواية - فاطمة عليها السلام لعلي وإلا لا يمكن معرفة ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها إلا من خلال ما قالته فاطمة لعلي أو لعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أخبر عليا بما دار بينهما، ولذا نجد أن الإمام علياً عليه السلام قد نقل هذا الحوار فيما بعد، فيقول:

«قال: كيف أنت يا بنية، وكيف رأيت زوجك ؟

قالت: يا أب خير زوج، إلا أنه دخل علي نساء من قريش وقلن لي زوجك رسول الله من فقير لا مال له ؟!

فقال لها: يا بنية ما أبوك بفقير ولا بعلك بفقير، ولقد عرضت عليّ خزائن الأرض

ص: 307

من الذهب والفضة، فاخترت ما عند ربي عزّ وجل.

يا بنية: لو تعلمين ما عَلِمَ أبوك لسمجت الدنيا في عينيك(1).

والله يا بنية: ما ألوتك نصحا أن زوجتك أقدمهم سلما - وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما(2).

يا بنية: إن الله عزّ وجل اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار من أهلها رجلين أحدهما أباك والآخر بعلك(3). يا بنية: نعم الزوج زوجك فلا تعصي له أمرا.

ثم صاح بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي! فقلت لبيك يا رسول الله.

قال: أدخل بيتك وألطف بزوجتك وأرفق بها فإن فاطمة بضعة مني يؤلمني ما يؤلمها ويسرني ما يسرها استودعكما الله واستخلفه عليكما.

قال علي عليه السلام: فو الله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا، ولقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان»(4).

المسألة الخامسة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرد على من تكلم في فقر علي عليه السلام

بعد أن سمع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مقالة نساء قريش لفاطمة عليها السلام فبين لها أنّ علياً عليه السلام ليس بفقير، ثم كشف لها عن

ص: 308


1- السمج: هو القبح، وسمجت قبحت (لسان العرب): ج 2، ص 300؛ مجمع البحرين: ج 2، ص 310.
2- بحار الأنوار: ج 35، ص 421.
3- بحار الأنوار: ج 43، ص 133.
4- المناقب للموفق الخوارزمي: ص 353؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 372؛ الخصائص الفاطمية للكجوري: ج 2، ص 349؛ البحار: ج 43، ص 133-134.

كرامته عند الله، وأطلعها على فضائله، فكان فيما قاله صلى الله عليه وآله وسلم لها:

«يا فاطمة(1) كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله مطيعين من قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق آدم قسم ذلك النور جزئين، جزء أنا وجزء علي»(2).

ثم إن قريشا تكلمت في ذلك فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر بلالاً فجمع الناس، وخرج إلى مسجده ورقى منبره يحدث الناس بما خصه الله تعالى من الكرامة وبما خصّ به علياً وفاطمة عليهما السلام.

فقال:

«يا معشر الناس إنه بلغني مقالتكم وإني محدثكم حديثا فعوه واحفظوه مني واسمعوه مني فإني مخبركم بما خصّ الله به أهل البيت، وبما خص به عليا من الفضل والكرامة، وفضله عليكم، فلا تخالفوه فتنقلبوا على أعقابكم.

(وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّٰهُ اَلشّٰاكِرِينَ )(3) .

معاشر الناس: إن الله قد اختارني من خلقه، فبعثني إليكم رسولا، واختار لي عليا خليفة ووصيا.

معاشر الناس: إني لما أسري بي إلى السماء وتخلف عني جميع من كان معي من ملائكة السماوات وجبرائيل والملائكة المقربين، ووصلت إلى حجب ربي

ص: 309


1- البحار للمجلسي: ج 40، ص 18.
2- المسترشد لابن جرير (الشيعي): ص 630؛ الخرائج والجرائح للراوندي: ج 2، ص 838؛ العمدة لابن البطريق: ص 88.
3- سورة آل عمران، الآية: 144.

دخلت سبعين ألف حجاب بين كل حجاب إلى حجاب من حجب العزة والقدرة والبهاء والكرامة والكبرياء والعظمة والنور والظلمة والوقار حتى وصلت إلى حجاب الجلال فناجيت ربي تبارك وتعالى وقمت بين يديه وتقدم إلي عز ذكره بما أحبه وأمرني بما أراد لم اسأله لنفسي شيئا في علي إلا أعطاني ووعدني الشفاعة في شيعته وأوليائه ثم قال لي الجليل جل جلاله: يا محمد من تحب من خلقي قلت: أحب الذي تحبه أنت يا ربي.

فقال لي جل جلاله: فأحب عليا فإني أحبه وأحب من يحبه، فخررت لله ساجدا مسبحا شاكرا لربي تبارك وتعالى.

فقال لي: يا محمد! علي وليي وخيرتي بعدك من خلقي، اخترته لك أخا ووصيا، ووزيرا، وخليفة وناصرا لك على أعدائي.

يا محمد! إني أطلعت على قلوب عبادي فوجدت عليا انصح خلقي لك، وأطوعهم لك، فأتخذه أخا وخليفة، ووصيا وزوج ابنتك، فإني سأهب لهما غلامين طيبين طاهرين تقيين نقيين، فبي حلفت، وعلى نفسي حتمت أن لا يتولين عليا وزوجته وذريتهما أحد من خلقي، إلا رفعت لواءه إلى قائمة عرشي وجنتي، وبحبوحة كرامتي، وسقيته من حظيرة قدسي، ولا يعاديهم أحد ويعدل عن ولايتهم، يا محمد إلا وسلبته ودي وباعدته من قربي، وضاعفت عليهم عذابي ولعنتي.

يا محمد إنك رسولي إلى جميع خلقي، وإن عليا وليي وأمير المؤمنين، وعلى ذلك أخذت ميثاق ملائكتي وأنبيائي وجميع خلقي من قبل أن أخلق خلقا في سمائي وأرضي محبة مني لك يا محمد ولعلي ولولدكما ولمن أحبكم وكان من شيعتكما ولذلك خلقته من طينتكم.

فقلت: إلهي وسيدي فأجمع الأمة عليه فأبى عليّ وقال: يا محمد إنه المبتلى، والمبتلى

ص: 310

به وإني جعلتكم محنة لخلقي أمتحن بكم جميع عبادي وخلقي في سمائي وأرضي وما فيهن لأكمل الثواب لمن أطاعني فيكم وأحل عذابي ولعنتي على من خالفني فيكم وعصاني وبكم أميز الخبيث من الطيب.

يا محمد! وعزتي وجلالي لولاك لما خلقت آدم، ولولا علي لما خلقت الجنة لأني بكم أجزي العباد يوم المعاد بالثواب والعذاب، وبعلي وبالأئمة من ولده أنتقم من أعدائي في دار الدنيا ثم إلي المصير للعباد يوم المعاد، وأحكمكما في جنتي وناري فلا يدخل الجنة لكما عدو، ولا يدخل النار لكما ولي، وبذلك أقسمت على نفسي.

ثم انصرفت فجعلت لا أخرج من حجاب من حجب ربي ذي الجلال والإكرام إلا سمعت النداء من ورائي، يا محمد! قدم عليا، يا محمد! استخلف عليا، يا محمد! أوصِ إلى علي، يا محمد! آخِ عليا يا محمد أحب من يحب عليا، يا محمد استوصِ بعلي وشيعته خيرا.

فلما وصلت إلى الملائكة جعلوا يهنئوني في السموات ويقولون: هنيئا لك يا رسول الله بكرامة الله لك ولعلي.

معاشر الناس: علي أخي في الدنيا والآخرة، ووصيي وأميني على سري، وسر رب العالمين ووزيري وخليفتي عليكم في حياتي وبعد وفاتي لا يتقدمه أحد غيري، وخير من أخلف بعدي ولقد أعلمني ربي تبارك وتعالى: أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين(1)، وأمير المؤمنين، ووارث النبيين، ووصي رسول رب العالمين، وقائد الغر

ص: 311


1- أنظر هذه الخصائص التي خص الله بها علياً في: مستدرك الحاكم: ج 3، ص 138؛ كنز العمال: ج 6، ص 157، برقم 2628؛ المعجم الصغير للطبراني: ج 2، ص 88؛ مناقب الإمام علي عليه السلام لابن المغازلي: ص 65، ح 93؛ المناقب للخوارزمي: ص 235؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 121؛ أسد الغابة: ج 1، ص 69؛ ينابيع المودة: ص 81؛ فرائد السمطين: ج 1، ص 143.

المحجلين(1)، من شيعته وأهل ولايته إلى جنات النعيم(2)، بأمر رب العالمين، يبعثه الله يوم القيامة مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون، بيده لواء الحمد يسير به أمامي وتحته آدم وجميع من ولد النبيين والشهداء والصالحين إلى جنات النعيم حتما من الله محتوما من رب العالمين، وعد وعدنيه ربي فيه، «ولن يخلف الله وعده» وإنا على ذلك من الشاهدين»(3).

ومما لا شك فيه أن هذا الخطاب النبوي الشريف قد أزاح الهموم عن قلب فاطمة عليها السلام التي كان سببها ما تلفظت به نساء قريش ولعل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أراد أن يقطع الكلام في تلك البيوت فلا يعاودْنَ المجيء مرة أخرى فيؤذين فاطمة عليها السلام فضلاً عن أن هذا الخطاب قد ألجم تلك الأفواه التي تنطق بالبغض لعلي وفاطمة عليهما السلام حينما سمعوا كل تلك الفضائل التي خص الله بها علياً عليه السلام على وجه الخصوص ومن ثم فالأساس في الاعتبار والوجاهة في مدرسة النبوة المحمّدية هو التقوى لا المال.

ص: 312


1- حلية الأولياء لأبي نعيم: ج 1، ص 63؛ ترجمة الإمام علي في تاريخ دمشق: ج 2، ص 487، ح 1005؛ ميزان الذهبي: ج 1، ص 64؛ مطالب السؤول لابن طلحة: ج 1، ص 60؛ كفاية الطالب للكنجي: ص 212.
2- البحار: ج 40، ص 18-21.
3- اليقين للسيد ابن طاووس: ص 425؛ حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج 2، ص 21؛ بحار الأنوار: ج 40، ص 21.

المبحث العاشر:

أولا: تاريخ زواجها وكم كان لها من العمر

أشارت أغلب الروايات إلى أن فاطمة عليها السلام تزوجت في السنة الثانية من الهجرة النبوية المباركة بعد رجوع الإمام علي عليه السلام من بدر الكبرى.

وقد ذهبت بعض الروايات إلى غير هذا التاريخ فقيل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوجها بعلي عليه السلام في السنة الأولى من الهجرة(1)، وقيل: في السنة الثالثة(2).

لكن المشهور هو: السنة الثانية للهجرة النبوية(3).

أما اليوم الذي تم فيه الزفاف فقيل:

1 - ليلة إحدى وعشرين من شهر محرم وكانت ليلة الخميس، وقد ورد في الأعمال المستحبة صيام هذا اليوم شكرا لله تعالى لما وفق من جمع حجته

ص: 313


1- البحار: ج 19، ص 116-117.
2- الوفاء للسمهودي: ج 1، ص 468.
3- الخصائص الفاطمية للكجوري: ج 1، ص 457.

وصفوته(1).

2 - في اليوم الأول من ذي الحجة، وروي أنه في اليوم السادس منه(2).

3 - في شوال لأيام خلت منه بعد وفاة رقية رضي الله عنها زوجة عثمان بن عفان بسبعة عشر يوماً، وذلك بعد رجوعه من بدر(3).

ألا أن أصح الأقوال هو: الثاني، أي: في اليوم الأول أو السادس من شهر ذي الحجة للسنة الثانية من الهجرة النبوية على صاحبها وآله آلاف الصلاة والسلام.

وذلك للأمور الآتية:

1 - قد ورد في أن الدرع الذي كان مهر فاطمة عليها السلام كان من مغانم بدر الكبرى والثابت عند المؤرخين أنها وقعت في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وعليه لا يصح أن يكون زواجها قبل بدر.

2 - أن معركة بدر كانت في اليوم السابع عشر من شهر رمضان، فلو كان الزفاف قد وقع في شهر شوال أي بعد أيام من بدر فإن ذلك سيتعارض مع مدّة حمل فاطمة عليها السلام بالإمام الحسن عليه السلام.

3 - أن هذا القول يتناسب مع مدة حمل سيدة النساء بولدها الإمام الحسن عليه السلام، إذ إنه ولد في الخامس عشر من شهر رمضان ومن هذا التاريخ إلى تاريخ زواجها في شهر ذي الحجة يكون تسعة أشهر، وهي مدة الحمل الطبيعي.

ص: 314


1- البحار: ج 43، ص 920، ح 1.
2- أمالي الطوسي: ص 43، المجلس الثاني؛ الوفاء للسمهودي: ج 1، ص 468.
3- وسائل الشيعة: ج 2، ص 97، رقم 25533؛ بشارة المصطفى: ص 267.
ثانيا: عمرها حين الزواج

أما بالنسبة إلى مقدار سنها حين الزواج فهو عشر سنوات، وتوفيت ولها من العمر ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوماً، وهو الثابت عند أئمة عترة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ومن سار على نهجهم(1).

وقد أورد بعض حفاظ المسلمين في مصنفاتهم أقوالاً أخرى في مقدار سنّها حين الزواج وكلها لا تستند إلى شيء من الصحة.

إذ لا يمكن أن يكون هؤلاء الحفاظ الذين نقلوا عن الصحابة أعلم من سيديّ شباب أهل الجنة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام بحال أمهما سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، كما لا يكون هؤلاء الحفاظ ومن نهل منهم بأعلم وأعرف من ذرية الإمام الحسين عليهم السلام بحال وأحوال جدتهم فاطمة عليها السلام.

أضف إلى ذلك أنهم لم يتّفقوا على قول واحد، بل إن الاختلاف لكبير في هذه الأقوال، فقد تدرجت.

1 - اثنتا عشرة سنة(2).

2 - أربع عشرة سنة(3).

ص: 315


1- الكافي: ج 1، ص 458؛ البحار: ج 43، ص 1-10؛ مروج الذهب: ج 2، ص 289؛ كشف الغمة: ج 2، ص 75؛ ذخائر العقبى: ص 52.
2- تاريخ الصحابة لابن حبان: ص 208.
3- كتاب المفهّم للقرطبي: ج 6، ص 251؛ نهاية الأرب: ج 18، ص 213؛ تهذيب الكمال: ج 35، ص 248؛ التبين لابن قدامة: ص 91.

3 - خمس عشرة سنة(1).

4 - ثماني عشرة سنة(2).

5 - تسع عشرة سنة(3).

6 - عشرون سنة(4).

وهذه الأقوال مع تعارضها لروايات أهل البيت عليهم السلام، فإنها تتعارض مع ما ورد في الصحاح عن تقدم الشيخين أبي بكر وعمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاطبين إليه فاطمة، ورد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهما بقوله:

«أنها صغيرة».

ولا يمكن أن يقال عن امرأة في العشرين بأنها (صغيرة)، وبخاصة في العرف السائد في ذلك الوقت، وأما في العصر الحاضر فمن كانت في العشرين يكون خيارها بيدها وتنفك عن ولاية الوالدين كما ينص عليه القانون المدني، إضافة إلى أن العرف أيضا لا يطلق على بنت العشرين بأنها (صغيرة) في جميع المجتمعات الإسلامية.

ص: 316


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1893؛ وفاء الوفاء: ج 1، ص 468؛ تهذيب التهذيب: ج 12، ص 391؛ مرآة الجنان لليافعي: ج 1، ص 54؛ غاية الأماني ليحيى بن الحسين: ج 2، ص 77؛ الروضة الفيحاء: ص 228.
2- الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 263؛ وقد عدّ ولادتها في السنة التي بنت فيها قريش الكعبة وكان للنبي من العمر خمس وثلاثون سنة وبهذا يكون عمرها حين الزواج عشرين سنة وهو محال.
3- تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 3، ص 156؛ وقد عدّ ولادتها قبل النبوة بأربع سنين.
4- جامع الأصول: ج 12، ص 273، فصل 8؛ الفصول المهمة لابن الصباغ: ص 136؛ طبقات الطعيمي: ص 397؛ معجم النساء الشاعرات: ص 206.

وقد حاول (السندي) رفع هذا التعارض وحل الإشكال فقال: (إنه لاحظ الصغر بالنظر إليها)(1)، فوقع في تعارض أكبر وفي إشكال أعظم! وهو زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عائشة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلاحظ كبر أبي بكر وعمر إلى فاطمة عليها السلام التي يقولون أنها في العشرين فتكون صغيرة بالنسبة لعمرهما، ولا يلاحظ الفارق بينه وبين عائشة وهي في السادسة من العمر كما يرون، فيهرب من هذا الإشكال فيقول: (قد يترك ذاك لما هو أعلى منه، كما في تزويج عائشة)(2)؟!

أي: قد يترك لحاظ العمر بين المرأة والرجل لما هو أعلى منه - من العمر -.

ولكن لم يفدنا السندي(3) بالأمر الذي هو أعلى من مسألة العمر كما في زواج عائشة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما هو هذا الأمر الذي جعل النبي لا يلاحظ أنه في الثانية والخمسين وهي في السادسة حين خطبها؟!!

ومن هنا:

فلا يصحح الباطل ويقوّم بباطل آخر.

ص: 317


1- سنن النسائي: كتاب النكاح، باب تزويج المرأة مثلها في السن: ج 5، ص 370، برقم 3220، بشرح السيوطي والسندي.
2- المصدر نفسه.
3- أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي السندي المدني، وهو يلقب أيضا بالكبير تفرقة بينه وبين أبي الحسن السندي الصغير محمد بن صادق السندي، وكان أحد الحفاظ المحققين كما وصفه بهذا الشيخ ابن سقي وقيل عنه أيضا: محدث المدينة المنورة، وخادم السنة من المتأخرين من العلماء توفي بالمدينة، ودفن بها سنة 1138 ه، وترجمته: سلك الدرر (66/4) لأبي الفضل المرادي، معجم المؤلفين لكحالة (282/04) فهرس الفهارس للكتاني: (128)، وغيرها).

فجعل فاطمة عليها السلام في العشرين حين الزواج أمر باطل لا يعالج بباطل آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يزوجها من أبي بكر وعمر لكونها صغيرة بالنسبة لعمرهما.

بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يزوجها منهما ومن غيرهما كما مرّ بيانه لعدم تحقق الكفاءة فيهما ديناً وحسباً وشرفاً ورفعةً وكرامةً .

أما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يلاحظ عمر عائشة فغير صحيح فما من شيء إلا وعند النبي صلى الله عليه وآله وسلم علمه وملاحظته وحسابه، وكيف لا وهو أكمل ما خلق الله عزّ وجل، ولكن السبب ؟ سنعرض له إن شاء الله تعالى.

بحوث هذا القسم
البحث الأول: رواية ابن بابويه رحمه الله في زفاف فاطمة عليها السلام

هذه الرواية التي أخرجها ابن بابويه رحمه الله في كتابه (مولد فاطمة عليها السلام) ونقلها عنه العلامة المجلسي رحمه الله قد حوت على إشكالات كثيرة ؟!

وكنت آمل أن أحصل على الكتاب المذكور، لكن لم أوفق إليه، ولذلك لم أطلع عليها من مصدرها ولم أتمكن من معرفة سندها، ولكن حتى في حال صحة سندها - وهو بعيد - فإنها قد تضمنت إشكالات كثيرة وهي كالتالي:

1 - أشارت الرواية إلى وجود (جعفر بن أبي طالب) - الذي لقبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالطيار - في ليلة زفاف فاطمة وهذا غير صحيح ؟ لأن جعفر

ص: 318

عليه السلام كان آنذاك في الحبشة ولم يهاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة إلا في عام سبعة هجرية عندما فتح الله على المسلمين خيبر بسيف أخيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما أدري بأيهما أكثر أفرح بقدوم جعفر أم بفتح خيبر»(1).

2 - أشارت الرواية أيضا إلى أهل البيت! وأهل البيت المراد بهم قرآنا وسنة، هم:

«فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها».

إلاّ إذا كان مراده رحمه الله: (بني هاشم)، وبنو هاشم لا يطلق عليهم لفظ: أهل البيت ؟ لأن هذه المفردة منحصرة بالخمسة الذين جللهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالكساء فنزلت فيهم آية التطهير.

3 - هذه الأشعار التي أوردها في الرواية، ونسبها إلى (أم سلمة، وحفصة، وهو غريب جدا؟ إذ لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تزوج بهما في ذلك الوقت، أي عند زواج فاطمة، والرواية تشير إلى أنهما كانتا زوجتيه وبهذا السبب كان وجودهما في عرس فاطمة).

4 - الأبيات الأخيرة نسبت إلى: (معاذة أم سعد بن معاذ» وهو غير صحيح ؟ إذ إن (أم سعد بن معاذ» هي: (كبشة بنت رافع بن عبيد بن ثعلبة بن الأبجر، الأنصارية الخدرية، وقد عاشت حتى مات ولدها سعد)(2).

ص: 319


1- المصنف لابن أبي شيبة: ج 7، ص 516؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 209، بلفظ: (لا أدري بأيهما أنا أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر)؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 6، ص 30؛ فتح الباري لابن حجر: ج 11، ص 44.
2- الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 91، برقم 11665، وج 3، ص 84، برقم 3206.
البحث الثاني: أسماء بنت عميس وأمر وجودها في عرس فاطمة عليها السلام

قد أشارت العديد من الروايات إلى وجود أسماء بنت عميس في عرس فاطمة عليها السلام وهو غير صحيح ؟ لأن أسماء هي زوجة جعفر بن أبي طالب عليه السلام وكانت معه في الحبشة ورجعت معه إلى المدينة كما ذكرنا آنفا، أي: بعد زواج فاطمة عليها السلام بخمس سنوات.

ولكن التي كانت في عرس فاطمة، هي: (أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية)(1).

ص: 320


1- قاموس الرجال للتستري: ج 2، ص 187.

الفصل الخامس: موقع بيت فاطمة عليها السلام

اشارة

ص: 321

ص: 322

المبحث الأول: موقع البيت الجغرافي

اشارة

قبل الحديث عن موقع بيت الزهراء عليها السلام جغرافيا، فلابد من الإشارة إلى أننا وبعون الله نتناول في هذا القسم حياة الزهراء داخل بيتها، وأدوارها فيه: كزوجة، وأم، وبنت وحيدة لأبيها، وكنة، وأخت لمن تربين معها فكن أخواتها لهذا السبب، ثم كيف كانت تؤدي التزامات بيتها من إعداد الطعام والتنظيف وغيرها.

ثم ما يرتبط بالبيت من حقوق: كحق الجار، وحق الضيف، وحق الخادم، أي: كيف كانت الزهراء عليها السلام تؤدي هذه الحقوق، أضف إلى ذلك زياراتها لتأدية حق صلة الرحم، ثم مع هذا كله كيف كانت الزهراء عليها السلام تقوم بحق الرعية فتجعل من بيتها مدرسة تستقطب النساء المسلمات لينهلن من العلوم الفاطمية في الفقه والتفسير والحديث وفي التربية والأخلاق، وغيرها من الأمور التي لها علاقة ببيت فاطمة عليها السلام.

ص: 323

فبيتها هو البيت المثالي الأول في الإسلام، إذ لم يجتمع في غيره بمثل ما اجتمع فيه.

ولهذا السبب فقد اقتصر الحديث هنا على فصلين فقط وهما: موقع بيت فاطمة عليها السلام، وباب بيتها لما لباب بيت فاطمة من خصائص متفردة سنعرض لها إن شاء الله.

أما حياتها داخل البيت وما رافقها من غزارة في المواضيع فقد أفردنا لها جزءاً مستقلا تناولنا فيه دراسة الحدث دراسة علمية وتحليلية تحت عنوان: بيت فاطمة وعلم الاجتماع العائلي.

كي يطلع القارئ الكريم ونحن معه على المناهج والأسس العلمية التي أخرجتها جامعة بيت فاطمة عليها السلام.

المسألة الأولى: تحديد بيت فاطمة جغرافياً

اختلفت الروايات على رغم كثرتها في تحديد بيت فاطمة عليها السلام جغرافيا، ونقصد به موضعه وحدوده داخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

والسبب في اختلاف هذه الروايات من تحديدها لبيت فاطمة عليها السلام هو:

لهدم بيت الزهراء عليها السلام وبيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي سكن فيها أزواجه وذلك بأمر الوليد بن عبد الملك بن مروان، فكان المنفذ لهذا الأمر عمر بن عبد العزيز، واليه على المدينة آنذاك، ولم ير أكثر باكيا وباكية من

ص: 324

ذلك اليوم(1).

وكان نفر من أبناء الصحابة ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع(2)، وهم ينظرون إلى بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيت بضعته تهدم، وعلى أثر هذه الحادثة خلطت البيوت والحجر بالمسجد وأدخلت فيه، وسنعرض للقارئ الكريم السبب الحقيقي من قيام الوليد بن عبد الملك بهدم بيت فاطمة عليها السلام وبيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما هو سبب هذا البكاء؟!

إلا أنه يمكن لنا تحديد بيت فاطمة ومعرفة موقعه في المسجد من خلال الأقوال التالية:

أولا: أخرج الشيخ الكليني رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

«بيت علي وفاطمة عليهما السلام ما بين البيت الذي فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الباب الذي يحاذي الزقاق إلى البقيع، قال عليه السلام: فلو دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه أصاب منكبك الأيسر»(3).

وعنه عليه السلام أيضا قال:

«إذا دخلت من باب البقيع فبيت علي عليه السلام على يسارك قدر ممر عن الباب، وهو إلى جانب بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وباباهما جميعا

ص: 325


1- تحقيق النصرة للمراغي: ص 49-50؛ طبقات ابن سعد: ج 1، ص 499؛ وفاء الوفاء للسمهودي: ج 2، ص 201.
2- وفاء الوفاء للسمهودي: ج 2، ص 202.
3- الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 4، ص 555، باب: المبشر والروضة، حديث رقم 8.

مقرونان»(1).

ثانيا: أن بيت فاطمة كان في ما بين مربعة القبر - النبوي - واسطوانة التهجد(2).

ثالثا: كان خلف بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد به البيت الذي تسكنه عائشة عن يسار المصلي إلى الكعبة وكان فيه خوخة إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رسول الله إذا قام من الليل إلى المخرج اطلع منها يعلم خبرهم(3).

رابعا: قال ابن النجار: وبيت فاطمة اليوم حوله مقصورة وفيه محراب، وقال السيد السمهودي مبينا لهذا القول: المقصورة اليوم دائرة عليه وعلى حجرة عائشة من جهة الزور(4).

خامسا: قال ابن شبه عن سليمان بن سالم عن مسلم بن أبي مريم، قال: عرّس علي عليه السلام بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأسطوان التي خلف الأسطوان المواجهة الزور، وكانت داره في المرجعة التي في القبر(5).

ص: 326


1- المصدر السابق، حديث رقم 9.
2- وفاء الوفا للسمهودي: ج 2، ص 211، بتحقيق السامرائي.
3- الدرة الثمينة لابن النجار: ج 2، ص 360؛ وفاء الوفا: ج 2، ص 207؛ العمارة الإسلامية على مر العصور لسعاد ماهر: ص 106-107.
4- الدرة الثمينة لابن النجار: ج 2، ص 360؛ الروضة الفردوسية ورقة 119؛ وفاء الوفاء: ج 2، ص 210-211.
5- المغانم المطابة من معالم طابة للفيروز آبادي: ص 156؛ وفاء الوفاء: ج 2، ص 208.
المسألة الثانية: لماذا جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيت فاطمة بين أسطوانة التهجد ومربعة القبر الشريف ؟!
اشارة

إنّ الوقوف على معرفة غاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جعل بيت البضعة النبوية فاطمة في هذا الموضع من المسجد ولو ظاهريا يلزم معرفة ما لهذين الأسطوانتين من الفضل.

أولا: أسطوانة مربعة القبر

ويقال لها أيضا مقام جبرائيل عليه السلام وهي حائز الحجرة الشريفة عند منحرف صفحته الغربية إلى الشمال بينها وبين أسطوانة الوفود إنك إذا عددت الأسطوانة التي فيها مقام جبرائيل عليه السلام كانت هي الثالثة.

وإنما قيل لها: أسطوانة مربعة القبر؟ لأنها في ركن المربعة الغربية الشمالية التي بنيت عليها القبة الصغيرة، التي على الحجرة الشريفة المحيطة بالقبور المنيفة داخل الحائز المثلث، وكان عندها باب بيت فاطمة عليها السلام(1).

وعليه: فإن مقدم بيت فاطمة عليها السلام يكون عند أسطوان مربعة القبر النبوي المقدس، وهذا يشير إلى أمور:

1 - أن بيت فاطمة عليها السلام في الروضة المقدسة التي ورد فيها الحديث الشريف:

«بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»(2).

ص: 327


1- نزهة الناظرين للبرزنجي: ص 62؛ المغانم المطابة للفيروز آبادي: ص 156؛ التعريف بما أنست دار الهجرة للمطري: ص 31؛ وفاء الوفا: ج 2، ص 186.
2- صحيح البخاري: كتاب التطوع، باب: فضل ما بين القبر والمنبر، برقم 1137؛ ومسلم في صحيحه: كتاب الحج باب: ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة برقم 1390.

2 - بل قد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام بسند صحيح أخرجه الشيخ الكليني رحمه الله ما يثبت أن بيت فاطمة عليها السلام في الروضة المقدسة التي هي من رياض الجنة، عندما سأله جميل بن دارج عن بيت علي هل هو منها؟!

فقال عليه السلام:

«نعم وأفضل»(1).

3 - أن مقام جبرائيل عليه السلام يحد بيت فاطمة من الجهة الأمامية، أي إنه في مقدمة البيت.

4 - أن السبب في تسمية هذا الموضع ب (مقام جبرائيل): هو نزوله عليه السلام في هذا المكان حاملا للوحي وعروجه منه.

ثانيا: أسطوان التهجد

قال المطري في بيان موضع هذه الأسطوانة: هي خلف بيت فاطمة عليها السلام والواقف إليها يكون باب جبرائيل على يساره، وحولها الدرابزين - أي: لاصقا بها يمينا وشمالا - وهو الشباك الدائر على الحجرة الشريفة وعلى بيت فاطمة عليها السلام، وقد كتب فيها بالرخام: هذا متهجّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم(2).

وقال ابن النجار: هذه الأسطوانة وراء بيت فاطمة من جهة الشمال وفيها

ص: 328


1- كتاب الكافي للشيخ الكليني: ج 4، ص 556، باب: المنبر والروضة ومقام جبرائيل، حديث رقم 10.
2- التعريف بما أنست دار الهجرة للمطري: ص 33؛ وفاء الوفا للسمهودي: ج 2، ص 89.

محراب إذا توجه المصلي إليه كان يساره إلى باب عثمان المعروف اليوم بباب جبرائيل(1).

قال السمهودي: وقد جدد محرابها في هذه العمارة التي أدركناها أولا، وزيد في رخامه في المحراب الأول(2).

ثالثا: ما ورد في فضل أسطوانة التهجد

1 - أسند يحيى عن عيسى بن عبد الله عن أبيه، قال:

(كان رسول الله يخرج حصيرا كل ليلة إذا أنكفت الناس، فيطرحه وراء بيت علي ثم يصلي صلاة الليل.

فرآه رجل فصلى بصلاته، ثم آخر فصلى بصلاته، ثم آخر بصلاته، حتى كثروا، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا بهم، فأمر بالحصير فطوي ثم دخل. فلما أصبح جاؤوه فقالوا: يا رسول الله، كنت تصلي الليل فنصلي بصلاتك ؟ فقال:

«إني خشيت أن تنزل عليكم صلاة الليل ثم لا تقوون عليها»)(3).

2 - وعن عيسى بن عبد الله، قال: حدثنا سعيد بن عبد الله بن فضيل، قال:

(مرّ بي محمد بن الحنفية وأنا أصلي إليها، فقال لي: أراك تلتزم هذه الأسطوانة،! هل جاءك فيها أثر؟ قلت: لا!

ص: 329


1- الدرة الثمينة في تاريخ المدينة لابن النجار: ج 2، ص 360؛ وفاء الوفا: ج 2، ص 189.
2- وفاء الوفا: ج 2، ص 189، بتحقيق السامرائي.
3- تحقيق النصرة للمراغي: ص 71؛ الدرة الثمينة: ج 2، ص 360؛ فتح الباري: ج 3، ص 10-14؛ نزهة الناظرين للبرزنجي: ص 62-63؛ وفاء الوفا: ج 2، ص 186.

قال: فالزمها فإنها كانت مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الليل)(1).

وعليه:

فإن بيت فاطمة عليها السلام محصور بين محل نزول جبرائيل عليه السلام في المقدمة، وبين محل تهجد سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم عند المؤخرة.

فما بالك ببيت أوله جبرائيل وأوسطه علي وفاطمة والحسن والحسين وآخره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 330


1- تحقيق النصرة للمراغي: ص 72؛ التعريف بما أنست دارا لهجرة للمطري: ص 34؛ نزهة الناظرين للبرزنجي: ص 62-63؛ الدرة الثمينة لابن النجار: ص 2، ص 360؛ وفاء الوفا: ج 2، ص 188.

المبحث الثاني: موقع بيت فاطمة الشرعي والتشريعي والروحي

اشارة

ليس هناك بيت في الإسلام احتل كل هذه المساحة الشرعية والروحية كبيت الزهراء فاطمة البتول عليها السلام.

بل: إنه بيت التشريع وبيت روح الإسلام، فكيف لا وهو بيت سيد الأنبياء والمرسلين، بيت في كل موضع تساقط فيه زغب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملائكة الرب الجليل.

وأي قول يكون أبلغ من بيت الزهراء عليها السلام وقد أنزل الله تعالى فيه آيات محكمات تتلى آناء الليل وأطراف النهار.

وكما قلنا ما بالك أيها القارئ الكريم ببيت أوله جبرائيل وأوسطه علي وفاطمة والحسن والحسين وآخره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولكن كي يأخذ هذا العنوان حقه فلابد أن نبيّن مكانة بيت فاطمة الشرعية والتشريعية والروحية.

ص: 331

أولا: موقع بيت فاطمة في الشريعة
اشارة

إنّ لبيت فاطمة عليها السلام موقعاً في الشريعة قد وضع حدوده القرآن الكريم، ورسمه الوحي، وبينه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

1. حدوده

فكان أول هذه الحدود وأوضحها هي آية التطهير، قال تعالى:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1) .

فهذا البيت وأهله، قد أعطاهم الباري عزّ وجل هذا المقام الشرعي، وهو الذي حصرهم بالطهر والتطهير من قبل أن يخلق آدم عليه السلام.

ويكفي في معرفة هذا المقام ما حددته (إنما) من حدود لبيت فاطمة عليها السلام في الشريعة تغني السائل عن البحث.

2. علوه ورفعته

وقد أظهر القرآن الكريم علو بيت فاطمة ورفعته عند الله عزّ وجل وفي الشريعة بمحل لم ينلْه بيت من بيوت الله عزّ وجل غير بيت فاطمة، قال تعالى:

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ اَلْآصٰالِ (36) رِجٰالٌ لاٰ تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لاٰ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللّٰهِ وَ إِقٰامِ اَلصَّلاٰةِ وَ إِيتٰاءِ اَلزَّكٰاةِ يَخٰافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ اَلْقُلُوبُ وَ اَلْأَبْصٰارُ)(2) .

فقد أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريرة قال: (قرأ رسول الله هذه الآية:

ص: 332


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- سورة النور: الآية 36 و 37.

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ ) .

فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«بيوت الأنبياء».

فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام. فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«نعم من أفضلها»)(1).

3. أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في الروضة

قد مرّ في المبحث الأول ما ورد عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام:

«أن بيت فاطمة في الروضة، وأنه أفضل من الروضة».

وقد دلّ على هذه الحقيقة وأكدها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر:

«نعم من أفضلها».

فلما كان بيت علي وفاطمة عليهما السلام أفضل من بيوت الأنبياء عليهم السلام فمن البديهي أن يكون أفضل من الروضة التي هي ما بين المنبر والقبر الشريف.

ص: 333


1- تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 6 ص 203؛ تفسير الثعالبي: تفسير سورة النور: تفسير الآية؛ شواهد التنزيل للحاكم: ج 1 ص 409 و 566 و 567 و 558؛ تفسير روح المعاني للآلوسي: ج 18 ص 157؛ غاية المرام: ص 317.

ومن هنا: يسأل الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن الصلاة في بيت فاطمة أفضل أو في الروضة ؟ قال عليه السلام:

«في بيت فاطمة»(1).

ومما يدل عليه: اتخاذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موضع تهجده وتعبده في الليل خلف بيت فاطمة ولو علم رسول الله أن ما بين المنبر والقبر أفضل من بيت فاطمة عليها السلام لاتخذه موضعا لتهجده.

ثانيا: موقع بيت فاطمة التشريعي

قبل أن نشير إلى موقع بيت فاطمة التشريعي فلابد أن نضع أمام عين القارئ الكريم:

أن على رأس هذا البيت وسنامه وقلبه وأساسه هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي فاطمة عليها السلام.

وعليه: فلا غرابة أن قلنا: إن هذا البيت، هو البيت الأول الذي صدر منه التشريع الإسلامي، وإليه ينتهي علم الحلال والحرام، ومنه يتفجر العدل والإحسان والصدق والتقوى.

وإلى أهل هذا البيت يشد الرحال لأنهم أهل الذكر، ومن كانوا بنص القرآن

ص: 334


1- كتاب الكافي للكليني: ج 4، ص 556، باب: المنبر والروضة برقم 13 و 14؛ التهذيب للشيخ الطوسي رحمه الله: ج 6، ص 8، باب: زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برقم 9؛ وسائل الشيعة: ج 5، ص 284، برقم 6560 و 6561.

أهل الذكر فهم أهل التشريع.

ولقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن بيت فاطمة هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، حينما قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(1).

وقد ورد هذا الحديث بألفاظ أخرى وطرق عديدة متواترة(2)، والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث قد ضمن عدم الضلال لمن أخذ بحجزتهم وطاعتهم إلى يوم القيامة. وقد أفصح عن أهل بيته من هم ؟

فأشار إلى (علي وفاطمة والحسن والحسين) وهو بيت فاطمة عليها السلام، قائلا:

ص: 335


1- صحيح الترمذي: ج 5، ص 329، ح 3876، ط دار الفكر، وج 2، ص 308، ط بولاق بمصر؛ المعجم الصغير الطبراني: ج 1، ص 135؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 147، و 226؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج، ص 12؛ تفسير ابن كثير: ج 4، ص 113؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 6، ص 7 وص 306؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 16؛ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص 33 و 40 و 226 و 355، ط الحيدرية؛ كنز العمال للهندي: ج 1، ص 154؛ تفسير الخازن: ج 1، ص 4؛ مصابيح السنة للبغوي: ج 2، ص 279؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج 1، ص 187، ح 66؛ مشكاة المصابيح للعمري: ج 3، ص 258؛ منتخب التاريخ ابن عساكر: ج 5، ص 236.
2- لمعرفة الألفاظ الأخرى أنظر: صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام: ج 2، ص 362؛ مصابيح السنة للبغوي: ج 2، ص 278؛ صحيح الترمذي: ج 5، ص 328، ح 3874؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج 1، ص 187، ح 65؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 2، ص 60؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 38.

«اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»(1).

وعليه: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ليأمر بالتمسك بأهل بيته، أي: بيت فاطمة ما لم يكونوا مصدرا للتشريع بعد القرآن وما نفي الافتراق بين القرآن وأهل بيته إلا لتلازم الحكم الشرعي بينهما حتى يردا على سيد الأنبياء.

ص: 336


1- صحيح الترمذي: ج 5، ص 31، ح 3258؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 124، ح 172، وج 2، ص 16، من حديث: 647 و 648 وغيرها؛ صحيح مسلم: باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام: ج 15، ص 176؛ خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام للنسائي: ص 4، و 16؛ مستدرك الحاكم: ج 2، ص 150 و 152 و 416؛ تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بهامش المستدرك؛ مناقب أمير المؤمنين علي لابن المغازلي: ص 302، ح 346 و 348 و 349.

المبحث الثالث: الموقع الروحي لبيت فاطمة عليها السلام

اشارة

اتخذ النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم منهاجا خاصا كي يظهر للناس مكانة بيت فاطمة الروحية عنده صلى الله عليه وآله وسلم.

وعندما نقول: (عنده) أي في الشريعة، وبمعنى آخر: أنه صلى الله عليه وآله وسلم جعل من هذا المنهاج وسيلة تظهر للناس الموقع الروحي لبيت فاطمة في الشريعة الإسلامية.

ألف: أول ما يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيت فاطمة وهو آخر ما يودع

والمنهاج الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو: ما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسفر إلا وكانت فاطمة وبيتها آخر من يفارق، وما قدم من سفر أو غزوة إلا وكان بيت فاطمة هو المحل الثاني الذي تطأه قدماه بعد أن يبتدئ بالمساجد(1).

ص: 337


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1895؛ المواهب اللدنية: ج 2، ص 65؛ إتحاف السائل للمناوي: ص 74؛ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 16؛ وفاء الوفا للسمهودي: ج 2، ص 468؛ موسوعة حياة الصحابة: ص 24.

فقد جاء في الأثر عن أبي ثعلبة الخشني أنه قال:

(كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رجع من غزاة أو سفر، أتى المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم ثنى بفاطمة عليها السلام ثم يأتي أزواجه)(1).

وفي هذا المنهاج النبوي صلى الله عليه وآله وسلم أمور عدة:

1. المراد بالسفر: هو كل خروج للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خارج المدينة سواء كان ذلك لغزوة أو لغيره من الشؤون.

2. أن الرؤساء والقادة، وأصحاب المصالح المختلفة عندما يتركون أماكنهم ومراكزهم ومحل ارتباطاتهم فإنهم أول ما يبدؤون عند عودتهم بأهم المراكز والأشخاص الذين يتوقف عليهم قيامهم كدولة أو مؤسسة أو حتى كبيت، وإن آخر من يودعون هم أولئك الأشخاص، أو الفرد الذي ترتبط أهميته بأهمية القائد والقيادة.

ولذلك فإنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يظهر للناس جميعا من خلال هذا المنهاج: أن بيت علي وفاطمة عليهما السلام، هو النواة التي يدور من حولها الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو المحل الذي يرتكز عليه قيام الأمة.

3. أن خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة يترك فراغا روحيا كبيرا، مما يجعل الأنظار تشخص إليه ترقب خروجه وتترقب قدومه وقد لفها الشوق والحنين إليه.

والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد استوظف هذه الحالة، أي تحرك

ص: 338


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 155؛ وفاء الوفاء للسمهودي: ج 2، ص 209.

العاطفة والحس الوجداني فجعل هذه الأنظار تدون في أذهان أصحابها أن هذا البيت، بيت فاطمة هو الذي يحيي لكم أرواحكم، فحافظوا عليه، لأنه أهم ما يملك الإسلام بعد القرآن.

«فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(1).

4. أن هذا المنهاج أيضا: هو منهاج تربوي لحفظ الروح العائلية، بين الأب والأبناء، فلذا كان آخر من يودع ابنته فاطمة وولديها وأول من يرى بعد رجوعه فاطمة عليها السلام ثم يثني بأزواجه.

5. جعل النبي بيت فاطمة من حيث المكانة الشرعية والروحية بعد بيت الله - أي المسجد - لأنه كان يبتدئ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين ثم يثني ببيت فاطمة عليها السلام، أي: لا يكون للمسجد والصلاة قدر عند الله تعالى بدون بيت فاطمة.

وخير بيان لهذه الحقيقة قول إمام المذهب الشافعي:

يا أهل بيت رسول الله حبكم *** فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكم *** من لم يصلِ عليكم لا صلاة له(2)

فمن ضيع بيت فاطمة عليها السلام أضاع المسجد والصلاة لأن لكلِ شيءٍ روحاً، وروح المسجد والصلاة أهل البيت، وهم فاطمة عليها السلام وأبوها صلى الله عليه وآله وسلم وبعلها وبنوها عليهم السلام.

ص: 339


1- صحيح الترمذي: كتاب الفضائل: باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو عن زيد بن أرقم، كنز العمال: ج 1، ص 44، ح 174.
2- الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 146؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 354؛ الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي الشافعي: ص 29؛ نور الأبصار للشبلنجي الشافعي: ص 105؛ إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص 118؛ السيرة النبوية لدحلان، بهامش السيرة الحلبية: ج 3، ص 332.
باء: المنهاج النبوي الثاني: ما كان النبي ليدخل على فاطمة حتى يستأذن

ومن المناهج التي اتبعها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو اسْتَئذانُهُ مِن فاطمة قبل الدخول عليها، وقد تناقلت كتب المسلمين من العامة والخاصة هذه السنة المحمدية.

فقد روي حفاظ المسلمين أنه صلى الله عليه وآله وسلم:

(جاء يريد بيت فاطمة ليعودها، وكانت تشتكي مرضا فاصطحب عمران بن حصين معه قائلا:

«يا عمران إن فاطمة مريضة، فهل لك أن تعودها؟».

قال: قلت فداك أبي وأمي، وأي شرف أشرف من هذا؟ قال:

«انطلق».

فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانطلقت معه، حتى أتى الباب، فقال:

«السلام عليكم، أدخل ؟».

فقالت:

«وعليكم، أدخل»(1).

ثم لم يدخل النبي حتى استأذن أيضا لدخول عمران بن حصين، وللحديث تتمة نعرض له إن شاء الله.

ص: 340


1- مشكل الآثار للطحاوي: ج 1، ص 141؛ حلية الأولياء لأبي نعيم: ج 2، ص 42؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 154؛ فضائل فاطمة لابن شاهين: ص 35، حديث 93؛ إتحاف السائل للمناوي: ص 76-77 حديث 42؛ الإصابة لابن حجر: ج 7، ص 604.

المحتويات

الفصل الاول: مراسم ولادة فاطمة سلام الله عليها

المبحث الأول: رضاعتها عليها السلام 7

المبحث الثاني: تسميتها عليها السلام 13

توطئة 13

المسألة الأولى: ما هو السر في اختصاص بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم باسم (فاطمة) عليها السلام ؟ 18

أولاً: لأن الله فطمها ومن أحبها من النار 18

ثانياً: لإن الله فطمها وشيعتها من النار 20

ثالثاً: لأن الله فطمها وذريتها من النار 21

رابعاً: لأن الله تعالى فطمها بالعلم 22

الوجه الأول 23

والوجه الثاني 24

ص: 341

خامساً: لأنها فطمت من الشر 24

سادساً: لأنها فطمت الأحياء عن الطمع في وراثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة فجعلها الله في ولدها 26

المبحث الثالث: عقيقتها عليها السلام 37

الفصل الثاني: طفولتها و صباها

المبحث الأول: فاطمة عليها السلام في حِجْرِ النبوة 42

المبحث الثاني: السنين الأولى لطفولتها عليها السلام 46

المبحث الثالث: فاطمة عليها السلام تعيش معاناة المسلمين في شعب أبي طالب 53

المسألة الأولى: وفاة أم المؤمنين خديجة عليها السلام وهي أول المصائب 61

المسألة الثانية: اللحظات الأخيرة تقضيها خديجة عليها السلام مع ابنتها فاطمة عليها السلام 75

المبحث الرابع: فاطمة عليها السلام تدافع عن النبوة 80

المسألة الأولى: فاطمة عليها السلام تدفع القتل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 81

المسألة الثانية: فاطمة عليها السلام تميط الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 84

مسائل البحث في الحادثة 85

ص: 342

المبحث الخامس: حقيقة موقف أبي بكر من الحادثة 89

المسألة الأولى: دراسة الحديث سندا ومتنا 90

المسألة الثانية: الحادثة تروى من نفس الراوي بشكلين مختلفين تماما؟! 93

المسألة الثالثة: دراسة الرواية وتحليلها 95

أولاً 95

ثانياً 96

ثالثاً 97

المسألة الرابعة: رمي السلاة 99

المسألة الخامسة: عقبة بن أبي معيط تحت المجهر 101

الوليد بن عقبة بن أبي معيط 104

أولاً: بطلان نظرية عدالة الصحابة 111

ثانياً: التعرض للنبي صلى الله عليه وآله وسلم دافعه الانبات في الدنس 111

ثالثاً: فداء فاطمة عليها السلام لأبيها 111

رابعاً: تكرر وقوع الحادثة في حياة أبي طالب عليه السلام على رواية 112

الفصل الثالث: هجرتها الى المدينة

المبحث الأول: أحداث سبقت الهجرة 119

المسألة الأولى: أحداث السنة العاشرة من البعثة 120

الحدث الأول: الخروج إلى الطائف 120

الحدث الثاني: المجاعة تضرب مكة 121

ص: 343

الحدث الثالث: اغتنام موسم الحجيج 123

المسألة الثانية: أحداث السنة الحادية عشرة من البعثة 124

الحدث الأول: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله لكشف الضر عن أهل مكة 124

الحدث الثاني: التقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفر من الخزرج 127

المسألة الثالثة: أحداث السنة الثانية عشرة من البعثة 128

الحدث الوحيد في هذه السنة هو: بيعة العقبة الأولى 128

المسألة الرابعة: أحداث السنة الثالثة عشرة من البعثة 129

الحدث الأول: بيعة العقبة الثانية 129

الحدث الثاني: زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سودة بنت زمعة وعائشة 131

المبحث الثاني: التهيؤ للهجرة 139

المسألة الأولى: أين فاطمة عليها السلام من هذه الأحداث ؟! 142

المسألة الثانية: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يفدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه ابتغاء مرضاة الله تعالى 144

المبحث الثالث: هجرة أمير المؤمنين علي عليه السلام كما يذكرها الرواة وخروج الفواطم 149

المسألة الأولى: حوادث ينص عليها الوحي في محكم التنزيل 156

المسألة الثانية: تأدية ودائع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أم نص على خلافة علي عليه السلام ؟! 156

المهمة الأولى 157

المهمة الثانية 158

المهمة الثالثة 158

ص: 344

الفصل الرابع: تزويجها عليها السلام

توطئة 161

المسألة الأولى: أين نزلت فاطمة في المدينة ؟ 161

أولاً: قباء تجمع الأحبة 162

ثانيا: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبني مسجده 165

المسألة الثانية: أين نزلت فاطمة عليها السلام بعد بناء المسجد؟ 167

المبحث الأول: تنافس الصحابة لخطبتها عليها السلام وإعراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنهم 169

أولا: تقدمهما - أبو بكر وعمر - للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بشكل مباشر 170

ثانيا: تقدمهما لخطبة فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوسط عائشة وحفصة 172

ثالثا: معاودة خطبتهما فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 174

رابعا: تقدم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بخطبتها عليها السلام وغضب النبي من مقالتهما فحصبهما بالحجارة 175

المسألة الأولى: لماذا أعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كل خاطب، وصدّ عنهم ؟! حتى يئسوا منها! 177

1 - إنها صغيرة 178

2 - أنتظر بها القضاء 179

المعنى الظاهري 180

ص: 345

المعنى الباطني 180

المسألة الثانية: لماذا كان يتغير حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند سماعه أمر خطبة فاطمة عليها السلام ؟! 181

السبب الأول 182

السبب الثاني 183

السبب الثالث 186

السبب الرابع 187

المبحث الثاني: تزويجها بالإمام علي عليه السلام 190

المسألة الأولى: دور الصحابة في خطبة الإمام علي لفاطمة عليهما السلام 190

أولا: مجيء أبي بكر وعمر للإمام علي عليه السلام وعرضهما عليه الذهاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاطبا 191

ألف: ما جاء في ذلك من طرق الصحابة رضي الله عنهم 192

باء: ما جاء في ذلك من طرق أهل البيت عليهم السلام 193

ثانيا: مجيء نفر من الأنصار إلى الإمام علي عليه السلام 193

ثالثا: مجيء مولاة لعلي عليه السلام بشأن خطبته لفاطمة عليها السلام 194

رابعا: سعد بن معاذ يطلب من الإمام علي عليه السلام الذهاب لرسول الله خاطبا 195

المسألة الثانية: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث خلف علي عليه السلام فيزوجه 196

المسألة الثالثة: كيف جرت خطبة علي لفاطمة عليهما السلام ؟ أهي من طريق حديث الصحابة معه ؟ أم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث إليه ؟! 198

الحدث الأول: علي عليه السلام هو من بادر لخطبة فاطمة دون أن يتدخل أحد من الصحابة في ذلك 198

الحدث الثاني: مجيء مجموعة من الأنصار إلى الإمام علي عليه السلام بعد

ص: 346

خروجه من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 200

الحدث الثالث: مجيء أبي بكر وعمر للإمام علي عليه السلام بعد ذهاب الأنصار إليه 201

أولا: تكرر ذهاب أبي بكر وعمر لخطبة الزهراء عليها السلام 202

ثانيا: اقتناع أبي بكر وعمر بعدم جدوى تكرار خطبة فاطمة عليها السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 202

ثالثا: إن ذهاب أبي بكر وعمر إلى علي كان بعد ذهاب الأنصار إليه 203

رابعا: ولأنهما قد وجدا في ذلك التحرك 203

الحدث الرابع: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلن للمسلمين عن تزويج فاطمة وعلي عليهما السلام 206

أولا: الإعلان الخاص للزواج 206

ثانيا: الإعلان العام لتزويج فاطمة وعلي عليهما السلام. 207

المبحث الثالث: النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوجها من علي عليه السلام أم الله عزّ وجل ؟ 213

المسألة الأولى: النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يرد على المعترضين عليه تزويجه فاطمة من علي عليه السلام 213

الأمر الأول: الإعلان عن مكانة فاطمة عند الله تعالى 215

الأمر الثاني: حفظ المسلمين ولاسيما المعترضين عليه من الهلاك 215

أولا: رده صلى الله عليه وآله وسلم على مَن اعترض على تزويجها من علي بن أبي طالب عليه السلام في المسجد 215

ثانيا: جوابه صلى الله عليه وآله وسلم لمن اعترض على تزويجها بمهر قليل 217

المسألة الثانية: بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمواضع التي تم فيها زواج فاطمة علياً في السماء 217

الموضوع الأول: عند سدرة المنتهى 218

الموضوع الثاني: عند وصوله صلى الله عليه وآله وسلم من الدنو الذي أشارت

ص: 347

إليه الآية الكريمة 218

الموضوع الثالث: عند العرش 219

المسألة الثالثة: بيانه صلى الله عليه وآله وسلم لأحدى الخصائص التي خص الله تعالى بها علياً وفاطمة بهذا الزواج 221

1 - إن الله تعالى يكلف ملكاً من الملائكة في تزويج فاطمة وعلي 222

2 - هل هناك علاقة بين صورة الملك صرصائيل وهيأته التي رآه بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع زواج علي وفاطمة عليهما السلام 223

3 - الحكمة في هذا العدد من الوجوه الأربعة والعشرين 224

المسألة الرابعة: بيانه صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين عن كيفية تزويج فاطمة من علي عليهما السلام في السماء 225

أولا: ما هي غاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان مجريات الزواج في السماء؟ 228

ثانيا: دليل آخر يضاف إلى كونها البنت الوحيدة عليها السلام 230

المبحث الرابع: لولا علي ما كان لفاطمة كفؤ 232

المسألة الأولى: الطرق التي روت هذا الحديث الشريف 233

ألف: ما جاء من خلال الطرق المتصلة بعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم 233

باء: ما جاء من خلال طرق الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم 234

المسألة الثانية: المبنى اللغوي للحديث 234

ألف: بلفظ (لولا) و (لولاك) 234

باء: ورود الحديث بلفظ: (لولا أن الله...) 236

المسألة الثانية: ما هو الكفؤ؟ 237

الوجه الأول: التكافؤ في المقام النوراني 238

الوجه الثاني: المساواة بينهما 238

ص: 348

الوجه الثالث: أن الله ارتضاهما كلا للآخر 239

المسألة الثالثة: من هو علي بن أبي طالب الذي جعله الله كفؤاً لفاطمة عليهما السلام ؟ 239

القسم الأول: بعض الآيات القرآنية التي نزلت في علي عليه السلام 240

الآية الأولى 240

الآية الثانية: آية العذاب 241

الآية الثالثة: المساءلة 242

الآية الرابعة: السابقون والمقربون 243

الآية الخامسة: أن علياً عليه السلام هو المؤمن وخصمه هو الفاسق 243

الآية السادسة: الإمام علي عليه السلام هو من أمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيله 245

الآية السابعة: الإمام علي عليه السلام هو ولي الله عزّ وجل، وهو ولي المؤمنين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 246

بعض ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام 249

المبحث الخامس: مهر فاطمة عليها السلام 255

المسألة الأولى: مهرها عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم 256

مسائل البحث في الروايات 258

أولا: كيف حصل الإمام علي عليه السلام على الدرع ؟! 258

ثانيا: لماذا سميت هذه الدرع بالحطمية ؟ وما هي الحكمة في اختيار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها في المهر؟! 261

ثالثا: ما هو ثمن الدرع الذي جعل مهرا لفاطمة عليها السلام ؟! 262

رابعا: جبرائيل عليه السلام يشتري الدرع ثم يهديها للإمام علي عليه السلام 265

المسألة الثانية: ما هو مهر فاطمة عند الله عزّ وجل ؟! 265

أولا: ربع الدنيا 269

ثانيا: جعلت لها في الأرض أربعة انهار 269

ص: 349

ثالثا: أنّ الله تعالى أمهر فاطمة بزواجها من علي عليهما السلام الجنة والنار 270

رابعا: إنّ الله عزّ وجل نحلها شجرة طوبى 270

خامسا: أن فاطمة طلبت أن يكون مهرها شفاعة المذنبين 270

المبحث السادس: جهاز عرس فاطمة عليها السلام 272

المسألة الأولى: ما هو جهاز فاطمة ؟ 273

المسألة الثانية: الإمام علي عليه السلام ينتظر الإذن بانتقال فاطمة عليها السلام إلى بيت الزوجية 276

المبحث السابع: زفاف فاطمة عليها السلام 279

المسألة الأولى: وليمة العرس 280

أولاً: كيف أعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوليمة ؟! 280

ألف: إعداد الحيس (حلوى العرس) 281

باء: إعداد القصعة، الخبز ثريدا مع اللحم 282

جيم: كيف تمت دعوة الناس إلى الوليمة التي استمرت لثلاثة أيام ؟! 282

ثانيا: اليوم الثاني للوليمة 283

ثالثا: اليوم الثالث للوليمة 283

المسألة الثانية: المراسيم النبوية في زفاف فاطمة المرضيّة عليها السلام 284

أولاً: إنّ عطر فاطمة ليلة الزفاف عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل عليه السلام ممزوج بعرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم 286

المسألة الثالثة: ثوب زفاف فاطمة عليها السلام يختلف عن أثواب زفاف جميع النساء 288

المسألة الرابعة: نثار فاطمة في ليلة زفافها عليها السلام 291

المسألة الخامسة: المراسيم الإلهية لزفاف فاطمة عليها السلام 293

ص: 350

المبحث الثامن: دموع ليلة العرس 296

المسألة الأولى: ليلة الزفاف وفقدان الأم 297

المسألة الثانية: لابد للعروس من طعام ليلة العرس 299

المسألة الثالثة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحصن عليا وفاطمة ليلة الزفاف 300

المسألة الرابعة: في ليلة عرس فاطمة عليها السلام يقام مأتم للحسين عليه السلام 304

المبحث التاسع: فاطمة عليها السلام في صبيحة عرسها 306

المسألة الأولى: زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها في صبيحة يوم عرسها 306

المسألة الثانية: فاطمة عليها السلام تخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كرامة رأتها لعلي عليه السلام 307

المسألة الثالثة: دخول نساء من قريش عليها في صبيحة عرسها 308

المسألة الرابعة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعود لزيارتها بعد ثلاثة أيام من ليلة الزفاف 310

المسألة الخامسة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرد على من تكلم في فقر علي عليه السلام 312

المبحث العاشر 317

أولا: تاريخ زواجها وكم كان لها من العمر 317

ثانيا: عمرها حين الزواج 319

بحوث هذا القسم 322

البحث الأول: رواية ابن بابويه رحمه الله في زفاف فاطمة عليها السلام 322

البحث الثاني: أسماء بنت عميس وأمر وجودها في عرس فاطمة عليها السلام 324

ص: 351

الفصل الخامس: موقع بيت فاطمة عليها السلام

المبحث الأول: موقع البيت الجغرافي 327

المسألة الأولى: تحديد بيت فاطمة جغرافياً 328

المسألة الثانية: لماذا جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيت فاطمة بين أسطوانة التهجد ومربعة القبر الشريف ؟! 331

أولا: أسطوانة مربعة القبر 331

ثانيا: أسطوان التهجد 332

ثالثا: ما ورد في فضل أسطوانة التهجد 333

المبحث الثاني: موقع بيت فاطمة الشرعي والتشريعي والروحي 335

أولا: موقع بيت فاطمة في الشريعة 336

1. حدوده 336

2. علوه ورفعته 336

3. أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في الروضة 337

ثانيا: موقع بيت فاطمة التشريعي 338

المبحث الثالث: الموقع الروحي لبيت فاطمة عليها السلام 341

ألف: أول ما يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيت فاطمة وهو آخر ما يودع 341

باء: المنهاج النبوي الثاني: ما كان النبي ليدخل على فاطمة حتى يستأذن 344

المحتويات 345

ص: 352

المجلد 3

هوية الكتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2012-2801

الرقم الدولي ISBN : 9789933489472

الحسني، نبيل، 1965 - م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها: وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة وتحليل نبيل الحسني. ط 1 - كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434 ق. = 2013 م.

8 ج. - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100).

المصادر.

1. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - فضائل. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (س)، 11 ق. 5. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. إيذاء وتعقيب. 6. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله و سلامه عليها و هی قلبي و روحي التي بین جنبي

کاتب:نبیل حسنی

المنتج: العتبة الحسینیة المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة. شعبة الدراسات و البحوث الإسلامیة

عدد المجلدات :8 ج

لسان: العربي

الناشر:العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة - کربلای معلی عراق

سنة النشر: 1434 هجری قمری|2013 میلادی

قانون الكونجرس:/ح5ھ4 27/2 BP

ص: 2

ص: 3

ص: 4

توطئة

أحببنا قبل الغوص في بحور علوم بيت فاطمة عليها السلام، أن نبين للقارئ الكريم السبب الذي دفعنا إلى البدء بعلم الاجتماع العائلي، وما يرتبط به من علوم نفسية وتربوية ؟

وهو: توصيل فكرة لدى القارئ الكريم، بأن كثيراً من النظريات التي قدمها علماء الاجتماع عند دراستهم للعائلة، هو نفسها التي وضعتها فاطمة عليها السلام قبل أربعة عشر قرناً، إلا أن علماء السوسيوكلوجيا والأنثروبولوجيا قد توصلوا إلى هذه النظريات عن طريق البحث والتحليل والمراجعة والمتابعة، بينما سيدة نساء العالمين عليها السلام قدمت للمجتمع هذه المناهج عن طريق (العلم اللدنّي) الذي خصها الله به.

قال الله تعالى:

(وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً)(1).

ص: 5


1- سورة الكهف: الآية 65.

وقال عزّ وجل:

(وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ )(1).

فيما قال لها رسول الله:

«فاطمة بضعة مني».

وقال لها أيضا، وقد ضمها إلى صدره:

(ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ )(2).

بعد أن أجابت على مسألة عجز عنها المسلمون(3).

وغيرها من الدلائل التي نص على أنها عليها السلام قد قدمت هذه الأسس والمناهج، والقواعد، والنظريات، عن طريق ما خصها الله به، وبما ورثته من علوم أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فضلاً عن ذلك أنّ النظرية عند الأئمة المعصومين تختلف بمصداقها عن النظرية التي يتوصل إليها العالم الذي يعمل في المؤسسات والهيئات والجامعات المعاصرة؛ إذ ترتكز النظرية عند المعصوم عليه السلام على تفسير الظاهرة أو القانون أو القاعدة طبقاً لعين الواقع، ولذا فهي علمية لاستحالة نفوذ الاحتمال أو الظن إليها، بمعنى لا يكون بيان الإمام يستند إلى الظن أن عدم الإحاطة الكاملة والشاملة والدقيقة للسنن والقوانين والظواهر الكونية، ونقصد بالكونية جميع ما يمكن أن يدركه الإنسان ويحسه بل وحتى الأشياء التي لم يتمكن من إدراكها ومعرفتها فجميع ذلك علمه عند الإمام

ص: 6


1- سورة يس: الآية 12.
2- سورة آل عمران: الآية 34.
3- كتاب ألف باء للبلوي: ج 2 ص 76؛ الإسلام والأسرة لمعوض عوض: ص 64.

المعصوم عليه السلام.

وذلك أن علم المعصوم هو علم حضوري أو لدنّي - كما أسلفنا -. وقال عزّ وجل عن سيد الأئمة وخازن النبوة أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم:

(وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ )(1).

وفي بيانه عزّ شأنه لعلم نوح عليه السلام حينما أمره ببناء السفينة وحمل المخلوقات فيها قال له:

(اِحْمِلْ فِيهٰا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّٰ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ اَلْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ مٰا آمَنَ مَعَهُ إِلاّٰ قَلِيلٌ )(2).

وهذا الجمع يستلزم المعرفة التامة والإحاطة الشاملة بجميع ما خلق الله تعالى؛ كي يتمكن نوح عليه السلام من حمل هذه المخلوقات بل يستلزم ذلك معرفته وعلمه بأصناف هذه المخلوقات وأجناسها أي الذكر من الأنثى حتى يتمكن من إعادة دورة الحياة على الأرض، فكم من حيوان ونبات وحشرة خلقها الله تعالى على الأرض، وحملها معه نوح عليه السلام في السفينة.

ولذا لا يمكن أن يكون فعل نوح عليه السلام بغير علم لدنّي علمه الله تعالى إياه.

وعليه: تكون نظرية المعصوم عليه السلام هي عين الواقع، ونظرية غيره من الخلق تبنى على مجموعة من الظنون تتفاوت في نسبها وقوتها ومرجحاتها، فقد يصل هذا العالم أو ذاك من خلال الدراسة والبحث إلى معرفة الحكم بنسبة محدودة

ص: 7


1- سورة يس، الآية: 12.
2- سورة هود، الآية: 40.

تقترب أو تبتعد عن الحكم الواقع والمطابق لعين الحق.

وقد يبتعد كل البعد عن عين الواقع فتكون نظريته واهية سرعان ما يظهر فشلها حينما يأتي عالم آخر يقدم أدلته التي تكتسب أهميتها من خلال قربها من الواقع، ومن ثم إحراز نسبة من الحقيقة التي سنها الله تعالى، من هنا ذهب البعض إلى: (أن النظرية بسبب اتساعها يبقى صدقها احتماليا مهما بلغ النجاح فيها)(1).

وعلى هذا نجد أن نظرية المعصوم هي عين الواقع فلا وجود للاحتمالات فيها ولا ظنون نافذة إليها فهي عين الصدق؛ لأنها ترتكز على فيض من سن السنن وأجراها ومن بيده مقاديرها وتصريفها فكان علم الإمام بها علماً ربانياً ولدنيّاً.

أما دورنا هنا هو محاولة إيصال نظرية المعصوم عليه السلام بصفتها حقيقة مطابقة لعين الواقع إلى الباحثين والدارسين من خلال إلزامهم بما ألزموا أنفسهم من التمسك بالظواهر والأدلة التي ارتكزت في مفاهيمهم أنها علمية.

وحيث إن الكمال لله تعالى ولحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وعترته ثقل القرآن وعدله فإنه قد يخوننا البيان ويفارقنا التوفيق فيما سعينا من أجله في بعض مواضع الكتاب فنسأل الله تعالى العفو والمغفرة ومن رسوله وأهل بيته الشفاعة.

ثانيا: ولأن علم الاجتماع العائلي يُعدّ من (أحدث فروع علم الاجتماع التي تبلورت موضوعاتها ومناهجها، كما يعد في نفس الوقت من أخصب فروع علم الاجتماع من حيث المشكلات الهامة والقضايا التي تتجدد أهميتها ويتعاظم

ص: 8


1- أسس البحث العلمي للدكتور محمد نجيب والدكتور محمود ميلاد: ص 43.

وزنها في مجتمعنا الحديث)(1).

ولأن علم الاجتماع العائلي يشرح ويفسر طبيعة النظم العائلية حيث يهتم العلماء بدراسة نشأة وتطور الأسرة الإنسانية من حيث نظامها وتركيبها ووظائفها، ونظم القرابة فيها، ويهتم بعوامل تغيرها، وكذلك بعوامل ثباتها واستمرارها وبقائها في جميع المجتمعات كنظام اجتماعي من أهم النظم الاجتماعية.

وكذلك يهتم بدراسة وتفسير نماذج العلاقات العائلية بين أفرادها، والتفاعل الاجتماعي بين الزوجين، وبين الأخوة والأبناء والوالدين، وبين بقية الأقارب الآخرين.

ونظرا لاهتمام علم الاجتماع بدراسة الجماعات، وكذلك دراسة البناء الاجتماعي، والنظم الاجتماعية الكبرى التي تتفاعل فيها الجماعات والأفراد، فإن علم الاجتماع العائلي كفرع هام من فروع علم الاجتماع العام قد خصص في (دراسة الأسرة) كجماعة اجتماعية أولية، وكنظام اجتماعي(2).

ومن هنا: فإننا ونحن نسير في رحاب حياة السيدة الطاهرة والصدّيقة الكبرى فاطمة البتول عليها السلام فلابد لنا من الوقوف بإجلال أمام أسرة فاطمة عليها السلام، كي نستلهم منها المناهج والنظم، والروابط الأسرية، كما يستلهم الباحث والأكاديمي من المحافل العلمية مادته البحثية، وعنوانه التخصصي.

وفي نفس الوقت تقدم منهجية أخرى في دراسة الأسرة تضاف إلى تلك

ص: 9


1- الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأسرة للدكتورة علياء شكري: ص 15.
2- للمزيد من الاطلاع على ما يتناوله علم الاجتماعي العائلي أنظر: علم الاجتماع العائلي للدكتور الوحيشي: ص 5-6؛ علم اجتماع العائلة للدكتور محمد صفوح: ص 3.

المناهج المتبعة في حقل الاجتماع العائلي بشكل خاص، وفي علم الاجتماع وفروعه بشكل عام، فلعل المهتمين بهذا الحقل ونواته - أي - الأسرة يجدون ما يضيفونه إلى مادتهم البحثية، ومنهجهم العلمي الأكاديمي.

ولذا فإننا سنقوم بطرح النظم الأسرية الفاطمية بادئ الأمر كونه نظاماً نابعاً من أستاذة مجازة في تدريسها من جامعة القرآن، وبتصديق وإقرار من معلم البشرية الأول، وخيرهم أبي الزهراء صلى الله عليه وآله وسلم الذي:

(وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ )(1).

ثم نقارنه بما صدر عن المحافل والهيئات العلمية التخصصية، سواء على نطاق فردي، أو هيئوي، أو مؤسساتي فلعلنا بذلك نكون قد قدّمنا للباحث والقارئ ما يساعدهما على الوصول إلى مبتغاهما في حفظ (الأسرة، وبنائها وتطويرها).

ص: 10


1- سورة النجم: الآية 3.

الفصل الاول: اسرة فاطمة عليها السلام

اشارة

ص: 11

ص: 12

قد لا يخفى على أهل الاختصاص في العلوم الاجتماعية والتربوية والنفسية ما للأسرة من دور أساس في بناء الإنسان ورقيه.

كما لا يخفى على الباحثين والقراء في مختلف الديانات السماوية والحركات الإصلاحية سواء كانت فلسفية أو سلوكية أو سياسية أو اجتماعية من أنّ بيوت الأنبياء التي:

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ )(1).

من دور قيادي في تأسيس الإنسان النموذجي وصلاحه والذي به تصلح الحياة على الأرض.

من هنا: كانت الأسرة مصب اهتمام الفكر الإنساني، وموضع اهتمام المصلحين، والمهتمين بصلاح ورقي المجتمع الإنساني.

(ولعل كل مشتغل بالعلوم الاجتماعية - على اتساعها وتشعبها - يدرك إدراكا واضحا ليس في حاجة إلى تدليل: أن اهتمام المفكرين بالأسرة وخصائصها ومشكلاتها، اهتمام يضرب بجذور عميقة في تاريخ الفكر الإنساني، بل يكاد يكون

ص: 13


1- سورة النور، الآية: 36.

قديما قدم الفكر الإنساني نفسه)(1).

(ولا نعرف حضارة راقية - خلفت لنا تراثا مكتوبا - لم يهتم مفكروها من زاوية أخرى - بالأسرة -. ولكن الاهتمامات تتنوع وتتباين، فمن اهتمامات فلسفية، إلى أخرى أخلاقية إلى ثالثة تأملية.

ويمكن القول: بأن دراسات الزواج والأسرة قد شهدت مرحلة طويلة تمتد منذ بداية التاريخ المدون وحتى منتصف القرن التاسع عشر: (وتضم هذه المرحلة الفكر العاطفي - الخرافي أو التأملي - في موضوع الأسرة).

كما يتمثل في: التراث الشعبي عن الأسرة وكتابات الأدباء، والتأملات الفلسفية، وربما كان من أعلام هذا الفكر في عالم الأدب: شكسبير وروبرت، وإليزابيث براو فنج، ووالت وايتمان.

وفي عالم الدين: كونفو شيوس، وسانت أوغصطين، وفي عالم الفلسفة: أفلاطون، وأرسطو، وجون لوك)(2).

وعليه كيف يمكن لنا أن نهمل ما لفاطمة عليها السلام من نظريات - مطابقة لعين الواقع - ومناهج في خلق الأسرة الأنموذج في الإسلام.

ونحن نستعرض كل تلك الرؤى الفكرية والمعطيات الثقافية لأهل الفكر الإنساني والإبداع الحياتي.

ص: 14


1- الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأسرة للدكتورة علياء شكري: ص 17.
2- الاتجاهات المعاصرة، للدكتورة علياء شكري: ص 17؛ نقلا عن: تطور ميدان الأسرة للدكتورة علياء شكري وغيرها؛ قراءات في الأسرة ومشكلاتها في المجتمع المعاصر: ص 91، ط دار الثقافة؛ دراسات في الاجتماعي العائلي، فصل (الأسرة في نظر الفلاسفة: ص 6).

المبحث الأول: مفهوم الأسرة وتعريفها

اشارة

وبالنظر إلى أهمية موضوع الأسرة، فقد اختلف الباحثون في علم السوسيوكلوجيا والانثروبولوجيا(1) في صياغة تعريف موحد، أو الاتفاق على مفهوم معين في الأسرة، سواء كانوا دينيين، أو علمانيين، (رغم أن مدلول الأسرة معروف لدى جميع الناس، وموجود في كل مكان)(2).

وحتى في حالات الرجوع إلى اللغة لمعرفة (الأسرة) لغة، أو اصطلاحا، أو عند النظر في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة - على صاحبها وآله الصلاة والسلام - فإننا لن نقف على تعريف موحد للأسرة في هذه المنابع والأصول الثلاثة.

ص: 15


1- الأنثروبولوجيا: هو من الإختصاصات التي تمخضت عن علم الاجتماع وهو يعرف بعلم (الإناسة) ويتبنى دراسة جميع الظواهر والآثار التي ترسم حركة الإنسان وطريقة تعايشه مع أبناء جنسه، وفهم جميع الوسائل التي تدل على أنواع هذا التعايش؛ للمزيد أنظر: الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية لمجتمع الكوفة للسيد نبيل قدوري الحسني: ص 15-22.
2- نظام الأسرة في الإسلام لمحمد عقلة: ص 18.
فالأسرة في اللغة

هي: الدرع الحصينة، وأهل الرجل وعشيرته، وتطلق على الجماعة يربطها أمر مشترك، وجمعها: أُسر(1).

مفهوم الأسرة في القرآن والسنة النبوية
اشارة

إذا جئنا إلى القرآن والسنة النبوية فإننا: لا نجد فيهما مصطلحا يعادل تماما كلمة (الأسرة) ولكن نستطيع استعمال اصطلاح (الأهل) المستعمل فيهما - أي القرآن والسنة النبوية - على أنه يعني الأسرة.(2)

ومن جهة أخرى فإن سبب الاختلاف بين أقوال الباحثين والمختصين في دراسة الأسرة يعزى إلى مفهوم الأسرة عند كل باحث حسبما تمليه عليه المعطيات المعتمدة في مادته البحثية ورؤياه الفكرية، إذ يختلف هذا المفهوم باختلاف ما تعطيه لها الديانات والمجتمعات من وظائف ومسؤوليات وبحسب متنوع النظم والتشريعات العالمية المتصلة بها.

فللديانات مفهومها، وللنظم العلمانية مفاهيمها، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة مفهومها الخاص المترتب على خصوصيات أدوارها ومسؤولياتها في القانون الدولي(3).

بينما نسب بعض المتخصصين هذه الصعوبة في تعريف الأسرة إلى نفس التعريف

ص: 16


1- المعجم الوسيط في اللغة: ج 1، ص 18؛ تهذيب اللغة للأزهري: ج 13، ص 60؛ لسان العرب لابن منظور: ج 1، ص 140؛ جميعا في مادة: أسر.
2- الإسلام وتنظيم الأسرة لمحمد ظفار: ج 1، ص 221، ثبت أعمال مؤتمر الرباط.
3- أزمة القيم ودور الأسرة في تطوير المجتمع - فصل: مفهوم الأسرة ووظيفتها، لعبد الهادي بو طالب.

لما: تترتب عليه من نتائج على حياة الناس، إذ إن الاعتقاد بأن شكلا معينا من الأسر، ليس هو المرغوب فقط، ولكنه الأكثر واقعية أو أصالة قد يفرض بعض السياسات الاجتماعية التي قد تصف بعض الأسر، أو بعض السلوك الجنسي بأنها منحرفة(1).

ثم تدور تساؤلات الباحثين عن نفس المفردة، - أي: الأسرة ماذا تعني ؟!

هل الأسرة النواة الصغيرة، الزوجان وأطفالهما؟ هل العلاقات بين الزوج والزوجة، أم العلاقات القائمة بين الوالدين والأطفال هي عماد الأسرة ؟ هل تضم الأسرة كل شجرة الأسرة، جميع الأقارب الأعمام والعمات، الأخوال والخالات، والجدود والجدات، إضافة إلى الزوجين وأطفالهما وأبناء هؤلاء الأطفال وبقية الأقارب من الدرجة الثانية والثالثة، أو ما نطلق عليه العائلة أو العيلة(2) - هي الأسرة -؟

بينما يصب أحد الباحثين تساؤلاته عن: (العناصر التي يمكن إغفالها عند تعريف الأسرة هل هي: روابط الدم، روابط الزواج، معيشة الأفراد مع بعضهم البعض وشعورهم بالولاء، وبالمماثلة والتطابق، أم هي بعض هذه العناصر؟

وكيف تختلف قيمة تجربة الحياة في جماعات نطلق عليها أسر، في جماعات أخر لا نعدّها أسرية ؟ وهل يمكن تطبيق تعريف معين للأسرة على كل الثقافات، وفي كل العصور التاريخية)(3)؟

ص: 17


1- علم الاجتماع العائلي للدكتور الوحيشي: ص 53.
2- المصدر السابق.
3- البيئة العاطفية لارلين سكولينك، ط شركة بروان - بوسطن لسنة 1978 م، وعنه الوحيشي في علم الاجتماع العائلي: ص 58.

ولذلك كلما تقدم الزمن كلما ازداد مفهوم أو تعريف الأسرة صعوبة، ولاسيما في العصر الحديث، حيث ظهرت (الأسر العصرية) التي: (لا تأتلف رابطتها من أجل الإنجاب، بل قد يتعاقد الزوجان على إقصائه، كما لا تكون مكوناتها هي الأب والأم والأولاد، ولا تربطها علاقة أب وأم)(1) والعياذ بالله.

لكن هذا الوضع المحيط بمفهوم أو تعريف (الأسرة) لا يمنع من وجود مفاهيم واقعية، وتعاريف (جامعة) وإن لم تكن (مانعة)، كما هو متبع في المنهج الأصولي والمنطقي.

فأعطت للمهتمين بهذه النواة للمجتمع الإنساني، صورة جميلة وواضحة ومقبولة إلى حد ما، وإن اختلفت الرؤى الفكرية لهذه الصورة عند الناظرين إليها.

المسألة الأولى: الأسرة في المفهوم الشرعي

وهي الوحدة الأولى للمجتمع، وأولى مؤسساته التي تكون العلاقات فيها في الغالب مباشرة ويتم داخلها تنشئة الفرد اجتماعيا ويكتسب منها الكثير من معارفه ومهاراته وميوله وعواطفه واتجاهاته في الحياة، ويجد فيها أمنه وسكنه(2).

المسألة الثانية: الأسرة في الديانات الثلاث

هي: (مؤسسة أخضعها الله لقيم وروابط، وحد لها مسؤولياتها ووظائفها ووكل أمر تنظيمها وتحديد العلاقة بين أعضائها إلى التشريع الديني.

ص: 18


1- أزمة القيم ودور الأسرة في تطوير المجتمع، فصل: مفهوم الأسرة ووظيفتها، لعبد الهادي بو طالب: ص 158.
2- من أسس التربية الإسلامية، د. الشيباني: ص 497.

وأجمعت الديانات الثلاث: - (اليهودية والنصرانية، والإسلامية) - على أن الإنجاب هو وظيفتها الأساسية وأن لها مسؤولية في تربية الأولاد المنجبين على أسس دينية.

واتفقت كلها على أن الزواج الشرعي، شعيرة دينية لا تقام الأسرة خارجه، أو بدون استكمال شروطه، وأن هذه العلاقة لا تقتصر على إشباع الجنس، بل هي جزء من ممارسة البشر لأمانة الخلافة على الأرض نيابة عن الله لتأمين استمرار جنس الإنسان، وممارسة مهمة إصلاح الأرض وإعمارها على النهج الذي جاء به الأنبياء المرسلون)(1).

المسألة الثالثة: الأسرة في مفهوم علم الاجتماع

حمل علم الاجتماع مفاهيم متعددة للأسرة، ف -:

1 - فهي: (عربة الوعي الجمعي، ومن ثم فإن النظام الأسري يشكل من الأمور التي تخضع لها الأسرة باعتبارها الوحدة الاجتماعية الأولى في البناء الاجتماعي من حيث تكوينها ونطاقها ووظائفها وعلاقة أفرادها بعضهم ببعض، ومحور القرابة، وطقوس الزواج، والطلاق، والحضانة، وشؤون المواريث)(2).

2 - (الأسرة في طبيعتها اتحاد تلقائي تؤدي إليه الاستعدادات والقدرات الكامنة في الطبيعة البشرية النازعة إلى الاجتماع، وهي بأوضاعها ومراسيمها عبارة

ص: 19


1- أزمة القيم ودور الأسرة في تطوير المجتمع - فصل: مفهوم الأسرة ووظيفتها، لعبد الهادي بو طالب: ص 176.
2- المرأة بين الدين والمجتمع للدكتور عبد الباقي: ص 114.

عن مؤسسة اجتماعية تنبعث عن ظروف الحياة الطبيعية التلقائية للنظم والأوضاع الاجتماعية)(1).

3 - وفيما تتعدّد المفاهيم للأسرة في علم الاجتماع، فإن مفهوم وتعريف الأسرة بدا من السيدة ديان كارو ( Diane Gareau ) الكندية، يكشف عن رؤية تتناغم مع الحس الروحي الذي جاء به قوله تعالى:

(وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً )(2).

من حيث لا تعلم فتقول:

(هناك حيث تبدأ التربية، وهناك، حيث تتشكل قيمنا الأخلاقية، وهناك، حيث يتحسس البشر بيئته الاجتماعية وهنا، حيث يحتضن المودة فذلكم هو ما ينبغي أن تكون عليه الأسرة)(3).

المسألة الرابعة: الأسرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

بقي أن نشير إلى ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من تعريف للأسرة

جاء في المادة 36 (الفقرة الثالثة) للإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة المعلن في العشرين من ديسمبر 1948 ما يلي:

ص: 20


1- النظرية الاجتماعية ودراسة الأسرة للدكتورة سامية الخشاب: ص 3؛ علم الاجتماع العائلي للدكتور الوحيشي: ص 54.
2- سورة الروم: الآية 21.
3- أزمة القيم ودور الأسرة في تطوير المجتمع، فصل: مفهوم الأسرة ووظيفتها، لعبد الهادي بو طالب: ص 176.

(الأسرة هي الخلية الطبيعية الأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة، ونصّت المادة نفسها على تحديد سن الزواج بالبلوغ، وعلى أن للرجل والمرأة - متى أدركا سن البلوغ - حق التزويج وتأسيس الأسرة دون قيد بالعرق أو الجنسية أو الدين. وعدم اعتبار قيد الدين يتنافى مع مقتضيات الديانات الثلاث الموحدة التي نظمت هذا النوع من الزواج فأحلّت بعضه وحرّمت بعضه.

وقد نصت المادة 16 من الإعلان العالمي على مساواة الذكور والإناث فيما يخص حقوق الزواج وفسخه ولم تسم هذا الفسخ باسم الطلاق وأضافت: أن المرتبطين بعلاقة الزوجية متساويان في الحقوق عند التزوج وخلال قيامه وعند فسخه)(1).

المسألة الخامسة: مفهوم الأسرة في الاتحاد الدولي لمنظمات الأسرة ( U.I.O.F )

( Union Intrenationale Des Organisations Dela Famille )

جاء في المادة الأولى من المشروع الذي أعده الاتحاد الدولي لمنظمات الأسرة، تعريف جامع لمفهوم الأسرة محدّد لمسؤولياتها ووظائفها هو: (الأسرة هي العنصر الأساسي للمجتمع، يمارس أعضاؤها وظائف ولهم حقوق وعليهم واجبات.

والأسرة حقيقة واقعة لا يمكن الاستغناء عنها، وهي تضطلع بمسؤولية التربية والتكوين والتثقيف وتساهم في بناء الاقتصاد وإرساء قواعد المجتمعات.

وهي: إطار طبيعي لتوفير تربية وعيش رغيد لأعضائها، وهي: مكان متميز للتبادل والأخذ والعطاء بين مجتمعاتها)(2).

ص: 21


1- المصدر السابق: ص 171.
2- أزمة القيم، فصل: مفهوم الأسرة: ص 175.
المسألة السادسة: مفهوم الأسرة في الإسلام

وللإسلام مفهوم آخر للأسرة يتباين في الرؤى بحسب ما تمليه العناصر الثقافية والعقائدية لدى الكاتب الإسلامي.

ولذلك لم ننقل هذه المفاهيم فيما ذكرنا من تعاريف ورؤى لدى الباحثين حول مفهوم الأسرة ما يسد رمق الباحث، ولا يضفي على القارئ الإحساس بالملل.

بقي أن نعرج إلى حق القارئ علينا بمعرفة رؤية المؤلف لهذا الكتاب ومفهومه للأسرة فنقول:

(الأسرة هي: آية من آيات الله تعالى الخَلْقية لسعادة الإنسان، وحفظ عنصره، وقطب عواطفه وبلورة إنسانيته، ومنشأ قيمه الخلقية، ونواة حسه السايكلوجي والوجداني، تنشأ من رجل وامرأة يربطهما رباط مقدس، حظي بمكانة خاصة لم يحظَ غيره من العقود والمواثيق في جميع المعاملات الفردية أو الجماعية بمثل ما خصه الله به فسماه ب -:

(مِيثٰاقاً غَلِيظاً)(1).

ثم سن لهذين المتعاقدين - أي: الرجل والمرأة - نظم حياتهما، وحدّ لهما حدودهما، وأوضح لهما تعدد أدوارهما من آباء وأمهات، وما يترتب على هذه الأدوار من نظم جديدة تكفلت بحفظ العلاقة بينهما، والتي نشأت على ركيزتين أساسيتين وهما (المودة والرحمة) اللتان مصدرهما ومنشؤهما (السكن)، النفسي، والعاطفي، والجسدي.

ص: 22


1- سورة النساء: الآية 21.

ثم أوضح لهما: أن دورة الحياة لا تكتمل، تكاملاً يثمر ثمارا صالحة لدوام الحياة على الأرض، حياة إنسانية، ميزتها الأوحدّية هي: (الوجدان) إلا بحفظ تلك الحدود والالتزام بالواجبات قبل المطالبة بالحقوق.

فكم من علاقة أسرية تفلتت عن هذه النظم والحدود، فتمخضت عن هياكل بشرية تحمل سجايا بهيمية غاية أحدهم في الأرض أن:

(يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ اَلدِّمٰاءَ )(1).

المسألة السابعة: مفهوم الأسرة في البيت الفاطمي

ولذا فالأسرة عند فاطمة عليها السلام هي: (حاضنة التكامل الإنساني، الذي يبحث عنه الرجل والمرأة كلا في الآخر.

فقال الله تبارك وتعالى:

(هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ )(2).

والذي لا يتبلور إلا بمحارة الزواج الذي شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كي ينتج لآلئ تزهر في جيل الحياة الإنسانية).

ومن هنا:

فنحن في أمسّ الحاجة إلى بيت فاطمة عليها السلام، كي نفهم أسلوب الحياة الأسرية ونتعلم المناهج في استمرار هذا البناء وتواصله، وندرك سبل التوافق، والنسق العاطفي والنفسي بين الزوج والزوجة.

ص: 23


1- سورة البقرة: الآية 30.
2- سورة البقرة: الآية 187.

ونستلهم طرق التنشئة الأسرية، والمناهج التربوية الصحيحة التي خطها وسنّها كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وسنرى كيف تأسس البضعة النبوية عليها السلام المناهج والأسس في العلوم الاجتماعية والعلوم النفسية، التي سنتناولها من خلال أبواب الكتاب، ونحن نطوف بين منابر علوم بيت بنت المصطفى الهادي صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 24

المبحث الثاني: فاطمة الزوجة

اشارة

كثيرة هي أدوار المرأة، وكثير هو عطاؤها، بل لا نبالغ إن قلنا: إنها نبع ماء ارتبطت به حياة الكثيرين من حولها.

وهنا: في هذا المبحث.. (فاطمة الزوجة) سنرى صورة الزوجة التي لم تتمكن أرقى تقنيات الحضارة من إظهارها بذلك النقاء والوضوح الذي أبداه بيت فاطمة عليها السلام، هذا البيت الذي سنرى فيه فاطمة وهي تؤدي دورها كزوجة، تعرف حقوقها، وتدرك واجباتها، سنراها كيف تتعامل مع هذا الوضع الجديد، فبالأمس كانت في بيت أهلها تأدّي دور البنت الذي له مسؤوليات محدودة، أما اليوم فالمسؤوليات عديدة، والحدود كثيرة، والأدوار التي تنتظرها عديدة.

ومن هنا: نرى سيدة نساء العالمين، وهي في بيت الزوجية كيف تعطي المناهج العديدة والأسس الثابتة التي يقوم عليها هذا البيت.

فهل نستطيع أن نتعلم من فاطمة هذه المناهج، كي نعلم بناتنا، وأخواتنا، ونرشد أمهاتنا ونساءنا؟

ص: 25

وهل ستعي المرأة من سيدة النساء عليها السلام كيف تؤدي واجباتها، وكيف توصل صوتها إلى الطرف الآخر عندما تنادي بحقوقها التي حدّها الله تعالى لها؟ والذي خلقها فأحسن خلقها وكرمها بما لا يكرمها به أحد من الخلق، قال تعالى:

(وَ لَقَدْ كَرَّمْنٰا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنٰاهُمْ فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ وَ رَزَقْنٰاهُمْ مِنَ اَلطَّيِّبٰاتِ وَ فَضَّلْنٰاهُمْ عَلىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنٰا تَفْضِيلاً)(1).

أما ما وضعه بعض الناس من مناهج وأسس لحقوق المرأة ورسم أدوارها في الحياة، فهو في حقيقته: مناهج لإشباع الشهوات، وأسس لإرضاء الرغبات، ثم تترك المرأة في بحر عميق تتلاقفها الأمواج، تحوم حولها شباك الصيد، فلا تدري أيكون البحر وأعماقه أرحم لها، أم البر وذئابه أرفق بها؟!

فلا.. يا أختي المؤمنة، لا يصلح المرأة غير دينها، كما لا يصلح السفينة غير سفانها، وكذلك هو الرجل لا يصلحه إلا دينه.

ولكن علينا أن نفهم الدين بأخذه من أهله، (أهل الذكر)، وأن نركب السفينة التي دلّ عليها معلم البشرية ومنقذها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قائلا:

«إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى»(2).

ص: 26


1- سورة الإسراء: الآية 70.
2- كفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص 378؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 168؛ المعجم الصغير للطبراني: ص 113؛ ينابيع المودة للقندوزي: ص 28 و ص 298؛ رشفة الصادي للحضرمي: ص 79؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 91.

ومن هنا:

جئنا إلى بيت فاطمة عليها السلام كي نتعلم منها كيف نؤدي دورنا في الحياة، ومن بينها دورنا كأزواج، كيف نتعامل مع أزواجنا، ما هي حقوقنا؟ ما هي واجباتنا؟

كيف نتصرف إن كان الزوج مهموما؟ ماذا نصنع إن كان معسور الحال ؟ كيف نشعره بحبنا ومودتنا له ؟ وأهم من هذا وذاك كيف نحفظ هذا البيت، بيت الزوجية ؟

المسألة الأولى: أنّ فاطمة زوجة لعلي في الدنيا والآخرة
اشارة

المسألة الأولى: أنّ فاطمة زوجة لعلي في الدنيا والآخرة(1)

أحببت أن يكون مدخل الولوج إلى بيت فاطمة عليها السلام يتضمن موضوعا مهما فيما يخص الحياة الزوجية، والذي قلما وجدت من يركز عليه، أو يوليه اهتماما خاصا، - حسبما توفر لدي من مصادر - ألا وهو: (استمرارية الرباط الزوجي) في الدنيا والآخرة.

إذ إن المعروف بين الناس، أو الذي جرت عليه العادة منذ أن كان هناك رباط شرعي يجمع الرجل والمرأة سواء كان هذا الجمع لشهور أو سنين عديدة، أن يحرص كلا الزوجين على أن لا يفترقا.

لكن هذا الحرص سرعان ما يتبدد أمام سلطان قاهر لا يستطيع أحد أن يقول

ص: 27


1- أنظر: قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: «فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة»: تفسير فرات الكوفي: ص 277؛ الحدائق الناضرة للمحقق البحراني: ج 3، ص 386؛ المبسوط للسرخسي: ج 2، ص 72؛ بدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني: ج 1، ص 306؛ حاشية رد المحتار لابن عابدين: ج 2، ص 214.

له: لا، ألا وهو (الموت)، ولذلك سمي بمفرق الجماعات، وهادم اللذات(1).

إذ ما دام هناك ارتباط كانت هناك لذة وجدانية وهي لذة القرب والأنس، فأكثر ما يؤلم الإنسان هو الوحشة والوحدة، اللتين يسببهما الفراق.

ولذا نجد أن البعض قد أعلن حالة التمرد على الموت، ظانا أنه لا يفرق فيما بينه وبين من يحب، فتراه يرمي بنفسه في أحضانه منتحراً، دون أن يدرك أنه الأسرع في الاستجابة لهذا الموت ممن يحب.

في حين أن الموت لا يجمع تحت سلطانه الأحباب، فكم من حبيب لا يعلم عن حبيبه شيئا إذ كل إنسان مرهون بعمله، فإن جمعهما رباط الزواج في الحياة الدنيا، فسيفرقهما بعد الموت العمل، أو أن العمل هو الذي سيجمعهما، لكن يبقى الموت في عقول الناس هو المفرق.

ولذلك نجد أن الكثير من النساء والرجال، يعرضون عن الزواج بعد رحيل الزوج، أو الزوجة، حرصا على أن لا يدخل القلب زائر جديد، وحتى الذين تزوجوا بعد وفاة أزواجهنّ ، أو زوجاتهم، لم يكن هذا الزواج الجديد، بحائل عن الحنين لتلك العشرة، ولم يكن هذا الارتباط بقادر على محو تلك الذكرى.

فهذا الحنين، وهذه الذكرى، لطالما أبداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة أم المؤمنين خديجة عليها السلام فلم يُحل تعدد الزوجات من الشوق والحنين لأم الزهراء، مما أثار غيرة عائشة، كما تروي الصحاح(2).

ص: 28


1- هذه التسمية جاءت في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قائلا: «أذكروا هادم اللذات».
2- صحيح مسلم: ج 5، ص 2419، كتاب الفضائل، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين - عليها السلام -، حديث: 76 و 78، برقم 2437.

وهذا الحنين أيضا لطالما أبداه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد استشهاد فاطمة عليها السلام، ورحيلها إلى جوار ربها وأبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

فيناديها راثيا:

ما لي وقفت على القبور مسلما *** قبر الحبيب فلا يرد جوابي

أحبيب ما لك لا ترد جوابي *** أنسيت بعدي خلة الأحبابِ

لا خير بعدك في الحياة وإنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي(1)

ومن أجل ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبشير الإمام علي عليه السلام وتطمينه، بأن فاطمة عليها السلام، معه في الدنيا والآخرة.

قائلا له:

«أنت معي يا علي في قصري في الجنة مع فاطمة بنتي، هي زوجتك في الدنيا والآخرة، وأنت رفيقي»(2).

ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

(إِخْوٰاناً عَلىٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ )،

«المتحابون في الله ينظر بعضهم إلى بعض»(3).

ص: 29


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 217.
2- تفسير فرات الكوفي: ص 227.
3- العمدة لابن البطريق: ص 168؛ تفسير الفرات الكوفي: ص 227؛ بحار الأنوار: ج 38، ص 346، باب: أنه عليه السلام كان أخص الناس بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ مستدرك سفينة البحار للنمازي: ج 8، ص 247.

وفي رواية أوردها ابن شهر آشوب في المناقب عن سفيان الثوري، عن الأعمش(1)، عن أبي صالح في قوله تعالى:

(وَ إِذَا اَلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ )(2).

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما من مؤمن يوم القيامة إلا إذا قطع الصراط زوجه الله على باب الجنة بأربع نسوة من نساء الدنيا وسبعين ألف حورية من حور الجنة إلا علي بن أبي طالب فإنه زوج البتول فاطمة في الدنيا وهو زوجها في الآخرة في الجنة ليست له زوجة غيرها من نساء الدنيا، لكن له في الجنان سبعون ألف حوراء لكل حوراء سبعون ألف خادم»(3).

مسائل البحث في الحديث:

أولا: لا يحرم الله المؤمن مما بذل له من نعم الدنيا في الآخرة

يكشف الحديث عن حقيقة غيبية تظهر حجم اللطف الإلهي بعباده المؤمنين ودوام حسنه وكرمه إليهم، ففي الوقت الذي سخر الله تعالى للمؤمن نعم الحياة

ص: 30


1- الأعمش: ترجم له السيد الخوئي قدس سره في معجم رجال الحديث: ج 9، ص 294؛ برقم 5518، وقال عنه الشبستري: أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي، وقيل الكاهلي بالولاء، الرازي، الكوفي، المعروف بالأعمش. من ثقات محدثي الإمامية، ومن خواص الإمام الصادق عليه السلام، وقيل من المهملين، كان مقرئاً جليل القدر، ورعا، حافظاً، مستقيم الرأي، فاضلاً أصله من دباوند من قرى الري ولد بالكوفة سنة 61 وتوفي بها سنة 148 ه -.
2- سورة التكوير، الآية: 7.
3- المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 324.

الدنيا وأباح له الزواج من أربع نساء ولم يتمكن من الاستفادة من هذه النعمة والتنعم بها فإن الله يجعل له هذا المباح المبذول له في الدار الدنيا متحققاً ومنالاً في الآخرة.

فمن تزوج بواحدة من النساء في الحياة الدنيا وكانت هذه الزوجة من أهل الإيمان والصلاح جمعهما الله في الجنة وتزوج من ثلاث نساء من نساء الدنيا كي يتحقق ما قدر الله تعالى للمؤمن من استحقاق حياتي في الدار الأولى.

ثانياً

كما يكشف الحديث عن الحكمة في هذا التفاوت السكاني بين الرجل والمرأة؛ إذ غالباً يكون عدد النساء أكثر في جميع المجتمعات الإنسانية على الأرض، ومن ثم فكثير منهن قد لا يتنعمن بنعمة الزواج والأمومة والزوجية.

وعليه:

ستعوض في الآخرة فتنال الزوجية التي حرمت منها في الحياة الدنيا.

ثالثاً

يدل الحديث على أن هذه الحقيقة الغيبية قد دل عليها أيضا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخديجة عليها السلام حينما دخل عليها في أيامها الأخيرة وهي متهيئة للالتحاق بربها سبحانه وتعالى (فقال لها:

«بالكره مني ما أرى منك يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيراً كثيراً، أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون».

ص: 31

قالت:

«وقد فعل الله ذلك يا رسول الله ؟».

قال:

«نعم».

قالت:

«بالرفاء والبنين»)(1).

والحديث يكشف بوضوح عن تحقق الزواج من أربع نساء في الآخرة مع بيان مقام الشأنية للمؤمن فسيد الخلق زوجه الله سبحانه من أربع نساء من نساء الدنيا في الجنة وهن خديجة ومريم وآسية وكلثم أخت موسى وهن سيدات أهل الجنة مع خصوصية مقام خديجة عليها السلام.

رابعاً

يكشف الحديث عن شأنية فاطمة عليها السلام وعلو مقامها عند الله تعالى وأن ليس هناك امرأة في الدنيا ترقى إلى تلك الشأنية ولذا لا تتناسب هذه الشأنية والمقام الخاص الذي خصها الله تعالى به مع نزول ضرة فتكون مقارنة لها في الحقوق الزوجية.

بل لا يمكن أن تتحقق العدالة هنا مع ما يفرضه مقامها عند الله تعالى من حدود خاصة تتقاطع مع حقوق وجود ضرة لها.

ص: 32


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 19، ص 20؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 218؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 451؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 10، ص 119.
المسألة الثانية: تقسيم مسؤوليات الحياة الزوجية بينهما عليهما السلام
اشارة

اهتمت الدراسات الحديثة بالتوافق الزواجي اهتماما كبيرا، فهي ما بين دراسة ميدانية مستفيضة في المراقبة والتحليل، وما بين نظرة موضوعية ومرجعية لأداء الباحثين.

ومن بين هذه وتلك تبرز النظم النبوية على صاحبها وآله الصلاة والسلام، في الأسرة كأساس يقوم عليها التوافق الزواجي.

لكن تختلف الدراسات الحديثة عن النظم النبوية في الأسرة، في المنهجية: فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد جعل التكافؤ الزواجي هو الأساس لنجاح التوافق الزواجي الذي أنتجته الدراسات الحديثة، بينما الدراسات الحديثة جعلت التوافق الزواجي هو نقطة الانطلاق وهو الركيزة التي ترتكز عليها السعادة الزوجية.

ولو رجع المعنيون بدراسة الأسرة إلى النظم النبوية لما احتاجوا إلى بذل الجهود المتواصلة لمعرفة الأسس التي يقوم عليها نجاح العلاقة الزوجية وتواصلها، وما يرتبط بها.

فالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:

«زوجوا الأكفاء».

يكون قد وضع للباحثين والمفكرين الحجر الأساس في نجاح العلاقة الزوجية واستمرارها.

ولذلك عندما أراد أن يزوج فاطمة عليها السلام انتظر بها القضاء؛ لأن الله

ص: 33

عزّ وجل هو الأعلم بكفؤ فاطمة، كما مرّ بيانه في الفصول السابقة، فهذا التكافؤ فيما بين علي وفاطمة عليهما السلام كان الأساس في ظهور التوافق الزواجي ودوامه.

وقد توصّلت الدراسات الحديثة: إلى أنّ الأسس التي يقوم عليها (التوافق الزواجي) هو مفهوم الذات، وقد دلت الكتابات والدراسات التي دارت حول مفهوم الذات أنه يعد حجر الزاوية في الشخصية، وقد أصبح الآن ذا أهمية بالغة، ويحلّ في هذه الأيام مكان القلب في التوجيه النفسي، وفي العلاج المركز حول العميل(1).

وتكمن أهمية (مفهوم الذات) في تحقيق التكافؤ المؤدي إلى حصول (التوافق الزواجي)، إذ كيف يمكن أن يتحقق التكافؤ بين الزوجين ومن ثم التوافق وكلٌّ منهما لا يعرف ولا يفهم ذاته ؟ فهذه المعرفة بالذات هي التي تحدد بنجاح حالة التكافؤ الزواجي المؤدي إلى حصول التوافق في الحياة الزوجية، فكلما عرف الإنسان ذاته كلما استطاع الوصول إلى الكفؤ والنظير له.

وعليه: فعلي وفاطمة عليهما السلام كل منهما عارف بذاته، أي: (نفسه) متيقّن بكفؤ شريكه في الحياة، وعند العودة إلى النظريات الحديثة فإن نظرية (كارل روجرز) تعدّ من أبرز نظريات مفهوم الذات، حيث ينظر إلى مفهوم الذات كمفهوم متطور عن تفاعل الكائن الحي مع البيئة ولذلك يكتشف الفرد من هو؟ خلال خبرته مع الأشياء والأشخاص الآخرين.

كما يقرر (روجرز) أن كل فرد يعيش في عالم متغير من الخبرة المستمرة التي

ص: 34


1- الإرشاد والتوجيه النفسي لحامد عبد السلام: ص 258.

يكون هو محورها ويستجيب للمجال كما يخبره ويدركه، ويتضمن مفهوم الذات قيما عن الذات قد تكون إيجابية، أو سلبية كما يدرك أي خبرة غير متسقة مع مفهوم الذات على أنها عمل مهدد لكيانه.

ولذلك تتكون الدفاعات التي تنكر هذه الخبرات على الشعور وتصبح صورة الذات أقل انسجاما لذلك يقع الفرد في صراع ويصبح أقل تكيفا(1).

وهذه النظرية وإن كانت من أبرز نظريات مفهوم الذات، إلا أنها لا يمكن حملها على فهم ومعرفة ذات علي وفاطمة عليهما السلام! لأنهما ذاتان قد ذابت في الفيوضات الإلهية فلم تريا إلا الله عزّ وجل ولم تحبا سواه، ولم تعبدا إلا إياه جلت قدرته.

ومن كانت ذواتهم بهذه الكيفية فإنهم لا يكتسبون هذا الفهم عن ذواتهم من خلال تفاعلهم مع البيئة ثم يكتشفون من هم، فهم عليهم السلام قوم اختارهم الله لعبادته واجتباهم لطاعته فعرفوا ربهم من معرفتهم لنفوسهم كما نص عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«من عرف نفسه فقد عرف ربه»(2).

ولكن أوردنا هذه النظرية وغيرها في مفهوم الذات للتدليل على أن (التكافؤ) لا يتحقق إلا بمعرفة الذات وفهمها.

ولذا قالوا: (بأن الذات في علاقة دائمة مع الآخرين قد تكون هذه العلاقة -

ص: 35


1- علم النفس الاكلينيكي لمصطفى فهمي: ص 116.
2- بحار الأنوار: ج 2، ص 32.

علاقة - تعاون، أو صراع، أو تنافس، فما لم يتحقق للفرد تقدير لذاته لن يعترف بالآخرين، وما لم يقدم مصلحته الشخصية لن يهتم بالمصلحة المشتركة.

فالفردية لابد أن تكون الأساس الذي تقوم عليه الغيرية، فالذات لابد من الاعتراف بها قبل المطالبة بإنكارها)(1).

(والذات تدرك الخبرات وتتقبلها، أو ترفضها في ضوء قيمها المعينة، فتسمح لما تستقبله من خبرات بالانتظام في بنائها فيقرر للشخصية الهدوء والاستقرار، أو تتبرأ من هذه الخبرات وتستبعدها من الاتساق الذاتي فيتصدع نشاطها ويصيبها القلق)(2).

أولا: كيف يتحقق التوافق الزواجي ؟

كي يتحقق التوافق الزواجي، والحياة الزوجية السعيدة، لابد للزوجين أن يعملا معا على تنمية الأساليب الصحية الصحيحة في التعامل، مع الحرص على تجنب أسباب الاحتكاك ومناسبات الاختلاف الشخصي(3).

والتوافق بصفة عامة يريده الإنسان هدفا ويتخذه وسيلة لتحقيق هذا الهدف وهو يستهدف الرضا من النفس وراحة البال، والاطمئنان نتيجة الشعور بالقدرة الذاتية على التكيف مع البيئة والتفاعل مع الآخرين، وحسن التعامل مع الغير(4).

ص: 36


1- علم النفس ودراسة التوافق لكمال دسوقي: ص 284.
2- سيكلوجية العلاقات الزوجية للدكتور محمد بيومي: ص 16، نقلا عن: (1951 و 515 Crogers ) .
3- سيكلوجية العلاقات الزوجية لمحمد بيومي: ص 16، نقلا عن: (434 و 1938 Willard W ) .
4- علم النفس ودراسة التوافق لكمال دسوقي: ص 385.

وهو يتضمن التحرر النسبي من الصراع والاتفاق النسبي بين الزوجين على الموضوعات الحيوية المتعلقة بحياتهما المشتركة، وكذلك المشاركة في أعمال وأنشطة مشتركة وتبادل العواطف(1).

والتوافق الزواجي لكونه يقوم على أساس علاقة متبادلة بين زوجين لكل منهما تنظيمه الخاص للشخصية من حيث سماتها وإطارها المرجعي الذي يحدد الميول والاتجاهات والقيم وأساليب المعاملة الزوجية؛ لذا لا تخلو الحياة الزوجية السعيدة من بعض الاختلافات التي تتحول بالتفاهم والمصارحة إلى مدعم جيد ومنشط بين الزوجين، وعلى قدر نجاح الزوجين في تحقيق هذه المهمة يكون التوافق الزواجي.

وقد أوضحت الدراسات المتعلقة بالتوافق الزواجي: أن التوافق الزواجي يتوقف على عوامل شخصية واجتماعية(2).

وعليه:

فلا مجال للخروج عن القاعدة التي وضعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نجاح العلاقة الزوجية، بقوله: (زوجوا الأكفاء) والتي دارت من أجل الوصول لها أقلام الباحثين والمفكرين.

فمنهم من جعل التوافق الشخصي هو الأساس في حصول التوافق الزواجي، كالدراسة التي قام بها (هوفمان)(3).

ص: 37


1- الزواج والعلاقات الأسرية للدكتورة سناء الخولي: ص 190.
2- سيكلوجية العلاقات الزوجية: ص 17، نقلا عن: (2987 و 1970 و K.G و Hofma ) .
3- المصدر السابق.

ومنهم من جعل نجاح التوافق الزواجي متوقفاً على الأشخاص الذين يتسمون بالاتزان الانفعالي والموضوعية والاجتماعية، كالدراسة التي قام بها (بيكفورد) وآخرون، التي أجراها على عينة من المتزوجين من الجنسين(1).

ثانياً: منهاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحقق التوافق الزواجي
اشارة

والنتيجة المستقاة من هذه الأبحاث، أن التوافق الزواجي الذي ركزت عليه الدراسات لا يمكن أن يتحقق في الحياة الزوجية دون الرجوع إلى القواعد التي وضعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي ضمنت لمتبعها الحياة الزوجية السعيدة المتسمة بأعلى درجات التوافق الزواجي.

وهذه القواعد هي:

1 - قاعدة (التكافؤ)

ويشترط أن يكون التكافؤ هو الخطوة الأولى في منهاج بناء الحياة الزوجية، وهو الركيزة التي ينطلق من خلالها الرجل والمرأة؛ إذ تنعدم مصداقية التكافؤ بعد الاقتران.

والتكافؤ لا يمكن أن يتحقق في ضوء فقدان مفهوم الذات، فكيف لمن يريد أن يجد الاحترام لذاته وهو جاهل بها؟!

وكيف يمكن أن يطلب الإنسان التواصل مع شريك الحياة وهو غير عارف بذاته ؟! ومن عجز عن فهم ذاته فهو أعجز عن فهم الآخر.

ولهذا نجد أن ما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في معرفة

ص: 38


1- سيكلوجية العلاقات الزوجية لمحمد بيومي: ص 29، نقلا عن: (1960 و G.HOthers و Pickford ) .

النفس(1)، هو قطب العلاقة الناشئة بين الفرد ونفسه، وبينه والآخرين.

فمن عرف ذاته استطاع معرفة كفؤه الذي سيشاركه مسيرة الحياة الزوجية التي تتسم بالتوافق والانسجام والفهم.

2 - قاعدة (المودة والرحمة)

ليس من المجهول لدى جميع المسلمين أن القرآن الكريم أول ما نص في بحثه الحياة الأسرية ورسم حدودها وعوامل دوامها هما: (المودة والرحمة).

(وذلك لأن هذا الأسلوب يقوم على احترام ذاتية الآخر واعتباره شريكا وليس يتابع بمعتمد على الأخذ والعطاء المتبادل، المشاركة الوجدانية، الانسجام والتفاهم، في ظل هذا الأسلوب يتم مبادلة الآراء واحترامها، وتبادل الثقة وتدعيمها، فتنمو العواطف نموا سليما، وتستقيم الحياة الزوجية ويكتب لها النجاح والتوافق الزواجي السوي)(2).

3 - قاعدة تقسيم مسؤوليات الحياة الزوجية بين علي وفاطمة عليهما السلام

من الأمور التي يقوم عليها كيان الأسرة هو تقسيم مسؤوليات الحياة الزوجية، فالرجل الذي يلقي بأعباء الحياة الزوجية فوق عاتق المرأة لا يمكن له أن يضمن دوام المحبة والاستقرار في الأسرة، وفي حال تكون الزوجة من النوع الذي لا يطيق هذه الأعباء الإضافية فإن مصير هذه الحياة والعلاقة سيؤول إلى الزوال والانفصال.

ص: 39


1- وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من عرف نفسه عرف ربه».
2- سيكلوجية العلاقات الزوجية لمحمد بيومي: ص 29.

وفي المقابل نجد أن الأسرة التي اتبعت منذ الأيام الأولى لتكوينها منهاج تبادل المسؤوليات تكون أسرة يطفو على وجوه أصحابها الهدوء والحيوية وفي عيونها بريق المودة وإبداء الرغبة الحقيقية في مواصلة الحياة جنبا إلى جنب.

ولذلك: نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع هذا المنهاج منذ الأيام الأولى لتكوين الأسرة المحمدية صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فقد قسم (بأبي وأمي) مسؤوليات الحياة الزوجية بين علي وبين شريكة حياته فاطمة الزهراء بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

كي يحفظ لهذه الأسرة الهدوء والطمأنينة، وكي تحيا بهم المودة وتتعايش معهم الرحمة، وهو ما كشفت عنه الروايات:

1 - فقد روى الحميريّ القمي عن الصادق عليه السلام، وابن أبي شيبة عن حمزة ابن حبيب، كل بسنده، واللفظ للإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام، قال:

«تقاضى عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي الْخِدْمَةِ فَقَضَى عَلَى فَاطِمَةَ عليها السلام بِخِدْمَتِهَا مَا دُونَ الْبَابِ وَقَضَى عَلَى عَلِيٍّ عليه السلام بِمَا خَلْفَهُ ، قَالَ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ فَلا يَعْلَمُ مَا دَخَلَنِي مِنَ السُّرُورِ إِلاّ اللَّهُ بِإِكْفَائِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم تَحَمُّلَ أَرْقَابِ الرِّجَالِ »(1).

ص: 40


1- قرب الإسناد للشيخ الحميري القمي: ص 25؛ وسائل الشيعة للعاملي: ج 20، ص 172 وص 222؛ مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ج 13، ص 48-49؛ المصنف لابن أبي شيبة: ج 6، ص 10؛ الزهد لهناد: ج 2، ص 386، برقم 750؛ حلية الأولياء: ج 6، ص 104؛ المغني للمقدسي: ج 7، ص 225.

2 - أخرج الكليني رحمه الله عن علي بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن هاشم بن سالم عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:

«كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب، ويستقي، ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن، وتعجن، وتخبز»(1).

3 - وفي رواية، عن البزنطي، عن حماد بن عثمان، عن زيد بن الحسن، قال:

سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول:

«كان علي عليه السلام أشبه الناس طعمة وسيرة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يأكل الخبز والزيت ويطعم الناس الخبز واللحم، قال وكان علي عليه السلام: يستقي ويحطب، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز وترقع»(2).

ثالثاً: مسائل البحث في الروايات
1 - التقسيم السوي بين المسؤوليات الحياتية

تدل الرواية بوضوح على التقسيم السوي في مسؤوليات الحياة الزوجية بين علي وفاطمة عليهما السلام، فثلاثة أعمال يقوم بها الإمام علي عليه السلام يقابلها ثلاثة أعمال تقوم بها فاطمة عليها السلام.

ص: 41


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 8، ص 165، باب 176؛ أمالي الشيخ الطوسي: ص 661، عن: الحسن بن علي الزعفراني، عن البرقي عن ابن أبي عمير (مثله)؛ البحار للعلامة المجلسي: ج 43 ص 151، وج 41 ص 54؛ المناقب لابن شهر: ج 1، ص 372.
2- بحار الأنوار: ج 41 ص 131.
2 - مراعاة الجانب الإنساني في التقسيم

مراعاة الجانب الإنساني في هذا المنهاج الأسري في تحمل تبادل المسؤوليات، فقد اختار عليه السلام العمل الذي يتسق ومقام الرجولة ويتلاءم مع تكوين الرجل الفاسيولوجي والسايكولوجي في آن واحد.

فالمرأة بطبيعتها البدنية والنفسية لا تنسجم مع الاحتطاب، أي: مع الحطب وحمله إلى البيت أو أن تذهب لتحمل الماء وتأتي به إلى الأسرة، فضلاً عن ما يحتاجه الإنسان من كمية الماء في استخداماته هو والأسرة مما يتطلب تكرار حمل الماء في اليوم الواحد أكثر من مرة.

3 - الحفاظ على المرأة وصيانتها

الحفاظ على كرامة المرأة وصيانتها من التعرض لها في أثناء الخروج بالنظر والمضايقة، ولاسيما في الأماكن التي يتردد عليها المارة وطلاب الحاجة كمنابع المياه أو الأنهار، كما هو الحال في السابق.

ولكن هذه الحالة أي: تكليف المرأة بالخروج لسد احتياجات الأسرة أصبحت اليوم من الأمور المألوفة، بل إن بقاءها في الدار ربما أصبح من غير المألوف، فلا الرجال أخذت تحرص على كرامة المرأة، ولا هي أخذت تقنع بأن يكف عنها أعباء الحياة خارج المنزل.

وبين تملص بعض الرجال من أداء مسؤوليات الحياة خارج الدار، ورغبة بعض النساء بممارسة دور الرجل، يبقى أداؤها لمسؤولياتها ضمن حدود بيت الأسرة، هو أحفظ لها وأليق بأنوثتها، وأدوم بجمالها.

ص: 42

ولو كان القوام الجمالي يسمح للمرأة بممارسة مهام الرجل لما أسقط الله عنها الجهاد في ساحات القتال.

ولو كان القوام الجمالي يسمح للرجولة بتحميل المرأة أعباء الحياة لما كان الإمام علي عليه السلام يحمل الحطب والماء لأسرته.

4 - مسؤوليات الحياة داخل الأسرة لا تقل عنها في الخارج

قد يتبادر إلى الذهن: (أن الطحن والعجن والخبز) هم جميعا لعمل واحد وهو: (الرغيف) سواء أكان من الشعير أو من القمح، وفي الواقع أنه ليكشف لنا عن صعوبة الحياة التي كانت تفرضها مسؤوليات الزواج على المرأة داخل الأسرة في ذلك الوقت.

فالأمر لم يكن بهذا الشكل المعهود في عصرنا الحاضر الذي هيأ للمرأة ما تحتاج إليه في تأدية وظيفتها داخل البيت وهي في نفس الوقت تشكو من الصعوبة، في حال أن مجرد الحصول على رغيف الخبز كان يكلف المرأة معظم وقتها، ويستنفد جهدها.

فمن بين تنقية القمح أو الشعير إلى الجلوس أمام (الرحى) وهي تحكي في دورانها قصة المعاناة في تلك الأزمنة، إلى جمع الطحين، ثم عجنه، ثم سجر التنور والوقوف أمام لهبه وتنظيم حرارته إلى تعدد اللسعات الحارقة في اليدين وهما تصافحان جوانب التنور.

فضلاً عن التسابق مع اللهب فأما أن يسرق الرغيف من المرأة فيحرقه لها وأما أن تعرض يديها له فتنتزعه من سلطانه، كي تأتي به، أي: (الرغيف) فتضعه أمام الرجل، فكل هنيئا مريئا.

ص: 43

5 - الباعث في سرور فاطمة عليها السلام الحشمة وليس اللجوء للراحة من الخروج للسوق

إن الواضح في سياق الرواية هو تحديدها لمسؤوليات الزوج والزوجة ضمن نطاق الحياة الزوجية التي جعلها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إحدى القواعد الأسرية في تحقيق التوافق الزواجي.

وحيث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حدد من البدء تقسيم هذه المسؤوليات والأعمال بين الرجل والمرأة فجعل ما دون الباب وإلى داخل الدار هو من مسؤوليات المرأة وما خلف الباب (أي الخارج) هو من مسؤوليات الرجل.

فإن سرور فاطمة عليها السلام وبحسب ما يفيد سياق الرواية لم يكن لتحقق الراحة وكف العناء عنها بما يقوم به الرجل من جهد وتعب في تحمل الماء والحطب والطعام واستحصال موارد العيش.

وإنما هو لمكوثها في دارها وعدم تعرضها للتعامل مع المواطن التي تلزم وجود الرجال فيها، بدلالة استخدام النبي صلى الله عليه وآله وسلم للفظ (الباب) بكونه الحد الفاصل في تحديد هذه المسؤوليات والتي أناطها بحسب ما ينسجم مع تكوين الرجل والمرأة من الناحية النفسية والبدنية فضلاً عن انسجام هذا التقسيم مع ما يترتب على المرأة والرجل من تكاليف شرعية، كالحجاب ومخاطبة الأجنبي وغيرهما.

وعليه: يكشف سرور فاطمة عليها السلام الكبير والذي عبرت عنه ب - (فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله) بسبب إعفائها من الخروج إلى خارج الدار لتقوم بما تفرضه الحياة الأسرية من تهيئة لوازم العيش.

ص: 44

هو لتحقق حشمتها ودفع الضرر عنها سواء كان دنيوياً أو أخروياً وهو ما ينبغي بكل امرأة ورجل الامتثال لهذا النهج المحمدي كي يضمن الزوجان حياة أسرية هادئة ومطمئنة وطاهرة تنجب ثماراً تكون ذخراً لهما في الدنيا والآخرة.

رابعاً: إعانة الزوجة في المنزل منهج حضاري
اشارة

ربما يجد البعض أن قيام الرجل بإعانة المرأة في إنجاز بعض أعمال البيت هو مما لا يتناسب مع مقامه الذكوري، بينما يجد البعض الآخر تحميل المرأة المشاق هو من نتاج فرض ذكوريته عليها.

في حين أن إسهام الزوج بالقيام ببعض أعمال البيت هو منهج حضاري يحقق للأسرة دوام المودة، ويشعر الزوجة بجو الرحمة، كما يدل على رسوخ المروءة في شخص الرجل.

وعند النظر إلى بيت فاطمة وعلي عليهما السلام نجد أن أمير المؤمنين عليّاً، كان أول من وضع هذا المنهج الحضاري في حفظ الأسرة وسلامتها.

فكان عليه السلام يعين البضعة النبوية في إنجاز بعض الأعمال المترتبة على عاتقها، فيقوم ب - (كنس الدار) كي يدل بهذا العمل الإنساني أن الدار التي تجمعه مع شريكة حياته تستحق أن يعتني بها لأنها حاضنة الحب الأسري، وهي الرمز لهذا لحب.

وهو في نفس الوقت يشير بهذا العمل إلى منهاج أخلاقي يسفر عن طباع الزوج اتجاه شريكة حياته وأم أولاده، فهذه الطباع لا يمكن أن تنكشف أو تظهر للطرف الآخر إلا من خلال المعاشرة.

ص: 45

وقد توصلت الأبحاث والدراسات المعاصرة: (أن الإنسان يظهر في مجرى معاشرته للناس الآخرين جوهره الأخلاقي من جهة، ومن جهة أخرى تبدو المعاشرة كوسيلة لتطوره الأخلاقي.

وعن طريق المعاشرة الحقيقية الحميمية الداخلية يحاول الإنسان التخلص من محدوديته ونواقصه وإيجاد ذاته الأخرى ( atter eqo ) وبسط مكامن روحه أمامه)(1).

وقد دلت: (أن أساليب التعامل التي تنشأ في الأسرة منذ مستهل الحياة الزوجية هي بمثابة العوامل الحاسمة التي تعمل على بقاء الأسرة أو انحلالها)(2).

بينما عدّت بعض الدراسات أن (الارتباط السيكلوجي والروحي يتوطد بين المحبين بالزواج مقترضاً قدرة عند كليهما للاعتناء أحدهما بالآخر ومساعدته، واحترام مشاعر الأسرة، ووجود قدرة أيضا على تبادل تحمل المسؤوليات)(3).

في حين أن: (الناس المحدودين روحيا وغير المستعدين للزواج الأخلاقي، لا يستطيعون تحمل هذه المسؤولية أو امتلاك هذه القدرات)(4).

وكفى بالباحث المتبع لسبل السعادة الزوجية بالنظر إلى منهاج علي وفاطمة عليهما السلام في تبادل تحمل مسؤوليات الحياة الزوجية، وكفى ببيت فاطمة دلالة على نمو

ص: 46


1- أخلاقيات المعاشرة ل - (غ. ب. بوتيليكو): ص 28، ترجمة يوسف إبراهيم الجهماني ط دار حوران بدمشق.
2- الزواج والاستقرار النفسي لزكريا إبراهيم: ص 71-82، وعنه: محمد بيومي، سيكلوجية العلاقات الزوجية: ص 16.
3- أخلاقيات المعاشرة (لبوتيليكو): ص 35 ط دار حوران بدمشق.
4- المصدر السابق.

التوافق الزواجي في جميع جوانب الحياة الأسرية.

وذلك من خلال مجموعة من الصور الحياتية التي دلت عليها الروايات وهي كالآتي:

1 - رعاية الإمام علي لفاطمة عليهما السلام وإيثارها على نفسه في تحمل عمل البيت

من الصور الحياتية الكاشفة عن طبيعة التعامل فيما بين علي وفاطمة عليهما السلام التي تقدم أنموذجاً جديداً في رفع مستوى الحب والمودة فيما بين الزوجين هو قيام الزوج بإيثار زوجته على راحته وحرصه في استحصال راحتها على الرغم من احتياجه إلى ذلك وهو ما كان مخالفاً - ربما - لكثير من الأعراف الاجتماعية لدى الناس؛ إذ غالباً من يقوم بالإيثار المرأة فهي تقدم راحة زوجها على راحتها لاسيما إذا كانت هذه المرأة قد نشأت في بيئات ذكورية أي: طغيان الجانب الرجولي على الجانب الأنوثي الذي يلقي بجل أتعابه على كاهل المرأة.

في حين نجد أن بيت علي وفاطمة عليهما السلام يعطي أنموذجا أخلاقياً ينطق عن روح القرآن والإسلام الذي يقدم المرأة في مجال الرفق والعطف والرأفة على الرجل ضمن قاعدة نبوية متوغلة في سيوكولوجية المرأة، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم:

«المرأة ريحانة وليست قهرمانة».

ومن هذا النهج النبوي في التعامل مع المرأة ينطلق الإمام علي عليه السلام وهو التلميذ المطيع والمتبع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله مع زوجته وشريكة حياته.

ص: 47

فقد روى شاذان بن جبريل القمي رحمه الله قائلاً: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على علي وفاطمة (وهما يطحنان الجاورس(1)، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«أيكما أعيا؟».

فقال علي عليه السلام:

«فاطمة يا رسول الله».

فقال لها:

«قومي يا بنية».

فقامت، وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم موضعها مع علي فواساه(2) في طحن الحب).

وتدل الرواية أيضاً:

ألف: حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتساوي لهما وحرصه على إعانة المتعب منهما، سواء كان علي أو فاطمة عليهما السلام، في حين يكون الأمر لدى أغلب الناس تقديم الأب ابنته على زوجها لأنها الأقرب إلى قلبه فضلاً عن عاطفة الأبوة لكننا هنا: نلمس حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتساوي لهما، وهذا فيما يخص حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من موضع النبوة لهما.

ص: 48


1- الظاهر أن العبارة: يطحنان بالجاورس، والجاورس: جسم مجوف من حديد أو نحاس يضرب بمدقة يوضع في داخله الحب فيدق ليطحن.
2- الروضة في فضائل أمير المؤمنين لشاذان بن جبريل القمي: ص 56.

باء: أما فيما يخص موضع التربية الأسرية فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقدم درساً تربوياً للآباء حينما يقومون بزيارة بيوت أبنائهم أو بناتهم أن يعتمدوا أعلى استخدام هذا الأسلوب التربوي الكاشف عن إظهار الحب لكلا الزوجين مما يعزز أوامر المودة فيما بين الأسرة فضلاً عن دفع الهواجس النفسية الغالبة أحياناً كثيرة في إشعار الطرف الآخر في تحميل المرأة فوق طاقتها.

جيم: امتثال فاطمة عليها السلام لكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيامها دون أن تبادل علياً عليه السلام هذا الإيثار كان للأمور، منها:

1 - طاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«قومي يا بنية».

فكان الامتثال أمراً واجباً.

2 - إن الجانب الأنوثي في المرأة يدعوها بإشعار الزوج بأنها تستظل بظله ولا غنى لها عن عونه ورعايته ومن ثم سكوتها كاشف عن أنوثتها وتغليب هذه الصفة على غيرها من المشاعر كإظهار الرغبة في تحقيق راحة الزوج لاسيما إذا كان الأمر لا يشكل في الواقع عبئاً على الرجل أو يستلزم منه بذل جهود كبيرة كطحن الحب بالجاروس.

3 - حقيقة حالها عليها السلام أنها كانت قد تعبت إلا أنها لم تجد من يعين عليّاً عليه السلام إذا قامت ولذا كانت أيضا قد آثرت علياً مع احتياجها للراحة.

ص: 49

2 - تعظيم حق الأسرة وتهذيب النفس على خدمة العيال عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

إن التتبع للروايات التي تتحدث عن طبيعة الحياة الزوجية لفاطمة عليها السلام يكشف عن برنامج نبوي مقتضب يتابع فيه أسلوب التعايش والمعاشرة فيما بين هذين الزوجين لغرض خلق البيت الأنموذج في الإسلام.

ولذا: ما فتئ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من تعدد زياراته لبيت فاطمة وكثرة متابعته للحياة الأسرية الجديدة.

من هنا:

إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يستغل تلك اللحظات التي يدخل فيها إلى بيت علي وفاطمة كي يضع الأسس والضوابط في تقنين تلك الحياة ويرسم لكل منهما حدود ذلك التعايش المبني على قاعدة الحقوق والواجبات وقاعدة العرض والطلب.

وهنا: في هذه الصورة التي سنوردها نجد مجموعة من المعطيات سواء على المستوى الامتثالي بمن سبق من الأنبياء عليهم السلام أو على المستوى التهذيبي للنفس أو المستوى الإيماني ممثلاً في الأجر والثواب، أي تعزيز الشعور بمراقبة الباري عزّ وجل حرصاً على نيل الرضا منه سبحانه وتعالى.

فقد روى المحدث النوري نقلاً عن جامع الأخبار، عن علي عليه السلام قال:

«دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَفَاطِمَةُ عليها السلام جَالِسَةٌ عِنْدَ الْقِدْرِ وَأَنَا أُنَقِّي الْعَدَسَ ، قَالَ : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : اسْمَعْ وَمَا

ص: 50

أَقُولُ إلاّ مَا أَمَرَ رَبِّي، مَا مِنْ رَجُلٍ يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إلاّ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ عَلَى بَدَنِهِ عِبَادَةُ سَنَةٍ صِيَامُ نَهَارِهَا، وَقِيَامُ لَيْلِهَا وَأَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ الصَّابِرِينَ ، وَدَاوُدَ النَّبِيَّ ، وَيَعْقُوبَ ، وَعِيسَى، عليهم السلام.

يَا عَلِيُّ مَنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ عِيَالِهِ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَأْنَفْ كَتَبَ اللَّهُ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ الشُّهَدَاءِ وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَوَابَ أَلْفِ شَهِيدٍ وَكَتَبَ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ ثَوَابَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عِرْقٍ فِي جَسَدِهِ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ .

يَا عَلِيُّ سَاعَةٌ فِي خِدْمَةِ الْبَيْتِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ سَنَةٍ ، وَأَلْفِ حَجٍّ ، وَأَلْفِ عُمْرَةٍ ، وَخَيْرٌ مِنْ عِتْقِ أَلْفِ رَقَبَةٍ ، وَأَلْفِ غَزْوَةٍ ، وَأَلْفِ مَرِيضٍ عَادَهُ ، وَأَلْفِ جُمُعَةٍ ، وَأَلْفِ جَنَازَةٍ ، وَأَلْفِ جَائِعٍ يُشْبِعُهُمْ ، وَأَلْفِ عَارٍ يَكْسُوهُمْ ، وَأَلْفِ فَرَسٍ يُوَجِّهُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ ، وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ ، وَمِنْ أَلْفِ أَسِيرٍ اشْتَرَاهَا فَأَعْتَقَهَا، وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَلْفِ بَدَنَةٍ يُعْطِي لِلْمَسَاكِينِ ، وَلاَ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى مَكَانَهُ مِنَ الْجَنَّةِ .

يَا عَلِيُّ مَنْ لَمْ يَأْنَفْ مِنْ خِدْمَةِ الْعِيَالِ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، يَا عَلِيُّ خِدْمَةُ الْعِيَالِ كَفَّارَةٌ لِلْكَبَائِرِ، وَيُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ، وَمُهُورُ حُورِ الْعِينِ ، وَيَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ ، وَالدَّرَجَاتِ ، يَا عَلِيُّ لاَ يَخْدُمُ الْعِيَالَ إلاّ صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ أَوْ رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ »(1).

والرواية - كما أسلفنا - تعطي جملة من المعطيات النبوية في تحديد نظام هذه الحياة الأسرية وتقنين حالة التعايش الحياتي بين الرجل والمرأة، وهي كالآتي:

ص: 51


1- مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ج 13، ص 48-49، برقم (14706) 2.
ألف: مداومة الإمام علي عليه السلام على إعانة فاطمة عليها السلام في عمل البيت لاسيما في إعداد الطعام

إن أول أمرٍ ترشدنا إليه الرواية هو مداومة الإمام علي عليه السلام على إعانة زوجته في عمل المنزل وذلك من خلال دلالة الروايات في بيانها لهذه الصورة عند كل دخول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت فاطمة عليها السلام، فمرة يدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجد عليا جالسا يطحن الحب بالجاورس ويعين فاطمة ومرة أخرى يدخل عليها فيجده يعينها في أمر الطبخ فينقي لها العدس.

مما يدل بوضوح على أن وقوف الزوج في المطبخ لإعانة زوجته في إعداد الطعام لم يكن من إفرازات الحداثة ولم يبتكره الحداثيون وإنما هو من صميم التربية الأسرية الإسلامية المخصوصة في بيت علي وفاطمة عليهما السلام.

بل إن ما قدِم إلينا من ثقافة أسرية ينادي بها أهل الاختصاص في علم الاجتماع بأنها نتاج جهد ودراسة متواصلة في رصد طبيعة العلاقة الزوجية وتقويمها فكان من بينها إعانة الزوج لزوجته في عمل المنزل هو في حقيقته جهد مسروق من الثقافة الإسلامية كان المسلمون الذين تخلفوا عن مدرسة أهل البيت عليهم السلام هم المسؤولين عن تغييب هذه الثقافة عن المسلمين وهم المسؤولين عن سرقته فيما لو أردنا أن نضع ذلك المنهج ضمن حقوق الملكية الفكرية لبيت فاطمة عليها السلام.

وعليه:

ينبغي بأهل الاختصاص في التربية والنفس والاجتماع وعلى رأسها علم الأخلاق الرجوع إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام لأخذ المعلومة الصحيحة فيما يبحثون عنه في مجالات بحثهم ودراستهم.

ص: 52

باء: حرص الشريعة المقدسة على حفظ الأسرة وصيانتها

يرشدنا قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حينما خاطب الإمام عليّاً عليه السلام قائلا:

«يا أبا الحسن، قلت لبيك».

قال:

«أسمع وما أقول إلا ما أمر ربي».

يرشدنا إلى أن الأسرة في الشريعة الإسلامية لها من الحرمة الخاصة ما جعلت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقدّم هذه المقدمة في كلامه مع علي عليه السلام قبل أن يبدأ في بيان ما للرجل من الأجر والثواب والمنزلة عند الله تعالى فيما لو أعان زوجته وعياله.

وإلاّ كان يمكن أن ينتقل مباشرة بعد رؤيته لعمل الإمام علي عليه السلام وهو جالس ينقي العدس لفاطمة وهي واقفة بجانب القدر، إلى المباشرة في ذكر ما للرجال من الأجر والثواب عند الله تعالى.

ولكن أراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يقدّم حرمة الأسرة في الشريعة وحرصها الكبير على حفظها وصيانتها قبل التسلسل في بيان الأجر والثواب كي يعيَ المتتبع لسيرة أهل البيت عليهم السلام حجم هذه النعمة ويدرك خطورتها في بناء المجتمعات الإنسانية، ولذا اهتم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل هذا الاهتمام فقدم لها هذه المقدمة في حديثه مع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

ص: 53

جيم: اهتمام الشريعة بالتربية النفسية الأسرية من خلال تهذيب الأنا الذكورية

ثم ينتقل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بعد بيانه لحرمة الأسرة وحرص الشريعة على صيانتها وتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها، ينتقل إلى مرحلة جديدة في هذا البيان وهو اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بالتربية النفسية الأسرية من خلال تهذيب الأنا الذكورية فيقول:

«ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلا كان له بكل شعرة في بدنه عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها وأعطاه الله من الثواب ما أعطاه الله الصابرين».

واختصاص الرجل المعين لزوجته بثواب الصابرين لكونه مخالفاً للطبيعة الذكورية، بمعنى آخر اعتياد الرجل من وحي الأنا الذكورية على العمل والجهد خارج البيت وبما يتناسب مع تكوين الرجال فضلاً عن إظهار مظاهر الرجولة التي تفرض بطبيعتها عليه التحكم والقيمومية ومن ثم لا تسمح تلك الأنا للرجل بمزاولة أي عمل يدخل ضمن حدود عمل المرأة.

ومن ثم يشعر الرجل بأن وقوفه إلى جانب امرأته هو إعانته لرجولته وهو الذي يفترض أن يزاول الأعمال الصعبة والشديدة التي لا قدرة للمرأة على الإتيان بها.

وعليه: أن يصبر الرجل على ترويض نفسه وتهذيبها عبر التنازل عن ذكوريته والنظر إلى الرحمة والرقة وبناء حياة مطمئنة تنعكس على الأبناء فينهضون لبذل التعاون فيما بينهم فضلاً عن الاهتمام بالوالدين.

مما يترجم إلى عمل دؤوب في بناء العلاقات الاجتماعية التي قوامها التعاون والمشاركة.

ص: 54

دال: ما هي الحكمة في ذكر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لهؤلاء الأنبياء الثلاثة (أيوب، ويعقوب، وعيسى عليهم السلام) وما علاقتهم بإعانة الرجل لامرأته

يحدد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة من الأنبياء عليهم السلام في إحراز الرجل الذي يعين امرأته لثواب عملهم فما هي الحكمة في هذا التحديد، فهل أن بقية الأنبياء لم يكونوا يعينون عيالهم، أو أن الأمر له وجه آخر من الحكمة.

ونقول:

نحن نؤمن بأن جميع الأنبياء هم على خلق واحد لأنهم مبعوثون من قبل إله واحد هو الله الواحد الذي لا شريك له ومن ثم لا يمكن حصول اختلاف في أخلاقهم.

فالأسرة والمرأة والأولاد هم جميعاً لهم حرمة عندهم وإن الإنفاق عليهم وإعانتهم وحفظهم من أساسيات الشريعة سواء كانت عند داود أو أيوب أو عيسى أو موسى أو غيرهم سلام الله عليهم أجمعين.

أما الحكمة في ذكر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لهؤلاء الأنبياء الثلاثة فهي لما يلي:

1. أما ما يخص نبي الله داود عليه السلام فلكونه كان يعمل في صناعة الدروع وهو ما جاء في قوله تعالى:

(وَ عَلَّمْنٰاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ )(1).

ص: 55


1- سورة الأنبياء، الآية: 80.

وهذا فيها دلالات عديدة تتناسب مع عمل الرجل في إعانة عياله وامرأته وذلك من خلال:

ألف: هذا التعاون بين الرجل والمرأة يقي الأسرة من التصدع إذ يترك وقوف الرجل بجانب زوجته وإعانتها أثراً كبيراً في شد أواصر المحبة ودوام الألفة ومن ثم ستكون هذه الأسرة محصنة.

باء: قد لا يخفى أن التعامل مع الحديد كما كان يصنع داود عليه السلام يتطلب جهداً كبيراً وصبراً أكبر كي يصل عليه السلام إلى إخراج الدرع وهكذا يكون عمل الرجل داخل البيت في إعانة المرأة فهو يتطلب جهد كبيراً في تهذيب النفس لما تفرضه طبيعة الرجل من أنفة في العمل داخل البيت ولذا يحتاج إلى صبر أكبر كي يصل الرجل إلى هدفه في تحصين أسرته.

جيم: لوجود التقابل في الدلالة اللفظية بين المرأة والدرع فكلاهما من اللباس الذي يلبسه الرجل والمرأة.

كما دل عليه قوله تعالى:

(هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ )(1).

وهناك قال سبحانه:

(صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ ).

كما أن المرأة لها نوع خاص من أنواع الملابس التي تتستر بها وهي المدرعة.

2. أما ما يخص نبي الله يعقوب عليه السلام فلكونه كان كثير العيال، وكثرة

ص: 56


1- سورة البقرة، الآية: 187.

العيال تستلزم بذل جهود كبيرة في تنشئتهم ورعايتهم؛ فضلاً عن أنه قد ابتلي بفقدان أحد أبنائه وغيابه عنه فبات لفقده جاري الدمعة عظيم الحزن.

مما يعني أنه قد قدم صورة رائعة في تمثيل الجانب الأبوي والإنساني المتفرد في حب الوالد لولده.

أي: بيان حالة أنموذجية في التماسك العاطفي الوالدي.

3. أما ما يخص نبي الله عيسى عليه السلام فهو لدوره المتميز في بيان حالة أسرية خاصة قد أكدت عليها الشريعة المقدسة من آدم وإلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ألا وهو بر الوالدة.

أي: يدور الأمر أيضاً في هذه الصورة الحياتية لأحد الأنبياء عليهم السلام في تكوين الأسرة وحرمة العائلة كما كان لداود ويعقوب وعيسى عليهم السلام.

قال تعالى:

(وَ بَرًّا بِوٰالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّٰاراً شَقِيًّا)(1).

فالقرآن الكريم يتحدث في معرض بيانه لسيرة نبي الله عيسى عليه السلام عن دور الأم وما تفرضه الأمومة من جهد وجهاد وتعب منذ اللحظات الأولى للحمل وإلى يوم المخاض والولادة ثم السهر والمثابرة والاجتهاد في رعاية المولود إلى حين يصبح رجلاً كل هذه الرحلة يستعرضها القرآن من خلال جوانب متعددة في حياة نبي الله عيسى عليه السلام.

ولذا مثلما أوصاه الله بالصلاة والزكاة كذاك أوصاه بما يوازي ذلك، أي

ص: 57


1- سورة مريم، الآية: 32.

الصلاة والزكاة، وهو البر بوالدته.

فكان كل رجل يقوم بإعانة زوجته لاسيما في مرحلة الحمل وما بعدها ينال من الثواب المعدود للأبرار بالوالدين كما كان عيسى عليه السلام.

هاء: النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يخصص ساعة في اليوم لخدمة العيال

من المناهج التربوية في صلاح الأسرة وبنائها التي تضمنتها الرواية الشريفة وضعه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من منهاج للرجل في تخصيص ساعة في كل يوم يتفرغ فيها في خدمة البيت.

فقال:

«يا علي ساعة في خدمة البيت خير من عبادة ألف سنة وألف حج وألف عمرة وخير من عتق ألف رقبة وألف غزوة، وألف مريض عاده، وألف جمعة، وألف جنازة، وألف جائع يشبعهم، وألف عار يكسوهم، وألف فرس يوجهه في سبيل الله، وخير له من ألف دينار يتصدق على المساكين وخير له من أن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ومن ألف أسير اشتراها فأعتقها وخير له من ألف بدنة يعطي للمساكين ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة»(1).

واو: التهذيب النفسي قبل التنفيذ العملي

يسعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلال هذا المنهاج في التربية الأسرية إلى خلق نموذج متميز من الرجال الذين تجتمع فيهم بحكم وجودهم في

ص: 58


1- جامع الأخبار: ص 102-103.

الأسرة صفة الرجولة والقيمومية والوالدية ومن ثم يلزم أن يكون هؤلاء الرجال صورة أنموذجية في هذا التكوين الإنساني الممثل بالأسرة.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن يقدم كل تلك الحوافز والدوافع الترغيبية في خلق هذا الأنموذج الأسري، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم يتدرج في هذا المنهاج ليصل بالقارئ إلى رتبة خاصة بالرجل ومرتبطة بتهذيبه نفسياً، أي إرجاع الأمر إلى التربية النفسية قبل أن تكون في التربية الأسرية.

بمعنى: من لم يدفعه المحفز الأخروي في استحصال الأجر في خدمة العيال ورعايتهم فلا أقل أن يحظى هذا الرجل بجانب من التربية النفسية.

بمعنى آخر:

إن المانع الذي يمنع الرجل من السعي في استحصال الأجر الأخروي هو محصور بين أمرين؛ إما أن هذا الرجل يحتاج إلى التهذيب النفسي كي يتسنى له التنفيذ العملي في رعاية الأسرة وإما أنه من الأساس قد رقى إلى رتبة كمالية وأخلاقية متسامية ولذا فهو لا ينظر إلى الأجر الأخروي بقدر ما تدفعه سجيته الأخلاقية ورتبته الإيمانية إلى المضي في هذا العمل داخل الأسرة كما سيمر في الفقرة اللاحقة.

وعليه:

نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجعل الممتنع من رعاية العيال في رتبة المريض نفسياً ومن ثم يحتاج إلى علاج، وهو ما دل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 59

«يا علي من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب».

بمعنى: أن هذا الإنسان الذي قدم على خدمة عياله هو في الحقيقة صحيح نفسياً ومن كان يأنف أي: يستنكف، فإنه مريض ومن ثم عليه أن يسعى في تغيير أخلاقه ويقوم بتهذيب نفسه.

فضلاً عن ذلك:

فإن مجرد انتفاء الأنفة عن النفس حتى ولو لم يقم الإنسان في خدمة عياله لظروف عمله وصحته إلا أنه في حقيقة الحال لا يأنف من خدمتهم، ولذا فهو يؤجر على ذلك لانتفاء هذه الصفة السلبية عنه.

زاي: خدمة الرجل لعياله كاشفة عن مستواه الخلقي ومنزلته الإيمانية

يختم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حديثه حول هذا المنهاج التربوي للأسرة ببيان حال الرجل الذي يقوم بخدمة عياله ويكشف عن منزلته الإيمانية فيقول:

«يا علي لا يخدم العيال إلا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة».

بمعنى: أن خدمة العيال لها كاشفية عن حال الإنسان ومستواه الإيمان ومن ثم يمكن أن يستدل الإنسان سواء كان هو الذي قد قام بهذا العمل، أي: خدمة العيال أو من عايشه على حقيقة نفسه ودرجة إيمانه فليس لكل رجل أن يقوم بهذا العمل فقد أنيط بمن خصهم الله بلطفه.

وعليه: لزم من المسلم أن يهذب نفسه على السعي في خدمة عياله وأن

ص: 60

يخصص لهم من وقته ولو ساعة وأن يحرص على هذه الخدمة فهي فضلاً عن ما ادخرته من أجر وثواب تقود الإنسان إلى الرقي والرفعة ليصل إلى تلك الرتبة التي كشف عنها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وهي أن يكون (صدّيقا أو شهيداً أو رجلاً يريد الله به خير الدنيا والآخرة).

المسألة الثالثة: كشفها لهموم زوجها

لو أردنا الحديث عن هموم الرجل وأسبابها لطال بنا المقام، ولخرجنا عن حدود الموضوع الذي من أجله نواصل البحث، وهو دور فاطمة عليها السلام في الحياة الأسرية كزوجة.

ولكن لو أردنا الحديث عن كشف هذه الهموم، فلربما لن نجد هناك شيئاً أسرع وأقوى أثرا وتأثيرا من المرأة.

فالمرأة هي الدواء السحري، وهي صمام الأمان الذي يتحكم بالضغط النفسي للرجل، وهي الكاشف الوحيد لتلك الغيوم المتلبدة في فضاء الروح، ولا نبالغ إن قلنا إنها الوحيدة القادرة على تحويل هذه الغيوم إلى سحب تحمل الغيث والماء الذي يجدد حياة الرجل، فتراه يمطر همة وثقة بنفسه، وحيوية عالية تسخّر جميع قدراته الروحية والبدنية، فتراه يجعل من الخسارة ربحا، ومن التأخر تقدماً، ومن الهزيمة نصرا.

وتلك صفحات التاريخ قد ملئت بنماذج متعددة لما أسلفنا، بل إنك أيها القارئ الكريم: لتجد صورا أخرى تحكي، أن المرأة، وإن كانت في تلك الأدوار والأثر فهي أيضا موضع هبوط الهمة، وعنوان الفشل لكثير من الرجال.

ص: 61

لكن هذا لا يغير من حقيقة كونها الشيء الوحيد الذي يكشف هموم الرجل وأن تعددت هذه الهموم بتعدد أسبابها، وهي أيضا الشيء الوحيد الذي تجتمع فيه جميع معاني السكن، الذي جاء به الوصف القرآني، قال تعالى:

(وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهٰا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً )(1).

ولذلك قد نجد أن كثيراً من الرجال ربما يعيشون ويسكنون أرقى الدور، وأجمل القصور لكنهم في سكنهم هذا مضطربون؛ لأنهم فاقدون لسكن الروح والنفس، أنهم فاقدون للزوجة، بينما تجد الكثير لا يستظل إلا بسقف متهاوٍ، وجدران ضعيفة، لكنه مطمئن ساكن النفس لوجود زوجة تشاطره الحياة.

ومن معاني السكن القرآني: أن المرأة هي الحاضنة التي يزرع فيها الحب، فبغيرها لا يمكن أن تجد الدفء، ولا الجو، ولا الظرف الملائم للحب.

(فهو بالنسبة للزوجين غذاء روحي لا يقل أهمية ولا يقل خطورة لنفس كل من الزوجين، وكلما كان الحب الذي يسود الحياة الزوجية هو الواقعي الإنساني المتزن، ارتفع مؤشّر السعادة في الأسرة.

والحب المتزن قوامه قلب متعاطف وعقل متفاهم وجسم متجاذب، وهو أشبه بالمثلث الدائم المتلاقية أضلاعه فتعاطف القلبين بين الزوجين ضرب من ضروب ا لحب المتبادل بينهما، ومن آيات التعاطف بين الزوجين ذلك الحنين الذي يشعر به كل منهما في غيبة الآخر)(2).

ص: 62


1- سورة الروم: الآية 21.
2- الصحة النفسية للحياة الزوجية، لصالح عبد العزيز: ص 239 ط الهيئة المصرية العامة لسنة 1972 م.

ومن آيات الحب هو كشف هموم الزوج، وتسكين آلامه على الرغم من وجود هموم قد تثقل عاتق المرأة، وأحزان قد تنهك قواها لكنها هي السكن النفسي والنبع العاطفي لكل من يحيط بها، فمنها يتعلم الأبناء معاني المودة والرحمة، ليكونا كما كانت أمهم لأبيهم.

ونحن عندما نركز الضوء على المرأة دون الرجل، فذلك التركيز أصله القرآن وتطبيقه العترة الطاهرة عليهم السلام.

فنموذج العلاقة الأسرية تجده في بيت علي وفاطمة عليهما السلام، وأسس التوافق والتواصل الزواجي نأخذه من بيت علي وفاطمة عليهما السلام، وتعلم الحب الحقيقي الذي تتجلى فيه معاني المودة والرحمة تجده في هذا البيت، الذي فيه كل مصاديق السكن الروحي والنفسي والإيماني.

ويكفي من الشواهد على كيفية كشفها لهموم وأحزان علي عليهما السلام، هو ما أخرجه السيد ابن طاووس، وأبو عيسى الترمذي، والفقيه الشافعي ابن المغازلي(1) مختصرا، وغيرهم في حديث المؤاخاة: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين

ص: 63


1- هو الحافظ الفقيه المحدّث: أبو الحسن، أو أبو محمد، علي بن محمد بن محمد بن الطيب الجلابي الواسطي، الشافعي، الشهير بابن المغازلي، مؤرخ واسط وخطيبها، ترجم له ابن حجر في (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه)، ترجمة 380/1 بتحقيق علي محمد اليحاوي ط الدار المصرية للتأليف، وسبب تسميته ب - (ابن المغازلي) يعود إلى أن أجداد المصنف كان نزيلا بمحلة المغازليين بواسط فنسب إليها، ذكر ذلك السمعاني في: الأنساب ط مرجليوث ورقة 146، ولد بواسط العراق، وتلقى العلم فيها على أبيه القاضي محمد بن محمد الطيب الذي كان من أفاضل علماء واسط، وكان قاضي المرافعات بها كما أخذ وروى عن كثير من الثقات الأثبات، حملة الحديث، ذكره المرتضى الزبيدي في تاج العروس، وقال إنه توفي سنة 534 ه - التاج 186/1 الطبعة المصرية سنة 1306 ه - بينما أرجع السمعاني وفاته إلى سنة 480 ه -.

المهاجرين والأنصار، وعلي واقف يراه ويعرف مكانه، لم يواخ بينه وبين أحد، فانصرف علي عليه السلام باكي العين فافتقده النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«ما فعل أبو الحسن ؟».

قالوا: انصرف باكي العين يا رسول الله. قال:

«يا بلال اذهب فأتني به».

فمضى بلال إلى علي عليه السلام وقد دخل إلى منزله باكي العين.

فقالت فاطمة:

«ما يبكيك لا أبكى الله عينيك ؟»

قال:

«يا فاطمة آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني، ولم يواخ بيني وبين أحد».

قالت:

«لا يحزنك إنّه لعله أدّخرك لنفسه».

قال بلال: يا علي أجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتى علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما يبكيك يا أبا الحسن ؟».

قال:

«آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول الله وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تواخ بيني وبين أحد؟».

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 64

«إنما ادخرتك لنفسي، ألا يسرك أن تكون أخا نبيك ؟».

قال:

«بلى يا رسول الله أنى لي بذلك ؟».

فأخذ بيده فأرقاه المنبر وقال:

«اللهم هذا مني وأنا منه إلا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه»)(1).

وحديث المؤاخاة من الأحاديث المشهورة وقد تناقلته حفاظ المسلمين بأسانيد صحيحة وطرق عديدة(2).

ص: 65


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 37 ص 186-187.
2- راجع حديث المؤاخاة بين علي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المصادر التالية: صحيح الترمذي، كتاب المناقب: ج 5، ص 454، حديث 3720؛ تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك؛ كفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص 194؛ مصابيح السنة للبغوي الشافعي: ج 2، ص 275؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 120؛ مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: ص 37، ح 57 و 59، وفي ط منشورات دار مكتبة الحياة جاءت الأحاديث في الصفحة: 4-44؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 170؛ أسد الغابة: ج 4، ص 29؛ تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي الحنفي: ص 24؛ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص 56؛ الشافعي: ص 140، وبهامشه إسعاف الراغبين: ص 140؛ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: ص 94؛ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي: ج 1، ص 103، ح 143 و 145 و 246؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج 9، ص 468؛ الرياض النضرة للطبري: ج 2، ص 242 و 277؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص 21؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 14؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 112؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 18، ص 24؛ السيرة النبوية لابن هشام: ج 2، ص 108؛ مقتل الحسين للخطيب الخوارزمي الحنفي: ج 1، ص 48؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3، ص 22؛ كنز العمال للهندي: ج 15، ص 92، ح 260 و 271 و 286 و 299 و 304 و 325 و 334 و 350 و 355 و 383.

ومن خلاله يظهر لنا الأسلوب الجمالي الذي اتخذته البضعة النبوية في استدراك الموقف وتهوين الأمر الذي لحق بأمير المؤمنين علي عليه السلام، فكانت كلماتها بلسماً يرطب القلب ويخرج الهم ويزيل الحزن عن علي عليه السلام.

ومن ناحية أخرى يكشف عن دقة تقييمها للأمور، وحسن معرفتها ببواطن الحوادث.

وأخيرا: قد أعطت درسا لكل امرأة تتعلم من خلاله كيفية التعامل مع الزوج عندما يعود إليها مهموما حزينا متكدر الحال، فأي هم يبقى في نفس الرجل وهو يسمع زوجته تستقبله بهذا الحب واللطف والحنان.

وأي جمال حملته تلك الكلمات وهو يسمعها بصوت هادئ: (ما يبكيك لا أبكى الله عينيك).

فهذا الجمال وحدها المرأة التي تقرأ معانيه، ووحده الرجل الذي يرى ملامحه.

المسألة الرابعة: الحالة الانفعالية والوجدانية للمرأة بين مقارنتها لمستواها ومستوى الزوج العلمي والاجتماعي وبين ضعف حاله المادي
اشارة

قد تظهر المرأة عدم الرضا أو الانزعاج عندما تكون بين أمرين لا تستطيع الخضوع لأحدهما، فهي بين حالة سماعها للمديح أو الإطراء على زوجها لما يحمله من خصائص وامتيازات، وهي في نفس الوقت تحمل أيضا خصائص وامتيازات قد تكون بنفس المستوى لما يحمله الزوج، فتتصور أن ذلك تعريض بها، وبين أن تقر بأفضليته عليها دون أن يمس ذلك كبرياءها.

ص: 66

وبمعنى آخر: فهي إما أن تستجيب لهذا الكبرياء فتجعل نفسها نداً أو خصما لهذه الامتيازات التي يشاد بها عند زوجها، وأما أن تقر له بذلك غير ملتفتة إلى كبريائها لأنها تجد حبها له أكبر مما تحمله من امتيازات.

هذه الحالة يمكن ملاحظتها في موضعين:

الأول: عندما يكون الزوجان على نفس المستوى التخصصي في مجالات الحياة العلمية والعملية.

والثاني: هو عندما يكون الزوجان على نفس المستوى الاجتماعي والأسري، من حيث عوامل الجاه والشهرة والثراء، ومن حيث المآثر العائلية والقبلية، وهو ما يعرف بالاحساب.

وهنا:

تقدم البضعة النبوية النموذج القويم للمرأة عندما توضع في مثل هذه الحالات فهي عليها السلام، تظهر بأسلوب عملي لكل امرأة تنطبق عليها هذه الحالة أو أنها واقعا تعيشها وتعاني منها، بكيفية التعامل والتعايش معها.

إذ قد تختار المرأة الوقوف إلى جانب كبريائها منقادة إلى هواجس توهمها بأن الإقرار للزوج بالأفضلية عليها يعرض كرامتها للخدش، ويقلل من شأنها.

في حين أن بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم توجه كل امرأة بهذا الوضع الخاص إلى الأسلوب الصحيح الذي يعزز مقامها عند زوجها، ويزيد في إجلالها، ويرفع شأنها، لا العكس كما تتوهم البعض من بنات حواء.

ولكن قبل التعرف على المنهاج الفاطمي في تعليم المرأة كيفية حفظ كرامتها

ص: 67

ورفعة مقامها عند زوجها مع ما تحمله من امتيازات سواء على الصعيد العلمي أو الاجتماعي أو الأسري، ننتقل إلى بيان مقام كل من الزوجين الأنموذجين، أي: علي وفاطمة عليهما السلام.

فأما من حيث المستوى العلمي، فعلي عليه السلام باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(1)، الذي فيها علم الكتاب.

وباب مدينة حكمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قوله:

«أنا مدينة الحكمة وعلي بابها»(2)،

وفي المقابل فإن فاطمة عليها السلام هي:

«بضعة النبوة وصفوة الرسالة».

وأما من حيث المستوى الاجتماعي: فهي بنت محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهي سيدة نساء العالمين(3)، وفي المقابل فإن عليّاً عليه السلام: هو أمير المؤمنين وسيد المسلمين.

وأما من حيث المستوى الأسري: فكلاهما من أشرف الأسر في مكة وأجلها عزا وشأنا فعلي بن أبي طالب عليه السلام هو ابن عم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما من حيث المناقب والمقامات التي لهما عند الله عزّ وجل فهو ما لا يسعه

ص: 68


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 314.
2- أمالي الصدوق: ص 619.
3- مسند أبي داود: ص 197؛ الأمالي للطوسي: ص 569؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 157؛ فتح الباري لابن حجر: ج 7، ص 82.

مقام، ولكن يكفي أنها بضعة النبي التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها(1)، وأن عليّاً عبد الله وأخو رسوله، وهو ولي كل مؤمن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم(2).

وهنا: عندما يكون الزوجان بهذا المستوى من المقامات والشأن الأخروي والحياتي كيف يعيشان كزوجين من حيث المنظور الحياتي الواقعي ؟!

وهل تؤثر هذه المستويات الرفيعة في علاقتهما، وهل يتعارض ذلك مع كبريائهما عندما يريدان أن يعيشا في بيت واحد، يحب أحدهما الآخر ويسعى لسعادته، ويحرص على راحته، وهل المرأة تستجيب لدورها كزوجة فتلبي حاجات ومتطلبات الزوج، دون أن يكون ذلك ماسا بمقامها؟!

ربما أن الكثيرين قد مروا بمثل هذه الحالات، لكن هل أحسنوا التكيف مع حالة كهذه، وهل أجادوا الأسلوب، كل هذه التساؤلات سنأخذ أجوبتها من بيت علي وفاطمة عليهما السلام.

أولا: كيف ينبغي بالمرأة أن تتصرف عند سماعها من يثني على زوجها ويعدد مناقبه ويشيد بسجاياه، وهي ترى أنها أيضا تحمل مناقب عديدة، وتتمتع بسجايا كثيرة، وفي نفس الوقت ترى منه ضعف الحال فجاءت تشكو هذا الضعف.

قبل أن نورد الرواية التي تكشف عن تصرف وأسلوب فاطمة عليها السلام، في التعامل مع هذه الحالة، نشير إلى أن المرأة قد لا يحرك شعورها سماع هذا الثناء

ص: 69


1- فتح الباري لابن حجر العسقلاني: ج 7، ص 82.
2- لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

على الزوج؛ لأنها لا تقل عنه شأنا، وقد تكون الحالة الشعورية لديها إيجابية بحيث أن هذا السماع يفرحها؛ لأنها وجدت أن نظرة الغيرة لها تدل على حسن اختيارها لشريك حياتها، وأنها قد ارتبطت بمن هو يليق بمقامها، ومن ثم فإن هذا الثناء يرضي كبرياءها، لأنه في حقيقته ثناء عليها.

لكن أن تأتي المرأة لتشكو ضنك الحياة، وقساوة المعيشة فتسمع مقابل هذه الشكوى الثناء على الزوج فهذه حالة خاصة قلما تمر بها النساء، وإن مررن بها فكيف كانت الحالة الشعورية والانفعالية لهن.

إذن فلننظر إلى أسلوب سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، وما بدا منها من حالة انفعالية وجدانية.

عن أبي حمزة، عن علي بن الخرور، عن القاسم بن أبي سعيد، قال:

أتت فاطمة عليها السلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكرت عنده ضعف الحال!

فقال لها:

«أما تدرين ما منزلة علي عندي ؟ كفاني أمري وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وضرب بين يدي بالسيف وهو ابن ستّ عشرة سنة، وقتل الأبطال وهو ابن تسع عشرة سنة وفرّج همومي وهو ابن عشرين سنة، ورفع باب خيبر وهو ابن اثنين وعشرين سنة وكان لا يرفعه خمسون رجلا».

قال: فأشرق وجه فاطمة عليها السلام ولم تقرّ قدماها حتى أتت عليا عليه السلام، فأخبرته.

ص: 70

فقال:

«كيف لو حدّثك بفضل الله علي كلّه ؟»(1).

مسائل البحث في الحديث:
أولا: بحث تربوي: المعالجة التربوية للأسرة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

في هذا الحديث نجد أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد عالج هذه الشكوى بأسلوب خاص؛ إذ إن المرأة المتزوجة عندما تشكو ضعف الحال، فإن هذا الضعف سببه الدخل المادي للزوج، فحال المرأة في الأسرة مرتبط بحال الرجل ووضعه، هكذا هو الجاري في الأسر العربية والإسلامية سابقا وحديثا، على الرغم من وجود نساء كثيرات في نطاق العمل في الوقت الحاضر، لكن تبقى المرأة مرتبطة اقتصاديا بالرجل.

وهنا: فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يدفع هذا الإحساس بأمرين:

الأول: الترابط العاطفي والتماسك الروحي بين المرأة والرجل فلا شيء يعين المرأة في الحياة غير الحب والعاطفة الزوجية، فكان حديثه عن علي عليه السلام محركا للشعور الوجداني والانفعالي العاطفي اتجاه الزوج.

الثاني: حقيقة حال الدنيا وأنها مهما تكن من عسر أو يسر فهي فانية، ولذا أرجعها إلى مكان الخلود والبقاء حيث النعيم الدائم، فذكر لها فضائل علي عليه السلام عند الله تعالى.

ص: 71


1- الأمالي للصدوق: ص 483.
ثانيا: بحث سيكولوجي: بُعد الانفعالات والوجدانات عند المرأة

تكشف لنا انفعالات الفرد عموما عن كفاءة الأنا من متصل الايجابية والسلبية من حيث النشاط السائد والانفعال الذي يصاحب هذا النشاط.

إن كفاءة الأنا لا ينبغي النظر إليها من حيث مدى قدرتها على مواجهة الواقع الخارجي والتغلب على ما يزخر به هذا الواقع من مشاعر سلبية ومن ثم فإن النشاط الإيجابي يعد بمثابة القشرة الخارجية التي يكمن نقيضها خلفها والتي تبدو في صورة مشاعر، فالهدف هنا(1) هو تسجيل مشاعر المرأة، وتسجيل الحياة الداخلية ورسم صورة كلية في تكوينها الداخلي، فالعالم الداخلي يفرض نفسه على معطيات الاختيار وتكون استجاباتهن تسجيلا أمينا للواقع النفسي وللعوامل اللاشعورية الانفعالية للمرأة.

إذ ليس من الغريب أن يكون الانفعال الأكثر شيوعا هو الحب والحنان، فالمرأة عطوفة بغريزتها، فهي الأم مع أبنائها وزوجها، فالمرأة غيرية أكثر منها فردية(2)، وقد أكد بحث كارلسون هذه الفرضية(3).

وأيضا يجب أن تكون المرأة عاطفية، لبقة دافئة وقد أكدت دراسة لماكونالد: أن هناك سمات مثل السيطرة، التوكيد، العدوان، والقيادة، والحب، والصداقة، والدفء، تختلف توزيعها بين الإناث والذكور، وقد كان عند كارلسون الاجتماعية للإناث في مقابل الفردية للذكور، وهنا في نتائج ماكدونالد كانت السيطرة لدى

ص: 72


1- أي: في الدراسات التي أجراها الباحثون على بعض العينات من النساء في المجتمعات المختلفة.
2- أي: إنها تبذل نفسها لغيرها لمن يرتبطون معها بصلة الأمومة، أو الزوجية، وتقدمهم على نفسها.
3- ( Polarity Theory . 1970 Tompkins From Derivations Effects Vales Self . R و Carlson )

الرجال، والحب لدى الإناث(1).

بينما ذهب الأستاذ مصطفى زيور إلى القول: (بأن قليلا من التفكير يدلنا على أن الحياة نفسها مستحيلة بغير الحب وأن علاقة الناس بعضهم ببعض تستند إلى أساس منها فماذا تكون حياة الأسرة بغير رابطة الحب، وكيف يظل المجتمع قائما ما لم يؤلف الحب بين أفراده.

إن هذه العاطفة السامية استغلقت على الفهم وليس من العسير علينا أن نفهم كيف يكون الحب طاغيا فياضا، مع ذلك فهو لا ينتسب إلى الحب الأصيل ولا يستحق أن يسمى حبا فهناك فارق شاسع بين الواقع النفسي والواقع الفعلي(2).

إن مشاعر القلق والحيرة والخوف تتم عن شعور عقيم بالعجز وإحساس بالتفاهة والنقص وقلة الرضا عن النفس، ومن أجل ذلك كانت الحاجة إلى العطف مطلباً حيويّاً يرمي إلى بلوغ الطمأنينة والظفر بالرضا عن النفس، ومن أجل ذلك كان طلبها ملحا لا يصبر ولا يطيق استثناء.

إن الحب في هذه الحالة ليس إلا دواء يطلب للشفاء، الشفاء من داء الشعور بالعجز والإثم فإذا امتنع الداء فلا اقل عن أن يلصق الإثم بالمحبوب كدواء بدلا من دواء الحب وتخلصا من الشعور بالعجز والإثم والقلق، فالغيرة الملحة ليست دليلا على الحب وإنما هي الغضب من قلة دواء الحب(3).

ص: 73


1- ( Fog Fronsell and Kay Frast,1977 )
2- النفس بحوث مجمّعة، تأليف مصطفى زيور لسنة 1982 ص 287.
3- النفس، مجموعة بحوث، تأليف مصطفى زيور: ص 228.

إن الطب النفسي يعد عاطفة الحب مقياس الصحة والمرض، فالإنسان في الحب عنوان شخصيته ومبلغ نضجه وما ظفر به من السعادة)(1).

ولقد أشارت بعض الدراسات إلى: (أن الرجل يحب من زوجته أن تتصف بشيء من الأمومة نحوه، والمرأة تحب من زوجها أن يتصف بشيء من الأبوة نحوها فإذا استطاعا أن يتبادلا العطف والمودة والحب والرحمة - وكان هذا دليلا على نضجهما - فتستقى السعادة في البيت.

وأما إذا طلبت المرأة من زوجها أن يكون أبا فحسب فلن يرضيها مهما بذل لها لأن الواقع أنه ليس أبا فينشأ الغضب ويدب الشقاء وهذا يدل على العجز والطفولة)(2).

ومن هنا:

فإن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع المنهج الصحي للنفس بمعرفة مواضع تحريك الانفعالات والوجدانات عند المرأة، وأن الحب هو أقوى الانفعالات لدى المرأة فقام صلى الله عليه وآله وسلم بمعالجة ضعف الحال الذي لقيته فاطمة وجاءت تبينه له صلى الله عليه وآله وسلم، بتحريك عاطفة الحب والمودة والرحمة باتجاه علي عليه السلام كي لا تلتفت عليها السلام إلى هذا الضعف الذي تشكو منه، لأن دوام الحال من المحال، ولذا يبقى بين الرجل والمرأة المودة والحب والرحمة.

ولذلك جاءت إلى علي عليه السلام كي تعبر عن كل هذا الحب الذي تحمله

ص: 74


1- دراسات في سيكولوجية المرأة، تأليف: د. سهير كامل أحمد، ص 136.
2- النفس لمصطفى زيور: ص 228؛ دراسات في سيكولوجية المرأة، سهير كامل: ص 137.

وتكنه له، وما كان من إشراق وجه فاطمة، ولم تقر قدماها حتى أتت عليّاً عليه السلام كي تسمعه ما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ حالة وجدانية نقية، وانفعالية قوية تنطق في كل خطوة بما تحمله من حب لابن عمها وشريك حياتها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وفي المقابل لتبين لكل متتبع وباحث في مناهج الرقي والحضارة الإنسانية النقاط التالية:

1 - أن حب المرأة لزوجها ينسيها ويغنيها عن ضعف الحال، وقلة المال.

2 - أن المرأة التي تتمسك بزوجها الذي يحمل كل هذه الفضائل والسجايا الحميدة، والمناقب العديدة التي له عند الله عزّ وجل - كما هو حال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بشكل خاص - وبشكل عام كل رجل يتحلى بالخلق الحميد والدين القويم، فإن تمسك المرأة بزوجها إنما يكون منها ذلك لأنها تجد فيه ومعه الأمن والأمان، والحب والرحمة، والسعادة في الدنيا والآخرة، وهي السعادة الأبدية.

3 - حب فاطمة لعلي عليهما السلام يرفع من مقامها، مع علوها ورفعتها عند الله عزّ وجل، لأنها كزوجة ترى فيه نفسها، فإن امتدحه أحد فكأنما يمتدحها لأنها منه وهو منها.

وعليه:

فسرور المرأة بما تسمع من ثناء على زوجها من الناس إنما هو دليل حبها المخلص النقي له إذ لا ترى وجوداً لنفسها بغير هذا الحب.

ص: 75

ثالثا: أثر المفاخرة بين الرجل والمرأة على الحياة الزوجية

في هذا الجانب من بُعد الانفعالات عند المرأة ننتقل إلى ركن مهم وهو التفاخر بين الرجل والمرأة، وأثر ذلك على جو الأسرة.

إذ قد يجر ذلك التفاخر إلى حالة من النفور بين الزوجين، وبخاصة عند تحرك الإحساس بالفوقية، أو إذا كانت المرأة ممن تشعر بالنظرة الدونية، أو: (النظرة الفرويدوية)!

فإن ذلك سيؤدي إلى حالة من الصراع بين هذه النظرة، وبين النهوض على الواقع لتحسيس الرجل بأنها أفضل منه، أو لعلها واقعا تمتلك خصائص لا يمتلكها الرجل كما هو حال كثير من الزوجات، وهي مع هذا غير متأثرة بالنظرة الدونية، فتكون بين حالتين:

1 - إما أن يجرها هذا الإحساس إلى التعامل بأسلوب الاسترجال فتفقد أنوثتها أولا ثم لا تجيد تجسيد دور الرجل فتقتل الإحساس بوجودها في الأسرة، مما ينعكس سلبا على الطفل؛ لأنه يرى أن الأدوار مختلفة في أسرته الصغيرة، فيشاهد والدته تقوم بدورين في آنٍ واحد ولربما بدون أن تلتفت إلى أنها تمارس دور الاسترجال على أطفالها فتجعل منهم ذكوراً لا يملكون حسن الرجولة، وإناثاً لا تملك التعبير عن أنوثتها، وبالنتيجة تتحول الأسرة إلى مجتمع ذكوري استرجالي.

2 - وإما وهي الحالة الثانية: أن تدرك المرأة أن هذا التفرد في مجال لأحد منهما لا يعني أنه هو الأفضل بشكل مطلق، أو أنها لم تمارس الدور الأساس في الأسرة!

بل على العكس فهي تبنت حالة الأفضلية ضمن نطاق ما ينسجم مع دورها

ص: 76

كامرأة، وكذلك هو الحال بالنسبة للرجل.

هذه الحالة من التفاضل والتفاخر بين الرجل والمرأة، وبعدها الانفعالي نالت اهتماماً كثيراً من الأبحاث المعاصرة، فقد خلصت إحدى هذه الأبحاث إلى القول: (بأن المرأة عندما تشعر برغبة الاحتباس نحو الخارج، أو رغبة الصعود نحو الإبداعية والعمل فإنها تعاني من شك في نفسها! هل ستظل أنثوية بما فيه الكفاية ؟!

أو أنها ستفقد أنثويتها إن أبدعت، أو انطلقت نحو التفكير والعلم)(1).

والسبب في هذا الشك بين فقدان الأنوثة أو البقاء عليها بالقدر الكافي يعود إلى الدفاع عن الذات عندما ترى أنها تألقت في حين خبا ضوء الرجل وتهافت جنحه فتأخذ بالنظر إليه من منظار التفاضل والتفاخر، وليس الدفاع عن الذات هو السبب الوحيد وإنما هو: سيكلوجية المرأة.

رابعا: بالقياس إلى أي شيء تتصف المرأة بأنها أدنى ؟

لقد وضع العالم النفسي (بيّر داكوا) بحثاً قيماً إلى جانب أبحاثه العديدة في سيكلوجية المرأة، يتناول فيه وضعاً ضابطه يرجع إليه عندما يتولد الإحساس بالدونية أو التفوق، أي التفاضل والتفاخر عند المرأة فيبدأ بحثه متسائلاً: بالقياس إلى أي شيء تتصف المرأة بأنها أدنى ؟

ثم يجيب على هذا التساؤل قائلاً:

(تصاغ ضروب السلوك الإنساني دائما بمصطلحي الدونية والتفوق.

فغالبية الكتابات والمناظرات تقع في الالتباس ذاته، ويرفع المرء إضافة إلى

ص: 77


1- تحليل سلوك الارتجال عند المرأة، ليلى شريف: ص 14.

ذلك، من قيمة سلوكه.

وعلى هذا النحو، ينتهي الناس إلى الإعجاب عندما يكون (التفوق)، وإلى الاحتقار عندما تكون (الدونية).

و (المتفوق) ينضح بالأهمية و (الأدنى) ينسحب خجلا مرتبكا.

ويعود النظام إلى نصابه، ويسود الهدوء، ولكن النار تستمر كامنة.

أيهما (المتفوق)، المرأة أم الرجل ؟ ليس لهذا السؤال معنى! لأن التفوق والدونية يقاسان مقياساً مشتركاً.

فعندما نفصل، والحالة هذه، بين الجنسين، كما حدث ذلك على وجه العموم يصبح متعذرا كل قاسم مشترك، أن مثلنا في ذلك مثل من يتساءل: (أيهما المتفوق ؟ الماء أم النار؟ الذهب أم الفضة ؟ الجبل أم الوادي)؟

وما دمنا نفصل على هذا النحو بين الجنسين، فإن كل مناظرة تبقى مناظرة متعذرة، كيف يمكننا أن نبرهن على تفوق أحد الجنسين ؟ بالقياس إلى أي شيء يتصف أحد الجنسين بأنه متفوق ؟

إننا لا نتساءل أبدا إذا ما كانت المرأة والرجل هما حقا ما يمكن أن يكونا عليه، أوليست المرأة والرجل، كلاهما في مستوى أدنى من حيث إمكان تحقيقهما الخاص ؟

هنا إنما تكمن المسألة، على ما يبدو لي.. فالمرأة المتحفظة (أسمى) من رجل مراهق ولو كان عبقريا، والرجل المكتمل (أسمى) من امرأة طفل، وكذلك فالمرأة الجميلة التافهة أدنى من امرأة تتصف بأنها امرأة على نحو كلي، والفلاح الذي يحب

ص: 78

أرضه أسمى من قائد لامبال بمهنته.

إنني أقترح أن يحل مصطلح (معوق) محل مصطلح (أدنى) ومصطلح (متميز) محل مصطلح (متفوق)، ذلك يتيح لنا أن نرى من خلالها على نحو أكثر وضوحا، فالمسألة مسألة قدرات بالطبع، ولكنها أيضا مسألة تحقيق الذات، وكون الإنسان، في هذا المجال امرأة أو رجلا لا يدخل في الحساب كما لا يدخل في الحساب كون الإنسان حاكما أو محكوما.

وأود أن أشير إلى التباس آخر، يوازن المرء على وجه العموم شخصا بشخص آخر بدلا من أن يقيسه بمعيار إمكاناته الخاصة.

فلنتصور عاملة فقدت استخدام ذراعها، أنها تعتقد في نفسها مباشرة بأنها (أدنى) من الآخرين، والواقع أنها معوق بالقياس إلى معيارين: عملها ومردودها.

ولكن ذلك لا يعني على الإطلاق أنها أصبحت (أدنى) (من الناحية الداخلية) من ذاتها ولا من أي شخص، بيد أن احتمال أن تعاني الشعور بالدونية يبلغ 90 بالمئة، لأنها تخلط بين ما عليه وبين ما يتوقعه منها المجتمع، ومع ذلك، لن يبدو أي شعور بالدونية إذا كانت هذه العاملة متوازنة ولن تعاني غير إحساس بالإعاقة التي ستسعى جهدها لتعويضها في حدود إمكاناتها ومن الواضح أننا جميعاً متميزون أو معوقون مائة مرة في اليوم وبحسب الظروف - فبطل العالم بالملاكمة على سبيل المثال، معوق بالقياس إلى مغرم بالرياضيات في الخامسة عشرة من عمره، إذا اتخذنا الرياضيات معيارا، وينقلب كل شيء إذا أصبحت الملاكمة هي المعيار.

ص: 79

ومن اليسير أن نكثر الأمثلة، فكل إعاقة وكل ميزة منوطتان بالوقت والظروف، والإعاقة هذا اليوم قد تصبح ميزة في الغد)(1).

وبنفس التساؤل الذي طرحه (بير داكوا)، نحن نسأل أيضا: (ما هو المعيار الذي ينوط به التفوق أو الدونية)؟

ولكي نضفي إلى بحث هذا العالم معيارا ربما لم يوجد له بديل، فإني وجدت ومن خلال بيت علي وفاطمة عليهما السلام، أن المعيار هو: (حب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم).

فعن جابر بن عبد الله:

(أنه افتخر علي وفاطمة بفضائلهما، فأخبر جبرائيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهما قد أطالا الخصومة في حبك فاحكم بينهما.

فدخل صلى الله عليه وآله وسلم وقص عليهما مقالتهما، ثم أقبل على فاطمة وقال:

«لكِ حلاوة الولد وله عزّ الرجال، وهو أحب إلي منك».

فقالت عليها السلام:

«والذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك الأمة، لا زلت مقرّة له ما عشت»(2).

في هذا الحديث تظهر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، (معيار)

ص: 80


1- المرأة، بحث في سيكولوجية الأعماق لبير داكوا: ص 41-43؛ الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث، لبير داكوا: ص 300-306 ترجمة وجيه أسعد.
2- بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 38؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 112.

التفوق أو الدونية عند المرأة والرجل على حدٍ سواء، وتبين أنه المعيار الوحيد الذي يستحق أن ينظر إليه الإنسان ويحمل عليه تفوقه أو دونيته.

وبالأصح أنه المعيار الوحيد الذي ينال صاحبه الإحساس بالتفوق الكامل الذي لا دونية معه، والذي يوصله إلى رتبة العزة، فصاحب هذه الرتبة يحيا حياة الاطمئنان والأمن الذي لا تضطرب به المشاعر ولا تختلج به النفس، لأن أي معيار آخر وإن كان يعد تفوقا عند البعض فإنه لا يشعر صاحبه بالعزة والطمأنينة، والسر فيه أن الفطرة التي فطر الله عزوجل النفس الإنسانية عليها، لها نظام لا تستقر فيه إلا بوجود تلك العناصر التي خصها الباري عزّ وجل والتي أشار إليها في محكم التنزيل:

(وَ لِلّٰهِ اَلْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ )(1).

وقد تجر بعض النفوس أصحابها إلى الوهم بأنها عزيزة، وهي النفس الخالية من التقوى فتأخذها.

(اَلْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ) ، فهذه النفس الأسيرة بوهم العزة لا يمكن لها أن تحيا ولو للحظات بالأمن، ولا عرفت معنى الإحساس بالطمأنينة.

أما الأبحاث والدرسات في علم النفس فهي تصب جل طاقتها في معرفة تلك العناصر التي ركبت منها النفس الإنسانية، ويبدو أنها لن تصل إلى المعرفة الكاملة (وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً)(2) ؟

ص: 81


1- سورة المنافقون: الآية 8.
2- سورة الإسراء: الآية 85.

وعليه:

يبقى الطريق الأصح والأيسر لمعرفة هذه النفس وخفاياها وما يصلحها لا يكون إلا من خلال من أطلعهم الله عزّ وجل على هذه العلوم، وتبقى الأبحاث والدراسات هي أحب السبل الموصلة إلى فهم سنة النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، وهم الذين اتخذوا حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (المعيار) الوحيد في التفوق.

ولعل سائلاً يسأل عن الحكمة في اتخاذهم هذا المعيار في التفوق أو الدونية ؟ سنرى جوابه فيما يلي:

خامسا: سيكولوجية الحب والإتباع
اشارة

إذا رجعنا إلى القرآن الكريم الذي فيه علم كل شيء، فإن المعيار في التفوق هو (التقوى) لكن تحصيل التقوى لا يتم إلا بتطبيق أحكام الله عزّ وجل، وهذا التطبيق لا يمكن أن يحصل كواقع عملي إلا بإتباع صاحب الشريعة ومبينها للناس وهو النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وإتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطبيق ما ورد عنه، لا يمكن حصوله من الناحية النظرية والعملية إلا من خلال حب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فبدون حب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن تطبيق أحكام الله عزّ وجل؛ لأن هذه الأحكام وتطبيقها معدة من قبل الباري عزّ وجل ضمن قاعدة وضابطة:

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ )(1).

ص: 82


1- سورة آل عمران: الآية 31.

وحصول الإتباع من الناحية السيكولوجية لا يتم إلا بوجود الدافع والمحرك الانفعالي والوجداني في النفس وهو الحب، ولذلك لا يصدق إتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدون حبه، هذا لا يمكن لا من الناحية السيكولوجية عند الرجل والمرأة، ولا يمكن من الناحية الإيمانية! لأنه إن تم مثل هذا الإتباع - أي إتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدون حبه - كان نفاقا وهو من أخطر الأمراض النفسية لأنه يصيب القلب وهو موضع الحب والإيمان، وهو عند الله تعالى أشد من الكفر لما يحمله من خطر على هيكلية المجتمع الإنساني.

ومن هنا: ورد في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم:

1 - قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»(1).

2 - وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يؤمن أحدكم حتى أكن أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين، ولا يحبني حتى يحب أهل بيتي لحبي»(2).

3 - وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته»(3).

ص: 83


1- صحيح البخاري، كتاب الإيمان: ج 1، ص 10.
2- نظم درر السمطين للزرندي: ص 233؛ شرح إحقاق الحق: ج 9، ص 458.
3- الأمالي للصدوق: ص 415؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 1، ص 88؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 7، ص 75؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 1، ص 41.

ولأجل ذلك كان حب أهل بيته فرضاً على جميع الخلائق لأن فيه صلاح النفس ونواتها وهو القلب.

ومن هنا: نلمس ومن خلال الواقع العملي والنفسي والإيماني، مغزى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق»(1).

لأن إتباع علي عليه السلام دافعه الوجداني والانفعالي هو حب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبه يصدق العمل إيمانا وهداية، ولأجله كان حبه عليه السلام جنة تقي الإنسان من الوقوع في النفاق، وبحبه تقسم الأعمال، فكان قسيم النار والجنة.

وهذه الحقيقة والسنّة الإيمانية التي سنّها الله عزّ وجل تظهر مغزاها فاطمة عليها السلام بعد أن سمعت أباها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها:

(وهو أحب إلي منك)

فأدركت أن هذا الحب مرتبط بالوحي، كما قال الله تبارك وتعالى:

(وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ )(2).

فعندها ردت قائلة: (والذي اصطفاك واجتباك وهداك، وهدى بك الأمة لا زلت مقرّة له ما عشت) وهذا الإقرار هو (إقرار بالولاية) رزقنا الله إياها.

فمن كان أكثر الناس حبا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حق له أن يفتخر

ص: 84


1- أمالي الصدوق: ص 197؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 31، ص 322.
2- سورة النجم، الآيتان: 3 و 4.

على مَنْ أقلّهم درجة في ذلك فمما لا شك فيه أنه في رتبة الدونية بمعيار حب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

أما أثر ذلك على الحياة الزوجية

فمن البديهي أن البيت الذي يتخذ حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم معيارا في التفوق أنه يحيا حياة المودة والرحمة والطمأنينة والأمن وهو (السكن)، لأن هذا الحب يفرز من خليته مزيجاً من العناصر التي تغذي قلب الرجل والمرأة وهي:

1 - الاحترام المتبادل.

2 - حفظ الحقوق والواجبات.

3 - الحرص على رعاية الآخر.

4 - حفظ الذات.

5 - الأنوثة المحققة عند المرأة.

6 - الرجولة المتكاملة عند الرجل.

وكل هذا منوط بحب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لأنه سيجعل الرجل أو المرأة حريصا أشد الحرص على تطبيق شريعته، فمن أحب محبوبا حرص على إرضائه.

وأما من لا يؤمن بحب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجعله معيارا في تفوقه فإني أعتقد أنه لن يجد معيارا ينقذه من الإحساس بالدونية، وإن اختلفت لديه المعايير.

ص: 85

المسألة الخامسة: خوفها على زوجها عند خروجه للقتال
اشارة

(الخوف) في علم النفس والسلوك الإنساني، هو:

(انفعال يثيره الشعور بالخطر، وهو إرتكاس وجداني سوّي للعضوية المعرّضة لتهديد واقعي)(1).

وفي هذا الفصل نعرض لحالة وجدانية تمر بها الزهراء عليها السلام كزوجة، وهي ترى أن هناك خطراً يهدد حياة زوجها فتبدو مظاهر القلق والبكاء عليها واضحة دون أن تتمالك نفسها من حبس هذا الشعور الممزوج بالخوف والقلق والإشفاق عليه عليها السلام، بل تعبر عنه بكل وجدانية.

ونحن وإن كنا سنعرض في هذا الفصل لروايتين تدور حول حديث واحد، لكل رواية صورة تعبيرية عن الحالة الوجدانية لفاطمة عليها السلام إلا أن الكتاب سيتضمن العديد من الصور التي تعبر عن الحالة الوجدانية والانفعالية لفاطمة عليها السلام وهي ترى أن حياة زوجها، وأبي أولادها في خطر حقيقي فتندفع لرد هذا الخطر والعدوان، وإن كلفها ذلك حياتها، كما حدث في الهجوم على دارها لإخراج علي أمير المؤمنين عليه السلام كي يبايع قهرا(2)، فتلحق به عليها السلام على الرغم ممّا بها من آلام وجراح ونزف للدماء وهي تنادي:

«خلوا ابن عمي أو لأكشفن بالدعاء رأسي».

ص: 86


1- المعجم الموسوعي في علم النفس، نور بير سيلامي: ج 3 ص 1034 ترجمة وجبة أسعد.
2- سنوافي القارئ الكريم في الجزء الأخير من الكتاب وهو (فاطمة ومقاومة الإرهاب) بكل التفاصيل التي أخرجها حفاظ المسلمين، ومصنفو أمهات كتبهم، حول ما جرى على فاطمة عليها السلام بعد وفاة أبيها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
الرواية الأولى: ذكر أصحاب السير
اشارة

(أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم جالسا إذ جاء إعرابي فجأة بين يديه ثم قال: إني جئت لأنصحك قال:

«وما نصيحتك»؟.

قال: قوم من العرب قد عملوا على أن يبيتوك بالمدينة ووصفهم له.

قال: فأمر أمير المؤمنين عليه السلام، أن ينادي بالصلاة جماعة، فاجتمع المسلمون فصعد النبي فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

«أيها الناس إن هذا عدو الله وعدوكم قد أقبل عليكم يزعم أنه يبيتكم بالمدينة فمن للوادي ؟».

فقام رجل من المهاجرين، فقال: أنا يا رسول الله فناوله اللواء وضم إليه سبعمائة رجل وقال له:

«أمضِ على اسم الله».

فمضى فوافى القوم ضحوة، فقالوا له: من الرجل ؟ قال: رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إما أن تقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أو لأضربنكم بالسيف.

قالوا له: ارجع إلى صاحبك فإنا في جمع لا تقوم له، فرجع الرجل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«من للوادي ؟».

ص: 87

فقام رجل من المهاجرين فقال: أنا يا رسول الله، قال: فدفع إليه الراية ومضى ثم عاد بمثل ما عاد به صاحبه الأول.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أين علي بن أبي طالب ؟».

فقام أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

«أنا ذا يا رسول الله».

قال:

«أمضِ إلى الوادي».

قال:

«نعم».

وكانت له عصابة لا يتعصب بها حتى يبعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وجه شديد، فمضى إلى منزل فاطمة عليها السلام فالتمس العصابة منها.

فقالت:

«أين تريد؟! وأين بعثك أبي ؟!».

قال عليه السلام:

«إلى وادي الرمل».

فبكت إشفاقا عليه.

فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي على تلك الحال، فقال لها:

«ما لك تبكين ؟ أتخافين أن يقتل بعلك ؟ كلا إن شاء الله».

ص: 88

فقال علي عليه السلام:

«لا تنفس(1) علي بالجنة يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

ثم خرج ومعه لواء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمضى حتى وافى القوم بسحر فأقام حتى أصبح ثم صلى بأصحابه الغداة وصفهم صفوفا واتكأ على سيفه مقبلا على العدو، فقال لهم:

«يا هؤلاء أنا رسول، رسول الله إليكم، أن تقولوا لا إله إلا الله أو أضربنكم بسيفي هذا، أنا علي بن أبي طالب».

فاضطرب القوم لما عرفوه ثم اجتروا على مواقعته فواقعهم فقتل منهم ستة أو سبعة وانهزم المشركون، وظفر المسلمون وحازوا الغنائم وتوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أنزل الله عزّ وجل في هذه الحادثة قوله تعالى:

(وَ اَلْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً)(2)(3) .

والرواية تشير إلى مناقب عديدة لعلي بن أبي طالب عليه السلام، أما الغزوة فتسمى أما ب - (وادي الرمل) أو (السلسلة).

موضع البحث

قولها عليها السلام:

«أين تريد وأين بعثك أبي ؟».

قال:

ص: 89


1- لا تنفس: أي لا تبخل عليّ بالجنة.
2- سورة العاديات، الآية: 1.
3- الإرشاد للشيخ المفيد رحمه الله: ج 1، ص 115؛ البحار للعلامة المجلسي: ج 21، ص 81.

«إلى وادي الرمل».

فبكت إشفاقا عليه عليها السلام.

أولاً: بعض المواقف المثيرة للقلق

على الرغم من صعوبة تحديد أسباب القلق إلا أنه توجد أربعة مواقف على ما يبدو تحدث القلق وهي:

1 - الدوافع المتصارعة مثل الرغبة في تكريس الحياة لخدمة الآخرين وفي نفس الوقت الرغبة في تكوين ثروة من المال.

2 - الصراع بين المثل العليا الداخلية والسلوك، وهذا يحدث عندما نعمل شيئا ونعتقد أنه خطأ.

3 - مواجهة بعض الأحداث غير العادية لا نستطيع أن نفهمها فورا ونتوافق معها، ويحدث هذا عندما نلتحق بعمل جديد ولا نعرف أي أنواع السلوك هو المقبول.

4 - مواجهة أحداث لا يمكن التنبؤ بنتائجها، مثل الدرجة التي يمكن أن نحصل عليها في امتحان هام.

في هذه الحالات يرتبط انفعال القلق بالدوافع بوضوح، في المواقف (1)، (2) ينتج القلق من الصراع بين الدوافع أو بين أحد الدوافع والمثل الداخلية للفرد.

في المواقف (3)، (4) ينتج القلق من إحباط دافع اليقين.

أي موقف تظلله غيوم عدم اليقين - أي عدم معرفة ما سوف يحدث، وعدم

ص: 90

معرفة ما يمكن توقعه، وعدم معرفة السلوك الأمثل المرغوب - يكون سببا في خلق القلق.

وعند الرجوع إلى الرواية نجد أن فاطمة عليها السلام كانت غير عارفة بما سيحدث لزوجها أمير المؤمنين عليه السلام وهو ذاهب إلى وادي الرمل.

بل إن طلبه للعصابة منها كان كافيا في خلق القلق؛ لأنها تدرك أن هذه العصابة شعار الموت وهي ناقوس الخطر فلذا بكت وكما أخبرت الرواية: (إشفاقا عليه) عليها السلام.

ثانياً: كيف يمكن التغلب على القلق ؟

كيف يتم التعامل مع إنسان بدا سلوكه متأثرا بالقلق ؟ سؤال ربما قد أجيب عليه كثيرا في حلقة بحث أو محفل علم، ولكن ربما الإجابة عليه هذه المرة تكون من خلال بيت فاطمة عليها السلام.

وعليه: فإن المصطفى الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم - عندما دخل إلى بيت فاطمة عليها السلام وهي على تلك الحال من البكاء، عرف بأنها من القلق والخوف - والذي كما أشار إليه البحث كان من النوع، أو الموقف الرابع، أي: مواجهة أحداث لا يمكن التنبؤ بنتائجها، أي: عدم اليقين بمعرفة ما يحصل لعلي عليه السلام.

وهنا: قام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بتبديد هذه الغيوم وبتحويلها إلى سحابة خير تمطر يقينا بنجاة وسلامة زوجها عليها السلام قائلا:

«أتخافين أن يقتل بعلك ؟ كلا إن شاء الله».

ص: 91

وبالطبع عندما يسمع الإنسان المؤمن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن أثر ذلك على المشاعر والأحاسيس، ليس كما يسمع من غيره.

أما نحن في حياتنا اليومية وانفعالاتنا النفسية بما للدوافع من مدخلية في تحرك هذه الانفعالات فإنه ينبغي علينا أن نتدارك القلق بما يلي:

أولا: بمعرفة الموقف الذي دعا إلى خلق القلق.

ثانيا: إزالة هذه الغيوم وتبديدها بتحقق اليقين بالله عزّ وجل بأنه خير حافظ وهو القادر على رد البلاء ودفعه.

ثالثا: أن يكون حوارنا فيما نحن قلقون بسببه أو من أجله مع شخص يتسم بالثقة لدينا وله القدرة على بث الطمأنينة في نفوسنا كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ابنته فاطمة عليها السلام.

وأما في الموقف (1)، (2) الذي أشار إليهما البحث فجوابها أيضا في بيت علي عليه السلام إذ يضع قاعدة علمية لتبديد الصراع النفسي والتغلب على القلق من خلال إتباع ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

فقال:

«خالف نفسك تستقم، وخالط العلماء تعلم»(1).

وقال عليه السلام:

«اركب الحق وإن خالف هواك، ولا تبع آخرتك بدنياك»(2).

ص: 92


1- العلم والحكمة في الكتاب والسنة للريشهري: ص 416.
2- المصدر نفسه.
أما الرواية الثانية

وهو ما يمنع حصول تصارع بين الدوافع النفسية كالرغبة في تكريس الحياة لخدمة الآخرين وفي نفس الوقت الرغبة في تكوين المال؛ أو الصراع بين المثل العليا الداخلية والسلوك.

فنوردها التماسا للأجر دون البحث لأنها تصب في نفس المنهل الذي نهلنا منه وهو كيف كانت فاطمة عليها السلام وهي في حالة الخوف على زوجها علي عليه السلام عند خروجه للقتال.

أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله في أماليه، عن يحيى بن زيد رضي الله عنه عن زيد بن علي رضي الله عنه، عن علي بن الحسين عليهما السلام، قال:

«خرج رسول الله ذات يوم وصلى الفجر، ثم قال: معاشر الناس أيكم ينهض إلى ثلاثة نفر قد آلوا باللات والعزّى ليقتلوني وقد كذبوا وربّ الكعبة ؟».

قال:

«فأحجم الناس وما تكلم أحد، فقال: ما أحسب علي بن أبي طالب منكم فقام إليه عامر بن قتادة فقال: إنه وعك في هذه الليلة ولم يخرج يصلي معك، فتأذن لي أن أخبره ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، شأنك فمضى إليه فأخبره، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام كأنه نشط من عقال، وعليه إزار قد عقد طرفيه على رقبته، فقال: يا رسول الله ما هذا الخبر؟ فقال: هذا رسول ربي يخبرني عن ثلاثة نفر قد نهضوا إليّ لقتلي وقد كذبوا ورب الكعبة، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله أنا لهم سرية وحدي، هو ذا ألبس عليّ ثيابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل هذه ثيابي، وهذا درعي، وهذا سيفي، فدرّعه وعمّمه وقلّده وأركبه فرسه، وخرج

ص: 93

أمير المؤمنين عليه السلام، فمكث ثلاثة أيام لا يأتيه جبرائيل بخبره ولا خبر من الأرض.

وأقبلت فاطمة بالحسن والحسين على وركيها تقول: أوشك أن يؤتم هذين الغلامين، فأسبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عينه يبكي، ثم قال: معاشر الناس من يأتيني بخبر علي أبشّره بالجنة، وافترق الناس في الطلب لعظيم ما روأ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وخرج العواتق، فأقبل عامر بن قتادة يبشّر بعلي عليه السلام»(1).

المسألة السادسة: إنها لا تسأل زوجها ولا تكلفه في شيء حتى فيما تحتاج إليه
اشارة

ماذا تقدم المرأة للرجل كي تأخذ؟ وماذا عليه هو أن يقدم لها كي يأخذ منها في المقابل ؟

ربما هذه النقطة هي من أكثر النقاط حساسية في حياة الأسرة، إذ يدور كل من الرجل والمرأة حول نواة الاستحقاق، كلا يعتقد من الآخر البذل دون أن ينظر ماذا هو قد قدم لشريك حياته.

وربما قد يعطي أحدهما دون أن يأخذ فيما لو نظرنا إلى هذا الشيء الذي يناله فعرضناه على طاولة القيمة الاعتبارية والمعيشية فإنه يساوي ما هو أغلى من التراب قيراطا.

أي: أن يعطي أحدهما دون أن يأخذ شيئاً يذكر وغالبا وكما هو معهود في

ص: 94


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 166؛ البحار للمجلسي: ج 41، ص 74-75.

مجتمعاتنا العربية، والشرقية - وليس المجتمع الغربي بمأمن عن ذلك - أن المرأة هي التي تبذل أكثر مما تأخذ.

فأين يكمن الخلل ؟

أهو: ثقافتنا الأسرية ؟ أو الدينية ؟ أو الأكاديمية ؟

أم هو: الأنانية ؟ أو لعلها الاتكالية، أم هو تركيبة المرأة السيكولوجية ؟

أسئلة عديدة، فكيف عالجها علماء النفس ؟ وكيف عالجها بيت فاطمة عليها السلام.

أولاً: قانون العرض والطلب في علم النفس

في كل علاقة إنسانية، يعرض كل فرد على الآخر ويطلب منه شيئا ما، بصورة سطحية أو عميقة بصورة مرئية أو غير مرئية، وكل امرأة ينبغي أن تتساءل:

1 - ماذا يمكن أن أعرض على الرجل الذي يعيش معي ؟

2 - ماذا أطلب منه ؟

هذان سؤالان يوميان، إن لم يكونا سؤالي كل لحظة، ذلك أن العرض والطلب يتغيران بحسب الحالة الداخلية والأمزجة والمتاعب، وجاهزيات الفكر والقلب، وضروب الوفاق أو عدم الوفاق.

ويتغير العرض والطلب بالتأكيد وفق العمر والنضج الداخليين في المرأة، والمرأة التي تملك الزهيد لا يمكنها أن تعرض غير الزهيد، وعندما لا تملك المرأة غير الزهيد، تكون مطالبها في بعض الأحيان لا متناهية، إنها تعرض سحرها النزوي

ص: 95

وحبها الطفولي، لأن أنوثتها ضعيفة، وذكورتها عدم من الناحية العملية، وهي، من جهة أخرى، تطلب أن تكون باستمرار مرفوعة على رؤوس الأصابع محاطة بالرعاية والاهتمام.

وماذا تقدم إلى رفيقها؟ امرأة جعلتها الغيرة متصلبة، إن لم يكن إخلالا؟ وماذا تطلب غير أن تكون المركز الوحيد (المرضي) لرجلها (هي)؟

وما دامت مثل هذه الأوضاع مستمرة، فإن الثنائي لا يمكن أن يؤكد ديمومته، إنه يمضي من آن إلى آن، تحطمه بصورة مستمرة، ضروب اللوم والخصام، والضغائن، ثم يستأنف ديمومته الهزيلة، ولا يكون هؤلاء الرجال والنساء ثنائيا، بل سلسلة من ضروب الثنائي، ضروب تختلف من يوم إلى آخر على الرغم من المظاهر الخارجية.

هاهي ذي امرأة (لها حنان الأم) ماذا تعرض ؟ إذا كانت أنوثتها قوية، أمكنها أن تعرض نزعاتها الدافئة، والمتسامحة، والمسؤولة، والحفية، والنشيطة، والمشاركة، ولكنها إذا كانت ذات أنوثة مشوهة، فليس بإمكانها أن تعرض غير نزعة لها حنان الأم المشوّه، وستصبح دبقة ونزاعة إلى الملك، وسلطوية، ومدققة، و (مراقبة).

وماذا تطلب ؟ إذا كانت أنثويتها محققة، طلبت ثقة الرجل و (عفويته، وأصبحت بالنسبة إليه، زاد السفر الذي لا غنى عنه، أما إذا كانت أنوثة المرأة مشوّهة، فإنها تقتضي وبصورة لا شعورية أن يبقى الرجل طفلا بوسعها السيطرة عليه، إنها تطلب أن يكون رفيقها بحاجة إليها، بالمعنى السيئ للكلمة، وتريد أن يقدّم إليها تقريرا بصدد كل شيء ولا شيء، ومن المؤكد إنها تتلقى الإجابة التي

ص: 96

تطابق ما تعطيه وسيتخلص أي رجل سوي بأي ثمن، من هذه السلاسل التي تحول بينه وبين الحياة، وتمنحه إحساس السقوط مرة ثانية في عبوديات الطفولة.

ويقودنا هذا القدر من الأمثلة إلى التساؤل ما يجري عادة لدى ثنائي، حيث وقعت المرأة، وقد فقدت إستطاعة أنوثتها، في حبائل نقائص صفاتها)(1).

ثانياً: قانون العرض والطلب في بيت فاطمة عليها السلام
اشارة

بعد أن أسلفنا أولا لقانون العرض والطلب في علم النفس وكيف يراه علماؤه، نأتي الآن إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام، لنرى كيف أن العرض والطلب يطبق بينهما، وما هي الأصول التي ارتكزت عليها فاطمة عليها السلام في عرضها كزوجة لعلي عليه السلام وماذا تطلب منه.

أخرج العياشي رضي الله عنه في تفسيره، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«إن فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز، وقسم البيت، وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام.

فقال لها يوما: يا فاطمة هل عندك شيء؟

قالت: والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به(2).

- وفي رواية -، قالت:

«لا والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء

ص: 97


1- المرأة، بحث في سيكولوجية الأعماق لببير داكوا: ص 317-318.
2- تفسير العياشي: ج 1، ص 171؛ البحار: ج 43، ص 31.

وما كان شيء أطعمناه منذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين.

فقال علي: يا فاطمة إلا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئا.

فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحي من إلهي أن أكلفك نفسك مالا تقدر عليه»(1).

وفي رواية قالت:

كان رسول الله نهاني أن أسألك شيئا فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا تسألي ابن عمك شيئا إن جاءك بشيء عفواً وإلا فلا تسأليه(2).

قال: فخرج علي عليه السلام فلقي رجلا فاستقرض منه دينارا ثم أقبل به وقد أمسى، فلقي مقداد بن الأسود فقال لمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة ؟

قال: الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين.

قال الراوي: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيّ؟! قال:

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيّ . قال علي عليه السلام: فهو - أي الجوع - أخرجني، وقد استقرضت دينارا وسأؤثرك به، فدفعه إليه.

فأقبل فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا وفاطمة تصلي وبينها شيء مغطى فلما فرغت اجترّت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم.

قال: يا فاطمة أنى لك هذا؟ قالت:

ص: 98


1- تفسير فرات الكوفي: ص 83؛ البحار: ج 43، ص 59-60.
2- تفسير العياشي: ج 1، ص 171؛ البحار: ج 43، ص 31.

(هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ )(1).

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟ قال: بلى.

قال: مثلك مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا.

(قٰالَ يٰا مَرْيَمُ أَنّٰى لَكِ هٰذٰا قٰالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ ).

فأكلوا منها شهرا، وهي الجفنة التي يأكل منها القائم عليه السلام، وهي عندنا»(2).

وعند الرجوع إلى علم النفس نجده قد أوكل قانون (العرض والطلب) ومجال تطبيقه إلى أنوثة المرأة، بوصفها هي المعنية بالدرجة الأولى بإنجاح العلاقة الزوجية وكما سميت (بديمومية الثنائي).

وأيضا يتحكم في هذا القانون كل من العمر والنضج الداخليين في المرأة، وبحسب الحالة الداخلية، والأمزجة، وجاهزيات الفكر والقلب وضروب الوفاق أو عدم الوفاق.

لكن كل ذلك وإن كان يتحكم في العرض والطلب إلا أن أنوثة المرأة تبقى هي الركيزة التي يرتكز عليها هذا القانون.

ومن ثم فمن كانت أنوثتها متحققة، طلبت ثقة الرجل و (عفويته)، وأصبحت بالنسبة إليه زاد السفر الذي لا غنى عنه.

ص: 99


1- سورة آل عمران، الآية: 37.
2- تفسير العياشي: ج 1، ص 172؛ البحار للمجلسي: ج 14، ص 198؛ التفسير الصافي للفيض الكاشاني: ج 1، ص 333.
ألف: أنوثة المرأة وعفوية الرجل في مدرسة بيت فاطمة عليها السلام

فمن كانت - أولا وقبل الدخول في البحث - (سيدة نساء العالمين) بمقتضى الإرادة الربانية الدال عليها قوله تعالى:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1).

فإنما هي (امرأة كاملة الأنوثة) ومتحققة عندها بأعلى رتبة، وعليه: فهي بالنسبة لعلي عليه السلام ك - (زاد السفر الذي لا غنى عنه).

ويكفي دليلا على ذلك قوله عليه السلام:

«ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان»(2).

ورثاها بعد استشهادها قائلا:

أرى علل الدنيا عليّ كثيرة *** وصاحبها حتى الممات عليلُ

لكل اجتماع من خليلين فرقة *** وكل الذي دون الممات قليلُ

وإن افتقادي فاطما بعد أحمد *** دليل على أن لا يدوم خليل(3)

فهذه الكلمات لا تنبع إلا من معنى حب علي لفاطمة عليها السلام، وقد قال أيضا:

ما لي وقفت على القبور مسلما *** قبر الحبيب فلا يردّ جوابي

أحبيب مالك لا ترد جوابنا *** أنسيت بعدي خلة الأحبابِ

لا خير بعدك في الحياة وإنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي(4)

ص: 100


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 373؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 134.
3- بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 180.
4- اللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري: ص 889.
باء: ركائز قانون العرض والطلب في بيت فاطمة عليها السلام

من الناحية العلمية التي يهتم بها الباحث وهو يغض النظر (ربما) عن الإرادة الإلهية في اصطفاء وقوام وكمال البضعة النبوية عليها السلام فإن قولها:

«ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين».

وقولها:

«إني لأستحي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر عليه».

هو قمة الأنوثة إذا نظرنا لها من المنظور السيكولوجي (النفسي) للمرأة.

فحالة (العرض والطلب) عند الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ترتكز على أمرين:

فأولا: إنها تستحي من الله عزّ وجل أن تكلفه بما لا يطيق.

وثانيا: التزاما بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا تسألي ابن عمك شيئاً، إن جاءك بشيء عفواً، وإلا فلا تسأليه».

وإذا نظرنا إلى هذا الشيء الذي لا تريد أن تكلف زوجها به وهو (الطعام لها ولأولادها)، ثم عرضناه على مائدة (علم النفس) وقارناه بما جاء في البحث ب - (الطلب) وهو (الطعام) الذي أخبرت عنه الرواية، والذي سئل عنه عليه السلام، مقابل (العرض) الذي آثرت به زوجها على نفسها وأولادها على الرغم من احتياجها إليه.

نلمس بعمق سمو الحالة الإنسانية بكل جوانبها عند أهل البيت (بيت علي

ص: 101

وفاطمة عليهما السلام) ودنوها اليوم عند كثير من الناس لابتعادها عن نهج أهل البيت عليهم السلام، وتعلقها بمناهج غيرهم فأصبحت الأنوثة من خلال ذلك الابتعاد مشوهة، إن لم تكن مصدومة لما تركته هذه المناهج من ترسبات ذهنية وفكرية على كثير من الأسر المسلمة.

ويكفي بالقارئ المسلم المنصف والأكاديمي أن ينظر إلى تلك الأحاديث التي صاغتها قلوب مريضة وأيد مأجورة عصفت بها المصالح والسياسات، لتصف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وهو يحمل إحدى زوجاته والعياذ بالله على ظهره واضعة خدها على خده كي تستمتع برقصات الأحباش، أي - الزنوج - ثم لا ينزلها حتى تكتفي من النظر(1).

فلو عرضت هذه الأحاديث وغيرها على طاولة البحث ونظر إليها من المنظور السيكولوجي فكيف تبدو هذه الصورة ؟! وما هو (العرض والطلب)؟! وكيف تتحقق (ديمومية الثنائي)؟!

لا شك إنه يلمس بعمق - إن كان مسلما منصفا وأكاديميا مدققاً - صورة مشوهة، الأنوثة فيها معدومة، فضلاً عن انتهاك حرمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإيذائه والعياذ بالله.

ومن يؤذ الله ورسوله لعنه الله في الدنيا والآخرة، قال تعالى:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً)(2).

ص: 102


1- صحيح البخاري، كتاب العيدين: ج 2، ص 3.
2- سورة الأحزاب: الآية 57.

ولذلك لم يجد القارئ صورة أجمل مما يجده في بيت علي وفاطمة عليهما السلام، لأنه - وكما أسلفنا - البيت الأنموذج في الإسلام، بل في الحياة الإنسانية، وحيثما وجدت علاقة زوجية شرعية بين رجل وامرأة.

ولعل هناك من يسأل عن السبب، وآخر يقول: أين بيوتات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوجاته وهنّ أمهات المؤمنين.

والجواب من عدة محاور:

1 - علة كينونتهن أمهات للمؤمنين غير مرتبطة بعصمتهنّ وكمالهنّ

كونهن أمهات المؤمنين سببه كونهن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي: بمعنى أنهن قد حرّمْنَ على كل رجل بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمن عقد عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل بها، أم لم يدخل هي قد حرمت على غيره من الرجال فكانت برتبة الأم التي يحرم الزواج منها، وهذا كله كرامة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيما لحرمته، وهو ليس له علاقة بهن من حيث التكريم، بل العكس، فهو قانون يشدد عليهن الالتزام ببيوتهن وعدم رؤية الرجال لهن فكيف بالزواج، والقرآن واضح في تشديده على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

2 - انعدام التكافؤ

لم تكن أي واحدة منهن كفؤاً لسيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم ثم قد تعرض بعضهن للتوبيخ والتحذير في القرآن كعائشة وحفصة في قوله تعالى:

(إِنْ تَتُوبٰا إِلَى اَللّٰهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمٰا وَ إِنْ تَظٰاهَرٰا عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللّٰهَ هُوَ مَوْلاٰهُ وَ جِبْرِيلُ

ص: 103

وَ صٰالِحُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ)(1).

وقد حذرهن الله جميعا من أن يبدلهن بنساء آخر أفضل منهن:

(عَسىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوٰاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ )(2).

وقد هجرهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميعا وآلى منهن شهرا(3)، وطلق حفصة ثم راجعها(4)، كل ذلك يكشف عن أن بيوتهن لم يكن كبيت فاطمة عليها السلام وهو في طبيعته محال لأنها سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة وعليه: فهي سيدتهن، وعليهن التعلم منها.

3 - حصر الكفؤ في علي وفاطمة عليهما السلام حقق الثنائي الزوجي الأنموذجي

فاطمة وعلي عليهما السلام كلاهما كفؤ للآخر، فقد مر قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لو لم يخلق الله عليا ما كان لفاطمة كفؤ»(5).

فضلاً عن كونها (بضعة النبوة) بنص قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأن عليّاً عليه السلام هو نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنص القرآن في آية المباهلة:

ص: 104


1- سورة التحريم، الآية: 4.
2- سورة التحريم، الآية: 5.
3- صحيح البخاري، كتاب المظالم: ج 3، ص 104.
4- روضة الطالبين لمحي الدين النووي: ج 6، ص 184.
5- ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 244.

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ )(1).

فهنا بإجماع المفسرين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرج عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلى المباهلة فجعل الله عزّ وجل أبناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين ونفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو علي عليه السلام، ونساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي فاطمة عليها السلام.

وعليه فمن كان هو وزوجه بهذه الرتبة فلا شك أن البيت الذي جمعهما هو البيت الأنموذجي الأول والأخير، ومنه تأخذ العلوم بكل أقسامها وإليه يرجع الطالب للعلم، فمن ركب معهم نجا ومن تخلف عنهم غرق(2).

ثالثا: السبب في بقائها ثلاثة أيام على يسير من طعام حتى نفد في اليوم الثالث

قد ورد في الرواية قولها عليها السلام:

«والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به».

وبلفظ آخر:

«والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان أطعمناه مذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين».

ص: 105


1- سورة آل عمران: الآية 61.
2- مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 6، ص 176.

فما هو السبب في بقائها على طعام يسير؟ هل الإمام علي عليه السلام لم يكن حاضرا عندها، أي: إنه في سفر؟ أو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بعثه في أمر ما فغاب عن فاطمة يومين أو ثلاثة ؟

والجواب:

1 - أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن في سفر أو غياب من البيت، فلو كان كذلك لما طلب منها إخباره، فهذا محال، أي: إخباره بما تحتاج إليه وهو غير موجود.

فإذن: الإمام علي عليه السلام كان حاضرا، لكنه لم يتناول الطعام في بيت الزهراء عليها السلام منذ يومين أو ثلاثة فما هو السبب ؟

من الثابت في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان ملازما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يفارقه إلا في حالات خاصة ينصرف فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى شؤون أزواجه، ثم سرعان ما يجتمعان، فإما أن يبعث وراءه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإما أن يأتي إليه علي عليه السلام، وهذه الحالة من التلازم تقتضي أن يكون طعام علي عليه السلام، مشتركا من طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فضلاً عن أن بيت علي عليه السلام لا يفصله عن بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا الجدار فهو في المسجد النبوي المطهر.

ولذا فإن طعام علي عليه السلام كان خلال اليومين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

2 - ليس المراد من عدم سؤالها عليّاً عليه السلام من أن يجلب لها شيئاً خلال

ص: 106

الأيام الثلاثة من أنها لم تأكل أي شيء لا هي ولا ولداها الحسن والحسين عليهم السلام، فقد دلّ قولها:

«ما أصبح الغداة عندي شيء وما كان أطعمناه مذ يومين (إلا) شيء كنت أؤثرك به على نفسي وابني هذين الحسن والحسين».

إنها قد تناولت ما كانت قد آثرت به عليّاً عليه السلام خلال الأيام السابقة والتي خلت قبل هذين اليومين فلما لم يبقَ عندها سوى ما كانت تؤثر به عليّاً عليه السلام قامت فأطعمت به ولديها ونفسها، ولكنه حتى هذا الشيء قد نفد في صبيحة اليوم الثالث، وهو اليوم الذي كان أمير المؤمنين علي عليه السلام قد سألها في صبيحته (هل عندك شيء؟).

المسألة السابعة: تزيّنها لعلي عليه السلام
اشارة

(الزينة) اسم جامع لكل ما يتزين به(1)، وقد عدّت (الزينة) من بين النقاط المهمة في حفظ العلاقة الزوجية، وعاملا قويا في دوام التفاعل الزواجي.

وبخاصة ونحن نعيش اليوم في مجتمعات قد انفتحت على ثقافات وأخلاقيات مختلفة من العالم فبين ما يعمل الإعلام من نقل لهذه الثقافات من خلال شاشات التلفزة والصحف والمجلات إلى داخل البيت، وبين ما ينعكس على الشارع من تطبيقات لهذه المشاهدات سواء كانت سلبية أو إيجابية فإن تأثيرها السايكولوجي على أفراد البيت يكون بنسبة لا يستهان بها.

إذ يصبح المرء بين مشاهدتين، الأولى: لصورة تتجدد ألوانها مرات عديدة

ص: 107


1- كتاب العين: ج 7، ص 387؛ لسان العرب: ج 13، ص 201.

فينجذب هنا أو هناك وهذا بطبيعة الحال خارج البيت سواء في العمل، أو بجانب مقعد الدراسة أو حتى في موقف الباص، فضلاً عن زحمة الركوب في بعض الباصات التي قد لا يفصلك عن الجنس الآخر بعض مليمترات وقد لا تحصل عليها في مرات أخرى لندرتها كما يحدث في بعض المدن الإسلامية.

فهذه المشاهدات العديدة قد تجمعت في الصورة الأولى والتي هي خارج البيت وبين مشاهدة ثانية لصورة داخل البيت قد لا يرى فيها أي لون فتكون حالته النفسية بين ما يراه خارجا فلا يتمكن من الحصول عليه، وبين ما يطلبه في بيته فلا يجده، فينعكس عليه ذلك سلبا فيصبح في تعكير للمزاج، أو أنه يكون منصرف الذهن مشغول البال مع تلك الصورة التي تكرر ظهورها خارج بيته، فإذا سمع بكاء أحد أطفاله أو بعض كلمات من زوجته تطلب من خلالها بعض حوائج البيت تراه ينتفض عليها! لأنها مع ابنها الصغير قد قطعا عليه تلك اللحظات التي كان منسجماً معها وهو ينظر بعين الخيال إلى تلك الصورة التي لم ينل منها شيئاً، ثم لم يجد لها شبيهاً في بيته إن لم يجد النقيض!!

والنتيجة: واحدة من اثنتين، إما أنه سيصاب لا محالة بالضغط النفسي ( Stress ) وانعكاساته الخطيرة على الصحة العامة للإنسان (فيبدأ الجسم بإفراز هرمون الأندرينالين، والنوادرينالين وهذان الهرمونان يحدثان في الجسم تغيرات ملحوظة، فتحت تأثيرهما تزداد سرعة نبض القلب ويتغير قطر الشرايين بشكل واضح فتعيد توزيع كمية الدم على القلب والعضلات الضرورية لمواجهة مصدر الخطر، وتصبح الأنفاس أيضا أسرع وأعمق لتزويد العضلات بكمية أكبر من الأوكسجين فتشتد وتقوى، وتتوسع حدقة العين فيغدو الشخص أكثر تنبها، أما

ص: 108

على مستوى الجلد فتنقبض الشرايين، ويزداد إفراز العرق ويقشعر الجسم)(1).

(ويفرغ جسم الإنسان الأورينالين الفائض عن طريق نشاطات جسدية بديلة مثل سحب نفس طويل أثناء التدخين.

ويدفع الضغط النفسي بالغدد الكظرية الواقعة فوق الكليتين إفراز هرمونات أخرى مثل الكور فيزول فترفع معدل السكر في الدم كي تؤمن الطاقة الإضافية للعضلات والدماغ، وهي بشكل عام تعد الجسم لمواجهة معركة البقاء، فضلاً عن تأثير هذه الهرمونات على منطقة الهيبوكامب ( Hippocampe ) المسؤولة عن الذاكرة وضبط الانفعالات في الدماغ فيشير إلى الأهمية البيولوجية للحدث المسبب للضغط النفسي فيصبح الفشل غير قابل للنسيان(2).

ومن ثم: فإن استمرار حالة الضغط النفسي يؤدي بالإنسان إلى الإصابة بأمراض جسدية مثل (السكري وضغط الدم وغيرهما).

وهذا نتيجة لما يمر به الإنسان من انعكاسات الحالة التي يعيشها بين ما يراه ولم ينله، وبين ما يراه ولم يجده في بيته.

وأما النتيجة الثانية فهي: انصرافه عن بيته وتبدد الصورة الجميلة التي من أجلها فتح هذا البيت وقرر أن يحيا فيه مع شريكة حياته لينتهي به المطاف إلى جعل هذا البيت عبارة عن مظهر اجتماعي لا يربطه به سوى تلك الضرورة الإجتماعية الدافعة لكلام الناس؛ أما وجوده الإنساني والوجداني فمنصرف إلى تلك الصورة التي رآها خارج البيت.

ص: 109


1- كيف تواجه الهموم والضغوطات اليومية لفاديا عبدوش: ص 11.
2- كيف تواجه الهموم والضغوطات اليومية لفاديا عبدوش: ص 11-12.
أولا: كل امرأة فيها جمال دفين فكيف تستطيع من لفت انتباه زوجها وشده إليها؟!

(الجمال) يبقى أنشودة المرأة والرجل معا، لكن المرأة تطلبه في نفسها، والرجل يطلبه فيها.

وهنا تكمن ساحة القتال فهي تقاتل لأجل إظهار جمالها، وهو يقاتل ليحظى بهذا الجمال، ومما لا شك فيه أن كل امرأة فيها جمال دفين وفيها جمال ظاهر، إذ لم يترك الله عزوجل المرأة دون أن يجعل فيها أكثر من موضع للجمال، ولكن على المرأة أن تعرف مواضع جمالها لتبديها لزوجها كي تتمكن من لفت انتباهه وشده إليها.

ومن هنا: يقول أحد المختصين في علم التجميل:

(قد لا تستطيعين - يا سيدتي - أن تصبحي آية من آيات الجمال ولكن باستطاعتك دون شك الاستحواذ على إعجاب زوجك حتى ولو كان فيك (عيب) ما، أو ما تعتقدين أنت أنه عيب.. وهذه (فينوس) تعد مثالا فريدا لا مثيل له من أمثلة الجمال.. ومع هذا فإن فينوس مقطوعة الذراعين.

فماذا تستنتجين من ذلك ؟.. إن (عاهة) فينوس التي اختارها لها النحات العبقري الذي صنعها لم تمنع سحرها الطاغي، وهي تمثال من الحجر، من أن يشده كل من شاهده، وأن يهفو بروحه ويهتف في أعماق نفسه: هذا هو الجمال الحقيقي)(1).

إن الجمال مسألة نسبية بحتة، وقوانين الجمال التي تعارف الناس عليها

ص: 110


1- جمالك سيدتي: ص 22-23.

عرضة للتطور والتبدل، ولم يعد المثل الأعلى للجمال يستوحى من التماثيل واللوحات الفنية التي أبدعها الرسامون والنحاتون، بل أصبح مفروضا على أذواقنا الهشة ما تفرضه شاشات التلفزة والصحافة.

لقد تبيّن لمختصّ التجميل أن العيوب التي تشكو منها بعض النساء ليست في الواقع من الأهمية بقدر ما يتوهمن، وأن هناك من هنّ أسوأ حالا منهن ومع هذا فقد أدرجن في سجل الجميلات الساحرات.

ووراء (الفكرة الثابتة بوجود عيب) أو (الشعور بالنقص) تكمن كل العلة.. فقد تكون هناك من تشعر شعورا مدمّرا بوجود علة في جمالها، وقد لا يلحظ جلساؤها تلك العلة، ولكن شعور الانكسار والهم الذي يسيطر عليها يجعلهم يشعرون بما تتمنى إخفاءه(1).

فكيف بزوجها الذي أصبح مطلعاً على جميع خصوصياتها وهو العارف الوحيد بمكامن جمالها وعيوبها إلا أنها، أي المرأة، تستطيع من لفت انتباه زوجها وشده إليها من خلال معرفتها بمكامن جمالها الروحي والأخلاقي والبدني ومن ثم سيجد الرجل نفسه منقاداً إلى بيته لأنه وجد في بيته ما يجذبه ويغنيه عن بريق كل لون خارج بيته.

فإذن قيادة المعركة اليوم أصبحت بيدها، وهي وحدها القادرة على حفظ بيتها من الانهيار أو التصدع لأنها استطاعت أن تلغي كل تلك الصور المتعددة التي يراها زوجها اليوم وهو خارج البيت أو حتى داخله لأن التلفاز قد ينقل الكثير

ص: 111


1- جمالك سيدتي: ص 24.

إليه، ومما لا شك فيه وينقل التلفاز إليها أيضا.

وإن غاب عن ذهنك شيء فلا يغب قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عندما دخلت عليه إحدى النساء لتسأله عن حقوق الزوج فأجابها قائلا:

«أكثر من ذلك، أي: مما تسألين»!!

فقالت: فخبرني عن شيء منه ؟

فقال: ليس لها أن تصوم إلا بإذنه، يعني تطوعا، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وعليها أن تطيب بأطيب طيبها وتلبس أحسن ثيابها وتزين بأحسن زينتها وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية وأكثر من ذلك حقوقه عليها»(1).

ثانياً: هل ترغب المرأة أن ترى زوجها متزيناً لها؟ وما أثر ذلك في العلاقة الزوجية ؟

قد يكون الدافع من وراء تزين المرأة هو إظهار جمالها، ومن ثم لفت الانتباه إليها وشد الأنظار لها فيتحقق بذلك إشباع الحس الأنثوي برغبة الزوج إليها، وأحيانا يكفيها أن تشعر أنها جذابة، ولها حضور، وإن لم تتكلم بكلمة أو تقوم بنشاط ما وإن كان هذا من الجمال أيضا، لكن يشترك فيه معها الرجل، أي: سحر البيان، وجمالية العمل.

أما الرجل فقد اختلفت عنده النظرة للزينة، فهو يرى أن زينة الرجل لا تنحصر باللباس الفاخر أو نوع الوسيلة التي يستخدمها في نقله وما إلى ذلك، بل يتعداها إلى إظهار الجوانب الذكورية من البدن المفتول بالعضلات، أو تضخيم

ص: 112


1- الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، أخرجها الكليني رحمه الله في الكافي: ج 5، ص 508، وسائل الشيعة: ج 20، ص 158، باب: 79 (وجوب تمكين المرأة زوجها من نفسها).

الشارب وإطلاق الذقن وترخيم الصوت، أو القيام بالأعمال الشاقة والخطرة، وقد يرى البعض أن زينة الرجل تكمن في رجاحة عقله وبلاغته، وتحكّمه في الأمور، وقيادته للأسرة، بينما ذهب كثير من الرجال ومع الأسف إلى عدم الاهتمام بزينته من خلال اللباس، أو العطر، أو الخضاب؛ لأن هذه الأمور منوطة بالمرأة، ومن ثم فليست هناك ضرورة للتهيّؤ للزوجة.

ربما قد تكون الحالة تختلف بالنسبة للمرأة..، أي: أقصد طلبها لزينة الزوج من حيث اختلاف النظرة للزينة، فهي تراها من الثوابت الجمالية سواء لها أم للرجل، أما هو فقد يراها من المكملات الظاهرية.

وهذا الاختلاف في النظرة عائد إلى الاعتبار بأن الجمال وتحريكه في الحياة الإنسانية بعد نور المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم عائد لها ومنوط بها.

فهي بين جمالية الشكل لحد الفتون، وتناغم الحركة لدرجة السحر، وبريق النظرة لحد الانشغال وعذوبة الابتسامة لحد الارتواء وبين لمسات الأمومة، ودفء الطمأنينة.

كل ذلك وغيره ارتبط بالمرأة، هكذا جعلها الله عز وجل، وهكذا رتبها الإسلام بين رتبة الطهر والجمال وبين العطر والصلاة.

وهكذا عرفها الحس الإنساني: تأخذ القليل، ويبذل لها الكثير، وخذ على ذلك شاهدا أن الثقافات الإنسانية لم تشهد تغزل المرأة بالرجل، بل على العكس ما عرف الغزل إلا لها، حتى أنها قد احتكرت عليه في أدب الشعوب وفنون الأمم.

ص: 113

وما يقاتل الرجال من أجل الذهب إلا ليساغ لها فيما بعد، عله يحظى بها، أو قد يكتفي البعض بابتسامة منها وهي لا تأبه لقتاله المرير! بقدر ما تأبه لما قدم لها!

ولذلك (التزيين) عرف سابقا وحديثا للمرأة، ولكن لا يعني هذا أنها لا ترغب أن ترى الرجل وهو غير متزين ومتهيئ لها.. بل على العكس ربما تكون أشد رغبة من الرجل في أن ترى شريك حياتها قد تزين وتهيّأ لها؟! لأن من يظهر الجمال أشد رغبة في طلبه.

فتلك حقيقة قد نبهت لها العترة الطاهرة عليهم السلام وبيّنت أثرها في العلاقة الزوجية، وحفظها من الانهيار.. بل من حفظ المرأة نفسها وصون كرامتها وعفتها فكانوا عليهم السلام دعاة للصواب بأعمالهم، وممارساتهم الحياتية، كي يتعلم الناس منهم نظم الحياة الأسرية، وقد ورد عنهم في هذا الخصوص شواهد كثيرة، منها:

1 - عن ذروان المدائني، قال:

«دخلت على أبي الحسن الثاني عليه السلام(1)، فإذا هو قد اختضب(2)، فقلت: جعلت فداك قد اختضبت ؟! فقال:

«نعم إن في الخضاب لأجرا.. أما علمت أن التهيئة تزيد في عفة النساء، أيسرك أنك إذا دخلت على أهلك فرأيتها على مثل ما تراك عليه، إذا لم تكن على تهيئة ؟!».

ص: 114


1- المراد به الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام.
2- مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي: ص 79؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 73، ص 100.

قال: قلت: لا، قال عليه السلام:

«هو ذاك»(1).

2 - عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

«النساء يحببن أن يرين الرجل في مثل ما يحب الرجل أن يرى فيه النساء من الزينة»(2).

3 - عن ابن فضال عن الحسن بن الجهم قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام وهو مختضب بسواد، فقلت: جعلت فداك قد اختضبت بالسواد؟ قال:

«إن في الخضاب أجرا، إن الخضاب والتهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد تترك النساء العفة لترك أزواجهن التهيئة لهن»(3).

4 - عن عبد الله بن مسكان، عن الحسن الزيات البصري، قال:

(دخلت على أبي جعفر عليه السلام أنا وصاحب لي فإذا هو في بيت منجد وعليه ملحفة وردبة وقد صف لحيته واكتحل فسألناه عن مسائل فلمّا قمنا قال لي:

«يا حسن».

قلت لبيك، قال:

ص: 115


1- الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 5، ص 567، باب النوادر؛ وسائل الشيعة: ج 20، ص 246، باب 141؛ مكارم الأخلاق: ص 79؛ بحار الأنوار: ج 73، ص 100.
2- مكارم الأخلاق: ص 80؛ بحار الأنوار للمجلسي رحمه الله: ج 73، ص 101، باب الخضاب.
3- الكافي: ج 6، ص 480، باب: الخضاب؛ من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق رحمه الله: ج 1، ص 122، باب: غسل يوم الجمعة؛ وسائل الشيعة: ج 2، ص 88، باب: 46؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 79؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 73، ص 100.

«إذا كان غدا فأتني أنت وصاحبك».

فقلت: نعم جعلت فداك.

فلما إن كان من الغد دخلت عليه فإذا هو في بيت ليس فيه إلا حصير وإذا عليه قميص غليفا ثم: أقبل على صاحبي فقال:

«يا أخا أهل البصرة إنك دخلت عليّ أمس وأنا في بيت المرأة وكان أمس يومها والبيت بيتها والمتاع متاعها فتزيّنت لي على أن أتزين لها كما تزينت لي فلا يدخل قلبك شيء».

فقال له صاحبي:

جعلت فداك قد كان والله دخل قلبي شيء فأما الآن فقد والله اذهب الله ما كان وعلمت أنّ الحق فيما قلت)(1).

5 - عن صفوان عن برير عن مالك بن أعين الجهني(2) قال:

(دخلت على أبي جعفر الباقر عليه السلام وعليه ملحفة حمراء جديدة شديدة الحمرة فتبسمت حين دخلت!

فقال:

«كأني أعلم لم ضحكت ؟ ضحكت من هذا الثوب الذي هو عليّ ، إن

ص: 116


1- الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 6، ص 44؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 5، ص 32، باب 17؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 73، ص 101، وج 46، ص 293.
2- مالك بن أعين الجهني البصري، عده الكشي رحمه الله من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وقال: هو ابن عم أعين وليس من أخوة زرارة، رجال الكشي: ص 388، برقم 216؛ رجال ابن داود: ترجمة رقم 1231، ص 282-283؛ رجال البرقي: ص 13 وقد عده من أصحاب الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام.

الثقفية(1) أكرهتني عليه وأنا أحبها، فأكرهتني على لبسها».

ثم قال:

«إنا لا نصلي في هذا، ولا تصلوا في المتبع المضرج».

قال مالك بن أعين: ثم دخلت عليه وقد طلقها! فقال عليه السلام:

«سمعتها تبرأ من علي عليه السلام فلم يسعني أن أمسكها وهي تبرأ منه»(2).

وفي هذه الشواهد كفاية في بيان ضرورة أن يتزين الرجل للمرأة، ويتهيأ لها كما تتزيّن هي له.

فضلاً عن أثر هذا الفعل في عفة المرأة، أي ميولها النفسي لغير زوجها ثم إن الأحاديث تظهر حقيقة أخرى وهي: (شدة تأثر المرأة بالحس الجمالي)، وأن هذه الظواهر الحياتية والتي تصادفها في العمل، أو في الدراسة، أو حتى في محيط الأسرة، لها أثر سلبي في حصانتها، ولاسيما إذا كانت هذه الأسرة قد تخلقت بأخلاق لم تمد بصلة إلى واقع المجتمع الإسلامي والعربي، وإن كانت تحيا في إحياء محافظة.

ثالثا: ما هي زينة فاطمة عليها السلام وكيف كانت تتزين ؟
اشارة

لم يغب عن فاطمة عليها السلام وهي تقوم بتأدية وظيفتها كزوجة الاهتمام بزينتها وتزينها لعلي عليه السلام.

ولكن الزهراء عليها السلام لم تستخدم أدوات التجميل المعهودة لدى

ص: 117


1- أي زوجته التي كانت من بني ثقيف، فالثقفية نسبة إلى قومها.
2- الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 6، ص 447.

النساء، وإن كانت بحسب عصرها بسيطة، ومقصورة على العطر والكحل وغيرهما، كما أن الاكسسوارت لم تعرف طريقها إلى بيتها! ليس بسبب عدم معرفتها بها، فقد كانت العقود والأساور والتيجان والحلق والخواتم تسحب أرتالها أين ما تحركت المرأة منذ بدء النمو المعرفي لدى الإنسان، فضلاً عن ما حمله القرآن من وصف للحلي والزينة واللباس الفاخر الذي وعد الله به المؤمنين.

فضلاً عن ذلك أن الرجال سابقا كانت تضع من القلائد والأساور ما يفوق أحيانا ما تضعه المرأة.

كل هذا لم يغب عن معرفة الزهراء عليها السلام به، كما لم يغب عن سوق مكة والمدينة سواء ما كان يصنع محليا وبخاصة لدى اليهود وحرصهم على تجارة الذهب واقتنائه، أو ما كانت تحمله قوافل التجار من مادة مصنعة خارجيا، أي: ما يرد إلى الشام من بضائع رومانية وفارسية، وما يرد إلى اليمن من بضائع أفريقية، ومنهما إلى سوق مكة والمدينة.

ولذلك: العروض من البضائع المختلفة في كل زمن متوفرة، والأذواق متعددة، والطبقية متجذرة في كل مجتمع، ويبقى الإنسان أين ما حل يطلب الجديد ويميل إلى ما هو متميز، وتبقى المرأة تواقة إلى التزيين حتى وإن اقتصر على عيدان القش كما هو حال بعض القبائل الآسيوية والأفريقية.

ويبقى السؤال مطروحاً: كيف كانت تتزين سيدة نساء العالمين عليها السلام ؟

مما لا شك فيه أن المرأة تستخدم الزينة في كل الطبقات التي تشغلها، من كونها ربة بيت أو أستاذة جامعية، أو سفيرة، أو وزيرة، أو أميرة، أو ملكة، فكل

ص: 118

واحدة منهن تتزين بحسب ذوقها وتعليمها ورتبتها الاجتماعية، ومن البديهي أن ما تتزين به من كانت ملكة ولها عرش كملكة سبأ التي وصفها القرآن بقوله:

(إِنِّي وَجَدْتُ اِمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ لَهٰا عَرْشٌ عَظِيمٌ )(1).

أو كملكة تدمر زنوبيا، وغيرهما من الملكات والأميرات قديما وحديثا فإن ما يتزيّن به قطعا يختلف عن بقية النساء، والعلة بديهية.

ولذلك هذه البديهة في أمر التزين الذي رافق الطبقية، والرتبية بين النساء تستلزم من الناحية العقلية والذوقية أن تكون زينة سيدة نساء العالمين أيضا تتناسب مع هذه الرتبة، بل الحس الجمالي يستلزم من زينة سيدة نساء العالمين وهي بهذا الموقع أن تكون فريدة، ولا مثيل لها بين ما يتزين به النساء قديما وحديثا، وأن تقدم أمر الحداثة حتى يوم يبعثون؛ لأن هذا المقام الرفيع لم ولن يشغله غير بضعة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم.

وبالفعل فقد زيّنها الله عزّ وجل بزينة تنسجم مع كونها سيدة نساء العالمين من ناحية، ومع سنخ جوهرها من ناحية ثانية.

فإليك أيها القارئ الكريم ما ورد عن أهل بيت النبوة عليهم السلام في نوع زينة فاطمة وكيف كانت تتزين لزوجها أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقد أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله عن محمد بن جعفر الهرمزاني عن أبان بن تغلب قال:

ص: 119


1- سورة النمل، الآية: 23.

(قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يا بن رسول الله لم سميت الزهراء: زهراء؟ فقال:

«لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فراشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها ومن وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة.

فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها.

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس أحمر وجه فاطمة عليها السلام فأشرق وجهها بالحمرة فرحا وشكرا لله عزّ وجل، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام»(1).

ص: 120


1- علل الشرائع: ج 1، ص 180؛ مناقب آل أبي طالب للمازندراني: ج 3، ص 330؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 11.
نقاط البحث في الحديث

أولا: قوله عليه السلام:

«لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور».

1 - أي: إنها كانت تتزين له في اليوم ثلاث مرات، لكن كما أسلفنا أن هذه الزينة تختلف عن زينة كل امرأة منذ حواء زوجة آدم عليها السلام وإلى يوم القيامة، فهي زينة مادتها نورانية وأثرها نوراني ومنشأها رباني.

2 - قالوا في اللغة: (الزهرة) نور كل نبات، وزهرة الدنيا حسنها وبهجتها، وشجرة مزهرة ونبات مزهر، والزهور: تلألؤ السراج الزاهر، والزاهر والأزهر: الحسن الأبيض من الرجال وقيل: هو الأبيض فيه حمرة، ورجل أزهر، أي: أبيض مشرق الوجه، والأزهر: الأبيض المستنير.

والزهرة: البياض النير وهو أحسن الألوان، ومنه الحديث الشريف: أكثروا عليّ الصلاة في الليلة الغراء واليوم الأزهر، أي: ليلة الجمعة ويومها.

والأزهران: الشمس والقمر لنورهما، وقد زهر يزهر زهرا، وزهر فيهما وكل ذلك في البياض.

والأزهر: النيّر.

ودرة زهراء: بيضاء صافية، وأحمر زاهر: شديد الحمرة.

ومن صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزهر اللون، وزهر الشيء يزهر: بفتحتين: صفا لونه وأضاء(1).

ص: 121


1- كتاب العين للفراهيدي: ج 4، ص 63؛ لسان العرب لابن منظور: ج 4، ص 331؛ مجمع البحرين: ج 3، ص 321.

ثانيا: قوله عليه السلام:

«فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة».

1 - قال العلامة المجلسي رحمه الله في بيانه للحديث: إن المراد من (ترتبت)، أي: ثبتت في محرابها كما في اللغة أو تهيأت في الترتيب العرفي بمعنى جعل كل شيء في مرتبته ويحتمل أن يكون تصحيف تزينت(1)، انتهى كلامه رحمه الله.

2 - وهذه حالة خاصة بفاطمة عليها السلام فقد ورد في وصف الأئمة كعلي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام أنه إذا تهيأ للصلاة كان يرتعد ويتغير لون وجهه فسأله سائل عن ذلك، فقال للسائل:

«ويلك بين يدي من أقف»(2).

ومن قبله كان جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كذلك فإذا أذن المؤذن لم يعرف أهلا ولا حميماً، أما أمير المؤمنين علي عليه السلام فكان يغمى عليه في مناجاته لربه.

أما فاطمة عليها السلام: فإنها إذا حان وقت الصلاة ثبتت و (الثبوت) لا يكون إلا في حالة الاستقرار والطمأنينة وهما لا يتحققان إلا بذوبان الذات في العبودية كالماء الذي علقت فيه الشوائب فإنه لا يصفو حتى يستقر ويثبت فإن تم ذلك ظهر صفاؤه وزهر لونه.

ثالثا: تنقل النور من اللون الأبيض إلى اللون الأصفر ثم إلى الأحمر يشير إلى الحركة الدورانية للنور الفاطمي، فالشمس وهي عمود الحياة قبل شروقها

ص: 122


1- البحار: ج 43، ص 12.
2- ينابيع المودة للقندوزي: ج 3، ص 105.

يسبقها ظهور اللون الأبيض، وعند الزوال يكون شعاعها أصفر وعند الغروب يكون أحمر، وهو يشير بذلك إلى تنقل مجاميع الفيض الإلهي، وهم المدبرات أمرا عليهم السلام لذلك النور.

فكما أن الشمس هي السبب الذي جعله الله عزّ وجل لمد الأرض بالحياة، كذلك نور الإمامة جعله الله السبب الذي تقوم به الأرض، ولذا ورد في الحديث الشريف:

«لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها»(1).

ولذلك:

«لم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام».

كما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام.

ص: 123


1- مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 5، ص 278.

ص: 124

الفصل الثاني: فاطمة عليها السلام الام

اشارة

ص: 125

ص: 126

المبحث الأول: الأمومة

اشارة

الأمومة.. هي من أسمى المعاني التي تدل على شخص المرأة، والأمومة.. هي حاضنة الحياة بكل أجناسها.. وهي دور من أدوار الرقي الإنساني تسمو بسمو المرأة، وتنحدر بانحدارها.

ولذا.. طاب المحتضن بطيب حاضنته.. يكفيك من ذاك دليلا من احتضنه حجر فاطمة عليها السلام(1).

وقد اختلفت الثقافات في رسم صورة الأم وتحديد أبعادها واختيار ألوانها، ومن بين هذه الثقافات برزت الثقافة الإسلامية التي أعطت صورة رائعة للأم، فهي ما بين الرتبة الشرعية وما يرتبط بها من أحكام وحقوق، وبين الرتبة الاجتماعية التي تكونت لها من خلال الكم الهائل الذي نطقت به تراجم الوحي، وهم العترة النبوية عليهم السلام، انطلاقا من قول معلم البشرية صلى الله عليه وآله وسلم:

«الجنة تحت أقدام الأمهات»(2).

ص: 127


1- قدم الإمام الحسين عليه السلام للإنسانية حقيقة ودور حجر الأم وأثره في تكوين الشخصية عندما خيّر يوم عاشوراء بين القتال والموت أو الاستسلام والذلة، فرد على هذا الخيار قائلا: ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله وحجور طابت وطهرت.
2- ميزان الحكمة لمحمد الريشهري: ج 4، ص 367؛ نيل الأوطار للشوكاني: ج 7، ص 4.
المسألة الأولى: الأمومة في المنظور السيكولوجي

إن الدراسات المعاصرة في العلوم النفسية والاجتماعي قد أولت الأمومة حيزاً كبيرا من البحث والاستنتاج (فالأمومة في سيكولوجيا المرأة تعد المرحلة الخطيرة في حياتها؛ لأنها فرصة رائعة لها كي تحقق شعورها المباشر بالخلود.

إنّ وظيفة المرأة التناسلية ليست عملية فردية ومتكررة بل هي تنطوي على شعور باطني في نفس المرأة يشعرها بأنها القطب المبدع في الإنسانية، القطب الذي يحقق ظفر الحياة على الموت دائما، وليست الأمومة بالمرحلة البيولوجية الصرفة، بل هي تنطوي على وحدة بسيكولوجية مليئة بالذكريات والرغبات والمخاوف تتجمع قبل مرحلة الأمومة بكثير)(1).

فروح الأمومة: تعني فكرتين.. الأولى: مجموعة المميزات الخاصة التي تطبع شخصية المرأة، والثانية: الحوادث المثيرة التي تحرك المرأة عند رؤيتها لطفلها وشعورها بضعفه.

ومنذ البدء نستطيع أن نقول أن ضعف الطفل هو الموجه الأول في نفسية الأم بمقدار ما يتحرر الطفل من حاجة أمه إليه، فتغير نفسية الأم وتعود إليها الروح النرجسية.

ذلك أن الأمومة تقتضي قبل كل شيء تخلي الأم عن كثير من أنانيتها، أما الأمهات اللواتي تحررن من الروح النرجسية فإنهن يعطفن عطفا طبيعيا على أولادهن وينتظرن الساعة التي يكبرون فيها ويتحررون من حاجتهم إلى الأم.

ص: 128


1- سيكولوجيا المرأة لهيلين دوتش: ص 44.

والواقع أن هذه الغبطة تقف إلى جانب العذاب الذي تعانيه المرأة في رعاية طفلها فالأم السوية تنظر إلى عذابها وأفراحها نظرة المتقبل الراضي لأن (الأنا) فيها تعبر بالعذاب والفرح عن فعاليتها وتكونها تبدو لنا مثل هذه الفعالية في حرص الأم على طفلها.

وقد ينقلب هذا الحرص عند بعض النساء إلى سلوك قاس شرس وهذا يذكرنا بتلك الشراسة التي تبديها أنثى الحيوان في النضال لكي تؤمن مكانا وغذاءً لصغارها ولكي تحميها.. ولعل هذا الدافع هو الذي جعل العلماء يعدّون غريزة الأمومة أقوى الغرائز في المرأة، والواقع أن غريزة الأمومة والحب الأمومي هما عنصران يختلفان في نفسية الأم، فالغريزة هي ذات أصل بيولوجي وكيمياوي وبينما الحب عند الأم يعدّ تعبيرا مباشرا للعلاقات الإيجابية مع الطفل.. ولذا فإن ملامح هذا الحب تبدو لنا يسمونه (الحنان).

والواقع أننا مطالبون منذ البدء بأن نفرق بين الناحيتين العاطفية والبيولوجية في حياة الأم وهذا التفريق يدفعنا إلى أن نلتمس في كل من العنصرين (غريزة الأمومة والحب الأمومي) فرقا أيضا، وهذا يدفعنا إلى أن نعد فروقا كبيرة بين الغريزة الجنسية التي تلعب فيها العاطفة دورا كبيرا، وبين غريزة التناسل التي تعدّ شيئا بيولوجيا محضا، والواقع أن اكتفاء الشهوة الجنسية هو الهدف المباشر لهذه الغريزة وليس التناسل إلا نتيجة للفعل الجنسي، وهذه الصفة التي تتصف بها الحاجة الجنسية تجعلنا نعدّ لها هدفا آخر: هو حفظ النوع، وحفظ النوع هو شيء يأتي بعد الحماية الجنسية أيضا، فكثيرا ما نلمس في بعض النساء يجعل شعورهن بالتناسل وبالأمومة وحفظ النوع شيئا لا وجود

ص: 129

له، وعلى الرغم من هذا فإن لغريزة حفظ النوع والتناسل أثرا كبيرا في الحاجة الجنسية.

فعلم البيولوجيا يرينا أن بعض الحيوانات تعدل حاجتها الجنسية وفق غريزة حفظ البقاء، وكثيرا ما تخفق شهوة الأنثى عندما تحمل، كما أننا نلاحظ أن الأنثى تتعرض لنفس الشيء أثناء الرضاعة وهذا يدفعنا إلى أن نلمس عناصر فكرية وروحية في هاتين الغريزتين في الأم، الغريزة الجنسية وغريزة حفظ البقاء أو التناسل.

على أن روح الأمومة وعلاقتها بالناحية الجنسية تخضع لكثير من التعقد، ولذلك فإن أول ما نلاحظه في بعض سمات هذه العلاقة هو أن هناك نساء لا يحملن نزعة جنسية ولا عاطفة الأمومة، كما أن هناك أخريات يحملن قوة في كلتا النزعتين، كما أن هناك نماذج كثيرة من الاختراق ما بين هاتين النزعتين، فثمة امرأة تحب زوجها ولكنها تحجم عن الاتصال به لمجرد تصورها أنه قد لا يكون أبا صالحا لأبنائها.. كما أن بعض النساء يفكرن بالناحية الغريزية أكثر من الأمومة.. والمرأة السوية هي التي تتحقق لديها في شخص زوجها حاجتها الغريزية ونزعتها إلى الأمومة، وبذا نستطيع أن نقول: إن هناك محذورا عن سيطرة ناحية من هاتين الناحيتين على حياة الأم، وهذه السيطرة تتعلق بلا شعور المرأة)(1).

(وقد صور بلزاك في كتابه (ذكريات متزوجة) نفسية امرأة كانت تشعر بفظاعة وجودها لأنها لم يكن لها أولاد وكانت تشعر بأن المرأة إنما وجدت لتكون

ص: 130


1- سيكولوجيا المرأة لهيلين دوتش: ص 44-45.

أما، كانت تقول: إن أفكارا رهيبة تمتلكني تتمثل في هذه الفكرة: (ألا يتاح لي كائن حقير يدعوني أما له).

بينما كانت امرأة أخرى تشعر بأن المرأة: (إنما هي كائن وجد من أجل الحب فقط)، وكانت تقول: (لا شيء يعدل ملذات الحب) على أن السبب الرئيس في وجود هذا الفاصل بين هاتين النزعتين هو حب الأم لطفلها هذا الحب الذي يعدّ مزاحما لحبها للرجل.

وتصور لنا كثير من الروايات أقاصيص عديدة عن نساء كان فيهن صراع بين حب الأب وحب الولد، هذا الصراع الذي يكون كثيرا من الكوارث، ولكن الدافع الداخلي لحب الطفل هو حب الأم لنفسها وتعلقها بفكرة الخلود عن طريق التناسل، وهذا الحب هو بحد ذاته فرار وخوف من قبل المرأة من أن تنتقص قيمتها، على أن النساء اللواتي يعشن في حالة طبيعية يظهرن عاطفة الأمومة على نحو واحد، فمنهن من تتحول فيهن عاطفة حب الابن إلى عاطفة مجردة، وبذلك تكون الأم قد تعرضت لنوع من فقدان الشخصية، فيما يتعلق بأمومته، وأما النوع الآخر فهو الذي يحس بأن هذا النوع من العاطفة مفقود عنده.

والخلاصة:

أن الشروط المادية لحياة المرأة والوسط الاجتماعي، والتجارب السابقة واللاحقة توجد عند مختلف نماذج النساء اختلافات فردية كما أن علاقة المرأة بزوجها وأسرتها والوضع الاقتصادي وتأثير علاقتها بطفلها كل هذا يفرض على روح الأمومة في المرأة طابعا شخصيا)(1).

ص: 131


1- سيكولوجيا المرأة لهيلين دوتش: ص 45-47.
المسألة الثانية: متى تبدأ المراحل الأولى للأمومة عند المرأة ؟

تتناول الباحثة هيلين دوتش مراحلة الأمومة بقولها: (تبدأ المراحل الأولى للأمومة عند المرأة منذ شعورها بأنها قادرة على التناسل، وتبدأ نفسيا هذه المرحلة - أي: مرحلة الشعور بالقدرة على التناسل - عندما تشعر المرأة بأن (الأنا) فيها لا تزدهر وتتضح إلا في تحقيقها للأمومة، فثمة انفعالات كثيرة ترافق هذه المرحلة وتسمح (للأنا) بأن تحل مشكلات كثيرة ولم تكن تستطيع حلها من قبل، ويبدأ هذا بفهمها لكثير من المشاكل الجنسية التي لم تكن تعرفها وبذلك - تكون النتيجة النفسية الأولى لهذه المرحلة: تخلص المرأة من الهموم الكثيرة التي كانت تملأ نفسها قبل هذه المرحلة - أي: مرحلة الشعور بالقدرة على التناسل.

ومنذ دخولها في هذا الطور تشعر بالضعف والاستقلال بنفس الوقت ويغمرها شعور بالألم ونزعة إلى الشر. إن جميع هذه المشاعر تكون في البدء في اللاشعور وهي على الرغم من أنها تكون جانبا كبيرا من الغنى في نفس المرأة فهي تسبب كثيرا من الاضطرابات في نموها السيكولوجي، ولابد لنا لكي نفهم هذه المراحل بدقة من أن نربط مرحلة الأمومة بالناحية الجنسية فالواقع أن التغيير الأول لمرحلة الأمومة ينشأ من أن تتوجه نفسية المرأة وفاعليتها إلى الولد فهي منذ أن تتوضح أمامها هذه الغاية تتغير أشياء كثيرة في نفسيتها وهذا التغير يتمثل في تخيلاتها الكثيرة وفي نظرتها إلى علاقتها الجنسية مع الرجل... وبذلك نستطيع القول إن عناصر شتى فكرية وعاطفية وانفعالية تدخل في نفسية المرأة في هذا الدور الأول(1).

ومن أول مظاهر هذا التحول (تحول الرغبة) في المرأة في أن تكون رجلا إلى

ص: 132


1- المصدر السابق.

رغبة في أن تكون مع طفلها كائنا واحدا، وهذا يعبر عن نزعة ديناميكية قوية في نفسيتها ونتيجة ثانية تنتج عن هذا التحول هي هذا الانتقال في عواطف المرأة من النزعة الانفعالية إلى نشوء النزعات الفعالة فتشعر المرأة بأنها قد أصبحت شيئا يستطيع أن يولّد.

ولا ريب أن شعورا كهذا يلعب دورا كبيرا في نفسيتها، وبذلك فإن النساء كثيرا ما يقوين في نفوس بناتهن هذه الروح الفعالة باعتبار أنها شيء يعزيهن كثيرا كأن تقول المرأة مثلا لابنتها: حقا إنك لست رجلا ولكن سوف يكون لك طفل.

(وبذلك تغذي في نفس المرأة شعورا عميقا بالاكتفاء) ولكن هذه المراحل التي تبدأ فيها العقد النفسية عند المرأة تعد بالفعل مرحلة ما قبل الأمومة وهي تنمو وتنحل ضمن إطار ما يسمونه عقدة (أوديب) ذلك أن الأب هو العامل الأول الذي يعيض بشكل فعال في نفس الفتاة، وصفة الرجولة في الأب هي التي تجعل له هذه الأهمية. ومن هنا نستطيع أن نفهم من اعتبار الفتاة لأمها عزيمة لها منذ أن ينبثق في نفسها شعور الأمومة.

أما المرحلة الثانية من هذا التهيؤ للأمومة فهو يرجع إلى مرحلة المراهقة، والواقع أن الأخلاقية - في مرحلة المراهقة - تكون لا شعورية في نفس الفتاة ولكنها تؤثر كثيرا في إعداد نفسية الفتاة للأمومة، والذي يلعب الدور الحاسم في هذا الإعداد هو الحيض، والحيض يلفت نظر المرأة إلى جسدها فتشعر بحاجة كبيرة إلى - الاهتمام - ببعض النواحي في جسدها وتربط ما بين هذا - الاهتمام - وبين استعدادها لأن تكون أما.

والفتاة تحتاج إلى وقت كثير لكي تتحرر من الترسبات النفسية التي تجد لها في

ص: 133

نفسها عقدة (أوديب) المرتبطة بما هو جنس فيها ومنذ أن تتحرر من هذه العقدة تكون قد وضحت لنفسها حقيقة الانفصال بين الناحية الجنسية والأمومة..

وتختلف النساء اختلافا كبيرا في هذا التحرر فبعضهن يتعرضن لازمات كثيرة قبل أن يستطعن ذلك، أي: قبل أن يشعرن بوظيفتهن الحقيقة كأمهات على أن هناك عددا من النساء لا يلبث فيهن هذا التحرر متأخرا حتى أنهن في كثير من الأحيان يتزوجن وينجبن أولادا دون أن يستطعن التفريق بين كونهن نساء يعدن الناحية الجنسية وسيلة للذة أو يعدنها وسيلة للتناسل.

على أن هذه الأشياء كلها تقودنا إلى فكرة بسيطة وهي أن مراحل ما قبل الأمومة بكل ما فيها من اضطرابات بيولوجية ونفسية إنما تنتهي بأن تكوّن نفسية أم كاملة تقدر مسؤوليتها.. وبذلك فإننا نستطيع أن نقول: إن ما امرأة إلا وتكون عندها قابلية للأمومة.. ولكن هذا لا يعد نفوسهن لأن يكن غيريات مع عدم التضحية بأنانيتهن وذلك بتخلصهن من الاضطرابات التي يكونها الجهل في هذه النفوس...)(1).

ولكن.. لا يمكن أن تكون هناك امرأة كنموذج حي للأمومة غير الزهراء عليها السلام، والعلة في ذلك: هو أن المعد لها كأم هو الله عزّ وجل بمقتضى قوله في آية التطهير:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(2).

وهذه الإرادة الإلهية اقتضت أن تكون الزهراء عليها السلام أماً للأئمة وهم

ص: 134


1- سيكولوجيا المرأة للدكتورة هيلين دوتش: ص 47-48.
2- سورة الأحزاب، الآية: 33.

ثقل القرآن وحجج الله على الخلق، ولذا ورد في كناها (أم الأئمة) و (أم الأنوار).

وثانيا: ليس للجهل موضعٌ في شخصية الزهراء عليها السلام وهي المصطفاة من الله تعالى كما اصطفى مريم عليها السلام.

(يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اِصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ اَلْعٰالَمِينَ )(1).

وهي المتعلمة في مدينة العلم وأكمل الخلق صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذلك: لا شيء اسمه (اضطرابات نفسية)، بل اطمئنان وسكينة، وهي الواضعة لحدود وشكل المرأة الغيرية، والذاتية، لأن لفظ (الأنانية) وإن كان يعطي مفهوما سلوكيا إيجابيا بحسب ما أرادته الباحثة في علم السيكولوجيا، بقولها: (إنّ هناك فتيات يعدن نماذج حية للأمومة، وهنّ اللواتي يستطعن أن يعددنَ نفوسهنّ لأن يكنّ غيريات مع عدم التضحية بأنانيتهن، وذلك بتخلصهن نهائياً من الاضطرابات التي يكونها الجهل في هذه النفوس)(2).

إلا أن هذه النظرية لا يصح استخدامها في الإشارة إلى سيدة نساء العالمين عليها السلام لأنها تعطي أيضا مدلولا سلبيا.

ولذا أشرت إلى لفظ (ذاتية) أي: إشارة إلى محافظة الزهراء عليها السلام على ذات المرأة إثناء دورها كأم.

فهي (غيرية) لأولادها، و (ذاتية) لنفسها كامرأة، وبذلك يكون دورها ك - (أم) هو الأنموذج الحي للأمومة في الوجود الإنساني.

ص: 135


1- سورة آل عمران: الآية 42.
2- الدكتورة هيلين دوتش في كتابها: سيكولوجيا المرأة، ص 48.

المبحث الثاني: حملها بالإمام الحسن عليه السلام

اشارة

تعد ولادة الإمام الحسن عليه السلام الظاهرة الأولى للأمومة في بيت فاطمة عليها السلام وحينما نقول بيت فاطمة فهذا يعني أننا نتحدث عن بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي فما بيت فاطمة إلا بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الرسالي الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه.

إلا أننا ونحن نخوض غمار البحث في بيت (فاطمة الأم) فلابد أن نعرج أولاً إلى تلك المباحث في العلوم النفسية والفايسولوجية والاجتماعية لمعرفة ما توصل إليه المختصون ولو إجمالاً في تأثيرات الحمل والولادة على نفسية المرأة وانعكاسات ذلك على سلوكها في الحياة، وبما أننا نتحدث عن شخصية رسالية ومصطفاة من قبل الله تعالى فلابد أن نعيَ تلك التأثيرات التي ترافق حالة الحمل وانعكاساتها على شخصية المرأة الأنموذج كي نستمد الدروس والحكمة منها في تعاملاتنا وسلوكياتنا الحياتية.

ص: 136

وعليه: بدأت أولاً ببيان رأي أهل العلوم النفسية والاجتماعية في هذا الخصوص قبل الإشارة والحديث عن الجانب الروائي.

المسألة الأولى: مرحلة الحمل

تعدّ مرحلة الحمل من أهم المراحل التي تحدد نمط وهيكلية شخصية المرأة، وهي المحطة التي يتم فيها الانتقال من عالم الفردية والركود إلى عالم التعددية والتجديد والمشاركة في بناء المجتمع الإنساني.

والحمل تتدخل فيه عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية، وإن كل عامل من هذه العوامل له آثاره التي يتركها على المرأة (وقد أثبت الطب الحديث أن حادثة الحمل في الواقع هي حادثة اضطراب جسدي في حياة المرأة ولكنها تعبر عن فعالية داخلية في نفسيتها، ذلك أن الميول السيكولوجية تسلك فعالية كبيرة قد تؤثر في هذه الحادثة تأثيرا حاسما، وقد بين الطب الحديث أن الناحية السيكولوجية قد تسبب العقم للمرأة كما أنها تسبب كثرة النسل)(1).

المسألة الثانية: الآثار النفسية والاجتماعية لحادثة الحمل
ألف: الآثار النفسية

إن الآثار النفسية الأولى لحادثة الحمل تبدو بشكل واضح في محاولة المرأة لإخفاء كل شيء عن حادثتها الجديدة، فهي تعدّ جميع هذه الأمور خاصة بها وسرية وذلك يعيد إلى ذاكرتنا موقف الفتاة من نفسها ومشاكلها في زمن (المراهقة)

ص: 137


1- بسيكولوجيا المرأة، لهيلين دوتش: ص 49-50.

الزمن الذي نستطيع أن نسميه (بالسري) لكثرة ما تضم فيه الفتاة من أسرار وألغاز حول النواحي العاطفية في حياتها.

وسبب هذه النزعة الجديدة في حياة المرأة هو ذلك التنازع الخفي بين ناحيتين في حياتها ولا ريب أن غريزة حفظ النوع هي الغالبة في كل حين ولكن أثر هذا الصراع لا يلبث قويا في المراحل الآتية لنفسية المرأة.

فثمة اتجاه داخلي إلى نفسية المرأة تتوجه فيه بكليتها إلى خلق توازن وعندئذ تسيطر الجوانب النفسية على حياتها ويبقى الخيال الموجه الأول في تصرفاتها وحتى الطفل يظل في نظرها كائنا خياليا تولده فعالية نفسها وعندما تقترب المرأة من تحقيق هذا الخيال يقوى الدافع النفسي فيها وتصبح جميع عواطفها الثانية شيئا ثانويا بالنسبة لحياتها ذلك أن نزعتها إلى التوحيد ما بين نفسها وولدها تظل على قوتها.

وهنا: يبدو لنا هذا الحنين الأبدي في النفس الإنسانية على التوحيد ما بين (الأنا واللاأنا) هذا الحنين الذي يعد الرغبة العميقة إلى أن يجد الإنسان أحلامه متحققة في الآخر.

وهنا تبدو لنا ناحية جديرة بالاهتمام: هي أثر الأماني والأحلام في تكوين الطفل وكثيرا ما تبدو لنا المرأة وهي تنسج من خيالها طفلا نموذجيا يحمل جميع الصفات الحسنة التي تحلم بها، وهكذا فإن من أبرز صفات الأمومة في هذا الدور والحمل هي مثل هذه الأحلام، ولعل خوف المرأة من أن لا يكون عندها أولاد يرجع إلى خوفها من عدم تحقيق هذه الرغبة، ومن الجدير بالملاحظة أن هذه الصفات تحتاج إلى كثير من المساعدة التي تنشدها الأم في أمها، وهنا يدخل في دور

ص: 138

الحمل عنصر جديد هو ما نسميه عنصر الجدة بالنسبة للطفل الذي سيولد.

والواقع أن (الجدة) (أم الأم) تلعب دورا كبيرا في نفسية الأم الحامل وتؤثر في اتجاه نمو طفلها، ويأتي هذا التأثير عن طريق التربية النفسية التي توصيها الأم لابنتها.. وكثير من النساء تؤثر فيهن هذه التربية تأثيرا كبيرا، فمنهن من تكون مؤمنة تتوجه إلى الله دوما لحماية طفلها.

ومنهن من تكون ملحدة فهي ترغم أمام المهمة الصعبة التي أمامها إلى أن تتوجه إلى قوة تساعدها في هذه المهمة.

وعلى كل فإننا نستطيع أن نجد في جميع هذه الحوادث نوعا من الصراع بين (الأنا النرجسية) أي: (شخصية المرأة)، وبين إعطائها نفسها لطفلها.

ولكن هذا الصراع لا ينكشف بشكل سافر إلا بعد الولادة، فالمرأة ما تلبث أن تشعر بعد الولادة بأن لها الحق أن تطمئن نزعاتها الأنانية، فهي ما تنفك تقول: إنني أنا أم هذا الولد كثيرة في الحياة اليومية توضح لنا مظاهر هذا الصراع الذي يورث المرأة اضطرابا كثيرا في حياتها.

على أن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فالمرأة عندما تنتهي من إنهاء علاقتها بطفلها تقع في مشكلة جديدة هي علاقاتها مع زوجها، وهنا يبدو لهذه العلاقة أثر كبير في الحمل نفسه، فإذا كانت العلاقات طيبة كان نمو الطفل الجنين سليما، وكان مثلث الصداقة الذي أشرنا إليه، - أي: (الأم وطفلها وزوجها) - هو الذي يخيم على الحياة العائلية.

وهكذا فإن مثل هذه العلاقات تعزز في نمو الطفل العناصر السليمة،

ص: 139

والعكس صحيح، فالعلاقات إذا كانت سيئة بين الأم والأب تسيء إلى نمو هذا الولد.

كما أن طبيعة المرأة في اقبالها على المجتمع، أو عزوفها عنها تؤثر كثيرا في نفسيتها أيضا.

ذلك أن سلوكها الاجتماعي إما أن يستنفد كثيرا من قوتها أو يسبب لها نوعا من الهم والضيق، ذلك أن رغبتها الاجتماعية تتجسم بشكل واضح في محاولتها تلبيث رغبات (الأنا) في أن تكون شيئا في المجتمع، فهي تشعر بحقها في أن تكون شيئا بعد أن تعذبت وأشرفت على أن تعطي المجتمع مولوداً جديدا.

أن نضالها في سبيل توكيد شخصيتها على هذا الشكل يعدّ مرحلة هامة من حياتها النفسية وأول شكل لهذا النضال يتجسم في اعتدادها بنفسها.

وثمة ظاهرة غريبة في النساء تبين لنا مدى ضعف ارتباط المرأة بطفلها أمام ارتباطها بتوكيد ذاتها على هذا الشكل فكثيرات يقلن: (نعرف أن عندنا أطفالا، وهذا يسعدنا، لأننا أردناهم)، كما أن بعضا منهن يشعرن بالطفل كأنه شيء دخيل عنهن.

تقول إحدى النساء: إنني أشعر أن ولدي هو مرن دائم الانشغال في أحشائي خلال الشتاء وأنه ليس إلا من أجلكم.

وهكذا فإننا نرى أن اضطرابات نفسية شتى تدخل في حياة المرأة عقب الحمل وتسبب لها اضطرابها وتمثل في شكل واضح، وفي تلك الحالات المرضية التي تتعرض لها بعض النساء عندما يشعرْنَ بانفعال نهائي بينهن وبين أطفالهن، فتقول

ص: 140

إحداهن مثلا: كيف تريدون مني أن أحب كائنا لم يوجد بعد.

ولكن الحمل بصورة عامة يتصف بأنه المرحلة الخطيرة التي تتركز فيها عواطف المرأة في نقطة وحيدة هي (الأمومة) وعلى الرغم من جميع مظاهر الأمراض العصبية التي تتعرض لها حياة المرأة النفسية في هذا المجال فإن شيئا أساسيا يظل حقيقة هو: (أن عاطفة الأمومة تزداد نموا واتساعا في عملية الحمل)، ومهما كان وضع المرأة حاملا أم غير حامل، تكره الأولاد أو تحبهم، فإن المحرك الأساسي في عواطفها لا يلبث ما نسميه بعاطفة الأمومة.. وفي الواقع إن كل امرأة تستطيع أن تشعر شعورا كليا بعاطفة الأمومة حتى ولو كانت لم تحمل ولم تعرف ولدا وتعييني أن ذلك يرجع إلى غريزتها وإلى بنيانها الفيزيولوجي(1).

باء: الآثار الاجتماعية

لعل التشاريع الكثيرة التي جاء بها المصلحون، والأديان من أجل التفريق بين المرأة العقيم والمرأة الولود إنما كانت لتعبر عن محاولات دائمة لصيانة اتجاه المرأة الغريزي اتجاه الولد.

كما أن حفظ النوع بحد ذاته يؤثر تأثيرا كبيرا في تفسير هذا الاتجاه، كما أن فكرة الخلود هي التي تعمل أيضا عملها في انضاج غريزة الأمومة، فالأديان والعادات في كثير من الشعوب تعد المرأة التي لا أولاد لها كائنا منحطا ولا تقيم لها قيمة أو وزنا إلا عندما تصبح أما، كما أن جميع الأمم تقريبا تعدّ المرأة المسؤولة الوحيدة عن العقم.

ص: 141


1- المصدر السابق: ص 56-57.

ففي الشعوب الابتدائية ينظر إلى هذه المرأة على أنها ملعونة، وفي الشعوب الراقية تتهم بأنها مريضة (عاجزة).

أن تاريخ المدنيات والحضارات تعلمنا أن عقاب المرأة العقيم كان رهيبا جدا فقد كانت تحتقر ويسخر منها، وترفض؛ وعند اليهود - وبعض المسلمين - كان العقم يمكن أن يكون من أسباب الطلاق، وفي بعض القبائل الأفريقية وهنود أمريكا تطرد المرأة التي لا أطفال لها، وقلما يحدث الطلاق لهذا السبب، وفي كثير من الشعوب تحترم المرأة حسب ما يكون لها من أولاد، ولاسيما من ذكور، ولكن في عصورنا الأخيرة نرى أن كثيرا من هذه المسؤولية قد خف عند المرأة إذ أصبحت الضرورات الاجتماعية والحرية الشخصية لتعقيد المجتمع مخففة إلى حد كبير من الضغط على المرأة العقيم.

ذلك أن المجتمع أصبح يرجع أسباب العقم إلى حياة المرأة الفيزيولوجية وإلى الظروف الاقتصادية وحالة المجتمع وغير ذلك، وهذا كما يلاحظ يعد معززا لبقية الروح النرجسية في المرأة فكثير من النساء أصبحن يفتخرن بأنهن بدون أولاد ولاسيما في الطبقات الراقية وأصبحن يملن إلى حياتهن الخاصة وإلى تحقيق غرائزهن.

وبذلك نستطيع أن نقول إنهن حاولن تصعيد عاطفة الأمومة ولكن أية محاولة من هذا النوع تعد فاشلة حتى عند أولئك اللواتي كانت لهن موهبة اجتماعية كبيرة قوية(1).

ص: 142


1- المصدر السابق: ص 56-57.
المسألة الثالثة: العلاقة بين نفسية الأم ونفسية الجنين

أن تطور العلوم النفسية أدت إلى استقلال مادة بحثية متخصصة في نفسية الجنين وهو في بطن أمه، فقد أصبح اليوم وضع دراسات تعنى بنفسية الجنين وما يطرأ عليها من تغيرات بحسب تأثير العوامل الخارجية الواردة على نفسية الأم، إضافة إلى ما يحمله الشريط الوراثي لهذا الجنين.

(إن مجموع ما يتكون لدى الجنين من إحساسات أولية، وخبرات جسدية ونفسية تجعل العلماء يرون: أن الجنين يحيا حياة تامة وهو في بطن أمه، وإنه حين يولد يكون قد قطع شوطا كبيرا من النضج يساعده على متابعة حياته المستقلة، كما يساعده على متابعة وظائفه المستقبلية، وهو عندما يغدو إلى هذا العالم لا يواجه عالمه كما لو كان غريبا عنه ويجهله، بل هو يتابع خبراته التي تكونت عنده وهو جنين)(1).

ويقول (توما فرين)(2): إن بدء التطور في حياة المولود يعود إلى ما قبل الولادة وهو جنين وإلى بعد الولادة أيضا، وأن عملية الولادة في حد ذاتها ما هي إلا مجرد فاصل (يتم فيه الانتقال من بيئة إلى أخرى)(3).

(ولم يكن يخطر على بال الناس أن هناك ارتباطا بين الواقع النفسي للجنين والواقع النفسي للأم الحامل، لكن الدراسات أثبتت بما لا يدع المجال للشك في أن

ص: 143


1- سيكولوجية الأمومة ومسؤولية الحمل لعدنان السبيعي: ص 149.
2- مؤلف كتاب خفايا وأسرار حياة الجنين.
3- سيكولوجية الأمومة للسبيعي: ص 150.

حياة الأم النفسية هي المنبع الأول لكل ذاك الثراء النفسي الذي سوف تحتويه نفسية المولود من مشاعر وتعلقات وميول واتجاهات.

لقد ثبت أن شخصية الجنين تتكون اتجاهاتها وملامحها بدءا من الشهر السادس من ساعات تخلقه، وفي هذا الشهر تبدأ سمات المحبة أو الكراهية والاستعداد للكآبة والخوف أو الهلع يتكون ويتفتح)(1).

ولذلك:

فإن ما تمر به الأم أثناء مرحلة الحمل لا يترك أثره فقط على نفسيتها بل هو كذلك له أثره على نفسية الجنين، وأن ما تحاط به الأم من شعور عاطفي يبذله زوجها من الحنان والحماية لها وهو ما يعرف ب - (الأمن الاجتماعي الداخلي) سيحدد نمط شخصية الجنين وسيساعد الأم على ازدهار الأنا فيها.

ونحن ومن خلال ما ننهله من دروس وقواعد حياتية من بيت الزهراء عليها السلام، فإن كل هذه النقاط التي أثبتتها الدراسات فيما يفرضه حالة الحمل والولادة على شخصية الأم ووليدها كانت قد رسمت في بيت فاطمة عليها السلام؛ بل نستطيع القول وبكل ثقة إن هذه الأسس الصحية والحقائق العلمية كانت ولم تزل تصدر عن ذلك المرجع العظيم.

إلا أن انشغال الباحثين بمواكبة ما ظهر من أبحاث ودراسات ميدانية وعينية ومن خلال البحث والتقصي جعلهم يواكبون هذه الدراسات، ولعل لذة البحث تشغل الباحث عن الالتفات إلى المرجع الأول للحقائق الحياتية وهو القرآن

ص: 144


1- المصدر السابق.

الكريم، أو أن جبروت العقل عند البعض لا يرضخ مباشرة لما هو ثابت في مكنون الكتب السماوية، وإن كان قلب المؤمن موقناً بما حوته هذه الكتب سواء ما ظهر منها على أيدي أهلها أو ما لم يظهر.

ولذلك: لم يتحقق لامرأة ما تحقق لفاطمة عليها السلام من عناصر سلامة الحمل وصحته بدون أدنى مجال للشك، وكيف لا وهي في بيت والدها سيد الخلق وزوجها سيد الوصيين، وهي سيدة نساء العالمين، وهذه الصفات وإن كانت تحمل المقام الأقدس، لكن هي في الواقع تحمل جميع عناصر الكمال الإنساني، أي: إنهم يمثلون جميع نظم الحياة، والنظم الحياتية لا تحدث إلا في حالة التمسك بالحدود التي شعرها الله عزّ وجل.

وعليه:

كان حملها يسير ضمن تلك العناصر المتناهية الدقة بكل ما يحتاج إليه الجنين من تكوينات نفسية وعقلية وبدنية، لأنه سيلد وهو متحد بنورها ونوره، أو كما يعبر عنه المصطلح العلمي من اتحاد (الأنا باللاأنا).

وإلا كي يولد مولود يحمل صفة قيادة الأمة، وإنه حجة الله، فلابد أن يكون قد مرّ أثناء مدّة الأجنة بما هو سائر ضمن الأسس والحدود الإلهية، وإن شئت فسمّها العلمية، ف -:

(لاَ اَلشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهٰا أَنْ تُدْرِكَ اَلْقَمَرَ وَ لاَ اَللَّيْلُ سٰابِقُ اَلنَّهٰارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )(1).

ص: 145


1- سورة يس: الآية 40.
المسألة الرابعة: خصوصية الحمل الرسالي على المرأة نفسياً واجتماعياً وعقائديا
اشارة

يرسم لنا القرآن الكريم في مجموعة من الآيات الكريمة صورة واضحة الملامح عن الحمل الرسالي وآثاره على المرأة من جهة ومن جهة ثانية على العقيدة والمجتمع.

ولقد قدم القرآن أربع صور للحمل الرسالي، أي: الحمل الذي يتمخض عنه مولود رسالي مقلد إليه أمر النبوة والرسالة الإلهية، فكانت هذه الصور كالآتي:

1 - حمل سارة بنبي الله إسحاق عليه السلام.

2 - حمل أم موسى بنبي الله موسى كليم الله عليه السلام.

3 - حمل ابنة عمران بمريم عليها السلام.

4 - حمل مريم بعيسى عليه السلام.

ولقد اشتركت جميع هذه الصور بمجموعة من الظواهر الخاصة بهذا الحمل الرسالي والتي بمجموعها تحقق مجموعة من الأهداف الإصلاحية للمجتمعات، وهي كالآتي:

ألف: الغرض الإرشادي

ويتكون الغرض الإرشادي في هذه الصور من شقين:

1 - الغرض الخاص.

2 - الغرض العام.

ص: 146

فأما الغرض الخاص فهو يشمل عناية الله سبحانه وسابق لطفه بهذا المولود والمخصوصة بحمله فيكون ذلك كاشفاً عن بيان هذه المنزلة للأم ووليدها.

وأما الغرض الإرشادي العام فهو إرشاد الناس إلى أن هذه المرأة ووليدها هم ممن اختارهم الله عزّ وجل لحمل الرسالة وخدمة الشريعة وبيان أحكام الباري عزّ وجل ومن ثم قطع العذر على المعتذر في عدم الاهتداء لأصحاب هذه الرسالات.

واقتصار القرآن على هذه الصور لا يعني إلغاء تلك الأغراض الإرشادية من بقية الحالات التي رافقت حمل الأمهات بحملهنّ الرسالي وهذا فضلاً عما زخر به التاريخ الإسلامي من ظواهر إرشادية رافقت حمل آمنة بنت وهب بخير خلق الله وسيد رسله لا مجال لذكرها هنا.

باء: الاهتمام بالحامل قبل المحمول

وهذا ظاهر في تلك الصور القرآنية التي أوردها الوحي في محكم الذكر فقد دلت تلك الشواهد القرآنية على أن الاصطفاء كان مسبوقاً للأم قبل الوليد ليؤسّس القرآن لنمو الفكر العقائدي والإيمان بالغيب لدى الآباء والأمهات قبل الأبناء، بمعنى الاستفادة من هذه الحالة لجيلين من الناس، الأول كان يشاهد عملية الاصطفاء للأم، والثاني يشاهد عملية الاصطفاء للمولود الجديد، وفي ذلك تحقق أسس الصلاح قبل البدء بالنبوة وذلك لوجود مقدمات الإصلاح في المجتمع الذي سيبعث فيه هذا النبي أو ذاك الرسول سلام الله عليهم أجمعين.

ولعل المعطيات التي قدمها القرآن الكريم حول مريم ابنة عمران هي الأمثل في إيصال هذه الحقيقة إلى أذهان الناس.

ص: 147

ففي الاصطفاء الرسالي للأم يقدم القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى:

(إِذْ قٰالَتِ اِمْرَأَتُ عِمْرٰانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مٰا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ )(1).

والآية الكريمة حاكية عن ذلك التأسيس الإصلاحي والظهور الاصطفائي للأم قبل وليدها مريم عليها السلام اختار الله لها أبوين صالحين لتنشأ هذه المرأة في بيئة أعدها الله تعالى لحملة رسالته.

ثم يمضي البيان القرآني لهذا الاصطفاء الرسالي للأم فيقول سبحانه:

(فَلَمّٰا وَضَعَتْهٰا قٰالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهٰا أُنْثىٰ وَ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا وَضَعَتْ وَ لَيْسَ اَلذَّكَرُ كَالْأُنْثىٰ وَ إِنِّي سَمَّيْتُهٰا مَرْيَمَ وَ إِنِّي أُعِيذُهٰا بِكَ وَ ذُرِّيَّتَهٰا مِنَ اَلشَّيْطٰانِ اَلرَّجِيمِ )(2).

ومما ترشد إليه الآية الكريمة في بيان هذه الحقيقة هو:

1 - قوله تعالى:

(وَ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا وَضَعَتْ ).

وهذا هو الاصطفاء الإلهي للأم فهو الذي قدر برحمته أن تلد امرأة عمران أنثى.

2 - قوله تعالى:

(وَ إِنِّي أُعِيذُهٰا بِكَ وَ ذُرِّيَّتَهٰا مِنَ اَلشَّيْطٰانِ اَلرَّجِيمِ )(3).

ص: 148


1- سورة آل عمران، الآية: 35.
2- سورة آل عمران، الآية: 36.
3- سورة آل عمران، الآية: 36.

وهذا هو الاصطفاء الرسالي للمولود الذي أعدّه الله تعالى لحمل الرسالة.

ولذا:

نجد أن آثار هذا الاصطفاء في عملية الإصلاح المجتمعي في البنية العقائدية ظاهرة في المجتمع من خلال تلك الشواهد القرآنية الآتية.

1 - تنشئتها الاجتماعية فقد تكفل بها نبي الله زكريا عليه السلام لتكون بذلك محل اهتمام أتباع زكريا ومعارضيه فلا يخفى حالها ومنزلتها على أحد في مجتمع بني إسرائيل.

قال تعالى:

(وَ أَنْبَتَهٰا نَبٰاتاً حَسَناً وَ كَفَّلَهٰا زَكَرِيّٰا)(1).

وبهذا يكون الإنبات قائماً في بناء شخصية مريم بنت عمران من خلال:

أولاً: الاصطفاء الإلهي الذي عبرت عنه الآية ب - (الإنبات) و (الحسن).

وثانياً: من خلال المربي والمنشئ وهو زكريا عليه السلام الذي جسد أجمل صورة للنمو الحياتي والإثمار، إذ لابد الإنبات من عوامل للنمو والحياة والأرض الصالحة فكانت امرأة عمران والإنبات الحسن وهو الاصطفاء الإلهي والمتكفل بهذا الزرع الذي دأب على رعايته وهو زكريا عليه السلام ليعطي في النهاية الثمر وهو نبي الله عيسى بن مريم عليهما السلام.

ولذلك:

نجد أن هذه المقدمات جعلت عملية الإصلاح المجتمعي مهيأة وبنسبة عالية

ص: 149


1- سورة آل عمران، الآية: 37.

وذلك من خلال الشاهد القرآن الآتي الحاكي عن قدوم مريم وهي تحمل وليدها إلى قومها فلما رؤا ما هو مخالف لسيرتها وما عرفوه من منزلتها قالوا لها:

(يٰا أُخْتَ هٰارُونَ مٰا كٰانَ أَبُوكِ اِمْرَأَ سَوْءٍ وَ مٰا كٰانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)(1).

أي إن عملية الاصطفاء الإلهي لهذا الحمل الرسالي قد أخذت بجميع مقدمات الإصلاح في المجتمع وإن آثار هذا الحمل الإرشادية قد نفذت في النفوس ولذا قدم أهل العقل في المجتمع الإسرائيلي التزكية النفسية والمقومات الإصلاحية للمرأة قبل سؤالهم عن المولود وذلك في نفي السوء عن الأب والبغي عن الأم.

بمعنى:

أن المجتمع كان يراقب حال هذه المرأة قبل أن تولد وتراقب نشأتها ونموها وأنها محصنة من العيوب ومنزهة من الذنوب ولذا ففي حملها لهذا الغلام أمر غريب يتنافى مع تلك المقدمات والمعرفة التي تخللت جيلين من بني إسرائيل.

فلما تبيّن لهم حقيقة المولود وأنه:

(قٰالَ إِنِّي عَبْدُ اَللّٰهِ آتٰانِيَ اَلْكِتٰابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا)(2).

أيقنوا حينها أن هذه الأم ووليدها ممن اصطفاهم الله تعالى لشريعته فلزم الإيمان بنبوة عيسى عليه السلام.

والحال يجري مجراه في سارة ووليدها إسحاق عليه السلام وذلك من خلال البيان القرآني الآتي:

ص: 150


1- سورة مريم، الآية: 28.
2- سورة مريم، الآية: 30.

(وَ اِمْرَأَتُهُ قٰائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنٰاهٰا بِإِسْحٰاقَ وَ مِنْ وَرٰاءِ إِسْحٰاقَ يَعْقُوبَ (71) قٰالَتْ يٰا وَيْلَتىٰ أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هٰذٰا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هٰذٰا لَشَيْ ءٌ عَجِيبٌ (72) قٰالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اَللّٰهِ رَحْمَتُ اَللّٰهِ وَ بَرَكٰاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ اَلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)(1).

وفي موسى الكليم وأمه قال سبحانه وتعالى:

(وَ أَوْحَيْنٰا إِلىٰ أُمِّ مُوسىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذٰا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اَلْيَمِّ وَ لاٰ تَخٰافِي وَ لاٰ تَحْزَنِي إِنّٰا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جٰاعِلُوهُ مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ )(2).

وعليه:

نجد أن حقيقة الحمل الرسالي وآثاره على المرأة والمجتمع والعقيدة ظاهرة في تلك الصور القرآنية وممهدة لغرض القيام بالإصلاح للفرد والمجتمع كما جرى ذلك بشكله الأوضح في حمل مريم ومن قبل امرأة عمران ولعل الحكمة في هذا البيان القرآني هو قرب زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من زمان عيسى عليه السلام إذ لا فاصل بينهما من حيث البعث والرسالة.

وهذا له من الأثر الإصلاحي ما يغني عن الشرح بل إن هذا البيان القرآني كان الغرض منه إعطاء صورة لخديجة وابنتها فاطمة وأبنائها الأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام، فحالهم ليس بالغريب على المجتمع المكي وإن الغرض الإرشادي والإصلاحي في إنبات فاطمة وتكفل سيد الخلق بها لأعظم مما أعطاه إنبات مريم وتكفل زكريا عليهما السلام بما فضل الله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على سائر خلقه وأنبيائه ورسله، كما فضل القرآن

ص: 151


1- سورة هود، الآيات: 71 و 72 و 73.
2- سورة القصص، الآية: 7.

والإسلام وفاطمة على سائر نساء العالمين.

ولذا:

فإن حملها الرسالي بالحسن والحسين عليهما السلام كان له من الاصطفاء الرباني والغرض الإرشادي والتقويم السلوكي والإصلاحي ما لم يكن لآل بيت في بيوت الأنبياء عليهم السلام بمقتضى قوله تعالى:

(هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدىٰ وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ )(1).

ص: 152


1- سورة التوبة، الآية: 33.

المبحث الثالث: ولادة الإمام الحسن عليه السلام

المسألة الأولى: آثار مرحلة الولادة على المرأة

هناك مظاهر كثيرة للولادة تتعرض لها المرأة حسب محيطها ومدنيتها، ففي الشعوب الابتدائية تلجأ المرأة إلى القابلات، فالقابلة هي التي تملك مصير الولد والمرأة ويروى أن المرأة في جاوا تلد في ساعة واحدة فقط وكأنها تقدم على عمل طبيعي، وفي بعض القبائل لا تستغرق - الولادة - إلا عدة دقائق تستحم بعدها المرأة وينتهي كل شيء، كما أن بعض القبائل الابتدائية تهيئ أمكنة أمينة لتلد فيها النساء، ففي زيلندا الجديدة تلد النساء على ضفاف الأنهار ويكن وحيدات، ونساء قبائل فليس يلدن دون مساعدة.

أما المرأة الهندية في جزر هند البريطانية فإنها تترك تريثها عندما يأتيها المخاض وتقف مدة ساعة في كوخ في الغابات في انتظار الولادة التي لم يكن فيها بالنسبة

ص: 153

إليها أي خطر ثم تعود لوحدها مع وليدها إلى العائلة، وكذلك تفعل نساء بعض القبائل الهندية في (الكواتيمالا)، ويروى السائحون نفس الحوادث من النساء في فرجيني، أما في حياتنا الراهنة فإن النساء يلجأن بعد الولادة إلى المستشفيات ويعانين ضعفا ويحتجبن للراحة والهدوء والسكون ولكن تلك السهولة التي تبدو بها الولادة عند القبائل الابتدائية لا تخلو من عناصر نفسية غريبة ذلك أن بعض الشعوب الابتدائية ترى في المرأة كائنا قذرا وخطرا طول مدة الحمل والولادة وكانوا يتخيلون أن شياطين خبيثة تسكن في المنزل الذي تقطنه المرأة الحامل، وكثير من الشعوب تعدّ المرض الخبيث متجسدا شكل امرأة، ولعل الأساطير الكثيرة متأثرة بهذه النظرة عندما تجعل السحرة والشريرين نساء ولذلك فإن كثيرا من التصرفات الغريبة ترغم المرأة الحامل على سلوكها أثناء الولادة فالمرأة في (نيام نبام) في أفريقيا الوسطى تهجر بيت زوجها وتلجأ إلى الغابات المجاورة حيث تلد بمساعدة صديقات لها، ومن الملاحظ أن هذه المرأة تهتم كثيرا بمساعدة صديقة لها أثناء الوضع.. والواقع أن الابتدائيين يعدّون المرأة المساعدة في الوضع عنصرا أساسيا عند الولادة.. ويرونها نموذجاً للمرأة المجربة التي تعرف كل شيء، وفي قبائل الماوري في زولندا الجديدة تحضر الجدة أي أم الأم ولادة أول طفل، وفي بعض القبائل الأخرى يكون ضروريا أن تحضر الحماة أثناء الولادة، والواقع أن هذا الحضور لوجود حالة حيوية في الولادة بل هو نوع من التقاليد.. فهناك علاقة سيكولوجية بين المرأة الرائدة وبين (القابلة) التي اعتبر أن يكون حضورها ضروريا أثناء الولادة... وذلك أن هناك اعتقادا ابتدائيا يصوّر ضرورة وجود امرأة عاقلة حسنة تطرد الأرواح الخبيثة عند الولادة وذلك ما يبقي اطمئنانا في نفسية المرأة، وفي مونيثينا الحالية تتبع

ص: 154

المرأة(1) نفس الأساليب في تعبيرها عن حاجتها للمساعدة او للقابلة ولكنها كثيرا ما تنظر إلى هذه القابلة نظرة كره في الغالب؛ لأنها تعدّها مسؤولة عن آلامها في بعض الأحيان، كما أن بعض النساء يوجهن هذا الكره إلى أزواجهن فيسبُبْنهم باللعنات والواقع أن دور الرجل في سيكولوجيا الولادة عند المرأة هو دور رئيس.

وفي بعض القبائل الابتدائية تطلب المرأة من زوجها أن يحضر الولادة ويتحقق بذلك ثالوث تطمئن إليه المرأة (هي والزوج والقابلة) ففي جزر ( Andaman ) عندما تأتي ساعة الولادة يعد من القاعد أن يحضر الزوج وإحدى صديقات زوجته فالزوج يمسك بظهر زوجته ويضغط جسمها عندما تكون هناك حاجة لذلك والصديقة تضع حاجزا من الأغصان أمام القسم السفلي من جسم المرأة.

أما في مدنيتنا الراهنة فإن هذا الثالوث يتمثل بالممرضة والطبيب وبذلك تتحول عواطف المرأة الحامل إليها وتتنازعها عاطفة جارفة من الحب والكره والثقة والحقد والاستسلام وعدم الصبر ولا ريب أن إحاطة المرأة بجو عاطفي هادئ يسهل كثيرا من عملية الولادة ولكن ما لا ريب فيه أن من مسائل المدنية الحديثة أنها أبعدت فكرة الأرواح الشريرة والقوى الخارقة من عملية الولادة وأصبح المعطف الطبيعي يلعب الدور الأول في نفسية المرأة عند الولادة.

وقد أثبتت الدراسات الطبية أن هناك تبادلا عميقا بين جميع العوامل النفسية والبيولوجية في حادثة الحمل والولادة وبذلك نستطيع أن نفهم بوضوح أن نفسية المرأة بعد

ص: 155


1- سيكولوجيا المرأة د. هيلين دوتش: ص 60.

الولادة تصبح أكثر تعقيدا واضطرابا كما كانت قبلا فالواقع أن المرأة بعد الولادة تنسى أشياء كثيرة من وظائفها الطبيعية كأنثى.. ولاسيما الوظائف الجنسية، وهذا يؤثر تأثيرا كبيرا في نفسيتها.

وقد درس الأطباء النفسانيون الأحوال الابتدائية للوليد لكي يوضحوا لأنفسهم مدى الفراغ الذي كانت تملؤه أمه فرأوا أن ارتباط الأم بالولد يعدّ شيئا أصيلا وأن جميع الآلام التي يعانيها الوليد إنما ترجع إلى موقفه من أمه (بعده أو قربه منها والواقع أن دراسة الوليد تفيد كثيرا في معرفة نفسية المرأة النفساء ذلك أن الطفل هو من العناصر الأولية التي تسبب الفرح والحزن للأم ومهما يكن من أمر فإن الولادات في العصر الحاضر تميل غالبا إلى أن تكون سليمة لا تحدث فيها تلك الهزات الانفصالية التي تحدث للمرأة المتأخرة أو الابتدائية.

والملاحظات المتعددة تفيد بأن العامل الأول في نفسية المرأة أثناء الحمل هو التغيرات الفيزيولوجية كما أن علاقتها بالوليد بعد الولادة هي الشيء الأساس ومن المفيد جدا أن نذكر بأن نوعا من الصراع الداخلي تمر به المرأة قبل الولادة يؤثر في نفسيتها بعد ذلك، هو ذلك الصراع بين احتضانها للولد وبين وضعه وهذا الصراع معقد كثير الجوانب فهو يعبر أحيانا عن خوف من الولادة ومن آلامها كما قد يعبر عن روح نرجسية تريد فيها المرأة أو الأم أن تكون لها وحدها ثمرة الحمل.. وقد يكون خوفها من جنس الولد باعثا على احتفاظها فكثيرا ما تنتهي المرأة أن يكون وليدها أنثى أو ذكراً فإذا ما علمت(1) بعد ذلك أنه كان غير ما تريد سبب لها هذا نوعا من القلق العميق.

والواقع أن هذه الناحية خطيرة جدا بالنسبة لحياة المرأة فالعدد الأكبر من

ص: 156


1- المصدر السابق: ص 61.

النساء الطبيعيات المسترجلات يشتهين أن يكون ابنهن الأول ذكراً والحقيقة أن سبب ذلك هو أن هذه الرغبة عند النساء إنما تتكون لحبهن لأن يلدن ما يشعرن بحاجة إليه أي عناصر الرجولة والحقيقة أن العوامل الاجتماعية لها أثر أيضا في هذا، فالمجتمع بأثره غالبا يطالب المرأة بأن تلد ذكرا، فالجد والأب يريدان الذَّكر لكي يخلّدا فيه.

والواقع أن الرغبة النرجسية يجب أن تدفع المرأة إلى أن ترغب في أن يكون ابنها بنتا تسير فيها من جديد وتجدد فيها جمالها ولذلك فإن ما يبدو لها في أول الأمر هو ذلك القلق من الذكر فكثيرا ما نسمع نساء يقلن لأزواجهن أنظروا هذا هو الولد الذي اردتم كم هو مخيف مثلكم ولكن في أعماق نفس المرأة تلبث الرغبة في الذكر حية وأقوى من كل رغبة والأحلام التي تراودها تظل أقوى من جميع التصورات المخيفة عن الذكر، من هذه التصورات المخيفة خوف المرأة من أن تلد مسخا.

إلى جانب الخوف من نتائج الولادة يأتي خوف آخر هو الحالة التي تتم بها عملية الولادة وكثيرا ما يمتلك المرأة شعور رهيب بأن الموت ينتظرها وأن حادثة الولادة لابد أن تؤدي إلى كارثة لها ولولدها، وبالواقع أن هذا الخوف لا يؤثر تأثيرا كبيرا في نفسية المرأة المتفائلة التي لا تنفك تقول في كثير من الاستبشار أنه لابد من حدوث أشياء مفاجئة تزيل كل هذا الألم، إن الشيء البارز في كل هذا هو خوف الأم من العملية الجراحية ذلك أن هذا الخوف يقترن بالموت غالبا والألم الفيزيولوجي الكبير ومن مثل هذا الخوف تقع جميع الأمراض العصبية التي تتعرض لها المرأة بعد ذلك.

ولأهمية تلك الآثار على المرأة وفعاليتها التغيرية في شخصيتها فقد أولى الإسلام مرحلة الحمل والولادة أهمية خاصة فركز على جوانب عديدة كالجانب

ص: 157

النفسي والاقتصادي والاجتماعي والتكويني وقد نبه الإسلام قبل نشوء العلوم الحديثة وتطورها إلى دور الغذاء في تحديد المعالم التكوينية والعقلية والنفسية والبدنية للجنين، وأن الغذاء له الدور الثاني بعد الوراثة في تحديد شخصية الجنين: وفي هذا الخصوص أخرج الشيخ الكليني رحمه الله مرفوعا إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«ليكن أول ما تأكل النفساء الرّطب فإن الله تعالى قال لمريم:

(وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ اَلنَّخْلَةِ تُسٰاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا)(1).

قيل: يا رسول الله فإن لم يكن أوان الرطب ؟ قال:

«فسبع تمرات من تمر المدينة فإن لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم فإن الله عزّ وجل يقول: وعزتي وجلالي وعظمتي وارتفاع مكاني لا تأكل نفساء يوم تلد الرّطب فيكون غلاما إلا كان حليما وإن كانت جارية كانت حليمة»(2).

وعن الحسين بن علي عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أطعموا حبالاكم اللّبان فإن الصبي إذا غذي في بطن أمه اللبان اشتد قلبه وزيد في عقله فإن يك ذكرا كان شجاعا وإن ولدت أنثى عظمت عجزتها فتحظى بذلك عند زوجها»(3).

ص: 158


1- سورة مريم: الآية 25.
2- الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج 6، ص 22، ح 4.
3- الكافي: ج 6، ص 23، حديث 6؛ وسائل الشيعة: ج 21، ص 405 ح 27418؛ مستدرك الوسائل: ج 15، ص 137، باب 25.

وأما ما يخص الرضاعة وأحكام الإنفاق على المرأة الحامل وغيرها فكثيرة لا ينبغي إيرادها لأنها ليست من موضوع البحث، وإنما نريد أن نبين أن الإسلام لم يدع جانباً من الجوانب النفسية والبدنية إلا وقد وضع لها حدودها كي لا تهتضم المرأة وكي يحفظ الجنين من التشوهات الخَلْقية والخُلُقية.

المسألة الثانية: الرواية الواردة في ولادة الإمام الحسن عليه السلام

ولدت فاطمة بكرها عليهما السلام في المدينة بفنى المسجد النبوي حيث دار سكنى فاطمة عليها السلام، وكانت السنة التي ولد فيها الحسن عليه السلام هي سنة بدر الكبرى(1)، وقيل في السنة الثالثة للهجرة النبوية، في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك(2).

والإمام الحسن عليه السلام هو أول مولود يستقبله النبي صلى الله عليه وآله سلم من بضعته فاطمة عليها السلام فجاءت تحمله إليه صلى الله عليه وآله وسلم وهي تزفه بالبشرى، فقد ولدت أحد أئمة العترة النبوية، وسبط هذه الأمة.

وقيل: إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ليغيب عن بضعته فاطمة عليها السلام وهي تمر في مثل هذه الحالة التي تحتاج فيها المرأة إلى الأم والأهل، ولاسيما أن فاطمة قد فقدت أمها خديجة عليها السلام وهي في سن

ص: 159


1- أصول الكافي لثقة الإسلام الكليني رحمه الله: ج 1، ص 461، باب: ولادة الحسن عليه السلام.
2- الإرشاد للشيخ المفيد رحمه الله: ج 2، ص 5؛ البحار: ج 43، باب: أولادها، حديث 25؛ الكامل لابن الأثير: ج 2، ص 54؛ تاريخ الطبري: ج 2، ص 537؛ عيون التواريخ: ج 1، ص 169؛ غاية الأماني ليحيى بن الحسن: ج 2، ص 77؛ الذرية الطاهرة للدولابي: ص 102، عن ابن البرثي؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1، ص 404؛ سيرة مغلطاي: ص 101.

الخامسة، فعن سوادة بنت مسرح قالت: كنت فيمن حضر فاطمة حين حضر بها المخاض، قالت: فجاءنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«كيف هي»؟

قالت: إنها لتجهد(1).

ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر زوجته سودة بنت زمعة(2)، ومولاته أم أيمن وأسماء بنت عميس أن يحضرن عند فاطمة كي لا تشعر فاطمة بالوحدة، وإن كان لا شيء يسد خلة الأم وفقدها، وبخاصة في حالة كهذه.

فلما ولدت فاطمة عليها السلام، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأسماء:

«يا أسماء هلمي ابني».

فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال:

«ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء؟! ودعا بخرقة بيضاء فلفه فيها. ثم أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى»(3).

وفي رواية: أنه صلى الله عليه وآله وسلم سره ولباه بريقه وقال:

«اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم».

ص: 160


1- أسد الغابة لابن أثير: ج 1، ص 156-157.
2- تاريخ القضاعي: ص 129.
3- وسائل الشيعة: ج 21، ص 410، باب: استحباب تحنيك المولود؛ سنن الترمذي: في باب الأذان في آذان المولود من أبواب الأضحية؛ سنن أبي داود: كتاب الآداب، باب: الصبي يولد فيؤذن في أذنه، ج 2، ص 126؛ وأحمد في مسند: ج 6 ص 391-392، عن عبد الله بن رافع.

المبحث الرابع: مرحلة ما بعد الولادة

المسألة الأولى: سلوك الأمومة وسلوك التعلق

لا يمكن لامرأة في العالم أن تتجاهل اللحظات الأولى التي تأتي بعد الولادة تلك اللحظات التي تنظر فيها الأم إلى وليدها.. وهي لم تجد فيها غير الصمت وسيلة للتعامل مع الحدث، فهي بين نظرة إلى هذا الكائن الذي كل شيء فيه ينادي في تلك اللحظات بطلب المساعدة ومد يد العون وبين نظرة منه إليها تقول: ضميني إليك.

شعور لم يحرك أحاسيس الأم فقط بل ربما كل من تقع عينه على الطفل ولذلك سرعان ما يتفجر في الأم سلوك الأمومة الذي سيتحدد نمطه من خلال التأثير الهرموني والتجربة والوعي الثقافي، وفي المقابل سيتحرك عند الطفل سلوك التعلق مع كل من يقوم برعايته.

(إن تأثير الوسط الاجتماعية تؤثر تأثيرا هاما في سلوك الأمومة فقابلية الأهل

ص: 161

للتبني وتزويد الأطفال المتبنين بالعناية والمحبة، يظهر الدور البارز للعوامل الثقافية - الاجتماعية كما يظهر محدودية تأثير العوامل الهرمونية.

إذ يتوافق سلوك الأمومة مع احتياجات الطفل منذ الولادة، وتساعد العوامل البيولوجية الغريزية في انطلاقة هذا السلوك)(1).

(لقد توافق سلوك الأمومة، عبر التطور مع سلوك التعلق عند الطفل، وتتلخص وظيفة هذين النظامين السلوكيين في حماية الصغير الذي كان عرضة للافتراس فحين يستخدم الطفل مؤثرات كالبكاء أو التمسك، تقوم الأم بالاستجابة لحمايته، فتأخذ بيده عندما يبتعد أكثر مما يجب، وتزوده بالغذاء، وتعمل على إرضائه عندما يعاني من كربة.

- إن - كلا النظامين - (سلوك الأمومة، وسلوك التعلق) - يستدعي المحافظة على الاتصال بالأم والطفل، ويقود - هذا - الاتصال بدوره إلى تبادل عاطفي بين الطرفين، فسباق التعلق يتم عبر التجربة بين الاثنين.

- وتستند إحدى النظريات المتعلقة بدراسة السلوكين سلوك الأمومة وسلوك التعلق عند الطفل، وهي نظرية بولبي - إلى بعد بيولوجي، وتستدعي تركيز الاهتمام على الطبيعة التبادلية في سلوك الأم والطفل، فبالرغم من أن التبادل المشترك يستند إلى قاعدة داخلية عند الأم، فهو لا يأخذ طريقه إلى النور إلا مع وجود الطفل، فالخصائص السيكوبيولوجية الاستثنائية للطفل عند الولادة تدفع إلى الاعتقاد بأن الاتصال والتفاعل الاجتماعيين بين الأم والطفل موجهان ليلعبا

ص: 162


1- الأمومة (تطور النمو بين الطفل والأم) لدفيز قنطار: ص 66-67، نقلا عن ( Schaffer, 1984, p.37 ) .

دورا خاصا في التطور النفسي البشري)(1).

(فالطفل حديث الولادة يعتمد على البالغين في بقائه، حيث تتضمن التجربة الاجتماعية التي يتعرض لها، طرفا عالي القدرات (الأم)، مؤهلا ثقافيا، بينما يكون الطرف الآخر (الطفل) صفحة بيضاء من هذه الناحية.

فالتحويل الثقافي من جيل إلى جيل عند البشر، يحل محل الانتقال بالوراثة عبر الجينات والمورثات - ( New.Son,1979 ) ويعتقد هذا المؤلف - على خلاف الفكرة السائدة - بأن السلوك الطبيعي للأم البيولوجية، (الوالدة) لا يكمن في دافع غريزي خاص بالأمومة، إنما يكمن في المسؤولية الثقافية الاجتماعية للكائن تجاه أنجاله، مسؤولية تحتمها القيم الأخلاقية والثقافية السائدة المتعلقة بطريقة التعامل مع الصغير بلطف ومحبة وحنان، فهو أحد أفراد العائلة، ويحتاج للمساعدة كونه سريع العطب)(2).

فمن وجهة نظر هذا المؤلف، مشكلة التواصل مع الصغير هي تعلم جملة العناصر التي تؤهل أي شخص للتفاعل مع هذا الصغير، شخص يمتلك الدافع ليفعل ما هو ضروري من أجل الصغير ويخصص الوقت المناسب للحوار معه، فالمسألة ليست مسألة ضرورية بيولوجية، إذ يمكن للذكر أن يربي الطفل في شروط مناسبة)(3).

ويبدو أن هناك رأياً آخر ربما يكون متقاربا إلى حد كبير مع مفهوم هذا المؤلف

ص: 163


1- المصدر السابق.
2- الأمومة وتطور النمو بين الطفل والأم لفايز قنطار: ص 67.
3- المصدر السابق: ص 68.

في التواصل مع الطفل، إذ يعتقد الدكتور (لي سالك)(1): (أن الوالدية تعني كلا من (الأبوة) و (الأمومة) وما كانت الوالدية قط مسؤولية نسائية فقط، وبالرغم من أن تربية الأطفال عمل شاق ومتعب، فإنها عمل سار إلى حد بعيد، إن الرجال - مثلهم - كمثل - النساء - لهم الحق الكامل في السرور العميق الذي يستشعره من يربي طفلا ويوجهه الوجهة الصحيحة.

وهو يرى: أن على الزوج أن يبدأ المساهمة النشطة في تعلم الأمور ذاتها التي تتعلمها زوجته بخصوص العناية بالوليد قبل ولادته، وتربيته بعد الولادة، إن الآباء الذين يهتمون بمثل هذه الأمور يساهمون أكثر من سواهم من الآباء في العناية بأولادهم، إن مقاسمة الأب للأم هذه الخبرة يحسّن العلاقة بين الزوجين ويقويها، ويحولها إلى علاقة تساعد الأمهات والآباء على أن يكونوا خيرا من الأمهات والآباء الذين لا يكون لهم هذه الخبرة)(2).

المسألة الثانية: كيف يكون سلوك الأمومة وسلوك التعلق في مدرسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لدى الطفل

وبالطبع فإن هذه العناية بالطفل وبذل الرعاية له والاهتمام به يحفز بشكل كبير سلوك التعلق عنده اتجاه والديه (الأم والأب)، وفي نفس الوقت لا يمكن إغفال الجانب الغريزي الفطري لدى الإنسان ولاسيما الأم في حدبها على وليدها تحنو عليه، بل يعلمنا ديننا وقيمنا أن الجانب الفطري لدى الوالدين هو العنصر

ص: 164


1- د. لي سالك، مدير قسم علم نفس الطفل في مستشفى نيويورك بمركز كورنيل الطبي.
2- الوالدية، د. لي سالك: ص 39-40.

الأساس في تحديد سلوك الأمومة والأبوة، وما التجربة - الثقافية والاجتماعية والعلمية سوى مقومات لهذا السلوك في نبذ ما هو سيئ في التعامل، أو التركيز على ما هو حسن فيه.

والعلة في ذلك، هو أن حكمة الله عزّ وجل قد جعلت هذا الكون يسير ضمن قوانين وسنن وأن أي تغير في هذه القواعد يؤدي إلى نتائج تتناسب مع المقدمات إذ لا يمكن أن تكون العاطفة والتعلق عند الأم وابنها أو الأب وابنه متساوية في زواجين أحدهما لا شرعي والآخر شرعي فالمقدمات هناك تختلف هنا، ولذلك لا تنتهي الأمومة في حالة الاقتران الشرعي بانتهاء احتياج الطفل إلى العناية به، ولا يتحجم تعلق الطفل لوالديه عند مقدرته على الاعتناء بنفسه.

بل إن عاطفة الأمومة في الأسرة المسلمة لا تنتهي فهي تكبر كلما كبر الولد، وأن تعلق الابن بوالديه واحتياجه إليهما يكبر مع سنين عمره، فكم من أم تنتظر رجوع ابنها الغائب وحفيدها الشاب، وكم من أم قد انعكفت على لبس السواد ووليدها غيبه الموت.

فسلوك الأمومة وسلوك التعلق عند الطفل في الأسرة المسلمة لا ينتهي بإنهاء الاحتياجات أو بزوال الدوافع، فهما يبدآن منذ الولادة، وإن صح القول: فالأمومة عند المرأة تبدأ قبل الولادة كما مرّ بيانه، ولا تنتهي إلا برحيل الأم عن الحياة، والتعلق يبدأ عند المولود منذ ولادته ولا ينتهي حتى بعد وفاة الأم.

فالسنن الإلهية تأخذ دورها في رسم هذا السلوك، كما أن للتجربة والوعي الثقافي والاجتماعي دوره أيضا، فضلاً عن ذلك أن دور الإيمان بالله عزّ وجل

ص: 165

والخوف من اليوم الآخر والثواب والعقاب وانعكاساته على شخصية الإنسان له دوره الفعال في بيان نمط سلوك الآباء اتجاه الأبناء، كما يبين نمط سلوك الأبناء اتجاه الوالدين.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث له مع علي أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:

«يا علي لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما.. يا علي يلزم الوالدين من حقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من حقوقهما.. يا علي رحم الله والدين حملا ولدهما على برهما..»(1).

ولذا: نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أسس لهذا السلوك منذ الأيام الأولى لنشوء العلاقة الزوجية حينما وضع منهاجاً في التربية الأسرية - كما مرّ بيانه - ليدل على أن هذه العلاقة الوالدية المخصوصة بالأب والأم وانعكاساتها على الطفل إنما تبدأ من سلوك المودة والرحمة بين الزوجين.

ص: 166


1- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق رحمه الله: ج 4، ص 371، باب: النوادر؛ وسائل الشيعة: ج 21، ص 389، باب استحباب تسمية الولد.

المبحث الخامس: الإرضاع

اشارة

مما لا شك فيه أن مرحلة الرضاعة هي من أخطر مراحل التكوين النفسي والبدني وقد حدّ القرآن هذه المرحلة بحدود خاصة شملت الجوانب الشخصية والأسرية والاجتماعية.

والرضاعة لا تقتصر على الجانب الغذائي، بل لها الأثر البالغ في بناء الشخصية وتحديد معالمها، فهي مزيج من عوامل عديدة يخضع الإنسان لتأثيراتها القوية وهو لا يملك أي حول أو قوة في تحديدها أو اختيارها، فكم من فضيلة أو رذيلة مزجتها ذرات الحليب وغرستها محالب الأم في أرض وليدها فنمت فيها جذورها.

ولسعة الموضوع وأهميته الكبيرة نحاول أن نركز على بعض النقاط فيه.

ص: 167

المسألة الأولى: من تولى إرضاع وليد فاطمة عليها السلام ؟

لقد كانت العرب قبل الإسلام قد تنبهت لخطورة مرحلة الرضاعة، كما عرفت من قبلها دور الأم وأثر الأعراق في تكوين الجنين، وهو ما يعرف حديثا بعلم الوراثة، أي: دور الجينات وفعلها في نقل وتثبيت المعالم الحسنة أو السيئة للجنين، ثم جاء الإسلام فبين بشكل أوسع تلك الآثار لهذه المرحلة.

ولما ولدت فاطمة عليها السلام بكرها الإمام الحسن عليه السلام، مرت كذلك بهذا الدور أي: إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يتولى أمر اختيار المرضع لولده الحسن عليه السلام بنفسه لغاية تمر علينا إن شاء الله تعالى.

إذ تقول الرواية: لما حملت فاطمة بالحسن عليه السلام خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض وجوهه، فقال لها:

«إنك ستلدين غلاما قد هنأني به جبرائيل، فلا ترضعيه حتى أصير إليك».

قالت - برة بنت أمية الخزاعي - فدخلت على فاطمة حين ولدت الحسن عليه السلام وله ثلاث ما أرضعته، فلما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها:

«ما صنعت ؟».

قالت عليها السلام:

«أدركتني عليه رقة الأمهات فأرضعته».

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أبى الله عزّ وجل إلا ما أراد الله»(1).

ص: 168


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر: ج 3، ص 209؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 254، حديث 32؛ مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني: ج 3، ص 493.

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يشير بذلك إلى الإمامة التي أرادها الله عزّ وجل أن تكون في صلب الحسين عليه السلام وهم الأئمة التسعة عليهم السلام، وبذلك تكون فاطمة الزهراء عليها السلام هي التي تولت إرضاع وليدها الحسن عليه السلام.

المسألة الثانية: السلوك النفسي للمرأة عند إرضاعها وليدها
اشارة

ولمعرفة نفسية الأم وانبثاق روح الأمومة وتطور العلاقة فيما بينها وبين الطفل فلابد من النظر إلى نفسيتها خلال مرحلة الولادة وما بعدها.

إذ (إن المرأة تشعر خلال الولادة بعاطفة توهمها بأنها في نهاية العالم، ذلك أنها تكون قد قطعت جميع علاقتها مع العالم المحيط بها ويتولد هذا الشعور فقط خلال الحمل وذلك أنها ترى أن كل منفعتها وفائدتها تتركز مباشرة على وضعها الجديد.. ولكنها عندما تلد تبني عالما جديدا حول الولد وتبدأ صلتها بالعالم من جديد من خلال طفلها ونستطيع أن نلاحظ ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: ما قبل الولادة

ترافق آخر لحظة من لحظات الولادة عندما تتكون عاطفة النشوة في نفس الأم من أجل ولدها.

المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد الولادة

وهي مرحلة سعيدة بالنسبة للمرأة تتركز فيها ذاتها ويقوى مركزها بصورة عامة، وإلى جانب فرحها الكبير في ولدها، فإن يقظة جديدة بروحها النرجسية

ص: 169

تعيش وتنبثق في نفسها، وهذه الروح تتمثل بمحاولة (الأنا) الإتحاد مع طفلها الذي كان السبب في إعطاء المرأة هذه الأهمية في اتحادها مع الطفل الذي كان مصدرا لقوتها الجديدة.

وتبدو هذه الروح بشعور المرأة الدائم بأن طفلها هو قبل كل شيء من نتائج عملها وتحقيقا (للأنا) وبذلك يتحد الفرح والفخر ويعطي للمرأة نفسية جديدة... إن المرحلة التي تتبع الولادة تتميز بأنها مرحلة أولى لتحقيق روح الأمومة.

ونستطيع أن نقول:

إن الأوضاع الاجتماعية والتقاليد كثيرا ما تخفف من نشوة هذه الروح الجديدة، وتصدم المرأة الأم صدمة شديدة وذلك بفرض تقاليد تجعلها لا تزال بعد الولادة غير طبيعية كأن تمنع الرجال من دخول غرفتها واعتبارها عند بعض الشعوب الابتدائية والقديمة، كما أن بعض الشعوب الأخرى تعد المرأة بعد الولادة نجسة، بعضهم يرونها خطرة.

أما في مجتمعاتنا فإن الاحترام هو الجو الذي يطلب أن تحاط به المرأة على أننا لا نستطيع تكرار العنصر النرجسي يعود من جديد كموجه أساسي للمرأة بعد الولادة، ولا نستطيع أن نقول إن حبها لطفلها يمحو روحها النرجسية، ولعل تعرض المرأة للأخطار في سبيل الولد يكون موقظا لهذه الروح ومن ثم تعود من جديد إلى اعتقادات الناس فكرة إضفاء تلك القوى السحرية على المرأة الوالدة.

ص: 170

المرحلة الثالثة: مرحلة ترميم العلاقات بين الأم وما يحيط بها

فهي مرحلة ترميم علاقات الأم بالعالم الذي يحيط بها وذلك رغبة منها في ان تتخلص من الحدود النرجسية وأن تجدد تفاعلها مع العالم الخارجي، ولا سبيل لذلك إلا عن طريقين، الأولى: من خلال الولد)(1).

ولقد قامت (د. هيلين دوتش) بدراسة الناحية الانفعالية التي توجه في علاقة الأم بولدها بوصفه موضعا خارجيا لها، وقد توصلت إلى إرجاع هذه العناصر إلى ثلاثة - عناصر - رئيسية:

1 - الحنان.

2 - الغيرية.

3 - فعالية خاصة.

وهذه العناصر إذا أخذت بمجموعتها تكون في نظري الجو النفسي لروح الأمومة، (فالغيرية) تقوم على أن المرأة تنسى نفسها كليا من أجل الولد، وتقبل بتضحية كل شيء لأجله حتى حياتها الخاصة كما أن جوهر الحب الأمي لا يتطلب تحفظا أو ترددا إنه يطالب الأم دائما أن تكون مندفعة بدعم علاقتها مع طفلها.

وهذا ما يكون في الواقع الوحدة التي نسميها (وحدة الولد والأم).. هذه الوحدة التي كانت متجمعة في الرحم زالت بقطع حبل السرة لكي تفسح المجال لنشوء وحدة جديدة هي، (الوحدة النفسية) التي نعبر عنها ب - (الحب الأمي).

والواقع أن كل افتراق بين (الأنا) (الأم) أو اللا أنا الجديد (الطفل) هو شيء خيالي في المراحل الأولى من الأمومة، أن شغف الأم بولدها أمر لا حد له.

ص: 171


1- سيكولوجيا المرأة للدكتورة هيلين دوتش: ص 66.
المسألة الثالثة: دور الرضاعة في تحقيق الوحدة ما بين الأم ووليدها

(إن القضايا الأساسية للأمومة تظهر في بدء ظهور وظيفة التناسل ثم تستمر إلى ما بعد ولادة الطفل.. وترتكز هذه القضايا في الدرجة الأولى على ذلك النزاع الذي لا مفر منه بين مصالح الفرد ومصالح النوع، والأم لا تلبث موزعة بين هذين الاتجاهين وتبقى مطالبة بأن تنسجم بينهما.

أما إذا كانت الأمومة قد أرهقت الأم بدفعها إلى التخلي عن حياتها النفسية من أجل النوع فإنها تفقد كثيرا من نزعتها وتبدو مغمورة بروح الأمومة، ذلك أن نزعة دفاعها عن النوع تصبح شيئا أساسيا لها بعد الولادة، ولذا فهي تكون دائبة على الاهتمام بصغيرها وتكون فعاليتها متوجهة في البدء إلى تغذية الولد وتأمين الراحة الجسدية له.

ولعل من مظاهر هذه العناية ذلك العجز الذي يبديه الطفل خلال زمن الرضاعة، وبذلك نستطيع أن نقول: إن جميع العوامل تدفع إلى تحقيق الوحدة ما بين الأم وولدها في بداية عهد الأمومة، ومنذ ذلك الحين يصبح عمل الأم الرئيسي بالنسبة للطفل الاهتمام بالتربية فهي تبدأ بالاهتمام بالصحة النفسية للطفل وتحاول أن تحقق له الملاءمة مع الواقع بقدر الإمكان وتدربه منذ صغره على مراقبة غرائزه وعلى اهتمامه بتوجيهاتها ونصائحها.

وهنا يبدو لنا أنه من المفيد أن نبحث في أثر التحليل النفسي في معرفة نفسية الأم في هذه المرحلة، وهذه الدراسة تؤدي بنا إلى أن نلمس نوعاً من الصراع بين ماضي الأم وحاضرها فالماضي الذي يحمل بالنسبة إليها روحها الجنسية ورغباتها

ص: 172

قد أصبح اليوم مسخراً في عاطفة الحنان الأمومي، وهي تروض نفسها بين يوم وآخر على تقبل هذا التحول الخطير وعلى الاكتفاء به.

إن تحقيق هذا التحول في الواقع هو أحد الشروط الضرورية للأمومة الصحيحة وبمقدار هذا التحول وسلامته تكون علاقة الأم بطفلها سليمة ومجدية.. والأم تعتمد لتحقيق تحول كهذا على طريق عملي، فهي تراقب منذ البدء طفلها مراقبة كبيرة وتتوجه بإمعان نفسها إليه وتصبح بينها وبينه عاطفة حدس تعد نواة لتحقيق تلك الوحدة بينهما.

وقد درست ( Daathy Bwlinghom ) في كثير من التوسع مردود الأفعال الانفعالية شعورية وغير شعورية التي تبديها المرأة أمام التطور النفسي للطفل، ورأت أن الأم في الواقع هي نقطة البدء لجميع التصرفات النفسية للطفل.

وقد رأت د. هيلين دوتش من مشاهدات خاصة أن الأم هي الكائن الذي يتلقى جميع تصرفات الطفل الانفعالية وأنهما ينموان معا في تحقيق عاطفة الأمومة، فتقول:

وقد رأيت أن الأم تتبع في هذا السبيل نوعين من الفعالية:

الأولى: الفعالية الحدسية، والثانية: الفعالية الفكرية

على أننا لابد أن نعترف لبعض الحالات المرضية التي تتعرض لها الأمهات في عملية التوحيد بينها وبين الطفل، فثمة أمهات يحاولن أن يجعلن هذا التوحيد لمصلحتهنّ فيرون أن يكون أولادهن نماذج لهن مطبوعين بطابعهن، ولذلك يطلبن إليهم أن يقلدوهن.

ص: 173

وهناك نوع آخر من النساء: هي المرأة التي تنتظر من طفلها أن يكون نموذجا لها فهي تحاول بقدر الإمكان أن توهم نفسها بأن كل ما كانت بحاجة إليه سوف يتحقق في طفلها، بنوع من التربية المثالية يغذين نفوسهن التي نقصها في الماضي كثير من الرغبات القديمة.

والواقع أن عراقيل كثيرة قد تحول بين الأم وبين تأديتها لوظيفتها العضوية اتجاه ولدها، وعند ذلك يأخذ شعورها نحوه أشكالا عديدة تؤثر في التكوين النفسي كل التأثير فهي إما أن تخاف عليه، أو تهمله أو يكون سلوكها نحوه حياديا.

ولهذه الحالات المختلفة مظاهر مرضية في بعض الأحيان تكشف عنها العصابات التي تصاب بها الأمهات، وقد وصف (رادو Rado ) حالة امرأة مصابة بقلق على طفلها كان يدفعها هذا القلق إلى التخلص من الوحدة بينها وبين الطفل فمثلا كانت تجلس إلى جانبه على شاطئ البحر وتقرأ كتابا وهو يلعب بالرمال ويلهو بالأمواج وكانت تراقبه في حذر أينما اتجه ومن حين لآخر ترفع رأسها وتناديه باسمه، وإذا ما عرفت أنه بعيد عنها قليلا قذفت نفسها إليه وضمته إلى صدرها وغمرته بقبلاتها)(1).

(ويصف ( Rado ) أيضا حالة امرأة من هذا النوع كان هذا الشعور بالقلق على ولدها يرهقها فكانت تكرهه وتحبه بنفس الوقت، وتبالغ في كلتا العاطفتين، ولكن مهما حاولنا لأن نجد مبررا لمثل هذه الحالات المرضية فإن الشيء الذي لا ريب فيه هو أن عاطفة الأمومة تبقى الرابط الأساسي بين الولد والأم.

ص: 174


1- سيكولوجيا المرأة: ص 71-72.

يقول فرويد: إن الشيء الوحيد الذي يحقق للأم اكتفاءً كليا هو علاقتها مع ابنها، إنه أقوى علاقة يمكن أن توجد بين كائنين إنسانييين.

وبالمقابل فإن الولد يشعر بعواطف مماثلة اتجاه أمه من قلق وحب وحرص عليها، على أن ناحية أخطر يجب النظر إليها وهي تلك الحالات الشاذة التي يمكن أن تتحول إليها عاطفة الأم والولد ولاسيما إذا كانت الأم مفتقرة إلى عاطفة زوجية صحيحة تبدو هذه الحالة في نشوء علاقة عاطفية غريبة بين الأم والابن تشبه علاقة (اوديب)، فإذا كان الأب قاسيا على الأم تحولت الأم بكليتها إلى الولد.

والخلاصة: إننا إذا ألقينا نظرة خاطفة على العناصر النفسية للأمومة رأينا أن هذا الحادث البيولوجي في الظاهر والذي يبدو بسيطا وطبيعيا يفرض على المرأة مهمات صعبة، قد رأينا أنه قد يتطلب نزاعا بين قطبين مصالح الأنا وخدمة النوع، ولا سبيل لإبعاد أي تشوه وفساد في التوفيق بين هاتين النزعتين إلا بحل واحد، هو أن يكون للمرأة كثير من الأولاد، ذلك أن طريق الحياة هي أسلم طريق، والطبقة الإنسانية قد علمت المرأة كل ذلك.

والحقيقة أن الواقع يرينا أنه لا وجود مطلقا لعاطفة أمومية صرفة.. كما أنه لا وجود لأنوثة ولا لرجولة صرفة، ولا صحة لكل تمييز بين امرأة وأخرى في هذا المجال ولاسيما عندما نتعرض لبحث الأمومة.

ذلك أن الأمومة تلقي على جميع النساء رداء واحداً يجعلهن متوجهات أبدا بطبيعتهن إلى هدف مشترك، والنقاط والصفات النوعية للأمومة التي تجعل من بعض النساء من يتصفن بصفات تختلف عن الأخريات، هي في الواقع صفات

ص: 175

تتعلق بعناصر ثانوية. إن وجود هذه العناصر هو شرط لابد منه لروح الأمومة، لأنه في الواقع لا وجود مطلقا لنموذج واحد للأمومة، كما أنه لابد من الاهتمام الكبير بالعناصر الثانوية في هذه المرحلة)(1).

أقول: ومما لا شك فيه أن هذه العناصر الثانوية التي لم تشر إليها (د. هيلين دوتش) في بحثها القيم حول روح الأمومة، تتمثل في الإيمان بالله عزّ وجل والثقافة الاجتماعية، والوعي الديني، والحب بين المرأة وزوجها، بل إن الحب الأسري الذي تنشأ فيه الفتاة قبل انتقالها إلى الحياة الزوجية لكفيل بها من أن تنقله إلى أطفالها - فضلاً عن استمرار والديها بتغذيتها بهذا الحب وهما يحدبان عليها وعلى أولادها بالحنان والدفء والمحبة.

وهذه العناصر جميعها وغيرها قد وجدت في بيت فاطمة عليها السلام فقد تغذت بحب أسري لا مثيل له، ثم انتقل هذا الحب معها يحط ركابه أينما نزلت وحلت فما عرف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أغفل عن فاطمة وأبنائها، وهو الأب الحنون فضلاً عن حب علي لها وحبها لعلي عليه السلام.

ولذلك فإن القول: (بعدم وجود نموذج واحد للأمومة) يفتقر إلى الدقة والبحث ولو كانت الباحثة قد اتخذت من هذا النموذج أي فاطمة عليها السلام لها عنوانا في الأمومة إضافة إلى اهتمامها بالعناصر الثانوية لكان ذلك أصدق وأسرع في نمو روح الأمومة لديها، فإتباع النموذج أفضل عند العقلاء من عدم معرفته.

ص: 176


1- سيكولوجيا المرأة: د. هيلين دوتش: ص 74-75.

ولعل المتخصصين في علم النفس التحليلي وعلم النفس التكويني وغيرهما من فروع علم النفس وعلم الاجتماع لو تناولوا حياة سيد المرسلين وعترته أهل بيته لاختزلوا كثيرا من الوقت في الوصول إلى الحقيقة، ولوضعوا يدهم على الجرح.

(وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اَللّٰهِ قِيلاً)(1).

المسألة الرابعة: الإرضاع وأثره في التكوين الخُلقي للإنسان
اشارة

لم تلتفت الأبحاث المعاصرة إلى أثر الإرضاع في التكوين الخُلقي للإنسان مثلما بيّنت أثر الحالة النفسية للأم خلال هذه المرحلة، ونمو العلاقة فيما بينهما، إلى جانب تركيزها، أي الأبحاث، على الدور الغذائي للإرضاع الطبيعي وهو حليب الأم.

بينما نجد في مقابل هذه الأبحاث، أبحاثاً أخرى لكنها لم تجرِ من خلال المراقبة والتحليل والدراسة، وإنما هي نتائج خلص إليها أصحابها من خلال مصدر جامع لكل العلوم وما تحتويه من حقائق وسنن وقواعد، والتي تكون ليس فقط صحيحة لا تخطئ وإنما في منتهى الدقة والتصويب وذلك إنما يعود إلى كونها صادرة من معلم البشرية الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، وقد تم نقل هذه العلوم الجمّة إلى عترته الطاهرة وهم فاطمة وبعلها وبنوها عليهم السلام. ولذلك لا يحتاج بك أيها القارئ الكريم الرجوع إلى صغائر الأمور وكبائرها هنا وهناك وإلى نظريات صحيحة اليوم قد تكون فاقدة لمحتواها غدا،

ص: 177


1- سورة النساء، الآية: 122.

وعليك بالرجوع إلى مصدرها الأول فكم من حقيقة لم يتوصل إليها باحث قد حوتها دفّتا هذا المصدر.

ف - (مٰا فَرَّطْنٰا فِي اَلْكِتٰابِ مِنْ شَيْ ءٍ ثُمَّ إِلىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )(1).

فخذها من مصدرها الأول ثم تلذذ بما حوته من حقائق اكتشافها بنفس والتقطها بفهمك كما يلتقط الطير حبة القمح من بين حبات الحجارة.

أولاً: الجانب الغذائي لحليب الأم في روايات أهل البيت عليهم السلام

أما ما يخص الجانب الغذائي لحليب الأم وأثره في صحة الطفل، فقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الحقائق التالية:

1 - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«ما من لبن يرضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أمه»(2).

2 - عن أم إسحاق بنت سليمان قالت: - قال لي أبو عبد الله الصادق عليه السلام -:

«يا أم إسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد وأرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاما والآخر شرابا»(3).

3 - عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«الرضاع واحد وعشرون شهراً فما نقص فهو جورٌ على الصبي»(4).

ص: 178


1- سورة الأنعام، الآية: 38.
2- الكافي: ج 6، ص 40، باب الرضاع.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق.
ثانيا: الأثر التكويني للإرضاع في روايات أهل البيت عليهم السلام

وأما ما يخص الأثر التكويني للإرضاع في خلق الإنسان:

1 - عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يعدي، وإن الغلام ينزع إلى اللبن، يعني إلى الظئر في الرعونة والحمق»(1).

2 - عن عبيد الله الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام امرأة ولدت من الزنا اتخذها ظئرا قال:

«لا تسترضعها ولا ابنتها(2)، التي ولدت من الزنا»(3).

3 - عن مسعدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

كان أمير المؤمنين يقول:

«لا تسترضعوا الحمقاء فإن اللبن يغلب الطباع»، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تسترضعوا الحمقاء فإن الولد يشب عليه»(4).

4 - عن محمد بن مروان قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام:

«استرضع لولدك بلبن الحسان وإياك والقباح فإن اللبن قد يعدي».

5 - عن سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

ص: 179


1- الكافي لثقة الإسلام الكليني رحمه الله: ج 6، باب: ما يكره لبنه، ح برقم 8.
2- المصدر السابق: ص 42.
3- المصدر السابق: ص 44.
4- المصدر السابق: ص 44.

«لا تسترضعوا للصبي المجوسية واسترضع له اليهودية والنصرانية ولا يشربن الخمر، ويمنعن من ذلك»(1).

ولهذه الحقائق التي لم يتوصل إليها العلم المعاصر فقد جاء في الأثر عن سيد الكونين أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أنه كان يأتي مراضع ولد فاطمة عليها السلام فيسقيهم من ريقه، ويقول لفاطمة عليها السلام:

«لا ترضعيهم»(2).

أي: مزيج من علم وحي الكتاب وعلم النبوة، وبهذا يكون وليد فاطمة قد ارضع منها مع ريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغذته بحنانها وحبها كما غذاه جده المصطفى، ولذا (كان أشبه الناس به خلقا وهيأة وسؤددا)(3)، صلوات الله عليهم أجمعين.

ص: 180


1- المصدر السابق: ص 44، برقم 14.
2- الخرائج والجرائح: ج 1، ص 94؛ بحار الأنوار: ج 43، ص 250، ح 25.
3- العدد القوية: اليوم الخامس عشر، ص 29.

المبحث السادس: مراسيم اليوم السابع للمولود

اشارة

امتاز اليوم السابع من عمر الطفل بمراسيم وسنن لم تكن معظمها معروفة لدى العرب قبل الإسلام، ولما ولد الإمام الحسن عليه السلام قام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بتلك المراسيم مع ولده الحسن عليه السلام فكانت سنة يستحب إتباعها وإحياؤها، وبخاصة أن كثيراً من الأسر أصبحت اليوم تتبع ما هو بعيد عن روح الإسلام، ولعل ذلك يعود إلى سوء نقل المعلومة إلى الأهل، أو لانجرافها بدون دراية أو فهم لما يرد على الأسرة المسلمة من ظواهر مستهجنة تحت غطاء التطور العلمي للحياة أو ظنّاً من البعض أنه يحمل مستوى ثقافياً وهو غير قادر على التمييز بين ما هو ثقافة اجتماعية دينية وبين ما هو ثقافة عجائزية.

ولذلك قام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بفرز ما هو مستهجن عن روح الإسلام فيما يخص مراسيم اليوم السابع، وحتى اختيار هذا اليوم لم يكن معتمدا عند العرب ولا تدري ما يحمله من آثار نفسية وروحية وشخصية للمولود، ولذلك سنستعرض لهذه المراسيم حسب تسلسلها، وإن كانت تجرى جميعها في هذا اليوم كما هو ثابت في السنة النبوية.

ص: 181

فعن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن العقيقة والحلق والتسمية بأيها يبدأ؟ قال:

«يضع ذلك كله في ساعة واحدة»(1).

المسألة الأولى: استقبال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمولود فاطمة

يبدو من خلال الروايات أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان مواكبا لهذا الحدث أي: حمل فاطمة وولادتها وما تبعها من أمور، ولذلك نجد أن الروايات قد تناول قسم منها متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولادة فاطمة لحظة الولادة وحضوره عندها، مخففاً عنها جهد الولادة، ثم استقباله المولود وتغيير القماش الذي لف فيه من الأصفر إلى الأبيض ثم قيامه صلى الله عليه وآله وسلم بالأذان في أذن المولود اليمنى، والإقامة في اليسرى كما مرّ بيانه سابقا.

وأما القسم الثاني من الروايات فقد رصدت حركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم السابع من عمر الإمام الحسن عليه السلام، وكي يلفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتباه المسلمين إلى المكانة الخاصة التي يحملها هذا المولود. تولى أمر هذا اليوم بنفسه في حين إنها من عمل الأب، لذلك يدل على هذا العمل أنه ابنه، كما كان ينبّه عليه المسلمين، وكان يقول لفاطمة: ادعي لي ابنيّ فيشمهما إليه(2)، أي

ص: 182


1- وسائل الشيعة للعاملي: ج 21، ص 420، برقم 27469.
2- أخرجه البخاري في التاريخ الكبير: ج 8، ص 377-378، ضمن ترجمة يوسف بن إبراهيم 3388؛ وأخرجه الترمذي في السنن: ج 5، ص 657-658، كتاب المناقب (50) باب فضل الحسن.. (31) الحديث 3772؛ والبغوي في مصابيح السنة: كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برقم 4831.

الحسن والحسين عليهما السلام، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«كل بني أم عصبتهم لأبيهم إلا ولد فاطمة فأنا عصبتهم وأنا أبوهم»(1).

كل ذلك كي تتمسك الأمة بأهل بيته من بعده، ويعلموا منزلتهم ومكانتهم عند الله ورسوله.

ولذا: لما كان اليوم السابع من مولده جاءت به أمه فاطمة عليها السلام تحمله إلى أبيها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو (ملفوف في خرقة حرير من الجنة نزل بها جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم(2)، فسماه والظاهر: أن هذه الخرقة هي التي استبدلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخرقة الصفراء التي لف بها الإمام الحسن عند ولادته فرمى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولفه بخرقة بيضاء، أي: التي نزل به جبرائيل من الجنة، كما يدل عليه حديث الإمام الصادق عليه السلام في التسمية - الذي سيمر علينا -.

المسألة الثانية: كيف جرت التسمية ؟ ومن الذي سماه ؟ جبرائيل عليه السلام أم والداه عليهما السلام

أخرج الشيخ الكليني رحمه الله، عن الحسين بن خالد، قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التهنئة بالولد متى فقال عليه السلام:

«إنه لما ولد الحسن بن علي هبط جبرائيل بالتهنئة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم السابع وأمره أن يسميه ويكنيه، ويحلق رأسه ويعق عنه ويثقب أذنه

ص: 183


1- المعجم الوجيز للميرغني: ص 286، حديث 568؛ ورواه الطبراني في المعجم الصغير: ج 2، ص 278، برقم 2694.
2- العدد القوية لرضا الدين الحلي: ص 29، اليوم الخامس عشر.

وكذلك كان حين ولد الحسين أتاه في اليوم السابع وأمره بمثل ذلك»(1).

وعن الصادق عليه السلام قال:

لما ولد الحسن بن علي أهدى جبرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسمه في سرقة(2) من حرير من ثياب الجنة فيها (حسن) واشتق منها اسم الحسين فلما ولدت فاطمة الحسن أتت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمّاه حسنا، فلما ولدت الحسين أتته به قال صلى الله عليه وآله وسلم: هذا أحسن من ذاك فسماه الحسين»(3).

ويبدو من خلال رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استلم الاسم من جبرائيل عليه السلام وهو في خرقة من ثياب الجنة كما بعد حوار بينهما.

فقد أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: حدثتني أسماء بنت عميس قالت:... قال رسول الله لعلي:

«يا علي بم سميت ابنك هذا؟».

قال:

«ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله».

قال:

«وأنا ما كنت لأسبق ربي».

ص: 184


1- الكافي: ج 6، ص 33-34، برقم 6؛ وسائل الشيعة للعاملي رحمه الله: ج 21، ص 432، برقم 27507.
2- سرقة، أي: أحسن الحرير، قال الجوهري: السرق، شقق الحرير، قال أبو عبيد: إلا أنها البيض منها، والواحدة سرقة.
3- بحار الأنوار: ج 43، ص 251، برقم 28.

فهبط جبرائيل عليه السلام فقال:

«إن الله عزّ وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمد علي منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك فسمِّ ابنك باسم ابن هارون».

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا جبرائيل وما اسم ابن هارون ؟».

قال جبرائيل عليه السلام:

«شبّر».

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«وما شبّر؟».

قال عليه السلام:

«الحسن(1).

قالت أسماء: فسماه الحسن.

وقد وردت في كثير من الأحاديث: تسمية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهما عليهما السلام باسم ابني هارون(2).

أما السبب في نزول اسم في خرقة من حرير الجنة فهو للتكريم، ولبيان أنهم

ص: 185


1- أمالي الطوسي رحمه الله: المجلس 13، ص 367؛ صحيفة الرضا عليه السلام: متن الصحيفة 73، ص 39؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 25؛ المناقب لابن شهر: ج 4، ص 25، وقريب من لفظه؛ أخرجه الصدوق بسند عن أبي حمزة الثمالي، عن زيد بن علي، عن أبيه، علل الشرائع: ج 1، ص 137؛ معاني الأخبار: ص 57؛ شرح الأخبار: ج 2، ص 25.
2- مسند الفردوس للديلمي: برقم 3533.

سادات أهل الجنة وقد ورد عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«سمي الحسن (حسنا)؟ لأن بإحسان الله قامت السموات والأرضون، واشتق (الحسين) من الإحسان، و (علي والحسن) اسمان من أسماء الله تعالى والحسين تصغير الحسن»(1).

وكان الله عزّ وجل حجب هذين الاسمين عن الخلق، يعني: (حسنا وحسينا) حتى يسمى بهما ابنا فاطمة عليها السلام، فإنه لا يعرف أن أحدا من العرب تسمى بهما في قديم الأيام إلى عصرهما لا من ولد نزار، ولا اليمن مع سعة أفخاذهما، وكثرة ما فيهما من الاسامي.

وإنما يعرف فيهما (حسْن) بسكون السين، و (حَسِين) بفتح الحاء وكسر السين، وأما حسن بفتح الحاء، والحسين - كذلك - فلا نعرفه إلا اسم جبل معروف، قال الشاعر:

لأم الأرض وبل ما أجنت *** بحيث أضر بالحسن السبيل(2)

المسألة الثالثة: العقيقة وحلق شعر رأس المولود

(العقيقة: وهي الذبيحة التي تذبح للمولود وأصل العق الشق والقطع، وقيل للذبيحة عقيقة ؟ لأنه يشق حلقها، وأصلها كما قال الأصمعي وغيره: الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وجعله الزمخشري أصلا والشاة المذبوحة

ص: 186


1- بحار الأنوار للمجلسي رحمه الله: ج 43، ص 25، حديث 30.
2- البحار: ج 43، ص 252؛ قلائد الجمان للقلقشندي: ص 159.

مشتقة منه(1)، قال: أبو عبيد: فهو من تسمية الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه، وقد أنكر أحمد بن حنبل قول الأصمعي وغيره أنها الشعر بأنه لا وجه له وإنما هي الذبح نفسه، قال: أبو عمر! وهذا أولى وأقرب إلى الصواب، واحتج له بعض المتأخرين بأنه المعروف لغة يقال: عق إذا قطع(2).

ولأهمية العقيقة وأثرها في سلامة المولود، فقد أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عليها، فعن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«كل غلام مرتهن بعقيقته تذهب عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى»(3).

وأخرج الشيخ الكليني رحمه الله عن الفراء، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«الغلام رهن بسابعه بكبش يسمى فيه ويعق عنه»(4).

وفي حديث عن عائشة أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر المسلمين بأن يعق كل مولود له عن ولده(5).

ص: 187


1- سبل السلام للضعاني: ج 4، ص 189-190.
2- الموطأ بشرح الزرقاني: ج 3، ص 136.
3- رواه أبو داود، في كتاب الأضاحي، باب العقيقة حديث رقم 2838، ج 3، ص 106؛ والنسائي في السنن: كتاب العقيقة، باب: متى يعق: ج 7، ص 166؛ ورواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الترمذي.
4- الكافي: ج 6، ص 26، كتاب: العقيقة حديث 5؛ وسائل الشيعة للعاملي: ج 21، ص 416، حديث رقم 27455.
5- صحيح الترمذي: ج 4، ص 96-97، كتاب الأضاحي، باب: ما جاء العقيقة: حديث رقم 1513؛ ورواه ابن ماجه في كتاب: الذبائح، باب: العقيقة، حديث رقم 3163، ج 2، ص 1056.

ولذلك نجد أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قام بنفسه بأمر العقيقة عن الحسن والحسين عليهما السلام، بل ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم عق بيده عن الحسن عليه السلام.

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«عق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن بيده، وقال: بسم الله عقيقة عن الحسن، وقال: اللهم عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه، وشعرها بشعره، اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله»(1).

وقد تناقلت الحفاظ فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا، أي قيامه بالعق عن الحسن والحسين عليهما السلام فعن ابن عباس أنه قال:

«إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا»(2).

وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا يوم السابع وسماهما وأمر أن يحاط عن رأسيهما الأذى(3)، أي الحلق.

والعلة في حلق شعر المولود هو لما يحمله من آثار رحم الأم خلال مدّة الحمل، ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم يحاط عنه الأذى، وكلمة (الأذى) تشمل الأذى الوارد عن طريق المكونات الجرثومية وتشمل الأذى من خلال الآثار

ص: 188


1- الكافي: ج 6، ص 26، كتاب: العقيقة؛ أخرجه العاملي رحمه الله في الوسائل: ج 21، ص 430، حديث رقم 7504.
2- رواه أبو داود، في كتاب الأضاحي، باب العقيقة حديث رقم 2841، ج 3، ص 107؛ وصححه ابن خزيمة، وابن الجرود، وعبد الحق، ورواه النسائي في كتاب العقيقة، باب: كم يعق عن الجارية.
3- موارد الظمآن للهيثمي: ج 3، ص 385.

الروحانية كما تدل عليه كثير من النصوص كحدث أم الصبيان.

والغرض هو: التمسك بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس بما يؤوله كثير من الناس، ولكن قلنا لا يخلو الأمر من أن ترك الشعر على رأس المولود بعد الولادة وعدم حلقه وبخاصة في اليوم السابع يسبب أذى له.

والمهم في الأمر أن يكون هذا كله يجري في اليوم السابع، أما إذا لم يتم الحلق والعقيقة والتسمية والختام في هذا اليوم فيبدو أنها تفقد الأثر الإيجابي ويصبح الأمر سيَّين تمّ أم لم يتم سوى العقيقة فهي مطلوبة حتى وإن لم تتم في هذا اليوم(1).

وذلك جاء في الحديث أن النبي الأكرم أمر فاطمة عليها السلام بحلق رأسيّ الحسن والحسين عليهما السلام(2) والتصدّق بوزنيهما ورقا(3)، وفي رواية فضة(4).

ص: 189


1- التهذيب للطوسي رحمه الله: ج 7، ص 446، باب: الولادة والنفاس والعقيقة؛ الكافي: ج 6 ص 28.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 518؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 228؛ مسند أحمد: ج 6، ص 39؛ والبيهقي في الآثار: ج 9 ص 304؛ المغني: ج 13، ص 397.
3- أخرجه عبد الرزاق في المصنف: ج 4، ص 333-334، كتاب العقيقة، باب: العق يوم السابع؛ وابن أبي شيبة في المصنف: ج 8 ص 241، كتاب العقيقة، باب: في أي يوم تذبح العقيقة؛ وسائل الشيعة: ج 21، ص 410، وفي ص 420.
4- الكافي للكليني رحمه الله: ج 6، ص 33، برقم 5؛ وسائل الشيعة للعاملي: ج 1، ص 431، حديث رقم 7506، وفي ص 420، برقم 27469؛ الموطأ لإمام المالكية، كتاب العقيقة، باب: ما جاء في العقيقة؛ والزرقاني في شرحه للموطأ: ج 3، ص 137؛ وأخرجه البيهقي في معرة السنن والآثار: ج 14، ص 69، حديث 19140؛ السيل الجرار للشوكاني: ج 4، ص 92؛ نيل الأوطار: ج 5، ص 154؛ المجموع للنووي: ج 8 ص 413؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 6 ص 390، كتاب العقيقة؛ المغني: ج 13 ص 397؛ طبقات النعيمي: ص 403.

وفي قول آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم حلق رأسيّ الحسن والحسين عليهما السلام بنفسه وأمر فاطمة بأن تتصدق بوزن شعرهما(1)، فكان وزن شعر الحسين عليه السلام درهما ونصفاً(2).

فيستحب بعد الحلق أن يطلى رأس المولود بالخلوق(3)، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك مع الحسن عليه السلام(4)، ولقد كانت العرب قبل الإسلام تطلي رأس المولود بالدم، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال:

إن الدم من فعل الجاهلية(5).

والمراد بالدم: هو دم الذبيحة، أي: عقيقة المولود(6).

ويستحب أن يبعث إلى القابلة برجل الشاة أو الكبش(7)، وأن لا تأكل أم

ص: 190


1- وسائل الشيعة للعاملي رحمه الله: ج 21 ص 410، باب: استحباب التحنيك؛ مستدرك الوسائل: ج 15، ص 142، باب: أنه يستحب أن يعق عن المولود.
2- مستدرك الوسائل: ج 15، ص 142، باب: إنه يستحب أن يعق عن المولود؛ شرح الزرقاني على الموطأ: ج 3، ص 137، حديث رقم 1104.
3- طيب مركب من الزعفران وغيره.
4- وسائل الشيعة للعاملي رحمه الله: ج 21، ص 410، باب: استحباب التحنيك؛ بحار الأنوار: ج 43.
5- المصدر السابق.
6- الكافي: ج 6، ص 26-29؛ وسائل الشيعة: ج 21، ص 416، حديث رقم 27455.
7- وسائل الشيعة: ج 21، ص 408، حديث رقم 27427؛ وأخرجها البيهقي في معرفة السنن، ج 14، ص 70، حديث رقم 17143؛ وأخرجه أبو داود في المراسيل في باب العقيقة؛ شرح الأخبار: ج 2، ص 44، برقم 170.

المولود وأبوه من لحم العقيقة(1)، وأن يجرى عليها الإطعام، أو تهدى إلى الجيران كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام(2)، فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم:

«كلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظاما»(3).

أي: يكره أن تقطع الذبيحة على قطع صغيرة فتكسر عظامها.

المسألة الرابعة: تحنيك الغلام وختانه وثقب أذنه
ألف: التحنيك

قد ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قام بتحنيك الحسن والحسين عليهما السلام في اليوم السابع من ولادتهما.

فقد أخرج الشيخ الكليني رحمه الله عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«حنكوا أولادكم بالتمر هكذا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن والحسين عليهما السلام»(4).

والتحنيك هو: أن تمضغ التمر ثم تدلكه بحنك الصبي داخل فمه(5)، وقد

ص: 191


1- الكافي: ج 6، ص 32، حديث رقم 1، باب: إن الأم لا تأكل من العقيقة.
2- الكافي للكليني رحمه الله: ج 6، ص 33، باب: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عليها السلام عقا عن الحسن والحسين عليهما السلام.
3- البيهقي في معرفة السنن: ج 14، ص 70، حديث 19143.
4- الكافي: ج 6، ص 24، حديث رقم 5.
5- لسان العرب: ج 10، ص 416، مادة (حنك).

ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يحنك أولاد الأنصار(1).

ولذلك ورد في أحاديث العترة النبوية أحاديث تحث على القيام بهذه السنة النبوية فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:

«يحنك المولود بماء الفرات، ويقام في أذنه»(2).

وفي رواية أخرى:

«حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة قبر الحسين عليه السلام فإن لم يكن فبماء السماء»(3).

باء: الختان

ومن المراسيم الخاصة باليوم السابع (الختان) وهو من السنّة المؤكدة الواجب فعلها للغلام. أما النبي والإمام فإنه يولد مختونا لأنه طاهر أصلا لما ورد في محكم التنزيل من تطهير أهل البيت من كل رجس(4).

جيم: ثقب الأذن

أما ثقب أذن الغلام فقد قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثقب أذن الحسن والحسين عليهما السلام، كما أمره جبرائيل عليه السلام، وهو ما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخ الكليني رحمه الله عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التهنئة بالولد متى ؟ فقال عليه السلام:

ص: 192


1- المصدر السابق.
2- الكافي: ج 6، ص 24، حديث رقم 4.
3- المصدر السابق.
4- (إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). الأحزاب، الآية: 33.

«إنه لما ولد الحسن بن علي عليهما السلام هبط جبرائيل عليه السلام بالتهنئة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم السابع وأمره أن يسميه ويكنيه ويحلق رأسه ويعق عنه ويثقب أذنه، وكذلك كان حين ولد الحسين عليه السلام أتاه في اليوم السابع فأمره بمثل ذلك، وكان الثقب في الأذن اليمنى في شحمة الأذن وفي اليسرى في أعلى الأذن، فالقرط باليمنى والشنف في اليسرى»(1).

والعلة في ذلك هي خلاف سنة اليهود، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«يا فاطمة أثقبي أذنيّ الحسن والحسين خلافا لليهود»(2).

المسألة الخامسة: حقيقة تظهرها ولادة الإمام الحسن هي ليس لفاطمة عليهما السلام نفاس ؟!

كشفت ولادة الإمام الحسن عليه السلام حقيقة عملية من حقائق الرفعة والطهر لبيت العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام.

وهذه المرّة قد قطع الطريق على المنافقين والمنكرين لفضائل العترة النبوية، فلكم من حديث سمعه المسلمون في مناقب أهل البيت عليهم السلام ولاسيما في البضعة الزهراء وقد كانوا بين موقن به قلبا وعقلا، أو موقن به قلبا غير محتمله عقلا، أو منكر له عقلا وقلبا، ولاسيما تلك الأحاديث التي فيها خصوصية هي في واقعها مغايرة للطبيعة البشرية.

ص: 193


1- الكافي: ج 6، ص 33-34، حديث رقم 6؛ وسائل الشيعة: ج 21، ص 432، حديث رقم 27507.
2- وسائل الشيعة: ج 21، ص 433، باب: استحباب ثقب الأذن؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 3، ص 489، باب: العقيقة.

والنفاس: هو وظيفة طبيعية وفيزيولوجية من وظائف رحم المرأة، وخصوصية من خصوصيتها التكوينية التي ركبها الله عزّ وجل فيها إذ يقوم الرحم في هذه المرحلة بقذف الدم إلى خارج الجسم.

وتختلف النساء في مدة النفاس، وفي مقدار الدم الخارج، وقد عرّفه الفقهاء في مصنفاتهم بأنه: (دم يقذفه الرحم بسبب الولادة، معها، أو بعدها، لا قبلها، فكل دم المرأة الحامل قبل الولادة إن أمكن فيه الحيض فحيض، وإلا فاستحاضة.

أما حكمة: فليس لأقل النفاس حد فلو رأت الدم عند الولادة، أو بعدها لحظة ثم طهرت، تجعل اللحظة نفاسا.

وأما أكثره، فالمشهور عشرة أيام إن حصل النقاء ولم يتجاوز الدم العشرة، وإلا فإن تجاوز العشرة عليها أن ترجع إلى عادتها في الحيض، فتجعلها نفاسا، والباقي استحاضة، ويجب غسل النفاس عند النقاء من الدم(1).

وهذا الاختلاف بين امرأة وأخرى، هو في حد ذاته كاشف عن حكمة الله عزّ وجل وعن عناصر تكوينية ووراثية ومزاجية، فالمرأة التي تنحدر من جذور هاشمية أو قرشية تختلف عن غيرها في مقدار مدة خصوبتها وقدرتها على الإنجاب والتناسل، فسن اليأس عندها في الستين(2)، وفي غيرها في الخمسين ولا ملاك لمن زاده على الخمسين في غير الهاشمية والقرشية.

فإذن:

ص: 194


1- اجماعيات فقه الشيعة: للفقيه المحقق السيد إسماعيل أحمد المرعشي: ج 1، ص 128، كتاب الطهارة، باب الاغتسال الواجبة - غسل النفاس.
2- المصدر السابق: ص 121.

تلك التغيرات هي بقدرة الله عزّ وجل، ومن قدرته أن جعل بنات الأنبياء لا يطمثن، ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: ما البتول ؟ فإنا سمعناك يا رسول الله تقول: إن مريم بتول وإن فاطمة بتول ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«البتول التي لم تر حمرة، أي: لم تحض، فإنه مكروه في بنات الأنبياء»(1).

وإذا كان هذا حال بنات الأنبياء عليهم السلام فمن باب أولى أن تكون ابنة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم هي البتول قطعا.

أضف إلى ذلك أن هذا أحد الأدلة التي تؤكد حقيقة كونها (وحيدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم). إذ لم يرد ولو من باب الرواية الضعيفة أن (رقية، وأم كلثوم، وزينب) كانت كل واحدة منهنّ بتولاً ولم يشر إلى إحداهن ذلك لا من بعيد أو قريب.. وحتى لو حملت البتول على المعنى اللغوي الآخر لها وهو: (المنقطعة عن الدنيا إلى الله) أو (المنقطعة من الرجال لا أرب لها فيهم)(2)، فهو لم يرد لإحداهن ذلك كما أن التبتل في الإسلام منهيّ عنه.

ولذا يبقى المراد والمشهور من (البتول) هي التي لا ترى حمرة الدم عند الدورة الشهرية أو عند الولادة، أي: إن فاطمة البتول عليها السلام لم تتوقف عن أداء الفرائض الواجبة في أي حال من الأحوال، وفي أي وقت من الأوقات وبذلك

ص: 195


1- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 37، باب: نوادر ما يتعلق بأبواب الحيض؛ علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 181؛ معاني الأخبار: ص 64؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 54؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 464؛ مجمع البحرين: ج 5، ص 317.
2- لسان العرب: ج 11، ص 42، مادة: بتل؛ مجمع البحرين: ج 5، ص 316.

فقط يصح القول بأنها (المنقطعة عن الدنيا إلى الله تعالى) وهذا الانقطاع وعدم التوقف في العبادة يستلزم أن تكون المرأة في حالة الطهر، إذ أجمع المسلمون على أنّ شرط صحة الفروض التكليفة للمسلم ذكرا أو أنثى متوقف على الطهارة، والمرأة التي ترى حمرة الدم لا يصح منها أداء الفريضة لأنها غير طاهرة تلك المدّة.

ولذلك: تبقى فاطمة الزهراء عليها السلام هي (البتول) سواء حمل على عدم رؤية الدم أو (المنقطعة إلى الله تعالى) ففي كلتا الحالتين يستلزم دوام الطهارة، وهو ما لم يتحقق إلا لها عليها السلام فتلك هي حكمة الله عزّ وجل، وتلك هي إرادته في أهل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(1).

أضف إلى ذلك ما ورد بسند صحيح عن طريق أهل بيت النبوة عليهم السلام عن علي بن جعفر رضي الله عنه عن أخيه أبي الحسن عليه السلام(2)، قال:

«إن فاطمة صديقة شهيدة وإن بنات الأنبياء لا يطمثن»(3).

وأما ما ورد عن طرق العامة، فقد أخرج الحافظ ابن المغازلي، عن زيد بن علي عن أبيه عن زينب بنت علي، قالت حدثتني أسماء بنت عميس قالت: وقد كنت شهدت فاطمة وقد ولدت بعض ولدها فلم ير لها دم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 196


1- سورة الأحزاب: الآية 33.
2- الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام.
3- الكافي للكليني رحمه الله: ج 1، ص 458، كتاب الحجة، باب: مولد الزهراء عليها السلام.

«يا أسماء إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية»(1).

وفي رواية انه صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«إنها حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث»(2).

وعن عائشة قالت: وكانت فاطمة لا تحيض، ولقد وضعت الحسن بعد العصر وطهرت من نفاسها فاغتسلت وصلّت المغرب(3).

وخير ما نختم به البحث ما روي عن الإمام الرضا عليه السلام، عن أسماء، قالت: قبلتُ ، أي: ولدت فاطمة بالحسن فلم أرَ لها دماً! فقلت: يا رسول الله إني لم أر لها دما في حيض ولا نفاس ؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لا يرى لها دم في طمث ولا ولادة»(4).

ص: 197


1- مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي: ص 229، برقم 416.
2- كنز العمال للهندي: ج 12، ص 109، حديث 34226؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 26.
3- أخبار الدول للقرماني: ج 1، ص 256؛ ذخائر العقبى للطبري: ص 44.
4- صحيفة الرضا عليه السلام: ص 90.

المبحث السابع: الحمل الثاني لفاطمة عليها السلام

المسألة الأولى: أمور خاصة رافقت الحمل الثاني لفاطمة عليها السلام
اشارة

امتاز الحمل الثاني لسيدة النساء عليها السلام بأمور خاصة، نقتصر على ذكرها ونعرض عن ما تم سرده في ولادة الحسن عليه السلام من التسمية والعقيقة وحلق الرأس وغيرها، فما قام به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للحسن عليه السلام قام بمثله لأخيه الحسين عليه السلام.

أولاً: حال الزهراء قبل ولادة الحسين عليه السلام ليس له مثيل في سجل الأمومة

ولكن جرت أمور خاصة، بل فريدة في الحمل الثاني لفاطمة لم تشهدها الإنسانية بل لم يعرفها سجلها الحضاري، إذ لم يعهد أن هناك أمّاً حملت ثم يقال لها: إن ما تحملين في أحشائك هو غلام وستلدينه ويكبر، لكنه يقتل في أرض فلاة حيث لا ناصر له ولا معين سوى ثلة من أهل بيته وأصحابه يقتلون معه أيضا!!

ثم يمضي الليل والنهار وتراها تعد الساعات لترى هذا المولود وتضمه إلى

ص: 198

صدرها، وتبكيه وليدا وقد بكته من قبل جنينا...

وفي الواقع.. لا أدري أي أحاسيس.. وأي مشاعر كانت تختلج في نفس بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهي تنظر إلى حملها حيناً.. وتتأمل حيناً آخر في حركات جنينها وهو يناغي أحشاءها بل روحها؟!

وعندما ولدته.. لا أدري كيف كانت تنظر إليه.. وهي عارفة أن هذا الصدر الذي يشابه صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1) المصطفى ستسحقه خيول بني أمية ؟!

ترى هل كانت تتحسس بيديها تلك الأضلع عندما كان يغفو في مجرها.. ترى هل كانت ترى مواضع السيوف عندما تشم عنقه وهو يداعب بأنامله الرقيقة خصلات من شعرها؟!

لا أدري.. كيف كانت تسرّح شعره وصورة رأسه المقطوع أمام ناظرها.. هل كانت دموعها ترطب خصلات شعر ولدها.. لا أدري كيف كانت تلبسه ثيابه وهي تعلم أنه مسلوب الثياب عريانا تحرقه حرارة الشمس ورمضاء الثرى في كربلا؟!

ترى.. كيف كانت تطعمه.. كيف لها قلب أن تسبقه.. أو كيف هي تشرب الماء وهو ينظر إليها أو يطلبه منها! هل تتأخر عليه ؟! أو تأتيه بالماء وهي مسرعة باكية ؟!

ص: 199


1- رواه الترمذي عن علي بن أبي طالب عليه السلام في السنن: ج 5، ص 660، برقم 3779؛ الإرشاد للمفيد: ج 2، ص 27؛ طبقات النعيمي: ص 403؛ وذكره الهيثمي في موارد الظمآن: ص 553؛ كتاب المناقب 36 باب: ما جاء في الحسن.... ص 15، الحديث 2235؛ وذكره القارئ في المرقاة: ج 5، ص 66؛ وعزاه لأبي حاتم، والبغوي في مصابيح السنة كتاب المناقب: ص 28، باب مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ص 10، حديث 4834.

ترى.. أهناك أم حملت بمثل ما حملت الزهراء عليها السلام من الآلام.. أي أم علمت ما يجري على ولدها وهو يكبر أمام ناظرها.. وفي نفس الوقت صابرة محتسبة ومسلمة لأمر ربها؟!

كيف لنا أن نتحدث عن الأمومة وآثار الحمل والولادة على نفسية المرأة، بل على كل كيانها ثم نتجاهل تلك الآلام والأحاسيس التي عاشتها هذه الأم ؟!

وهل يتغافل البعض عن هذا، هل حقا بقي عندهم شيء من إنسانيتهم وضمائرهم ؟!

وإليك أيها القارئ الكريم بعض الأحاديث التي تتحدث عن أخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام بما يجري على ولدها قبل أن يلد كما سيمر في ثانيا:

ثانياً: حملته كرها ووضعته كرها

1 - عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن المعلى بن خنيس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبح صباحا فرأته فاطمة باكيا حزينا، فقالت:

«ما لك يا رسول الله»؟

فأبى أن يخبرها، فقالت:

«لا آكل ولا أشرب حتى تخبرني».

فقال:

ص: 200

«إن جبرئيل عليه السلام أتاني بالتربة التي يقتل عليها غلام لم يحمل به بعد».

ولم تكن تحمل بالحسين عليه السلام.

«وهذه تربته»)(1).

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«لما حملت فاطمة عليها السلام بالحسين جاء جبرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن فاطمة ستلد غلاما تقتله أمتك من بعدك، فلما حملت فاطمة الحسين عليه السلام كرهت حمله، وحين وضعته كرهت وضعه».

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام:

«لم تُر في الدنيا أم تلد غلاما تكرهه ولكنها كرهته لما علمت أنه سيقتل، قال وفيه نزلت هذه الآية:

(وَ وَصَّيْنَا اَلْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً)(2)»(3) .

وفي رواية أخرى: إنها لما علمت أنه سيقتل قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا حاجة لي فيه».

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن الله عزّ وجل قد وعدني فيه عدة».

ص: 201


1- كامل الزيارات: ص 62.
2- سورة الأحقاف: الآية: 15.
3- الكافي: ج 1، ص 464، كامل الزيارات: ص 55، المناقب لابن شهر: ج 4، ص 46.

قالت عليها السلام:

«ما وعدك ؟».

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«وعدني أن يجعل الإمامة من بعده في ولده».

فقالت:

«قبلت»(1).

ورضاها هنا هو لمعرفتها في هذه الحالة أن صلاح الأمة وحفظ الشريعة متوقف على هذا الأمر وهو الإمامة، وهذا المقام لا يرتقى إليه إلا بالابتلاء وبالشكل الذي شاءه الله عزّ وجل، ولذا قال عليه السلام:

«شاء الله أن يراني قتيلا»(2).

وخذ له مثلا من محكم التنزيل فقد رأى إبراهيم الخليل أن قيام بيت الله متوقف على ذبح ولده إسماعيل.

وإسماعيل عليه السلام فهم المراد من قول أبيه عليه السلام:

(يٰا بُنَيَّ إِنِّي أَرىٰ فِي اَلْمَنٰامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ )(3).

فرد متفهما أن الأمر ارتبط بذبحه وأن مشيئة الله اقتضت ذلك.

فكان تسليما ورضا بمشيئة الله فقال:

(يٰا أَبَتِ اِفْعَلْ مٰا تُؤْمَرُ).

ص: 202


1- كمال الدين للصدوق: ج 2، ص 415، باب: ما روي في الإمامة.
2- الأخلاق الحسينية لجعفر البياتي: ص 42.
3- سورة الصافات، الآية: 102.

عرف إسماعيل أن هذه الرؤيا التي رآها أبوه هي أمر إلهي فعليه الامتثال ولذا قال: افعل ما تؤمر ولم يقل افعل ما رأيت، وفاطمة عليها السلام: فهمت من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم: أن قيام البيت ومناسكه متوقف على فدائه.

وفداؤه يجب أن يكون عظيما لأن الشيعة أعظم، ولذا:

(وَ فَدَيْنٰاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )(1).

والهاء في فديناه تعود إلى البيت وليس إلى إسماعيل، لأن إسماعيل هو الفدو المقدم للبيت فرفع عنه الأمر وقدم للبيت الحرام الحسين عليه السلام وكيف لا وهو من رسول الله ورسول الله منه(2)، ولذا كان عظيما لمقامه عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

المسألة الثانية: ولادته عليه السلام
اشارة

ولد بالمدينة لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع للهجرة(3).

ص: 203


1- سورة الصافات الآية: 107.
2- وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي رواه أصحاب الصحاح والمسانيد، فعن يعلى ابن مرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»، وقد أخرجه أحمد في مسنده: ج 4، ص 172؛ وأخرجه البخاري في الأدب المفرد: ص 133-134، باب: معانقة الصبي 170، الحديث 366؛ وأخرجه الترمذي في السنن: ج 5، ص 658-659، كتاب المناقب 50، باب: مناقب الحسن والحسين الحديث 144؛ وأخرجه الحاكم في المستدرك: ج 3، ص 177، كتاب معرفة الصحابة، باب استشهد الحسين يوم الجمعة، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي؛، وأخرجه البغوي في مصابيح السنة، كتاب المناقب برقم 4833.
3- الإرشاد للمفيد رحمه الله: ج 2، ص 27.

ولم يولد لستة أشهر خلا عيسى بن مريم عليه السلام، والحسين بن علي عليهما السلام(1)، ولعل وجه التشابه بينهما يرتبط بتخفيف المعاناة على الأم، فمريم عليها السلام لوضعها في بيت المقدس، وفاطمة عليها السلام لعلمها بأنه سيقتل فطول الحمل يزيد في أحزانها.

ولما وضعته جاءت له إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأذن بأذنه اليمنى وأقام في اليسرى(2)، ثم قال:

«خذيه يا فاطمة فإنه إمام ابن إمام، أبو الأئمة التسعة من صلبه أئمة أبرار والتاسع قائمهم»(3).

وفي اليوم السابع لولادته قام النبي بتسميته وعقّ عنه كبشا(4)، وقيل كبشين أملحين(5)، وحلق شعر رأسه ووزن فكان درهما ونصفاً من الفضة(6)، وتصدق به على المساكين، وبكاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم ولد ويوم سابعه، بل كلما وقعت عيناه عليه دمعتا.

ص: 204


1- أخرجه ثقة الإسلام الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي: ج 1، ص 464.
2- أخرجه أبو داود في السنن: ج 2، ص 621، كتاب الأدب، باب: الصبي يولد فيؤذن في أذنه؛ وأخرجه الترمذي في باب: الأذان في أذن المولود، من أبواب الأضحية؛ عارضه الأحوذي: ج 6، ص 315؛ وأحمد في المسند: ج 6، ص 391-392؛ وابن قدامة في المغني: ج 13، ص 401، مسألة رقم 1773؛ والنوري في المجموع: ج 8، ص 414.
3- كفاية الأثر للخزار: ص 194.
4- الكافي: ج 6، ص 33، برقم 5؛ وسائل الشيعة: ج 21، ص 431، برقم 27506؛ الإرشاد للمفيد: ج 2، ص 25.
5- وسائل الشيعة للعاملي رحمه الله: ج 21، ص 408، برقم 27427.
6- مستدرك الوسائل: ج 15، ص 142.
أولاً: رضاعته من إبهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم

من الأمور الخاصة التي رافقت الحمل الثاني لفاطمة عليها السلام هو رضاعة وليدها الحسين عليه السلام، إذ لم تتولَّ الزهراء رضاعته وإنما كان الأمر منوطا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحكمة بيّنها هو».

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«ولم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى، كان يؤتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه ليومين والثلاث، فنبت لحم الحسين عليه السلام من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودمه»(1).

وفي رواية أخرى يبين صلى الله عليه وآله وسلم المغزى من هذا الفعل، قائلا لفاطمة عليها السلام:

«إنك ستلدين غلاما قد هنأني جبرائيل فلا ترضعيه حتى أجيء إليك ولو أقمت شهرا».

قالت:

«أفعل ذلك».

وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض وجوهه، فولدت فاطمة الحسين فما أرضعته، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها:

«ماذا صنعت ؟».

قالت:

«ما أرضعته».

ص: 205


1- أخرجه الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي: ج 1، ص 464.

فأخذه فجعل لسانه في فمه فجعل الحسين يمص، حتى قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:

«إيها حسين، إيها حسين».

ثم قال:

«أبى الله إلا ما يريد هي فيك و في ولدك».

يعني: الإمامة(1).

و قد روي أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يأتي مراضع فاطمة عليها السلام فيتفل في أفواههم ثم يقول لفاطمة لا ترضعيهم»(2).

و قد مرّ علينا في الفصل السابق أثر الإرضاع في التكوين الخلقي للإنسان، وهنا يؤكد النبي صلى الله عليه و آله و سلم بهذا العمل انتقال السمات الخاصة برتبة الإمامة إلى الإمام الحسين عليه السلام من خلال هذا الإعجاز الخاص به صلى الله عليه و آله و سلم. أما مدة إرضاعه فكانت سنتين(3)، لقوله عزّ و جل:

(وَ وَصَّيْنَا اَلْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً)(4).

فحملته ستة أشهر و فصاله أربع و عشرون شهرا و هو تمام الثلاثين.

ص: 206


1- المناقب لا بن شهر: ج 4، ص 50.
2- الخرائج و الجرائح: ج 1، ص 94.
3- بحار الأنوار: ج 43، ص 258.
4- سورة الأحقاف: الآية 15.
ثانيا: تكريم النبي صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام و المسلمين بولادة الحسن و الحسين عليهما السلام
اشارة

من سنن اللطف و الجمال و الذوق أن يقدم للمرأة بعد معاناتها و مخاطرتها بالحمل و الو لا دة، أن يقدم لها تهنئة بالسلامة و تكريما لما أدخلته على الأهل و الأسرة من بهجة و سرور بإنجابها مولودا ليمارس دوره في الحياة و ليكون موضع فخر و اعتزاز للأهل.

و النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم لم يغب عن ناظره هذا الأمر، بل إن كل جميل في الإسلام إنما نبع منه، و كل عذوبة في الحياة الإنسانية المستقيمة كان مصدرها، و لذا كانت تهنئته لا بنته و الأمة تنسجم مع كونه رحمة للعالمين.

فمن أنعم الله عليه بنعمة و جب الشكر له عليها، و قد أنعم الله عزّ و جل على هذه الأمة المرحومة - بنبيها و أهل بيته - بنعمة عظيمة أن جعل منها

«سيدي شباب أهل الجنة»(1).

و لذا و جب أن يكون الشكر من سنخ هذه الرحمة ألا و هي الصلاة، كي تكون دليلا منه صلى الله عليه و آله و سلم على عظم النعمة و ثانيا: كي تعم الرحمة على هذه الأمة و تتحقق النجاة لها يوم القيامة لا كتمال سبيلي الهدآية و هما الثقلان:

ص: 207


1- و هو الحديث النبوي الشريف، أخرجه أحمد في المسند: ج 5، ص 391؛ و أخرجه الترمذي في السنن: ج 5، ص 660-661، كتاب المناقب (50، باب مناقب الحسن و الحسين عليهما السلام 31، الحديث 3781؛ و ذكره المزي في تحفة الأشراف: ج 3، ص 30-31، الحديث 3323، و عزاه للنسائي؛ و أخرجه الحاكم في المستدرك: ج 3، ص 381، كتاب معرفة الصحابة، باب: كان حذيفة أعلم الناس.. و قال الذهبي: صحيح.

(كتاب الله و عترتي أهل بيتي)(1).

و التكريم تم بهذا الشكل:

ألف: زيادة الصلاة الواجبة سبع ركعات

أخرج الشيخ الكليني رحمه الله، عن عبد الله بن سليمان العامري، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:

«لما عرج برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نزل بالصلاة عشر ركعات، ركعتين، ركعتين، فلما ولد الحسن و الحسين زاد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سبع ركعات شكرا لله، فأجاز الله له ذلك، و ترك الفجر لم يزد فيها لضيق و قتها و لأنه تحضرها ملائكة الليل و ملائكة النهار. فلما أمره بالتقصير في السفر وضع عن أمته ست ركعات و ترك المغرب لم ينقص منها شيء، و إنما يجب السهو فيما زاد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فمن شك في أصل الفرض في الركعتين الأوليين استقبل صلاته(2)، أي و جب عليه إعادتها، كالصبح و الجمعة و المغرب و صلاة السفر، و كذلك في الرباعية إذا مرأ الشك

ص: 208


1- و هو الحديث النبوي الشريف المتواتر و المتفق على صحته عند جمهور المسلمين، و تناقلته مصنفات الفريقين و قد رواه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أربعة و ثلاثون من الصحابة و الصحابيات، راجع: سنن الترمذي: ج 5، ص 663، كتاب المناقب 50، باب مناقب أهل البيت 32، الحديث 3788؛ و أخرجه أحمد في المسند: ج 4، ص 366-367؛ و أخرجه الدارمي في السنن: ج 2، ص 431-432، كتاب فضائل القرآن، باب فضل من القرآن؛ و أخرجه الحاكم في المستدرك: ج 3، ص 148، كتاب معرفة الصحابة: باب إني تارك فيكم الثقلين، و قال على شرط الشيخين و رافقه الذهبي.
2- الكافي للكليني رحمه الله: ج 3، ص 487؛ البحار للمجلسي رحمه الله: ج 43، ص 258، برقم 41.

قبل اكمال السجدتين من الثانية»(1).

باء: إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم سن ّ نافلة المغرب شكرا لله على سلامة فاطمة عليها السلام

روي عن الصادقين عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بشر بالحسن عليه السلام و هو في آخر تسبيح المغرب قبل الدعاء فقام من و قته من غير أن يتكلم أو يصنع شيئا فصلى ركعتين جعلهما شكرا لله تعالى على سلامة فاطمة عليها السلام و و لا دتها الحسن عليه السلام ثم دعا بعد الركعتين و عقب بسجدتي الشكر و التعفير بينهما و كان ذلك سنّة، حتى ولد الحسين عليه السلام فجاء البشير به و قد صلى هاتين الركعتين بعد المغرب و هو في آخر تسبيحه فقام من غير تعقب فصلى ركعتين جعلها شكرا لله تعالى عقب الدعاء بعدهما و سجد، فجرت به سنته صلى الله عليه و آله و سلم أن لا يتكلم أحد بين فريضة المغرب و نافلتها(2).

جيم: إخبار النبي صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام بما يجري على الحسين عليه السلام بعد و لا دته

مثلما كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يخبر فاطمة عليها السلام بما يجري على الحسين عليه السلام قبل و لا دته كذلك كان حاله صلى الله عليه و آله و سلم مع فاطمة عليها السلام و ولدها بعد و لا دته ليدل على أن الحسين عليه السلام حالة فريدة و ابتلاءه و رزيته شاء الله أن تكون من خصوصيات سيد الأنبياء و المرسلين

ص: 209


1- اجماعيات فقه الشيعة: ج 1، ص 358.
2- المقنعة للشيخ المفيد رحمه الله: ص 117.

وابنته فاطمة عليها السلام التي لم تبتل أم مثلها مع ما لها من المنزلة و الحرمة عند الله تعالى، و إليك أيها القارئ الكريم هذه الروآية الكاشفة عن بعض هذه الخصوصية و الشأنية الابتلائية و انعكاساتها الوجدانية على الأم.

عن فرات قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان الحسين عليه السلام مع أمه تحمله فأخذه النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قال:

«لعن الله قاتلك و لعن الله سالبك و أهلك الله المتوازرين عليك و حكم الله بيني و بين من أعان عليك».

قالت فاطمة الزهراء عليها السلام:

«يا أبه أي شيء تقول»؟!.

قال:

«يا بنتاه ذكرت (ذكرته) ما يصيبه بعدي و بعدك من الأذى و الظلم و (الغدر) و البغي و هو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل و كأني أنظر إلى معسكرهم و إلى موضع رحالهم و تربتهم».

قالت:

«يا أبي و أني (وأي و أين) هذا الموضع الذي تصف»؟.

قال:

«موضع يقال له كربلاء و هي دار كرب و بلاء علينا و على الأمة، يخرج (عليهم) شرار أمتي و إن أحدهم لو يشفع (شفع) له ما في السماوات و الأرضيين ما شفعوا فيه و هم المخلدون في النار».

ص: 210

قالت:

«يا أبه فيقتل»؟.

قال:

«نعم يا بنتاه و ما قتل قتلته أحد كان قبله و تبكيه السماوات و الأرضون و الملائكة (والوحش) و النباتات و البحار و الجبال و لو يؤذن لها (ما بقي) على الأرض متنفس و يأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله و لا أقوم بحقنا (لحقنا) منهم و ليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم أولئك مصابيح في ظلمات الجور و هم الشفعاء و هم واردون حوضي غدا أعرفهم إذا و ردوا عليّ بسيماهم و كل أهل دين (يطلبون أئمتهم و هم) يطلبونا و (لا يطلبون غيرنا و هم قوام الأرض و بهم ينزل الغيث».

فقالت فاطمة (الزهراء) عليها السلام:

«يا أبي إنا لله».

و بكت فقال لها:

«يا بنتاه إن أهل الجنان من الشهداء في الدنيا:

(أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا)(1).

(الحق) فما عند الله خير من الدنيا و ما فيها قتلة أهون من ميتته من كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه و من لم يقتل فسوف يموت يا فاطمة بنت محمد أما تحبين أن تأمرين غدا (بأمر) فتطائعين في هذا الخلق عند الحساب أما ترضين أن

ص: 211


1- سورة التوبة، الآية: 111.

يكون ابنك من حملة العرش أما ترضين (أن يكون) أبوك يأتونه (يأتيه) يسئلونه الشفاعة أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش من الحوض فيسقي منه أولياءه و يذود عنه أعداءه أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار و الجنة و يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء و يترك من يشاء أما ترضين أن تنظري إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك و إلى ما تأمرين به و ينظرون إلى بعلك و قد حضر الخلائق و هو يخاصمهم عند الله فما ترين الله صانعا بقاتل ولدك و قاتليك إذا أفلحت (فلجت) حجته على الخلائق و أمرت النار أن تطيعه أما ترضين أن تكون الملائكة تبكي لا بنك و يأسف عليه كل شيء أما ترضين أن يكون من أتاه زائرا في ضمان الله و يكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله الحرام و اعتمر و لم يخل من الرحمة طرفة عين و إذا مات، مات شهيدا و إن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي و لم يزل في حفظ الله و أمنه حتى يفارق الدنيا»

قالت:

«يا أبة سلمت و رضيت و توكلت على الله».

فمسح على قلبها و مسح (على) عينيها، فقال:

«إني (أنا) و بعلك و أنت و ابناك في مكان تقر عيناك و يفرح قلبك».

(يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ )(1).

ص: 212


1- سورة التوبة، الآية: 119.

الفصل الثالث: الطفولة في بيت فاطمة عليها السلام

اشارة

ص: 213

ص: 214

اهتم القرآن و العترة النبوية الطاهرة بالطفل و الطفولة، و لقد ركز القرآن على جميع الجوانب الخاصة بهذه المرحلة، ابتداء من انعقاد النطفة و انتهاء بمرحلة الرشد، و لقد سبق القرآن العلوم الحديثة في بيان خصائص الطفل و الطفولة.

فمن حيث إن علم نفس الطفل، و علم نفس النمو، و علم النفس التكويني، و غيرها قد عدّ انعقاد النطفة، و تكوين الجنين في رحم أمه و هو ما يعرف ب - (البيئة الرحمية)(1) بدآية لتكوين الخصائص النفسية للطفل: فرأى أن كل ما تعمله الأم أو تفكر فيه أو تشتهيه له تأثير مباشر على الجنين، رأى البعض الآخر: أن تجارب الأم لها تأثير قليل جدا على الجنين، في حين ذهب علماء الوراثة و المتخصصون في حياة الجنين إلى أن الصحة الجسمية و النفسية للأم تؤثر تأثيرا كبيرا في صحة الجنين، و قد كشف بعض الباحثين (عن أن الشهور التي تسبق عملية الحمل تقرر سلامة صحة الجنين)(2).

ص: 215


1- علم نفس الطفل للدكتور محمد الريماوي: ص 37، نقلا عن ( Witherspoon,1980 ) .
2- المصدر السابق.

والسبق القرآني و النبوي لهذه الحقائق و غيرها بدا و اضحا لدى العترة الطاهرة فحثوا على العناية بالأم الحامل و الإنفاق عليها و تخصيص بعض الأطعمة لها و إطعامها إياها كيما يتمكن الوالدان من الحصول على و ليد يتميز عن غيره بالصحة الجسدية و النفسية.

و لقد انطلق القرآن في قضية الطفل من المراحل الأولى لتكونه و هي انعقاد النطفة و نبه إلى خطورة هذه المرحلة فقال عزّ و جل:

(وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا اَلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا اَلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا اَلْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا اَلْعِظٰامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ )(1).

و قوله تعالى:

(إِنّٰا خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ نَبْتَلِيهِ )(2).

و البلاء هنا ما يرد على الإنسان في رحم أمه و هو جنين و ما يرد عليه بعد خروجه إلى الحياة الدنيا.

ثم أشار القرآن بعد ذلك إلى مرحلة الو لا دة و ما بعدها، أي: الطفولة فركز على العناية بالصحة الجسدية من حيث الإرضاع الطبيعي و بين حدوده و ما يترتب عليه من آثار تتدخل في بناء شخصية الإنسان.

ثم انتقل إلى الصحة النفسية و آثارها فبين أن الطفل الذي حرم من أبيه يكون بوضع نفسي خاص و كيما لا يتحول إلى إدائرة ضارة في المجتمع حث على الاهتمام

ص: 216


1- سورة المؤمنون، الآية: 12-14.
2- سورة الإنسان، الآية: 2.

به و الترغيب في رعايته و التكفل به فقال عزّ و جل:

(فَأَمَّا اَلْيَتِيمَ فَلاٰ تَقْهَرْ)(1).

و قال المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم:

«أنا و كافل اليتيم كهاتين».

و أشار بسبابته(2).

و لكن كي يتمكن القارئ الكريم من الاطلاع على تلك المناهج التربوية في الصحة النفسية و الجسدية التي جاء بها القرآن الكريم و بينتها العترة الطاهرة مع ما تناوله المتخصصون في العلوم النفسية و التربوية قمنا بزيارة بيت فاطمة بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم لننهل منه ما إن تمسكنا به لن نضل أبدا.

و على الرغم من قلة الروآيات التي تنقل لنا تلك الصور الحياتية لمرحلة الطفولة في بيت فاطمة عليها السلام، إلا أنها تغني الباحث و المربي عن الكثير مما ذهب إليه الماديون و المثاليون و المتخصصون، إذ مهما يحمل الباحث من خصائص تسهم في الوصول إلى الحقائق إلا أنه يبقى قاصرا عن إدراك مكنونها؛ لأن هذا المكنون هو عند من خصهم الله تعالى بفضله، و اصطفاهم على خلقه و زادهم بسطة في العلم، فسبحان من سن السنة و أحصى كل شيء في إمام مبين(3).

ص: 217


1- سورة الضحى، الآية: 9.
2- بحار الأنوار: ج 35، ص 117.
3- سورة يس، الآية: 12، و هو قوله تعالى: (وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ ).

المبحث الأول: الطفولة ( Childhood )

المسألة الأولى: الطفولة في القرآن الكريم

ذكر القرآن الكريم لفظ (الطفل) في موضعين قال تعالى:

(يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ اَلْبَعْثِ فَإِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فِي اَلْأَرْحٰامِ مٰا نَشٰاءُ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّٰى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلىٰ أَرْذَلِ اَلْعُمُرِ لِكَيْلاٰ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً)(1).

وقال عزّ وجل:

(هُوَ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفّٰى مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )(2).

ص: 218


1- سورة الحج، الآية: 5.
2- سورة غافر، الآية: 67.

ومن خلال سياق الآيتين يظهر أن مرحلة الطفولة تبدأ منذ الولادة إلى بلوغ الأشد وهو الشباب لأن بلوغ الأشد لا يقتصر على النمو الجسمي بل على النمو العقلي وفي الشباب يكون الطفل قد أصبح راشدا، ولذلك تجد القرآن يقسم حياة الإنسان إلى ثلاث مراحل مرحلة الطفولة ومرحلة بلوغ الأشد ومرحلة الشيخوخة، وهذه المراحل هي مصب اهتمام علماء نفس النمو Developnmtal Psychology.

المسألة الثانية: الطفولة في الاصطلاح واللغة

لقد فطن العرب إلى مراحل النمو حيث تبدأ عندهم بالجنين، فالوليد، أي: الطفل المولود لتوه، فالصبي أي: الطفل الذي لم يكمل سبعة أيام من حياته لاعتقادهم بأن صدغه لا يشتد إلا في تمام السبعة أيام، فالفطيم، فالجحوش وذلك عندما يغلظ وتذهب عنه ترارة الرضاع، فالدارج إذا دب ومشى، فالخماسي إذا بلغ طوله خمسة أشبار، فالغور إذا سقطت أسنانه اللبنية، فالمثغر، إذا نبتت أسنانه بعد السقوط فالمترع الناشئ إذا كاد يجاوز العشر سنين أو جاوزها، فاليافع المراهق إذا كاد يبلغ الحلم أو بلغه(1).

والطفل لغويا:

البنان الرّخص الناعم، وهو الصغير من كل شيء، وقال أبو الهيثم: الصبيّ يدعى طفلا حين يسقط من بطن أمه إلى أن يحتلم(2).

ص: 219


1- علم النفس التكويني لصباح حنا مزهر: ج 1، ص 14.
2- لسان العرب لابن منظور: ج 8، ص 174، مادة (طفل).
المسألة الثالثة: الطفولة في علم النفس

(مرحلة من الحياة تمتد من الولادة إلى المراهقة، أي حتى الرابعة عشرة من العمر، لم يعد الطفل يعد بدافع من علم النفس، راشدا تنقصه المعارف والحكم بل فردا له ذهنيته الخاصة وتحكمه وقوانين خاصة في نموّه السيكولوجي، فالطفولة هي المرحلة الضرورية لتحويل الوليد راشدا، وكلما صعدنا في السلم الحيواني، امتدّ زمن الطفولة: ثلاثة أيام لدى خنزير الهند، تسع سنوات لدى الشمبانزي، خمسا وعشرين سنة لدى الإنسان في رأي أرنولد جيزيل (1881-1961)، والموجود الإنساني بحاجة إلى هذه المدة الزمنية الطويلة ليفهم ويتمثل البنية الثقافية المعقدة التي ينبغي له أن يتكيّف معها، والواقع أن الإنسان يفقد في سن الرشد مرونته أو (قابليته للصيرورة) (إد. كلاباريد)، فالطفل يتعلم، ويبدع، ويجدّد، ويولّد التقدم بفضل مكتسباته إرث الأجيال الماضية: الطفولة، يقول جيزيل، خلاصة ومقدمة في وقت واحد).

ويميّز المرء، في هذه المرحلة الدينامية وذات الغنى الأقصى حيث النماء يتم في جميع المجالات معا، ثلاث مراحل كبيرة (كان علماء البيداغوجيا قد لاحظوها من قبل): الطفولة الأولى(1) من الولادة إلى السنة الثانية أو الثالثة، الطفولة الثانية من الثانية أو الثالثة حتى السادسة أو السابعة، والطفولة الثالثة التي تنتهي بالبلوغ ويتم نمو الطفل وفق سيرورة من التمايز التدريجي، فالنظام أحد الوقائع النفسية الأولى التي تتيح للطفل أن يتمايز من أمه ويجتاز أفضل الشعور بالواقعي، ويتوسع عالمه، مع ضروب التقدم المسجلة في المجالات النفسية الحركية (استعمال إليه، اكتساب

ص: 220


1- المعجم الموسوعي في علم النفس لنور بير سيلامي، ترجمة وجيه أسعد: ج 4، ص 1560.

وضع الوقوف والسير) واللفظية (كلمات، جمل) وتزداد اهتماماته وتتوطد فكرته، ويكتشف في السنة الثالثة شخصيته، التي يؤكدها مستخدما كلمة (أنا) ومعارضا الغير دون باعث، وانطلاقا من هذه المدة الزمنية تجري اكتساباته بإيقاع يزداد سرعة(1).

المسألة الرابعة: والطفولة في علم نفس الطفل ( Childhood Psychology )

هي مرحلة عمرية من دورة حياة الكائن الإنساني تمتد من الميلاد إلى بداية المراهقة، ويشير فليب أريس في كتابه الطفولة في قرون (1962 Genteries of Childood ) إلى أن الطفولة مصطلح حديث نسبياً، فالأطفال في القديم كانوا يعيشون بيننا ويرتدون نفس الطراز من الملابس، وعليهم أن يتصرفوا كالكبار، ولم يكن معروفا أن للطفولة خصائصها وحاجاتها وأغراضها وفرصها كالخيال واللعب، فدورة حياة الكائن الإنساني كانت تنقسم إلى ثلاث مراحل: الرضاعة ( Onfancy ) ، وما قبل البلوغ ( Preadulthood ) ، والبلوغ ( Adulthood ) ، ففي مرحلة ما قبل البلوغ يعد الفرد للعمل والإنتاج ويحمل المسؤولية، وهذا ما سيمارسه في مرحلة البلوغ.

ولذلك فإن علم نفس الطفولة يدرس سلوك الطفل وعملياته العقلية والانفعالية بمنهج علمي وصفيا كان أو تجزيئيا أو اكلينيكيا(2).

وقد تعامل المدرسيون - فلاسفة أوربا في القرون الوسطى - تعاملوا مع

ص: 221


1- المعجم الموسوعي في علم النفس لنور بير سيلامي ترجمة وجيه أسعد: ج 4، ص 1560.
2- علم نفس الطفل للرماوي: ص 45 و 48، نقلا عن ( Santrock.J.W.,OP.CITP.15 ) .

الطفولة من منظور فلسفي أو منظور ديني، فمن خلال المنظور الأول بحثوا في أصل المعرفة، هل المعرفة فطرية، أم مكتسبة ؟ فإن كانت المعرفة فطرية بالمفهوم الأفلاطوني فالنفس كانت تعرف كل شيء وهي في عالم المثل وقبل أن تحل في الجسد ولكنها تنسى ما كانت تعرفه، ثم تبدأ باسترجاع ما نسيته ثم خلال ما تقع عليه عبر الحواس الخمس، فالتعلم عندئذ لا يكون سوى عملية تذكر، وبالتالي يلزم المربين إتاحة الفرصة للأطفال كي يتحسسوا ما حولهم من مثيرات حتى تسترجع النفس ما كانت قد نسيته.

أما إن كانت المعرفة مكتسبة بالمفهوم الأرسطي فإن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء، والمربي ينقش على هذه الصفحة البيضاء ما يشاء، وعليه يكون التعلم متدرجا تبعا لإمكانيات الطفل الجسمية والعقلية.

ومن خلال المنظور الثاني - أي الديني - فقد بحثوا في أصل الطبيعة الإنسانية، هل الإنسان خيّر بالفطرة أم شرير بالفطرة ؟ ففي وجهة النظر الأولى يترتب عليها المطالبة بتدعيم هذه الخيرية وحماية الطفل من الانحراف عنها، ووجهة النظر الثانية تطالب بدراسة الكتاب المقدس وإكساب الطفل الخبرة الدينية(1).

وقد برزت بعض الأسماء في دراسة ميدان الطفولة منهم جون لوك (1693 John Lock ) .

أكد جون لوك على أن الطفل يولد وهو صفحة بيضاء، وإن المعرفة تكتسب من خلال الخبرات الحسية، وإن تربية الحدث الناشئ فرصة أمام المجتمع لتعليمه الحكمة والفضيلة، ومن هذا المنطق يعطى التدريب أهمية أكبر من اكتساب المعرفة

ص: 222


1- المصدر السابق: ص 46، ( IBID P. )

والمهارات، ولذلك نادى بضرورة تكوين عادات جديدة عند الطفل مع قمع نوازعه الطبيعية التي تنسجم مع تلك العادت، وبناء على ذلك فان المجتمع الذي تسود فيه وجهة النظر هذه يسعى الكبار فيه إلى خلق مواقف يستطيع الأطفال من خلالها أن يتعلموا معايير السلوك التي يفضلها المجتمع، كما ترفض وجهة النظر هذه أية قدرات أولية أو فروق مزاجية أو أسس يمكن أن نتنبأ بواسطتها عن الفروق الفردية في السلوك الذي قد يكون نتاج الخصائص الوراثية أن الأطفال قد يتصرفون بنفس الطريقة إذا تعرضوا لنفس الظروف البيئية والأكثر من ذلك فإن وجهة النظر هذه تفترض بان نفس البيئة المثالية سوف تكون مناسبة لجميع الأطفال.

جان جاك روسو (1778-1712 J.J.Rousseau )

يرى روسو أن الطفل خير بطبيعته منذ الولادة وأنه يتعلم بطريقة أفضل إذا أتيح له أن ينمو حرا طبقا لما تقتضيه حاجاته، ولذلك نادى بإعطاء الطفل حريته المطلقة للتعبير عن نوازعه الطبيعية وتنمية قدراته ومواهبه، وأن الطفل يتعلم بالقدرة الحسنة والممارسة والتجربة وقد أكدت نظريته على أهمية النمو والحرية والدافع، والنشاط في عملية التعلم.

وإضافة إلى هؤلاء ظهرت دراسات كثيرة لباحثين في ميدان الطفولة، مثل بستالوزي (1827-1782 Pestalozzi ) الذي يعدّ من مؤسسي المدرسة الابتدائية بصورتها الحديثة وفروبل (1852-1782 Froebel ) ويعدّ من الرواد الأوائل الذين اهتموا بتربية الطفل، وهو أول مؤسس لرياض الأطفال، وقد أكد على أهمية النشاط واللعب في تنمية النواحي الروحية والخلقية.

ص: 223

ومن الأسماء اللامعة في هذا المجال أيضا:

ألفرد بينة ( A.Binet ) وقد اهتم بالنمو العقلي للأطفال ووضع عام 1904 أول اختبار لقياس الذكاء.

وفي سيكولوجية الطفولة المبكرة وهو كتاب لوليم شتيرن (1914 W.Stern ) بحث فيه المؤثرات السيكولوجية في بداية مرحلة الطفولة،(1)، ويضاف إلى تلك الأبحاث والدراسات ما قدمه علماء النفس أمثال (ستانلي هول) و (هافجهرست Havighurst ) و (بياجية Piaget ) و (أريكسون Erickson ) و (كولبرج Kohlberg ) ، وعلماء مدرسة التحليل النفسي، وعلماء الاجتماع المهتمين بالتغير الاجتماعي، وكذلك نتائج الدراسات الأكلتيكية والتجربية، أقنعتنا أن الطفولة مرحلة حياتية فريدة متميزة تتميز بأحداث هامة، فيها توضع أسس الشخصية المستقبلية للفرد البالغ(2).

وعند الرجوع إلى الثقلين (كتاب الله وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم) لم نجد أن تلك النظريات قد جاءت بما هو جيد، فنظرية (جون لوك) إنما هي مستوحاة من قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

«كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون وأبواه يهودانه وينصرانه، ويمجسانه»(3).

ص: 224


1- علم النفس التكويني لصباح حنا هرمز ويوسف حنا إبراهيم: ص 15-18؛ الاضطرابات النفسية عن الأطفال للدكتورموفق هاشم الحلبي: ص 9.
2- علم نفس الطفل للدكتور الريماوي: ص 46، نقلا عن: الأطفال مرآة المجتمع لمحمد عماد الدين، النمو النفسي الاجتماعي للطفل في سنواته التكوينية.
3- المبسوط للسرخسي: ج 10، ص 62.

فهو الحقيقة النبوية لنقول أن الطفل صحيفة بيضاء وأن ما ينقش جلها من المعارف يكون بالدرجة الأولى من النقاش وهما الوالدان.

وأن قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في تحميل الأب جميع الخصائص السلوكية والمعرفية سواء من خلال كونه الوسيط الوراثي أو الوسيط المعرفي كان مصدرا لما ذهب إليه جون لوك، وجاك روسو، فقال عليه السلام:

«ما زال المرء بأهله حتى يدخلهم جميعا الجنة، وما زال المرء بأهله حتى يدخلهم جميعا النار»(1).

فهذه الحقائق وغيرها سنتعرف عليها إن شاء الله من خلال مدرسة بيت فاطمة عليها السلام بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 225


1- عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الأحسائي: ج 1، ص 35، ح 18؛ وجاء في هامش الكافي للكليني: ج 6، ص 13، بهذا اللفظ: «كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه».

المبحث الثاني: النمو اللغوي أو كيفية اكتساب اللغة لدى الطفل

اشارة

تعرف اللغة بأنها مجموعة من الرموز(1) تمثل المعاني المختلفة وهي مهارة اختص بها الإنسان واللغة نوعان: لفظية، وغير لفظية، وهي وسيلة الاتصال الاجتماعي والعقلي، وهي إحدى وسائل النمو العقلي والتنشئة الاجتماعية والتوافق الانفعالي، وهي مظهر من مظاهر النمو العقلي والحسي والحركي، ونحن نسمعها منطوقة ونقرؤها مكتوبة ونفهم لغة الإشارات وتحل اللغة قلب التفاعل الاجتماعي، ويعدّ تحصل اللغة أكبر إنجاز في إطار النمو العقلي للطفل.

والكلام صورة من صور اللغة يستعمل فيها الإنسان الكلمات للتعبير عن أفكاره، وهو الأصوات التي تخرج من فرد ويفهمها شخص يسمعه، والكلام مزيج من التفكير والإدراك والنشاط الحركي.

ويلاحظ أن الاستعداد للكلام فطري، أما اللغة التي يصب فيها الكلام فمكتسبة(2).

ص: 226


1- علم نفس الطفل لحمد الريماوي: ص 150.
2- علم نفس النمو للدكتور حامد عبد السلام زهران: ص 141.
المسألة الأولى: كيف يكتسب الطفل اللغة ؟
اشارة

يكتسب الطفل لغته من خلال التعرض للغة وحياته اليومية معا، ويبدو أن التعرض للغة من خلال التحدث مع الطفل أقدر على الإسراع في اكتسابه إياها، ولكن سماع اللغة يؤدي إلى تعلمها حتى ولو لم يمارس الطفل الكلام ولكن عملية التعلم تكون بطيئة، ويختلف العلماء في الكيفية التي يكتسب بها الطفل اللغة، فبعضهم يؤكد على أن اللغة غريزية بينما يشير البعض الآخر إلى دور التعلم في اكتساب اللغة، بينما يركز آخرون على كلا العاملين، وفيما يأتي النظريات التي كتبت حول هذا الموضوع.

ألف: النظرية الفطرية

ترى هذه النظرية أن الطفل السوي يكون مهيئا للكلام من الناحية البيولوجية لتعلم أي لغة بشرية بسهولة، وإن اللغة نظام معقد من القوانين غير متعلم بطرائق التعلم التقليدية ويرى (جومسكي) أن الجهاز العصبي البشري يحوي تركيبا عقليا يتضمن مفهوما غريزيا عن لغة البشر، ( Chomsky ) ، وتدّعي جماعة هذه النظرية أن السمات العامة والمألوفة لجميع البشر غريزية، وقد استهوت هذه الآراء علماء النفس التجريبي ولقيت إقبالا لديهم.

ويفترض (لينبرج Len Berge 1961 ) ، أن القابلية لإنتاج اللغة هي خاصة من خصائص البشر الموروثة، وتستند اللغة إلى مؤثرات بيولوجية آلية، وأن مراحل اكتساب اللغة تحدث لدى(1) الأطفال الأسوياء بنسق ثابت ومنتظر في جميع أنحاء

ص: 227


1- علم النفس التكويني لصباح حنا هرمز ويوسف حنا إبراهيم: ص 196-197.

العالم، كما تحدث بنفس المعدل تماما رغم التباين البيئي والثقافي، فالأطفال في كافة أنحاء العالم ينطقون كلمتهم الأولى قبل نهاية سنتهم الأولى تقريبا وتعد هذه العملية المنسقة كما لو كانت مرتبطة بالنضج البيولوجي بنفس الطريقة التي يحدث فيها نضج مراحل تعلم المشي(1).

باء: نظرية المحاكاة ( Imitation Theory )

يرى أصحاب هذه النظرية أن الطفل يكتسب اللغة من خلال محاكاة الطفل لما ينطق أبواه أو المحيطون به، وقد أكد (بريير 1894) منذ قرن مضى أن المحاكاة أهم عامل في تعلم اللغة وأنها المرحلة الحساسة في هذا التعلم وتؤكد (مكارتي) أن المحاكاة تظهر لدى الغالبية من الأطفال بعد الشهر التاسع من العمر.

وتدل نتائج الدراسات ما يناقض هذه النظرية، فقد بينت أن الطفل عندما يسمع جملة فإنه لا يكررها يسمعها أو يقلدها(2).

وقد وجد (سلوبن وولش، 1973) أن الطفل لا يستطيع أن يقلد الجمل التي نطقها هو نفسه لذلك لا نستطيع أن نقول إن هذه النظرية ناجحة في تفسير الكيفية التي يكتسب بها الطفل لغته، وتفشل النظرية في تفسير أسباب محاكاة الطفل لأبويه كما أنها لا تشير إلى الميكانزمات النفسية والبيولوجية التي تعمل على اكتساب اللغة في طريق المحاكاة(3).

ص: 228


1- علم النفس التكويني: ص 197.
2- Ervin,1984.
3- دراسات في علم النفس في الأقطار الاشتراكية لموفق الحمداني؛ ومنه: علم النفس التكويني لصباح
جيم: نظرية التحليل النفسي ( Psychoanalytic theory )

تؤكد على عامل اللذة المشتقة من المرحلة الفمية والتي تضفي على أشخاص معينين يحيطون بالطفل ويكونون موضع حبه، وبذلك تشير (أنا فرويد) أن اللغة ترتقي عند الطفل في السنتين الأوليين بزيادة حصول الطفل على اللذة بسبب تزايد الضوضاء والألحان وصور التلفظ الأخرى التي يعملها الطفل.

أما العامل الآخر فهو حاجة الطفل للتعبير عن نفسه إلى أشخاص يحبهم في العالم الخارجي ويريد الاتصال والتفاهم معهم وهذه هي اللذة الآتية من الغير، كما يؤكد جماعة التحليل النفسي على العامل البيئي وبخاصة في المدة الأولى من حياة الطفل إلى آخر السنة الثانية حيث يكون اعتماد الطفل على أبويه، وهذه مرحلة مهمة في اكتساب اللغة(1).

دال: نظرية التعلم الشرطي ( Conditioned Learning Theory )

يعد التعزيز أهم عنصر في هذه النظرية، والتعزيز هو الإثابة التي يحصل عليها الفرد أو أية نتيجة ترفع أو تزيد احتمال ظهور السلوك فعندما يحصل الطفل على الإثابة لنطقه الأصوات المتعارف عليها في اللغة فإن الطفل يكرر نطقها ويواصل تحسين استجابته اللغوية.

ويفترض أصحاب هذه النظرية أن التعزيز الثانوي يلعب دورا مهما في تنمية

ص: 229


1- علم النفس التكويني لصباح حنا: ص 198؛ نقلا عن: ارتقاء اللغة عند الطفل لصالح الشماع؛ تطور اللغة عند الطفل لعبد الرحمن صالح: ص 55-58.

اللغة، فكلام الأم يرتبط مع عملية الإرضاع فيصحب صوت الأم وكلامها معززا ثانويا، ويفسر أصحاب هذه النظرية اكتساب الطفل لمعاني الكلمات على أساس نفس المنطق، فيعلم الطفل قول (باب) عندما يظهر الأب، وبتكرار نفس الموقف عددا من المرات مع مصاحبات أخرى تجد الطفل لا يقول (باب) إلا عندما يظهر الأب)(1).

وتفسر المدرسة السلوكية(2) ارتباط الكلام ذي الدلالة والفهم بمدلولاتها على أساس الفعل الشرطي.

وقد قام (أحد الباحثين وزوجته) بعرض مصاحبة اللبن على طفلهما في الشهر الخامس والنصف وقالا له (دا) وبعد حوالي عشرين يوما وبتكرار العملية يوميا أخذ مجرد ظهور المصاحبة وبدون الحافز السمعي يكفي ليلفظ الصوت (دا) وهكذا تتكون اللغة، حسب نظرية السلوكيين.

ويعد رأي (ماورو Mawrew ) من الآراء السديدة لتفسير اكتساب الطفل للغة - فطبقا لنظرية (ماورو) يلذ للطفل أن يسمع نفسه ويكرر صوته، وعندما تقوم الأم بالعناية بالطفل وتحدث بعض الأصوات التي ينتبه لها الطفل ثم يقوم بالربط بين هذه الأصوات وحاجاته التي تعنى بها الأم ويحاول تقليدها ويشعر بالرضا والسرور فيكررها ثانية ويؤكد (ماورو) على التكرار والمكافأة التي تحسّن استجابات الطفل اللغوية، ويعد عامل العمر هاما في تعلم اللغة والطفل الذي يترك

ص: 230


1- علم النفس التكويني: ص 198.
2- راجع، تطور اللغة عند الطفل لعبد الرحيم صالح: ص 47-54؛ علم نفس الطفل لمحمد الرحاوي: ص 193.

دون تعلم الكلام حتى السادسة أو السابعة من العمل نادرا ما يستطيع تعلم الكلام بطريقة طبيعية(1).

المسألة الثانية: للنبي صلى الله عليه وآله وسلم طريقة في اكتساب اللغة لدى الطفل
اشارة

بعد هذا العرض لنظريات اكتساب اللغة، عدنا لبيت بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام لنرى المنهاج الذي اتبعه أهل هذا البيت عليهم السلام في تعليم أطفالهم اللغة وكيفية اكتسابها. روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده إلى الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يحر الحسين التكبير، ثم كبر رسول الله، فلم يحر الحسين التكبير، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكبر ويعالج الحسين التكبير فلم يحر حتى أكمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع تكبيرات، فأحار الحسين عليه السلام التكبير في السابعة».

فقال أبو عبد الله عليه السلام:

«فصارت سنة»(2).

نقاط البحث في الحديث وهي كالآتي:

ص: 231


1- علم النفس التكويني: ص 198-199.
2- علل الشرايع للشيخ الصدوق: ج 2، ص 322؛ التهذيب للشيخ الطوسي: ج 2، ص 67؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 6، ص 20؛ البحار: ج 44، ص 194، باب: محاسنه وأخلاقه؛ مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص 329.
أولاً: (و ما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحى يوحى)

من البديهيات التي ترافق العقيدة الإسلامية أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق في قول أو عمل إلا وكان مسددا من الوحي، ولذا فكل ما قاله أو فعله أو قرره وأمضاه فهو تشريع وبذلك جاء مفهوم لفظ (السنّة).

ولذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينطلق من تكرار التكبير من ميول عاطفية أو رغبة خاصة لتعليم ولده كلمة (الله أكبر) إنما مفهوم السنّة يلزم بإتباع هذا الفعل النبوي لأنه مرتبط بالله عزّ وجل وما آتاكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخذوه. وهذا يعني أن الله عزّ وجل أراد هذا الفعل من نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في تكرار كلمة (الله أكبر) في هذا الوقت وفي هذه الحالة التعبدية وهي صلاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وعند الافتتاح والإذن لدخول الحرم الأقدس والعروج إلى ساحة الفيض والكمال واللطف الإلهي، فهذا الإحرام أراده العزيز الحكيم أن يكون حاصلاً في المرة السابعة حين نطقها الحسين عليه السلام فكان أحد المعاني لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«حسين مني وأنا من حسين»(1).

ثانيا: فصارت سنّة

جعلت سنة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل تكبيره قبل الدخول إلى الصلاة سبع تكبيرات فلعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصبحت سنة، هذا أولا.

ص: 232


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 261.

ثانيا: يعني أيها المؤمن كي يتحقق لك العروج والإذن في ساحة اللطف الإلهي فعليك أن تحرم بهذه التكبيرات السبع.

ثالثا: الحديث يدل على أن عمر الإمام الحسين عليه السلام كان بين السنة الثانية والثالثة

ذكر المتخصصون في علم نفس الطفل، وعلم نفس النمو: أن هذا الشكل المكون من نطق الطفل لكلمتين يبدأ من منتصف السنة الثانية إلى نهايتها، وقد تمتد إلى بدايات السنة الثالثة(1)، وتعرف هذه (الجمل) المكونة من كلمتين أو ثلاث بالجمل البرقية(2)، ويأتي التعبير سليما عند الأطفال لنطقهم هذه الكلمات من الناحية الوظيفية، أي يعبر بها الرضيع عن حاجاته الأساسية، ولكنها لا تكون سليمة من الناحية البنائية، أي: من ناحية التركيب اللغوي (القواعد)(3).

رابعاً: لماذا هذا التكرار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكلمة ؟ وما أثره على الطفل ؟ وكيف يراها المتخصصون في العلوم الحديثة ؟

يرى الباحثون في علم اللغة والمتخصصون في الاكتساب اللغوي: أن الأطفال مقلدون (جيدون) ونستنتج من ذلك أن المحاكاة واحدة من الاستراتيجيات المهمة التي يستخدمها الطفل في اكتساب اللغة، وليس هذا الاستنتاج بعيدا عن الدقة على المستوى العام.

ص: 233


1- علم نفس الطفل لمحمد الريماوي: ص 156.
2- أسس تعلم اللغة وتعليمها، تأليف ه. دوجلاس براون، ترجمة د. عبدة الراجحي: ص 36، ط دار النهضة العربية بيروت.
3- علم نفس الطفل لمحمد الريماوي: ص 156؛ علم نفس النمو لحامد زهران: ص 143.

فالذي لا شك فيه أن (الترجيع) يعد إستراتيجية بارزة في تعلم اللغة المبكرة، وبخاصة في الاكتساب المبكر للأصوات، وفوق ذلك كله فإن المحاكاة تعد أساسا من الأسس السلوكية للغة(1)، وهي أسس صالحة في المراحل المبكرة على أقل تقدير.

على أنه من المهم أن نسأل: أي نمط من المحاكاة ؟

يذهب السلوكيون إلى أن هناك نمطا واحدا، لكن هناك - في الحقيقة - مستوى أعمق وهو أكثر أهمية في عملية اكتساب اللغة، أما النمط الأول فهو ما يعرف بالمحاكاة السطحية حيث يقلد الشخص العبارات السطحية مركزا اهتمامه على الأصوات لاعلى الدلالة، وهذا المستوى هو الذي يجعل شخصا كبيرا قادرا على ترديد أعداد لا نهاية لها من المقاطع التي لا تدل على معنى أو يقلد لغات لا يعرفها، ومن ثم فإن البحث الدلالي الذي يكمن تحت السطح لا يجد التفاتا ولا تمثلا، وهكذا فإن تدريبات الاستظهار ترتكز غالبا على المحاكاة السطحية في قاعة الدرس حيث يحاكي الطالب أصواتا دون أي فهم لما تحمله من معنى، نعم، قد تكون المرحلة الباكرة من اكتساب الطفل للغة مرتكزة على المحاكاة السطحية حين لا يكون على بينة من الفضائل الدلالية فينغمس في المحاكاة العميقة حتى إنه قد يلهيه عن البنية السطحية، ولننظر إلى المثال التالي بين أم وابنها:

ص: 234


1- تعتمد نظريات اكتساب اللغة على اتجاهين، الأول: هو الاتجاه السلوكي ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الأطفال يولدون صفحة بيضاء، بعقل لا يحمل أي شيء عن العالم ولا عن اللغة، ومن ثم فإن البيئة هي التي تشكلهم وتصوغهم بوسائل متنوعة من التعزيز، وأما الاتجاه الثاني فيزعم أن الأطفال يولدون بمعرفة فطرية معينة، أسس تعليم اللغة، تأليف ه -. دوجلاس براون ترجمة د. عبده الراجحي: ص 36.

الطفل: أنا لم أكلت.

الأم: قل أنا ما أكلت.

الطفل: أنا لم أكلت (بعد مرات عديدة من التكرار)....

الأم: الآن، انتبه جيدا، أنا ما أكلت.

الطفل: أنا لم ما أكلت.

ولك أن تتخيل الإحباط الذي يصيب الأم والطفل معا، لأن الأم هنا تلتفت إلى المستوى النحوي السطحي، أما الطفل فيبحث عن المعنى.

وقد كشف البحث أن الأطفال حين يطلب منهم أن يكرروا جملة ما، يكررون البنية العميقة مع ما يلزم من تغيير في البنية السطحية، لأن الطفل حين يردد الأنماط السطحية إنما ينهمك في البحث عن قيمة الصدق في الكلام لأنه يبحث عن المعنى(1).

خامساً: لماذا توقف تكرار الكلمة عند المرة السابعة ؟ وشرافة العدد (7)

قلنا في النقطة الأولى إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم (ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) ولذلك لا يكون هذا التكرار عن فراغ ولا يكون ستة أو ثمانية، والعلة فيه على الظاهر أن للعدد (7) شرافة على بقية الأعداد، إذ ظهر من ألطاف حكمة الله عزّ وجل أن السموات سبع والأرضين سبع، وأن أبواب الجنة سبع، وأبواب النار سبع، وأيام الأسبوع سبعة، ومراحل

ص: 235


1- أسس تعلم اللغة وتعليمها، تأليف: ه -. دوجلاس براون، ترجمة د. عبده الراجحي وعلي أحمد شعبان: ص 49-50؛ تطور اللغة عند الطفل لعبد الرحمن صالح: ص 55.

النمو والتكوين الجنيني يحسب على الأسابيع، وللمولود مراسيم خاصة في اليوم السابع من عمره، كالعقيقة والتسمية والحلق، والختان، وللمتوفى ذكر وقراءة للقرآن عن روحه في اليوم السابع، وغيرها من الحقائق والسنن الكونية التي جرت حكمة الله عزّ وجل في سنها.

ولذا يكون تلفظ الإمام الحسين عليه السلام ل - (الله أكبر) بعد تكرارها من سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم سبع مرات له دلالة على إشراق الذات الحسينية وانطلاقها إلى تحقيق التكبير بعد جده، والحال هو كمن يريد الدخول إلى عالم الحاسوب فعليه أن يستخدم أحرفاً وأرقاماً معينة، أو كمن أراد الوصول إلى شخص ما فلابد له من حفظ وتكرار أرقام معينة تخص هاتفه أو بريده.

وهنا - ولله المثل الأعلى - هذه الانطلاقة الحسينية في إقامة العدل والحق وإزاحة الظلم كانت من خلال الوحي وعلى يد سيد الرسل صلى الله عليه وآله وسلم وفي حالة الصلاة، ولذا بدأ حياته عليه السلام بالتكبير وختمها وهو على رمضاء كربلاء صريعا يردد (الله أكبر).

ص: 236

المبحث الثالث: مرحلة المناغاة

اشارة

اعتاد الباحثون في ميدان الطفولة تقديم مرحلة المناغاة على مرحلة اكتساب اللغة ضد الطفل، والسبب أن المناغاة تبدأ عند الطفل في الأسبوع الثالث والثامن بينما يكون الكسب اللغوي بعد منتصف السنة الثانية كما أسلفنا.

والسبب الذي جعلني أؤخر هذه المرحلة لوجود أحاديث تروي عن كيفية تعامل النبي الأكرم مع ولديه الحسن والحسين عليهما السلام في هذه المرحلة إضافة إلى ترديد الزهراء عليها السلام لأبيات تحاكي فيها ولديها وتنقزهما وهي بذاك تغذيهما أموميا ولغويا.

المسألة الأولى: ما هي المناغاة ( Babbling ) ؟
اشارة

تتطور الأصوات من صيحات إلى أنغام يرددها الطفل في لعب صوتي ثم يستطرد في تنغيمه حتى يكتشف بنفسه جميع الدعائم الصوتية لأية لغة يتحدث بها النوع الإنساني. والمناغاة صوت أو مجموعة أصوات تصدر عن الطفل في الأسبوع الثالث والثامن، وتستمر حتى نهاية السنة الأولى عندما ينطق الطفل كلمته الأولى.

ص: 237

وتظهر المناغاة عندما تصبح المراكز العليا صالحة التوافق مع العضلات اللفظية ويصبح الطفل قادرا على اللغة اللفظية فيتمرن السيطرة على الأصوات واجدا فيها لذته، والمناغاة بشكل من أشكال الترويض اللفظي التلقائي(1).

وتذكر (هيرلوك Harlock ) في كتابها (نمو الطفل) أنه عند الشهر الثالث أو الرابع يأخذ الطفل في السيطرة على مجرى الهواء في حباله الصوتية فيبدأ بإصدار أصوات تأتي في الغالب بشكل تلقائي عشوائي وليس من السهل استدعاؤها أو تسجيلها.

ومن هنا ترى (مكارتي Mccarthy ) أنه من الصعب دراسة هذه الأشكال، وقد لوحظ أن الأصوات التي يصدرها الأطفال في هذه المرحلة تكون على نفس الشاكلة بغض النظر عن الثقافة أو العرق أو المكان الجغرافي الذي ينتمي إليه الطفل، فالأصوات الأنفية في اللغة الفرنسية والأصوات الحلقية في اللغة العربية والألمانية مما لا وجود لها في اللغة الإنجليزية، ينطق بها الأطفال سواء أكانوا ألمانا أم إنجليزا أم فرنسيين أم عربا(2).

وتدلنا هذه الدراسة بأن الطفل قبل أن يتكلم لغته القومية ينطق كل الأصوات اللغوية سواء كانت موجودة في لغته أم لا، وأنه يستطيع نطق أصوات لا يتمكن من نطقها في المستقبل بعد أن يتعلم لغته القومية لأن بعض هذه المقاطع والأصوات تختفي عندما تستغني عنها لغة الأم(3).

ص: 238


1- علم النفس التكويني لصباح حنا: ص 202-203.
2- علم نفس الطفل للريماوي: ص 153.
3- علم النفس التكويني: ص 203، نقلا عن اللغة وعلم النفس للحمداني.
أولاً: أنواع المناغاة

1 - المناغاة العشوائية: تتضمن أصواتا لا معنى لها يكررها الطفل وينطق بها بطريقة عشوائية.

2 - المناغاة التجريبية: هي امتداد للمرحلة السابقة، يحاول الطفل تكرار الأصوات التي يصدره، ويختار بعضها ويعيدها، وكأنه في هذه المرحلة يقوم بتجريب أنواع من الأصوات التي تصدر منه، والتمرن عليها، وأن سرور الطفل مما يحصل عليه من نتائج في المناغاة التجريبية يشجعه على تقليد حركات من يسمعهم، ويضطره هذا التقليد إلى إجادة الاستماع والانتباه إلى كل صوت(1).

ثانيا: مناغاة الزهراء للحسن والحسين عليهم السلام

ولهذه الخاصية كانت فاطمة الزهراء عليها السلام تنغز ولدها الحسن عليه السلام وتنشده قائلة:

أشبه أباك يا حسن *** واخلع عن الحسن الرسن

واعبد إلها ذا منن *** ولا توال ذا الإحن

وتقول للحسين:

أنت شبيه بأبي *** لست شبيهاً بعلي(2)

وكان الحسين يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العنق إلى البطن(3).

ص: 239


1- علم النفس التكويني: ص 204.
2- المصدر السابق؛ وأخرجه أحمد في مسنده: برقم 26484.
3- جامع الترمذي: كتاب المناقب، حديث رقم 3779.

وهذه المحاكاة والمناغاة مع ما مرّ من بيان في عملية الاكتساب اللغوي ليفيد أن الزهراء عليها السلام كانت لتنمي العملية اللغوية لدى الطفل وتثبت المعنى الأخلاقي لما يسمعه الطفل من كلمات.

وقد أكد الباحثون في علم نفس الطفل أن وجود الكبار من حول الطفل ليكونوا هم مصدر الصوت ضرورة لازمة، بتعبير آخر أن الوسط الاجتماعي ضروري جدا كي يخطو الطفل الرضيع خطواته الأولى نحو إنتاج الكلام(1).

فكيف إذا أضيف إلى الكبار عامل سماوي اقتضته البيئة الخاصة لبيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان من ضروريات هذه البيئة وجود جبرائيل عليه السلام!

وكيف سيكون أثر الوحي على مناغاة أبناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعلمهم وترديده لتلك الأصوات التي يتلفظها روح القدس وهي تطرق أسماع النبوة.

المسألة الثانية: جبرائيل عليه السلام يناغي الحسين عليه السلام

روى العلامة المجلسي رحمه الله في بحاره، قائلا: روي في بعض الكتب المعتبرة عن الطبري عن طاووس اليماني، أنّ الحسين بن علي عليهما السلام كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان كثيرا ما يقبل جبينه ونحره وأن جبرائيل عليه السلام نزل يوما فوجد الزهراء عليها السلام نائمة والحسين في مهده يبكي فجعل يناغيه

ص: 240


1- علم نفس الطفل: ص 154.

ويسليه حتى استيقظت فسمعت صوت من يناغيه، فالتفتت فلم تر أحدا فأخبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان جبرائيل عليه السلام(1).

لو تأملنا بهذا الحديث وإلى ما أشار إليه المتخصصون في دراسة الطفولة وإلى أثر البيئة والوسط الاجتماعي في دفع الطفل إلى أن يحذو خطواته الأولى في إنتاج الكلام، فمما لا شك فيه أن الطفل الذي ينمو في بيئة روادها الملائكة وحديثها الوحي، يكون قد حمل من المعاني والمفاهيم مما لا يحمله أحد غيره، وهو ما يعرف ب - (البناء المعرفي Cognitive Stureture ) (2).

وإذا تأملنا قليلا بهذه المناغاة القدسية كيف يمكن أن تكون ؟ هل هي مجرد أصوات أو كلمات ؟ وهل يتكلم روح القدس بغير الذكر الإلهي ؟ وهم:

(عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ (26) لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ )(3).

وإذا كان نفس روح القدس تنبثق منه الحياة، فكيف بتلك الكلمات ؟!

إني أرى أن الأمر لم يكن محض صدفة ينزل فيها جبرائيل عليه السلام وهو المنقاد لأمر ذي العزة والجلالة، ولم يكن جبرائيل عليه السلام يناغي الحسين عليه

ص: 241


1- بحار الأنوار للمجلسي رحمه الله: ج 44، ص 187، باب فضائلهما.
2- تفكير الأطفال للدكتور يوسف قطامي: ص 76؛ ويقصد بالبناء المعرفي: الوحدة المعرفية التي تتطور لدى الطفل نتيجة احتكاكه وتفاعله مع البيئة، أو الظروف الاجتماعية التي ينتج عنها من جراء ذلك كلمة أو مصطلح أو مفهوم، ويتكون البناء المعرفي للطفل من مجموعة هذه البنى التي تشكل البصمة المعرفية التي تميزه عن غيره، والتي تعدّ متميزة في خصائصها وفي مضامينها، ومعانيها، ومدلولاتها، وصعوباتها، وحسيتها وتجريدها. المصدر السابق نقلا عن: ( Cognitive Thumb , Morrison ,1988 , P 116 , Structures , Cognitive Tumb ) .
3- سورة الأنبياء، الآية: 26.

السلام عن رغبة منه، فهو من قوم لا يعصون الله طرفة عين.

إذن:

هو إعداد خاص لهذا المولود ومنذ الأشهر الأولى والسنين الأولى، لانّه مشروع شهادة صاغته يد القدرة الإلهية، ودعته حوامل الفيض الأقدس، كي يكون في يوم عاشوراء صورة تحاكي الإنسانية بكلام يشد القلوب السليمة، وترتعد منه فرائص الظالمين.

ص: 242

المبحث الرابع: اللعب ودوره في نمو النواحي العقلية والمعرفية، والاجتماعية والحسية والجسمية

اشارة

يمثل اللعب خبرة رئيسية في نمو الطفل في مختلف نواحي الشخصية، إذ باللعب تنمو النواحي العقلية المعرفية، والاجتماعية، والانفعالية، والجسمية، وتشكل خبرة اللعب خبرة ذاتية في المراحل الأولى، إذ يطور الطفل في بداية سنوات عمره محاولات، يحاول من خلالها اكتشاف البيئة، والاحتكاك بها للتعرف عليها، وعن طريق ذلك يكتسب الطفل مفهومه عن ذاته ويطور فهما ولو بسيطا عن إمكاناته، عن طريق ما يستطيع الوصول إليه، والحصول عليه، وعن طريق ما يستطيع نقله وتغييره، وحله وتركيبه، ولمسه وتذوقه وتحسّسه، ويطور الطفل هذه الفكرة المعرفية عن طريق توظيف قنوات الحس التي تعمل كالاسفنجة، في مجال إدراك واستيعاب الخبرات(1).

ص: 243


1- تفكير الأطفال للدكتور يوسف قطامي: ص 769.

واللعب له أهميته النفسية في التعليم وتشخيص العلاج، ويعد اللعب من أهم وسائل الطفل في تفهمه للعالم من حوله، وهو إحدى الوسائل الهامة التي يعبر بها الطفل عن نفسه ويعده البعض مهنة الطفل(1).

ويسهم اللعب في تنمية الجانب الذهبي في شخصية الطفل، ويتم ذلك عن طريق نمو الوظائف المعرفية مثل: الإدراك، والذاكرة، والتفكير، والتخيل، والكلام، والخيال، ابتداء بالوظائف المعرفية البسيطة وانتهاء بالأكثر تعقيدا حسب المرحلة النمائية التي يمر بها(2).

إن الأهمية الكبرى للعب في حياة الأطفال الصغار، وتنوع الألعاب عند هؤلاء الأطفال وأولئك وتشابهها لدى أطفال من شتى البلدان وفي مختلف المراحل التاريخية، كل ذلك دفع العديد من العلماء للبحث عن تفسير طبيعة هذا النشاط الطفولي المدهش(3).

المسألة الأولى: النظريات التفسيرية للعب الأطفال
1. نظرية الطاقة الزائدة

حيث ينظر إلى اللعب على أنه تنفيس غير هادف للطاقة الزائدة عند الفرد(4)، فلما كانت هذه الطاقة لا تنفق في العمل فقد تجلت في اللعب، وأصحاب هذا التفسير كل من ك. شلروغ، سبنسر(5).

ص: 244


1- علم نفس النمو للدكتور حامد عبد السلام زهران: ص 271.
2- تفكير الأطفال للدكتور يوسف قطامي: ص 769.
3- علم نفس الطفل تأليف أ. أ. لوبلينسكايا، ترجمة: بدر الدين عامود، علي منصور: ص 152.
4- علم نفس النمو للدكتور حامد عبد السلام: ص 271.
5- علم نفس الطفل، تأليف أ. أ. لوبلينسكايا، ترجمة بدر الدين: ص 152.
2. النظرية الغريزية

ويقول أصحابها إن بعض الغرائز لا تتضح دفعة واحدة ولكن بالتدريج وعلى هذا يكون التعبير عنها أو إشباعها في شكل لعب يتيح فرصة تهذيب وتدريب وممارسة الأنشطة الغريزية الضرورية في حياة الرشد والنضج قبل نضجها، ومن القرن الماضي قال (غروس Groos ) إن الغريزة معلمة بعيدة النظر تعمل حساب المستقبل فتعلم الطفل عن طريق اللعب أن يعد نفسه(1)، بمعنى: أن اللعب يؤدي إلى تطوير القدرات الحسية والحركية ومن ثم القدرة على بناء علاقات اجتماعية مع الآخرين(2).

3. نظرية التلخيص

وتفترض أن كل طفل يكرر تاريخ الجنس البشري في لعبه، وتعد نشاط اللعب ملخصا للعادات الحركية للجنس البشري في ماضيه حتى حاضره، يقول أصحاب هذه النظرية أنظر إلى الطفل وهو يعوم وهو يبني الكهوف وهو يتسلق الأشجار... الخ.

إنه يلخص ما كان يعمله أجداده(3).

4. نظرية تجديد النشاط باللعب وحصول السرور

حيث ينظر إلى اللعب على أنه وسيلة لتجديد النشاط والترقية(4)، وأكد

ص: 245


1- علم نفس النمو: ص 273.
2- أولادنا، لرتيا مرهج: ص 106؛ علم نفس الطفل، تأليف أ. أ. لوبلينسكايا: ص 152.
3- علم نفس النمو: ص 273.
4- المصدر السابق.

ك. بيولر، بأن مغزى اللعب يكمن في السرور الذي يجلبه للطفل، غير أن السبب الذي يولد شعور الأطفال بالسعادة يبقى مجهولا تماما(1).

نظرية التخلص من الشعور بالنقص: وصاحبها فرويد، إذ يرى أن الطفل يندفع إلى اللعب نتيجة معاناته الشعور بالنقص فانعدام قدرته على أن يكون طبيبا أو سائقا أو مربيا بشكل فعلي يدفعه إلى القيام بهذا الدور باللعبة، وفي هذه الحياة الخيالية (وخيال) الطفل عن أهوائه ورغباته(2).

ويبدو أن (بياجية) لم يعجبه هذا الرأي لفرويد فتجاهل هذا البعد النفسي، ورأى: (أن اللعب جزء لا يتجزأ من عملية التطور الذهبي الطبيعي عند الأطفال: ففي السنة الأولى يأتي اللعب على شكل تدريب وتكرار لبعض النشاطات التي يجد فيها المولود لهذه معينة، ومن ثم يصبح اللعب رمزيا، أي: إن الطفل يمنح الأشياء المحيطة به صفات مختلفة من مخيّلته (فالمكنسة تصبح حصانا، والكرسي يصبح سيارة) ومن خلال التدريب والتكرار واللعب الرمزي تتطور القدرات الفكرية وتزداد المفاهيم، ويبرز في العام الثالث اللعب المبني على التمثيل (يمثل الطفل أنه يشرب العصير من كوب وهمي) فينتقل من اللعب المنفرد إلى اللعب الثنائي(3).

ورأى بياجية أيضا: (أن اللعب عملية تمثل، تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلائم حاجات الفرد، فاللعب والتقليد والمحاكاة جزء لا يتجزأ من عملية

ص: 246


1- علم نفس الطفل: ص 152.
2- علم نفس الطفل: ص 152.
3- أولادنا، ريتا مرهج: ص 106-107.

النمو العقلي والذكاء، وقد افترض بياجية كذلك أن اللعب وسط بيني مناسب، يسهم في تطوير الأبنية المعرفية لدى الطفل، إذ عن طريق اللعب، الطفل وتفاعله مع البيئة يطور لغته، وتراكيبه اللغوية، والمفاهيم الحسية والعلاقات الاجتماعية(1).

المسألة الثانية: منهاج العترة النبوية في لعب الأطفال
أولاً: المرحلة العمرية وما يناسبها من احتياجات تربوية ومعرفية ونمو فكري وجسدي

انطلقت العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام في المنهاج النظري والعملي في لعب الطفل إلى القرآن الكريم وإلى ملازمة جبرائيل عليه السلام لهذا البيت وأهله، ولما كان يضفيه على ولدي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وريحانتيه من سرور ومباشرة لبعض لعبهم كما سيمر علينا، إضافة إلى مباشرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه على لعب ولدي فاطمة عليها السلام بضعته وروحه التي بين جنبيه.

ولذا كان عرضنا لما سبق من أقوال العلماء والمتخصصين في دراسة الطفولة من باب اطلاع القارئ الكريم على حقيقة النعمة التي أنعم الله بها على المسلمين والناس أجمعين؛ إذ بعث فيهم نبي الرحمة فسن السنن وخط المناهج التي من تمسك بها لن يضل من بعده وقد أعلن عن ذلك مرارا، مبشرا ومنذرا:

«إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا من بعدي»(2).

ص: 247


1- تفكير الأطفال ليوسف قطامي: ص 769-770.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق: ج 1، ص 68.

وكيما يلمس المحب للمعرفة ولتطوير العلوم وتفرعاتها، الأثر الذي يقبله عقله ويأنس به قلبه، ذكرنا آراء العلماء في هذا الخصوص، ثم سنورد عليه المنهاج النبوي كي يعلم أن علاقته برسول الله وأهل بيته يجب أن تكون علاقة قوية ومتينة لا يخالجها الشك ولا يسرق حبه وميوله الأسماء البراقة هنا وهناك وتبعده عن الثقلين وقد ضمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى عدم الضلال لمن تمسك بهما، وهذا يلزم جميع جوانب الحياة الإنسانية في الدنيا والآخرة.

ثانيا: دور اللعب في بناء النواحي الشخصية في منهج العترة النبوية

وردت أحاديث عن العترة في بيان أثر اللعب ودوره في بناء النواحي الشخصية للإنسان وهو في مرحلة التأسيس والنمو التكويني على كافة الجوانب الحياتية، العقلية والمعرفية والاجتماعية والنفسية والجسمية.

ولاعتبارات كانت تتعلق بالمستوى المعرفي للسائلين في ذلك الزمن كان أئمة العترة عليهم السلام يجيبون على قدر المستوى المعرفي للسائل، وكما هو معروف فإن نهجهم في ذاك نهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أمر بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، فلذا لم يرد بيان تفصيلي في هذا الخصوص.

واقتصر الأمر على الأصول فعدوا اللعب من أهم الأدوار التي يحتاج إليها الطفل ضمن مرحلة الطفولة المبكرة وهي (3 و 4 و 5) وقسم من مرحلة الطفولة الوسطى وهي (6 و 7 و 8)(1)، وقد ورد في الحديث عن الإمام جعفر بن محمد

ص: 248


1- علم النفس التكويني للدكتور صباح حنا: ص 68 و 71؛ علم نفس النمو للدكتور حامد عبد السلام: ص 62.

الصادق عليهما السلام:

«دع ابنك يلعب سبع سنين»(1)،

وهذا اللعب كان مطلقا بما يتناسب مع المستوى المادي والثقافي للأسرة، وإن هذه المدّة الزمنية لكافية للإعداد التكويني للطفل ثم تبدأ مرحلة جديدة عند أئمة أهل البيت في البناء والنمو للكائن الإنساني ولكن دون لفظ (اللعب) لاعتبارات اجتماعية ترتبط مع المستوى البيئي والنفسي والثقافي لمجتمع الجزيرة خاصة والمجتمع العربي عامة، فكان (اللعب) يمارس لدى الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة (9 و 10 و 11 و 12 و 13 و 14) من خلال ممارسة (الفروسية، والرماية، والسباحة)(2).

وهذه الموارد الثلاثة كانت تأخذ في نمو الإنسان على مختلف النواحي (العقلية، والمعرفية والاجتماعية، والنفسية، والجسدية، والأخلاقية) وهي في نفس الوقت حفظت القوانين الاجتماعية والعرفية لأهل الحجاز وغيرهم قديما وحاضرا.

ثم ينتقل منهاج أئمة العترة النبوية عليهم السلام في النمو الإنساني بشكل عام دون تحديد مدة معينة من مراحل النمو، بل كان منهاجا شمل المراحل الانتقالية الثلاث التي حددها الله عزّ وجل في محكم كتابه، وهي (مرحلة الطفل، مرحلة بلوغ الأشد، مرحلة الشيخوخة)(3) ضمن خصائص وقوانين بيئية يخضع صاحبها لها فترسم على شخصيته تلك الآثار الخاصة بهذه البيئة.

ص: 249


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 104، ص 95، باب فضل الأولاد.
2- الأعلام لخير الدين الزركلي: ج 6، ص 252.
3- وهو قوله عزّ وجل: (هُوَ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً)، سورة غافر، الآية: 67.
المسألة الثالثة: منهاج الإمام علي عليه السلام في النمو الخَلْقي والخُلُقي للإنسان حسب المرحلة العمرية
اشارة

قال عليه السلام وهو يوجه كلامه إلى أحد الآباء وقد سأله عن المنهاج الذي ينبغي عليه أن ينتهجه في إعداد هذا الكائن الإنساني الذي تربطه معه رابطة الأبوة وقد منّ الله عليه بنعمة الخلفة وحفظ النوع والنسل فلم يجعله أبتر، ثم هو يرى أنه مسؤول شرعا عن هذا المولود لقوله عزّ وجل:

(يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً وَقُودُهَا اَلنّٰاسُ وَ اَلْحِجٰارَةُ )(1).

ولهذا وذاك التجأ إلى أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين.

فأجابه عليه السلام:

«يربى الصبي سبعاً، ويؤدب سبعاً، ويستخدم سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاث وعشرين وعقله في خمس وثلاثين سنة وما كان بعد ذلك فبالتجارب»(2).

وبهذا تنتهي مرحلة الإعداد والبناء التكويني للإنسان خَلقا وخُلقا.

فالسنين السبع الأولى - أي من الولادة إلى السنة السابعة - يعيش فيها الإنسان ضمن بيئة تشابه إلى حد كبير بيئة الملك، من حيث العناية الفائقة بالبدن والثوب، والغذاء الجيد واللهو واللعب، وتنفيذ الطلبات، ومجالسته ومحادثته والاستماع إليه، واحترامه والسهر عليه، وتهيئة كل وسائل الراحة، ولكن لا يخفى:

(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ )(3).

ص: 250


1- سورة التحريم، الآية: 6.
2- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 3، ص 493.
3- سورة الطلاق، الآية: 7.

المهم أن يكون المغزى من ذلك هو العناية الخاصة للطفل منذ ولادته وإلى حين بلوغه السنة السابعة والتركيز على الجانب الحسي والنفسي والعقلي والمعرفي والعاطفي ضمن الحدود الشرعية، والمثل القرآنية.

حتى إذا أكمل هذه المرحلة يكون مهيّأً لما يرد عليه من آثار التنشئة الاجتماعية لبيئة يكون فيها الشخص المطيع، وهذه البيئة يمكن تمييزها بعنصرين وهما (الصقل النفسي والأخلاقي)، و (طاعة الأب المربي)، ولا يتوهم أنه يراد به الإذلال والتنكيل والخدمة فهذا بعيد جدا لأن ذلك لا يتفق مع منهاج العترة في تطور النمو الأخلاقي. والمنهاج التأديبي خلال هذه السنوات السبع الثانية أي من السنة السابعة إلى السنة الرابعة عشرة.

وعلى هذه الأسس يرى المتخصصون ك - (بياجية Piaget ) أن النمو الأخلاقي يحدث بمرحلتين منفصلتين واضحتين.

أولا: مرحلة الواقعية الأخلاقية ( Stage of Moral realism )

وفيها يتميز سلوك الأطفال في هذه المرحلة بالخضوع الأوتوماتيكي للقواعد الخلقية دون الاستدلال والحكم، يعد الأطفال الآباء والكبار الآخرين الذين يمثلون السلطة أفرادا مقتدرين، ولهذا يتبعون القواعد ويخضعون لها دون الاستفسار عن عدالة هذه القواعد.

في هذه المرحلة يصدر الأطفال حكماً خلقيا على الحدث أو الفعل بكونه صوابا أو خطأ على أساس النتائج المترتبة على الفعل، وليس على أساس النية أو القصد الكامن وراء الحدث.

ص: 251

فعلى سبيل المثال فإن أي عمل يعد (خطأ) بسبب نتائجه يعاقب عليه سواء من قبل الناس الآخرين أو من قبل العوامل الطبيعية أو العوامل الخارقة للطبيعة.

ثانيا: مرحلة الأخلاقية المستقلة ( The Stage of Autonomous Motality )

إذ يصدر الأطفال أحكامهم الخلقية في هذه المرحلة على الفعل أو الحدث بكونه (صوابا) أو خطأً على أساس النية أو القصد، تبدأ هذه بين 7 و 8 سنوات من العمر وتمتد حتى عمر 12 سنة وما بعدها.

بين عمر (7,5 أو 8) سنوات تبدأ مفاهيم الأطفال عن العدالة بالتغير، أن تصلب أو عدم مرونة الأفكار عن (الصواب) و (الخطأ) التي سبق وأن تعلمها عن طريق الوالدين تبدأ تدريجيا بالتحول وكنتيجة لذلك فالأطفال يأخذون بنظر الاعتبار الظروف التي ترتبط بالمخالفات الخلقية.

فعلى سبيل المثال، أن الطفل بعمر (5) سنوات يدرك أن الكذب (خطأ) دائما، بينما الطفل بعمر أكبر من (5) سنوات يدرك بأن الكذب يكون مبررا في بعض الحالات وعليه فلا يعد بالضرورة خطأ.

بالنسبة لوجهة نظر بياجية فإن المرحلة الثانية للنمو الخلقي، أي: (مرحلة الأخلاقية الذاتية) تتطابق مع مرحلة الإجراءات الشكلية في النمو العقلي المعرفي، فحينما يكون الأطفال قادرين على أن يأخذوا بنظر الاعتبار كل الوسائل الممكنة لحل المشاكل الخاصة، ويستطيعوا أن يعلّلوها على أسس افتراضية متوقعة، فإن ذلك يمكنهم من النظر إلى مشكلاتهم من وجهات نظر مختلفة مع الأخذ بنظر الاعتبار العديد من العوامل عند حلها(1).

ص: 252


1- علم النفس التكويني للدكتور صباح حنا هرمز ويوسف حنا إبراهيم: ص 520-521.

ولذلك تبرز أهمية هذه المدة المرحلة في تطور النمو الأخلاقي عند العترة الطاهرة وهي مرحلة (7-14) سنة وفيها يتم الصقل النفسي والأخلاقي، كي يتمكن الإنسان من المحافظة على الثوابت الأخلاقية، ولا يبحث عن المبررات والخطأ.

وهذا يعني عدم اختلاط المفاهيم، إضافة إلى عدم الاستهانة بقيمة (الصواب).

وفي تكون المفاهيم الأخلاقية تقول البروفسو (أ. أ. لوبيلنسكايا) المتخصصة في علم نفس الطفل: (إن الأطفال غالبا ما يفهمون الكثير من المفاهيم الأخلاقية التي يستعملونها في السنوات الأولى، بل وفي السنة العاشرة والثانية عشرة، وبصورة غير صحيحة أو غير دقيقة. فهم يعرفون الإنسان الشجاع على أنه القوي، والطيب هو - بالنسبة لهم - الجيد والمرح والكريم (يعطي الجميع كل شيء)، والعادل هو ذلك الإنسان النبيه واللطيف والرقيق، كما أنهم يعرفون بعض المفاهيم بشكل خاطئ، فهم يخلطون مفهوم المبدئي والمجد مع مفهوم العنيد، والشجاع مع العنيد والمستقل. يتكون المفهوم، كل مفهوم، على أساس تجريد الصفات الجوهرية والثابتة والدائمة من الصفات الثانوية والمتغيرة في جميع الأشياء والوقائع التي تجعل كلا منها يتمتع بخصوصية معينة(1).

ومن هنا تجد أن العترة ضمت إلى عملية الصقل النفسي والأخلاقي الناحية المعرفية في هذه المرحلة الثانية (7-14) حتى يتمكن الطفل من معرفة هذه المفاهيم الأخلاقية ويحس بها فيتفاعل مع المواقف التي يتميز بها الرجال فقد أمر الإمام الصادق عليه السلام أن يضم إلى هذه المرحلة تعليم القرآن الكريم فيه جميع الحقائق والثوابت الأخلاقية، وإذا كان الأساس من السنة الأولى هو سقاية ورعاية

ص: 253


1- علم نفس الطفل، أ. أ. لوبيلنسكايا، ترجمة الدكتور بدر الدين عامود: ص 5710.

شجرة الإيمان في قلب الطفل ونفسه فلابد له أن يتفاعل مع هذه المفاهيم القرآنية، فقال عليه السلام:

«الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلم الكتاب سبع سنين، ويتعلم الحلال الحرام سبع سنين»(1).

حتى إذا أكمل (14) سنة انتقل إلى مرحلة جديدة وبيئة نشأوية أخرى عرفها أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله:

«ويستخدم فيها سبعاً».

وهي من (14-21) أي يكون وزيرا لأبيه يشاوره في أمور الحياة ويجالسه في مجالس الرجال يسمع الكلمة ويعي المراد منها يحادث الناس ويفهم أبعاد حديثهم، ثابتاً، عزيزا، معدا لخوض غمّار الحياة. وقد جاء في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قد أوكل قيادة الجيش في آخر أيامه المباركة إلى شاب دون العشرين وهو أسامة بن زيد بن حارثة وأمره بالخروج لقتال الروم وعبأ بنفسه المقدسة جميع المهاجرين والأنصار ولم يبقَ منهم أحد بما فيهم كبار الصحابة واستثنى عليا لنفسه، ولكنهم رفضوا الخروج لصغر سنه وهم الشيوخ فدعاهم مرة آخر وعقد اللواء بيده ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«لعن الله من تخلف عن جيش أسامة»(2)،

فهذه الحادثة خير دليل على قدرة من هو في هذه السن إن اتبع والداه معه هذا النهج النبوي الذي رسمته العترة الطاهرة عليهم السلام.

ص: 254


1- وسائل الشيعة للعاملي رحمه الله: ج 7، ص 194.
2- بحار الأنوار للمجلسي: ج 30، ص 433.

المبحث الخامس: المنهاج العملي لأهل البيت عليهم السلام في لعب الطفل

اشارة

عند الوقوف على باب فاطمة عليها السلام نجد أن الأملاك تنهل قبلنا من معين سيد الخلق وهو يغمر أهل بيته بحبه الذي لا يمكن لعقل أو حس أن يقيس مقدار هذا الحب النبوي، كيف يمكن إدراكه وهو إنما بعث رحمة للعالمين فكيف بحبه لأهل بيته وهو بعامة المؤمنين رؤوف رحيم(1)؟!

اللهم لا تحرمنا من رأفته ورحمته وثبّتنا على حبه وحب أهل بيته ففيهم يقترب إليك المتقربون، ويفوز المتبعون إن صدقوا في حبهم.

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ )(2).

وكي نتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلابد من حبه وحب أهل بيته فبدون هذا الانفعال الوجداني لا تولى الوجوه شطرهم ولا تهوى القلوب إليهم.

فإن وجد هذا الشرط فتعال معي لنتعلم أحد السبل العملية في البناء والتكوين الإنساني، ولنفهم أن كل شيء قائم في هذا البيت فهو على الحب، ونواته حب الله.

ص: 255


1- وهو قوله تعالى: (لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) سورة التوبة، الآية: 128.
2- سورة آل عمران، الآية: 31.
المسألة الأولى: ملاعبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولديه عليهما السلام داخل البيت
اشارة

وجد ومن خلال الأحاديث أن النبي الأكرم كان يلاعب ولديه وابني بضعته فاطمة كلما رآهما أو إن صح التعبير غالب ما اجتمع بهما، ويبدو أن العلة فيه بعد كونهما ريحانتيه في الدنيا، وحبه الشديد لهما، هو أنهما كانا ضمن هذه المرحلة الزمنية من النمو المعرفي والاجتماعي والنفسي والحسي والجسمي، أي: السنين السبع الأولى، فقد توفي عنهما وهما في السنة السابعة من العمر الإمام الحسن، والسادسة من العمر الإمام الحسين عليه السلام ولذلك كان يمشي معهما في هذه المرحلة من النمو، فبعد الإشراف على نموهما اللغوي والمعرفي بدأ بأبي وأمي يشرف على النمو الحركي لهما.

أولاً: تدريبهما على المشي

عن أبي هريرة قال: سمعت أذناي هاتان وأبصرت عيناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بكفيه جميعا حسنا - أو حسينا - وقدماه على قدمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول:

«مزقة مزقة ترق عين بقة».

فيرقى الغلام فيضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم قال:

«افتح فاك».

ثم قبله، ثم قال:

ص: 256

«اللهم من أحبه فإني أحبه»(1).

وعنه أيضا، قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بيت فاطمة عليها السلام فسلم فخرج إليه الحسن أو الحسين عليهما السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أرق بأبيك عين بقة».

أي: اصعد على أبيك وهو يمازحه بقوله (عين بقة) - وأخذ بإصبعيه فرقي على عاتقه، ثم خرج الآخر من بقعة أخرى.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أرق بأبيك أنت عين البقة».

وأخذ بإصبعيه فاستوى على عاتقه الآخر، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باقفيتهما حتى وضع أفواههما على فيه.

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما»(2).

ثانيا: المشي وأثره في النمو الحركي والعقلي للطفل

النمو الحركي يتضمن التحكم التدريجي بضبط حركة الجسم ولاسيما العضلات الإرادية ويتوقف النمو الحركي على التحسين المستمر في التآزر الحسي العصبي والعقلي.

ص: 257


1- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 280، برقم (15040)؛ المعجم الكبير للطبراني برقم (2654)؛ النهاية في الحديث لابن الأثير: ج 1، ص 378.
2- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 288، برقم 15070؛ المعجم الكبير للطبراني: برقم 2652.

ومن أهم مطالب النمو الحركي في مرحلة السنين (الحركي والجلوس والوقوف والحبو والمشي).

ويعد المشي بصفة خاصة أهم نواحي النمو الحركي وأكثرها اتصالا بالنمو العقلي والنمو الاجتماعي؛ لأنه يتيح للطفل عالما أوسع وخبرة أوفر وتحرراً أكثر(1).

أما في عمر (2-6) سنوات فإن حركات الطفل تمتاز بالشدة وسرعة الاستجابة والتنوع واطراد التحسن، وتكون غير منسجمة أو مترابطة أو متزنة في أول المرحلة ويكاد النمو الحركي في أول المرحلة ينحصر في العضلات الكبيرة، وبعد ذلك بالتدريج يسيطر الطفل على حركاته ويسيطر على عضلاته الصغيرة بفضل التدريب المتقدم نحو النضج.

وهنا أيضا يكتسب الطفل مهارات حركية جديدة كالجري والقفز والحجل والتسلق وركوب الدراجة والحركات اليدوية الماهرة كالدق والحفر والرمي... الخ، ويكون نشطا بصفة عامة(2).

والشيء المهم في هذه الصورة التي تنقلها الروايتان: هو استخدام العاطفة والحب مع الحركة في تعامل الأب لولده.

ففي حين يقوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتدريب ولده على التسلق عليه والارتقاء على كتفه فإنه يشجعهما قبلا ويسمعهما كلمات الحب، بل ويحث على حبهما.

ص: 258


1- علم نفس النمو للدكتور حامد زهران: ص 129.
2- المصدر السابق: ص 167.

وهو يكون بذاك قد عمل على تطوير النمو الحركي والانفعالي والاجتماعي والمعرفي والنفسي لهما، وفي نفس الوقت إعطاء درس عملي للإنسانية عن المنهاج الصحيح في التنشئة والتكوين للطفل، وكيف لا وهو معلم البشرية.

المسألة الثانية: الألعاب الاجتماعية والذهنية والتفكير ( Social , Intellectual Games and Thinking )
اشارة

إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحث الحسن والحسين عليهما السلام على المصارعة باعتبار أن اللعب واسطة يتصل بها الطفل، (فإنه (اللعب) يمكن أن يكون مصدر تعلم ( Playing is Learning ) ، وتعد المحاكاة المباشرة للأفراد المحيطين به والأدوار التي يمارسونها أحد مصادر تعلم الطفل في نشاط اللعب، وبهذه الطريقة يستقبل الكلمات، وتزداد معرفته اللغوية مصحوبة بخبرات، وأهمية هذه الخبرة ترجع إلى عضويتها وتلقائيتها، ويمكن أن تكون هذه الخبرات تربوية إذا ما أخضعت للمراقبة والتخطيط والإعداد دون الاعتماد على العشوائية.

وللعب قيمة اجتماعية وانفعالية في شخصية الطفل، إذ إن مناسبات اللعب المختلفة تنتج فرصا تساعد على نضج الطفل الاجتماعي، لأن اللعب يساعد الطفل على التحرك من حالة تمركزه نحو نفسه إلى الانفتاح على الآخرين، وأخذ وجهات نظرهم بعين الاعتبار، ويتدرب على سلوك الأخذ والعطاء وتبني الدور والالتزام به، والالتزام بقوانين الألعاب مع مجموعة كما أنه يسعى نحو تطوير مركز بين أقرانه، ويجاهد لأن يكون مقبولا من قبل الرفاق.

إن أكثر أنواع اللعب إسهاما في تحقيق هذا النضج هو اللعب الحر، إذ فيه يتاح

ص: 259

للطفل إنشاء علاقات، واختبار قدراته، ومهاراته الاجتماعية.

وفي اللعب يطور الطفل نظاما خلقيا، ويبتدئ ذلك فيما يشترك فيه من ألعاب، وما يمارسه من مواقف انتظار للدور، والالتزام بمعايير وقوانين اللعب، وتحمل نتائج الفوز والهزيمة كما ويتعلم المعايير المرتبطة بسلوك الصواب والخطأ، والمسموح، والممنوع، والمرغوب، والمكروه.

وللعب دور معرفي اجتماعي هام يتجلى من خلال إسهامه في نمو عملية الإدراك الاجتماعي ( Social Perception ) إذ إن القدرة على الإحساس بشعور الآخر ( Empathic Ability ) تنمو وتتطور من خلال العلاقات الاجتماعية التي يتعرض لها الطفل في السنوات الأولى من حايته.

وفي أنشطة اللعب التي يعشها الطفل، فإنه يقف بدرجة كبيرة على التشابه الحقيقي ( Actual Similarity ) حيث تؤثر صورة الذات عند الفرد في تكوين مفهومه عن ذات الفرد الآخر وعلى التشابه المدرك ( Perceived Similarity ) الذي يدركه الفرد بين صورة ذاته وبين مفهومه عن ذات الآخرين، ويمكن فهم الأطفال عن طريق لعبهم إذ يقال: (تعرفونهم من لعبهم) وهناك قول آخر: (الأطفال يعلموننا كيف يفهمون) ومن ثم يصل المعرفيون ذوو التوجه الاجتماعي إلى موقف مفاده: (أن الأطفال يعلموننا كيف نعلهم) و (أن لعب الأطفال يعلمنا بأي وسيلة يتعلمون)(1).

تلك الأطر والنظريات التي تمخضت عن هذه الدراسات إنما هي في الواقع

ص: 260


1- تفكير الأطفال، د. يوسف قطامي: ص 773-775، ط الأهلية للنشر والتوزيع لسنة 1990 م.

من ضمن المناهج التي رسمتها العترة النبوية عليهم السلام، ولكن ابتعاد الباحثين عن بيت الرسالة جعلهم يخوضون غمار النتائج الفكرية المختلفة لدى الحضارة الإنسانية التي تعود - أي، هذه الحضارة - إلى معلم البشرية الأول صلى الله عليه وآله وسلم، الذي نهل عن وحي الله وهو الذي:

(عَلَّمَ اَلْإِنْسٰانَ مٰا لَمْ يَعْلَمْ )(1).

ولذلك تجده صلى الله عليه وآله وسلم كان يلاعبهما بنفسه مرة، ومرة أخرى يأمرهما بالاصطراع بين يديه كي ينمي من خلال هذا اللعب المباني المعرفية، والنفسية، والجسدية، والحسية إضافة إلى النمو الاجتماعي والخلقي، إذ يتمكن الطفل من التحرر من قيود الفردية إلى الغيرية، وينمو إدراكه اتجاه الآخر فيتطور لديه مفهوم التنافس والنصر والهزيمة ونظرة الوالدين له أثر هذه النتائج، وغيرها من الإدراكات المعرفية.

إذن: فلنرَ كيف كانت صور الطفولة في بيت بضعة النبي فاطمة عليها السلام.

أولاً: اصطراع الحسن والحسين عليهما السلام

أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله، عن البرقي، عن فضالة، عن زيد الشحام، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال:

«دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة بيت فاطمة عليها السلام ومعه الحسن والحسين عليهما السلام، فقال لهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوما واصطرعا.

ص: 261


1- سورة العلق، الآية: 5.

فقاما ليصطرعا وقد خرجت فاطمة عليها السلام في بعض حاجاتها، فسمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ايه يا حسن شد على الحسين فاصرعه!

فقالت: يا أبه وا عجبا أتشجع هذا على هذا، تشجع الكبير على الصغير؟!

فقال لها: يا بنية أما ترضين أن أقول أنا: يا حسن شد على الحسين فاصرعه، وهذا جبرائيل يقول: يا حسين شد على الحسن فاصرعه»(1).

2 - هذا التشجيع من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلزم سماع الحسن والحسين عليهما السلام لصوت جبرائيل عليه السلام وإلا لا يمكن أن ينادي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ايه يا حسن شد على الحسين فاصرعه، والحسين أصغر من الحسن، وقصده العدل والمساواة بينهما وتربيتهما على ذلك، وهما لا يسمعان صوت المشجع الآخر.

3 - سؤال فاطمة عليها السلام وتعجبها كان من ناحيتين:

ألف: لكونها خرجت لبعض شؤونها فلم تكن حاضرة لتسمع صوت جبرائيل عليه السلام كما سمعه ولداها.

باء: كي يظهر الله عزّ وجل مكانة أهل هذا البيت عليهم السلام فتسمع صوت أبيها صلى الله عليه وآله وسلم دون صوت جبرائيل عليه السلام فتتعجب

ص: 262


1- الأمالي: ص 446، المجلس الثامن والستون؛ مستدرك الوسائل: ج 14، ص 81، باب نوادر ما يتعلق بأبواب كتاب السبق والرماية، برقم (16152)؛ بحار الأنوار: ج 43، ص 268، باب فضائلهما، وج 100، ص 189، باب السبق والرماية؛ الإرشاد للشيخ المفيد رحمه الله: ج 2، ص 128؛ أعلام الورى للطبرسي: ص 217؛ أمالي الطوسي: ص 513؛ المناقب لابن شهر: ج 3 ص 392؛ قرب الإسناد: ص 48؛ كشف الغمة: ج 2، ص 7؛ شرف المصطفى للخركوشي (مخطوط): الورقة 182، جهة اليمين، بألفاظ متقاربة.

وتستفهم الحال فيخبرها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، (أما ترضين)، أي: بهذه المنقبة والكرامة.

4 - قد أسلفنا في بداية الفصل: أن لجبرائيل عليه السلام دورا في تربية وتنشئة ريحانتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولديه، منذ ولادتهما وحتى وفاة جدهما صلى الله عليه وآله وسلم وبذلك انقطع الوحي عن زيارة هذا البيت ظاهرا لأن الذي كان يراه قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، أما واقعا فهو لم ينقطع عن هذا البيت وإن لم يره أحد، ولكن يسمعون صوته ولم يكن وحيا، كما سيمر علينا في أبواب الكتاب بعونه تعالى.

ثانيا: المطابقة بين مستوى الطفل النمائي الاجتماعي ومستوى الألعاب التي يلعبها

أما هذه الألعاب الاجتماعية عند المتخصصين، فهي: مطابقة بين مستوى الطفل النمائي الاجتماعي ومستوى الألعاب التي يلعبها أو يميل إليها.. إذ إن كل مرحلة من مراحل نمو الطفل الاجتماعية ترتبط بمظاهر معرفية، لذلك، يرى البعض أن النمو الاجتماعي يرتبط في مظاهره بمظاهر النمو المعرفي.

فالمنافسة مفهوم معرفي، يتطلب من الطفل معرفة ما لدى الطفل الآخر من إمكانات وقدرات، واستعدادات، يبحث عنها الطفل، ويتقصاها في الطفل الآخر، واعتمادا على ذلك يحدد موقفه منه.

لذلك، يفترض بعض علماء النفس المعرفيين أن المفهوم المعرفي يرتبط بمفاهيم اجتماعية تحت اسم ( Soeral Cognition ) أي المعرفة الاجتماعية، ولهذا، فإن هناك الكثير من المفاهيم الاجتماعية التي تتطلب معرفة قبل تمثلها واستيعابها لدى الطفل.

ص: 263

فمثلا: أن مفهوم التعاون، ومظاهر التعاون، وسلوك التعاون، وفهم مبادئ الأخذ والعطاء، وسيطرة الانجاز الجماعي على الانجاز الفردي... الخ، وغير ذلك من مضامين مفهوم التعاون، أن كل تلك الأمور، وقبل أن تصبح صيغاً اجتماعية هي أبنية معرفية ممثلة عند تجمعها في بناء اجتماعي هو مفهوم التعاون.

ومن خلال ذلك:

أمكن فهم العلاقة بين النواحي الاجتماعية والنواحي العقلية المعرفية ومظاهرها(1).

المسألة الثالثة: أهمية الوقت في اللعب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

تحدثنا الروايات وتنقل لنا صورة ثانية من داخل بيت الزهراء عليها السلام عن الطفولة وأطوارها المتعددة، والتي بالطبع يترجمها الحسن والحسين عليهما السلام من خلال تغير أنواع اللعب حسبما تقتضيه المرحلة العمرية التي يمران بها.

وهنا: يعطي النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم درسا جديدا في الاجتماع العائلي يرسم من خلاله النهج الصحيح للأبوين في بناء ونمو النواحي العقلية المعرّفية والحسية والبدنية والنفسية والاجتماعية للأبناء.

فقد أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام بإسناده إلى جده الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قال:

«إن الحسن والحسين كانا يلعبان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى

ص: 264


1- تفكير الأطفال للدكتور يوسف قطامي: ص 780-781.

مضى عامة الليل ثم قال لهما: انصرفا إلى أمكما فبرقت برقة فما زالت تضيء لهما حتى دخلا على فاطمة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليهما.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الحمد لله الذي أكرمنا أهل البيت»(1).

نقاط البحث في الحديث:
أولا: عامل الوقت المستخدم في اللعب ودوره في النمو

أشار كثير من الباحثين في العلوم النفسية الاجتماعية إلى دور اللعب في نمو شخصية الطفل وبنائه النشأوي؛ ولأهمية هذا الدور وأثره على الطفل فلابد أن يكون هناك اختيار لنوع الألعاب التي يمارسها الطفل حسبما يتناسب مع الفئة العمرية له.

وأن يكون أيضا له الفسحة في أخذ كفايته من اللعب، إذ إن لعامل الوقت دورا لا يقل عن دور أصل اللعب في البناء النشأوي له.

بل: قد يؤدي نقصان الوقت في اللعب إلى نتيجة عكسية تظهر في تعامل الطفل مع والديه وأخوته وسببه عدم أخذ الوقت الكافي لممارسة الألعاب.

والحديث يشير إلى هذا الدور المهم في نمو الطفل من خلال ممارسة اللعب نفسيا ومعرفيا واجتماعيا، وغيرها من الجوانب التي تتداخل في تكوين شخصية الإنسان.

ص: 265


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 39-40؛ المناقب للمازندراني: ج 3، ص 390، فصل معجزاتها؛ صحيفة الرضا عليه السلام: ص 71؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 266-288؛ الجعفريات: ص 183، كتاب التفسير.

ولذا:

أشار الحديث بوضوح إلى هذه المسألة العلمية بقوله عليه السلام:

«كانا يلعبان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى مضى عامة الليل».

أي إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تركهما يلعبان حتى يأخذا كفايتهما من الوقت في ممارسة ألعابهما فيشعرا بالاكتفاء، ومن ثم هدوء النفس واحتياجهما للنوم؛ لأن هذه الطاقات النفسية والعقلية والبدنية قد وجدت منفذها وسد حاجتها.

أضف إلى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يدعهما إلى التفريط في الوقت، بل راعى الحاجة عندهما إلى ذلك؛ كي يشعرا أن هناك حدوداً وضوابط يجب عليهما مراعاتها حتى لا يكون هناك هدر في معظم اليوم، أو قد يؤدي هذا التفريط إلى الإنهاك والضعف وقلة النوم وتضييع الواجبات.

ولذا: أمرهما - بأبي وأمي - بالانصراف إلى أمهما عليهما السلام.

بقي أن نقول:

إن الأبحاث المعاصرة إشارة إلى ضرورة وجود أحد الأبوين عند ممارسة الأبناء للعب كي يشرفا على تصحيح بعض السلوكيات عند الأطفال في أثناء ممارستهما للألعاب المختلفة إذ إنّ كثيراً من هذه السلوكيات يكتسبها الطفل أثناء اللعب ويظهرها للآخر ولاسيما تلك الألعاب الجماعية.

ومن هنا نراهما كان يلعبان في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما دلت عليها الرواية.

ص: 266

ثانيا: الحكمة في ظهور الكرامة لهما عليهما السلام أثناء اللعب

من المساءل التي أظهرها هذا الحديث والحديث السابق - الذي نقل لنا مناداة جبرائيل عليه السلام، أه يا حسن عليك بالحسين فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم آه ياحسين عليك بالحسن - مسألة ظهور هذه الكرامات للحسن والحسين عليهما السلام أثناء ممارسة اللعب؛ فما هي الحكمة في ذلك ؟!

تكمن الحكمة في ذلك من شقين:

1 - هو إلفات نظر الذين من حول العترة الطاهرة عليهم السلام إلى أن هذا البيت بأفراده الخمسة قد تم اصطفاؤهم واختيارهم لحمل شرع الله وأمنائه على وحيه.

ولذا: فهي رسالة للجميع مفادها: اعلموا من هم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما لهم عند الله من الشأن فلا يساء فهم الظاهر من فعلهم صغارا،: اللعب، والمطالبة بالحاجات من الآباء والتلطف إليهم في الحصول عليها وغيرها مما يظهره الطفل في هذه المراحل، فما ضرّ عيسى عليه السلام صغره في المهد، كما لا أفقد يحيى صباه قربه من الله عزّ وجل.

ولذا: صحبهما جبرائيل عليه السلام في الحالة الأولى من اللعب، أي: عند اصطراعهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وظهرت لهما البرقة من السماء فأضاءت لهما الطريق إلى الدار، فاستقبلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدعاء حامدا ومثنيا عليه لهذه الكرامة.

2 - أما الشق الثاني من الحكمة في ظهور هذه الكرامات فهو:

ص: 267

عدم انشغال قلبيهما عن ذكر الله أثناء اللعب - وهذه خاصة بالمعصوم عليه السلام -.

بمعنى آخر:

كي يحصل المدد الإلهي والعون الرباني فلابد من توجه الإنسان إلى الله عزّ وجل، فالغافل لا يحصل له المدد، ونقصد به التسديد، لا الرازقية التي هي من مظاهر الرحمانية الإلهية، فالله هو الرزاق الرحمن الرحيم.

ولكن: هل التسديد مناط بكل الخلق، أو أنه مخصوص بخاصة الله تعالى وهم الأنبياء والمرسلون والأوصياء عليهم السلام ؟! ومن لزم سبيلهم وسار بهديهم؛ فكل يَرِد عليه بقدره:

(فَسٰالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهٰا)(1).

نعم: إنه مخصوص بهذه الثلة المصطفاة:

(إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(2).

ولذا:

دل الحديث على عدم انشغال قلبيهما من ذكر الله عزّ وجل، فلو شغل القلب لانقطع التواصل وفقد الأثر.

في حين كان صوت جبرائيل عليه السلام وظهور النور يدلان على التواصل والارتباط بالله عزّ وجل.

ص: 268


1- سورة الرعد، الآية: 17.
2- سورة آل عمران، الآية: 33-34.

المبحث السادس: منهاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ملاعبة الحسن والحسين عليهما السلام خارج البيت

اشارة

اعتمد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم منهجا خاصا في التعامل مع الحسن الحسين عليهما السلام خارج بيت أمهما فاطمة عليها السلام، لغرض تثبيت ركائز عديدة في المجتمع الذي دأب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم على بنائه بناءً جديدا، هذا البناء الذي بدأ في تغيير الأسس التي قام عليها المجتمع الملكي والمدني، على الأسس التي قامت عليها المجتمعات الأخرى، ولذا تراه صلى الله عليه وآله وسلم اتبع مناهج متعددة كانت تعالج القيم من الجذور كي تبدأ مرحلة جديدة من الحياة خالية من العوالق التي تعيق حركة النمو والإصلاح.

وإلا فهو - بأمي وأبي - ظاهره وباطنه القرآن، أي لا يختلف تعامله داخل البيت عن خارجه، وإنما اتبع هذا المنهاج الخاص الذي سنعرض له من أجل قلع الأسس التربوية القديمة وإبدالها بأسس تربوية جديدة.

ص: 269

المسألة الأولى: فوائد المنهج الجديد في التربية والتنشئة الاجتماعية
اشارة

صوّر لنا التأريخ تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الحسن والحسين خارج المنزل، في حالتين أو صورتين:

الصورة الأولى كانت تأسيسه لبناء رعاية الأطفال وآلية التعامل معهم بأسلوب جديد لم يعهده أولئك الرجال من آبائهم أو أجدادهم؛ بل لا نبالغ إن قلنا ولم يلحظوه في أترابهم؛ لأن المجتمع غالبه نشأ على القسوة والقهر واستعباد الغير سواء من خلال سلطة المال كشراء العبيد واستملاكهم وما يلدون؛ أو من خلال سلطة السطو والأسر الذي تمارسه القبائل.

ولذلك: نشأت هذه النفوس على عدم الشفقة لأنهم يرونها نقصا في الرجولة ويفهمون أنّ رعاية الطفل والمرأة من الميوعة التي لا تنسجم مع المكونات الذكورية لديهم.

وإذا بهم اليوم يرون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل برقة لطالما حنت إليها قلوبهم وإن أنكرتها نفوسهم فبدأوا يلاحظون أثر السعادة في أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين عليهما السلام فضلاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا طبعا سيدفعهم إلى الممارسة الفعلية لهذا اللون من التعامل كي يعوضوا ما فقدوه من عاطفة في صباهم.

وعليه: كان تعامله صلى الله عليه وآله وسلم مع ولديه خارج المنزل خطوة تأسيسية ترتكز عليها آلية التعامل مع الأطفال ضمن منهج حضاري للتنشئة الاجتماعية.

ص: 270

وقد ورد في الأثر عن أنس، وعبد الله بن شيبة، عن أبيه: أنه دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى صلاة والحسن متعلق به فوضعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقابل جنبه وصلى فلما سجد أطال السجود، قال شيبة: فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن على كتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فلما سلم صلى الله عليه وآله وسلم، قال له القوم يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها كأنما يوحى إليك.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«لم يوحَ إلي ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجل له حتى يقضي حاجته»(1).

وفي رواية أنه قال:

«لم يوحَ إلي ولكن ابني كان على كتفي فكرهت أن أعجله حتى نزل»(2).

نعم الجمل جملكما

وفي حالة مماثلة ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد دخل عليه جابر فرآه والحسن والحسين عليهما السلام على ظهره وهو يحثو لهما ويقول:

ص: 271


1- علل الشرائع للصدوق رحمه الله: ج 1، ص 174؛ معاني الأخبار: ص 351؛ البحار: ج 43، ص 294؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 2، ص 263؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 14، ص 160؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 3، ص 257؛ غريب الحديث لابن قتيبة: ج 2، ص 358.
2- المصدر السابق.

«نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما»(1).

وهما عليهما السلام يقولان:

«حل، حل»(2).

المسألة الثانية: فوائد المنهج الجديد الذي اتبعه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في التنشئة الاجتماعية
أولا: (مبحث سيكولوجي) حضور الأب في تربية الطفل وتطوير مهاراته وتنمية قدراته من خلال اللعب

عرض الحديث جانبا مهما في التربية النفسية للطفل وتطوير مهاراته وتنمية قدراته البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية من خلال حضور الأب في بناء وتنشئة الطفل تنشئة صحيحة وسليمة.

إذ يؤكد التربويون أن من أهم عوامل نمو الطفل هو اللعب الذي ينمي حواسه وجسده وعقله كونه نشاطا ينغمس فيه الأطفال بحماسة بالغة من تلقاء أنفسهم ويمضون ساعات طويلة في ممارسته.

ومن خلال اللعب تتم عملية التنشئة الاجتماعية وتكوين الهوية، بإيصال المفاهيم الثقافية والمعلومات وتطوير المهارات.

ص: 272


1- مستدرك الوسائل: ج 15، ص 172؛ البحار: ج 43، ص 285؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 182؛ ذخائر العقبى: ص 132؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 88، بلفظ: «نعم المطي مطيكما وأبوكما خير منكما».
2- البحار للمجلسي رحمه الله: ج 43، ص 285.

ومع أن التربويين وعلماء النفس يختلفون في تفسيراتهم لدوافع اللعب عند الطفل، إلا أنهم يتفقون على ضرورة حرص الآباء، باختلاف أعمارهم وطبقاتهم وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على تخصيص أوقات يقضونه للعب مع أطفالهم(1).

وأكدوا على أن اللعب مع الأطفال خلال الأشهر الأولى من حياتهم قد يحميهم من المشكلات الصحية سواء النفسية أو العضوية، وأكدوا على أن الآباء أو الأمهات الذين يتصرفون بعدوانية مع أطفالهم الصغار وبشكل غير مسؤول يؤثرون سلباً على نموهم السليم ويعرقلون عملية تطورهم الطبيعي بدنيا وذهنيا؛ لأن دماغ الطفل يتطور بسرعة خلال السنة الأولى من حياته.

كما أن الغذاء الذي يعطي للطفل في بداية حياته يؤثر بشكل كبير في وضعه الصحي لاحقا، لأن الدماغ البشري يتطور أسرع خلال الثمانية عشر شهرا الأولى من حياة الإنسان أكثر من أي وقت أو مرحلة عمرية أخرى، حيث يضع الدماغ الإشارات العصبية والاتصالات التي تبقى إلى الأبد.

وحذر الدكتور يير فوناجي أستاذ التحليل النفسي في كلية لندن الجامعية من أن الوالدين اللذين يفتقدان إلى المهارات التربوية قد يسهمان في إصابة أطفالهما بمشكلات عقلية في المستقبل، أو حتى زيادة خطر إصابتهم بأمراض القلب.

كما دعا ذوي الشأن إلى اتخاذ استراتيجيات مناسبة لتحسين مهارات الوالدين في العناية بأطفالهم وتربية وإنشاء أجيال ذكية وسليمة للمستقبل.

ص: 273


1- سيكولوجية اللعب: ص 95.

وقد أظهرت الدراسات التي أجريت بهذا الشأن أن الأشخاص الذين تربوا في بيئات سلبية أو عدوانية لم يتمكنوا من التعامل مع ضغوطات الحياة والتوترات التي سيواجهونها في المستقبل حيث يقفون عاجزين عن وضع الحلول لأبسط المشكلات.

كما أن نوع الاستثارة الذهنية التي يقدمه الآباء لأطفالهم تلعب دورا كبيرا في تحفيز تفكيرهم وقدراتهم الإدراكية(1).

وأشارت الدراسات التي أجروها أطباء متخصصون في مجال سيكولوجية الطفل إلى وجود نسب متزايدة من الأطفال المصابين بمرض التوحد أو اضطرابات فرط النشاط وعجز الانتباه الذي يتسبب عن نقص في جزء الدماغ المسؤول عن السيطرة على السلوكيات الاندفاعية والمحافظة على التركيز، حيث إن هذه المنطقة تنمو وتتطور في السنوات القليلة الأولى من حياة الإنسان.

وأكدوا أن النقص الشديد في هذه المنطقة الدماغية يميز اضطرابات التوحد في حين أن النقص الخفيف قد يسبب مشكلات نفسية مثل العنف والميول العدوانية واضطرابات السلوك ومشكلات اجتماعية؛ وأشاروا إلى أن الآباء كلما تكلموا مع أطفالهم أكثر كلما شجعوا نموهم وتطورهم العقلي الطبيعي السليم.

وأشارت دراسات أخرى إلى أن نقص الاستشارة الذهنية الإيجابية من قبل الآباء قد يزيد فرص نمو أطفال لا يملكون القدرة على التعبير عن عواطفهم وتفسير ردود الفعل من حولهم.

ص: 274


1- سيكولوجية اللعب عند الأطفال للدكتور فضل سلامة: ص 95-96.

ويتساءل المربون الإيطاليون عن كمية الوقت الذي يمضيه الأب للعب مع أبنائه ؟ وإذا كان بعض الآباء يتذكر عدد الحكايات التي رواها لابنه ؟ وكم عدد المرات التي فتح الأب الأبواب أمام مخيلة أطفاله نحو عالم الفنون كالرسم بجعل الطفل متذوقا صعبا ومشاهدا مهما لأنه ينتظر على الدوام من يشجع رغباته وحاجاته واستعداداته للارتقاء.

وأكدت آخر الاستطلاعات أن الأطفال يعانون من قلة حضور الآباء في حياتهم اليومية إذ إن 15 من الآباء يقضون معدل 30 دقيقة يوميا مع أولادهم، وأكثر الألعاب التي يؤديها الأب عادة مع طفله لا ترتقي إلى المستويات المطلوبة، لأن الآباء لا يحملون أي قناعة أو رغبة في ممارستهم هذه ولهذا السبب فإن الأطفال يفضلون الأجداد والجدات، كونهم قادرين على المرونة والتعاطف المطلوبين من الطفل.

ويبين الاستطلاع الذي أجري على عينة من 1600 طفل تتراوح أعمارهم ما بين 6 و 14 عاما أن أكثر من 85 يفضلون البقاء واللعب مع أجدادهم وجداتهم، ونحو 78 يعتقدون بأن لعب الأب مع طفله بين الحين والآخر، يعدّ واجبا لابد من إنهائه بسرعة، و 92 يتمنون مشاركة الأب في اللعب بصورة مستمرة.

ويقول طبيب الأطفال مارشيللو بيناردي مؤلف كتاب «مغامرة البحث عن طريق لآباء اليوم» أن التحالف ما بين الأب وأبنائه داخل العائلة له وجود حقيقي في العديد من العوائل في مختلف أنحاء العالم فالأب الجيد يجب أن يدرك أن عليه احترام الآخرين وأن يكون في الوقت نفسه في موقع احترام الآخرين الذين حوله،

ص: 275

وأن يعرف كيف يحب من دون انتظار المقابل وأن يكون مقتدرا على الاحتفاظ بقراراته ووعوده مع أطفاله، ومن شأن المشاركة الدائمة في اللعب مع الأطفال أن تقوي مثل هذا الدور.

ويقول البروفسور بينديتو فيرتيكي من جامعة لاسبينسا (المعرفة) فر روما: علاقة الطفل مع البالغ أساسية في عملية التربية منذ بدايات الأشهر الأولى في حياة الطفل، وابتداء من عمر 3 سنوات وما فوق فإن نوعية عامل اللغة المستخدمة يكون ضروريا(1).

ويقدم الكاتب التربوي بيرناردي، وصاياه للآباء من أجل حثهم على اللعب مع أطفالهم فيقول: معرفة الأب من وجهة نظر العديد من المربيين أنها لم تعد عصرية بفعل التطور السريع للعلوم، إلا أنه من ناحية أخرى ليس باللاعب المحترف.

لهذا عليه إلغاء الفكرة القائلة أن الترفيه لا ينطوي على أي سمة تعليمية عليه أن ينظر إلى اللعب لا بوصفه عملية خداع للنفس، بل كونه أسلوبا تربويا مختلفا بإمكانه الانطلاق للمساهمة في تحسين الظروف للنمو العاطفي السليم من منطلق تثبيت ثقة الطفل بنفسه وبشخصيته، لأن الابن يرى بأبيه الشخصية المثالية القادرة على إعطائه كل الصفات الخيالية التي يحتاجها.

وكما يوحي التربويون فإن الطفل لا يحتاج إلى من يوقظ فيه الإحساس بالجمال، لأنه متذوق لكل الفنون بفطرته وكل ما يحتاجه هو من يغذي هذا الإحساس بالمثيرات من خلال الألعاب بشكل مبدع ودؤوب.

ص: 276


1- سيكولوجية اللعب عند الأطفال للدكتور فضل سلامة: ص 96-100.

والأب قادر على ممارسة هذا الدور السهل أيا كان عمره ومستوى ثقافته، شرط توافر الرغبة.

ثانيا: اختيار لعب الأطفال

مما لا شك فيه أن للعب تأثيرا في النمو في جميع النواحي، فالطفل يتعلم عن طريق اللعب الذي تحكمه قواعد، وهو أيضا وسيلة للنمو الاجتماعي، إذ يتعلم الطفل التعاون وفق إقامة علاقات اجتماعية مع العالم الخارجي لغير محيط الأسرة.

كما أن في اللعب فرصة للتخلص من القلق والتوتر وبعض المتاعب وتختلف ألعاب الأطفال من تلك التي تقوم بها الكبار، لذا ينبغي أن نختار اللعب التي تناسب كل سن حتى تحقق الهدف التربوي منها وتترك الأثر النافع، وعلى الكبار إذن تقع المسؤولية كاملة في اختيار اللعبة المناسبة حتى لا يصبح اللعب مضيعة للوقت وبخاصة أننا لا نستطيع أن نحرم صغارنا من اللعب لأننا لن ننجح في ذلك.

فسواء رغبنا أم كرهنا فلابد للأطفال من اللعب ولو في غفلة منا عندما تتاح لهم الفرصة لمخالفة أوامرنا لأنه من غير الممكن أن نتحكم في حياتهم وخيالهم وأحلام يقظتهم.

ولذلك يجب أن نفهم جيدا أن الطفل الذي لا يوجد عنده ميل للعب يكون طفلا غير طبيعي وينبغي دراسة حالته.

ومن هذا المنطلق ينبغي أن نولي الأطفال العناية والرعاية ونتيح لهم فرصة اللعب الهادف ونعمل على إعدادهم الإعداد الجسمي عن طريق التربية الرياضية.

وليس معنى ذلك أن نطلق لهم الحبل على الغارب بلا قيود ولا حدود، فلا

ص: 277

يجوز أن يكون الاهتمام بالألعاب الرياضية على حساب واجبات أخرى أو على حساب تحصيل العلم وطاعة الوالدين، بل يجب أن يكون الارتباط في حدود الوسط والاعتدال(1).

المسألة الثالثة: تأثير المنهج النبوي في التنشئة الاجتماعية في مجتمع المدينة
اشارة

ضمت المدينة المنورة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نماذج متعددة من بيئات اجتماعية مختلفة إلى حد ما؛ وإن كانت تجمعها صفات مشتركة نشأت عليها أصول الرجال والنساء؛ وهي ما تعرف بصفات البداوة.

والسبب في هذا التنوع هو لقدوم وهجرة أهل مكة، - أي: المسلمون - إليها وهذا يعني نقل صفات المجتمع المكي إلى المدينة.

ثم لوجود ديانات سماوية أخرى وهي اليهودية والمسيحية واعتناق بعض أهلها لهذه الديانات وهو ما يضفي على المجتمع من نقل وممارسة لهذه الإيديولوجية أو تلك؛ ومحاولة التأثير على هذا الدين الجديد ممثلا بأفراده.

فضلاً عن انتقال بعض سمات المجتمع الفارسي أو الرومي أو الأفريقي بفعل التجارة والصناعة وكون بعض التجار أو الغلمان في المدينة يتبضعون منها وإليها.

بمعنى: وجود عوامل للغزو الثقافي المتعدد الوجوه، تعمل على صدّ هذا المنهج الجديد في التنشئة الاجتماعية أو على الأقل تحاول أن تدخل فكرها فيه وهو ما تم فعلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مناح متعددة من المجتمع الإسلامي.

ص: 278


1- سيكولوجية اللعب عند الأطفال للدكتور فضل سلامة: ص 105-106.

ولذا.. نجد الصعوبة الكبيرة التي كانت تحيط ببعض المسلمين عندما يرى تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ولديه الحسن والحسين عليهما السلام وكيف يحيطهما بحبه الكبير ويوليهما بالغ عنايته وجزيل رعايته.

فيقف أحدهم، وهو: الأقرب بن حابس، حائرا متفكرا في فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وهو ينظر إليه كيف يلاعبهما ويشبعهما قبلا فتملأ ضحكاتهما القلب سرورا وبهجة.

فيطيل النظر إليهما وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى نفسه أين هو من هذا السرور!

ولذلك.. لم يملك نفسه أن قال: يا رسول الله إن لي عشرة - أولاد - ما قبلت واحدا منهم قط؟!

فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى التمع لونه وقال للرجل:

«إن كان قد نزع الرحمة من قلب فما أصنع بك؛ من لم يرحم صغيرنا ويعزز كبيرنا فليس منا»(1).

فهذا الرجل قد تكلم وكشف ما يجول في خاطره من إعراض لهؤلاء الأولاد مع كثرتهم ولم يرق قلبه لأحدهم وكأنه منزوع الرحمة فأصبح ميئوساً منه، بل هو لا يصلح أن يكون ضمن هذا المجتمع الجديد الذي ظاهره الرحمة وباطنه الحب والرأفة.

وربما كان غيره كثيرون هم على نفس هذه الحالة النفسية إلا أنهم سكتوا؛ أو

ص: 279


1- المناقب لابن شهر آشوب المازندراني: ج 3، ص 384.

فطنوا أن هذا الفعل النبوي هو التشريع الجديد وهو المنهج الصحيح في تنشئة أبنائهم.

وتعرض لنا السيرة النبوية صورة أخرى عن تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الحسن والحسين عليهما السلام وملاعبتهما خارج المنزل، ما أخرجه بعض حفاظ المسلمين لهذه الصورة.

فقد روي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج مع أصحابه إلى طعام دعوا له فإذا بالحسين عليه السلام وهو صبي يلعب مع صبية في السكة فاستتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمام القوم - أي تقدّمهم - فطفق(1) الصبي يفر مرة هنا ومرة هنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضاحكه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت فاس رأسه وأقنعه؛ فقبله وقال:

«أنا من حسين وحسين مني، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»(2).

نقاط البحث في الحديث:

أولا: (بحث سيكولوجي) اللعب خارج المنزل

تفاوتت آراء الأمهات والآباء في السماح لأطفالهم باللعب خارج المنزل بين

ص: 280


1- طفق: أي، جعل يفعل كذا؛ الصحاح للجواهري: ج 4، ص 1517.
2- الأمالي للسيد المرتضى: ج 1، ص 157؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 4، ص 172، من حديث ابن إبراهيم عن أبيه؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 177؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 14، ص 149؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 6، ص 401؛ أمتاع الأسماع للمقريزي: ج 6، ص 18؛ المناقب للمازندراني: ج 3، ص 226.

القبول والرفض فمنهم من رأى أن اللعب خارج المنزل يعرض الطفل إلى المخاطر بوصفه سيختلط مع أطفال قد لا يتحلون بمستوى تربوي مثلما ينبغي؛ أو قد يؤدي به اللعب خارج المنزل إلى الشجار وكسب عادات سيئة وتوسيخ الملابس وغيرها بينما يرى الآخرون اللعب خارج المنزل له فوائد جمة لا يمكن أن تتوفر للطفل داخل المنزل.

وعليه: نعرض لبعض الدراسات فقد توصلت دراسة فرنسية إلى أن لعب الأطفال خارج المنزل يعد ضروريا من أجل نموه الجسدي ونصحت الدراسة الآباء بضرورة تشجيع أبنائهم على الحركة واللعب خارج المنزل على الدراجة أو الركض من أجل النمو الجسدي الصحيح والتخلص من الوزن الزائد.

وبخاصة أن آخر الإحصاءات أظهر أن 30 من الأطفال بين 6 سنوات فما فوق هم أما مصابون بالسمنة أو البدانة مما يعرضهم لخطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل مرض القلب، ارتفاع ضغط الدم، والسكري والمشاكل العاطفية أثناء المراهقة وفي الحياة اللاحقة.

وفي دراسة أخرى أجراها باحثون أمريكيون استمرت ثلاث سنوات وامتدت لتشمل عشرين مدينة أمريكية ظهر أن أمهات أميركيات فضلن جلوس أطفالهن في البيت ومشاهدة جهاز التلفاز طوال أوقات فراغهم بدلا من الخروج واللعب لشعورهن أن الشارع في المدن الأميركية غير آمن وخطر على الأطفال وبخاصة في السن التي تسبق ذهابهم إلى المدرسة.

ولاحظت الدراسة ظهور دلائل البدانة على هؤلاء الأطفال مقارنة بقرنائهم

ص: 281

الذين يخرجون إلى الشارع أو الحدائق المجاورة للعب، وفي ختام الدراسة رأى الباحثون أنه يفضل أن يقوم الوالدان بالسماح لأطفالهما باللعب خارج المنزل.

نشرت الدراسة في مجلة طب الأطفال الأمريكية، وقالت رئيسة فريق الباحثين هيلاري بورديت وهي طبيبة أطفال (أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تدرس عينة خاصة بعلاقة رؤية الوالدين لسلامة البيئة المحيطة وعلاقة ذلك بالبدانة فضلا عن أن الدراسة تناولت البدانة والنشاط البدني في المدة التي تسبق دخول الطفل إلى المدرسة.

وأشارت الطبيبة أيضا إلى علاقة مشاهدة - جهاز التلفاز - مع نمو الروح العدوانية وضعف الأداء الدراسي خلال السنوات الدراسية - باعتبار أن البيت يصبح هو المكان الذي يتحرك فيه الطفل فلا يجد فيه سوى جهاز التلفاز من وسيلة لإشغاله وملء فراغه وبخاصة إذا لم يكن لديه أخوة قريبون من سنة مع اشتغال والديه عنه -.

ولذا: ألمحت الطبيبة هيلاري بورديت - إلى عمق تأخير المشاهدات التلفزيونية في الفترات المبكرة من حياة الإنسان - وقالت: لذلك قررنا دراسة مثل تلك الأنماط لتأثيرها على الأطفال في أوقات لاحقة من حياتهم.

ولجأ الباحثون إلى اختيار الفرضية القائلة بأنه في حال شعور الأمهات بأن البيئة المحيطة بالمنزل غير آمنة فإن تلك الأمهات يلجأن إلى منع أطفالهن من الخروج من المنزل لقضاء بعض الوقت في اللعب وبالمقابل ستضاعف عدد الساعات التي سيقضونها أمام الشاشة الصغيرة، ورأى الباحثون أن تناقض نشاط الطفل خارج

ص: 282

المنزل يؤدي إلى زيادة حجم الطفل ومن ثم تحوله إلى البدانة.

وعليه: ينبغي للولدين أن يراعيا هذا الجانب المهم من حياة الطفل ويمكن لهما الجمع بين الخروج واللعب خارج المنزل مع المحافظة على أبنائهم من المخاطر التي أصبحت الآن مواكبة لحركة كل فرد في المجتمع من وجود حوادث السير أو انتشار ذوي السلوك المنحرفة وغيرها.

فيمكن للأب أو الأم أن ترافق ولدها أو البنت إلى خارج المنزل في الحدائق المخصصة أو العامة والمراقبة له ولو عن بعد كي يتمكن الطفل من التحرك بحرية وحيوية لا يمكن أن يحصل عليها داخل المنزل وبخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن النظام البنائي في أغلب الدول هو نظام السكن العمودي وهذا يستدعي من المستثمر حساب كل سنتمتر كي يجني أرباحا، مما يضيق الخناق على حركة طفل واحد فكيف إذا كانت الأسرة لها أربعة أو خمسة أطفال.

فعندها لا يبقى أمامهم إما الجلوس أمام جهاز التلفاز مع ما يرافق ذلك من مساوئ وهذا في حال اتفاقهم على برنامج واحد ولون واحد من العرض وإما الشجار فيما بينهم وإما أن تتحول الأسرة وأثاث المنزل هو المتنفس لهذه الحركة.

إذن: يبقى الخروج إلى خارج المنزل واللعب هو أفضل بكثير من الجلوس والحركة داخل المنزل؛ ولكن لا بأس بمرافقة أحد الوالدين أو أحد أفراد الأسرة البالغين كي يتوفر للطفل الأمن والحرية الحركية.

ثانيا: (بحث عقائدي) حسين مني وأنا من حسين

كثيرا ما كنت أسأل نفسي عن الوجه الذي عناه سيد الأنبياء والمرسلين صلى

ص: 283

الله عليه وآله وسلم من قوله:

«وأنا من حسين».

باعتبار أن الشطر الأول من القول الشريف:

«حسين مني».

الوجه فيه معروف للكثير، وهو: كونه ابن بنته فاطمة البتول عليها السلام.

ثم وجدت أن هذا الوجه وإن كان قائماً إلا أن سياق الحديث لا يدل عليه بأنه هو المعنى أو المراد أن يتعرف عليه الناس سواء كانوا في زمانه أو سواء من يحيون بعده إلى يوم القيامة.

إذن: ما هو الوجه ؟

بالطبع لا أستطيع أن أجزم بما أفاضه قلبي لذهني بأنه هو المعنى والمطابق لعين الواقع الذي عليه رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن هذا يجر والعياذ بالله إلى الخروج من الإيمان.

إلا أنني هكذا فهمت الوجه، وهو: أنه أراد من قوله:

«حسين مني وأنا من حسين».

هو الحكم الشرعي بأجزائه الخمسة (الواجب، والمندوب، والمكروه، والحرام، والمباح).

لأن (أنا) محل صدورها، هو الشريعة التي نزل بها الروح الأمين على قلبه فكانت طاعته طاعة الله عزّ وجل:

ص: 284

(قُلْ أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ )(1).

وهنا لم يفصل الوحي بين الله والرسول.

وإتباعه هو محل حب الله:

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ )(2).

وغيرها من الآيات الكثيرة.

ولذلك: صدور الحكم قولا وفعلا وتقريرا من الحسين عليه السلام هو صدوره من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه لا يوحى له.

فكان هذا القول والفعل والتقرير لم لا يؤمن بالعصمة محله عند الله ورسوله نفس محل صدوره من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وكأن الخطاب في الحديث موجه إلى عامة المسلمين سواء من اعتقد بأن الإمام معصوم أو لم يعتقد.

وإلا ما المناسبة والضرورة البلاغية في قوله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا من حسين ثم يتبعها بالتلازم والترابط فيما بين حبه عليه السلام، وحب الله المقرونين وتبع لحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي)(3).

إذن: هو توجيه لعامة المسلمين الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعوا منه والحسين عليه السلام صغيرا بعد لم يبلغ الحلم، كيما إذا خرج الحسين إلى العراق لزم عليهم نصرته، فكيف بمن قتله وسبى أطفاله وحرمه.

ص: 285


1- سورة النور، الآية: 54.
2- سورة آل عمران، الآية: 31.
3- سورة آل عمران، الآية: 31.

فهذا وجه.

وللحديث وجه آخر؛ وهذا الوجه يستخلص من كون النتيجة تبعا للمقدمة وإنهما من سنخ واحد.

بمعنى: أن النبي الأعظم عرض في حديثه مقدمة مفادها.

«حسين مني».

ونتيجتها:

«أنا من حسين».

وكلاهما من سنخ واحد، وهو الإسلام.

بمعنى آخر: بدأ الإسلام منه صلى الله عليه وآله وسلم ودوامه واستمراره وحفظه به صلى الله عليه وآله وسلم ولكن ليس بالتبع وإنما بالعين.

وبمعنى أوضح: هو الإسلام والإسلام هو، فعندما يقول - بأبي وأمي - (أنا) يعني الإسلام ف - (حسين عين الإسلام) و (الإسلام عين الحسين)! ولعل سائلاً يسأل عن الوجه في ذلك ؟

والجواب: يجعل الإمامة في صلبه أولهم ولده علي زين العابدين وتاسعهم قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

بدلالة:

(هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدىٰ وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ

ص: 286

كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ )(1).

فهذا الظهور للإسلام على الدين كله في الأرض، والذي هو نتيجة للرسالة المحمدية إنما يكون بالحسين وبنيه وجده وأمه وأبيه.

ومن هنا: نجد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد ختم حديثه بقوله:

«حسين سبط من الأسباط».

والسبط عند العرب هو ولد الابن والابنة(2)، وقالوا أيضا: السبط، أي: الممتد من القصب(3).

والنتائج المرتبة بعضها تلو البعض الآخر ثم ليقول إن الحسين ولد من الأولاد في حال حمل معنى السبط على المعنى الأول.

وعليه: فهو أحد أولئك الخلفاء الذين اصطفاهم الله لامتداد شرعه في الأرض، حين عرض الأمر على الملائكة قائلا - جل شأنه -:

(إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً )(4).

ص: 287


1- سورة التوبة، الآية: 33.
2- لسان العرب: ج 7، ص 310.
3- لسان العرب: ج 7، ص 309.
4- سورة البقرة، الآية: 30.

المبحث السابع: رعايتها لأبنائها

المسألة الأولى: تربيتهما على أم الفضائل وهو العدل
اشارة

دأب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم على رفد ولديه الحسن والحسين عليهما السلام بقيم القرآن والخلق الذي تميز به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على الخلق أجمعين بشهادة رب العالمين:

(وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ )(1).

أضف إلى ذلك أن مكتسب هذا الخلق العظيم (لدني) لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لقد أدبني ربي فأحسن تأديبي»(2).

وهذا الأدب اللّدني.

(وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً)(3).

ص: 288


1- سورة القلم، الآية: 4.
2- بحار الأنوار: ج 16، ص 210؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 11، ص 233؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 1، ص 51؛ تفسير الثعلبي: ج 10، ص 10؛ تفسير الرازي: ج 6، ص 214.
3- سورة الكهف، الآية: 65.

نقل إلى سبطي هذه الأمة وريحانتيه من الدنيا.

وهنا: لابد من القول بأن الحسن والحسين عليهما السلام حظيا بما لم يحظَ به مخلوق من الحب والرعايا والتربية والتعليم، وحسبك أيها القارئ أن تعرف فقط أن معلمهما هو الحبيب عند الله؛ ومن أحب أعطى، فكيف إذا كان المعطي أكرم الأكرمين ؟!

وكيف إذا كان العطاء لا يبلى ؟ وكيف إذا كان العطاء قد جيد فيه غاية الجود:

(وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ )(1).

فهذا كله قد سخّر للحسن والحسين عليهما السلام لأنهما ريحانتا الحبيب.

ولأجل ذلك: لم يفارقهما في ليل أو نهار؛ أو يطيب العيش له بدونهما؟ وهما ريحانتاه من الدنيا، لا والله.. فما أسرع الدمع من عينيه لما يراهما - كما سيمر بيانه من خلال فصول هذا الباب -.

أما كيف دأب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تأديبهما على العدل منذ الصغر فهو كما يأتي:

أخرج الشيخ الطوسي رحمه الله عن زوجتي النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة وأم سلمة رضي الله عنهما، قالتا: استسقى الحسن عليه السلام فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجدح له في غمر كان لهم، يعني: قدحا يشرب فيه ثم أتاه به.

ص: 289


1- سورة الضحى، الآية: 5.

فقام الحسين عليه السلام، فقال:

«اسقنيه يا أبت، فأعطاه الحسن عليه السلام».

ثم جدح للحسين عليه السلام فسقاه. فقالت فاطمة عليها السلام:

«كأن الحسن أحبهما إليك ؟ قال: إنه استسقى قبله، وإني وإياك وهما وهذا الراقد في مكان واحد في الجنة»(1).

نقاط البحث في الحديث:
أولاً: العدل منذ الصغر

من الثوابت التي - نعتقد بها - أن المعصوم خُلقه القرآن وأدبه نبوي ومن ثم فهو محفوف باللطف الإلهي مسبوق بالتسديد معه للكمال بكينونة كونه أمين الله في أرضه وحجته على عباده، إلا أنه تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أوصيائه الحسن والحسين منذ الصغر على العدل وهو أم الفضائل إنما لبيان الحجة وإلزام المعترض بأنهما مؤهّلان لقيادة الأمة وصلاح الناس.

فضلاً عن سنة الإنبات التي تحدث عنها القرآن الكريم واصطفائهم لتبليغ الرسالة.

ثانياً: العدالة أشرف الفضائل

يكشف الحديث الشريف عن قيام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بزرع أشرف الفضائل في نفس الحسن والحسين عليهما السلام منذ الصغر ألا وهي

ص: 290


1- جامع السعادات للنراقي: ج 1، ص 111-112.

العدالة - وإن كنا نعتقد بأنهما إمامان اصطفاهما الله وعصمهما عن الخطأ - إلا أن هذا لا يمنع من إجراء السنن التكوينية المرافقة لعالم الشهادة.

ولذلك: صنف علماء الأخلاق العدالة بأنها كل الفضائل أو ما يلزمها، كما أن الجور كل الرذائل أو ما يوجبها، لأنها هيئة نفسانية يقتدر بها على تعديل جميع الصفات والأفعال، ورد الزائد والناقص إلى الوسط، وانكسار سورة التحالف بين القوى المتعادية، بحيث يمتزج الكل وتتحقق بينهما مناسبة واتحاد تحدث في النفس فضيلة واحدة تقتضي حصول متوسط بين أفعالها المتحالفة، وذلك كما تحصل من حصول الامتزاج والوحدة بين الأشياء المتخالفة صورة واحدية يصدر عنها فعل متوسط بين أفعالها المتخالفة فجميع الفضائل مترتبة على العدالة، ولذا قال أفلاطون: (العدالة إذا حصلت للإنسان كل واحد من أجزاء نفسه ويستضيء بعضها من بعض، فتنهض النفس حينئذ لفعلها الخاص على أفضل ما يكون، فيحصل لها غاية القرب إلى مبدعها سبحانه).

ومن خواص العدالة وفضيلتها أنها أقرب الصفات إلى الوحدة وشأنها إخراج الواحد من الكثرات والتأليف بين المتباينات، والتسوية بين المختلفات، ورد الأشياء من القلة، والكثرة والنقصان والزيادة إلى التوسط الذي هو الوحدة، فتصير المتخالفات في هذه الرتبة متحدة نوع اتحاد، وفي غيرها توجد أطراف متخالفة متكاثرة، ولا ريب في أن الوحدة أشرف من الكثرة، وكلما كان الشيء أقرب إليها يكون أفضل وأكمل وأبقى وحدانية صارت أكمل مما كان، ولذا قيل كمال كل صفة أن يقارب ضدها، وكمال كل شخص أن يتصف بالصفات المتقابلة يجعلها متناسبة متسالمة، وتأثير الأشعار الموزونة والنغمات والإيقاعات المتناسبة، وجذب

ص: 291

الصور الجميلة للنفوس، إنما هو لوحدة التناسب، ونسبة المساواة في صناعة الموسيقى أو غيرها أشرف النسب لقربها إلى الوحدة وغيرها من النسب يرجح إليها.

وبالجمة: اختلاف الأشياء في الكمال والنقص بحسب اختلافها في الوحدة والكثرة، فأشرف الموجودات هو الواحد الحقيقي الذي هو موجد الكل ومبدئه، ويفيض نور الوحدة على كل موجود بقدر استعداده كما يفيض عليه نور الوجود كذلك، فكل وحدة من الوحدات جوهرية كانت أو خلقية أو فعلية أو عددية أو مزاجية، فهو ظل من وحدته الحقة وكلما كان أقرب إليها يكون أشرف وجودا، ولولا الاعتدال والوحدة العرضية التي هي ظل الوحدة الحقيقية لم تتم دائرة الوجود، لأن تولد المواليد من العناصر الأربعة يتوقف على حصول الاتحاد والاعتدال، وتعلق النفس الربانية بالبدن إنما هو لحصول نسبة الاعتدال، ولذا يزول تعلقها به بزوالها بل النفس عاشقة لتلك النسبة الشريفة أينما وجدت(1).

ثالثاً: إن العترة عليهم السلام هم جميعا في مكان واحد في الجنة

اعتاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تطييب قلب فاطمة عليها السلام في كل حادثة تمر أمامها وفيها ولو مجرد إشغال للفكر.

وهنا.. وكونها أماً رحوماً بأولادها استوقفها تقديم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولدها الحسن على الحسين عليهما السلام في سقي الماء، وكلاهما قد طلب شرب الماء من جده صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 292


1- جامع السعادات للنراقي: ج 1، ص 111-112.

فبادرت بالسؤال:

«كأن الحسن أحبهما إليك ؟».

فأجاب:

«إنه استسقى قبله».

ولم يشأ النبي الأعظم أن تمر الحادثة دون تطييب لهذا القلب، فاتبع كلامه:

«وإني وإياك وهما وهذا الراقد في مكان واحد في الجنة».

وهنا.. تبين حكم شرعي ؟ بمعنى أن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة شرعية يلزم اتباعها فيكون إتباع الوالدين أو أحدهما في التعامل مع أبنائهم قائماً على أسس الاستحقاق، لا على أساس التفاضل في أكثرهما حبا وأقربهما لقلب الأب والأم أو الصغر والكبر.

والملاحظ في فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو سقيه للحسن والحسين عليهما السلام في نفس الوقت ولكن تقديم سقي الحسن عليه السلام لكونه طلب شرب الماء أولا، وهذا يكشف عن عدل سيد الأنبياء والمرسلين في أدق الأمور وأبسطها.

ثانيا: يكشف هذا الحديث عن منقبة خاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحبه للأفراد وإن كانوا أبناءه وفلذة كبده وريحانتيه من الدنيا قائم على الحب الإلهي.

بمعنى: أنه يحب من موقع الطاعة لله عز وجل فمن كان مطيعا لله عز وجل حظي بحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلما ازداد الإنسان في طاعة الله

ص: 293

عزّ وجل كلما ازداد حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي: إنه لا يحب على أساس عاطفي وجداني حتى وإن كان ريحانته من الدنيا فحبه صلى الله عليه وآله وسلم لهما وكونهما ريحانتيه نابع من كونهما بالدرجة الأولى سيدي شباب أهل الجنة وحجتي الله عزّ وجل على الخلق، وإلا فالقرآن منهاجه واضح بالنسبة للأنبياء والمرسلين في حبهم وارتباطهم بذويهم؛ فلاحظ قوله تعالى في نوح وولده:

(قٰالَ يٰا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ )(1).

وفي إبراهيم الخليل عليه السلام وأبيه قال عزّ وجل:

(وَ مٰا كٰانَ اِسْتِغْفٰارُ إِبْرٰاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّٰ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهٰا إِيّٰاهُ فَلَمّٰا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ )(2).

إذن: عندما توجّهت بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالسؤال عن مقدار حب رسول الله للحسن عليه السلام:

«كأنه أحبهما إليك».

أجاب:

«إنه استسقى قبله».

أي إن الدافع في تقديم الحسن لهذا السبب أما أمر حبي فلا يكون إلا لله عزّ وجل، ولكونه لله ف -:

«وإني وإياك وهما وهذا الراقد في مكان واحد في الجنة».

ص: 294


1- سورة هود، الآية: 46.
2- سورة التوبة، الآية: 114.

أي: يجمعنا حب الله الذي جعلنا في مكان واحد في الجنة - مع حفظ المقامات لكل منهم، بمعنى أنهم صلوات الله عليهم في مكان واحد في الجنة، كأن يكون المكان جنة الفردوس لكن المنزل الذي فيه سيد الخلق يختلف عن المنزل الذي فيه غيره من أهل بيته عليهم السلام وإن كانوا في مكان واحد، والله العالم ونسأله شفاعة محمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم.

والتحقيق: أنها معنى وحداني يختلف باختلاف محالها، فهي في الأجزاء العنصرية الممتزجة اعتدال مزاجي، وفي الأعضاء حسن ظاهري، وفي الكلام فصاحة، وفي الملكات النفسية عدالة، وفي الحركات غنج ودلال، وفي المغنيات أبعاد شريفة لذيذة والنفس عاشقة لهذا المعنى في أي مظهر ظهر، وبأي صورة تجلى، وبأي لباس تلبس.

فإني أحب الحسن حيث وجدته *** وللحسين في وجه الملاح مواقع

والكثرة والقلة والنقصان والزيادة تفسد الأشياء إذا لم تكن بينها مناسبة تحفظ عليها الاعتدال والوحدة بوجه ما وفي هذا المقام تفوح نفحات قدسية تهتز بها نفوس أهل الجذبة والشوق، ويتعطر منها مشام أصحاب التأله والذوق فتعرض لها إن كنت أهلا لذلك(1).

ولذلك.. فهي: (الوسط بين طرفين، والوسط محصور بين الأطراف، والأطراف لا تنحصر عند حدّ)(2).

وإذا عرفت شرف العدالة وإيجابها للعمل بالمساواة، ورد كل ناقص وزائد

ص: 295


1- جامع السعادات للعلامة النراقي رحمه الله: ج 1، ص 112-113.
2- مقدمة في علم الأخلاق للعلامة السيد كمال الحيدري: ص 62.

إلى الوسط، فاعلم أنها إما متعلقة بالأفعال؛ أو بالكرامات، وقسمة الأموال، أو بالمعاملات والمعارضات؛ أو بالأحكام والسياسات، والعادل في كل واحد من هذه الأمور ما يحدث التساوي فيه برد الإفراط والتفريط إلى الوسط.

ولا ريب في أنه مشروط بالعلم بطبيعة الوسط، حتى يمكن رد الطرفين إليه؛ وهذا العلم في غاية الصعوبة ولا يتيسر إلا بالرجوع إلى ميزان معرف للأوساط في جميع الأشياء، وما هو إلا ميزان الشريعة الإلهي الصادرة من عند الله سبحانه لحفظ المساواة(1).

ومن هنا: نجد أن سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم كان عادلا حتى في إعطاء الماء لأولاده فقد اتبع المساواة فيما بينهما في سقيه لهما؛ لكن قدم الذي استسقى أولا كي يزرع في قلبيهما أشرف الفضائل - وإن كانا كذلك، ولكن عمله إجراء للسنن الشرعية في عالم الملك والشهادة -.

المسألة الثانية: تعويذهما عليهما السلام بزغب جناح جبرائيل عليه السلام
اشارة

من السنن الغيبية التي تدور بين عالم الأرواح هي تأثر لروح الإنسانية بما يحيطها من أرواح العوالم الأخرى ولاسيما عالم الجن الذي تحدث عنهم القرآن في مواضع عدة؛ منها ما أظهر معتقداتهم كقوله تعالى:

(يٰا مَعْشَرَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيٰاتِي وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقٰاءَ يَوْمِكُمْ هٰذٰا)(2).

ص: 296


1- جامع السعادات: ج 1، ص 113.
2- سورة الأنعام، الآية: 13.

ومنها ما تحدث عن انحرافهم وتأثيرهم على الإنس كقوله تعالى:

(وَ قٰالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنٰا أَرِنَا اَلَّذَيْنِ أَضَلاّٰنٰا مِنَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ نَجْعَلْهُمٰا تَحْتَ أَقْدٰامِنٰا لِيَكُونٰا مِنَ اَلْأَسْفَلِينَ )(1).

وغيرها من الآيات القرآنية.

ولأن هذه الأرواح تدعو إلى عوالم أخرى ولها تأثيرات سلبية على الإنسان فقد جعل الله تعالى بعض السبل التي تقي الإنسان منها وتدفع عنه ضررها، ألا وهي التعويذ.

والتعويذ لغةً ، مأخوذ من (العوذ، أي: الالتجاء كالعياذ بالكسر والمعاذة والتعوذ والاستعاذة، أعاذ به يعوذ لاذ به ولجأ إليه واعتصم، وعذت بفلان واستعذت به، أي لجأت إليه، وفي الحديث إنما قالها تعوذا أي إنما أقر بالشهادة لاجئا إليها ومعتصما بها ليدفع عنه القتل، وليس بمخلص في إسلامه.

و (العوذة) بالهاء:

(الرقية يرقى بها الإنسان من فزع أو جنون، لأنه يعاذ بها، وقد عوذه، وزعم بعض أرباب الاشتقاق أن أصلها هي الرقية بما فيه أعوذ، ثم عمت، فيقال: عوذت فلاناً بالله وبأسمائه وبالمعوذتين، إذ قلت أعيذك بالله وبأسمائه وبالمعوذتين، إذا قلت أعيذك بالله وأسمائه من كل ذي شر ولك داء وحاسد)(2).

ومن هنا: كان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا ما يعوذ الحسن

ص: 297


1- سورة فصلت، الآية: 29.
2- تاج العروس للزبيدي، مادة عوذ: ج 5، ص 380-384.

والحسين عليهما السلام بقراءة سورة الفلق والناس(1)؛ حتى ظن عبد الله بن مسعود أنهما ليستا من القرآن الكريم(2).

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعوذهما بهذه الكلمات:

«أعيذكما بكلمات الله التامات وأسمائه الحسنى كلها عامة من شر السامة والهامة ومن شر كل عين لامة ومن شر حاسد إذا حسد».

ثم التفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«هكذا كان يعوذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق عليهما السلام»(3).

وروى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن أبيه يرفعه إلى الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل أنه قال:

«وإذا أراد أحدكم النوم فلا يضعن جنبه على الأرض حتى يقول: أعيذ نفسي وديني وأهلي وولدي ومالي وخواتيم عملي وما رزقني ربي وخولني بعزة الله وعظمة الله، وسلطان الله، ورحمة الله، ورأفة الله، وغفران الله، وقوة الله، وقدرة الله، وجلال الله، وبصنع الله، وأركان الله، وبجمع الله، وبرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 298


1- مسند أحمد: ج 5، ص 130؛ تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي: ج 1، ص 116؛ مسالك الأفهام للشهيد الثاني: ج 1، ص 212.
2- المجموع للنووي: ج 3، ص 396؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 6، ص 416؛ تفسير الآلوسي: ج 30، ص 279.
3- الكافي، باب الحرز والعوذة: ج 2 ص 569؛ العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 3، ص 226؛ مشكل الآثار للطحاوي: ج 7، ص 325؛ شرف المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم للخركوشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم 6887، ويقع الحديث في الصورة رقم 182 جهة اليمين؛ بهيمة المحافل (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم 13471.

بقدرة الله على ما يشاء الله من شر السامة والهامة، ومن شر الجن والإنس، ومن شر ما يدب في الأرض وما يخرج منها، ومن شر ما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعوذ بها الحسن والحسين عليهما السلام، وبذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

فهذه الأحاديث لترشد الإنسان إلى سبل النجاة من التأثر بما يحيط به من أخطار متعددة ومتنوعة، إلا أن لفاطمة عليها السلام تعويذاً آخر كانت تعوّذ به ولديها الحسن والحسين عليهما السلام، تعويذاً من نوع خاص لم ولن يكون لغيرهما منذ أن خلق الله الخلق! إنه زغب جناح جبرائيل عليه السلام، فكيف صنعته بضعة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لها؟

روى الأربلي، عن أم عثمان، أم ولد علي بن أبي طالب عليه السلام، قالت كانت لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطيفة يجلس عليها جبرائيل عليه السلام لا يجلس عليها غيره وإذا خرج طويت وكان إذا عرج انتفض فيسقط من زغب ريشه فيقوم فيتبعه ويجعله من تمائم الحسن والحسين عليهما السلام(2)، وفي لفظ: فتلتقطه فاطمة عليها السلام فتجعله في تمائم الحسن والحسين عليهما السلام(3).

ص: 299


1- الخصال للصدوق: ص 631.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 172.
3- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 162.

وجاء عن ابن شهر آشوب، عن ابن عمر أنه قال:

كان للحسن والحسين تعوذان حشوهما من زغب جناح جبرائيل عليه السلام(1).

مسائل البحث في الحديث:
أولاً: الحكمة في تخصيص قطيفة لجلوس جبرائيل عليه السلام عليها

1 - القطيفة: فرش مخملة، وقيل: دثار مخمل، وقيل: كساء له خمل(2)، ومن خلال هذا المعنى يظهر أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان قد هيّأ هذا النوع من الفرش لغرض إظهار الحفاوة والتكريم للجالس عليها وهي سنة نبوية تدل على استحباب تكريم الضيف مع ما يتناسب ومنزلته الدينية العلمية والاجتماعية.

2 - إن هذا التخصيص يدل على أن جبرائيل عليه السلام كان يهبط بشكل متواصل على بيت فاطمة عليها السلام وأن هذا الجلوس في أغلب الأحيان هو جلوس استئناس بأهل هذا البيت النبوي عليهم السلام، وإلا كان بالإمكان الوقوف في البيت لإبلاغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يوحى إليه أو التحليق في فضاء البيت النبوي.

3 - أن طوي هذه القطيفة بعد عروج جبرائيل عليه السلام يشير إلى أن هناك

ص: 300


1- المناقب: ج 3، ص 162. ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشق: ص 113، ط مؤسسة المحمدي.
2- لسان العرب، مادة قطف: ج 9، ص 286.

زيارات لمختلف الملائكة وهبوطها لزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد دلت عليه كثير من الأحاديث، كقول أنس بن مالك:

أن ملك المطر استأذن أن يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأذن له، فقال لأم سلمة:

«أملكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد»(1).

والرواية تكشف أيضا عن حصول الاستئذان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدخول عليه حسبما تعبر به سياق الرواية بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن لميكائيل في زيارته ولذلك قال لأم سلمة أملكي علينا الباب، وأن لفظ (استأذن ربه) التي وردت في مسند أحمد دخيلة على النصّ وقد أوردها أحمد بن حنبل استظهارا لما فهمه هو بدليل أن هذه اللفظة لم ترد في المصادر الأخرى.

ومما يدل عليه استئذان ملك الموت عليه السلام عند حضوره لقبض روح النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم(2)، وإذا كان الحال مع ملك الموت بهذه الكيفية فمن باب أولى استئذان بقية الملائكة عليه قبل دخولها لزيارته صلى الله عليه وآله وسلم.

رابعا: أن الحكمة في طوي القطيفة بعد خروج جبرائيل عليه السلام يشير إلى

ص: 301


1- الأمالي للطوسي رحمه الله: ص 330. مسند أحمد: ج 3، ص 242، ط دار صادر. مجمع الزوائد: ص 187.
2- الأمالي للصدوق: ص 349، ط مؤسسة البعثة. الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، ص 259، ط دار صادر.

حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حفظ آثار روح القدس بمعنى آخر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتبع أسلوب الزراع في جنيهم لثمار الأشجار، إذ جرت العادة عندهم أن يضعوا أسفل الأشجار المثمرة كالزيتون والكرز وغيرها قطعاً من القماش ليتساقط عليه التمر ثم يجمع.

فمن هذا المعنى كانت فاطمة عليها السلام تفرش هذه القطيفة لتجني ما يتساقط عليها من زغب جناح جبرائيل عليه السلام لحكمة سيمر بيانه، ثم إنها عليها السلام أرادت بهذا الصنع عدم اختلاط زغب غيره من الملائكة عند نزولهم وزيارتهم إلى رسول الله وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ثانيا: الحكمة في جمع زغب جناح جبرائيل عليه السلام

يعرض لنا القرآن الكريم حقائق عدة حول الملائكة ولاسيما جبرائيل عليه السلام فقد أظهر القرآن الكريم في بعض آيات خص الله عزّ وجل بها جبرائيل عليه السلام من خصائص خاصة، منها ما يتعلق بمقامه القربي من الله، ومنها ما كان يظهر مقامه بين الملائكة. ومنها ما كان يظهر قوته الربانية.

فقال عزّ وجل:

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي اَلْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطٰاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ )(1).

وفي موضع آخر يظهر القرآن مقامات أخرى كمقام روح القدس الذي ورد في قوله تعالى:

ص: 302


1- سورة التكوير، الآية: 19-21.

(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ اَلْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ اَلَّذِينَ آمَنُوا)(1).

فهنا تعددت المقامات فهي:

(مقام الرسولية، مقام القوة عند ذي العرش، مقام التمكين، مقام الطاقة، ومقام الأمانة).

وأن ما يسقط من زغب جبرائيل عليه السلام يحمل بعض آثار هذه المقامات الربانية ولاسيما مقام القوة والتمكين وروح القدس والقرآن الكريم يظهر انتقال هذه الخصائص في آثار جبرائيل عليه السلام وتأثر الأشياء الدنيوية بها فمنها تأثر عجل السامري بأثر تراب حافر فرس جبرائيل عليه السلام وانتقال الحياة إليه فإذا له خوار (صوت) يسمعه الناس فافتتنوا به وعبدوه.

قال تعالى:

(قٰالَ فَمٰا خَطْبُكَ يٰا سٰامِرِيُّ (95) قٰالَ بَصُرْتُ بِمٰا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ اَلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهٰا وَ كَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)(2).

فإذا كانت قبضة من تراب حافر فرس جبرائيل عليه السلام تعيد الحياة إلى تمثال مصنوع من المعادن فإذا له صوت يسمعه الناس(3)، فكيف بالأثر الذي يخلفه زغب جبرائيل عليه السلام على سلامة الحسن والحسين عليهما السلام حينما وضعته فاطمة عليها السلام في تمائمهما.

ص: 303


1- سورة النحل، الآية: 102.
2- سورة طه، الآية: 95-96.
3- تفسير التبيان للشيخ الطوسي: ج 1، ص 237؛ جام البيان للطبري: ج 16، ص 248؛ تفسير الثعلبي: ج 1، ص 194.
المسألة الثالثة: استغاثة فاطمة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند مرض ولدها الحسين عليهما السلام
اشارة

من الملازمات البديهية للأم هي حالة الخوف على أبنائها، ولاسيما في حال مرض أحدهم إذ تكون هذه الحالات من أوضح الصور التي يتجلى فيها خوف الأم للعيان، فيظهر عليها القلق والاضطراب وربما الحيرة في كيفية إسعاف ولدها، وجميع هذه الانفعالات النفسية متفاوتة بين الأمهات حسبما يخالج الأم من مشاعر أمومية قد تكون مفرطة عند بعضهن.

وفاطمة صلوات الله عليها تندفع في هذه الحالات التي تظهر فيها عاطفة الأمومة كما هو حال الأمهات لكن الفارق بين بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبين باقي الأمهات هو التسليم لأمر الله وحسن الظن به عز وجل والالتجاء إلى حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كي يدعو الله لولدها في مرضه كما تظهر الرواية هذه الخصال. فقد روى المحدث النوري، عن القطب الراوندي قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«اعتل الحسين عليه السلام فاحتملته فاطمة عليها السلام فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله أدع الله لابنك أن يشفيه، إنّ الله هو الذي وهبه لك، وهو القادر على أن يشفيه.

فهبط جبرائيل عليه السلام، فقال: يا محمد إن الله تعالى لم ينزل عليك سورة من القرآن إلا فيها فاء، وكلّ فاء من آفة ما خلا الحمد، فإنه ليس فيها فاء فادع بقدح من ماء فاقرأ عليه الحمد أربعين مرة ثم صب عليه، فإن الله يشفيه».

ص: 304

ففعل ذلك، فعوفي بإذن الله)(1).

والحديث يكشف عن مسائل عدة:

أولاً: الالتجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل صغيرة وكبيرة

تضع الزهراء عليها السلام لنا منهاجا عقائديا في الاستغاثة والالتجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقديمه بين يدي حاجاتنا كي يقضيها الله تعالى به صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا كان بالإمكان أن تهرع إلى زوجها أمير المؤمنين عليهما السلام وهو الحال الذي تتبعه الأمهات، إلا أن فاطمة التجأت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد ورد في الأثر أن رجلا ضريراً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسأله أن يدعو له بالشفاء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت، فهو خير لك».

قال الرجل: فادعه. قال الراوي: فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء:

«اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي ليقضي لي، اللهم شفعه فيّ »(2).

ص: 305


1- مستدرك الوسائل: ج 4، ص 300.
2- أورده تقي الدين السبكي في شفاء السقام: ص 301، وأتبعه بقوله: قال الترمذي هذا حديث صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه؛ وقد أخرجه أحمد في المسند: ج 4، ص 138؛ والحاكم في المستدرك: ج 1، ص 314؛ والنسائي في السنن الكبرى: ج 6، ص 169.
ثانياً: مراتب التوحيد وأثرها في قضاء الحاجات

ترشدنا بضعة الهادي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الملازمة في مراتب التوحيد فلا يرتقي الإنسان من مرتبة إلى أخرى ما لم يكن محصلا لكليهما، بمعنى لا يحصل الشفاء بدون الاعتقاد بأن الله هو الذي وهب هذه النعمة وهو المالك لها ولذا فهو القادر وحده عز وجل على منح الشفاء لما يملك.

وهنا وقفة في غاية الأهمية: إذ يعتقد الأبوان ولاسيما الأم بالتملك لهذه النعمة، أي نعمة الولد متوهمين بين هذا الإحساس وبين إحساس الوالدية فلا يستطيعون حينها التفريق بين هذين الشعورين إذ ينصرف ذهن الأم إلى طلب الشفاء والعافية لولدها دون أن تشعر أنها تطلب أمرا لشيء هي لا تملكه وقلنا إحساسها بالأمومة يغلب على إحساسها وحضورها القلبي إلا أن المالك هو الله عز وجل وهو الذي يبتلي وهو الذي يشفي.

ولذا: قدمت في حديثها عليها السلام رتبة الملكية للخالق عز وجل على رتبة طلب العافية، ولو حرص الإنسان على هذه الرتبة من التوحيد لقضيت جميع حاجاته الدنيوية والأخروية.

ثالثاً: الاستشفاء بكتاب الله تعالى

تضافرت النصوص في بيان أثر الاستشفاء بالقرآن الكريم كقوله تعالى:

(وَ نُنَزِّلُ مِنَ اَلْقُرْآنِ مٰا هُوَ شِفٰاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لاٰ يَزِيدُ اَلظّٰالِمِينَ إِلاّٰ خَسٰاراً)(1).

وقد ورد في تفسيرها: أنّ ال - (من) هنا بيانية، تبين معنى قوله تعالى: (مٰا هُوَ شِفٰاءٌ ) . بمعنى: وننزل ما هو شفاء ورحمة، وهو القرآن.

ص: 306


1- سورة الإسراء، الآية: 82.

وعدّ القرآن شفاء؛ والشفاء إنما يكون عن مرض دليل على أن للقلوب أحوالا نسبة القرآن إليها نسبة الدواء الشافي إلى المرض، وهو المستفاد من كلامه سبحانه حيث ذكر أن الدين الحق فطري للإنسان فكما أن للبنية الإنسان التي سويت على الخلقة الأصلية قبل أن يلحق بها أحوال منافية وآثار مغايرة للتسوية الأولية استقامة طبيعية تجري عليها في أطوار الحياة، كذلك لها بحسب الخلقة الأصلية عقائد حقة في المبدأ والمعاد وما يتفرع عليهما من أصول المعارف، وأخلاق فاضلة زاكية تلائمها ويترتب عليها من الأحوال والأعمال ما يناسبها.

فللإنسان صحة واستقامة روحية معنوية كما أن له صحة واستقامة جسمية صورية وله أمراض وأدواء روحية باختلاف أمر الصحة الروحية كما أن له أمراضا وأدواء جسمية باختلاف أمر الصحة الجسمية ولكل داء دواء ولكل مرض شفاء.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في أناس من المؤمنين أن في قلوبهم مرضا وهو غير الكفر والنفاق الصريحين كما يدل عليه قوله:

(لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ اَلْمُنٰافِقُونَ وَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ اَلْمُرْجِفُونَ فِي اَلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ )(1).

وقوله تعالى:

(وَ لِيَقُولَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ اَلْكٰافِرُونَ مٰا ذٰا أَرٰادَ اَللّٰهُ بِهٰذٰا مَثَلاً)(2).

ص: 307


1- سورة الأحزاب، الآية: 60.
2- سورة المدثر، الآية: 31.

وليس هذا المسمى مرضا إلا ما يختل به ثبات القلب واستقامة النفس من أنواع الشك والريب الموجبة لاضطراب الباطن وتزلزل السر والميل إلى الباطل وإتباع الهوى مما يجامع إيمان عامة المؤمنين من أهل أدنى مراتب الإيمان ومما هو معدود نقصا وشركا بالإضافة إلى مراتب الإيمان العالية.

وقد قال تعالى:

(وَ مٰا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّٰهِ إِلاّٰ وَ هُمْ مُشْرِكُونَ )(1).

وقال:

(فَلاٰ وَ رَبِّكَ لاٰ يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاٰ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(2).

والقرآن الكريم يزيل بحججه القاطعة وبراهينه الساطعة أنواع الشكوك والشبهات المعترضة في طريق العقائد الحقة والمعارف الحقيقة ويدفع بمواعظه الشافية وما فيه من القصص والعبر والأمثال والوعد والوعيد والإنذار والتبشير والأحكام والشرائع عاهات الأفئدة وآفاتها فالقرآن شفاء للمؤمنين.

وأما كونه رحمة للمؤمنين والرحمة إفاضة ما يتم به النقص ويرتفع به الحاجة فلأن القرآن ينور القلوب بنور العلم واليقين بعدما يزيل عنها ظلمات الجهل والعمى والشك والريب، ويحليها بالملكات الفاضلة والحالات الشريفة الزاكية بعدما يغسل عنها أوساخ الهيئات الردية والصفات الخسيسة.

فهو بما أنه شفاء يزيل عنها أنواع الأمراض والأدواء وبما أنه رحمة يعيد إليها

ص: 308


1- سورة يوسف، الآية: 106.
2- سورة النساء، الآية: 65.

ما افتقدته من الصحة والاستقامة ويهيئها لقبولها، وبكونه رحمة يلبسه لباس السعادة وينعم عليه بنعمة الاستقامة، فالقرآن شفاء ورحمة للقلوب المريضة كما أنه هدى ورحمة للنفوس غير الآمنة من الضلال، وبذلك تظهر النكتة في ترتب الرحمة على الشفاء في قوله:

(مٰا هُوَ شِفٰاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )(1).

فهو كقوله:

(هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )(2).

فمعنى قوله:

(وَ نُنَزِّلُ مِنَ اَلْقُرْآنِ مٰا هُوَ شِفٰاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ).

وننزل إليك أمرا يشفي أمراض القلوب ويزيلها ويعيد حالة الصحة والاستقامة فتتمتع من نعمة السعادة والكرامة(3).

رابعاً: أثر سورة الحمد في الشفاء

إنّ الكثير من النصوص الشريفة لترشد الإنسان المؤمن إلى دور سورة الحمد في شفاء المريض وهي كالآتي:

1 - روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

«ما قرأت الحمد على وجع سبعين مرة إلا سكن»(4).

ص: 309


1- سورة الإسراء، الآية: 82.
2- سورة الأعراف، الآية: 52.
3- تفسير الميزان: ج 13، ص 184.
4- الدعوات للراوندي: ص 189.

2 - وقال عليه السلام:

«قراءة الحمد شفاء من كل داء إلا السام»(1).

3 - وقال عليه السلام:

«من نالته علة فليقرأ في جيبه الحمد سبع مرات فإن ذهبت العلة، وإلا فليقرأها سبعين مرة، وأنا الضامن له العافية»(2).

4 - قال عليه السلام:

«لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرة فردت فيه الروح ما كان ذلك بعجيب»(3).

5 - قال عليه السلام:

«من لم تبرئه الحمد لم يبرئه شيء»(4).

المسألة الرابعة: نذرها عليها السلام لشفاء الحسن والحسين عليهما السلام
اشارة

ما زلنا في طور الحديث عن الحالة الوجدانية للوالدين عند مرض أحد أبنائهما، وكيفية التعامل مع تلك الأجواء التي تتعاظم على نفس الوالدين حينما يمرض أكثر من ولد لهما في آن واحد. وهنا في هذا المبحث نحاول استظهار المنهج التربوي الذي قام به أمير المؤمنين وسيدة النساء عليهما السلام في كيفية التعامل مع حالات كهذه كي يكون مرشدا للآباء والأمهات في رعاية أبنائهما.

ص: 310


1- فقه الرضا عليه السلام: ص 346.
2- وسائل الشيعة، باب استحباب تكرار الحمد: ج 6، ص 232.
3- الكافي للكليني، باب فضل القرآن: ج 2، ص 23.
4- وسائل الشيعة، باب استحباب تكرار الحمد: ج 6، ص 232.
أولا: ما ورد في الأثر عن كيفية وقوع الحادثة

روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن سلمة بن خالد، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه في قوله عزّ وجل:

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ).

قال عليه السلام:

«مرض الحسن والحسين عليهما السلام، وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه رجلان».

فقال أحدهما: يا أبا الحسن، لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافهما.

فقال عليه السلام:

«أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عزّ وجل، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام، وقال الصبيان: ونحن نصوم ثلاثة أيام وكذلك قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام».

فانطلق علي عليه السلام إلى جار له في اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف، فقال:

«هل لك أن تعطيني جزة صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير؟».

قال: نعم.

فأعطاه فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة عليها السلام، فقبلت وأطاعت، ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعا من الشعير، فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام

ص: 311

مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المغرب، ثم أتى منزله، فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام، إذا مسكين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فوضع اللقمة من يده، و (طلب من فاطمة عليها السلام أن تعطي طعامه إلى هذا المسكين)(1)، فأقبلت فاطمة عليها السلام وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا وأصبحوا لم يذوقوا إلا الماء القراح(2).

ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، صلى علي عليه السلام وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا بيتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب، فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة، فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده، ثم (طلب منها أن تعطيه طعامه) ثم عمدت فاطمة فأعطته جميع ما على الخوان وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح، وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف وطحنت الصاع الباقي وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام إذا بأسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب، فقال: السلام

ص: 312


1- ما بين المعقوفتين، غير تابع للنص أوردناه اختصارا للأشعار، ومن رغب في الاطلاع عليها فليراجع، الأمالي للصدوق: ص 329.
2- القراح، الخالص، أي: لم يفطروا على غير الماء.

عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا! فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده ثم قال: فاطمة يا بنت النبي أحمد (الخ الأبيات).

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول: لم يبق مما كان غير صاع (الخ قولها عليها السلام) وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه، وباتوا جياعا، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء. قال شعيب في حديثه:

(هَلْ أَتىٰ عَلَى اَلْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ).

وأقبل علي بالحسن والحسين عليهم السلام نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«يا أبا الحسن، شد ما يسوءني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة».

فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضمها إليه وقال:

«وا غوثاه بالله، أنتم منذ ثلاث فيما أرى!».

فهبط جبرائيل عليه السلام فقال:

«يا محمد، خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك».

قال:

«وما آخذ يا جبرائيل ؟».

قال عليه السلام:

(هَلْ أَتىٰ عَلَى اَلْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ)(1).

ص: 313


1- سورة الإنسان، الآية: 1.

حتى إذا بلغ.

(إِنَّ هٰذٰا كٰانَ لَكُمْ جَزٰاءً وَ كٰانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(1).

فوثب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخل منزل فاطمة عليها السلام فرأى ما بهم فجمعهم، ثم أنكب عليهم يبكي ويقول:

«أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم!».

فهبط جبرائيل عليه السلام بهذه الآيات:

(إِنَّ اَلْأَبْرٰارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كٰانَ مِزٰاجُهٰا كٰافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهٰا عِبٰادُ اَللّٰهِ يُفَجِّرُونَهٰا تَفْجِيراً)(2).

قال عليه السلام:

«وهي عين في دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين».

قال الله تبارك وتعالى:

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ).

يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجاريتهم فضة.

(وَ يَخٰافُونَ يَوْماً كٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً).

يقول: عابسا كلوحا.

(وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ ).

يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له.

(مِسْكِيناً).

ص: 314


1- سورة الإنسان، الآية 22.
2- سورة الإنسان، الآيتان: 5-6.

من مساكين المسلمين.

(وَ يَتِيماً).

من يتامى المسلمين.

(وَ أَسِيراً).

من أسارى المشركين ويقولون إذا أطعموهم:

(إِنَّمٰا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اَللّٰهِ لاٰ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزٰاءً وَ لاٰ شُكُوراً).

قال: والله ما قالوا هذا لهم، ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بأضمارهم، يقولون: لا نريد منكم جزاءً تكافئوننا به ولا شكورا تثنون علينا به، ولكنا إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه.

قال الله تعالى ذكره:

(فَوَقٰاهُمُ اَللّٰهُ شَرَّ ذٰلِكَ اَلْيَوْمِ وَ لَقّٰاهُمْ نَضْرَةً ).

في الوجوه.

(وَ سُرُوراً).

في القلوب.

(وَ جَزٰاهُمْ بِمٰا صَبَرُوا جَنَّةً ).

يسكنونها.

(وَ حَرِيراً).

يفترشونه ويلبسونه.

(مُتَّكِئِينَ فِيهٰا عَلَى اَلْأَرٰائِكِ ).

ص: 315

والأريكة السرير عليه الحجلة.

(لاٰ يَرَوْنَ فِيهٰا شَمْساً وَ لاٰ زَمْهَرِيراً).

قال ابن عباس: فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنة: يا رب إنك قلت في كتابك:

(لاٰ يَرَوْنَ فِيهٰا شَمْساً).

فيسر الله جل اسمه إليهم جبرائيل، فيقول: ليس هذه شمس، ولكن عليا وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، ونزلت:

(هَلْ أَتىٰ ).

فيهم إلى قوله تعالى:

(وَ كٰانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(1).

وصلى الله على رسوله محمد وآله الطاهرين(2).

والحديث نقلناه بتمامه لاشتماله على مسائل عديدة في التربية الأسرية، والتربية الاجتماعية، والأخلاقية سنعرض لها إن شاء الله تعالى.

ثانيا: مشاركة الأبوين في الاهتمام بالمريض وأثرها في التربية الأسرية

يرى بعض المختصين في التربية الأسرية: «أن الأطفال عندما يمرضون يصبح الاهتمام بهم أمرا متعبا جدا للأهل جسديا وعقليا وذلك بسبب الشعور بالقلق والتوتر إضافة إلى فقدان الرغبة بالنوم وضعف الشهية.

ص: 316


1- سورة الدهر، الآيات: 1-22.
2- أمالي الصدوق: ص 333.

لذلك من المهم أن يعتني الوالدان بأنفسهما أولا، وهذا يعني بأن يجبروا أنفسهما على تناول الطعام الغني بالفيتامينات، حتى يكونوا أقوياء عند العناية بالطفل، ويمكنهما التناول للعناية به حتى يحصل كل فرد منهما على الراحة والغذاء المناسبين).

ثم يقدم المصدر بعض النصائح للأم كونها المعني الأول بالعناية بالطفل المريض داخل الأسرة.

1 - لا تظهري خوفك، وطمئني الطفل وأخبريه بأن كل شيء على ما يرام، أما إذا كان الطفل يفهم أخبريه ما مرضه، وانصحيه تناول الدواء بانتظام ليشفى بسرعة لأن الطفل إذا رأى قلقك وخوفك حتى الأطفال الرضع يستطيعون الإحساس بخوفك فكيف يثق بك أو بنفسه أو بالدواء؟ إن حالتك النفسية ضرورية لأنها تعكس على نفسية الطفل لذلك أظهري دائما بمظهر المتفائل والمتبهج، لأن هذا يرفع معنويات الطفل.

2 - أسسي علاقة جيدة مع طبيبه، واختاري طبيبا تطمئنين له فالطبيب الجيد والمهني سيوفر لك الدعم أو يوجهك إلى مجموعة من الأهل مروا بمثل حالة طفلك ليوفروا لك الدعم والنصائح.

3 - دعي الجميع مما يرفع معنوياته ويمنحك ذلك بعض الوقت لترتاح ويخفف عنك بعض الأعباء النفسية والجسدية.

4 - لا تهملي احتياجات الأطفال الآخرين إذا كان لديك أطفال آخرون في البيت، بل حثيهم على العناية بشقيقهم المريض واشرحي لهم بأن هذه الحالة مؤقتة حتى يشفى وأنهم لاقوا نفس الاهتمام عندما مرضوا.

ص: 317

فقد يشعرون بالاستياء من شقيقهم المريض لأنه يستحوذ على اهتمام الجميع وقد يتصرفون بطريقة تزعج الطفل المريض مثل الابتعاد عنه مما يسبب التوتر والغضب للطفل المريض، يمكنك أيضا توجيههم فربما لا يعرفون كيف يعتنون به مثلا أطلبي من أحدهم أن يقرأ له قصة، أو يرسم له رسما جميلا، ولا تطلبي منهم الخروج والابتعاد عن الطفل إلا إذا كان المرض معديا.

5 - أتركي خطوط التواصل مفتوحة بينك وبين الشريك، فمن المهم أن تتناقشا ولكن بهدوء، لا تثيرا غضب بعضكما ولا تلوما بعضكما، فالمرض أصبح واقعا والمهم الخروج من الأزمة والوقاية منها في المستقبل، إن التوتر في العلاقة قد يسبب تراجعا في حالة الطفل الذي سيشعر بأنه السبب ومن ثم يزداد شعوره بالإحباط حتى الأطفال الرضع يشعرون بالتوتر بين أهلهم(1).

فهذه مجموعة من النصائح التي يراها بعض المختصين تنفع الأسرة في رعاية الطفل والعناية به وأثر ذلك في المستوى التربوي للأبناء.

في حين أننا وجدنا أن لعلي وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهما منهجا آخر في التعامل مع الطفل المريض والعناية به ليس فقط على المستوى الأسري وإنما على المستوى التربوي والنشأوي والاجتماعي والأخلاقي وهذا ما كشفته الرواية التي نصت على نزول سورة الإنسان فيهما وفي ولديهما الحسن والحسين عليهما السلام.

ففي المستوى التربوي والنشأوي للأسرة نجد أن عليّاً وفاطمة عليهما السلام اهتما اهتماما بالغا في العناية بولديهما المريضين، بل إننا وجدنا أن الجميع قد شاركوا في هذه العناية والرعاية، وأنهم قد تعايشوا الحالة بأجواء خاصة تغمرها

ص: 318


1- WWW.gulfson , WWW.balogh.com

المحبة والرأفة والتوجه إلى الله بالدعاء والتضرع ليمن على هذا المريض بالشفاء.

وهذه حالة قل نظيرها، بل لا نبالغ إن قلنا إنها حالة فريدة وقد شهد الوحي بها فكم من أسرة مؤمنة تسلك سبيل التضرع إلى الله في شفاء ولدها المريض، لكن أن تجتمع الأسرة بما فيها المريض على قصد واحد وهو التضرع إلى الله بالشفاء فهذه حالة خاصة جمعت في أهل هذا البيت النبوي لتنطلق منه إلى كل أسرة مؤمنة بالله واليوم الآخر، وهذا أولا.

ثانيا: ليس من المبهم على ذي الاختصاصات بالعلوم الاجتماعية والنفسية أثر العامل النفسي في المريض في سرعة امتثاله للشفاء أو تباطؤ ذلك، وقد يكون الأمر عكسيا فيؤدي العامل النفسي إلى انتكاسة صحّية طويلة الأمد.

ولذلك نجد أن المريض يضع في ذهنه بادئ بدء شخص الطبيب وأنه القادر على شفائه ولذا يبحث عن أي شيء يعزز له هذا الشعور كي يثبت الثقة في نفسه وأنه سيمثل للشفاء على يد هذا الطبيب، فنراه يسعى بكل جهد للبحث عن أشهر الأطباء وأحذقهم في التشخيص وقد يبذل الأموال الطائلة من أجل العلاج في أرقى وأشهر المشافي في هذا البلد أو ذاك.

في حين لو أننا استطعنا أن نثقّف المريض على حسن الظن بالله عزّ وجل وأنه هو الواهب للشفاء وأن هؤلاء الأطباء ومراكزهم الصحيحة ما هي إلا وسائل قد تنجح وقد تفشل ما لم يأذن الله عزّ وجل بالشفاء لما ساءت حالته النفسية ولما كان يبذل هذه الأموال وهو يعتقد أنه يشتري الشفاء من هذه المشفى أو تلك غافلا أن أرقى المشافي لا يمكن أن تمنعه من التعرض لأبسط الأمراض فكيف بعلاج العسير منها.

ص: 319

ولذلك: يبقى العامل النفسي مؤثرا في شفاء المريض وهذا العامل لا يمكن أن ينمو بدون أن يثقف المريض ويربى منذ الصفر على الثقة بالله وحسن الظن به والاعتقاد القوي بأنه الوحيد القادر على أن يهب لعباده الحياة والعافية.

ومن هنا: نجد أن الأجواء الإيمانية والروحانية التي عاشها الحسن والحسين عليهما السلام وهما يريان أبويهما قد نذرا لله تعالى أن يصوما ثلاثة أيام إن منّ عليهما بالشفاء قد انعكست على نفسيهما انعكاسا إيمانيا قويا ولذا نراهما عليهما السلام قد شاركا أبويهما في نية النذر لله على شفائهما فأي أجواء روحانية وتربوية تلك التي عاشها أهل هذا البيت النبوي عليهم السلام!

ثالثاً: أثر المشاركة الجماعية لأفراد الأسرة في التربية الاجتماعية

ومما أسست له الحادثة في المستوى الاجتماعي هو خلق روح المساهمة في بذل الخير والتواصل مع الناس وتلبية احتياجاتهم ولاسيما أولئك الذين كانت لهم احتياجات خاصة كالمساكين واليتامى والأسرى وكل هؤلاء يجمعهم عامل نفسي واجتماعي واحد وهو العوز والافتقار إلى الغير في تلبية أبسط احتياجاتهم الحياتية ألا وهي الطعام والكلمة الطيبة المعبرة عن الشعور بالغير وتحسس آلامه وأنه ينتمي إلى هذا المجتمع الإنساني، فلو فقدت هذه الجوانب الحسية من الإنسان لأصبح المجتمع أقرب ما يمكن أن يوصف أنه مجتمع الغاب.

ومن هنا يبرز الأثر الكبير والمتميز الذي أظهرته الحادثة في تنشئة الأبناء وتربيتهم على الشعور بالغير والمساهمة مع الوالدين في بذل الخير للمحتاجين الذين حددتهم الآية المباركة بثلاثة أصناف، وهم المسكين واليتيم والأسير، لاسيما وأن

ص: 320

هذه المشاركة والمساهمة في بذل الطعام لهم على الرغم من احتياجهم إليه يزرع في النفس شعور الإحساس بالآخر، إذ المريض يحرص بشكل كبير على رؤية الآخرين من حوله وأنهم يشاركونه همه ويحاولون أن يبدّدوا عنه آلامه وشعوره بالخوف والقلق.

هذه الأحاسيس إلى الغيرية تظهر لدى الإنسان في حالة المرض وتتطور كلما اشتدت حالة المريض، ولذا نجد أن هناك كما كبيرا من الأحاديث الشريفة تحث الإنسان المسلم على عيادة المريض لغرض خلق حالة فعالة من التواصل الاجتماعي والإنساني والمحافظ على الشعور بإنسانية الإنسان.

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وآله وسلم:

«من عاد مريضا ناداه مناد من السماء باسمه يا فلان طبت وطاب لك ممشاك بثواب من الجنة»(1).

وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:

«كان فيما ناجى به موسى ربه أن قال: يا رب ما بلغ من عيادة المريض من الأجر؟ فقال الله عز وجل أوكل به ملكا يعوده في قبره إلى محشره»(2).

فهذه الأحاديث وغيرها تكشف عن إحساس المريض بالاحتياج إلى غيره وأن عيادته تنمي عنده الإحساس بضرورة أن يسهم في تلبية احتياجات أخوانه فلقد

ص: 321


1- الكافي للشيخ الكليني، باب ثواب عيادة المريض: ج 3، ص 119.
2- من لا يحضره الفقيه للصدوق، باب غسل الميت: ج 1، ص 141؛ الدعوات للراوندي: ص 222؛ ثواب الأعمال للصدوق: ص 194.

عاش لحظة الشعور بالألم حينما كان مريضا وهو ينظر إلى أهله ويلتمس عطفهم وحنانهم وحضورهم عنده.

إذن: الحادثة تكشف عن استثمار هذه الحالات الوجدانية عند الإنسان المريض وتنميتها في التربية الاجتماعية لغرض التواصل والمساهمة في تلبية احتياجات ذوي الاحتياجات من أبناء المجتمع.

رابعا: استثمار حالة مرض الطفل في زرع الفضائل الأخلاقية في نفسه
اشارة

من المناهج التربوية التي أظهرتها الحادثة، منهج التربية الأخلاقية وزرع القيم الإنسانية والفضائل الأخلاقية عند الأبناء في حالة مرضهم وهذه في الواقع حالة خاصة لم يلتفت إليها ذوو الاختصاصات في العلوم النفسية والاجتماعية - بحسب ما توفر لدينا من مصادر -.

إذ الغالب عند جميع الأسر أن الطفل الذي يمرض تسوء أخلاقه وتكثر احتياجاته وقد يستغل البعض منهم عطف والديه فيتدلل عليهم، فضلاً عن تبذر بعض الأخلاق السيئة في نفس الطفل في هذه المدة من خلال إحساسه بأنه المفضل لدى والديه وأنه ينال منهم أكثر مما يناله أخوانه فيرى في نفسه الفوقية عليهم وقد يفتعل بعض المشاكل كي يحصل على المزيد من هذا العطف والرعاية.

فضلاً عن انعكاس ذلك سلبيا على بقية أفراد الأسرة.

أما إذا تماثل الطفل للشفاء وذهب المرض عنه فإنه سيلمس تغيرا ملحوظا في رعاية والديه له وقلة اهتمامهم به فيندفع إلى التمرض أو إيقاع نفسه بالمرض وإيقاعهما بالأذى كي يعيد تلك الأجواء التي عاشها مع والديه وتميزه عن أخوانه.

ص: 322

في حين أننا وجدنا في بيت علي وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهما، أن الحالة مغايرة تماما لهذه الحالات والأجواء فمن حيث المشاركة فنجد أن الجميع كان مهتما وعلى مستوى واحد حتى بالنسبة إلى الخادمة فضة رضي الله عنها.

وأما من حيث استثمار هذه الظروف التي يمر بها الطفل فقد قام الوالدان عليهما السلام بزرع الفضائل الأخلاقية التالية:

1 - الصبر.

2 - الإيثار.

3 - الجود.

4 - الوفاء.

5 - الإيمان بالغيب.

ألف: زرع فضيلة الصبر في نفس الطفل عند مرضه

مما لا شك فيه أن أول الفضائل الأخلاقية التي يحتاج إليها المريض هي الصبر، بل إنها أول الفضائل ظهورا وبما أن الطفل عادة لا صبر له على المرض لاختلافهما مع طبيعته ومع المرحلة العمرية التي يمر بها الإنسان، إذ يندفع الطفل إلى الحركة دون الالتفات إلى المحاذير والنواهي فإن الصبر هو أول المحاذير التي يواجهها الطفل وهي أول الفضائل التي ينبغي للوالدين أن يلتفتوا إليها ويسرعوا في زرعها في نفس ولدهما المريض.

إلا أن البعض لا يعي بشكل جيد كيفية زرع هذه الفضيلة الأخلاقية في حالات كهذه يمر بها أطفالهم فيطالبونهم بالمكوث في الفراش وتجرع مرورة الدواء

ص: 323

وألم وغز الأبر ويتناسون تعويد الطفل على اللجوء إلى الله تعالى والحديث عن صبر الأنبياء والأولياء وشدة ابتلائهم وما أعده الله تعالى للصابرين.

بل إن الوالدين ليغفلان عن نفسيهما فلا يظهران لأطفالهم هذه الفضيلة الأخلاقية فالآباء والأمهات هم مبتلون أيضا فالمريض ولدهما فإن كانا صبورين ومتوجهين إلى الله تعالى بالدعاء سينعكس ذلك على الأطفال دونما شك وسيزرعان هذه الفضيلة الأخلاقية في نفوس أطفالهم.

ومن هنا:

نجد أن الحسن والحسين عليهما السلام قد أظهرا من الصبر ما أظهره والديهما فقد شاركا في الصوم والصبر عليه وأسهما كذلك في الإنفاق والصبر مع والداهما على الجوع ثلاثة أيام متواصلة فكان صبرهما في هذه الأيام كصبر والديهما صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وتتميماً للبحث نذكر حديثين في فضيلة الصبر وعلاقته بالإيمان.

روى الصدوق رحمه الله عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام أنه قال:

«رأس طاعة الله الصبر والرضا»(1).

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:

«رأس الإيمان الصبر»(2).

ص: 324


1- فقه الرضا عليه السلام لعلي بن بابويه: ص 339.
2- عيون الحكم والمواعظ للواسطي: ص 263.
باء: زرع فضيلة الإيثار في نفس الطفل عند مرضه

قالوا في اللغة: آثره، أكرمه، وآثره عليه، وفي الشريك:

(لَقَدْ آثَرَكَ اَللّٰهُ عَلَيْنٰا)(1).

وآثرت فلانا على نفسي: من الإيثار.

وقال الأصمعي: آثرتك إيثارا، أي فضلتك(2).

من الفضائل الأخلاقية التي تظهر بشكل واضح أمام المريض هي الإيثار، إذ يلمس المريض إيثار والديه له على نفسيهما وتقديمه في أولويات اهتماماتهما وهو قد لا يلتفت إلى أنهما يتصرفان ضمن نطاق الفضيلة الأخلاقية.

إذ قد يتبادر إلى ذهن المريض أن هذا الذي يراه هو من وحي العاطفة الأبوية وأن لا علاقة للإيثار بالذي يفعلان في حين أن العاطفة لا علاقة لها بالإيثار إذ محرك العاطفة الأبوية هو الغريزة والفطرة التي فطر الله عليها الخلق سواء بسواء إلا أن المصاديق فيما بين المخلوقات تختلف فالحيوانات والطيور وغيرها ترعى أبناءها وبني جنسها من بواعث الغريزة الرحمانية التي فطر الله الخلق عليها كي تدوم الحياة على الأرض.

بينما الإيثار دافعه الفضيلة الأخلاقية التي منشأها العقل وحكمه بتكريم هذا أو تقديم ذاك أو تفضيل ذلك ولذلك: لا يتصرف الأبوان من وحي العاطفة الأبوية فقط وإنما من خلال تحليهما بالفضائل الأخلاقية فهناك بعض الآباء

ص: 325


1- سورة يوسف، الآية: 91.
2- لسان العرب، مادة (أثر): ج 4، ص 7.

والأمهات يقومون بتأدية واجباتهم اتجاه أبنائهم إلا أنهم لا يظهرون لهم العواطف كما أن هناك من يظهر العواطف الممزوجة بالإيثار وهو ما يغمر الابن بعناية فائقة يتعاظم معها الشكر لهما.

والمهم في الأمر: كيف يلتفت الآباء والأمهات إلى زرع الإيثار في حالات مرض أبنائهم، بمعنى أن يسهم الابن في الإحساس بوالديه وما يبذلان من مجهود عظيم في تفضيله وإكرامه على أنفسهما، وإنهما يؤثرانه فيبادر هو كذلك بتخفيف الخوف عنهما وأنه في حالة حسنة وأن يهم بقضاء حوائجه قدر المستطاع فلا يترك المرض يسيطر عليه.

وهذا كله ممكن الحصول فيما لو تحدث الوالدان عن تلك الأخلاق والفضائل مع أبنائهما وأن يدربا أخوان المريض على تنمية هذا الشعور وأنهم يؤثرون هذا الأخ المريض على أنفسهم.

وعند الرجوع إلى المنهج التربوي الأخلاقي لعلي وفاطمة صلوات الله عليهما في رعاية ولديها أثناء مرضهما نجد أن حالة الإيثار التي قام بها الأب، أي أمير المؤمنين عليه السلام لهذا المسكين الذي وقف عند الباب يسأل شيئا من الطعام وتقديم الإمام عليه السلام طعامه من الإفطار إليه وإيثاره لهذا المسكين وسلوك الزهراء عليها السلام هذا السلوك دفع بابنيهما عليهما السلام أن يحذوا حذو والديهما فيؤثران المسكين على أنفسهما.

ولو عمد الوالدان على زرع هذه القيم الأخلاقية واستخدما هذه المناهج التربوية داخل الأسرة لضمنّا خروج أبناء صالحين في المجتمع، لاسيما إذا قرنت هذه الأساليب التربوية بذكر بعض الأحاديث الكاشفة عن منزلة أثر هذه الفضائل على

ص: 326

النفس الإنسانية وقوة تأثيرها في إصلاح النفس.

ومن ذلك، الحديث الذي رواه الشيخ الكليني رحمه الله، عن جميل بن دراج، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الإيمان البر بالإخوان، والسعي في حوائجهم، وأن البار بالإخوان ليحبه الرحمن، وفي ذلك مرضمة للشيطان وتزحزع عن النيران ودخول الجنان، يا جميل أخبر بهذا غرر أصحابك».

قلت: جعلت فداك من غرر أصحابي ؟ قال عليه السلام:

«هم البارون بالإخوان في العسر واليسر».

ثم قال:

«يا جميل أما إن صاحب الكثير يهون عليه ذلك وقد مدح الله عز وجل في ذلك صاحب القليل»(1).

فقال في كتابه:

(وَ يُؤْثِرُونَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ )(2).

2 - وعن علي بن سويد السائي، عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: أوصني ؟ فقال عليه السلام:

«آمرك بتقوى الله».

ص: 327


1- الكافي للكليني: ج 4، ص 42، باب: معرفة الجود والسخاء، برقم 15.
2- سورة الحشر، الآية: 2.

ثم سكت، فشكوت إليه قلة ذات يدي وقلت: والله لقد عريت حتى بلغ من عريتي أن أبا فلان نزع ثوبين كانا عليه وكسانيهما. فقال عليه السلام:

«صم وتصدق».

قلت: أتصدق مما وصلني به أخواني، وإن كان قليلا؟ قال عليه السلام:

«تصدق بما رزقك الله ولو آثرك على نفسك»(1).

3 - عن أبي بصير، عن أحدهما، أي الباقر أو الصادق عليهما السلام، قال: قلت له: أي الصدقة أفضل ؟. قال عليه السلام:

«جهد المقل»(2).

أما سمعت قول الله عزّ وجل:

(وَ يُؤْثِرُونَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ ).

ترى ههنا فضلا(3).

جيم: زرع فضيلة الجود في نفس الطفل عند مرضه

الجود: (هو الإكثار من فعل الإحسان إلى الغير)(4) هذا المعنى البياني يتجلى بصورة واضحة في رعاية المريض من خلال السهر عليه والقيام بخدمته وتحمله والخوف عليه ومراقبة حالته والإنفاق عليه وغيرها من الأفعال الكثيرة التي تعد بمجموعها من الإحسان.

ص: 328


1- الكافي، باب الإيثار: ج 4، ص 18.
2- المقل، أي قدر ما يحتمله حال القليل المال؛ النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 1، ص 320.
3- الكافي، باب الإيثار: ج 4، ص 19.
4- وسائل المرتضى، للشريف المرتضى: ج 2، ص 267.

وحينما يلحظ الطفل هذه الأفعال التي يقوم بها الوالدان اتجاهه لاسيما الأم فإنها ستزرع في نفسه الجود فنراه يمارس هذا الفعل الحسن اتجاه الآخرين ولاسيما أخوانه الذين يحيطون به في بيت واحد.

أما في بيت علي وفاطمة عليهما السلام فقد ظهر مصداق الجود لدى الأبناء بشكل عملي وسريع وذلك حينما قدما طعام فطورهما لثلاثة أيام كما فعل والداهما (سلام الله عليهم أجمعين).

دال: زرع فضيلة الوفاء في نفس الطفل عند مرضه

تمتاز هذه الفضيلة الأخلاقية من بين الفضائل الأخرى التي تظهر أثناء مرض الطفل والتي يمكن للأبوين زرعها في نفسه لاسيما فضيلة الصبر والإيثار فهما غالباً ما يمكن ملاحظتهما والتركيز عليهما من خلال تعاملهما مع ولدهما المريض.

أما فضيلة الوفاء فيتعذر زرعها عند الطفل المريض وبخاصة حينما يكون وحيداً لوالديه أو أنه الطفل الأول.

إذ يمكن اعتماد الوالدين على تعليم الأبناء على الوفاء أثناء المرض وذلك من خلال التوجيه للأبناء حينما يمرض أحدهما فيقوم الآخرون برعايته ولذا يلزم الوفاء لمن قام منهم بالعناية لأخيه المريض أن يقوم بما قام به أخوه.

ولذلك: ينبغي الاهتمام بشكل كبير بالطفل الأول (وهو بكر الوالدين) وزرع هذه الفضائل الأخلاقية فيه كي يكون قدوة لأخوته في ذلك.

وترتكز عملية زرع الفضائل في الطفل الأول وتنشئته بعنوان القدوة لأخوته هو أن يبدأ الأبوان بأنفسهما ويلفتان انتباه ولدهما الأول إلى ذلك.

ص: 329

فهنا في بيت علي وفاطمة عليهما السلام كان الأبوان هما من ابتدأ بالوفاء لله تعالى بالنذر وبخاصة حينما يدرك الطفل أن هذا النذر إنما كان لأجله ولشفائه من مرضه فكيف لا يبدر كذلك هو بالقيام بهذه الفضيلة ولذلك نجد أن الحسن والحسين عليهما السلام قد صاما لله تعالى كما فعل والداهما وهما جميعاً حينما قدموا على هذا الصوم إنما كان وفاءً للنذر.

وعليه: من الضرورة بمكان أن يتبع الوالدان في الأسرة هذا النهج النبويّ الذي قام به أهل البيت عليهم السلام.

هاء: زرع فضيلة الإيمان بالغيب لدى الطفل حال مرضه

إن من أهم الفضائل التي تجد أرضاً خصبة لزرعها لدى الطفل في مرضه هي الإيمان بالغيب وذلك أن المريض يضع اهتمامه واعتقاده من النجاة مرتكزاً في ثلاثة أمور، وهي:

1 - والديه فهما أول من يستغيث بهما ويلتجئ إليهما في مرضه.

2 - الطبيب الذي سيعالجه.

3 - والدواء الذي تناوله.

وحينما يقدم له الأبوان هذه الأمور الثلاثة فإن تعلقه بهما سيكون كبيراً وسيرتكز في ذهنه إنهما هما اللذان يستطيعان نجاته وخلاصه من ألمه وتبديد خوفه.

في حين يغفل كثير من الآباء عن إسماع ولدهما المريض ما يرجعه إلى نواة فطرته ويلجئانه إلى الله تعالى والإيمان بالغيب وإنه سبحانه هو الوحيد الذي بيده الشفاء وهو الوحيد المعافي وليس هما ولا الطبيب ولا الدواء وهذه المسألة تحديداً

ص: 330

يبرز إيمان الوالدين وكيفية تعاملهما حسب هذه الثقافة.

فكيف إذا أضيف إلى هذا الشعور والدرس الإيماني ما أخبر به أهل البيت عليهم السلام من الالتجاء إلى الدعاء والاستشفاء بالقرآن والصدقة والنذر كما هو واضح في بيت علي وفاطمة عليهما السلام.

وكيف بآثار هذه الفضيلة (الإيمان بالغيب) على الأبناء حينما نتبع ما قام به الإمام علي وفاطمة عليهما السلام من النذر لله تعالى كي يتفضل عليهم بشفاء الحسن والحسين عليهما السلام فنقوم نحن كذلك باتباع هذا المنهج حينما يمرض أبناؤنا ونروي لهم هذه السيرة العطرة لآل البيت عليهم السلام.

وكيف لا يقوم الأبناء كذلك بالاقتداء بالحسن والحسين فيصومون كما صاما شكراً لله تعالى على شفائه عندما يمرض أحدهم.

من هنا: فإن هذه الفضيلة هي تحقق بقية الفضائل أي الصبر والإيثار والجود والوفاء وهو ما دلت عليه الآيات المباركة في سورة الدهر ففي صومهم نذراً لله تعالى. نحقق الصبر وهو حال الصائم، والإيثار والجود، وهو:

(وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ )(1).

والوفاء بالنذر الذي سنامه ومحركه الإيمان إذ لولا الإيمان بالغيب لما صام الإنسان ولو لم يلتزم بالوفاء لما نذر. ولذا: صرحت الآية بهذه الفضيلة:

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ)(2).

فهم الأوفياء المؤمنون بالغيب.

ص: 331


1- سورة الإنسان، الآية: 8.
2- سورة الإنسان، الآية: 7.

ص: 332

المحتويات

توطئة 5

الفصل الاول: اسرة فاطمة عليها السلام

المبحث الأول: مفهوم الأسرة وتعريفها 15

فالأسرة في اللغة 16

مفهوم الأسرة في القرآن والسنة النبوية 16

المسألة الأولى: الأسرة في المفهوم الشرعي 18

المسألة الثانية: الأسرة في الديانات الثلاث 18

المسألة الثالثة: الأسرة في مفهوم علم الاجتماع 19

المسألة الرابعة: الأسرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 20

المسألة الخامسة: مفهوم الأسرة في الاتحاد الدولي لمنظمات الأسرة ( U.I.O.F ) 21

المسألة السادسة: مفهوم الأسرة في الإسلام 22

ص: 333

المسألة السابعة: مفهوم الأسرة في البيت الفاطمي 23

المبحث الثاني: فاطمة الزوجة 25

المسألة الأولى: أنّ فاطمة زوجة لعلي في الدنيا والآخرة 27

أولا: لا يحرم الله المؤمن مما بذل له من نعم الدنيا في الآخرة 30

ثانياً 31

ثالثاً 31

رابعاً 32

المسألة الثانية: تقسيم مسؤوليات الحياة الزوجية بينهما عليهما السلام 33

أولا: كيف يتحقق التوافق الزواجي ؟ 36

ثانياً: منهاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحقق التوافق الزواجي 38

1 - قاعدة (التكافؤ) 38

2 - قاعدة (المودة والرحمة) 39

3 - قاعدة تقسيم مسؤوليات الحياة الزوجية بين علي وفاطمة عليهما السلام 39

ثالثاً: مسائل البحث في الروايات 41

1 - التقسيم السوي بين المسؤوليات الحياتية 41

2 - مراعاة الجانب الإنساني في التقسيم 42

3 - الحفاظ على المرأة وصيانتها 42

4 - مسؤوليات الحياة داخل الأسرة لا تقل عنها في الخارج 43

5 - الباعث في سرور فاطمة عليها السلام الحشمة وليس اللجوء للراحة من الخروج للسوق 44

رابعاً: إعانة الزوجة في المنزل منهج حضاري 45

1 - رعاية الإمام علي لفاطمة عليهما السلام وإيثارها على نفسه في تحمل عمل البيت 47

2 - تعظيم حق الأسرة وتهذيب النفس على خدمة العيال عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 50

ألف: مداومة الإمام علي عليه السلام على إعانة فاطمة عليها السلام في عمل

ص: 334

البيت لاسيما في إعداد الطعام 52

باء: حرص الشريعة المقدسة على حفظ الأسرة وصيانتها 53

جيم: اهتمام الشريعة بالتربية النفسية الأسرية من خلال تهذيب الأنا الذكورية 54

دال: ما هي الحكمة في ذكر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لهؤلاء الأنبياء الثلاثة (أيوب، ويعقوب، وعيسى عليهم السلام) وما علاقتهم بإعانة الرجل لامرأته 55

هاء: النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يخصص ساعة في اليوم لخدمة العيال 58

واو: التهذيب النفسي قبل التنفيذ العملي 58

زاي: خدمة الرجل لعياله كاشفة عن مستواه الخلقي ومنزلته الإيمانية 60

المسألة الثالثة: كشفها لهموم زوجها 61

المسألة الرابعة: الحالة الانفعالية والوجدانية للمرأة بين مقارنتها لمستواها ومستوى الزوج العلمي والاجتماعي وبين ضعف حاله المادي 66

مسائل البحث في الحديث 71

أولا: بحث تربوي: المعالجة التربوية للأسرة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 71

ثانيا: بحث سيكولوجي: بُعد الانفعالات والوجدانات عند المرأة 72

ثالثا: أثر المفاخرة بين الرجل والمرأة على الحياة الزوجية 76

رابعا: بالقياس إلى أي شيء تتصف المرأة بأنها أدنى ؟ 77

خامسا: سيكولوجية الحب والإتباع 82

أما أثر ذلك على الحياة الزوجية 85

المسألة الخامسة: خوفها على زوجها عند خروجه للقتال 86

الرواية الأولى: ذكر أصحاب السير 87

موضع البحث 89

أولاً: بعض المواقف المثيرة للقلق 90

ص: 335

ثانياً: كيف يمكن التغلب على القلق ؟ 91

أما الرواية الثانية 93

المسألة السادسة: إنها لا تسأل زوجها ولا تكلفه في شيء حتى فيما تحتاج إليه 94

أولاً: قانون العرض والطلب في علم النفس 95

ثانياً: قانون العرض والطلب في بيت فاطمة عليها السلام 97

ألف: أنوثة المرأة وعفوية الرجل في مدرسة بيت فاطمة عليها السلام 100

باء: ركائز قانون العرض والطلب في بيت فاطمة عليها السلام 101

ثالثا: السبب في بقائها ثلاثة أيام على يسير من طعام حتى نفد في اليوم الثالث 105

المسألة السابعة: تزيّنها لعلي عليه السلام 107

أولا: كل امرأة فيها جمال دفين فكيف تستطيع من لفت انتباه زوجها وشده إليها؟! 110

ثانياً: هل ترغب المرأة أن ترى زوجها متزيناً لها؟ وما أثر ذلك في العلاقة الزوجية ؟ 112

ثالثا: ما هي زينة فاطمة عليها السلام وكيف كانت تتزين ؟ 117

نقاط البحث في الحديث 121

الفصل الثاني: فاطمة عليها السلام الام

المبحث الأول: الأمومة 127

المسألة الأولى: الأمومة في المنظور السيكولوجي 128

المسألة الثانية: متى تبدأ المراحل الأولى للأمومة عند المرأة ؟ 132

ص: 336

المبحث الثاني: حملها بالإمام الحسن عليه السلام 136

المسألة الأولى: مرحلة الحمل 137

المسألة الثانية: الآثار النفسية والاجتماعية لحادثة الحمل 137

ألف: الآثار النفسية 137

باء: الآثار الاجتماعية 141

المسألة الثالثة: العلاقة بين نفسية الأم ونفسية الجنين 143

المسألة الرابعة: خصوصية الحمل الرسالي على المرأة نفسياً واجتماعياً وعقائديا 146

ألف: الغرض الإرشادي 146

باء: الاهتمام بالحامل قبل المحمول 147

المبحث الثالث: ولادة الإمام الحسن عليه السلام 153

المسألة الأولى: آثار مرحلة الولادة على المرأة 153

المسألة الثانية: الرواية الواردة في ولادة الإمام الحسن عليه السلام 159

المبحث الرابع: مرحلة ما بعد الولادة 161

المسألة الأولى: سلوك الأمومة وسلوك التعلق 161

المسألة الثانية: كيف يكون سلوك الأمومة وسلوك التعلق في مدرسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لدى الطفل 164

المبحث الخامس: الإرضاع 167

المسألة الأولى: من تولى إرضاع وليد فاطمة عليها السلام ؟ 168

المسألة الثانية: السلوك النفسي للمرأة عند إرضاعها وليدها 169

المرحلة الأولى: ما قبل الولادة 169

المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد الولادة 169

المرحلة الثالثة: مرحلة ترميم العلاقات بين الأم وما يحيط بها 171

ص: 337

المسألة الثالثة: دور الرضاعة في تحقيق الوحدة ما بين الأم ووليدها 172

المسألة الرابعة: الإرضاع وأثره في التكوين الخُلقي للإنسان 177

أولاً: الجانب الغذائي لحليب الأم في روايات أهل البيت عليهم السلام 178

ثانيا: الأثر التكويني للإرضاع في روايات أهل البيت عليهم السلام 179

المبحث السادس: مراسيم اليوم السابع للمولود 181

المسألة الأولى: استقبال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمولود فاطمة 182

المسألة الثانية: كيف جرت التسمية ؟ ومن الذي سماه ؟ جبرائيل عليه السلام أم والداه عليهما السلام 183

المسألة الثالثة: العقيقة وحلق شعر رأس المولود 186

المسألة الرابعة: تحنيك الغلام وختانه وثقب أذنه 191

ألف: التحنيك 191

باء: الختان 192

جيم: ثقب الأذن 192

المسألة الخامسة: حقيقة تظهرها ولادة الإمام الحسن هي ليس لفاطمة عليهما السلام نفاس ؟! 193

المبحث السابع: الحمل الثاني لفاطمة عليها السلام 198

المسألة الأولى: أمور خاصة رافقت الحمل الثاني لفاطمة عليها السلام 198

أولاً: حال الزهراء قبل ولادة الحسين عليه السلام ليس له مثيل في سجل الأمومة 198

ثانياً: حملته كرها ووضعته كرها 200

المسألة الثانية: ولادته عليه السلام 203

أولاً: رضاعته من إبهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم 205

ثانيا: تكريم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام والمسلمين

ص: 338

بولادة الحسن والحسين عليهما السلام 207

ألف: زيادة الصلاة الواجبة سبع ركعات 208

باء: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنّ نافلة المغرب شكرا لله على سلامة فاطمة عليها السلام 209

جيم: إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام بما يجري على الحسين عليه السلام بعد ولادته 209

الفصل الثالث: الطفولة فى بيت فاطمة عليها السلام

المبحث الأول: الطفولة ( Childhood ) 218

المسألة الأولى: الطفولة في القرآن الكريم 218

المسألة الثانية: الطفولة في الاصطلاح واللغة 219

المسألة الثالثة: الطفولة في علم النفس 220

المسألة الرابعة: والطفولة في علم نفس الطفل ( Childhood Psychology ) 221

المبحث الثاني: النمو اللغوي أو كيفية اكتساب اللغة لدى الطفل 226

المسألة الأولى: كيف يكتسب الطفل اللغة ؟ 227

ألف: النظرية الفطرية 227

باء: نظرية المحاكاة ( Imitation Theory ) 228

جيم: نظرية التحليل النفسي ( Psychoanalytic theory ) 229

دال: نظرية التعلم الشرطي ( Conditioned Learning Theory ) 229

المسألة الثانية: للنبي صلى الله عليه وآله وسلم طريقة في اكتساب اللغة لدى الطفل 231

ص: 339

أولاً: (و ما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحى يوحى) 232

ثانيا: فصارت سنّة 232

ثالثا: الحديث يدل على أن عمر الإمام الحسين عليه السلام كان بين السنة الثانية والثالثة 233

رابعاً: لماذا هذا التكرار من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكلمة ؟ وما أثره على الطفل ؟ وكيف يراها المتخصصون في العلوم الحديثة ؟ 233

خامساً: لماذا توقف تكرار الكلمة عند المرة السابعة ؟ وشرافة العدد (7) 235

المبحث الثالث: مرحلة المناغاة 237

المسألة الأولى: ما هي المناغاة ( Babbling ) ؟ 237

أولاً: أنواع المناغاة 239

ثانيا: مناغاة الزهراء للحسن والحسين عليهم السلام 239

المسألة الثانية: جبرائيل عليه السلام يناغي الحسين عليه السلام 240

المبحث الرابع: اللعب ودوره في نمو النواحي العقلية والمعرفية، والاجتماعية والحسية والجسمية 243

المسألة الأولى: النظريات التفسيرية للعب الأطفال 244

1. نظرية الطاقة الزائدة 244

2. النظرية الغريزية 245

3. نظرية التلخيص 245

4. نظرية تجديد النشاط باللعب وحصول السرور 245

المسألة الثانية: منهاج العترة النبوية في لعب الأطفال 247

أولاً: المرحلة العمرية وما يناسبها من احتياجات تربوية ومعرفية ونمو فكري وجسدي 247

ثانيا: دور اللعب في بناء النواحي الشخصية في منهج العترة النبوية 248

ص: 340

المسألة الثالثة: منهاج الإمام علي عليه السلام في النمو الخَلْقي والخُلُقي للإنسان حسب المرحلة العمرية 250

أولا: مرحلة الواقعية الأخلاقية ( Stage of Moral realism ) 251

ثانيا: مرحلة الأخلاقية المستقلة ( The Stage of Autonomous Motality ) 252

المبحث الخامس: المنهاج العملي لأهل البيت عليهم السلام في لعب الطفل 255

المسألة الأولى: ملاعبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولديه عليهما السلام داخل البيت 256

أولاً: تدريبهما على المشي 256

ثانيا: المشي وأثره في النمو الحركي والعقلي للطفل 257

المسألة الثانية: الألعاب الاجتماعية والذهنية والتفكير ( Social , Intellectual Games and Thinking ) 259

أولاً: اصطراع الحسن والحسين عليهما السلام 261

ثانيا: المطابقة بين مستوى الطفل النمائي الاجتماعي ومستوى الألعاب التي يلعبها 263

المسألة الثالثة: أهمية الوقت في اللعب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 264

نقاط البحث في الحديث 265

أولا: عامل الوقت المستخدم في اللعب ودوره في النمو 265

ثانيا: الحكمة في ظهور الكرامة لهما عليهما السلام أثناء اللعب 267

المبحث السادس: منهاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ملاعبة الحسن والحسين عليهما السلام خارج البيت 269

المسألة الأولى: فوائد المنهج الجديد في التربية والتنشئة الاجتماعية 270

نعم الجمل جملكما 271

المسألة الثانية: فوائد المنهج الجديد الذي اتبعه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 341

في التنشئة الاجتماعية 272

أولا: (مبحث سيكولوجي) حضور الأب في تربية الطفل وتطوير مهاراته وتنمية قدراته من خلال اللعب 272

ثانيا: اختيار لعب الأطفال 277

المسألة الثالثة: تأثير المنهج النبوي في التنشئة الاجتماعية في مجتمع المدينة 278

أولا: (بحث سيكولوجي) اللعب خارج المنزل 280

ثانيا: (بحث عقائدي) حسين مني وأنا من حسين 283

المبحث السابع: رعايتها لأبنائها 288

المسألة الأولى: تربيتهما على أم الفضائل وهو العدل 288

نقاط البحث في الحديث 290

أولاً: العدل منذ الصغر 290

ثانياً: العدالة أشرف الفضائل 290

ثالثاً: إن العترة عليهم السلام هم جميعا في مكان واحد في الجنة 292

المسألة الثانية: تعويذهما عليهما السلام بزغب جناح جبرائيل عليه السلام 296

مسائل البحث في الحديث: 300

أولاً: الحكمة في تخصيص قطيفة لجلوس جبرائيل عليه السلام عليها 300

ثانيا: الحكمة في جمع زغب جناح جبرائيل عليه السلام 302

المسألة الثالثة: استغاثة فاطمة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند مرض ولدها الحسين عليهما السلام 304

أولاً: الالتجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل صغيرة وكبيرة 305

ثانياً: مراتب التوحيد وأثرها في قضاء الحاجات 306

ثالثاً: الاستشفاء بكتاب الله تعالى 306

رابعاً: أثر سورة الحمد في الشفاء 309

المسألة الرابعة: نذرها عليها السلام لشفاء الحسن والحسين عليهما السلام 310

أولا: ما ورد في الأثر عن كيفية وقوع الحادثة 311

ص: 342

ثانيا: مشاركة الأبوين في الاهتمام بالمريض وأثرها في التربية الأسرية 316

ثالثاً: أثر المشاركة الجماعية لأفراد الأسرة في التربية الاجتماعية 320

رابعا: استثمار حالة مرض الطفل في زرع الفضائل الأخلاقية في نفسه 322

ألف: زرع فضيلة الصبر في نفس الطفل عند مرضه 323

باء: زرع فضيلة الإيثار في نفس الطفل عند مرضه 325

جيم: زرع فضيلة الجود في نفس الطفل عند مرضه 328

دال: زرع فضيلة الوفاء في نفس الطفل عند مرضه 329

هاء: زرع فضيلة الإيمان بالغيب لدى الطفل حال مرضه 330

ص: 343

المجلد 4

هوية الكتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2012-2802

الرقم الدولي ISBN : 9789933489489

الحسني، نبيل، 1965 - م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها: وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة وتحليل نبيل الحسني. ط 1 - كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434 ق. = 2013 م.

8 ج. - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100).

المصادر.

1. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - فضائل. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (س)، 11 ق. 5. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. إيذاء وتعقيب. 6. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله و سلامه عليها و هی قلبي و روحي التي بین جنبي

کاتب:نبیل حسنی

المنتج: العتبة الحسینیة المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة. شعبة الدراسات و البحوث الإسلامیة

عدد المجلدات :8 ج

لسان: العربي

الناشر:العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة - کربلای معلی عراق

سنة النشر: 1434 هجری قمری|2013 میلادی

قانون الكونجرس:/ح5ھ4 27/2 BP

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الفصل الاول: منزلة فاطمة

اشارة

ص: 5

ص: 6

توطئة

قبل المضي في مباحث هذا الجزء من كتاب (هذه فاطمة عليها السلام) الذي سنتناول فيه منزلتها (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) عند الله تعالى، وفي القرآن وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ثم نعرج على منزلتها في الآخرة، كيوم القيامة، وعند الصراط، وعند المحشر، وعند الميزان، وعند الملائكة، وفي الجنة، وغيرها مما سنتوقف عنده بإذن الله تعالى.

ولذا:

أحببت أن أنقل لدى القارئ الكريم في البدء معنى المنزلة لاسيما وأن مباحث هذا الجزء قد يغلب عليها السهم الأكبر من البحث، وأن هذه المنزلة متنوعة بتنوع المقام والمحل الذي كان لفاطمة عليها السلام كي يتضح لدى القارئ المعنى التام لهذه المباحث ويدرك دلالة هذه المنزلة التي أخبرت عنها الأحاديث الشريفة.

ص: 7

المبحث الأول: المنزلة بين المعنى والمصداق

المسألة الأولى: معنى المنزلة لغة

قال ابن منظور في بيان معنى الزلف: القربة والدرجة والمنزلة، قال تعالى:

(وَ مٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ لاٰ أَوْلاٰدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنٰا زُلْفىٰ إِلاّٰ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً فَأُولٰئِكَ لَهُمْ جَزٰاءُ اَلضِّعْفِ بِمٰا عَمِلُوا وَ هُمْ فِي اَلْغُرُفٰاتِ آمِنُونَ )(1).

والنزول: الحلول، والنُزُل: المنزل، قال تعالى:

(لٰكِنِ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنّٰاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ وَ مٰا عِنْدَ اَللّٰهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرٰارِ)(2).

قال الزجاج: نزلاً، مصدر مؤكد لقوله: (خٰالِدِينَ فِيهٰا) لأن خلودهم فيها إنزالهم فيها)(3).

ص: 8


1- سورة سبأ، الآية: 37.
2- سورة آل عمران، الآية: 198.
3- لسان العرب لابن منظور: ج 1، ص 658-659.

والتنزيل: الترتيب.

والنزيل: الضيف.

والمنزل والمنزلة: موضع النزول.

والمنزلة: الرتبة، واستنزل فلان: أي حط عن مرتبته، والمنزل: الدرجة، قال سيبويه وقالوا: هو مني منزلة الشغاف، أي: هو بتلك المنزلة.

إذن: تدل المنزلة على: الرتبة، الدرجة، الزلفى، القربى.

وبذلك يأخذ لفظ (المنزلة) معنا من خلال سياق الحديث وما يحيط بها من قرائن تبث مصداقها وانطباق معناها)(1).

المسألة الثانية: ظهور مصداق (المنزلة) في بعض الأحاديث الشريفة

إنّ ورود لفظ (المنزلة) في كثير من الأحاديث الشريفة يكشف عن مصداقها في ذهن القارئ واتضاح معناها بشكل جلي، ومن هذه الأحاديث نختار ما يلي:

1 - أخرج النسائي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:

«كانت لي منزلة من رسول الله لم تكن لأحد من الخلائق، فكنت آتيه كل سحر فأقول السلام عليك يا نبي الله فإن تنحنح انصرفت إلى أهلي وإلا دخلت عليه»(2).

ص: 9


1- لسان العرب لابن منظور: ج 11، ص 658-659.
2- سنن النسائي: ج 3، ص 12؛ خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي: ص 112؛ صحيح ابن خزيمة: ج 2، ص 54.

ويرشد الحديث إلى ما يلي:

أولاً: تدلّ لفظة المنزلة على الرتبة والزلفى التي لعلي عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحيث لم يبلغها أحد من المرسلين أو من الأنبياء أو الملائكة أو من المؤمنين، بقرينة قوله عليه السلام:

«لم تكن لأحد من الخلائق».

ثانياً: فضلاً عن ذلك؛ فإنّ هذا الحديث يكشف أيضاً عن منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ أن الدخول عليه لا يكون إلا من خلال الاستئذان سواء كان القادم إليه من الملائكة أو المرسلين أو الأنبياء؛ فمن أذن له دخل عليه ومن لم يأذن له لم يستطع الدخول.

ثالثاً: اختصاصه - أي الإمام علي (عليه السلام) - في وقت السحر وهو الوقت الذي يكون محاطاً بالخصوصية الشخصية هو في حد ذاته يدل على القرابة القريبة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك أن أوقات الزيارة في العادة لا تكون في هذا الوقت إلا للقريب من القلب والروح حتى يخلوا به لنفسه فيناجيه ويحادثه ويسره.

2 - روى الشيخ الكليني رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«إنّ في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده»(1).

والحديث يدل على أن لفظ (المنزلة) قد جاء هنا بمعنى الدرجة، أي: أن في الجنة درجة أو محلاً لا يبلغه عبد من عباد الله إلا بالابتلاء في جسده.

ص: 10


1- كتاب الكافي للكليني: ج 2، ص 255.

3 - روى الشيخ الحر العاملي رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«إنّه ليكون للعبد منزلة عند الله تعالى فما ينالها إلا بإحدى خصلتين إما بذهاب ماله أو ببلية بجسده»(1).

وهنا جاءت (المنزلة) بمعنى الرتبة والمكانة، وذلك من خلال دلالة الفعلين في الحديث الأول والثاني: ففي الحديث الأول جاء الفعل المضارع: يبلغ وهو يدل على الدرجة كقوله تعالى:

(وَ وَصَّيْنَا اَلْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قٰالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ اَلَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلىٰ وٰالِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صٰالِحاً تَرْضٰاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ )(2).

وفي الحديث الثاني جاء الإمام الصادق عليه السلام بفعل (ينال) وهو للدلالة على الرتبة كقوله تعالى:

(وَ إِذِ اِبْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قٰالَ إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ )(3).

وعليه:

سنجد أن منزلة فاطمة عليها السلام تأخذ معناها من خلال دلالات

ص: 11


1- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 3، ص 262.
2- سورة الأحقاف، الآية: 15.
3- سورة البقرة، الآية: 124.

الأحاديث ومجموعة القرائن الكاشفة عن مقام فاطمة وشأنيتها وقدرها وجاهها في المواضع التي تنص عليها الأحاديث، كما نص القرآن على شأنية مريم وبيان منزلتها فقال سبحانه وتعالى:

(إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مِنَ اَلْمُقَرَّبِينَ )(1).

وستوضح لنا الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ما لفاطمة من المكانة والمنزلة والقرب والزلفى والدرجة والرتبة عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 12


1- سورة آل عمران، الآية: 45.

المبحث الثاني: منزلة فاطمة عليها السلام عند الله تعالى

اشارة

لا شك أن جميع هذه المنازل التي سنعرض لها هي في النتيجة تصب في حوض واحد وهو الشريعة المقدسة إلا أن تعدد هذه المنازل والمقامات والعناوين إنما هو بيان عظمة هذه الشخصية وما أحيط بها من حرمة وقداسة ارتبطت ارتباطاً سنخياً بفاطمة صلوات الله عليها.

ونحن حينما نتتبع هذه المنازل والمقامات التي لفاطمة عليها السلام إنما نكون قد اتبعنا بذلك المنهج القرآني والنبوي إذ كان بالإمكان أن يكتفي القرآن ببيان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو عبد الله ورسوله، ولكن نجده عزّ شأنه يظهر لعباده كثير من المقامات والدرجات لحبيبة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وكل ذلك إنما لكي يدرك المسلم ما لهذه الشخصية من حرمة وقدسية وقرب ودرجة وزلفى ومكانة ومنزلة عند الله تعالى؛ ومما جاء في ذلك:

ص: 13

1 - (يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِنّٰا أَرْسَلْنٰاكَ شٰاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً (45) وَ دٰاعِياً إِلَى اَللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرٰاجاً مُنِيراً)(1).

2 - (وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ )(2).

3 - (وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )(3).

4 - (إِنَّ اَللّٰهَ وَ مَلاٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً)(4).

5 - (طه (1) مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ )(5).

6 - (تِلْكَ حُدُودُ اَللّٰهِ وَ مَنْ يُطِعِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا وَ ذٰلِكَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ )(6).

7 - (وَ مَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نٰاراً خٰالِداً فِيهٰا وَ لَهُ عَذٰابٌ مُهِينٌ )(7).

ص: 14


1- سورة الأحزاب، الآيتان: 45 و 46.
2- سورة الأنبياء، الآية: 107.
3- سورة الأنفال، الآية: 33.
4- سورة الأحزاب، الآية: 56.
5- سورة طه، الآيتان: 1 و 2.
6- سورة النساء، الآية: 13.
7- سورة النساء، الآية: 14.

8 - (إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً)(1).

9 - (وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ قٰالُوا حَسْبُنَا اَللّٰهُ سَيُؤْتِينَا اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنّٰا إِلَى اَللّٰهِ رٰاغِبُونَ )(2).

10 - (يَحْلِفُونَ بِاللّٰهِ مٰا قٰالُوا وَ لَقَدْ قٰالُوا كَلِمَةَ اَلْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاٰمِهِمْ وَ هَمُّوا بِمٰا لَمْ يَنٰالُوا وَ مٰا نَقَمُوا إِلاّٰ أَنْ أَغْنٰاهُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اَللّٰهُ عَذٰاباً أَلِيماً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مٰا لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لاٰ نَصِيرٍ)(3).

وغيرها من الآيات الكريمة التي تكشف عن منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الله تعالى؛ فضلاً عن البيان لتلك الشأنية والخصوصية والامتياز في مواضع كثيرة وعناوين عديدة كما ترشد إليه الآيات الكريمة.

ولذا:

هذه المباحث في هذا الجزء فستسير بهذا المنهج القرآني كي نضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الجهد لننال التوفيق في البلاغ عن آيات الله تعالى وإحياء أمر آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 15


1- سورة الأحزاب، الآية: 57.
2- سورة التوبة، الآية: 59.
3- سورة التوبة، الآية: 74.
المسألة الأولى: إن الله يغضب لغضب فاطمة عليها السلام
اشارة

المسألة الأولى: إن الله يغضب لغضب فاطمة عليها السلام(1)

إنّ من الأحاديث النبوية ما كان له خصوصية التفرد في الدلالة والمعنى فلا يقبل الظن أو الاحتمال وذلك لما يحمله المخصوص بهذا الحديث من شأنية تكشف عن الخطورة في التعامل مع هذا الشيء المعنى في الحديث، فضلاً عن بيان الحدود الدالة على الحرمة كي لا يقع الإنسان في الهاوية فيهلك.

وهذا المنهج النبوي في دلالة الحديث الشريف ينبثق من المنهج القرآني في التعامل مع الأشياء التي أراد لها الشارع المقدس من الحرمة والخصوصية الموجبة للحذر في التعامل معها.

ومن ثم يرسم القرآن الكريم والنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم جملة من الخطوط كي يسير عليها الإنسان فيحظى بالأمن والطمأنية في الحياة الدنيا وبالسعادة والرضوان في الآخرة.

والأمثلة لهذا النهج القرآني والنبوي كثيرة جداً؛ إلاّ أننا نكتف هنا بمثال واحد لبيان هذا النهج القرآني.

ص: 16


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 46؛ المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 325؛ الأمالي للمفيد: ص 94-95؛ صحيفة الرضا عليه السلام: ص 45؛ عوالي اللآلي: ج 4، ص 93؛ الإصابة لابن حجر: ج 4، ص 39، وج 8، ص 56-57، ط دار الجيل؛ المعجم الكبير: ج 2، ص 401، ح 1001؛ الثغور للسيوطي: ج 3، ح 42؛ الحاكم في المستدرك: ص 153-154؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 203؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج 7، ص 1224؛ أخبار الدول للقرماني: ج 1، ص 257؛ كنز العمال: ج 12، ص 208؛ اتحاف السائل للمناوي: ص 65؛ كشف الغمة: ج 1، ص 458؛ دلائل الإمامة: ص 52.

ففي خطورة التعامل مع الحكم الشرعي يعطي القرآن الكريم صورة فريدة في الدلالة والمعنى على حرمة الحكم الشرعي عند الله تعالى؛ بل خطورة التعامل مع كل ما ينسب إلى الله عزّ وجل، كقوله سبحانه:

(وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنٰا بَعْضَ اَلْأَقٰاوِيلِ (44) لَأَخَذْنٰا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (4(5)

ثُمَّ لَقَطَعْنٰا مِنْهُ اَلْوَتِينَ (46) فَمٰا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حٰاجِزِينَ )(1).

فهذه الآيات تنطلق في الخطاب مع الإنسان في بيانها لخطورة التعامل مع الحكم الشرعي فتضع جملة من المحاذير الكاشفة عن شأنية الحكم الشرعي عند الله سبحانه، لكنها قبل البدء في بيان شأنية الحكم الشرعي يبدأ القرآن بشأنية قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأن هذا القول هو:

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَ مٰا هُوَ بِقَوْلِ شٰاعِرٍ قَلِيلاً مٰا تُؤْمِنُونَ (41) وَ لاٰ بِقَوْلِ كٰاهِنٍ قَلِيلاً مٰا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ )(2).

وذلك كي يدرك السامع هذه القوانين التي ارتبطت بشأنية الحكم الشرعي وخطورة التعامل معه، بل تظهر خطورة التعامل مع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت كالآتي:

1 - يعرض القرآن من خلال هذا السياق القرآني أن هناك تلازماً لا ينفك بين قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبين الحكم الشرعي؛ بمعنى: كل ما يخرج من فم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو حكم شرعي.

ص: 17


1- سورة الحاقة، الآيات: 44 و 45 و 46 و 47.
2- سورة الحاقة، الآيات: 40 و 41 و 42 و 43.

2 - إنّ هذا القول الصادر من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو منزه من الشيطان ومن الجن ومن القوة الخيالية وخصوبتها التي يتمايز بها الشعراء، علماً أن العرب كانت تعتقد أن الشاعر حينما يكون مخضرماً فإن مقولته الشعرية مدعومة من الجن، وكلما كان الشاعر ملهماً كلما كان قرينه من الجن أقوى وعلاقتهما أمتن(1).

وفي ذلك يقول امرئ القيس:

تخيرني الجن من أشعارها *** فما شئت من شعرهن اصطفيت

ويقول حسان بن ثابت:

إذا ما ترعرع منا الغلام *** فما إن يقال له من هو

إذا لم يسد قبل شدّ الإزرار *** فذلك فينا الذي لاهوه

لي صاحب من بني الشيصبان *** فطوراً أقول وطورا هوه

والشيصبان هم الجن وإن أحدهم كان يتناوب القول ويساعد صاحبه حسان بن ثابت على الشعر حتى أصبح هذا المعتقد واقعة يؤمن بها شعراء العرب قبل الإسلام(2).

ومن هنا:

نجد أن القرآن الكريم أول ما يبتدأ بتنزيه قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من الشعر وذلك لما ارتسخ في ذهن العرب من أن الشعراء المجيدون

ص: 18


1- المعتقدات الشعبية في الموروث الشعري: ص 30.
2- الأساطير والمعتقدات العربية قبل الإسلام لميخائيل مسعود: ص 85؛ وللمزيد من الإطلاع أنظر: تكسير الأصنام بين تصريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعتيم البخاري للمؤلف: ص 67-68.

للشعر لهم اتصال مع الجن وهم الذين يلهمونهم قول الشعر، ثم ينعطف القرآن الكريم إلى نفي التكهن عن هذا القول وذلك لارتباط الجن بصورة مباشرة مع الكهنة، فضلاً عن إلتصاق الكذب بهم وتجذره في الكاهن.

ولذا:

ينفي القرآن عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكذب الذي مصدره التكهن سواء كان ذلك من اتصال الكاهن مع الجن أومن خلال التنجيم - وإن كان البعض ينفي أن يكون للتكهن علاقة مع التنجيم - وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«كذب المنجمون»(1).

أما الجنون فهو في الأصل يراد به المتكلم وأن المتكلم هم الجن؛ وذلك أن المجنون سمي بذلك لتسلط الجن عليه وتلبسها فيه، فيقال للرجل المسلوب العقل: مجنون نسبة للجن، وكذا يقال للمرآة: مجنونة.

وعليه:

يبدأ القرآن الكريم في منهجه الدلالي لشأنية الحكم الشرعي وخطورة التعامل معه في إثبات أن هذا القول الصادر من فم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو صادر من محل واحد وهو المشرع سبحانه ولأجل ذلك قرن طاعته سبحانه بطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأن معصية رسوله هي معصيته سبحانه وأن حبه عز وجل مقرون باتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 19


1- تفسير الرازي: ج 29، ص 199.

فقال عزّ وجل في بيانه لمحل صدور هذا القول النبوي بعد نفي هذه الشبهات العالقة في أذهان الناس وتحديد مصادر المتقولين بينهم، بأن هذا القول الصادر من فم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو:

(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ )(1).

والملاحظ أن القرآن لم يستخدم مفردة الوحي كما في سورة النجم حينما تحدث القرآن عن قول النبي من حيث التمييز بين الآيات القرآنية والأقوال النبوية، فهنا في سورة الحاقة نسب الباري عزّ وجل إليه القول الصادر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطلقاً، فيكون كل ما يقوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو:

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ )(2).

وقوله عزّ وجل:

(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ ).

وفي سورة النجم حصر الآيات الكريمة بقوله:

(وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ )(3).

على الرغم من شمول الوحي في الآيات الكريمة، ومن ثم تسير هذه الآيات جنبا إلى جنب في بيان خطورة الحكم الشرعي وخطورة التعرض لأقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حد سواء وإنهما من حيث الحرمة سواء.

ص: 20


1- سورة الحاقة، الآية: 43.
2- سورة الحاقة، الآية: 40.
3- سورة النجم، الآيتان: 3 و 4.

3 - ثم يقطع القرآن الطريق على الذين يحاولون التفريق بين قوله عزّ وجل وقول رسوله الكريم وذلك حينما ينفي عنه القرآن هذه المصادر التي كانت تقف وراء هذه الطبقة في المجتمع، وهم: الشعراء، والكهان، والجن؛ ثم يعطي كل المصادقية لهذا القول الذي هو (من رب العالمين) فيرقى به إلى المستوى الذي لا يمكن أن يكون هذا الرسول الكريم أن يتقول على الله تعالى وذلك لوجود (لو) التي تفيد الامتناع؛ أي: يكون معصوماً في القول والفعل لأن قوله وفعله وتقريره حجة؛ بمعنى: أنه حكم شرعي.

4 - ثم يقدم القرآن أعلى درجات التحذير لمن تسوول له نفسه بالتعرض للحكم الشرعي فيحرّم ما يحل الله، ويحل ما حرم الله، وذلك إن حرمة قول الله تعالى أعظم من حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الرغم من وجود كل تلك الشأنية والمنزلة التي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن هذه الشأنية والحصانة منتفية فيما لو تقول هذا الرسول الكريم وبتلك الصورة التي حددتها الآيات:

(لَأَخَذْنٰا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنٰا مِنْهُ اَلْوَتِينَ )(1).

5 - إن هذه الحرمة التي حازها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إنما كانت لتلازمه مع القول الإلهي المنزل عليه ومن ثم يكون التعرض لهذا (الرسول الكريم) تعرض لله تعالى وأن ما سيحل به من غضب الله تعالى ليفوق التصور فيما لو قورن مع ما نصت عليه الآيات الكريمة في الأخذ باليمين وقطع الوتين

ص: 21


1- سورة الحاقة، الآيتان: 45 و 46.

وهو الشريان الذي يزود الدماغ بالدم ويكون في الرقبة، فكيف ستكون عقوبة من لا شأنية له أو مكانة عند الله تعالى.

وهل:

تتحقق المكانة عند الله بغير التقوى، إن الله ليس له قرابة مع أحد من عباده، فتعالى الله عما يصفه المبطلون.

ولذلك كانت خاتمة الآيات بقوله سبحانه:

(وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ )(1).

من هنا:

حينما نأتي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيان منزلة فاطمة عليها السلام عند الله تعالى فيقول:

«إنّ الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها».

وفي لفظ آخر:

«إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك».

إنما لأجل إظهار التلازم بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة وإن رضاه سبحانه هو لرضى فاطمة عليها السلام.

وفي الواقع لو تتبعنا الأحاديث النبوية الشريفة لوجدنا أن هذا الحديث يمتاز في خصوصية الدلالة وانطباق المعنى وأنه ينبع من النهج القرآني في إظهار خطورة الحكم الشرعي والشأنية التي له عند الله تعالى.

ص: 22


1- سورة الحاقة، الآية: 48.

وذلك أن غضب الله تعالى مقرون ومتلازم بعدم طاعته في أحكامه، وأن رضاه سبحانه مقرون كذاك في الامتثال لأوامره ونهيه، وحيث أن فاطمة لها من الشأنية ما للحكم الشرعي اقتضى أن يكون للغضب والرضا الإلهي تلازما بغضب ورضى بضعة حبيب إله العالمين صلى الله عليه وآله وسلم.

ولأجل الوصول إلى خصوصية هذا التلازم بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة ومنشئ هذه العلاقة بين الغضبين وبين الرضائين ينبغي التوقف عند بعض المقدمات وهي كالآتي:

أولاً: إنّ غضب الخالق ليس كغضب المخلوق

إن من المسائل التي هي قطعية فلا تقبل الظن والاحتمال وهي: أن الله تعالى له صفات ذاتية لا يتصف بها عباده، وإن كانت هناك بعض الصفات والأسماء لله تعالى اتصف بها العباد، كالبصر، والسمع، والغضب، والرضا وغير ذلك.

إلاّ أن هذه الأسماء والصفات الإلهية تختلف اختلافاً كلياً مع المخلوق؛ وذلك لتنزهه سبحانه عن التشبه بخلقه وإن اتصاف المخلوق ببعض هذه الصفات إنما ليعي الإنسان معناها ودلالتها لا عين حركتها ومكونها.

فالسمع هو حركة اهتزاز غشاء رقيق مرتبط بعصب حي يقوم بنقل هذه الموجات الصوتية إلى الدماغ فيتم تحليلها بحسب المعطيات البنائية والنشئوية للإنسان فثبت عندها منذ الصغر أن هذا هو صوت أمه وهذا صوت أبيه، ثم أصوات الحروف والأشياء، وهكذا، فأصبح بواسطة هذه الأدوات المخلوقة سميعاً وكذا يكون بصيراً.

ص: 23

أما الخالق سبحانه فهو سميع بصير بغير أدوات ولا يحتاج إلى واسطة فسبحان من ليس كمثله شيء وهو على كل شيء قدير، لا تدركه العيون ولا تحيطه الظنون.

ولذلك: حينما نأتي إلى الغضب وننظر فيه نجد أن غضب الخالق عزّ شأنه غير غضب المخلوق، فالغضب لدى الإنسان هو: (كيفية نفسانية موجبة لحركة الروح من الداخل إلى الخارج للغلبة، ومبدؤه شهوة الانتقام، وهو من جانب الإفراط، وإذا اشتد يوجب حركة عنيفة، يمتلئ لأجلها الدماغ والأعصاب من الدخان المظلم، فيستر نور العقل ويضعف فعله، ولذا لا يؤثر في صاحبه الوعظ والنصيحة، بل تزيده الموعظة غلظة وشدة.

قال بعض علماء الأخلاق: (الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة، إلا أنها لا تطلع إلا على الأفئدة، وإنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، وتستخرجها حمية الدين من قلوب المؤمنين، أو حمية الجاهلية والكبر الدفين من قلوب الجبارين، التي لها عرق إلى الشيطان اللعين، حيث قال:

(خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )(1).

فمن شأن الطين السكون والوقار، ومن شأن النار التلظي والاستعار).

ثم قوة الغضب تتوجه عند ثورانها إما إلى دفع المؤذيات إن كان قبل وقوعها، أو إلى التشفي والانتقام إن كان بعد وقوعها، فشهوتها إلى أحد هذين الأمرين ولذتها فيه، ولا تسكن إلا به.

ص: 24


1- سورة الأعراف، الآية: 12.

فإن صدر الغضب على من يقدر أن ينتقم منه، واستشعر باقتداره على الانتقام، انبسط الدم من الباطن إلى الظاهر، واحمر اللون، وهو الغضب الحقيقي.

وإن صدر على من لا يتمكن أن ينتقم منه لكونه فوقه، واستشعر باليأس عن الانتقام، انقبض الدم من الظاهر إلى الباطن، وصار حزنا.

وإن صدر على من يشك في الانتقام منه انبسط الدم تارة أو انقبض أخرى، فيحمر ويصفر ويضطرب)(1).

لكن الغضب الإلهي لا يكون من كيفية نفسانية - والعياذ بالله - ولا يكون مبدؤه شهوة الانتقام كما للمخلوق، وإنما غضبه سبحانه: هو سخطه وعقابه، وفي ذلك يقول الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام وقد سأله عمرو بن عبيد قائلاً له: (جعلت فداك، قول الله تبارك وتعالى:

(كُلُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا رَزَقْنٰاكُمْ وَ لاٰ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوىٰ )(2).

ما ذلك الغضب ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام:

«هو العقاب؛ يا عمرو إنه من زعم أن الله قد زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق، وأن الله تعالى لا يستفزه شيء فيغيره»(3).

ص: 25


1- جامع السعادات للشيخ النراقي: ج 1، ص 255.
2- سورة طه، الآية: 81.
3- الكافي للكليني: ج 1، ص 110؛ التوحيد للصدوق: ص 168.

والحديث الشريف واضح المعنى بينُ الدلالة فلا يحتاج إلى توضيح، فالإنسان بطبيعته النفسانية يُستفز فيتغير ما له من السكون إلى الغضب، ومن الغضب إلى الفعل في الخارج، وغير ذلك مما يظهر على الإنسان في حالة الغضب وذهاب العقل وهذا كله مناط بالخلق؛ لكن الخالق عز اسمه منزّه عنه:

ف - (... سُبْحٰانَ اَللّٰهِ عَمّٰا يَصِفُونَ )(1).

ثانيا: إن منشئ غضب الله تعالى غير منشئ غضب الإنسان

كما ويستدل من حديث الإمام الصادق الذي مرّ ذكره، ومن الأحاديث الأخرى التي سنعرض لها: أن الله تعالى منزه عن الأسباب والدوافع التي تكون هي المنشئ وراء تكوّن الغضب لدى الإنسان، وذلك أن مبدأ الغضب شهوة الانتقام، عند وقوع الضرر على الإنسان فيندفع إلى التشفي من خصمه، وأما في حال عدم وقوع الضرر فإن النفس تندفع لكي تقي هذا الضرر.

لكن الله سبحانه ليس له كما للعباد من الشهوات، وإذا انتقم لم يكن ذاك إرضاءاً لشهوة الغضب، ولم يكن تشفياً لأنه غير عاجز عن أخذ ما يريد، ولا يفوته درك ما يشاء، كما لا يهدده أي خطر، ولا يخاف من محذور؛ بل الخلق هم منه حذرون، وإليه راغبون، ولرحمته ولطفه ملتمسون.

وقد أرشدتنا روايات أهل البيت عليهم السلام إلى ذلك وأظهرت لنا هذا المعنى، فقد روى الصدوق (رحمه الله) عن هشام بن الحكم: إن رجلاً سأل أباعبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى له رضا وسخط؟

ص: 26


1- سورة المؤمنون، الآية: 91.

فقال:

«نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك أن الرضا والغضب دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، معتمل، مركب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، واحد، أحدي الذات، واحدي المعنى، فرضاه ثوابه، وسخطه عقابه، من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإن ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز الذي لا حاجة به إلى شيء مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه، إنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً»(1).

ثالثاً: إنّ علامات غضب الله مغايرة لعلامات غضب الإنسان

كما تدلنا الروايات الشريفة لأهل البيت عليهم السلام أن علامات غضب الله تعالى على خلقه المعاندين والمنتهكين للحرمات والحدود هي مغايرة كلياً لعلامات غضب خلقه بعضهم على بعض.

وذلك أن الله تعالى إذا غضب على خلقه فسخط عليهم جعل فيهم بعض الأمور التي كشفتها رواية الإمام الصادق عليه السلام فقال:

«وعلامة غضب الله تبارك وتعالى على خلقه جور سلطانهم وغلاء أسعارهم».

وفي رواية ثانية قال عليه السلام:

«إذا غضب الله على أمة ولم ينزل بها العذاب غلت أسعارها، قصرت أعمارها، ولم تربح تجارتها، ولم تزك ثمارها، ولم تغزر أنهارها».

ص: 27


1- التوحيد للشيخ الصدوق: ص 168.

أما الإنسان فإن علامة غضبه تغير لون وجهه، وعدد دقات قلبه، وسرعة أنفاسه، ثم إقدامه على دفع الضرر بوسائل عديدة مستعيناً بها على تحقيق ذلك بقوته العضلية أو باستخدامه لسلاح معين أو بالصراخ وغير ذلك من الاحتياجات.

أما الخالق سبحانه فهو لا يتغير ولا يستعين بشيء:

(إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(1).

وأن علامات سخطه ما نصت عليه الرواية.

رابعاً: سر العلاقة بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة عليها السلام

لا شك أن هناك علاقة بين غضب الله تعالى وبين غضب فاطمة عليها السلام على الرغم من تلك المغايرة والاختلاف بين النشأة والأسباب والعلامات للغضبين والرضائين، فشتان بين الخالق عزّ شأنه وبين المخلوق.

كما لا شك أن هذا الحديث النبوي الشريف له دلالات كثيرة، فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى وقوله سبحانه:

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ )(2).

يدفع بالإنسان الى التفكر والتدبر في حديثه صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن ثم فإن هذا الحديث يخبر عن حقيقة شرعية، وسنة إلهية، وقد قال سبحانه وتعالى:

ص: 28


1- سورة يس، الآية: 82.
2- سورة الحاقة، الآية: 40.

(وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اَللّٰهِ تَبْدِيلاً)(1).

وقوله تعالى:

(وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اَللّٰهِ تَحْوِيلاً)(2).

أي أن من السنن الإلهية أن يرضى الله تعالى لرضا فاطمة، ويغضب لغضبها؛ ومن ثم أين تكمن العلاقة، وأين تكون المغايرة، وقد قرن الحديث النبوي بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة عليها السلام ؟

وجوابه فيما يلي:

1 - لابد أولاً من التفريق بين المغايرة التي يراد بها اتصاف الخالق بالمخلوق، وبين المغايرة التي يراد بها الشريعة، يعني: أننا حينما نريد أن نصف الغضب من حيث كونه غضباً فلابد أن نلتفت إلى أن هناك تغايرا في منشئ الغضب وظهوره وتحققه في الخارج، بحيث يلحق منشئ الغضب لدى الإنسان وظهوره وتحققه في الخارج بالخالق عزّ وجل وهذا لا يجوز شرعاً، فغضب الخالق مغاير بالكلية لغضب المخلوق.

أما أن يكون غضب الأنبياء والمرسلين الحادث لانتهاك الشريعة، وتعدي الحدود الإلهية، فهو في الواقع غضب الله تعالى وبه تنشئ العلاقة بين الغضبين والرضائين، لأن المحرك لهذا الغضب هو الحكم الشرعي.

إلاّ أن تبعات هذا الغضب والرضا بين الخالق سبحانه والمخلوق مختلفة؛

ص: 29


1- سورة الأحزاب، الآية: 62.
2- سورة فاطر، الآية: 43.

ومغايرة، وهي المغايرة الشرعية، بمعنى: أن تبعات غضب الخالق سبحانه: هو الدخول في النار، وتبعات رضاه، هو الدخول في الجنة، أما الأنبياء والمرسلون والأئمة فهم لا يملكون جنة ولا نار وإنما هم السبل المؤدية إلى الجنة والنار.

وهذا المعنى قد دلّ عليه الحديث الشريف للإمام الصادق عليه السلام في بيانه لقول الله تعالى:

(فَلَمّٰا آسَفُونٰا اِنْتَقَمْنٰا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنٰاهُمْ أَجْمَعِينَ )(1).

فقال:

(«إنّ الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون مدبرون، فجعل رضاهم لنفسه رضى، وسخطهم لنفسه سخطا، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك، وقد قال أيضا: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها، وقال أيضا:

(مَنْ يُطِعِ اَلرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اَللّٰهَ وَ مَنْ تَوَلّٰى فَمٰا أَرْسَلْنٰاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(2).

وقال أيضا:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اَللّٰهَ يَدُ اَللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اَللّٰهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(3).

ص: 30


1- سورة الزخرف، الآية: 55.
2- سورة النساء، الآية: 80.
3- سورة الفتح، الآية: 10.

وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك، هكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول: إن المكون يبيد يوما ما، لأنه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون، ولا القادر من المقدور، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا، هو الخالق للأشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه، فافهم ذلك إن شاء الله»)(1).

والحديث الشريف واضح الدلالة والمعنى في بيان العلاقة بين غضب الله تعالى وبين غضب أولياءه، وإن المناط في ذلك هو الحكم الشرعي فهؤلاء الأنبياء والمرسلين والأئمة غضبهم لله ورضاهم له ولذلك جعلهم لنفسه سبحانه.

2 - لا يكون الغضب من الله تعالى إلا بهتك الحرمات، وحرمات الله تعالى تحددها الشرائع السماوية بحسب الضرورة الشرعية والمصالح الدينية التي يحددها الله تعالى لكل نبي من الأنبياء وإن كانوا جميعاً قد بعثوا لمحاربة الوثنية والإشراك بالله تعالى وقاموا بالدعوة إلى التوحيد.

فكان انتهاك هذه الحرمات وتعدي حدود الله تعالى هي الموجبة للغضب الإلهي وبها ينزل العذاب على المقترفين لهذه الانتهاكات، وبصونها تنزل الرحمة وتفتح أبواب السماء وينال رضا الله تعالى.

ص: 31


1- كتاب التوحيد للشيخ الصدوق: ص 169.

ولقد تحدث القرآن الكريم عن هذه الحقيقة في مواضع كثيرة تظهر اختلاف هذه الحرمات من دين إلى دين آخر حتى إذا جئنا إلى الإسلام كانت الحرمات التي ذكرها القرآن خمسة، وهي:

(البيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمحرم حتى يحل)(1).

ثم كان التعظيم لهذه الحرمات فقال سبحانه:

(اَلشَّهْرُ اَلْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ اَلْحَرٰامِ وَ اَلْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ فَمَنِ اِعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ مَعَ اَلْمُتَّقِينَ )(2).

كي يبتلى المسلم في هذه الحرمات فيرى الله سبحانه كيف يعظمها عباده فيختبرهم ويمتحنهم بها كما امتحن الذين من قبلهم.

وهذه الحقيقة والحكمة في هذا الابتلاء بيّنها الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام حينما تحدث عن القرآن ومن تكلم فيه من الناس بدون علم ولا هدى فقال عليه السلام:

«إن ناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول:

(هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتٰابَ مِنْهُ آيٰاتٌ مُحْكَمٰاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتٰابِ وَ أُخَرُ مُتَشٰابِهٰاتٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ اِبْتِغٰاءَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِبْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللّٰهُ وَ اَلرّٰاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مٰا يَذَّكَّرُ

ص: 32


1- زبدة البيان للمحقق الأردبيلي: ص 229.
2- سورة البقرة، الآية: 194.

إِلاّٰ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ )(1).

فالمنسوخات من المتشابهات، والمحكمات من الناسخات إن الله عز وجل بعث نوحا إلى قومه:

(أَنِ اُعْبُدُوا اَللّٰهَ وَ اِتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ )(2).

ثم دعاهم إلى الله وحده وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم بعث الأنبياء عليهم السلام على ذلك إلى أن بلغوا محمدا صلى الله عليه وآله فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وقال:

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ اَلدِّينِ مٰا وَصّٰى بِهِ نُوحاً وَ اَلَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ وَ مٰا وَصَّيْنٰا بِهِ إِبْرٰاهِيمَ وَ مُوسىٰ وَ عِيسىٰ أَنْ أَقِيمُوا اَلدِّينَ وَ لاٰ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى اَلْمُشْرِكِينَ مٰا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اَللّٰهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ )(3).

فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء (به) من عند الله فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله الله الجنة بذلك، وذلك أن الله ليس بظلام للعبيد، وذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله عليه بها النار لمن عمل بها، فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين، جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة وقال الله لمحمد صلى الله عليه وآله: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده.

ص: 33


1- سورة آل عمران، الآية: 7.
2- سورة نوح، الآية: 3.
3- سورة الشورى، الآية: 13.

وأمر كل نبي بالأخذ بالسبيل والسنة وكان من السنة والسبيل التي أمر الله عز وجل بها موسى عليه السلام أن جعل الله عليهم السبت وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله، أدخله الله الجنة ومن استخف بحقه واستحل ما حرم الله عليه من عمل الذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله عز وجل النار وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت، غضب الله عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرحمن ولا شكوا في شيء مما جاء به موسى عليه السلام، قال الله عز وجل:

(وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ اَلَّذِينَ اِعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي اَلسَّبْتِ فَقُلْنٰا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ )(1).

ثم بعث الله عيسى عليه السلام بشهادة أن لا إله إلا الله والاقرار بما جاء به من عند الله وجعل لهم شرعة ومنهاجا فهدمت السبت الذي أمروا به أن يعظموه قبل ذلك وعامة ما كانوا عليه من السبيل والسنة التي جاء بها موسى فمن لم يتبع سبيل عيسى أدخله الله النار وإن كان الذي جاء به النبيون جميعا أن لا يشركوا بالله شيئا، ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وهو بمكة عشر سنين فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله إلا أدخله الله الجنة باقراره وهو إيمان التصديق ولم يعذب الله أحدا ممن مات وهو متبع لمحمد صلى الله عليه وآله على ذلك إلا من أشرك بالرحمن وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة:

ص: 34


1- سورة البقرة، الآية: 65.

(وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِيّٰاهُ وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً إِمّٰا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ اَلْكِبَرَ أَحَدُهُمٰا أَوْ كِلاٰهُمٰا فَلاٰ تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ وَ لاٰ تَنْهَرْهُمٰا وَ قُلْ لَهُمٰا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَ اِخْفِضْ لَهُمٰا جَنٰاحَ اَلذُّلِّ مِنَ اَلرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ اِرْحَمْهُمٰا كَمٰا رَبَّيٰانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمٰا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صٰالِحِينَ فَإِنَّهُ كٰانَ لِلْأَوّٰابِينَ غَفُوراً (25) وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ وَ اَلْمِسْكِينَ وَ اِبْنَ اَلسَّبِيلِ وَ لاٰ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ اَلْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ اَلشَّيٰاطِينِ وَ كٰانَ اَلشَّيْطٰانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَ إِمّٰا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ اِبْتِغٰاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهٰا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَ لاٰ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلىٰ عُنُقِكَ وَ لاٰ تَبْسُطْهٰا كُلَّ اَلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ اَلرِّزْقَ لِمَنْ يَشٰاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّهُ كٰانَ بِعِبٰادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)(1).

أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شيء مما نهى عنه وأنزل نهيا عن أشياء حذر عليها ولم يغلظ فيها ولم يتواعد عليها وقال:

(وَ لاٰ تَقْتُلُوا أَوْلاٰدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاٰقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيّٰاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كٰانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَ لاٰ تَقْرَبُوا اَلزِّنىٰ إِنَّهُ كٰانَ فٰاحِشَةً وَ سٰاءَ سَبِيلاً (32) وَ لاٰ تَقْتُلُوا اَلنَّفْسَ اَلَّتِي حَرَّمَ اَللّٰهُ إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلاٰ يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كٰانَ مَنْصُوراً (33) وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ اَلْيَتِيمِ إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ اَلْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلاً (34) وَ أَوْفُوا اَلْكَيْلَ إِذٰا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطٰاسِ اَلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ وَ اَلْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (3(6) وَ لاٰ

ص: 35


1- سورة الإسراء، الآيات: 23-30.

تَمْشِ فِي اَلْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ اَلْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ اَلْجِبٰالَ طُولاً (37) كُلُّ ذٰلِكَ كٰانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذٰلِكَ مِمّٰا أَوْحىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ اَلْحِكْمَةِ وَ لاٰ تَجْعَلْ مَعَ اَللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ فَتُلْقىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً)(1).

وأنزل في:

(وَ اَللَّيْلِ إِذٰا يَغْشىٰ (1) وَ اَلنَّهٰارِ إِذٰا تَجَلّٰى (2) وَ مٰا خَلَقَ اَلذَّكَرَ وَ اَلْأُنْثىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّٰى (4) فَأَمّٰا مَنْ أَعْطىٰ وَ اِتَّقىٰ (5) وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرىٰ (7) وَ أَمّٰا مَنْ بَخِلَ وَ اِسْتَغْنىٰ (8) وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرىٰ (10) وَ مٰا يُغْنِي عَنْهُ مٰالُهُ إِذٰا تَرَدّٰى (11) إِنَّ عَلَيْنٰا لَلْهُدىٰ (12) وَ إِنَّ لَنٰا لَلْآخِرَةَ وَ اَلْأُولىٰ (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نٰاراً تَلَظّٰى (14) لاٰ يَصْلاٰهٰا إِلاَّ اَلْأَشْقَى (15) اَلَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلّٰى)(2).

فهذا مشرك وأنزل في:

(إِذَا اَلسَّمٰاءُ اِنْشَقَّتْ (1) وَ أَذِنَتْ لِرَبِّهٰا وَ حُقَّتْ (2) وَ إِذَا اَلْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَ أَلْقَتْ مٰا فِيهٰا وَ تَخَلَّتْ (4) وَ أَذِنَتْ لِرَبِّهٰا وَ حُقَّتْ (5) يٰا أَيُّهَا اَلْإِنْسٰانُ إِنَّكَ كٰادِحٌ إِلىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاٰقِيهِ (6) فَأَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحٰاسَبُ حِسٰاباً يَسِيراً (8) وَ يَنْقَلِبُ إِلىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَ أَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ وَرٰاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) وَ يَصْلىٰ سَعِيراً (12) إِنَّهُ كٰانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلىٰ إِنَّ رَبَّهُ كٰانَ بِهِ بَصِيراً)(3).

ص: 36


1- سورة الإسراء، الآيات: 31-39
2- سورة الليل: الآيات: 1-16.
3- سورة الانشقاق، الآيات: 1-15.

فهذا مشرك وأنزل في (سورة) تبارك:

(تَكٰادُ تَمَيَّزُ مِنَ اَلْغَيْظِ كُلَّمٰا أُلْقِيَ فِيهٰا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهٰا أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قٰالُوا بَلىٰ قَدْ جٰاءَنٰا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنٰا وَ قُلْنٰا مٰا نَزَّلَ اَللّٰهُ مِنْ شَيْ ءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّٰ فِي ضَلاٰلٍ كَبِيرٍ)(1).

فهؤلاء مشركون وأنزل في الواقعة:

(وَ أَمّٰا إِنْ كٰانَ مِنَ اَلْمُكَذِّبِينَ اَلضّٰالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ )(2).

فهؤلاء مشركون وأنزل في الحاقة:

(وَ أَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِشِمٰالِهِ فَيَقُولُ يٰا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتٰابِيَهْ (25) وَ لَمْ أَدْرِ مٰا حِسٰابِيَهْ (26) يٰا لَيْتَهٰا كٰانَتِ اَلْقٰاضِيَةَ (27) مٰا أَغْنىٰ عَنِّي مٰالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطٰانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ اَلْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهٰا سَبْعُونَ ذِرٰاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كٰانَ لاٰ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ اَلْعَظِيمِ )(3).

فهذا مشرك، وأنزل في طسم:

(وَ بُرِّزَتِ اَلْجَحِيمُ لِلْغٰاوِينَ (91) وَ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اَللّٰهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهٰا هُمْ وَ اَلْغٰاوُونَ (94) وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ )(4).

جنود إبليس ذريته من الشياطين وقوله:

(وَ مٰا أَضَلَّنٰا إِلاَّ اَلْمُجْرِمُونَ )(5).

ص: 37


1- سورة الملك، الآيتان: 8 و 9.
2- سورة الواقعة، الآية: 92.
3- سورة الحاقة، الآية: 25-33.
4- سورة الشعراء، الآية: 91.
5- سورة الشعراء، الآية: 99.

يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتبعوهم على شركهم وهم قوم محمد صلى الله عليه وآله ليس فيهم من اليهود والنصارى أحد وتصديق ذلك قول الله عز وجل:

(وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عٰادٌ وَ ثَمُودُ)(1).

(كَذَّبَ أَصْحٰابُ اَلْأَيْكَةِ اَلْمُرْسَلِينَ )(2).

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ اَلْمُرْسَلِينَ )(3).

ليس فيهم اليهود الذين قالوا: عزير ابن الله، ولا النصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله.

(وَ قٰالَتِ اَلْيَهُودُ عُزَيْرٌ اِبْنُ اَللّٰهِ وَ قٰالَتِ اَلنَّصٰارىٰ اَلْمَسِيحُ اِبْنُ اَللّٰهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوٰاهِهِمْ يُضٰاهِؤُنَ قَوْلَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قٰاتَلَهُمُ اَللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ )(4).

سيدخل الله اليهود والنصارى النار ويدخل كل قوم بأعمالهم، وقولهم:

(وَ مٰا أَضَلَّنٰا إِلاَّ اَلْمُجْرِمُونَ )(5).

إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول الله عز وجل فيهم حين جمعهم إلى النار:

ص: 38


1- سورة الحج، الآية: 42.
2- سورة الشعراء، الآية: 176.
3- سورة الشعراء، الآية: 160.
4- سورة التوبة، الآية: 30.
5- سورة الشعراء، الآية: 99.

(قٰالَ اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ فِي اَلنّٰارِ كُلَّمٰا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهٰا حَتّٰى إِذَا اِدّٰارَكُوا فِيهٰا جَمِيعاً قٰالَتْ أُخْرٰاهُمْ لِأُولاٰهُمْ رَبَّنٰا هٰؤُلاٰءِ أَضَلُّونٰا فَآتِهِمْ عَذٰاباً ضِعْفاً مِنَ اَلنّٰارِ قٰالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَ لٰكِنْ لاٰ تَعْلَمُونَ )(1).

وقوله: (كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا).

وقال:

(اَلْمُنٰافِقُونَ وَ اَلْمُنٰافِقٰاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمَعْرُوفِ وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اَللّٰهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ ).

فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم وليس بأوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولات حين نجاة والآيات وأشباههن مما نزل به بمكة ولا يدخل الله النار إلا مشركا، فلما أذن الله لمحمد صلى الله عليه وآله في الخروج من مكة إلى المدينة بني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان وأنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض وأخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها وبها النار لمن عمل بها وأنزل في بيان القاتل:

(وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا وَ غَضِبَ اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذٰاباً عَظِيماً)(2).

ص: 39


1- سورة الأعراف، الآية: 38.
2- سورة النساء، الآية: 93.

ولا يلعن الله مؤمنا قال الله عز وجل:

(إِنَّ اَللّٰهَ لَعَنَ اَلْكٰافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خٰالِدِينَ فِيهٰا أَبَداً لاٰ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لاٰ نَصِيراً)(1).

وكيف يكون في المشيئة وقد ألحق به - حين جزاه جهنم - الغضب واللعنة وقد بين ذلك من الملعونون في كتابه وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما.

(إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ اَلْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(2).

"إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما وذلك أن آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه حتى يعرفه كل أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم وأنزل في الكيل:

(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ )(3).

ولم يجعل الويل لاحد حتى يسميه كافرا، قال الله عز وجل:

(فَاخْتَلَفَ اَلْأَحْزٰابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ )(4).

وأنزل في العهد:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اَللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولٰئِكَ لاٰ خَلاٰقَ لَهُمْ فِي

ص: 40


1- سورة الأحزاب، الآية: 64.
2- سورة النساء، الآية: 10.
3- سورة المطففين، الآية: 1.
4- سورة مريم، الآية: 37.

اَلْآخِرَةِ وَ لاٰ يُكَلِّمُهُمُ اَللّٰهُ وَ لاٰ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ وَ لاٰ يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ )(1).

والخلاق: النصيب، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شيء يدخل الجنة وأنزل بالمدينة:

(اَلزّٰانِي لاٰ يَنْكِحُ إِلاّٰ زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ اَلزّٰانِيَةُ لاٰ يَنْكِحُهٰا إِلاّٰ زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ )(2).

فلم يسم الله الزاني مؤمنا ولا الزانية مؤمنة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: - ليس يمتري فيه أهل العلم أنه قال -:

«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن فإنه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص». ونزل بالمدينة:

(وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَ لاٰ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ (3) إِلاَّ اَلَّذِينَ تٰابُوا مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اَللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(4).

فبرأه الله ما كان مقيما على الفرية من أن يسمى بالايمان، قال الله عز وجل:

(أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ )(4).

ص: 41


1- سورة آل عمران، الآية: 77.
2- سورة النور، الآية: 3.
3- سورة السجدة، الآية: 18.
4- سورة النور، الآية: 4.

وجعله الله منافقا، قال الله عز وجل:

(اَلْمُنٰافِقُونَ وَ اَلْمُنٰافِقٰاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمَعْرُوفِ وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اَللّٰهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ )(1).

وجعله عز وجل من أولياء إبليس، قال:

(وَ إِذْ قُلْنٰا لِلْمَلاٰئِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّٰ إِبْلِيسَ كٰانَ مِنَ اَلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّٰالِمِينَ بَدَلاً)(2).

وجعله ملعونا فقال:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ اَلْغٰافِلاٰتِ اَلْمُؤْمِنٰاتِ لُعِنُوا فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ )(3).

وليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب، فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عز وجل:

(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولٰئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتٰابَهُمْ وَ لاٰ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(4).

ص: 42


1- سورة التوبة، الآية: 67.
2- سورة الكهف، الآية: 50.
3- سورة النور، الآية: 23.
4- سورة الإسراء، الآية: 76.

أنزلت بعد سورة النساء وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة النساء:

(وَ اَللاّٰتِي يَأْتِينَ اَلْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي اَلْبُيُوتِ حَتّٰى يَتَوَفّٰاهُنَّ اَلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اَللّٰهُ لَهُنَّ سَبِيلاً)(1).

والسبيل الذي قال الله عز وجل:

(سُورَةٌ أَنْزَلْنٰاهٰا وَ فَرَضْنٰاهٰا وَ أَنْزَلْنٰا فِيهٰا آيٰاتٍ بَيِّنٰاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) اَلزّٰانِيَةُ وَ اَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اَللّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ )(2) (3).

وهنا نجد بوضوح كيف أن الله تعالى قد أجرى حكمته في ابتلاء الأمم السابقة في تعظيمها للحرمات التي حددها الله سبحانه كحرمة يوم السبت ثم نسخه لهذه الحرمة في أمة عيسى عليه السلام وكيف كان تدرج الأحكام في هذه الأمة وابتلاء المسلمين بها منذ أن بعث صلى الله عليه آله وسلم وحتى توفي وقد صدع بالنذارة وبلغ بالرسالة فكانت أعظم الحرمات التي ابتلي بها المسلمون هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعترته أهل بيته.

فكانت طاعته صلى الله عليه وآله وسلم طاعة الله التي ينال بها رضاه

ص: 43


1- سورة النساء، الآية: 15.
2- سورة النور، الآية: 1.
3- الكافي للكليني: ج 2، ص 28-33.

وجنته؛ ومعصيته صلى الله عليه وآله وسلم هي معصية الله تعالى التي ينزل بها سخط الله وتوجب الخلود في النار والعياذ بالله.

لأن العاصي لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكون قد هتك أعظم الحرمات وذلك لعظم حرمة الإسلام عند الله تعالى؛ وأن المطيع لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكون قد صان أعظما لحرمات عند الله تعالى.

وهي حقيقة نص عليها القرآن الكريم في مواضع كثيرة، منها:

1 - قال الله تبارك وتعالى:

(تِلْكَ حُدُودُ اَللّٰهِ وَ مَنْ يُطِعِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا وَ ذٰلِكَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ )(1).

2 - قال سبحانه وتعالى:

(وَ مَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نٰاراً خٰالِداً فِيهٰا وَ لَهُ عَذٰابٌ مُهِينٌ )(2).

3 - وقد جعل الله الهجرة إليه وإلى رسوله فقال سبحانه:

(وَ مَنْ يُهٰاجِرْ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ يَجِدْ فِي اَلْأَرْضِ مُرٰاغَماً كَثِيراً وَ سَعَةً وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهٰاجِراً إِلَى اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ اَلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اَللّٰهِ وَ كٰانَ اَللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً)(3).

ص: 44


1- سورة النساء، الآية: 13.
2- سورة النساء، الآية: 14.
3- سورة النساء، الآية: 100.

4 - وجعل سبحانه حرب رسوله هي حرب له عزّ شأنه فقال:

(إِنَّمٰا جَزٰاءُ اَلَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاٰفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اَلدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ )(1).

5 - وجعل شقاهما أمر واحد فقال سبحانه:

(ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشٰاقِقِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اَللّٰهَ شَدِيدُ اَلْعِقٰابِ )(2).

6 - وإن تحريم الرسول هو تحريم الله سبحانه فقال تعالى:

(قٰاتِلُوا اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لاٰ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ لاٰ يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ لاٰ يَدِينُونَ دِينَ اَلْحَقِّ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا اَلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ )(3).

7 - وإن الله جعل العطاء والخير والرزق وما يحتاجه العباد هو من الله ورسوله فقال سبحانه:

(وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ قٰالُوا حَسْبُنَا اَللّٰهُ سَيُؤْتِينَا اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنّٰا إِلَى اَللّٰهِ رٰاغِبُونَ )(4).

ص: 45


1- سورة المائدة، الآية: 33.
2- سورة الأنفال: الآية: 13.
3- سورة التوبة، الآية: 29.
4- سورة التوبة، الآية: 59.

8 - وقد جعل الله سبحانه الغنى منه ومن رسوله فقال:

(يَحْلِفُونَ بِاللّٰهِ مٰا قٰالُوا وَ لَقَدْ قٰالُوا كَلِمَةَ اَلْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاٰمِهِمْ وَ هَمُّوا بِمٰا لَمْ يَنٰالُوا وَ مٰا نَقَمُوا إِلاّٰ أَنْ أَغْنٰاهُمُ اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اَللّٰهُ عَذٰاباً أَلِيماً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مٰا لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لاٰ نَصِيرٍ)(1).

9 - وقال سبحانه في الذين يحاربون رسوله صلى الله عليه وآله وسلم:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُحَادُّونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِكَ فِي اَلْأَذَلِّينَ )(2).

10 - وقد سخط الله على أهل الكتاب فأخرجهم من ديارهم، وقذف في قلوبهم الرعب، وجعلهم يقدمون على تخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وأجلاهم من الأرض والسبب في ذلك أنهم شاقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال سبحانه:

(وَ لَوْ لاٰ أَنْ كَتَبَ اَللّٰهُ عَلَيْهِمُ اَلْجَلاٰءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابُ اَلنّٰارِ (3) ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشَاقِّ اَللّٰهَ فَإِنَّ اَللّٰهَ شَدِيدُ اَلْعِقٰابِ )(3).

وغيرها من الآيات الكريمة التي تظهر أن أعظم الحرمات عند الله تعالى هي حرمة رسوله الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن بطاعته يكون المسلم قد صان أعظم الحرمات، وأن بمعصيته صلى الله عليه وآله وسلم يكون العاصي قد

ص: 46


1- سورة التوبة، الآية: 74.
2- سورة المجادلة، الآية: 20.
3- سورة الحشر، الآيتان: 3 و 4.

هتك أعظم الحرمات.

قال تعالى:

(إِلاّٰ بَلاٰغاً مِنَ اَللّٰهِ وَ رِسٰالاٰتِهِ وَ مَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نٰارَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا أَبَداً)(1).

والآية لا تنطق بعقوبة الإشراك بالله تعالى ولم تتحدث عن الصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد وغيرها من الفروع وإنما مطلق المعصية لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تدخل العاصي النار وتقضي عليه بالخلود فيها.

فكيف بمن آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماذا سيكون مصيره في الدنيا والآخرة.

قال تعالى:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً)(2).

وأي أذى أكبر من أن تقتل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيها يقول النبي:

«فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني»(3).

ص: 47


1- سورة الجن، الآية: 23.
2- سورة الأحزاب، الآية: 57.
3- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين: ج 3، ص 219؛ صحيح مسلم، باب: فضائل فاطمة عليها السلام: ج 7، ص 141.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها»(1).

وعليه:

قد لا يبقى مجال لدى البعض في نكران أن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة عليها السلام بعد أن ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي يغضب لغضبها ويتأذى لأذاها، والسؤال المطروح هل أن الله تعالى سيجعل انفكاكاً وتجزءاً بين رضا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ورضا بضعته فاطمة عليها السلام بعد كل هذا البيان الذي نزل به الوحي في محكم الكتاب في إظهار حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبيان هذا التلازم بين طاعة الله ومعصيته وحربه، وشقاقه، وحداده، وأذاه، ورضاه، وبين رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي لا ينفك ولا يتجزأ عن رضا بضعته وقلبه وروحه التي بين جنبيه فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها؟

إذن:

العلة في أن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها، ويتألم لألمها، ويتأذى لآذاها، ويفرح لفرحها، وغير ذلك مما يحيط بها صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.

ص: 48


1- صحيح البخاري، باب: النكاح: ج 6، ص 158؛ صحيح مسلم، باب: فضائل فاطمة عليها السلام: ج 7، ص 141.

ولكن لماذا هذه الخصوصية التي لفاطمة عند سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ؟

وجوابه سيمر ببيان أوضح في مبحث خصص لمعرفة منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أننا هنا نجيب بما سيأتي في المقدمة الخامسة.

خامساً: كل ما يلحق من المكونات الكمالية في الصفات النبوية يلحق بالبضعة الفاطمية

بعد أن قادنا المنهج القرآني في إظهار مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودلالة حرمته المرتكزة في طاعته ومعصيته وسنخية هذه الحرمة من حرمة الحكم الشرعي، فثبت لدينا أن العلاقة بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة، ورضاه سبحانه ورضا فاطمة، هي علاقة تلازمية مع رسوله الأعظم أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن هذه العلاقة تدور حول نواة حرمة الحكم الشرعي الذي حده الله تعالى وسنه لعباده فكانوا محلاً للاختبار والابتلاء والطاعة والمعصية ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من يحيى عن بينة وهو العزيز الحكيم.

فإن هذا المنهج ليقودنا أيضاً إلى أن الله تعالى حكيم حليم عادل عزيز مقتدر لطيف بعباده وهو أقرب إليهم من حبل الوريد؛ ومن ثم ليس لأحد مع الله قرابة ولم يكن ليهب الكرامات جزافاً، وإنما يتفاضل الخلق في العبادة الحقة الخالصة لوجهه الكريم. قال تعالى:

(وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اَللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُوا اَلزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ اَلْقَيِّمَةِ )(1).

ص: 49


1- سورة البينة، الآية: 5.

ومن ثم كان الاصطفاء والاجتباء والمنزلة والقرب منه جلت قدرته على العلم منه بحقائق خلقه وصدقهم وخلوصهم له؛ ولذا اصطفى منهم لنفسه أنبياء ومرسلين وأئمة، قال تعالى:

(إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ )(1).

وقال سبحانه:

(وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا وَ أَوْحَيْنٰا إِلَيْهِمْ فِعْلَ اَلْخَيْرٰاتِ وَ إِقٰامَ اَلصَّلاٰةِ وَ إِيتٰاءَ اَلزَّكٰاةِ وَ كٰانُوا لَنٰا عٰابِدِينَ )(2).

من هنا:

كان الاصطفاء سنة إلهية قدرها الله سبحانه علماً منه بما يصلح عباده وينجيهم من عدوهم إبليس قال تعالى:

(أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰا بَنِي آدَمَ أَنْ لاٰ تَعْبُدُوا اَلشَّيْطٰانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَ أَنِ اُعْبُدُونِي هٰذٰا صِرٰاطٌ مُسْتَقِيمٌ )(3).

وأنى للإنسان أن يعبد الله ويتبع الصراط المستقيم بدون الدليل والقائد الذي يأخذ بهذا الخلق إلى خالقه وبارئهم وربهم الذي ما خلقهم لكي يعذبهم وإنما للرحمة خلقوا؛ ولذا أرسل إليهم أنبياءاً ورسلاً تحننا منه ورحمة فله الحمد وله المنّة فكان حبيبه المصطفى رحمته العظمى للعالمين فقال عزّ وجل:

ص: 50


1- سورة آل عمران، الآية: 33.
2- سورة الأنبياء، الآية: 73.
3- سورة يس، الآيتان: 60 و 61.

(وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ )(1).

ولأنه الرحمة للعالمين عظمة حرمته وتعاظمت منزلته عند الله تعالى.

وكذا كانت عترته وأهل بيته سفينة النجاة، وباب حطة، وصراط الله المستقيم؛ بمعنى لم تكن فاطمة عليها السلام لها قرابة مع الله تعالى فحينما تغضب يغضب الله لغضبها، وحينما ترضى يرضى الله لرضاها؛ وإنما أحرزت فاطمة بفضل الله تعالى وسابق لطفه بها كل المكونات الكمالية في الصفات النبوية فكانت بضعة منه وقلبه وروحه.

ومن ثم: كان غضبها كغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضاها كرضاه، بمعنى أن غضبها لم يكن إلا للحكم الشرعي وإن رضاها لم يكن إلا للحكم الشرعي، فإن غضبت فما ذاك إلا لتعدي حدود الله تعالى وإن رضيت فلم يكن إلا بحفظ حدود الله تعالى.

فما خصت به من الغضب والرضا خص به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهل هناك مسلم يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغضب لغير الله ويرضى لغير الله تعالى، فإن قال: نعم؛ فقد نسب المعصية لسيد الخلق - والعياذ بالله - وإن قال: لا، فلماذا ينكر أن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.

ولكن ثمة سؤال آخر: لماذا الغضب والرضا دون غيرهما من الصفات ؟

جوابه سيأتي لاحقاً.

ص: 51


1- سورة الأنبياء، الآية: 107.
سادساً: لماذا الغضب والرضا دون غيرهما من الصفات الإلهية قد اقترن بفاطمة عليها السلام
اشارة

لاشك أن الصفات الأفعالية كثيرة لكن السؤال الذي يستوقف الباحث، لماذا: الغضب والرضا ولم يكن الرحمة أو العذاب، أو اللطف والنقمة.

لماذا لم ترد نصوص نبوية تتحدث عن بعض الصفات الأفعالية التي لها ظهور في الخارج ؟

وجوابه من مقدمات، وهي كالآتي:

ألف: ارتباط الغضب والرضا بالقلب

إنّ من الصفات الأخلاقية ما كان منشئه القلب أو ارتباطه وعلاقته بالقلب كالإيمان والكفر والبغض والحب، والرضا والغضب وغيرها من الصفات الأخلاقية التي تناولها العلماء في مصنفاتهم وتتبعوا مناشئها وقواها النفسانية.

وحينما نأتي إلى الغضب والرضا نجد علماء الأخلاق يرجعونها من حيث المنشئ إلى القلب وإن لها معه ارتباطاً مباشراً، إلى المستوى الذي وصفوا فيه الغضب وعلاقته بالقلب بقولهم: (الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة؛ إلا أنها لا تطلع إلا على الأفئدة، وأنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، وتستخرجها حمية الدين من قلوب المؤمنين، أو حمية الجاهلية والكبر الدفين من قلوب الجبارين، التي لها عرق إلى الشيطان اللعين حيث قال:

(قٰالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )(1).

ص: 52


1- سورة ص، الآية: 76.

فمن شأن الطين السكون والوقار، ومن شأن النار التلظي والاستعار)(1).

ولما كان الغضب بهذه الرتبة والأثر والعلاقة مع القلب الذي هو محل النظر وصمام الأمان في التحكم مع الناس أصبح الاحتياج إلى ضبط المشاعر وتقديم الحقوق ومحاربة النفس هي من أهم السمات التي يتمايز بها المؤمن من الكافر، وبها يتضح معنى أن يكون غضب الأنبياء والمرسلين ورضاهم لله تعالى، بل يتضح معنى أن يكون هؤلاء مما حفت بهم يد الرحمة الإلهية فكانوا الأدلاء على الله والدعاة إليه.

بمعنى آخر: كم يكون هؤلاء على مستوى من الضبط والقوام والمجاهدة حتى استحقوا أن يكونوا لله تعالى فإن غضبوا غضب الله لغضبهم، بل هم لا يغضبون إلا إليه ولا يرضون إلا لأجله فقلوبهم سليمة من الشوائب ونقية من الظلمات، ولذا امتدح الله هذه القلوب حينما امتدح قلب إبراهيم الخليل عليه السلام فقال عزّ وجلّ :

(إِذْ جٰاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )(2).

من هنا: حينما ينص الحديث النبوي الشريف على إظهار العلاقة بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة، ورضاه برضا فاطمة، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«يغضبني ما يغضبها».

ليدل على الرتبة التي بلغ إليه قلب فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

ص: 53


1- جامع السعادات للمحقق النراقي: ج 1، ص 224؛ وقد مر سابقاً الاستشهاد بهذا التعريف وذكرناه هنا لضرورة البحث.
2- سورة الصافات، الآية: 84.
باء: قوام الغضب والرضا بالعدل

ولأن الرضا والغضب يصاحب الإنسان في جميع أفعاله وأقواله ومعاملاته لزم أن يكون ضبطهما وإرجاعهما إلى الوسط كي يعتدل من أعسر المجاهدات وذلك لأنهما أول مظاهر النفس الإنسانية ظهوراً للعلن، فكم من رضا أفسد صاحبه وكم من غضب أهلك صاحبه وأهله وعشيرته وقومه، ولعل التاريخ لغني بهذه الشواهد.

ولذا:

كان قوام الرضا والغضب بالعدل؛ وذلك أن (العدالة أشرف الفضائل وأفضلها فهي كل الفضائل أو ما يلزمها، كما أن الجور كل الرذائل أو ما يوجبها، لأنها هيئة نفسانية يقتدر بها على تعديل جميع الصفات والأفعال، ورد الزائد والناقص إلى الوسط، وانكسار سورة التخالف بين القوى المتعادية بحيث يمتزج الكل ويتحقق بينها مناسبة واتحاد تحدث في النفس فضيلة واحدة تقتضي حصول فعل متوسط بين أفعالها المتخالفة، وذلك كما تحصل من حصول الامتزاج والوحدة بين الأشياء المتخالفة صورة وحدانية يصدر عنها فعل متوسط بين أفعالها المتخالفة فجميع الفضائل مترتبة على العدالة.

ولذا قال أفلاطون: العدالة إذا حصلت للإنسان أشرق بها كل واحد من أجزاء نفسه، ويستضيء بعضها من بعض، فتنتهض النفس حينئذ لفعلها الخاص على أفضل ما يكون، فيحصل لها غاية القرب إلى مبدعها سبحانه)(1).

ص: 54


1- جامع السعادات للنراقي: ج 1، ص 68-70.

(وإذا عرفت شرف العدالة وإيجابها للعمل بالمساواة، ورد كل ناقص وزائد إلى الوسط، فاعلم: أنها إما متعلقة بالأخلاق والأفعال، أو بالكرامات وقسمة الأموال، أو بالمعاملات والمعارضات، أو بالأحكام والسياسات والعادل في كل واحد من هذه الأمور ما يحدث التساوي فيه برد الإفراط والتفريط إلى الوسط، ولا ريب أنه مشروط بالعلم بطبيعة الوسط، حتى يمكن رد الطرفين إليه، وهذا العلم في غاية الصعوبة، ولا يتيسر إلا بالرجوع إلى ميزان معرف للأوساط في جميع الأشياء، وما هو إلا ميزان الشريعة الإلهية الصادرة عن منبع الوحدة الحقة الحقيقية، فإنها هي المعرفة للأوساط في جميع الأشياء على ما ينبغي والمتضمنة لبيان تفاصيل جميع مراتب الحكمة العملية فالعادل بالحقيقة يجب أن يكون حكيماً عالماً بالنواميس الإلهية الصادرة من عند الله سبحانه لحفظ المساواة)(1).

ومن هنا: تتضح لنا دلالة: إن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها عليها السلام في كونها قد بلغت رتبة المعرفة بالنواميس الإلهية الصادرة من عند الله تعالى؛ ولذا لا يخرجها غضبها أو رضاها عن العدالة في الأخلاق والأفعال، أو الكرامات وقسمة الأموال، أو بالمعاملات والمعارضات، أو بالأحكام والسياسات، فهي في كل ذلك عادلة موافق رضاها وغضبها لغضب الله تعالى ورضاه.

ويراد بذلك العصمة، وفيها تكون حرمة الحكم الشرعي، وفيها تكون حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحرمة الإسلام فكل ذلك رضا الله تعالى وغضبه، وهو متلازم مع رضا فاطمة وغضبها.

ص: 55


1- جامع السعادات للنراقي: ج 1، ص 70.
المسألة الثانية: تحية الله تعالى إليها

إنّ من الأحاديث الشريفة الواردة في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما رواه الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده إلى ابن عباس قال: (كنت جالساً بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذات يوم وبين يديه علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إذ هبط عليه جبرئيل وبيده تفاحة فحيا بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتحيا بها النبي وحيا بها الحسن عليه السلام فقبلها وردها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتحيا بها النبي وحيا بها الحسين فتحيا بها الحسين وقبلها وردها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتحيا بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحيا بها فاطمة فقبلتها وردتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحيا بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثانية وحيا بها عليا عليه السلام فتحيا بها علي عليه السلام ثانية فلما هم أن يردها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سقطت التفاحة من أطراف أنامله فانفلقت بنصفين فسطع منها نور حتى بلغ سماء الدنيا وإذا عليه سطران مكتوبان بسم الله الرحمن الرحيم هذه تحية من الله عزّ وجل إلى محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمان لمحبيهم يوم القيامة من النار)(1).

والحديث يدل على توالي نزول الألطاف والنفحات القدسية لمحمد وعترته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا النهج الرحماني هو مما كان يرافق حياة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام كي يبقى أولئك الأولياء في محضر الأنس والحب

ص: 56


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 596.

الإلهي فيهون عليهم غصص الحياة الدنيا لأن أرواحهم منعمة في المحل الأقدس.

وما محمد وأهل بيته بالأقل شأناً من ابنة عمران عليها السلام التي كانت تخدقها الملائكة بكرة وعشيا بالألطاف الإلهية والتحيا الربانية.

المسألة الثالثة: إن الله تعالى رزقها كما رزق ابنة عمران عليها السلام

لاشك إن الله تعالى حينما كان يرزق مريم عليها السلام بأصناف الطعام وفي غير أوقاتها المعهودة كفاكهة الصيف في فصل الشتاء، وفاكهة الشتاء في فصل الصيف إنما كان لإظهار منزلتها عنده جلت قدرته فضلاً عن بيان استحقاقها الإيماني الذي مكنها من هذه الرتبة عند الله تعالى.

إلاّ أن هذه الكرامة التي كان الله تعالى يكرم بها مريم بنت عمران عليها السلام لا تعني بالضرورة أن تكون محصورة بها فقط فلا يكرم الله تعالى غيرها من الأولياء بنزول الطعام إليهم كما كانت الملائكة تنزل بأصناف الطعام لمريم عليها السلام.

بل قد دلت الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في كل ليلة يطعمه ربه ويسقيه، بل أن الإطعام لهو أيسر ما يقدمه الكريم لضيوفه فكيف بأحبابه وخيرته من خلقه؛ بل إن النفحات القدسية والأنوار الإلهية والفيوضات الملكوتية التي كان الله تعالى يتحف بها حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فهو مما لا يتحملها قلب إلا قلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي ذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 57

«لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل»(1).

وفي إطعامه وسقيه عند ربه فيقول صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني»(2).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني»(3).

وعليه:

فإن عدم ذكر ما تناله فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها في القرآن لا يعني على الإطلاق أن مريم بنت عمران كانت تنال من الكرامات والتحف الإلهية بأكثر مما تناله بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فها هو سيد الخلق والأنبياء والمرسلين لم يكشف القرآن عما كان يناله من ربه سبحانه من الكرامات والفيوظات والألطاف والنفحات القدسية، فهل يعني ذلك أنه لم ينل منها شيء.

ولذلك:

فقد كشفت بعض الأحاديث الشريفة عما كانت تحضى به البضعة النبوية من الكرامات الإلهية والفيوضات الربانية كحديث إشراق نورها في اليوم ثلاث مرات

ص: 58


1- كشف الخفاء للعجلوني: ج 2، ص 17، برقم 2159؛ فيض القدير للمناوي: ج 4، ص 8؛ تفسير الآلوسي: ج 2، ص 73؛ الملل والنحل للشهرستاني: ج 2، ص 44؛ العقد الحسيني، تأليف: والد الشيخ البهائي: ص 45.
2- صحيح البخاري، كتاب الصوم: ج 2، ص 242.
3- المصدر السابق نفسه.

وقد مر ذكره في مبحث تزيينها لعلي عليه السلام وأحاديث نثار فاطمة عليها السلام في ليلة زفافها وغير ذلك من الأحاديث والتي جاءت لكي ترطب قلوب المؤمنين وتقودهم إلى الاطمئنان والسكينة حينما يقفون عند هذه الأحاديث ويتأملون فيها ويدعون الله تعالى.

كما هو حال زكريا عليه السلام حينما رأى تلك الكرامة لمريم وإظهار قدرت الله تعالى، إذ الذي استفاد منه زكريا عليه السلام ليس إلفات ذكره إلى منزلة مريم عليها السلام وإنما التفت إلى أن حاجته التي شغلته وهي طلب الخلف والذرية بأنها من أيسر ما يمكن تحقيقه عند الالتجاء والتوسل إلى الله تعالى وإن كان زكريا عليه السلام وبحسب الموازين الطبيعية قد فاته الإنجاب إما بكبر سنه أو بكر سن امرأته لكونها عاقر، لكن هذه الموازين والسنن الحياتية التي سنها الله تعالى فهو الوحيد القادر على تغييرها بما تقدره المصلحة والرعاية الإلهية بعباده الصالحين.

لكن زكريا أخذ طريقه من هذه الكرامة التي رآها لمريم بنت عمران؛ قال تعالى:

(هُنٰالِكَ دَعٰا زَكَرِيّٰا رَبَّهُ قٰالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ اَلدُّعٰاءِ )(1).

من هنا:

نجد أن الكشف عن تلك الكرامات التي حفت بها حياة أولياء الله تعالى إنما يكون بحسب المصلحة التي يقدرها الله تعالى في هداية عباده وإصلاحهم فقد تكون

ص: 59


1- سورة آل عمران، الآية: 38.

الآية أو الكرامة التي تحيط بالأنبياء والأولياء تؤدي إلى هلاك من تظهر فيهم تلك الآية الربانية.

قال تعالى:

(وَ مٰا مَنَعَنٰا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيٰاتِ إِلاّٰ أَنْ كَذَّبَ بِهَا اَلْأَوَّلُونَ وَ آتَيْنٰا ثَمُودَ اَلنّٰاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهٰا وَ مٰا نُرْسِلُ بِالْآيٰاتِ إِلاّٰ تَخْوِيفاً)(1).

ولذلك:

لا يعني عدم إظهار الآية والكرامة لعترة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في مختلف الأزمنة التي عاصروها أن ليس لهم كرامة عند الله أو شأناً أو منزلة وإنما حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية وهو العزيز الحكيم.

وفي هذا الخصوص وفيما أظهرته الروايات ما رواه الحافظ الثعلبي، والبيضاوي، والزمخشري، وأبو حيان الأندلسي، والسيوطي، وخرجه الزيلعي عن أبي يعلى الموصلي وغيرهم:

(إن النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم، أنه جاع في زمن قحط فأهدت له فاطمة - عليها السلام - رغيفين وبضعة لحم آثرته بها فرجع بها إليها فقال:

«هلمي يا بنية».

وكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا ولحما فبهتت وعلمت أنها نزلت من عند الله فقال لها صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«أنى لك هذا؟».

ص: 60


1- سورة الإسراء، الآية: 59.

فقالت:

«هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب».

فقال صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«الحمد لله الذي جعلك شبيه سيدة نساء بني إسرائيل».

ثم جمع رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو وأوسعت فاطمة على جيرانها)(1).

ص: 61


1- تفسير الثعلبي: ج 3، ص 58؛ تفسير البيضاوي: ج 2، ص 35؛ تفسير الكشاف للزمخشري: ج 1، ص 428؛ تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي: ج 2، ص 462؛ تفسير الدر المنثور للسيوطي: ج 2، ص 20؛ تفسير الآلوسي: ج 3، ص 141؛ تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 1، ص 184؛ إقبال الأعمال: ص 529؛ تفسير جوامع الجامع للطبرسي: ج 1، ص 283؛ تفسير سعد السعود للسيد ابن طاووس: ص 131؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 43؛ ص 29؛ تفسير أبي السعود: ج 2، ص 30.

ص: 62

الفصل الثاني: منزلتها عليها السلام في القرآن الكريم

اشارة

ص: 63

ص: 64

نتناول - بعون الله - في هذا الفصل الآيات الكريمة التي اختصت بفاطمة عليها السلام وذلك ضمن محورين:

المحور الأول:

الآيات المشتركة لأهل البيت عليهم السلام في الخصوصية والحكم كآية التطهير، وآية المباهلة، وآية المودة وغيرها.

المحور الثاني:

الآيات المنفردة التي لم يشترك فيها بقية أهل البيت عليهم السلام، أي الخمسة الذين جللهم النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالكساء وسنورد هذه الآيات الكريمة في كلا المحورين ونشير إلى بعض المسائل حسبما يقتضيه البحث.

ص: 65

المبحث الأول: منزلة فاطمة عليها السلام في بعض آيات سورة البقرة

المسألة الأولى: الآيات العامة لبيان منزلة أهل البيت عليهم السلام في سورة البقرة ومما فيهم فاطمة عليها السلام
اشارة

إن اشتراك فاطمة عليها السلام مع أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين في بعض الآيات القرآنية في الخصوصية والحكم يكشف عن أن أهل البيت عليهم السلام قد خصهم الله تعالى جميعاً ببعض الخصوصيات التي تنال كل واحد منهم فكانوا جميعاً لهم نفس تلك الخصوصية والشأنية القرآنية التي نصت عليها الآيات الكريمة وفي نفس الوقت نجد أن بعضهم عليهم السلام قد خصهم الله ببعض الآيات فكانت منفردة في الخصوصية والحكم في هذا الإمام أو ذاك؛ كالآيات الخاصة بالإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أو التي اختصت بالإمام الحسين عليه السلام أو بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

ص: 66

وهذا المنحى من البيان القرآني نجده ملازماً لسيرة الأنبياء المرسلين عليهم السلام فالأنبياء نجدهم في مواضع كثيرة يشتركون في بعض الآيات من حيث الخصوصية والحكم كقوله تعالى:

(وَ مٰا أَرْسَلْنٰا قَبْلَكَ إِلاّٰ رِجٰالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ (7) وَ مٰا جَعَلْنٰاهُمْ جَسَداً لاٰ يَأْكُلُونَ اَلطَّعٰامَ وَ مٰا كٰانُوا خٰالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنٰاهُمُ اَلْوَعْدَ فَأَنْجَيْنٰاهُمْ وَ مَنْ نَشٰاءُ وَ أَهْلَكْنَا اَلْمُسْرِفِينَ )(1).

أما في اختصاهم منفردين ببعض الشأنية والحكم والخصوصية فكثيرة هي الآيات التي تناولت هذا المعنى، إذ يكفي بالقارئ الكريم أن ينظر إلى القرآن ليجد الكثير من الآيات التي تخاطب الأنبياء بأسمائهم وتخصهم ببعض الأحكام والشأنية في معرض بيانها للمسلمين عن حالهم وسيرتهم:

1 - قال تعالى:

(وَ قُلْنٰا يٰا آدَمُ اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ اَلْجَنَّةَ وَ كُلاٰ مِنْهٰا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمٰا وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ اَلشَّجَرَةَ فَتَكُونٰا مِنَ اَلظّٰالِمِينَ )(2).

2 - قال تعالى:

(قٰالَ يٰا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صٰالِحٍ فَلاٰ تَسْئَلْنِ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ )(3).

ص: 67


1- سورة الأنبياء، الآيات: 7 و 8 و 9.
2- سورة البقرة، الآية: 35.
3- سورة هود، الآية: 46.

3 - قال تعالى:

(وَ نٰادَيْنٰاهُ أَنْ يٰا إِبْرٰاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ اَلرُّؤْيٰا إِنّٰا كَذٰلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ )(1).

4 - قال تعالى:

(فَلَمّٰا بَلَغَ مَعَهُ اَلسَّعْيَ قٰالَ يٰا بُنَيَّ إِنِّي أَرىٰ فِي اَلْمَنٰامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مٰا ذٰا تَرىٰ قٰالَ يٰا أَبَتِ اِفْعَلْ مٰا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اَللّٰهُ مِنَ اَلصّٰابِرِينَ )(2).

5 - قال تعالى:

(يٰا يَحْيىٰ خُذِ اَلْكِتٰابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْنٰاهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا)(3).

6 - قال تعالى:

(وَ إِذْ قٰالَ اَللّٰهُ يٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّٰاسِ اِتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ قٰالَ سُبْحٰانَكَ مٰا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مٰا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مٰا فِي نَفْسِي وَ لاٰ أَعْلَمُ مٰا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّٰمُ اَلْغُيُوبِ )(4).

وغيرها من الآيات الكريمة التي جاءت منفردة في الدلالة والخصوصية والحكم لبعض الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وذلك حسبما تقتضيه الإرادة الإلهية وتشخيصها للمصلحة والمنفعة التي تقود إلى هداية الناس.

ومن هنا:

ص: 68


1- سورة الصافات، الآيتان: 104 و 105.
2- سورة الصافات، الآية: 102.
3- سورة مريم، الآية: 12.
4- سورة المائدة، الآية: 116.

نجد أن هذا الأسلوب القرآني ماضٍ مع أهل البيت عليهم السلام فكانت الآيات القرآنية الخاصة بهم تسير ضمن محورين، المحور الأول: الآيات المجتمعة بهم في الخصوصية والشأنية والحكم.

والمحور الثاني الآيات القرآنية المنفردة في الخصوصية والحكم في فاطمة عليها السلام ونبدأ في المحور الأول ونسير في البحث ضمن ترتيب السور القرآنية فنبدأ من سورة البقرة وما ورد فيها من آيات في العترة المحمدية صلوات الله عليهم أجمعين وبما فيهم البضعة النبوية فاطمة الزهراء عليها السلام، ومن ثم نعرج على المحور الثاني.

أولا: فاطمة في قوله تعالى: (و يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة فكلا من حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)

هذه الآية - كما أسلفنا - من الآيات العامة في العترة المحمدية والكاشفة عن منزلتهم عند الله تعالى كما روي (عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام فقال:

«إنّ الله عزّ وجل لما لعن إبليس بإبائه وأكرم الملائكة بسجودها لآدم وطاعتهم لله عزّ وجل أمر بآدم وحوى إلى الجنة، وقال:

(يٰا آدَمُ اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ اَلْجَنَّةَ وَ كُلاٰ مِنْهٰا رَغَداً).

واسعاً.

(حَيْثُ شِئْتُمٰا).

بلا تعب.

(وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ اَلشَّجَرَةَ ).

ص: 69

شجرة العلم.

علم محمد وآل محمد الذي آثرهم الله به دون سائر خلقه فإنها لمحمد وآل محمد خاصة دون غيرهم لا يتناول منها بأمر الله إلا هم ومنها كان يتناول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام بعد إطعامه المسكين واليتيم والأسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب وهي شجرة تميزت من بين أشجار الجنة.

إن سائر أشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل أنواعا من الثمار والمأكول وكانت هذه الشجرة وحدها تحمل البر والعنب والتين والعناب وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة فلذلك اختلف الحاكون لذكر الشجرة فقال بعضهم هي برة وقال آخرون هي عنبة وقال آخرون هي تينة وقال آخرون هي عنابة قال تعالى:

(وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ اَلشَّجَرَةَ ).

تلتمسان بذلك درجة محمد وآل محمد في فضلهم فإن الله خصهم بهذه الدرجة دون غيرهم وهي الشجرة التي من تناول منها بإذن الله ألهم علم الأولين والآخرين بغير تعلم ومن تناول منها بغير إذن الله خاب من مراده وعصى ربه.

(فَتَكُونٰا مِنَ اَلظّٰالِمِينَ ).

بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غيركما كما أردتما بغير حكم الله»)(1).

ص: 70


1- تفسير الإمام العسكري: ص 221؛ البحار للمجلسي: ج 11، ص 189؛ التفسير الصافي للفيض الكاشاني: ج 1، 116.

وتدل الرواية على أمور، منها:

1 - إن علم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو علم رباني لدني قد خصهم الله بهذا العلم دون غيرهم وأثرهم به على سائر أنبياءه ورسله فهم أعلم الخلق.

2 - إنهم يزدادون من العلوم ولذا فعلومهم لا تنقطع وهم ما زالوا في إزدياد، وقد دلت كثير من الأحاديث على ذلك كقول الصادق عليه السلام:

«إنه إذا كان ليلة الجمعة وافا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العرش ووافى الأئمة معه فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفد ما عندنا»(1).

3 - وتدل الرواية على أن محمد وعترته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم موضع ابتلاء الخلق في الطاعة لله تعالى، وأن الناجي من هذا الابتلاء يكون قد حظي بالنصيب الأوفى من اللطف والعناية الإلهية فهو وحده المعين والهادي إلى سبيل الرشاد.

ثانيا: فاطمة في قوله تعالى (و إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)

(قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ (67) قٰالُوا اُدْعُ لَنٰا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنٰا مٰا هِيَ قٰالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهٰا بَقَرَةٌ لاٰ فٰارِضٌ وَ لاٰ بِكْرٌ عَوٰانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَافْعَلُوا مٰا تُؤْمَرُونَ (68) قٰالُوا اُدْعُ لَنٰا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنٰا مٰا لَوْنُهٰا قٰالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهٰا بَقَرَةٌ صَفْرٰاءُ فٰاقِعٌ لَوْنُهٰا تَسُرُّ اَلنّٰاظِرِينَ (6(9) قٰالُوا اُدْعُ لَنٰا رَبَّكَ

ص: 71


1- بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص 150.

يُبَيِّنْ لَنٰا مٰا هِيَ إِنَّ اَلْبَقَرَ تَشٰابَهَ عَلَيْنٰا وَ إِنّٰا إِنْ شٰاءَ اَللّٰهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قٰالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهٰا بَقَرَةٌ لاٰ ذَلُولٌ تُثِيرُ اَلْأَرْضَ وَ لاٰ تَسْقِي اَلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاٰ شِيَةَ فِيهٰا قٰالُوا اَلْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهٰا وَ مٰا كٰادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )(1).

ومما جاء فيها من التأويل:

إنّ هذه الآيات المباركات في سورة البقرة والتي تتحدث عن معجزة نبوية من المعاجز التي خص الله بها موسى عليه السلام جاء في تأويلها أن صاحب البقرة الصفراء في بني إسرائيل كان له حظ من المعرفة بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فكان يتوسل إلى الله تعالى بهم فرفع الله شأنه في الحياة الدنيا وأكرمه بهذه المعرفة العبادية التي كان يتقرب بها إلى الله تعالى.

وهو ما دلت عليه الآية المباركة التي جاء في تأويلها عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال:

- والحديث طويل نأخذ منه موضع الحاجة -:

«... فلما استقر الأمر عليهم، طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله عزّ وجل في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما، فقالا له:

إنك كنت لنا (وليا) محبا ومفضلا، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا، فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر أمك، فان الله عزّ

ص: 72


1- سورة البقرة، الآيات: 67-73.

وجل يلقنها ما يغنيك به وعقبك.

ففرح الغلام، وجاءه القوم يطلبون بقرته، فقالوا: بكم تبيع بقرتك هذه ؟

قال: بدينارين، والخيار لأمي.

قالوا: قد رضينا (بدينار).

فسألها، فقالت: بأربعة.

فأخبرهم فقالوا: نعطيك دينارين.

فأخبر أمه، فقالت: بثمانية.

فما زالوا يطلبون على النصف، مما تقول أمه، ويرجع إلى أمه، فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها ملء مسك ثور أكبر ما يكون ملؤه دنانير، فأوجب لهم البيع.

ثم ذبحوها، وأخذوا قطعة وهي عجز الذنب الذي منه خلق ابن آدم، وعليه يركب إذا أعيد خلقا جديدا، فضربوه بها، وقالوا: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت، وأنطقته ليخبرنا عن قاتله.

فقام سالما سويا وقال: (يا نبي الله) قتلني هذان ابنا عمي، حسداني على بنت عمي فقتلاني، وألقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي (منهم).

فأخذ موسى عليه السلام الرجلين فقتلهما، وكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي، فقالوا: يا نبي الله أين ما وعدتنا عن الله عزّ وجل ؟

فقال موسى عليه السلام: (قد) صدقت، وذلك إلى الله عز وجل.

فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى إني لا اخلف وعدي، ولكن ليقدموا للفتى ثمن بقرته ملء مسكها دنانير ثم أحيي هذا.

ص: 73

فجمعوا أموالهم، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما ملئ به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار.

فقال بعض بني إسرائيل لموسى عليه السلام - وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة -:

لا ندري أيهما أعجب: إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق، أو اغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم!

فأوحى الله إليه: يا موسى قل لبني إسرائيل: من أحب منكم أن أطيب في الدنيا عيشه، وأعظم في جناني محله، وأجعل لمحمد وآله الطيبين فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الفتى، إنه كان قد سمع من موسى بن عمران عليه السلام ذكر محمد صلى الله عليه وآله وعلي وآلهما الطيبين، فكان عليهم مصليا، ولهم على جميع الخلائق من الجن والإنس والملائكة مفضلا، فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم ليتنعم بالطيبات ويتكرم بالهبات والصلاة، ويتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات، ويكبت بنفقاته ذوي العداوات.

قال الفتى: يا نبي الله كيف أحفظ هذه الأموال ؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، وحسد من يحسدني لأجلها؟ قال: قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها، فان الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا (بهذا القول مع صحة الاعتقاد).

فقالها الفتى فما رامها حاسد (له) ليفسدها، أو لص ليسرقها، أو غاصب ليغصبها، إلا دفعه الله عزّ وجل عنها بلطف من ألطافه حتى يمتنع من ظلمه اختيارا أو منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه، فيكف اضطرارا.

ص: 74

(قال عليه السلام):

«فلما قال موسى عليه السلام للفتى ذلك وصار الله عزّ وجل له - لمقالته - حافظا، قال هذا المنشور: اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين والتوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي وتجزي عني أعدائي وحسادي، وترزقني فيها (خيرا) كثيرا طيبا.

فأوحى الله إليه: يا موسى إنه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة، وقد وهبت له بمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه، ثابت فيها جنانه، قوية فيها شهواته، يتمتع بحلال هذه الدنيا ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه، فإذا حان حينه (حان حينها) وماتا جميعا (معا) فصارا إلى جناني، وكانا زوجين فيها ناعمين.

ولو سألني - يا موسى - هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد، وأقنعه بما رزقته - وذلك هو الملك العظيم - لفعلت.

ولو سألني بذلك مع التوبة من صنعه أن لا أفضحه لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل، ولأغنيت هذا الفتى من غير (هذا الوجه بقدر) هذا المال أوجده.

ولو سألني بعد ما افتضح، وتاب إليّ ، وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن أنسى الناس فعله - بعدما ألطف لأوليائه فيعفونه عن القصاص - لفعلت، فكان لا يعيره بفعله أحد ولا يذكره فيهم ذاكر، ولكن ذلك فضل أوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم وأعدل بالمنع على من أشاء، وأنا العزيز الحكيم.

ص: 75

فلما ذبحوها قال الله تعالى:

(فَذَبَحُوهٰا وَ مٰا كٰادُوا يَفْعَلُونَ ).

فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة، ولكن اللجاج حملهم على ذلك، واتهامهم لموسى عليه السلام حدأهم عليه.

(قال): فضجوا إلى موسى عليه السلام وقالوا: فتقرت القبيلة ودفعت إلى التكفف وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا فادع الله لنا بسعة الرزق.

فقال موسى عليه السلام: ويحكم ما أعمى قلوبكم ؟ أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى ؟ أو ما سمعتم دعاء (الفتى) المقتول المنشور، وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعم والتمتع بحواسه وسائر بدنه وعقله ؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما، وتتوسلون إلى الله بمثل توسلهما ليسد فاقتكم، ويجبر كسركم، ويسد خلتكم ؟

فقالوا: اللهم إليك التجأنا، وعلى فضلك اعتمدنا، فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم.

فأوحى الله إليه: يا موسى قل لهم: ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان، ويكشفوا في موضع كذا - لموضع عينه - وجه أرضها قليلا، ثم يستخرجوا ما هناك، فإنه عشرة آلاف ألف دينار، ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع، لتعود أحوالهم إلى ما كانت (عليه) ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهو خمسة آلاف ألف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة لتتضاعف أموالهم جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين، واعتقادهم لتفضيلهم»(1).

ص: 76


1- تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص 278-282.
ثالثا: فاطمة عليها السلام في قوله تعالى: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة)

(وَ إِنَّ مِنَ اَلْحِجٰارَةِ لَمٰا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ اَلْأَنْهٰارُ وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ اَلْمٰاءُ وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اَللّٰهِ وَ مَا اَللّٰهُ بِغٰافِلٍ عَمّٰا تَعْمَلُونَ ).

وهذه الآية المباركة جاءت بعد ذلك الوحي لمجريات معجزة موسى وإحياء قتيل بني إسرائيل حينما ضربوه بالبقرة التي أمروا بذبحها فكان حياً بإذن الله تعالى، إلا أن بني إسرائيل لم يتعظوا بما أنزل الله فيهم من آياته ولذلك وبخهم في قوله تعالى:

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجٰارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ اَلْحِجٰارَةِ لَمٰا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ اَلْأَنْهٰارُ وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ اَلْمٰاءُ وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اَللّٰهِ وَ مَا اَللّٰهُ بِغٰافِلٍ عَمّٰا تَعْمَلُونَ )(1).

وقد ورد عن الإمام العسكري عليه السلام في تأويل ذلك: (وقلوبهم لا تتفجر منها الخيرات ولا تشقق فيخرج منها قليل من الخيرات، وإن لم يكن كثيرا.

ثم قال عزّ وجل:

(وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اَللّٰهِ ).

إذا أقسم عليها باسم الله وبأسماء أوليائه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم صلوات الله عليهم أجمعين وليس في قلوبكم شيء من هذه الخيرات)(2).

ص: 77


1- سورة البقرة، الآية: 74
2- تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص 284؛ البحار للمجلسي: ج 13، ص 270.

أي: إنّ من الحجارة إذا أقسم عليها باسم الله وبأسماء محمد وعترته ليهبط من خشية الله ويخرج منه الخير في حين أن القلوب القاسية لا تلين لذكر الله وذكر أوليائه محمد وعترته فهي أشد قسوة من الحجارة.

رابعا: فاطمة عليها السلام في قوله تعالى: (قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط)

(قُولُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْنٰا وَ مٰا أُنْزِلَ إِلىٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ اَلْأَسْبٰاطِ وَ مٰا أُوتِيَ مُوسىٰ وَ عِيسىٰ وَ مٰا أُوتِيَ اَلنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاٰ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )(1).

وجاء في تأويلها ما روي عن سلام عن أبي جعفر عليه السلام في قوله:

(آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْنٰا).

قال:

«إنما عنى بذلك عليا والحسن والحسين وفاطمة، وجرت بعدهم في الأئمة».

قال:

«ثم رجع القول من الله في الناس فقال:

(فَإِنْ آمَنُوا).

يعني الناس.

(بِمِثْلِ مٰا آمَنْتُمْ بِهِ ).

يعني علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة.

ص: 78


1- سورة البقرة، الآية: 136.

(فَقَدِ اِهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمٰا هُمْ فِي شِقٰاقٍ ).

يعني الناس ومعناه أن الله سبحانه أمر الأئمة عليهم السلام أن يقولوا آمنا بالله وما بعدها لأنهم المؤمنون بما أمروا به حقا وصدقا ثم قال مخاطبا لهم يعني الناس:

(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مٰا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اِهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمٰا هُمْ فِي شِقٰاقٍ )(1).

ومنازعة ومحاربة لك يا محمد.

(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اَللّٰهُ وَ هُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ )(2).

خامساً: فاطمة عليها السلام في قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و قوموا لله قانتين)

خامساً: فاطمة عليها السلام في قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و قوموا لله قانتين)(3).

روى العياشي في تفسيره:

(عن زرارة عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله:

(حٰافِظُوا عَلَى اَلصَّلَوٰاتِ وَ اَلصَّلاٰةِ اَلْوُسْطىٰ وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ ).

قال:

«الصلاة رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والوسطى أمير المؤمنين.

(وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ ).

طائعين للأئمة»(4).

ص: 79


1- سورة البقرة، الآية: 137.
2- تفسر العياشي: ج 1، ص 62؛ تأويل الآيات الظاهرة: ص 84-85.
3- سورة البقرة الآية: 238
4- تفسير العياشي: ج 1، ص 128.
المسألة الثانية: الآيات الخاصة لبيان منزلة فاطمة عليها السلام في سورة البقرة

بعد أن تناولنا في المحور الأول بيان الآيات العامة لمنزلة أهل البيت عليهم السلام في سورة البقرة وبما فيهم فاطمة عليها السلام ننتقل في هذا المحور إلى بيان الآيات الخاصة لبيان منزلة فاطمة عليها السلام - وكما أسلفنا - سنتبع هذا النهج في بيان منزلة فاطمة في القرآن الكريم حسبما جاء في ترتيب السور القرآنية.

ومن هنا:

فقد روى الشيخ الصدوق رحمه الله في المعاني، والعياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال:

«تسبيح فاطمة من ذكر الله الكثير، الذي قال:

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اُشْكُرُوا لِي وَ لاٰ تَكْفُرُونِ )(1) (2).

وسنتوقف - إن شاء الله - مع تسبيح فاطمة عليها السلام وما ورد فيه من أحاديث وخصائص.

ص: 80


1- سورة البقرة، الآية: 152.
2- معاني الأخبار للصدوق: ص 194؛ وسائل الشيعة: ج 6، ص 443؛ مستدرك الوسائل: ج 5، ص 36؛ البحار: ج 90، ص 155؛ تفسير العياشي: ج 1، ص 68.

المبحث الثاني: منزلة فاطمة عليها السلام في بعض آيات سورة آل عمران

اشارة

أشارت الأحاديث الشريفة إلى منزلة فاطمة عليها السلام في سورة آل عمران في أربعة مواضع، إثنان منها كانت في المحور العام، أي اشتراك الزهراء عليها السلام مع عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المنزلة؛ واثنان منها في المحور الخاص وهو تفرد الزهراء في هذه المنزلة التي اكتنزتها الآية الشريفة.

المسألة الأولى: الآيات العامة لبيان منزلة فاطمة عليها السلام في سورة آل عمران
أولاً: فاطمة في قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين)
اشارة

(إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(1).

هذه الآية المباركة تتحدث عن مسألتين وهما (الاصطفاء الرباني) و (آل الأنبياء عليهم السلام).

ص: 81


1- سورة آل عمران، الآيتان: 33 و 34.
ألف: الاصطفاء الذي نصت عليه الآية

فأما الاصطفاء فقد اتفق أئمة المسلمين على أنه من السنن الإلهية التي نص عليها القرآن في آيات عديدة، فمن الاصطفاء ما كان في الأنبياء كالآية التي نحن بصدد الحديث عنها، ومنه ما كان في الأديان كقوله تعالى:

1 - عن يعقوب عليه السلام، قال تعالى:

(وَ وَصّٰى بِهٰا إِبْرٰاهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يٰا بَنِيَّ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ لَكُمُ اَلدِّينَ فَلاٰ تَمُوتُنَّ إِلاّٰ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )(1).

2 - وعن عباده الذين لم يحدد أسمائهم فقد يكونوا الأنبياء والمرسلين وقد يكنوا أوليائه وحججه على خلقه، وهم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال تعالى:

(قُلِ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ وَ سَلاٰمٌ عَلىٰ عِبٰادِهِ اَلَّذِينَ اِصْطَفىٰ آللّٰهُ خَيْرٌ أَمّٰا يُشْرِكُونَ )(2).

فيكون داخلاً في السلام كل من اصطفاه الله تعالى.

3 - وفي اصطفائه سبحانه لبعض الملائكة رسلا ومن الناس، قال تعالى:

(اَللّٰهُ يَصْطَفِي مِنَ اَلْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ اَلنّٰاسِ إِنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)(3).

فأخبر سبحانه عن جملتهم، أي: الأنبياء عليهم السلام فمنهم من ذكره

ص: 82


1- سورة البقرة، الآية: 132.
2- سورة النمل، الآية: 59.
3- سورة الحج، الآية: 75.

باسمه وعرف بحاله للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم من لم يذكر، قال تعالى:

(وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْنٰاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَ كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً)(1).

وعليه:

فقد كان سيد الأصفياء الذين اصطفاهم الله تعالى واجتباهم هو خاتمهم وسيدهم وأفضلهم عند الله تعالى؛ ولذا انفرد من بينهم بهذه الخصوصية الخاصة فكان من صفاته وأسمائه المباركة (المصطفى).

وفي هذه الميزة التي امتاز بها سيد الخلق تكشف لنا البضعة النبوية الحكمة والعلة في هذا الاصطفاء والاستحقاق النبوي والتفضيل المولوي جل شأنه وذلك في بيانها عليها الصلاة والسلام لتحديد حركة تاريخ النبوة ونقطة ابتدائها الملكوتي فتقول:

(وأشهد أن أبي محمد عبده ورسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه؛ إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور، ابتعثه الله إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنقاذا لمقادير حتمه)(2).

ص: 83


1- سورة النساء، الآية: 164.
2- الاحتجاج للطبرسي: خطبة الزهراء عليها السلام: ج 1، ص 133؛ وللمزيد من دلالات الحركة التاريخية ينظر: كتاب حركة التاريخ وسننه عند علي وفاطمة عليهما السلام للمؤلف.
باء: من هم آل الأنبياء الذين خصهم الله بالاصطفاء؟
اشارة

أما المسألة الثانية في الآية المباركة، وهي (آل الأنبياء) فقد اختلف فيها أئمة المسلمين ومفسريهم إلى ثلاثة أقوال:

فمنهم من قال: إن الآل هم قوم النبي(1)، ومنهم من قال: هم ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وهم أولاد فاطمة عليها السلام(2)، ومنهم من قال: آل النبي أتباعه على دينه(3).

القول الأول: إنّ الآل هم قوم الرجل

فأما أصحاب القول الأول كالقرطبي فقد استدل بقوله تعالى:

(مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ).

فقال:

(قومه وأتباعه وأهل دينه كذلك آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من هو على دينه وملته في آلاف، وسائر الأعصار، سواء كان نسبياً له، أو لم يكن، ومن لم يكن على دينه وملته فليس من آله ولا أهله وإن كان نسيبه وقريبه، خلافاً للرافضة حيث قالت: إن آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة والحسن والحسين فقط، ودليلنا قوله تعالى:

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيٰاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنٰاهُمْ

ص: 84


1- تفسير القرطبي: ج 1، ص 381.
2- المجموع للنووي: ج 3، ص 466.
3- المغني لابن قدامة: ج 1، ص 582؛ كشف القناع للبهوتي: ج 1، ص 432.

بِذُنُوبِهِمْ وَ أَغْرَقْنٰا آلَ فِرْعَوْنَ وَ كُلٌّ كٰانُوا ظٰالِمِينَ )(1).

وقوله تعالى:

(اَلنّٰارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ اَلسّٰاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ اَلْعَذٰابِ )(2).

أي آل دينه إذ لم يكن له ابن ولا ابنة ولا أب ولا عم ولا أخ ولا عصبة، ولأنه لا خلاف من أن ليس بمؤمن ولا موحد فإنه ليس من آل محمد وإن كان قريباً له، ولأجل هذا يقال إن أبا لهب وأبا جهل ليسا من آله ولا من أهله وإن كان بينهما وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرابة، ولأجل هذا قال الله تعالى في ابن نوح:

(قٰالَ يٰا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صٰالِحٍ فَلاٰ تَسْئَلْنِ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ )(3).

أقول:

عجيب هذا القول من القرطبي، وأعجب ما فيه استدلاله بقوله تعالى:

(أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ اَلْعَذٰابِ )!!

فجعلهم أهل دينه لينطلق منه في الاستدلال على هذه الأمة فجعل آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من هو على دينه وملته!!!

ص: 85


1- سورة الأنفال، الآية: 54.
2- سورة غافر، الآية: 46.
3- سورة هود، الآية: 46.

وكأنه لم يقرأ في القرآن سورة المنافقين ولم يمر على مسامعه آية الذكر الحكيم في كونهم على ملة الإسلام، وأنهم يصلون ويحجون ويزكون؛ فقال فيهم عزّ وجل:

(إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ يُخٰادِعُونَ اَللّٰهَ وَ هُوَ خٰادِعُهُمْ وَ إِذٰا قٰامُوا إِلَى اَلصَّلاٰةِ قٰامُوا كُسٰالىٰ يُرٰاؤُنَ اَلنّٰاسَ وَ لاٰ يَذْكُرُونَ اَللّٰهَ إِلاّٰ قَلِيلاً)(1).

لكن هؤلاء الكسالى في الآخرة مصيرهم في قعر جهنم فقال سبحانه:

(إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ فِي اَلدَّرْكِ اَلْأَسْفَلِ مِنَ اَلنّٰارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)(2).

فلم تغنهم صلاتهم ولا حجهم ولا زكاتهم من الدخول إلى النار ليكونوا في الدرك الأسفل وما ذاك إلا لنكران قلوبهم للإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وعليه:

أيكون هؤلاء من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ثم كيف بالقرطبي أن يغض الطرف عن إدخال فرعون في أشد العذاب ثم ليقارن به سيد الأنبياء والمرسلين أفيدخل الله تعالى آل فرعون دون فرعون في أشد العذاب ويفصله عن آله ؟! أي سخافة هذه، وأي ظلالة ما بعدها ظلالة.

ثم كيف به في قول الله تعالى الذي جعل فيه آل فرعون هم أهل بيته فقال عزّ وجل:

ص: 86


1- سورة النساء، الآية: 142.
2- سورة النساء، الآية: 145.

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هٰامٰانَ وَ جُنُودَهُمٰا كٰانُوا خٰاطِئِينَ )(1).

وما يقول في قوله تعالى:

(وَ قٰالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمٰانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اَللّٰهُ وَ قَدْ جٰاءَكُمْ بِالْبَيِّنٰاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَ إِنْ يَكُ كٰاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صٰادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ اَلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّٰابٌ )(2).

فها هو القرآن يصرح بأن هذا الرجل المؤمن ليس على دين فرعون ولا من ملته لكن القرآن يصرّح بأنه من آل فرعون أفيدخله الله تعالى أشد العذاب وهو مؤمن بالله لا ذنب له إلا لكونه من آل فرعون.

(سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ اَلْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ )(3).

القول الثاني: إن الآل هم أتباعه الذين على دينه

أما أصحاب القول الثاني: فهو لا يصح أيضاً إذ يكون المنافقون والأعراب هم من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي هذا مخالفة صريحة للقرآن الذي نص على أن الآل هم الذرية حصراً كما في الآيات الآتية:

1 - قوله تعالى:

ص: 87


1- سورة القصص، الآية: 8.
2- سورة غافر، الآية: 28.
3- سورة الصافات، الآية: 180.

(إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(1).

فقد ختمت الآية بالذرية وحصرت الآل فيهم.

2 - وقوله تعالى:

(وَ قٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ اَلتّٰابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمّٰا تَرَكَ آلُ مُوسىٰ وَ آلُ هٰارُونَ تَحْمِلُهُ اَلْمَلاٰئِكَةُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )(2).

أفلم يكن موسى وهارون على دين واحد وملة واحدة فلماذا يفصل الله بين آل موسى وآل هارون إن لم يكن ذرية كل منهما هو المقصود في الآية.

3 - ثم أنى لهؤلاء القائلون في متشابه (آل فرعون) بأنهم أهل ملته عن تخصيص الوحي سورة كاملة أسماها ب - (آل عمران) فهل كان عمران له دين خاص وملة خاصة ؟ وهل إن امرأته التي تحدث عنها القرآن والتي حملت بمريم عليها السلام فكانت ووليدها المسيح لم يكونا من آل عمران ؟ أم أن آل عمران هم بني إسرائيل كافة.

4 - وأنى لهؤلاء بصريح قوله تعالى:

(فَلَمّٰا وَضَعَتْهٰا قٰالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهٰا أُنْثىٰ وَ اَللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا وَضَعَتْ وَ لَيْسَ اَلذَّكَرُ كَالْأُنْثىٰ وَ إِنِّي سَمَّيْتُهٰا مَرْيَمَ وَ إِنِّي أُعِيذُهٰا بِكَ وَ ذُرِّيَّتَهٰا مِنَ اَلشَّيْطٰانِ اَلرَّجِيمِ )(3).

ص: 88


1- سورة آل عمران، الآيتان: 33 و 34.
2- سورة البقرة، الآية: 248.
3- سورة آل عمران، الآية: 36.

فلماذا لم تعيذها امرأة عمران بالله وملتها ومن كان على دينها من الشيطان ؟!!

أليس (الآل) عند هؤلاء هم أهل ملة الرجل وأتباع دينه كما هو حال نبي هذه الأمة، أم أن نبي هذه الأمة لا ينطبق عليه نصوص الذكر الحكيم - والعياذ بالله -.

كما يعتقد هؤلاء، فتكون مريم وذريتها من آل عمران خاصة دون بني إسرائيل المؤمنين ولا تكون فاطمة وذريتها من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

ما لكم كيف تحكمون!!

5 - وما يقول النووي والمقدسي وغيرهما ممن قال بأن (الآل) هم أتباع محمد وأهل ملته عن قول الله تعالى في يعقوب وولده يوسف عليهم السلام فقال تعالى عن لسان نبيه يعقوب عليه السلام:

(وَ كَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ اَلْأَحٰادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمٰا أَتَمَّهٰا عَلىٰ أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْحٰاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )(1).

أليس يوسف من آل يعقوب وإنهما من آل إبراهيم وإسحاق ؟ كم تصرخ الآية بهذا، أم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرى فيه النووي والمقدسي والقرطبي مما جعله الله في الأنبياء عليهم السلام، من أن آلهم هم ذريتهم ؟!!

ص: 89


1- سورة يوسف، الآية: 6.

6 - ولم يقرأ هؤلاء دخول الملائكة على نبي الله لوط عليه السلام وتصريح القرآن بأن آل لوط هم بناته عليه السلام، أي ذريته حصراً فقال سبحانه وتعالى:

(فَلَمّٰا جٰاءَ آلَ لُوطٍ اَلْمُرْسَلُونَ (61) قٰالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قٰالُوا بَلْ جِئْنٰاكَ بِمٰا كٰانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَ أَتَيْنٰاكَ بِالْحَقِّ وَ إِنّٰا لَصٰادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اَللَّيْلِ وَ اِتَّبِعْ أَدْبٰارَهُمْ وَ لاٰ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَ اُمْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ )(1).

7 - وفي زكريا عليه السلام وصريح القرآن بأن الآل هم الذرية وليسوا الأمة والأتباع جاء قوله تعالى جلياً بينا فقال عزّ وجل:

(قٰالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ اَلْعَظْمُ مِنِّي وَ اِشْتَعَلَ اَلرَّأْسُ شَيْباً وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعٰائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَ إِنِّي خِفْتُ اَلْمَوٰالِيَ مِنْ وَرٰائِي وَ كٰانَتِ اِمْرَأَتِي عٰاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اِجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يٰا زَكَرِيّٰا إِنّٰا نُبَشِّرُكَ بِغُلاٰمٍ اِسْمُهُ يَحْيىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)(2).

فلماذا لم يبشره الله تعالى بالأمة والأتباع ومن كان على دينه ليرثه ويرث آل يعقوب ؟! كما يعتقد النووي وأسلافه وأتباعه ؟!

8 - وفي نبي الله داوود قال سبحانه في محكم التنزيل:

(يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ وَ جِفٰانٍ كَالْجَوٰابِ وَ قُدُورٍ رٰاسِيٰاتٍ اِعْمَلُوا آلَ دٰاوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبٰادِيَ اَلشَّكُورُ)(3).

ص: 90


1- سورة الحجر، الآيات: 61-65.
2- سورة مريم، الآيات: 4-7.
3- سورة سبأ، الآية: 13.

وصريح القرآن بأن سليمان المخصوص بآل داوود عليه السلام.

9 - وفضلاً عما سلف فأين هؤلاء عن قوله تعالى:

(سَلاٰمٌ عَلىٰ إِلْيٰاسِينَ )(1).

أفيسلم الله على المنافقين! فلماذا يعذبهم إذن والعياذ بالله.

فكيف لهذه الآيات القرآنية وغيرها التي تنص على أن (الآل) هم ذرية الأنبياء عليهم السلام فيتجاهلها النووي والمقدسي والقرطبي غيرهم ليستدلوا على أن الآل هم قوم فرعون وأتباعه ليكون دليلاً على أن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم هم أتباعه وأهل ملته!!

(فَسُبْحٰانَ اَللّٰهِ رَبِّ اَلْعَرْشِ عَمّٰا يَصِفُونَ )(2).

جيم: ما روي عن أهل البيت عليهم السلام في بيان أن الأمة غير الآل

ونحن وإن كنا نستلهم هذه المعاني والدلالات من أحاديث عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإننا نجد أن المعنى بدون الرجوع إلى أصل الأحاديث الشريفة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونقلها إلى القارئ الكريم يكون - بدونها - المعنى ناقصاً.

ولذا:

نضع بين يدي القارئ الكريم ما أخرجه القاضي النعمان المغربي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام حينما سأله أحد المسلمين عن معنى الآل وما

ص: 91


1- سورة الصافات، الآية: 130.
2- سورة الأنبياء، الآية: 22.

الفرق بين الآل والأمة ليتضح بذلك أن المسألة ليست بالمستحدثة عند القرطبي أو النووي أو غيرهما وإنما هي قديمة بقدم الحملة المسعورة على تغيير معالم الإسلام منذ أن توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى يومنا هذا ولن تنتهي حتى يحق الله الحق بكلماته.

أما الرواية فهي: (عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه أن سائلاً سأله فقال:

يا بن رسول الله، أخبرني عن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من هم ؟ قال عليه السلام:

«هم أهل بيته خاصة».

قال: فإن العامة يزعمون أن المسلمين كلهم آل محمد.

فتبسم أبو عبد الله، ثم قال:

«كذبوا وصدقوا».

قال السائل: يا بن رسول الله ما معنى قولك كذبوا وصدقوا؟

قال عليه السلام:

«كذبوا بمعنى وصدقوا بمعنى، كذبوا في قولهم المسلمون هم آل محمد الذين يوحدون الله ويقرون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما هم فيه من النقص في دينهم والتفريط فيه، وصدقوا في أن المؤمنين منهم من آل محمد، وإن لم يناسبوه، وذلك لقيامهم بشرائط القرآن، لا على أنهم آل محمد الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ص: 92

فمن قام بشرائط القرآن وكان متبعا لآل محمد عليهم السلام فهو من آل محمد على التولي لهم وإن بعدت نسبته من نسبة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال السائل: أخبرني ما تلك الشرائط، جعلني الله فداك، التي من حفظها وقام بها كان بذلك المعنى من آل محمد، فقال عليه السلام:

«القيام بشرائط القرآن، والإتباع لآل محمد صلوات الله عليهم، فمن تولاهم، وقدمهم على جميع الخلق كما قدمهم الله من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو من آل محمد على هذا المعنى، وكذلك حكم الله في كتابه فقال جل ثناؤه:

(وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )(1).

وقال عليه السلام:

يحكى قول إبراهيم:

(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصٰانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(2).

وقال في اليهود:

يحكى قول:

(اَلَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اَللّٰهَ عَهِدَ إِلَيْنٰا أَلاّٰ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّٰى يَأْتِيَنٰا بِقُرْبٰانٍ تَأْكُلُهُ اَلنّٰارُ)(3).

ص: 93


1- سورة المائدة، الآية: 51.
2- سورة إبراهيم، الآية: 36.
3- سورة آل عمران، الآية: 183.

قال الله عز وجل لنبيه:

(قُلْ قَدْ جٰاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنٰاتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ ).

وقال في موضع آخر:

(قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيٰاءَ اَللّٰهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )(1).

وإنما نزل هذا في قوم من اليهود كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقتلوهم الأنبياء بأيديهم ولا كانوا في زمانهم ولكن قتلهم أسلافهم ورضوا هم بفعلهم، وتولوهم على ذلك فأضاف الله عز وجل إليهم فعلهم وجعلهم منهم لاتباعهم إياهم».

قال السائل: أعطني جعلني الله فداك، حجة من كتاب الله أستدل بها على أن آل محمد هم أهل بيته خاصة دون غيرهم، قال عليه السلام:

«نعم، قال الله عز وجل، وهو أصدق القائلين:

(إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ )(2).

ثم بين من أولئك الذين اصطفاهم فقال:

(ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(3).

ولا تكون ذرية القوم إلا نسلهم.

ص: 94


1- سورة البقرة، الآية: 91.
2- سورة آل عمران، الآية: 33.
3- سورة آل عمران، الآية: 34.

وقال عز وجل:

(اِعْمَلُوا آلَ دٰاوُدَ شُكْراً)(1).

وقال:

(وَ قٰالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمٰانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اَللّٰهُ )(2).

وإنما كان ابن عم فرعون، وقد نسب الله هذا المؤمن إلى فرعون لقرابته في النسب، وهو مخالف لفرعون في الإتباع والدين، ولو كان كل من آمن بمحمد عليه السلام من آل محمد الذين عناهم الله في القرآن لما نسب مؤمن آل فرعون إلى فرعون وهو مخالف لفرعون في دينه، ففي هذا دليل على أن آل الرجل هم أهل بيته، ومن اتبع آل محمد فهو منهم بذلك المعنى لقول إبراهيم:

(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصٰانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(3).

وقال عز وجل:

(أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ اَلْعَذٰابِ )(4).

يعنى أهل بيته خاصة وأتباعهم عامة، ومن دخل النار من غير أهل بيت فرعون فإنما يدخلها بتوليه أهل بيت فرعون وهو منهم بإتباعه لهم، وآل فرعون أئمة عليهم فمن تولاهم فهو لهم تبع.

ص: 95


1- سورة سبأ، الآية: 13.
2- سورة غافر، الآية: 28.
3- سورة إبراهيم، الآية: 36.
4- سورة غافر، الآية: 46.

وقال:

(سَلاٰمٌ عَلىٰ إِلْيٰاسِينَ )(1).

وياسين محمد، وآل ياسين أهل بيته، كما قال:

(اِعْمَلُوا آلَ دٰاوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبٰادِيَ اَلشَّكُورُ)(2).

وقال عز وجل:

(وَ بَقِيَّةٌ مِمّٰا تَرَكَ آلُ مُوسىٰ وَ آلُ هٰارُونَ تَحْمِلُهُ اَلْمَلاٰئِكَةُ )(3).

وذلك أنه قد يكون من آل موسى وآل هارون وآل داود وآل ياسين من لا نسب بينه وبينه إلا بالإتباع، فأهل بيوتات الأنبياء الأئمة عليهم السلام، فمن تولاهم واتبعهم فهو منهم على ذلك المعنى وعلى نحو ما وصف الله سبحانه».

ثم قال جعفر بن محمد للسائل:

«اعلم أنه لم يكن من الأمم السالفة والقرون الخالية والأسلاف الماضية ولا سمع به أحد أشد ظلما من هذه الأمة، فإنهم يزعمون أنه لا فرق بينهم وبين أهل بيت نبيهم ولا فضل لهم عليهم، فمن زعم ذلك من الناس فقد أعظم على الله الفرية وارتكب بهتانا عظيما وإثما مبينا، وهو بذلك القول برئ من محمد وآل محمد حتى يتوب ويرجع إلى الحق بالإقرار بالفضل لمن فضله الله عز وجل عليه من أهل بيت النبوة وموضع الرحمة ومعدن العلم وأهل الذكر ومختلف الملائكة، فمن زعم أنه لا فضل لمن كانت هذه صفته عليه فهو منهم برئ في

ص: 96


1- سورة الصافات، الآية: 130.
2- سورة سبأ، الآية: 13.
3- سورة البقرة، الآية: 248.

الدنيا والآخرة».

ثم قال:

«وههنا قول آخر من قبل الإجماع».

قال السائل: وما هو؟ قال عليه السلام:

«أليس ما اجتمع عليه المسلمون كان أولى بالحق وأحرى أن يؤخذ به مما اختلفوا فيه ؟».

قال: نعم، قال عليه السلام:

«أخبرني عن المدعين من المسلمين أنهم آل محمد، أليس هم مقرون أن أهل بيت محمد شركاؤهم فيما ادعوا من أنهم آل محمد؟».

قال: بلى، قال عليه السلام:

«أفلا ترى أن المدعين أنهم آل محمد مقرون لأهل بيت محمد الذين هم أهل بيته وأن آل محمد منكرون لما ادعاه المدعون من ذلك، وأنه باطل مدفوع حتى يثبتوه لأنفسهم بأحد أمرين، إما بإجماع من أهل بيت محمد وإقرار لهم بما ادعوه وأن يصدقوهم فيما ادعوه المدعون لآل محمد وشهدوا لهم، أو ببينة من غيرهم تشهد لهم ممن ليس لهم في الدعوى شيء ولا يجدون لذلك سبيلا، أفلا ترى أن حق أهل بيت محمد قد ثبت، وأن ما ادعاه المدعون باطل لما فيه من الاختلاف بين الناس وحق آل محمد المجتمع عليه من الوجهين، وبطلت دعوى المدعين بالوجه الذي ذكرنا فيه أولا بالحجة وبوجه الإجماع الذي بينا ذكره».

ص: 97

قال السائل: أخبرني، جعلني الله فداك، عن أمة محمد، أهم أهل بيت محمد؟ قال عليه السلام:

«نعم».

قال: أو ليس المسلمون جميعا وكل من آمن به وصدقه أمته ؟ قال جعفر بن محمد صلوات الله عليه:

«هذه المسألة مثل المسألة الأولى في آل محمد، وليس كل المسلمين ممن لم يكن من أهل بيت محمد من بني هاشم أمة محمد، والناس كافة أهل مشارق الأرض ومغاربها من عربها وعجمها وإنسها وجنها من آمن منهم بالله ورسوله وصدقه واتبعه بالتولي للأمة التي بعث فيها، فهو من أمة محمد بالتولي لتلك الأمة، ومن كان هكذا من المسلمين الذين يوحدون الله ويقرون بالنبي، فهو من الأمة التي بعث إليها محمد، ومن أنكر فضل هذه الأمة فهو من الذين قالوا:

(نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً)(1).

وهم الذين إذا قيل لهم: أتؤمنون بالله وبرسوله ؟ قالوا: نعم، وإذا قيل لهم: أفتقرون بفضل آل محمد الذي أنتم به مؤمنون وله مصدقون، قالوا: لا، لأنهم لا فضل لهم علينا».

قال السائل: وما الحجة في أن أمة محمد هم أهل بيت محمد الذين ذكرت دون غيرهم ؟ قال عليه السلام:

«قول الله، تبارك وتعالى، وهو أصدق القائلين:

ص: 98


1- سورة النساء، الآية: 150.

(وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْرٰاهِيمُ اَلْقَوٰاعِدَ مِنَ اَلْبَيْتِ وَ إِسْمٰاعِيلُ رَبَّنٰا تَقَبَّلْ مِنّٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (127) رَبَّنٰا وَ اِجْعَلْنٰا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنٰا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنٰا مَنٰاسِكَنٰا وَ تُبْ عَلَيْنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ )(1).

فلما أجاب الله دعوة إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام، أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة، وأن يبعث فيها رسولا منها، يعنى من تلك الأمة، يتلو عليها آياته، ويزكيها ويعلمها الكتاب والحكمة، أردف إبراهيم دعوته الأولى لتلك الأمة التي سأل لها من ذريته بدعوة أخرى يسأل لهم التطهير من الشرك بالله ومن عبادة الأصنام، ليصح أمرهم فيها، ولئلا يتبعوا غيرها، فقال:

(وَ اُجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ اَلْأَصْنٰامَ )(2).

الذين دعوتك لهم، ووعدتني أن تجعلهم أئمة وأمة مسلمة، وأن تبعث فيها رسولا منها، وأن تجنبهم عبادة الأصنام.

(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ اَلنّٰاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصٰانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(3).

فذلك دلالة على أنه لا تكون الأئمة والأمة المسلمة التي بعث فيها محمد إلا من ذرية إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من سكان الحرم ممن لم يعبد غير الله قط لقوله:

(وَ اُجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ اَلْأَصْنٰامَ ).

ص: 99


1- سورة البقرة، الآيتان: 127 و 128.
2- سورة إبراهيم، الآية: 35.
3- سورة إبراهيم، الآية: 35.

والحجة في المسكن والديار قول إبراهيم:

(رَبَّنٰا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوٰادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ اَلْمُحَرَّمِ رَبَّنٰا لِيُقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ اَلنّٰاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ اُرْزُقْهُمْ مِنَ اَلثَّمَرٰاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ )(1).

ولم يقل ليعبدوا الأصنام.

فهذه الآية تدل على أن الأئمة والأمة المسلمة التي دعا لها إبراهيم صلوات الله عليه من ذريته ممن لم يعبد غير الله قط، ثم قال:

(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ اَلنّٰاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ).

فخص دعاء إبراهيم عليه السلام الأئمة والأمة التي من ذريته، ثم دعا لشيعتهم كما دعا لهم، فأصحاب دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة صلوات الله عليهم، ومن كان متوليا لهؤلاء من ولد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فهو من أهل دعوتهما لان جميع ولد إسماعيل قد عبدوا الأصنام، غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى وفاطمة والحسن والحسين وكانت دعوة إبراهيم وإسماعيل لهم.

والحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أنا دعوة أبي إبراهيم ومن كان متبعا لهذه الأمة التي وصفها الله عز وجل في كتابه بالتولي لها كان منها، ومن خالفها بأن لم يرها عليه فضلا فهو من الأمة التي بعث إليها محمد عليه السلام فلم تقبل.

ص: 100


1- سورة إبراهيم، الآية: 37.

قال الله تبارك وتعالى في هذه الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم وإسماعيل في غير موضع من الكتاب:

(وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى اَلْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ )(1).

وفي هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي، لأنه من لم يدع إلى الخير ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر فليس من الأمة التي وصفها الله عز وجل، لأنهم يزعمون أن جميع المسلمين هم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ترى هذه الآية وصفت أمة محمد بالدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فمن لم توجد فيه صفة الله عز وجل التي وصف بها الأمة فكيف يكون منها وهو على خلاف ما شرط الله عز وجل على الأمة ووصفها به.

وقال في موضع آخر، يعنى تلك الأمة:

(وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ يَكُونَ اَلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(2).

فإن ظننت أن الله جل ثناؤه عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين، أفترى أن من لم تكن شهادته تجوز في الدنيا على صاع من تمر أن الله طالب شهادته على الخلق يوم القيامة، وقابلها على الأمم السالفة، كلا لن يعنى الله مثل هذا من خلقه.

ص: 101


1- سورة آل عمران، الآية: 104.
2- سورة البقرة، الآية: 143.

وقال في موضع آخر يعنى تلك الأمة التي عنتها دعوة إبراهيم:

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ )(1).

فلو كان الله عز وجل عنى جميع المسلمين أنهم خير أمة أخرجت للناس لم يعرف الناس الذين أخرج إليهم جميع المسلمين من هم ؟ كلا لن يعنى الله الذين تظنون من همج هذا الخلق، ولكن عنى الله الأمة التي بعث فيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم».

قال السائل: فإنه لم يكن معه إلا على وحده، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

«إن مع علي فاطمة والحسن والحسين، وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأصحاب الكساء هم الذين شهد لهم الكتاب بالتطهير، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحده أمة لان الله سبحانه يقول:

(إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً لِلّٰهِ حَنِيفاً)(2).

فكان إبراهيم وحده أمة ثم رفده بعد كبره بإسماعيل وإسحق، وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان وحده أمة ثم رفده بعلي وفاطمة، وكثره بالحسن والحسين كما كثر إبراهيم بإسماعيل وإسحاق، وجعل الإمامة التي هي خلف النبوة في ذريته من ولد الحسين بن علي كما جعل النبوة في ذرية إسحاق، ثم ختمها بذرية إسماعيل، وكذلك كانت الإمامة في الحسن بن علي لسبقه، قال الله عز وجل في ذلك:

ص: 102


1- سورة آل عمران، الآية: 110.
2- سورة النحل، الآية: 120.

(وَ اَلسّٰابِقُونَ اَلسّٰابِقُونَ (10) أُولٰئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ )(1).

فكان الحسن أسبق من الحسين، ثم نقل الله عز وجل الإمامة إلى ولد الحسين كما نقل النبوة من ولد إسحاق إلى ولد إسماعيل، وعليهم إجماع الأمة بالشهادة لهم، وأنها جارية فيهم، ولم يجمعوا بمثل هذه الشهادة لأحد سواهم.

فإن قال قائل: وما الدليل على أن الله عز وجل نقل الإمامة من ولد الحسن إلى ولد الحسين ؟ قلنا له: نقلها الكتاب، فإن قال: كيف ذلك ؟ إنما تكون بالسبق والطهارة من الذنوب الموبقة التي توجب النار، ثم العلم المبرز قيل له:

إن الإمامة بجميع ما تحتاج إليه الأمة من حلالها وحرامها، والعلم بكتاب الله خاصه وعامه، وظاهره وباطنه، ومحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، ودقائق علمه، وغرائب تأويله».

قال السائل: وما الحجة في أن الإمام لا يكون إلا عالما بهذه الأشياء التي ذكرت ؟ قال عليه السلام:

«قول الله عز وجل فيمن أذن لهم بالحكومة وجعلهم أهلها:

(إِنّٰا أَنْزَلْنَا اَلتَّوْرٰاةَ فِيهٰا هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا اَلنَّبِيُّونَ اَلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هٰادُوا وَ اَلرَّبّٰانِيُّونَ وَ اَلْأَحْبٰارُ)(2).

فالربانيون هم الأئمة دون الأنبياء الذين يربون الناس بعلمهم، والأحبار دونهم وهم دعاتهم، ثم أخبر عز وجل فقال:

ص: 103


1- سورة الواقعة، الآيتان: 10 و 11.
2- سورة المائدة، الآية: 44.

(بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتٰابِ اَللّٰهِ وَ كٰانُوا عَلَيْهِ شُهَدٰاءَ ).

ولم يقل بما جهلوا، ثم قال:

(هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ )(1).

وقال:

(بَلْ هُوَ آيٰاتٌ بَيِّنٰاتٌ فِي صُدُورِ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ )(2).

وقال:

(وَ مٰا يَعْقِلُهٰا إِلاَّ اَلْعٰالِمُونَ )(3).

ثم قال:

(إِنَّمٰا يَخْشَى اَللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ اَلْعُلَمٰاءُ )(4).

وقال:

(أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )(5).

فهذه الحجة بأن الأئمة لا يكونون إلا علماء، ليحتاج الناس إليهم ولا يحتاجون إلى أحد من الناس في شيء من الحلال والحرام».

ص: 104


1- سورة الزمر، الآية: 9.
2- سورة العنكبوت، الآية: 49.
3- سورة العنكبوت، الآية: 43.
4- سورة فاطر، الآية: 28.
5- سورة يونس، الآية: 35.

قال السائل: فأخبرني عن خروج الإمامة من ولد الحسن إلى ولد الحسين، كيف ذلك وما الحجة فيه ؟ قال عليه السلام:

«قول الله تبارك وتعالى:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1).

أنزلت هذه الآية في خمسة نفر شهدت لهم بالتطهير من الشرك ومن عبادة الأصنام وعبادة كل شيء من دون الله، أصلها دعوة إبراهيم عليه السلام حيث يقول:

(وَ اُجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ اَلْأَصْنٰامَ ).

والخمسة الذين نزلت فيهم آية التطهير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم وهم الذين عنتهم دعوة إبراهيم عليه السلام، فكان سيدهم فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت فاطمة صلوات الله عليها امرأة شركتهم في التطهير، وليس لها في الإمامة شيء، وهي أم الأئمة صلوات الله عليهم، فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كان علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أولى الناس بالإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقول الله عز وجل:

(وَ اَلسّٰابِقُونَ اَلسّٰابِقُونَ (10) أُولٰئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ )(2).

ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله في الحسن والحسين هما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الحسن والحسين إماما حق

ص: 105


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- سورة الواقعة، الآيتان: 10 و 11.

قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما، فكان علي عليه السلام أولى بالإمامة من الحسن والحسين لأنه السابق، فلما قبض كان الحسن عليه السلام أولى بالإمامة من الحسين بحجة السبق، وذلك قوله:

(وَ اَلسّٰابِقُونَ اَلسّٰابِقُونَ ).

فكان الحسن أسبق من الحسين وأولى بالإمامة، فلما حضرت الحسن الوفاة لم يجز أن يجعلها في ولده، وأخوه نظيره في التطهير، وله بذلك وبالسبق فضيلة على ولد الحسن، فصارت إليه، فلما حضرت الحسين الوفاة لم يجز أن يردها إلى ولد أخيه دون ولده لقول الله عز وجل:

(أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اَللّٰهِ )(1).

فكان ولده أقرب إليه رحما من ولد أخيه وكانوا أولى بها، فأخرجت هذه الآية ولد الحسن وحكمت لولد الحسين، فهي فيهم جارية إلى يوم القيامة، والحمد لله رب العالمين»)(2).

ثانيا: فاطمة في قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)
اشارة

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ )(3).

ص: 106


1- سورة الأنفال، الآية: 75.
2- دعائم الإسلام للمغربي: ج 1، ص 29-38.
3- سورة آل عمران، الآية: 61.
ألف: تفرد حادثة المباهلة في تاريخ الأنبياء عليهم السلام

تعد آية المباهلة من الآيات التي كشفت عن معجزة النبوة وتحديها لكل معترض وغير مصدق بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لنزول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مواجهة المنكرين لنبوته في ساحة الملاعنة وكشف أستار السماء ونزول العذاب على الكاذب؛ فكانت بحق حالة فريدة ليس في تاريخ الإسلام وحياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما في تاريخ الأنبياء عليهم السلام وحياتهم إذ لم يرد في كتاب الله تعالى والسنة والتاريخ أن نبياً من الأنبياء خرج إلى ساحة الملاعنة مع المكذبين فيتوجه الفريقان إلى الله بالدعاء والابتهال كي ينزل غضبه ونقمته على الفريق الكاذب.

بل إننا لنجد القرآن الكريم يقص على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض من سيرة الأنبياء عليهم السلام فيكشف عن ابتلاءاتهم ومعاناتهم وتبليغهم لأحكام الله تعالى والدعوة إلى التوحيد مع بيان نتائج هذه الدعوات وإظهار عواقب المكذبين والكافرين حينما ينتهي حال كثير من الأمم بالهلاك لتكذيبهم وقتلهم الأنبياء فيحل عليهم غضب الله ونقمته.

فمن الأمم ما انتهى أمرها بالصيحة، ومنهم ما كان بالغرق، ومنهم ما كان بالخسف، فضلاً عن ضروب المسخ والأمراض والقحط والخوف والقتل مع ملاحظة أن كثير من هذه الخواتم التي اختتمت بها هذه الأمم إنما كانت بدعوات الأنبياء عليهم السلام والمقام لا يسع لذكر هذه النصوص القرآنية.

ولذلك:

ص: 107

لم تشهد حركة النبوة منذ آدم عليه السلام وإلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم حالة مشابهة للمباهلة التي جرت بين النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والنصارى فقد كانت حالة فريدة من نوعها.

ولعل فرادتها لم تكن محصورة بالحدث من حيث خروج الفريقين للملاعنة وإنما حتى في كيفية الخروج والأفراد الذين اختارهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

إذ تفردت المباهلة بإخراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأهل بيته وأشراكهم في أمره وكشفت عن منزلتهم وشأنهم من الرسالة، وإن دوامها لا يكون إلا بأهل بيته، ليسير هذا الخروج لملاقاة الكاذبين وإظهار صدق دعوى النبي مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي».

علماً منه صلى الله عليه وآله وسلم بما اختاره الله لرسالته واصطفاه لشرعه.

باء: لو خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه لهلكوا كما هلك أصحاب موسى في الملاقات

فهذا الخروج للعترة تفرد به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من بين جميع الأنبياء عليهم السلام وآلهم كحالة فاصلة ودامغة بين الحق والباطل وليكشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن هذا الاختيار التفردي من حياة الأنبياء كان له حالة مقاربة لكنها انتهت بهلاك من انتخبهم موسى عليه السلام،

ص: 108

والفارق بسيط من حيث المقارنة وإن كان الخروجان هما من حيث الهدف واحد وهو صدق دعوى النبوة لكن الاختيار اختلف؛ ففي خروج موسى كان أصحابه ووجهاء قومه هم الذين أخرجهم موسى عليه السلام فكان مصيرهم الموت والهلاك حتى كاد موسى أن يذهب معهم فيهلك بسببهم؛ فقال عليه السلام والوحي ينطق عنه في محكم التنزيل:

(وَ اِخْتٰارَ مُوسىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقٰاتِنٰا فَلَمّٰا أَخَذَتْهُمُ اَلرَّجْفَةُ قٰالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيّٰايَ أَ تُهْلِكُنٰا بِمٰا فَعَلَ اَلسُّفَهٰاءُ مِنّٰا إِنْ هِيَ إِلاّٰ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهٰا مَنْ تَشٰاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشٰاءُ أَنْتَ وَلِيُّنٰا فَاغْفِرْ لَنٰا وَ اِرْحَمْنٰا وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْغٰافِرِينَ )(1).

فكان إخراجه عليه السلام لأصحابه أدى إلى وقوعهم في الابتلاء ولو كان موسى عليه السلام قد خرج بأخيه هارون لملاعنة المكذبين والناكرين والمعاندين بتصديقه والإيمان بدعوته لكان مصير موسى غير ما جاءت به الآية الكريمة ولكان الهلاك قد أخذ المكذبين والمعاندين ولسارت دعوته عليه السلام بما يختار الله لها من السير. لكن اختياره لأصحابه أدى إلى الابتلاء والافتتان والهلاك وكذلك حال هذه الأمة حينما أعزفت عن العترة والتحقت بغيرهم فكان مصيرها من الابتلاء ما كان مصير قوم موسى عليه السلام؛ لكنها فتنة افتتن الله بها هذه الأمة كما فتن الذين من قبلهم:

(إِنْ هِيَ إِلاّٰ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهٰا مَنْ تَشٰاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشٰاءُ أَنْتَ وَلِيُّنٰا فَاغْفِرْ لَنٰا

ص: 109


1- سورة الأعراف، الآية: 155.

وَ اِرْحَمْنٰا وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْغٰافِرِينَ ).

وقال سبحانه وتعالى:

(الم (1) أَ حَسِبَ اَلنّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَ هُمْ لاٰ يُفْتَنُونَ )(1).

إذن:

خصوصية المباهلة تكمن فيما يلي:

1 - تفردها من حيث الوقوع في حياة الأنبياء عليهم السلام فلم يباهل نبي من الأنبياء من قبل.

2 - تفردها بكونها الحد الفاصل بين صدق دعوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والناكرين عليه والمكذبين له.

3 - إشراك النبي لعترته في قيام الرسالة ودوامها وبدونهم يقع الناس في الضلال.

4 - تفردها في الدلالة على تحديد السبيل الموصل إلى رضا الله تعالى والفوز في يوم القيامة وذلك بإتباع عترة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأن إتباع غيرهم من المسلمين واختيارهم يؤدي إلى الهلاك في الدنيا والآخرة كما هلك أصحاب موسى عليه السلام.

جيم: كيف وقعت المباهلة وما هي أسبابها؟

إن التاريخ والسيرة ليحدثنا عن المباهلة وأسبابها فيقول: (في اليوم الرابع

ص: 110


1- سورة العنكبوت، الآيتان: 1 و 2.

والعشرين من ذي الحجة سنة تسع من الهجرة)(1)، قدم وفد من نصارى نجران وقت العصر وفي لباسهم الديباج وثياب الحبرة على هيئة لم يقدم بها أحد من العرب فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام ولم يكلمهم.

فانطلقوا إلى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم فوجدوهما في مجلس من المهاجرين فقالوا: إن نبيكم كتب إلينا فأقبلنا مجيبين له فأتيناه وسلمنا عليه فلم يرد سلامنا ولم يكلمنا، فما الرأي ؟

فقالا لعلي بن أبي طالب - عليه السلام -: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم ؟ قال:

«أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ثم يعودون إليه».

ففعلوا ذلك فسلموا فرد عليهم سلامهم ثم قال:

«والذين بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم».

ثم سألوه ودارسوه يومهم)(2).

(فقالوا: يا أبا القاسم حاجنا في عيسى ؟ فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -:

«هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه».

فقال أحدهما: بل هو ولده وثاني اثنين، وقال آخر: بل هو ثالث ثلاثة أب وابن وروح القدس، وقد سمعناه في قرآن نزل عليك يقول فعلنا وجعلنا وخلقنا

ص: 111


1- العدد القوية: ص 307.
2- إعلام الورى للطبرسي: ص 129-130.

ولو كان واحدا لقال خلقت وجعلت وفعلت فتغشى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوحي فنزل عليه صدر سورة آل عمران إلى قوله رأس الآية الستين منها:

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ )(1).

فقص عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القصة وتلا عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض قد والله أتاكم بالفصل من خبر صاحبكم؛ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن الله عزّ وجل قد أمرني بمباهلتكم».

فقالوا: إذا كان غدا باهلناك، فقال القوم: بعضهم لبعض حتى ننظر بما يباهلنا غدا بكثرة أتباعه من أوباش الناس، أم بأهله من أهل الصفوة والطهارة، فإنهم وشيج الأنبياء وموضع نهلهم.

فلما كان من غد، غدا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيمنه علي، وبيساره الحسن والحسين عليهم السلام، ومن ورائهم فاطمة عليها السلام، عليهم النمار النجرانية، وعلى كتف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كساء قطواني رقيق خشن ليس بكثيف ولا لين، فأمر بشجرتين فكسح ما بينهما، ونشر الكساء عليهما وأدخلهما تحت الكساء، وأدخل منكبه الأيسر معهم تحت الكساء معتمداً على قوسه النبع ورفع يده اليمنى إلى السماء للمباهلة، واشرأب الناس ينظرون، واصفر لون

ص: 112


1- سورة آل عمران، الآية: 61.

السيد والعاقب وكرا حتى كاد أن يطيش عقولهما، فقال أحدهما لصاحبه:

أنباهله، قال: أو ما علمت أنه ما باهل قوم قط نبيا فنشأ صغيرهم وبقي كبيرهم ولكن أرى أنك غير مكترث وأعطه من المال والسلاح ما أراد فإن الرجل محارب وقل له أبهؤلاء تباهلنا لئلا يرى أنه قد تقدمت معرفتنا بفضله وفضل أهل بيته.

فلما رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده إلى السماء للمباهلة قال أحدهما لصاحبه: وأي رهبانية دارك الرجل فإنه إن فاه ببهلة لم نرجع إلى أهل ولا مال، فقالا: يا أبا القاسم أبهؤلاء تباهلنا؟ قال:

«نعم هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى الله عزّ وجل وجهه وأقربهم إليه وسيلة».

قال: فبصبصا يعني ارتعدا وكرا وقالا: له يا أبا القاسم نعطيك ألف سيف، وألف درع، وألف جحفة وألف دينار، كل عام على أن الدرع والسيف والجحفة عندك إعارة حتى يأتي من وراءنا من قومنا فنعلمهم بالذي رأينا وشاهدنا فيكون الأمر على ملأ منهم، فأما الإسلام وأما الجزية وأما المقاطعة في كل عام، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«قد قبلت ذلك منكما أما والذي بعثني بالكرامة لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم الله عزّ وجل عليكم الوادي ناراً تأجج حتى يساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين فأحرقتهم تأججا».

فهبط عليه جبرئيل الروح الأمين عليه السلام فقال:

«يا محمد الله يقرئك السلام ويقول لك وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لو بالهت

ص: 113

بمن تحت الكساء أهل السماوات وأهل الأرض لساقطت السماء كسفا متهافتة ولتقطعت الأرضون زبرا سائحة فلم تستقر عليها بعد ذلك».

فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديه حتى رئي بياض إبطيه ثم قال:

«وعلى من ظلمكم حقكم وبخسني الأجر الذي افترضه الله فيكم عليهم بهلة الله تتابع إلى يوم القيامة»)(1).

وقد ذكر الزمخشري في كتاب الكشاف في تفسير سورة آل عمران عند تفسير آية المباهلة فقال:

ما هذا لفظه وروي أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر فنأتيك غدا.

فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفضل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول:

«إذا أنا دعوت فأمنوا».

فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى أني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل

ص: 114


1- الاختصاص: ص 114-116.

جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا فلا يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا، قال:

«فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم».

فأبوا، قال:

«فإني أناجزكم».

فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة، ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعا عادية من حديد، فصالحهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وقال:

«والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا».

وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة ثم علي ثم قال:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1) (2).

ص: 115


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- الكشاف للزمخشري: ج 1، ص 434؛ الطرائف: ج 1، ص 42-43.
دال: التعريف بأشخاص المباهلة ودلالة النص القرآني

إن من المسائل التي أحيطت بحادثة المباهلة، نكران بعض المحدثين لدلالة الآية في النص على تخصيص (أبناءنا) هم الحسن والحسين عليهما السلام، و (أنفسنا) هو علي بن أبي طالب عليه السلام و (نساءنا)، هم فاطمة عليها السلام على الرغم من أن الحادثة كانت في أصل وقوعها وسبب قيامها هي الرد على المعاندين والمكذبين والناكرين لحق الله في بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس كافة بالتوحيد والإسلام فلم يتعرض هؤلاء المحدثون إلى ما جاءت به هذه الآية ببرهان قاطع أعجز النصارى عن الخوض في مباهلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتسليم إلى ما يدعو له ومصالحته على تركهم في التمتع بما ينعموا به من خيارات المدينة.

ولذلك: نجد أن هؤلاء المحدثون قد ران على قلوبهم فأعادوا تلك النبرة التي انطلقت بها نفوس النصارى في نكران دعوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليأتي هؤلاء فينكروا أن تخصيص الأبناء والأنفس والنساء هم أهل بيته خاصة (فاطمة وبعلها وولديهما).

ناسبين هذا التخصيص القرآني إلى الشيعة(1).

على الرغم من أن الحديث زمانا ومكاناً ورواية ينص على هؤلاء الأربعة الذين أخرجهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان فيما رواه أهل الإنصاف من أبناء مدرسة أهل العامة والجماعة:

ص: 116


1- تفسير الرازي: ج 8، ص 86.

1 - ما رواه الترمذي عن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية:

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ )(1).

دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال:

«أللهم هؤلاء أهلي».

فيعقب عليه الترمذي بقوله: هذا حديث حسن غريب صحيح)(2).

وليته بيّن لنا وجه الغرابة في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أللهم هؤلاء أهلي) أو تكون الغرابة في إخراج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم للمباهلة وإشراكهم في دعوى الانتصار للرسالة وتركه لصحابته؛ أم الغرابة في إقرار النصارى بكرامة العترة النبوية ومنزلتهم عند الله ونكران الترمذي ومشايخه لذلك ؟!

2 - أخرج الحاكم النيسابوري عن الكلبي، عن أبي صالح، عن بن عباس في قوله عزّ وجل:

(فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ )(3).

ص: 117


1- سورة آل عمران، الآية: 61.
2- سنن الترمذي: ج 4، ص 293؛ وأخرجه مسلم في الصحيح في باب مناقب علي عليه السلام: ج 7، ص 120.
3- سورة آل عمران، الآية: 61.

نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي نفسه، ونساءنا ونساءكم في فاطمة، وأبناءنا وأبناءكم في حسن وحسين)(1).

3 - روى الواحدي عن الشعبي فقال: (أبناءنا) الحسن والحسين، و (نساءنا) فاطمة، و (أنفسنا) علي بن أبي طالب عليه السلام(2).

4 - قال السمعاني والبغوي، فقوله: (ندع أبناءنا) أراد به: الحسن والحسين، وقوله: (ونساءنا) يعني: فاطمة (وأنفسنا) يعني: نفسه وعلي؛ فإن قال قائل: كيف قال: (وأنفسنا) وعلي - عليه السلام - غيره ؟ قيل: العرب تسمي ابن عم الرجل نفسه، وعلي كان ابن عمه(3).

5 - قال ابو حيان الأندلسي: وفسر على هذا الوجه: الأبناء بالحسن والحسين، وبنسائه: فاطمة، والأنفس: بعلي(4).

أما ما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام فكان منها ما يلي:

1 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله (عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«فهل تدرون ما معنى قوله:

(وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ).»؟

قالت العلماء: عنى به نفسه، فقال أبو الحسن:

ص: 118


1- معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري: ص 50.
2- أسباب نزول الآيات للواحدي النيسابوري: ص 68.
3- تفسير السمعاني: ج 1، ص 327؛ تفسير البغوي: ج 1، ص 310.
4- تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي: ج 2، ص 502.

«لقد غلطتم إنما عنى بها علي بن أبي طالب عليه السلام ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال:

(لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي يعني علي بن أبي طالب عليه السلام، وعنى بالأبناء الحسن والحسين عليهما السلام، وعنى بالنساء فاطمة عليها السلام فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم فيه بشر، وشرف لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي كنفسه)(1).

2 - روى فرات الكوفي، عن سعيد بن الحسن بن مالك معنعنا (عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى:

(تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ ).

قال:

«الحسن والحسين».

(وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ ).

قال:

«فاطمة».

(وَ أَنْفُسَنٰا).

قال:

«علي عليه السلام»)(2).

ص: 119


1- عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 231.
2- تفسير فرات الكوفي: ص 86.
هاء: آثار المباهلة في كاشفية صدق دعوى النبوة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

لم تزل آثار آية المباهلة نافذة في المجتمع الإسلامي تدحض الباطل وتنشر صدق دعوى النبوة في وجه أولئك المنكرين والجاحدين والمنافقين والذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون بالبعض الآخر فيؤمنون في أصل وقوع الحادثة ولا يؤمنون بما تنص عليه الآية الكريمة في بيان شأنية أهل البيت عليهم السلام وأنهم أبناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفسه وعرضه تبجحاً وتجرياً على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد ملئ التاريخ بشواهد كثيرة تكشف عن تلك النفوس الجاحدة للقرآن وما جاء به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها:

أولاً: معاوية بن أبي سفيان يأمر الصحابة بسب علي بن أبي طالب عليه السلام فيحتج عليه بآية المباهلة
اشارة

ما رواه مسلم النيسابوري في الصحيح، والحاكم في المستدرك، والنسائي، وابن حجر، وابن كثير، وابن الأثير، وابن عساكر، وغيرهم بألفاظ متقاربة؛ واللفظ لمسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب ؟

فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم.

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي:

«يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟».

ص: 120

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي».

وسمعته يقول يوم خبير:

«لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله».

قال: فتطاولنا لما فقال:

«أدعوا لي علياً».

فأتى به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية:

(فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ )(1).

دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال:

«أللهم هؤلاء أهلي»)(2).

وقد عقّب الحافظ النووي على هذا الحديث بقوله:

(قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب

ص: 121


1- سورة آل عمران، الآية: 61.
2- صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل علي عليه السلام: ج 7، ص 120؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 301؛ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 108؛ تاريخ ابن عساكر: ج 42، ص 111؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج 4، ص 26؛ الإصابة لابن حجر: ج 4، ص 468؛ الجوهرة للبري: ص 69؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 7، ص 376؛ المناقب للموفق الخوارزمي: ص 108؛ شواهد التنزيل للحاكم: ج 2، ص 35.

تأويلها؛ قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول له هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب فانت مصيب محسن وإن كان غير ذلك فله جواب آخر؛ ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار وانكر عليهم فسأله هذا السؤال، قالوا: ويحتمل تأويلا آخر ان معناه ما منعك ان تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا، وانه أخطأ)(1).

وأقول: كأن النووي يعيش في كوكبه الخاص ويبرمج الروايات حسب فهمه، فيفصّلها على حسب مقاصاته ليرتديها وحده ثم ليقف طويلاً أمام المرأة وهو معجباً بهذا التأويل الذي أوقع جمعا من الصحابة في حرب ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقابل أن ينجو معاوية وحده من حربه لله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام التي عجت بها كتب المسلمين والعرب وغيرهم من أهل الديانات والأعراق، الذين كانوا يتابعون حركة المسلمين وقيام هذه المماليك والدول والحكومات منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى يومنا هذا.

وعليه: فقد أوقع النووي بحسب عيشه في كوكبه الخارج عن المجموعات الشمسية إلى جملة من الانتهاكات التي أساءت إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان منها:

1 - قوله: قال العلماء الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها). وليت النووي عرّف القارئ بهؤلاء العلماء من هم فلعلهم من علماء

ص: 122


1- شرح صحيح مسلم للنووي: ج 15، ص 174.

بني إسرائيل والدليل أن هؤلاء العلماء لا يفرقون بين الحديث والآية القرآنية فكيف يجب تأويل صريح الآيات القرآنية التي تتحدث عن النفاق والمنافقين الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكيف يجب التأويل في هذه الأحاديث التي تتحدث عن رؤوساء النفاق والقرآن يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحربهم وبقتالهم.

ولذلك: يبدوا أنه هؤلاء الذين نقل عنهم النووي لم تمر عليهم آية من القرآن الكريم، وإلا لما أوجبوا على أنفسهم الدفاع عن المنافقين بعد صريح القرآن بالبراءة منهم وقتالهم.

2 - قوله: (قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله) فهو هروب آخر من الروايات التي يرويها الثقات والتي لا يمكن للنووي أو غيره الطعن فيها على الرغم مما تحمله من مرارة في حلق النووي وأقرانه؛ إذ لو علم هؤلاء أن الرواية لغير ثقة لسرعان ما طعنوا في سندها وانتهى الأمر، لكن مشكلتهم مع الأحاديث الواردة عن الثقات فابتدعوا التأويل مع صريح التدليل.

وهم بهذا المنهج التأويلي يفصّلون أحاديث الثقات بحسب المقاصات التي يروج لها سماسرة سوق الرواية، فقد يحتاج هذا الحاكم إلى رواية لثقة بحسب مقام كرسية، وذاك بحسب وزارته، ولعل (بصل عكا الذي من أكله كمن زار مكة) متوفر لدى تجار البصل وبحسب مقاصات البصلة الواحدة، وذلك بحسب نهج النووي في التعامل مع الأحاديث الصحيحة والكاشفة عن حقائق بعض الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان.

ولذلك: إذا جاءت رواية فيها منقبة لعترة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يرويها الثقات وهي لا تستساغ في حلاقيم هؤلاء العلماء، وليس فيها ما تشتهيه

ص: 123

أنفسهم، وإذا كانت هذه الأحاديث فيها دخل على صحابي، أوليست بما يتناسب مع السوق وسلّعنة الرواية فإن هذه الرواية إما مصيرها للتأويل أو الغرابة أو النكران وهكذا هلم جراً.

3 - أما قول الحافظ النووي: (فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، أي: بسب علي - عليه السلام -، وإنما سأله عن السبب المانع من السب).

وأقول: وهذا إقرار صريح نطق به النووي على الرغم من بذله الجهد الكبير في محاولة تأويل حديث مسلم في صحيحه، إلا أنه يقر بأن هناك حالة دأب عليها الصحابة ومن تتبعهم في حكومة معاوية بن أبي سفيان تقوم على سب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام؛ والسؤال البديهي هنا: ترى ما الذي دفع هؤلاء الصحابة والتابعيين إلى سب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، في زمن معاوية ليقوم بسؤال سعد بن أبي وقاص عن سبب امتناعه عن سب علي بن أبي طالب عليه السلام.

أكانت بدعة ابتدعها الصحابة وأبنائهم، ومحدثة من الأمور أحدثوها؟ فإن كان الجواب: بنعم، فتلك مصيبة فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ظلالة، وكل ظلالة في النار.

وهذا يعني أن هناك مجموعة من الصحابة والتابعيين كانوا في ظلال وهم بسبب هذه الظلالة سيكونون في النار.

وإن كان الجواب: بالنفي، بمعنى أنها لم تكن بدعة ابتدعها الصحابة وإنما الدافع الذي جعلهم يفعلون ذلك بناء على أمر معاوية فتلك مصيبة أكبر؛ وذلك إن الصحابة اتبعوا الباطل، وذهبوا وراء الحاكم الجائر، وأعلنوا حربهم ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما حاربوا أهل بيته، وقد سمعوا بأجمعهم رسول الله يقول لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام:

ص: 124

«أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم»(1).

وقوله في علي عليه السلام خاصة:

«من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سبّ الله فقد كفر»(2).

لمنع من سيقدم على سبه؛ فكان هذا الحديث من الأحاديث الواردة في الدلائل على النبوة، لكونه كاشف عن المغيبات وما تؤول إليه أمته من بعده من إصرارهم على حرب أهل بيته عليهم السلام؛ وكأن النووي وأقرانه وعلمائه الذين يأولون الأحاديث لاسيما حديث مسلم النيسابوري في أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً بأن يسب علي بن أبي طالب فامتنع لم يقرئوا هذه الأحاديث الصريحة التي تخالف قاعدتهم (لا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله).

فكيف بهم بما لا يمكن تأويله في حديث أم سلمة رضي الله عنها وهي تصرح وتنهي عن سب علي بن أبي طالب عليه السلام كما أخرج أحمد في المسند والحاكم في المستدرك على الصحيحين وغيرهما.

ص: 125


1- مسند أحمد، ومسند أبي هريرة: ج 2، ص 442؛ سنن الترمذي، باب ما جاء في فضائل فاطمة - عليها السلام -: ج 5، ص 360؛ وأخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك من طريق أبي هريرة وزيد بن أرقم: ج 3، ص 149؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 169؛ تحفة الأحوذي للمباركفوري: ج 10، ص 252؛ وأخرجه ابن أبي شيبة الكوفي عن زيد بن أرقم: ج 7، ص 512؛ أمالي المحالمي: ص 447؛ صحيح ابن حبان: ج 5، ص 434؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 3، ص 179، وج 5، ص 182، وج 7، ص 197؛ وأخرجه ابن شاهين عن أبي سعيد الخدري في فضائل سيدة النساء - عليها السلام -: ص 30؛ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: ص 233.
2- الأمالي للصدوق: ص 157؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 73؛ شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج 1، ص 155؛ وأخرج احمد في المسند عن أم سلمة: ج 6: ص 323؛ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 121.

أ/ فعن أبي عبد الله الجدلي قال: (دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم ؟ قلت معاذ الله، أو سبحان الله، أو كلمة نحوها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

«من سب علياً فقد سبني»)(1).

ب/ وأخرجه الحاكم ببيان أدق وسعة في الشرح عن الجدلي فقال:

(حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد، فاتبعتهم فدخلوا على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله فسمعتها تقول: يا شبيب بن ربعي، فأجابها رجل جلف حاف: لبيك يا أمتاه ؟

قالت: يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم ؟ قال: وإنى ذلك.

قالت: فعلي بن أبي طالب ؟ قال: إنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا.

قالت: فإني سمعت رسول الله صلى عليه وآله وسلم يقول:

«من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله تعالى»)(2).

فإذا كان هذا حال الصحابة والتابعيين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وهم قد ذهبوا للسلام على أم سلمة فكان أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر دليل صريح على تفشي هذا الظلم والمنكر والاجتراء على الله ورسوله صلى الله عليه وآله.

فكيف بأهل الشام وهم تحت إعلام معاوية بن أبي سفيان والمتلقي الأول

ص: 126


1- مسند أحمد: ج 6، ص 323؛ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 121.
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 121.

لأوامر الخليفة الأموي، فها هو حال أحدهم قد قدم إلى المدينة أيضاً قاصداً أهلها من الصحابة والتابعيين، فيقدم على عبد الله بن عباس لا لكي يستمع منه إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله فينقلها إلى أهل الشام فيكون ممن يبلغ عن أحكام الله، ولكن يبدو أنه قصد ابن عباس لكونه ابن علي بن أبي طالب عليه السلام كما يروي أبو بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة عن أبيه قال: (جاء رجل من أهل الشام فسب علياً عند ابن عباس، فحصبه ابن عباس، فقال:

يا عدو الله آذيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً)(1).

لو كان رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم حيا لآذيته)(2).

وعليه:

لم يكن تأويل هؤلاء العلماء الذين نقل عنهم النووي ليصمد أمام تلك النصوص الصريحة في تفشي آفت النفاق في زمن معاوية بن أبي سفيان وغيره من الأزمنة في بغضهم لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

4 - أما قوله: (هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك، فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب كانت مصيبة؛ وإن كان غير ذلك فله جواب آخر).

وهنا انتكاسة أخرى يقع فيها النووي في تأويله العجيب لهذا الحديث وأي

ص: 127


1- سورة الأحزاب، الآية: 58.
2- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 121.

انتكاسة أعظم من حمله امتناع سعد بن أبي وقاص عن سب علي بن أبي طالب عليه السلام إلى سببين.

السبب الأول: هو الورع الذي يقود صاحبه إلى الإجلال لعلي بن أبي طالب عليه السلام فيمتنع من السب، وهذا ذم في مدح؛ ففي الوقت الذي يمدح فيه علي بن أبي طالب عليه السلام وإنه جدير بالإجلال - في نفس الوقت - يقوم بذم سعد بن أبي وقاص حينما يكون امتناعه عن سب علي بن أبي طالب الخوف، فيعد خوفه وتورعه عن سب علي بن أبي طالب مصيبة ؟!!!

السبب الثاني: الخوف المبهم.

ترى من أي شيء يخاف سعد بن أبي وقاص أتراه يخاف من الحاكم الأموي معاوية الذي جلس بين يديه يريد منه أن يسب فخاف منه فامتنع وهذا لا يحدث إلا عند البلهاء والحمقى إذ إن سيرة العقلاء تقتضي العكس: أي أن يكون الخوف من الظالم والطاغوت سبباً للنزول عند رغبة هذا الفرعون أو النمرود أو ذاك المتجبر لا أن يمتنع عن رغباته.

وعليه لا يكون الخوف الذي منع سعد بن أبي وقاص سوى الخوف من غضب الله تعالى وغضب رسوله صلى الله عليه وآله، وعندها يكون سعد بن أبي وقاص وبحسب فهم النووي وتأويلاته (غير مصيب) وذلك أنه صوّب امتناعه بسبب الورع والإجلال لعلي عليه السلام أما الامتناع بسبب الخوف من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فغير صائب، عند النووي وإلا لما عد الخوف من الله الذي منعه من سب علي مصيبة.

ص: 128

ونحن نعتقد: أن السبب الذي منع سعد بن أبي وقاص من سب الإمام علي عليه السلام وتمرده على معاوية هي تلك الثلاثة التي ذكرها سعد بن أبي وقاص في وجه معاوية؛ ومن ثم فلا يقدم على سب رجلاً له هذه الثلاثة التي لم تكن لأحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله.

5 - أما قول النووي (ولعل سعداً كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار، وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال).

وأقول:

وهذا إقرار آخر من النووي بأن هناك طائفة من الصحابة والتابعيين كانوا يسبون علي بن أبي طالب عليه السلام بدليل ما ذكرناه سابقاً من رد أم المؤمنين أم سلمة على هذه الطائفة.

وإذا لم تكن هذه الطائفة من الصحابة والتابعيين فلماذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولماذا سكتوا على سب الله ورسوله في أنديتهم كما هو حال سعد بن أبي وقاص وبحسب تأويل النووي حينما قال: (ولعل سعداً كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار).

وأي عجز هذا الذي يمنعه من الإنكار على من يسبون الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما هو حجم إيمانه آنذاك وبماذا سيجيب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

6 - أما قول النووي: (ويحمل تأويلاً آخر: إن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده - أي علياً - وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ).

ص: 129

فهو أعجب ما في التأويل وأسخف ما قيل: وذلك إن يكون سب علي بن أبي طالب عليه السلام هو دليل على خطئه في اجتهاده، وأن يكون معاوية حسن الرأي صحيح الاجتهاد في سب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم حينما يسب علياً.

وكأن علي بن أبي طالب عليه السلام رجلاً مجهول الهوية، خفي على الناس حاله وأحواله، وسمته وصفاته حتى يحتاج الناس إلى سعد بن أبي وقاص كي يعرفهم بأنه كان غير صائب في رأيه واجتهاده، وأن معاوية كان حسن الرأي والاجتهاد.

فأين الناس عن عمار بن ياسر الذي لزم علي بن أبي طالب حتى استشهد بين يديه يقاتل معاوية صاحب الفئة الباغية بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟

وأين الناس عن أبي ذر الغفاري صاحب أصدق ذي لهجة الذي لزم علي بن أبي طالب عليه السلام، وأين سلمان الفارسي، وأبيُّ بن كعب، وحجر بن عدي، والبدريون الذين اصطفوا خلفه في الجمل، وصفين، أيكون هؤلاء على غير معرفة برأي علي فاتبعوه على عمى؛ أم أنهم تمسكوا به وقاتلوا بين يديه على عقدية ودراية وجهاد في سبيل الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

لكننا نود أن نقدم هنا للنووي ومشايخه الذين تعلم منهم هذا المنهج في التعامل مع الروايات الصحيحة، ونذكرهم بحكم من يسب علي بن أبي طالب عليه السلام، ونقدم لهم أيضاً حقيقة الحوار الذي دار بين معاوية بن أبي سفيان وسعد بن أبي وقاص الذي شاء مسلم بن الحجاج أن يخرجه مقرضاً بمقاريض علماء النووي.

ص: 130

ألف: ما عليه المذهب الشافعي

إن من المفارقات العجيبة أن يقوم النووي بتأويل حديث إمتناع سعد بن أبي وقاص لأمر معاوية بن أبي سفيان بسب علي بن أبي طالب عليه السلام ثم يقوم بإخراج حكماً فيمن يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول في مجموعه:

(ومن أصحابنا من قال: من سب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وجب قتله)(1).

باء: ما عليه المذهب المالكي في حكم من سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

قال الآبي الأزهري:

(ومن سب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم بان ذكر ما يدل على النقص (قتل حدا) أي إن تاب أو أنكر ما شهدت به عليه البينة ولا تفيد التوبة سقوط الحد، ولذا لا تقبل توبته)(2).

جيم: ما عليه المذهب الحنفي في حكم من سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

1 - (من سب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فإنه مرتد، وحكمه حكم المرتد، ويفعل به ما يفعل بالمرتد)(3).

2 - (أيما رجل مسلم سب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم أو كذبه، أو عابه، أو تنقصه، فقد كفر بالله تعالى وبانت منه امرأته، فإن تاب وإلا قتل)(4).

ص: 131


1- المجموع لمحي الدين النووي: ج 19، ص 424.
2- الثمر الداني للآبي الأزهري: ص 589.
3- الدر المختار للحصكفي: ج 4، ص 420.
4- حاشية رد المختار لابن عابدين: ج 4، ص 419.
دال: ما ذهب إليه المذهب الحنبلي في حكم من سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

(ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحاً أو جاداً وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه، قال الله تعالى:

(وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمٰا كُنّٰا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللّٰهِ وَ آيٰاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ )(1) (2).

وعليه: فحكم من سب علي بن أبي طالب عليه السلام عند المذاهب الأربعة هو القتل لأنه كافر، مرتد، وذلك أن من سبه عليه السلام فقد سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن سب رسول الله فقد سب الله - نعوذ بالله -، فهؤلاء الذين كانوا يسبون علياً: هم بحسب المذاهب الإسلامية الأربعة (كفار، مرتدين، يجب قتلهم، لا تقبل لهم توبة).

أما حقيقة الحادثة التي جرت بين معاوية بن أبي سفيان وسعد بن أبي وقاص فقد أخرجها غير واحد من الحفاظ عن أبي زرعة الدمشقي قال: (حدثنا أحمد بن خالد الذهبي أبو سعيد، حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن أبيه قال:

لما حج معاوية وأخذ بيد سعد بن أبي وقاص فقال يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو حتى كدنا أن ننسى بعض سننه، فطف نطف بطوافك، قال: فلما فرغ أدخله دار الندوة فأجلسه معه على سريرة ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه فقال:

ص: 132


1- سورة التوبة، الآية: 65.
2- المغني لعبد الله بن قدامة: ج 10، ص 113.

أدخلتني دارك وأجلستني على سريرك ثم وقعت في علي تشتمه ؟ والله لأن يكون فيّ إحدى خلاله الثلاث أحب إليّ من أين يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون لي ما قال له حين غز تبوكاً:

«ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»؟

أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس.

ولأن يكون لي ما قال له يوم خيبر:

«لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار».

أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس.

ولأن أكون صهره على ابنته ولي منها من الولد أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك داراً بعد هذا اليوم، ثم نفض رداءه ثم خرج)(1).

وخير ما نختم به قولنا للنووي وتأويله لحديث مسلم بن الحجاج في أمر معاوية بن أبي سفيان لسعد بن أبي وقاص في سب علي بن أبي طالب عليه السلام ما روي عن علي عليه السلام حينما بلغه إن معاوية يسبه، وهو ما أخرجه الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، قال:

(خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه من النهروان وبلغه أن معاوية يسبه ويلعنه، ويقتل أصحابه فقام خطيباً

ص: 133


1- البداية والنهاية لابن كثير: ج 7، ص 376؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42، ص 119.

فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر ما أنعم الله على نبيه وعليه، ثم قال:

«لولا آية في كتاب الله ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا، يقول الله عز وجل:

(وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )(1).

اللهم لك الحمد على نعمك التي لا تحصى، وفضلك الذي لا ينسى، يا أيها الناس إنه بلغني ما بلغني وإني أراني قد اقترب أجلي، وكأني بكم وقد جهلتم أمري، وإني تارك فيكم ما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله كتاب الله وعترتي وهي عترة الهادي إلى النجاة خاتم الأنبياء، وسيد النجباء، والنبي المصطفى، يا أيها الناس لعلكم لا تسمعون قائلاً يقول مثل قولي بعدي إلا مفتر، أنا أخو رسول الله، وابن عمه، وسيف نقمته، وعماد نصرته وبأسه وشدته، أنا رحى جهنم الدائرة، وأضراسها الطاحنة، أنا موتم البنين والبنات، أنا قابض الأرواح، وبأس الله الذي لا يرده عن القوم المجرمين، أنا مجدل الأبطال، وقاتل الفرسان، ومبير من كفر بالرحمن، وصهر خير الأنام، أنا سيد الأوصياء ووصي خير الأنبياء، أنا باب مدينة العلم، وخازن علم رسول الله ووارثه، وأنا زوج البتول سيده نساء العالمين فاطمة التقية النقية الزكية المبرة المهدية، حبيبة حبيب الله وخير بناته وسلالته وريحانة رسول الله، سبطاه خير الأسباط، وولداي خير الأولاد.

هل أحد ينكر ما أقول ؟ أين مسلموا أهل الكتاب ؟

أنا اسمي في الإنجيل (اليا) وفي التوراة (برئ) وفي الزبور (أري) وعند الهند (كبكر)

ص: 134


1- سورة الضحى، الآية: 11.

وعند الروم (بطريسا) وعند الفرس (جبتر) وعند الترك (بثير) وعند الزنج (حيتر) وعند الكهنة (بويئ) وعند الحبشة (بثريك) وعند أمي (حيدرة) وعند ظئري (ميمون) وعند العرب (علي) وعند الأرمن (فري) وعن أبي (ظهير).

ألا وإني مخصوص في القرآن بأسماء، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم، يقول الله عز وجل:

(اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ )(1).

أنا ذلك الصادق، وأنا المؤذن في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل:

(فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اَللّٰهِ عَلَى اَلظّٰالِمِينَ )(2).

أنا ذلك المؤذن، وقال - عزّ وجل -:

(وَ أَذٰانٌ مِنَ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ )(3).

فأنا ذلك الأذان، وأنا المحسن، يقول الله عز وجل:

(وَ إِنَّ اَللّٰهَ لَمَعَ اَلْمُحْسِنِينَ )(4).

وأنا ذو القلب، فيقول الله:

(إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَذِكْرىٰ لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ )(5).

ص: 135


1- سورة التوبة، الآية: 119.
2- سورة الأعراف، الآية: 44.
3- سورة التوبة، الآية: 3.
4- سورة العنكبوت، الآية: 69.
5- سورة ق، الآية: 37.

وأنا الذاكر، يقول الله عز وجل:

(اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اَللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ )(1).

ونحن أصحاب الأعراف أنا وعمي وأخي وابن عمي.

والله فالق الحب والنوى لا يلج النار لنا محب، ولا يدخل الجنة لنا مبغض، يقول الله عز وجل:

(اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمٰاهُمْ )(2).

وأنا الصهر، يقول الله عز وجل:

(وَ هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ مِنَ اَلْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً)(3).

وأنا الاذن الواعية، يقول الله عز وجل:

(وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ )(4).

وأنا السلم لرسله يقول الله عز وجل:

(وَ رَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ )(5).

ومن ولدي مهدي هذه الأمة.

ألا وقد جعلت محنتكم ببغضي يعرف المنافقون، وبمحبتي امتحن الله المؤمنين،

ص: 136


1- سورة آل عمران، الآية: 191.
2- سورة الأعراف، الآية: 46.
3- سورة الفرقان، الآية: 54.
4- سورة الحاقة، الآية: 12.
5- سورة الزمر، الآية: 29.

هذا عهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق، وأنا صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وآله في الدنيا والآخرة، ورسول الله فرطي، وأنا فرط شيعتي، والله لا عطش محبي، ولا خاف وليي، وأنا ولي المؤمنين، والله وليي حسب محبي أن يحبوا ما أحب الله، وحسب مبغضي أن يبغضوا ما أحب الله، ألا وإنه بلغني أن معاوية سبني ولعنني.

اللهم اشدد وطأتك عليه، وأنزل اللعنة على المستحق، آمين (يا) رب العالمين، رب إسماعيل وباعث إبراهيم إنك حميد مجيد».

ثم نزل عليه السلام عن أعواده فما عاد إليها حتى قتله ابن ملجم - لعنه الله -)(1).

ثانيا: تبجح الحجاج بن يوسف الثقفي في نكران إن (أبناءنا) هم الحسن والحسين وإنهما أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

قال الشعبي كنت بواسط وكان يوم أضحى فحضرت صلاة العيد، مع الحجاج فخطب خطبة بليغة فلما انصرف جاءني رسوله فأتيته فوجدته جالساً مستوفراً قال:

يا شعبي هذا يوم أضحى وقد أردت أن أضحى برجل من أهل العراق وأحببت أن تسمع قوله فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به.

فقلت: أيها الأمير لو ترى أن تستن بسنة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وتضحي بما أمر أن يضحى به وتفعل مثل فعله وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره.

ص: 137


1- معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص 60؛ البحار للمجلسي: ج 33، ص 285؛ الدر النظيم لابن حاتم العاملي: ص 240.

فقال: يا شعبي إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه لكذبه على الله وعلى رسوله وإدخاله الشبهة في الإسلام قلت: أفيرى الأمير أن يعفني من ذلك ؟

قال: لابد منه.

ثم أمر بنطع فبسط وبالسياف فأحضر وقال: أحضروا الشيخ فأتوه به فإذا هو يحيى بن يعمر فأغممت غما شديداً فقلت: في نفسي وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله.

فقال له الحجاج: أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟ قال يحيى: أنا فقيه من فقهاء أهل العراق.

قال: فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين - عليهما السلام - من ذرية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

قال: ما أنا زاعم ذلك بل قائل بحق.

قال: وبأي حق قلت ؟

قال: بكتاب الله عزّ وجل.

فنظر إليّ الحجاج، وقال: اسمع ما يقول، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه أتعرف أنت في كتاب الله عزّ وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فجعلت أفكر في ذلك فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك وفكر الحجاج ملياً ثم قال: ليحيى لعلك تريد قول الله عزّ وجل:

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ

ص: 138

وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ )(1).

وأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين - عليهما السلام -.

قال الشعبي: فكأنما أهدى لقلبي سروراً وقلت في نفسي قد خلص يحيى، وكان الحجاج حافظاً للقرآن.

فقال: له يحيى والله إنها لحجة في ذلك بليغة ولكن ليس منها أحتج لما قلت فاصفر وجه الحجاج وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى، وقال: إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة آلاف درهم وإن لم تأت بها فأنا في حل من دمك.

قال: نعم.

قال الشعبي: فغمني قوله فقلت أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو.

فقال يحيى للحجاج قول الله عزّ وجل:

(وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ )(2).

ص: 139


1- سورة آل عمران، الآية: 61.
2- سورة الأنعام، الآية: 84.

من عني بذلك قال الحجاج: إبراهيم.

قال: فداود وسليمان من ذريته ؟

قال: نعم.

قال: يحيى ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟

فقرأ الحجاج:

(وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ وَ كَذٰلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ ).

قال يحيى: ومن قال:

(وَ زَكَرِيّٰا وَ يَحْيىٰ وَ عِيسىٰ )(1).

قال يحيى: ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ولا أب له، قال: من قبل أمه مريم، قال يحيى: فمن أقرب مريم من إبراهيم أم فاطمة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعيسى من إبراهيم عليه السلام أم الحسن والحسين عليهما السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الشعبي: فكأنما ألقمه حجراً.

فقال - الحجاج -: أطلقوه قبحه الله وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله له فيها ثم أقبل عليّ ، فقال: قد كان رأيك صواباً ولكنا أبيناه ودعا بجزور فنحروه وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه وما تكلم بكلمة حتى انصرفنا ولم يزل مما احتج به يحيى بن يعمر واجما)(2).

ص: 140


1- سورة الأنعام، الآية: 85.
2- كنز الفوائد للكراكي: ص 167؛ البحار للمجلسي: ج 10، ص 147.
المسألة الثانية: الآيات الخاصة لبيان منزلة فاطمة في سورة آل عمران
أولا: منزلة فاطمة عليها السلام في قوله تعالى: (فتقبلها ربها بقبول حسن و أنبتها نباتا حسنا و كفلها زكريا)

(فَتَقَبَّلَهٰا رَبُّهٰا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَهٰا نَبٰاتاً حَسَناً وَ كَفَّلَهٰا زَكَرِيّٰا كُلَّمٰا دَخَلَ عَلَيْهٰا زَكَرِيَّا اَلْمِحْرٰابَ وَجَدَ عِنْدَهٰا رِزْقاً قٰالَ يٰا مَرْيَمُ أَنّٰى لَكِ هٰذٰا قٰالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ )(1).

لقد ذكرنا في المبحث الأول: في منزلة فاطمة عليها السلام في نزول الطعام إليها من السماء ودخول زكريا عليها ليشاهد هذه الكرامة التي أكرمها الله تعالى بها، وتحقق هذه الكرامة في هذه الأمة لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت وكما رواها العياشي في تفسيره:

(عن سيف عن نجم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«إن فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقم البيت، وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام.

فقال لها يوما: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: لا والذي عظم حقك، ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به، قال: أفلا أخبرتني ؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاني أن أسألك شيئا، فقال: لا تسألي ابن عمك شيئاً إن جاءك بشيء عفو وإلا فلا تسأليه.

ص: 141


1- سورة آل عمران، الآية: 37.

قال - الإمام الصادق عليه السلام -: «فخرج الإمام علي عليه السلام فلقي رجلاً فاستقرض منه دينارا، ثم أقبل به وقد أمسى فلقي مقداد بن الأسود، فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة ؟ قال: الجوع والذي عظم حقك يا أمير المؤمنين».

قال: قلت لأبي جعفر ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حي ؟

قال:

«ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حي».

قال: فهو أخرجني وقد استقرضت ديناراً وسأوثرك به، فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً وفاطمة تصلي وبينهما شيء مغطى، فلما فرغت أحضرت ذلك الشيء فإذا جفنة من خبز ولحم.

قال: يا فاطمة أنى لك هذا، قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أحدثك بمثلك ومثلها، قال: بلى، قال: مثل زكريا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا، قال يا مريم أنى لك هذا قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فأكلوا منها شهراً وهي الجفنة التي يأكل منها القائم عليه السلام وهي عندنا»)(1).

ثانياً: فاطمة في قوله تعالى:

(فَاسْتَجٰابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاٰ أُضِيعُ عَمَلَ عٰامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثىٰ )(2).

1 - روى ابن شهر آشوب عن عمار بن ياسر قال:

ص: 142


1- تفسير العياشي: ج 1، ص 172؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 31.
2- سورة آل عمران، الآية: 195.

(فالذكر علي والأنثى فاطمة وقت الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليلة)(1).

2 - وروى ابن شهر - كذلك - (عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى:

(وَ مٰا خَلَقَ اَلذَّكَرَ وَ اَلْأُنْثىٰ )(2)،

«فالذكر أمير المؤمنين والأنثى فاطمة»، (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّٰى)(3)،

«لمختلف»، (فَأَمّٰا مَنْ أَعْطىٰ وَ اِتَّقىٰ (4) وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ )(5)،

«بقوته وصام حتى وفى بنذره وتصدق بخاتمه وهو راكع وآثر المقداد بالدينار على نفسه».

قال:

(وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ )،

«وهي الجنة والثواب من الله»، (فَسَنُيَسِّرُهُ )،

«لذلك وجعله إماماً في الخير وقدوة وأبا للأئمة يسره الله»، (لِلْيُسْرىٰ )5 (6).

3 - وروى الشيخ الطوسي في حديث الهجرة وعند ذكره لخروج الإمام علي عليه السلام والفواطم معه من مكة إلى المدينة فقال:

(حتى نزل ظاهراً قاهراً ضجنان، فتلوم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظل ليلته تلك هو والفواطم - أمه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة بنت الزبير - طررا يصلون وطورا يذكرون الله قياما

ص: 143


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 319.
2- سورة الليل، الآية: 3.
3- سورة الليل، الآية: 4.
4- سورة الليل، الآية: 7.
5- سورة الليل، الآيتان: 5 و 6.
6- المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 319.

وقعودا وعلى جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى عليه السلام بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله، والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه حتى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالى:

(اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اَللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ فَقِنٰا عَذٰابَ اَلنّٰارِ (191) رَبَّنٰا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ اَلنّٰارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَ مٰا لِلظّٰالِمِينَ مِنْ أَنْصٰارٍ (192) رَبَّنٰا إِنَّنٰا سَمِعْنٰا مُنٰادِياً يُنٰادِي لِلْإِيمٰانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنّٰا رَبَّنٰا فَاغْفِرْ لَنٰا ذُنُوبَنٰا وَ كَفِّرْ عَنّٰا سَيِّئٰاتِنٰا وَ تَوَفَّنٰا مَعَ اَلْأَبْرٰارِ (193) رَبَّنٰا وَ آتِنٰا مٰا وَعَدْتَنٰا عَلىٰ رُسُلِكَ وَ لاٰ تُخْزِنٰا يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ إِنَّكَ لاٰ تُخْلِفُ اَلْمِيعٰادَ (194) فَاسْتَجٰابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاٰ أُضِيعُ عَمَلَ عٰامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثىٰ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ )(1).

الذكر علي، والأنثى الفواطم المتقدم ذكرهن، وهن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت الزبير بعضهم من بعض يقول: علي من فاطمة - أو قال: الفواطم - وهن من علي.

(فَالَّذِينَ هٰاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قٰاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئٰاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ ثَوٰاباً مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ عِنْدَهُ حُسْنُ اَلثَّوٰابِ )(2).

ص: 144


1- سورة آل عمران، الآيات: 191-195.
2- الأمالي للطوسي: ص 471.

المبحث الثالث: منزلة فاطمة عليها السلام الخاصة والمشتركة مع أهل البيت عليهم السلام في بقية السور القرآنية

المسألة الأولى: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الأنعام

قال تعالى:

(وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنٰا وَ نُوحاً هَدَيْنٰا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ وَ كَذٰلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ (84) وَ زَكَرِيّٰا وَ يَحْيىٰ وَ عِيسىٰ وَ إِلْيٰاسَ كُلٌّ مِنَ اَلصّٰالِحِينَ )(1).

روى بن شعبة الحراني عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام حينما دخل على هارون العباسي فسأله هارون قائلاً: (أريد أن أسألك عن العباس وعلي بم صار علي أولى بميراث رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم من العباس والعباس عم رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وصنو أبيه فقال له موسى عليه السلام:

«أعفني».

ص: 145


1- سورة الأنعام، الآيتان: 84 و 85.

قال: والله لا أعفيتك فأجبني، قال عليه السلام:

«فإن لم تعفني فآمني».

قال: آمنتك، قال موسى عليه السلام:

«إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إن أباك العباس آمن ولم يهاجر وإن عليا عليه السلام آمن وهاجر، وقال الله:

(وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهٰاجِرُوا مٰا لَكُمْ مِنْ وَلاٰيَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ حَتّٰى يُهٰاجِرُوا)(1)

فالتمع لون هارون وتغير، وقال: ما لكم لا تنسبون إلى علي هو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وهو جدكم ؟ فقال موسى عليه السلام:

«إن الله نسب المسيح عيسى بن مريم عريه السلام إلى خليله إبراهيم عليه السلام بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله:

(وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسىٰ وَ هٰارُونَ وَ كَذٰلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ (8(4) وَ زَكَرِيّٰا وَ يَحْيىٰ وَ عِيسىٰ وَ إِلْيٰاسَ كُلٌّ مِنَ اَلصّٰالِحِينَ ).

فنسب بأمه وحدها إلى خليله إبراهيم عليه السلام، كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون عليهم السلام بآبائهم وأمهاتهم فضيلة لعيسى عليه السلام ومنزلة رفيعة بأمه وحدها.

وذلك قوله في قصة مريم عليها السلام:

(إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اِصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ اَلْعٰالَمِينَ )(2).

ص: 146


1- سورة الأنفال، الآية: 72.
2- سورة آل عمران، الآية: 42.

بالمسيح من غير بشر، وكذلك اصطفى ربنا فاطمة عليها السلام وطهرها وفضلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة»)(1).

المسألة الثانية: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الأعراف

قال تعالى:

(وَ بَيْنَهُمٰا حِجٰابٌ وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ وَ نٰادَوْا أَصْحٰابَ اَلْجَنَّةِ أَنْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهٰا وَ هُمْ يَطْمَعُونَ )(2).

تناولت الأحاديث الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام آية الأعراف في بيان واضح يشير إلى أن عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم المخصوصين بالأعراف، وهم المعنيون بهذا المقام في يوم القيامة، وسنورد هنا بعض هذه الأحاديث كشواهد على بيان هذه المنزلة التي كان لفاطمة عليها السلام فيها نصيب ومنزلة.

1 - روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن بريد عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

«الأعراف كثبان بني الجنة والنار، والرجال الأئمة عليهم السلام يقفون على الأعراف مع شيعتهم قد سبق المؤمنون إلى الجنة بلا حساب، فيقول الأئمة لشيعتهم من أصحاب الذنوب: أنظروا إلى أخوانكم في الجنة قد سبقوا إليها بلا حساب، وهو قول الله تعالى:

ص: 147


1- تحف العقول للبحراني: ص 405.
2- سورة الأعراف، الآية: 46.

(سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهٰا وَ هُمْ يَطْمَعُونَ ).

ثم يقولون لهم: أنظروا إلى أعداءكم في النار وهو قوله:

(وَ إِذٰا صُرِفَتْ أَبْصٰارُهُمْ تِلْقٰاءَ أَصْحٰابِ اَلنّٰارِ قٰالُوا رَبَّنٰا لاٰ تَجْعَلْنٰا مَعَ اَلْقَوْمِ اَلظّٰالِمِينَ (47) وَ نٰادىٰ أَصْحٰابُ اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمٰاهُمْ )(1)، في النار، ف - (قٰالُوا مٰا أَغْنىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ )، في الدنيا (وَ مٰا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ )، ثم يقولون لمن في النار من أعدائهم هؤلاء شيعتي وإخواني الذين كنتم أنتم تحلفون في الدنيا أن لا ينالهم الله برحمة، ثم يقول الأئمة لشيعتهم (اُدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ لاٰ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لاٰ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ )(2).

2 - روى الشيخ الطبرسي عن الأصبغ بن نباتة قال:

(كنت عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين قول الله عزّ وجل:

(وَ لَيْسَ اَلْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهٰا وَ لٰكِنَّ اَلْبِرَّ مَنِ اِتَّقىٰ وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰابِهٰا)(3).

قال:

«نحن البيوت التي أمر الله أن تؤتي من أبوابها نحن باب الله وبيوته الذي يؤتي منه، فمن يأتينا وآمن بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها، ومن خالفنا وفضل علينا

ص: 148


1- سورة الأعراف، الآيتان: 47 و 48.
2- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 232؛ البحار للمجلسي: ج 24، ص 247.
3- سورة البقرة، الآية: 189.

غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها».

فقال: يا أمير المؤمنين:

(وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ )؟

فقال عليه السلام:

«نحن الأعراف، نعرف أنصارنا بأسمائهم، ونحن الأعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا، ونحن الأعراف نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه، رزق من الله، لو شاء عرف الناس نفسه حتى يعرفوا حده ويأتوه من بابه، ولكنا جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه».

قال:

«فمن عدل عن ولايتنا وفضل علينا غيرنا فإنهم عن الصراط لناكبون»)(1).

3 - روى فرات الكوفي عن ابن عباس في قوله تعالى:

(وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ ).

قال:

- هم - النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وعلي بن أبي طالب عليه السلام؛ وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام على سور بين الجنة والنار يعرفون المحبين لهم ببياض الوجوه، والمبغضين لهم بسواد الوجوه)(2).

ص: 149


1- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 232؛ البحار للمجلسي: ج 24، ص 247.
2- تفسير فرات الكوفي: ص 144؛ البحار: ج 24، ص 255.
المسألة الثالثة: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة يونس

(قُلْ بِفَضْلِ اَللّٰهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّٰا يَجْمَعُونَ )(1).

هذه الآية وردت فيها اقوال عدة، منها ما جعلتها خاصة بأهل البيت جميعاً ومنها ما نصت على أنها من الآيات الخاصة ببعض رموز أهل البيت عليهم السلام؛ فمنها:

1 - روى الشيخ الكليني رحمه اله عن محمد بن الفضيل عن الإمام الرضا عليه السلام قال: (قلت:

(قُلْ بِفَضْلِ اَللّٰهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّٰا يَجْمَعُونَ ).

قال عليه السلام:

«بولاية محمد، وآل محمد عليهم السلام خير مما يجمعون هؤلاء من دنياهم»(2).

2 - وروى الشيخ الصدوق رحمه الله (عن الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال:

«خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وهو راكب، وخرج علي عليه السلام وهو يمشي فقال له: يا أبا الحسن، إما أن تركب، وإما أن تنصرف، فإنّ الله عزّ وجل أمرني أن تركب إذا ركبت، وتمشي إذا مشيت، وتجلس إلا جلست، إلا أني كون حد من حدود الله لابد لك من القيام والقعود فيه، وما أكرمني الله بكرامة إلا وقد أكرمك بمثلها، وخصني بالنبوة والرسالة،

ص: 150


1- سورة يونس، الآية: 58.
2- الكافي للكليني: ج 1، ص 423.

وجعلك وليي في ذلك، تقوم في حدوده وفي صعب أموره، والذي بعث محمداً بالحق نبيا ما آمن بي من أنكرك، ولا أقر بين من جحدك، ولا آمن بالله من كفر بك، وإن فضلك لمن فضلي، وإن فضلي لك لفضل الله، وهو قول ربي عزّ وجل:

(قُلْ بِفَضْلِ اَللّٰهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّٰا يَجْمَعُونَ ).

ففضل الله نبوة نبيكم، ورحمته ولاية علي بن أبي طالب، (فبذلك) قال: بالنبوة الولاية (فليفرحوا) يعني الشيعة (وهو خير مما يجمعون) يعني مخالفيهم نم الأهل والمال والولد في دار الدنيا»)(1).

3 - روى الشيخ ابن شهر (عن ابن عباس في بيان قوله تعالى:

(قُلْ بِفَضْلِ اَللّٰهِ ) ، علي - بن أبي طالب - و (وَ بِرَحْمَتِهِ ) : فاطمة)(2).

المسألة الرابعة: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة إبراهيم عليه السلام

قال تعالى:

(أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اَللّٰهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي اَلسَّمٰاءِ )(3).

تشير الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام إلى أن هذه الآية هي من الآيات العامة والمخصوصة بخمسة أصحاب الكساء عليهم السلام، فكانت كالآتي:

ص: 151


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 583، برقم 16/803.
2- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام لابن شهر آشوب: ج 2، ص 294.
3- سورة إبراهيم، الآية: 24.

1 - روى الصفار (المتوفى سنة 290 ه -) عن سلام بن المستنير، (قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى:

(كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي اَلسَّمٰاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهٰا)(1).

فقال عليه السلام:

«الشجرة رسول الله نسبة ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة علي وعنصر الشجرة فاطمة وأغصانها الأئمة وورقها الشيعة، وأن الرجل منهم ليموت فتسقط منها ورقة وإن منهم ليولد فتورق ورقة».

قال: قلت له:

جعلت فداك قوله تعالى:

(تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهٰا).

قال عليه السلام:

«هو ما يخرج من الإمام من الحلال والحرام في كل سنة إلى شيعته»)(2).

2 - روى الشيخ الطبرسي رحمه الله عن ابن عباس قال: (قال جبرائيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنت الشجرة، وعلي غصنها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها»)(3).

ص: 152


1- سورة إبراهيم، الآيتان: 24 و 25.
2- بصائر الدرجات للصفار: ص 79.
3- تفسير مجمع البيان: ج 6، ص 74.
المسألة الخامسة: منزلة فاطمة في سورة الحجر

قال تعالى:

(رُبَمٰا يَوَدُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كٰانُوا مُسْلِمِينَ )(1).

هذه الآية من مختصات يوم القيامة وبعض أحداثه المهولة والشديدة التي أخبر عنها القرآن في مواضع كثيرة تكشف عن تلك الأحداث والمجريات، فكان من بينها جزاء من كان يعتقد بالولاية لأهل البيت عليهم السلام؛ وجزاء النواصب الذين نصبوا لهم العداء والحرب والمواكبة على هذا النهج على مرور الزمن.

ولذلك:

يتحدث القرآن وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الحدث في يوم القيامة، فيحدث الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن جده الإمام الصادق عليه السلام فيقول:

«(وهذا اليوم يوم الموت) فإنه الشفاعة والفداء لا يغني عنه، فأما في القيامة فإنا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن على الأعراف بين الجنة والنار (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والطيبون من آلهم) فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات ممن كان منهم مقصراً في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظائرهم في العصر الذي يليهم، ثم في كل عصر إلى يوم القيامة، فينقضون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما تتناول البزاة والصقور صيدها، فيزفونهم إلى الجنة زفا.

ص: 153


1- سورة الحجر، الآية: 2.

وإنا لنبعث على آخرين من محبينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهما من العرصات كما يلتقط الطير الحب، وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا، وسيؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في أعماله، بعد أن قد حاز الولاية والتقية وحقوق إخوانه، ويوقف بإزائه ما بين مائة وأكثر من ذلك إلى مائة ألف من النصاب فيقال له هؤلاء فداؤك من النار.

فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة، وأولئك النصاب النار، وذلك ما قال الله عزّ وجل:

(رُبَمٰا يَوَدُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا).

يعني بالولاية.

(لَوْ كٰانُوا مُسْلِمِينَ ).

في الدنيا منقادين للإمامة، ليجعل مخالفوهم فداءهم من النار»)(1).

والحديث له علاقة وثيقة - كما هو واضح - بمقام أهل البيت عليهم السلام في يوم القيامة فكان من شأنهم أن يكون لهم هذا الموقف على الأعراف وما يليه من شؤون الشفاعة.

المسألة السادسة: منزلة فاطمة في سورة النحل

قال تعالى:

(إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي اَلْقُرْبىٰ وَ يَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )(2).

ص: 154


1- تفسير الإمام العسكري: ص 241.
2- سورة النحل، الآية: 90.

هذه الآية الكريمة من الآيات العامة المشتركة بين أصحاب الكساء عليهم السلام، فقد روى فرات الكوفي في تفسيره عن الحسين بن سعيد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:

(كنت معه جالساً فقال لي:

«إنّ الله تعالى يقول:

(إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي اَلْقُرْبىٰ ).

قال: العدل (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) والإحسان (أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه لسلام)، وإيتاء ذي القربى (فاطمة الزهراء عليها السلام)»(1).

المسألة السابعة: منزلة فاطمة في سورة الإسراء

قال تعالى:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ وَ اَلْمِسْكِينَ وَ اِبْنَ اَلسَّبِيلِ وَ لاٰ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً)(2).

إنّ هذه الآية المباركة من الآيات الخاصة في بيان منزلة فاطمة عند الله تعالى وإظهار شأنيتها واختصاصها بتشريع قرآني جديد في مجال الاقتصاد الإسلامي وتمويل ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكفالتهم ضمن تخصيص شرائعي وتأصيل قرآني يضع لهذه الأمة قانوناً في مجالي الأحوال الشخصية الخاصة بذي القربى ومجال الإنفاق العام الذي تتولى الإشراف عليه رأس الحكومة الإسلامية ممثلة بشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ينوب عنه بوجه

ص: 155


1- تفسير فرات الكوفي: ص 236.
2- سورة الإسراء، الآية: 26.

شرعي يكون له حكم الإمضاء والإفتاء والتصرف وتعريف شؤون الأمة والحكومة الإسلامية.

كي لا يقع انتهاك لهذا التشريع الإلهي والتأسيس القرآني الذي عمل به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فور نزوله من الله تعالى.

فضلاً عن ذلك فقد نالت هذه الآية نصيبها الأوفر في المسائل العقدية، فقد شكلت أحد مفاصل نظام إقصاء عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتجريدهم من حقوقهم ومنع الناس من التواصل معهم فكانت (فدك) وهي سبب نزول الآية، وسبب تشكيل نظام الإقصاء المالي والتجري على الحرمات وظهور طور جديد من الاجتهادات الشخصية في الافتاء والتشريع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأيام معدودات برز فيها الإفتاء الشخصي ممن جلس على سدة الحكم.

وفي ذلك يروي الشيخ الطوسي رحمه الله وغيره:

(أنه لما نزلت هذه الآية استدعى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة وأعطاها فدكا وسلمه إليها وكان وكلاؤها فيها طول حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما مضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذها أبو بكر، ودفعها عن النحلة - التي نحلها إياها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - والقصة في ذلك مشهورة.

فلما لم يقبل بينتها، ولا قبل دعواها طالبت بالميراث، لأن من له الحق إذا منع منه من وجه جاز له أن يتوصل إليه بوجه آخر، فقال لها سمعت رسول الله يقول:

ص: 156

«نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدفة».

فمنعها الميراث أيضا وكلامهما في ذلك مشهور)(1).

ولنا كلام آخر وبيان مع هذه الآية المباركة في مبحث فدك في فصل ظلامتها عليها السلام - إنشاء الله تعالى -.

المسألة الثامنة: منزلة فاطمة في سورة الكهف

قال تعالى:

(وَ أَمَّا اَلْجِدٰارُ فَكٰانَ لِغُلاٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي اَلْمَدِينَةِ وَ كٰانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمٰا وَ كٰانَ أَبُوهُمٰا صٰالِحاً)(2).

وهي من الآيات التي تكشف عن حق أبناء رسول الله وعلي وفاطمة وخديجة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على هذه الأمة ووجوب حفظهم ورعايتهم وصيانة حقهم وحرمتهم.

وقد روى في ذلك فرات الكوفي في تفسيره عن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله تعالى:

(وَ أَمَّا اَلْجِدٰارُ فَكٰانَ لِغُلاٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي اَلْمَدِينَةِ وَ كٰانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمٰا وَ كٰانَ أَبُوهُمٰا صٰالِحاً).

ص: 157


1- التبيان للشيخ الطوسي: ج 6، ص 468؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 438؛ سعد السعود: ص 102؛ دعائم الإسلام للقاضي المغربي: ج 1، ص 385؛ تفسير القمي: ج 2، ص 18-19؛ تفسير فرات الكوفي: ص 322.
2- سورة الكهف، الآية: 82.

قال:

«فحفظ الغلامان بصلاح أبيهما فمن أحق أن يرجو الحفظ من الله بصلاح من مضى من آبائه منا؛ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدنا، وابن عمه المؤمن به المهاجر معه أبونا، وابنته أمنا، وزوجته أفضل أزواجه جدتنا، فأي الناس أعظم عليكم حقا في كتابه، ثم نحن من أمته وعلى ملته ندعوكم إلى سنته والكتاب الذي جاء به من ربه، أن تحلوا حلاله وتحرموا حرامه وتعملوا بحكمه عند تفرق الناس واختلافهم»)(1).

وللآية شاهد آخر يحتج به الإمام أبو عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام في رده على نافع بن الأزرق الذي كان يتبع أهل الفئة الباغية معاوية بن أبي سفيان وشيعته الذين خرجوا لحرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؛ والذين قتلوا عمار بن ياسر كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل.

والشاهد كما أخرجه الشيخ الصدوق والعياشي وابن عساكر، قال:

(بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق، فقال: يا ابن عباس تفتي في النحلة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده، فأطرق ابن عباس طويلاً مستبطئاً بقوله فقال له الحسين - عليه السلام -:

«إليّ يا بن الأزرق المتورط في الضلالة، المرتكن في الجهالة، أجيبك عما سألت عنه».

فقال: ما إياك سألت فتجيبني، فقال له ابن عباس: مه عن ابن رسول الله،

ص: 158


1- تفسير فرات الكوفي: ص 246؛ البحار للمجلسي: ج 33، ص 424.

فإنه من أهل بيت النبوة ومعه من (معدن) الحكمة، فقال له صف لي فقال - عليه السلام - له:

«أصفه بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب غير ملتزق، وبعيد غير مقص، يوحد ولا يتبعض لا إله إلا هو الكبير المتعال».

قال: فبكى ابن الأزرق بكاءاً شديداً فقال له الحسين - عليه السلام -:

«ما يبكيك ؟».

قال: بكيت من حسن وصفك، قال - عليه السلام -:

«يا بن الأزرق أني أخبرت: أنك تكفّر أبي وأخي وتكفرني ؟».

قال له نافع: لئن قلت ذاك لقد كنتم الحكام، ومعالم الإسلام، فلما بدلتم استبدلنا بكم.

فقال له الحسين - عليه السلام -:

«يا بن الأزرق أسالك عن مسألة فأجبني عن قول الله لا إله إلا هو:

(وَ أَمَّا اَلْجِدٰارُ فَكٰانَ لِغُلاٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي اَلْمَدِينَةِ وَ كٰانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمٰا).

إلى قوله: (كنزهما) من حفظ فيهما؟ قال: أبوهما.

قال عليه السلام:

«فأيهما أفضل أبويهما أم رسول الله وفاطمة ؟».

قال: لا بل رسول الله وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، قال - عليه السلام -:

ص: 159

«فما حفظهما حتى حيل بيننا وبين الكفر».

فنهض ثم نفض بثوبه ثم قال:

«قد نبأنا لله عنكم معشر قريش أنتم قوم خصمون»)(1).

المسألة التاسعة: منزلتها في سورة طه
أولا: قال تعالى: (و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك و العاقبة للتقوى)

أولا: قال تعالى: (و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك و العاقبة للتقوى)(2).

هذه الآية المباركة تدل ومن خلال فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع بيت فاطمة وعلي عليهما السلام على أن أهل هذا البيت هم أهل بيت النبوة، وأنهم آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فقد روى علي بن إبراهيم في تفسير الآية قال:

(كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجيء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي وفاطمة والحسن والحسين فيقول:

«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيقولون: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فيقول: الصلاة الصلاة، يرحمكم الله»)(3).

ص: 160


1- تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج 2، ص 337؛ التوحيد للشيخ الصدوق: ص 80، ولم يأتي على ذكر الآية؛ تاريخ ابن عساكر: ج 14، ص 184؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام: ص 646.
2- سورة طه، الآية: 132.
3- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 12، ص 72.

ويروي الصدوق عن الإمام الرضا عليه السلام في معرض بيانه للآيات التي تدل على أنهم آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان يورد هذه الآيات ودلالاتها على الناس فيقول - في هذه الآية -:

«فخصنا الله بهذه الخصوصية، أن أمرنا من الأمة بإقامة الصلاة، ثم خصنا من دون الأمة فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجيء إلى باب علي وفاطمة بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات، فيقول: (الصلاة رحمكم الله) وما أكرم الله أحداً من ذراري الأنبياء بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها وخصنا من دون جميع أهل بيته»(1).

ثانيا: قال تعالى:

(وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِلىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(2).

روى الكليني عن الصادق عليه السلام: في قوله:

(وَ لَقَدْ عَهِدْنٰا إِلىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ ).

«كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريته».

(فَنَسِيَ )(3).

أي: فنسي هذا العهد في هذه الكلمات.

ص: 161


1- الأمالي للصدوق: ص 625.
2- سورة طه، الآية: 115.
3- الكافي للكليني: ج 1، ص 416.
المسألة الحادي عشرة: منزلة فاطمة في سورة مريم عليهما السلام

قال تعالى:

(كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّٰا)(1).

ورد في تفسير هذه الآية المباركة ما رواه سعد بن عبد الله بن خلف القمي رحمه الله قال:

(أعددت نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً فقصدت مولاي أبا محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى فلما انتهينا منها إلى باب سيدنا عليه لسلام فاستأذنا فخرج الإذن بالدخول، قال سعد:

فما شبهت مولانا أبا محمد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلا بدرا قد استوفى ليالي أربعا بعد عشر، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، فسلمنا عليه فألطف لنا في الجواب وأومأ لنا بالجلوس، فلما جلسنا سألته شيعته عن أمورهم في دينهم وهدايتهم، فنظر أبو محمد الحسن عليه السلام إلى الغلام، وقال:

«يا بني أجب شيعتك ومواليك».

فأجاب كل واحد عما في نفسه وعن حاجته من قبل أن يسأله عنها بأحسن جواب وأوضح برهان حتى حارت عقولنا في غامر علمه وإخباره بالغائبات، ثم التفت إلي أبو محمد عليه السلام وقال:

«ما جاء بك يا سعد؟».

ص: 162


1- سورة مريم، الآيتان: 1 و 2.

قلت: شوقي إلى لقاء مولانا فقال:

«المسائل التي أردت أن تسأل عنها؟».

قلت: على حالها يا مولاي، قال:

«فاسأل قرة عيني عنها - وأومأ إلى الغلام - عما بدا لك منها».

فكان بعض ما سألته أن قلت له: يا بن رسول الله أخبرني عن تأويل:

(كهيعص).

فقال - عليه السلام -:

«هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عز وجل عليها زكريا عليه السلام، ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله، وذلك أن زكريا عليه السلام سأل الله عز وجل أن يعلمه أسماء الخمسة (الأشباح) فأهبط إليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سري عنه همه وانجلى كربه، وإذا ذكر (اسم) الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة.

فقال ذات يوم: يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسلت همومي، إذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي فأنبأه الله عز وجل عن قصته، فقال:

(كهيعص)

فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين والعين عطشه، والصاد صبره، فلما سمع بذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته: إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده، إلهي أتنزل هذه الرزية بفنائه، إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة إلهي أتحل كره هذه الفجيعة

ص: 163

بساحتهما.

ثم قال: إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر، واجعله وارثا رضيا يوازي محله مني محل الحسين من محمد صلى الله عليه وآله فإذا رزقتنيه فأفتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده الحسين، فرزقه الله يحيى وفجعه به.

وكان حمل يحيى وولادته لستة أشهر، وكان حمل الحسين وولادته كذلك.

ومعنى قوله: وافجعني به كما تفجع محمدا، ومحمد صلى الله عليه وآله توفى قبل قتل الحسين عليه السلام وكذلك زكريا عليه السلام وهذا يدل على أن الأنبياء عليهم السلام أحياء عند ربهم يرزقون، وبهذا القول صار بين يحيى وبين الحسين عليه السلام مماثلة في أشياء منها: حمله لستة أشهر، ومنها قتله ظلما، ومنها أن رأس يحيى عليه السلام، أهدى إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، والحسين صلوات الله عليه أهدي رأسه الكريم إلى باغ من بغاة بني أمية لانهم شر البرية، فعليهم اللعنة الجزئية والكلية وعلى الممهدين لهم والتابعين من جميع البرية»)(1).

المسألة العاشرة: منزلة فاطمة في سورة الحج

قال تعالى:

(فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا وَ هِيَ ظٰالِمَةٌ فَهِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ)(2).

ص: 164


1- كمال الدين للشيخ الصدوق: ص 456-476، وقد روى الحديث بتمامه الذي تضمن جميع المسائل وأجوبتها؛ تأويل الآيات الظاهرات للحسيني: ج 1، ص 299-301.
2- سورة الحج، الآية: 45.

وقد ورد في معاني هذه الآية ودلالاتها ما رواه الصدوق عن صالح بن سهل ولم ينسبه إلى إمام من الأئمة، قال:

«أمير المؤمنين عليه السلام هو القصر المشيد، والبئر المعطلة فاطمة وولديها معطلون من الملك»(1).

وقد رواه الحسيني في تأويل الآيات الظاهرة منسوباً إلى الإمام الصادق عليه السلام(2).

المسألة الحادية عشرة: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة المؤمنون

من الآيات التي وردت في سورة المؤمنون فكانت مشتملة على منزلة أصحاب الكساء صلوات الله عليهم أجمعين لتكون سبباً في النزول هي الآية الأولى إلى الآية الحادية عشرة.

1 - قال تعالى:

(قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ (1) اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاٰتِهِمْ خٰاشِعُونَ (2) وَ اَلَّذِينَ هُمْ عَنِ اَللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكٰاةِ فٰاعِلُونَ (4) وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ (5) إِلاّٰ عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ اِبْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلعٰادُونَ (7) وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِأَمٰانٰاتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رٰاعُونَ (8) وَ اَلَّذِينَ هُمْ عَلىٰ صَلَوٰاتِهِمْ يُحٰافِظُونَ (9) أُولٰئِكَ هُمُ اَلْوٰارِثُونَ (10) اَلَّذِينَ يَرِثُونَ اَلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ )(3).

ص: 165


1- معاني الأخبار للصدوق: ص 112؛ البحار: ج 24، ص 102.
2- تأويل الآيات الظاهرة: ص 339.
3- سورة المؤمنون، الآيات: 1-11.

وقد روى السيد شرف الدين الحسيني (المتوفى سنة 965 ه -) (عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجل:

(قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ ...) إلى (... اَلَّذِينَ يَرِثُونَ اَلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ ).

قال - عليه السلام -:

«نزلت في رسول الله، وفي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين»)(1).

2 - ومن الآيات الأخرى التي نزلت في آل البيت عليهم السلام فكانت من الآيات العامة التي جمعت الزهراء عليها السلام في الشأنية والمنزلة هي قوله تعالى:

(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اَلْيَوْمَ بِمٰا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ اَلْفٰائِزُونَ )(2).

وقد روى الحاكم الحسكاني (المتوفى سنة 500 ه -) عن عبد الله بن مسعود في قول الله تعالى:

(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اَلْيَوْمَ بِمٰا صَبَرُوا).

يعني جزيتهم الجنة بصبر علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين، في الدنيا على الطاعات، وعلى الجوع والفقر، وبما صبروا على المعاصي، وصبروا على البلاء لله تعالى في الدنيا؛ أنهم هم الفائزون والناجون من الحساب)(3).

ص: 166


1- تأويل الآيات الحسيني: ج 1، ص 353.
2- سورة المؤمنون، الآية: 111.
3- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 1، ص 531؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي النجفي قدس سره: ج 14، ص 614.
المسألة الثانية عشرة: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة النور
اشارة

اشتملت سورة النور على موضعين اختص كل منها بمنزلة فاطمة عليها السلام.

الموضع الأول من السورة

قال تعالى:

(اَللّٰهُ نُورُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اَللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَضْرِبُ اَللّٰهُ اَلْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ )(1).

وفي بيان معنى هذه الآية المباركة فقد روى الشريف علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى:

«(اَللّٰهُ نُورُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ ،)

فاطمة عليها السلام، (فِيهٰا مِصْبٰاحٌ )،

الحسن عليه السلام، (اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ )،

الحسين عليه السلام، (اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ )،

فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدينا، (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ )،

إبراهيم عليه السلام، (زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ )،

لا يهودية ولا نصرانية، (يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ )،

يكاد العلم يتفجر بها، (وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ)،

إمام منها بعد إمام، (يَهْدِي اَللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ )،

يهدي الله للأئمة من يشاء، (وَ يَضْرِبُ اَللّٰهُ اَلْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ )».

ص: 167


1- سورة النور، الآية: 35.

قلت: (أَوْ كَظُلُمٰاتٍ )، قال:

«الأول وصاحبه، (يَغْشٰاهُ مَوْجٌ )

الثالث، (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحٰابٌ ظُلُمٰاتٌ )

الثاني، (بَعْضُهٰا فَوْقَ بَعْضٍ )

معاوية وفتن بني أمية، (إِذٰا أَخْرَجَ يَدَهُ )

المؤمن في ظلمة فتنتهم، (لَمْ يَكَدْ يَرٰاهٰا وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اَللّٰهُ لَهُ نُوراً)

إماماً من ولد فاطمة عليهم السلام (فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ)

إمام يوم القيامة».

وقال في قوله:

(يَسْعىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ )(1).

«أئمة المؤمنين يوم القيامة تسعى بين يدي المؤمنين وبإيمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة»)(2).

الموضع الثاني من السورة

قال تعالى:

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ اَلْآصٰالِ )(3).

هذه الآية من الآيات الخاصة في سبب نزولها في علي وفاطمة عليهما

ص: 168


1- سورة الحديد، الآية: 12.
2- مسائل علي بن جعفر: ص 316؛ تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 102؛ تفسير فرات الكوفي: ص 282؛ سمط النجوم العوالي: ج 2، ص 357؛ تفسير الصراط المستقيم: ج 1، ص 296؛ نهج الحق: ص 207؛ الطرائف لابن طاووس: ج 1، ص 135؛ العمدة لابن البطريق: ص 356؛ تأويل الآيات الظاهرة: ص 357-358.
3- سورة النور، الآية: 36.

السلام، وقد أخرج الثعلبي، والسيوطي، والآلوسي، وغيرهم في بيان ما لهذه الآية من خصوصية في بيان منزلة بيت علي وفاطمة عليهما السلام وذلك بالاسناد إلى أبان بن تغلب، عن نفيع بن الحرث، عن أنس بن مالك، وعن بريدة قالا:

(قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية:

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ اَلْآصٰالِ (36) رِجٰالٌ لاٰ تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لاٰ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللّٰهِ وَ إِقٰامِ اَلصَّلاٰةِ وَ إِيتٰاءِ اَلزَّكٰاةِ يَخٰافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ اَلْقُلُوبُ وَ اَلْأَبْصٰارُ)(1).

فقام رجل فقال:

أي بيوت هذه يا رسول الله ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«بيوت الأنبياء».

قال: فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها، لبيت علي وفاطمة عليهما السلام ؟، قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«نعم من أفاضلها»)(2).

ص: 169


1- سورة النور، الآيتان: 36 و 37.
2- تفسير الثعلبي: ج 7، ص 107؛ العمدة لابن البطريق: ص 291؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 1، ص 532؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 319؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 5، ص 50؛ تفسير الآلوسي: ج 18، ص 174.
المسألة الثالثة عشرة: منزلة فاطمة في سورة الفرقان

وقد ورد فيها موضعين:

الأول قال تعالى:

(وَ هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ مِنَ اَلْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كٰانَ رَبُّكَ قَدِيراً)(1).

وقد روى فرات الكوفي في معنى الآية عن ابن عباس قال:

خلق الله نطفة بيضاء مكنونة فجعلها في صلب آدم، ثم نقلها من صلب آدم إلى صلب شيث، ومن صلب شيث إلى صلب أنوش، ومن صلب أنوش إلى صلب قينان، حتى توارثتها كرام الأصلاب في مطهرات الأرحام، حتى جعلها الله في صلب عبد المطلب، ثم قسمها نصفين فألقى نصفها إلى صلب عبد الله، ونصفها إلى صلب أبي طالب، وهي سلالة فولد من عبد الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أبي طالب عليه السلام لعلي عليه السلام فذلك قول الله تعالى:

(وَ هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ مِنَ اَلْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً).

زوج فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم فعلي من محمد ومحمد من علي، والحسن والحسين من فاطمة عليهم السلام نسب، وعلي الصهر)(2).

الموضع الثاني في سورة الفرقان، قوله تعالى:

(وَ اَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اِجْعَلْنٰا

ص: 170


1- سورة الفرقان، الآية: 54.
2- تفسير فرات الكوفي: ص 292.

لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً)(1).

جاء في معنى هذه الآية المباركة واختصاصها بعلي وفاطمة وخديجة والحسن والحسين مجموعة من الروايات وهي كالآتي:

1 - أخرج ابن شهر آشوب المازندراني عن سعيد بن جبير قال: (نزلت هذه الآية والله خاصة في أمير المؤمنين عليه السلام قال: كان أكثر دعائه يقول ربنا هب لنا من أزواجنا، يعني فاطمة، وذرياتنا يعني الحسن والحسين، قرة أعين قال أمير المؤمنين:

«والله ما سألت ربي ولدا نضير الوجه، ولا سألت ولدا حسن القامة، ولكن سألت ربي ولدا مطيعين لله، خائفين وجلين منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرت به عيني».

قال:

(وَ اِجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً).

قال:

«نقتدي بمن قبلنا من المتقين، فيقتدي المتقون بنا من بعدنا».

وقال الله تعالى:

(أُوْلٰئِكَ يُجْزَوْنَ اَلْغُرْفَةَ بِمٰا صَبَرُوا).

يعني علي بن أبي طالب، والحسن والحسين وفاطمة - عليهم السلام -.

ص: 171


1- سورة الفرقان، الآية: 74.

(وَ يُلَقَّوْنَ فِيهٰا تَحِيَّةً وَ سَلاٰماً (75) خٰالِدِينَ فِيهٰا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقٰاماً)(1) (2).

2 - روى فرات الكوفي (عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:

«قلت لجبرائيل عليه السلام: يا جبرئيل: (مِنْ أَزْوٰاجِنٰا)،

قال: خديجة، قال، قلت: (وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا).

قال: فاطمة، قلت: ومن (قُرَّةَ أَعْيُنٍ )،

قال: الحسن والحسين.

قلت: (وَ اِجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً)،

ومن للمتقين إماما؟

قال: علي بن أبي طالب عليه السلام»)(3).

3 - وروى كذلك عن أبان بن تغلب، قال: (سألت جعفر بن محمد عليه السلام عن قول الله تعالى:

(وَ اَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اِجْعَلْنٰا لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً).

قال:

«نحن هم أهل البيت»)(4).

ص: 172


1- سورة الفرقان، الآيتان: 75 و 76.
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 153.
3- تفسير فرات الكوفي: ص 294؛ تفسير القمي: ج 2، ص 117؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 539؛ تأويل الآيات الظاهرة: ص 381.
4- تفسير فرات الكوفي: ص 294.
المسألة الرابعة عشرة: منزلة فاطمة في سورة الشعراء

قال تعالى:

(وَ تَقَلُّبَكَ فِي اَلسّٰاجِدِينَ )(1).

روى السيد شرف الدين الحسيني والمجلسي عن أبي الجارود عن أبي جعفر في قوله عزّ وجل:

(وَ تَقَلُّبَكَ فِي اَلسّٰاجِدِينَ ).

قال:

«في علي وفاطمة والحسن والحسين وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين»)(2).

المسألة الخامسة عشرة: منزلة فاطمة في سورة النمل

قال تعالى:

(اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ وَ سَلاٰمٌ عَلىٰ عِبٰادِهِ اَلَّذِينَ اِصْطَفىٰ )(3).

روى المازندراني عن ابن عباس، قال:

(هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وأولادهم إلى يوم القيامة هم صفوة الله وخيرته من خلقه)(4).

ص: 173


1- سورة الشعراء، الآية: 219.
2- تأويل الآيات الظاهرة: ص 392؛ البحار للمجلسي: ج 24، ص 372.
3- سورة النمل، الآية: 59.
4- المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 380.
المسألة السادسة عشرة: منزلة فاطمة في سورة الروم

قال تعالى:

(فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّٰهِ اَلْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ اَلْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اَللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشٰاءُ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلرَّحِيمُ )(1).

روى فرات الكوفي (عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن جده، قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (معاشر الناس تدرون لما خلقت فاطمة ؟

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية، قال: خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه.

قالوا: يا رسول الله إنه (أشكل) ذلك علينا تقول: حوراء إنسية لا إنسية، ثم تقول: من عرق جبرئيل ومن زغبه ؟

قال: أنا أنبئكم، أهدى إليّ ربي تفاحة من الجنة أتاني بها جبرئيل، فضمها إلى صدره فعرق جبرئيل عليه السلام وعرقت التفاحة فصار عرقهما شيئاً واحداً، ثم قال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قلت: وعليك السلام يا جبرئيل.

فقال: إن الله أهدى إليك تفاحة من الجنة فأخذتها فقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري، ثم قال: يا محمد كلها، قلت: حبيبي جبرئيل هدية ربي تؤكل ؟

قال: نعم قد أمرت بأكلها، فأفلقتها فرأيت منها نورا ساطعا؟

ص: 174


1- سورة الروم، الآيتان: 4 و 5.

ففزعت من ذلك النور، قال: كُلْ فإن ذلك نور المنصورة فاطمة.

قلت: يا جبرئيل ومن المنصورة ؟

قال: جارية تخرج من صلبك اسمها في السماء المنصورة، وفي الأرض فاطمة.

فقلت: يا جبرئيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة ؟

قال: سميت فاطمة في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار، وفطموا أعداؤها عن حبها، وذلك قول الله في كتابه:

(وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ اَلْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اَللّٰهِ ).

بنصر فاطمة عليها السلام»)(1).

المسألة السابعة عشرة: منزلة فاطمة في سورة السجدة

قال تعالى:

(وَ جَعَلْنٰا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا لَمّٰا صَبَرُوا وَ كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا يُوقِنُونَ )(2).

روى فرات الكوفي والحاكم الحسكاني، (عن جابر، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال:

«نزلت في ولد فاطمة خاصة، جعل الله منهم أئمة يهدون بأمره»)(3).

ص: 175


1- تفسير فرات الكوفي: ص 329؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 1، ص 583؛ تأويل الآيات الظاهرة: ص 437.
2- سورة السجدة، الآية: 24.
3- تفسير فرات الكوفي: ص 329؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 1، ص 583؛ تأويل الآيات الظاهرة: ص 437.
المسألة الثامنة العشرة: منزلة فاطمة في سورة الأحزاب
ألف: قال تعالى: (و قرن فى بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)

(وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ اَلْأُولىٰ وَ أَقِمْنَ اَلصَّلاٰةَ وَ آتِينَ اَلزَّكٰاةَ وَ أَطِعْنَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1).

إن هذه الآية هي من أكثر الآيات الكريمة شهرة بين المسلمين في اختصاصها بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعترته أهل بيته، وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

ولقد تظافرت النصوص عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في التخصيص وحصر التطهير بعترته أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.

وفضلاً عن شهرتها بين الرواة والمصنفين، إلا أنها قد نالت من المحاربة والتضليل الشيء الكثير، حالها في ذلك كبقية الآيات الأخرى الخاصة بعترة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كآية المودة والمباهلة، وغيرها من الآيات الكريمة التي نزلت في عترة النبي، وبيان منزلتهم وشأنيتهم وحقوقهم على هذه الأمة.

ولذلك:

نجد البعض قد حاول جاهداً تضليل المسلمين والقراء وصرفهم عن مدار نزول الآية واختصاصها بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كابن كثير

ص: 176


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.

الذي حاول تتبع بعض النصوص التي تتحدث عن هذه الآية واختصاصها بعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتي يتخللها بعض الطعون في أسانيدها، كي يوهم القارئ بأن هذه الآية جملة وتفصيلاً مطعون في صحة نسبتها واختصاصها بعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كقوله:

(والأحاديث المتقدمة إن صحت، فإن في بعض أسانيدها نظر)(1).

والنظر الذي استوقف ابن كثير هو نظر عقدي وليس رجالي، وذلك أنه يعتقد بأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم هن من أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس لقوله:

(ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم داخلات في قوله تعالى:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(2).

فإن سياق الكلام معهن ولهذا قال تعالى بعد هذا كله:

(وَ اُذْكُرْنَ مٰا يُتْلىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيٰاتِ اَللّٰهِ وَ اَلْحِكْمَةِ ...)(3) (4).

وأقول:

ص: 177


1- تفسير ابن كثير: ج 3، ص 492.
2- سورة الأحزاب، الآية: 33.
3- سورة الأحزاب، الآية: 34.
4- تفسير ابن كثير: ج 3، ص 494.

أولاً:

إن التدبر في القرآن مشروط بفتح الأقفال وكسر القيود وإزالة الرين عن القلوب وهو ما اشترطه الباري عزّ وجل في قوله تعالى:

(أَ فَلاٰ يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا)(1).

وقال عزّ وجل:

(كَلاّٰ بَلْ رٰانَ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ مٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ )(2).

ولذلك:

نجد أن ابن كثير ومن نقل عنهم لم يستطيعوا أن يتدبروا في هذه الآية الكريمة إذ كيف تكون نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنّ من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس والآية تصرخ بحرف الميم الذي يدل على وجود الذكورية في الآية ولذا قال سبحانه:

(لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ).

وقوله عزّ وجل:

(وَ يُطَهِّرَكُمْ ).

ولو كان (سياق الكلام معهن) كما يدّعي ابن كثير للزم أن يكون سياق الكلام في الآية بصيغة نون النسوة في جميع مقاطع الآية الكريمة، أي للزم أن يكون السياق (ليذهب عنكن) و (ليطهركن) وهذا خلاف النص القرآني.

ص: 178


1- سورة محمد، الآية: 24.
2- سورة المطففين، الآية: 14.

بل أنى لابن كثير وهو يرى في كتاب الله تعالى العديد من الآيات التي تتحدث عن خروج نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مقتضيات ذهاب الرجس، ولزوم تحقق الطهر وشروطه، كقوله تعالى:

1 - قوله تعالى:

(يٰا نِسٰاءَ اَلنَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفٰاحِشَةٍ ...)(1).

2 - وتحذيره لحفصة وعائشة بقوله سبحانه:

(إِنْ تَتُوبٰا إِلَى اَللّٰهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمٰا وَ إِنْ تَظٰاهَرٰا عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللّٰهَ هُوَ مَوْلاٰهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صٰالِحُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ)(2).

3 - وقوله سبحانه:

(عَسىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوٰاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمٰاتٍ مُؤْمِنٰاتٍ قٰانِتٰاتٍ تٰائِبٰاتٍ عٰابِدٰاتٍ سٰائِحٰاتٍ ثَيِّبٰاتٍ وَ أَبْكٰاراً)(3).

ولعل الآية الكريمة واضحة البيان والدلالة على أن هناك من النساء في المجتمع المسلم من هن خير من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الله تعالى ويحملنّ مجموعة من الصفات الإيمانية والاجتماعية لما هو خير مما عليه هؤلاء النساء اللاتي تزوج بهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقوله سبحانه:

(خَيْراً مِنْكُنَّ ).

ص: 179


1- سورة الأحزاب، الآية: 30.
2- سورة التحريم، الآية: 4.
3- سورة التحريم، الآية: 5.

لا يحتاج إلى بيان بأنهن - بدون تشرفهن بالزواج من رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم - لم يكن لهن شأنية عند الله تعالى فالملاك عند الله تعالى التقوى، ولم يكن لهن شأنية اجتماعية بدون هذا الارتباط.

بل: إن تسلسل القرآن في عرض الصفات الإيمانية يكشف عن أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتفاوتن في هذه الصفات؛ بل: لم تحض إحداهن بجميع هذه الصفات:

(مُسْلِمٰاتٍ مُؤْمِنٰاتٍ قٰانِتٰاتٍ تٰائِبٰاتٍ عٰابِدٰاتٍ سٰائِحٰاتٍ ).

وإن هناك من النساء في المجتمع المسلم من قد جمعت هذه الصفات الإيمانية التي عددتها الآية الكريمة، ومن ثم لسن داخلات في آية التطهير والقرآن يهددهن بأن يتزوج النبي ب - (خير منكن).

ثانيا: وإن أعجب ما استدل به ابن كثير في دخول نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آية التطهير هو أن عائشة كانت باكراً؛ فقال: (ولم ينم معها رجل في فراشها سواه صلى الله عليه - وآله - وسلم فناسب أن تخصص بهذه الميزة وأن تفرد بهذه المرتبة)(1).

ويا ليت حدثنا ابن كثير عن علمائه كيف ثبت لديهم أن عائشة لم تتزوج قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لم يتزوج باكراً غيرها.

علماً أن القرآن ينفي كونها باكراً لقوله: (خيراً منكن) فلو كانت باكراً لم يكن القرآن ليهددها عن الله سبحانه بأن يزوج رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله

ص: 180


1- تفسير ابن كثير: ج 3، ص 494.

وسلم خيراً منها، وكيف ستتحقق الخيّرة لو لم تكن عائشة ثيبا.

فضلاً عن ذلك:

فإن القرآن الكريم وفي هذه الآية المباركة لا يجعل لوضع المرأة الاجتماعي والشخصي والعرفي مدخلية في التطهير، ولم يجعل المرأة حينما تكون ثيباً في رتبة دونيه قد أصابها الرجس - والعياذ بالله - كما يروج ابن كثير عن علمائه لهذا المفهوم الهدام.

بل: إننا نجد أن القرآن يقدم الثيب على الباكر في كونها الأصلح لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فقال عزّ وجل في ذيل الآية المباركة التي عددت صفات النساء اللاتي هنّ خير من أزواجه اللاتي تزوج بهن فقال:

(عَسىٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوٰاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمٰاتٍ مُؤْمِنٰاتٍ قٰانِتٰاتٍ تٰائِبٰاتٍ عٰابِدٰاتٍ سٰائِحٰاتٍ ثَيِّبٰاتٍ وَ أَبْكٰاراً)(1).

فالآية الكريمة قد جعلت الوضع الاجتماعي للمرأة، والعرفي، والشخصي، هو آخر الصفات، فقدم القرآن المرأة الثيب على الباكر وهو غاية الجمال في رسم الحياة الزوجية للحبيب الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقد كشفت الآية عن أن الغرض ليس ما يحاط بالمرأة الباكر من مقومات تحركها الأنا الذكورية لدى الرجال وإنما الملاك هو الاستقرار والهدوء والمودة والرحمة.

وعليه:

يكون الاستدلال الذي استدل به ابن كثير في كون عائشة باكراً ولم ينم معها

ص: 181


1- سورة التحريم، الآية: 5.

رجل في فراشها سواه صلى الله عليه - وآله - وسلم فيجعلها داخلة في الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا استدلال يضحك الثكلى.

ثالثا: لقد حاول صنف آخر من المصنفين ومن قبلهم الرواة في صرف الآية عن عترة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهم حصراً فاطمة وزوجها وولديها الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، وهم الذين جللهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالكساء.

فقال بعضهم في صرف الآية عنهم:

1 - روي عن عكرمة البربري (انه كان ينادي في السوق:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1).

نزلت في نساء النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم خاصة)(2).

في حين لو نظرنا إلى كتب الرجال وتراجمهم لوجدنا حال هذا الرجل الذي ملئ عداءً لأهل البيت عليهم السلام من رأسه إلى ظفره، فضلاً عن كونه من الخوارج(3).

وقال ابن سعد: وليس يحتج بحديثه ويتكلم الناس فيه(4)؛ ناهيك عن كونه من رموز الكذب الذين اشتهروا في المدينة كما نص عليه ابن حجر(5)، وابن عبد

ص: 182


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- تفسير ابن كثير: ج 3، ص 491.
3- تهذيب التهذيب لان حجر: ج 7، ص 237.
4- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 5، ص 293.
5- مقدمة فتح الباري لابن حجر: ص 425؛ تاريخ ابن عساكر: ج 41، ص 114؛ التمهيد لابن عبد البر: ج 2، ص 28؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 20، ص 280؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 5، ص 23؛ المنتخب من ذيل المذيل للطبري: ص 122؛ ميزان الاعتدال للذهبي: ج 3، ص 93-97.

البر، والذهبي، وغيرهم.

ومن كان هذا حاله ودينه فكيف يعوّل على قوله، ولكن الملامة لا تقع على عكرمة بل على من يحتج بحديثه وهو يحاول تمرير قوله على القراء فيدلس عليهم الحقائق:

(... وَ يَأْبَى اَللّٰهُ إِلاّٰ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ...)(1).

رابعاً: إن هذه المحاولات اليائسة لم تكن لتنتهي منذ أن نزلت هذه الآية، كما أنها لا تنتهي وذلك لوجود طبقة في المجتمع المسلم قد نصبت العداء لآل البيت عليهم السلام، ولاسيما عدائها لعلي بن أبي طالب عليه السلام الذي تعاهد هؤلاء على عدائه ومحاربته والتجاهر بسبه وشتمه منذ أن قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل عليه الحديث الآتي عن واثلة بن الاسقع الذي كان قد اشترك مع مجموعة من الصحابة في شتم علي بن أبي طالب عليه السلام على الرغم من معايشته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام، ويعلم جيداً أنه من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وذلك حينما دخل عليه مجموعة من هؤلاء النواصب في مجلسه فشتمو علياً عنده ولم ينههم عن ذلك ويحفظ ذمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا خرجوا من عنده قام فحدث شداد بن عمارة عن آية التطهير، وكيف إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام بتجليلهم بذلك الكساء.

ص: 183


1- سورة التوبة، الآية: 32.

والرواية يخرجها أحمد في المسند الذي لم يسلم هو الآخر، أي هذا المسند من التحريف في الوقت الحاضر فقد تم حذف شتم الصحابة لعلي بن أبي طالب من حديث واثلة بن الأسقع لأنهم يريدون أن يطمسوا على حقيقة وقوع الصحابة في ظلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاكهم لحرمته في أهل بيته عليهم السلام؛ في حين قام غير واحد من المصنفين بنقل الرواية كاملة، كالحافظ الثعلبي، والرواية كما يلي:

فعن شداد بن عمارة قال دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا علياً - عليه السلام - فشتموه فشتمته معهم فلما قاموا قال لي:

لم شتمت هذا الرجل.

قلت: رأيت القوم يشتمونه فشتمته معهم.

فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم.

قلت: بلى.

فقال: أتيت فاطمة - عليها السلام - أسألها عن علي - عليه السلام - فقالت:

«توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

فجلت أنتظره حتى جاء رسول الله فجلس ومعه علي وحسن وحسين أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذ ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساء ثم تلا هذه الآية:

ص: 184

(... إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1).

ثم قال:

«هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق»(2) (3).

وهذا العلم بحال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصه وبيانه للآية وانحصارها بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إن هذا العلم لم يدفعه للعمل فيدافع عن حرمة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. فسكت حينما أخذ الحاضرون عنده بشتم علي بن أبي طالب عليهما السلام.

باء: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا)

باء: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا)(4).

وفي بيان معنى الآية روى الشيخ الكليني رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:

«تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام من الذكر الكثير الذي قال الله عزّ وجل:

(... اُذْكُرُوا اَللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً)(5).

ص: 185


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- مسند أحمد: ج 4، ص 107؛ ونلاحظ أن هذه الطبعة قد حذف منها (فشتموه فشتمته معهم فلما قاموا قال لي: لم شتمت هذا الرجل قلت رأيت القوم يشتمونه معهم)، طبع دار صادر، بيروت.
3- انظر: أصل الحديث في: تفسير الثعلبي: ج 8، ص 43؛ شواهد التنزيل للحاكم النيسابوري: ج 2، ص 67؛ تفسير ابن كثير: ج 3، ص 492؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 12، ص 147؛ إمتاع الأسماع للمقريزي: ج 5، ص 384؛ العمدة لابن البطريق: ص 32.
4- سورة الأحزاب، الآية: 41.
5- الكافي للكليني: ج 2: ص 500.
جيم: قوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله فى الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهينا)

جيم: قوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله فى الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهينا)(1).

وفي اختصاص الآية بفاطمة عليها السلام وبيان منزلتها نورد ما يلي:

1 - ذكر القمي رحمه الله في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«من آذاها في حياتي، كمن آذاها بعد موتي، ومن آذاها بعد موتي، كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».

وهو قول الله:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ ...).

وقوله:

(وَ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ ...)(2).

يعني علياً وفاطمة.

(... بِغَيْرِ مَا اِكْتَسَبُوا فَقَدِ اِحْتَمَلُوا بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً).

وهي جارية في الناس كلهم)(3).

2 - وروى المازندراني في المناقب ما يلي:

(عن الواحدي في أسباب النزول، ومقاتل بن سليمان، وأبو القاسم

ص: 186


1- سورة الأحزاب، الآية: 57.
2- سورة الأحزاب، الآية: 58.
3- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 196.

القشيري في تفسير لهما، أنه نزل قوله تعالى:

(وَ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ ...).

في علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أن نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه. وفي رواية مقاتل:

(وَ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلْمُؤْمِنِينَ ...).

يعني: علياً، والمؤمنات، يعني: فاطمة.

(... فَقَدِ اِحْتَمَلُوا بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً).

قال ابن عباس: وذلك أن الله تعالى أرسل عليهم الجرب في جهنم فلا يزالون يحكون حتى تقطع أظفارهم، ثم يحكون حتى تنسلخ جلودهم، ثم يحكون حتى تظهر عظامهم، ويقولون: ما هذا العذاب الذي نزل بنا؟ فيقولون لهم عاشر الأشقياء: هذه عقوبة لكم ببغضكم أهل بيت محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -.

وفي تفسير الضحاك ومقاتل، قال ابن عباس في قوله تعالى:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ ...).

وذلك حين قال المنافقون إن محمداً ما يريد منا إلا أن نعبد أهل بيته بألسنتهم فقال:

(... لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً).

في جهنم)(1).

ص: 187


1- المناقب لابن شهر آشوب المازندراني: ج 3، ص 210.
المسألة الثامنة عشرة: منزلة فاطمة في سورة فاطر
أولا: قال تعالى: (و ما يستوى الأعمى و البصير)

(وَ مٰا يَسْتَوِي اَلْأَعْمىٰ وَ اَلْبَصِيرُ (19) وَ لاَ اَلظُّلُمٰاتُ وَ لاَ اَلنُّورُ (20) وَ لاَ اَلظِّلُّ وَ لاَ اَلْحَرُورُ (21) وَ مٰا يَسْتَوِي اَلْأَحْيٰاءُ وَ لاَ اَلْأَمْوٰاتُ إِنَّ اَللّٰهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشٰاءُ وَ مٰا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ)(1).

وفيها روى الحافظ الحسكاني وغيره (عن ابن شهاب الزهري عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله تعالى:

(وَ مٰا يَسْتَوِي اَلْأَعْمىٰ ...).

قال: أبو جهل بن هشام و (البصير) قال علي بن أبي طالب، ثم قال: (ولا الظلمات) يعني أبو جهل المظلم قلبه بالشرك (ولا النور) يعني قلب علي المملوء من النور، ثم قال: (ولا الظل) يعني بذلك مستقر علي في الجنة، (ولا الحرور) يعني به مستقر أبي جهل في جهنم، ثم جمعهم فقال: (وما يستوي الأحياء) علي وحمزة وجعفر وحسن وحسين وفاطمة وخديجة، (ولا الأموات) كفار مكة)(2).

ثانيا: قال تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتٰابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا فَمِنْهُمْ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سٰابِقٌ بِالْخَيْرٰاتِ بِإِذْنِ اَللّٰهِ ذٰلِكَ هُوَ اَلْفَضْلُ اَلْكَبِيرُ)(3).

ص: 188


1- سورة فاطر، الآيات: 19 و 20 و 21 و 22.
2- شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني: ج 2: ص 154؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 81؛ تأويل الآيات: ص 469-470.
3- سورة فاطر، الآية: 32.

وقد ورد في هذه الآية بعض الأحاديث الشريفة التي تكشف عن منزلة فاطمة عليها السلام.

1 - (عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية:

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتٰابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا...).

قال:

«أي شيء تقول ؟».

قلت: إني أقول إنها خاصة لولد فاطمة.

فقال عليه السلام:

«أما من سل سيفه ودعا الناس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة وغيرهم فليس بداخل في الآية».

قلت: من يدخل فيها، قال:

«الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلى ضلال ولا هدى والمقتصد منا أهل البيت هو العارف حق الإمام والسابق بالخيرات هو الإمام»)(1).

2 - (عن سورة بن كليب عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في هذه الآية:

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتٰابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا...).

قال:

«السابق بالخيرات الإمام، فهي في ولد علي وفاطمة عليهما السلام»)(2).

ص: 189


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 2، ص 375؛ الكافي للكليني: ج 1، ص 215.
2- بصائر الدرجات: ص 45؛ مستدرك الوسائل: ج 17، ص 332.
المسألة التاسعة عشرة: منزلة فاطمة عليا السلام في سورة (ص)

قال تعالى:

(قٰالَ يٰا إِبْلِيسُ مٰا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ اَلْعٰالِينَ )(1).

وفي بيان معنى الآية وإظهار منزلة فاطمة عليها السلام وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فقد روى الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى بسنده إلى (أبي سعيد الخدري قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل إليه رجل فقال: يا رسول الله أخبرني عن قوله عزّ وجل لإبليس:

(... أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ اَلْعٰالِينَ ).

فمن هو يا رسول الله الذي هو أعلى من الملائكة ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين، كنا في سرادق العرش نسبح الله وتسبح الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عزّ وجل آدم بألفي عام، فلما خلق الله عزّ وجل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ولم يأمرنا بالسجود، فسجد الملائكة كلهم إلا إبليس فإنه أبى ولم يسجد، فقال الله تبارك وتعالى:

(... أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ اَلْعٰالِينَ ).

عنى من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش، فنحن باب الله الذي يؤتى منه، بنا يهتدي المهتدي، فمن أحبنا أحبه الله وأسكنه جنته، ومن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره، ولا يحبنا إلا من طاب مولده»)(2).

ص: 190


1- سورة ص، الآية: 75.
2- فضائل الشيعة للصدوق: ص 9؛ تأويل الآيات الظاهرة: ص 497-498؛ قصص الأنبياء للجزائري: ص 34.
المسألة العشرون: منزلة فاطمة في سورة الزمر

قال تعالى:

(قُلْ يٰا عِبٰادِيَ اَلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَغْفِرُ اَلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ )(1).

(روى علي بن إبراهيم القمي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال، قال أبو جعفر - الباقر - عليه السلام:

«لا يعذر الله يوم القيامة أحداً يقول يا رب لم أعلم أن ولد فاطمة عليها السلام هم الولاة على الناس كافة، وفي شيعة ولد فاطمة أنزل الله هذه الآية خاصة:

(... يٰا عِبٰادِيَ اَلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ ...)(2).

المسألة الحادية والعشرون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الشورى

قال تعالى:

(ذٰلِكَ اَلَّذِي يُبَشِّرُ اَللّٰهُ عِبٰادَهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهٰا حُسْناً إِنَّ اَللّٰهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)(3).

هذه الآية المباركة من الآيات العامة التي تخص الخمسة أصحاب الكساء عليهم السلام، فقد نزلت فيهم خاصة، وهي تظهر منزلتهم عند الله تعالى، فضلاً عن بيان دورهم ومقامهم في الشريعة الإسلامية، وإن طاعتهم لازمة ومودتهم

ص: 191


1- سورة الزمر، الآية: 53.
2- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 250.
3- سورة الشورى، الآية: 23.

واجبة، ويسأل الله المسلمين عنها يوم القيامة.

ولذلك فقد حاول الأعراب والمنافقون تأويلها إلى معان عديدة بغية صرفها عن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كي لا يتخلى المسلمون عما ورثوه من السلف في التظليل والتعتيم على روح الشريعة وجوهرها، حرصاً على بقاء ملك الظالمين الذين ظلموا آل محمد منذ أن قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد جهد هؤلاء على إقصاء عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ممارسة دورهم الإلهي في بناء المجتمع المسلم والسير به إلى قيادة الأمم كما أراد الله تعالى له أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس، وليكونوا شهداء على الناس حينما يتمسكون بالثقلين القرآن والعترة النبوية.

ولعل الرجوع إلى كتب التفسير والحديث والعقائد لترسم صورة واضحة لدى الباحث والقارئ عن تعمد أعداء الإسلام في محاربتهم لهذه الآية وصدورها في آل البيت عليهم السلام ومنذ الصدر الأول؛ وفي ذلك روى الشيخ الكليني:

(عن إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد الله - الصادق - عليه السلام يقول لأبي جعفر الأحول، وأنا أسمع: - قال عليه السلام لأبي جعفر -:

«أتيت البصرة ؟».

فقال: نعم.

قال - عليه السلام -:

«كَيْفَ رَأيتَ مُسارَعَةَ النّاسِ إلى هَذا الأمْرِ وَدُخُولَهُمْ فِيهِ؟».

قال: والله إنهم لقليل، ولقد فعلوا، وإنّ ذلك لقليل، فقال:

ص: 192

«عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلى كلّ خير».

ثم قال:

«ما يقول أهل البصرة في هذه الآية:

(... قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ ...)؟

قلت: جعلت فداك، إنهم يقولون إنها لأقارب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:

«كذبوا إنما نزلت فينا خاصة في أهل البيت، في علي وفاطمة والحسن والحسين، أصحاب الكساء عليهم السلام»)(1).

ومما يدل عليه:

1 - روى الحاكم النيسابوري في المستدرك (عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام قال:

«خطب الإمام الحسن بن علي عليهما السلام الناس حين قتل علي عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيه رايته فيقاتل، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح الله عليه، وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلاّ سبع مائة درهم، فضلت من عطاياه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.

ص: 193


1- الكافي للكليني: ج 8، ص 93.

ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا، ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم:

(... قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهٰا حُسْناً...).

فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت»)(1).

2 - روى ابن أبي حاتم الرازي، والطبراني، والثعلبي، والبيضاوي، والنسفي، والفخر الرازي، وغيرهم عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس قال: (لما نزلت هذه الآية:

(... قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ ...).

قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم ؟

قال - النبي صلى الله عليه وآله وسلم -:

ص: 194


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 172؛ مسائل علي بن جعفر عليه السلام: ص 328؛ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني: ص 33؛ مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: ج 3، ص 170؛ ذخائر العقبى: ص 138؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 16، ص 30؛ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: ص 148؛ ينابيع المودة للقندوزي الشافعي: ج 2، ص 213.

«علي وفاطمة وولداها»)(1).

ولقد رد على هذه الرواية بعض الحفّاظ كالحافظ ابن أبي حاتم الرازي، فكان فيما ذكره عن سند هذه الرواية: أن قال: (بسند ضعيف)(2)، والسبب إن أحد رجال السند في الرواية هو (حسين الأشقر) فهذا الرجل ذنبه الوحيد هو أنه كان يعمل بهذه الآية الكريمة - على خلاف هؤلاء الحفاظ - فيود علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين أمر الله بحبهم فأعرض عنه هؤلاء الحفاظ.

وما الضير في إعراضهم إذا كان الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل عليه بوجه الكريم لأنه امتثل شرع الله في الولاء لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فضلاً عن ذلك فإن الرواية لها ما يعاضدها ويساندها من العشرات من الآيات النازلة في أصحاب الكساء، فضلاً عن إخراج الحاكم بسند صحيح لإقرار أهل البيت عليهم السلام - كما مرّ عن الإمام الحسن عليه السلام - بأن آية المودة وغيرها من الآيات ليشد بعضها بعضاً كالسلسلة التي تأخذ بيد الشارد إلى جادة الحق وما بعد الحق إلا الضلال، أما الحافظ الزيلعي فقال:

(والحق تفسير هذه الآية بما فسرها حبر الأمة ابن عباس أخرجه البخاري،

ص: 195


1- تفسير ابن ابي حاتم الرازي: ج 10، ص 3276؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 11، ص 352؛ تفسير الثعلبي: ج 8، ص 37؛ تفسير الكشاف: ج 3، ص 468؛ تفسير النسفي: ج 4، ص 101؛ تفسير الفخر الرازي: ج 27، ص 166؛ تفسير البيضاوي: ج 5، ص 128.
2- تفسير بن أبي حاتم: ج 10، ص 3276؛ الفتح السماوي للمناوي: ج 3، ص 980.

من رواية طاووس، عنه أنه سئل عن قوله تعالى:

(... إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ ...).

قال: سعيد بن جبير أقرباء آل محمد فقال: ابن عباس عجلت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن بطن من قريش إلاّ كان له فيهم قرابة فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة)(1).

وهذه الرواية في معرض الإثبات بكونها خاصة بفاطمة وبنيها صلوات الله عليهم وهي ليست بمعرض النفي وقد رد ابن عباس على حملها بصفة العموم الذي تحدث به سعيد بن جبير عن معنى (آل محمد صلى الله عليه وله وسلم) بأنه جميع قريش أو هو بصفته الأعم - أي (الآل) - الذي يحمله الزيلعي ويعتقد به هو وكثير من أبناء السنة والجماعة.

فهو كالقرطبي يرى أن كلمة (الآل) إنما يراد بها كل (من هو على دينه وملته في الأني وسائر الأعصار سواء كان نسبياً له أو لم يكن، ومن لم يكن على دينه وملته فليس من أله ولا أهله وإن كان نسبيه وقريبه خلافاً للرافضة حيث قالت أن آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة)(2).

إذ لا يمكن عقلاً أن يريد سعيد بن جبير أن يبين (الآل) أنها في صفة العموم وهو ما عليه أهل الجماعة ثم يأتي ابن عباس فيقول له عجلت في حكمك إن الآل عامة فيخص القرابة لجميع قريش فيحكم بنفس الحكم ويبين نفس المعنى.

ص: 196


1- تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 3، ص 335.
2- تفسير القرطبي: ج 1، ص 381.

فلو جرى مثل هذا الكلام بين اثنين لكان هذيا.

ولذا: نحن أمام حالتين:

1 - أما إن (الآل) هو فاطمة وبنيها وهم القربى وهو الذي أراده سعيد ابن جبير ثم حكم عليه ابن عباس بالتستر وإن المراد من الآل هم جميع قريش، وهذا يدعو إلى الخلاف بين الصحابة في فهم القرآن ومعرفة أحكامه.

2 - وإما أنها، أي (الآل) في معنى العموم وهو ما أراده سعيد ابن جبير فرد عليه ابن عباس موضحاً له أنها ليست بمعنى العموم والعلة في ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن بطن من قريش إلاّ كان له فيهم قرابة وهذا يلزم شرعاً بمودتهم جميعاً بما فيهم عمه (أبي لهب) لأنه من ذي قرابته المقربة فهو عمه وهذا خلاف القرآن والشريعة المحمدية فكيف يلزم الشارع المقدس بمودة جميع هؤلاء وفيهم المؤمن والكافر.

ولذلك يظهر أن الحديث في آخره حذف. إذ أن سياق الرواية يرشد إلى أن ابن عباس أراد أن يستدل على نفي العموم الذي أراده ابن جبير في معنى الآل والذي عليه أهل السنة والجماعة من خلال: أن الله لا يأمر بمودة عموم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة وفيهم الكفار وهذا لا يمكن، إنما قرباه وآله، هم فاطمة وبعلها وبنيها.

فيكون سياق الحديث الذي بتره أصحاب السياسة بهذا الشكل: (عجلت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم قرابة، أنما قرباه هم فاطمة وبعلها وبنيها).

ص: 197

ونفس هذا السياق من الأحاديث له مثيل في صحيح مسلم، أي أن يحمل الراد على السائل أولاً بنفس معناه المراد، ثم يخصص له الجواب كي يفهم المراد التعييني للسؤال، أو الحكم.

وذلك حينما سأل زيد بن أرقم عن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهن من أهل بيته فقال: (لا، وايم الله أن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده)(1).

فهنا جاء الجواب بنفس المراد من السؤال أولاً؛ ثم قام بالتخصيص، وابن عباس فعل كذلك.

وإلا لا يمكن أن يأمر الله عز وجل بمودة جميع قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جميع بطون قريش ومنهم المشركين والمنافقين، فضلاً عن ذلك انعدام تحقق الجدوى وسقوط الحكمة؛ بل ظهور العبثية في الحكم - والعياذ بالله - فالله تبارك وتعالى حكيم عزيز لا يصنع العبث.

وعليه: لا يتحقق أي مظهر من مظاهر الحكمة.

في الأمر بحب جميع بطون قريش وفيهم صناديد الشرك وأعمدة النفاق الذين لزموا حرب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

بل: لم يجر هذا الرأي حتى عند إمام السلفية ابن تيمية الذي أسس لقاعدة الحب والمودة في كونها تدور مدار حب الله تعالى فيقول: (وليس للخلق محبة أعظم

ص: 198


1- صحيح مسلم، باب: من فضائل علي عليه السلام: ج 7، ص 123.

ولا أكمل ولا أتم من محبة المؤمنين لحبهم، وليس في الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى وكل ما يحب سواه فمحبته تبع لحبه، فإن الرسول إنما يحب لأجل الله، ويطاع لأجل الله ويتبع لأجل الله تعالى كما قال تعالى:

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ ...)(1).

وفي الحديث:

«أحبوا الله لما يغذوكم من نعمة فأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي»(2).

فإذا كان المناط عند ابن تيمية في الحب هو الله تعالى ومنه كان حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام وعليه فما وجه الحكمة في أن تكون المودة لكل بطن من بطون قريش بلحاظ عموم الحكم وما يرتبط بالله تعالى.

نعم، تتجلى المودة في الآية منحصرة بمحمد وآله عليهم السلام لكونهم أهل بيت الرسالة وموضع الوحي، ومهبط الملائكة، وسنام السنة، وأعلام الإسلام، والأدلاء إلى الله تعالى، وباب الله الذي يأتي منه إليه سبحانه.

ولذا طهرهم من الرجس وأوجب على الخلق مودتهم كي يتبعهم الخلق فبإتباعهم حب الله تعالى كما قال سبحانه:

(... إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ ...).

وبحبهم يكون حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 199


1- سورة آل عمران، الآية: 31.
2- درجات اليقين لابن تيمية: ص 149؛
المسألة الثانية والعشرون: منزلة فاطمة في سورة الزخرف

قال تعالى:

(يٰا عِبٰادِ لاٰ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اَلْيَوْمَ وَ لاٰ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ )(1).

هذه الآية من الآيات الخاصة والكاشفة عن منزلة فاطمة عليها السلام في يوم القيامة وذلك لما نص عليه قول الإمام زين العابدين عليه السلام.

(فقد روى فرات الكوفي عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال:

«إذا كان يوم القيام نادى مناد:

(... لاٰ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اَلْيَوْمَ وَ لاٰ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ).

فإذا قالها: لم يبق أحد إلا رفع رأسه.

فإذا قال:

(اَلَّذِينَ آمَنُوا بِآيٰاتِنٰا وَ كٰانُوا مُسْلِمِينَ )(2).

لم يبق أحد إلا طأطأ رأسه إلا المسلمين المحبين قال ثم ينادي هذه فاطمة بنت محمد تمر بكم وهي ومن معها إلى الجنة ثم يرسل الله لها (إليها) ملكا فيقول يا فاطمة سلي حاجتك فتقول يا رب حاجتي أن تغفر (لي) و (لمن نصر ولدي)»)(3).

ص: 200


1- سورة الزخرف، الآية: 68.
2- سورة الزخرف، الآية: 68.
3- تفسير فرات الكوفي: ص 409.
المسألة الثالثة والعشرون: منزلة فاطمة في سورة الدخان

قال تعالى:

(حم (1) وَ اَلْكِتٰابِ اَلْمُبِينِ (2) إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبٰارَكَةٍ إِنّٰا كُنّٰا مُنْذِرِينَ (3) فِيهٰا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )(1).

وهي من الآيات الخاصة بفاطمة عليها السلام والكاشفة عن منزلتها وهو ما دل عليه قول الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام حينما جاءه رجل نصراني فسأله عن مسائل، منها: (أن قال له: إني أسألك أصلحك الله، قال:

«سل».

فقال: أخبرني عن كتاب الله الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم نطق به ثم وصفه بما وصفه وأن له تفسيرا ظاهراً وباطنا فقوله عزّ وجل:

(حم (1) وَ اَلْكِتٰابِ اَلْمُبِينِ (2) إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبٰارَكَةٍ إِنّٰا كُنّٰا مُنْذِرِينَ (3) فِيهٰا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ).

ما تفسيرها في الباطن، فقال:

«أما (حم) فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو في كتاب هو الذي أنزل عليه وهو منقوص الحروف وأما (اَلْكِتٰابِ اَلْمُبِينِ )

فهو أمير المؤمنين وأما (الليلة المباركة) فهي فاطمة وقوله: (فِيهٰا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )،

يقول يخرج فيها خير كثير رجل حكيم ورجل حكيم»)(2).

ص: 201


1- سورة الدخان، الآية: 3.
2- الكافي للكليني: ج 1، ص 479.
المسالة الرابعة والعشرون: منزلة فاطمة في سورة الجاثية

قال تعالى:

(أَمْ حَسِبَ اَلَّذِينَ اِجْتَرَحُوا اَلسَّيِّئٰاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ سَوٰاءً مَحْيٰاهُمْ وَ مَمٰاتُهُمْ سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ )(1).

هذه الآية من الآيات العامة المشتملة على بيان منزلة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم الأئمة المعصومون ومن سار بهديهم ولزم طريقتهم ووفد على الله تعالى بمذهبهم.

وفيها:

روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل (عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى:

(أَمْ حَسِبَ اَلَّذِينَ اِجْتَرَحُوا اَلسَّيِّئٰاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ ...).

النبي وعلي وحمزة والحسن والحسين وفاطمة)(2).

وروى العلامة الطباطبائي والفيض الكاشاني إنها خاصة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأهل البيت عليهم السلام)(3).

ص: 202


1- سورة الجاثية، الآية: 21.
2- شواهد التنزيل: ج 2، ص 239؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي رحمه الله: ج 14، ص 442.
3- التفسير الصافي للفيض الكاشاني: ج 3، ص 444؛ تفسير الميزان: ج 15، ص 154.
المسألة الخامسة والعشرون: منزلة فاطمة في سورة الأحقاف

قال تعالى:

(وَ وَصَّيْنَا اَلْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قٰالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ اَلَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلىٰ وٰالِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صٰالِحاً تَرْضٰاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ )(1).

لقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن الآية المباركة هي من الآيات المخصوصة بفاطمة عليها السلام وقد روى ابن بابويه، والكليني في ذلك ما يلي:

1 - (عن حماد عن محمد بن عبد الله بن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«أتى جبرئيل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: السلام عليك يا محمد، ألا أبشرك بغلام تقتله أمتك من بعدك، فقال:

لا حاجة لي فيه، قال: فانتهض إلى السماء ثم عاد إليه الثانية فقال له: مثل ذلك، فقال: لا حاجة لي فيه.

فانعرج إلى السماء ثم انقض إليه الثالثة فقال مثل ذلك فقال: لا حاجة لي فيه فقال: إنّ ربك جاعل الوصية في عقبه فقال نعم، أو قال ذلك.

ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل على فاطمة عليها السلام فقال لها إن جبرئيل عليه السلام أتاني فبشرني بغلام تقتله أمتي من بعدي.

ص: 203


1- سورة الأحقاف، الآية: 15.

فقالت: لا حاجة لي فيه، فقال لها: إن ربي جاعل الوصية في عقبه فقالت: نعم.

قال فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية:

(... حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً...).

لموضع إعلام جبرئيل إياها بقتله فحملته كرها بأنه مقتول ووضعته كرها لأنه مقتول»)(1).

2 - (الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي سلمة سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«لما حملت فاطمة بالحسين جاء جبرئيل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن فاطمة ستلد ولداتقتله أمتك من بعدك.

فلما حملت فاطمة بالحسين كرهت حمله وحين وضعته كرهت وضعه».

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام:

«هل رأيتم في الدنيا أما تلد غلاما فتكرهه ولكنها كرهته لأنها علمت أنه سيقتل».

قال:

وفيه نزلت هذه الآية:

(وَ وَصَّيْنَا اَلْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً...)(2).

ص: 204


1- كامل الزيارات لابن قولويه القمي: ص 55.
2- كامل الزيارات: ص 56؛ الكافي للكليني: ج 1، ص 464؛ تأويل الآيات الطاهرة: ص 563.
المسألة السادسة والعشرون: منزلة فاطمة عليه السلام في سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم

قال تعالى:

(ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ مَوْلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ اَلْكٰافِرِينَ لاٰ مَوْلىٰ لَهُمْ )(1).

الآية الكريمة من الآيات العامة في أهل البيت عليهم السلام وذلك حسبما دلت عليه رواية الحافظ الحسكاني (عن قتادة عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس، في قوله تعالى:

(ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ مَوْلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا...).

يعني: ولي علي وحمزة وجعفر وفاطمة والحسن والحسين وولي محمد صلى الله عليه - وآله - وسلم بنصرهم على عدوهم وأن الكافرين يعني أبا سفيان بن حرب وأصحابه لا مولى لهم يقول لا ولي لهم يمنعه من العذاب)(2).

المسألة السابعة والعشرون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة (ق)

قال تعالى:

(مَنّٰاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ )(3).

ورد في تأويل هذه الآية المباركة ما يشير إلى أنها من الآيات الخاصة بعلي وفاطمة عليهما السلام وذلك حسبما رواه القمي في تفسيره فقال:

ص: 205


1- سورة محمد، الآية: 11.
2- شواهد التنزيل للحاكم: ج 2، ص 244؛ شرح إحقاق الحق للمرعشي: ج 14، ص 673.
3- سورة ق، الآية: 12.

(وأما قوله: (مَنّٰاعٍ لِلْخَيْرِ...)، قال المناع الثاني، والخير ولاية أمير المؤمنين وحقوق آل محمد؛ ولما كتب الأول كتاب فدك يردها على فاطمة عليها السلام شقه الثاني، فهو (مُعْتَدٍ مُرِيبٍ )(1).

المسألة الثامنة والعشرون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الذاريات

قال تعالى:

(كٰانُوا قَلِيلاً مِنَ اَللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ (17)(2).

وهذه الآية من الآيات العامة في عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ذلك روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل فقال:

(عن ابن عباس في قوله تعالى:

(كٰانُوا قَلِيلاً مِنَ اَللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ ).

قال:

نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام، وكان علي يصلي ثلثي الليل الأخير، وينام الثلث الأول، فإذا كان السحر جلس في الاستغفار والدعاء، وكان ورده في كل ليلة سبعين ركعة ختم فيها القرآن)(3).

ص: 206


1- تفسير القمي: ج 2، ص 326؛ التفسير الصافي للكاشاني: ج 5، ص 63؛ تفسير نور الثقلين للحويزي: ج 5، ص 114.
2- سورة الذاريات، الآية: 17.
3- شواهد التنزيل: ج 2، ص 268.
المسألة التاسعة والعشرون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الطور

ومن سورة الطور ورد في أهل البيت ما يلي:

الآية الأولى: قال تعالى:

(إِنَّ اَلْمُتَّقِينَ فِي جَنّٰاتٍ وَ نَعِيمٍ )(1).

إنّ هذه الآية المباركة من الآيات التي نزلت في أصحاب الكساء عليهم السلام ولذا فهي من الآيات العامة المشتركة فيهم، وقد روى الحاكم في شواهد التنزيل (عن مجاهد عن بن عباس في قوله تعالى:

(إِنَّ اَلْمُتَّقِينَ ...).

قال: نزلت خاصة في علي وحمزة وجعفر وفاطمة عليهم السلام.

يقول: إن المتقين في الدنيا (من) الشرك والفواحش والكبائر في (جنات) يعني البساتين و (نعيم) في أثواب في الجنان.

قال ابن عباس: لكل واحد منهم بستان في الجنة العليا، في وسطه خيمة من لؤلؤة، في كل خيمة سرير من الذهب واللؤلؤ، على كل سرير سبعون فراشا)(2).

الآية الثانية: قال تعالى:

(وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اِتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ مٰا أَلَتْنٰاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ كُلُّ اِمْرِئٍ بِمٰا كَسَبَ رَهِينٌ )(3).

ص: 207


1- سورة الطور، الآية: 17.
2- شواهد التنزيل: ج 2، ص 269؛ شرح إحقاق الحق: ج 14، ص 679.
3- سورة الطور، الآية: 21.

وقد روى الحاكم الحسكاني في بيان اختصاص هذه الآية المباركة في أهل البيت عليهم السلام، أي الخمسة أصحاب الكساء ما يلي:

1 - (عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس في قوله تعالى:

(وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اِتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ ...).

قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام)(1).

2 - (عن محمد بن زيد بن جذعان، عن عمه، قال ابن عمر: إنا إذا عددنا قلنا أبو بكر، وعمر، وعثمان. فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن فعلي ؟

قال ابن عمر: ويحك علي من أهل البيت لا يقاس بهم، علي مع رسول الله في درجته، إن الله يقول:

(وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اِتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ ...).

ففاطمة مع رسول الله في درجته وعلي معهما)(2).

المسألة الثلاثون: منزلة فاطمة في سورة الرحمن

قال تعالى:

(مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ (19) بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ يَبْغِيٰانِ (20) فَبِأَيِّ آلاٰءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اَللُّؤْلُؤُ وَ اَلْمَرْجٰانُ )(3).

ص: 208


1- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2، ص 270.
2- شواهد التنزيل للحاكم: ج 2، ص 271.
3- سورة الرحمن، الآية: 19.

هذه الآيات المباركة من الآيات الخاصة بعلي وفاطمة وولديهما عليهم السلام وذلك حسبما نصت عليه الروايات الشريفة الواردة عن العترة النبوية عليهم السلام.

1 - روى الحاكم الحسكاني بطرق عدة، عن جويبر عن الضحاك؛ وسعيد بن جبير عن ابن عباس؛ وعن زاذان عن سلمان؛ وعن مجاهد عن ابن عباس، في قوله تعالى:

(مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ (19) بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ يَبْغِيٰانِ (20) فَبِأَيِّ آلاٰءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ (2(1) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اَللُّؤْلُؤُ وَ اَلْمَرْجٰانُ ).

ما يلي:

ألف: عن الضحاك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، قال: الحسن والحسين»)(1).

باء: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى:

(مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ ).

قال: الحسن والحسين)(2).

جيم: عن سلمان، في قوله تعالى:

(مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ ).

قال: علي وفاطمة.

ص: 209


1- شواهد التنزيل: ج 2، ص 284.
2- المصدر السابق نفسه.

(بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ يَبْغِيٰانِ ).

قال: النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اَللُّؤْلُؤُ وَ اَلْمَرْجٰانُ ).

قال: الحسن والحسين عليهما السلام)(1).

دال: (وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«إذا فقدتم الشمس فاتوا القمر، وإذا فقدتم القمر فاتوا الزهرة، فإذا فقدتم الزهرة، فأتوا الفرقدين».

قيل: يا رسول الله ما الشمس، قال:

«أنا».

قيل: ما القمر، قال:

«علي».

قيل: ما الزهرة ؟ قال:

«فاطمة».

قيل: ما الفرقدان ؟ قال:

«الحسن والحسين عليهما السلام»)(2).

ص: 210


1- المصدر السابق، وقد وردت هذه الأحاديث في عدد من المصادر الإسلامية: المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 318؛ العمدة لابن البطريق: ص 399؛ تفسير القمي: ج 2: ص 244؛ تفسير فرات الكوفي: ص 459؛ نثر الدر للآبي: ج 1، ص 91.
2- شواهد التنزيل: ج 2، ص 288.
المسألة الواحدة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الواقعة

قال تعالى:

(لاٰ يَمَسُّهُ إِلاَّ اَلْمُطَهَّرُونَ )(1).

وهي من الآيات الخاصة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، وفي ذلك يروي المازندراني، عن أبي أيوب الأنصاري، قال:

(نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم داري فنزل عليه جبرئيل من السماء بجام من فضة فيه سلسلة من ذهب فيه ماء من الرحيق المختوم فناول النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم، فشرب ثم ناول عليا فشرب ثم ناول فاطمة فشربت ثم ناول الحسن فشرب ثم ناول الحسين فشرب ثم ناول الأول فانضم الكأس، فأنزل الله تعالى:

(لاٰ يَمَسُّهُ إِلاَّ اَلْمُطَهَّرُونَ ).

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)(2).

المسألة الثانية والثلاثون: منزلة فاطمة في سورة المجادلة

قال تعالى:

(إِنَّمَا اَلنَّجْوىٰ مِنَ اَلشَّيْطٰانِ لِيَحْزُنَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضٰارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ وَ عَلَى اَللّٰهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اَلْمُؤْمِنُونَ )(3).

هذه الآية من الآيات الخاصة بفاطمة عليها السلام وقد روى القمي في

ص: 211


1- سورة الواقعة، الآية: 79.
2- المناقب لابن شهر المازندراني: ج 2، ص 230.
3- سورة المجادلة، الآية: 10.

تفسيره عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام في سبب نزولها إنه قال:

«إن فاطمة عليها السلام رأت في منامها أن رسل الله صلى الله عليه وآله وسلم هم أن يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة فخرجوا حتى جاوزوا من حيطان المدينة فعرض لهم طريقان، فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ذات اليمين حتى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلى الله عليه وآله شاة كبراء وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلما أكلوا منها ماتوا في مكانهم.

فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فلما أصبحت جاء رسول الله صلى الله عليه وآله بحمار فاركب عليه فاطمة، وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة، كما رأت فاطمة في نومها.

فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ذات اليمين كما رأت فاطمة عليها السلام حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلى الله عليه وآله شاة ذراء كما رأت فاطمة عليها السلام، فأمر بذبحها فذبحت وشويت فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا.

فطلبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى وقف عليها وهي تبكي، فقال: ما شأنك يا بنية ؟.

قالت: يا رسول الله رأيت البارحة كذا وكذا في نومي وقد فعلت أنت كما رأيته في نومي فتنحيت عنكم لان لا أراكم تموتون.

ص: 212

فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى ركعتين ثم ناجى ربه فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد هذا شيطان يقال له الزها (الرها ط)، وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به.

فأمر جبرئيل عليه السلام أن يأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا؟.

فقال: نعم يا محمد!

فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع ثم قال جبرئيل لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: «قل يا محمد إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياء الله المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت من رؤياي، ويقرأ الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد ويتفل عن يساره ثلاث تفلات، فإنه لا يضره ما رأى.

فأنزل الله على رسوله:

(إِنَّمَا اَلنَّجْوىٰ مِنَ اَلشَّيْطٰانِ ...»)(1).

المنزلة الثالثة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الحشر

قال تعالى:

(وَ اَلَّذِينَ تَبَوَّؤُا اَلدّٰارَ وَ اَلْإِيمٰانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هٰاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لاٰ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حٰاجَةً مِمّٰا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ )(2).

ص: 213


1- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2: ص 355-356.
2- سورة الحشر، الآية: 9.

روى الشيخ الطوسي عن المفيد في سبب نزول هذه الآية، (عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه الجوع فبعث إلى بيوت أزواجه فقلن ما عندنا إلاّ الماء فقال:

«من لهذا الرجل الليلة».

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام:

«أنا له يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

وأتى فاطمة فقال لها:

«ما عندك ؟».

فقالت:

«ما عندنا إلا قوت الصبية لكنا نؤثر ضيفنا».

فقال علي عليه السلام:

«نوّمي الصبية وأطفئي المصباح».

فلما أصبح علي عليه السلام: غدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره الخبر فلم يبرح حتّى أنزل الله:

(... وَ يُؤْثِرُونَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ )(1).

وهذه الرواية تدل على أن الآية من الآيات الخاصة بعلي وفاطمة عليهما السلام.

ص: 214


1- الأمالي للطوسي: ص 185؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 9، ص 462؛ البحار للمجلسي: ج 41، ص 34؛ حليلة الأبرار: ج 2، ص 213.
المسألة الرابعة والثلاثون: منزلة فاطمة في سورة التحريم
اشارة

ورد في سورة التحريم آيتان تكشف كل منهما عن منزلة فاطمة عليها السلام في هذه السورة وهما كالآتي:

الآية الأولى

قال تعالى:

(يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اَللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ يَوْمَ لاٰ يُخْزِي اَللّٰهُ اَلنَّبِيَّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمٰانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنٰا أَتْمِمْ لَنٰا نُورَنٰا وَ اِغْفِرْ لَنٰا إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ)(1).

روى ابن شهر في المناقب:

(نقلا عن تفسير مقاتل عن عطاء عن ابن عباس: (يَوْمَ لاٰ يُخْزِي اَللّٰهُ اَلنَّبِيَّ ) لا يعذب الله محمداً (وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) لا يعذب علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفراً، (نُورُهُمْ يَسْعىٰ ) يضيء على الصراط لعلي وفاطمة مثل الدنيا سبعين مرة فيسعى نورهم بين أيديهم ويسعى عن أيمانهم وهم يتبعونها فيمضي أهل بيت محمد وآله زمرة على الصراط مثل البرق الخاطف ثم قوم مثل الريح ثم قوم مثل عدو الفرس ثم يمضي قوم مثل المشي ثم قوم مثل الجثو ثم قوم مثل الزحف ويجعله الله على المؤمنين عريضا وعلى المذنبين دقيقا، قال اله

ص: 215


1- سورة التحريم، الآية: 8.

تعالى: (يَقُولُونَ رَبَّنٰا أَتْمِمْ لَنٰا نُورَنٰا) حتى نجتاز به على الصراط قال فيجوز أمير المؤمنين في هودج من الزمرد الأخضر ومعه فاطمة على نجيب من الياقوت الأحمر حولها سبعون ألف حور كالبرق اللامع)(1).

والحديث يكشف عن اختصاص الآية الكريمة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة عليهما السلام.

الآية الثانية

قال الله تعالى:

(وَ مَرْيَمَ اِبْنَتَ عِمْرٰانَ اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهٰا فَنَفَخْنٰا فِيهِ مِنْ رُوحِنٰا وَ صَدَّقَتْ بِكَلِمٰاتِ رَبِّهٰا وَ كُتُبِهِ وَ كٰانَتْ مِنَ اَلْقٰانِتِينَ )(2).

تعد هذه الآية المباركة من الآيات الخاصة بفاطمة عليها السلام كما نص عليه قول الإمام الصادق الذي رواه شرف الدين الحسيني في تأويل الآيات، فقال:

(عن أحمد بن محمد اليساري عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزّ وجل:

(وَ مَرْيَمَ اِبْنَتَ عِمْرٰانَ اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهٰا...).

قال:

«هذا مثل ضربه الله لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته

ص: 216


1- المناقب لابن شهر: ج 2، ص 155-156؛ البحار للمجلسي: ج 8، ص 67.
2- سورة التحريم، الآية: 12.

وسلم تسليماً»)(1).

المسألة الخامسة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة المزمل

قال تعالى:

(رَبُّ اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)(2).

روى المازندراني في المناقب: (إنّ فاطمة عليها السلام تمنت عند غزاة علي عليه السلام فنزل:

(رَبُّ اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)(3).

المسألة السادسة والثلاثون: منزلة فاطمة في سورة المدثر

قال تعالى:

(إِنَّهٰا لَإِحْدَى اَلْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ)(4).

هذه الآية الكريمة ورد فيها الكثير من الأحاديث التي تظهر معناها فقيل: إنها الولاية لآل محمد(5).

وقيل: محمداً صلى الله عليه وآله وسلم(6)، وقيل: جهنم(7)؛ في حين روى

ص: 217


1- تأويل الآيات: ج 2، ص 701.
2- سورة المزمل، الآية: 9.
3- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 325.
4- سورة المدّثر: الآية: 35.
5- الكافي للكليني: ج 1، ص 434.
6- مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص 17.
7- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8، 218.

القمي عن أبي حمزة عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله:

(إِنَّهٰا لَإِحْدَى اَلْكُبَرِ).

قال:

«يعني فاطمة عليها السلام»)(1).

المسألة السابعة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الدهر

تمتاز هذه السورة المباركة من بين السور القرآنية بأنها كانت خاصة في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وقد جمعت من المناقب ما لم تجمعه سورة أخرى في القرآن وهي تتحدث عن الآخرة والجنة؛ ولقد تناولها المفسرون وأهل الحديث في الإشارة والذكر والاختصاص بأهل البيت عليهم السلام فبين من ذكرهم مختصراً وبين من أورد القصة كاملة، ومنها:

أولاً: روى الشيخ الطوسي في المصباح، فقال: (وفي ليلة خمس وعشرين منه يعني من ي الحجة تصدق أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام وفي اليوم الخامس والعشرين منه نزلت فيهما وفي الحسن والحسين عليهم السلام سورة هل أتى - وذلك - لما مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامة العرب)(2).

وفي رواية مسلم بن خالد (عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عليه

ص: 218


1- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 396.
2- إقبال الأعمال: ص 527.

السلام في قوله الله عزّ وجل:

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخٰافُونَ يَوْماً كٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً)(1).

قال:

«مرض الحسن والحسين وهما صبيان فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن عافاهما الله فقال: أصوم ثلاثة ايام شكراً لله عزّ وجل وكذلك قالت فاطمة وكذلك قالت جارتيهم فضة فألبسهما الله عافية فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام»(2).

وفي رواية:

«لما مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعادهما عامة العرب، فقال: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء، فقال علي عليه السلام: إن براءا ولداي: مما بهما صمت ثلاثة أيام شكرا لله عز وجل، وقالت فاطمة وجاريتهم فضة مثل ذلك، فألبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي عليه السلام إلى شمعون بن حاريا لاخيبري فاقترض منه ثلاثة اصوع من شعير.

أقول(3): ورويت ببعض أسانيدي، أن صدقة مولانا علي ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما على المسكين واليتيم والأسير كانت في ثلاث ليال، فيمكن أن

ص: 219


1- سورة الإنسان، الآية: 7.
2- وسائل الشيعة: ج 23، ص 204.
3- القول للشيخ الطوسي.

يكون أول الثلاثة ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة.

فمن الرواية في ذلك قال:

فانطلق علي عليه السلام إلى جار له من اليهود يعالج الصوف يقال له: شمعون بن حاريا فقال له: هل لك أن تعطيني جزة من الصوف تغزلها بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أصوع من شعير؟».

فقال: نعم، فأعطاه، فجاء بالصوف وبالشعير، فأخبر عليه السلام فاطمة عليها السلام بذلك، فقبلت وأطاعت، فقامت فاطمة عليها السلام فطحنته واختبزت منه خمسة اقراض، لكل واحد منهم قرص وصلى علي مع النبي صلوات الله عليهما المغرب وأتى المنزل، فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فسمعه علي عليه السلام فأمر بإعطائه فأعطوه.

فمكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح، فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة عليها السلام إلى صاع فطحنته واختبزته وصلى على مع النبي عليهما السلام، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، فأتاهم يتيم فوقف بالباب وقال: السلام عليكم أهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فسمعه علي عليه السلام فأمر بإعطائه فأعطوه.

ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح، فلما كان اليوم الثالث

ص: 220

قامت فاطمة عليها السلام إلى الصاع الثالث فطحنته وصلى على مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أتى المنزل ثم وضع الطعام بين يديه وأتاهم أسير فوقف بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، تأسرونا ولا تطعمونا، فسمعه علي عليه السلام فأمر بإعطائه فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلاّ الماء القراح.

فلما كان اليوم الرابع وقد وفوا نذرهم، أخذ على بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين، وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر به النبي صلى الله عليه وآله قال:

«يا أبا الحسن ما أشد ما أراه بكم، فانطلق بنا إلى منزل فاطمة».

فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله قال:

«وا غوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعا».

فهبط جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله فقال:

«يا محمد خذ ما هناك الله في أهل بيتك، فقال: ما أخذ يا جبرئيل، فاقرأه عليه:

(هَلْ أَتىٰ عَلَى اَلْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنّٰا خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنٰاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ اَلسَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً (3) إِنّٰا أَعْتَدْنٰا لِلْكٰافِرِينَ سَلاٰسِلَ وَ أَغْلاٰلاً وَ سَعِيراً (4) إِنَّ اَلْأَبْرٰارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كٰانَ مِزٰاجُهٰا كٰافُوراً (5) عَيْناً يَشْرَبُ بِهٰا عِبٰادُ اَللّٰهِ يُفَجِّرُونَهٰا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخٰافُونَ يَوْماً كٰانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَ يُطْعِمُونَ

ص: 221

اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (8) إِنَّمٰا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اَللّٰهِ لاٰ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزٰاءً وَ لاٰ شُكُوراً)»(1).

وزاد محمد بن الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة: أنهم عليهم السلام نزلت عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيام)(2).

ثانياً: فيما ورد بخصوص بعض آيات سورة الدهر، ما روي في بيان معنى قوله تعالى:

(مُتَّكِئِينَ فِيهٰا عَلَى اَلْأَرٰائِكِ لاٰ يَرَوْنَ فِيهٰا شَمْساً وَ لاٰ زَمْهَرِيراً)(3).

إذ تعد هذه الآية من الآيات الخاصة بفاطمة عليها السلام والكاشفة عن منزلتها في الجنة مع علي بن أبي طالب عليهم السلام وفي ذلك روى ابن البطريق عن ابن عباس قال:

(فبينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا ضوءاً كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان له فيقول أهل الجنة:

قال ربنا عزّ وجل:

(... لاٰ يَرَوْنَ فِيهٰا شَمْساً وَ لاٰ زَمْهَرِيراً).

فيقول لهم رضوان:

ص: 222


1- سورة الإنسان، الآيات: 1-9.
2- إقبال الأعمال: ص 527، وص 258؛ الأمالي للصدوق: ص 333؛ تفسير الكشاف: ج 4، ص 197؛ تفسير الثعلبي: ج 10، ص 99.
3- سورة الإنسان، الآية: 13.

«ليست هذه شمساً ولا قمراً ولكن هذه فاطمة وعلي عليهما السلام ضحكا ضحكا أشرقت الجنان من نور ضحكهما»)(1).

المسألة الثامنة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة البينة

قال تعالى:

(وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اَللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُوا اَلزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ اَلْقَيِّمَةِ )(2).

تعد هذه الآية من الآيات الخاصة بفاطمة عليها السلام وذلك لما رواه شرف الدين في تأويل الآيات الظاهرة فقال: (وقوله دين القيمة، فاطمة عليها السلام أي صاحبة دين القيمة، أي الملة المستقيمة)(3).

المسألة التاسعة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة عبس

قال تعالى:

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضٰاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ )(4).

روى الحاكم الحسكاني (عن أنس بن مالك قال: سألت رسول الله صلى الله

ص: 223


1- العمدة لابن البطريق: ص 349؛ خصائص الوحي المبين لابن البطريق: ص 180؛ نهج الإيمان لابن جبر: 176.
2- سورة البينة، الآية: 5.
3- تأويل الآيات الظاهرة: ص 80.
4- سورة عبس، الآيتان: 38 و 39.

عليه - وآله - وسلم عن قوله تعالى:

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ).

قال:

«يا أنس هي وجوهنا بني عبد المطلب أنا وعلي وحمزة وجعفر والحسن والحسين وفاطمة، نخرج من قبورنا ونور وجوهنا كالشمس الضاحية يوم القيامة، قال الله تعالى:

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ).

يعني مشرقة بالنور في أرض القيامة.

(ضٰاحِكَةٌ ...).

فرحانة برضا الله عنا.

(مُسْتَبْشِرَةٌ ).

بثواب الله الذي وعدنا»)(1).

والرواية تكشف عن اختصاص الآية بآل البيت عليهم السلام، وهي من الآيات العامة.

المسألة الأربعون: منزلة فاطمة في سورة المطففين

أولاً: قال تعالى:

(إِنَّ اَلْأَبْرٰارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى اَلْأَرٰائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ اَلنَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (2(5) خِتٰامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذٰلِكَ فَلْيَتَنٰافَسِ

ص: 224


1- شواهد التنزيل: ج 2، ص 423.

اَلْمُتَنٰافِسُونَ )(1).

روى ابن شهر في المناقب (عن أبي صالح عن ابن عباس في هذه الآيات قال: نزل في علي وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر وفضلهم فيها باهر)(2).

ثانياً: قال تعالى:

(وَ مِزٰاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا اَلْمُقَرَّبُونَ )(3).

تعد الآية المباركة من الآيات الخاصة بالنبي وآله وذلك لما نصت عليه الرواية التي أوردها شرف الدين في تأويل الآيات الظاهرة، فقال: عن أبي حمزة، عن أبي جعفر، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«قوله تعالى:

(وَ مِزٰاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ).

هو أشرف شراب في الجنة يشربه محمد وآل محمد وهم المقربون السابقون رسول الله وعلي بن أبي طالب والأئمة وفاطمة وخديجة صلوات الله عليهم وعلى ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان تسنم عليهم من أعالي دورهم»)(4).

المسألة الواحدة والأربعون: منزلة فاطمة في سورة الطارق

قال تعالى:

ص: 225


1- سورة المطففين، الآيات: 22-26.
2- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 233.
3- سورة المطففين، الآيتان: 27 و 28.
4- تأويل الآيات الظاهرة: ص 753.

(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَ أَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلِ اَلْكٰافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)(1).

وفي هذه الآيات روى علي بن إبراهيم القمي عن أبي بصير في قوله تعالى:

(فَمٰا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لاٰ نٰاصِرٍ)(2).

قال: ما له قوة يقوى بها على خالقه ولا ناصر من الله ينصره إن أراد به سواء قلت:

(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً).

قال: كادوا رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم علياً عليه السلام وكادوا فاطمة عليها السلام فقال الله يا محمد:

(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَ أَكِيدُ كَيْداً (1(6) فَمَهِّلِ اَلْكٰافِرِينَ ...).

يا محمد.

(... أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً). لوقت بعث القائم عليه السلام فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر الناس)(3).

المسألة الثانية والأربعون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الشمس

قال تعالى:

(وَ اَلشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا (1) وَ اَلْقَمَرِ إِذٰا تَلاٰهٰا (2) وَ اَلنَّهٰارِ إِذٰا جَلاّٰهٰا (3) وَ اَللَّيْلِ إِذٰا

ص: 226


1- سورة الطارق، الآيات: 15-17.
2- سورة الطارق، الآية: 10.
3- تفسير القمي: ج 2، ص 416.

يَغْشٰاهٰا)(1).

تشير الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في بيان هذه الآيات واختصاصها فيهم فكانت كالآتي:

1 - روى الشيخ الكليني رحمه الله (عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«(الشّمس) رسول الله به أوضح الله عزّ وجل للناس دينهم، (وَ اَلْقَمَرِ إِذٰا تَلاٰهٰا)

ذاك أمير المؤمنين تلا رسول الله ونقبه بالعلم نقبا، (وَ اَللَّيْلِ إِذٰا يَغْشٰاهٰا)

ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالأمر دون الرسول وجلسوا مجلساً كان الرسول أولى به منهم فغشوا دين الله بالظلم والجور فحكى الله فعلهم فقال: (وَ اَللَّيْلِ إِذٰا يَغْشٰاهٰا وَ اَلنَّهٰارِ إِذٰا جَلاّٰهٰا)

ذاك الإمام من ذرية فاطمة يسأل عن دين رسول الله فحكى الله عزّ وجل قوله فقال: (وَ اَلنَّهٰارِ إِذٰا جَلاّٰهٰا)»(2).

2 - روى ابن شهر المازندراني (عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام في قوله: (وَ اَلشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا، قال:

«هو رسول الله (وَ اَلْقَمَرِ إِذٰا تَلاٰهٰا) علي بن أبي طالب، (وَ اَلنَّهٰارِ إِذٰا جَلاّٰهٰا) الحسن والحسين وآل محمد، قال: (وَ اَللَّيْلِ إِذٰا يَغْشٰاهٰا) عتيق وابن صهاك وبنو أمية ومن تولاهما»)(3).

3 - روى فرات الكوفي (عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قال الحارث (بن عبد الله) الأعور للحسين عليه السلام:

ص: 227


1- سورة الشمس، الآيات: 1-4.
2- الكافي للكليني: ج 8، ص 50؛ تفسير فرات الكوفي: ص 563.
3- المناقب لابن شهر: ج 1، ص 283.

يا بن رسول الله جعلت فداك أخبرني عن قول الله في كتابه: (وَ اَلشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا)، قال:

«ويحك يا حارث ذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

قلت: جعلت فداك وقوله: (وَ اَلْقَمَرِ إِذٰا تَلاٰهٰا)، قال:

«ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يتلو محمداً صلى الله عليه وآله وسلم».

قل: قلت (وَ اَلنَّهٰارِ إِذٰا جَلاّٰهٰا)، قال:

«ذلك القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يملأ الأرض عدلا وقسطا»)(1).

4 - روى شرف الدين الحسيني (عن سليمان الديلمي عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

سألته عن قول الله عزّ وجل: (وَ اَلشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا)، قال:

«الشمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوضح للناس في دينهم».

قلت: (وَ اَلْقَمَرِ إِذٰا تَلاٰهٰا)، قال:

«ذاك أمير المؤمنين تلا رسول الله».

قلت: (وَ اَلنَّهٰارِ إِذٰا جَلاّٰهٰا)، قال:

«ذاك الإمام من ذرية فاطمة نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيجلي ظلام الجور والظلم فحكى الله سبحانه عنه».

فقال: (وَ اَلنَّهٰارِ إِذٰا جَلاّٰهٰا) يعني:

ص: 228


1- تفسير فرات الكوفي: ص 563.

«به القائم عليه السلام».

قلت: (وَ اَللَّيْلِ إِذٰا يَغْشٰاهٰا)، قال:

«ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالأمور دون آل الرسول وجلسوا مجلساً كان آل الرسول أولى به منهم فغشوا دين الله بالجور والظلم فحكى الله سبحانه فعلهم، فقال: (وَ اَللَّيْلِ إِذٰا يَغْشٰاهٰا)»)(1).

المسألة الثالثة والأربعون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الضحى

قال تعالى:

(وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ )(2).

هذه الآية من الآيات الخاصة بفاطمة عليها السلام وذلك لما رواه الحاكم الحسكاني (عن جابر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم على فاطمة وعليها كساء من جلد الإبل، فلما رآها بكى وقال:

«يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا بنعيم الآخرة غدا».

فأنزل الله تعالى:

(وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ )(3).

ص: 229


1- تأويل الآيات الظاهرات: ص 778.
2- سورة الضحى، الآية: 5.
3- شواهد التنزيل: ج 2، ص 445؛ مجموعة ورام: ج 2، ص 230؛ التذكرة الحمدونية لابن حمدون: ج 2، ص 457؛ البيان والتعريف: ج 1، ص 102؛ تأويل الآيات: ص 783.
المسألة الرابعة والأربعون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة القدر

تعد هذه السورة من السور الكاشفة عن منزلة فاطمة عليها السلام وذلك لما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام وهو كالآتي:

1 - روى فرات الكوفي (عن القاسم بن محمد بن عبيد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، أنه قال:

«قال (إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ)(1)

الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها، فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها، أو من معرفتها».

الشك (من أبي القاسم).

«وقوله: (وَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)(2)

يعني: خير من ألف مؤمن وهي أم المؤمنين، (تَنَزَّلُ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ اَلرُّوحُ فِيهٰا...،

والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والروح القدس هي فاطمة عليها السلام، (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (3) سَلاٰمٌ هِيَ حَتّٰى مَطْلَعِ اَلْفَجْرِ)(4)

يعني حتى يخرج القائم عليه السلام»)(4).

2 - وروى أيضاً (عن محمد بن جمهور عن موسى بن بكر عن زرارة عن حمران قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يفرق في ليلة القدر هل هو ما

ص: 230


1- سورة القدر، الآية: 1.
2- سورة القدر، الآيتان: 2 و 3.
3- تفسير فرات الكوفي: ص 581.
4- سورة القدر، الآيتان: 4 و 5.

يقدر الله فيها، قال:

«لا توصف قدرة الله».

إلاّ أنه قال:

«(فِيهٰا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )(1)

فكيف يكون حكيما إلا ما فرق ولا توصف قدرة الله سبحانه لأنه يحدث ما يشاء، وأما قوله: (لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)،

يعني: فاطمة عليها السلام، وقوله: (تَنَزَّلُ اَلْمَلاٰئِكَةُ وَ اَلرُّوحُ فِيهٰا...)

والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد عليهم السلام والروح روح القدس وهو في فاطمة عليها السلام، (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلاٰمٌ )،

يقول: من كل أمر مسلمة (حَتّٰى مَطْلَعِ اَلْفَجْرِ)

يعني حتى يقوم القائم عليه السلام»)(2).

3 - وفي هذا المعنى ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله (عن رجاله عن عبد الله بن عجلان السكوني قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

«بيت علي وفاطمة من حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سقف بيتهم عرش رب العالمين وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحاً ومساء وفي كل ساعة وطرفة عين والملائكة لا ينقطع فوجهم فوج ينزل وفوج يصعد وإن الله تبارك وتعالى كشط لإبراهيم عليه السلام عن السماوات حتى أبصر العرش وزاد الله في قوة ناظره وإن الله زاد في قوة ناظر محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وكانوا يبصرون العرش ولا يجدون لبيوتهم سقفا غير العرش فبيوتهم مسقفة بعرش

ص: 231


1- سورة الدخان، الآية: 4.
2- تأويل الآيات الظاهرة: ص 791؛ البحار للمجلسي: ج 25، ص 97.

الرحمن ومعارج معراج الملائكة والروح فوج بعد فوج بلا انقطاع لهم وما من بيت من بيوت الأئمة منا إلا وفيه معراج الملائكة لقول الله عزّ وجل تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم بكل أمر سلام».

قال، قلت: (من كل أمر)؟، قال:

«بكل أمر».

قلت: هذا التنزيل ؟، قال:

«نعم»)(1).

وبهذه السورة نكون قد أتممنا ما ورد في شأنها من الدلالات القرآنية مستندين في ذلك إلى الروايات الشريفة الكاشفة عن منزلتها عليها السلام في القرآن الكريم ولقد حاولنا جهد الإمكان الاختصار وعدم الدخول في أقوال وآراء المفسرين والمحدثين في هذه الآيات وذلك كي لا يطول البحث ومن ثم لا ندخل في سجالات لا تغني القارئ ولا تسمنه من معلومة جديدة.

وعليه:

ففي هذا البيان كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد؛ ومن ثم سننتقل إلى بيان منزلتها عليها السلام في السُنّة ونقصد بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرين عليهم السلام لنقف عند تجلي هذه المقامات الفاطمية؛ وذلك من خلال أهل الذكر والوحي فهم الأعلم بما لفاطمة من المنزلة في الشريعة المحمدية، والسُنّة النبوية.

ص: 232


1- تأويل الآيات الظاهرة: ص 791؛ البحار للمجلسي: ج 3، ص 338؛ مدينة المعاجز: ج 2، ص 449.

الفصل الثالث: منزلتها عليها السلام في السنة

اشارة

ص: 233

ص: 234

توطئة

اشارة

سنتناول في هذا الفصل علاقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقاطمة من المنظور التقاوئي المرتكز على طاعة الله تعالى والذي منه تظهر رتبة فاطمة في سلم القرب الإلهي الذي بلغ فيه أبيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من قرب ربه ما نطق به الوحي عن الله سبحانه، فقال عزّ من قائل:

(فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ )(1).

حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر عدا قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فو القلب الأوحد الذي رأى هذا القرب.

من هنا:

لابد من بيان المقصود من السنة كي ننقل للقارئ الكريم المعنى والدلالة لمنزلة فاطمة عليها السلام في السنة والتي من خلالها ستتفرع قنوات هذا المبحث وهي كالآتي:

السُنّة: بضم الأول وفتح الثاني مع تشديد في اصطلاح المتشرعة على معنين:

ص: 235


1- سورة النجم، الآية: 9.
المعنى الأول للسنة

(قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره، بل المطلق من طريقته وهديه صلى الله عليه وآله وسلم، وعند الشيعة الامامية - التابعين لأئمة العترة - يضاف إلى الرسول قول أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام وفعلهم وتقريرهم وهديهم، لأنهم أئمة يهدون إلى الحق وبه يعدلون، وإنهم معصومون، لا يقولون ولا يعملون إلا على التنزيل والتأويل، وهم معدن علم الله وعلم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما عند الجمهور وعامة المسلمين المعروفين بأهل السنة، يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سنة الصحابة وسيرتهم ولاسيما الخلفاء منهم، وأن لهم حق التشريع حسب المصالح المرسلة كما في مسألة المتعتين والطلاق البدعي، وتبديل حي على خير العمل ب - (الصلاة خير من النوم)، وعشرات من نحو هذه التشريعات.

المعنى الثاني للسنة

العمل المستمر الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يواظب على العمل به، ويحضّ المؤمنين عليه، وهو دون الواجب وفوق الندب، كالختان والصلاة بالجماعة، وكتحية المسجد، وفعل النوافل المرتبة ولو يأتي بركعتين منها، والمراد من السُنّة قبال الكتاب هو المعنى الأول)(1).

ومن هنا:

ص: 236


1- إجماعيات فقه الشيعة للمرجع الديني السيد إسماعيل المرعشي: ج 1، ص 15.

فإننا حينما نريد أن نتحدث عن منزلة فاطمة عليها السلام في السُنّة فنحن ملزمون بما روي عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعترته قولاً وفعلاً وهدياً التزاماً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض(1).

وإن الاحاطة بما لفاطمة عليها السلام من منزلة في السُنّة تحتاج إيضاً إلى معرفة أقوال أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وأقوال أتباع مدرسة أهل السُنّة والجماعة.

ص: 237


1- مسند أحمد، عن مسند أبي سعيد: ج 3، ص 14؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3، ص 148.

المبحث الأول: منزلة فاطمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

اشارة

عند الرجوع إلى الأحاديث النبوية المختصة بفاطمة عليها السلام، وعند الرجوع - كذلك - إلى فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله مع فاطمة عليها السلام نخلص إلى جملة من المحاور، منها ما سنتناوله في هذا المبحث ومنها ما سنتناوله في المباحث اللاحقة؛ أما هنا فمدار البحث حول مسألتين، وهما كالآتي:

المسألة الأولى: اختصاص فاطمة عليها السلام بأنها نواة البيت النبوي
اشارة

إن هذا المعنى نجده متجسداً من خلال منطق النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي:

(وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ )(1).

ونجده متجسداً كذلك من خلال فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وإذا رجعنا إلى الآية الكريمة وإلى معنى السُنّة يكون فعله صلى الله عليه وآله وسلم كذاك ملازم للوحي عليه السلام.

ص: 238


1- سورة النجم، الآيتان: 3,4.

وعليه:

نجد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يؤسس في المجتمع الإسلامي المعنى التقوائي أي أراد أن يرسخ فيه العقيدة الإسلامية؛ وذلك من حيث أن المجتمع الإسلامي نشأ على العقيدة ولم ينشأ على النظام الطبقي أو الأسري أو القبلي على الرغم من أن القبيلة وجذورها الضاربة في الشخصية العربية كانت من الأسس التي أعاد الإسلام بناء مكونتاها النفسية وذلك من خلال محاربته صلى الله عليه وآله وسلم للجاهلية بجميع مكوناتها؛ إذ لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

ولذلك: لم يكن الفعل النبوي أو القول النبوي في التعامل مع شخص فاطمة عليها السلام يرتكز على العنصر الرحمي والوالدي، وإنما يرتكز على العقيدة الإسلامية المكونة لمجتمع جديد يضم جميع الأعراق والألوان والطبقات لاسيما وإن هذا الهدي المحمدي كان في المدينة المنورة وبعد أن تكوّن فيها نواة البيت النبوي عند تزويج النور من النور وولادة نورا النبوة والإمامة في الحسن والحسين عليهم السلام فهؤلاء الأنوار الأربعة كانوا المنار الذي ينير للمسلمين بعد (السراج المنير)(1)، طريقهم إلى الله تعالى وبهم يأمن المسلمون من الوقوع في الظلال أو الدخول في التيه كما دخله من كان قبلهم من الأمم السابقة.

ولأجل هذا: كان المنهاج النبوي في التعامل مع هذه النواة التي تكون منها البيت النبوي المحمدي كالآتي:

ص: 239


1- هو قوله تعالى: (يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِنّٰا أَرْسَلْنٰاكَ شٰاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً (45) وَ دٰاعِياً إِلَى اَللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرٰاجاً مُنِيراً)؛ سورة الأحزاب، الآية: 46.
أولاً: انحصار (الأهل) بفاطمة وبعلها وولدها
اشارة

قد لا يخفى على الباحث والمتتبع لشؤون المجتمع العربي الدور الكبير للعشيرة والأهل في تكون التحزبات والتجمعات لدى الإنسان العربي.

فالعشيرة والأهل، هم مصدر القوة، والمال، والعزة، والحسب، والتفاخر، والمنعة، والغلبة، والسلطان، وغيرها من المعان والدلالات الراسخة في العقلية العربية قديماً وحديثا وإن تفاوتت من مجتمع إلى آخر كالعراق واليمن ومصر فكل مجتمع منها تتفاوت فيها هذه العناصر المكونة للمجتمع.

في حين كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعند بدئه في تكوين مجتمع جديد في المدينة المنورة قد اختار من هذه المفاهيم مفهوماً واحداً وهو أن لا قيام للإنسان بدون التقوى فالأهل تجمعهم التقوى وتفرقهم كذلك، كما كان حال نوح وولده.

قال تعالى:

(وَ نٰادىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقٰالَ رَبِّ إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ اَلْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ اَلْحٰاكِمِينَ (45) قٰالَ يٰا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صٰالِحٍ فَلاٰ تَسْئَلْنِ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ )(1).

والقرآن في هذه الآية المباركة لم يكن ليغض الطرف عن علاقة الإنسان بالأهل وانجذابه الفطري إلى أهله وارتباطه وتمسكه بهم وإن لهم الحظوة لديه، فهم مبدأ نشأته ونموه وأساس وجوده في الحياة.

ص: 240


1- سورة هود، الآية: 46.

لكن هذه الأحاسيس والروابط النفسية والروحية لم تكن حاجزاً - وبحسب المفهوم القرآني - عن طاعة الله تعالى؛ إذ إنها تنهار فيما لو كان أحد أفراد الأهل خارجاً عن عنوان التقوى كما هو حال ابن نبي الله نوح عليه السلام.

بل: يأتي القرآن في مواضع أخرى يظهر للمسلم وفي مجتمعه الجديد الأسس التي يقوم عليها هذا المجتمع الذي انظم إليه فكان أحد مكوناته واحد عناصر وجوده وديموميته.

فيقول سبحانه:

(يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً وَقُودُهَا اَلنّٰاسُ وَ اَلْحِجٰارَةُ ...)(1).

أي: الاستفادة من هذه الفطرة، ومن هذه الروابط النفسية والروحية لتكون حافزاً في نجاة هؤلاء (الأهل) من النار.

لكن هؤلاء الأهل إذا كانوا حائلاً بين المسلم وبين طاعة الله عزّ وجل ويدفعون به إلى الخروج عن الطاعة لله فيتلبس فيه معنى آخر وهو الفسق، كما هو واضح في قوله تعالى:

(قُلْ إِنْ كٰانَ آبٰاؤُكُمْ وَ أَبْنٰاؤُكُمْ وَ إِخْوٰانُكُمْ وَ أَزْوٰاجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوٰالٌ اِقْتَرَفْتُمُوهٰا وَ تِجٰارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسٰادَهٰا وَ مَسٰاكِنُ تَرْضَوْنَهٰا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهٰادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّٰى يَأْتِيَ اَللّٰهُ بِأَمْرِهِ وَ اَللّٰهُ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْفٰاسِقِينَ )(2).

ص: 241


1- سورة التحريم، الآية: 6.
2- سورة التوبة، الآية: 24.

وهنا: يقدم القرآن معنى جديداً للحب بكونه أحد المكونات الأسرية وواحداً من أهم الروابط التي تجمع الأهل فيجعله القرآن ضمن ضابطة جديدة ترتكز على حب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

أما في مفهوم الموالاة فكذاك يقدم القرآن ضابطة وقاعدة جديدة يرتكز عليها هذا البناء الأسري في الإسلام، إلا وهو الموالاة لله تعالى.

يقول سبحانه:

(يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا آبٰاءَكُمْ وَ إِخْوٰانَكُمْ أَوْلِيٰاءَ إِنِ اِسْتَحَبُّوا اَلْكُفْرَ عَلَى اَلْإِيمٰانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلظّٰالِمُونَ )(1).

فمن هذه المفاهيم القرآنية الجديدة في إعادة بناء الأسرة في المجتمع الإسلامي وبلحاظ إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو العمود الفقري لهذا المجتمع وأن له أهلاً كما للمسلمين، وتربطه بهم مجموعة من الروابط كما تربط كل إنسان بأهله - مع الفارق - في تقنين هذه المفاهيم كما أسلفنا ومن ثمّ فإن هؤلاء الأهل الذين ينتمي إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينتمون إليه وتربطه بهم روابط الحب والألفة والدم والقرابة؛ وجب معرفتهم كما يعرف المسلمون كلاً أهله، وإن لهم عليه حقوقاً، وله عليهم حقوقاً كذلك، لذا لزم على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تعينهم وإظهارهم للناس كي يعلم المسلمون ما يجب عليهم من الحقوق اتجاههم، مع ملاحظة: إن هؤلاء لهم خصوصية الأهلية التقوائية التي جاء بها القرآن كعنصر أساس في قيام الأهل أو فك جميع الأواصر بهم.

ص: 242


1- سورة التوبة، الآية: 23.

وعليه:

كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من واجبه الشرعي أن يحدد للمسلمين من هم أهله بالمنظور القرآني والتحديد الرباني، إذ - وكما أسلفنا - للمجتمع الإنساني والعربي (تحديداً) مفاهيم أخرى في تكوين الروابط الأسرية والأهل.

لاسيما وأن النبي الهاشمي القرشي له أقارب وأبناء عمومه وعشيرة كبيرة لم يكن لها مثيلاً في الحسب والمفاخر، فضلاً عن تزوجه من نساء عدة فكانت مصاهرته لهذه القبائل عامل آخر في اتساع دائرة القرابة وتداخلها مع هذه البيوتات بحسب ما تفرضه القوانين القبائلية في تكون المجتمع العربي.

من هنا:

كان اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وبحسب هذا المكون الاجتماعي - أن يشرع في تحديد الأهل للناس جميعاً كي يدرك المسلم ما لهؤلاء من حقوق وواجبات ينبغي مراعاتها وذلك بحسب مجموعة من المفاهيم.

1 - إن لهم حرمة الدم التي تأسس عليها المجتمع الإنساني وخصوصاً العربي فضلاً عن تثبيت القرآن قانون القصاص في مجال الحدود والتعزيرات.

2 - إن لهم حرمة الشأنية إذ إن المجتمع العربي وغيره من المجتمعات بني على تلازم شأنية كل فرد بحسب أسرته وأهله، ومن ثمّ فلهم من الشأنية الاجتماعية ما لغيرهم من الأسر المحترمة التي بلغت مراتباً عالية من المآثر والمفاخر وهو ما يعرف بالحسب.

ص: 243

3 - إن التعدي على أحدهم تعدي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

4 - إن إكرام أحدهم هو إكرام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فهذه المفاهيم وغيرها من الأسس التي قام عليها المجتمع هي نفسها موجودة لدى (الأهل) الذين اختص بهم النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم واختصوا به.

فكيف إذا ألحقت بها أسس جديدة سنها القرآن وأوجبها على الأمة جميعاً والتي كان الملاك فيها والقاعدة التي بني عليها هذا البناء الجديد هي التقوى؛ وإن لهم - فضلاً عما للمسلمين مع أهلهم - من الحقوق المذكورة.

ولذلك:

حدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هم أهله للمسلمين كي لا يحتج محتج يوم القيامة فيقول لم أعلم من هم؛ فكان ذلك من خلال مجموعة من الأقوال والأفعال النبوية كشفت عن هؤلاء الأهل؛ وما يترتب على هذه الأمة من حقوق اتجاههم ضمن تلك الأسس التي جاء بها القرآن الكريم، فكانت كالآتي:

ألف: التلازم بين نزول الوحي وفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحديد الأهل

لو نظرنا إلى القرآن الكريم وتدبرنا في آياته لاسيما المتعلقة بعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام لوجدنا تلازماً لا ينفك بين الوحي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمرة يسبق الوحي الفعل النبوي، وأخرى يسبق النبي الوحي في بيان أمرٍ شرعي لاسيما فيما يختص بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 244

ويبدو أن الأمر منحصر في الحكم الشرعي وما له عند الله تعالى من المنزلة والشأنية التي حرص الأنبياء جميعا على إظهارها، ولأجلها كانوا ينطقون في تبليغهم فصدعوا بما أمروا في تعليم الناس: إن لا حرمة فوق حرمة الشريعة، وإن أهل الشريعة اكتسبوا هذه المنزلة لاختصاصهم بالحكم الشرعي المرتبط بالله عزّ وجل فهو صاحب الشريعة.

من هنا:

نجد أن هذا التلازم بين الوحي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان لارتباط أهله بالحكم الشرعي وما يفرضه على المسلم من حدود قد حذر القرآن أشد التحذير من تعديها أو المساس بها حتى أصبح المبتدعون أي الذين يدخلون أحكاماً إلى الشريعة ما أنزل الله بها من سلطان مصيرهم الحتمي إلى النار لأنهم أهل ضلال.

ومن هنا أيضاً أصبح آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لهم تلك الحرمة الشرعية المتلازمة مع حرمة الحكم الشرعي وإلا لا معنى أن يكون الوحي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أتى بكل هذا البيان لمجرد أن لهم صفة الرحم والقرابة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وواقع الحال يحكي عن وجود أرحام وأقارب للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فلماذا لم يهتم بهم الوحي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بحجم هذا الاهتمام الذي قدمه القرآن والنبي لفاطمة وبعلها وبنيها عليهم أفصل الصلاة والسلام ؟!

ص: 245

وعليه:

كان هذا التلازم ظاهراً لكل قارئ للقرآن مطلع على سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي الوقت الذي ينزل الوحي بقوله تعالى:

(... فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ )(1).

يقوم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ببيان من هم أهل بيته فيخرج فاطمة وعلي وولديهما، وذلك من خلال هذا الحديث النبوي الذي أخرجه كثير من الحفاظ لاسيما مسلم النيسابوري في صحيحه عن عامر بن سعد بن ابي وقاص عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً (أن يسب علي بن أبي طالب فامتنع) فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب ؟

فقال: أما ما ذكرت واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم سمعت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم يقول له (وقد) خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي:

«يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟».

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي».

وسمعته يقول يوم خيبر:

«لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله».

ص: 246


1- سورة آل عمران، ألآية: 61.

قال: فتطاولنا لها، فقال:

«أدعو لي علياً».

فأتى به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه؛ ولما نزلت هذه الآية: (... فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ ...)، دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسنا وحسيناً، فقال:

«اللهم هؤلاء أهلي»)(1).

والحديث مع شواهد أخرى تناولنا ذكرها في الفصل السابق في منزلة فاطمة في آية المباهلة.

ص: 247


1- حدّثنا الربيع المرادي، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسن وحسيناً عليهم السلام، فقال: (اللهم هؤلاء أهلي)؛ أبو داود، إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح، و (أسد بن موسى) المصري احتج به النسائي، وعلق له البخاري في تاريخه الكبير برقم 1645 بقوله: مشهور الحديث، يقال له: أسد السُنّة) ووثقه النسائي، وابن يونس، وابن حبان، والعجلي، وابن نافع، وأبو يعلى، والخليلي في (الإرشاد) وضعفه ابن حزم ولكن رد عليه الذهبي قائلاً: وما علمت به بأساً؛ رواه مسلم كاملاً في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام حديث (2404) بتسلسل 32، والترمذي في الجامع الصحيح كتاب تفسير القرآن باب 4 حديث 2999 وأخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 109/108 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق وساقه الذهبي في التلخيص على المستدرك ج 3، ص 108؛ لكنهم أخرجوه ضمن آية المباهلة، ورواه النسائي في (الخصائص) رقم 54؛ وابن جرير في تفسيره ج 22، ص 8؛ والطحاوي في مشكل الآثار ج 2، ص 35، حديث 761؛ والترمذي في صحيحه كتاب المناقب باب فضائل فاطمة حديث 3871 عن شهر بن موسى عن أم سلمة وفي المعجم الصغير للطبراني: ج 2، ص 91 حديث 170 وجاء فيه (هؤلاء حامتي وأهل بيتي).
باء: استخدام النبي صلى الله عليه وآله وسلم للوسائل التعليمية في بيان مراد الوحي في التشديد والمبالغة بحصر الأهل بفاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام

يلجئ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الوسائل التعليمية في إرشاد المسلمين إلى معرفة الحكم الشرعي كي يرسّخ ذلك في أذهانهم ويذهب عنهم التأويلات والآراء والأباطيل والبدع التي يلجئ إليها المنافقون والظالمون والساسة لغرض مصالحهم الشخصية.

واستخدام النبي الأكرم للوسائل التعليمية والإرشادية في بيان دلالة الحكم الشرعي كثيرة لا يسعنا تتبعها في هذه الأسطر، ولكن فيما يخص إرشاد الناس إلى معرفة آل النبي وعترته وأهل بيته استخدم وسيلة القماش في إرشاد الناس إلى حصر أهل بيته بمن يجللهم هذا القماش أو الكساء وجمعه لأطراف هذا الكساء لقطع الطريق على من يعتقد أن أهله غير هؤلاء بلحاظ ما للمجتمع الإنساني والعربي من عرف في معنى الأهل.

ولذلك:

كانت هذه الوسيلة التعلمية للناس - على بساطتها - إلاّ أنها بالغة الدلالة في تحديد أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحصرهم بهؤلاء الأربعة وهم (فاطمة وعلي وولديهما صلوات الله عليهم أجمعين)؛ وذلك كما دلت عليه الأحاديث الآتية:

1 - أخرج الحاكم النيسابوري عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه قال:

ص: 248

(لما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرحمة هابطة، قال:

«ادعوا لي ادعوا لي».

فقالت صفية: من يا رسول الله ؟ قال:

«أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين».

فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساءه ثم رفع يديه، ثم قال:

«اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد».

وأنزل الله عزّ وجل:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1) (2).

2 - روى الحاكم عن عامر بن سعد يقول: قال سعد - بن أبي وقاص -: (نزل على رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم الوحي فأدخل علي وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي»).

ونلاحظ هنا أن الفعل النبوي قد تلازم مع الوحي في بيان أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحصرهم من خلال هذه الوسائل الإرشادية كي لا يبقى أحد يعتقد أن آل محمد وأهل بيته غير هؤلاء الأربعة.

ص: 249


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 147.

وهذا المعنى قد التفت إليه الحاكم النيسابوري، أي الحكمة في استخدام النبي للكساء أو الثوب في بيان مراد القرآن والوحي في تحديد الآل والأهل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بهؤلاء الأربعة فقط دون غيرهم، فقال: (وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح؛ وإنما خرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعاً هم)(1).

بمعنى: أن آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته هم واحد، وهم هؤلاء الأربعة الذين جللهم بالكساء، وهم الذين أخرجهم للمباهلة.

والحديث الذي قال عنه الحاكم: (وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري هو هذا: - قال - عبد الرحمن بن أبي ليلى: لقيني كعب بن عجرة فقال: إلا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم ؟

قلت: بلى، قال: فأهدها إليه.

قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت ؟ قال:

«قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»)(2).

ص: 250


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3، ص 147.
2- المصدر السابق نفسه.

3 - أخرج أحمد بن حنبل، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلل على علي وحسن وحسين وفاطمة كساء ثم قال:

«اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا».

فقالت أم سلمة: يا رسول الله أنا منهم ؟

قال:

«إنكِ على خير»)(1).

وتظهر الحكمة بشكل كبير في اعتماد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إرشاد الناس وبالأخص أزواجه إلى تحديد أهل بيته وذلك حينما كان تجليله لهم بالكساء في دار أم سلمة وفي رواية في دار عائشة كي لا تتعدى إحداهن بأنها من آله وأهل بيته الذين حددهم القرآن وليس الذين يحددهم المجتمع فيكون المعنى مجازي وذلك بالرجوع إلى العشرة والمودة فقد يصبح إثنان من الناس وبسبب العشرة الطيبة بأنهم أهل ولعل المودة والأخلاق الحميدة تجعلهم قريبين إلى القلب بأكثر مما يمتاز به أهل البيت الواحد الذين تربطهم رابطة الدم.

ولذلك:

المراد بآل النبي وأهل بيته هم أولئك الأربعة وليس أزواجه أو أقرباءه أو أحبابه وخلانه وأصحابه وإن كان لأحدهم مكانة في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا لا يعني أنهم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين حرم عليهم الصدقة.

ص: 251


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 304.

من هنا:

ندرك حكمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في استخدام الكساء في دار أم سلمة أو عائشة أو غيرها وندرك أيضاً معنى أن يجمع النبي أطراف هذا الكساء ويمنع أم سلمة من الدخول تحته وقوله لها أنك على خير.

جيم: استخدام النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمثلة في إرشاد الناس إلى الحكم الشرعي تلازماً مع المنهج القرآني

إنّ من المنهاج الإرشادية التي جاء بها القرآن في بيان الحكم الشرعية إلى الناس هو ضرب الأمثال لهم كي يلتفتوا إلى مراد الوحي ودلالة المثل فذلك أكثر وقعاً على الناس وامض أثراً في تحريك العقول ومن ثم يصبح ضرب الأمثال له من الخصوصية التأثيرية على النفس ما لا يحرز في غيره من الوسائل والمنهاج وذلك لتقاربه مع كثير من الأنماط الفكرية لدى الناس.

ففي أثر القرآن على الأشياء ونفاذه النوراني فيها ما جاء في سورة الحشر عند قوله تعالى:

(لَوْ أَنْزَلْنٰا هٰذَا اَلْقُرْآنَ عَلىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خٰاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اَللّٰهِ وَ تِلْكَ اَلْأَمْثٰالُ نَضْرِبُهٰا لِلنّٰاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )(1).

في حين نجد القرآن يضرب مثلاً آخر في قسوة قلوب الظالمين فيقول سبحانه:

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجٰارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ اَلْحِجٰارَةِ لَمٰا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ اَلْأَنْهٰارُ وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ اَلْمٰاءُ وَ إِنَّ مِنْهٰا لَمٰا

ص: 252


1- سورة الحشر، الآية: 21.

يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اَللّٰهِ وَ مَا اَللّٰهُ بِغٰافِلٍ عَمّٰا تَعْمَلُونَ )(1).

فهذه القلوب التي هي أشد قسوة من الحجارة لم يكن القرآن لينفذ بنوره إليها في حين يكون أثره فيما لو أنزل على جبل أن يتصدع من خشية الله تعالى.

وفي دور الكلمة الطيبة الاصلاحي في النفس الإنساني يضرب الله مثلا لذلك فيقول سبحانه:

(أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اَللّٰهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي اَلسَّمٰاءِ )(2).

ولعل تتبع الآيات يخرج المبحث عن موضوعه ولكن أردنا أن نظهر للقارئ الكريم أن هذا المنهج الإرشادي الذي جاء به القرآن استخدمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيان منزلة فاطمة وأهل بيته عليهم السلام في هذه الأمة وموضعهم من الرسالة، فكانت كالآتي:

1 - أخرج الحاكم النيسابوري في مستدركه، (عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر صلى الله عليه - وآله - وسلم يقول:

«ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق»)(3).

ص: 253


1- سورة البقرة، الآية: 74.
2- سورة إبراهيم، الآية: 24.
3- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 2، ص 343، وج 3، ص 151؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 4، ص 10؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 1، ص 362؛ مسند البزار: ج 3، ص 222، حديث (2615)؛ المعجم الوجيز للميرغني: ص 377، حديث (737)؛ الأمثال في الحديث النبوي: برقم

وهنا:

نلاحظ استخدام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم السفينة كمثل في دور أهل بيته عليهم السلام في نجاة أمته من الغرق، ولا شك أن الغرق المقصود هو بحر الشبهات والبدع والضلال فمن تخلف عن أهل البيت غرق في الضلال والبدع كما خرق قوم نوح في الضلال فكان مصيرهم الهلاك في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة فالنتيجة واحدة في الأمتين، أمة نوح وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ويمضي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في ضرب الأمثال لبيان دور أهل بيته عليهم السلام في هذه الأمة ومنزلتهم من الرسالة، فيأتي بأمثلة أخرى، وهي:

2 - يروى الطبراني والبزار وغيرهم حديث السفينة عن أبي ذر ثم يردف بمثال آخر لدور أهل البيت عليهم السلام فيمثلهم صلى الله عليه وآله وسلم في (باب حطة في بني إسرائيل)(1).

ص: 254


1- كفاية الأثر للخزار القمي: ص 39؛ كتاب سليم بن قيس: ص 457؛ مناقب الإمام علي لابن سليمان الكوفي: ج 2، ص 146؛ الأمالي للطوسي: ص 60؛ فتح الوهاب تخريج أحاديث الشهاب: ج 2، ص 331؛ الجامع الصغير للطبراني: ص 391؛ الجامع الكبير للطبراني: ص 2637؛ ورواه القضاعي في مسند الشهاب برقم (1342) ورواه البزار برقم (2615) والطبراني (12638 و 12388) وأبو نعيم في الحلية (306/4) والفسوى في المعرفة (538/1) وابن عدي (719/2-720) وفي جمع الفوائد للمغربي: ج 3، ص 295، حديث 9016، عن ابن الزبير؛ وفي كتاب الأمثال لأبي الشيخ الأصبهاني: ص 247، حديث 333؛ كنز العمال: ج 12، ص 99؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 362؛ تنبيه الغافلين لابن كرمة: ص 138.

ولا يخفى على المتتبع أن باب حطة في بني إسرائيل كان هو الوسيلة الابتلائية للأمة.

3 - أخرج الحاكم الحسكاني، وابن حجر العسقلاني وغيرهم عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

«إنا الشجرة وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها وشيعتنا ورقها وأصل الشجرة في جنة عدن وسائر ذلك في سائر الجنة»(1).

4 - عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«أنا ميزان العلم، وعلي كفتاه، والحسن والحسين خيوطه والأئمة من أمتي عموده، وفاطمة علاقته توزن فيه أعمال المحبين لنا، والمبغضين لنا»(2).

5 - روى صاحب نوادر الأصول: (عن علي - عليه السلام - عنه قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم إن لك في الجنة كنزا وإنك ذو قرنيها فلا تتبعن من النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الأخرى، فمعنى الكنز فاطمة وقرنيها الحسن والحسين - عليهم السلام - صيرها بمنزلة الكنز لأن الكنز موضوع مستور إليه الموبل وسائر المال ظاهر يذهب ويجيء والكنز أصل المال فشبه فاطمة - عليها السلام - عنها من نعيم الجنة بالكنز من

ص: 255


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 160؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 408؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 14، ص 168؛ الإصابة لابن حجر: ج 6، ص 306؛ فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي: ص 158؛ البصائر والذخائر لابني حيان التوحيدي: ج 1، ص 313؛ الأمالي للطوسي: ص 611.
2- مسند الفردوس للديلمي: برقم 107؛ اتحاف السائل للمناوي: ص 7، حديث 39.

المال ثم قال وأنت ذو قرنيها نسب»)(1).

6 - روى الشيخ الطوسي بسنده عن الأمالي: (عن موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عليهم السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:

صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما صلاة الفجر، ثم انفتل وأقبل علينا يحدثنا، فقال:

«أيّها الناس، من فقد الشمس فليتمسك بالقمر، ومن فقد القمر فليتمسك بالفرقدين».

قال: فقمت أنا وأيوب الأنصاري ومعنا أنس بن مالك، فقلنا يا رسول الله، من الشمس ؟ قال:

«أنا».

فإذا هو صلى الله عليه وآله وسلم ضرب لنا مثلا، فقال:

«إن الله تعالى خلقنا وجعلنا بمنزلة نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم، فأنا الشمس فإذا ذهب بي فتمسكوا بالقمر».

قلنا: فمن القمر؟ قال:

«أخي ووصيي ووزيري وقاضي ديني وأبو ولدي وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب».

قلنا: فمن الفرقدان ؟ قال:

ص: 256


1- نوادر الأصول في أحاديث الرسول: ج 3، ص 181.

«الحسن والحسين».

ثم مكث ملياً وقال:

«فاطمة هذ الزهرة، وعترتي أهل بيتي هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض»)(1).

ولعل الكلمة الطيبة التي ضربها الله مثلاً في القرآن هي محمد وأهل بيته عليهم السلام وذلك أن القرآن قد أطلق على عيسى وغيره لفظ (الكلمة)، كما في قوله تعالى:

1 - قال تعالى:

(... اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ ...)(2).

وكما في ذرية إبراهيم الخليل عليه السلام.

2 - قال تعالى:

(وَ جَعَلَهٰا كَلِمَةً بٰاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ...)(3).

إذن:

الحكمة في استخدام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للأمثال كمنهج إرشادي في بيان مراد الشيعة وتفريغها لأهل البيت عليهم السلام وتحديد منزلتهم

ص: 257


1- الأمالي: ص 516-517.
2- سورة النساء، الآية: 171.
3- سورة الزخرف، الآية: 28.

ودورهم الرسالي إنما كان تبعاً للقرآن الكريم وتلازمه للوحي كي يقطع الطريق على من يتعذر الجهل وعدم المعرفة في أن أهل البيت عليهم السلام هم هؤلاء الأربعة وإن دورهم الإصلاحي والرسالي إنما كان من خلال تلك الأمثلة التي ضربها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمة.

ثانيا: تلازم حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحب فاطمة وبعلها وولديها
اشارة

يمضي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في إظهار منزلة فاطمة عليها السلام لديه وذلك من خلال بيان أن حب فاطمة وبعلها وبنيها هو متلازم مع حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثمّ فإن هذا الحب يقود إلى غاية شرعية أظهرها القرآن الكريم وهو ضمن العناوين الآتية:

ألف: إنّ المراد من الحب الإتباع

إن هذا العنوان الشرعي المبين لإحدى دلالات الحب، وهو الإتباع جاء من خلال القرآن الكريم كما هو واضح في قوله تعالى:

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ )(1).

بمعنى: لا يمكن أن ينزرع حب الله في قلب أي إنسان وينمو ويعطي ثماره ما لم يكن هناك إتباع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ بل لا معنى للحب بدون الإتباع وهو ما عليه الوجدان الإنساني والسير العقلائي، بل يكفي لو تأمل الإنسان أن ذلك سنته كونية جرت في النبات والحيوان وإن اختلف المحرك في الإتباع بين القطرة والغريزة والحب، فعندها يكون الحب في الموجودات فطري وغرائزي يدفع

ص: 258


1- سورة آل عمران، ألآية: 31.

الإنسان إلى ما يحب حتى وإن اختلفت الأهداف فقد يكون الإنسان محب للشهوات لكنه في طبيعته وفطرته يندفع لهذه الشهوات ويتبع كل ما يحقق له إشباع هذا الحب.

ولذلك: وجود الحب يقتضي الإتباع وبدون الإتباع لا معنى للقائل بأنه يحب وذلك لأنه يكون قد خالق الخلقة والفطرة التي فطر الله عليها الموجودات، بل كلما كان الحب أكبر كلما كان الإتباع أشد حتى لا يستطيع المحب الانفكاك عن المحب، بل حتى يكون صورة له في أفعاله وأقواله وهديه وسمته وسننه، وهذا الذي يريده القرآن من حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي أن يكون المحب - وبحسب - مستوى هذا الحب صورة تحاكي المحب في الهدي والسمت والسنة.

من هنا:

حينما نأتي إلى معرفة أولئك الذين كانوا مصداقاً للحب النبوي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك من خلال أنهم كانوا يمثلون في فعلهم وقولهم وهديهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنا لا يمكن أن نتعدى أهل بيته عليهم السلام وذلك حسبما أكدته النصوص ودلت عليه الروايات.

1 - روى الترمذي عن عائشة قال: (ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلا وهدياً برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم)(1).

ص: 259


1- سنن الترمذي: ج 5، ص 361؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 78؛ المستدرك للحاكم: ج 4، ص 272؛ فتح الباري لابن حجر: ج 8، ص 103؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 96؛ نصب الراية للزيلعي: ج 6، ص 156؛ مطالب السؤول لابن طلحة: ص 36؛ سبل الهدى والرشاد للشامي: ج 11، ص 46.

والحديث يكشف عن رتبة فاطمة عليها السالم ومنزلتها الاتباعية لهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسنته فلمن يكن أحد بعد علي بن أبي طالب عليه السلام - كما سيمر - في مثل إتباعها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أصبحت تشابهه في سمته ودله وهديه فكان الناظر إليها يخال نفسه ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

2 - وفي سنة الإتباع التي فطر الله تعالى عليها الخلق فكان الحب قائد المرء في إتباعه للأشياء هو درجة حبه لها، فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يكشف للناس لاسيما أولئك الذين يدعون أنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم أبعد الخلق عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حجم حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أصبح المصداق الأول لهذه السنة في الإسلام فيقول:

«ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به؛ ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري؛ ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة.

ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة ؟

فقال: هذا الشيطان أيس حق عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلى خير»(1).

ص: 260


1- نهج البلاغة، الخطبة القاصعة: ج 2، ص 157.

إذن:

يقتضي حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإتباع كما دلّ عليه القرآن والسُنّة وسيرة العقلاء، وأن أشد الناس حباً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي وفاطمة وولديهما عليهم السلام فقد كان مصداق هذا الحب من خلال الإتباع المطبق لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسمته وسنته وخلقه.

باء: إنّ المراد من حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان به

يطرح القرآن قضية حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إطار آخر وتحت عنوان شرعي جديد إلاّ وهو الإيمان بالله تعالى إذ يبدأ القرآن في أول الأمر عند تأسيس هذا العنوان الشرعي والبنائي للمجتمع المسلم من خلال بيان أن الإيمان هو عين الحب لله تعالى، ومن ثمّ فالذين أمنوا هم أشد الناس حباً لله تعالى كما دل عليه قوله تعالى:

(وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ أَنْدٰاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اَللّٰهِ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّٰهِ ...)(1).

ثم يمضي القرآن في التأسيس لهذا العنوان الشرعي في نفوس الناس كي يتم بناء المجتمع الأنموذج الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر فيكون مصداق لقوله تعالى:

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ ...)(2).

ص: 261


1- سورة البقرة، الآية: 165.
2- سورة آل عمران، الآية: 110.

وذلك من خلال ترسيخ حب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وتقديمه على كل شيء تعلق به الإنسان في الحياة وارتبطه.

فيقول سبحانه:

(قُلْ إِنْ كٰانَ آبٰاؤُكُمْ وَ أَبْنٰاؤُكُمْ وَ إِخْوٰانُكُمْ وَ أَزْوٰاجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوٰالٌ اِقْتَرَفْتُمُوهٰا وَ تِجٰارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسٰادَهٰا وَ مَسٰاكِنُ تَرْضَوْنَهٰا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهٰادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّٰى يَأْتِيَ اَللّٰهُ بِأَمْرِهِ وَ اَللّٰهُ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْفٰاسِقِينَ )(1).

وهذا التأسيس والبناء للعقيدة الإسلامية وبهذه الكيفية التي يطرحها القرآن ويريدها الله تبارك اسمه فيكون حب رسول الله صلى الله عليه وآله يرتكز على الإيمان به وإن مراتب هذا الإيمان مرتبطة بمراتب هذا الحب كما هو مبين في الآية الكريمة من خلال الروابط النفسية والروحية والاجتماعية التي يرتبط بها الإنسان فتعلق بها، بل ويصرف في بقائها ودوامها الكثير من متعلقاته الأخرى وذلك بحسب التفاوت القائم لدى كل إنسان فيما يرتبط به من علاقة أبوية أو أخوية أو والدية أو قرابية أو زوجية أو مالية، كما هو منصوص عليه في الآية المباركة.

فهذه العلائق تتفاوت الناس في التعاطي معها والارتباط بها حتى تأتي العلاقة بالله ورسوله متأخرة أو متقدمة بحسب الإيمان الذي يختلج في قلب الإنسان.

وعليه:

يجعل القرآن حب الله ورسوله والجهاد في سبيله هو المقدم على هذه العلائق

ص: 262


1- سورة التوبة، الآية: 24.

التي ارتبط بها الإنسان وأحبها وتفاوتت فيما بينها لديه في الحب والأهمية فقد يكون المال أحب جميع هذه الأشياء وقد يكون الأبناء وقد تكون الزوجة.

إلاّ أن المنهج القرآني في بناء العقيدة الإسلامية للمسلم هو أن يكون حب الله ورسوله هوالعنوان الأول والأساس فيما يرتبط بالإنسان من أشياء عديدة.

ثم ليأتي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذا النص القرآني ليبين للناس وللمسلمين تحديداً وفي إطار العقيدة القرآنية التي أرادت أن يبنى الإسلام عليها أن يكون حب فاطمة وعلي وولديهما عليهم السلام هو تبع لحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ بل لا يمكن أن يصدق عنوان الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يكن هناك حب لفاطمة وعلي وولديهما عليهم السلام كما نصت عليه الأحاديث النبوية الشريفة فكانت كالآتي:

1 - روى ابن عساكر وغيره عن زيد بن أرقم، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمرت فاطمة عليها السلام وهي خارجة من بيتها إلى حجرة نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعها إبناها الحسن والحسين عليهم السلام وعلي في أثرهم فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغض هؤلاء فقد أبغضني»(1).

2 - روى الشيخ الصدوق والطوسي والترمذي والحاكم والبخاري وغيرهم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 263


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 14، ص 154؛ كنز العمال للهندي: ج 12، ص 103؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 525؛ سبل الهدى للصالحي الشامي: ج 11، ص 57.

«أحبوا الله لما يغدوكم به مننعمة، وأحبوني لحُب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي»(1).

3 - روى ابن تيمية وغيره عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي»(2).

4 - روى ابن أبي شيبة الكوفي، والطبراني وابن عساكر وغيرهم، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح قال: قال العباس: يا رسول الله إنا لنرى وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«لن يصيبوا خيراً حتى يحبوكم لله ولقرابتي، أترجو سلهب شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب»(3).

5 - روى أحمد بن حنبل، ومحمد بن سليمان الكوفي، والترمذي، والحاكم النيسابوري، وغيرهم بطرق عدة، منها ما رواه أحمد عن عبد الله بن الحرث عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت يا رسول الله إن قريشا إذا لقى بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا تعرفنا؟!

ص: 264


1- الأمالي للصدوق ص 446؛ الأمالي للطوسي: ص 633؛ سنن لترمذي: ج 5، ص 330؛ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 150 التاريخ الكبير للبخاري: ج 1، ص 183؛ تفسير ابن كثير: ج 4، ص 123؛ الآداب للبيهقي: ج 2، ص 23؛ الدر المنثور: ج 6، ص 7.
2- الوصية الكبرى لابن تيمية: ص 297؛ البحر الزخار: ج 6، ص 131، حديث 2175؛ القول القيم لابن القيم: ص 12.
3- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 7، ص 518؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 11، ص 343؛ كنز العمال: ج 12، ص 41؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 26، 337؛ تاريخ المدينة لابن شبة النمري: ج 2، ص 640؛ رأس الإمام الحسين لابن تيمية: ص 201؛ ينابيع المودة للقندوزي الشافعي: ج 2، ص 112؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 24، ص 235.

قال: فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم غضباً شديداً، وقال:

«والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله»(1).

والملاحظ في الحديث بعض النقاط منها:

أ: تخصيص الإيمان بالله تعالى وأنه مرهون بحب أهل البيت عليهم السلام، أي يكون حب كل رجل أو امرأة لأهل البيت عليهم السلام خالصاً لله تعالى وإن كانوا يجدون من يقول بخلافهم وإن كانوا أقرب الناس إليهم كآبائهم وأبنائهم كما نصت الآية الكريمة التي مرّ ذكرها.

ب: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغضب غضباً شديداً لتغير وجوه قريش في وجه عمه العباس وذلك لما أحدثه الإسلام من تغيرات في المجتمع فكيف يكون حاله عند قتل ابنته فاطمة وولدها عليهم السلام على النحو المعروف - نعوذ بالله من سوء المنقلب ومن غضب الله وغضب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم -.

ج: من البديهي أن أسباب حصول الغضب يضادها أسباب حصول الرضا، بمعنى: كلما زاد إيمان الإنسان كلما زاد حباً لأهل البيت عليهم السلام وكلما كان الحرص شديد على خدمتهم وإدخال السرور عليهم فإن بذلك إدخال للسرور على قلب سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 265


1- مسند أحمد: ج 1، ص 207؛ وج 4، ص 165؛ المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي: ج 2، ص 122؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 318؛ سنن ابن ماجة: ج 1، ص 50؛ فضائل الصحابة للنسائي، ص 23؛ المستدرك للحاكم: ج 3، ص 333؛ المعجم الكبير للطبراني: ص 285؛ تهذيب الخصائص للسيوطي: ص 432؛ الشفا للقاضي عياض: ج 2، ص 48؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 1، ص 92.

6 - روى أحمد بن حنبل، والترمذي، والدولابي، والطبراني جميعاً عن علي بن الإمام جعفر بن محمد عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه الإمام محمد بن علي الباقر عن أبيه الإمام علي بن الحسين عن أبيه الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال:

«إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد حسن وحسين عليهما السلام فقال:

من أحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة»(1).

والحديث الشريف يجمع ما قدمناه من دلالات في أن معنى الحب هو الإتباع والاقتداء والهدي بهؤلاء إلى المستوى الذي يكون الشخص بسمته وطريقة معيشته وتعامله مع الناس صورة حاكية عن الحسن والحسين وعلي وفاطمة عليهم السلام فمن استطاع أن يصل إلى هذا المستوى من الحب فإنه لا شك وبنص الحديث النبوي الشريف سينال من الرضا والقرب الإلهي ما يجعله مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة في الدرجة التي أعدها الله تعالى لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في جنة عدن أو الفردوس لأنه قد بلغ رتبة من التقوى العملية ما مكنته من الوصول إلى هذه المنزلة.

ص: 266


1- مسائل علي بن جعفر: ص 50؛ كامل الزيارات: ص 117؛ أمالي الصدوق: ص 299؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 78؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 305؛ تحفة الأحوذي: ج 1، ص 163؛ الذرية الطاهرة للدولابي: ص 167؛ المعجم الصغير للطبراني: ج 2، ص 70؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 3، ص 50؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 210؛ كنز العمال للهندي: ج 12، ص 97؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 13، ص 196؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 6، ص 228؛ تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 10، ص 284؛ ذكر أخبار اصبهان للحافظ الأصبهاني: ج 1، ص 192.
ثالثاً: تلازم بغض فاطمة وبعلها وولديها ببغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

إنّ من السنن الكونية التي أوجدها الله تعالى في الخلق هي سنة التضاد وهذه السنة قرن الله تعالى بها نظام الاستقامة في الحياة بمعنى إما أن يعتدل الإنسان بفعل هذه السنة في سلوكياته ومسيرته وتعايشه في الحياة.

وإما أنه يميل إلى أحد المتناقضين فيكتسب من أحدهما طاقته ودوامه وعنوانه الحياتي فيكون ملاصقاً له بل يصبح أحد أدواته الفاعلة والمؤثرة في الحياة.

ومثال ذلك الخير والشر، والجهل والعلم والصدق والكذب، والإيمان والكفر، والحب والبغض، فإما أن يكون الإنسان معالجاً للجهل بالعلم، وللكذب بالصدق، وللكفر بالإيمان، وللبغض بالحب، وإما أنه يميل إلى أحد هذين القطبين فيكون متصفاً به، وعنواناً لأحدهما فيصبح إما شريراً أو خيراً وإما عالماً أو جاهلاً أو محباً أو مبغضاً.

وهنا:

في مسألة حب فاطمة وبعلها وولديهما عليهم السلام لا يمكن أن يكون الإنسان يحمل من طرف مثقال ذرة من حبهما ومثقال ذرة من بغضهما في آن واحد فحالهما أي الحب والبغض حال الإيمان والكفر، فمثقال من الكفر يؤدي إلى الهلاك ومثقال من الخير يؤدي إلى النجاة كما دلّ عليه قوله تعالى:

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )(1).

ص: 267


1- سورة الزلزلة، الآيتان: 7 و 8.

وفي حب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبغضهم تظهر الخطورة العظمى حيث يندرج الإنسان ضمن قائمة الظالين الذين غضب الله عليهم كما دلت عليه النصوص، منها:

1 - عن أبي الجارود عن أبي عبد الله الحداي قال: قال لي أمير المؤمنين عليه السلام:

«يا أبا عبد الله ألا أخبرك التي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة، وبالسيئة التي من جاء بها كب على وجهه في جهنم ؟».

قلت: بلى يا أمير المؤمنين، فقال:

«الحسنة حبنا، والسيئة بغضها أهل البيت»)(1).

2 - روى الشيخ الطوسي عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم عليه السلام فرحوا واستبشروا، وإذا ذكر عندهم آل محمّد اشمأزت قلوبهم ؟، والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً ما قبل الله منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي»(2).

3 - عن أبي حمزة الثمالي قال: (كنت مع أبي جعفر عليه السلام، فقلت: جعلت فداك يبن رسول الله: قد يصوم الرجل النهار، ويقوم الليل، ويتصدق، ولا

ص: 268


1- المحاسن للبرقي: ج 1، ص 150؛ دعائم الإسلام للقاضي المغربي: ج 1، ص 71؛ الأمالي للطوسي: ص 493؛ تفسير الثعلبي: ج 7، ص 230؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 1، ص 548؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 328؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 1، ص 291.
2- الأمالي للشيخ الطوسي: ص 140؛ كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 11.

يعرف منه إلا خيراً، إلا أنه لا يعرف الولاية، قال: فتبسم أبو جعفر عليه السلام وقال:

«يا ثابت إنا في أفضل بقعة على ظهر الأرض لو أن عبداً لم يزل ساجداً بين الركن والمقام حتى يفارق الدنيا لم يعرف ولايتنا، لم ينفعه ذلك شيئاً»)(1).

من هنا:

نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قرن هذا الحب - وبلحاظ هذه السُنّة السلوكية - بالبغض فمن أحبهم فقد بغض أعدائهم، ومن أبغضهم أحب أعدائهم؛ وذلك ن المؤمن ينجذب إلى الخير سريع الالتحاق بأهله ويأنس بهم ويستوحش من غيرهم؛ والحال نفسه قائم عند الكافر فهو يستوحش من أهل الخير سريع الفرار منهم، بل نجده يشمئز من الإيمان والذكر كما دلّ عليه قوله تعالى:

(وَ إِذٰا ذُكِرَ اَللّٰهُ وَحْدَهُ اِشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذٰا ذُكِرَ اَلَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذٰا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )(2).

وهذه الحالة النفسية التي يمكن ملاحظتها في جميع الأزمنة نجدها متجسدة في المؤمن والكافر وتنعكس على حاله وأفعاله؛ بل نجدها لتتضاعف معه حتى يصبح المؤمن سلم لمن سالم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ وحرب لمن حارب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لتلازم الإيمان بالحب، والبغض بالنفاق فيكون إما من أهل الإيمان، وإما من أهل النفاق، فيسالم أهل سنخه ويعادي أهل

ص: 269


1- الأصول الستة عشر بتحقيق المحمودي: ص 333؛ تفسير أبي حمزة الثمالي: ص 137؛ مستدرك الوسائل: ج 1، ص 151.
2- سورة الزمر، الآية: 45.

نقيضه.

ولعل كثير من النصوص الصريحة والواضحة في هذا الجانب تقطع الطريق على المتأولين في دفع المسلم عن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحديد المسار والعلاقة مع أهل البيت عليهم السلام، فكان منها:

1 - روى الزرندي، وابن حجر، وغيرهم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي، ومن أحب أن يسأله في أجله، وأن يتمتع بما خوله الله، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتر الله عمره وورد عليّ يوم القيامة مسوداً وجه»(1).

2 - روى أبو يعلى الموصلي (عن بن حوشب الحنفي قال:

حدثتني أم سلمة قالت: ثم جاءت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم متوركة الحسن والحسين في يدها برمة للحسن فيها سخين حتى أتت بها النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم، فلما وضعتها قدامه قال لها:

«أين أبو الحسن».

قالت:

«في البيت».

ص: 270


1- نظم درر السمطين للزرندي: ص 231؛ الإصابة لابن حجر: ج 1، ص 406؛ فيض القدير للمناوي: ج 2، ص 220؛ كنز العمال: ج 12، ص 99.

فدعاه، فجلس النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين يأكلون.

قالت أم سلمة:

وما سامني النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم وما أكل طعاماً قط إلا وأنا عنده إلاّ ساميته قبل ذلك اليوم(1).

فلما فرغ التف عليهم بثوبه ثم قال:

«اللهم عاد من عاداهم ووال من والاهم»)(2).

ويمضي النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في بيان تلازم الحب والبغض وارتباطهما الإيماني والنفاقي، فيبين للمسلمين إن حب أهل بيته هو عين حبه صلى الله عليه وآله وسلم - كما أسلفنا - وإن بغضهم هو عين بغضه - والعياذ بالله -.

ولشدت حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إيصال هذا الحكم إلى الناس وحثّهم على العمل به تعدد منه صدور هذا الحكم الشرعي بنحوي المجمل والمفصل؛ فمرة يخص بهذا الحكم الشرعي الحسن والحسين عليهما السلام فيقتصر على ذكرهما فيظهر تلازم حبهما بحبه وبغضهما ببغضه؛ ومرة أخرى يخص بالذكر علي بن أبي طالب عليه السلام، ومرة ثالثة بفاطمة، ورابعة بهم جميعاً.

والظاهر - كذلك - من سيل الروايات الكثيرة في هذا الخصوص أن النبي

ص: 271


1- تعني بسامني دعاني إليه.
2- مسند أبي يعلى الموصلي: ج 12، ص 384؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 33، ص 92.

صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك موقفاً أو مناسبة إلا وقد صرح للمسلمين بهذا الحكم الشرعي كي يلتفت المسلمون إلى خطورة هذا العنوان وذلك لما يترتب عليه من صلاح لهذه الأمة أو فسادها وضلالها.

ولذلك:

نجد أن السبب في تعدد هذه الأحاديث وكثرتها هو لما ذكرناه، فكان من هذه الأحاديث ما يلي:

1 - أخرج أحمد في المسند عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

يعني حسناً وحسيناً)(1).

ولا يخفى على اللبيب إن ما يترتب على الحب من عناوين شرعية وروحية واجتماعية يترتب على البغض كذلك.

2 - وعن عبد الرحمن بن مسعود، عن أبي هريرة، قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة ويلثم هذا مرة حتى انتهى إلينا فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما؟ فقال:

«من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني»)(2).

ص: 272


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 2، ص 288؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 20.
2- مسند أحمد: ج 2، ص 440؛ سنن ابن ماجة: ج 1، ص 21؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 166.

وفي حبه صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام وما يترتب على المسلم من حكم شرعي من التلازم بين حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحب علي بن أبي طالب عليه السلام فمن بغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام فقد بغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روى الحاكم في المستدرك، عن عوف بن أبي عثمان النهدي قال:

(قال رجل لسلمان: ما أشد حبّك لعلي ؟

- فقال سلمان -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

«من أحبّ علياً فقد أحبني ومن أبغض علياً فقد أبغضني»)(1).

والحديث واضح الدلالة في أن شدة حب سلمان لعلي بن أبي طالب عليه السلام إنما في حقيقته هو حبه الشديد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن هنا:

فإن الذين كانوا يبغون علي بن أبي طالب عليه السلام، فهم يبغضون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك للملازمة بين حبيهما وبغضيهما؛ أي: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام.

فمن يدعي حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزم منه حب علي عليه السلام، فضلاً عن مفاهيم الحب ومصاديقه ك -: (الإتباع، والإيمان، والموالاة، والنصرة، والسلم) وغيرها، وفضلاً عن نقائض هذه المصاديق ك - (التخلي، والكفر، والبراءة، والخذلان، والحرب) وغيرها، فمن اتبعهم تخلى عن غيرهم،

ص: 273


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 130.

ومن آمن بهم كفر بغيرهم، ومن والاهم تبرأ من أعداءهم ومخالفيهم، ومن نصرهم خذل غيرهم، ومن سالمهم حارب غيرهم إن كانوا حرب لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ولأجل ذلك:

وما يترتب عليه من تحديد للهوية الإسلامية والأخروية حينما يقف المسلم بين يدي الله تعالى، لقوله سبحانه:

(وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ )(1).

عن آل محمد كيف خلفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم، كان كل هذا التشديد والتحذير من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

1 - روى القندوزي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال له:

«يا سلمان من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن أيسر تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والصراط، والحساب، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضى الله تعالى عنه، ومن غضبت ابنتي فاطمة عليه غضبت عليه ومن غضبت عليه غضب الله عليه.

يا سلمان، ويل لمن ظلمها ويظلم بعلها عليا، وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها»(2).

ص: 274


1- سورة الصافات، الآية: 24.
2- ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 332؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج 1، ص 20.

2 - روى القاضي عياض في الشفا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال:

«معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب»(1).

3 - روى الحافظ الخركوشي في شرف المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، والقندوزي عن علي عليه السلام، قال:

«سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

من آذاني في أهل بيتي فقد آذى الله عزّ وجل، ومن أعان على أذاهم وركز إلى عدوهم فقد أذن بحرب من الله ولا نصيب له غداً في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(2).

4 - أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنّ علياً وصيي وخليفتي، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني ومن ناواهم فقد ناواني، ومن جفاهم فقد جفاني، ومن برهم فقد برني، وصل الله من وصلهم، وقطع من قطعهم، ونصر من نصرهم، وأعان من أعانهم،

ص: 275


1- الشفا بتعريف المصطفى للقاضي عياض: ج 2، ص 48؛ العجاجة الزرنبية للسيوطي: ص 33؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 1، ص 7؛ وج 2، ص 254.
2- شرف المصطفى للحافظ الخركوشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد الوطنية تحت الرقم (1887) ويحمل رقم المصغر الفيلمي (4891) الورقة 180، من جهة اليمين؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 81؛ كتاب الأربعين للقمي الشيرازي: ص 472؛ شرح إحقاق الحق: ج 9، ص 467.

وخذل من خذلهم، اللهم من كان له من أنبيائك ورسلك ثقل وأهل بيت، فعلي وفاطمة والحسن والحسين أهل بيتي وثقلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»)(1).

رابعاً: منهج الوحي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الرسالة من تذكير الأمة وانفلات العامة

مثلما كان هناك تلازماً بين فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقول الوحي فإن المنهج التبليغي الذي جاء به الوحي وعمل به النبي كان يرتكز على الملازمة أيضاً؛ فبين نهي القرآن وتذكيره كان المنهج النبوي يدور في نفس فلك المنهج القرآني.

ففي التذكير كمنهج نص عليه الوحي في محكم التنزيل ضمن مجموعة من الآيات، منها:

1 - قوله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم:

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِمٰا يَقُولُونَ وَ مٰا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّٰارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخٰافُ وَعِيدِ)(2).

2 - قال تعالى:

(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ اَلذِّكْرىٰ )(3).

3 - قال عزّ وجل:

ص: 276


1- الأمالي للصدوق: ص 473.
2- سورة ق، الآية: 45.
3- سورة الأعلى، الآية: 9.

(فَذَكِّرْ إِنَّمٰا أَنْتَ مُذَكِّرٌ)(1).

فكان هذا المنهج القرآني الذي حدد للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الأسلوب في تبليغ الرسالة تبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبناءً على ما أمره الله به فقد كان مذكراً للأمة بآل بيته وكيفية التعامل معهم وبيان شأنهم ومنزلتهم في الشريعة ودورهم الرسالي في الأمة.

فقام بتذكيرهم بأهل بيته فحذر وأنذر وأبلغ وأعذر فكان مما ذكر به ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم إنه قال:

(أقام رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال:

«أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به».

فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال:

«وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»)(2).

فهذا النهج الذي سار به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الأمة تبعه بمقتضيات أخرى تصب في نفس المعين لينجوا المسلمون من الوقوع في الضلال

ص: 277


1- سورة الغاشية، الآية: 21.
2- صحيح مسلم: ج 7، ص 123.

حينما ينزلقوا خلف انفلات العامة من حدود الله تعالى والعمل بشريعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

فقام صلى الله عليه وآله وسلم بالتحذير من التعرض لتلك الحدود التي فرضها الإسلام وأوجب على المسلم الالتزام بها، فكان التحذير واحداً من مصاديق التذكير الذي أمر به القرآن وعمل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جملة من الأحاديث الكاشفة عن منع وقوع الأمة في الانفلات من هذه الضوابط الشرعية والحدود الإلهية كما وقع فيه الإعراب والعوام.

وفي ذلك روى الشيخ الصدوق، والترمذي، والحاكم النيسابوري، والطبراني، وغيرهم، عن زيد بن أرقم أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين:

«أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»)(1).

والتحذير الذي قدمه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للأمة لم يكن محصوراً بزمن محدد بل تكشف الروايات عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حدد لهذه الأمة موضعه صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيته ومنذ أن تكوّن بيت علي وفاطمة عليها السلام.

فعن عطية العوفي (عن أبي سعيد الخدري، قال: لما دخل علي بفاطمة جاء

ص: 278


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 59؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 452-453؛ الأمالي للطوسي: ص 336؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 360؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 149؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 5، ص 182؛ موارد الضمآن للهيثمي: ص 555؛ سنن ابن ماجة: ج 1، ص 52، حديث 145.

النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم أربعين صباحاً إلى بابها فيقول:

«أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»)(1).

ويدل وقوف النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم على باب علي وفاطمة هذه المدة الزمنية التي حددتها الرواية بالأربعين صباحاً على حكمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دفع الالتباس أو الجهل عن المسلمين في تحديد موقعه صلى الله عليه وآله وسلم الشرعي من أهل بيته، فمن حاربهم إنما يحارب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يحاربه؛ ومن سالمهم كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلماً له.

والظاهر من الرواية أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ابتدأ مع المسلمين في منهاجه التذكيري والتحذيري من موقع الحكم الشرعي، بمعنى: أظهر لهم وذكرهم وحذرهم في الحرب والسلم لهؤلاء قبل أن يحدد للمسلمين من هم أهل بيته.

بمعنى آخر: إن تحديده لأهل بيته ظهر للمسلمين بعد ولادة فاطمة عليها السلام للحسن والحسين عليهم السلام أما قبل ولادتها لهما فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدد الموقع الشرعي لهذا البيت الذي تكوّن بعلي وفاطمة عليهما السلام.

والهدف في ذلك تحديد الحدود الشرعية الكاشفة عن عظم هذا البيت وأهله

ص: 279


1- فضائل سيدة النساء لعمرو بن شاهين: ص 29؛ تفسير فرات الكوفي: 338؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2، ص 44.

ومنزلتهم عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن كان يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أي: إن الخطاب موجه للمسلمين وليس للمشركين، بمعنى: (استحق من حاربهم اسم المحارب لله ورسوله وإن لم يكن مشركاً)(1).

وهو حكم قرآني أشار إليه الجصاص (المتوفى سنة 307 ه -) وتغافل عنه الكثيرين تسترا على ما قام به بعض الرموز من الصحابة في محاربتهم لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

المسألة الثانية: اختصاص فاطمة عليها السلام بشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

يتفاوت الناس في الشرافة حينما يقترنون بالعظماء، والعظماء يختلفون بحسب المعطيات الثقافية لدى الناس، فقد يكون المرء عظيما في الملك أو المال أو العلم أو الحسب أو الأدب أو غير ذلك.

لكنما الأمر الذي تسالم عليه العقلاء - بلحاظ - دوام العظمة هو ما اقترن بالآخرة والشريعة والقداسة؛ فتلك قد كتب لها الدوام وإن اختلفت التوجهات والأفكار عند الناس.

ولذا:

يحرص الكثيرون على الالتصاق بالشرائع السماوية أو الروحية أو الدينية كي يكتسبوا من تلك الشرائع شرفاً أو تشريفاً لينالوا حظهم الأوفر من التعظيم وإظهار منزلتهم وفقاً لمواضعهم وأماكنهم من العظماء.

ص: 280


1- أحكام القرآن للجصاص: ج 2، ص 508.

ولا شك: أن أعظم الناس هم الأنبياء والرسل عليهم السلام وذلك لتوفر جميع عناصر العظمة بهم ابتداءً من اختصاصهم بالله تعالى وانتهاءً بما لديهم في الآخرة حيث الحياة الأبدية من الوجاهة والمنزلة لاسيما وإن القرآن الكريم يرشد العاقل إلى هذه الحقيقة في آيات عدة، منها:

1 - قال تعالى:

(وَ قٰالُوا اِتَّخَذَ اَلرَّحْمٰنُ وَلَداً سُبْحٰانَهُ بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ (26) لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ )(1).

2 - وقال تعالى:

(إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مِنَ اَلْمُقَرَّبِينَ )(2).

3 - وقال عزّ وجل:

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي اَلْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطٰاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ )(3).

وغيرها من الآيات المباركة الكاشفة عن منازل الأنبياء عليهم السلام عند الله تعالى مما يجعل الذين يعاصرون الأنبياء ويؤمنون بهم يتنافسون - كلا حسب إيمانه - في الالتصاق بالنبي، وإحراز عناوين شرعية يرتقي بها أصحابها بين الناس، فيفاض عليهم من عظمتها وقدسيتها.

ص: 281


1- سورة الأنبياء، الآيتان: 26 و 27.
2- سورة آل عمران، الآية: 45.
3- سورة التكوير، الآيات: 19 و 20 و 21.

وهؤلاء الملتصقون بالأنبياء عليهم السلام صنفان، صنف شاء أن يحظى بمكاسب دنيوية بين الناس بما للقرب من الحظرة النبوية من آثار اجتماعية ونفسية وروحية على المؤمنين، فضلاً عن اكتساب الحصانة حيناً والذريعة حيناً آخر في تمشية المصالح الشخصية، كما كان في حال السامري في بني إسرائيل وحال غيره في الأمم السابقة وهذه الأمة.

والصنف الآخر كان التصاقه بالأنبياء عليهم السلام التصاق سنخي لتلازم الإيمان والطهر والصدق فيكون شأنهم مدعماً بالآيات والبراهين الإلهية لأنهم نصروا الله فنصرهم.

ومن بين هؤلاء الذين التصقوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هي فاطمة وبعلها وولديها (صلوات الله عليهم أجمعين).

وقد أسلفنا أنهم مع ما لهم من صلة الرحم والدم والقرابة القريبة، فهم الأهل والآل والعترة، ومع هذا كله لهم خصوصية الشريعة المرتكزة على التقوى والطاعة لله تعالى فكانوا بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حجج الله على العالمين وأئمة على الخلق أجمعين.

من هنا:

كان لفاطمة التصاقاً سنخياً بشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بجميع ما أحيط بهذه الشخصية من عبودية لله ورسالة ونبوة وإمامة وحرمة وطاعة ومعصية ومنزلة عند الله تعالى إلا أنه لا نبوة ولا رسالة بعد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 282

بمعنى:

لا يمكن أن ينال الإنسان تلك العظمة ما لم يكن مرتبطاَ بالله تعالى؛ وحيث أن الارتباط الإلهي يكشفه القرآن في درجات ومراتب حددها الوحي عن الله تعالى فكانت في قمة الارتقاء هي العبودية المحضة لله، فإن النبوة والرسالة والإمامة تأتي تبعاً لما ينال الإنسان من حظه في سلم العبودية لله عز وجل مما يكشف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أعبد الخلق للخالق وأن جمعه لجميع ما دون هذه الرتبة هو من ثمار تلك العبودية، وأن فاطمة قد نالت من تلك الدرجات والمراتب - بما للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم - ابعاض منها وهو ما دلّ عليه الحديث النبوي الشريف المعروف بحديث البضعة، الذي تناقلته الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها(1).

بمعنى آخر:

حينما ننظر إلى شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن نظرتنا إليه يقومها النص القرآني الذي أعطاه ما لم يعط أحداً من الأنبياء والمرسلين إذ يكفي في ذلك قول تعالى:

(ثُمَّ دَنٰا فَتَدَلّٰى (8) فَكٰانَ قٰابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنىٰ )(2).

ومن ثم: فإن قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث البضعة لا يندرج ضمن الحدود المادية التي تنم عن ضيق الفهم وعسر الاستيعاب وعمى البصيرة

ص: 283


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين، ج 4، ص 210؛ صحيح مسلم: ج 4، ص 140، مسند أحمد: ج 4، ص 328.
2- سورة النجم، الآيتان: 8 و 9.

وذلك أن شخوص الأنبياء والمرسلين عليهم السلام يتعامل معهم بما أحرزوا من الشأنية عند الله تعالى لا على أساس الفناء الملاصق للمادة وولادتها من رحم الحياة الدنيا.

بل: تسالم العقلاء في تقيمهم وتعظيمهم للرموز من خلال ما يتصف به أولئك الرموز من عناوين روحية وشرعية ودينية وقدسية.

من هنا:

كان لفاطمة تلك الملاصقة مع شخص النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فكانت بعضاً من رتبة العبودية التي نالها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعضاً من الرسالة والنبوة والإمامة والنذارة والبشارة والشهودية وغيرها مما أوتي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وإلا فإن حديث البضعة بخلاف هذه المفاهيم يصبح مجوفاً من الروح لا حياة فيه لا طريق لديه في قلوب قد ران عليها الكفر وطبع عليها النفاق فهم لا يفقهون.

ومن هنا أيضا:

لم يكتف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان منزلة فاطمة عليها السلام ضمن تلك المفاهيم القرآنية بحديث البضعة وإنما أردفه بأحاديث أخرى تسوق الذهن فيسلّم القلب إلى أنها بلغة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبلغاً عظيماً فكانت الأحاديث كالآتي:

ص: 284

أولاً: تعدد ألفاظ حديث البضعة

يعد حديث البضعة من الأحاديث المشهورة لورودها في عدد كبير من المصادر الإسلامية إلاّ أن التثقيف عليه وبيان دلالاته يعد قليلاً جداً حتى يكاد المسلم حينما يسمع به في بعض المحافل يحسبه من الأحاديث المندثرة أو الغير صحيحة لعزوف أصحاب المنابر في العالم الإسلامي لاسيما أبناء السنة عنه وكأنه لا يعني لهم شيئاً أو هو مما يشكل إرباكاً في منهجهم العقدي كي لا يعد المتكلم به من المتشيعين لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

والحديث الشريف ورد بألفاظ عديدة مما يكشف عن كثرة تكرار صدوره من الحضرة النبوية كي يرسخ في أذهان المسلمين ما لفاطمة من المنزلة الشرعية والروحية في الإسلام فكانت ألفاظ الحديث على النحو الآتي:

1 - أخرجه البخاري في الصحيح عن المسور بن مخرمة: بألفاظ عدة:

أ: إنّ رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قال:

«فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني»(1).

ب: وبلفظ:

«وإنّ فاطمة بضعة مني وإن أكره أن يسؤها»(2).

ج: ولفظ آخر:

«فإنما هي بضعة مني يريني ما أرابها»(3).

ص: 285


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم: ج 4، ص 210.
2- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم: ج 4، ص 212.
3- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم: ج 1، ص 158.

2 - أخرجه مسلم النيسابوري عن المسور بن مخرمة بألفاظ عدة:

أ: قال: قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها»(1).

ب: وبلفظ آخر:

فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رآبها ويؤذيني ما آذاها»(2).

3 - أخرجه أحمد بن حنبل بلفظ:

أ: عنه صلى الله عليه - وآله - وسلم قال:

«إنها فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها»(3).

ب: وبلفظ آخر:

«إنما فاطمة بضعة مني وإني أكره أن تفتنوها»(4).

4 - أخرجه سليم بن قيس الهلالي عن فاطمة عليها السلام أنها سألت أبي بكر وعمر فقالت:

«نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني ؟».

قالا: نعم، فرفعت يدها إلى السماء فقالت:

ص: 286


1- صحيح مسلم: ج 7، ص 141، باب: فضائل فاطمة عليها السلام.
2- المصدر السابق نفسه.
3- مسند أحمد: ج 4، ص 5، من حديث عبد الله بن الزبير.
4- المصدر السابق نفسه.

«اللهم إنّهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك»(1).

وغيرها من الألفاظ التي تناقلتها الرواة(2).

فكان هذا الحديث من الأحاديث الدالة على ارتباطها عليها السلام بشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثانياً: حديث الشجنة

إن من الملاحظ في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيان خصوصية فاطمة عليها السلام لديه ومنزلته عنده استخدامه لألفاظ متعددة تشير إلى تلك الحرمة المترتبة على دلالة هذه الألفاظ فكان منها حديثه صلى الله عليه وآله وسلم المعروف بحديث الشجنة.

وقد أخرجه أحمد، والحاكم، والهيثمي، والطبراني، وغيرهم بألفاظ متفاوتة في السعة والاختصار.

ص: 287


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 392.
2- أنظر في تعدد ألفاظ حديث البضعة: مناقب ابن المغازلي: ص 282، حديث 327؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 158؛ المناقب للخوارزمي: ص 335؛ سنن البيهقي: ج 7، ص 64؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 20، ص 18؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 206؛ مسند البزار: ج 6، ص 169، حديث 1938؛ اتحاف السائل للمناوي: ج 1، ص 7؛ مختصر صفة الصفوة لابن جوزي: ص 121؛ فضل آل البيت للمقريزي: ص 37؛ الفتح الرباني للساعاتي: ج 22، ص 93؛ المصنف لابن أبي شيبة: ج 12، ص 126؛ الروض الاُنف: ج 1، ص 279؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 327؛ الشفا للقاضي عياض: ج 2، ص 574؛ البحر الزخار: ج 6، ص 150؛ المواهب اللدنية: ج 2، ص 165؛ الثغور الباسمة للسيوطي: ص 24، حديث 30؛ مشارق الأنوار للقاضي عياض: ص 128؛ تهذيب الخصائص للسيوطي: ص 433؛ صحيح ابن حبان: ج 5، ص 406؛ خصوصيات النبي للقسطلاني: ص 135.

1 - فقد رواه أحمد بهذا اللفظ:

(عن جعفر بن محمد، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن المسور بن مخرمة: أن حسن بن حسن بعث إلى المسور يخطب ابنة له فقال:

قل له يوافيني في وقت قد ذكره فلقيه فحمد الله المسور، وقال: ما من سبب ولا نسب ولا صهر أحب إليّ من نسبكم وصهركم ولكن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قال:

«فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها وإنه يقطع يوم القيامة الأنساب إلا نسبي وسببي».

وتحتك ابنتها ولو زوجتك قبضها ذلك، فذهب عاذراً له)(1).

2 - وأخرجه الحاكم النيسابوري بالسند المذكور، عنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال:

«إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها».

وأردفه الحاكم بقوله: وهذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)(2).

3 - وأخرجه الحميري رحمه الله في قرب الإسناد (عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه الإمام الباقر عليه السلام قال:

«لما ولي عمر بن عبد العزيز أعطانا عطايا عظيمة».

ص: 288


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 4، ص 33؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 20، ص 25، حديث 30؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 328؛ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج 2، ص 765، حديث 1347.
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 11، ص 42، حديث 4717؛ نثر الدرّ: ج 1، ص 343؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 332.

قال: «فدخل عليه أخوه فقال له: إن بني أمية لا ترضى منك بأن تفضل بني فاطمة - عليها السلام - عليهم».

فقال: أفضهم، لأني سمعت لا أبالي أن اسمع أولا أسمع أن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم كان يقول:

«إن فاطمة شجنة مني يسرني ما أسرها ويسوؤني ما أساءها».

فأنا أتبع سرور رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم)(1).

وللوقوف على دلالة الحديث الشريف نورد ما جاء عند أهل اللغة في بيان معنى الشجنة:

1 - قال ابن فارس في (شجن): الشين والجيم والنون أصل واحد يدل على إتصال الشيء والتفافه من ذلك الشجنة وهي الشجر الملتف.

ويقال: بيني وبينه شجنة رحم يريد اتصالها والتفافها، ويقال: للحاجة الشجن وإنما سميت بذلك لالتباسها وتعلق القلب بها والجمع شجون.

قال: والنفس شتى شجونها.

والأشجان جمع شجن(2).

2 - وقال ابن الأثير:

(شجن) فيه - الحديث الشريف -:

«الرحم شجنة من الرحمن».

ص: 289


1- قرب الإسناد للحميري: ص 53.
2- معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ج 3، ص 248.

أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، شبه بذلك مجازاً واتساعاً؛ وأصل الشجنة بالكسر والضم: شعبة في غصن من غصون الشجرة(1).

ومن هذا المعنى نستدل على أن فاطمة عليها السلام لها من الترابط مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما للعروق في الشجرة الواحدة وقد تشابكت والتفت مع بعضها البعض إلى الحد الذي أصبحت فيه هذه العروق شيئاً واحداً لا ينفك كل جزء فيه عن الآخر، وذلك للحمة التي بينهما فإذا قطع عضو منه مات من الشجرة عضو آخر.

ومما لا يخفى على أهل المعرفة ما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الإحاطة التامة الجامعة المانعة بلغة الضاد وأسرارها وبلاغة معانيها وأبعاد ألفاظها ودلالة مفرداتها.

ولذلك:

نراه صلى الله عليه وآله وسلم حينما مثل فاطمة بالشجنة منه، وبيان أهل اللغة بأنها الشعبة في غصن من غصون الشجرة، أو الشعبة من كل شيء(2)، لم يكن بأبي قد نطق بها إلا ليعرف المسلمين بمحل فاطمة من النبوة والرسالة.

فقولهم وفعلها وتقريرها شعبة من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره؛ وهذا فضلاً عن ورود نصوص عن العترة النبوية بعصمتها وإنها حجة الله تعالى على الأئمة الذين جعلهم حججاً على خلقه وأوجب عليهم لزوم طاعتهم ومودتهم وإتباعهم.

ص: 290


1- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 2، ص 447؛ غريب الحديث لابن سلام: ج 1، ص 209.
2- المجازات النبوية للشريف الرضي: ص 138.
ثالثاً: حديث المهجة

لم يزل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ينتقل من بيان إلى آخر ليرشد الناس إلى عظيم منزلة فاطمة عنده وشأنها لديه كي يحذر المسلمون في تعاملهم مع المقدسات ويجتنبون الوقوع في انتهاك الحرمات عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذلك:

ينتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا إلى لفظ جديد ومعنى آخر يرسم صورة أخرى لهذه الشخصية الملكوتية التي أودعها الله تعالى في صلبه ليخرجها إلى الناس حجة وشاهداً وموضعاً للابتلاء الحسن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من يحيى عن بينة.

هذه البينة التي جهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيانها ولم يزل يظهرها - كما سيمر - علينا في بقية الأحاديث الشريفة.

وهنا:

أراد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلم الناس محلها من شخصه بذلك المستوى الذي لا يرقى إليه أحد من الخلق فمن منهم كان بمنزلة الروح من النفس، والدم من القلب، بل: هي الروح والقلب كما سيمر لاحقاً.

لكنه صلى الله عليه وآله وسلم هنا: حينما وضعها هذا الموضع من القلب ليعلم الناس أن لا حياة للقلب بدون الروح ولا حياة للروح بدون الدم وهو ما يذهب إليه أهل اللغة في بيان معنى (المهجة).

ص: 291

إذ قال الخليل الفراهيدي: (المهجة: دم القلب، ولإبقاء للنفس بعد ما تراق مهجتها)(1).

وقال الجوهري: هي، دم القلب خاصة، ويقال: إذا خرجت مهجته خرجت روحه)(2).

بمعنى: لا بقاء للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بدون مشكاة النور وأم الأئمة حجج الله على خلقه والأدلاء عليه والقادة إلى سبيله فلولاها لما كانوا ولما كان هناك ذكر للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ولا شريعته.

إذ حياة كل شيء بقلبه ودوامه بروحه ودوام شريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروح الإسلام بفاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

ولذا:

كان حديثه صلى الله عليه وآله وسلم بهذا اللفظ الكاشف عن منزلتها لدى النبوة والرسالة، فقال:

«فاطمة مهجة قلبي، وإبناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، حبل ممدود بينه وبين خلقه من اعتصم به نجا ومن تخلف عنه هوى»(3).

ص: 292


1- كتاب العين: ج 3، ص 397.
2- كتاب الصحاح للجوهري: ج 1، ص 342؛ البحر المحيط: ج 1، ص 208.
3- مائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي: ص 76؛ الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي: ج 2، ص 32؛ الصوارم المهرقة للتستري: ص 337؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 29، ص 649؛ نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي: ص 227؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 7، ص 472؛ مقتل الحسين للخوارزمي: ص 77؛ المناقب للزمخشري: ص 213 (مخطوط)؛ فرائد السمطين للحمويني: ج 2، ص 66، حديث 390.

والحديث أخرجه محمد بن أحمد القمي (المتوفى سنة 412 ه -) بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن زياد، عن جميل بن صالح، عن الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام قال:

«حدثني أبي، عن أبيه عن جده الحسين بن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة مهجة قلبي.......».

وساق الحديث، وذكره عنه الخوارزمي في مقتل الإمام الحسين عليه السلام والزمخشري في مناقبله وغيرهم.

رابعاً: حديث الشعرة

لا شك إنّ من بين أهم الأولويات لدى الأنبياء والمرسلين عليهم السلام حفظ الحرمات، ومن أعظم الحرمات هي الحكم الشرعي ثم مثال الحكم الشرعي وعنوان وجوده في الحياة وهو المعصوم عليه السلام سواء كان نبياً أو رسولاً أو إماماً فهؤلاء هم الأمناء على الشريعة ومنهم يخرج الحكم الشرعي - باختيار وتعيين من الله تعالى - إلى الناس.

ولذلك فالراد عليهم على الله تعالى والمطيع لهم مطيع لله تعالى ولعل المتتبع للآيات الكريمة يجد الكثير منها ما ينص على الملازمة بين طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإن العاصي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو عاص لله تعالى.

من هنا:

كانت الملازمة بين حرمة الحكم الشرعي وبين المشرع وهو الله ورسوله

ص: 293

ووصي رسوله فضلاً عن ذلك فقد تفاوت الأنبياء عليهم السلام فيما بينهم من حيث المنزلة بلحاظ الحكم الشرعي كذلك، بمعنى: كان أولوا العزم أعظم منزلة عند الله تعالى لأن رسالاتهم كانت إلى الناس كافة وكانوا أصحاب كتب سماوية.

أي: إنهم كانوا في مسؤولية أعظم ومهمة أكبر وذلك من خلال سعة الشريعة وسعة المساحة التي تنشر فيها هذه الأحكام.

من هنا:

كان الإسلام أتم الأديان وأكملها وخيرها التي أخرجت للناس، فضلاً عن السعة في الشريعة والمساحة التبليغية لتشمل الأسود والأبيض والسيد والعبد والجن والأنس؛ وهذا يتطلب مسؤولية عظيمة وذلك لما يلقى على عاتق خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم.

فكان هو: النبي، والرسول، والشاهد، والمبشر، والنذير، والداعي إلى الله، والسراج المنير، وهو قوله تعالى:

(وَ دٰاعِياً إِلَى اَللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرٰاجاً مُنِيراً)(1).

وفي موضع آخر يظهر الوحي ما لهذه الرسالة من حرمة ومنزلة وخصوصية خاصة ارتكزت على ما حمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحكام شرعية وما أوتي من كتاب فقال عزّ وجل:

(وَ لَقَدْ آتَيْنٰاكَ سَبْعاً مِنَ اَلْمَثٰانِي وَ اَلْقُرْآنَ اَلْعَظِيمَ )(2).

ص: 294


1- سورة الأحزاب، الآية: 46.
2- سورة الحجر، الآية: 87.

ولم يصف الوحي أي كتاب من الكتب المنزلة ب - (العظيم) سوى القرآن وذلك لما أنزل الله فيه من العلم حتى أصبح حاضنة للعلوم، فكان هذا القرآن العظيم بحرمته ملازما للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

من هنا: يصبح كل أمرٍ مرتبط برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينظر إليه من حيث الصغر والكبر كنعله وثوبه وعصاه ودابته وما يلحق به من وسائل الحياة أو ما اختص ببدنه كظفره وشعره وبصاقه وعرقه صلى الله عليه وآله وسلم ولو أردنا أن نأتي بشواهد من السيرة والتأريخ على حرمة هذه الأشياء وآثارها التكوينية - بإذن الله تعالى - لخرجنا من الكتاب لكن نورد شاهدين.

1 - فيما يتعلق بحرمة ريقه وبصاقه وآثارهما التكوينية التي أظهرها الله تعالى للمسلمين حينما جاءه أمير المؤمنين علياً عليه السلام وهو أرمد العين في غزوة خيبر حينما حاصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليهود بضعاً وعشرين ليلة وبخيبر أربعة عشر ألف يهودي في حصونهم فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتتحها حصناً حصناً، وكان حصن خيبر من أشد حصونهم وأكثرها رجالاً، فأخذ أبو بكر راية المهاجرين فقاتل بها ثم رجع منهزماً، ثم أخذ عمر بن الخطاب من الغد فرجع منهزماً يجبن الناس ويجبنونه؛ حتى ساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، فقال:

«لأعطين الراية غداً رجلاً كراراً غير فرار، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ولا يرجع حتى يفتح الله على يده»(1).

ص: 295


1- أخرج البخاري حديث الراية في صحيحه، باب: دعاء النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم إلى الإسلام: ج 4، ص 20.

فغدت قريش بقول بعضهم لبعض أما علي فكفيتموه فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه، وقال علي عليه السلام:

«اللهم لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت».

فأصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واجتمع إليه الناس قال سعد: جلست نصب عينيه ثم جثوت على ركبتي ثم قمت على رجلي قائماً رجاء أن يدعوني، فقال:

«أرسلوا إليه وادعوه».

فأتي به يقاد، فوضع رأسه على فخذه ثم تفل في عينيه فقام فكأن عينيه جزعتان ثم أعطاه الراية ودعا له.

فخرج الإمام علي عليه السلام يهرول فو الله ما بلغت آخرهم حتى دخل الحصن، قال جابر: فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا وصاح سعد: يا أبا الحسن اربع يلحق بك الناس، فأقبل حتى ركزها - أي الراية - قريبا من الحصن فخرج إليه مرحب في عادته باليهود فبارزه فضرب رجله فقطعها وسقط وحمل علي والمسلمون عليهم فانهزموا(1).

2 - روى الطبرسي عن أم سلمة أنها قالت: وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم مات فمر بي جمع آكل وأتوضأ ما تذهب رائحة المسك عن يدي(2).

ص: 296


1- إعلام الورى للطبرسي: ج 1، ص 207؛ الدرر لابن عبد البر: ص 198-199.
2- إعلام الورى: ص 141.

من هنا:

يستخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مختلف الوسائل لإرشاد المسلمين إلى طاعة الله تعالى والاحتراز من الوقوع في المعصية، فكان من بين ما أرشد به الناس إلى تلك الحرمات وحفظها وصونها هو حديث الشعرة.

فقد روى الأربلي (عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنّ فاطمة عليها السلام شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه الله ملئ السماء وملئ الأرض»)(1).

وروى جمع من المصنفين حديث الشعرة بلفظ آخر (عن عمرو بن خالد، قال حدثني زيد بن علي بن الحسين وهو أخذ بشعره، قال: حدثني أبي علي بن الحسين عليهما السلام وهو آخذ بشعره، قال حدثني الحسين بن علي عليهم السلام، وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام وهو آخذ بشعره، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بشعره، قال:

«من آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه الله ملئ السماء وملئ الأرض»)(2).

والحديث يرشد السامع إلى تلك الدلالة التعظيمة لحرمة رسول الله صلى الله

ص: 297


1- كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 95.
2- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 209؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 227؛ دلائل الإمامة للطبري: 135؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 105؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 54، ص 308؛ مناقب الإمام علي عليه السلام لابن مردويه: ص 80.

عليه وآله وسلم وإن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم جزء لا يتجزأ من تلك الحرمة، حالهم في ذلك حال القرآن فمن أنكر حرفاً منه أنكر القرآن ومن انتهك حرمة آية منه انتهك حرمة القرآن جميعاً.

بل إن التعرض لهم بذلك المقدار الذي حدده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشعرة يوجب ذلك العقاب واللعن ملئ السماء وملئ الأرض، فكيف بمن قام وعزم وساعد وأسس لقتلهم وتشريدهم وسلب أموالهم وغيرها من الانتهاكات التي تعرض لها آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فضلاً عن قتل شيعتهم ومن يتولاهم منذ أن قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى اليوم الذي يأذن الله فيه بالظهور لمهدي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيقتص من الظالمين ومن رضا بفعلهم.

خامساً: حديث (أحب أهله إليه صلى الله عليه وآله وسلم)

إنّ من المفاهيم التي مرّ ذكرها وبيانها ضمن هذا المبحث هو مفهوم الحب بمدلولاته القرآنية المتلازمة مع الإيمان والإتباع والمولاة والطاعة.

من هنا: حينما نأتي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناطق عن حبه لفاطمة وبعلها وبنيها فهو لا يتعدى عن ذلك المفهوم الذي أدل عليه الوحي ضمن سلسلة من الآيات الكريمة.

بمعنى: أن حب النبي وبغضه، ورضاه وغضبه مرتكز على حب الله ورضاه وغضبه، فإذا أحب كان حبه لله وإذا رضا كان كذلك، أو إذا غضب كان غضبه لله تعالى.

ص: 298

فضلاً عن كاشفيته لرضا الله وغضبه وحبه وبغضه بمعنى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحب شيئاً إلا إذا كان الله تعالى يحبه ولا يبغض شيئاً إلا إذا كان الله قد بغض هذا الشيء وكذا في رضا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغضبه فهو كاشف عن رضا الله وغضبه.

من هنا: تصبح الأحاديث الشريفة الكاشفة عن حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي كاشفة في الحقيقة عن حب الله تعالى لهذا الشيء.

بل: إن حبه صلى الله عليه وآله وسلم وبغضه هو عينه حب الله وبغضه، وذلك أن النبي الأعظم مثال الحكم الشرعي الإلهي على الخلق.

وعليه: يكون حبه لفاطمة وبعلها وولديها صلوات الله عليهم أجمعين ملازم لحب الله تعالى لهم، بل هو عين حب الله تعالى لهؤلاء؛ ومن ثمّ لا يتصور أن يكون حب الله تعالى لهم إلا لأنهم مثال أحكامه وعنوان شريعته وحجته على خلقه؛ إذ ليس هناك قرابة بين الله تعالى وبين أحد من خلقه فتعالى الله ربنا المالك لما خلق وهو العزيز الحكيم.

إذن: حينما يروي الرواة عنه، كما في سنن الترمذي، ومستدرك الحاكم، وغيرها، عن عائشة وقد دخل عليها جميع بن عمير التميمي فيسألها قائلاً: (أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟) قالت: فاطمة، فقيل من الرجال ؟

قالت: زوجها)(1).

ص: 299


1- سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب: فضل فاطمة: حديث 3874.

أو ما رواه أسامة بن زيد، فقال: (كنت في المسجد فأتاني العباس وعلي فقالا لي يا أسامة استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم.

فدخلت على النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم فاستأذنته فقلت: له إن العباس وعلي يستأذنان قال:

«هل تدري ما حاجتهما».

قلت: لا والله ما أدري، قال:

«لكني أدري ائذن لهما».

فدخلا عليه، فقالا: يا رسول الله جئناك نسألك أي أهلك أحب إليك ؟ قال:

«أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد»)(1).

وغيرها من الألفاظ(2) الكاشفة عن حجم حبه صلى الله عليه وآله وسلم لابنته فاطمة صلوات الله عليها مما يدل على منزلتها لديه ضمن تلك المفاهيم التي جاء بها القرآن الكريم.

ص: 300


1- مستدرك الحاكم: ج 2، ص 417؛ الأحاديث المختارة للمقدسي: ج 4، ص 161؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 403؛ الجامع الصغير: ج 1، ص 37؛ فيض الغدير للمناوي: ج 1، ص 217؛ تفسير ابن كثير: ج 3، ص 499؛ الدر المنثور: ج 5، ص 201؛ تأريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 8، ص 54.
2- أنظر في ذلك: السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 140، برقم 8498؛ مسند البزار: ج 7، ص 71؛ الاستيعاب: ج 4، ص 1897، ط دار الجيل؛ الآحاد والمثاني: ج 5، ص 360، برقم 2951؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 302.
سادساً: حديث (وهي قلبي وروحي)
اشارة

روى الأربلي نقلاً عن كتاب لأبي إسحاق الثعلبي عن مجاهد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام وقال:

«من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي وروحي الذي بين جنبي؛ فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»(1).

يمتاز هذا الحديث الشريف عن سابقه في بيان منزلة فاطمة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكونه يقدم فاطمة عليها السلام ضمن صيغة تعريفية للناس من خلال تحديد هذه المعرفة بهذه الألفاظ.

بمعنى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد أن يعرفها ضمن تعريفه هو، فيقدمها ضمن مقامات ثلاثة يبتدأها بكلمة (هي) يسبق بها هذا المقام أو ذاك، كي تكون كل كلمة (هي) منفصلة عن غيرها لكونها تقدم تعريفاً مستقلاً عن فاطمة عليها السلام؛ فكانت على النحو الآتي:

ألف: من عرف هذه، فقد عرفها، ومن لم يعرفها، فهي فاطمة بنت محمد

هنا وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستثني من بيانه وتعريفه لفاطمة من كان عارفاً لها إلا أنه يرجع فيقدم فاطمة عليها السلام ضمن تعريف محدد بتلك المقامات الثلاثة، ولذا قال:

ص: 301


1- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 665؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ج 1، ص 664؛ البحار: ج 33، ص 54؛ المحتضر للحسن بن سليمان الحلي: ص 234؛ نور الأبصار للشبلنجي: ص 52؛ عوالم العلوم للسيد البحراني: ج 11، ص 148، حديث 20؛ إحقاق الحق: ج 10، ص 212.

«ومن لم يعرفها فأنا أعرفه بها».

ومن البديهي أن الجميع يعرفون أنها ابنته صلى الله عليه وآله وسلم وبذاك يتساوى الجميع في هذا المقام التعريفي سواء من كان منهم مؤمنا أو منافقاً إذ أن الصورة التي ينقلها الحديث وعلى لسان الراوي: ممثلاً بخروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام إنما كان لهذا القصد، أي: تقديم معرفة جديدة للناس غير تلك المعرفة التي يعرفون بها فاطمة، وقد تسالموا على أنها ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وعليه:

يتضح من قوله: (فهي فاطمة بنت محمد) نفي شبهة التبني أو الربيبة عن فاطمة حصراً؛ بمعنى: إذا كانت هناك شبهة في كون (رقية، وأم كلثوم، وزينب) هن ربائب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة عليها السلام(1).

أو تسالم هذه الحقيقة في أذهان الناس في كون الربيبة بنتاً؛ فإن النبي أراد بهذا الخروج مع أخذه بيد فاطمة وتقديمها إلى الناس بهذا الشكل الذي يبتدأ فيه قوله: (من عرف هذه)، أي: يعرفها بأنها البنت الواحدة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (فقد عرفها)؛ (ومن لم يعرفها) بأنها ابنتي وأنا أبوها ومن صلبي وليست بالربية، فأنا أعرفه بها: (هي فاطمة بنت محمد) صلى الله عليه وآله وسلم.

إذن:

ص: 302


1- للمزيد من المعرفة، أنظر كتابنا: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، الجزء الأول والذي نستدل فيه كونهم ربائب.

من كان يظن أنها ربيبة فهو خاطئ، إنما هي فاطمة بنت محمد، وإلاّ لا معنى لقوله هذا صلى الله عليه وآله وسلم وقد عرفوا أنها بنت النبي ما لم يكن هناك من يعتقد بأنها ليست ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع هذه الشبهة وهذه الظنون وإعلامهم جميعاً بأنها بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

باء: (هي بضعة مني)

قد مرّ علينا سابقاً بيان دلالة لفظ (البضعة) إلا إننا هنا نضيف بأن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يريد أن يندرج في بيان منزلة فاطمة عليها السلام وتعريفها لدى الناس فبعد أن قدمها بكونها (ابنة محمد) صلى الله عليه وآله وسلم، وهي ليست بالربيبة ينتقل إلى بيان أعظم وتعريف أدق يكشف عن خصوصيتها منه؛ وحينما نقول منه أي: من النبوة والرسالة وحرمة هذه المقامات في الشريعة.

ولذلك: لم يكتف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكونها ابنته، بل لها تلك المنزلة من كونه رسول الله ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم الذي ختم به النبوة والرسالة.

وإن لها من الحرمة ما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضلاً عن خصوصية الحكم الشرعي المتمثل بالطاعة والإتباع والعصمة.

جيم: (هي قلبي)

يرتفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعريف فاطمة عليها السلام ضمن هذا السلم المعرفي فينتقل إلى منزلة هي أعظم من سابقتيها، (البنوة، والبضعة)

ص: 303

لتكون فاطمة منه منزلة القلب.

وحينما تكون فاطمة عليها السلام في تلك المنزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهنا لابد من بيان بعض النقاط حسبما يكشفه منطوق الآيات والأحاديث حول قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

إذ من البديهي أن خزانة أسرار الوحي هو قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لقوله تعالى:

1 - (قُلْ مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اَللّٰهِ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ )(1).

2 - (وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ (193) عَلىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ اَلْمُنْذِرِينَ )(2).

والآيتان واضحتان في الدلالة على ما يحتويه قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خزانة للوحي والذكر الحكيم، ولما كانت فاطمة بهذا الوصف وبهذه المنزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا يعني أنها - ومن لحاظ تكوينها النوراني - خزانة للوحي والذكر الحكيم.

ولذا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما جاء بها إلى الناس ليعرفها لهم لم يكن ليتخطى تعريف القرآن في بيانه قلبُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس كما في الآيتين - ولو كان المراد القلب المادي لما احتاج النبي صلى الله عليه

ص: 304


1- سورة البقرة، الآية: 97.
2- سورة الشعراء، الآيات: 192-194.

وآله وسلم إلى إخراجها إلى الناس ومخاطبتهم ليكشف لهم الشأنية والمنزلة التي لها عند الله تعالى ولاكتفى صلى الله عليه وآله وسلم بما لها من المعرفة النسبية والاجتماعية حالها في ذاك حال رقية وأم كلثوم وزينب، فقد اكتفى صلى الله عليه وآله وسلم بما رسخ في أذهان الناس من معرفة لهن، ولم يحتج إلى كل هذا البيان والتأكيد والتحذير والتعريف الذي انتهجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع فاطمة عليها السلام لولا تلك المنزلة والشأنية التي جعلها الله تعالى فيها فاراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حفظ حرمتها ومعرفة قدرها كي لا يقع أحد من المسلمين في تعديه لهذه الحدود الإلهية.

دال: (وهي روحي)

هذه المنزلة التي أظهرها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ضمن الحديث الذي أوردناه في مقدمة المبحث والتي جاءت بالعطف على (القلب) فقد أخرجها الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده (عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السلام فلما راه بكى، ثم قال:

«إليّ يا بني».

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين عليه

ص: 305

السلام، فلما رآه بكى، ثم قال:

«إليّ يا بني».

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم قبلت فاطمة عليها السلام، فلما رآها بكى، ثم قال:

«إليّ يا بنيّة».

فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام، فلما رآه بكى، ثم قال:

«إليّ يا أخي».

فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته!

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إنّي وإياهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم.

أما علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي، وبعد مماتي، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي، وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني،

ص: 306

وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي...»)(1).

لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يريد أن يمتدح ابنته ويرطب مسامعها بكلمات اللطف والحنان والحب فيصفها بأنها قلبه وروحه صلى الله عليه وآله وسلم فلو أراد هذا المعنى وقصد هذه الدلالة لكان ذلك ضمن نطاق الأسرة وداخل البيت حاله في ذاك حال بقية الآباء حينما يتناغمون في كلماتهم الرقيقة مع بناتهم وأبنائهم دون الحاجة إلى أسماع الناس؛ بل لعل أسماع الأبناء هذه الكلمات خارج المنزل لا يحقق ما يريده الأب من إظهار الحب لهذا الابن أو البنت.

ولذلك: كان المراد من هذه الكلمات هو الناس وليس فاطمة وهو خلاف ما عليه النظام الأسري والأبوي في مختلف المجتمعات إذ حينما يقدم الأب على المدح والثناء وإظهار حبه لأبناءه وبناته فهو يقبل على الشخص المعني فيسمعه هذه الكلمات لكي يعزز أواصر المحبة والبر ويدفعه إلى التقوى في بر الوالدين.

لكن الحالة هنا مختلفة جذرياً إذ أن المخاطب في هذه الألفاظ الناس وليس فاطمة، أي: أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعرف الناس بمنزلة فاطمة لديه وشأنها عنده وحينما كان يريد فهو لا يقصد المعنى المادي المختزن في لفظ (القلب والروح) فهذه المعرفة تكون سطحية، بل لا يتحقق الهدف من هذا الخطاب والبيان وحيث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكيماً ومأموراً في كشف الضلال عن الأمة وبيان الحدود الشرعية، كان القصد من هذه الكلمات هو المعنى

ص: 307


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 175؛ الاعتقادات في دين الإمامية: ص 106؛ الفضائل لابن شاذان: ص 83.

الشرعي والروحي، والمناقبي، بمعنى: أنها قلب النبوة وروحها؛ وأن التعرض لها هو تعرض لقلب النبوة وروح الرسالة.

وحيث أن روح كل شيء يكون به حياته وقوامه وديمومته كذاك كانت فاطمة فهي روح النبوة ومن خلالها كان دوام الشريعة وذلك من خلال كونها أم الأئمة وأم الأوصياء لرسول رب العالمين أولهم الإمام الحسن وآخرهم المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وعليه:

أردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الكلمات وهذا البيان والتعريف بالغاية المنشودة منه وهي حفظ حرمتها وعدم التعدي لهذا الخط الأحمر الذي يترتب عليه هلاك أقوام ونجاة أخرى.

ولذا: يختم قوله وبيانه صلى الله عليه وآله وسلم فيقول:

«فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».

وعليه:

فمن آذى الله، عليه لعنة الله وأنبياءه ورسله وملائكته والناس أجمعين عدد ما خلق الله ومبلغ علمه.

ص: 308

المبحث الثاني: منزلة فاطمة عليها السلام من خلال فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم

اشارة

لم يكتف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بإظهار منزلة فاطمة عليها السلام لديه من خلال الألفاظ وهو ما تناولناه تحت عنوان منزلتها على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما بادر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى إظهار منزلة فاطمة من خلال الفعل أيضاً كي يرشد الناس إلى بيان منزلة هذه الشخصية. والمستفاد من خلال هذا المنهج النبوي جملة من الأمور، منها:

1 - إن الألفاظ تحتاج إلى قرائن تفهم السامع بما ينطوي عليه مراد المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم، وقد يتعذر المتعذرون بذلك، أي: افتقادهم إلى القرائن في الوصول إلى المعاني أو المعنى المراد من لفظ المعصوم عليه السلام.

في حين قد لا يحتاج الفعل النبوي إلى تلك القرائن المرادفة للألفاظ في الوصول إلى المعنى المراد في اللفظ.

2 - إن الفعل النبوي هو بحد ذاته قرينة خارجية ترشد السامع على المعنى والمقصد الذي أراده المعصوم في قوله، ومن ثم يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع الطريق على المعتذر في فهم الألفاظ النبوية عند غياب القرينة الخارجية.

ص: 309

3 - إنّ الفعل النبوي لا يحتاج إلى بيان يؤكد المعنى الذي يقصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالفعل لغة يفهمها الكبير والصغير فيهرع إلى تقليدها، وإذا رآها تتكرر أمامه فسوف تنطبع في ذهنه وتنمو معه ليشب عليها وعندها يصبح من الصعب بمكان التحرر من هذا التقليد.

4 - إن الفعل وسيلة تعليمة للناس سواء كانوا يدركون هذا الفعل أو لا وذلك إن القصد منه هو إتباع الناس لهذا الفعل النبوي ومن ثمّ نشره بين الناس.

5 - حينما يتلازم القول النبوي والفعل النبوي في الموضوع الواحد فذلك يؤدي إلى ترسيخ هذا الموضوع في أذهان الناس واستنانهم به وحرصهم على تأديته لما يحمل من أهمية عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

6 - إن الفعل النبوي أسرع انتشاراً بين الناس من القول لاشتراك حاسة البصر مع السمع في إدراك الحكم الشرعي إذ غالباً ما يقرن النبي صلى الله عليه وآله وسلم القول والعمل.

7 - إن قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الفعل أو ذاك يحرك في أذهان الصحابة الاستفهام مما يدفعهم إلى الاستفسار وفهم المقصد من هذا العمل.

وعليه: هناك جملة من الفوائد تقترن بهذا المنهاج النبوي في التفاعل مع ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لينعكس على بناء المجتمع وتثبيت قواعد نهضته وعوامل إصلاحه، وهو ما نحاول أن نوصله إلى القارئ الكريم من خلال هذه المسألة: (منزلة فاطمة عليها السلام من خلال عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 310

المسألة الأولى: قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة وتقبيلها وإجلاسها في مجلسه

فيما روي عن عائشة أنها قالت: (ما رأيت أحداً من الناس أشبه كلاماً برسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم إذا رآها قد أقبلت رحب بها ثم قام إليها فقبلها ثم أخذ بيدها فجابها حتى يجلسها في مكانه؛ وكانت إذا رأت النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم رحبت به فقامت إليه فقبلته....)(1).

وفي لفظ آخر أخرجه الحاكم، والبيهقي، والنسائي، وغيرهم، عن عائشة أيضاً أنها قالت:

(ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها

ص: 311


1- صحيح ابن حبان: ج 15، ص 403، برقم 6952؛ الجامع الصغير للسيوطي: ص 188؛ شعب الايمان للبيهقي: ج 6، ص 467، برقم 8927؛ الأدب المفرد: ص 326؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 167؛ برقم 4732؛ وفي ج 3، ص 174، برقم 4753؛ موارد الظمآن: ج 1، ص 549؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 7، ص 101، برقم 13356؛ تحفة الأحوذي: ج 10، ص 253؛ الاستيعاب: ج 4، ص 1896؛ الدراية لابن حجر: ج 2، ص 232؛ سنن أبي داوود: ج 4، ص 87؛ برقم 4213؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 392، برقم 9237؛ تلخيص الحبير لابن حجر: ج 4، ص 93؛ نصب الراية للزيلعي: ج 4، ص 258؛ فضائل الصحابة: ج 4، ص 242، برقم 4089؛ المصنف لابن ابي شيبة: ج 4، ص 47؛ مسند إسحاق بن راهوية: ج 1، ص 8؛ المعجم الأوسط للنسائي: ص 78؛ مسند الروياني: ص 428، برقم 655؛ مسند الشاميين: ج 1، ص 299، برقم 523؛ مسند الموصلي: ج 4، ص 352، برقم 4266؛ الأحاد والمثاني: ج 5، ص 359، برقم 2948؛ المعجم الكبير: ج 22، ص 225، برقم 595.

وأجلسها في مجلسه)(1).

واللفظان الواردان يكشفان عن جملة من الأمور، وهي كما يلي:

1 - لا شك إن هذا الفعل النبوي كاشف عن تعظيم فاطمة صلوات الله عليها أمام الحاضرين لاسيما نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هو واضح من خلال منطوق الحديث ومن رواه، أي عائشة.

2 - إن من البديهي أن يكون علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما سيجري على فاطمة من بعده يجعله يقوم باتخاذ السبل لمنع وقوع الفتنة وهلاك المقترف للذنب في حق بضعته فاطمة، وذلك بما لها من الملازمة بحرمة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالمتعرض لها متعرض لله ورسوله كما مرّ بيانه.

ومن ثم أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع الطريق على من تسول له نفسه بالتعدي على حرمته من بعد وفاته فيسيء إلى قلبه وروحه وبضعته، كأن يقول لم أسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على هذا التعظيم والحرمة لاسيما ما كانت تقوم به عائشة أثناء حياة رسول الله من الكيد بها والنيل من أم المؤمنين خديجة عليها السلام وهو أمر تواتر عنها في صحاح المسلمين.

3 - إن هذا التعظيم كان له أكثر من صورة وكل صورة، كانت تنطق عن منزلة خاصة وخصوصية منفردة كترحيبه بها حينما تدخل عليه، وقيامه لها، وأخذه بيدها، وتقبيل يدها، أو تقبيلها كما في الرواية الأولى وإجلاسها في مجلسه)

ص: 312


1- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 154؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 7، ص 101؛ تحفة الأحوذي: ج 8، ص 26؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 392؛ كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 80؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 55؛ السيدة فاطمة لمحمد بيومي: ص 156.

كل هذه الصور لها دلالة محددة ومعانن خاصة فكانت كالآتي:

ألف: لا شك إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينظر إلى المجتمع المسلم بأكثر من إتجاه كي يصل به إلى التكامل؛ فكان الفعل النبوي هو في حقيقته يعالج مشاكل كثيرة في آن واحد؛ وما ذاك إلا لارتباطه بالله تعالى فهو الخبير البصير بعباده.

وحيث أن المجتمع المسلم كان يعاني من مرض إجتماعي يتعلق في أود الفتاة بعد ولادتها واشمئزازه من ولادتها لما تخلفه عليه من ضريبة السبي والحاق العار به فكان يلجئ إلى قتلها كي يتخلص من تلك التبعات التي ستلحق به من ورائها.

ولذلك:

كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يظهر عظمة فاطمة ومنزلتها لديه وفي نفس الوقت أن هذا الفعل سيقوم بمعالجة جوانب كثيرة في التربية الأسرية والبناء الاجتماعي.

لاسيما وإن انتشار هذا النوع من التعامل النبوي له آثاره الكبيرة على الأمهات وهنّ يرين هذا الفعل في مناسبة ما أو من خلال سماعهن لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما ينقلن هذه السنة النبوية إلى أزواجهن وأبنائهن.

ب: في الوقت الذي يعالج النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخلل في الأمة ويقوم بإصلاحه بأكثر من أداة كمنع وقوع البعض في التجاهل أو الاستخفاف بحرمة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكإعطاء منزلة محترمة للبنت في نفس الأب، وما يترتب على هذا النوع من التعامل في بناء شخصية الفتاة ليترجم

ص: 313

على عملية بناء أسرية حينما تنتقل هذه الفتاة إلى بيت الزوجية.

إلاّ أن كل ذلك من الملحقات التي حفت بهذا النوع المميز من التعامل الذي يظهره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ابنته فاطمة صلوات الله عليهما.

بمعنى:

لم يرد في الروايات التي تناولت حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تعامل هذا التعامل مع أم كلثوم أو زينب أو رقية، لاسيما وإن أم كلثوم توفيت سنة تسع من الهجرة.

إذن:

هذا اللون من التعامل هو خاص بفاطمة دون سواها لإظهار منزلتها لديه وعظم شأنها عنده صلى الله عليه وآله وسلم فكان يقوم لها ويأخذ بيدها ويقبلها ويجلسها في مجلسه.

4 - قد ورد في اللفظ الذي أخرجه الحاكم والبيهقي والنسائي (تقبيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليد فاطمة) وهذه الصورة التي قدمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمة تبعث على التأمل وذلك أن الفاعل هو أشرف ما خلق الله تعالى، وله من الشأنية ما لم تتوفر لأحد من الخلق، فكيف يتوصل الناظر إلى الحكمة التي قدمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تقبيل يد ابنته فاطمة حينما تدخل عليه ؟

إنه من البديهي قد أراد التعظيم ولكن مرة ينبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى تعظيم الحرمة بما لديها عليها السلام من المنزلة عند الله ورسوله صلى الله

ص: 314

عليه وآله وسلم وإن هذه المنزلة مرتكزت على التقوى التي هي ميزان القرب والكرامة عند الله تعالى.

ولكن هنا ننظر للأمر من منظور شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنزلته عند الله تعالى ومن ثم فإن قيامه صلى الله عليه وآله وسلم بتقبيل يد فاطمة كاشف عن حقها لديه؛ بمعنى: لا يقوم الإنسان المؤمن وإن علا شأنه وعظم جاهه بالقيام لشخص آخر والانحناء لتقبيل يده إلا لكونه ذو حق ورتبة، تدفعه لهذا الفعل.

وحيث أن الأنبياء عليهم السلام أشرف ما خلق الله تعالى فإن تعظيمهم وإنحائهم يكون لمن كان له حق عليهم وهذا المعنى نجده في القرآن كما كان حال يوسف ويعقوب، وعيسى ومريم ابنة عمران، والمصطفى وفاطمة.

بمعنى:

أنها كانت بمنزلة الأم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى كناها صلى الله عليه وآله وسلم ب - (أم أبيها) والمرء يقوم إجلالاً لأمه ويقبل يدها ويجلسها في مجلسه؛ وهو ما كان يقوم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

5 - إنّ قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها فيجلسها في مجلسه ليدل على أنها نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

وإن موضعها في الأمة من موضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذا كان الإمام علي عليه السلام يناديها ب - (بقية النبوة).

ولعل القرآن لم يدع هذا المعنى الدلالي على عظم منزلة آل محمد عنده دون

ص: 315

أن يبينه للناس فيقول سبحانه:

(بَقِيَّتُ اَللّٰهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ...)(1).

ولا يخفى أن المراد من إجلاسها في مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع كل هذه الخطوات والتعظيم إلا لترسيخ معنى (أنها بقية الله) و (بقية النبوة) بما اصطفاها الله تعالى لولادة سبطا الأمة وأم الأئمة فضلاً عن خصائصها ومناقبها التي حصرت بها صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.

المسألة الثانية: إذا أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم السفر ففاطمة عليها السلام آخر من يودع وأول من يرى بعد رجوعه

روى الطبرسي عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:

«كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد السفر سلّم على من أراد التسليم عليه من أهله ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمة عليها السلام فيكون توجهه إلى سفر من بيتها وإذا رجع بدأ بها»(2).

إن التعامل مع بيت فاطمة في منهج الوحي عليه السلام كان منذ أن شاء الله تعالى أن يتكون هذا البيت في زواجها من علي عليه السلام حينما زوّج الله سبحانه النور من النور فجمع في بيت أعده النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسبقاً حينما بدء ببناء المسجد النبوي حينما قدم المدينة.

فكان مما هيئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا البيت الذي أنزل فيه

ص: 316


1- سورة هود، الآية: 86.
2- مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 94؛ ج 19، ص 349.

فاطمة عليها السلام ليجمعها مع علي تحت سقف هذا البيت النبوي فتولد الحسن والحسين سلام الله عليهم أجمعين.

فمنذ هذه اللحظات الأولى لتكوّن هذا البيت بقطبيه ونوريه كان الوحي له منهاجاً خاصاً في التعامل معه، فبين وقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند باب فاطمة مردداً.

«أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم» إلى حجيته كل صباح عند صلاة الغداة فيأخذ بعضادتي الباب فيقول:

«الصلاة، الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت فيطهركم تطهيراً».

إلى صلاته وتهجده في الليل خلف بيت فاطمة عليها السلام ومن ثم هذا المنهج في جعله آخر ما يودع وأول ما يدخل إليه هو بيت فاطمة.

كل ذلك ومن خلال هذا الفعل النبوي المتنوع خلال هذه الأشهر والسنوات التي قضاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة ومنذ أن بني هذا البيت في الإسلام والى يوم وفاته صلى الله عليه وآله وسلم. كلها تدل على قضية محدده، وهي:

ان هذا البيت له من الحرمة ما يجعله موضعاً لكل هذا الإهتمام النبوي وانه في محل من التعظيم والتقديس ما يجعل المرء يعد حتى الألف قبل أن يخطو خطوة واحدة قد تكون خالية من اللياقة والتأدب فيقع في محذور عظيم وخطر جسيم.

فضلاً عن ان الداخل إليه لابد له من مقدمات ومؤهلات تسمح له من

ص: 317

التشرف لتقبيل اعتابه واحراز الاذن في الجلوس في فنائه.

وكيف لا وجبرائيل واسرافيل والملائكة المقربون زواره يقبلون أعتابه ويتشرفون بخدمة أهله والجلوس معهم والتزود من نورهم وفيضهم.

فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

المسألة الثالثة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخل على فاطمة عليها السلام حتى يستأذن

روى الشيخ الكليني رحمه الله عن أبي جعفر - الباقر - عليه السلام (عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد فاطمة عليهما السلام وأنا معه فلما انتهيت إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثم قال:

«السلام عليكم».

فقالت فاطمة:

«عليك السلام يا رسول الله».

قال - صلى الله عليه وآله وسلم -:

«أدخل ؟».

قالت - عليها السلام -:

«ادخل يا رسول الله».

قال:

«أدخل أنا ومن معي ؟».

ص: 318

فقالت:

«يا رسول الله ليس عليّ قناع».

فقال:

«يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك».

ففعلت ثم قال:

«السلام عليكم».

فقالت فاطمة:

«وعليك السلام يا رسول الله».

قال:

«أدخل ؟».

قالت:

«نعم يا رسول الله».

قال:

«أنا ومن معي ؟».

قالت:

«ومن معك ؟».

قال جابر: فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله ودخلت وإذا وجه فاطمة عليهما السلام أصفر كأنه بطن جرادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«مالي أرى وجهك أصفر».

ص: 319

قالت:

«يا رسول الله الجوع».

فقال صلى الله عليه وآله:

«اللهم مشبع الجوعة ودافع الضيعة أشبع فاطمة بنت محمد».

قال جابر: فوالله لنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلك اليوم)(1).

وقد أخرج عمر بن شاهين، وابن عبد البر، وابن عساكر الدمشقي، والذهبي وغيرهم (عن عمران بن حصين قال: خرجت يوماً فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قائم فقال لي:

«يا عمران فاطمة مريضة فهل لك أن تعودها؟».

قال قلت: فداك أبي وأمي وأي شرف أشرف من هذا، فانطلق رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فانطلقت معه حتى أتى الباب فقال:

«السلام عليكم، أأدخل ؟».

قالت:

«وعليكم، أدخل».

فقال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«أنا ومن معي ؟».

ص: 320


1- الكافي للكليني: ج 5، ص 528. وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 30، ص 215-216.

قالت:

«والذي بعثك بالحق ما عليّ إلا هذه العباءة».

قال ومع رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ملاءة خلقة فرمى بها إليها، فقال:

«شدى بها على رأسك».

ففعلت ثم قالت:

«ادخل».

فدخل ودخلت معه فقعد عند رأسها وقعدت قريبا منه فقال:

«أي بنية كيف تجدك».

قالت:

«والله يا رسول الله إني لوجعة وإني ليزيدني وجعا إلى وجعى أن ليس عندي ما آكل».

قال فبكى رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وبكت وبكيت معهما، فقال لها:

«أي بنية اصبري مرتين أو ثلاثة».

ثم قال لها:

«يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين».

قالت:

«يا ليتها ماتت فأين مريم بنت عمران».

ص: 321

قال لها:

«أي بنية تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك والذي بعثني بالحق لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة لا يبغضه إلا كل منافق»)(1).

يظهر الحديثان جملة من الأمور العقائدية والتربوية والأسرية وذلك بحسب ما احتوته ألفاظ كل منهما مشتركة في اللفظ أو انها اختلفت في إظهار جانب معين من تلك الأمور وهي كالآتي:

ألف. يظهر الحديثان حقيقة عقائدية مرتبطة بمنزلة فاطمة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك من خلال الفعل النبوي المبارك، إلا وهو «الاستئذان من فاطمة قبل الدخول إلى دارها».

على الرغم من أن الاستئذان مرفوعاً فيما بين الوالد وابنته عند الدخول إليها في دارها.

ولعل قائلاً يقول: إن السبب في استئذان النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليها السلام لكونه كان يصطحب معه شخصاً اجنبياً كما نصت الرواية الأولى والثانية، فالرواية الأولى أوردت اصطحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبد الله، وفي الثانية كان عمران بن حصين، وكلاهما لا يحق لهما الدخول دون استئذان.

ص: 322


1- فضائل فاطمة لابن شاهين: ج 1، ص 15، ح 12. الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1895؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42، ص 134. سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 3، ص 126. الجوهرة في النسب للبري: ص 17. ذخائر العقبى للطبري: ج 43. نظم درر السمطين للزرندي: ص 188. المناقب للخوارزمي: ص 340. مشكل الاثار للطحاوي: ج 1، ص 141. حلية الأولياء: ج 2، ص 42. اتحاف السائل للمناوي: ص 76-77. ح 42. الدر النظيم لابن أبي حاتم: ص 460.

وأقول: لا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وبلحاظ أنه صاحب الشريعة - لا يخفى عليه وجود شخصين أجنبيين على ابنته، ومن ثم لا يجوز لهما الدخول إلى دار فاطمة عليها السلام دون استئذان.

ولكن: الحكمة النبوية تكمن في اصطحابه لهما. وذلك ليحدثان الناس بما سيشاهدان ويسمعان منه ومن ابنته صلوات الله عليهما مما يحقق الهدف التبليغي والإرشادي والتربوي الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من هذه الزيارة.

وعليه: فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من شأنه أنه لا يدخل إلى بيت فاطمة عليها السلام حتى يستأذن، ولعل أخذه صلى الله عليه وآله وسلم الإذن مجدداً ولمن معه فقال لها: «أنا ومن معي»، ليرسخ في ذهن من اصطحبه إلى بيت فاطمة عليها السلام بأنه لا يدخل عليها حتى يستأذن.

باء. لا شك أن دلالة الاستئذان تكشف عن شأنية صاحب الدار، فهذا الفعل دلالته الاجتماعية والعرفية والعقلائية ثابتة لدى الناس.

إلا أن الجديد في هذا الاستئذان هو شخص المستأذن، بمعنى: إنّ هذا الفعل في العادة يدل في وقوعه على شأنية صاحب الدار فكلما عظمت شأنيته لزم إظهار الإذن وتفخيمه؛ لكن هنا الحال يختلف فالقادم هو أعظم شأناً ومنزلة، ومن ثم يلزم خروج صاحب الدار لاستقباله بحفاوة وتكريم، فضلاً عن سقوط الإذن، أي ان عظيم شأنية القادم تستلزم أن لا يستأذن على أحد كما هو الحال في زيارة الملوك والسلاطين لدى الرعية، فالرعية والناس هم الذين يظهرون الحفاوة والتكريم

ص: 323

للسلطان أو الحاكم عند قدومه للزيارة، فضلاً عن أن هذه الزيارة تفضي على صاحب الدار الوجاهة والكرامة.

فكيف إذا كان الزائر والقادم هو سيد الأنبياء والمرسلين وسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم وما يحيط به من صفوف الملائكة والأنوار الربانية، وكيف سيكون أثر هذه الزيارة والتشريف ؟! على صاحب الدار؟

ولذلك كل هذه الدلالات ترشد الناظر إلى عظيم منزلتها صلوات الله عليها.

جيم. إن قول عمران بن حصين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما عرض عليه عيادت فاطمة صلوات الله عليها: «فداك أبي وأمي، وأي شرف أشرف من هذا؟».

يكشف عن تحقيق الغاية في الاصطحاب، أي: إظهار شرف صاحب الدار، ومصاحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الزيارة، وهو ما أراده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فضلاً عن إيصال معرفتها إلى الصحابة وبما لديها من المنزلة عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذلك: كيف سيكون حال الداخل لهذه الدار عنوة ومروعاً لفاطمة ووليدها عليهما السلام وما له من العقاب عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أتراه كان يدرك ما فعل، أم انه جاهل بمقامها وحرمتها؟

ولعل قول الناس له حينما جمع الحطب على الباب لحرقه؛ إن في الدار فاطمة، قد قطع العذر في الجهل؛ ولعل قوله: «وإن» قد قطع العذر في عدم الإدراك مما فعل، بل كان عرافاً أين سيسدد ضربته، ولمن وجه رميته وهو على الإصرار والسبق والترصد.

ص: 324

إذن: كان تحقق الهدف في اصطحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لشخصين في عايدت فاطمة صلوات الله عليها هو تثقيف المسلمين على هذه العقيدة وبيان الحرمة الشرعية لهذه الدار وأهلها، ولذا قالوا: (إن في الدار فاطمة)(1).

دال: الملاحظ في الحديثين هو حالة الزهد التي أدت إلى هذا الضعف والجوع فتسبب في اصفرار وجه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها؛ وحيث أن المرأة في دار الزوجية مرهونة بحال زوجها فان كان ميسوراً يسر حالها، وإن كان معسراً، عسّر حالها. وهنا: ننظر إلى داخل بيت النبوة حيث يسكن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام وسيدة نساء العالمين عليهما السلام فالحال كله يسير وفق الموازين الشرعية.

بمعنى: إن فاطمة متيقنة أن الرزق بيد الله تعالى وانه سبحانه عادل حكيم عزيز ينزل كل شيء بقدر وفي المقابل: إنها متيقنة أن زوجها ينفق مما رزقه الله سعة وضيقاً ومن ثم فالشكوى إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

من هنا: أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم صر ف الأذهان إلى قضية تربوية، وهي أن الزوجة يجب عليها أن تصبر في حال تعسر على زوجها الرزق، وأن تنظر في منزلة زوجها الأخروية، أي تنظر إلى تقواه وورعه لا إلى حاله في الدنيا، ففي الدنيا الحال متغير وفي الآخرة الحال ثابت فرب ضيق يأتي من بعده الفرج الواسع، ورب فقر يأتي من بعده الغنى والترف؛ لكن الحكمة في غنى الآخرة وفقرها.

ص: 325


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1، ص 178. تاريخ أبي الفداء: مج 1، ص 156؛ انساب الأشراف للبلاذري: مج 1، ص 685؛ تاريخ الخميس للديار بكري: ج 1، ص 178؛ مروج الذهب للمسعودي: ج 2، ص 100.

ولذلك: أرجعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المقامات الأخروية لتتبصر بما أعد الله لها في الآخرة على مرارة الحياة الدنيا كما دل عليه حديث عمران بن حصين؛ فضلاً عن ظهور آية من آيات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما دعا لفاطمة عليها السلام فذهب عنها الجوع كما ينص حديث جابر.

المسألة الرابعة: ما سنّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أفعال فاطمة عليها السلام أو ما رافق حياتها فكان من السُنّة
اشارة

إن المتصفح لحياة الزهراء عليها السلام يجد أن هناك بعض المظاهر التي رافقت هذه الحياة فكانت محل اهتمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاجراها سُنّة تعبدية في أمته، وهي كالآتي:

أولاً: إن من الظواهر التي رافقت حياة فاطمة عليها السلام فكانت سُنّة في الأمة؛ التكبير على العرائس

فقد أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله عن جابر بن عبد الله، في حديث يصف فيه زواج فاطمة، فمما جاء فيه، أنه قال:

(فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببغلته الشهباء وثني عليها قطيفة وقال لفاطمة عليها السلام:

«أركبي».

وأمر سلمان أن يقودها والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسوقها، فبينا هو في بعض الطريق إذ سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجبة فإذا هو جبرائيل عليه السلام في سبعين ألفاً وميكائيل في سبعين ألفاً.

ص: 326

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما أهبطكم إلى الأرض ؟».

قالوا:

«جئنا نزف فاطمة إلى زوجها».

وكبر جبرائيل عليه السلام وكبر ميكائيل عليه السلام وكبرت الملائكة وكبر محمد صلى الله عليه وآله وسلم فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة)(1).

ثانياً: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنّ نافلة المغرب شكراً لله على سلامة فاطمة عليها السلام عند ولادتها للحسن والحسين عليهما السلام.

تناولنا في الجزء الثالث من هذا الكتاب في الفصل الثاني منه وتحت عنوان فاطمة الأم، ما جاء في المبحث السابع عند ولادة الإمام الحسين عليه السلام ما أوردناه من قيام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من سن نافلة المغرب شكراً لله تعالى على سلامة فاطمة عليها السلام بعد ولادة الإمام الحسين عليه السلام، فكانت هذه النافلة سنة في الأمة.

ثالثاً: المراسيم التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ولادة الإمام الحسين عليه السلام فأصبحت سنة في الأمة

ومن الظواهر أيضاً ما رافق ولادة الإمام الحسن عليه السلام، حيث تعد هذه الظاهرة هي الأولى في بيت فاطمة عليها السلام بل في البيت النبوي وذلك ان الإمام الحسن عليه السلام هو بكر فاطمة وأول مولود يدخل إلى البيت النبوي

ص: 327


1- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 3، ص 401، وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 2، ص 92.

لاسيما وان أبناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد توفيا في مكة ولم يكن آنذاك ظهور لهذه الأفعال التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع وليد فاطمة عليها السلام وباك، يكون مولود فاطمة هو المولود الأول الذي أظهر معه النبي السنن الخاصة بالمولود كالتسمية والعقيقة، وحلق شعر رأس المولود، وتحنيكه، وختانه، وثقب أذنه، فهذه المراسيم التي رافقت ولادة الإمام الحسن عليه السلام لم يشهدها المسلمون قبل ذلك الوقت ومن ثم فقد أصبحت كلها سنة تعمل بها الأمة(1).

رابعاً: إجراء سُنّة صنع الطعام لأهل الميت ثلاثة أيام

يروي الشيخ الطوسي رحمه الله عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام في خبر استشهاد جعفر بن ابي طالب عليهما السلام في مؤته وما لحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المصائب ظهور أحد السنن النبوية في كيفية التعامل مع فعل هذه المظاهر الحياتية، فكان ان أمر صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة بأن تتخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ويأتيها نساؤها - أي أرحامها ومعارفها - ثلاثة.

وهذا نص الرواية: وعن هشام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

«لما مات جعفر بن أبي طالب عليه السلام أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام أن تتخذ طعاماً لأسماء بنت عميس، ويأتيها نساؤها ثلاثة ايام، فجرت بذلك السنة من أن يصنع لأهل البيت ثلاثة أيام»(2).

ص: 328


1- لمزيد من الاطلاع، ينظر: الجزء الثالث من هذا الكتاب: ص 177-188.
2- الأمالي للطوسي: ص 659.

المحتويات

الفصل الاول: منزلة فاطمة

توطئة 7

المبحث الأول: المنزلة بين المعنى والمصداق 8

المسألة الأولى: معنى المنزلة لغة 8

المسألة الثانية: ظهور مصداق (المنزلة) في بعض الأحاديث الشريفة 9

المبحث الثاني: منزلة فاطمة عليها السلام عند الله تعالى 13

المسألة الأولى: إن الله يغضب لغضب فاطمة عليها السلام 16

أولاً: إنّ غضب الخالق ليس كغضب المخلوق 23

ثانيا: إن منشئ غضب الله تعالى غير منشئ غضب الإنسان 26

ثالثاً: إنّ علامات غضب الله مغايرة لعلامات غضب الإنسان 27

رابعاً: سر العلاقة بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة عليها السلام 28

خامساً: كل ما يلحق من المكونات الكمالية في الصفات النبوية يلحق بالبضعة

ص: 329

الفاطمية 49

سادساً: لماذا الغضب والرضا دون غيرهما من الصفات الإلهية قد اقترن بفاطمة عليها السلام 52

ألف: ارتباط الغضب والرضا بالقلب 52

باء: قوام الغضب والرضا بالعدل 54

المسألة الثانية: تحية الله تعالى إليها 56

المسألة الثالثة: إن الله تعالى رزقها كما رزق ابنة عمران عليها السلام 57

الفصل الثاني

منزلتها عليها السلام في القرآن الكريم

المبحث الأول: منزلة فاطمة عليها السلام في بعض آيات سورة البقرة 66

المسألة الأولى: الآيات العامة لبيان منزلة أهل البيت عليهم السلام في سورة البقرة ومما فيهم فاطمة عليها السلام 66

أولا: فاطمة في قوله تعالى: (و قلنا يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنة و كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) 69

ثانيا: فاطمة في قوله تعالى: (و إذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) 71

ثالثا: فاطمة عليها السلام في قوله تعالى: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة) 77

رابعا: فاطمة عليها السلام في قوله تعالى: (قل آمنا بالله و ما أنزل علينا و ما أنزل على إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط) 78

خامساً: فاطمة عليها السلام في قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات و الصلاة

ص: 330

الوسطى). 79

المسألة الثانية: الآيات الخاصة لبيان منزلة فاطمة عليها السلام في سورة البقرة 80

المبحث الثاني: منزلة فاطمة عليها السلام في بعض آيات سورة آل عمران 81

المسألة الأولى: الآيات العامة لبيان منزلة فاطمة عليها السلام في سورة آل عمران 81

أولاً: فاطمة في قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين) 81

ألف: الاصطفاء الذي نصت عليه الآية 82

باء: من هم آل الأنبياء الذين خصهم الله بالاصطفاء؟ 84

القول الأول: إنّ الآل هم قوم الرجل 84

القول الثاني: إن الآل هم أتباعه الذين على دينه 87

جيم: ما روي عن أهل البيت عليهم السلام في بيان أن الأمة غير الآل 91

ثانيا: فاطمة في قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم) 106

ألف: تفرد حادثة المباهلة في تاريخ الأنبياء عليهم السلام 107

باء: لو خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه لهلكوا كما هلك أصحاب موسى في الملاقات 108

جيم: كيف وقعت المباهلة وما هي أسبابها؟ 110

دال: التعريف بأشخاص المباهلة ودلالة النص القرآني 116

هاء: آثار المباهلة في كاشفية صدق دعوى النبوة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 120

أولاً: معاوية بن أبي سفيان يأمر الصحابة بسب علي بن أبي طالب عليه السلام فيحتج عليه بآية المباهلة 120

ألف: ما عليه المذهب الشافعي 131

باء: ما عليه المذهب المالكي في حكم من سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 131

جيم: ما عليه المذهب الحنفي في حكم من سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 131

دال: ما ذهب إليه المذهب الحنبلي في حكم من سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 132

ثانيا: تبجح الحجاج بن يوسف الثقفي في نكران إن (أبناءنا) هم الحسن والحسين وإنهما أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 137

المسألة الثانية: الآيات الخاصة لبيان منزلة فاطمة في سورة آل عمران 141

ص: 331

أولا: منزلة فاطمة عليها السلام في قوله تعالى: (فتقبلها ربها بقبول حسن و أنبتها نباتا حسنا و كفلها زكريا) 141

المبحث الثالث: منزلة فاطمة عليها السلام الخاصة والمشتركة مع أهل البيت عليهم السلام في بقية السور القرآنية 145

المسألة الأولى: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الأنعام 145

المسألة الثانية: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الأعراف 147

المسألة الثالثة: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة يونس 150

المسألة الرابعة: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة إبراهيم عليه السلام 151

المسألة الخامسة: منزلة فاطمة في سورة الحجر 153

المسألة السادسة: منزلة فاطمة في سورة النحل 154

المسألة السابعة: منزلة فاطمة في سورة الإسراء 155

المسألة الثامنة: منزلة فاطمة في سورة الكهف 157

المسألة التاسعة: منزلتها في سورة طه 160

المسألة الحادي عشرة: منزلة فاطمة في سورة مريم عليهما السلام 162

المسألة العاشرة: منزلة فاطمة في سورة الحج 164

المسألة الحادية عشرة: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة المؤمنون 165

المسألة الثانية عشرة: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة النور 167

الموضع الأول من السورة 167

الموضع الثاني من السورة 168

المسألة الثالثة عشرة: منزلة فاطمة في سورة الفرقان 170

المسألة الرابعة عشرة: منزلة فاطمة في سورة الشعراء 173

المسألة الخامسة عشرة: منزلة فاطمة في سورة النمل 173

ص: 332

المسألة السادسة عشرة: منزلة فاطمة في سورة الروم 174

المسألة السابعة عشرة: منزلة فاطمة في سورة السجدة 175

المسألة الثامنة العشرة: منزلة فاطمة في سورة الأحزاب 176

ألف: قال تعالى: (و قرن فى بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) 176

باء: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا). 185

جيم: قوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله و رسوله لعنهم الله فى الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهينا) 186

المسألة الثامنة عشرة: منزلة فاطمة في سورة فاطر 188

أولا: قال تعالى: (و ما يستوى الأعمى و البصير) 188

ثانيا: قال تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) 188

المسألة التاسعة عشرة: منزلة فاطمة عليا السلام في سورة (ص) 190

المسألة العشرون: منزلة فاطمة في سورة الزمر 191

المسألة الحادية والعشرون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الشورى 191

المسألة الثانية والعشرون: منزلة فاطمة في سورة الزخرف 200

المسألة الثالثة والعشرون: منزلة فاطمة في سورة الدخان 201

المسالة الرابعة والعشرون: منزلة فاطمة في سورة الجاثية 202

المسألة الخامسة والعشرون: منزلة فاطمة في سورة الأحقاف 203

المسألة السادسة والعشرون: منزلة فاطمة عليه السلام في سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم 205

المسألة السابعة والعشرون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة (ق) 205

المسألة الثامنة والعشرون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الذاريات 206

المسألة التاسعة والعشرون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الطور 207

المسألة الثلاثون: منزلة فاطمة في سورة الرحمن 208

المسألة الواحدة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الواقعة 211

ص: 333

المسألة الثانية والثلاثون: منزلة فاطمة في سورة المجادلة 211

المنزلة الثالثة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الحشر 213

المسألة الرابعة والثلاثون: منزلة فاطمة في سورة التحريم 215

الآية الأولى 215

الآية الثانية 216

المسألة الخامسة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة المزمل 217

المسألة السادسة والثلاثون: منزلة فاطمة في سورة المدثر 217

المسألة السابعة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الدهر 218

المسألة الثامنة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة البينة 223

المسألة التاسعة والثلاثون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة عبس 223

المسألة الأربعون: منزلة فاطمة في سورة المطففين 224

المسألة الواحدة والأربعون: منزلة فاطمة في سورة الطارق 225

المسألة الثانية والأربعون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الشمس 226

المسألة الثالثة والأربعون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة الضحى 229

المسألة الرابعة والأربعون: منزلة فاطمة عليها السلام في سورة القدر 230

الفصل الثالث

منزلتها عليها السلام في السنة

توطئة 235

المعنى الأول للسنة 236

المعنى الثاني للسنة 236

ص: 334

المبحث الأول: منزلة فاطمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 238

المسألة الأولى: اختصاص فاطمة عليها السلام بأنها نواة البيت النبوي 238

أولاً: انحصار (الأهل) بفاطمة وبعلها وولدها 240

ألف: التلازم بين نزول الوحي وفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحديد الأهل 244

باء: استخدام النبي صلى الله عليه وآله وسلم للوسائل التعليمية في بيان مراد الوحي في التشديد والمبالغة بحصر الأهل بفاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام 248

جيم: استخدام النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمثلة في إرشاد الناس إلى الحكم الشرعي تلازماً مع المنهج القرآني 252

ثانيا: تلازم حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحب فاطمة وبعلها وولديها 258

ألف: إنّ المراد من الحب الإتباع 258

باء: إنّ المراد من حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان به 261

ثالثاً: تلازم بغض فاطمة وبعلها وولديها ببغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 267

رابعاً: منهج الوحي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الرسالة من تذكير الأمة وانفلات العامة 276

المسألة الثانية: اختصاص فاطمة عليها السلام بشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 280

أولاً: تعدد ألفاظ حديث البضعة 285

ثانياً: حديث الشجنة 287

ثالثاً: حديث المهجة 291

رابعاً: حديث الشعرة 293

خامساً: حديث (أحب أهله إليه صلى الله عليه وآله وسلم) 298

سادساً: حديث (وهي قلبي وروحي) 301

ألف: من عرف هذه، فقد عرفها، ومن لم يعرفها، فهي فاطمة بنت محمد 301

باء: (هي بضعة مني) 303

جيم: (هي قلبي) 303

دال: (وهي روحي) 305

ص: 335

المبحث الثاني: منزلة فاطمة عليها السلام من خلال فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم 309

المسألة الأولى: قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة وتقبيلها وإجلاسها في مجلسه 311

المسألة الثانية: إذا أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم السفر ففاطمة عليها السلام آخر من يودع وأول من يرى بعد رجوعه 316

المسألة الثالثة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخل على فاطمة عليها السلام حتى يستأذن 318

المسألة الرابعة: ما سنّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أفعال فاطمة عليها السلام أو ما رافق حياتها فكان من السُنّة 326

أولاً: إن من الظواهر التي رافقت حياة فاطمة عليها السلام فكانت سُنّة في الأمة؛ التكبير على العرائس 326

ثانياً: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنّ نافلة المغرب شكراً لله على سلامة فاطمة عليها السلام عند ولادتها للحسن والحسين عليهما السلام. 327

ثالثاً: المراسيم التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ولادة الإمام الحسين عليه السلام فأصبحت سنة في الأمة 327

رابعاً: إجراء سُنّة صنع الطعام لأهل الميت ثلاثة أيام 328

المحتويات 329

ص: 336

المجلد 5

هویة الکتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2799:2012

الرقم الدولي ISBN: 9789933489458

الحسني، نبيل، 1965 - م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها: وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة وتحليل نبيل الحسني. ط 1 - كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434 ق. = 2013 م.

8 ج. - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100).

المصادر.

1. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - فضائل. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (س)، 11 ق. 5. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. إيذاء وتعقيب. 6. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

هوية الكتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي أ. خالد جواد العلواني

المحرّر: محمدرضا دهقانزاد

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2012 - 2803

الرقم الدولي 9789933489496

الحسني، نبيل، 1965 – م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم) دراسة وتحليل نبيل الحسني. طا - كربلاء العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الفكرية والثقافية شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434ق. = 2013م.

ج. – (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100 ).

المصادر .

1. فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)، 98 قبل الهجرة - 11 ه_. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) ، 98 قبل الهجرة - 11 ه_. - فضائل. 3 . فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)؛ 8 ؟ قبل الهجرة - 11 ه_. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) 11ق. 5 . فاطمة الزهراء (سلام الله علیها)، 18 قبل الهجرة - 11 ه_. إيذاء وتعقيب. 6 . فاطمة الزهراء (سلام الله علیها) 8؟ قبل الهجرة - 11 ه_ . - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

BP 80. F389 H3767 2013

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 2

هَذه فَاطِمة صَلوات الله و سلامه عليها

وهيَ قلبي وَ رُوحي التي بَيْن جَنبَي

(النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم)

دِرَاسَةٌ وَ تَحلیلٌ

السَّيّد نَبيل الحَسَنيّ

الجزء الخامس

إصدار

شعبة الدراسة و الي الاسلامية في قسم الشؤون الفکرِيَّة والثقافية في العَتَبَةُ الحُسَینِيَةِ المَقَدَّسَةِ

ص: 3

حقوق النشر محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1434ه_ - 2013م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

قسم الشؤون الفكرية والثقافية - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

طبع على مطابع

مؤسسة الأعلمي للمطبوعات Published by Aalami Est.

بیروت - طريق المطار - قرب سنتر زعرور Beirut Airport Road

هاتف : 01/450426 - فاكس : 01/450427 Tel:01/450426 Fax:01/450427

فرع ثاني: العراق - كربلاء المقدسة - شارع السدرة - موبایل: 07801561980

ص: 4

الفَصل الأَوّل

مَنزلتهَا علیهاالسّلام عند الملائِکَة وَالأنبيَاء وَالكُتُب السَّمَاويَّةِ

ص: 5

ص: 6

المبحث الأول

منزلتها عليها السلام عند الملائكة

تمتاز حياة الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين بارتباطها بالفيض الإلهي ممثلاً ذلك بالملائكة عليهم السلام؛ ولعل القرآن الكريم غني في إشباع هذه الحقيقة من الآيات الكريمة.

إلّا أننا هنا بحاجة إلى تتبع الروايات والآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته في بيانهم لعلاقة الملائكة بفاطمة عليها السلام وإظهار منزلتها لديهم.

ولعل سؤالاً يرد على ذهن القارئ الكريم مفاده : ما هي الحكمة من بيان علاقة الملائكة بفاطمة أو إظهار منزلتها عندهم؟

وأقول :

لا يخفى على كثير من أهل المعرفة ان وجود الملائكة كاشف عن الرحمن سبحانه وتعالى وكاشف كذاك عن أمور أخرى :

1 . الطهر، إذ الملائكة لا تقرب إلا الأماكن والأشخاص الطاهرين.

ص: 7

2. القداسة، وهي صفة ملازمة للملائكة ومحل نزولها، بل ما من شيء ارتبط بالسماء الا وكان الرمز الدال على هذا الارتباط هم الملائكة، ولذلك: نجد ان الرسومات التي ظهرت ل-دى الحضارات في العالم نجدها ترمز إلى القداسة والطهر بالملائكة.

3. الرهبة التي تحيط بوجود الملائكة.

4. الاطمئنان والسكينة.

5 . القوة والعزة والمدد ، أي الارتباط بالقوة العظمى مما يعني استحالت الغلبة على الشخص الذي يكون متصلاً بهذا الفيض الإلهي كما حدث في معركة بدر الكبرى في نزول الملائكة.

6. التزود بالعلم وذلك ان الوحي هو الناقل لهذا العلم إلى الأنبياء عليهم السلام.

7. ويبقى الأساس في ذلك هو القرب من الله تعالى ولا يحصل القرب الا بالتقوى والإخلاص والطاعة؛ وغير ذلك من المظاهر والدلائل التي تحيط بوجود الملائكة.

إذن : هناك حقائق كثيرة يكشفها وجود الملائكة في حياة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام وان لديها منزلة وشأناً عندها؛ بل ان التتبع لحياة الزهراء عليها السلام يجد هذه الخصوصية الخاصة، بمعنى ارتباطها بالملائكة من قبل ان تلدها خديجة عليها السلام حينما كانت نوراً بين يدي الله تعالى حتى وافتها المنية شهيدة محتسبة، وهي كالآتي:

ص: 8

المسألة الأولى: منزلتها عند الملائكة أجمعين قبل خلق آدم عليه السلام

أخرج الديلمي في إرشاد القلوب وعنه المجلسي رحمهما الله عن سلمان الفارسي في حديث نبوي شريف يروي فيه بدو خلق أنوار محمد وأهل بيته عليهم السلام إلى أن يصل إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«وكانت الملائكة تسبح الله تعالى وتقول في تسبيحها : سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى، فلما أراد الله تعالى أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة، وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها . فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنها ؟!

فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأفعلن فخلق نور فاطمة الزهراء عليها السلام يومنذ كالقنديل وعلقه في قرط العرض فزهرت السموات السبع والأرضون السبع...» (1).

والحديث واضح الدلالة على معرفة الملائكة بما تكون فاطمة وما لديها من المنزلة والشأن عند الله تعالى وبخاصة بعد أن ابتليت بالظلمة فكان فرجها وخلاصها من هذه الظلمة بنور فاطمة عليها السلام فكيف لا تتوسل إلى الله تعالى بها وكيف لا تأنس إلا بها ولا يكتب لها الدوام عند الله تعالى الا من خلال فاطمة عليها السلام.

وعليه يكون نور فاطمة هو مصدر الفيض والبقاء والمدد للملائكة وليس العكس كما هو حال الأنبياء عليهم السلام وتلك فريدة اختصت بها فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

ص: 9


1- البحار : ج 43 ، ص 17
المسألة الثانية
منزلتها عند جبرائيل عليه السلام

إن النظر إلى حياة الأنبياء عليهم السلام والمرسلين لا يخلو من ظهور ملازم الجبرائيل عليه السلام في هذه الحياة أي حياة أنبياء الله ورسله، ولعل أوضح الصور التي تسوق الذهن إلى التأمل في هذا الظهور لروح القدس هي الصورة التي يعرضها القرآن عن السيد المسيح وأمه عليهما السلام .

ولعل : هذا التزامن في الظهور وترسيخه في أذهان الناس يعود إلى تثقيف الناس على هذه الملازمة بين الأنبياء وجبرائيل عليه السلام لاسيما وان عيسى بن مريم هو آخر المبشرين بالخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.

مما يؤسس إلى عقيدة قوية في المجتمع العربي ترتكز على ان جبرائيل عليه السلام سيكون له - قطعاً - دور أعظم مما كان لعيسى بن مريم عليه السلام وذلك كله الله تعالى إليه من مهام يقتضيها مقام سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.

من هنا :

كان لجبرائيل عليه السلام ظهور خاص في حياة الزهراء عليها السلام مثلما كان لمريم وأكثر من ذلك ، مع ملاحظة اختلاف التكاليف الشرعية فما كلفت به مريم بنت عمران غير ما كلفت به فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويكاد لا يخفى على المتأمل أن سمة الظهور التي كانت لجبرائيل عليه السلام في حياة مريم عليها السلام إنما كانت محصورة في تنفيذ أمر الله تعالى في إلقاء كلمته إليها ثم نكاد لا نرى لهذا الظهور في حياة مريم عليها السلام.

ص: 10

لكننا في حياة الصديقة فاطمة عليها السلام نجد أن هذا الظهور كان استثنائياً فيما لو قورن مع بيوتات الأنبياء والمرسلين عليهم السلام لاسيما تلك البيوت التي نص القرآن على ظهور جبرائيل فيها كإبراهيم الخليل عليه السلام كما في قوله تعالى :

« وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)» (1).

وعليه : فان هذا الظهور - وكما دلت عليه الأحاديث - كان ملازماً منذ خلق فاطمة عليها السلام والى يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لعله إلى يوم استشهادها كما في قضية مصحف فاطمة الذي هو بإملاء ملك من الملائكة - لعله جبرائيل - أو غيره وبروايتها وتدوين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - كما سيمر بإذن الله في الفصل القادم- .

أما هنا فسنورد الأماكن والأزمان التي كان الجبرائيل عليه السلام حضور فيها وهي كالاتي :

أولاً : إنها خلقت من عرق جبرائيل وزغبه

هذا الحديث من الأحاديث التي أوردناها في الجزء الأول من الكتاب في مبحث خلق فاطمة من ثمار الجنة وسنورده هنا بحسب الحاجة الدالة على الموضوع.

ص: 11


1- سورة هود، الآية : 74

فقد أخرج فرات الكوفي في تفسيره عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام،« عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

معاشر الناس تدرون لما خلقت فاطمة؟

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية.

وقال: خلقت من عرق جبرائيل وزغبه

قالوا: يا رسول الله استشكل ذلك علينا، تقول: حوراء إنسية لا إنسية، ثم تقول: من عرق جبرائيل وزغبه؟

قال: إذاً أنبئكم: أهدى إلي ربي تفاحة من الجنة أتاني بها جبرائيل عليه السلام فضمها إلى صدره، فعرق جبرائيل، وعرقت التفاحة، فصار عرقهما شيئاً واحداً ثم قال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

قلت: وعليك السلام يا جبرائيل.

فقال: إن الله أهدى إليك تفاحة من الجنة، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري، ثم قال: يا محمد كلها.

قلت: يا حبيبي يا جبرائيل! هدية ربي تؤكل؟

قال: نعم، قد أمرت بأكلها، فأفلقتها، فرأيت منها نوراً ساطعاً ففزعت من ذلك النور قال: كل فإن ذلك نور المنصورة فاطمة.

قلت: يا جبرائيل من المنصورة؟

قال: جارية تخرج من صلبك، واسمها في السماء المنصورة، وفي الأرض فاطمة...» (1).

ص: 12


1- تفسير فرات الكوفي : ص 321؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 18 ، الخصائص الفاطمية للكجوري

والحديث واضح الدلالة في ظهور جبرائيل في حياة فاطمة عليها السلام ومنذ اللحظات الأولى لخلقها فكيف لا تكون بتلك القرابة القريبة من الوحي وما يترتب عليه من الآثار النورانية والقدسية بما أوتي روح القدس من خصائص وامتيازات.

ثانياً : هبوط جبرائيل عليه السلام بصورته العظمى لإيصال نور فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا

تناولنا في الجزء الأول من الكتاب موضوع خلق فاطمة عليها السلام من ثمار الجنة وذكرنا هناك حديث اعتزال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمدة أربعين يوماً، ثم نزل إليه الملائكة الثلاثة وهم جبرائيل وإسرافيل وميكائيل عليهم السلام وهم يحملون النور الفاطمي المودع في بعض ثمار الجنة فكان تحفة أرسلها الله عز وجل لنبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما نصت عليها الرواية التي سنوردها هنا لعلاقتها مع العنوان فهي تظهر حجم المنزلة التي لفاطمة عليها السلام عند جبرائیل عليه السلام فضلا عن بيان تلك الملازمة في الظهور للوحي في حياتها عليها السلام وهو ما يجعلها ذات خصوصية خاصة.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

«فلما كان في كمال الأربعين – (أي أربعين يوماً من الاعتزال والعبادة) - هبط جبرائيل فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرنك السلام وهو يأمرك بأن تتأهب لتحيته وتحفته.

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

يا جبرائيل وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيته؟ قال: لا علم لي.

ص: 13

قال: فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس أو قال: استبقى فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واقبل جبرائيل عليه السلام وقال: يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام

قال علي (عليه السلام): فجلست على الباب وخلا النبي (صلى الله عليه وآله) بالطعام، وكشف الطبق واذا عنق من رطب وعنقود من عنب، فأكل النبي ( عليه السلام) منه شبعا وشرب من الماء ريا، ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرائيل وغسل يديه ميكائيل ومندله إسرافيل وارتفع فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء. ثم قام النبي (صلى الله عليه وآله) ليصلي فأقبل عليه جبرائيل وقال: الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها فإن الله عز وجل آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة. فوثب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزل خديجة.

ثالثاً : اختصاص جبرائيل بتزويج فاطمة من علي عليهما السلام ومراحل ظهوره زماناً ومكاناً
اختصاص جبرائيل بتزويج فاطمة من علي عليهما السلام ومراحل ظهوره زماناً ومكاناً

يعدّ زواج فاطمة عليها السلام محطة من المحطات التي كان الجبرائيل عليه السلام دورٌ خاصٌّ فيها فكان ظهوره في هذه المناسبة متكرراً حتى أصبح هو المعني بهذا الأمر مما يقود الذهن إلى ان أمر زواجها من علي عليهما السلام لا يقل أهمية من بعث الأنبياء عليهم السلام وذلك لما يترتب عليه من جعل الإمامة في ذريتهما وليتجلى فيهما الاصطفاء الإلهي على العالمين.

قال تعالى :

« إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ »

ص: 14

بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم» (1).

من هنا: نجد أن هذا الظهور المتكرر لجبرائيل عليه السلام في هذه المناسبة إنما لكونهما المختارين لخروج نور النبوة وصراط الشريعة وتحقيق دولة الحق والعدل وظهور الإسلام على الدين كله في المهدي ابن فاطمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ألف. هبوط جبرائيل عليه السلام بخبر تزويج فاطمة في السماء ليزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض من علي بن أبي طالب عليه السلام

عن أم سلمة، وسلمان المحمدي، وعلي بن أبي طالب عليه السلام، كلهم قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال :

«هبط عليّ جبرائيل، فقال: السلام عليك ورحمة الله يا نبي الله، ثم انه وضع في يدي حريرة بيضاء من حرير الجنة، وفيها سطران مكتوبان بالنور.

فقلت حبيبي جبرائيل ما هذه الحريرة، وما هذه الخطوط ؟

فقال جبرائيل: يا محمد إن الله عز وجل أطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارك من خلقه، فبعثك برسالته ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخا ووزيرا، وصاحباً وختنا فزوجه ابنتك فاطمة.

فقلت حبيبي جبرائيل ومن هذا الرجل؟

فقال لي: يا محمد أخوك في الدنيا والآخرة وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب»(2).

ص: 15


1- سورة آل عمران : 33 - 34
2- البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 128
باء: جبرائيل وميكائيل يجريان عقد نكاح فاطمة من علي في السماء والملائكة هم الشهود

وبالإسناد السابق في الفقرة «ألف» ، قال : جبرائيل عليه السلام :

«ثم أوحى الله أن أعقد عقدة النكاح، فاني قد زوجت فاطمة بنت حبيبي محمد –ب_ - عبدي علي بن أبي طالب».

وفي خبر عن أم أيمن: وعقد جبرائيل وميكائيل في السماء نكاح علي وفاطمة . قال جبرائيل :

فعقدت عقدة النكاح وأشهدت على ذلك الملائكة أجمعين، وكتبت شهادتهم في هذه الحريرة وقد أمرني عز وجل أن أعرضها عليك وان اختمها مسك وان ادفعها إلى رضوان، وان الله عز وجل لما أشهد الملائكة على تزويج علي من فاطمة أمر شجرة طوبى أن تنشر حملها من الحلي والحلل، فنشرت ما فيها فالتقطته الملائكة والحور العين، وأن الحور العين لتهادينه ويفتخرن به إلى يوم القيامة ..» (1).

جيم: جبرائيل عليه السلام يشتري الدرع الحطمية من علي عليه السلام ثم يهديها إليه ليكون مهر فاطمة عليها السلام

بعد ان يقوم جبرائيل عليه السلام في إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمجريات عقد فاطمة في السماء ويأمره عن الله عز وجل بإجراء العقد في الدنيا، فإن الظهور الثالث الذي تنقله الروايات لجبرائيل عليه السلام يكون في تحديد مهر فاطمة عليها السلام.

ص: 16


1- البحار للمجلسي : ج 43، ص 128

ولقد مرّ علينا في الجزء الثاني من الكتاب: ان مهر فاطمة كان مقداره أربعمائة درهم وديناراً حصل عليها الإمام علي عليه السلام من خلال بيعه لدرعه الحطمية التي غنمها في معركة بدر الكبرى.

الا ان الملاحظ في هذا المهر هو قيام جبرائيل عليه السلام بشراء هذه الدرع وإعطاء ثمنها لعلي عليه السلام ثم ارجاعها إليه بعنوان الهدية.

فقد ورد في الحديث انه جاء بالدرع والدراهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطرحها بين يديه وقال :

يا رسول الله بعت الدرع بأربعمائة درهم ودينار، وقد اشتراها دحية وسألني أن أقبل الدرع هدية فما تأمرني فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ليس هو دحية لكنه جبرائيل، والدراهم من عند الله لتكون شرفاً وفخراً لابنتي فاطمة»(1) .

والحديث واضح الدلالة في اختصاص فاطمة بهذا التشريف الإلهي الذي امتازت به على جميع نساء الدنيا في أمر زواجها. فضلاً عن ذلك فان الآثار التكوينية في مصدر مال المهر على الحياة الزوجية والذرية ما لا يخفى بيانه لأهل الإشارة ،والعرفان ولو شاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يظهر ما لهذه المسألة أي أن تكون الدراهم من الله تعالى والحامل لها جبرائيل عليه السلام على هذا الزواج ليبين ذلك للناس الا ان اقتصاره على هذا القول فيه كفاية لمن أراد ان يقف على الحكمة في أن يتولى جبرائيل عن الله تعالى بذل مهر فاطمة عليها السلام .

ص: 17


1- دلائل الإمامة للطبري : ص3

دال: إن عطر فاطمة ليلة زفافها عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل ممزوج بعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

إن من الأمور التي اعتادها النساء هو الاحتياج إلى العطر ليلة الزفاف، لكن أن يكون هذا العطر من السماء ومن أجنحة جبرائيل وحبات عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا أمر غير اعتيادي؛ بل فريد واستثنائي كفرادة علي وفاطمة عليهما السلام وما تعلق بهما من أمر الدين والدنيا والآخرة.

فقد روي : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر نساءه بتزيين فاطمة عليها السلام فاستدعين من فاطمة طيباً فاتت بقارورة فسئلت عنها ؟ فقالت :

كان دحية الكلبي يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول لي - أبي - : يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمك، فكان إذا نهض سقط من ثيابه شيء فيأمرني بجمعه.

فسئل رسول الله عن ذلك فقال :

«هو عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل».

وأتت بماء ورد فسألت أم سلمة عنه ؟

قالت : هذا عرق رسول الله كنت آخذه عند قيلولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1).

ولعل ، بل الأرجح أن التي أتت بماء الورد هي نفسها فاطمة عليها السلام

ص: 18


1- الأمالي للطوسي : ص 42. المناقب لابن شهر : ج 3، ص 130 . الدر النظيم لابن أبي حاتم : ص 407 . البحار للمجلسي : ج 43، ص 114 - 115

وذلك أن أم سلمة قد تزوجت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد زواج فاطمة بسنتين أو ثلاث إلا أن هذا الفعل أي : جمع حبات تعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكرر كذلك من أم سلمة ولعل الرواة اشتبهوا في نسب هذا الفعل إلى أم سلمة في زواج فاطمة عليها السلام في حين أن التي جاءت بالعنبر الذي تساقط من أجنحة جبرائيل وبماء الورد الذي كان يتساقط من تعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي فاطمة عليها السلام فكان عطرها في ليلة زفافها لعلي عليه السلام

هاء: جبرائيل عليه السلام يهبط في سبعين ألف ملك في ليلة زفاف فاطمة عليها السلام

من الأزمنة التي ظهر فيها جبرائيل عليه السلام في حدث زواج فاطمة عليها السلام هو ليلة زفافها، فقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري، انه قال: «فلما كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة إلى علي عليهما السلام وبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببعض الطريق إذ سمع صلى الله عليه وآله وسلم وجبة فإذا هو جبرائيل في سبعين ألف وميكائيل في سبعين ألف.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«ما أهبطكم إلى الأرض»؟

قالوا: جننا نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام».

واو: جبرائيل يتحف فاطمة وعليّاً عليهما السلام ليلة الزفاف بطعام من الجنة

إن من الأمور التي تلازم الأعراس هو تهيئة طعام في ليلة العرس للعروسين ، لكن الذي لم يحصل الا في عرس علياً وفاطمة عليهما السلام : هو أن يأتيهما جبرائیل بهدية ليلة العرس.

ص: 19

فقد هبط جبرائيل عليه السلام في زمرة من الملائكة بهدية - وهي عبارة عن سلة وكانت مغلقة فلما استقر الحال بالعروسين في بيتهما - فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم السلة فإذا فيها كعك وموز وزبيب فقال :

هذا هدية جبرائيل، ثم اقلب يده سفرجلة فشقها نصفين فأعطى علياً نصفاً وفاطمة نصفاً وقال :

هذه هدية من الجنة إليكما(1).

ياء: جبرائيل يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة زفاف فاطمة بقتل الإمام الحسين عليه السلام

لم تزل ليلة زفاف فاطمة عليها السلام استثنائية وفريدة في جميع مجرياتها حتى في حياة جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام فمن منهم يهبط عليه جبرائيل ليطلعه في ليلة زفافه على ما قضاه الله تعالى في أمر زواجه من إرزاقه بولدٍ تقتله أمته من بعده.

نعم هذا الذي حصل في ليلة زفاف علي وفاطمة عليهما السلام كما أخبرهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند السحر من ليلة الزفاف.

فعن علي أمير المؤمنين عليه السلام قال :

فلما كان في آخر السحر أحسست برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذهبت لأنهض، فقال:

مكانك أتيتك في فراشك رحمك الله.

ص: 20


1- الخرائج للراوندي : ج 2، ص 536 ؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 96

فأدخل رجليه معنا في الدثار ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة فاستيقظت فبكى وبكت وبكيت لبكانهما.

فقال لي: ما يبكيك؟!

فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله بكيت وبكت فاطمة فبكيت لبكانكما.

فقال: أتاني جبرائيل فبشرني بفرخين يكونان لك ثم عزيت بأحدهما وعلمت أنه يقتل غريباً عطشانا فبكت فاطمة حتى علا بكاؤها.

ثم قالت: يا أبي لم يقتلوه وأنت جده وعلي أبوه وأنا أمه؟!

قال: يا بنية لطلبهم الملك، أما إنهم سيظهر عليهم سيف لا يغمد إلا على يد المهدي من ولدك يا علي من أحبك وأحب ذريتك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أبغضك وأبغض ذريتك فقد أبغضني ومَنْ أبغضني أبغضه الله وأدخله النار»(1).

ص: 21


1- فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة الكوفي : ص108. نوادر المعجزات لمحمد بن جرير الطبري : ص 96

المبحث الثاني

منزلة فاطمة عليها السلام عند الأنبياء عليهم السلام

حينما نستعرض الأحاديث الشريفة الخاصة ببيان حياة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وما قدر الله تعالى لهم من الابتلاءات فإننا سنجد ظهوراً لأسماء محمد وعترته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في نجاة هؤلاء الأنبياء وخروجهم من هذه الابتلاءات ببركة التوسل الله تعالى بهم.

ولذا : فإننا نجد منزلة فاطمة عليها السلام لدى الأنبياء إنما ظهرت من خلال توسلهم إلى الله تعالى بالخمسة أصحاب الكساء، وانها كانت معروفة لديهم بما خصها الله تعالى من الفضل والشأن الذي أهلها ان تكون ملاذاً في الدعاء عند أنبياء الله تعالى ورسله سلام الله عليهم أجمعين، فكانت كالآتي :

المسألة الأولى: منزلتها عند آدم عليه السلام

فيما يخص نبي الله آدم عليه السلام من ابتلاء مع زوجه حواء يكاد يكون معروفاً للقاصي والداني إلا أن الذي يجهله كثير من الناس هو توسله في هذا

ص: 22

الابتلاء بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين فمن الله تعالى عليه بالنجاة مما ابتلي به وتاب عليه إنه هو التواب الرحيم، وهو ما دلت عليه الروايات الآتية :

1 . روى الحر العاملي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :

سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ؟

قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ فتاب عليه»(1).

2. روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام في معنى قوله تعالى :

«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» .

والحديث الشريف طويل أخذنا منه موضع الاستدلال، فجاء فيه :

فلما أراد الله عز وجل أن يتوب عليهما جاهما جبرئيل فقال لهما : إنكما إنما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتها به من الهبوط من جوار الله عز وجل إلى أرضه فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما، فقالا، اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام

ص: 23


1- وسائل الشيعة للعاملي: ج 7، ص 98 - 99

إلا تبت علينا ورحمتنا فتاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم، فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أممهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها وحملها الإنسان الذي قد عرفته فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة، وذلك قول الله عز وجل:

«إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْن أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»(1) .

والحديث يكشف عن معرفة آدم والأنبياء عليهم السلام من بعده بمنزلة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام وان حفظ هذه المنزلة يعد أمانة في أعناقهم يحفظونها ويوصون بها أوصياءهم ومواليهم كي لا يقع أحدهم بنفس ما وقع فيه آدم عليه السلام حينما طلب هذه المنزلة لنفسه فعوقب بالخروج من الجنة.

. وروي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في تفسيره قوله تعالى :

«فَتَلَقَى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(2).

فقال عليه السلام :

«التواب القابل للتوبات، الرحيم بالتائبين (قلنا اهبطوا منها جميعا) كان أمر في الأول أن يهبطا، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا، لا يتقدم أحدهم الآخر. والهبوط إنما كان هبوط آدم وحواء من الجنة، وهبوط الحية أيضا منها فإنها كانت من أحسن دوابها، وهبوط إبليس من حواليها، فإنه كان محرما عليه دخول الجنة. (فاما يأتينكم مني هدى) يأتيكم. وأولادكم من بعدكم.

ص: 24


1- معاني الأخبار، للصدوق : ص110
2- سورة البقرة، الآية : 37

مني هدى يا آدم ويا إبليس (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون، ولاهم يحزنون إذا يحزنون. [توسل آدم عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وآله وقبول توبته بهم عليهم السلام: قال عليه السلام فلما زلت من آدم الخطيئة، واعتذر إلى ربه عز وجل، قال: يا رب تب علي، واقبل معذرتي، وأعدني إلى مرتبتي، وارفع لديك درجتي فلقد تبين نقص الخطيئة وذلها في أعضاني وسائر بدني. قال الله تعالى: يا آدم أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك، وفي النوازل (التي) تبهظك؟ قال :آدم یا رب بلی قال الله عز وجل (له: فتوسل بمحمد) وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم خصوصا، فادعني أجبك إلى ملتمسك وأزدك فوق مرادك. فقال :آدم يا رب يا إلهي وقد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل (إليك) بهم تقبل توبتي وتغفر خطينتي، وأنا الذي أسجدت له ملائكتك وأبحته جنتك وزوجته حواء أمتك، وأخدمته كرام ملانكتك ! قال الله تعالى: يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك (و) بالسجود (لك) إذ كنت وعاءً لهذه الأنوار، ولو كنت سألتني بهم قبل خطينتك أن أعصمك منها، وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منه لكنت قد جعلت ذلك. ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي، فالآن فيهم فادعني لأجبك. فعند ذلك قال :آدم: اللهم ([بجاه محمد وآله الطيبين) بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من الهم لما تفضلت (علي) بقبول تويتي وغفران زلتي واعادتي من كراماتك إلى مرتبتي. فقال الله عز وجل: قد قبلت توبتك، وأقبلت برضواني عليك، وصرفت آلاني ونعماني إليك وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي، ووفرت نصيبك من رحماتي. فذلك قوله عز وجل: (فتلقی آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم».

ص: 25

المسألة الثانية: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله نوح عليه السلام

حينما تعددت الابتلاءات عند الأنبياء عليهم السلام تعددت معها الألطاف الإلهية كذاك، وذلك لما يظهره الله تعالى لهم من الكرامة والمنزلة عند اجتيازهم هذه الابتلاءات.

إلا أن الملاحظ في هذه الابتلاءات التجاؤهم إلى أصحاب الكساء كمحلِّ یكشف به ومن خلاله الابتلاء وذلك بما ورثوه عن أبي البشر نبي الله تعالى آدم حينما أوصى بنيه ووصيه بذلك هذا أولاً.

وثانياً : إن هذه الابتلاءات تظهر جانباً من التعريف بهذه الأسماء وأصحابها

بمعنى ما ظهر لآدم هو بيان شأنهم عند الله وان الدعاء إلى الله عند الله وان الدعاء إلى الله بهم لا يرد، والحاجة تقضى بإذنه تعالى. لكن ما ظهر لنوح عليه السلام كان جانباً بما سيبتلى به أصحاب هذه الأسماء ومن ثم تصبح هذه الكاشفية عن ابتلاء آل محمد هي بحد ذاتها مورد تصبير وتطمين وتأسي للأنبياء عليهم السلام فيما يتعرضون له اثناء نشر رسالتهم والتبليغ عن شريعة الله تعالى.

وهو ما دلّ عليه الحديث الآتي : روى السيد ابن طاووس بسنده عن عطية العوفي عن ثابت البنائي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال :

«لما أراد الله عز وجل ان يهلك قوم نوح عليه السلام أوحى الله إليه ان شق ألواح الساج فلما شقها لم يدر ما يصنع فهبط جبرئيل عليه السلام فأراه هيئه السفينة ومعه تابوت بها مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون الف مسمار فسمر بالمسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار منها فأشرق في يده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري أفق السماء فتحير من ذلك

ص: 26

نوح فأنطق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق فقال: أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد الله فهبط عليه جبرئيل فقال له يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله قال هذا باسم خير الأولين والآخرين محمد بن عبد الله أسمره أولها على جانب السفينة اليمين ثم ضرب بيده إلى مسمارثان فأشرق وأنار فقال نوح وما هذا المسمار قال: مسمار أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب فاسمره جانب السفينة اليسار في أولها ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار فقال هذا مسمار فاطمة فاسمره إلى جانب مسمار أبيها ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار فقال هذا مسمار الحسن فاسمره إلى جانب مسمار أبيه ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فأشرق وأنار وبكى فقال يا جبرئيل: ما هذه النداوة فقال هذا مسمار الحسين بن علي سيد الشهداء فاسمره إلى جانب مسمار أخيه ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم وحملناه على ذات ألواح ودسر قال النبي صلى الله عليه وآله الألواح خشب السفينة ونحن الدسر لولانا ما سارت السفينة بأهلها»(1).

المسألة الثالثة: منزلة فاطمة عليها السلام عند إبراهيم عليه السلام

فلما كانت منزلة فاطمة عليها السلام عند آدم ونوح عليهما السلام وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام مجموعة مع الخمسة أصحاب الكساء، فأما منزلتها عند إبراهيم عليه السلام ظهرت كذاك بالضمن مع منزلة أبيها وبعلها وبنيها، وهو ما كشف عنه الحديث الشريف عن الصادق عليه السلام.

فعن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، قال

سألته عن قول الله عز وجل :

ص: 27


1- الأمان من أخطار الأسفار للسيد ابن طاووس : ص 119 . نوادر المعجزات للطبري : ص 64 ، بحار الأنوار: ج 11، ص328. الدر النظيم لابن حاتم : 764

«وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات» .

ما هذه الكلمات ؟ قال :

«هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو أنه قال: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم».

فقلت له : يا ابن رسول الله فما يعني عز وجل بقوله : "أتمهن"؟ قال :

«يعني أتمهن إلى القائم عليه السلام إثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين عليه السلام».

قال المفضل : فقلت له : يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل :

«وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبهِ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (1) .

قال :

«يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة».

قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن وهما جميعا ولدا رسول الله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة؟ فقال عليه السلام :

«إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى ولم يكن لأحد أن يقول: لم فعل الله ذلك؟ فإن الإمامة خلافة الله عز وجل ليس لأحد أن يقول: لم جعلها الله في صلب الحسين

ص: 28


1- سورة الزخرف، الآية : 28

دون صلب الحسن لان الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون».

والحديث يظهر حقيقة جديدة في هذه الكلمات وهي :

1 . إنّ إبراهيم هو أول من دعا الله تعالى بالمعصومين الأربعة عشر في حين كانت الأنبياء من قبله تدعو الله تعالى بالخمسة أصحاب الكساء أي بالأسماء التي دعا بها آدم عليه السلام، أما إبراهيم فقد أتم الله له تعالى هذه الكلمات وعرفه بها فأخذ يدعو الله بها .

2. إن الدعاء بهذه الكلمات التي أتمها الله تعالى لإبراهيم إنما كان لعظم الحاجة التي كان يسأل الله عنها إبراهيم عليه السلام وهي الإمامة، مما أن يعني الدعاء بهذه الكلمات لا يرد مهما كان حجم الحاجة التي يدعو بها الداعي ولاسيما تلك الحاجات التي كانت للمراتب الأخروية لحاجة إبراهيم في أن يجعله إماماً وأن يجعل هذه الرتبة والمنزلة لأولاده.

3. إن الإقرار بهذه الكلمات التي أتمها الله لإبراهيم وهم محمد وعترته أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين هو إقرار ابتلائي كما ابتلى به إبراهيم عليه السلام، بمعنى يحتاج الإنسان للوصول إلى هذه المعرفة لمقدمات عديدة تكشفها سيرة إبراهيم ورتبته عند الله تعالى التي أحرزت لديه بلطف الله إتمام هذه الكلمات.

ولو كانت المعرفة غير تامة لما نال هذا اللطف الإلهي ولكان حاله حال نبي الله آدم عليه السلام حينما ابتلي من قبل بهذه الكلمات التي لم يكشف له منها إلا خمس كلمات؛ ولعل قوله تعالى :

«اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّدِقِينَ ».

ص: 29

فيه من الكاشفية ما يجعل المرء يبني نفسه أولاً على التقوى وإحرازها وتلبسه بها كي يتمكن من نيل اللطف الإلهي فيكون مع الصادقين وهي الكلمات التي أتمها الله تعالى لإبراهيم عليه السلام .

ومما يدل عليه ما روي عن أبي بصير قال : سأل جابر بن يزيد الجعفي جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام عن تفسير هذه الآية :

«وَإِن مِن شِیعَتِهِ، لإبْرَاهِيمَ» .

فقال عليه السلام :

«إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم عليه السلام كشف له عن بصره فنظ فرأى نورا إلى جنب العرش، فقال: إلهي ما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور محمد صفوتي من خلقي. ورأى نورا إلى جنبه فقال: إلهي وما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور علي ابن أبي طالب ناصر ديني. ورأى إلى جنبهم ثلاثة أنوار فقال: إلهي ما هذه الأنوار؟ فقيل له: هذا نور فاطمة فطمت محبيها من النار، ونور ولديها الحسن والحسين ورأى تسعة أنوار قد حفوا بهم فقال: إلهي ما هذه الأنوار التسعة؟ قيل: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة فقال إبراهيم: إلهي بحق هؤلاء الخمسة إلا عرفتني من التسعة؟ قيل يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي وابنه الحسن والحجة القائم ابنه.

فقال إبراهيم: إلهي وسيدي أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت. قيل: يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال إبراهيم: وم تعرف شيعته؟ قال: بصلاة إحدى وخمسين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، والتختم في اليمين».

ص: 30

المسألة الرابعة: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله يعقوب عليه السلام

تكشف منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله يعقوب من خلال الدعاء الذي علمه جبرائيل عليه السلام ليعقوب بعد أن فقد ولديه يوسف وبنيامين وذهب بصره من الحزن.

كما نص عليه الحديث الذي رواه الشيخ الصدوق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في بيانه لما جرى على آل يعقوب فمما جاء فيه انه قال :

«فهبط جبرائيل على يعقوب فقال يا يعقوب ألا أعلمك دعاء يرد الله عليك به بصرك، ويرد عليك ابنيك؟ قال: بلى.

قال: قل ما قاله أبوك آدم فتاب الله عليه، وما قاله نوح فاستوت به سفينته علی الجودي ونجا من الغرق، وما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن حين ألقي في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما .

فقال يعقوب عليه السلام وما ذاك يا جبرئيل؟ فقال: قل: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، أن تأتيني بيوسف وبنيامين جميعا، وترد علي عيني.

فما استتم يعقوب عليه السلام هذا الدعاء حتى جاء البشير فألقى قميص يوسف عليه فارتد بصيرا فقال لهم: ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون.

«قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ »(1)» .

ص: 31


1- الأمالي الصدوق : ص323. وسائل الشيعة للعاملي: ج 7، ص 101 . البحار للمجلسي : ج 12، ص 260
المسألة الخامسة: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله موسى الكليم عليه السلام
منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله موسى الكليم عليه السلام

تشير النصوص الواردة عن العترة النبوية صلوات الله عليهم أجمعين عن تعدد الابتلاءات التي مر بها موسى الكليم مع قومه، ولذا فقد تعددت الأدعية التي كان يدعو بها موسى عليه السلام ويتوسل إلى الله بحق محمد وآله في جميع هذه المواطن ففرج الله تعالى عنه، وهي كالآتي :

أولاً : في خروجه لميقات ربه وابتلاء بني إسرائيل بفتنة السامري

جاء في تفسير الإمام العسكري عليه السلام : قال الله عز وجل :

«وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ»(1).

قال : كان موسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل : إذا فرج الله عنكم وأهلك أعداءكم آتيكم بكتاب من عند ربكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله فلما فرج الله عنهم أمره الله عز وجل أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل فظن موسى أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب فصام ثلاثين يوما، فلما كان آخر اليوم استاك قبل الفطر، فأوحى الله عز وجل إليه :

يا موسى أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ؟ صم عشرا اخر ولا تستك عند الافطار، ففعل ذلك موسى عليه السلام وكان وعده الله أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة، فأعطاه إياه، فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني إسرائيل.

ص: 32


1- البقرة : 51

فقال : وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمت أربعون، أخطأ موسى ربه وقد أتاكم ربكم، أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه، وأنه لم يبعث موسى عليه السلام لحاجة منه إليه، فأظهر لهم العجل الذي كان عمله.

فقالوا : كيف يكون العجل إلهنا ؟ قال : إنما هذا العجل يكلمكم منه ربكم كما كلم موسى من الشجرة، فلما سمعوا منه كلاما قالوا له : إنه في العجل كما في الشجرة، فضلوا بذلك وأضلوا، فلما رجع موسى إلى قومه قال :

يا أيها العجل أكان فيك ربنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل وقال : عزّ ربنا من أن يكون العجل حاويا له، أو شيء من الشجرة والأمكنة عليه مشتملا، لا والله يا موسى، ولكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى حائط وحفر في الجانب الآخر في الأرض وأجلس فيه بعض مردته فهو الذي وضع فاه على دبره وتكلم ما تكلم لما قال :

« ... هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى ...» (1).

یا موسی بن عمران ما خذل هؤلاء بعبادتي واتخاذي إلها إلا لتهاونهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين، وجحودهم بموالاتهم وبنبوة النبي ووصية الوصي حتى أداهم إلى أن اتخذوني إلها، قال الله عز وجل :

فإذا كان الله تعالى إنما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيه علي فما تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم لمحمد وعلي وقد

ص: 33


1- سورة طه ، الآية : 88

شاهدتموهما وتبينتم آياتهما ودلائلهما) (1).

وروى السيد نعمة الله الجزائري : قال الله عز وجل :

«ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» .

أي عفونا عن أوائلكم عبادة العجل لعلكم أيها الكائنون في عصر محمد صلى الله عليه وآله من بني إسرائيل تشكرون تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم.

قال عليه السلام : وإنما عفا الله عز وجل عنهم لأنهم دعوا الله بمحمد وآله الطيبين وجددوا على أنفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطاهرين فعند ذلك حمهم الله وعفا عنهم.

ثم ساق الحديث إلى قوله : وأمر الله موسى عليه السلام أن يقتل من لم يعبده من ،عبده، فتبرأ أكثرهم وقالوا لم نعبد، فقال الله عز وجل لموسى :

أبرد هذا العجل بالحديد بردا ثم ذره في البحر، فمن شرب منه ماء اسودت شفتاه وانفه وبان ذنبه .

ففعل، وبان العابدون فأمر الله الاثني عشر ألفا أن يخرجوا على الباقين شاهري السيوف يقتلونهم ونادى مناد : ألا لعن الله أحداً اتفاهم بيد أو رجل ولعن الله من تأمل المقتول لعله ينسبه حميما قريبا فيتعداه إلى الأجنبي.

فاستسلم المقتولون فقال القاتلون نحن أعظم مصيبة منهم نقتل بأيدينا آباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأقرباءنا ونحن لم نعبد فقد ساوى بيننا وبينهم في المصيبة.

ص: 34


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 256

فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : إني إنما امتحنتهم كذلك لأنهم ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل ولم يهجروهم ولم يعادوهم على ذلك، قل لهم من دعا الله بمحمد وآله الطيبين ان يسهل عليهم قتل المستحقين للقتل بذنوبهم ففعل فقالوها ، فسهل عليهم ولم يجدوا لقتلهم لهم ألما .

فلما استمر القتل فيهم وهم ستمائة ألف إلا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل، وفق الله بعضهم فقال لبعض والقتل ولم يفض بعد إليهم فقال أو ليس الله قد جعل التوسل بمحمد وآله الطيبين أمرا لا يخيب معه طلبة ولا يرد به مسألة وهكذا توسلت به الأنبياء والرسل، فما لنا لا نتوسل ؟!

قال فاجتمعوا وضجوا وقالوا: يا ربنا نجنا بجاه محمد الأكرم وبجاه علي الأفضل الأعظم وبجاه فاطمة ذات الفضل والعصمة وبجاه الحسن والحسين سبطي سيد المرسلين وسيدي شباب أهل الجنة أجمعين وبجاه الذرية الطيبة الطاهرة من آل طه ويس لما غفرت لنا ذنوبنا وغفرت لنا هفوتنا وأزلت هذا القتل عنا.

فذلك حين نودي موسى عليه السلام من السماء : ان كف القتل فقد سألني بعضهم مسألة وأقسم علي قسما لو أقسم به هؤلاء العابدون العجل وسألني بعضهم العصمة حتى لا يعبدوه لوفقتهم وعصمتهم، ولو أقسم علي بها إبليس لهديته ولو أقسم بها نمرود أو فرعون لنجيتهم.

فرفع الله عنهم القتل فجعلوا يقولون يا حسرتنا أين كنا عن هذا الدعاء بمحمد وآله الطيبين حتى يقينا الله شر الفتنة (1).

ص: 35


1- تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص 256 . تأويل الآيات الظاهرة : ج 1 ، ص 60 . مستدرك الوسائل : ج 5 ، ص 235 . البحار : ج 13، ص 235 . قصص الأنبياء : ص 312 - 315
ثانياً : في لقاء موسى الكليم بالخضر عليه السلام وما جرى بينهما من التعريف بمنزلة فاطمة عليها السلام

روى العياشي ( عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال :

«انه لما كان من أمر موسى عليه السلام الذي كان أعطى مكتل فيه حوت مملح، قيل له: هذا يدلك على صاحبك عند عين مجمع البحرين لا يصيب منها شيء ميتا الأحي يقال لها الحياة فانطلقا حتى بلغا الصخرة فانطلق الفتى يغسل الحوت في العين فاضطرب الحوت في يده حتى خدشه وانفلت منه ونسيه الفتى، فلما جاوز الوقت الذي وقت فيه أعني موسى :

«فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ ءَاتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبَا (62) قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّحْرَةِ فَإنّي نَسِيتُ الموتَ وَمَا أَنسَنِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أذكَرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى ءَاثَارِهِمَا قَصَصا»(1).

فلما أتاها وجد الحوت قدخر في البحر فاقتصا الأثر حتى اتيا صاحبهما في جزيرة من جزائر البحر اما متكيا واما جالسا في كساء له، فسلم عليه موسى فعجب من السلام وهو في أرض ليس فيها السلام.

فقال: من أنت؟

قال: انا موسى .

قال: أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما ؟

ص: 36


1- سورة الكهف، الآيات : 62 و 63 و 64

قال: نعم، قال: فما حاجتك؟

قال اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا، قال: إني وكلت بأمر لا تطيقه، ووكلت بأمر لا أطيقه، وقال له:

«قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خبرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْمِي لَكَ أَمْرًا»(1).

فحدثه عن آل محمد عليهم السلام وعما يصيبهم حتى اشتد بكاؤهما، ثم حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين وعن ولد فاطمة وذكر له من فضلهم وما أعطوا حتى جعل يقول يا ليتني من آل محمد وعن رجوع رسول الله عليه وآله السلام إلى قومه وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه، وتلا هذه الآية:

«وَنُقَلِبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ».

فإنه أخذ عليهم الميثاق»).

ثالثاً : تعريف موسى قومه بمنزلة محمد وعترته صلوات الله عليهم أجمعين في دخولهم باب حطة

وعن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في قوله :

« ... وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلوَى ...» (2).

«المن الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه، والسلوى السماني أطيب طير لحما يسترسل لهم فيصطادونه.

ص: 37


1- سورة الكهف، الآيات : 67 و 68 و 69
2- سورة البقرة، الآية : 57

وفي قوله تعالى:

« ... ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ ... »(1).

وهي أريحا من بلاد الشام وادخلوا باب القرية سجدا الله تعظيما لمثال محمد وعلي، مثل الله تعالى على الباب مثال محمد وعلي وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال وان يجددوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما وليذكروا العهد والميثاق المأخوذ عليهم :

« ... وَقُولُوا حِظَةٌ ... »

أي قولوا ان سجودنا الله تعظيما لمثال محمد وعلي واعتقادنا لولايتهما حطة لذنوبنا ومحو لسيناتنا :

«فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذى قِيلَ لَهُمْ»(2).

أي لم يسجدوا كما أمروا وقالوا كما أمروا ولكن دخلوها من منقلبها باستاهم، وقالوا اهتطانا سمقانا - أي حنطة حمراء ينقونها أحب إلينا من هذا الفعل وهذا القول فأنزلنا على الذين غيروا - بدلوا - ما قيل لهما ولم ينقاد والولاية محمد وعلي وألهما الطيبين (رجزا من السماء) والرجز الذي أصابهم انه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة وعشرون ألف كلهم من علم الله انهم لا يؤمنون ولا يتوبون»(3).

ص: 38


1- سورة البقرة الآية : 58
2- سورة البقرة الآية : 59
3- تفسير الإمام العسكري : ص 261. تفسير الصافي للفيض الكاشاني : ج 1 ، ص136. بحار الأنوار: ج 13، ص18. قصص الأنبياء : ص299
رابعاً : توسل صاحب بقرة بني إسرائيل بالنبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم

جاء في تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام :

ان بني إسرائيل جمعوا أموالهم لشراء البقرة، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما يلي به جلدة فبلغ خمسة آلاف ألف دينار فقال بعض بني إسرائيل لموسى عليه السلام وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة لا ندري أيهما أعجب إحياء الله هذا وانطاقه بما نطق به أو إغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم.

فأوحى الله إليه : يا موسى قل لبني إسرائيل من أحب منكم ان أطيب في دنیاه عيشه وأعظم في جناني محله واجعل بمحمد وآله الطيبين فيها منادمته ليفعل كما فعل هذا الفتى انه كان قد سمع موسى بن عمران ذكر محمدا وآلهما الطيبين، وكان عليهم مصليا ولهم على جميع الخلائق من الجن والإنس والملائكة مفضلا، فلذلك صرفت له المال العظيم.

قال الفتى : يا نبي الله كيف احفظ هذه الأموال؟ أم كيف احذر من عداوة من عاداني فيها؟ وحسد من يحسدني لأجلها ؟ قال : قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقول قبل ان تنالها فان الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد، يحفظها عليك أيضا بهذا القول مع صحة الاعتقاد، فقالها الفتى فما رامها حاسد له إلا رفعه الله عنها .

فلما قال موسى عليه السلام للفتى ذلك وصار الله له بمقالته حافظا، قال هذا المنشور: اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين ان تبقيني في الدنيا ممتعا بابنة عمي وهبت له لمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه ثابت فيها جنانه قوية

ص: 39

فيها شهواته يتمتع بحلال الدنيا ويعيش ولا تفارقه، فإذا حان حينهما وماتا جميعا معا، فصارا إلى جناني، فكانا زوجين فيها ناعمين.

ولو سألني هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده ان أعصمه من الحسد وأقنعته بما رزقته وذلك هو الملك العظيم لفعلت، ولو سألني بذلك مع التوبة أن لا أفضحه لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل لأغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا المال، ولو سألني بعد ما افتضح وتاب إلي وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى ان أنسي الناس فعله بعد ما ألطف لأوليائه فيعفون عن القصاص لفعلت وكان لا يعيره بفعله أحد.

فلما ذبحوها، قال الله تعالى :

« ... فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ... »(1).

وأرادوا ان لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ولكن اللجاج حملهم على ذلك واتهامهم لموسى حداهم قال : فضجوا إلى موسى عليه السلام وقالوا : افتقرت القبيلة ووقف إلى التكفف وانسلخا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا، فادع الله لنا بسعة الرزق فقال لهم موسى ويحكم ما أعمى قلوبكم اما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى أو ما سمعتم دعاء المقتول المنشور؟

وما و ما أتم له من العمر الطويل والسعادة والتنعم بحواسه لما لا تدعون الله بمثل وسيلتهما، ليسد فاقتكم فقالوا : اللهم إليك التجأنا وعلى فضلك اعتمدنا فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم

ص: 40


1- سورة البقرة، الآية : 71

فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان وتكشفوا في موضع كذا كذا وجه أرضها قليلا ويستخرجوا ما هناك، فإنه عشرة آلاف دينار ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع لتعود أحوالهم، ثم ليقاسموا بعد ذلك ما يفضل وهي خمسة آلاف دينار على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة لتضاعف أحوالهم جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين واعتقادهم لتفضيلهم (1) .

خامساً : التعريف بمنزلة فاطمة عليها السلام عند استسقاء موسى عليه السلام لقومه

روى المجلسي نقلاً عن تفسير الإمام العسكري عليه السلام، انه قال :

«وإذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ» .

قال : واذكروا يا بني إسرائيل إذ استسقى موسى لقومه طلب لهم السقي لما لحقهم العطش في التيه، وضجوا بالبكاء إلى موسى وقالوا : هلكنا بالعطش، فقال موسى : (إلهي بحق محمد سيد الأنبياء، وبحق علي سيد الأوصياء، وبحق فاطمة سيدة النساء، وبحق الحسن سيد الأولياء، وبحق الحسين سيد الشهداء، وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء لما سقيت عبادك هؤلاء)، فأوحى الله تعالى :

يا موسى (اضرب بعصاك الحجر) فضربه بها (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس). كل قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب (مشربهم) فلا يزاحم الآخرين في مشربهم (2).

ص: 41


1- تفسير الإمام الحسن العسكري : ص 282 . تأويل الآيات الظاهرة : ج1، ص70. البحار : ج 13، ص 273 . التفسير الصافي : ج 1 ، ص 145
2- البحار للمجلسي : ج 13، ص 184 . مستدرك سفينة البحار ج 2، ص222
المسألة السادسة : منزلة فاطمة عند نبي الله زكريا عليهما السلام

إن الملاحظ في كاشفية منزلة فاطمة عليها السلام لدى نبي الله زكريا عليه السلام هو معرفته - من خلال الوحي - بما يجري على سيد الشهداء الإمام الحسين ابن علي عليهما السلام من الفجائع والرزايا هذه الرزايا هي في الأساس كانت واقعة على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحب أن يكون له نظير منها ويبتلى بمثل ما ابتلي والرواية التي تظهر هذه الحقيقة، هي كالآتي :

روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام :

«أن زكريا عليه السلام سأل ربه أن يعلمه الأسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سرى عنه همه، وانجلى كربه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة .

فقال - ذات يوم -: إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي.

فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال:

«كهيعص»(1).

فالكاف اسم (كربلاء) والهاء هلاك العترة) والياء ( يزيد) وهو ظالم الحسين والعين (عطشه) والصاد (صبره) فلما سمع بذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء

ص: 42


1- سورة مريم، الآية : 1

والنحيب، وكان يرثيه : إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنانه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثوب هذه المصيبة؟ إلهي تحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ؟ ثم كان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه فافتني بحبه، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده.

فرزقه الله يحيى وفجعه به، وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك»(1).

ص: 43


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق : ص 261 . الاحتجاج للطبرسي : ج 2، ص273. مناقب آل أبي طالب عليه السلام : ج 3، ص 237

المبحث الثالث

منزلتها عليها السلام في التوراة والإنجيل

حينما نجد أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يتلقون من الله أسماء محمد وعترته في مواطن الابتلاء والشدة ويدعون الله تعالى فيفرج عنهم فإن هذه المنزلة التي نالها محمد وآله صلوات الله وسلامه عليهم لدى الأنبياء عليهم السلام هي کذاك موجودة في الكتب السماوية، كي يتعرف أبناء هذه الأمم وأتباع هؤلاء الأنبياء منزلة محمد وعترته صلوات الله عليهم أجمعين، والظاهر ان أبناء هذه الأمة هم الأقل حظاً في هذه المعرفة وصون الحرمة فقد اقترفوا هتك حرمة الله ورسوله بقتل ابنته فاطمة وسلب مالها وقتل زوجها وولدها وسبي بناتها وأحفادها يطاف بهم في بلاد المسلمين .

وعليه: فإن هذه المنزلة التي لفاطمة لم تكن محصورة عند أشخاص الأنبياء عليهم السلام وإنما كذاك جاءت في بعض الكتب السماوية بحسب ما تقرره المصلحة الإلهية في حفظ الأمم ونجاتها وقربها من الله تعالى حينما يبتلون بابتلاءات مختلفة ثم يؤمرون بالتوجه إلى الله تعالى بمحمد وآله كي يكشف عنهم الضر الذي نزل بهم فمنهم من آمن ومنهم من جحد حق محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين فشدد الله عليهم ابتلاء هم وفي الآخرة عذاب أليم.

ص: 44

أما ما أشارت إليه الروايات الشريفة في بيان منزلة فاطمة في الكتب السماوية فانها قد نصت على ورود هذه الأسماء الطاهرة في التوراة والإنجيل خاصة، دون غيرهما من الكتب السماوية ولعل عدم انتشار هذه الكتب السماوية كصحف إبراهيم وإسحاق ويعقوب وألواح نوح وإبراهيم عليهم السلام لا يدل على عدم وجود هذه الأسماء المباركة فيها.

ومن هنا : فاننا نورد ما جاء عن العترة النبوية في بيان منزلة فاطمة عليها السلام في التوراة والإنجيل.

1 . روى الشيخ المفيد (عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسائل ألقاها إليه يهودي فجاء فيها قوله :

فقال اليهودي : يا محمد، فأخبرني عن السادس عن ثمانية أشياء في التوراة مكتوبة أمر الله بني إسرائيل أن يعبدونه بعد موسى.

فقال النبي صلى الله عليه وآله :

«أنشدك الله إن أخبرتك أن تقربه؟».

فقال اليهودي : بلى يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وآله :

«إن أول ما في التوراة مكتوب: محمد رسول الله وهي مما أساطه ثم صار قائما».

ثم تلا هذه الآية :

« ... يجدُونَهُ، مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَةِ وَالإنجيل ...» (1).

ص: 45


1- سورة الأعراف، الآية : 157

«وَمُبَشِّرًا بِرَسُولِ يَأْتِي مِنْ بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ» (1).

وأما الثاني والثالث والرابع فعلي وفاطمة وسبطاها وهي سيدة نساء العالمين، في التوراة (إيليا وشبرا وشبيرا وهليون)».

فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

قال : صدقت يا محمد) (2).

2. روى الراوندي ( عن الإمام الرضا عليه السلام في حوار جرى بينه وبين الجاثليق - أسقف الكنيسة - حول التوراة والإنجيل فكان مما توجه إلى الجاثليق فقال :

«هل دل الإنجيل على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟».

قال : لو دل الإنجيل على ذلك ما جحدناه فقال عليه السلام :

«أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث؟».

فقال الجائليق : اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا أن نظهره ؟ قال الرضا عليه السلام :

«فان قررتك انه اسم محمد وذكره، وأقر عيسى به وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد أتقر ولا تنكره؟».

قال الجائليق : ان فعلت أقررت، فإني لا أرد الإنجيل ولا أجحده، قال الرضا عليه السلام :

ص: 46


1- سورة الصف، الآية : 1
2- الاختصاص للمفيد : ص 37

«فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد، وبشارة عيسى بمحمد».

قال الجائليق : هات !

فأقبل الرضا عليه السلام يتلو ذلك السفر - الثالث من الإنجيل - حتى بلغ ذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

يا جائليق من هذا الموصوف؟».

قال الجاثليق: صفه ، قال - عليه السلام - :

«لا أصفه إلا بما وصفه الله : هو صاحب الناقة والعصاء والكساء النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم إلى الطريق الأقصد، والمنهاج الأعدل، والصراط الأقوم.

سألتك يا جائليق بحق عيسى روح الله وكلمته، هل تجد هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي ؟ فأطرق الجائليق مليا، وعلم أنه إن جحد الإنجيل كفر».

فقال : (نعم) هذه الصفة في الإنجيل، وقد ذكر عيسى هذا النبي، (ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم).

فقال الرضا عليه السلام :

«أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل، وأقررت بما فيه من صفة محمد صلى الله عليه وآله فخذ علي في السفر الثاني، فإني أوجدك ذكره».

وذكر وصيه، وذكر ابنته فاطمة، وذكر الحسن والحسين.

فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا عليه السلام عالم

ص: 47

بالتوراة والإنجيل فقال : والله قد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود التوراة والإنجيل والزبور، وقد بشر به موسى وعيسى جميعا، ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا فأما اسمه محمد، فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنه محمدكم أو غيره، فقال الرضا عليه السلام:

«احتجزتم بالشك، فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد صلى الله عليه وآله؟ أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمدنا؟».

فأحجموا عن جوابه وقالوا : لا يجوز لنا أن نقر لكم بأن محمدا هو محمدكم لأنا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيه على ما ذكرت أدخلتمونا في الإسلام كرها، فقال الرضا عليه السلام :

«أنت يا جائليق آمن في ذمة الله وذمة رسوله أنه لا يبدوك منا شيء تكره مما تخافه وتحذره».

قال : أما إذا قد آمنتني فان هذا النبي الذي اسمه (محمد) وهذا الوصي الذي اسمه (علي) وهذه البنت التي اسمها (فاطمة) وهذان السبطان اللذان اسمهما (الحسن والحسين) في التوراة والإنجيل والزبور ، قال الرضا عليه السلام :

فهذا الذي ذكرته في التوراة والإنجيل والزبور من اسم هذا النبي، وهذا الوصي، وهذه البنت وهذين السبطين، صدق وعدل أم كذب وزور؟».

قال : بل صدق وعدل، وما قال الله إلا بالحق، فلما أخذ الرضا عليه السلام إقرار الجائليق بذلك، قال لرأس جالوت :

ص: 48

«فاستمع الآن يا رأس جالوت السفر الفلاني من زبور داود».

قال : هات بارك الله عليك وعلى من ولدك فتلا الرضا عليه السلام السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فقال :

«سألتك يا رأس الجالوت بحق الله أهذا في زبور داود ؟ ولك من الأمان والذمة والعهد ما قد أعطيته الجائليق».

فقال رأس الجالوت : نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم، قال الرضا عليه السلام :

«فبحق العشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران عليه السلام في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلي العدل والفضل؟».

قال: نعم، ومن جحد هذا فهو كافر بربه وأنبيائه، قال له الرضا عليه السلام :

«فخذ الآن علي سفر كذا من التوراة».

فأقبل الرضا عليه السلام، يتلو التوراة، وأقبل رأس الجالوت يتعجب من تلاوته وبيانه، وفصاحته ولسانه حتى إذا بلغ ذكر محمد قال رأس الجالوت : نعم، هذا أحماد وبنت أحماد وإليا وشبر وشبير وتفسيره بالعربية : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فتلا الرضا عليه السلام السفر إلى تمامه.

فقال رأس الجالوت - لما فرغ من تلاوته - :

ص: 49

والله يا ابن محمد لولا الرئاسة التي قد حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحماد، واتبعت أمرك، فوالله الذي أنزل التوراة على موسى، والزبور على داود والإنجيل على عيسى ما رأيت أقرأ للتوراة والإنجيل والزبور منك، ولا رأيت أحدا أحسن بيانا وتفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك ) (1).

ص: 50


1- الخرائج والجرائح للراوندي : ج 1 ، ص 344 - 347؛ البحار : ج 49، ص76

المبحث الرابع

منزلة فاطمة عليها السلام في الأمة

تشير الروايات الشريفة إلى مجموعة من الدلائل الكاشفة بين مفهوم السيادية عند المسلمين ومفهومها عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حجم الشأنية وعظيم المنزلة التي لفاطمة في الإسلام لاسيما وقد أوردنا في بداية هذا الجزء ما كان لها من المنزلة في القرآن والسنة وهما مع كونهما يصبان في هذا العنوان العام (منزلة فاطمة في الإسلام) إلا إننا وجدنا ان هناك مجموعة أخرى من الروايات تشير إلى هذه المنزلة في الأمة أو بين أهل الأرض أو العالمين فأوردناها ضمن هذا العنوان وذلك لشمولية هذه الأحاديث، فكانت كالآتي :

المسألة الأولى:
انها سيدة نساء الأمة

ان المنزلة التي نص عليها الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه مسلم في صحيحه ( عن مسروق عن عائشة لتدل على انها بلا ريب أفضل نساء الأمة وأعظمها منزلة كما هو واضح من خلال النص النبوي الذي ترويه عائشة قائلة :

اجتمع فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله - وآله - عليه وسلم فقال :

«مرحبا بابنتي».

ص: 51

فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة ثم إنه سارها فضحكت أيضا فقلت لها : ما يبكيك؟ فقالت :

«ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فقلت لها حين بكت : أخصك رسول الله صلى الله عليه وآله - وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين، وسألتها عما قال فقالت :

«ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم».

حتى إذا قبض سألتها فقالت :

إنه كان حدثني إن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة وانه عارضه به في العام مرتين ولا أراني الا قد حضر أجلي وانك أول أهلي الحوقا بي ونعم السلف انا لك فبكيت لذلك ثم إنه سارني فقال الا ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين أوسيدة نساء هذه الأمة فضحكت لذلك»)(1).

ان هذه المنزلة لتدل على انها بلا ريب أفضل نساء الأمة وأعظمها منزلة إلاّ أن هذا الوضوح في الحديث والظهور في الدلالة على أفضلية فاطمة وسيادتها على نساء الأمة لم يكن بمانع عن دفع المكابرة والمغالطة عند بعض المخالفين للنصوص النبوية فجعلوا - كابن حزم الأندلسي - أفضلية عائشة وأزواج النبي على فاطمة وعلى جميع الصحابة (2) ، وكابن تيمية الذي توقف في أفضلية خديجة وعائشة

ص: 52


1- صحیح مسلم : ج 7، ص 144
2- تحفة الأحوذي : ج 10 ، ص 265. فيض القدير للمناوي : ج2، ص 53

فقال : «جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة » (1) !

اما ابن القيم فيقول إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله، فذاك أمر لا يطلع عليه فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وان أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة وهي فضيلة لا يشاركها أخواتها وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة (2).

وهذه الأقوال - غير العلمية - ما أريد منها إلا ذر الرماد في عيون المسلمين واستخدامها وسيلة لتشتيت ذهن المسلم فلا يقف على حقيقة تلك الرموز التي خصها الله تعالى بفضله وشرفها على كثير من خلقه فينصرف إلى شخصيات لم تزده إلا بعداً عن الله تعالى حينما يتخذها أسوة في حياته وهو في قرارة نفسه يجد أن حثل هذه الرموز لا تصلح ان تكون من بين عوام الناس فكيف بها مثلاً يقتدى به؛ وقد اعرض بفطرته وذوقه عن كثير مما يقرأ أو يسمع عنها.

وعليه : لا يجد المسلم إلا النفرة عن هذه الأحاديث وما تشير إليه لأنها تخالف أبسط نظم الحياة والفطرة والعقل فيندفع حينها للبحث عما هو صحيح وقويم وجميل لتنتظم به حياته ويكون انموذجاً في بناء المجتمع الإسلامي.

من هنا وجدنا أن نناقش هذه الأقوال وندرسها كي نصل مع القارئ الكريم إلى أن أصحاب المنزلة والكرامة والوجاهة عند الله تعالى هم الذين اجتباهم على شرعه وخصهم بنوره فكانوا الدعاة إليه والأدلاء عليه.

ص: 53


1- فتح الباري لابن حجر: ج 7، ص 84
2- المصدر السابق
أولاً : أفضلية فاطمة وخديجة على نساء الأمة تثبتها السنة والإجماع وبهما يسقط قول ابن حزم الأندلسي بتفضيل عائشة على سائر الصحابة حتى على أبيها

إن المتتبع للأحاديث النبوية الشريفة لا يبقى عنده أدنى شك في أن فاطمة عليها السلام وخديجة هما أفضل نساء هذه الأمة؛ وهي حقيقة أيقنها كثير من علماء المسلمين حينما انصفوا أنفسهم فيما وجدوا في الأثر وسمعوا من الرواة.

وفي ذلك يقول الحافظ السبكي الكبير : «الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة(1). والخلاف شهير ولكن الحق أحق أن يتبع».

ونقل ابن حجر في فتح الباري قائلاً: «انعقد الاجماع على أفضلية فاطمة وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة»(2).

وقد عرض قول ابن حزم في تفضيله أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الصحابة على الحافظ السبكي فأجاب :

«هو قول ساقط مردود » (3).

وقال ابن حجر : «وقائله هو محمد بن حزم وفساده ظاهر»(4).

أقول : وفساد هذا القول سببه أنه مخالف للقرآن وذلك ان ابن حزم ينطلق؛ في تفضيله أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة وسائر الصحابة من حيث كونهن أزواجه وسيكنَّ معه في درجته في الجنة لأن المرأة ترافق زوجها.

ص: 54


1- فتح الباري لابن حجر : ج 7، ص 85
2- المصدر السابق
3- فتح الباري : ج 7، ص 106
4- فيض القدير للمناوي : ج 3، ص 107

وخلاف هذا القول للقرآن واضح بين إلا على ابن حزم ومن أعماه بغضه لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه ممن كان قبل ابن حزم أو من جاء بعده، كما هو واضح في هذه النصوص القرآنية :

1 . فكيف تكون أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم معه في منزلته والله تعالى يقول لهن :

«مَن يَأْتِ مِنكُنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا»(1).

2. وتهديده سبحانه لهن بتطليقهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستبداله بخير منهنّ، وهذا يدل على ان هناك نساء كثيرات في الأمة هنّ خير من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم والا لا يصح ان يتصور ان الله سيزوجه من حور العين في الحياة الدنيا، بل قطعاً ان هناك نساء في الأمة هنّ خير من أزواجه فان لم يكففن عن إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فان الله سيطلقهن منه ويستبدلهن بأزواج خير منهنّ كما هو واضح في قوله تعالى :

«عَسَى رَبُّهُ إن طَلَقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَات تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِبَاتِ وَأَبْكَارًا»(2).

3. بل كيف تكون عائشة وحفصة معه في درجته وقد تظاهرتا على رسول الله بالأذى حتى نزل به قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار فقال تعالى :

ص: 55


1- سورة الأحزاب : الآية 30
2- سورة التحريم : الآية 5

«إن تَتُوبَا إلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرُ»(1).

4. وقوله سبحانه في تتخييرهن جميعاً بين البقاء معه وتحمل صعوبات الحياة التي تفرضها النبوة من الزهد ونبذ المظاهر الدنيوية وبين الرحيل عنه وأخذهن مهورهن لاسيما وقد تذمر بعضهن كعائشة من الحياة معه بهذا النهج الأخروي .

فقال سبحانه :

«يَاَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْن أُمَتِّعَكُنَّ وأُسَرّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا»(2) .

ولا يخفى على أهل اللغة والبلاغة ان وجود (من) في منكن بعضية وليست بيانية، وبمعنى منهن من كانت محسنة ومنهن من لم تكن.

5. بل يعطي القرآن حقيقة بيئة متعلقة في أزواج الأنبياء عليهم السلام وانهن مرهونات بأعمالهن بل ان زواجهن من الأنبياء هو محل ابتلاء عظيم فمنهن من

فازت برضا الله ورضوانه كسارة وهاجر زوجتي إبراهيم وكخديجة زوجة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم التي تضافرت الأحاديث النبوية الشريفة في أفضليتها وخيرتها وسيادتها على نساء أهل الجنة كما كان لفاطمة ومريم وآسية؛ ومنهن من خسرت الدنيا والآخرة كزوجتي لوط ونوح عليهما السلام .

ص: 56


1- سورة التحريم، الآية : 4
2- سورة الأحزاب، الآية : 28 - 29

فقال سبحانه :

«ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَنَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مع الدَّاخِلِينَ»(1).

أما فساد صاحب القول، أي ابن حزم ففيه وفي مذهبه الظاهري واتباعه يقول علماء أبناء العامة ما يلي :

1. كابن عربي فيقول في الظاهرية :

هي أمة سخيفة تسورت على مرتبة ليست لها وتكلمت بكلام لم تفهمه تلقفوه من أخوانهم الخوارج حيث تقول لا حكم إلا لله وكان أول بدعة لقيت في رحلتي بالباطن فلما عدت وجدت القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيف كان من بادية اشبيلية يعرف بابن حزم نشأ وتعلق بمذهب الشافعي انتسب إلى داود ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم أنه إمام الأمة يضع ،ويرفع ويحكم ويشرع ينسب إلى دين الله ما ليس فيه ويقول عن العلماء ما لم يقولوا»(2).

ولعل هذا القول ليس بغريب فابن حزم ناصبي متعصب ملئ بغضاً لعلي بن أبي طالب وآله وكيف لا يكون كذلك وهو ينحدر من بيت عرف بالموالاة لآل أبي سفيان زعيم الأحزاب وقائد أحد الذين قتلوا ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسبوا بناته فنسب الرجل هو :

ص: 57


1- سورة التحريم، الآية : 10
2- تذكرة الحفاظ للذهبي : ج 3، ص 1149 . سير أعلام النبلاء للذهبي : ج18، ص188

( علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، الفارسي الأصل الأموي اليزيدي القرطبي الظاهري) (1) .

2 . قال الحافظ ابن خلكان (المتوفى 681ه_) :

«وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت عنه القلوب واستهدف لفقهاء وقته فتمالأوا على بغضه وردوا قوله وأجمعوا على تضليله وشنّعوا عليه وحدّورا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهى إلى بادية لبلبة - بفتح اللامين بينهما باء موحدة ساكنة - بلدة بالأندلس ، وقيل انه توفي في دمنت ليشم وهي قرية ابن حزم»(2).

3. وقال ابن العريف فيه : كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقين، يعني كثرة وقوعه في الأئمة»(3).

4. قال عنه الحافظ الذهبي (المتوفى 748ه_) : «ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج العبارة، وسب وجدع ، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث انه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها ونفروا منها، وأحرقت في وقت» (4).

ص: 58


1- تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي : ج 3، ص 114
2- وفيات الأعيان لابن خلکان ،ج3، ص327
3- مرآة الجنان لليافعي: ص 63
4- سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 18، ص187

إذن :

قوله في تفضيل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة وسائر الصحابة قول فاسد لفساد صاحبه كما صرّح بذلك علماء المسلمين من أبناء العامة.

ثانياً : مناقشة ابن القيم في أفضلية عائشة على فاطمة عليها السلام وبيان فساد منهجه في التفضيل

قال ابن القيم : ( إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله تعالى فذاك أمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح، وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة، وان أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها ، وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها) (1) .

أقول :

إن هذا التفريع في الواقع لا يقدم للقارئ شيئاً يعتد به، سوى الخروج بنتيجة يميل إليها الرافعي ويعتقد بها وهو ان عائشة أفضل من فاطمة صلوات الله وسلامه عليها معتمداً في ذاك على المراوغة والتضليل وهو يعلم علم اليقين ان لا فضيلة لامرأة في الأمة على فاطمة صلوات الله وسلامه عليها؛ فقد ثبت في القرآن والسنة ان فاطمة أفضل وأخير وأسيد نساء العالمين.

أما قوله : (إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله تعالى فذاك أمر لا يطلع عليه.... الخ) - ظناً منه - انه استطاع ان ينسب الفضل لعائشة على نساء الأمة

ص: 59


1- فتح الباري لابن حجر : ج 7، ص 85 ؛ تحفة الأحوذي للمباركفوري : ج 10 ، ص 265

فأضغاث أحلام لا تصمد أمام الأدلة الآتية :

ألف : قوله : ان أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله تعالى فذاك أمر لا يطلع عليه أحد فهو كذب وذلك :

1 . إنّ التفضيل المستند إلى كثرة الثواب قد اطلع عليه الوحي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيانه لمناقب المهاجرين والأنصار وغيرهم من الأنبياء والأولياء.

كقوله صلى الله عليه وآله وسلم في علي بن أبي طالب عليه السلام :

«لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه».

وغيرها من الأحاديث الكاشفة عن منزلة بعض المهاجرين والأنصار.

2 . إذا كان المناط عند ابن القيم في التفضيل بين عائشة وفاطمة صلوات الله عليها كثرة الثواب وهو أمر لا يطلع عليه أحد، فهذا جار كذاك في جميع الصحابة من السابقين الأولين والمهاجرين والأنصار وأصحاب بدر وأحد وحنين وأصحاب بيعة الرضوان وغيرها.

فضلاً عن انه يكون قد رد على قوله تعالى :

«تُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ»(1).

فهذه المقامات التي يؤمن بها السلف والخلف كلها بحسب قاعدة ابن القيم لا أساس لها ولا فضل لمهاجري أو أنصاري أو بدري وذلك - وبحسب منهاج ابن

ص: 60


1- سورة الفتح، الآية : 29

القيم - ان الثواب لا يطلع عليه أحد ؛ وان عمل هؤلاء غير مجز لأنه عمل صدر عن الجوارح فهم لا يجازون عليه وإنما سيجازون على عمل القلوب !! فهذا بحسب منهج ابن القيم في التفضيل بين أصحاب الفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

باء. قوله : (وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة).

أقول : إن نظرة ولو سريعة إلى سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولاسيما المرحلة المدنية أي من السنة الأولى للهجرة إلى السنة الحادية عشرة ليدرك الناظر ان المدة الزمنية التي عاشتها عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي قصيرة جداً فيما لو أرجعنا الأمر إلى الأعداد وحساب الأيام التي كانت لها من بين تسع نساء لاسيما في السنوات الأخيرة.

بمعنى: لو أردنا أن نحسب عدد الأيام التي كانت لها من بين تسع أزواج لكان نصيبها يوماً واحداً من كل تسعة أيام فيكون لها ثلاثة أيام في الشهر وبضع ساعات ولو ضربناها في اثني عشر شهراً لكان نصيبها في السنة ستة وثلاثين يوماً، وهذا فضلاً عن خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسفر أو للجهاد وانشغاله بالتهجد وشؤون الأمة والرعية ومواجهة المشركين والمنافقين وأهل الكتاب وغير ذلك.

ومن ثم من أين كان لها العلم وحالها في الحصول على الحديث النبوي كحال غيرها من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما وان الإنسان يلقى زوجه في الليل وغالب الليل يخلد للراحة كي يستطيع ان يواصل عمله في

ص: 61

النهار فضلا عن ذلك فقد عرف عنها انها كانت تتهم الصحابي أبا هريرة بالكذب على رسول الله وتحديث الناس بأحاديث لم يسمعها منه أزواجه لاسيما هي فقالت له :

(إنك لتحدث بشيء ما سمعته ؟ ! فقال : يا أمه طلبتها وشغلك عنها المكحلة والمرآة، فقالت : (لعله) (1).

إذن : قد فات عن عائشة كثير من الأحاديث التي شغلتها عن طلبها المكحلة والمرآة؛ ومن ثم فان قول ابن القيم في كثرة علمها تدفعه مكحلة عائشة ومرآتها؛ فضلاً عن ذلك فقد شغلتها أمور كثيرة أخرى غير المرآة والمكحلة كاللعب بالبنات، أي : العرائس التي تتخذها البنات غرضاً للعب فيما بينها.

ولعل ابن القيم وغيره ممن يرى الفضل لعائشة على نساء الأمة في علمها هو لكثرة لعبها بالدمى إلى وقت قريب من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا ريب ان هذه الحالة السلوكية التي كانت ترافقها هي مما جبل عليه الإنسان وذلك لاحتياجه السايكولوجي إلى اللعب لاسيما وأن روايات أهل السنة والجماعة تقول : ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطبها في سبع سنوات وتزوج بها في تسع ومن ثم ان احتياجها للعب بالدمى هو حالة سلوكية فطرية يحركها الدافع النفسي لسد فراغ الطفولة؛ ولذا نجدها تحدثنا عن هذه الأفعال الطفولية فتقول :

1. (كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لي

ص: 62


1- أخرجه الحاكم في المستدرك : ج 3، ص 509 . الاصابة لابن حجر : ج 7، ص 440 . سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 2، ص 604

صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل يتقمَّعْن منه، فيُسرِّ يُهُنَّ إلى فيلعبن معى) (1).

2. وفي حديث آخر أخرجه الحافظ البغوي عن عائشة انها قالت :

(رجع رسول الله من غزوة تبوك أو حنين ومعها بنات لُعب) (2).

ولا يخفى على القارئ الكريم أن غزوة حنين كانت بعد فتح مكة أي قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين.

3. وجاء في السيرة الحلبية عنها انها قالت: «قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك أو حنين فهبت ريح فكشفت ناحية من ستر على صفة في البيت عن بنات لي.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم :

«ما هذا يا عائشة؟!».

قلت: بناتي ! ورأى بينهن فرساً لها جناحان من رقاع، قال :

«ما هذا الذي أرى وسطهن؟!».

:قلت فرس قال :

«ما هذا الذي عليه ؟!».

ص: 63


1- صحيح البخاري كتاب الآداب، باب : الإنبساط إلى الناس : ج 7، ص 102. صحیح مسلم کتاب: فضائل الصحابة، باب 13 ، باب في فضل عائشة حديث 81؛ مصابيح السنة للبغوي كتاب النكاح : باب 10 ، عشرة النساء حديث 2420 . فتح الباري لابن حجر : ج 10، ص 437
2- مصابيح السنة للبغوي، كتاب النكاح ، باب : عشرة النساء، حدیث 2442 ، ج 2 ، ص 452

قلت: جناحان، قال :

جناحان!!

قلت : أما سمعت إن لسليمان خيلاً لها أجنحة.

فضحك صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه) (1).

ولم يقتصر الأمر على لعب عائشة بالدمى إلى حد قريب من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما كانت تتعامل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأسلوب يكشف عن طبيعة هذه المرحلة العمرية التي يحتاج فيها الإنسان إلى التقويم لا ان يكون هو مقوماً لغيره أو ان يوصف بالعلم، وأي علم هذا الذي كان يدفع عائشة إلى أن تضع رجلها في موضع سجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف بين يدي ربه يصلي كلما يريد أن يسجد.

أو انها تقوم بضرب يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما يتناول صحناً فيه طعام بعثت به أم سلمة فتقوم بكسر الإناء، ولا يخفى ما لهذه الأفعال من أذى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد قال الله تعالى :

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا: (2).

وإليك أيها القارئ الكريم هذه النصوص التي تكشف عن طبيعة (العلم)

ص: 64


1- السيرة الحلبية : ج 2، ص 341
2- سورة الأحزاب، الآية : 75

الذي كانت تحمله عائشة ففضلت به على نساء الأمة كما يعتقد ابن القيم الذي أراد توجيه المسلمين إلى هذه العقيدة ولنضفها إلى ما مرّ ذكره سابقاً في الفقرة ألف وباء :

جيم روى البخاري عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم انها قالت :

«كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فلما قام بسطتهما»(1) .

قالت : (والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) (2) .

ولاشك ان الجملة الأخيرة هي دسيسة في الرواية، بدليل عدم احتياج الحديث إلى لفظ (قالت) مجدداً لاسيما وان أحداً لم يقطع عليها حديثها أو لم تأتي بجملة اعتراضية كي يحتاج الراوي إلى بيان كلامها إلا أن الرواة حينما وجدوا أن هذا الفعل يشان به صاحبه ولا يليق بمحضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوردوها تقولا على عائشة بلفظ : «قالت : والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح.

ولقد التفت السندي في حاشيته على سنن النسائي فقال : (قوله : والبيوت يومئذ الخ.. اعتذار عنها بأنها ما كانت تدري وقت سجوده لعدم المصباح، وإلا لما احتاج صلى الله عليه وآله وسلم إلى الغمز).

أقول :

ص: 65


1- صحيح البخاري، باب ما يذكر في الفخذ : ج1، ص 101
2- المصدر السابق

على الرغم من أن السندي التفت إلى أن هذه العبارة هي دخيلة على الرواية وانها من تقولات البخاري أو شيوخه الا أنه رجع إلى منهج التضليل كغيره معلّلاً هذا الفعل بعدم وجود المصباح مستنداً باحتياج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغمز رجل عائشة .

في حين أن احتياج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى غمز رجل عائشة لأنها لم تكف عن وضع رجلها في موضع سجوده فاضطر صلى الله عليه وآله وسلم إلى دفع رجلها كي يستطيع أن يسجد في صلاته .

وأما قوله لعدم وجود المصباح في البيوت يومئذ، فهو كذب بدليل :

1 . لو لم يكن هناك مصباح في البيت لما تمكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن يبصر موضع سجوده ولما شاهد عائشة تضع رجلها في موضع سجوده، بل لو لم يكن هناك مصباح لما استطاعت عائشة أن تضع رجلها في موضع سجوده تحديداً ولوضعتها في موضع آخر لكنها كانت تبصر موضع سجوده فتضع رجلها فيه ولذا نجدها تعاود الفعل في نفس الموضع، بمعنى لو لم يكن هناك مصباح لما علمت ان النبي رفع رأسه من السجود لتعود مرة أخرى لوضع رجلها فيه.

2. ما يدل على وجود المصابيح في البيوت ما أخرجه الترمذي في السنن، عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«أغلقوا الباب، وأوكنوا السقاء(1)، واكفنوا الإناء(2) ، أو خمروا الإناء(3)، واطفنوا

ص: 66


1- أي سد فم السقاء
2- أي قلب الإناء
3- أي تغطيته بقطعة من القماش

المصباح، فإن الشيطان لا يفتح غلقا، ولا يحل وكاء ولا يكشف آنية، فإن الفويسقة (1) تضرم على الناس بيتهم» (2).

3. روى الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال :

كان رجل يطوف بالبيت وهو يقول في دعائه أوه أوه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أنه لأواه».

قال أبو ذر فخرجت ذات ليلة فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المقابر يدفن ذلك الرجل ومعه المصباح (3).

والحديثان يدلان على أن المصابيح كانت آنذاك موجودة ومستخدمة في البيوت وان ادعاء البخاري أو شيوخه بعدم وجودها في البيوت آنذاك لا يحمل أي وجه من الصدق .

فضلاً عن هذا التصرف المشين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي لا يكشف الا عن علم خاص بعائشة لا يعلمه الا ابن القيم وأشياعه فان هناك أفعالاً أخرى كانت تقوم بها عائشة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نعلم كيف فضلت بعلمها على نساء الأمة.

دال: روى النسائي عن عائشة قالت : ما رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إناء فيه طعام فما ملكت نفسي أن

ص: 67


1- أي الفأرة
2- سنن الترمذي : ج 33، ص171 . باب: ما جاء في استحباب التمر
3- مستدرك الحاكم : ج 1 ، ص 368

كسرته فسألت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن كفارته فقال :

«إناء كإناء وطعام كطعام»(1).

هاء: عن أنس قال : (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند إحدى أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد الرسول ! ! فسقطت القصعة فانكسرت، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى، فجعل يجمع فيها الطعام ويقول :

«غارت أمكم كلوا فأكلوا».

فأمر حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المسكورة في بيت التي كسرتها) (2).

ولعل هذه الرواية رواها أنس بن مالك والتي لم يشأ أن يصرح فيها عن هوية المرأة التي ضربت يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتسببت بألمه وكسر قصعة زوجته ؛ هي عائشة لكنه غفل عن ان عائشة ستحدث هي بنفسها عن هذه الأفعال التي كانت تقوم بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي تكشف عن حجم علمها الذي فضلت به على نساء الأمة !!

ويكفيك أيها القارئ الكريم من علمها هذا ما روته عن فعلها مع حفصة ونزول الوحي في آية من الذكر الحكيم تظهر حقيقة ما توصلت إليه عائشة من

ص: 68


1- سنن النسائي : ج 7، ص71. وصححه الألباني في صحيح الجامع وزيادته : ج 2، ص 13 ، برقم 1462 من كتاب المظالم
2- السنن الكبرى للنسائي : ج 5 ، ص 286 . مسند أحمد : ج 3، ص 263 ؛ من مسند أنس بن مالك. صحيح البخاري : ج 3، ص 108 ، من كتاب المظالم

علوم في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي رجحت به عند ابن القيم على نساء الأمة فتقول :

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا فتواصیت انا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير - أي رائحة كريهة في فمك - أكلت مغافير .

فدخل على إحداهما ، فقالت ذلك له، فقال : لا ، بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له، فنزلت:

«يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَ اللهُ لَكَ تَبْغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

إلى قوله تعالى :

«إن تَتُوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَيْكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرُ»(1).

فهذا العلم الذي كانت به عائشة قد فضلت على نساء الأمة والذي به رجحت عند ابن القيم وابن تيمية الذي توقف بين خديجة (صلوات الله وسلامه عليها وبين عائشة).

على الرغم من ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاش مع خديجة خمساً وعشرين سنة الا انه لم ير منها قط انها خالفت له امراً أو أدخلت عليه أذى أو تخالفت وتواطأت مع غيرها كما ينص البخاري على النبي صلى الله عليه وآله

ص: 69


1- سورة التحريم، الآية 1 و 4

وسلم لينزل به قرآن يهددهما بأن لو لم تتوبا فان الله هو وجبرائيل وصالح المؤمنين ناصرون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لكننا هنا نورد ما وفقنا الله إليه في أن خديجة فاقت مريم بنت عمران في مواضع عديدة.

ثالثاً: مناقشة قول ابن تيمية في التفضيل بين خديجة وعائشة وتوقفه في ذلك بأيهما أفضل

لا شك ان الإنسان حينما يعمي الله بصيرته فكيف للبصر ان يرى أو للعقل ان يذعن أو للقلب ان يوقن وهذا حال ابن تيمية حينما يرى ببصره كل هذه المواقف والأحاديث التي زخرت بها صحاح ابناء السنّة والجماعة وهي تنقل هنا صورة وهناك صورة أخرى عن حجم الأذى الذي كان ينزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عائشة كما مر بيانه آنفاً وبين خديجة صلوات الله عليه-ا ال-تي كانت وزيرة صدق، وموضع أنس، وخير سند لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد واسته بنفسها ومالها حتى لحقت بربها فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية.

ونحن في الوقت الذي لا نريد الإسهاب في بيان الأحاديث النبوية الشريفة في بیان فضل خديجة وتفضيلها وسيادتها وخيريتها على نساء الأمة ونساء الجنة أي على جميع نساء الأمم السابقة التي بعثت بها الأنبياء عليهم السلام، إلا أننا في الوقت نفسه.

نورد هنا ما وفقنا الله تعالى إليه في بيان المواضع التي فاقت بها خديجة مريم بنت عمران عليها السلام فكانت كالآتي :

ص: 70

ألف: إنّ مريم عليها السلام لما رجعت تحمل وليدها نبي الله عيسى عليه السلام التجأت إليه في دفع الأذى عنها.

ولذا :

«فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّا»(1).

وإن هذه الأزمة قد انتهت بكلام نبي الله عيسى عليه السلام:

«قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا»(2) .

في حين كانت خديجة تدافع عن النبوة بنفسها ومالها، وهذا أفضل.

باء : إنّ مريم عليها السلام كان كلما يمر عليها الوقت كانت تجد الأمن والأمان وهذا يخفف جهد البلاء عليها، في حين كانت خديجة كلما يمر بها الوقت كان يشتد عليها الجهد والابتلاء حتى توفيت خديجة بعد أن أنهكها الجوع والمعاناة في شعب أبي طالب عليه السلام نتيجة للحصار الذي فرضه طواغيت قريش .

ولقد قال تعالى :

«وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا»(3).

جيم : كانت مريم عليها السلام تلقى من حيث كونها في مقام الوالدية كل بر من نبي الله عيسى عليه السلام.

ص: 71


1- سورة مريم، الآية : 29
2- سورة مريم، الآية : 30
3- سورة النساء، الآية : 95

قال تعالى :

«وَبَرَّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا»(1).

بمعنى أن المبتلى هنا نبي الله عيسى عليه السلام.

في حين كانت خديجة عليها السلام هي المبتلاة في موقع حسن التبعل وما يفرضه من جهاد، فضلاً عما يفرضه الارتباط بسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم على الزوجة من تكاليف شرعية كما دل قوله تعالى :

«يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ»(2).

وكما هو ثابت في النصوص الأخرى، وهذا أفضل عند الله تعالى.

دال : إن مريم عليها السلام لم يظلمها المسيحيون في حين أن خديجة عليها السلام ظلمها المسلمون الذين قتلوا ابنتها فاطمة عليها السلام وأحفادها الحسن والحسين عليهما السلام وذريتهما وساقوا بنات فاطمة زينب وأم كلثوم وبنات الإمام الحسين سكينة ورقية من كربلاء إلى الشام ، وهم يقادون كما تقاد نساء الترك والديلم، وغير ذلك مما فضلت به خديجة ابنة خويلد عليها السلام؛ وما أوتيت ابنتها فاطمة عليها السلام لأعظم.

فكيف تكون عائشة أفضل من خديجة أو أن يتوقف ابن تيمية في أيهما أفضل وخديجة عليها السلام أفضل من مريم عليها السلام كما بينا آنفاً.

ص: 72


1- سورة مريم، الآية : 32
2- سورة الأحزاب الآية : 32
رابعاً : مناقشة قول الرافعي في تفضيل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة صلوات الله وسلامه عليها

قال الرافعي : ( إن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل نساء هذه الأمة، فإن استثنيت فاطمة لكونها بضعة، فأخواتها شاركتها ؛ وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في حق زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة هي أفضل بناتي أصيبت فيّ) (1) .

أقول :

ألف : (أما قوله فإن استثنيت فاطمة - من التفضيل على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لكونها بضعة فأخواتها شاركتها)، لا شك إن الإنسان حينما لم يتمكن من التحرر من العصبية الجاهلية والأهواء النفسية فانه ينحدر إلى الجهل فيكون له حاجزاً عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. فتكون النتيجة أن يقوم بالمساواة بين فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، وبين أخواتها في حديث البضعة الصادر عن الحضرة النبوية المقدسة فيقول :

«إنما فاطمة بضعة مني».

وكأن الرافعي لم يقرأ مسنداً من مساند المسلمين، أو صحاحهم، أو سنتهم، أو مستدركاتهم التي مع كثرتها لم يكن فيها حديث واحد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ينص على بضعية أخوات فاطمة منه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يأتي الرافعي فيتقول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشر كهن مع

ص: 73


1- فتح الباري لابن حجر : ج 7، ص 84

فاطمة في هذه المنزلة الخاصة.

وكأنه أدرى - والعياذ بالله - من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببناته ومن منهن كانت بهذه المنزلة من النبوة والرسالة فكانت بضعة منه يرضيه ما يرضيها ويسخطه ما يسخطها.

أو لعل الرافعي أطلع الغيب فأخبر بما لم يخبر به الوحي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيان منزلة بناته فسكت - والعياذ بالله - عن بيان منزلتهن من النبوة وما لهن من الشأن عند الله تعالى.

ولكن : نود هنا أن ننقل للرافعي ومن يعتقد بقوله ما قاله المناوي نقلاً عن العلقمي فقال :

(إن فاطمة هي أفضل الصحابة حتى من الشيخين)، فعقب عليه المناوي قائلاً : (وإطلاقه مرضي) (1).

وأقول : أنى للشيخين والصحابة ما نزل به الوحي في آية التطهير فقال سبحانه :

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهَرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).

وفاطمة مشكاة الآية.

وأنى لهم بالمباهلة بفاطمة وبعلها وولديها فقال سبحانه :

«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ

ص: 74


1- فيض القدير للمناوي : ج 3، ص 107
2- سورة الأحزاب، الآية : 33

فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَذِبِينَ»(1).

وأنى لهم بالمودة لفاطمة بعلها وولديها وقد أوجب الله حبهم على الخلائق فقال :

«قل لا أَسْئَلكُم عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2) .

وهل يتقبل الله صلاة الشيخين وجميع الصحابة من المهاجرين والأنصار وجميع المسلمين بدون الصلاة على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها .

« فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ»(3) «أَنُلْرِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ»(4) .

باء : واما قوله : (وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم قال في حق زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة :

«هي أفضل بناتي أصيبت فيّ»).

فهذا القول غير صحيح ولا يصمد أمام كثير من الأدلة التي تنفي صدور هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو كالآتي :

1 . إن هذا الحديث هو من الآحاد وقد نص على كونه كذلك الضحاك في الآحاد والمثاني (5).

ص: 75


1- سورة آل عمران الآية : 61
2- سورة الشورى، الآية : 23
3- سورة فاطر، الآية : 3
4- سورة هود الآية : 28
5- الآحاد والمثاني للضحاك : ج 5 ، ص 375

2 . إن طريقة التدليس التي اتبعها الرافعي في هذا الحديث لا يمكن لها أن تغني عن الحق شيئاً بل بها يفتضح أمر المدلس فضلاً عن الخيانة العلمية والأخلاقية.

فهذا الحديث الذي يستدل به الرافعي والذي أخرجه الطحاوي والحاكم هو نفسه يرد هذا الافتراء في كون زينب أفضل بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . الا ان الرافعي دلس فيه فذكر صدر الحديث وترك عجزه الذي ينص على تكذيب هذا القول فضلاً عن أن التحديث به يعد انتقاصاً لحق فاطمة عليها السلام كما يصرح بذلك الحاكم والطحاوي والدولابي واللفظ للحاكم فيقول :

فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام أي ان زينب أفضل بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق إلى عروة فقال :

«ما حديث بلغني عنك تحدثه تنتقص فيه فاطمة؟».

فقال : (والله ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب، وإني أنتقص فاطمة حقاً هو لها، وأما بعد فلك أن لا أحدث به أبداً).

قال عروة: (وإنما كان هذا قبل نزول آية :

«ادْعُوهُمْ لِأَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ»(1).

ص: 76


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري : ج 2، ص201، قصة هجرة زينب مشكل الآثار للطحاوي : ج 1 ، ص 134 ، باب : 23. فتح الباري لابن حجر : ج 7، ص82. الآحاد والمثاني : ج 5 ، ص 373

والعجيب من الرافعي أن يتجرأ فينتقص حقاً لفاطمة عليها السلام على الرغم من قراءته لهذا الحديث وعلمه ببطلان الاعتقاد بأن زينب أفضل بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولهذا الغرض كان مجيء الإمام زين العابدين لعروة وتذكيره بأن التحديث بهذا الحديث بين الناس وشياعه ، أي : انها مع أخواتها رقية وأم كلثوم بنات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعد انتقاصاً لحق فاطمة في كونها واحدة أبيها.

ولذلك نجد عروة بن الزبير يقول في نهاية الحديث : «وإنما كان هذا قبل نزول آية:

«ادْعُوهُمْ لِأبَابِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ».

بمعنى: أن جعلها بنتاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان قبل نزول الآية ولكن بعد نزولها فيلزم أن تدعى زينب لأبيها الحقيقي لا أن تحسب بنتا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يتستر على ذاك ويُحدّث به الناس (1).

جيم . فضلًا عن ذلك فقد رد الحافظ ابن حجر العسقلاني على هذا القول الذي أطلقه الرافعي حينما استند إلى هذا الحديث فقال : «أجاب عنه بعض الأئمة بتقدير ثبوته بأن ذلك كان متقدماً ثم وهب الله لفاطمة عليها السلام من الأحوال السنية والكمال ما لم يشاركها أحد من نساء هذه الأمة مطلقاً» (2).

ص: 77


1- لمزيد من الاطلاع على هذه الحقيقة، ينظر كتاب خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة فقد تم تخصيص الجزء الأول من الكتاب حول حقيقة بنات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
2- فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر: ج7، ص82
المسألة الثانية:
إن فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين

لم تقتصر الأحاديث النبوية الشريفة على بيان منزلة فاطمة عليها السلام في الأمة وإنما تعدتها إلى بيان منزلتها على العالمين كي لا يبقى عذر المعتذر في نكران فضلهم وجحد حقهم لاسيما وقد أوضح القرآن وأسهب النبي بالبيان عن أن فاطمة وبعلها وبنيها هم خاصة شرع الله وأمناؤه على دينه وحملة وحيه الذي نزل به الروح الأمين على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذا ليس بالغريب على من تعصب للباطل وكره الحق وإظهاره أن ينكر على آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل هذا الكم الكبير من الأحاديث الشريفة لاسيما فيما يتعلق بعلي وفاطمة صلوات الله عليهما مما دفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ومن خلال ما أطلعه عليه الوحي من انقلاب الأمة وظه-ور الفتن فيها ومحاربة أهل بيته وعداوتهم أيما عداوة - إلى أن يعمد إلى استخدام وسائل متعددة في حث الناس على التمسك بأهل بيته واتباعهم وملازمتهم ونصرهم ففي ذلك نصر الإسلام والشريعة.

فنجده يلتمس الأوقات والأماكن المناسبة ليبث في الأمة روح الإيمان والتذكير كي لا يقع أحد منهم في التهلكة أو يتبع الباطل، وها هو القرآن يصرح بالعديد من الحقائق التي تذكر وقائع الأيام والأمم السالفة التي وقعت فيها الفتن فكانت سبباً لهلاكها وضياعها.

من هنا : عمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى أساليب عديدة في التبليغ لما يرتضيه الله تعالى لهذه الأمة ، فكانت كالآتي :

ص: 78

أولاً : اخباره الناس من خلال المسجد النبوي في بيان منزلة فاطمة عليها السلام

وقد أخذ بيدها وقال :

«من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها هي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني ، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله - جل وعلا-»(1) .

فكان هذا الاخبار العام هو وسيلة في نجاة الأمة من الوقوع في الفتنة وحفظ حرمته صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن فيها حرمة الله وحرمة الإسلام فضلاً عن ان أهل بيته هم آل يس الذين اصطفاهم الله لشرعه وجعلهم حججاً على خلقه.

ثانياً : اصطحابه بعض الصحابة لزيارة بيت فاطمة عليها السلام

وكان ذلك من خلال اصطحابه لعمران بن حصين كما أخرج ابن شاهين عنه قائلاً :

«خرجت يوماً فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم فقال لي :

يا عمران فاطمة مريضة هل لك أن تعودها.

قال : قلت فداك أبي وأمي وأي شرف أشرف من هذا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلقت معه حتى أتى الباب فقال :

السلام عليكم أ أدخل؟

قالت :

وعليكم أدخل.

ص: 79


1- المحتضر لحسن بن سليمان الحلي : ص 234 . البحار للمجلسي : ج 43، ص 54

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

أنا ومن معي.

قالت :

والذي بعثك بالحق ما علي إلا هذه العباءة.

قال :

ومع رسول الله ملامة خلقة.

فرمى بها إليها فقال :

شدي بها على رأسك.

ففعلت ثم قالت :

أدخل.

فدخل ودخلت معه فقعد عند رأسها وقعدت قريباً منه فقال :

أي بنية كيف تجدك؟

قالت :

والله يا رسول الله إني لوجعة واني ليزيدني وجعاً إلى وجعي أن ليس عندي ما آكل.

قال : فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبكت وبكيت معهما.

فقال لها :

أي بنية اصبري مرتين أو ثلاثة.

ص: 80

ثم قال لها :

يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟

قالت :

يا ليتها ماتت فأين مريم بنت عمران؟!

قال لها :

أي بنية تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك والذي بعثني بالحق لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة لا يبغضه إلا كل منافق»(1).

ثالثاً : بيانه لمنزلتها في محضر أزواجه وفي اللحظات الأخيرة من حياته

وهذا يدل على أهمية الموضوع الذي يتحدث عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأن الإنسان يهتم في هذه اللحظات بأهم الأشياء لديه، ولذا نجده صلى الله عليه وآله وسلم لما دخلت عليه فاطمة عليها السلام، وهو في مرضه الذي توفي فيه قال لها :

يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين؟ (2)

ص: 81


1- فضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين : ص 25 . الاستيعاب لابن عبد البر : ج 4 ، ص 1895 . نظم درر السمطين للزرندي الحنفي : ص179 . تاريخ ابن عساكر : ج 42 ، ص 134 . الجوهري للبري : ص 17. تاريخ الإسلام للذهبي : ج3، ص46. بشارة الإسلام لمحمد بن أبي القاسم الطبري : ص118. ينابيع المودة للقندوزي : ج 2، ص 134 . ذخائر العقبي : ص 43 . إحياء علوم الدين : ج 10 ، ص 74
2- المستدرك : ج 3، ص 156 . الفردوس للديلمي : ج 3، ص 145 . الكنز : ج 12 ، ص 110 ، ح 24232 . وفي الجمع بين رجال الصحيحين: ج2، ص 611 . الاصابة لابن حجر : ج 8، ص56. وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابن سعد : ص 270 . وفي الاستيعاب : ج 4 ، ص 1893 ، ح 1895
رابعاً : بيانه إلى إن منزلة السيادة على نساء العالمين محصورة بفاطمة عليها السلام ولا تتجزء على سيدات العوالم الأخرى

إن الذي يرشد إليه حديث عمران بن حصين في كون فاطمة سيدة نساء عالمها ومريم سيدة نساء عالمها يحتاج إلى توجيه ينسجم مع نصوص أخرى واردة عن المعصومين عليهم السلام لاسيما الأحاديث النبوية الشريفة التي تنص على ان فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وهي كالآتي :

1 . عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«إن علياً وصبي وخليفتي وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني ومن نا واهم فقد ناواني ومن جفاهم فقد جفاني ومن برهم فقد برني وصل الله من وصلهم وقطع الله من قطعهم ونصر الله من أعانهم وخذل الله من خذلهم»(1).

2. عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال :

ذاك لمريم كانت سيدة نساء عالمها وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين (2).

3. وروى الطبرسي في مسائل اليهودي للإمام علي عليه السلام كان من بينها قوله :

ص: 82


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق : ج 4 ، ص 420
2- معاني الأخبار للصدوق : ص 107 ، دلائل الإمامة للطبري : ص 54

فإن هذا يعقوب عليه السلام أعظم في الخير نصيبه إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه ومريم بنت عمران من بناته قال علي عليه السلام :

«لقد كان كذلك ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أعظم في الخير نصيبا إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته والحسن والحسين من حفدته»(1).

عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أنا سيد الأنبياء والمرسلين وأفضل من الملائكة المقربين وأوصياني سادة أوصياء النبيين والمرسلين وذريتي أفضل ذريات النبيين والمرسلين وأصحابي الذين سلكوا منهاجي أفضل أصحاب النبيين والمرسلين وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين»(2).

6 . أو ذكرها عليها السلام ضمن سيدات أهل الجنة أو العالمين وباللفظ الذي يدل على اشتراكها في هذه السيادة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

حسبك من نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

7. عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(3).

8. وعن عائشة قالت لفاطمة عليها السلام :

ص: 83


1- الاحتجاج للطبرسي : ج 1 ، ص 214
2- التحصين لابن طاووس : ص 561
3- سنن الترمذي كتاب : 62 ، ح3878 السمط الثمين للطبري : ص 34 . درر السمط في خبر السبط لابن الأبار ص 77 وسيلة الإسلام لابن قنفذ ص 54

ألا أبشرك ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم يقول :

«سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم بنت عمران وفاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(1).

أقول : إن هذه الأحاديث الشريفة التي وردت في حق فاطمة صلوات الله عليها وبيان منزلتها والتي يظهر فيها اختصاصها بمنزلة السيادة على العالمين مرة واشتراكها مع مريم وخديجة وآسية مرة أخرى وتجزؤ هذه السيادة في المرة الثالثة.

إن هذا الظهور في الأحاديث يحتاج إلى توجيه يقرب المعنى ويوصل إلى الدلالة التي ترشد إليها هذه الأحاديث، فكانت كالآتي :

1 . إنّ معنى سيادتها على العالمين من الأولين والآخرين مع اختصاص مريم عليها السلام بذاك لاسيما ما جاء في قوله تعالى :

«يَا مَريَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَأَصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»(2).

وبيانه صلى الله عليه وآله وسلم ان هذا الاصطفاء على العالمين مقيد في زمانها فإن مثاله كمثال الشمس والكواكب، فكل كوكب هو سيد عالمه، لكنه بالنسبة للشمس لا يرقى في سيادته على سيادتها، وفي نفس الوقت تكون الشمس سيدة عالمها، وعالم غيرها من الكواكب مع ملاحظة ان الجميع ضمن مجرة واحدة وعالم واحد وكذا حال فاطمة عليها السلام فهي كالشمس في عالم النساء مع وجود نساء أخريات كمريم وخديجة وآسية هنّ كالكواكب.

ص: 84


1- مستدرك الحاكم : ج 3، ص 185. مجمع الزوائد للهيثمي : ج 9، ص 201 . المعجم الكبير للطبراني : ج 11، ص328
2- سورة آل عمران، الآية : 42

ومما يدل على هذا المعنى قوله تعالى في اصطفاء بعض الأنبياء وآل الأنبياء عليهم السلام، فقول سبحانه :

«إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَ ءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَعَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّة بعضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم»(1).

2. إن سيادة فاطمة صلوات الله عليها على نساء العالمين من الأولين والآخرين يقتضيه قوله تعالى :

«كُنتُم خير أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ»(2).

وهذه الخيرة التي لهذه الأمة تقتضي خيرية فاطمة على بقية نساء الأمم.

أي : حتى ولو حملنا سيادتها على عالمها فكونها من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيدة نساء الأمة أو المسلمين يلزم سيادتها على غيرها من الأمم السابقة أو العوالم النسوية الماضية واللاحقة إلى قيام الساعة.

وهو ما يتسق مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام في وفاته :

«أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين» (3).

ولا شك ان الجنة تجمع نساء جميع العوالم من الأولين والآخرين، وبهذا

ص: 85


1- سورة آل عمران، الآية : 33 - 34
2- سورة آل عمران، الآية : 110
3- صحيح البخاري، باب: علامات النبوة : ج 4 ، ص 183

تكون فاطمة سيدة نساء العالمين.

3. إنّ كون هذه الأمة هي الأمة الوسط من بين الأمم كما صرّح به القرآن في قوله تعالى :

«وكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لَنَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(1).

فان ذلك يقتضي المحورية التي يرجع إليها نظم الأمم وإصلاحها، وحالها كحال النواة في الخلية، ولاشك من الناحية الفيزيائية أن الرعوية والسيادية في الخلية تكون للنواة وبذلك جعلها الله في الوسط من الكون الخلوي، وكذا حال هذه الأمة وكذا حال فاطمة صلوات الله عليها من نسائها ونساء العالمين.

ولعل أقرب المعاني لهذه السيادة على العالمين ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيانه لمعنى اسم «الزهراء» حينما ابتلى الله الملائكة بظلمة شديدة فلم تكد ترى حينها أول-ه-ا م-ن آخرها وحينها ضجت الملائكة إلى الله بالدعاء ونادت : إلهنا وسيدنا بحق الأشباح التي خلقتها الا ما فرجت عنا هذه الظلمة فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها روحاً ، فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش، فأزهرت المشارق والمغارب، فلأجل ذلك سميت الزهراء» (2).

أي : بسيادة نورها على المشارق والمغارب.

ص: 86


1- سورة البقرة، الآية : 143
2- البحار للمجلسي : ج 36 ، ص 73. الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن شاذان : ص 113
المسألة الثالثة: منزلتها بين أهل الأرض

لم يزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يظهر منزلة أهل بيته عليهم السلام لاسيما فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وبنيها) فمن بين منزلتها في القرآن والسنة ونساء العالمين ينعطف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لبيان منزلتها بين أهل الأرض ليزداد أهل الإيمان سروراً وابتهاجاً ويمتلئ أهل النفاق غيظاً ونكراناً للحق وهو ما دل عليه قوله تعالى :

«قُل مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(1).

أما الحديث الشريف فقد رواه الشيخ ابن شاذان القمي رحمه الله عن ابن عباس قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن بن عون :

أنتم أصحابي وعلي بن أبي طالب مني وأنا من علي، فمن قاسه بغيره فقد جفاني، ومن جفاني فقد آذاني، ومن آذاني فعليه لعنة ربي. يا عبد الرحمن إن الله تعالى أنزل علي كتابا مبينا وأمرني أن أبين للناس ما نزل إليهم ما خلا علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه يستغني عن البيان، إن الله تعالى جعل فصاحته كفصاحتي ودرايته كدرايتي. ولو كان الحلم رجلا لكان عليا عليه السلام. ولو كان الفضل شخصا لكان الحسن عليه السلام. ولو كان الحياء صورة لكان الحسين عليه السلام. ولو كان الحسن (هيئة لكانت) فاطمة بل هي أعظم، إن فاطمة عليها السلام ابنتي خير أهل الأرض عنصرا وشرفا

ص: 87


1- سورة آل عمران الآية : 119

وكرما. (1)

ولا يخفى ان الغرض من هذه الاحاديث النبوية الشريفة هو حفظ الأمة من الوقوع في الضلال وترك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتباع البدع من خلال الامتثال لأهل الباطل الذين يدعون زورا وبهتانا انهم في شرعهم متمسكون بسُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكتاب الله عز وجل.

وهاهو كتاب الله وسنة رسوله يدعوان إلى التمسك بالعترة النبوية الطاهرة.

وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأمة ويوصيها في اتباع المسلك الذي ينجيها في الدنيا والآخرة من بعد وفاته ولقاء ربه فيقول لهذه الأمة وللناس جميعاً كما يروي الصدوق رحمه الله عن أنس بن مالك، قال :

صلی رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الفجر، فلما انفتل من صلاته أقبل علينا بوجهه الكريم على الله عز وجل ثم قال :

«معاشر الناس من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر، ومن افتقد القمر فليستمسك بالزهرة، فمن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين».

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«أنا الشمس، وعلي القمر، وفاطمة الزهرة والحسن والحسين الفرقدان، وكتاب الله لا يفترقان حتى يردا علي الحوض»(2).

ص: 88


1- مائة منقبة لابن شاذان القمي : ص 136 . المنقبة الثامنة والستون
2- معاني الأخبار للصدوق : ص 114 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر : ص 242 ، البحار ج 16 ، ص 91

الفَصل الثَّاني

مَنزِلتهَا علیهاالسّلام في الآخرةِ

ص: 89

ص: 90

المبحث الأول

منزلتها يوم القيامة

تفيد الروايات الشريفة في بيان مجريات يوم القيامة إلى مجموعة من الحقائق الكاشفة عن منزلة أهل البيت عليهم السلام بصورة عامة وعن منزلة فاطمة عليها السلام بصورة خاصة فضلاً عن بيان شأنها وكرامتها ومقامها عند الله تعالى في يوم تناوله القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركات التي تنقل السامع إلى أهوال هذا اليوم العظيم وأحداثه، هذا اليوم الذي لم يخط القلم بمثله ولم يرد على اللوح المحفوظ بنظيره.

ولو أردنا ان نتتبع الآيات والروايات التي تتحدث عن يوم القيامة لخرجنا عن عنوان الكتاب.

ومن هنا :

كانت لنا وقفات مع الأحاديث الشريفة المتعلقة ببيان منزلة فاطمة عليها

ص: 91

السلام في هذا اليوم لأنه اليوم الذي تكشف فيها السرائر وتوضع فيه الموازين ويرى الإنسان حقيقة إيمانه وصدق اعتقاده فضلاً عن القصاص والحساب والمساءلة وتطاير الصحف وتعدد الأهوال

بل يكفي في ذلك آيتان كريمتان:

قال تعالى :

«يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ»(1).

«يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرَّءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأَتِهِ، وَأَبِهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنيه»(2).

ولا شك أن الإنسان في مثل هذا اليوم سيكون أحوج ما يكون إلى رحمة ربه وشفاعة رسوله والى عمله الذي لف في عنقه واحتمله على ظهره وقد قدم به بين يدي ربه ليقرر به مصيره إما إلى الجنة وإما إلى النار وكما أسلفنا يوم لا مثل له في أهواله وعقباته وخوفه الذي يبدأ مع الإنسان كنقطة تحول جديدة في هذه المرحلة التي بدأت من حين خروج روحه ومفارقة جسده ونزوله في قبره حتى يأذن الله تعالى في بدء مرحلة جديدة من هذه المرحلة حينما ينفخ اسرافيل عليه السلام في الصور للنشور وبعث الأرواح وقدومها أو سوقها إلى ساحة المحشر.

إذن :

كيف سيكون حشر فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وخروجها من قبرها ؟

ص: 92


1- سورة الحج، الآية : 2
2- سورة عبس، الآيات : 34 - 36
المسألة الأولى:
كيف يكون خروج فاطمة من قبرها إلى ساحة المحشر؟

يكشف لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجريات البعث من القبور وتشققها عن أهلها وخروج الناس إلى المحشر والوقوف بين يدي الله تعالى لغرض المساءلة والحساب وكيف سيكون حال الناس في هذه اللحظات الرهيبة.

فعن فرات الكوفي عن ابن عباس قال :

(سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول :

«دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم على فاطمة عليها السلام وهي حزينة؛ فقال لها : ما حزنك يا بنية؟

قالت: يا أبه ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة.

قال: يا بنية إنه ليوم عظيم ولكن قد أخبرني جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل أنه قال: أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا ثم أبي إبراهيم ثم بعلك علي بن أبي طالب عليه السلام ثم يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب من نور ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور فيقف عند رأسك فيناديك : يا فاطمة ابنة محمد قومي إلى محشرك فتقومين آمنة روعتك مستورة عورتك فينا ولك إسرافيل الحلل فتلبسينها ويأتيك روفائيل بنجيبة من نورزمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب فتركبينها ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح فإذا جد بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليك بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غيرنار، وعليهن أكاليل الجوهر مرصع بالزبرجد الأخضر فيسرن عن يمينك، فإذا مثل الذي سرت من قبرك

ص: 93

إلى أن لقيتك استقبلتك مريم بنت عمران في مثل من معك من الحور فتسلم عليك وتسيرهي ومن معها عن يسارك، ثم استقبلتك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله ورسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك فإذا توسطت الجمع وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الاقدام») (1).

إذن :

بهذه الكيفية يكون خروج فاطمة عليها السلام من قبرها وقدومها إلى ساحة المحشر والحديث يشتمل على مجموعة من المسائل، منها :

أولاً : الحكمة في خروج فاطمة عليها السلام من قبرها ضمن تشريفات ملكوتية

تكشف الرواية الشريفة عن اختصاص فاطمة عليها السلام بتشريفات خاصة بأمر الله تعالى عند خروجها من قبرها وذهابها إلى ساحة المحشر ؛ هذه التشريفات هي في الحقيقة ليست فقط عنواناً للتفضيل على غيرها من الخلق بل عنواناً لإظهار قدرها أمام الخلائق هذا القدر الذي تم تجاهله من الناس بشكل كبير أدى إلى استنان ظلمها بل والتجاهر بذلك، إن لم يكن عند المنافقين من الواجبات التي أوجبوها على أنفسهم ضمن شريعتهم الخاصة بهم.

ويكفي من ذلك بياناً يدل على حقيقة استنان ظلمها منذ أن فارق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدنيا خروج نعشها في الليل ودفنها سرا فلم يشهدها

ص: 94


1- تفسير فرات الكوفي : ص 445 . بحار الأنوار: ج 8، ص 53 . اللمعة البيضاء للتبريزي : ص 896

أحد من الصحابة سواء أكانوا من المهاجرين أم الأنصار؛ إذ لم يكن معها سوى زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وولديها الحسن والحسين سلام الله عليهم أجمعين، ولا يعلم موضع قبرها أحد من المسلمين.

ولذلك :

شاء الله أن يجزيها على ما صبرت واحتسبت فيجعل هذا النعش الذي دفن في الليل سراً ولم يشهده أحد وكأنها من الأعاجم الذين لا شأن لهم ولا قدر لديهم عند العرب، أن يكون حالها عند الخروج بهذا التشريف والتعظيم وليشهده جميع الخلائق والأمم ؛ إذ مثلما يكون حال الزعماء والملوك والعظماء والوجهاء مشهوداً لهم في خروجهم من الدنيا بتشييع يليق بمنزلتهم ويتناسب مع شأنهم كذلك سيكون حال فاطمة عليها السلام عند خروجها من قبرها وشتان بين تشريفات الدنيا وتشريفات الآخرة.

ولذا: كان حالها عند خروجها من القبر قد اختلف بشكل يدلل على حقيقة قدرها ومنزلتها وشأنها عند الله تعالى في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فكيف بمن تأتي الله وهي قلب حبيبه المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

إذن : تدلل هذه الرواية الشريفة على هذه التشريفات الملكوتية الخاصة بخروج فاطمة من قبرها لهذه العلة، وإلا لم نجد رواية واحدة تكشف لنا عن مثل هذه التشريفات حتى عند خروج سيد الخلق أجمعين من قبره صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 95

ثانيا : إظهار منزلة خديجة في المحشر من خلال استقبالها لفاطمة عليها السلام

هذه المسألة تحتاج إلى تأمل خاص ونسأل الله أن يمن علينا بلطفه ؛ إذ إن استقبال خديجة الكبرى عليها السلام لفاطمة صلوات الله عليها كان يقتضي أن تكون خديجة عليها السلام أسبق في الخروج من قبرها وحضورها في ساحة المحشر كي تتمكن من استقبال فاطمة عليها السلام ؛ بل قد أفادت الرواية أن مريم وحواء وآسية كن في استقبال فاطمة في حين نرى أن الرواية كانت قد أشارت إلى تسلسل الخروج من القبور كما هو واضح في صدر الرواية ؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم الفاطمة عليها السلام :

«يا بنية إنه ليوم عظيم ولكن قد أخبرني جبرائيل عن الله عز وجل أنه قال: أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، ثم أبي إبراهيم، ثم بعلك علي بن أبي طالب، ثم يبعث الله إليك جبرائيل في سبعين الف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب ... الخ الحديث».

فالظاهر في عرض الرواية أن هذه المدة الزمنية التي يقوم فيها الملائكة باستقبال فاطمة من قبرها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«فتقومين آمنة روعتك مستورة عورتك فينا ولك إسرافيل الحلل فتلبسينها ويأتيك روفائيل بنجيبة من نور زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفّة من ذهب فتركبينها ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح».

هذه المراسيم والتشريفات سيكون لها مدة زمنية لا يعلمها إلا الله تعالى إلا أنها تكون مرحلة فاصلة بين خروج فاطمة عليها السلام من قبرها بعد ابن عمها

ص: 96

علي بن أبي طالب عليه السلام وبين وصولها بهذا الموكب المهيب إلى ساحة المحشر، وإنه في هذه المدة الزمنية سيكون خروج مريم وآسية وحواء وخديجة عليهن السلام، ليكن في استقبال فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

وإلا يمكن أن يتم الأمر بقوله كن فيكون بدون أن يكون هناك مدة زمنية تستغرق اكتمال هذه المراسيم والتشريفات الملكوتية التي تتخللها خروج سيدات نساء الجنة ليكنَّ في استقبال سيدتهن فاطمة بصفتها صاحبة المنزلة الخاصة في سيديتها على نساء العالمين كما هو ثابت في النصوص، وهذا أولاً.

ثانيا : اختصاص فاطمة بألوية التسبيح له علاقة بنوع تعبدها الله رب العالمين لاسيما تسبيحها الذي علمها إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي تضافرت الروايات في فضله وشأنه عند الله تعالى.

فضلاً عن أن القرآن الكريم يعطي عنواناً لعبادة الخلق في القرآن الكريم ب_ (التسبيح) قال تعالى :

1- «تُسَبِحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَدِهِ، وَلَكِن لا نَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا»(1) .

اختصاص أهل البيت عليهم السلام بالتسبيح في قوله تعالى :

2- «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْأَصَالِ»(2).

ص: 97


1- سورة الإسراء، الآية : 44
2- سورة النور، الآية : 41

3- أ«َلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَةُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ»(1).

بل نجد أن القرآن الكريم يأمر النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالتسبيح، فقال عز وجل :

4- «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى»(2).

5- «وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ»(3).

6- «وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(4).

أما ما ورد في تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام من الروايات الشريفة عن العترة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فهي أكثر من أن تذكر في هذا المجال، ولكن نكتفي بذكر رواية واحدة فإنها دالة على عظم هذا التسبيح عند الله تعالى واندراج التسبيح في فلكه الدلالي؛ فقد روى الكليني رحمه الله عن زرارة بن أعين رضي الله تعالى عنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام من الذكر الكثير الذي قال الله عزّ وجل:

ص: 98


1- سورة النور، الآية : 41
2- سورة الأعلى، الآية : 1
3- سورة الأنبياء، الآيتان : 19 و 20
4- سورة الزمر، الآية : 75

«اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا»(1)» (2).

وعليه: فحمل الملائكة لألوية التسبيح عند قدومها إلى ساحة المحشر مع فاطمة عليها السلام في تلك القافلة إنما هو لارتباطها بنواة التسبيح الذي عرض له القرآن الكريم في جملة من الآيات الكريمة.

ثالثا : اختصاص خديجة عليها السلام بألوية التكبير في ساحة المحشر كاشف عن شرافة منزلتها

تظهر الرواية الشريفة منزلة خديجة عليها السلام في ساحة المحشر من خلال إحاطتها بسبعين ألف ملك يحملون ألوية التكبير وهي تقبل لتستقبل ابنتها فاطمة عليها السلام بكينونة أنها سيدة نساء العالمين.

علماً : أن منزلة الأمومة في هذا التشريف لا تتعارض مع منزلة الشأنية التقوائية التي اختصت بها فاطمة عليها السلام بلحاظ قوله تعالى :

«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»(3).

فحالها هنا حال علي بن أبي طالب عليه السلام مع أمه فاطمة بنت أسد فضلاً عن أن القرآن الكريم يقدم صورة خاصة تتحدث عن الشأنية والخصوصية التي لا ترتكز على التقوى كما مر سابقا بل على حكمة خاصة وخصوصية بلائية كما في سجود نبي الله يعقوب عليه السلام لولده يوسف حينما دخل عليه في القصر.

ص: 99


1- الكافي للكليني : ج 2، ص 500 ، باب أن الصاعقة لا تصيب الذاكر
2- سورة الأحزاب، الآية : 41
3- سورة الحجرات، الآية : 13

قال سبحانه وتعالى :

«وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَابَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءيَاَيَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا» (1).

أما اختصاصها بالتكبير فيمكن معرفة دلالته من خلال ما حظي به التكبير من معان خاصة دخلت في بعض العناوين الشرعية.

وهي كالآتي :

1 - يدخل التكبير في أهم الفروع الدينية التكليفية على المسلم ألا وهي الصلاة، فتكبيرة الإحرام في الصلاة هي باب يلج من خلالها المسلم إلى فيض لطف الله سبحانه فيلزم عليه الإحرام.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

«افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير»(2).

2- ويدخل التكبير في الحج لمن أقام في منى (3) ، وهو يدلل على تعظيم هذه الشعيرة.

3- كما يدخل التكبير في صلاة العيد كدليل على خصوصية هذه المناسبة وما يرتبط بها من آثار اجتماعية ونفسية لدى المسلم.

4 - التكبير في أجزاء الأذان والإقامة قبل كل صلاة، وغير ذلك.

ص: 100


1- سورة يوسف، الآية : 100
2- الكافي للكليني : ج 3، ص 69
3- المقنع للشيخ الصدوق : ص 285

وهذه العناوين حينما نتأملها نجدها تدور في فلك التعظيم والإجلال والقوة والعزّة فضلاً عن آثارها الروحية والملكوتية، وهو ما يتلاءم بحق مع الدور الذي قامت به خديجة الكبرى عليها السلام في قيام الإسلام والذب عنه، ومؤازرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته حتى عظم الإسلام وبلغ تلك المرتبة السامية فيما بين الأمم.

المسألة الثانية:
كيف يكون شأن فاطمة عليها السلام في ساحة المحشر؟

تفيد الرواية السابقة بأن فاطمة عليها السلام سيكون خروجها من قبرها بتلك التشريفات الملكوتية التي لا ينالها غير فاطمة ثم تصل صلوات الله عليها بهذا الموكب المهيب إلى ساحة المحشر وفي الوصول سيكون لها كذاك تشريفات وحالات أخرى تنفرد بها من بين عباد الله المخلصين.

وهي كالآتي :

أولاً : إنها تقدم إلى ساحة المحشر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

في حديث أخرجه الحاكم النيسابوري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

«تبعث الأنبياء يوم القيامة على الدواب ليوافوا بالمؤمنين من قومهم المحشر، ويبعث صالح على ناقته، وأبعث على البراق خطوها عند أقصى طرفها، وتبعث فاطمة أمامي»(1).

والظاهر من الروايات الشريفة المتعلقة ببيان يوم المحشر أن الخروج من القبور

ص: 101


1- مستدرك الحاكم : ج 3، ص 153

يكون تباعاً بدلالة قوله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام :

«أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، ثم أبي ابراهيم، ثم بعلك علي بن أبي طالب عليهم السلام»(1).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي» (2) .

وهذا يدل على أن تشقق الأرض وخروج الناس من القبور يكون بداية للحشر. بمعنى آخر أن هذا التشقق وخروج الناس يكون واحداً تلو الآخر فأول من تنشق عنه الأرض النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نبي الله إبراهيم عليه السلام ثم علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم فاطمة عليها السلام حتى إذا اكتمل خروج الناس من قبورهم يكون حشرهم إلى ساحة المحشر فتبعث فاطمة قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولاشك أن قدوم الأنبياء على الدواب إلى ساحة المحشر - كما ينص الحديث - كاشف عن تكريمهم على الناس وإظهار منزلتهم بين الخلائق.

فضلاً عن ان هذا الحال ملازم للتقوى والعبودية لله تعالى فأكرم الخلق عند الله أتقاهم.

وعليه فإن قدوم فاطمة صلوات الله عليها إلى ساحة المحشر وهي بهذه التشريفات الملكوتية متقدمة في القدوم على أشرف ما خلق الله تعالى كاشف في

ص: 102


1- تفسیر فرات الكوفي : ص 445
2- صحیح مسلم : ج 7، ص89

المقام الأول عن منزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الله تعالى فإكرامه يكون من خلال إكرام بضعته فاطمة عليها السلام.

بمعنى أدق : أن الله تعالى أراد وبسابق علمه أن يظهر مكانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنده من خلال إكرام ابنته وقلبه وبضعته وروحه التي بين جنبيه ؛ وان هؤلاء الذين ظلموها إنما ظلموا سيد الخلق وانتهكوا حرمته، فقدومها إلى ساحة المحشر قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو إكرام له صلى الله عليه وآله وسلم وكما قيل : «المرء يكرم في ولده».

ثانياً : إنّ فاطمة عليها السلام تجتاز الخلائق في ساحة المحشر وقد أمروا بغض أبصارهم
إنّ فاطمة عليها السلام تجتاز الخلائق في ساحة المحشر وقد أمروا بغض أبصارهم

إن مما تحدث عنه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عن مجريات يوم المحشر بيانه لكيفية قدومها إلى عرصة يوم القيامة فيقول صلى الله عليه وآله وسلم لها :

«فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك فإذا توسطت الجمع وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الأقدام.

ثم ينادي مناد من تحت العرش يُسمع الخلائق غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن معها، فلا ينظر إليك يومنذ إلا إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وعلي بن أبي طالب عليه السلام، ويطلب آدم حواء فيراها مع أمك خديجة أمامك»(1).

ص: 103


1- تفسیر فرات الكوفي : ص 445

والحديث يدل على أمور ، منها :

ألف: العلة في حشر الخلائق سراعاً إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

يتحدث القرآن الكريم عن خروج الناس من قبورهم وحشرهم إلى عرصة يوم القيامة سراعاً كما في قوله تعالى :

1. «يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرُ عَلَيْنَا يَسِيرٌ»(1).

2. «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصبِ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ»(2).

والعلة هو إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أن القادة أو الملوك أو الأمراء حينما يريدون ان ينظروا في أمر الرعية أو الأمة التي يقودونها أو يتأمرون عليها فان ذلك يتطلب بادئ ذي بدء أن يجتمع هؤلاء الناس في مكان محدد ليقوم عندها القائد أو الملك فيتحدث إليهم بما يريد.

وهذه حالة تسالمت عليها الناس في جميع الأزمنة والأمكنة ولعل القرآن لم يكن ليفته بيان هذا التجمع لدى الرعية وآثاره عليهم كما في قضية موسى عليه السلام وفرعون حينما بعث في الناس يأمرهم ان يجتمعوا كي ينظروا ما يجري بين موسى والسحرة. قال تعالى :

«قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَابِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ»(3).

ص: 104


1- سورة ق ، الآية : 44
2- سورة المعارج، الآية : 43 – 44
3- سورة الأعراف الآية : 111 - 112

فكان اجتماع الناس والسحرة مقدماً على حضور موسى وهارون عليهما السلام وملك مصر .

من هنا : جرت العادة في المجتمعات كافة ان يجتمع الناس أولاً ثم تأتي القادة أو الأمراء وذلك لبيان منزلتهم وما تقتضيه شأنيتهم، بل إن حضور الملوك أو الأمراء ابتداءً يعد انتهاكاً عقلائياً واجتماعياً.

وعليه : لابد من التأمل فيما يعرضه القرآن الكريم من حشر الناس سراعاً وبين ما تسالم عليه الناس في جميع الأمم وبين ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم بانه «أول من تنشق عنه الأرض»، «وانه العاقب الذي يحشر الناس على عقبه ، أي من خلفه فيكون هو مقدماً عليهم وبين ما ورد في الحديث الشريف عنه في بيانه لفاطمة عليها السلام وكيفية خروجها من قبرها وحشرها وهي بتلك التشريفات التي كشفت عنها الأحاديث الشريفة.

ونقول :

1 . إن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بما لديه من مقام السيادية على الأنبياء والرسل والخلق جميعاً فان هذا المقام يستلزم خروجه من قبره أولاً ومثاله مثال اجتماع أمير مع رعيته في مكان واحد فإن التأدب واللياقة فضلاً عن حرمته وشأنيته تلزم الرعية بتقديمه عليهم في الخروج من هذا المكان.

إنّ مقام الشهودية يقتضي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشاهد على الأنبياء جميعاً وذلك من خلال قوله تعالى :

ص: 105

«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا» (1).

أي حتى الأنبياء على جلالة قدرها وحرمتها الا انها يجيء بها الله تعالى قبل رسوله وحبيبه.

من هنا :

استلزمت هذه المقامات التي خص الله بها رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون خروج الناس من الأجداث سراعاً كي لا يطيل الموقف برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بمعنى : ان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو أول من تنشق عنه الأرض فيكون خروجه مقدماً على الناس كما قلنا تأدباً وإجلالاً لشأنه فلا يقدم عليه أحد بالخروج، لكن حشر الناس إلى عرصة يوم القيامة يكون سراعاً كما نص الوحي كي لا يطول المقام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون حشرهم من حيث خروجه من القبر على عقبه فسمي العاقب لأن مقتضى الخروج من القبر هو الحشر للحساب.

ولذا :

يتضح معنى ان فاطمة عليها السلام تقدم إلى ساحة المحشر تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما لها من الشأنية والمكانة لديه، ولا يخفى أن هذه الشأنية إنما للتقوى وذلك ان مثال عدل الله وصفاته في الأرض هو حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 106


1- سورة النساء، الآية : 41
باء: إن الخلائق تغض أبصارها لمرور فاطمة غض إجلال وتعظيم وليس غض حرمة في عرصة يوم القيامة

ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«فإذا توسطت الجمع وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الإقدام؛ ثم ينادي مناد من تحت العرش يُسمع الخلائق: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن معها، فلا ينظر إليك يومنذ إلا إبراهيم خليل الرحمن وعلي بن أبي طالب عليهما السلام».

والحديث يكشف عن حقيقتين وهما :

1 . إن جواز فاطمة عليها السلام الذي نص عليه الحديث مقيد - هنا . بساحة المحشر ؛ إذ لفاطمة عليها السلام يوم المحشر أكثر من انتقالة وعند كل انتقالة يأمر الله الخلق بغض أبصارهم - كما سيمر في جوازها على الصراط .

ولذلك : فان هذا هو الجواز الأول، أي الانتقالة الأولى لها في ساحة المحشر لكن لم يحدد الحديث إلى أين ستذهب فاطمة عليها السلام عند اجتيازها الجمع في ساحة المحشر، إذ لعلها تذهب إلى الصراط أو انها ستذهب إلى موضع آخر من مواضع ساحة المحشر إذ تفيد الرواية انها تأتي بهذا الموكب والجلالة حتى تتوسط ساحة المحشر.

2 . إن غض البصر الذي أمر الله تعالى به الخلائق إنما هو لعنوان الإجلال والتعظيم كما يفعل عند مرور الملوك والأمراء والزعماء وليس لعنوان الحرمة المقرونة بالمرأة الأجنبية والدليل عليه هو :

أ : إن التكاليف الشرعية ترفع يوم القيامة وان حرمة النظر من متعلق الحكم

ص: 107

الدنيوي، اما في الآخرة فيرفع القلم عن هذه الأحكام لأنه يوم جزاء وحساب.

ب. إن الحديث ينص على ان الذين ينظرون لفاطمة شخصان فقط وهما إبراهيم وعلي بن أبي طالب عليهما السلام ولا ينظر إليها في هذا الموقف حتى ولداها الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام فضلاً عن بقية أبنائها الأئمة المعصومين وذلك إجلالاً لها وتعظيماً لشخصها المقدس .

ثالثاً : إنها عليها السلام تقف يوم القيامة عن يمين العرش بعد أن تنتقل من ساحة المحشر لفاطمة عليها السلام حركة ثانية في ساحة المحشر بعد أن تقدم إليه من قبرها بتلك التشريفات الملائكتية والقدسية كما مر بيانه آنفاً حتى تصل إلى وسط الجمع فينادي المنادي أن غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة فيكون وصولها إلى المحشر بهذا الموكب.

ثم تنقل من وسط الجمع إلى جهة أخرى وهي عرش الله تعالى فتكون انتقالتها هذه لها مراسيم جديدة وتشريفات قدسية تختلف عن تلك التي جاءت بها من قبرها إلى وسط المحشر، فهنا سيكون قائد ناقتها جبرائيل عليه السلام، وأما هناك أي من قبرها إلى عرصة يوم القيامة كان قائد ناقتها روفائيل عليه السلام.

كما تنص الأحاديث الشريفة وهي كالآتي :

1 . روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول :

إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مديجة الجنين خطامها من لؤلؤ رطب، قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر،

ص: 108

عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نوريرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركنا، كل ركن مرصع بالدر والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شما لها سبعون ألف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة، ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد. فلا يبقى يومنذ نبي ولا رسول ولا صديق ولا شهيد، إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة بنت محمد، فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله، فتزج بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله جل جلاله؛ يا حبيبتي وابنة حبيبي، سليني تعطي، واشفعي تشفعي، فوعزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم، فتقول: إلهي وسيدي ذريقي وشيعتي وشيعة ذريقي، ومحبي ومحبي ذريقي. فإذا النداء من قبل الله جل جلاله: أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبو ذريتها ؟ فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتقدمهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة»(1).

والرواية تدل بوضوح إلى انتقالها إلى جهة العرش وقد قدمت من ساحة المحشر بتلك التشريفات القدسية ومما ينص على انها تنقل إلى جهة العرش يوم القيامة فتكون حركتها مصحوبة بهذه التشريفات وقد أمر الله تعالى الخلائق بغض أبصارهم، ما رواه الحر العاملي رحمه الله عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله الصادق في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

ص: 109


1- الأمالي للصدوق : ص17 - 18

«أخبرني جبرائيل أني عن يمين العرش يوم القيامة، وأن الله كساني ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي وانك يا علي عن يمين العرش وان الله كساك ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي وانك يا فاطمة عن يمين العرش وان الله كساك ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي قال فقلت جعلت فداك فان الناس يكرهون الوردي قال يا أبان ان الله لما رفع المسيح عليه السلام إلى السماء رفعه إلى جنة فيها سبعون غرفة وأنه كساه ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي قال قلت جعلت فداك أخبرني بنظيره من القرآن قال يا أبان ان الله يقول فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان)» (1).

المسألة الثالثة:
لفاطمة خطبة ومنبر يقام لها في يمين العرش تخطب به الخلائق يوم القيامة تشكو ما نزل بولديها الحسن والحسين عليهما السلام

إن من المقامات التي يشهدها الخلائق لفاطمة يوم القيامة ان ينصب لها منبرٌ من نور لترتقيه فتخطب الخلائق في يوم المحشر حالها في ذاك حال أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وبعلها علي بن أبي طالب عليه السلام وحال الأنبياء عليهم السلام التي تخطب في يوم المحشر وقد وضع لها منابر ، كما تنص الروايات وهي كالآتي :

أولاً : أول من يوضع له المنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى

روى فرات الكوفي قال : حدثني الحسين بن سعيد معنعنا : عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال :

ص: 110


1- وسائل الشيعة : ج 5 ، ص 33

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو واف لي به إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة لا كمراقيكم فأصعد حتى أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل عليه السلام بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى فأقول لعلي: اصعد، فيكون أسفل مني بدرجة فأضع لواء الحمد في يده ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة، فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب، ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله [ تعالى. ر] هذه مفاتيح النار أدخل عدوك وعدو ذريتك وعدو أمتك النار فأخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب فالنار والجنة يومنذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها فهو قول الله تبارك وتعالى في كتابه:

«الْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَارٍ عَنِيدٍ».

ألق يا محمد ويا علي عدوكما في النار. ثم أقوم فأثني على الله ثناء لم يثن عليه أحد قبلي ثم اثني على الملائكة المقربين ثم أثني على الأنبياء والمرسلين ثم أثنى على الأمم الصالحين ثم أجلس فيثني الله ويثني علي ملائكته ويثني علي أنبياؤه ورسله ويثني علي الأمم الصالحة»(1).

ثانياً: إن الله تعالى يجعل الكرم يوم القيامة لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام

روى فرات الكوفي قائلاً : ( حدثنا سهل بن أحمد الدينوري معنعنا : عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : قال جابر لأبي جعفر عليه السلام:

ص: 111


1- تفسير فرات الكوفي : ص 437 - 438

جعلت فداك يا ابن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة عليها السلام إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك، قال أبو جعفر:

حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبي أعلى منابرهم يوم القيامة ثم يقول الله:

يا محمد الخطب.

فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصبي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور فيكون منبه أعلى منابرهم ثم يقول الله: يا علي اخطب فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها، ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبر من نور ثم يقال لهما لخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.

ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام:

أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أير آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا ؟

فيقمن فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة الله الواحد القهار.

فيقول الله جل جلاله يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة») (1).

ص: 112


1- تفسیر فرات : ص 298 - 299
ثالثاً: منبر فاطمة عليها السلام يوم القيامة من نور له سبع مراق

أما فاطمة صلوات الله عليها فسينصب لها منبر لكنه يختلف بكثير عن منبر أبيها الذي لم يرق إليه أحد مما خلق الله تعالى لا ملك مقرب ولا نبي مرسل سوى حبيب الرحمن أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وحيث ان فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عن يمين العرش يوم القيامة فان هذا المنبر سيكون حيث يقف آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فينصب لها منبر لتخطب الخلائق خطبة تشكو فيها ما جرى عليها وعلى ولديها وذريتها كما تنص الروايات الآتية :

1 . روى فرات الكوفي في تفسيره ( عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ثم ينصب لك منبر من النور فيه سبع مراق، بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة بأيديهم ألوية النور، وتصطف الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء منك عن يسارك حواء وآسية بنت مزاحم، فإذا صرت في أعلى المنبر أتاك جبرنيل عليه السلام فيقول لك : يا فاطمة سلي حاجتك فتقولين: يا رب أرني الحسن والحسين فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دما وهو يقول: يا رب خذلي اليوم حقي ممن ظلمني، فيغضب عند ذلك الجليل ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون فتزفر جهنم عند ذلك زفرة ثم يخرج فوج من النار فيلتقط قتلة الحسين وأبنائهم وأبناء أبناهم يقولون: يا رب إنا لم نحضر الحسين عليه السلام فيقول الله لزبانية جهنم: خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار

ص: 113

فإنهم كانوا أشد على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه فيسمع شهيقهم في جهنم»)(1).

2 . وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

«إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة عليها السلام في لمة من نسائها فيقال لها أدخلي الجنة، فتقول لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي فيقال لها أنظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين عليه السلام قائما ليس عليه رأس فتصرخ صرخة فأصرخ الصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها. وفي رواية وتنادى وا ولداه واثمرة فؤاداه، قال فيغضب الله عز وجل لها عند ذلك فيأمر نارا يقال له هب هب، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت لا يدخلها روح أبدا، ولا يخرج منها غم أبدا فيقال: التقطي قتلة الحسين، فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها، وشهقت وشهقوا بها، وزفرت وزفروا بها. فينطقون بالسنة ذلقة ناطقة يا ربنا بم أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله عز وجل: أن من علم ليس كمن لا يعلم» (2).

3. روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده إلى أحمد بن سليمان الطائي (عن الإمام على بن موسى الرضا عليهما السلام قال :

«حدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين قال حدثني أبي الحسين بن علي قال حدثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام قال:

ص: 114


1- تفسیر فرات : ص 445 - 446
2- اللهوف في قتلى الطفوف : ص 139 - 140

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تحشر ابنتي فاطمة عليها السلام يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء تتعلق بقائمة من قوائم العرش تقول يا لحكم الحاكمين الحكم بيني وبين قاتل ولدي قال علي بن أبي طالب عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحكم لابنتي فاطمة ورب الكعبة»)(1).

4. روى الصدوق رحمه الله بسنده يرفعه إلى عنبسة الطائي (عن أبي جبير عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله يمثل لفاطمة رأس الحسين متشخطا بدمه فتصيح وا ولداه وا ثمرة فؤاداه فتصيح الملائكة لصيحة فاطمة عليها السلام وينادون أهل القيامة قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة، قال: فيقول الله عز وجل افعل به ولشيعته وأحبانه وأتباعه») (2).

5. روى الصدوق بسنده (عن يعقوب بن زيد عن منصور عن رجل عن شريك يرفعه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة عليها السلام في لمة من نسائها فيقال لها ادخلي الجنة فتقول لا أدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي فيقال لها انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين عليه السلام قائما وليس عليه رأس فتصرخ صرخة وأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها فيغضب الله عز وجل عند ذلك

ص: 115


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق : ج 2، ص 8. شرف المصطفى للخركوشي «مخطوط» يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم (1887) والحديث جاء في الورقة .173 . مسند الفردوس للديلمي : ج 5 ، ص 476 . ح 8812 . ينابيع المودة للقندوزي : ج 2، ص 343
2- ثواب الأعمال : ص219

فيأمر نارا يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت لا يدخلها روح أبدا ولا يخرج منها غم أبدا فيقال التقطي قتلة الحسين وحملة القرآن فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها وشهقت وشهقوا بها وزفرت وزفروا بها فينطقون بألسنة ذلقة طلقة يا ربنا فيما أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان فيأتيهم الجواب عن الله تعالى ان من علم ليس كمن لا يعلمه»(1).

6 . روى ابن شهر آشوب (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«بيني وبين قاتل الحسين خصومة يوم القيامة آخذ ساق العرش بيدي ويأخذ علي بحجزتي وتأخذ فاطمة بحجزة علي ومعها قميص فأقول:

يا رب أنصفني في قتلة الحسين»(2).

وبعد أن يأخذ فاطمة وعلي ورسول الله عليهم السلام حقهم من قتلة ولدها الحسين وذريتها وأشياعهم كما مرّ في الأحاديث فإنها عليها السلام سيكون لها انتقالة ثالثة من يمين العرش إلى الصراط المستقيم، وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

ص: 116


1- ثواب الأعمال للصدوق : ص 217 . البحار للمجلسي : ج 7، ص127
2- مناقب آل أبي طالب للمازندراني : ج 3، ص238

المبحث الثاني

منزلة فاطمة عليها السلام على الصراط يوم القيامة ليس كمثلها منزلة

إن التأمل في الروايات الشريفة الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين حول يوم القيامة ومجرياته وما يختص بالصراط المستقيم ليعطي صورة عن منزلة فاطمة تأخذ العقل إلى نتيجة مفادها : إن لفاطمة منزلة على الصراط ليس لها مثيل قط .

وذلك أن التكريم الذي تحاط به فاطمة يوم القيامة لا يحاط به أحد من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام فلفاطمة عليها السلام مواكب وتشريفات قدسية عند كل انتقالة في المحشر تختلف من حيث الإجلال والتكريم عن نظيرتها.

ففاطمة صلوات الله عليها إذا أرادت ان تنتقل من ساحة المحشر - كما مرّ سابقاً - إلى يمين العرش كان تكريمها وتشريفاتها الملائكية والقدسية تختلف عن انتقالها من مكانها عند يمين العرش إلى الصراط المستقيم لتجوز عليه إلى الجنة.

بل : تفيد الأحاديث الشريفة بأنها حينما تجوز الصراط سيكون لها تشريفات جديدة تختلف عن السابقة لتصل بهذا الإجلال والحفاوة والتعظيم إلى باب الجنة، وهذه التشريفات كالآتي :

ص: 117

المسألة الأولى: ما تمتاز به التشريفات القدسية لخروج فاطمة من قبرها إلى المحشر واختلافها عن بقية التشريفات التي لها عند انتقالها من مكان إلى آخر في يوم القيامة

مرّ علينا في المسألة الأولى الكيفية التي تخرج عليها فاطمة من قبرها نذكر منها ما يخص الشاهد الذي نستدل به على اختلاف هذه التشريفات وتعددها في يوم القيامة.

عن علي عليه السلام عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لفاطمة عليها السلام في حديثه عن منزلتها في يوم القيامة، فيقول :

«ثم يبعث الله إليك جبرائيل - أي عند تشقق الأرض عنها - في سبعين ألف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب من نور، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور فيقف عند رأسك فيناديك:

يا فاطمة ابنة محمد قومي إلى محشرك.

فتقومين آمنة روعتك مستورة عورتك، فينا ولك اسرافيل الحلل فتلبسينها، ويأتيك روفائيل بنجيبة من نور، زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب فتركبينها، ويقود روفائيل بزمامها، وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح.

فإذا جدّ بك السير أستقبلك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليك بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور تسطع منها ريح العود من غير نار، وعليهن أكاليل الجوهر مرصع بالزبرجد الأخضر فيسرن عن يمينك.

ص: 118

فإذا مثل الذي سرت من قبرك إلى أن استقبلتك مريم بنت عمران في مثل من معك من الحور فتسلم عليك وتسيرهي ومن معها عن يسارك، ثم استقبلتك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله وبرسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير فإذا أقربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك فإذا توسطت الجمع وذلك ان الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي الأقدام»(1).

وتمتاز هذه التشريفات الخاصة بخروجها من القبر وقدومها إلى ساحة المحشر بما يلي :

1. قدوم جبرائيل عليه السلام بسبعين ألف ملك.

2. قدوم اسرافيل عليه السلام بثلاث حلل من الجنة.

3. قدوم روفائيل بنجيبة من نور زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب، فيقود روفائيل النجيبة إلى ساحة المحشر .

4 . إن الملائكة التي يقدم بها جبرائيل يكون بأيديها الوية التسبيح فتسير بين يديها.

5 . يستقبلها سبعون ألف حورية بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غير نار وعليهن أكاليل الجوهر مرصع بالزبرجد الأخضر فيسرن عن يمينك .

ص: 119


1- تفسير فرات الكوفي : ص 445 . البحار للمجلسي : ج 8، ص 53 . خديجة بنت خويلد للمؤلف : ج2، ص 246

6. قدوم مريم بنت عمران لاستقبالها ومعها سبعون ألفاً من حور العين فتكون عن يسارها .

7. استقبال خديجة لها ومعها سبعون ألف ملك

ونلاحظ : هنا شأنية خديجة على مريم عليهما السلام فمريم تقدم مع الحور العين وخديجة تقدم مع الملائكة وبأيديها ألوية التكبير.

اما شأنيتها في انتقالها من ساعة المحشر إلى يمين العرش فتكون ضمن تشريفات أخرى تمتاز بميزات جديدة كما في المسألة القادمة :

المسألة الثانية ما تمتاز به التشريفات الملكوتية لانتقال فاطمة من ساحة المحشر إلى يمين العرش

إن من الحقائق التي تظهرها الأحاديث الشريفة ان في كل حركة وانتقالة الفاطمة في يوم الحشر ينادي المنادي في الخلائق فيأمرها بغض أبصارها ؛ بمعنى ان هذا الأمر الإلهي لأهل الجمع لم يكن محصوراً في جواز فاطمة على الصراط كما نصت الأحاديث حيث اقترن ذكر الصراط بغض أبصار الخلائق وجاء الأمر الإلهي بغض الأبصار كما في الحديث الشريف الآتي :

قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطمها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسلك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نوريرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، وداخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج

ص: 120

سبعون ركنا كل ركن مرصع بالدر والياقوت تضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء وعن يمينها سبعون ألف ملك وعن شما لها سبعون ألف ملك وجبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلا يبقى يومنذ نبي ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله»(1) .

والحديث واضح الدلالة على ان التشريفات التي ترافق انتقال فاطمة عليها السلام من ساحة المحشر إلى يمين العرش تختلف كلياً عن تلك التشريفات الملكوتية والقدسية التي رافقتها من خروجها من قبرها إلى المحشر .

وهو كالآتي :

1 . فهنا كان جبرائيل عليه السلام هو قائد الناقة، وهناك عند الخروج من القبر كان روفائيل هو القائد.

2. اختلاف الوسيلة في القدوم فهنا كانت فاطمة راكبة على ناقة ضمن مواصفات مر ذكرها وهناك كانت على نجيبة من نور.

3. على الناقة هنا كانت قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها وعلى النجيبة هناك كانت محفة من ذهب ، أي : هودج ليس له قبة.

4. هنا المنادي في الخلائق بغض أبصارهم جبرائيل عليه السلام وهو ينادي بأعلى صوته، وهناك عند خروجها من قبرها وقدومها إلى ساحة المحشر فإن المنادي ينادي من تحت العرش يسمع الخلائق ولم تصرح الرواية بهوية المنادي .

ص: 121


1- الأمالي للصدوق : ص 17

إذن :

اختلفت التشريفات واختلف النداء والمنادي لاختلاف الموقعين في الحركتين وما ذاك أي : الاختلاف في هذه التشريفات القدسية، إلا لإظهار منزلة فاطمة وبيان قدرها وشأنها عند الله تعالى كما هو حال العظماء والزعماء والأمراء حينما ينتقلون من مكان إلى آخر ضمن تشريفات تعكس عظمة هذه الشخصية وهيبتها.

إلا ان الفارق عظيم جداً ولا يمكن قياسه فلا الزمان نفس الزمان ولا المكان نفس المكان ولا الشخوص نفسها ولا التشريفات نفسها فشتان ما بين الدنيا والآخرة والله الأمر من قبل ومن بعد وهو العزيز الحكيم.

المسألة الثالثة: ما تمتاز به التشريفات الخاصة بجواز فاطمة عليها السلام على الصراط عن غيرها من التشريفات يوم القيامة

مثلما كان لفاطمة عليها السلام تشريفات خاصة لخروجها من قبرها وذهابها إلى ساحة المحشر، ومن المحشر إلى يمين العرش، كذاك لها تشريفات قدسية ملكوتية عند انتقالها من يمين العرش بعد أن تخطب خطبتها على منبرها والأحاديث الشريفة تظهر هذه التشريفات الخاصة بعملية الانتقال من يمين العرش إلى الصراط المستقيم والتي تمتاز أي هذه التشريفات بميزات جديدة تتناسب مع هذه المرحلة أي الصراط التي أولاها القرآن والأحاديث النبوية الشريفة عناية خاصة، أي الصراط المستقيم. لموضع على شفير جهنم والذي عليه عقبات كثيرة بعدد الفروض التي أوجبها الله تعالى على عباده.

ص: 122

وعليه :

فإن هذا المنزل العظيم من منازل يوم القيامة وأحد عقباته وخصوصياته الرهيبة هو لفاطمة ضمن حفاوة وتعظيم وإجلال وتكريم لم يحظ به أحد - كما دلت الروايات - إلا بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقلبه وروحه التي بين جنبيه وهي كالآتي:

1 . روى سليمان الأعمش، عن ابن ظبيان ( عن أبي ذر رحمة الله عليه قال : رأيت سلمان وبلالاً يقبلان إلى النبي صلى الله عليه وآله إذ انكب سلمان على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله يقبلها فزجره النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك، ثم قال له :

«يا سلمان لا تصنع بي ما تصنع الأعاجم بملوكها، أنا عبد من عبيد الله، آكل مما يأكل العبيد، وأقعد كما يقعد العبيد».

فقال له سلمان يا مولاي سألتك بالله إلا أخبرتني بفضائل فاطمة يوم القيامة ؟ قال : فأقبل النبي صلى الله عليه وآله ضاحكا مستبشرا ، ثم قال :

«والذي نفسي بيده إنها الجارية التي تجوز في عرصة القيامة على ناقة رأسها من خشية الله وعيناها من نور الله وخطامها من جلال الله وعنقها من بهاء الله وسنامها من رضوان الله ، وذنبها من قدس الله، وقوائمها من مجد الله، إن مشت سبحت وان رغت ،قدست عليها هودج من نور فيه جارية إنسية حورية عزيزة جمعت فخلقت و صنعت ومثلت من ثلاثة أصناف: فأولها من مسك أذفر وأوسطها من العنبر الأشهب وآخرها من الزعفران الأحمر، عجنت بماء الحيوان لو تفلت تفلة في سبعة أبحر مالحة لعذبت، ولو أخرجت ظفر خنصرها إلى دار الدنيا

ص: 123

لغشي الشمس والقمر، جبرئيل عن يمينها وميكائيل عن شمالها، وعلي أمامها والحسن والحسين وراءها، والله يكلأها ويحفظها، فيجوزون في عرصة القيامة فإذا النداء من قبل الله جل جلاله (معاشر الخلائق غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم، هذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله نبيكم زوجة علي إمامكم، أم الحسن والحسين) فتجوز الصراط وعليها ريطتان بيضاوان»)(1).

2 . روى فرات الكوفي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، (عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه قال :

«إذا كان يوم القيامة نادى مناد من لدن العرش: غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتستقبلها عشرة آلاف حوراء لم يستقبلن أحدا قبلها ولا يستقبلن أحدا بعدها ومعهن عشرة آلاف ملك ومعهم حراب النور على نجانب من ياقوت، أجنحتها وأزمتها لؤلؤ رطب عليها رحائل من در، على كل رحل منهم ( منها ) نمرقة من سندس، ركابها زبرجد، فيجزن بها على الصراط حتى ينتهين بها إلى الفردوس»)(2).

3. الأصبغ بن نباتة، عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع، نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط.

قال: فتمر ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبقى اللامع»)(3).

ص: 124


1- تأويل الآيات الظاهرة : ص 472 - 474
2- تفسير فرات الكوفي : ص 444 . مسائل علي بن جعفر : ص 345، 346
3- دلائل الإمامة لابن جرير الطبري الإمامي : ص 50 ز كشف الخفاء للعجلوني : ج 1 ، ص 101، ح263

4 . روى علي بن جعفر ( عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«إذا كان يوم القيامة نادى مناد : يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم حتى تمر فاطمة بنت محمد، فتكون أول من يكسى، وتستقبلها من الفردوس إثنا عشر ألف حوراء وخمسون ألف ملك، على نجانب من الياقوت، أجنحتها وأزمتها اللؤلؤ الرطب، ركيها من زبرجد، عليها رحل من الدر، على كل رحل نمرقة من سندس حتى يجوزوا بها الصراط، ويأتوا بها الفردوس»).

وهذه الأحاديث الشريفة تكشف عن تلك التشريفات القدسية التي ترافق حركة فاطمة عليها السلام من يمين العرش إلى الصراط لتجوز عليه ومن معها كالبرق الخاطف أي وهي بهذا الموكب العظيم الذي امتاز بميزات عديدة جعلته يختلف عن غيره في التشريفات التي رافقت حركة فاطمة عليها السلام وتنقلها في يوم القيامة ؛ وما ذاك إلا لإظهار قدرها وجاهها ومنزلتها وشأنها عند الله تعالى.

أما ما امتازت به هذه التشريفات القدسية التي رافقت انتقال فاطمة عليها السلام وجوازها على الصراط فهي كالآتي :

1 . إن الناقة التي هيئت لفاطمة عليها السلام في جوازها على الصراط تختلف عن النجيبة التي تقدم عليها من قبرها إلى ساحة المحشر، وتختلف عن الناقة التي تنتقل عليها من ساحة المحشر إلى يمين العرش ويمكن ملاحظة هذا الاختلاف والاستدلال عليه بما يأتي:

ص: 125

أ: عند خروجها من قبرها وقدومها إلى المحشر تكون راكبة على نجيبة وهي الكريمة من الإبل صفتها من نور زمامها من لؤلؤ رطب عليها محفة من ذهب ويقودها روفائيل.

ب : اما عند انتقالها عليها السلام إلى يمين العرش فتكون على ناقة مديحة الجنبين خطمها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسك الاذفر عيناها ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها داخلها عفو الله ، وخارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً كل ركن مرصع بالدر والياقوت، تضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك وعن شمالها سبعون ألف ملك و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ج: وهنا عند جوازها على الصراط فانها تقدم من يمين العرش وهي راكبة على ناقة رأسها من خشية الله وعينها من نور الله، وخطامها من جلال الله ، وعنقها من بهاء الله وسنامها من رضوان الله وذنبها من قدس الله وقوائمها من مجد الله إن مشت ،سبحت، وإن رغت قدست عليها هودج من نور فيه جارية إنسية حورية عزيزة جمعت فخلقت وصنعت ومثلت من ثلاثة أصفاف: فأولها من مسك أذفر، وأوسطها من العنبر الأشهب ، وآخرها من الزعفران الأحمر، عجنت بماء الحيوان.

2 . إن في هذا الموقف ومع هذه التشريفات فان المنادي في الخلائق هو الله جل جلاله: «معاشر الخلائق غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم، هذه فاطمة بنت

ص: 126

محمد نبيكم، زوجة علي إمامكم، أم الحسن والحسين، فتجوز الصراط وعليها ريطتان (1) بيضاوان، وفي انتقالها إلى يمين العرش فان المنادي جبرائيل عليه السلام وعند وصولها من قبرها إلى ساحة المحشر كان المنادي ينادي من تحت العرش والفرق واضح في النداء خلال المواضع الثلاثة.

3. في جوازها على الصراط يكون جبرائيل عن يمينها وميكائيل عن شمالها وعلي ،أمامها والحسن والحسين من خلفها، وهذا يختلف عن المواضع السابقة عند حركتها وانتقالها .

4. يستقبلها من جنة الفردوس اثنا عشر ألف حوراء، وخمسون ألف ملك، على نجائب من الياقوت أجنحتها وأزمتها لؤلؤ رطب وكل ذلك يدل على عظيم منزلتها عند الله تعالى.

المسألة الرابعة: ما تمتاز به التشريفات القدسية الخاصة بانتقال فاطمة عليها السلام من الصراط إلى الجنة وبما تختلف عن بقية التشريفات المرافقة لحركتها في يوم القيامة

1 . روى فرات الكوفي عن سهل بن أحمد الدينوري معنعناً عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : قال جابر لأبي جعفر علیه السلام : جعلت فداك يا بن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة عليها السلام إذا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك ؟ قال أبو جعفر عليه السلام :

حدثني أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:

ص: 127


1- الريطة : الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ونسجاً واحدا

«إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلى منابرهم...».

إلى أن يقول :

«يا أهل الجمع طأطنوا الرؤوس وغضوا الأبصار فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة فيأتيها جبرائيل بناقة من فوق الجنة مدبجة الجنبين خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها فتركبها فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا على يمينها ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يصيروها عند باب الجنة»(1).

2 . روى الصدوق رحمه الله بسنده إلى سعيد بن المسيب عن ابن عباس : (قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقال:

«اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس علي فأحبب من أحبهم، وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم، وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيدهم بروح القدس».

ثم قال صلى الله عليه وآله :

«يا علي، أنت إمام أمتي، وخليفتي عليها بعدي، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنة، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور، عن يمينها

ص: 128


1- تفسير فرات الكوفي : ص 299 ، بحار الأنوار للمجلسي : ج 43 ، ص 65 . قادتنا كيف نعرفهم : للسيد الميلاني : ج 3، ص 158

سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك، تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة، فأيما امرأة صلت في اليوم والليلة خمس صلوات وصامت شهر رمضان، وحجت بيت الله الحرام، وزكت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت عليا بعدي، دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة».

3. روى ابن جرير الطبري الإمامي ( عن علي بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«تحشر ابنتي فاطمة وعليها حلة الكرامة، قد عجنت بماء الحيوان، تنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها .

ثم تكسى أيضا حلة من حلل الجنة، وهي ألف حلة، مكتوب على كل حلة بخط أخضر: (أدخلوا ابنة محمد الجنة على أحسن صورة وأحسن كرامة، وأحسن منظر).

فتزف إلى الجنة كما تزف العروس، ويوكل بها سبعون ألف جارية»)(1).

والأحاديث الشريفة تنص على امتياز المحطة الرابعة لحركة فاطمة عليها السلام يوم المحشر وهي انتقالها من الصراط إلى الجنة والتي اختلفت بها عن المحطات الثلاث السابقة التي كان لكل محطة ما يميزها عن الآخرة من التشريفات والحفاوة والجلالة والإكرام. وهذا يكشف عن عظيم منزلتها صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها عند الله تعالى وما لها من الشأنية والوجاهة التي نالت بها كل هذه التشريفات في يوم هو من أعظم الأيام التي خلقها الله تعالى ابتلاء وشدة

ص: 129


1- دلائل الإمامة للطبري : ص 155

وهولاً وخوفاً وهلعاً وغيرها مما اختص بهذا اليوم الذي «كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا»(1).

إلا أن بضعة سيد الأنبياء والمرسلين، وحليلة إمام المتقين وأم الحسن والحسين، التي جعلها الله مشكاة الأنوار، وأم الأئمة الهداة الأطهار، سيدة نساء العالمين، وروح شريعة رب العالمين وقلبه صلى الله عليه وآله وسلم خزانة الوحي، ومستودع أنوار روح القدس.

«ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينِ (20) قُطَاعِ ثُمَّ أَمِين»(2).

نعم، هذه هي فاطمة، وهذا هو قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروحه التي بين جنبيه في يوم القيامة بهذه التشريفات والحفاوة والجلالة والهيبة والكرامة التي لم يحظَ أحد من الأنبياء والمرسلين والشهداء بما أعده الله تعالى لها في مثل هذا اليوم كي يعرف الناس قدرها الذي حقره الظالمون وشأنها الذي تجاهله المنافقون وحرمتها التي انتهكها الكافرون الذين لم يحكموا بما أنزل الله(3).

فها هو يوم القيامة فأي قدر لفاطمة عليها السلام سيعرفهم الله به؟! وأي منزلة سيظهرها الله لهم ؟! وأي شرف سيطأطئ له الخلائق ويغضون لأجله أبصارهم في كل حركة لفاطمة في يوم المحشر؛ حتى يتمنى الناس ان يكونوا فاطميين حينما لا يجرؤون على رفع أبصارهم إليها وقد جاءت من الصراط

ص: 130


1- سورة الإنسان الآية : 7
2- سورة التكوير، الآية : 20 - 21
3- قال تعالى: «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئكَ هُمُ الْكَفِرُونَ» ، وقال عز وجل: «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَتهكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» ، وقال سبحانه: «وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَيكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»، سورة المائدة الآيات : 44، 45 ، 47

فيستقبلها جبرائيل بتشريفات خاصة تتناسب مع هذه المحطة الأخيرة أي انتقالها إلى الجنة فكانت كالآتي :

1 . يستقبلها جبرائيل عليه السلام فيأتيها بناقة من فوق الجنة مديجة الجبين خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها فتركبها .

والملاحظ هنا مجموعة أمور تجعل هذه الناقة تختلف عن غيرها مما يجعلها من مختصات هذه المحطة الأخيرة في حركة فاطمة يوم القيامة وهي :

أ : إنها مدبجة الجبين أي ممتلئة أو مزينة وقيل في المجاز: «دبج المطر الأرض يديجها بالضم أي ديجاً وديجها زينها بالرياض»(1).

ب :خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب.

ج : عليها رحل من المرجان في حين كانت فاطمة عليها السلام عند خروجها من قبرها تقدم على نجيبة من نجائب الجنة وتكون من نور ويقودها روفائيل.

د يكون على الناقة هنا ،رحل ورحل الناقة الكور وهو كالسراج وآلته للفرس (2) ، والرحل يختلف عن الهودج والمحفاة التي كانت على النوق في المحطات السابقة التي مرت بها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

2 . إن الله تعالى يبعث إليها مائة ألف ملك فيصيرون على يمينها ومائة ألف أخرى يحملها على أجنحتهم حتى يصيروها عند باب الجنة.

وفي الرواية الثانية ان الله تعالى يبعث إليها سبعين ألف ملك عن يمينها

ص: 131


1- أساس البلاغة للزمخشري : ص 261
2- نزهة النظر في غريب النهج والأثر للبدري : ص 743

وشمالها وأمامها وخلفها ولا تعارض بين الروايتين فهما محمولان إما على الجزئية أي : ان السبعين هي من ضمن المائة.

وإما محمول على ان الطريق إلى الجنة له مرحلتان أو أكثر وفي هذه المراحل تتغير التشريفات القدسية المرافقة لها .

فتكون الرواية الثانية تتحدث عن أحد هذه المحطات بين الصراط والجنة بدليل ان الرواية نصت على نجيب من نور وهو الكريم من الإبل، وهو غير الناقة التي يأتي بها جبرائيل فتناخ بين يديها ؛ وعليه :

تكون الرواية قد كشفت عن حقيقة جديدة وهي ان الطريق بين الصراط والجنة له محطات وهي كالآتي :

1. المحطة الأولى تبدأ من الصراط وفيها يأتي جبرائيل عليه السلام إلى فاطمة بناقة من نوق الجنة مدبجة الجبين خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها ويبعث الله إليها مائة ألف ملك.

2. المحطة الثانية تكون فيها فاطمة على نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك وكذاك عن شمالها وأمامها وخلفها.

3. المحطة الثالثة : تكسى فيها فاطمة ألف حلة مكتوب على كل حلة بخط :أخضر : أدخلوا ابنة محمد الجنة على أحسن صورة، وأحسن كرامة، وأحسن ،منظر، فتزف إلى الجنة كما تزف العروس، ويوكل بها سبعون ألف جارية؛ وهنا تحملها الملائكة على أجنحتها فتصيرها عند باب الجنة.

فالحمد لله رب العالمين على ما أكرم به نبيه المصطفى وآله أجمعين فجعل لهم شرفاً يطأطئ له كل شريف ؛ ونسأله ان يزيدهم في الدنيا والآخرة.

ص: 132

المبحث الثالث

منزلة فاطمة عليها السلام في الجنة

قد يتصور البعض ان التشريفات القدسية تقتصر على يوم القيامة ومن ثم لا وجود لها في الجنة حيث إن أهلها محل الكرامة والشرف والسعادة الذين شملهم لطف الله ورحمته فكانوا من أهل جنته.

إلا أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تفيد بأن لكل نفر في الجنة شرافة وله موضعه الذي يمتاز به عن غيره، وان هناك تفضيلاً كبيراً بين أهلها لاختلاف درجاتهم ومنزلتهم عند الله تعالى.

ولذا فقد كانت الدعوات من القرآن إلى الناس في التنافس فيما بينها كي يصلوا إلى درجاتها ومنازلها وتنوع جناتها.

وعليه :

فلفاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها شرافة خاصة في الجنة تمتاز بها عن غيرها من نساء أهل الجنة فضلاً عن اختصاصها ببعض الميزات في دخولها إلى الجنة وماذاك الا لعظيم منزلتها وعلو شأنها ودرجتها عند الله تعالى.

ويمكن لنا الوقوف عند هذه الحقائق من خلال المسائل الآتية.

ص: 133

المسألة الأولى : إظهار شرافة فاطمة ومنزلتها عند باب الجنة

من الحقائق التي أظهرتها الأحاديث الشريفة المرتبطة بالجنة ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه عن الاسراء والمعراج فقال :

1. «لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله علي حبيب الله الحسن والحسين صفوة الله فاطمة أمة الله على باغضهم لعنة الله»(1) .

2. وقد ورد الحديث بلفظ آخر ، وهو :

«رأيت على باب الجنة مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله والحسن والحسين سبطا رسول الله وفاطمة الزهراء صفوة الله وعلى ناكرهم وباغضهم لعنة الله تعالى»(2).

3. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي أخو رسول الله، قبل أن يخلق الله السموات والأرض بألفي عام»(3).

أما ما هي الحكمة من وجود هذه الكتابة على باب الجنة ؟

وأقول :

ص: 134


1- الأمالي للطوسي : ص 355. كشف الغمة للأربلي : ج 1 ، ص 526 . الجواهر السنية للحر العاملي : ص 399. تاریخ بغداد : ج 1 ، ص 274
2- الفضائل لابن شاذان : ص83
3- الأمالي للشيخ الصدوق : ص 134 ، عمدة الأخبار لابن البطريق : ص233، المعجم الأوسط للطبراني : ج 5 ، ص 343

1 . إن في ذلك دلالة على أن الله خلق الجنة لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ومثاله في الحياة الدنيا ما يضعه الناس من أسمائهم على بيوتهم ومحلاتهم وكل ممتلكاتهم كي يعلم الناس انها تعود لفلان أو فلان هكذا يكون وضع هذه الأسماء على باب الجنة.

2 . إن وجود هذه الأسماء له دلالة للداخل إلى الجنة بأن أصحاب هذه الأسماء هم سادات الجنة فيكون بالمعنى الأول على الملكية وبالمعنى الثاني على السيادية.

3. إن في ذلك سروراً للمؤمنين حيث سيلتقون مع من تولوا وأحبوا وشايعوا في الحياة الدنيا.

المسألة الثانية: إنّ فاطمة سيدة نساء الجنة

لا شك ان الجنة هي محل خلاصة العباد وفيها تكون النساء المؤمنات اللاتي اجتزن الحياة الدنيا بالإيمان والعمل الصالح فنلنَ برحمة الله ولطفه وفضله الفوز في الجنة.

إلا أن الدخول إلى الجنة يكشف للداخلين إليها حقائق جمّة لا يمكن حصرها أو الوقوف عندها وذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»(1).

ومما فيها منزلة محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومما فيها شرافة فاطمة ودرجتها عند الله تعالى والتي سيظهرها الله تعالى لأهل الجنة، فمنها ما نص

ص: 135


1- الأمالي للصدوق : ص 517

عليه الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لفاطمة في مرضه الذي توفي فيه.

1. «إن جبرائيل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وانه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلأحضر أجلي، وانك أول أهل بيتي لحاقاً بي»

فبكت فاطمة صلوات الله عليها . فقال :

«أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة»(1) .

2 . وفي لفظ آخر : عن زر بن حبيش عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«ثم نزل ملك من السماء فاستأذن الله ان يسلم علي لم ينزل قبلها فبشرني ان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»(2) .

ولأنها سيدة نساء الجنة فهذا يعني انها سيدة مريم بنت عمران وآسية بن مزاحم وخديجة عليهم السلام وهي السيادة التقوائية بمعنى ان فاطمة بلغت رتبة من التقوى لم تبلغها امرأة قط ولأجل ذلك نالت هذه السيادية على النساء في الجنة.

ص: 136


1- صحيح البخاري باب علامات النبوة : ج 4 ، ص 183. وباب : مناقب المهاجرين : ج 4 ، ص 209
2- مستدرك الحاكم : ج 3، ص 164 ، وفي ص 168 برقم 4733 . سنن الترمذي : ج 5 ، ص 660 ، برقم 3781 ، سنن الكبرى للنسائي : ج 5 ، ص 80 ، برقم 8298 ، مسند احمد : ج 4، ص 569 ؛ فضائل الصحابة للنسائي : ج 1 ، ص 58 ، ط دار الكتب العلمية؛ المنتقب الإسلامي : ج 3، ص 80 ، برقم 11773؛ مسند الحارث بزوائد الهيثمي : ج 2، ص 910 ، برقم 989؛ مسند الموصلي : ج12، ص 110 ، برقم 6743 ، ط دار المأمون بدمشق ؛ الآحاد والمثاني : ج 5 ، ص 25 ، برقم 2963؛ فتح الباري : ج 6 ، ص 447 ، ط دار المعرفة؛ تحفة الأحوذي : ج 10، ص 269؛ فيض القدير للمناوي : ج 2، ص 461 ، ط المكتبة التجارية بمصر ؛ حلية الأولياء : ج 4 ، ص 190 ، ط دار العربية للكتاب
المسألة الثالثة:
إنّ فاطمة أول من يدخل الجنة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحكمة في ذلك

إنّ مما يستوقف الباحث والقارئ تخصيص الأولوية في الدخول إلى الجنة على غيرها من مظاهر الحفاوة والتكريم الذي يظهره الله تعالى لمحمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين لما بلغه المصطفى وعترته من الكمالات التقوائية فهم خيرة الله من خلقه وخاصته من عباده وصفوته وحجته عليهم ومن ثم لابد أن يكون الكرم كل الكرم واللطف الإلهي مخصوصاً بهم.

ومن بين مظاهر هذا اللطف الإلهي بمحمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين أولوية الدخول إلى الجنة على جميع خلق الله تعالى ولاسيما الأنبياء والمرسلين وعباد الله المخلصين.

ولذا :

لابد أن يكون لهذا التخصيص دلالات ترشد القارئ إلى مكنون هذا اللطف والتكريم الإلهي لمحمد وعترته في يوم القيامة.

أولاً : خصوصية الأولوية في الدخول إلى الجنة

لا شك ان الجنة هي جوهر الجزاء الرباني ومصداق تحققه للعباد والله جل شأنه صادق الوعد ولا يخلف الميعاد ؛ ومن ثم فان للدخول إلى الجنة بصفة الأولوية له من الخصوصية التي يمكن ملاحظتها فيما يأتي:

1. قد جرت العادة في الحياة وعند جميع الأمم والشعوب أن يكون (للأول) دلالة الجد والاجتهاد والتفوق على غيره من النظراء في مجالات الحياة كافة لاسيما

ص: 137

ما يتعاهده الناس في موارد السباق والتحصيل الدراسي.

ومن ثم أصبح عنوان (الأول) له تلك الدلالة المرتكزة في ذهن السامع في التفوق والمثابرة والجد والاجتهاد الذي غلب فيها نظراءه فكان الأول عليهم.

2 . إن الدخول إلى الجنة ضمن عنوان (الأولية) له دلالة استحقاق (الأول) لهذه الجائزة ومن ثم فهو المالك لها الذي نالها باستحقاق وجدارة.

3. لا شك ان الجائزة، أي الجنة ليس لها إلا دلالة واحدة وهي التقوى فمن دخل أولاً إلى الجنة فهو الأول في سلم التقوى الذي أحرز كل جزئياتها وكلياتها حتى أصبح عنوانها في الحياة الدنيا ؛ ولذا اسحق رتبة أكرم الخلق عند الله تعالى بدلالة قوله سبحانه :

«إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» .

4. إن دخول الثاني والثالث والرابع إلى الجنة بعد الأول هو بلحاظ الاستحقاق التقوائي والجزائي وذلك ان الله تعالى ليس له قرابة مع أحد ومن ثم فإن التخصيص مرتكز على العمل الصالح والإيمان.

5 . لا شك ان الإنسان بعد أهوال يوم القيامة ومجرياته فانه بأشد الحاجة إلى الخلاص من هذه الأهوال والدخول إلى محل الأمان إذ ما يزال الإنسان في خوف راجياً لرحمة الله تعالى حتى يشمله لطف الله فيدخل إلى الجنة وفي هذا معنى خاصٌّ لا يدركه إلا الواقف في عرصات يوم القيامة وهو ينظر إلى السابقين السابقين في الدخول إلى الجنة.

وعليه :

ص: 138

فهذا التخصيص في الأولية للداخلين إلى الجنة له هذه الدلالات وغيرها مما تختزنه قلوب أهل عناية الله تعالى والذي دلت عليه الأحاديث الشريفة وهي كالآتي :

1. أخرج الحافظ ابن البطريق والحافظ الزيلعي ( عن علي عليه السلام قال :

«شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسد الناس، فقال لي: أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن ايماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا وشيعتنا من خلق ذريتنا»)(1).

2. روى الحاكم النيسابوري ( عن علي عليه السلام :

«إن أول من يدخل الجنة أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين.

قلت یا رسول الله: فمحبونا ؟

قال: من ورائكم») (2).

3. روى الزرندي الحنفي عن أبي هريرة، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

أول شخص يدخل علي الجنة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل») (3).

ص: 139


1- عمدة عيون صحاح الأخبار لابن البطريق : ص 50 ؛ تخريج الأحاديث للزيلعي : ج 3، ص 335. الكشف والبيان للثعلبي : ج8، ص311. تفسير الكشاف للزمخشري : ص 467. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ج 16، ص 32
2- بشارة المصطفى : ص 46. مستدرك الحاكم : ج 3، ص 151
3- نظم درر السمطين للزرندي : ص 18 . مسند الفردوس للديلمي : ج 1، ص 38، ح 81. فيض القدير للمناوي : ج 1 ، ص 53 . إمتاع الأسماع للمقريزي : ج 3، ص333

4 . روى أبو نعيم الأصبهاني بسنده (عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول شخص يدخل على الجنة: فاطمة بنت محمد، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل»).

إن الملاحظ في هذه الأحاديث الشريفة جملة من الأمور وهي كالآتي :

1 . إن العترة النبوية صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم أول الداخلين إلى الجنة، أي قبل جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وأوصيائهم والشهداء والعلماء وغير ذلك من مراتب الدرجات عند الله تعالى؛ وهذا يكشف عن كونهم خيرة الله من خلقه وأشرفهم على عباده وأقربهم منه عز وجل عبودية وطاعة وإخلاصاً.

2 . إن دخولهم يكون من حيث الترتيب على هيئة المجموعة، إذ الظاهر من الحديث الأول : أن الخمسة أصحاب الكساء ، أي : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم و ذريتهم وأشياعهم هم أول من يدخل بلحاظ الأمم أو المجموعات وذلك أن المناط في يوم القيامة في الإقبال إلى المحشر والخروج منه إلى الجنة بعد المرور بعدة محطات خاصة به يكون على هيئة الجماعة التي يقودها إمامها .

ومما يدل عليه :

ص: 140

أ : قال تعالى :

«يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسِ بِإِمَامِهِم»(1).

ب : قال تعالى :

«يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفَدَا»(2).

ومحمد وعلي والحسن والحسين والأئمة من ذرية الحسين هم المتقون الذين يحشرون على هيئة الوفد كما نصت الآية المباركة.

ج : أخرج الحميري القمي عن موثقة مسعدة بن صدقة قال : حدثنا جعفر بن محمد، عن آبائه : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجهال؛ وان أنمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم» (3).

3. إن المراد بالأزواج للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي هما خديجة وفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين لكن أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدم ذكرهما (ظاهرا) لوجود خصوصية خاصة في دخول خديجة وفاطمة عليهما السلام نص على ذلك الحديث الثالث والرابع ؛ اللذان أشارا إلى خصوصية دخول فاطمة إلى الجنة.

ص: 141


1- سورة الإسراء، الآية : 71
2- سورة مريم، الآية : 85
3- قرب الإسناد للحميري : ص78
ثانياً : ما هي الحكمة في أن تكون فاطمة عليها السلام أول الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة؟

من الحقائق التي يكشفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتعلق بيوم القيامة والدخول إلى الجنة والمخصوصة بفاطمة عليها السلام ما ورد في الحديث الثالث والرابع من بيان لخصوصيتين مهمتين فيما يتعلق بأمر الدخول إلى الجنة دون غيرهما من الخصائص والميزات التي ترافق وجود فاطمة عليها السلام في الجنة.

بمعنى: ما زلنا في بيان أمر الدخول إلى الجنة وليس بما يتعلق بمنزلتها صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها في الجنة والذي سنتعرض لذكره لاحقاً.

ففي أمر الدخول إلى الجنة لفاطمة خصوصية خاصة وميزات متعددة وهي كالآتي :

1 . إن الملاحظ في الأحاديث السابقة استتار اسم فاطمة في بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأول الداخلين إلى الجنة كقوله لعلي صلوات الله عليهما :

أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل إلى الجنة أنا وأنت والحسن والحسين والحكمة في ذلك هو اختصاصها بميزة لم يحظ أحد بها من الخلق ألا وهي انها أول الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى : : أن الأسبقية في الدخول تكون مقيدة في أولوية الداخلين بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم من خلفه علي بن أبي طالب والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين فإذا دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيكون أول الداخلين عليه فاطمة عليها السلام وهذا يحتمل معنيين :

ص: 142

أ: إما انها من ضمن المجموعة الخاصة بمحمد وعلي وولدها كما نص عليه الحديث الثاني فكانت بلفظ التصريح وبلفظ الاستتار أو التلميح في لفظ أزواجنا كما في الحديث الأول ثم تدخل عليه في جنته التي خلقها الله له وهي جنة عدن، أي أول من يدخل عليه في جنته وليس عموم الجنة فاطمة.

ب: واما انها تتأخر في الدخول لتكون بعد أبيها وبعلها وولديها ثم تدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جنته لتجتمع معه في مكان واحد ؛ إلا أن المعنى الأول هو الأقرب لما لها من المنزلة والوجاهة والشأنية عند الله تعالى والتي تتسق مع سلسلة الأحاديث الشريفة الكاشفة عن منزلتها عند الله تعالى.

ولكن يبقى كونها أول الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له ميزته وحكمته الخاصة كما سيظهر في بقية النقاط :

2 . إن من مظاهر الحكمة في كونها أول من يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل علي والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، هو انها أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثم يكون دخولها بصفة الأولوية متعلقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما له من الكرامة والمنزلة عند الله تعالى؛ إذ يعجل الله له في إدخال فاطمة عليه لأنها أقرب الخلق إلى قلبه وأحبهم إليه، ومن ثم ففي ذلك إدخال للسرور على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3. إن من مظاهر الحكمة في هذه الأولية في الدخول على النبي صلى الله

ص: 143

عليه وآله وسلم ظلامة فاطمة عليها السلام واستجابة دعائها فقد دلت الروايات على انها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تدعو الله تعالى فتقول :

«يا حي يا قيوم، برحمتك استغيث فأغثني، اللهم أخرجني من النار، وأدخلني الجنة والحقني بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لها : يعافيك الله ويبقيك، فتقول: يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق بالله»(1).

فاستجاب الله لها.

وكانت تلهج بهذا الدعاء خلال المدة القصيرة التي عاشتها بعد النبي وهي خمسة وسبعون يوماً.

4 . وهذا يكشف في الوقت نفسه عن شدة تعلقها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت ترتجي من الله تعالى أن يأخذ بيديها إلى لقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولقد ورد في الروايات انها لشدة تعلقها وحبها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تسأل منه صلى الله عليه وآله وسلم اين تلقاه يوم القيامة فكانت كالآتي :

ألف : ( عن فاطمة صلوات الله عليها قالت لأبيها :

«يا أبت أخبرني كيف يكون الناس يوم القيامة؟».

قال :

«يا فاطمة يشغلون فلا ينظر أحد إلى أحد، ولا والد إلى الولد ولا ولد إلى أمه».

ص: 144


1- البحار للعلامة المجلسي : ج 43، ص 218

قالت :

«هل يكون عليهم أكفان إذا خرجوا من القبور؟».

قال :

«يا فاطمة تبلى الأكفان وتبقى الأبدان تستر عورة المؤمن، وتبدى عورة الكافرين».

قالت :

«يا أبت ما يستر المؤمنين؟».

قال :

«نوريتلألأ لا يبصرون أجسادهم من النور».

قال :

يا أبت فأين ألقاك يوم القيامة؟».

قالت :

«انظري عند الميزان وأنا أنادي: رب أرجح من شهد أن لا إله إلا الله، وانظري عند الدواوين إذا نشرت الصحف وأنا أنادي رب حاسب أمتي حسابا يسيرل وانظري عند مقام شفاعتي على جسر جهنم كل إنسان يشتغل بنفسه وأنا مشتغل بأمتي أنادي يا رب سلم أمتي، والنبيون عليهم السلام حولي ينادون رب سلم أمة محمد صلى الله عليه وآله») (1).

باء : روى ابن المغازي، فقال : (بينا فاطمة جالسة إذ أقبل أبوها صلى الله

ص: 145


1- بحار الأنوار: ج 7، ص111

عليه وآله حتى جلس إليها فقال لها :

«مالي أراك حزينة؟».

قالت :

«بأبي أنت وأمي يا رسول الله وكيف لا أبكي ولا أحزن وتريد ان تفارقني».

فقال لها :

«يا فاطمة لا تبكي ولا تحزني فلا بد من فراقك فاشتد بكاؤها».

و قالت:

«يا أبتي أين ألقاك؟».

قال:

«تلقيني على تل الحمد اشفع لأمتي.

قالت :

«يا أبت وان لم ألقك».

قال:

«تلقيني عند الصراط جبرئيل عن يميني وميكانيل عن شمالي واسرافيل آخذ بحجزتي والملائكة من خلفي وانا أنادى أمتي فيهون عليهم الحساب ثم انظر يمينا وشمالا إلى أمتي وكل نبي يوم القيامة مشتغل بنفسه يقول يا رب نفسي نفسي وأنا أقول يا رب أمتي أمتي فأول من يلحق بي أنت وعلي والحسن والحسين فيقول الرب عز وجل يا محمد ان أمتك لو أتوني بذنوب كأمثال الجبال لغفرت لهم ما لم

ص: 146

يشركوا بي شينا ولم يوالوا عدوا») (1) .

ج: وقريب منه ما روی ابن عباس قال :

(قالت فاطمة عليها السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في سكرات الموت :

«يا أبه أنا لا أصبر عنك ساعة من الدنيا فأين الميعاد غدا».

قال:

«أما إنك أول أهلي الحوقا بي والميعاد على جسر جهنم».

قالت:

«يا أبه أليس قد حرم الله عز وجل جسمك ولحمك على النار؟».

قال :

«بلى ولكني قائم حتى تجوز أمتي».

قالت:

«فان لم أرك هناك».

قال :

«تريني عند القنطرة السابعة من قناطر جهنم استوهب الظالم من المظلوم».

قالت:

«فان لم أرك هناك».

ص: 147


1- المناقب لابن المغازي : ص 243 ؛ الفضائل لابن شاذان : ص 121

قال :

«تريني في مقام الشفاعة وأنا أشفع لأمتي».

قالت :

«فان لم أرك هناك».

قال:

«تريني عند الميزان وانا أسأل الله لامتي الخلاص من النار».

قالت :

«فان لم أرك هناك».

قال :

«تريني عند الحوض حوضي عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء على حوضي ألف غلام بألف كأس كاللؤلؤ المنظوم وكالبيض المكنون من تناول منه شرية فشربها لم يظمأ بعدها أبدا فلم يزل يقول لها حتى خرجت الروح من جسده صلى الله عليه وآله وسلم»)(1) .

حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن إسحاق المادري بالبصرة في رجب سنة ثماني عشرة وثلاث مائة قال : حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد قال : حدثنا غانم بن الحسن السعدي، قال: حدثنا مسلم بن خالد المكي ، قال : (حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

ص: 148


1- کشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي : ج 2، ص 119

«قالت فاطمة عليها السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله:

يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف الأعظم، ويوم الأهوال، ويوم الفزع الأكبر».

قال:

«يا فاطمة، عند باب الجنة، ومعي لواء الحمد، وأنا الشفيع لأمتي إلى ربي».

قالت:

«يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك؟».

قال :

«القيني على الحوض وأنا أسقي أمتي».

قالت :

«يا أبتاه، فإن لم ألقك هناك؟».

قال :

«القيني على الصراط وأنا قائم أقول: رب سلم أمتي».

قالت :

«فإن لم ألقك هناك؟.

قال :

«القيني وأنا عند الميزان أقول: رب سلم أمتي».

قالت :

«فإن لم ألقك هناك؟».

ص: 149

قال :

«القيني عند شفير جهنم أمنع شررها ولهبها عن أمتي. فاستبشرت فاطمة بذلك صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها»)(1).

ثالثاً : افتخار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأولوية دخول فاطمة عليه في الجنة

من الأحاديث التي نصت على اختصاص فاطمة عليها السلام بأولوية الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ما أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة بلفظ جاء فيه عنه صلى الله عليه وآله وسلم :

«أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا أول شافع، وأول مشفع ولا فخر، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول شخص يدخل علي الجنة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم».

والحديث مر ذكره في الفقرة السابقة لغرض الاستشهاد و نورده هنا لغرض الدراسة والتحليل، فكانت النتيجة كالآتي :

1 . في البدء يقوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذكر عدة مواضع افتخارية في يوم القيامة، والسبب في كونها محل افتخار لانها مخصوصة به ولا يمكن أن ينالها أحد غيره.

فهو:

أ : أول من يدخل الجنة ونعم المفخرة يوم القيامة.

ب: وأول شافع يأذن الله له بالشفاعة هو رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 150


1- الأمالي للصدوق : ص 275 - 276

وسلم، ونعم المفخرة هي .

ج : وأنه أول من يتشفع من يتشفع به الخلق حيث سيجعل الله للأنبياء والمرسلين والشهداء والمؤمنين شفاعة يشفعون من خلالها للناس، وكذاك سيكون للناس مواقف عديدة يلتمسون فيها ان يشفع لهم أحد من عباد الله المخلصين، فأول من يلجأ الخلق إليه في الاستشفاع هو سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا موضع نعم الافتخار به يوم القيامة.

د: والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده لواء الحمد الذي يدل على انه قائد الحمد وتحت لوائه يكون الحامدون وبه تحققت الغاية في خلق الخلق لقوله تعالى :

«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(1).

وهذا موضع فخر يوم القيامة.

ه_ : والنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد ولد آدم عليه السلام وهذا موضع فخر.

إلا انه صلى الله عليه وآله وسلم على الرغم من أن هذه المواضع كلها مواضع فخر يفتخر بها صاحبها على الخلق أجمعين إلا أنها عند النبي الأعظم غير ذلك، بمعنى : لن يفتخر بها يوم القيامة على الخلق أي لا يجدها محلاً للافتخار على الرغم من استحالة الوصول إليها فلو كانت عسيرة المنال أو صعبة الاستحصال لما جعلها سيد الخلق موضعاً للافتخار بل استحال الوصول إليها لعدم امكانية تحقق الشروط والمقدمات الموجبة لمنالها .

ص: 151


1- سورة الذاريات الآية : 56

لكنها ، أي هذه المواضع تحقق بشخصه الأقدس الذي وصفه القرآن بقوله :

«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (1).

أي : من يأتي بخلقه وقد منع القرآن الوصول إلى مرتبته التي نال بها الوصول إلى :

«فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى»(2).

وعليه :

فجميع هذه المواضع هي في الحقيقة مواضع افتخارية إلا أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لا يراها كذاك.

وهذا يدل على حقيقتين، وهما :

1. خلقه الكريم وتواضعه العظيم يمنعه من التفاخر على الخلق على الرغم من انها مواضع يتحقق فيها الافتخار لكونها مراتب أخروية ودرجات إيمانية، ومنازل تقوائية انحصرت به صلى الله عليه وآله وسلم.

2 . إن الفخر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل الفخر يكمن في أولوية دخول فاطمة عليه يوم القيامة، وهذه تدل على جملة من المقامات الفاطمية وهي كالآتي :

أ : كون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مقام السيادية على جميع الناس فهو سيد ولد آدم استلزم أن يكون الناظر في شؤونهم الإيمانية وحقائهم

ص: 152


1- سورة القلم ، الآية : 4
2- سورة النجم ، الآية : 9

الوحدانية فهو الأعلم - باذن الله تعالى - بمن كان تحت صفة المخلصين.

وبمن :

«وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلم»(1).

ولذا فهذا الاستحقاق في السبق إلى الجنة الذي يتفاضل به الناس يوم القيامة هو موضع الافتخار فمن سيسبق الناس في الدخول إلى الجنة سيكون موضع افتخار على غيره ولأن فاطمة هي أول من يدخل على سيدها وسيد ولد آدم وهي ابنته فهذا يعني أنها أحرزت ما لم يحرزه غيرها من الناس أجمعين.

فان قيل : فأين علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا الموضع، فنقول :

لا شك أن الذي نعتقد به ونتقرب إلى الله به هو: أن علي بن أبي طالب عليه السلام هو أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو وصيه وخليفته وإمام الأمة من بعده من لزمه نجا ومن تركه ضلّ وهوى إلا ان الحديث الشريف في مورد الداخلين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس في مورد الداخلين إلى الجنة وقد مرّ سابقاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي :

إلا ترضى أن تكون رابع أربعة:

أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين.

ولكنه في مورد أول الداخلين عليه : هي فاطمة ابنته ولذا أردفها بقوله : «بنت محمد» ولم يقل فاطمة وهذا موضع يفتخر فيه الإنسان حينما يكون ولده هم من نالوا الأولوية في إحراز المراتب العلية عند الله تعالى؛ فضلاً عن ذكرنا لبعض

ص: 153


1- سورة الأنعام، الآية : 82

وجوه الحكمة آنفاً في كونها أول من يدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة.

ب: كونها أول من يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا يكشف عن انها أفضل من مريم فلو كانت مريم أفضل لكانت الأولوية والسبق في الدخول على سيد الخلق أجمعين لمريم عليها السلام ولذا أردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثه بقوله :

«ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل».

إلا أنها أفضل من مريم بدلالة كونها أول من يدخل عليه وهذا هو الفخر عنده صلى الله عليه وآله وسلم.

ج : على الرغم من أن الله تعالى بعث مائة وأربعة وعشرين ألف نبى وكان منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً ومنهم خمسة من أولو العزم الا انهم لم يحظوا بما حظي به سيد الخلق في جعل ابنته سيدة نساء العالمين وأول الداخلين على سيد ولد آدم.

بمعنى:

لم يكن لنبي أو رسول ابنة مثلما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا موضع الافتخار عند رسول الله إذ لم تصل إلى المراتب العلية والمنازل السيادية والتقوائية بين بنات الأنبياء والمرسلين مثلما وصلت إليه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فكانت موضع افتخار عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 154

المسألة الرابعة:
إن فاطمة عليها السلام إذا صارت عند باب الجنة تلتفت إلى المحشر

لعل من أهم الأماكن التي تظهر فيها منزلة فاطمة صلوات الله عليها بعد الصراط هي وقوفها عند باب الجنة والتفاتها إلى ساحة المحشر لعلة خاصة يكشفها الحديث الشريف الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام الذي يكشف فيه عن فضل فاطمة عليها السلام حينما طلب منه جابر الجعفي ان يحدثه بحديث عن فضل فاطمة تفرح به الشيعة فكان مما قال عليه السلام :

«فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟ فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.

فيقول الله تعالى: يا بنت حبيبي، ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي فأدخليه الجنة».

قال أبو جعفر :

«والله يا جابر انها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهمان يلتفتوا فإذا التفتوا.

يقول الله يا أحباني ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحباني ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة خذوا بيده وأدخلوه الجنة».

ص: 155

قال أبو جعفر:

«والله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى :

«فَمَا لَنَا مِن شَافِيعِينَ (100) وَلَا صَدِير حَميم»(1).

فيقولون :

«فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(2)».

قال أبو جعفر :

«هيهات هيهات منعوا ما طلبوا.

«وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»(3)»)(4).

والحديث الشريف يكشف عن جملة من الحقائق المتعلقة بيوم القيامة، وهي كالآتي :

أولاً : خصوصية كونها بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودلالته العقائدية على المسلم

إن من المسائل التي أرشد إليها القرآن والسنة النبوية هي تعظيم حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل : قد اتفق الفقهاء على اختلاف مذاهبهم في الإسلام على أن الانتقاص من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاك

ص: 156


1- سورة الشعراء ، الآيتان: 100 و 101
2- سورة الشعراء، الآية : 102
3- سورة الأنعام، الآية : 28
4- تفسیر فرات الكوفي : ص 299

حرمته كسبه يعد خروجاً من الملة إذا كان مسلماً وحده القتل وتفاوتوا في القول للذمي ولعل الرجوع في هذه المسألة إلى الشريف المرتضى عند الإمامية وخاتمة المجتهدين تقي الدين السبكي في كتابه السيف المسلول على من سب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه كفاية للاطلاع (1).

وفي المقابل فإن هذه الحرمة والتعظيم لشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلزم المسلم حفظ ما يختص به وتعظيمه وصونه لاتصاله به صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف إذا كانت هناك نصوص صريحة عنه صلى الله عليه وآله وسلم تظهر تلازم ،رضاه، وغضبه وسروره وتألمه، واذاه ، وحربه، وسلمه بهم، أي بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كما مرّ بيانه سابقاً لاسيما فيما يختص بفاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

من هنا : يظهر الحديث الشريف مسألة عقائدية مهمة من خلال مخاطبة الباري عز وجل لفاطمة في يوم القيامة ب_ (ابنة حبيبي ) فكونها ابنة حبيب الله لزم لمن آمن بالله وادعى انه يحبه ان يحبها ويكرمها ويعظم حرمتها لأنها ابنة حبيب الله عز وجل.

ومن كان يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجب عليه أن يحب ابنته لأنها بضعته وقلبه فمن أحب امرءاً أحب ما يتصل به من أبناء وأشياء فكيف بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 157


1- أنظر في ذلك : الانتصار للشريف المرتضى : ص 408 . المجموع للنووي : ج 19 ، ص 426 . مواهب الجليل للحطاب الرعيني : ج 8 ، ص 380. حاشية المختار لابن عابدين : ج 4 ، ص317
ثانياً : احتياج الإنسان إلى لطف الله تعالى وليس إلى استحقاق العمل الصالح

قد يتوهم الإنسان أن مستحقات العمل الصالح في الآخرة بمعزل عن لطف الله ورحمته تؤهله للدخول للجنة فيكون بذلك قد غفل عن ان الفوز بالجنة متوقف على أمور عدة، منها :

1 . في البدء كل عمل صالح مقيد بالقربة إلى الله تعالى فإذا خلا العمل من نية القربة الله فإنه يكون مردوداً على صاحبه.

2. لابد من الالتفات إلى أن انجاز العمل بمقدماته يكون مرهوناً بالتوفيق فقد يسلب الإنسان التوفيق للعمل فلا يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة ومن ثم فان انجاز العمل وإحراز مقدماته وتمامه واتقانه وخواتيمه كله لابد أن يكون بلطف الله والتوسل إليه بذلك ولعل حال إبراهيم الخليل وولده إسماعيل خير شاهد على مدخلية التوفيق وخطورة الالتفات إلى صاحب النعم عز وجل والإلحاح في الدعاء إليه لنيل هذه المراتب.

قال تعالى في معرض بيانه لبناء البيت الحرام بيد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام :

«وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِیمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ»(1).

فعلى الرغم من تحقق شروط القبول ومقدمات رفع العمل إلى الله تعالى وذلك ان العامل ومساعده هما من أنبياء الله ومحل العمل وعنوانه بيت الله تعالى

ص: 158


1- سورة البقرة، الآية : 127

إلا أنهما أي إبراهيم وإسماعيل لم يغفلا عن الدعاء إلى الله بقبول عملهما الصالح وذلك ان الله تعالى عليم بنواياهما وإخلاصهما وأدائهما للعمل الصالح وهو السميع بما يخطر في القلب ومطلع على الأحوال.

وعليه : نجد الحديث الشريف في الفقرة التي ورد فيها قوله :

«وقد أمرت بك إلى جنتي».

يرشد إلى حقيقة أخروية مفادها ان الإنسان يدخل إلى الجنة بلطف الله تعالى فهو الذي منح المقدمات لهذا العمل من الإدراك والهمة والرغبة والسعي والمواصلة والثبات ،وغيرها فكل هذا يجري بلطف الله تعالى ولو شاء لسلب الإنسان هذه المقدمات لكنه برحمته وإحسانه وكرمه يحول بين المرء وموانع التوفيق ويسوقه إلى النعم والكرامة ويدخله جنته ولو شاء لمنع، لكنه صادق الوعد وهو العزيز الحكيم.

ثالثاً : لماذا تسأل فاطمة عليها السلام عن قدرها عند باب الجنة دون غيرها من المواطن في يوم القيامة

ورد في الحديث قولها عليها السلام :

«يا رب أحببت ان يعرف قدري في مثل هذا اليوم».

إنه سؤال يبعث على الدهشة فضلاً عن الحيرة في الوصول إلى مكامن الحكمة في السؤال، فبضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن غافلة عن مجريات يوم القيامة فلماذا تريد أن يعرف قدرها في هذا الموضع عند باب الجنة؛ بل هناك تساؤلات أخرى.

ص: 159

1 . ألم يظهر الله قدرها في هذا اليوم وهي التي نالت من التشريفات القدسية ما لم يحظ به أحد بحسب ما أفادت به الروايات - منذ خروجها من قبرها والى باب الجنة وكما مرّ بيانه خلال هذا المبحث - فكانت لها تشريفات ملكوتية وحفاوة قدسية.

ومن ثم ما الذي تريده قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروحه من الظهور وقد طأطأت الخلائق لمرورها وأمروا بغض الأبصار دونها والمنادي من بطنان العرش مرة وجبرائيل مرة، ومن رب العزة مرة أخرى؟!!

2. ما هو قدرها الذي تنتظره من الله، أو المكنون في علم الله ولم يظهره إلى الآن؛ ولذا تسأل عنه بضعة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ؟

وجوابه :

أ: حينما يوفق المؤمن للنجاة في يوم القيامة وينجو برحمة ربه من أهوال هذا اليوم فيأمر الله تعالى به إلى الجنة يكون قد حقق نصراً لا نظير له، ومن ثم قد يتوهم متوهم أن الوصول إلى باب الجنة بالنسبة للأنبياء والمرسلين وغيرهم من عباد الله المخلصين يكون بمعزل عن هذه الأماكن والمواطن المهولة كما هو ح-ال العظماء والوجهاء في الحياة الدنيا فهم يعفون من المرور بالمواطن التي تسبب لهم إزعاجاً، أو أقله فقدان الراحة أو التقليل من الشأن، فنلاحظ وعلى سبيل المثال ان مراكبهم تسير في الطرقات بشكل سريع ويفسح لهم المجال ولا يتقيدون بأحكام الطرقات المعروفة بقوانين المرور وغيرها من الحالات التي يشاهدها الناس وقد تسالموا على رؤيتها فقد أصبحت حالة عامة في جميع البلاد.

وعليه : قد يتوهم في يوم القيامة أن بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله

ص: 160

وسلم تجتاز تلك المواطن وهي بتلك التشريفات القدسية، لأنها أبنة حبيب الله وسيدة النساء ومن ثم لا يكون - بحسب هذا الوهم - أي دور للتقوى فيشك الشاك ويهزأ الكافر ويسخر المنافق.

وإن كانت رؤيتهم لهذه التشريفات غصة في صدورهم وغيظاً في قلوبهم، فيريد الله عز وجل أن يزيدهم غيظاً كما دل عليه قوله تعالى :

«قل مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(1).

أي : كي يخرجوا ما في نفوسهم في هذا اليوم الذي يجادل الإنسان فيه ربه أكثر الجدال.

قال تعالى :

«وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا»(2).

وقال سبحانه :

«أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ»(3).

ولأنه أكثر شيئاً جدلاً، وخصيم ،مبين، بل حتى كونه في النار يخاطب خازن النيران فيقول :

«وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إنَّكُم مَاكِثُونَ»(4).

ص: 161


1- سورة آل عمران، الآية : 119
2- سورة الكهف، الآية : 54
3- سورة يس، الآية : 3
4- سورة الزخرف، الآية : 77

ولذا : أرادت ابنة حبيب الله تعالى أن ترد هذا الوهم وتبدد هذا الشك وتزيد في حسرة المنافق فسألت الله تعالى ان يعرف الناس قدرها.

ب: إن من الصفات التي اقترنت بأهل بيت العصمة وموضع الرحمة هي الكرم والجود ومن شيمة الكريم أن يقدم صاحب الحاجة على نفسه ويغيث الملهوف فكيف لفاطمة وهي قلب من بعث رحمة للعالمين ومن كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً أن تترك المحتاج وتدير الطرف عن الملهوف فتدخل إلى الجنة وتترك خلفها شيعتها ومحبيها.

ولذا: كان رجوعها إلى ساحة المحشر لهذا الغرض الذي سيظهر فيه قدرها كما سيمر لاحقاً لاحقاً من خلال بيان فقرات الحديث الشريف.

رابعاً : قدر فاطمة عليها السلام في يوم القيامة شفاعتها لمحبيها وشيعتها

حينما ينظر الإنسان إلى الفارق بين تلك التشريفات القدسية والحفاوة

والتكريم الإلهي لفاطمة عليها السلام في يوم القيامة منذ خروجها من روضتها التي فيها قبرها إلى باب الجنة وبين شفاعتها لمحبيها وشيعتها فإنه يلمس الحقائق الآتية.

1 . إن الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأعمال الصالحة تحقق بلطف الله ورحمته النجاة في يوم القيامة والفوز بالجنة الا ان كل هذا لا يعطي صورة أمام الناس في يوم القيامة لهذا المؤمن الناجي والداخل إلى الجنة من المنزلة عند الله تعالى فقد يعتقد البعض أن الفائز في هذا اليوم إنما نال استحقاقه وجائزته نتيجة لجهده والتزامه بما أمر الله تعالى ومن ثم حاله في هذا الأمر كحال غيره من

ص: 162

الفائزين في هذا اليوم.

بمعنى:

كيف يلتمس الناس يوم القيامة قدر الأنبياء والمرسلين والأمم لو كان الأمر محصوراً فقط بجوازهم يوم الحساب والدخول إلى الجنة برحمة الله تعالى؟

وعليه :

لابد من آلية أخرى تظهر للأمم مَنْ مِن بين الخلق له قدر عند الله تعالى وجاه بحيث لا يستطيع اثنان من التشكيك في وجود هذا القدر.

وكما قلنا : قد يتوهم كثير من الناس يوم القيامة بأن هذه التشريفات القدسية الفاطمة بعلة انها ابنة حبيب الرحمن وسيدة النسوان فقدم لها هذا التكريم والحفاوة كما قدم لأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين.

إذن :

نحن بحاجة إلى مظهر جديد غير تلك التشريفات القدسية والحفاوة والتكريم الإلهي لفاطمة عليها السلام في يوم القيامة يحقق وجود قدر لها عند الله تعالى يقطع الشكوك ويثلج قلوب المؤمنين ويغيظ قلوب المنافقين والكافرين.

2. إن الرجوع إلى القرآن الكريم والنظر في آياته المباركة المتعلقة في إظهار قدر الأنبياء ومنزلتهم وجاههم عنده يكاد يكون محصوراً في مظهر واحد ألا وهو الشفاعة وذلك حسبما دلت عليه الآيات الكريمة وهي كالآتي:

أ: «لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا»(1).

ص: 163


1- سورة مريم، الآية : 87

ب : «يَوْمَئِذٍ لَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا»(1) .

ج: «وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ»(2).

د: «أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ»(3). «قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(4).

ه_: «وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(5).

و: «وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ»(6).

ز: «يَاَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالكَفِرُونَ هُمُ الظَّلِمُونَ»(7) .

وهذه الآيات المباركة فيها محكم وفيها متشابه وبحمل المتشابه على المحكم نخرج بنتيجة في غاية الأهمية لما يترتب عليها من أمور عقائدية مرتبطة بيوم القيامة من جهة وبالأنبياء والمرسلين والأئمة من جهة أخرى وكلاهما مرتبط بقضية

ص: 164


1- سورة طه، الآية : 109
2- سورة سبأ، الآية : 23
3- سورة الزمر، الآية : 43
4- سورة الزمر، الآية : 44
5- سورة الزخرف، الآية : 86
6- سورة البقرة، الآية : 48
7- سورة البقرة، الآية : 254

الشفاعة، ويمكن إيجازها في النقاط الآتية.

1. بالنظر إلى أصل الشفاعة فجميع الآيات والأحاديث الشريفة تقطع بوجودها في يوم القيامة وتأمر بالإيمان بها.

2 . اختلف في انحصار الشفاعة بالله تعالى فلا شافع يوم القيامة إلا الله كما تنص بعض الآيات أو انها متعددة فيكون الشافع أو المشفع في هذا اليوم الأنبياء والمرسلون والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين أو غيرهم كالشهداء والصالحين وغيرهم؟

وحاصل الآيات والأحاديث النبوية انها متعددة بإذن الله تعالى في يوم القيامة ويكفي في ذاك صاحب الشفاعة العظمى هو سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم .

وعليه: فالسؤال المطروح : إذا كانت غير محصورة بالله تعالى ويمكن منحها في يوم القيامة إلى النبي الأعظم والأنبياء والمرسلين وغيرهم فأين تكون خصوصيتها وإظهار قدر صاحبها ؟

والجواب : في الشفاعة نفسها.

بمعنى:

1 . تعذر حصولها بسهولة بل انها من الامتيازات المخصوصة والنادرة التي يتطلب الحصول عليها حظوة خاصة وجهداً وجهاداً عسيراً كما دلت عليه هذه الآيات :

أ: «لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن أتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا»(1).

ص: 165


1- سورة مريم، الآية : 87

ب : «يَوْمَيذٍ لَّا تَنَفَعُ الشَّفَعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا»(1).

ج: «وَلَا تَنفَعُ الشَّفَعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ»(2).

فهذه الآيات الثلاث تحدد ثلاث ميزات يلزم توفرها بالشافع كي يمنح منزلة الشفاعة، وهي :

«ان له عند الرحمن عهداً»، «مأذون من الله»، «مرضي القول عند الله» وهذه الميزات الثلاث من أعسر الأمور التي يعجز تحققها مع ما فرض على الإنسان من تكاليف شرعية غاية الجهد في تحصيلها يحقق النجاة لفاعلها يوم القيامة، ومن ثم يحتاج الإنسان إلى خصوصية خاصة وخطر عظيم وجاه وحظوة عند الله تعالى الذي تجلى عن أن يكون له صاحب وتنزه عن أن يكون له شريك وهو العزيز الحكيم

2 . إن أهمية الشفاعة وخطورتها وعظمتها تكمن فيما يراه الإنسان من أهوال وصعوبات وعسر وشدة خلال مرحلة انتقاله من الدنيا إلى الآخرة فمنذ الاحتضار وسكرات الموت والنزول إلى القبر ومجريات البرزخ والنشور والبعث والحساب والصراط والميزان وتطاير الكتب والمسألة وغيرها من مجريات هذه المرحلة تجعل الإنسان يوقن بأهمية الشفاعة وخطورتها وعظمتها فضلاً عن النتائج التي تترب عليها في السعادة الأبدية أو الشقاوة الأبدية؛ ومن ثم بها يظهر قدر صاحب الشفاعة ويظهر قدره أكثر حينما يكون المشفع شافعاً.

ص: 166


1- سورة طه، الآية : 109
2- سورة سبأ، الآية : 23

وعليه : أرادت بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعرف الخلق قدرها من خلال منزلة الشفاعة وأراد الله تعالى إن يظهر شفاعتها بأكثر مما طلبت وذلك ان الله عز وجل جزيل الإحسان ودائم الفضل والمنة على أوليائه فكان إظهاره جل شأنه لقدر فاطمة في أن يكون المشفع بها صاحب شفاعة وهذا قمة الظهور أمام الخلائق بما لها من القدر عند الله تعالى.

وكان ما جاء في الأمثال - ولله المثل الأعلى – (ألف عين لأجل عين تكرم) متحققاً في شفاعة فاطمة يوم القيامة، ولذلك : يقول الإمام الصادق عليه السلام وهو يقسم بالله تعالى :

«والله لا يبقى في الناس إلا شاك، أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى:

«فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ»(1).

ومما يدل على ان لشفاعتها خصوصية خاصة يوم القيامة ما ورد من الإمام الصادق عليه السلام وجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، وهي كما يأتي :

1 . روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله :

«ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة ابنتي ويغصبها حقها ويقتلها.

ثم قال: يا فاطمة أبشري، فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك

ص: 167


1- سورة الشعراء ، الآيتان : 100 و 101

وشيعتك، فتشفعين يا فاطمة لو أن كل نبي بعثه الله وكل ملك قربه الله شفعوا في مبغض لك غاصب لك ما أخرجه الله من النار أبداء»)(1).

2 . وعن محمد بن الحنفية رضي الله عنه قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول :

«دخلت يوما منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وفاطمة بين يديه وهو يقول يا حسن ويا حسين أنتما كفتا الميزان وفاطمة لسانه ولا تعدل الكفتان إلا باللسان ولا يقوم اللسان إلا على الكفتين أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة ثم التفت إلي فقال يا أبا الحسن أنت توفي المؤمنين أجورهم وتقسم الجنة بينهم وبين شيعتك»)(2).

المسألة الخامسة:
كيفية دخولها إلى جنتها وتعظيم أمرها في الجنان

إنّ من الأمور البديهية التي تقود الذهن إلى الإقرار دون روية أو تأمل هو إكرام الله تعالى لأهل جنته، ولعل تلك التشريفات القدسية التي رافقت فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها هي من العناصر التي تجعل العقل يتسالم على تعظيم منزلتها في الجنة وتفخيم شأنها وكيف لا وهي أحد عناوين طاعة الله تعالى وحجته على خلقه.

ولذا نجد أن الروايات الشريفة تكشف عن هذه المنزلة في الجنة فتبدأ من الدخول حيث تشريفات أخرى لتنتهي ببيان جنتها وقصرها وبعض أحوالها، فكانت كالآتي :

ص: 168


1- العدد القوية : ص 225
2- کشف الغمة : ج 1 ، ص 506
أولاً : كيف يكون حالها عند أول دخولها إلى الجنة ؟ وما سبب تشفعها لمن أدخل الناروهي في الجنة

روى فرات الكوفي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام في كيفية دخول فاطمة إلى الجنة وبعض أحوالها عند الدخول، أنه عليه السلام قال :

«فإذا دخلت إلى الجنة ونظرت إلى ما أعد الله لها من الكرامة قرأت:

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنْ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورُ (34) الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ، لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبُ».

قال: فيوحي الله عز وجل إليها: يا فاطمة سليني أعطك، وتمني علي أرضك فتقول: إلهي أنت المنى وفوق المنى، أسألك أن لا تعذب محبي ومحبي عترتي بالنار، فيوحي الله إليها : يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار»(1) .

إن لدخول فاطمة عليها السلام إلى الجنة ميزة خاصة كحالها في يوم القيامة الذي تميز بميزات عديدة كما مرّ بيانه، هذه الميزة في الدخول هي تجدد سؤالها من الله تعالى في شفاعة محبيها وشيعتها وهذا يكشف عن جملة من الأمور، منها :

1 . ان لها شفاعة عظيمة ومتجددة ولعل تجدد شفاعتها حتى بعد دخولها إلى الجنة يكشف عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحسن والحسين عليهما السلام :

«ولأمكما الشفاعة الكبرى»

ص: 169


1- تفسير فرات الكوفي : ص 444 . بحار الأنوار: ج 27 ، ص 140 . البرهان في تفسير القرآن للبحراني : ج 4 ، ص 553

والسبب ان محل الشفاعة في العادة - كما هو مستفاد من الروايات - يكون في ساحة المحشر ومثل الحساب والدخول إلى الجنة الا اننا نجد ان بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجدد طلبها وسؤلها من الله تعالى بالشفاعة لمحبيها ومحبي ذريتها وهذا يدل على :

انها قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى : ان الله تعالى جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، بل هو عين رحمة الله تعالى وفاطمة قلب هذه الرحمة فمحلها منها محل القطب من الرحى. ولذا تجدد طلبها في شفاعة محبيها ومحبي ذريتها.

2 . إنّ الظاهر في هذه الرواية انها تشفع إلى أولئك الذي كان حبهم لها ولأولادها لفظياً وليس قلبياً فكان حالهم ان لم يشملهم عطفها ورأفتها ورحمتها بهم وذلك لأنهم لم يحبوا فاطمة وأولادها بقلوبهم ومما يدل عليه ما ورد في الحديث السابق عند رجوعها إلى المحشر لتلتقط شيعتها فيأتيها النداء :

«يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك او لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة».

فهؤلاء هم أهل رتبة المحبة القلبية لفاطمة وذريتها وشرافتهم انهم استحقوا شفاعتها قبل دخولها إلى الجنة حينما كانوا في ساحة المحشر ، اما أولئك الذين كانوا أهل المحبة اللسانية أو اللفظية فان فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها لن تنساهم فانها تتشفع لهم فتقول :

«إلهي أنت المنى وفوق المنى أسألك أن لا تعذب محبي ومحبي عترتي بالنار».

ص: 170

فتكون هذه الشفاعة متأخرة على الأولى وذلك لمنزلة أهل المحبة القلبية وهم شيعتها وتقدمهم على أهل المحبة اللسانية.

ثانياً : تباشر أهل الجنان بها وجلوسها على كرسي من نور في جنة الفردوس فيجلسون حولها روى علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث يظهر فيه مجريات يوم القيامة وما أعد الله تعالى لفاطمة في هذا اليوم، فمما جاء فيه، أنه قال :

فيتباشر بمجينها أهل الجنان. فتجلس على كرسي من نور، ويجلسون حولها. وهي جنة الفردوس التي سقفها عرش الرحمان، وفيها قصران قصر أبيض وقصر أصفر من لؤلؤة على عرق واحد، في القصر الأبيض سبعون ألف دار، مساكن محمد وآل محمد. وفي القصر الأصفر سبعون ألف دار، مساكن إبراهيم وآل إبراهيم، ثم يبعث الله ملكا لها لم يبعث لأحد قبلها ولا يبعث لأحد بعدها. فيقول: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: سليني. فتقول: هو السلام، ومنه السلام، قد أتم علي نعمته، وهنأني كرامته، وأباحني جنته، وفضلني على سائر خلقه، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي وحفظهم في فيوحي الله إلى ذلك الملك من غيرأن يزول من مكانه، أخبرها أني قد شفعتها في ولدها وذريتها ومن ودهم فيها، وحفظهم بعدها، فتقول: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن، وأقر عيني فيقر الله بذلك عين محمد(1).

والرواية تكشف عن تجدد طلبها في الشفاعة وهذا كما قلنا مما اختصت به فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها حتى تكاد تجمع هذه

ص: 171


1- مسائل علي بن جعفر عليه السلام : ص 345 ، دلائل الإمامة لابن جرير الطبري : ص 154

الأحاديث على حقيقة واحدة : انها صاحبة الشفاعة الكبرى وذلك لتجددها في مواضع عدة وعدم انحصارها في يوم المحشر حيث تنص الروايات على ذلك لاسيما فيما يتعلق بصاحب الشفاعة العظمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي الشفاعة للأمة.

إذ الملاحظ ان الشفاعة هي من مختصات يوم القيامة حيث يلوذ الخلق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابتداءً من الأمم السابقة وانتهاء بأمته أو العكس فيقدم المسلمون لهذه الشفاعة ويؤخر غيرهم التماساً من سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم.

وعليه :

فإن الشفاعة التي تطلبها فاطمة هنا : هي خاصة لأولاد الحسن والحسين وما انحدر عنهم من أبناء وأحفاد وهم ذرية فاطمة صلوات الله عليها، ومن ثم تسأل الشفاعة كذاك في هذا الموضع أي من جنة الفردوس إلى من ودّ أولادها وهم المسلمون الذين أوجب الله عليهم المودة في القربى فمن ودهم وحفظهم لأجل فاطمة استحق شفاعتها من هذا المكان فيشفعها الله فيهم.

ثالثاً :
إقامة التعزية على ولدها الحسين في قصرها في جنة الفردوس فتكون بركة التعزية الشفاعة

روى فرات الكوفي عن الإمام جعفر الصادق عن أبيه عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

فإذا بلغت إلى باب قصرها وجدت الحسن قائما والحسين نائما مقطوع الرأس

ص: 172

فتقول للحسن: من هذا ؟ فيقول: هذا أخي ان أمة أبيك قتلوه وقطعوا رأسه، فيأتيها النداء من عند الله يا بنت حبيب الله إني إنما أريتك ما فعلت به أمة أبيك اني ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه واني جعلت تعزيتك اليوم أني لا أنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي أنت وذريتك وشيعتك ومن أولاكم معروفا ممن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد فتدخل فاطمة ابنتي الجنة وذريتها وشيعتها ومن والاها معروفا ممن ليس من شيعتها فهو قول الله عز وجل:

«لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» .

قال: هول يوم القيامة

«وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ»(1).

هي والله فاطمة وذريتها وشيعتها ومن والاهم معروفا ممن ليس هو من شيعتها.

والحديث الشريف يكشف عن جملة من الحقائق وهي كالآتي :

1. لم تزل فاجعة الإمام الحسين عليه السلام هي الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى التي نزلت برسول الله وابنته وزوجها وأولادها وذريتها وشيعتها؛ ولأنها بمستوى التفرد فيما أصيب به الأنبياء من الابتلاءات إلا أن هذه المصيبة استحقت أن تكون مرتبطة بالله تعالى ولذا أقام التعزية سبحانه على الحسين في دار فاطمة وهي في جنة الفردوس.

ص: 173


1- سورة الأنبياء، الآية : 102

2 . إن سؤالها من الإمام الحسن عليه السلام من هذا ؟ ! يكشف عن انها لم تعرفه وذلك لما نزل به من الجراحات من طعن الرماح وضرب السيوف، ورمي السهام وغيرها، فضلاً عن أنه عليه السلام مقطوع الرأس.

3. لقد جرت العادة في مجالس التعزية على سيد الشهداء عليه السلام أن يقدم للخطيب أو قارئ التعزية بركة من المجلس، وكذاك يقدم للزائرين، فأراد الله سبحانه أن يقدم للزهراء لكونها صاحبة العزاء بركة فكانت شفاعتها.

4 . يظهر هذا الحديث الشريف شرافة فاطمة ومنزلتها كما يظهر ان الشفاعة التي مرت ضمن مراحل انما تكون قبل محاسبة العباد فتدخل فاطمة وذريتها وشيعتها ومن أولاهم معروفاً من هو ليس من شيعتها الجنة والناس بعد لم يحاسبهم الله تعالى وقوفاً في ساحة المحشر.

وعليه :

تكون شفاعتها متعددة في يوم القيامة وذلك حسبما دلت عليه الأحاديث الشريفة.

الشفاعة الأولى: عند باب الجنة

وذلك حينما تلتفت إلى ساحة المحشر فتكون هذه الشفاعة لشيعتها ومحبيها وفيها يظهر الله تعالى إلى الخلائق قدر شيعتها وتشفعهم في غيرهم في هذا اليوم.

الشفاعة الثانية: عند دخولها الجنة

وهي خاصة بمن أحب فاطمة بلسانه كما مرّ بيانه.

ص: 174

الشفاعة الثالثة: عند دخولها قصرها وإقامة المأتم على ولدها الحسين

إن الشفاعة الثالثة تكون عند دخولها قصرها وإقامة التعزية على ولدها الحسين عليه السلام وهو خاص لذريتها وشيعتها ومن أولاهم معروفاً ممن هو ليس من شيعتها وهذه الشفاعات تكون قبل ان يحاسب الله الناس يوم القيامة ضمن مراحل زمنية لا يعلمها إلا الله تعالى.

رابعاً : صفة جنتها التي بناها الله لها ولعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما

روى الطبراني والهيثمي وغيرهما (عن عبد الله بن مسعود قال :

سمعت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم في غزوة تبوك يق-ول ونحن نسير معه:

«إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي ففعلت؛ قال جبريل عليه السلام: إن الله بنى جنة من لؤلؤة قصب بين كل قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذرة بالذهب وجعل سقوفها زبرجدا أخضر وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت ثم جعل عليها غرفا لبنة من فضة ولبنة من ذهب ولبنة من در ولبنة من ياقوت ولبنة من زبرجد ثم جعل فيها عيونا تنبع في نواحيها وحفت بالأنهار وجعل على الأنهار قبابا من در قد شعبت بسلاسل الذهب وحفت بأنواع الشجر وبني في كل غصن قبة وجعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء غشاؤها السندس والاستبقى وفرش أرضها بالزعفران وفتق بالمسك والعنبر وجعل في كل قبة حوراء والقبة لها مائة باب على كل باب حارسان وشجرتان في كل قبة مفرش وكتاب مكتوب حول القباب آية الكرسي.

ص: 175

قلت: يا جبريل لمن بنى الله هذه الجنة؟ قال: بناها لفاطمة ابنتك وعلي بن أبي طالب سوى جنانها تحفة أتحفها وأقر عينيك يا رسول الله» ) (1) .

خامساً : إن جبل العقيق الأصفر مطل على دار فاطمة في الجنة

روى الشيخ الطوسي رحمه الله : عن علي بن النعمان عن بشير الدهان قال : (قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك أي الفصوص اركبه على خاتمي ؟ فقال عليه السلام :

«يا بشير أين أنت عن العقيق الأحمر والعقيق الأصفر والعقيق الأبيض؟ فإنها ثلاثة جبال في الجنة، فأما الأحمر فمطل على دار رسول الله صلى الله وآله وسلم، وأما الأصفر فمطل على دار فاطمة صلوات الله عليها، وأما الأبيض فمطل على دار أمير المؤمنين عليه السلام، والدور كلها واحدة يخرج منها ثلاثة أنهار من تحت كل جبل نهر أشد بردا من الثلج وأحلى من العسل وأشد بياضا من اللبن لا يشرب منها إلا محمد وآله وشيعتهم، ومصبها كلها واحد، ومجراها من الكوثر، وان هذه الثلاثة جبال تسبح الله وتقدسه وتمجده وتستغفر لمحبي آل محمد صلى الله عليه وآله، فمن تختم بشيء منها من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله لمير إلا الخير والحسنى والسعة في رزقه والسلامة من جميع أنواع البلاء وهو في أمان من السلطان الجائر ومن كل ما يخافه الإنسان ويحذره») (2).

ص: 176


1- المعجم الكبير للطبراني : ج22، ص 409. مجمع الزوائد للهيثمي : ج 9، ص 205. مناقب آل أبي طالب : ج 3، ص 114 . تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : ج 42 ، ص 130 . بحار الأنوار: ج 43 ، ص 41
2- أمالي الطوسي : ص 38 - 38
سادساً : بعض أحوالها في الجنة

روی محمد بن سليمان الكوفي، والشيخ الصدوق، والثعلبي والقرطبي، وغيرهم عن ابن عباس انه قال:

(فبينا أهل الجنة في الجنة، إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنة يا رب إنك قلت في كتابك :

«لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا» (1).

فيرسل الله جل اسمه إليهم جبرائيل فيقول :

«ليس هذه الشمس، ولكن علياً وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما») (2).

وبهذا الحديث نكون قد انهينا هذا المبحث وما ذلك الا بفضل الله ولطفه ومنه.

هذا وفاطمة عليها السلام تحصى النجوم ولا تحصى فضائلها، وكيف يطمع في إحصاء فضائل سيدة نساء العالمين، وبضعة سيد الأولين والآخرين، ولم يترك صلى الله عليه وآله وسلم ولداً سواها، وانقطع نسله الشريف إلا منها» (3).

ص: 177


1- سورة الإنسان الآية : 13
2- مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي : ج 1 ، ص 184 . الأمالي للصدوق : ص333 تفسير الثعلبي : ج 10، ص 102 . تفسير القرطبي : ج 19، ص 138. نهج الإيمان لابن جبر: ص 175
3- بهجة الأخيار في حلية النبي المختار ، (مخطوط) من تصنيف حسن بن عبد الله بن محمد البخشي المتوفى سنة 1190 ه_؛ والمخطوط يرقد في مكتبة الأسد بدمشق الشام ويحمل الرقم (14388)

ص: 178

الفَصل الثَّالِث

بَعضُ شُؤُونِ فَاطِمَة علیهاالسّلام وَ خَواصهَا

ص: 179

ص: 180

المبحث الأول:

أسماؤها

لفاطمة صلوات الله عليها مجموعة من الأسماء دل-ت عليها الرواية الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام وهي كالآتي :

قال عليه السلام :

«لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجل، فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والمرضية، والمحدثة، والزهراء»(1) .

ولا شك أن هذه الأسماء التي سميت بها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما كانت لصفة من صفاتها التي كانت تتصف بها مما جعلها سبباً لهذا الاسم أو ذاك.

المسألة الأولى :
إنها فاطمة عليها السلام

فأما فاطمة : فقد تناولنا الأسباب التي جعلت بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم تتصف بهذا الاسم وتسمى به في الجزء الثاني من الكتاب عند ولادتها لكن

نضيف هنا : أن لهذا الاسم آثاراً خاصة كشفتها الروايات الشريفة، وهي :

ص: 181


1- الأمالي للصدوق : ص 592 ؛ الخصال : ج2، ص 414؛ دلائل الإمامة : ص 10؛ كشف الغمة : ص 463 ؛ العدد القوية : ص 226
ألف: إن التسمية بفاطمة ينفي الفقر عن الدار

1 - روى الكليني، عن سليمان الجعفري قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :

«لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء»(1).

2 - وعن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن بكر ابن صالح عن سليمان الجعفري قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :

لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء» (2).

3 - وعن أحمد بن محمد عن بكر بن صالح عن سليمان بن جعفر الجعفري قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :

«لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد وأحمد وعلي والحسن والحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء عليهم السلام»(3).

باء: التسمية بفاطمة لها حقوق عند أبيها

إن المستفاد من الأحاديث الشريفة في آثار التسمية بفاطمة عليها السلام أن التسمية بهذا الاسم يترتب عليها عند والد الفتاة حقوق خاصة.

ص: 182


1- الكافي : ج 6 ، ص 19
2- وسائل الشيعة : ج 21 ، ص 396
3- التهذيب : ج 7، ص 438

فعن علي بن محمد عن ابن جمهور عن أبيه ( عن فضالة بن أيوب عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب فقال لي :

«يا سكوني ما غمك؟».

فقلت له ولدت لي بنت فقال لي :

«يا سكوني على الأرض تقلها وعلى الله رزقها تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك».

فسرى والله عني، فقال :

«ما سميتها؟».

فقلت : فاطمة ، فقال :

«آه، آه».

ثم وضع يده على جبهته فقال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق الولد على والده إذا كان ذكراً أن يستفره ،أمه، ويستحسن اسمه ويعلمه كتاب الله عز وجل، ويطهره، ويعلمه السباحة؛ وإذا كانت أنثى أن يستفره أمها، ويستحسن اسمها، ويعلمها سورة النور ولا يعلمها سورة يوسف عليه السلام، ولا ينزلها الغرف، ويعجل سراحها إلى بيت زوجها أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبها، ولا تلعنها، ولا تضربها»)(1).

ص: 183


1- التهذيب : ج 8، ص112
المسألة الثانية:
إنها الزهراء عليها السلام

إنها الزهراء عليها السلام(1)

الزهراء، وهو من أشهر أسمائها بعد فاطمة حتى أصبح ملاصقاً لها فما إن قيل فاطمة حتى أردف بالزهراء ؛ وقيل في فقه اللغة : إن الإنسان إذا كان أبيض بياضاً محموداً أدنى صفرة كلون القمر والدر فهو أزهر وفي حديث أنس في صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (كان) أزهر ولم يكن أمهق أي شديد البياض) (2).

أما السبب وراء اتصافها وتسميتها بالزهراء، فقد وردت عن العترة النبوية بعض الأحاديث الكاشفة عن ذلك، وهي كالآتي :

ألف: بنورها زهرت السماوات السبع والأرضون السبع

عن سلمان الفارسي قال : (كنت جالساً عند النبي المكرم صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلم فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ورحب به فقال : يا رسول الله بم فضل علينا علي بن أبي طالب عليه السلام أهل البيت والمعادن واحدة ؟ فقال له النبي المكرم صلى الله عليه وآله وسلم :

«إذاً أخبرك يا عم إن الله تبارك وتعالى خلقني وخلق عليا ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا لوح ولا قلم.

ولما أراد الله تعالى بدو خلقنا فتكلم بكلمة فكانت نورا ثم تكلم بكلمة ثانية فكانت روحا فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعليا منهما.

ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجل من نور العرش.

ص: 184


1- ذكرها بهذا الاسم : ابن حجر في الاصابة : ج 8، ص 53 ، ط دار الجيل؛ درر السمط في خبر السبط : ص 67
2- فقه اللغة للثعالبي : ج 1 ، ص 14

ثم فتق من نور علي نور السماوات، فعلي أجل من نور السماوات.

ثم فتق من نور الحسن نور الشمس؛ ومن نور الحسين عليه السلام نور القمر فهما أجل من نور الشمس ومن نور القمر.

وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه وتقول في تسبيحها : سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى.

فلما أراد الله جل جلاله أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحابا من ظلمة فكانت الملائكة لا ينظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقنا ما رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا ؟ فقال الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأفعلن فخلق نور فاطمة عليها السلام يومنذ كالقنديل وعلقه في قرط العرش فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع ومن أجل ذلك سميت فاطمة (الزهراء).

وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه فقال الله عزّ وجل: وعزتي وجلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها»(1) .

باء : إن الله تعالى خلقها من نور عظمته

عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال :

«لأن الله عزّ وجل خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض

ص: 185


1- إرشاد القلوب للديلمي : ج 2، ص 403

بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة الله ساجدين وقالوا الهنا وسيدنا ما لهذا النور فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري أسكنته في سماني خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبياني أفضله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون إلى حقي وأجعلهم خلفاني في ارضي بعد انقضاء وحيي»(1).

جيم : إنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام

عن أبان بن تغلب قال : (قلت لأبي عبد الله عليه السلام يا ابن رسول الله لم سمّيت الزهراء عليها السلام زهراء ؟ فقال :

«لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور.

كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة.

فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام.

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة عليها السلام فأشرق

ص: 186


1- علل الشرايع للصدوق : ج 1، ص 179 ؛ دلائل الإمامة : ص 54

وجهها بالحمرة فرحا وشكر الله عز وجل فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام.

فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام»)(1).

ويستفاد من الحديث بعض الأمور ، وهي :

1 - لا شك أن السياق العام للحديث يقتضي وجود أمير المؤمنين عليه السلام في الدار كي يتمكن القادم إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام من الاستئذان والدخول ولكونه من الأمور البديهية لدى حياة الناس فلم يتعرض الإمام لذكره وبيانه في أثناء الحديث.

2 - إن القادم إلى بيت علي عليه السلام لكي يدخل إلى بيت فاطمة عليها السلام ليرى ذلك النور إنما قدم بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذا : نجد من البديهي الذي عليه حياة أمير المؤمنين عليه السلام أنها قائمة على الامتثال لأمره صلى الله عليه وآله وسلم، أي: يكون أمر الدخول إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام قد حصل بالملازمة لطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - لا شك أن خروج هذا النور ودخوله إلى بيوت القوم وبتلك الكيفية التي

ص: 187


1- علل الشرايع : ج 1، ص 181 - 182

أشار إليها الإمام الصادق عليه السلام إنما كان الغرض منه إرشاديّاً كي يعلم الناس ما لفاطمة من الشأنية عند الله ومثاله مثال مريم ابنة عمران عليها السلام حينما اقتضت الضرورة والحكمة الإلهية في إظهار منزلتها للناس لغرض حفظ حرمتها وعدم التعرض لتلك الحدود الإلهية.

4 - كي يعلم الناس أن فاطمة عليها السلام هي المخصوصة بحمل نور الأئمة كما كانت مريم مخصوصة بنور النبوة، ولذا لما ولدت فاطمة عليها السلام الإمام الحسين ذهب النور منها إلى ولدها الإمام الحسين عليه السلام وذلك أن الإمامة في صلبه فعلم الناس حينها لما وجدوا أن هذا النور الزاهر قد انقطع من الظهور في بيوتهم عند ولادة الإمام الحسين عليه السلام؛ أي إنه هو المخصوص بحمل هذا النور نور الإمامة من بعده.

وهذا كله لغرض إلزام الحجة على الناس في البيان والتذكير والبشارة والوعد والوعيد في أن هذا البيت وأهله هم أهل بيت النبوة والإمامة والقرآن، أي الشريعة.

دال : إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء

روى الصدوق عن محمد بن عمارة عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عن فاطمة لم سمّيت زهراء؟، فقال:

«لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض»(1).

ص: 188


1- معاني الأخبار للصدوق : ص 64
هاء : لأنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

ذكر المناوي أن السبب في تسميتها بالزهراء: «لأنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم»(1) .

المسألة الثالثة: إنها البتول

و مما سميت به فاطمة عليها السلام من الأسماء واتصفت بها : (البتول).

وأصل (البتول) في اللغة من التبتل : وهو الانقطاع عن النكاح(2) ، وهو القطع، ولهذا قيل : بتلْتُ الشيء أي قطعته ومنه قيل في الصدقة يبينها الرجل من ماله : صدقة بتّة بتلة ، أي : قطعها صاحبها من ماله وبانت منه (3).

(وامرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم وبها سميت مريم أم المسيح عليهما السلام وسميت فاطمة البتول : لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً ودينا وحسباً وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى) (4).

وقد كشفت الروايات الشريفة عن معان أخرى غير ما ورد في اللغة لهذا الاسم، وهي كالآتي :

1 - روى الكليني عن عبد الصمد بن بشير قال : (دخلت امرأة على أبي عبد الله عليه السلام فقالت : أصلحك الله إني امرأة متبتلة ، فقال :

«وما التبتّل عندك؟».

ص: 189


1- إتحاف السائل للمناوي : ص 24
2- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير : ج 1 ، ص 94
3- غريب الحديث لابن سلام : ج 4 ، ص 19
4- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير : ج 1 ، ص 94

قالت : لا أتزوج ، قال :

«وَلِمَ؟» .

قالت: ألتمس بذلك الفضل، فقال :

«انصرفي فلو كان ذلك فضلا لكانت فاطمة عليها السلام أحقّ به منك، إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل»)(1).

2 - وعن علي عليه السلام قال : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل ما البتول، فإنا سمعناك يا رسول الله تقول إن مريم بتول وفاطمة بتول ؟ فقال :

«البتول التي لم تر حمرة قط، أي لم تحض؛ فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء» (2).

3 - وروى ابن شهر آشوب، قال: (سمیت مريم بتولاً لأنها بتلت عن الرجال، وسميت فاطمة بتولاً لأنها بتلت عن النظير) (3).

4 - ويكشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة في أن السبب في كونها بتولا ، لا ترى ما تراه النساء، عائد إلى كونها مخلوقة من ثمار الجنة، فيقول لها :

«يا حميرا - وهي نقيض البتول : إن فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتلون»(4).

ص: 190


1- الكافي للكليني : ج 5 ، ص 509
2- كشف الغمة : ص 4464 معاني الأخبار للصدوق : ص 64 ؛ علل الشرايع للصدوق : ج 1، ص 181؛ دلائل الإمامة : ص 54
3- المناقب لابن شهر آشوب : ج 3، ص330
4- المعجم الكبير للطبراني : ج 22 ، ص 401 ؛ مجمع الزوائد : ج 9، ص 202

5- وقيل هي المنقطعة عن أقرانها في الفضل(1).

ومن البديهي أننا لا نستطيع أن نقف على المعنى الحقيقي لهذه الصفة التي اتصفت بها فاطمة عليها السلام إلا من خلال الأحاديث الشريفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام .

المسألة الرابعة: إنها الحوراء

وفيما ورد من أسمائها التي سميت بها : (الحوراء) وللاسم معنىّ لغويٌّ ذكره أهل اللغة في معاجمهم، فقال الفراهيدي : (الحور : شدة بياض العين وشدة سوادها، ولا يقال : امرأة حوراء إلا لبيضاء مع حورها والجميع : حور) (2).

وقيل للنساء الحواريات لبياضهن (3).

وقال ابن السكيت : الحور: شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض جلد الجسد ؛ ويقال : للبيضاء حَوْرَاءُ لا يقصد بذلك حور عينيها(4).

أما ما ورد في الأحاديث الشريفة فله معنى آخر غير الذي جاء به أهل اللغة وهو كالآتي :

1 - روى الصدوق : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها

ص: 191


1- تفسير السمعاني : ج 6 ، ص 80
2- كتاب العين : ج 3، ص 288
3- الصحاح للجوهري : ج 2، ص 639
4- المخصص لابن سيدة : ج 1 ، ق1، ص98

فأكلتها فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، وفاطمة حوراء إنسية، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي»(1).

2 - روى محمد بن سليمان الكوفي، عن الشعبي يقول : سمعت الحارث الأعور قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

«ليلة عرج بي إلى السماء فرك لي جبرائيل فركة من شجرة طوبى فنزلت إلى الأرض فواقعت خديجة ابنة خويلد فعلقت بابنتي فاطمة، فهي حوراء إنسية لا يخرج منها الأذى كما يخرج من النساء»(2).

3 - روى ابن أبي حاتم الشامي قائلاً : قال سليمان الأنصاري: كنا جلوساً في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل علي عليه السلام فتحضر له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه، وكان له عشرة أيام منذ دخل بفاطمة عليها السلام، فقال له :

«ألا أخبرك في عرسك شينا».

قال عليه السلام :

«إن شئت فافعل صلى الله عليك».

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«هذا أخي جبرائيل عليه السلام قال: تشاجر آدم وحواء عليهما السلام في الجنة، فقال آدم عليه السلام؛ يا حواء ما هذه المشاجرة؟ فقالت: يقع لي أن ما خلق الله تعالى

ص: 192


1- الأمالي للشيخ الصدوق : ص 546 ؛ الاحتجاج للطبرسي : ج2، ص191
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : ج 2، ص191

خلقا أحسن مني ومنك، فأوحى الله تعالى إليه بأن يا آدم طف الجنة فانظر ماذا ترى؟ قال: فبينا آدم عليه السلام يطوف في الجنة إذ نظر إلى قبة بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها، داخل القبة شخص على رأسه تاج، في عنقه خناق، في أذنيه قرطان، فخر آدم ساجدا الله تعالى، فأوحى الله إليه: يا آدم ما هذا السجود وليس موضعك موضع سجود ولا عبادة؟

فقال آدم: يا جبرائيل ما هذه القبة التي ما رأيت أحسن منها ؟

فقال جبرائيل عليه السلام: إن الله عز وجل قال لها كوني فكانت.

قال آدم عليه السلام: فمن هذا الشخص الذي داخلها ؟

قال: شخص جارية حوراء إنسية تخرج من ظهر نبي يقال له محمد.

قال: فما هذا التاج الذي على رأسها ؟

قال: هو أبوها محمد.

قال: فما هذا الخناق الذي في عنقها ؟

قال: بعلها علي بن أبي طالب.

قال: فما هذان القرطان اللذان في أذنيها ؟

قال: هما قرطا العرش وريحانتا الجنة ولداها الحسن والحسين.

قال: فكيف ترد يوم القيامة هذه الجارية؟

قال: إن الله تعالى يقول: ترد على ناقة ليست من نوق دار الدنيا، رأسها من بهاء الله ومؤخرها من عظمة الله وعظامها من رحمة الله، وقوائمها من خشية الله، ولحمها وجلدها معجونان بماء الحيوان، قال الله تعالى له (كن) فكان يقود زمام الناقة سبعون ألف صف من الملائكة، كلهم ينادون: غضوا

ص: 193

أبصاركم يا أهل الموقف حتى تجوز الصديقة سيدة النساء فاطمة الزهراء»)(1).

ونلاحظ في الحديث أن اسمها في الجنة بالحوراء الإنسية كما رآها آدم عليه السلام ؛ وهي أفضل من حواء وذلك أن سبب تحرك آدم عليه السلام في الجنة كان للبحث عن إجابة للسؤال الذي سألته حواء عن وجود امرأة أفضل منها .

المسألة الخامسة: إنها الطاهرة

لاشك أن هذه الصفة هي مما نص عليها القرآن الكريم في محكم كتابه في قوله تعالى :

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).

فهي الطاهرة بإرادة الله تعالى في أهل بيت النبوة وهم (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومون من ذرية الحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

وهي الإرادة التكوينية التي ينفرد بها أهل البيت عليهم السلام عن بقية ولد آدم وليست الإرادة التشريعية التي يشترك فيها جميع أهل الشرائع السماوية التي أنزلها الله تعالى.

وفضلاً عن هذه الآية المباركة فقد ورد عن الصادق علیه السلام معنی آخر يدلل على حقيقة خاصة تسير جنباً إلى جنب مع ما نص عليه القرآن الكريم منها :

ص: 194


1- الدر النظيم لابن أبي حاتم الشامي : ص 459؛ حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني : ج2، ص11؛ شرح العينية الحميرية للفاضل الهندي : ص 122
2- سورة الأحزاب، الآية : 33

1 - روى الشيخ الطوسي عن (أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«حرّم الله عزّ وجل النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة عليها السلام حية». قلت : فكيف؟ قال :

«لأنها طاهرة لا تحيض»)(1).

المسألة السادسة: إنها المحدثة

تكشف الروايات الشريفة عن السبب في تسمية فاطمة ب_ (المحدثة) يعود إلى كونها تحدثها الملائكة وهي ليست نبية، إذ النبوة ختمت بأبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهي كالآتي :

1 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

«إنما سميت فاطمة عليها السلام ،محدثة، لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها.

فقالت لهم ذات ليلة أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإن الله عزّ وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين»)(2) .

ص: 195


1- تهذيب الأحكام للطوسي : ج 7، ص 475 ؛ الأمالي للطوسي : ص 44؛ المناقب لابن شهر : ج3، ص 110
2- علل الشرائع للصدوق : ج 1، ص 182

2 - وروى الصفار عن سليم الشامي قال : سألت محمد بن أبي بكر قلت كان علي عليه السلام محدّثا ؟ قال :

«نعم».

قلت : وهل يحدث الملائكة - غير - الأنبياء؟ قال :

«نعم، وفاطمة كانت محدثة ولم تكن نبيّة»)(1) .

المسألة السابعة: سمّيت في التوراة ب_(هليون)

ومما نصت عليه الرواية الشريفة أن فاطمة والحسن والحسين وعلياً ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وردت أسماؤهم في التوراة، كما نص على ذلك الشيخ المفيد قائلاً :

(قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«إنّ أول ما في التوراة مكتوب محمد رسول الله وهي مما أساطه».

ثم صار قائما ثم تلا هذه الآية :

«يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجيل ...» (2).

ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد». وأما الثاني والثالث والرابع فعلي وفاطمة وسبطاهما، وهي سيدة نساء العالمين في التوراة إيليا وشبرا وشبيرا وهليون يعني فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام») (3).

ص: 196


1- بصائر الدرجات: ص392
2- سورة الأعراف الآية : 157
3- الاختصاص للمفيد : ص37

المبحث الثاني: كنيتها وألقابها

المسالة الأولى: كنيتها

لفاطمة عليها السلام بعض الكنى التي كنيت بها، وهي :

(أم الحسن، أم الحسين، أم المحسن، أم السبطين، أم الريحانتين، أم الخيرة، أم البررة، أم الأزهار، أم الأخيار، أم النجباء، أم الأئمة المعصومين) (1).

إلّا أن أشهر ألقابها هو : أم أبيها (2).

ومعنى الكنية في اللغة : كناية : تكلم بما يستدل به عليه أو أن تتكلم بشيء وأنت تريد غيره أو بلفظ يجاذبه جانبا حقيقة ومجاز، وزيدا أبا عمرو و به كنيته

ص: 197


1- الخصائص الفاطمية للكجوري : ج1، ص 113
2- الإصابة لابن حجر : ج 8، ص 53 ، برقم 11583 ؛ درر السمط في خبر السبط ؛ تهذيب التهذيب لابن :حجر ج6 ، ص 554 ؛ المعجم الكبير للطبراني : ج22، ص 397، برقم 985، عن المدائني؛ مجمع الزوائد للهيثمي : ج 9، ص 339؛ العقد الثمين : ج 1، ص 271؛ سيرة مغلطاي : ص99، ط دار القلم ؛ إتحاف السائل للمناوي : ص 25؛ المنتقى في سرد الكنى للذهبي: ج 2، ص 197 ، برقم 6946؛ سير أعلام النبلاء : ج 2، ص 119 ، ط مؤسسة الرسالة ؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 35، ص 247، ط دار الرسالة التعديل والتجريح لابن سعد الباجي : ج 3، ص 1295 ؛ الاستيعاب : ج 4 ، ص 1899 ، ط دار الجيل ؛ الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر : ج 8، ص 53 ، ط دار الجيل

بالكسر والضم سماه به كأكناه ،وكناه، وأبو فلان كنيته وكنوته ويكسران وهو كنيه، أي: كنيته (1).

(والكنية تقوم مقام الاسم فيعرف صاحبها بها كما يعرف باسمه، والكنية من مفاخر العرب وعاداتهم، ولم تكن معروفة عند غيرهم من الأمم، وهم يستعملونها توقيرا وتعظيماً وتكريما للمكنى، ثم صارت متداولة عند العجم حيث صاروا يكنون بعبارات وإشارات خاصة عندهم، بل إن العرب يفضلون الكنية على اللقب.

قال الشاعر :

أكنيه حين أناديه لأكرمه *** ولا ألقبه واسوءة اللقبا

كذاك أدبت حتى صار من خلقي *** إني وجدت ملاك الشيمة الأدبا

وظاهر معنى البيتين أنّ الكنية ممدوحة واللقب مقدوح.

وروي عن أمير المؤمنين :

«إنّ الأطفال كانوا يكنّون منذ الولادة في صدر الإسلام»)(2).

وقال العلّامة المجلسي: الكنية للمولود في المهد علامة الشرف بل هي مستحبّة.

وفي الحديث المعتبر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنّى سيّد الشهداء عليه السلام يوم ولادته بأبي عبد الله .

ص: 198


1- القاموس المحيط للفيروز آبادي : ج 4 ، ص 384
2- الخصائص الفاطمية للكجوري : ج1، ص112

وقال أمير المؤمنين عليه السلام:

نحن الكرام (بنو الكرا *** م) وطفلنا في المهد يكني

إنا إذا قعد اللئا *** م على بساط العز قُمنا

ومنه يعرف ما ذهب إليه العلّامة المجلسي وما هو المشهور.

وعرفوا الكنية بأنه ما كان مصدّراً بأب وأُم وابن مثل (أبو الحسن ، وأُم كلثوم، وابن عبّاس، وابن الحاجب) بل ما كان مصدّراً ب_ (بنت) أيضاً مثل (بنت العنب وبنت الكرم) وغيرها.

وكان العرب يكنّون الرجل باسم ابنته توهيناً له، فيقال (أبو كريمة وأبو رقّيّة وأبو عائشة وأبو أمامة وأبو أسامة) وكان يكنّى عثمان ب_ ( أبي ليلى) وكذا معاوية بن يزيد بن معاوية، وكان المخالفون يكنّون أمير المؤمنين عليه السلام ب_ (أبي زينب).

وقد يكنّون بلحاظ وصف شائع، مثل (أبو اليقظان) كنية الديك بلحاظ استيقاظه ، ومثل (أبو وذحة) كنية الحجّاج بن يوسف الثقفي، والوذحة الخنفساء - ولهذه الكنية قصّة - وكنّي يزيد بن معاوية ب_(أبي زنه) وزنه اسم قرد.

ومن أقبح كنى العرب : أبو الحمراء، وأبو النتن، وأبو البعرة، وأبو لهب كُنّي بذلك لحمرة شديدة في وجهه.

قال أحد المفسّرين في تفسير قوله تعالى :

«فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا ...» (1).

المراد من القول اللين مُخاطبة فرعون بالكنية.

ص: 199


1- سورة طه الآية : 44

وخاطب موسى عليه السلام البحر قائلاً (يا أبا خالد انفلق)، ودعيت الحمّى ب (أُم ملدم) وفي ذلك أسرار.

وقد وضع العرب للحيوانات كنى تجدها كثيراً في (حياة الحيوان)؛

والخلاصة : يجب تعظيم الأسرة المحترمة وإكرام الآل العظماء وذوي البيوتات، ومن أقسام الاحترام والتكريم الشائعة الدعوة بالكنية.

وقد تسقط كلمة الأب بمقتضى الحال ومتطلبات المقام ويُكتفى بذكر الاسم فقط دون سبقه (بأب) أو (أم ) ، كما قال عبد المطلب عليه السلام :

وصيت من كنيته بطالب *** عبد مناف وهو ذو تجارب

والمراد من (طالب) (أبي طالب) واسمه (عبد مناف) وهو من الأعلام المشتركة.

وروي نظير ذلك في حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المكنّى بقاسم يعني (أبو القاسم)، ونظيره ما ورد في كتاب الغيبة في حقّ إمام العصر - أرواحنا له الفداء - حيث روي أنّه كنّي بجعفر والمراد (أبو جعفر).

وكنّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام - بمقتضى الحال لا الماضي ولا الاستقبال - لما رآه نائماً على التراب ب_(أبي تراب) وقال :

«قم يا أبا تراب».

وكانت أحبّ الكنى إليه عليه السلام وكان يفتخر بها، ولنعم ما قاله

ص: 200

الصاحب بن عبّاد(1):

ص: 201


1- ترجم له السيد شرف الدين في مراجعاته فقال : (إسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني ابو القاسم المعروف بالصاحب ابن عباد ذكره الذهبي في ميزانه فوضع على اسمه (دت) رمزا إلى احتجاج أبي داود والترمذي به في صحيحيهما (152) ثم وصفه : بأنه أديب بارع شيعي قلت: تشيعه مما لا يرتاب فيه أحد، وبذلك نال هو وأبوه ما نالا من الجلالة والعظمة في الدولة البويهية، وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء، لأنه صحب مؤيد الدولة بن بويه منذ الصبا فسماه الصاحب، واستمر عليه هذا اللقب حتى اشتهر به ثم أطلق عل-ى ك-ل من ولي الوزارة بعده، وكان أولا وزير مؤيد الدولة أبي منصور ابن ركن الدولة ابن بويه، فلما توفي مؤيد الدولة وذلك في شعبان سنة (373) بجرجان، استولى على مملكته أخوه أبو الحسن علي المعروف بفخر الدولة فأقر الصاحب على وزارته ، وكان معظما عنده، نافذ الأمر لديه، كما كان أبوه عباد بن العباس وزيرا معظما عند أبيه ركن الدولة نافذ الأمر لديه ولما توفي الصاحب - وذلك ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاث مئة بالري عن تسع وخمسين سنة - أغلقت له مدينة الري، واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته، وحضر فخر الدولة ومعه الوزراء والقواد وغيروا لباسهم، فلما خرج نعشه صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة، وقبلوا الأرض تعظيما للنعش، ومشى فخر الدولة في تشييع الجنازة كسائر الناس، وقعد للعزاء أياما ورثته الشعراء، وأبنته العلماء، وأثنى عليه كل من تأخر عنه، قال أبو بكر الخوارزمي : نشأ - الصاحب بن عباد - من الوزارة في حجرها، ودب ودرج من وكرها، ورضع أف-اويق درها، وورثها عن آبائه، كما قال أبو سعيد الرستمي في حقه : ورث الوزارة كابرا عن كابر ** موصولة الإسناد بالإسناد يروي عن العباس عباد وزا *** رته وإسماعيل عن عباد وقال الثعالبي في ترجمة الصاحب من يتيمته : ليست تحضرني عبارة أرضاها للافصاح عن علو محله في العلم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم، وتفرده بالغايات في المحاسن وجمعه أشتات المفاخر، لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه وجهد وصفي - يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه. ثم استرسل في بيان محاسنه وخصائصه (153) وللصاحب مؤلفات جليلة منها كتاب المحيط في اللغة في سبعة مجلدات رتبه على حروف المعجم، وكان ذا مكتبة لا نظير لها . كتب إليه نوح بن منصور أحد ملوك بني سامان يستدعيه ليفوض إليه وزارته وتدبير أمر مملكته، فاعتذر إليه : بأنه يحتاج لنقل كتبه خاصة إلى أربع مئة جمل فما الظن بغيرها، وفي هذا القدر من أخباره كفاية

أنا وجميع من فوق التراب *** فداء تراب نعل أبي تراب) (1)

(ولقد تناول العلماء في مصنفاتهم المعاني التي تختزنها كنية فاطمة عليها السلام: (أم أبيها).

فقال بعضهم : من الواضح أن المراد من هذا اللفظ هو الاستعمال المجازي وليس المعنى الحقيقي، وعليه كيف نجد المعنى المجازي المناسب دون التورط بمعارض - وهذا أولاً -.

وثانيا : (أمُ) لغة بمعنى القصد كما في (اللهم)، قال تعالى :

«... وَلَا ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ...» (2).

ويقال أم فلان فلاناً ، أي : قصده.

وأصل (أم) : (أمهة) وجمعه (أمهات) وتستعمل غالباً (أمهات) للإنسان، و (أمات) للبهائم، وتصغيرها (أميمة) وهو اسم امرأة، وقد تضاف التاء إلى الأب أو (أم) بدلاً عن الياء، فيقال: يا أبت افعل ويا أمت لا تفعلي) - كما جاء في محكم التنزيل :

«... يَاَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ...» (3)

وقولهم : (لا أم لك) ذم ودعاء وإمام مشتقة من نفس المادة، وهو مَن قصده الخلق وتقدّمهم؛ وفي التفسير الآية الكريمة :

ص: 202


1- خصائص الفاطمية : ج 1 ، ص 112 - 115
2- سورة المائدة، الآية : 2
3- سورة الصافات، الآية : 102

« ...وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ...» (1).

قال : هو الكتاب وفي قوله :

« ...وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِين»(2).

قال : هو الطريق.

والأمام بالفتح هو القدّام.

والغالب استعمالها بمعنى (الأصل ) يقال : (أم الجيش ) وهي كما قال الفخر الرازي : الراية العظمى في قلب الجيش، وهي ملاذ الجيش وملجأ العسكر.

قال قيس بن الحطيم :

عصبنا أمّنا حتى ابذعرّوا *** وصار القوم بعد ألفتهم شلالا

و (أمّ الكتاب) مرّ معناه و (أمّ الطريق) : الطريق الأعظم، و (أمّ الدماغ) - كما في مجمع البيان - المقدّم من كلّ شيء، والجامع منه يقال له (أمّ الرأس)، وقيل (أمّ الدماغ) لأنه مجمع الحواس والمشاعر، ويقال للأرض (أمّ) لأنّها أصل الإنسان منها خرج وإليها يعود، قال تعالى جلّ شأنه:

«أَلَمْ تَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتَا (25) أَحْيَاهُ وَأَمْوَاتَا»(3).

وقال أميّة بن الصلت :

فالأرض معقلنا وكانت أمنّا *** فيها مقابرنا وفيها نولد

ص: 203


1- سورة يس الآية : 12
2- سورة الحجر، الآية : 79
3- سورة المرسلات، الآيتان : 25 و 26

وكذا (أمّ القرى) لانتشار القرى والمدن منها، ويقال لرئيس القوم (أمّ القوم، ويقال للماهية (أُمّ الوجود) لأنها مظهر الوجود، ويقال للعناصر الأربعة (الأمّهات) لتوليد المواليد الثلاثة، وقال الإمام المعصوم للخمر (أُمّ الخبائث) لأنّها سبب لكلّ الذنوب الأخرى، ونظائره كثير.

وكذا يقال للمجرّة (أمّ النجوم) ولإمام الجماعة (أمّ القوم).

ثالثاً : تبيّن ممّا مرّ أنّ (الأمّ) بمعنى (القصد).

ورأيت في بعض الكتاب أنّ الأمّ تعني أيضاً الثمرة، لأنّها القصد والمقصود من الشجرة) (1).

وبناءً على ما تقدم يمكن التوصل إلى بعض الدلالات المستقاة من هذه المعاني:

1 - حينما تكون فاطمة قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله :

«فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي».

يتضح أنها أم وجوده إذ لا حياة للإنسان بدون القلب والروح.

2- لا شك أن المراد من وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو النبوة، ودوام النبوة بوجود الإمامة المنصوص عليها من الله تعالى كما نص سبحانه على النبوة لأنها محل شرع الله تعالى وترجمان شريعته، ولا شك أن فاطمة هي أم الأئمة وبذاك تكون أم دوام الشريعة وقلب نواتها.

ص: 204


1- الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري : ج 1، ص 127 - 129

3 - إنّ لها من الحقوق على النبي بحجم ما تحمله الأمومة الاعتبارية ولذا نجده صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أقبلت عليه فاطمة عليها السلام فإنه يقوم إجلالاً لها ويقبل يدها ويجلسها في مجلسه، وهذه الظاهرة النبوية نجدها متطابقة مع الظاهرة الأسرية في أكثر المجتمعات الإنسانية في إظهارها لمنزلة الأم وإجلالها واحترامها وإبداء الحب لها.

4 - إنها بهذه الكنية تكون صاحبة الحق الأعظم على المؤمنين وذلك بدلالة قوله تعالى :

«النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ...» (1).

ولا يخفى أن منزلة الأمومة التي جاءت بها الآية هي في محل تحريم الزواج عليهن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وليست الأمومة النسبية، وكذاك ليست الأمومة الاعتبارية، وإنما الأمومة التحريمية على الرجال حرمة أبدية لا تجيز إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزواج من رجل آخر؛ ولذلك كانت عائشة تقول للنساء : (أنا أم رجالكم لست بأمكم) (2)، حينما قالت لها إحدى النساء : يا أمه.

بدليل زواج الإمام علي عليه السلام من فاطمة وهي بنت خديجة أم المؤمنين فلو كانت الحرمة نسبية فما جاز لأحد أن يتزوج من زينب وأم كلثوم

ص: 205


1- سورة الأحزاب، الآية : 6
2- السنن الكبرى للبيهقي : ج 7، ص 70؛ عمدة القاري للعيني : ج 1، ص39؛ مسانيد أبي يحيى الكوفي : ص 85 ؛ تفسیر ابن زمنين : ج 3، ص 388؛ تفسير الثعلبي : ج 8، ص9؛ تفسير السمعاني : ج 4 ، ص 260 ؛ الطبقات لابن سعد : ج 8، ص 64

ورقية على فرض إنهن بنات خديجة، ولأصبحن بهذه النسبة أخوات المؤمنين مثلما أزواجه أمهاتهم.

في حين أن فاطمة عليها السلام منزلتها الأمومية في الإسلام أعظم حقاً من منزلة الأم النسبية للمسلم وذلك أنها أم سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بمن عظم حقها على سيد الخلق ، كيف سيكون حقها على المسلمين؛ وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام أبوي هذه الأمة، ففاطمة لها منزلة الأمومة على هذه الأمة.

المسألة الثانية:
ألقابها عليها السلام

للصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام مجموعة من الألقاب الشريفة الكاشفة عن صفاتها المحمدية وموضع العناية الإلهية؛ ولقد ذكر لها ابن شهر المازندراني مجموعة من هذه الألقاب الشريفة؛ فيما عد لها الشيخ الكجوري (135) لقباً، ولكننا وقبل الولوج في هذه الألقاب الشريفة نعرف أولاً اللقب.

أولا : ما هو اللقب؟

(اللقب : جمعه ألقاب، قال تعالى :

« ... وَلَا تَلْمِرُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ...» (1).

وقال في مجمع البحرين: (قد يكون اللقب علماً من غير نبز، فلا يكون حراما)) (2).

ص: 206


1- سورة الحجرات، الآية : 11
2- مجمع البحرين: ج 2، ص 167 ، مادة : لقب

واللقب ممدوح بعد الكنية وهو إمّا مُشعر بالمدح أو بالذم والنهي في الآية للألقاب المذمومة التي يكرهها المدعو بها لما فيها من الذم والتنابز هو التلقيب بالمذموم.

والمؤمن لا يُدعى باسمه إكراماً وتعظيماً واحتراماً، بل يدعى باللقب الممدوح ، ولو لم يكن التلقيب مستحسناً لما نزل لقب (أمير المؤمنين) من السماء لسلطان الولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ولما أظهر جبرائيل الأمين عليه السلام كلّ ذلك السرور والفرح لما نزل به ولما انبسط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابتهج لهذه الموهبة العظمى، ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقب أسد الله وأسد رسوله لعمّه الأكرم حمزة عليه السلام وجعل هذا اللقب المبارك فخراً له. وفي الحديث :

«حقّ المؤمن على أخيه أن يسمّيه بأحبّ أسمائه».

تبيّن أنّ كثرة الأسماء والألقاب دليل الشرف وعلوّ القدر ورفعة المقام، وكلّ لقب يكون - عادة - إشارة إلى صفة خاصة يتصف بها الملقّب، وذِكر الصفة يدلّ على الموصوف، بل يدخل السرور والابتهاج عليه.

وقد لقبت الصدّيقة الطاهرة عليها السلام على لسان رسول الله وملائكته والأئمة المعصومين عليهم السلام في موارد عديدة بأسماء مباركة وألقاب شريفة تحكي شرف صفاتها الخاصة التي اتصفت بها ذاتها المقدّسة.

وقد عبّر - أحياناً - عن معنى واحد بألفاظ عديدة وعبارات شتّى و (كثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى) (1) .

ص: 207


1- الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري : ج 1، ص 138
ثانياً : ما ذكره المازندراني من ألقاب فاطمة عليها السلام

قال رحمه الله : (وأسماؤها على ما ذكره أبو جعفر القمي : فاطمة، البتول، الحصان - من الحصانة والتحصين، الحرة، السيدة العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية المرضية، المحدثة مريم الكبرى، الصديقة الكبرى.

ويقال لها في السماء : النورية، السماوية، الحانية.

وقلنا : الصديقة بالأقوال والمباركة بالأحوال، والطاهرة بالافعال الزكية بالعدالة والرضية بالمقالة والمرضية بالدلالة المحدثة بالشفقة والحرة بالنفقة ، والسيدة بالصدقة، الحصان بالمكان، والبتول في الزمان، والزهراء بالاحسان، مريم الكبرى في الستر، وفاطم بالسر، وفاطمة بالبر، النورية بالشهادة، والسماوية بالعبادة والحانية بالزهادة، والعذراء بالولادة، الزاهدة الصفية، العابدة الرضية، الراضية المرضية، المتهجدة الشريفة، القانتة العفيفة، سيدة النسوان وحبيبة حبيب الرحمن، والمحتجبة عن خزان الجنان، وصفية الرحمن، ابنة خير المرسلين، وقرة عين سيد الخلائق أجمعين، وواسطة العقد بين سيدات نساء العالمين، المتظلمة بين يدي العرش يوم الدين ثمرة النبوة، وأم الأئمة وزهرة فؤاد شفيع الأمة، الزهراء المحترمة، والغراء المحتشمة ، المكرمة تحت القبة الخضراء، والإنسية الحوراء، والبتول العذراء ست النساء، وارثة سيد الأنبياء، وقرينة سيد الأوصياء، فاطمة الزهراء، الصديقة الكبرى، راحة روح المصطفى حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى، وصاحبة شجرة طوبى، ومن أنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتى، ابنة النبي، وصاحبة الوصي، وأم السبطين، وجدة الأئمة، وسيدة نساء الدنيا والآخرة، زوجة المرتضى، ووالدة المجتبى، وابنة المصطفى، السيدة المفقودة،

ص: 208

الكريمة المظلومة الشهيدة، السيدة الرشيدة، شقيقة مريم، وابنة محمد الأكرم، المقطوعة من كل شر، المعلومة بكل خير، المنعوتة في الإنجيل، الموصوفة بالبر والتبجيل، درة صاحب الوحي والتنزيل، جدها الخليل، ومادحها الجليل وخاطبها المرتضى بأمر المولى جبرئيل ) (1) .

ثالثا: ما ذكره الشيخ محمد باقر الكجوري من ألقاب فاطمة عليها السلام

ذكر لها الشيخ الكجوري رحمة الله تعالى عليه مجموعة من الألقاب بلغت (135) لقباً فكانت كالآتي :

(الأول : أمة الله، الثاني : آية الله الثالث : بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرابع زوجة وليّ الله، الخامس : كلمة الله التامّة، السادس : حجاب الله المُرخى، السابع : نخبة أبيها ، الثامن : ستر الله الكبرى، التاسع : كلمة التقوى، العاشر : المزوجة في الملأ الأعلى، الحادي عشر : الغرّة الغرّاء، الثاني عشر : الزهرة الزهراء، الثالث عشر : العارفة بالأشياء الرابع عشر : المعروفة في السماء، الخامس عشر: سيدة الإماء، السادس عشر : حاملة البلوى، السابع عشر : مبشّرة الأولياء، الثامن عشر : عديلة مريم، التاسع عشر : زجاجة الوحي العشرون : مشكاة الأنوار، الحادي والعشرون: ثمرة النبوّة، الثاني والعشرون: بقيّة النبوّة، الثالث والعشرون : ابنة الصفوة، الرابع والعشرون : عقيلة الرسالة، الخامس والعشرون : والدة الحجج، السادس والعشرون : صاحبة الجنّة السامية، السابع والعشرون : فلذة الكبد الثامن والعشرون : تفّاحة الفردوس، التاسع والعشرون : الفاضلة المحدّثة، الثلاثون: جمال الآباء، الواحد والثلاثون : شرف الأبناء الثاني

ص: 209


1- مناقب آل أبي طالب عليه السلام لابن شهر آشوب : ج 3، ص133

والثلاثون : صفوة الشرف، الثالث والثلاثون : معدن الحكمة، الرابع والثلاثون: موطن الرحمة ، الخامس والثلاثون: ريحانة النبيّ، السادس والثلاثون : الروح بين جنبي المصطفى، السابع والثلاثون : المشرقة الرباعيّة، الثامن والثلاثون: البيضاء البضّة، التاسع والثلاثون: وديعة الرسول، الأربعون: الناطقة بالشهادتَين، الحادي والأربعون : الوليدة في الإسلام، الثاني والأربعون : شفيعة الأُمّة، الثالث والأربعون : قلادة الوجود، الرابع والأربعون: ركن الدين، الخامس والأربعون: الدعوة المستجابة، السادس والأربعون : الطاهرة الميلاد، السابع والأربعون: مقتولة الولد، الثامن والأربعون : إحدى الكُبَر، التاسع والأربعون : صاحبة المصحف، الخمسون : صاحبة الأحزان الطويلة، الواحد والخمسون : سيدة نساء الجنّة، الثاني والخمسون: سيّدة الأئمّة، الثالث والخمسون : سيّدة نساء هذه الأُمّة، الرابع والخمسون: سيّدة بنات آدم، الخامس والخمسون : سيّدة نساء الأولين والآخرين، السادس والخمسون : الكوكب الدرّيّ، السابع والخمسون : أعزّ البرية، الثامن والخمسون : الخيرة من الخير، التاسع والخمسون : المنعوتة في الإنجيل، الستون : درّة التوحيد، الحادي والستون : قرّة عين الخلائق، الثاني والستون : ليلة القدر، الثالث والستون : الصلاة الوسطى، الرابع والستون : مَن بِرُّها خير العمل، الخامس والستون : العالمة، السادس والستون : الصابرة، السابع والستون : الصادقة، الثامن والستون : المتهجّدة، التاسع والستون : القانعة، السبعون : القانية، الواحد والسبعون : الحبّة النابتة، الثاني والسبعون : الذروة الشامخة، الثالث والسبعون : العابدة، الرابع والسبعون : الشهيدة، الخامس والسبعون : الرشيدة، السادس والسبعون : المضطهدة، السابع والسبعون: صاحبة القبة الفاطمية، الثامن والسبعون: منهدّة الركن التاسع والسبعون : المُمتَحَنة،

ص: 210

الثمانون : المغصوبة حقّها، الحادي والثمانون : الممنوعة حقّها، الثاني والثمانون : الكريمة، الثالث والثمانون : المظلومة، الرابع والثمانون : التقيّة، الخامس والثمانون : النقيّة، السادس والثمانون : المتعوبة، السابع والثمانون : عين المحجّة، الثامن والثمانون : ناحلة الجسم، التاسع والثمانون: وديعة المصطفى، التسعون : بَضعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، الواحد والتسعون : ثالثة الشمس والقمر، الثاني والتسعون : صَدَف الفخار، الثالث والتسعون : الحبيبة، الرابع والتسعون : الكئيبة، الخامس والتسعون : الصفية، السادس والتسعون : الميمونة النسل، السابع والتسعون : الكلمة الطيّبة، الثامن والتسعون : الدُرّة المنضدّة، التاسع والتسعون : القدوة المسدّدة، المائة : خامسة أهل العبا، الواحد بعد المائة : النبيلة، الثاني بعد المائة : الجميلة الجليلة، الثالث بعد المائة : المعصومة، الرابع بعد المائة : العفيفة، الخامس بعد المائة : الوحيدة، السادس بعد المائة : الوالهة، السابع بعد المائة : باكية العين، الثامن بعد المائة : محترقة القلب، التاسع بعد المائة : معصبة الرأس، العاشر بعد المائة : وسيلة الرضوان، الحادي عشر بعد المائة : المصباح المنير، الثاني عشر بعد المائة : العُروة الوثقى، الثالث عشر بعد المائة : سفينة النجاة، الرابع عشر بعد المائة : عين الحياة، الخامس عشر بعد المائة : قرار القلب، السادس عشر بعد المائة : زَين الفواطم، السابع عشر بعد المائة : نور الأنوار، الثامن عشر بعد المائة : ذريعة الشيعة، التاسع عشر بعد المائة : عيبة العِلم، العشرون بعد المائة : وعاء المعرفة، الحادي والعشرون بعد المائة : حظيرة القدس، الثاني والعشرون بعد المائة : سماء الكواكب الدرّيّة، الثالث والعشرون بعد المائة : سُلالة الفخر، الرابع والعشرون بعد المائة: فخر الأئمّة، الخامس والعشرون بعد المائة : برزخ النبوّة والولاية، السادس والعشرون بعد المائة : بهجة الفؤاد، السابع والعشرون بعد المائة : حجّة

ص: 211

الله الكبرى، الثامن والعشرون بعد المائة: مهجة العالَم، التاسع والعشرون بعد المائة : آية الله العظمى، الثلاثون بعد المائة : أرومة العناصر، الحادي والثلاثون بعد المائة : جُرثومة المفاخر، الثاني والثلاثون بعد المائة : ربيبة المكرمة، الثالث والثلاثون بعد المائة : عالية الهمّة، الرابع والثلاثون بعد المائة : القائمة في الليل، الخامس والثلاثون بعد المائة : الصائمة في النّهار.

سيّدتنا فاطمة أُمّ الأئمّة الأطهار، حليلة عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليها وعلى والدها وبعلها وولديها.

اللهم املأ قلوبنا من ولائها، وأجرِ ألسنتنا بثنائها، ولا تجعلها خصيمة لنا، ولا مغضبة علينا في يوم ننتظر شفاعتها ونرجو أن نلتجئ بكلائتها، وأنت أعلم بعواقب الأمور ، وأرحم بمن ربّيته في توالي الدهور، فويلٌ عند ظهور الساعة لمن خصمته عند الشفاعة.

وبالجملة : فإنّ الألقاب الشريفة التي مرّ ذكرها بالعدد المبارك استُخرجت من الأدعية والروايات وكلمات العلماء الأعلام.

وإنّ كلّ لقب منها يشير إلى معنى معيّن، ويفيد كرامة خاصة، ويحكي رواية لأهل الدراية، ولكن متى تقاس القطرة بالبحر، والبيضاء بالذرّ؟ ومتى تنتهي ألقابها الشريفة وأوصافها المنيفة؟ ولنعم ما قيل:

إنّ شيئاً كلّه لا يدرك *** اعلموا أن كله لا يترك) (1)

ص: 212


1- الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري : ج 1، ص 133 - 149

المبحث الثالث: بعض خواصها

المسألة الأولی:
حرزها

الحرز: بكسر الحاء، المكان الحصين ؛ ويقال : هذا حرز، وحريز، واحترزت من كذا، وتحرزت منه، أي: توقيته.

ومنه : الاتقاء، والتحفظ(1)، التميمة، الحجاب، التعويذة(2).

وقد ورد في كتاب الله تعالى سورتان باسم (المعوذتان) وهما سورة الفلق وسورة الناس وهما ما يتعوذ بهما المسلم من العين والحسد والسحر والوسواس.

ولقد ورد في محكم التنزيل في ذكره سبحانه لمريم عليها السلام حينما أرسل إليها روح القدس :

«قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً ...» (3).

ص: 213


1- معجم مقاييس اللغة لابن فارس : ج 2، ص38
2- المصطلحات إعداد مركز المعجم الفقهي : ص 963؛ المخصص لابن سيدة : ج 3، ق3 (السفر الثاني عشر)، ص 300
3- سورة مريم، الآية : 18

وفيما ورد عن العترة عليهم السلام في الأدعية والاستعاذة بالله تعالى والأحراز ليثري المؤمن الملتمس سبيل النجاة والاستشفاء، حتى ضمت كتب الأدعية أحرازاً بأسماء الأئمة منسوبة إليهم فكانوا يملونها للمؤمنين كي يتعوذوا ويتحصنوا بها من الأضرار لاسيما شرور الخلق بإذن الله تعالى.

أما ما ورد من الأحراز لفاطمة عليها السلام فهو كالآتي :

1- حرز النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام خاص لها

قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله العظيم، ورسوله الكريم فلا تهشمي العظم ولا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم أخرجي من حامل كتابي هذا إلى من لا يؤمن بالله العظيم ورسوله الكريم وآله محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام»(1).

2 - وروى السيد ابن طاووس أن لها هذا الحرز الذي كانت تدعو الله به
2 - وروى السيد ابن طاووس أن لها هذا الحرز الذي كانت تدعو الله به

«بسم الله الرحمن الرحيم يا حي يا قيوم برحمتك استغنيت فأغثني ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً وأصلح لي شأني كله»(2).

ما علمته لسلمان من الأحراز

1 - روى السيد ابن طاووس كذلك أن لها حرزاً آخر علمته سلمان المحمدي رضي الله عنه وهو الحرز الذي علمها إياه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقالت لسلمان :

ص: 214


1- مكارم الأخلاق للشيخ الطبرسي : ص 401
2- مهج الدعوات لابن طاووس : ص 6

«إن سرك أن لا يمسك أذى الحمى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه».

فقال سلمان : علميني هذا الحرز.

فقالت عليها السلام:

«بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله النور، باسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضرار مشكور، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين»(1).

وللحرز مقدمة وكرامة سنوردها إن شاء الله في باب معاجزها وكراماتها.

المسألة الثانية:
رحى فاطمة عليها السلام

إنّ مما اختصت به فاطمة عليها السلام في شؤونها الحياتية (الرحى) التي كانت تستخدمها في طحن الشعير أو القمح.

و (الرحى) : الطاحونة أو الجاروشة (2)، تتكون من حجرين دائرين أو مربعين يكون الأسفل على الأرض ويتوسطه عصا في محل المركز ويسمى (قطب الرحى).

لكي يمسك الحجر الأعلى عند دورانه وحركته على الحجر الأسفل وذلك

ص: 215


1- مهج الدعوات لابن طاووس : ص 7
2- معجم ألفاظ الفقه الجعفري : ص 206

بواسطة وتد من الخشب مثبت على طرف الحجر الأعلى كي يمسك ويحرك بواسطة الحجر بشكل دائري مما يؤدي إلى طحن حبوب الشعير عند إدخالها من فتحة دائرية عند قطب الرحى وتوضع تحت الرحى قطعة من الجلد ليقع عليها الدقيق وتسمى هذه الجلدة ب_(الثفال) (1).

وعليه :

أولاً : لقد طحنت سيدة نساء العالمين بالرحى حتى يبس جلد يديها

إن عملية طحن الحبوب تكون شاقة وذلك لثقل الحجر وما يستلزمه من دوران مستمر كي يحقق عملية الطحن والحصول على الدقيق أو (الطحن)؛ فضلاً عن اضطرار المرأة لرفع هذين الحجرين من موضع إلى آخر أو رفع الحجر الأعلى لجمع الدقيق العالق بين الحجرين.

من هنا : نجد أن الروايات الشريفة أشارت إلى بيان هذا الجهد الذي كانت تقوم به بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إذ في الغالب يستعين كثير من النساء في هذا العمل بخادمة أو خادم يوفر على المرأة بذل هذا الجهد في عملية تحضير الدقيق.

إلا أنّ ضعف الحال الذي عليه علي وفاطمة صلوات الله عليهما لم يمكنهما من استجلاب خادمة تعين فاطمة عليها السلام على هذا الجهد مع كونها سيدة نساء العالمين، وابنة سيد الخلق أجمعين؛ إلا أن ذلك لم يمنعها من بذل هذا الجهد من أجل رعاية أولادها وزوجها فنالت من الله تعالى أجراً عظيماً.

ص: 216


1- الفائق في غريب الحديث للزمخشري : ج 1 ، ص 367

ولقد وردت روايات عديدة أشارت إلى هذا الجهد وما خص الله تعالى به من الكرامة والفضل والبركة وهي كالآتي :

1 - روى الصدوق رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال في جهد فاطمة وحسن تبعلها لاسيما فيما يتعلق بطحن الشعير، أن قال :

«وطحنت بالرحى حتى مجلت(1) يداها » (2) .

ولنا عودة للحديث في موضعين في (تسبيحها) و(زهدها) إن شاء الله تعالى.

2 - أخرج أحمد في المسند (عن علي أنه قال لفاطمة - صلوات الله عليهما -:

«والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي فاستخدميه».

فقالت - عليها السلام - :

«وأنا والله طحنت حتى مجلت يداي»)(3) .

3 - وروى الطبراني عن أم سلمة أنها قالت: (إن فاطمة جاءت تشتكي الخدمة، فقالت :

«يا رسول الله مجلت يداي من الرحى الخبز مرة والعجين مرة»)(4).

ص: 217


1- مجلت يداها: أي ثخن جلدها وتعجر، وظهر فيها ما يشبه البر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة؛ مجمع البحرين : ج 5 ، ص 47 ، مادة (مجل)
2- علل الشرايع للشيخ الصدوق : ج 2، ص 366
3- مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ، ص 106 ؛ مجمع الزوائد : ج 10، ص 100
4- المعجم الكبير للطبراني : ج 23، ص 339؛ معجم الزوائد للهيثمي : ج 10، ص 122
ثانياً :
ما رافق رحى فاطمة من الكرامات التي أظهرها الله لبعض الصحابة

إن ما يتحف الله به أولياءه وعباده الصالحين ظهور الكرامات لهم إما سراً فيكون صاحب الكرامة هو المخصوص بهذا اللطف الإلهي كي يثلج الله قلبه ويثبته على دينه وما ذاك إلا من لطف الله وسابق رحمته .

وإما تكون الكرامة عامة يشهدها صاحب الكرامة مع غيره من الناس ممن حضر عنده وكلتا الحالتين مردها ومرجعها وتوقيتها وكيفيتها إلى الله تعالى فسبحان من هو اللطيف الخبير بعباده.

ولقد عرض القرآن الكريم بعض الشواهد على هذه الكرامات والألطاف الإلهية لبعض عباده وأوليائه منها :

1 - ما كان لمريم ابنة عمران من الكرامة واللطف الإلهي في نزول الطعام إليها من الجنة ومحادثة الملائكة لها، قال تعالى :

«وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَأَصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»(1).

وقوله سبحانه :

«... كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَمَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(2).

2 - وظهرت بإذن الله تعالى لآصف كرامة كبيرة في نقله عرش بلقيس، كما

ص: 218


1- سورة آل عمران الآية : 42
2- سورة آل عمران الآية : 37

نص عليه قوله تعالى :

«قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمُ مِنَ الْكِتَبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ ، قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ...» (1).

في حين كان بإمكان نبي الله سليمان أن يقوم بالأمر بنفسه وذلك لما أتاه الله من الكرامة والملك وما سخر الله له من الجن والرياح وغير ذلك.

3- ولعل ظهور الكرامة التي خص الله بها أصحاب الكهف لتكشف - فضلاً عما سبق من الكرامات - عن حقيقة عقائدية مفادها أن ظهور الكرامة لا يرتبط بعنوان النبوة، بمعنى : لا يشترط ظهورها بوجود الأنبياء عليهم السلام بل هي من لطف الله وفضله الذي يخص به من يشاء من عباده المخلصين فمن كان بهذه الصفة أي :

«وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(2).

سينال من لطف الله وفضله والله ذو الفضل العظيم.

من هنا :

فإن ظهور هذه الكرامة المرتبطة برحى فاطمة صلوات الله عليها لبعض الصحابة إنما هو بلحاظ شأن الناظر وما يحتمله من المشاهدة ولو ارتقى الناظر في يقينه واعتقاده بما لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الفضل عند الله تعالى لرأى عجباً.

فما لفاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها من المنزلة عند الله

ص: 219


1- سورة النمل، الآية : 40
2- سورة البينة، الآية : 5

تعالى ما تحار فيه العقول إلا أن الله تعالى شاء برحمته أن يقطع الناس عن معرفتها ويستر عنهم قدرها الذي لديه جل شأنه.

ولذا : فقد كشفت الأحاديث - كما أسلفنا - من سؤالها ربها سبحانه في يوم القيامة عن إظهار قدرها ومعرفة الخلق لها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون :

«إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(1).

ولا يخفى أن المراد من سلامة القلب هنا من الميل إلى غير آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهم أبواب الله المؤتى منها إليه جلت قدرته فسبحان من :

«لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ»(2).

ولذلك : قد يرى البعض أن هذه الكرامات التي ظهرت في بيت فاطمة عليها السلام وكانت متعلقة بالرحى من الغلو، وقد يراها البعض أمراً كبيراً ، وقد يراها البعض الآخر هو أقل مما يمكن إظهاره لبعض الذين امتحن الله قلوبهم بالإيمان، فكانت النظرة متفاوتة لهذه الكرامة.

إلا أن الملاحظ في هذه الرواية أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلل السبب في ظهور الكرامة إلى أكثر من علة، والظاهر أن هذا البيان مرتبط بالسائل ومدى استعداده لتقبل هذا التعليل بعد رؤيته الرحى تدور لحالها بدون وجود فاطمة صلوات الله عليها .

وهذه الروايات كالآتي :

ص: 220


1- سورة الشعراء، الآية : 89
2- سورة الأنبياء، الآية : 23
ألف: ما ظهر لميمونة من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام

عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت : (بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقمح إلى فاطمة لتطحنه، ثم ردني إليها فوجدت فاطمة عليها السلام نائمة والرحى تدور، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ، فقال :

«إنّ الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت»(1).

والحديث فيه بعض النقاط وهي كالآتي:

1 - من حيث السند فقد أشار الذهبي في ميزانه إلى أحد طرق الحديث مقتصراً عليها فقط ليوحي إلى القارئ بأن الحديث (منكر) على قلبه؛ ولذا خدش في أحد رواته وهو (محمد بن الأزهر بن عيسى بن جابر الكرخي) واتبعه بقوله : (روى عن أبي عتاب الذلال وعصمة بن سليمان المناكير) (2).

ولعل جميع فضائل العترة النبوية هي مناكير على قلب الذهبي ومن سار على نهجه في الاعتقاد بهم صلوات الله وسلامه عليهم؛ في حين أن للحديث طرقاً أخرى أشار إليها ابن شهر آشوب المازندراني في المناقب (3)، إلا أن الذهبي أعرض عنها ليوهم القارئ أن الحديث لا يعتد به.

ص: 221


1- رواه ابن شهر آشوب عن الحسن البصري، وابن إسحاق عن عمار وميمونة إن كليهما قالا، وساق الحديث ثم عقب عليه بقوله : ( رواه أبو القاسم السبتي في مناقب أمير المؤمنين، وأبو صالح المؤذن في الأربعين عن الشعبي بإسناده عن ميمونة، وابن فياض في شرح الأخبار، انتهى كلامه في : ج 3، ص 116 ، من المناقب
2- ميزان الاعتدال للذهبي : ج 3، ص 468
3- المناقب لابن شهر : ج 3، ص 116

2 - الملاحظ في هذا الحديث والأحاديث الأخرى المتعلقة بالرحى بأن فاطمة صلوات الله عليها لم تكن لتطحن لبيتها فقط بدليل :

إن يديها مجلتا، أي يبس جلدهما وهذا يكشف عن كثرة استخدامها للرحى ولعل سبب هذه الكثرة في استخدام الرحى يعود فضلاً عما كان يبعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة من القمح، هو أنها كانت تعين المساكين والفقراء فتنفق من الطحين وهذا أكبر أثراً في إدخال السرور على قلب المؤمن لأنه خفف عليه مؤونة طحنه لاسيما وإن بعضاً من المساكين قد لا يجد مالاً يشتري فيه رحىً.

3 - يكشف الحديث عن رتبة استحصال الكرامة، بمعنى : أن الإنسان حينما يسلك الطريق إلى الله تعالى فيكون من أوليائه وعباده الصالحين فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه ويعينه في أمر الدنيا والآخرة ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«إن الله علم ضعف أمته».

فلأنها أمة الله تعالى فقد أعانها على أمر من أمور الدنيا وفي الآخرة أعظم عوناً ورحمة.

باء: ما ظهر لسلمان الفارسي من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام

روى محمد بن جرير الطبري (الشيعي) (بسنده إلى الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام قال :

«بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلمان إلى منزل فاطمة بحاجة، قال -

ص: 222

سلمان - فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا والرحى تدور من برا وما عندها من أنيس فعدت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله رأيت أمراً عظيما .

فقال هيه يا سلمان تكلم بما رأيت وسمعت قلت وقفت بباب ابنتك وسلمت فسمعت فاطمة عليها السلام تقرأ القرآن من جوا والرحى تدور من برا وما عندها أنيس.

فتبسم صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا سلمان إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها من جوارحها إيماناً إلى مشاشها(1)، فتفرغت إلى طاعة الله فبعث ملكا اسمه روفائيل، وكفاها تعالى مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة».

وفي رواية أخرى :

«رحمة يدير لها الرحي»)(2).

والحديث يشر إلى نقاط، منها :

1 - أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يبين لسلمان العلة في دوران الرحى وبضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في داخل حجرتها تقرأ القرآن؛ هذه العلة أنها عليها السلام ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها، فتفرغت إلى طاعة الله تعالى؛ فأحرزت بذلك رحمة الله وكفاها سبحانه مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة.

ص: 223


1- المشاش : جمع مشاشة : وهي رؤوس العظام اللينة ، الصحاح - مشش : ج 3، ص1019
2- دلائل الإمامة للطبري : ص 140 ؛ المناقب لابن شهر آشوب : ج 3، ص 117 ؛ البحار للمجلسي: ج 43 ، ص 46

والحديث فضلاً عن أنه يظهر العلة في دوران الرحى وتحقق الكرامة إلا أنه يظهر المستوى الذي بلغته فاطمة صلوات الله عليها من الإيمان.

2 - أنّ الفضل في بلوغ المراتب والوصول إلى الدرجات العالية لا يمكن أن يتحقق للإنسان بدون الله تعالى، فهو سبحانه الموفق للإيمان والمعين برحمته في بلوغ المراتب ثم يمن تحنناً منه ورحمة على عبده مع عونه وسابق لطفه بالكرامة وإتحافه وإدخال السرور إلى قلبه.

وفي الحقيقة لا يمكن أن يقاس بين سعي الإنسان في قربه من ربه وبين إسراع المولى عزّ شأنه في الاقبال على عبده وما ذاك إلا كرماً منه فسبحان من هو أكرم الأكرمين وهو العزيز الحكيم.

3 - الحديث يظهر سُنّة من سنن السير والسلوك إلى الله تعالى.

وهي : لابد من بلوغ الإنسان هذا المستوى من الإيمان حتى يتمكن من التفرغ للعبادة، بمعنى : لا يتحقق التفرغ التام ما لم يكن الإيمان قد بلغ هذا المستوى وعندها يكون الانقطاع إلى الله تعالى فيكفيه الله سبحانه مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة.

4- إن الفارق بين حال مريم وتفرغها للعبادة ونزول الطعام إليها في المحراب وبين حال فاطمة عليها السلام، أن مريم لم يكن لها شيء يشغلها عن الأمور الحياتية عن العبادة في حين أن فاطمة كانت عليها واجبات التبعل والأمومة وخدمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن كل هذا لم يمنعها من الانقطاع إلى الله وهي بذاك أعظم درجة لأنها مع وجود المشاغل متفرغة لربها.

ص: 224

جيم: ما ظهر لأبي ذر الغفاري من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام

روى ابن شهر آشوب عن أبي الصولي في أخبار فاطمة عليها السلام، وأبو السعادات في فضائل العشرة بالاسناد ( عن أبي ذر الغفاري قال : بعثني النبي أدعو عليا فأتيت بيته وناديته فلم يجبني فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي :

«عُد إليه فإنه في البيت».

فأتيت ودخلت عليه فرأيت الرحى تطحن، ولا أحد عندها فقلت لعلي: إن النبي يدعوك ، فخرج متوشحاً حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما رأيت !! فقال :

«يا أباذر لا تعجب، الله ملائكة سياحون في الأرض موكلون بمعونة آل محمد»)(1).

ورواه المحب الطبري بلفظ قريب منه وأكثر بياناً، وهو كالآتي : ( عن أبي ذر قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدعو علياً، فأتيت بيته فناديته فلم يجبني، فعدت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي:

«عُد إليه، أدعه فإنه في البيت».

قال : فعدت أناديه، فسمعت صوت رحى تطحن، فشارفت فإذا الرحى تطحن، وليس معها أحد فناديته، فخرج إلي منشرحاً، فقلت له : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوك ، فجاء، ثم لم أزل أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وينظر إليّ، ثم قال :

ص: 225


1- المناقب لابن شهر : ج 3، ص 37؛ الرياض النضرة للمحب الطبري : ج 3، ص 202 ؛ ينابيع المودة لقندوزي : ج 2، ص 187 ، وص 380 ، وص 465 ؛ الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي : ص 176

«يا أبا ذر ما شأنك؟».

فقلت : يا رسول الله عجيب من العجب، رأيت رحى تطحن في بيت علي وليس معها أحد يرحى !؟ فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - :

«يا أبا ذر إن الله ملائكة سياحين في الأرض، وقد وكلوا بمؤونة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم»)(1).

والحديث فيه جملة من النقاط، منها :

1 - إن من الملاحظ في الحديث أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم بهذه الكرامة ووقت حدوثها وإن اختياره لشخصية مثل أبي ذر له من الوقع على نفوس المسلمين آنذاك ولعله في كل وقت.

ولذا :

نجده صلى الله عليه وآله وسلم قد طلب من أبي ذر أن يعود مع تأكيده له بوجود علي عليه السلام في البيت قائلاً :

«عُد إليه، ادعه فإنه في البيت».

2 - من الملاحظ أيضاً : مشارفة أبي ذر ونظره إلى داخل بيت علي عليه السلام قبل أن يؤذن له بذلك، وهو محل إشكال لا ينسجم مع تعاليم الإسلام؟

فنقول :

أ: لم يزل أبو ذر في عنوان الطاعة الله حتى مع مشارفته لبيت علي عليه السلام وذلك لتمسكه بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعوة علي عليه

ص: 226


1- الرياض النضرة : ج 3، ص 202

السلام وقوله له :

«فإنه في البيت».

ومن ثم لم يخرج أبو ذر عن التمسك بقوله تعالى :

«وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَلًا مُّبِينًا»(1).

وغيرها من الآيات المحذرة عن معصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذا : فهو لم يجتهد مقابل النص القرآني ويعمل برأيه.

والقرآن والسيرة مليئان بالشواهد التي يختبر فيها الرجال بين طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين الاجتهادات الشخصية، ولعل قضية نبي الله موسى عليه السلام مع العبد الصالح الخضر عليه السلام في خرق السفينة، وقتل الصبي وبناء الجدار فيها الكفاية على الاستشهاد بحال أبي ذر فضلاً عن المواقف الكثيرة التي كانت لأمير المؤمنين عليه السلام في الامتثال لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وترك الاجتهاد كما في حادثة قتل ذي الثدية وغيرها كثير.

ب : لا شك أن الإيمان بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن علياً في الدار ، وسماع أبي ذر لصوت الرحى تدور ولا من أحد يجيبه وهو ينادي مع تأكيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوجود علي صلوات الله وسلامه عليه يدفع الإنسان إلى التحقق في شأن هذا الصوت وكيف أن الرحى تدور ولا من أحد يجيب؟ إنها أسئلة قطعاً تدفع الإنسان إلى التحقق في أمر هذا الصوت، وهو الذي كان ينتظره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 227


1- سورة الأحزاب الآية : 36

بمعنى: أن يشارف أبو ذر ليتحقق من هذا الحدث فيعود فيخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولو كان فعله مخالفاً للحكم الشرعي لكان أول المنبهين له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما وأن البيت بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

بل نجد أن رسول الله كان يراقب أبا ذر ليلمس أثر ما رآه عليه، ولذا : قال له بعد أن شاهده ينظر إليه تلك النظرات :

«يا أبا ذر ما شأنك؟».

3 - خروج الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من البيت على هيئة وردت بلفظتين مصحفتين لم أتحقق أيهما كانت الأصل فهما متقاربتان، أي (منشرح، ومتوشح).

فالرواية التي أخرجها ابن شهر المازندراني وردت بلفظ (متوشحاً)، بينما وردت لفظة (منشرحاً) في الرواية التي أخرجها محب الدين الطبري، وكلاهما يتسق مع مضمون الرواية إلا أن كلاً منهما له دلالة.

فأما كونه (متوشحاً) فمعناه : خروجه عليه السلام وقد وشح بثوبه، وهو كان قد أدخل ثوبه تحت إبطه الأيمن وألقى بطرفه على كتفه الأيسر كما يفعله المحرم، وكما يتوشح الرجل بحمائل سيفه، فتقع الحمائل على عاتقه الأيسر، وتكون اليمنى مكشوفة، وهذا يكشف عن سرعة التلبية والإجابة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد دعاه وهذه المسارعة كاشفة عن الرتبة الإيمانية الرفيعة التي امتاز بها أمير المؤمنين عليه السلام.

ص: 228

وأما كونه (منشرحاً) أي منبسطاً مسروراً فالظاهر منه أنه كان مسروراً لمشاهدة هذه الكرامة أي دوران الرحى دون من يديرها، أو لرؤيته أن أبا ذر قد شاهد هذه الكرامة وقد أذن الله له أن يطلع على هذه الشأنية والخصوصية التي لبيت علي وفاطمة عليهما السلام.

أو لعل سروره وانشراحه كان ،للإثنين أو لعله لأمر تعلق بطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يتبعه.

بمعنى:

أن علياً عليه الصلاة والسلام كان يظهر عليه الانشراح كلما علم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحتاجه في أمر وهذا يكشف عن مستوى حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحاله حال من يفرح عند سماع محبوبه في حاجته، أو ليقضي الحبيب ما يحتاجه حبيبه من حاجة.

4 - الحديث الشريف يكشف عن خصوصية خاصة متعلقة بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي : أن الله تعالى جعل لهم ملائكة سياحين، أي: يتنقلون في الأرض، وإن وظيفتهم ومهمتهم هي أن يقوموا بأداء مؤونة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أي : إن الملائكة تتشرف بخدمتهم في الحياة الدنيا أين ما حلوا في هذه المعمورة، وهو ما عبر عنه سابقاً بلفظ (الرحمة)، أو بيان اسم أحد هؤلاء الملائكة الذين تكفلوا بمؤونة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان الذي يطحن هو الملك (روفائيل)، وهو من الملائكة السياحة.

ص: 229

دال: تكرر ظهور الكرامة لسلمان في بيت فاطمة عليها السلام

روى محمد بن جرير الطبري (الشيعي) (بسنده إلى المفضل بن عمر قال: حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : قال سلمان الفارسي رضي الله عنه :

خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وأنا أريد الصلاة فحاذيت باب علي بن أبي طالب عليه السلام فإذا أنا بهاتف من داخل الدار وهو يقول :

«أشتد صداع رأسي، وخلا بطني، ودبرت كفاي من طحن الشعير».

فمضني القول مضاً شديداً، فدنوت من الباب فقرعته قرعاً خفيفاً، فأجابتني فضة جارية فاطمة عليها السلام فقالت : من هذا ؟

فقلت : أنا سلمان، ابن الاسلام.

قالت : وراءك يا أبا عبد الله، فإن ابنة رسول الله من وراء الباب، عليها اليسير من الثياب ؟ فأخذت عباءتي فرميت بها داخل الباب فلبستها فاطمة عليها السلام، ثم قالت :

«يا فضة قولي لسلمان يدخل، فإن سلمان منا أهل البيت ورب الكعبة».

فدخلت فإذا أنا بفاطمة جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير وعلى عمود الرحى دم سائل قد أفضى إلى الحجر، فحانت مني التفاتة فإذا أنا بالحسن بن علي في ناحية من الدار يتضور من الجوع، فقلت جعلني الله فداك يا ابنة رسول الله، قد دبرت كفاكمن طحن الشعير وفضة قائمة ؟ فقالت :

ص: 230

«نعم يا أبا عبد الله أوصاني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوم ولي يوم، فكان أمس يوم خدمتها، واليوم يوم خدمتي».

قال سلمان : فقلت : جعلني الله فداك إني مولى عتاقة، فقالت :

«أنت منا أهل البيت».

قلت : فاختاري أحد الخصلتين : إما أن أطحن لك الشعير أو أسكت لك الحسن ؟ قالت :

«يا أبا عبد الله، أنا أسكته فإني أرفق، وأنت تطحن الشعير».

قال : فجلست حتى طحنت جزءاً من الشعير، فإذا أنا بالإقامة، فمضيت حتى صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغت من الصلاة أتيت علي بن أبي طالب وهو بيمنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجذبت رداءه، وقلت : أنت ها هنا وفاطمة قد دبرت كفاها من طحن الشعير؟ !

فقام وإن دموعه لتنحدر على لحيته، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لينظر إليه حتى خرج من باب المسجد ؛ فلم يمكث إلا قليلاً.

فإذا هو قد رجع يتبسم من غير أن تستبين أسنانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«يا حبيبي خرجت وأنت باك ورجعت وأنت ضاحك؟».

قال :

«نعم بأبي أنت وأمي، دخلت الدار وإذا فاطمة نائمة مستلقية لقفاها، والحسن نائم على صدرها وقدامها الرحى تدور من غيريد».

ص: 231

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال :

«يا علي، أما علمت أن لله ملائكة سائرة في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة»(1).

والحديث يشتمل على جملة من الأمور، منها :

1 - يقدم الحديث صورة واضحة عن جهاد فاطمة المنزلي وحسن مواساتها لزوجها ومصداق تبعلها، فكانت بهذا الجهد والجهاد أنموذج المرأة المسلمة والزوجة الصالحة التي تنتهي عندها كل الفضائل التي يمكن للمرأة أن تأتي بها؛ ولذاك فهي سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط به علم الله ما دار الفلك وتعاقب الليل والنهار.

2 - إن مما يستوقف الباحث سماع سلمان لشكوى فاطمة صلوات الله عليها حينما مرّ بجانب بيتها دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

وجوابه :

إن الله تعالى هو من بيده الخير ، وهو الذي يسوقه إلى من يشاء من عباده، ولا شك أن سلمان بما لديه من الرتبة الإيمانية قد وفق لسماع شكوى فاطمة إلى الله تعالى.

كي يساق له الخير في إعانة بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار التوجع لحالها ومن ثم التوفيق لسماع ما رآه علي عليه السلام.

ص: 232


1- دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي): ص 140 - 141؛ الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي : ج 2، ص 531 ؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 28؛ بيت الأحزان للشيخ عباس القمي: ص 36

3- إن كلام فاطمة صلوات الله عليها الذي سمعه سلمان هو في معرض الشكوى إلى الله تعالى إذ كانت تشكو لربها آلام رأسها وجوعها وما أصابها من الجهد من طحن الرحى.

4 - إن سبب شكواها يرجع إلى أمور :

ألف : إنها صلوات الله عليها كانت في هذا الوقت في الحادية عشرة من عمرها، وذلك أنها ولدت في السنة الخامسة من البعثة وتزوجت في السنة الثانية للهجرة، فكان عمرها حينها عشر سنوات وولدت الحسن ولها عشر سنوات ونصف وذلك أن الحسن والحسين ولدا لستة أشهر وأن الفاصل الزمني بينهما ستة أشهر.

ب: إنها حامل في هذا الوقت بالإمام الحسين عليه السلام مما يشكل مجهوداً كبيراً على المرأة بين الرضاعة والحمل وجهد العمل وقلة الطعام.

وعليه: فسبب وجع رأسها وشكواها لهذه الأمور.

5 - قول سلمان (فمضني القول مضاً) فيه حقائق عدة، منها :

ألف : شدة تألمه وحزنه لما سمع وإن هذا الحال كأنما حاله وهذه الآلام هي آلامه ولذا قال : (مضني القول مضاً).

باء : هذا التوجع الذي ظهر على سلمان منشأه أن سلمان من أهل البيت عليهم السلام وهو يكشف عن حقيقة ارتباط الشيعة بعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما نص عليه الإمام الصادق عليه السلام :

«خلقنا من عليين، وخلق أرواحنا من فوق ذلك، وخلق أرواح شيعتنا من

ص: 233

عليين وخلق أجسادهم من دون ذلك، فمن أجل تلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم تحن إلينا»(1).

وهذا الموضوع مرّ بيانه في الجزء الأول من الكتاب، في معنى الحديث الشريف :

شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا (2) ، في مسألة : طينة فاطمة عليها السلام.

جيم : إن هذا الأمر في غاية كبيرة من الأهمية، وذلك لإظهاره منزلة شيعة فاطمة عليها السلام وأبنائها وما أعد الله لهم من الأجر الذي بينه الإمام الصادق عليه السلام فإنه قال :

/ننفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح، وهمه لأمرنا عبادة وكتمانه لسرنا جهاد في سبیل الله » (3).

6 - قول سلمان : (فقرعته قرعاً خفيفا).

يكشف عن تأدبه التابع من حسن معرفته بحرمة أهل هذا البيت ولا شك أن هذه المعرفة هي من خلال القرآن والسنة النبوية الشريفة حينما كان يرى ما يفعله الوحي والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع هذا الباب - كما مرّ بيانه سابقاً -.

7 - قولها صلوات الله عليها :

«یا فضة قولي لسلمان يدخل، فإن سلمان منا أهل البيت ورب الكعبة».

ص: 234


1- بصار الدرجات للصفار : ص 40
2- بحار الأنوار: ج 53 ، ص 303
3- كتاب الكافي للكليني : ج 2، ص 226

يظهر هذا اللفظ الشريف حقيقة مهمة مرتبطة بمقدمات وشروط الدخول إلى بیت فاطمة عليها السلام إذ الإذن في الدخول إلى هذا البيت بحاجة إلى بلوغ رتبة (منا أهل البيت).

ولا شك أن للبيوت المحترمة والأسر العظيمة قواعد وأصولاً للدخول على أهلها.

فكيف بفاطمة؛ بمعنى حتى تأذن فاطمة صلوات الله عليها لابد أن يكون الداخل (منا).

8 - قول سلمان : (وعلى عمود الرحى دم سائل قد أفضى إلى الحجر).

يكشف هذا القول عن اثر الرحى في كفي فاطمة صلوات الله عليها إلى درجة الإدماء وإصابة يديها بجروح، لكنها مع هذا فهي مستمرة في الطحن والعمل، وفي الواقع إن هذا الأمر المحير والسبب :

ألف : إنّ سيلان الدم يلزم ترك العمل وذلك إما لاحتياجها لرفع الدم عن عمود الرحى وتطهيره وإما لوجود الألم في يدها.

باء : بكاء الإمام الحسن عليه السلام وهو يتضور جوعاً وهذا يلزم إسكاته إلا أنها صلوات الله عليها لم يمنعها وجود الدم، وآلام الجرح وبكاء ولدها من ترك الطحن !! وهو ما لم أجد له جواباً ؛ ولعلها لم تشأ أن يقدم زوجها وهي لم تهيئ له طعاماً، وهذا ما نراه عند كثير من المؤمنات اللاتي تأسين بسيدتهن فاطمة صلوات الله عليها .

أما وجود الدم على عمود الرحى فهو لم يعد خللاً لأنه ليس شرطاً في صحة

ص: 235

العمل أو القبول، وهذا إذا قلنا أنه من لوازم الطهارة والتي لا يشترط توفرها إلا في الأعمال العبادية كالصلاة والطواف وغيرها.

ولكن وجوده على العمود وعدم رفعه وجلوس سلمان في محل فاطمة صلوات الله عليها ومزاولته الطحن دون أن يروي لنا قيامه بتطهير الرحى، ثم اتباعه الطحن بالذهاب إلى المسجد وأداء الصلاة كله يدل على طهارة دم المعصوم عليه السلام.

وإن سلمان علم بذلك واعتقد به بدليل : إن بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تقم بذلك ولم تطلب من سلمان أن يقوم بالتطهير كما إنه لم يخبر بذلك فلم يحتج إلى الماء للتطهير لأن العمود لم يتنجس.

وأما أن سلمان عمد إلى تطهيره لأنه من مقدمات الواجب، أي طهارة الأعضاء قبل الوضوء والذهاب إلى الجماعة؛ إلا أن سكوت الزهراء عليها السلام عن هذا الأمر يكشف عن طهارة دم المعصوم.

9 - الحادثة تقدم درساً شرعياً وتربوياً للأسرة المسلمة في كيفية التعامل مع الخادمة وذلك حينما تظهر فاطمة صلوات الله عليها المنهاج الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تقسيم العمل فجعل يوماً لها ويوماً لخادمتها فضة.

ولذا نجدها : قد صبرت وتحملت الألم وما أصاب يدها وغير ذلك التماساً للأجر وتمسكاً بقول رسول الله صلى الله وآله وسلم وطاعته؛ ولا شك أنها لا تستطيع ترك طحن الشعير لحسن تبعلها وهو كذاك يصب في الأجر والثواب.

ص: 236

10 - بكاء الإمام علي عليه السلام عند سماعه ما بفاطمة من الجهد حتى لم يستطع أن يمسك دموعه ويحبسها عن سلمان الفارسي سلمان الفارسي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كاشف عن شدة حبه لفاطمة عليها السلام.

فكيف كان حاله وما هو حجم مصابه وتألمه وتوجعه حينما هجم الأصحاب على بيت فاطمة عليها السلام فأحرقوا بابها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها.

هاء: ما ظهر لبلال المؤذن من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام

وقريب من هذه الحادثة ( يروي ابن عدي عن أنس عن بلال المؤذن قال :

مررت على فاطمة وهي تعالج الرحى، قال وابنها الحسين يبكي، قال وحانت الصلاة، قال بلال فقلت لفاطمة :

أيما أعجب إليك أنكفيك الرحى أو الصبي؟ فقالت :

«أنا ألطف بصببي».

قال : فأخذت بقية الطحن فطحنته عنها فأتيت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فقال :

«یا بلال ما حبسك؟».

فقلت: يا رسول الله مررت على فاطمة وهي تعالج الرحى فأعنتها على طحنها، فقال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«رحمتها رحمك الله»)(1).

ص: 237


1- الكامل لابن عدي : ج 2، ص 170 ؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج 25 ، ص 272
واو: ما رواه أبو هريرة من كرامة دوران الرحى لحالها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وفي هذا الخصوص وجدت في أحد المخطوطات رواية عن أبي هريرة يروي فيها حديث يدور بين فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان دخل عليها فوجدها تطحن الشعير فشكت إليه ما بها من الجهد.

والرواية طويلة وتتضمن مجموعة من الوصايا النبوية للمرأة المسلمة وما لها من الأجر عند الله تعالى في حسن تبعلها وجهادها الأسري؛ إلا أنني لم أعثر عليها في مصدر مطبوع فيما توفر لدي من مصادر في حين أنني وجدتها على كثير من المواقع الإلكترونية على شبكة الانترنيت.

فبين معتمد عليها في التوجيه والإرشاد الأسري وبين مكذب لها ومعترض عليها لكونها ليست بحديث ولا أصل لها يعتمد عليه من الأصول الحديثية.

ولكن هذا لا يمنع من إيرادها لكونها تصب في التربية الأسرية وجهاد المرأة في دارها وحسن تبعلها والتماسها للأجر والثواب وهي كالآتي :

(عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه دخل يوماً على فاطمة - عليها السلام - وهي تبكي فقال لها النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«ما الذي يبكيك يا فاطمة؟».

فقالت :

«يا أبي بكاني مكابرة طحن الشعير والعجين، وشغل البيت، وأنا حامل، فلو

ص: 238

أمرت علياً أن يشتري لي جارية تساعدني على طحن الشعير وغير ذلك».

فقال النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«هل تعلمين لعلي شاة أو بعير وذهباً أو فضة؟».

فقالت - عليها السلام - :

«لا أعلم لعلي شيئاً من ذلك!».

فقال - صلى الله عليه وآله وسلم - :

«يا فاطمة إذا المرأة حملت بعلها ما لا يطيق، كانت من أهل النار، ولكن يساعدك على طحن الشعير البشير النذير».

قال : فطحن معها رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، فقامت فاطمة - عليها السلام - ونفضت غبار الطحين عن جسدها فجلس النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم على الرحي وقال :

«بسم الله».

وأراد أن يديرها بيده الشريفة فأذن الله تعالى للرحى أن تدور بنفسها بلا تعب ولا نصب فأنطقها الله الذي أنطق كل شيء وقالت بلسان فصيح : السلام عليك يا محمد، ما بقي عليك إلا طحن الشعير أيها البشير النذير؟ والذي بعثك بالحق نبياً لو أمرتني إلى طحن شعير الدنيا كله لأفعل ذلك كله.

فقال لها النبي صلى الله عليه - وآله – وسلم:

«بارك الله فيك أيها الرحى».

وجعل النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم يصب فيها الشعير بيده وهي دايرة

ص: 239

لنفسها من غيريد تديرها ولا سايق يسوقها ومازالت كذلك حتى فرغ الشعير ولم تبطل دورانها، فقال لها النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«مالك في الأول أطعتني وفي هذه الساعة تعصيني؟».

فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيرا لا أسكن حتى تضمن لي على الله الجنة والنجاة من النار، فقال لها رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«أيتها الرحى أنت حجر ليس لك عينان تشع، أو أذنان تسمع، ولا يد تبطش، ولا رجل تمشي وتخافي من النار؟

فقالت : يا رسول الله إني سمعت فاطمة عليها السلام تقرأ في محرابها قوله تعالى :

« ... وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ... »(1) .

فخفت أن أكون من تلك الحجارة التي ذكرها الله تعالى في القرآن.

قال : فبسط النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم يدعو بدعوات لم تحجب عند رب السماوات وإذا بالأمين جبرائيل عليه السلام قد هبط وقال :

«يا محمد ربك يقريك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك بشّر الرحى فإن الله أعتقها وجعلها من أفضل أحجار الجنة في قصر فاطمة الزهراء عليه السلام».

قال : فبعد ذلك التفت النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم إلى فاطمة عليها السلام فقال لها :

ص: 240


1- سورة البقرة، الآية : 24

«یا فاطمة ما من امرأة طحنت مؤونة عيالها بيدها إلا كتب الله لها بكل حبة حسنة، ومحا عنها سينة.

يا فاطمة ما من امرأة خبزت لعيالها، إلا جعل الله بينها وبين النار سبعة صناديق.

يا فاطمة ما من امرأة غسلت قدرها، إلا غسلها من الذنوب وطهرها من العيوب.

يا فاطمة ما من امرأة غزلت بيدها وأنفقت على زوجها وعيالها، إلا كتب الله لها بكل خيط حسنة ومحا عنها سيئة.

يا فاطمة ما من امرأة دهنت رؤوس بناتها، إلا كتب الله لها بكل شعرة من شعورهم حسنة ومحا عنها سينة.

يا فاطمة ما من امرأة منعت جارتها حاجة، إلا منعها الله الشراب من الحوض يوم القيامة.

يا فاطمة ست حاجات يكره منعها : الماء والنار، والخميرة والرحى، والملح، والأبرة؛ فمن منع ذلك الماء لا يسقى من الحوض يوم القيامة، ومن منع النار ألقى الله العدوان بينه وبين أهله، ومن منع الخميرة يبتلى بالغاشية، ومن منع الملح فكأنما عصى الله فله النار.

يا فاطمة أفضل عمل المرأة رضى زوجها عليها، والذي بعثني بالحق نبيا لومتي وزوجك غير راض عنك، ما صليت عليك، يا فاطمة ما من امرأة رضي عنها زوجها ليلاً ونهاراً كان لها أفضل من عبادة سنة صيام نهارها، وقيام ليلها، يا فاطمة ما من امرأة ماتت على طاعة زوجها إلا وجبت لها الجنة.

يا فاطمة مسكينة امرأة بلا زوح، كشجرة بلا ثمر.

يا فاطمة الرجل إذا نظر إلى امرأته نظرة واحدة، كتب له ولها بكل نظرة مائة

ص: 241

حسنة، وان قبلها كتب الله له ألف حسنة، وان جامعها كتب الله له مائة ألف حسنة ومحا عنه مائة ألف سيئة، ويخلق الله تحت كل شعرة ملك يسبح الله تعالى ويقدسه ويكتب الله ثواب ذلك في صحيفته.

يا فاطمة إذا حملت المرأة استغفرت لها الملائكة في السماء والحيتان في البحار، والسمك في السماء وكتب الله لها ثواب المجاهدين في سبيل الله تعالى، وإذا اشتد عليها الطلق، كتب الله ثواب ألف شهيد، وإذا وضعت خرجت من ذنوبها كيوم ولدتها أمها، وكتب الله ثواب سبعين حجة.

يا فاطمة ما من امرأة عبست في -وجه - زوجها إلا سلطت عليها زبانية جهنم، فإن منعته الفراش لعنها من فوق عرشه والملائكة والناس أجمعين.

يا فاطمة ما من امرأة خففت عن زوجها من كتابها درهماً واحداً إلا كتب الله بكل درهم قصراً في الجنة.

يا فاطمة ما من امرأة صلت فرضها ودعت ولم تدع لزوجها، إلا ردّ الله صلاتها عليها.

يا فاطمة ما من امرأة تزينت بغير اذن زوجها إلا لعنها الله من فوق عرشه وكل رطب ويابس حتى ترجع إلى بيتها.

يا فاطمة ما من امرأة غضب عليها زوجها فلم ترضه إلا كانت في سخط الله وعذابه وغضبه.

يا فاطمة ما من امرأة كشف وجهها لغير زوجها إلا أكبها الله في النار على وجهها.

يا فاطمة ما من امرأة كدرت زوجها في بيتها، الأسلط الله عليها حية وسبعين عقرباً إلى يوم القيامة.

ص: 242

يا فاطمة ما من امرأة قالت لزوجها طلقني ولم يرض زوجها بذلك إلّا جاءت يوم القيامة ووجهها عظم بلا لحم، وقد خرج لسانها من فمها وتدلى على صدرها ثم تلقى في جهنم ولو كانت تصوم النهار وتقوم الليل.

يا فاطمة ما من امرأة هجرت زوجها من فراشه ليلة واحدة، إلّا كانت يوم القيامة مع فرعون وهامان في الدرك الأسفل من النار ولو كانت عابدة زاهدة.

یا فاطمة ما من امرأة عبدت الله بعبادة مريم بنت عمران، ودعاها زوجها لحاجة ولم تجبه في ذلك، إلا كانت مع الشياطين فيمن يحشر في جهنم في السلاسل والاغلال.

يا فاطمة ما من امرأة فعلت شيئاً بغير اذن زوجها، إلا كانت يوم القيامة مع اليهود والنصارى الذين يبدلون كلام الله تعالى.

يا فاطمة لو خرج من أنف الرجل دماً وقيحاً ولحسته بلسانها ولم يرضَ زوجها عنها، إلا كانت يوم القيامة في تابوت من النار، ثم تلقى في جهنم.

يا فاطمة لو أن للمرأة مالاً مثل قارون وملك سليمان بن داود، وأكله الرجل، وقالت له: أكلت مالي، إلّا أحبط الله عملها أربعين سنة.

يا فاطمة المرأة لو عبدت الله تعالى بعبادة أهل السموات وأدخلت على زوجها هماً أو غماً، إلّا جاءت يوم القيامة مغلولة اليدين إلى عنقها مقيدة الرجلين وقد تعلقت بها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

يا فاطمة إذا نظرت المرأة إلى زوجها بعين الغضب وغير محبة، إلا تسمرت عيناها بسمارين من النار.

ص: 243

يا فاطمة تسعة آلاف من الملائكة يلعنون النساء اللاتي يخُنّ أزواجهن في أنفسهن.

یا فاطمة ما من امرأة لم ترضَ بالقليل من زوجها لم يرض عنها الله يوم القيامة ولو كانت من بنات المرسلين.

يا فاطمة ما من امرأة لم تقر ضيف زوجها، إلا لعنها الله تعالى من فوق عرشه وغضب عليها ولعنتها الملائكة.

يا فاطمة الضيف مفتاح الجنة، فمن أتاه ضيف أتاه الله برزقه وفتح الله له باباً من أبواب الجنة»(1).

المسألة الثالثة:
مغزل فاطمة صلوات الله عليها

المُغزل والمَغزَل : ما يغزل به ؛ قال الفراء : والأصل الضم، وإنما هو من أغزل، أي أدير وفتل، وأغزلت المرأة : أدارت المغزل (2).

وللمغزل نصيب في التوجيه والإرشاد الأسري فضلاً عما يحققه من نفع اقتصادي وإن كان بحسب المكان والزمان ذا دخل محدود؛ ولقد ورد فيه أحاديث شريفة تكشف عن اهتمام الإسلام بتوفير الأجواء المناسبة للمرأة لاسيما ونحن نتحدث عن معالجة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للمجتمع القبلي الذي كان يطبق بقوانينه على الأسرة سواء كان ذلك في مكة أو المدينة أو عموم المجتمع العربي.

ص: 244


1- کتاب نوادر حكايات مستطرفات في مناقب المتقدمين من الأنبياء والصالحين (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق الشام
2- الصحاح للجوهري : ج 5 ، ص 1781
أولاً : الحث على تعلم المرأة الغزل والحكمة فيه ؟

يمكن لنا تحديد فوائد المغزل وحث النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعترة على استخدامه في الأسرة من خلال ما ورد عنهم عليهم السلام في المغزل، وهي كالآتي :

1 - أخرج الحاكم النيسابوري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم ؛ قائلاً:

«لا تنزلوهن الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل، وسورة النور»(1).

وبهذا اللفظ أخرج الشيخ الصدوق والكليني والحر العاملي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال :

«لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة، ولا تعلموهن سورة يوسف، وعلموهن المغزل وسورة النور، فإذا سبحت المرأة عقدت على الأنامل لأنهن مسؤولات يوم القيامة»(2).

2 - أخرج القاضي المغربي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال :

«نعم الشغل للمرأة المؤمنة المغزل»(3).

3 - أخرج الصدوق رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونعم اللهو الغزل للمرأة الصالحة»(4).

ص: 245


1- مستدرك الحاكم : ج 2، ص 396
2- الكافي للكليني : ج 5 ، ص 516 ؛ من لا يحضره الفقيه : ج2، ص396؛ وسائل الشيعة للحر العاملي : ج 6 ، ص 185
3- دعائم الإسلام للمغربي : ج 2، ص 214؛ جامع أحاديث الشيعة : ج 17 ، ص 374
4- علل الشرايع : ج 2، ص 583 ؛ الوسائل: ج 5 ، ص 319

4 - أخرج الطبرسي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

«المغزل في يد المرأة الصالحة كالرمح في يد الغازي المريد وجه الله»(1) .

5 - روى العياشي ( عن محمد بن خالد الظبي قال : مرّ إبراهيم النخعي على امرأة وهي جالسة على باب دارها بكرة، وكان يقال لها أمر بكر، وفي يدها مغزل تغزل به، فقال لها : يا أم بكر ، أما كبرت أما آن لك أن تضعي هذا المغزل ؟ فقالت :

وكيف أضعه وقد سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول :

«هو من طيبات الكسب»)(2).

وكما هو واضح فإن هذه الأحاديث الشريفة جاءت في إرشاد الآباء والأزواج إلى ما يناسب وضع المرأة آنذاك كي لا تترك دون استثمار للوقت أو أنها تندفع بسبب الفراغ إلى بعض الشؤون التي لا تناسب مع تكوينها ووظيفتها الحياتية.

ولا شك أن الحياة اختلفت في كل خصوصياتها حتى أصبحت المرأة في كثير من البلاد لا ترى المغزل إلا في المتاحف التي تهتم في التراث الشعبي لها.

وعليه :

يمكن فهم هذه النصوص الشريفة حينما يحمل بعضها على بعض في ظهور الحكمة من تعليم المرأة المغزل، في أمرين:

ص: 246


1- مكارم الأخلاق للطبرسي : ص238
2- تفسير العياشي : ج 1 ، ص 150 ؛ وسائل الشيعة : ج 17، ص 237 . ص237

1 - استثمار الوقت كقوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«نعم اللهو المغزل».

وكقول أمير المؤمنين عليه السلام :

«نعم الشغل للمرأة المؤمنة المغزل».

2 - حث المرأة على العمل والتكسب بما يناسب وضعها وتكوينها وتكاليفها الشرعية.

ثانيا:
خصوصية مغزل فاطمة عند أهل البيت عليهم السلام

عند أهل البيت عليهم السلام في خصوصية هذا المغزل وأهميته هناك أكثر من عنوان وهي كالآتي:

الف: دور مغزل فاطمة عليها السلام في نزول سورة (هل أتى)
دور مغزل فاطمة عليها السلام في نزول سورة (هل أتى)

أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله (عن الإمام الصادق عليه السلام، عن أبيه عليه السلام في قوله عزّ وجل:

«يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ...» (1).

«مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه رجلان فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما .

فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً الله عزّ وجل، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام،

ص: 247


1- سورة الإنسان الآية: 7

وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام.

فانطلق علي عليه السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير؟

قال: نعم.

فأعطاه فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة عليها السلام فقبلت وأطاعت، ثم عملت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعا من الشعير، فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله المغرب، ثم أتى منزله، فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا مسكين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة.

فوضع اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم ذات المجد واليقين *** يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين *** جاء إلى الباب له حنين

يشكو إلى الله ويستكين *** يشكو إلينا جائعاً حزين

كل امرئ بكسبه رهين *** من يفعل الخير يقف سمين

موعده في جنة رحيم *** حرمها الله على الضنين

وصاحب البخل يقف حزين *** تهوي به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين

ص: 248

فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول:

أمرك سمع يا بن عم وطاعة *** مابي من لؤم ولا وضاعة

غذيت باللب وبالبراعة *** أرجو إذا أشبعت من مجاعة

أن ألحق الأخيار والجماعة *** وأدخل الجنة في شفاعة

وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعا، وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح.

ثم عملت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله، ثم أتى منزله، فلما وضع المخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين، قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني بما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة.

فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم بنت السيد الكريم *** بنت نبي ليس بالزنيم

قد جاءنا الله بذا اليتيم *** من يرحم اليوم فهو رحيم

موعده في جنة النعيم *** حرمها الله على اللئيم

وصاحب البخل يقف ذميم *** تهوي به النار إلى الجحيم

شرابها الصديد والحميم

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

فسوف أُعطيه ولا أبالي *** وأوثر الله على عيالي

أمسوا جياعاً وهم أشبالي *** أصغرهما يقتل في القتال

ص: 249

بكربلا يقتل باغتيال *** لقاتليه الويل مع وبال

يهوي في النار إلى سفال *** كبوله زادت على الأكبال

ثم عملت فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح، وأصبحوا صياما، وعمدت فاطمة عليها السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله، ثم أتى منزله، فقرب إليه الخوان، وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا ! فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم يا بنت النبي أحمد *** بنت النبي سيد مسود

قد جاءك الأسير ليس يهتد *** مكبلا في غله مقيد

يشكو إلينا الجوع قد تقدد *** من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد *** ما يزرع الزارع سوف يحصد

فأعطني لا تجعليه ينكد

فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول:

لم يبق مما كان غير صاع *** قد دبرت كفي مع الذراع

شبلاي والله هما جياع *** يا رب لا تتركهما ضياع

أبو هما للخير ذو اصطناع *** عبل الذراعين طويل الباع

ما على رأسي من قناع *** إلا عبا نسجتها بصاع

وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعا، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شي».

ص: 250

قال شعيب في حديثه : وأقبل علي بالحسن والحسين عليهما السلام نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر بهم النبي صلى الله عليه وآله قال :

«يا أبا الحسن، أشد ما يسوني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة».

فانطلقوا إليها وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله ضمها إليه وقال :

«وا غوثاه ،بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى!».

فهبط جبرئيل عليه السلام فقال :

«يا محمد، خذ ما هيا الله لك في أهل بيتك».

قال :

«وما آخذ يا جبرئيل؟»

قال :

«هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاحٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كأس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنَا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفجرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمَا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ، مِسْكِينَا وَبِنمَا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمّا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبَّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُم

ص: 251

نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِینَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرُونَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِلَتْ قُطُوفُهَا نَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِئَانِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيراً (15) قَوَارِيرًا مِن فِضَّةٍ فَذَرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ تُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَیْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُوا مَنشُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا ومُلكًا كَبِيرًا (20) عَلِيهُمْ ثِیَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُر مَشْكُورًا»(1))(2).

والرواية تكشف عن بعض النقاط، وهي كالآتي

1 - تعاون الزهراء عليها السلام مع زوجها ومساندتها له في العمل على التكسب بما يتناسب مع وضع المرأة داخل البيت وحفظها من الاحتكاك أو المحادثة مع الرجال إنما هو في غاية من الأهمية إذ قد يتصور كثير من النساء والرجال أن الإسلام يمنع المرأة من أداء أي دور في تحسين دخل الأسرة والتعاون مع الزوج في النهوض بمستوى الدخل لديها مما ينعكس إيجاباً على تكوين حياة كريمة لهذه الأسرة وتوفير مستلزمات الأبناء واحتياجاتهم.

2 - لابد أن يكون العمل للمرأة داخل المنزل بموافقتها وقبولها لا أن يحملها الرجل ذلك إلا أن الدرس المستفاد من هذه الرواية امتثال فاطمة صلوات الله عليها لأمر زوجها بدون أي استفهام لاسيما وأن الأمر متعلق بولديها، وإيفاء ما عليهم من النذر الذي نذروه الله تعالى.

ص: 252


1- سورة الإنسان، الآيات : 1 – 22
2- الأمالي للشيخ الصدوق : ص329 - 332

3- لا شك أن عمل فاطمة عليها السلام في هذه الحادثة یدور مدار الطاعة لله تعالى، وهذا أمر في غاية من الأهمية، وهي كالآتي :

ألف : الطاعة للزوج حينما جلب الصوف وعدم الاعتراض وذلك أن الإنفاق من واجبات الزوج.

باء : العمل في غزل ثلث الصوف مقابل ثلث الشعير لكل يوم وهذا خاص في عدالة المعصوم وتعامله مع حقوق الناس.

جيم : قصر الأمل فالقيام بغزل الكمية كلها يدل على طول الأمل والبقاء ثلاثة أيام في حين كانت الزهراء تهم في غزل ثلث الكمية لكل يوم فإذا وافى الإنسان الأجل يعاد الصوف والشعير إلى صاحبه.

دال : العمل في الإيفاء بالنذر وهذه الموارد كلها طاعة الله تعالى.

4 - يتضح من خلال الرواية أن بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تقف إلى جنب زوجها وتعينه منذ أن أذن الله تعالى في تكوين هذه الأسرة، وإن أحد أسباب إصابة يديها (فمجلت) كما مر سابقاً إنما كان لامتثالها في معونة علي عليه السلام سواء بالرحى وطحن الشعير أو بغزل الصوف؛ ولا يخفى أن ذلك مرده إلى التآزر والتماس الأجر عند الله تعالى فضلاً عما يتمخض عن هذا التعاون من الحب والمودة بين الزوج والزوجة.

5 - قد يتبادر إلى الذهن سؤال مفاده : أين دور الرجل في تهيئة احتياجات الأسرة ؟

وجوابه :

ص: 253

أولاً : طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقدمة على احتياجات النفس والأسرة

لا شك أننا في دراسة حياة البيت الأنموذجي في الإسلام في البيت الذي أذن الله تعالى أن يرفع ويذكر فيه اسمه؛ بيت جمعت فيه جميع عناوين الحياة الأسرية بما يخالطها من مسائل شرعية وسنن تربوية.

وهنا: أي ما يخص الإمام علياً عليه السلام يتحدد من خلال عنوانين الأول : دوره في الامتثال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يفرضه عليه عنوان الوصي والخليفة والأخ، مما يستلزم تقديم هذا العنوان على النفس والأولاد والزوجة، وهو عنوان صحيفة علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وبه نال ما نال من الله تعالى ومما يدل عليه :

قوله صلوات الله وسلامه عليه حينما سأله حبر من اليهود: أنبيّ أنت؟ فقال :

«ويلك إنما أنا عبد من عبيد محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(1) .

فضلاً عن تضافر الآيات في بيان رتبة طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتباعه، وحبه وغير ذلك.

ثانياً : مواساة فاطمة عليها السلام لعلي في احتياجات الأسرة

دوره كزوج وأب وهذا يستلزم الإنفاق ولكونه نذر نفسه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فإن اتباع أسباب السعي والتكسب تصبح قليلة وذلك بما يفرضه عليه العنوان الأول، أي خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 254


1- الكافي للشيخ الكليني : ج 1، ص90؛ التوحيد للشيخ الصدوق : ص 174

واحتياجات نشر الرسالة وحمايتها والدفاع عنها؛ إلا أنه مع القلة في الوقت التكسبي فقد بذل جهداً يعجز عنه الرجال حتى قال :

«لقد سنوت حتى قد اشتكيت صدري»(1) .

من هنا :

وجدت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، المشاركة في هذا الجهاد ومعونة علي صلوات الله وسلامه عليه على الإنفاق على ولديها فكانت تطحن الشعير وتغزل بالمغزل، فبلغت بذلك أمرين :

الأمر الأول : الجهاد في سبيل الله وخدمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في توفير الأجواء التي تمكن الإمام علياً عليه السلام من مواصلة واجبه الرسالي.

الأمر الثاني : الجهاد التبعلي في تحمل ضنك الحياة والصبر على الضائقة والزهد وصبرها على ضعف حال الزوج كما تعلمنا بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

باء: كان لعلي عليه السلام قميص من غزل فاطمة عليها السلام يتقي به نفسه في الحروب

ذكر ابن شهر آشوب في المناقب : (إن أمير المؤمنين علياً عليه السلام كان له قميص من غزل فاطمة عليها السلام يتقي به نفسه في الحروب ؛ وهذا القول وإن لم أعثر على ما يتناوله بالبيان من أقوال المعصومين عليهم السلام، إلّا أنه، أي: هذا

ص: 255


1- الغارات للثقفي : ج 2، ص 739؛ مسند أحمد : ج 1، ص 106 ؛ الدعاء للطبراني : ص93؛ الترغيب والترهيب للمنذري : ج 2، ص 452 ؛ تغليق التعليق لابن حجر : ج 3، ص 470 ؛ جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام: ص 282؛ و (سنوت) : أي إنه كان يسقي النخيل بالدلو

القميص هو من حيث الآثار التكوينية كقميص يوسف عليه السلام الذي ظهرت له آثار إعجازية في إرجاع البصر لنبي الله يعقوب؛ قال تعالى عن لسان يوسف عليه السلام في محكم التنزيل :

«اذهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ»(1).

ومن ثم لا غرابة فيما يرويه ابن شهر من وجود هذا القميص الذي كان لأمير المؤمنين علي عليه السلام من غزل فاطمة عليها السلام؛ وقد عرض القرآن لهذه الحادثة فيما بين نبيين من أنبيائه على الرغم من أن يعقوب عليه السلام كان بإمكانه أن يلتجئ بنفسه إلى الدعاء والتوسل بالله تعالى ليرد عليه بصره لكن الله تعالى أراد أن يظهر بعض شؤون ألطافه التي كانت لدى بعض الأنبياء عليهم السلام؛ كخاتم سليمان، وعصا موسى وما أعطاه الله لسيدهم وأشرف الخلق أجمعين لخير مما أوتي الأنبياء والمرسلون أجمعون؛ وما أوتي آل محمد خير مما أوتي آل يعقوب وغيرهم.

جيم: مغزل فاطمة عليها السلام من مختصات تراث آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم

يروي السيد ابن طاووس وابن نما الحلي : (إن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام حينما أدخل على يزيد بن معاوية لعنهما الله مع سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجرى ما جرى عليهم في مجلس الطاغية وبعد

ص: 256


1- سورة يوسف، الآية : 93

تخوف يزيد لعنه الله تعالى من انقلاب الأمر عليه لاسيما بعد معرفة الناس بما جرى على آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم على خطوة سياسية أراد بها تخفيف الاحتقان وغضب بعض مقربيه فعمد إلى التلطف بالإمام زين العابدين عليه السلام؛ فكان مما جرى بينهما من محاورة :

قال يزيد لعلي بن الحسين عليه السلام : وعدتك بقضاء ثلاث حاجات أذكرها، فقال عليه السلام :

«الأولى: تريني وجه سيدي الحسين عليه السلام لأتزود.

والثانية: ترد علينا ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة وقميصها وقلادتها.

والثالثة: إن كنت عزمت على قتلي فوجه مع النسوة من يوصلهن إلى حرم جدهن».

قال : أما وجه أبيك فلن تراه أبداً، وأما قتلك فقد عفوت عنك فما يوصلهن إلى المدينة غيرك، وأمر برد المأخوذ وزاد عليه مائتي دينار.

ففرقها الإمام زين العابدين عليه السلام على الفقراء والمساكين؛ ثم أمر يزيد بمضي الأسارى إلى أوطانهم مع نعمان بن بشير وجماعة معه إلى المدينة) (1).

والحادثة تظهر بعض المسائل، منها :

1 - إن مغزل فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها ،وقميصها أي : جلبابها وما يتعلق بها من مختصات تراث آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 257


1- اللهوف في قتلى الطفوف : ص 114؛ مثير الأحزان لابن نما الحلي : ص 85 ؛ البحار : ج 45 ، ص 144؛ العوالم للبحراني : ص 445؛ لواعج الأشجان للسيد محسن الأمين : ص239

قد حملها الإمام الحسين عليه السلام معه إلى كربلاء؛ أو لعل الظاهر أن المغزل كان عند عقيلة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم زينب الكبرى عليها السلام ابنة فاطمة الزهراء عليها السلام لأنه من شؤون المرأة.

2 - الظاهر أن الحكمة في حمله مع غيره كالقميص إنما يعود لإظهار الحجة على أن هؤلاء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما فعل الإمام الحسين عليه السلام من لبسه لعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركوبه على ناقته الشهباء وفرسه المرتجز واليحموم (فرس جبرائيل) (1) ، الذي كان يقاتل عليه وسقط عنه ومعه كان آخر أمره.

3 - تكشف الرواية على أن جيش الشام كان في مقدمة الجند الذين اجتمعوا لقتل سيد شباب أهل الجنة وسلب بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك حرصاً منهم على اغتنام ما لآل محمد من مال؛ وإلا لما كان يزيد يستطيع أن يرد هذه المقتنيات للإمام زين العابدين عليه السلام لو كانت موجودة بين الجند الذين هم من أهل الكوفة والحال إن هذه المقتنيات لدى جند الشام فأعيدت إلى الإمام زين العابدين عليه السلام.

ولعله، أي : يزيد بن معاوية هو من أمر بذلك ؛ بمعنى أن تكون هذه الفرقة هم من يتولى أمر قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلبه بدليل :

ص: 258


1- اليحموم : سمي هذا الفرس باليحموم للونه المميز، وهو الأسود الشديد الظلمة، وهو من خيل جبرائيل المسمى ب_ (فرس الحياة) الذي كان يقاتل عليه في معركة بدر حينما أمر الله تعالى بنزول الملائكة لنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لمزيد من الاطلاع على هذه الحقيقة الغيبية، ينظر: اليحموم فرس جبرائيل في عاشوراء للمؤلف

إن شمر بن ذي الجوشن كان على رأس ألف فارس من أهل الشام وهؤلاء هم الذين كان يشكلون النخبة التي يعتمد عليهم يزيد وعبيد الله بن زياد فيما لو تلكّأ عمر بن سعد بن أبي وقاص في تنفيذ أمر طاغية بني أمية.

ولا يخفى على القارئ أن شمر بن ذي الجوشن هو الذي تولى أمر الإجهاز على ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالكيفية التي تناقلتها الرواة في كتب الحديث والتاريخ والسيرة والتراجم وغيرها.

4 - لا شك أن لهذه المقتنيات وهذا التراث المحمدي من الآثار التكوينية ما كان لتراث الأنبياء عليهم السلام كقميص يوسف وعصا موسى وخاتم سليمان؛ لكن آل البيت عليهم السلام لا يكشفون هذه الآثار إلى الناس وقد جرى عليهم ما جرى من القتل والسلب والتشريد.

المسألة الرابعة :
بقلة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وسبب معاداة بني أمية لها

تشير الروايات الشريفة إلى أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب نوعاً من (البقل) وهو الهندباء(1) .

كما أن فاطمة وعلياً صلوات الله عليهما كانا يحبان كذلك أنواعاً أخرى من (البقل) فكانت بقلة علي عليه السلام الباذروج، وبقلة فاطمة (الفرفخ) (الرجلة) وتسمى أيضا بأسماء أخرى سنمر عليها.

والبقلة من (البقل) ، وهو : (كل نبات اخضرت له الأرض فهو بقل، وبقل

ص: 259


1- الكافي : ج 6 ، ص 363

وجه الغلام ؛ خرجت لحيته، وابقلت الأرض : أخرجت بقلها) (1).

وقال ابن منظور في لسان العرب عن ابن سيده في المخصص: (البقل) من النبات ما ليس بشجر دق ولاجل وحقيقة رسمه ما لم تبق له أرومة على الشتاء بعدما يُرعى ؛ وقال أبو حنيفة : ما كان منه ينبت في بزره ولا ينبت في أرومة ثابتة فاسمه البقل ، وقيل كل نابتة أول ما تنبت فهو البَقَل، وفرق ما بين البقل ودق الشجر أن البقل إذا رعي لم يبق له ساق والشجر تبقى له سوق وإن دقت (2).

أولاً : التعريف ب_ (بقلة الزهراء عليها السلام ) وأسماؤها
ألف: التعريف ببقلة الزهراء عليها السلام وصفة شكلها

من البقول العشبية يؤكل ورقه مطبوخاً أو نيئاً؛ ويكون شكله إما منتصباً ويصل ارتفاعه إلى حوالي 30 سم، ومنها ما هو منبسط، ساقها وأفرعها ملساء ذات لون مخضر إلى محمر عصيرية رخوة، أوراقها بيضية مقلوبة مستديرة القمة، الأزهار صغيرة صفراء اللون جالسة بدون أعناق تتفتح في الصباح ثم تنغلق غالباً قبل منتصف النهار.

باء: أسماء بقلة الزهراء عليها السلام وانتشارها في العالم

لأن هذه البقلة مباركة فقد انتشر وجودها في شرق الأرض وغربها وعرفها الناس بأسماء متعددة وهي كالآتي:

ص: 260


1- مختار الصحاح لأبي بكر الرازي : ص38
2- لسان العرب : ج 11، ص 60 ؛ المخصص لابن سيدة : ج 3، ق 1 (السفر العاشر)، ص 173

1 - فقد عرفت عند أهل البيت عليهم السلام ببقلة الزهراء عليها السلام لأنها كانت تحبها وانتشر ذلك في المدينة، وعرف المسلمون بحب فاطمة عليها السلام لهذه البقلة فغير بنو أمية اسمها بغضاً لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأسموها ب_ (بقلة الحمقاء).

2 - وسميت عند بني أمية وأشياعهم ومواليهم ب_(البقلة الحمقاء).

3 - وتعرف في لبنان ب_(البقلة) وكثيراً ما يستخدمها اللبنانيون في سلطة (الفتوش).

4 - تسمى كذلك في بلاد الشام كالأردن وفلسطين وسوريا ب_(الفرحين) و(الفرخينة).

5 - وفي مصر تسمى ب_ (الرجلة).

6 - وفي بلاد المغرب العربي تسمى ب/ت (بليبشة).

7 - وفي اللغة العبرية لدى اليهود تسمى ب_(أرغيلم).

8 - وعند الافرنج ب_ (بركال سالي).

9 - وعند اليونانيين تعرف ب_(أنوق).

10 - وفي العراق تسمى ب_(اللوينة) و(البربين).

11 - وعند الإيرانيين تسمى ب_(خلفة أو خرفة).

12 - والاسم العلمي لها (Portalace oleracea )

13- والاسم العالمي لها (Purslane )

وسيمر علينا لاحقا وجودها في أغلب بلاد العالم.

ص: 261

ثانيا: ما روي في فضل بقلة الزهراء عليها السلام التي سميت ( الرجلة ( Pueslane)، أو الفرفخ، أو البربين أو اللوينة وغيرها من الأسماء

وردت بعض الروايات الشريفة عن العترة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهي تبين فضل هذه البقلة وشرافتها على بقية البقل، كما تظهر أحقاد بني أمية وبغضهم في تغيير اسم هذه البقلة عداوة وبغضاً لآل البيت عليهم السلام وهي كالآتي :

1 - روى الكليني رحمه الله ( عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

«ليس على وجه الأرض بقلة أشرف ولا أنفع من الفرفخ. وهو بقلة فاطمة عليها السلام».

ثم قال :

«لعن الله بني أمية هم سموها بقلة الحمقاء بغضاً لنا وعداوة لفاطمة عليها السلام»)(1).

2 - كما روى الكافي رحمه الله (عن الصادق عليه السلام قال :

«بقلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الهندباء وبقلة أمير المؤمنين الباذورج، وبقلة فاطمة الفرفخ»)(2).

3- روى الراوندي قائلاً : (كانت فاطمة الزهراء عليها السلام تحب هذه البقلة فدعيت إليها، فقيل : بقلة الزهراء، كما نسبت الشقائق إلى النعمان ؛ ثم بنو أمية غيرتها فقالوا بقلة الحمقاء، ثم جعل من ذب عنهم من علمائهم فقالوا البقلة

ص: 262


1- الكافي : ج 6 ، ص 367 ؛ المحاسن للبرقي : ج 2، ص 517 ؛ الوسائل للحر العاملي : ج 25 ، ص 194
2- الكافي : ج 6 ، ص 363؛ الوسائل: ج 25 ، ص 180

الحمقاء، وقالوا : الحمقاء صفة للبقلة لأنها تنبت بممر الناس ومدرج الحوافر فتداس ولا تطول) (1).

4 - وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه مرّ بالرجلة وفي رجله قرحة، فداواها بها فبرأت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«بارك الله فيك أنبت حيث شنت فأنت شفاء من سبعين داء وأدناه الصداع»)(2).

5 - وقريب من هذه الرواية بلفظ آخر أخرجه الكليني رحمه الله (عن الإمام أبي عبد عبد الله الصادق عليه السلام قال :

«وطئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرمضاء فأحرقته فوطن على الرجلة، فسكن عنه حر الرمضاء فدعا لها وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحبها، ويقول: من بقلة ما أبركها»)(3).

6 - وذكر عبد الوهاب السبكي في الطبقات : (وكان صلى الله عليه - وآله - وسلم يحب من البقول الهندباء، والباذورج، والبقلة الحمقاء، التي يقال لها الرجلة) (4).

7 - وسماها الحافظ الزمخشري ب_ (سيدة البقل) (5)، وأردف هذه التسمية

ص: 263


1- الدعوات للراوندي : ص 155؛ مستدرك الوسائل: ج 16 ، ص 421
2- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث لأبي بكر الهيثمي : ص 164 ؛ إحياء علوم الدين للغزالي : ج 7، ص 128
3- الكافي : ج 6 ، ص 367؛ وسائل الشيعة : ج 25 ، ص 194
4- طبقات الشافعية الكبرى : ج 6 ، ص 326 ؛ دعائم الإسلام : ج 2، ص 113
5- أساس البلاغة : ص 198 ؛ مجمع البحرين : ج 5 ، ص 324

بقوله : (استحمقت لأنها تنبت في المسايل) (1) ! !

أقول : إن المستفاد من هذه الروايات والأقوال جملة من الملاحظات وهي كالآتي :

1 - لا شك أنّ بقلة الزهراء عليها السلام أو (الرجلة) أو (الفرفخ) هي لا تملك لنفسها الخيار في أن تكون في منبت مجرى الماء أو المسائل فالأمر الله تعالى ومن ثم كونها كذاك لا يكون مسوغاً في نسب الحمق لها وهي من مرادفات ولوازم القوة العاقلة.

2 - إن كانت منابتها متعددة كما قيل في المسائل وممر الناس ومدرج الحوافر ، وموضع القدم(2) ، وقيل : إن السبب في تسميتها بالحمقاء : لأنها تنبت في كل موضع (3) .

فهذا مدعاة لأن تنسب لها صفة البركة لا أن توصف بهذه الصفة الذميمة التي تنم عن أن السبب الحقيقي في هذه الصفة لا يعود إلى كونها تنبت في كل موضع أو في المواضع التي ذكرت ؛ وإنما لاشتهارها ببقلة الزهراء عليها السلام فغيرت بغضاً لمن تسمت باسمها.

3 - إن من مظاهر الحكمة في انتشار هذه البقلة في مختلف المواضع إنما يعود إلى دعوة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لها كما مر في الحديث الشريف :

ص: 264


1- المصدر السابق
2- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني : ص190
3- الزهراء في معاني كلمات الناس لابن الأنباري : ص 371

«أنبت حيث شنت».

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم كما عن الصادق عليه السلام :

«من بقلة ما أبركها».

فضلاً عن فوائدها الغذائية والعلاجية والطبية التي كانت مدعاة لإنباتها في أغلب البلاد.

4 - إن أقل ما يمكن أن توصف به هذه البقلة وذلك تأدباً من المسلم في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان يحبها، ومن ثم فإن وصفها بصفة ذميمة يسوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم - والعياذ بالله-.

5 - إن تطور الحياة وتنوع الثقافات وتعدد المعطيات تكشف عن أن هذه الصفة الذميمة تنم عن جاهلية الذام وتعصبه الأعمى الذي يطبق على منافذ تفكيره فيحجب عنه الرؤية الإسلامية والحياتية التي ترتكز على استخلاص المنفعة والنظر فيما أعده الله تعالى من النعم لهذا الإنسان فسخر له الطبيعة لتدر عليه بلطف الله ورحمته كرمها وعطاءها.

من هنا :

فإننا لو نظرنا إلى ما أودعه الله تعالى في هذه البقلة من الفوائد الغذائية والعلاجية لهذا الإنسان لأدرك أن السبب في عيشها في مسايل الماء وقرب الأنهار إنما كان لحكمة إلهية سيمر بيانها، وإن تعدد مواضع إنباتها ومقاومتها لمختلف أنواع التربة إنما كي توصل ما بها من غذاء وعلاج لهذا الإنسان الناكر للجميل الذي يقابلها بالذم وتقابله بالغذاء والدواء.

ص: 265

ثالثا :
فوائد بقلة الزهراء عليها السلام الغذائية التي استحقت أن توصف ب_ (بقلة البركة) و ( سيدة البقل )

إنّ مما منّ الله به على الإنسان أن علمه ما لم يعلم فكان من فضله أن فتح له منافذ العلوم وسخر له استحصالها واتقانها، والانتفاع منها، فكان مما سعى له معرفة ما أودع الله تعالى من الفوائد الغذائية والعلاجية في النباتات وغيرها مما يحيط بالإنسان على هذا الكوكب.

إذ ذكرت بعض المواقع الخاصة في النباتات والأغذية والعلاج ما تحتويه هذه البقلة المباركة من مواد غذائية تفردت بها عن غيرها وهي كالآتي :

الف: وجود مشتركات غذائية بين بقلة الزهراء عليها السلام والأسماك

إن الحكمة في إثبات بقلة الزهراء عليها السلام أو الرجلة في ضفاف الأنهار يعود إلى وجود مشتركات في التركيبة الغذائية بينها وبين الأسماك.

إن مَنْ لم يدركوا تلك العلاقة الوثيقة بين الأسماك ونبات (الرجلة) أو (البقلة ) (Purslane) فتسرعوا في حكمهم بالحماقة على سلوك نمو هذا النبات على ضفاف الجداول ومجاري المياه وبزعمهم؛ فالرجلة (لا) تستحق تسميتها ب_(البقلة الحمقاء) لأنها تنبت في مسيل المياه مما يعرضها في أي وقت للاقتلاع والانجراف بفعل تدفق المياه.

ولكن نتائج الدراسات التي فحصت المكونات الغذائية لأوراق وسيقان نبات (الرجلة) تشير إلى خلاف هذا تماماً، مما يبرر تسمية البعض لها ب_ (البقلة المباركة).

ومفاد تلك التحاليل أن (الرجلة) هي أحد أعلى النباتات الورقية احتواء

ص: 266

على دهون (أوميغا - 3) ومعلوم أن أغنى المصادر الغذائية بدهون (أوميغا - 3) هي الأسماك والحيوانات البحرية - وكأن (الرجلة) بنموها على ضفاف مجرى المياه تحاول أن تهيئ لنفسها ظرفاً تتشابه بها مع الأسماك كي تكون مثلها غنية بزيوت (أوميغا - 3) .

ومن حسن الحظ الصحي أن أوراق الرجلة لا تزال أحد المكونات الرئيسية في أطباق السلطات الطازجة في بلدان حوض البحر المتوسط فهي في (الفتوش) وسلطة (البقلة) وغيرها، كما أنها إحدى الخضروات الورقية التي تطيب للكثيرين تناولها ،مطبوخة، أسوة بأوراق السبانغ والملوخية.

وما قد لا يعلمه البعض أن هذه الأوراق النباتية غنية بالعناصر الغذائية الصحية، التي تستدعي الاهتمام بتناولها وحضورها ضمن تشكيلات أطباق الموائد، كما أن مدارس شتى للطب القديم، في الصين والهند والشرق الأوسط، أدركت منذ زمن قديم كلا من القيمة الغذائية لها وجدوى استخدامها للكثير من الأمراض، إضافة إلى أن ثمة كثيراً من الدراسات الطبية العلمية حول الجدوى المحتملة لأوراق الرجلة في عدد من الحالات المرضية) (1) .

باء: الاستخدامات والفوائد العلاجية لبقلة الزهراء عليها السلام (Purslane )

تستخدم (بقلة الزهراء عليها السلام) (نبات الرجلة Purslane) في أنحاء مختلفة من العالم لعلاج الحروق والصداع والمعدة، وأمراض الأمعاء والكبد، والسعال وضيق التنفس والتهاب المفاصل ؛ كما تستخدم كعشب منشط، ملين القلب، والمطريات، وارتخاء العضلات، والعلاجات المضادة للالتهابات، ومدر

ص: 267


1- منتديات مون لايت - نبات الرجلة

للبول(1)، وفي علاج السرطان، ومرض الزهايمر، وغيرها.

ويستخدم (بقلة الزهراء عليها السلام) في العلاجات السريرية كعلاج فعال عن طريق الفم؛ وتستخدم أوراقها في علاج لدغات الحشرات، أو الثعابين على الجلد والدمامل والقروح، ولآلام لسعة النحل.

وتستخدم بقلة الزهراء عليها السلام في علاج مرض الزحار العصري، والإسهال، والبواسير، ونزيف ما بعد الولادة؛ ونزيف الأمعاء) (2).

جيم: استخداماتها الطبية

تحتوي (بقلة الزهراء عليها السلام) أو (البربين) على أكثر أحماض (أوميغا 3) الدهنية ك_ (حمض الفالينوليك) على وجه الخصوص، وقد أظهرت البحوث المنشورة من قبل الدول حول البرسلين أن لديه 5051 ملغ من حمض (EPA ) وهو كمية غير عادية.

وقد أثبتت وكالة حماية النباتات البرية الأمريكية وجود أحماض (أوميغا 3) الدهنية في هذه النبتة بنسبة جيدة، وأن هذه الدهون ينحصر وجودها في الأسماك، وبعض الطحالب كما تحتوي (بقلة الزهراء عليها السلام) (برسلين Purslane) على مجموعة مهمة من الفيتامينات وخاصة (فيتامين A )، و(فيتامين C)، وبعض (فيتامين B ) و (الكاروتينات).

فضلاً عن احتوائها على مجموعة من المعادن المهمة للجسم مثل (المغنسيوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم، والحديد)؛ كما تحتوي بقلة الزهراء عليها السلام على

ص: 268


1- (www.emergencyoutdoors.com)
2- المصدر السابق

وجود نوعين من الأصباغ القلوية، وهما (Betacyanins )، الحمر و(Betaxanthins ) الأصفر، وتعد هذه الأصباغ من الأنواع القوية المضادة للأكسدة.

وقد أوجدت الدراسات المختبرية أن لهذه الأصباغ خصائص مضادة للطفور(1).

وتحتوي كمية 155 غراماً من أوراق الرجلة الطازجة على نحو 15 كالوري (سعرة حرارية)، وفيها 94 غراماً من الماء، و 5,58 غرام من الدهون، و2.66 غرام سكريات، وغرام واحد بروتينات ؛ ومن المعادن تحتوي على :

45 مليغرام من الصوديوم؛ و 65 مليغرام من الكالسيوم؛ وميلغرامين من الحديد، و 65 مليغرام من الماغنيسيوم، و 44 من الفسفور، و 500 مليغرام من البوتاسيوم، وكميات جيدة من الزنك، والنحاس، والمنغنيز، والسيليسيوم والمعادن الأخرى؛ وكل هذا رغم تدني محتواها من الطاقة وذلك أن لكل 155 غراماً من أوراقها الطازجة سعرات حرارية من التي توجد في خمس موزات بوزن 155 غرام، وأقل مما في سدس شريحة خبز ال_(التوست) العادي(2).

دال: استخداماتها العلاجية في الطب القديم

(لقد عدّت الرجلة (بقلة الزهراء عليها السلام) منذ القدم من أفضل النباتات الطبية، فقد قال عنها ابن البيطار : إن فيها قبضاً يسيراً وتبرد تبريداً شديداً لمن يجد لهيباً وتوقداً متى وضعت على فم معدته وإذا أكلت أو شربت فعلت ذلك؛ وهي تشفي الضرس بتلميسها، وبسبب قبضها فهي موافقة لمن به قرحة الأمعاء وللنساء

ص: 269


1- المصدر السابق
2- موقع العلاج - العلاج بالأعشاب (alelaj.com)

اللواتي يعرض لهن النزيف، ومن ينفث الدم وعصارتها أقوى في هذا الموضوع؛ وهي باردة مطفئة للعطش تبرد البدن وتربطه وتنفع المحرورين في البلدان الحارة.

ومن يجعلها في فراشه لم ير حلما، وإذا شويت وأكلت قطعت الاسهال وتقطع العطش المتولد من الحرارة في المعدة والقلب والكلى، وتنفع من حرق النار، مطبوخة ونية إذا تضمد بها.

ويقول كمال الدين السيوطي في كتابه: (الرجمة في الطب والحكمة) إن لنبات الرجلة فائدة في درء حرارة وأورام وشدة الوجع والبخارات المتصاعدة إلى العين؛ وذلك بأن يأخذ مسحوق الرجلة مع دقيق الشعير ودهن الورد وتضمد بها العين فتبرأ بإذن الله ، كما يقول : إن لها فائدة في درء أمراض الفم وذلك بأن يأخذ ماء الرجلة والعسل ويتمضمض به ويستاك.

أما داود الانطاكي فيقول : إن من فوائدها أنها تمنع الصداع والأورام الحارة، والرمد، وحرقة البول والحصى، والبواسير، وحرارة الكبد والمعدة، وآلام الضرس، وخشونة الرئة، والإكثار منها يسقط الشهوتين، ومتى شربت بالروائد قطعت الحمى، ولا يقوم مقامها شيء في قطع العطش.

وقال ابن سينا : إنها تنفع في قلع التّاليل، وورقها ينفع من وجع الضرس الناتج من أكل الحوامض وبذورها إذا خلط بالخل يصبر على العطش، ويصطحبها المسافرون معهم في أسفارهم عند توقع فقد الماء، وفيها قبض يمنع السيلانات المزمنة وهي قامعة للصفراء؛ وتنفع من ثبور الرأس غسلا ، ومن الرصد كحلا بمائها، وتمنع القيء، وتحبس نزف الدم من الحيض، وينفع ماؤها في البواسير الدامية

ص: 270

والحميات الحارة وإذا شربت أو أكلت قطعت الاسهال (1).

هاء: استخدام شعوب العالم لبقلة الزهراء عليها السلام (Purslane) في العلاجات الطبية والروحية
1. الرجلة دواء عالمي لكل داء

نشرت مجلة العناية الشخصية بحثا ل_( انتوني سي يويك) والاستشاري (ديويك دانا) جاء فيه :

(من النادر جداً أن نأتي على نبتة رائعة جدا، ونستغرب كثيراً كيف من الممكن أن نكون أغفلنا هذه النبتة ؟ !

الرجلة : نبتة فريدة من نوعها ومن الساحر أنها قد حصلت على تعريف متشابه على فوائدها في كل التقاليد والعادات حول العالم.

تستعمل هذه النبتة على أنها نوع من الخضار والبهار وعلى أنها نبات طبي منذ العصر المصري القديم وأصبحت مشهورة في انكلترا خلال العصور الوسطى.

فالسؤال لماذا وقعت هذه النبتة في غياهب الغموض ؟ أهي جديدة؟

الجواب : لا أعتقد ذلك اقرأ ماذا قال كابيبر سنة 1653 : (رجلة الحدائق تستعمل على أنها عشب للسلطة) إنها معروفة جدا بحيث لا تحتاج إلى الوصف : لذلك عليّ فقط أن أتكلم على فضائل هذه النبتة كما يأتي :

-أنها نبتة تحت سلطان القمر.

ص: 271


1- المصدر السابق

-إنها جيدة لتبريد أي حرارة في الكبد، والدم، والكلى، والمعدة، ولا يوجد أفضل منها في المناطق الحارة من البدن.

- إنها تبقي على الحرارة وخاصة عند إفرازات الكوليرا من المعدة، وأيضاً تساعد عند الدورة الشهرية للمرأة والإباضة، ومرض السيلان (اسهال الكليتين)، والتقطير من الرأس وآلامه الناتجة عن الحرارة، وتفيد عندما تريد النوم، وعند الجنون المؤقت أو حالات السعر.

فإذا قطعت وغليت مع الخل وأعطيت للأطفال فإنها تساعد على التخلص من الديدان.

فعصيرة النبتة تحمل فائدة لكل الاستعمالات، بالإضافة إلى المذكور سالفا : فإنه يساعد على منع القيء، وإذا أعطيت مع بعض السكر أو العسل فإنه يساعد في حالات سعال الكبار والسعال الجاف وضيق التنفس والقمل، ويقي من حالات العطش المفرط ماء النبتة المقطر يستعمل للكثير - لو قلنا أكثر فإنه قليل في حقها - من الحالات مع التقليل من السكر تساعد على التأثيرات السابقة.

العصير لوحده بحد ذاته مؤثر في الالتهابات والتقرحات في الأجزاء الخاصة بالمرأة والرجل، وكذلك في الأحشاء والبواسير عندما تكون مقترحة أو سحجة.

إذا قطعت النبتة ووضعت على الجبين ومقدمتي الرأس فإنها تهدئ الحرارة الزائدة فيها التي تقتل الراحة والنوم.

وإذا وضعت على العين فإنها تبعد الاحمرار والتقرحات فيها.

وكذلك في الأجزاء المصابة بالشرويه - حب الشباب الخ - والحب والبثور واحمرار الجلد وغيرها.

ص: 272

وأيضا انها تقطّع ويضاف إليها بعض الخل وتوضع على الرقبة بالإضافة إلى كمية مماثلة من الصفراوات وبذور الكتان فإنها تذهب بآلام الرقبة والتشنجات.

عصير النبتة أيضا مع زيت الورود يساعد على علاج آلام الرقبة والتشنجات والإصابة بضربات الصاعقة الرعدية والاحتراق بالبارود، ويستخدم أيضا من أجل التهابات ثدي ،المرأة، كذلك من أجل تهدئة الحرارة في كل الالتهابات والإصابات، كذلك توصف من أجل الحبل السري الباقي عند الأطفال وكذلك تساعدهم على حالات التهابات الفم وأورام اللثة ومن أجل تثبيت الأسنان الآيلة للسقوط.

والماء المقطر من هذه النبتة قد تم استعماله من البعض وقد قام بمعالجة آلام أسنانهم حينما فشلت جميع العلاجات الأخرى، والعصير المكثف إذا تحول إلى كبسولات مع بودرة العلكة التراتجيكانث (علك الماء ) مع العلكة العربية تؤخذ من أجل الذين يصنعون المياه الدموية.

كذلك توصف لداء النقرس فإنها تقلل من الألم في مواضعه وكذلك يساعد في حالات تصلب الأوتار إذا لم تكن ناتجة عن التشنج أو حالات البرد.

2 . الرجلة في الفلكور العالمي

لقد عد نبات الرجلة في العصور القديمة على أنه إحدى مضادات السحر، وإذا وضعت حول السرير قيل إنه يقي من الأرواح الشريرة(1).

فقد كان عملها الحماية من الأرواح الشريرة ، ولو حملت فإنه كان عليها أن تجذب الحب والحظ لقد كانت تحمل من قبل الجنود ليحموا أنفسهم في المعركة.

ص: 273


1- (Grieve, 1991)

لقد اعتقد أنه إذا وضعت على السرير فإنه سيحمي الشخص من الكوابيس (1) . إنها تحت هيمنة القمر (2) ، وإنه من المفروض أن تعمل على الأحاسيس الفيزيائية وتؤخذ بانتظام لتطوير ورؤية العرافين - المبصرين -(3).

وشرابه ممكن أن يستعمل لصفاء العين الثالثة وغسل الكرة الكرستالية أو المرآة السحرية، ولا شك أنها نصيحة مفيدة للزملاء في التسويق لدينا !

3 . الرجلة في أفريقيا

هذا النبات بكامل أجزائه قد عد من مضادات الالتهابات (يقضي على الحرارة)، ومبيد للجراثيم، والزحار العصوي والاسهال، والبواسير، وفتق الأمعاء؛ وقد تم استخدامه في الوصفات الطبية بوصفها مضادة لمرض السكر.

4 . الرجلة في الكونغو

العشبة تستعمل بشكل عام لمشاكل القلب، ويستخدم ما شابهها من المستحضرات على أنه من المسكنات في نوبات الجنون (4).

5 . الرجلة في الغابون

يتم استخدامه في الكمادات الخراجات الكدمات والدمامل، ويستخدم المستخلص المغلي في محلول بمثابة مسكن على الجبهة للصداع.

ص: 274


1- (Lavender and Franklin, 1997 )
2- (Level 1987 )
3- (Lavender and Franklin, 1997)
4- (Burkill, 1997)
6 . الرجلة في غانا

إنها تعد شعاراً للسلام ولو مزجت مع الزيت فإنها ستمثل كملطف ضد الأرواح الشريرة ، وأن لها استعمالات في الاحتفالات الدينية والشفاء بعد المرض، وإنها سحر للأطفال من أجل الحظ الجيد.

وتوضع الأوراق في الأسفل ثم تخلط مع زيت وتربط على الدمامل مباشرةً (1).

7. الرجلة في ساحل العاج

الأيبري (وهي قبيلة من الشعوب الأكانية في ساحل العاج) حيث تستعمله هذه القرية كبلاستر تشتت الألم الناتج من الخراج، لذلك تساعد المريض على عدم الحاجة إلى وخز مكان الإصابة ، والنبتة كذلك إن مزجت مع حبات الفردوس -نوع من عائلة الزنجبيليات - وزبدة الشيا الأفريقية الذهبية فإنه ينتج مرهم يوضع على مناطق الألم في الأضلاع، ولب النبات يستعمل كعلاج للربو(2).

8. الرجلة في ملاوي

الأوراق تطبخ بدون قدر، وقد يخلط معها نبتة الأمارانثوس ليفيدوس، والناتج يكون لينا ومحبوبا لكن لا يبدو أنه يؤكل غالبا والأوراق تؤكل نيئة مع السلطة من قبل الفرنسيين (3).

ص: 275


1- (Quisumbing, 1978)
2- (Burkill, 1997)
3- المصدر السابق
9. الرجلة في شمال أفريقيا

النبات كله هو مضاد للالتهاب والجراثيم، وفي الزحار العصوي، والإسهال والبواسير، والنزيف.

وكما يدخل في الوصفات المضادة لمرض السكر، وتستخدم خارجيا كمادة من الأوراق الطازجة للخراجات والنبات بالكامل يعد من المطريات، ومفقد للشهوة الجنسية، ومهدئ، ومدرر للبول، وعامل منعش، وطارد للديدان، ومهدئ للحبوب ومانع للعطش(1).

10 . الرجلة في جنوب أفريقيا

هذه الحشائش النضرة هي الخضروات المفضلة في جميع أنحاء جنوب أفريقيا، والأطفال يأكلون الأوراق طازجة (2) ، ومن المسلم به أنه يفيد لعلاج نفث الدم وأمراض الرئة.

11. الرجلة في غرب أفريقيا

علاج للمشاكل البولية البيلة الدموية وغيرها، وإذا سحقت مع النطرون المحلية والزيت تكون وصفة للتورمات والكدمات والداحوس الخ، ويستخدم عصارة النبات في علاج آلام الأذن، ووجع الأسنان أيضاً، وهو أحد وصفات قبائل الهوسا لمرض الزهري(3).

ص: 276


1- (Burkill, 1447)
2- (Wyk Gericke, 2000)
3- (Quisumbing, 1978)، (Burkill, 1997)
12 . الرجلة عند الهنود الأمريكان

تم العثور على بذور الرجلة في عام 1974م ، في كهوف الملح في ولاية كنتاكي، وتم تحديد عمرها بواسطة موجات الراديو ويرجع عمرها على الألفية الأولى قبل الميلاد في عصر إنسان ما قبل التاريخ(1). وقد استعملت كأعشاب طبخ وخضار وغالباً ما كان يتم إضافتها على الحساء(2).

13 . الرجلة في استراليا

كانت البذور السوداء لنبات الرجلة غذاء أساسيا للسكان الأصليين (الأبورجين) في المناطق النائية ، وعندما تتحول سيقان النبات إلى وردية يتم حصد النبات وتجمع على أرض صلبة أو لحاء الأشجار أو جلد الكنغر .

وبعد بضعة أيام تبدأ البذور في التساقط وكانت تجمع وتحول إلى عجينة ثم تُطبخ (3).

14 . الرجلة في الصين

إن أكثر الاستعمالات المذكورة للعشبة قديما في الصين تعود إلى 500 سنة قبل الميلاد.

ويوجد وثائق مكتوبة في الأدوية العشبية الصينية، وتعدّ تقليداً لتذوق المر والبرد وأيضا لتخفيف الحرارة ومضاد للأكسدة (4) .

ص: 277


1- (Coffey, 1993)
2- (Sully, 1970)
3- (Low, 1991)
4- (Qing re jie du)

وقد تم استعمالها لتبريد الدم، وتخثر الدم، ونزيف الزحار العصوي، وتغوط الدم، ونزيف البواسير، ونزيف الرحم (1) ، وخارجياً تستعمل كما ذكر مسبقاً.

بالإضافة إلى استعمال العشب طازجا فقد استعمل الصينيون مغلي النبات وبودرة العشب الجاف من أجل التطبيق الموضعي في السنوات الأخيرة، وقد تم استعماله لعلاج التهاب القولون، والتهاب الزائدة الدودية الحاد، ومرض السكري، والتهاب الجلد والقوباء(2).

وقد استعمل النبات بالكامل والأوراق وهو حامض ومدرر للبول، وهو عشبة تبريد تعمل على تخفيض الحمى وتزيل السموم، ولذلك فهي فعالة ضد الكثير من الالتهابات البكتيرية.

والأوراق تستعمل لعلاج أورام الكدمات والجروح والقروح الشديدة، وتورمات ،ذمي، وداء السيلان والثر الأبيض، وأمّا البذور فاستخدمت كمضاد للالتهاب والإسهال والبواسير والنزف المعوي، كما تم وصفه ترياقا، ومن المبردات، ومضاد للزحار (3).

وقد وصف لحالات الزحار الأميبي والبواسير والخراجات الناتجة عن الحرارة الزائدة.

وقد أفيد بأن النبات يستعمل في صنع المطريات في الصين(4).

ص: 278


1- (Keys, 1971)
2- (Leung Foster, 1996)
3- (Reid 1993)
4- (Quisumbing, 1978)

والصينيون يأكلون النبات كخضر، ويمكن استخدامها بأمان في جرعات عالية، والعشب الطازج هو أفضل لجميع الأغراض العلاجية.

15 . الرجلة في كوشين، الصين (لائوس - فيتنام - كمبوديا - تايلند)

كثيرا ما تستعمل البذور لأمراض المعدة ومهيج للحيض وكذلك يستعمل كمطري ومدرر للبول.

16 . الرجلة في كولومبيا

تم الإفادة بأن النبات يتم استعماله كمطري، ويتم وصفه للأورام، ومسامير القدم.

17 . الرجلة في مصر

النبتة تستعمل كخضر وكمادة من الأوراق الطازجة تستعمل للدمامل، ويستعمل النبات كله كنوع من المهدئ والمطريات مدرر للبول، منعش، ويعتقد أيضاً أن يكون دواء مضاداً للدود) (1).

18 . الرجلة في أوربا

طبياً قد تم استعماله للكثير من المشاكل الصحية فالعصير يؤخذ وهو طازج لعلاج تقطير البول (تشنجات مؤلمة أثناء التبول) وكذلك مزج مع السكر والعسل ليوفر علاجا للسعال الجاف وضيق النفس والعطش غير المعتدل ويستعمل خارجياً للبشرة للآلام والالتهابات (2).

ص: 279


1- (Boulos and el hadidi, 1984)
2- (Grieve, 1998)

ويوصف أيضاً كمفرز للصفراء (تحفيز إفراز الصفراء من الكبد) ومنق (عامل تنقية) (1).

19 . الرجلة في أمريكا الوسطى

غوادالوب : لقد تم الافادة بأنه تم استعماله كمنشط وطارد للحمى.

20 . الرجلة في الهند

عصير النبتة يستعمل في حالة بصق الدم(2) .

والأطباء المحليون يستعملون النبتة لالتهاب المعدة(3) .

21 . الرجلة في كوريا

وقد صممت دراسات لتحديد نشاط محتمل سام للخلايا في استخراج (Merhanolic)، من 65 صنفا من الأدوية الخام (1210)، ضد سرطان الدم وخطوط الخلايا (P3881)، في المختبر، من ضمن هذه العينات قد تم اختيار 25 عينة، وكما تم عرض مستخلصات (N ) بيوتانول من هذه العينات لسمية الخلايا؛ وقد تم اختيار 9 عصائر وجرى فحص العينات المطلوبة للنشاط المضاد للسرطان المحتمل في الجسم الحي باستخدام (P388d1)، العمر الافتراضي وساركومة (180) وزن الورم من النماذج وعلى أساس نتائجها فإن عصارة الرجلة وجدت بأنها فعالة كمضادة للسرطان (4).

ص: 280


1- (Chiej)
2- (Nadkarni Nadkarni, 1999; Drury, 1873)
3- (Drury, 1873)
4- (Choi at al, 2000)
22 . الرجلة في ماليزيا

منشط جيد للوهن العام وفيها مضاد للإسقربوط، وخصائص مطريات ومسكنات (1).

23 . الرجلة في أمريكا الشمالية

في أمريكا الشمالية قد تم عده على أنه مدر للبول (زيادة إفراز البول) ويستعمل للتبريد، وكان من المعتقد أن البذور في أحد الأزمنة بأنه طارد يدمر الديدان الطفيلية المعوية على الرغم من المعروف إلا أنها خاملة وهو نبات صالح للأكل (2).

24 . الرجلة في سريلانكا

يستخدم لعلاج الزحار وتقرحات المعدة الداخلية ويستخدم النبات كعلاج للتعرق ومضاد للبثع ولعلاج نفث الدم وأمراض الرئة، والجلد، وكعلاج لعضة الثعبان، ويتم طهيها وتؤكل كخضر (3).

25 . الرجلة في سيبيريا

في سيبيريا يستخدم العشب بوصفه مهدئاً معدياً.

والعشب المسحوق يوضع على الصدغ ليهدي الحرارة الزائدة والألم وتوضع على العين لإزالة الالتهاب (4).

ص: 281


1- (Level; 1987)
2- (Watt Breyndwijk, 1932; Quisumbing, 1978)
3- (Jayaweera, 1982)
4- (Quisumbing, 1978)
26 . الرجلة في ترينيداد وتوباغو

إنه عشب طبخ منذ العصور القديمة وتستعمل في السلطات والكالالو في بعض الجزر(1) .

وشاي العشب أو المستخلص يعطى من أجل خفقان القلب (2).

رابعاً : العلة في إيراد هذه الدراسة عن بقلة الزهراء عليها السلام المعروفة عالمياً بالرجلة؟

لقد أوردت هذه المعلومات حول استخدام شعوب العالم لهذه البقلة لبيان آثار دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها بالبركة وبيان إحاطة الإمام الصادق عليه السلام - بإذن الله تعالى - بما لهذه البقلة من فوائد جمة مما جعلتها بهذه الشرافة كما قال عليه السلام :

«ليس على وجه الأرض أشرف ولا أنفع من الفرفخ وهو بقلة فاطمة عليها السلام».

ثم قال :

«لعن الله بني أمية هم سموها بقلة الحمقاء بغضاً لنا وعداوة لفاطمة عليها السلام»)(3).

وعليه :

فإن نتيجة البحوث والدراسات المخبرية والغذائية والطبية أثبتت أن الذين أسموا بقلة الرجلة بالحمقاء، إنهم هم الحمقى.

ص: 282


1- (Carrington, 1998)
2- (1988 ,Seaforth ) (بتصرف)
3- الكافي للكلني رحمه الله : ج 6 ، ص 367
المسألة الخامسة :
كان يعجبها من الطعام (الخل والزيت)

روى الحر العاملي رحمه الله : ( عن محمد بن جعفر العاصمي، عن أبيه، عن جده ، قال : حججت ومعي جماعة من أصحابنا فأتينا المدينة وقصدنا مكاناً ننزله فاستقبلنا غلام لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، وعلى حمار له أخضر يتبعه الطعام فنزلنا بين النخل وجاء هو فنزل وأتي بالطشت والماء فبدأ وغسل يديه وأدير الطشت عن يمينه حتى بلغ آخرنا ثم أعيد عن يساره حتى أتي على آخرنا ثم تعدم الطعام فبدأ بالملح ثم قال:

«كلوا بسم الله الرحمن الرحيم».

ثم ثنّى بالحلو ثم أتي بكتف مشوي فقال :

«كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فإن هذا طعام كان يعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم».

ثم أتي بالخل والزيت فقال

«كلوا بسم الله الرحمن الرحيم فإن هذا الطعام كان يعجب فاطمة عليها السلام»)(1).

تكشف الرواية الشريفة عن جملة من الأمور وهي كالآتي :

1 - أدام المائدة وكيفية إكرام الضيف والبدء بجهة اليمين حينما يكون الحاضرون أكثر من نفر.

2 - اهتمام الإمام الكاظم عليه السلام بالنظافة وضرورة تغسيل اليدين قبل

ص: 283


1- وسائل الشيعة : ج 25 ، ص 34 - 35

البدء بالطعام وإن الغسل يكون مرتين.

3 - الابتداء بالملح، وهو يكشف عن أهميته في فتح الشهية فضلاً عن دور الملح في تطهير أو تعقيم الفم من الجراثيم والميكروبات وهو ما لا يخفى على القارئ لاسيما من كان له اهتمامات طبية.

4 - قد لا يختلف اثنان في مذاق الشواء لاسيما من كتف الشاة وحسن إقبال الناس عليه وبخاصة حينما يكون المرء في رحلة خارج المنزل كما تنص الرواية لجلوس الإمام وأصحابه بين النخيل.

5 - من الملاحظ أيضاً أن الإمام أبا الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام كان يكرر البسملة مع كل صنف جديد من الطعام، كما تشير الرواية.

6 - إن ما يهمنا في هذه المسألة هو معرفة ما للخل والزيت من فوائد غذائية وطبية وروحية، وهي كالآتي :

أولاً : ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الخل والزيت
ألف: ما ورد من الأحاديث في الخل والزيت

روى البرقي والكليني رحمه الله في فوائد الخل والزيت معاً ما يأتي :

1 - روى الكليني عن خالد بن نجيح قال :

كنت أفطر مع أبي عبد الله عليه السلام ومع أبي الحسن الأول عليه السلام في شهر رمضان فكان أول ما يؤتى به قصعة من ثريد خل وزيت فكان أول ما يتناول منها ثلاث لقم ثم يؤتى بالجفنة) (1).

ص: 284


1- الكافي : ج 6 ، ص 327 ، ح1

2 - روى الكليني عن عثمان بن عيسى، عن حماد بن عثمان، عن سلامة القلانسي قال : (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فلما تكلمت قال لي :

«مالي أسمع كلامك قد ضعف».

قلت : قد سقط فمي قال : فكأنه شق عليه ذلك، ثم قال :

«فأي شيء تأكل؟».

قلت: اكل ما كان في البيت فقال :

«عليك بالثريد فإن فيه بركة فإن لم يكن لحم فالخل والزيت»)(1).

3 - وروى أيضا عن إسماعيل بن ،مهران عن حماد بن عثمان، عن زيد بن الحسن قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

«كان أمير المؤمنين عليه السلام أشبه الناس طعمة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يأكل الخبز والخل والزيت ويطعم الناس المخبز واللحمه») (2).

4 - وروى عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبيدة الواسطي، عن عجلان قال : تعشيت مع أبي عبد الله عليه السلام بعد عتمة وكان يتعشى بعد عتمة فأتي بخل وزيت ولحم بارد فجعل ينتف اللحم فيطعمنيه ويأكل هو الخل والزيت ويدع اللحم فقال :

«إن هذا طعامنا وطعام الأنبياء عليهم السلام»)(3).

ص: 285


1- الكافي : ج 6 ، ص 327، ح2
2- الكافي : ج 6 ، ص 328، ح3
3- الكافي : ج 6 ، ص 328، ح4

5 - وروى عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى قال : (أكلت مع أبي عبد الله عليه السلام فقال :

«يا جارية ايتينا بطعامنا المعروف».

فاتي بقصعة فيها خل وزيت فأكلنا) (1).

6 - وروى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (كان أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله الخل والزيت وقال :

هو طعام الأنبياء عليهم السلام»)(2) .

7 - وبهذا الإسناد قال : (قال أمير المؤمنين عليه السلام :

«ما افتقر أهل بيت يأتدمون بالخل والزيت وذلك أدم الأنبياء عليهم السلام»)(3).

8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أيوب بن الحر، عن محمد بن علي الحلبي قال : (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الطعام فقال :

«عليك بالخل والزيت فإنه مري، فإن عليا عليه السلام كان يكثر أكله واني أكثر أكله وانه مريء»)(4).

ص: 286


1- الكافي : ج 6 ، ص 328 ، ح 5
2- الكافي : ج 6 ، ص 328 ، ح6
3- الكافي : ج 6 ، ص 328 ، ح7
4- الكافي : ج 6 ، ص 328، ح 8

9 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

«كان أمير المؤمنين عليه السلام يأكل الخل والزيت ويجعل نفقته تحت طنفسته»(1).

باء: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الخل

1 - عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أم سلمة رضي الله عنها فقربت إليه كسرا فقال :

«هل عندك إدام؟».

فقالت : لا يا رسول الله ما عندي إلا خل فقال صلى الله عليه وآله :

«نعم الادام المخل ما أقفر بيت فيه الخل»)(2).

2 - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان ابن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«المخل يشد العقل»(3).

3 - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول :

ص: 287


1- الكافي : ج 6 ، ص328، ح 9
2- الكافي : ج 6 ، ص 329، ح1
3- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح2

«ما أقفر بيت فيه خل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك»(1).

4 - عن علي بن محمد بن بندار ، عن أبيه، عن محمد بن علي الهمداني : (أن رجلا كان عند الرضا عليه السلام بخراسان فقدمت إليه مائدة عليها خل وملح فافتتح عليه السلام بالخل فقال الرجل : جعلت فداك أمرتنا أن نفتتح بالملح ؟ فقال :

«هذا مثل هذا يعني المخل وان المخل يشد الذهن ويزيد في العقل»)(2).

5 - عن علي بن محمد، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبان بن عبد الملك، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«إنا لنبدأ بالخل عندنا كما تبدوون بالملح عندكم فإن الخل ليشد العقل»(3).

6 - عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن النوفلي عن السكوني، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

«كان أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخل»(4).

7- عن علي بن إبراهيم، عن بعض أصحابنا، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن شعيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: نعم الادام الخل يكسر المرة ويطفئ الصفراء ويحيي القلب»(5).

ص: 288


1- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح3
2- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح 4
3- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح 5
4- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح6
5- الكافي : ج 6 ، ص 329 ، ح7

8 - عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن حنان عن أبيه، (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكر عنده خل الخمر، فقال عليه السلام :

«إنه ليقتل دواب البطن ويشد الفم»)(1).

9- عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«خل الخمر يشد اللثة ويقتل دواب البطن ويشد العقل»(2).

10 - عن محمد بن يحيى، عن علي بن إبراهيم الجعفري، عن محمد وأحمد ابني عمر بن موسى عن أبيهما رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال :

«الاصطباغ بالخل يقطع شهوة الزناء»(3).

11 - وعن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم عن ربيع المسلي عن أحمد بن رزين عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :

«عليك بخل المخمر فاغمس فيه فإنه لا يبقى في جوفك دابة إلا قتلها»(4).

12 - عن محمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن محمد بن عبد الله، عن سليمان الديلمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«إن بني إسرائيل كانوا يستفتحون بالخل ويختمون به ونحن نستفتح بالملح ونختم بالخل) (5).

ص: 289


1- الكافي : ج 6 ، ص 330، ح 8
2- الكافي : ج 6 ، ص 330 ، ح 9
3- الكافي : ج 6 ، ص 330 ، ح 10
4- الكافي : ج 6 ، ص 330 ، ح11
5- الكافي : ج 6 ، ص 330، ح 12
جيم: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الزيت

1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح ، عن مأبي عبد الله عليه السلام قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كلوا الزيت وادهنوا بالزيت فإنه من شجرة مباركة»(1).

2 - عن منصور بن العباس، عن محمد بن عبد الله بن واسع، عن إسحاق بن إسماعيل، عن محمد بن يزيد، عن أبي داود النخعي، (عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«قال أمير المؤمنين عليه السلام:

ادهنوا بالزيت وأتدموا به فإنه دهنة الأخيار وإدام المصطفين، مسحت بالقدس مرتين، بوركت مقبلة وبوركت مدبرة، لا يضر معها داء» (2).

3 - عن سهل بن زياد عن النوفلي عن الجريري، عن عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

الزيت دهن الأبرار وإدام الأخيار، بورك فيه مقبلا وبورك فيه مدبرا، انغمس بالقدس مرتين»(3) .

ص: 290


1- الكافي : ج 6 ، ص 331 ، ح1
2- الكافي : ج 6 ، ص 331 ، ح4
3- الكافي : ج 6 ، ص 331 ، ح6
ثانياً :
ما ورد في الدراسات والأبحاث المعاصرة من نتائج تظهر فوائد الخل والزيت حينما يمزجان مع بعضهما

تناولت الدراسات والأبحاث المختصة في الأغذي-ة وفوائدها الغذائية والعلاجية والطبية كلا من الخل وزيت الزيتون على حدة، والتي تظهر الحكمة في اهتمام أهل البيت عليهم السلام بجمع الخل والزيت معاً في موائدهم كما تظهر الحكمة في إكثارهم عليهم السلام من الأكل منهما كما هو واضح في الروايات الشريفة التي مر ذكرها .

وعليه :

أحببنا أن نورد للقارئ ما لهذين الصنفين من الغذاء من فوائد عديدة في المجالين الغذائي والعلاجي وهي كالآتي:

ألف: فوائد الخل وآثاره العلاجية

الخلّ هو محلول مخفف من حمض الخليك ويمكن الحصول على الخل بتخمير ثمار معظم الفواكه مثل التمر أو العنب أو التفاح (CHCOOH ) توصلت جميع المراكز العلمية في العالم إلى نتيجة واحدة مفادها أن بدايات الطب كانت تعتمد على استخدام الخل في علاج الأمراض ذلك أنه يعد العلاج السحري الذي يضمن حياة أكثر صحة وعافية، وهذه الأيام فإن العديد من تقارير الدراسات العلمية تؤكد على القدرات العلاجية والوقائية للخل إذا ما استخدم في النظام الغذائي اليومي، حيث تعتمد استخداماته عند تحضير أصناف الطعام.

ص: 291

وفي إحدى الدراسات التي صدرت عن مادة الخل وخصائصها وطرق استخدامها في المعالجة، أشارت إلى أكثر من 300 طريقة يتم فيها استخدام الخل لمكافحة الجراثيم والتخفيف من متاعب الجسم والحفاظ على صحته إضافة إلى نصائح عملية في استخدامات الخل في التنظيف وإزالة آثار المواد الدهنية عن الملابس وداخل المنازل، ومن الخصائص الصحية للخل قدرته على التخفيف من آلام الحلق وتهدئة السعال وقتل الجراثيم التي تتواجد في الطعام كما أن الخل يعد وسيلة علاجية فعالة في تنشيط الدورة الدموية في الساقين والتخفيف من أوجاع الروماتيزم والتقليل من تأثير ضربات الشمس وتهدئة الحروق والتخفيف من متاعب الأقدام المؤلمة والمساعدة على وقف ظاهرة الفواق وتهدئة الكدمات والطفح الجلدي.

وتتنوع الخصائص العلاجية للخل؛ إذ إنه يعمل على حسن مراقبة الشهية ويقلل من البقع الملونة للجلد والناجمة عن الشيخوخة ويحمي الجلد من الاحمرار نتيجة التعرض للشمس ويحافظ على صحة الشعر والتخلص من القشرة وتهدئة الآلام العضلية، وفيما يتعلق بقدرات الخل على التنظيف فهي كبيرة وعديدة؛ إذ إنه يستخدم كمادة معقمة ويستخدم في غسل الملابس مما يعيد لها لمعان ألوانها الطبيعية فتصبح الملابس البيضاء أكثر بياضاً كما أن الخل يزيل بقع العرق ع-ن الملابس ويزيل البقع عن السجاد ويمتص الروائح ويمكن إضافته إلى ماء التنظيف لأرضيات المنازل فتزداد نظافة ولمعانا كما يصلح شقوق الأخشاب ويعد الخل وسيلة تلميع جديدة للأثاث ويزيل بقع الحبر ويعطي لمعانا واضحاً للوحة القيادة في السيارة، كما هو مادة مذيبة للعلكة التي تلتصق بالملابس.

ص: 292

وأمام جميع هذه الخصائص الصحية والتنظيفية فإن الخل يبقى الوسيلة المثالية من الجانب الاقتصادي فهي أرخص ثمنا مقارنة مع العديد من أشكال العلاج أو مواد التنظيف الأخرى.

وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الخل يحتوي على وفرة في مادة (غليسيد) (Glucides ) والألياف المفيدة لصحة الجسم.

وحين يتم إنتاج الخل اعتمادا على ثمار التفاح يكون غنيا بمادة البكتين والتي مجرد دخولها الجهاز الهضمي فإنها تتحد مع جزيئات الكولسترول حيث يعمل البكتين على طرح جزيئات الكولسترول المتحد خارج الجسم وكلما انخفضت نسبة الكولسترول في الجسم تضاعفت نسبة الإصابة باضطرابات القلب وفي هذا الخصوص قام المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة مؤخراً بافتتاح فرع خاص بالطب الذي يعتمد على استخدام خلاصة النباتات والأعشاب في علاج متاعب الجسم حيث يحتل الخل مكانة مهمة في استخدامات المعهد بعد أن أمكن التحقق من نجاعته في علاج الكثير من المتاعب الصحية.

من جانب آخر يمكن حفظ العديد من الخضراوات كالباذنجان والقرنبيط والشمندر والجزر والفاصوليا في سائر الخل بشكل جيد كما يمكن استخدامه في حفظ أفضل الفواكه.

ويشير المعهد الوطني للصحة في أمريكا إلى أن الخل استخدم لانقاد آلاف الجنود في أثناء حرب الاستقلال في الولايات المتحدة، واستخدم ابقراط قديما الخل في علاج مرضاه حيث كان يضع ضمادات من الخل على مواضع الجروح والحروق.

ص: 293

باء: فوائد زيت الزيتون وآثاره العلاجية

زيت الزيتون : هو زيت ناتج من عصر أو ضغط ثمار الزيتون، وهي شجرة تنمو في حوض البحر الأبيض المتوسط.

يستعمل زيت الزيتون في الطبخ والصيدلة والطب وفي إشعال المواقيد الزيتية وفي الصّابون.

وهو مستعمل بكثرة لكونه غذاء صحياً غنياً بالدهون المفيدة والفيتامينات.

تعدّ شجرة الزيتون (Olea europaea ) مصدر غذاء طيب ومقاومة لأمراض النباتات، وعصير أوراق الزيتون أو خلاصتها أو مسحوقها تعدّ مضاداً حيوياً ومضاداً للفيروسات قويا كما أنها مقوية لجهاز المناعة الذي يحمي الجسم من الأمراض والعدوى وتقلل من أعراض فيروسات البرد والجدري والهربس.

والأوراق بها مادة (Oleuropen ) (حامض دهني غير مشبع) مضادة قوية للجراثيم كالفيروسات والطفيليات وبكتريا الخميرة والأوالي حيث تمنع نموها، كذلك الزيت يعدّ مليئاً بعناصر حديدية مقوية للجسد.

يعد زيت الزيتون المحضر من ثمار الزيتون بالعصر على البارد (يطلق عليه زيت عذري) أو بالمذيبات ويعالج الحساسية المتكررة ومشاكل الجهاز الهضمي وملين خفيف، ويعالج تورم العقد الليمفاوية والوهن وتورم المفاصل وآلامها وقلة الشهية والجيوب الأنفية المنتفخة ومشاكل الجهاز التنفسي ولاسيما الربو وقرح الجلد والهرش والقلق ومشاكل العدوى ووهن العضلات.

وكان يستخدمها الإغريق لتنظيف الجروح والتئامها، وهو مضاد للبكتريا

ص: 294

والفطريات والطفيليات والفيروسات وتفيد في البواسير ومدرة خفيفة للبول، لهذا كانوا يتناولونها لعلاج النقرس وتخفيض السكر في الجسم وضغط الدم وتقوية جهاز المناعة ولهذا يفيد في علاج الأمراض الفيروسية ومرض الذئبة والالتهاب الكبدي والإيدز ومشاكل الموثة والصدفية وعدوى المثانة وتحضر خلاصة لهذا الغرض.

ويمتاز زيت الزيتون عن غيره من الدهون الحيوانية والنباتية بأنه سهل الهضم، إذ تحتاج باقي الزيوت والدهون إلى عدة عمليات هضمية قبل أن يستطيع الجسم امتصاصها، لأن الدهون التي يحتويها أشبه بالدهون الموجودة في حليب الأم، أي إنه سهل الامتصاص، وهذا ما يجعله غذاءً مفيداً للأطفال، فهو يحتوي على كمية كبيرة من فيتامين (د) الضروري لوقاية الأطفال من مرض الكساح، لأنه يثبت الكالسيوم في العظام ويقوّيها، كما يحتوي زيت الزيتون على مواد مهمة تسهم في تقوية الأعصاب ويحتوي على مواد مضادّة للأكسدة وهي ذات فوائد عظيمة، إذ تسهم في تحطيم الجزيئات الضارة المتراكمة في الجسم، مما يساعد كبار السن على المحافظة على صحتهم.

ص: 295

المبحث الرابع:

زهدها عليها السلام

يعد الزهد من أشهر الظواهر الحياتية لدى الديانات السماوية لما له من دلالة على الارتباط الروحي والقلبي بالآخرة والعزوف عن الحياة الدنيا ومغرياتها التي تشكل حاجزاً بين الإنسان وبين الوصول إلى هدفه الأخروي والفوز بالحياة السرمدية.

بل نكاد نرى أن الزهد بمفهومه العرفي متغلغل حتى في الديانات والمعتقدات التي اتخذت من التقشف والاكتفاء باليسير من لوازم الحياة كي لا تنشغل النفس بهذه الاحتياجات وتغفل عن نموها وبنائها حتى تصل إلى الكمال.

ولعل الفلاسفة منذ فيثاغورس وأفلاطون وأرسطو وانتهاءً بفلاسفة العصر الحديث قد اهتموا بمعرفة آثار الملذات والغرائز على سير الإنسان ونموه الروحي وسعيهم إلى معرفة البناء الحقيقي للإنسان وإن اختلفت هذه الرؤى في موضع ما أو اتفقت في موضع آخر مع التعاليم التي جاءت بها الشرائع السماوية.

وعليه : لا يخفى على القارئ الكريم ما للزهد من تغلغل في الديانات والسلوكيات التي ارتبط وجودها وظهورها الاجتماعي مع الدين.

ص: 296

من هنا : اختلفت المفاهيم حول الزهد ومصداقه الخارجي ومظهره السلوكي لدى الزاهد قديماً وحديثاً ولاسيما فيما يتعلق بالإسلام حتى ظهر مذهب ابتنى الزهد كأساس في سيره وسلوكه وتعبده وفلسفته الحياتية كالتصوف مثلاً أو تلك المذاهب التي تفرعت منه فاتخذت أنماطاً لها في السلوك والتعبير والدعوة إلى الله تعالى، كالمولوية والقادرية والدراويش وغيرها مما انتشر في بلاد المغرب العربي، وأفريقيا، والعراق، والشام، وتركيا، وإيران، وغيرها.

وما يهمنا هنا : ما ورد عن أئمة العترة النبوية في بيان معنى الزهد ومصداقه الخارجي الذي تخلل حياتهم كي نصل إلى معنى زهد بضعة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

المسألة الأولى: تعريف الزهد عند الفقهاء واللغويين

ذكر الفقهاء للزهد تعريفاً استمدوا رؤيتهم له من خلال النصوص الشريفة، فقالوا :

الزُهد : بضم أوله، وسكون ثانيه، مصدر زهد عن الشيء أو زهد فيه؛ مال عنه ؛ ترك ما في الدنيا ابتغاء ما عند الله من الثواب.

أن يكون المرء بما عند الله أرجى منه مما هو في يده(1) .

وفضلاً عن تعريفهم الزهد بما مرّ فقد كتب الفقهاء والعلماء في الزهد خاصة دون غيره من الفضائل الأخلاقية كتباً كثيرة وافردوا له من مصنفاتهم في الأخلاق

ص: 297


1- معجم لغة الفقهاء، لمحمد قلعجي : ص 234 ؛ المصطلحات، أعداد مركز المعجم الفقهي : ص 1284؛ معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : ص 215

حظاً وافراً وما ذاك إلا لعلمهم بما للزهد من التأثير في المستوى الفردي والاجتماعي، فضلاً عن آثاره الإرشادية والتربوية في المجتمع.

ومن بين أولئك العلماء، الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى الذي أفرد لكل معصوم من المعصومين الأربعة عشر كتاباً خاصاً في زهده فضلاً عن بقية علماء الطائفة كحسين بن سعيد الكوفي المتوفى في القرن الثالث الهجري) وكتاب الزهد والمواعظ للبرقي (المتوفى سنة 274ه_) وغيرها؛ في حين كتب فقهاء أبناء العامة في الزهد كذلك ، كإمام المذهب الحنبلي، وغيره.

أما عند اللغويين فقد قالوا : (الزهد والزهادة في الدنيا؛ ولا يقال الزهد إلا في الدين خاصة والزهد ضد الرغبة والحرص على الدنيا والزهادة في الأنبياء كلها : ضد الرغبة .

وزَهَدَ، وهي أعلى، يَزْهَدُ فيهما زُهْداً وزَهَد بالفتح عن سيبويه، وزهادة فهو زاهد من قوم زُهّاد ، وما كان زهيداً ولقد زَهَدَ وزَهِدَ يَزْهَدُ منهما جميعاً ، وزاد ثعلب : وزَهُد أيضاً، بالضم.

والتزهيد في الشيء وعن الشيء : خلاف الترغيب فيه.

وزَهَّدَه فى الأمر : رَغْبَه عنه .

وفي حديث الزهري وسئل عن الزهد في الدنيا فقال : هو أن لا يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره ؛ أراد أن لا يعجز ويقصر شكره على ما رزقه الله من الحلال، ولا صبره عن ترك الحرام ؛ الصحاح : يقال زهد في الشيء وعن الشيء.

وفلان يتزهد أي يتعبد وقوله عز وجل:

ص: 298

«... فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ» (1).

قال ثعلب : اشتروه على زُهْدِ فيه.

والزَّهِيد : الحقير.

وعطاء زَهِيدٌ : قليل.

وازْدَهَدَ العطاءَ : استقلَّه.

ابن السكيت : يقولون فلان يزدهد عطاء من أعطاه أَي يعدُّه زهيداً قليلًا.

والمُزْهِدُ : القليل المال.

وفي حديث النبي ، صلى الله عليه - وآله - وسلم :

«أفضل الناس مؤمن مُزْهِدٌ».

المُزْهِد : القليل الشيء وإِنما سمي مُزْهِداً لأَن ما عنده من قلته يُزْهَدُ فيه.

وشيء زَهيد : قليل.

قال الأعشى يمدح قوماً بحسن مجاورتهم جارة لهم :

فلن يطلبوا سِرَّها للغنّى *** ولن يتركوها لإزهادِها

يقول : لن يتركوها لقلة مالها وهو الإزهاد ؛ قال أَبو منصور : المعنى أَنهم لا يسلمونها إِلى من يريد هتك حرمتها لقلة مالها .

وفي الحديث : ليس عليه حساب ولا على مؤمن مُزْهِد.

ومنه حديث ساعة الجمعة : فجعل يُزَهّدُها أََي يقللها .

ص: 299


1- سورة يوسف، الآية : 20

وفي حديث عليّ - عليه السلام - :

«إنك لَزَهِيدُ».

وفي حديث خالد : كتب إِلى عمر بن الخطاب : أن الناس قد اندفعوا في الخمر وتزاهدوا الحدّ أي احتقروه وأهانوه ورأوه زهيداً.

ورجل مُزْهِدٌ : يُزْهَدُ في ماله لقلته.

وأزْهَدَ الرجلُ إِزْهاداً إذا كان مُزْهِداً لا يُرْغَبُ في ماله لقلته.

ورجل زهيد وزاهد: لئيم مزهود فيما عنده؛ وأنشده اللحياني :

يا دَبِّلُ ما بِتُّ بليل هاجدا *** ولا عَدَوتُ الركعتين ساجداً

مخافةٌ أن تُنْفِدي المَزاوِدا *** وتَعْيِقي بعدي عَبوقا بارداً

وتسألي القَرْضَ لئيماً زاهِدا

ويقال : خذ زَهْدَ ما يكفيك أي قدر ما يكفيك ؛ ومنه يقال : زَهَدْتُ النخلَ وزَهْدتُه إِذا خَرَصته.

وأَرض زَهاد : لا تسيل إِلا عن مطر كثير.

أَبو سعيد : الزَّهَدُ الزكاة، بفتح الهاء، حكاه عن مبتكر البدوي؛ قال أبوسعيد : وأصله من القلة لأن زكاة المال أقل شيء فيه.

الأَزهري : رجل زهيد العين إِذا كان يقنعه القليل، ورغيب العين إِذا كان لا يقنعه إِلا الكثير؛ قال عديّ بن زيد :

وللْبَخْلَةُ الأولى، لمن كان باخلا *** أعفُ، ومن يبخل يُلَمّ ويُزَهَّد

يُزَهّد أي يُبَخَّل وينسب إِلى أَنه زهيد لئيم.

ص: 300

ورجل زهيد وامرأة زهيد : قليلا الطعم.

وفي التهذيب : رجل زهيد وامرأَة زهيدة وهما القليلا الطُّعْم؛ وفيه في موضع آخر: وامرأَة زهيدة قليلة الأَكل، ورغيبة : كثيرة الأكل، ورجل زهيد الأكل.

وزَهَاد التِّلاع والشّعاب : صغارها ؛ يقال : أصابنا مطر أسال زَهَاد الغُرْضانِ، الغرضان: الشعاب الصغار من الوادي ؛ قال ابن سيده : ولا أعرف لها واحداً.

وواد زهيد : قليل الأخذ من الماء.

وزهيد الأَرض : ضيقها لا يخرج منها كثير ماء، وجمعه زُهدان.

ابن شميل : الزَّهيد من الأَودية القليلُ الأَخذ للماء، النَّزِلُ الذي يُسيله الماءُ الهين، لو بالت فيه عناق سال لأَنه قاعٌ صُلْبُ وهو الحَشَادُ والنَّزِلُ.

ورجل زَهيد : ضيق الخُلُق، والأُنثى زهيدة.

وفي التهذيب : اللحياني : امرأة زهيدٌ ضيقة الخلق، ورجل زهيد من هذا.

والزَّهْدُ : الحَزْرُ.

وزَهَدَ النخلَ يَزْهَدُه زَهْداً : خرصه وحزره) (1).

المسألة الثانية: الزهد في أحاديث العترة النبوية

تضافرت النصوص الشريفة عن العترة النبوية الشريفة صلوات الله عليهم أجمعين في بيان فضل الزهد وأجره وآثاره المحمودة على النفس والسلوك والمجتمع وهنا : نود أن نشير إلى بعض من هذه الأحاديث ثم نعرج إلى زهد فاطمة صلوات الله عليها .

ص: 301


1- لسان العرب : ج 3، ص 196 - 198

1 - روى الكليني عن سفيان ابن عيينة قال، (سألته ، أي : الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام عن قوله عزّ وجل :

«إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (1).

قال - عليه السلام - :

«القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه».

قال :

«وكل قلب فيه شرك أوشك فهو ساقط وإنما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة»)(2).

والحديث يكشف عن أن الزهد هو تفرغ القلب للآخرة وتحققه من خلال خلو القلب من الدنيا.

2 - وروى الكليني عن علي بن هاشم عن أبيه قال: (قال لي علي بن الحسين صلوات الله عليهما) :

«الزهد عشرة أجزاء أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا » ) (3) .

ويكشف الحديث عن دور الزهد في السير والسلوك إلى الله تعالى وأنه من مختصات الرضا بالقضاء والتسليم لأمر الله تعالى، فضلاً عن بيان شرافة الورع واليقين في مراتب الإيمان والقرب من الله تعالى.

ص: 302


1- سورة الشعراء ، الآية : 89
2- الكافي للكليني : ج 2، ص 16
3- الكافي للشيخ الكليني : ج 2، ص 62

3- روى الشيخ الطوسي رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

«ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ولا تحريم الحلال، بل الزهد فيها أن لا تكون بما في يدك أوثق بما عند الله عزّ وجل»(1).

4 - روى الطوسي رحمه الله عن أبي يعفور : (قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام : والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتى بها فقال :

«تحب أن تصنع بها ماذا؟».

قال : أعود بها على نفسي وعيالي، وأصل منها، وأتصدق، وأحج، واعتمر، فقال أبو عبد الله عليه السلام :

«ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة»)(2).

5 - روى الحر العاملي رحمه الله ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل جبرائيل فقال :

«يا جبرائيل فما تفسر الزهد؟».

قال :

«يحب من يحب خالقه، ويبغض من يبغض خالقه، ويتحرج من حلال الدنيا، ولا يلتفت إلى حرامها ، فإن حلالها حساب وحرامها عقاب، ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه، ويتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها، ويتحرج عن حطام الدنيا وزينتها كما يتجنب النار أن يغشاها، وأن يقصر أمله، وكان بين عينيه أجله»)(3).

ص: 303


1- تهذيب الأحكام : ج 6 ، ص 327
2- المصدر السابق
3- وسائل الشيعة : ج 15 ، ص 194

6 - وروى الحر العاملي عن الإمام الرضا عليه السلام قال :

«كان فيما ناجى الله به موسى عليه السلام أنه ما تقرب إلي المتقربون بمثل البكاء من خشيتي، وما تعبد لي المتعبدون بمثل الورع من محارمي، ولا تزين لي المتزينون بمثل الزهد في الدنيا عما بهم الغنى عنه»(1).

7 - وروى الحر العاملي (عن عبد الله بن القاسم، عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

«إذا أراد الله بعبد خيراً أزهده في الدنيا، وفقهه في الدين وبصره عيوبها، ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة».

قال : وسمعته يقول :

«إن القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتى يسموه»)(2).

8 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام :

«الزهد بين كلمتين من القرآن، قال تعالى:

« لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَاكُمْ ...» (3).

ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد استكمل الزهد بطرفيه»(4).

9 - وقال أمير المؤمنين عليه السلام :

«الزهد في الدنيا قصر الأمل، وشكر كل نعمة، والورع عما حرم الله عليك»(5).

ص: 304


1- المصدر السابق
2- وسائل الشيعة : ج 16 ، ص 13
3- سورة الحديد، الآية : 23
4- وسائل الشيعة : ج 16 ، ص 19
5- الوسائل: ج 16 ، ص 15

والأحاديث الشريفة في ذلك كثيرة جداً وكلها تحدث المؤمن على أن يكون قلبه مشغولاً بالله تعالى وأن يحرص على أن يتغلل شيء من الدنيا إلى قلبه فينجر خلفه حتى ينتهي به المطاف وقد ملكته الدنيا.

ومن هذه المعاني التي كشفتها الأحاديث الشريفة يتضح لنا كيفية تطبيقها بشكل عملي في الحياة من خلال معرفة زهد فاطمة عليها السلام، وهو ما سنتناوله في المسألة الثالثة.

المسألة الثالثة:
حياة فاطمة عليها السلام كلها قائمة على الزهد

عند النظر إلى حياة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنجد أن هذه الحياة كلها قائمة على الزهد منذ أن شاء الله تعالى برحمته أن يجمع علياً وفاطمة صلوات الله عليهما في بيت واحد ليكون من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

أولاً : زهدها في مكونات البيت وأثاثه عند الزواج

لقد مرّ علينا خلال البحث في الكتاب فيما يتعلق بزواج فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ومقدار مهرها وجهازها الذي تكوّن منه بيتها ومحل عرسها وعيشها ؛ وهنا نورد بعض الأحاديث الكاشفة عن مكونات هذا البيت الذي كان أساسه الزهد.

1 - روى الحر العاملي عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال :

«كان صداق فاطمة عليها السلام جرد برد حبرة ودرع حطمية وكان

ص: 305

*

فراشها إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه»(1).

2 - وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

«لقد تزوّجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش كنا ننام عليه بالليل،ونعلف عليه الناقة بالنهار، ومالي معين غيرها»(2).

ثانياً : زهدها عن الخادم وقيامها بعمل دارها بنفسها

لا شك أن الإنسان في طبعه يميل إلى الراحة والدعة ولذا يسعى إلى من يستعين به على توفير هذا الأمر، ولاشك أن الحياة في الماضي كانت تفتقر إلى كثير من سبل الراحة والمعونة داخل الأسرة كما نلاحظ اليوم من توفير الأجهزة العديدة فضلاً عن الاستعانة داخل المنزل ب_( الخادمة) أو (الخادم) كما هو واضح في بعض البلاد العربية والأجنبية وإن اختلفت المسميات بين المربية والخادمة أو المنظفة وغير ذلك، والتي جميعها تنبع من سعي الإنسان في الحصول على الراحة.

لكن هذا الأمر نجده غير متوفر في بيت فاطمة عليها السلام، فقد زهدت عن الخادم وأدت عملها بنفسها حتى أصابها ضرر شديد عند ذلك سعى أمير المؤمنين عليه السلام في قصد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحصول على خادمة تعين فاطمة عليها السلام؛ ولعل الحديث عن هذه التفاصيل سيكون بعون الله في البحث المتعلق بتسبيحها.

ولكن المستفاد من حديث أمير المؤمنين عليه السلام الذي سنورده أنها كانت

ص: 306


1- الوسائل: ج 21، ص 251
2- المناقب لابن شهر آشوب : ج 2، ص 96 ؛ مجموعة دارم : ج 2، ص12

تزهد في وجود الخادم والمعين حتى أضر بها ذلك، وما ذاك إلا لصبرها على مرارة الحياة وأن لا تكلف زوجها شيئاً ، وهو الزهد بعينه وحقيقته.

روى الطبرسي رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل من بني سعد:

«ألا أحدثك عني وعن فاطمة، أنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت حتى مجلت يداها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى تدخنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد»(1).

ثالثا : زهدها في الملبس

ولم يقتصر زهد فاطمة صلوات الله عليها على مكونات البيت وقيامها بالعمل في دارها بنفسها وزهدها عن الخادم وإنما زهدت كذلك في امتناع الزائد في الملبس إلى الحد الذي كانت تبكي بعض الصحابة.

1 - فقد أخرج البيهقي وابن كثير والقرطبي عن أنس بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها قال - أنس - وعلى فاطمة - صلوات الله عليها - ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم ما تلقى قال :

«إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك»)(2).

ص: 307


1- مكارم الأخلاق : ص 280
2- السنن الكبرى للبيهقي : ج 7، ص 95 ، ح 13323؛ تفسير ابن كثير: ج 3، ص 286 ؛ تفسير القرطبي : ج 12 ، ص 234

2 - روى المحدث النوري عن السيد ابن طاووس، عن كتاب المنبئ عن زهد : ( عن أبي محمد جعفر بن أحمد القمي أنه قال :

أنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ ...» (1) .

بكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شديداً وبكت أصحابه لبكائه إلى أن ذكر أن بعض أصحابه ذهب إلى فاطمة عليها السلام وأخبرها بخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكائه، فقالت :

«تنح من بين يدي أضمّ إليّ ثيابي».

قال : فلبست فاطمة عليها السلام شملة من صوف قد خيطت اثني عشر

مكانا بسعف النخل فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة بكى وقال : وا حزني إن قيصر وكسرى لفي السندس والحرير، وابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكانا بسعف النخل) (2).

رابعاً : صبرها على مرارة الحياة وهو جوهر الزهد

إنّ من أوضح مصاديق الزهد في الحياة هو الصبر على مرارة العيش وتحمل الأذى من أجل الآخرة وهذا ما شاهده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياة بضعته وقلبه وروحه التي بين جنبيه حتى دمعت عيناه رأفة بها وهو من سماه رب العزة سبحانه وتعالى بقوله :

ص: 308


1- سورة الحجر، الآية : 43
2- مستدرك الوسائل: ج 3، ص273

«بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»(1).

فكيف ببضعته وسيدة نساء العالمين ؟ !

1 - فقد روى الطبرسي (عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

«دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليها السلام وعليها كساء من ثلة(2) الإبل، وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أبصرها فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله عليّ:

«وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرَضَى»(3)»)(4).

2 - روى الطوسي عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت الأشعث بن قيس الكندي وجويبرا الحلبي قالا لعلي أمير المؤمنين عليه السلام :

(حدثنا في خلواتك أنت وفاطمة قال :

«نعم، بينا أنا وفاطمة في كساء إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصف الليل وكان يأتيها بالتمر واللبن ليعينها على الغلامين، فدخل فوضع رجلا بحيالي ورجلا بحيالها، ثم إن فاطمة بكت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يبكيك يا بنية محمد فقالت: حالنا كما ترى في كساء نصفه تحتنا ونصفه فوقنا .

ص: 309


1- سورة التوبة، الآية : 128
2- الثلة : هي الصوف والوبر ، أي : شعر الإبل يجمع مع البعض فيصنع منه الأكيسة، وهو شديد السمك، فضلاً عن كونه شديد الحر وهو لباس الفقراء والمساكين
3- سورة الضحى، الآية : 5
4- مکارم الأخلاق : ص 235

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا فاطمة، أما تعلمين أن الله تعالى اطلع اطلاعة من سمانه إلى أرضه فاختار منها أباك فاتخذه صفيا، وابتعثه برسالته، وانتمنه على وحيه، يا فاطمة، أما تعلمين أن الله اطلع اطلاعة من سمانه إلى أرضه فاختار منها بعلك وأمرني أن أزوجكه وأن أتخذه وصيا، يا فاطمة، أما تعلمين أن العرش شاك ربه أن يزينه بزينة لم يزين بها بشرا من خلقه فزينه بالحسن والحسين، بركنين من أركان الجنة».

وروي :

«ركن من أركان العرش »)(1).

خامساً :
زهدها في المأكل مع ولديها وصبرها على الجوع

تناولت جملة من الأحاديث زهد فاطمة وصبرها على الجوع ضمن صوّر عدة، ولعل مرد هذه الصوّر وتعددها إلى كون الزهد حالة ملازمة لبيت فاطمة صلوات الله عليها مما أتاح مشاهدة هذه المظاهر الحياتية لأكثر من شخصية من الصحابة آنذاك.

1 - روى الخوارزمي عن أبي سعيد الخدري أن فاطمة عليها السلام قالت :

«أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت السلام عليك يا أبه فقال وعليك السلام يا بنية فقالت والله يا نبي الله ما أصبح في بيت علي عليه السلام طعام ولا دخل بين شفتيه طعام منذ خمس ولا لنا ثاغية ولا راغية ولا أصبح في بيته سفة».

فقال النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم :

ص: 310


1- الأمالي للطوسي : ص 406

«أدني مني».

فدنت، فقال :

«أدخلي يدك بين ظهري».

فهوت بيدها فإذا هي بحجر بين كتفي رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم مربوطاً بعمامته إلى صدره فصاحت فاطمة عليها السلام صيحة شديدة، وقال :

«ما أوقد في دار محمد نار منذ شهرين».

ثم قال لها :

«أما تدرين ما منزلة علي مني كفاني أمري وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وضرب بين يدي بالسيف وهو ابن ست عشرة سنة، وقتل الأبطال وهو ابن سبع عشرة سنة، وفرج همومي وهو ابن اثنتين وعشرين سنة وحده، وكان من معه خمسين رجلا».

فأشرق وجه فاطمة عليها السلام ولم تزل قدماها من مكانها حتى أتت علياً عليه السلام وإذا البيت قد أنار بنور وجهها فقال لها علي عليه السلام :

«يا بنت محمد لقد خرجت من عندي ووجهك على غير هذه الحال».

فقالت :

«إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني بفضلك»)(1).

إن المستفاد من الحديث الشريف بعض الأمور، وهي :

ص: 311


1- كشف اليقين : ص 455 - 456

ألف : لا شك أن الإنسان بحاجة إلى من يلتجئ إليه من أهل الآخرة كما فعلت فاطمة صلوات الله عليها حينما التجأت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى : ضرورة الرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أمرنا القرآن :

«لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ ...» (1).

حينما يمر المؤمن بضائقة في الحياة؛ وذلك لما له من التأثير الكبير في سكون النفس وطمأنينة القلب ؛ وكما يقال رب سائل عن مسألة وهو عارف بها بمعنى أن فاطمة صلوات الله عليها لم يكن ذهابها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دافعه الدنيا وإنما هو التوجيه لكل امرأة مؤمنة في كيفية أخذ العبرة والصبر على مرارة الحياة الدنيا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

باء : إنّ الذي جعل فاطمة تستهين بهذه الصعوبات الحياتية ومرارة الحياة الدنيا وتزداد صبراً وزهداً هو المعرفة بصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزهده فإن كان عسيراً على المرأة أن تبقى خمسة أيام بدون طعام فإن حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصعب بكثير وصبره ليس له حد وها هو يستعين على الجوع بوضع حجر بين كتفيه.

ولعل مرد ذلك هو أن هذا المحل يكون لتجمع الدم الذي يكون محملاً بالدهون ولأجله يكون محل الحجامة بين الكتفين والتي تعمل أي الحجامة على تبديل الخلايا الحمراء وتحفز الكبد على إعادة نشاطه.

ص: 312


1- سورة الأحزاب، الآية : 21

جيم: الحديث يكشف عن علاقة المؤمن بذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وتأثيره الإيماني والروحي فضلاً عما تحققه من الأجر والثواب عند الله تعالى، وهو ما انعكس على وجه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها فقد أشرق وجهها وامتلأ البيت نوراً حينما عادت إلى بيتها.

وهذا يكشف عن أن نسبة ظهور النور في وجه المؤمن عند ذكر فضائل علي عليه السلام تعود إلى صدق اعتقاده ومستوى يقينه بولاية علي بن أبي طالب ومنزلته عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما كان حال فاطمة صلوات الله عليها ومستوى معرفتها ويقينها بولاية علي صلوات الله عليهم أجمعين.

2 - روى السيد ابن طاووس في كتابه اليقين : ( إن أمير المؤمنين عليه السلام دخل يوماً إلى منزله فالتمس شيئاً من الطعام فأجابته الزهراء فاطمة عليها السلام فقالت :

«ما عندنا شيء وانني منذ يومين أعلل الحسن والحسين».

فقال :

«أعطونا مرطا نضعه عند بعض الناس على شيء».

فأعطى فخرج له إلى يهودي كان في جيرانه فقال له :

«أخا تبع اليهود أعطنا على هذا المرط صاعاً من شعير».

فأخرج إليه اليهودي الشعير فطرحه في كمه ومشى عليه السلام خطوات فناداه اليهودي أقسمت عليك يا أمير المؤمنين إلا وقفت لأشافهك؛ فجلس ولحقه

ص: 313

اليهودي فقال : له إن ابن عمك يزعم أنه حبيب الله وخاصته وخالصته وأنه أشرف الرسل على الله تعالى فقل له أفلا سأل الله تعالى أن يغنيك عن هذه الفاقة التي أنتم عليها.

فأمسك عليه السلام ساعة ونكت بإصبعه الأرض وقال له :

«يا أخا تبع اليهود والله إن الله عباداً لو أقسموا عليه أن يحول هذا الجدار ذهباً لفعل».

قال فاتقد الجدار ذهبا فقال له عليه السلام :

«ما أعنيك إنما ضربتك مثلا فأسلم اليهودي»)(1) .

حقائق يكشفها الحديث

ألف: يظهر الحديث درجات الأولياء وعباد الله المخلصين الذين شروا الحياة الآخرة بالدنيا وصبروا على مرارة الحياة بحلاوة الآخرة على الرغم من أنهم يستطيعون أن يلتجئوا إلى الدعاء فيفتح الله عليهم أبواب الغنى لكنهم يدركون أن الفقر في الحياة الدنيا والزهد فيها أحب إلى الله تعالى من الغنى والثروة.

فاختاروا ما يحب الله وتركوا ما يكره حتى أصبح الزهد والفقر شعاراً لمن ارتبط شخصه بشرع الله ودينه على مر العصور.

بل الثابت في الشريعة أن الله تعالى شرط على أنبيائه ورسله الزهد في الحياة الدنيا كما هو واضح في دعاء الندبة :

ص: 314


1- اليقين للسيد ابن طاووس : ص 455 ؛ البحار للمجلسي : ج 41 ، ص 250؛ مستدرك سفينة البحار: ج 2، ص 39

(اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسكم ودينك إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقربتهم وقدمت له-م الذكر العلي ....) (1).

باء : فضلا عن ذلك فإن الحديث يظهر مستوى زهد فاطمة عليها السلام وحسن تبعلها وجهادها في سبيل الله الذي جعل للمرأة في دارها من خلال صبرها وتبعلها وسعيها في مرضاته؛ فقد كانت فاطمة عليها السلام تؤثر علياً على نفسها فتقوم بتعليل ولديها أي إسكاتهم بالشيء اليسير وتلهيهم عن الجوع منذ يومين، حتى نفد ما عندها.

جيم: يظهر الحديث عن طواعية الأشياء للمعصوم عليه السلام وولايته التكوينية وسرعة استجابة هذه الأشياء له؛ كما في حال الجدار الذي اتقد ذهباً بإذن الله تعالى ورجوعه إلى حاله الأول حينما قال عليه السلام له : ما أعنيك.

ولعل الرجوع إلى القرآن الكريم ليرشد المسلم إلى تمكين المعصوم من الولاية التكوينية كما هو حال سليمان وعيسى بن مريم اللذين أظهر الله تعالى جانباً مما منحهما من الولاية التكوينية وطواعية الأشياء لهما .

3 - عن أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت محمد (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاها يوماً فقال :

ص: 315


1- مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي رحمه الله تعالى

«أين ابناي - يعني حسنا وحسينا -؟».

قالت :

«أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق».

فقال علي :

«اذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء».

فذهبا بهما إلى فلان اليهودي فوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر.

فقال عليه السلام:

«يا على ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر عليهما ؟».

قال علي :

«أصبحنا وليس في بيتنا شي فلو جلست يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أجمع لفاطمة تمرات».

فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي ينزع لليهودي كل دلو بتمرة حتى اجتمع له شيء من تمر فجعله في حجرته ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد حمل أحدهما وحمل علي الآخر حتى أقبلا بهما) (1).

4 - ومن طرق أبناء العامة روى هناد والشيباني عن عمار بن أبي عمار: (إنّ فاطمة شكت على علي الجوع في ولدها فخرج حتى أتى إلى بعض أهل المدينة

ص: 316


1- الذريعة الطاهرة للدولابي : ص 146؛ المعجم الكبير للطبراني : ج22، ص 422؛ الترغيب والترهيب للمنذري : ج 4 ، ص 211

فاستقى له عددا من الأدلاء كل دلو بتمرة حتى ملا كفّه ثم أتاها به فقال :

«كلي وأطعمي صبيانك»)(1).

5 - روى المحدث النوري عن ابن عباس : (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة عليها السلام فنظر إلى صفار وجهها وتغيّر حدقتها فقال لها :

«يا بنية ما الذي أراه من صفار وجهك وتغير حدقتك».

فقالت :

«يا أبة إن لنا ثلاثا ما طعمنا».

إلى أن قال : ثم وثبت حتى دخلت إلى مخدع لها فصفت قدميها فصلت ركعتين فقرأت في أولها الحمد و (ألم) السجدة؛ وفي الثانية الحمد وسورة الأنعام، ثم رفعت باطن كفها إلى السماء وقالت :

«إلهي وسيدي هذا محمد نبيك وهذا علي ابن عم نبيك وهذان الحسن والحسين سبطا نبيك إلهي أنزل علينا ماندة من السماء كما أنزلتها على بني إسرائيل أكلوا منها وكفروا بها، اللهم أنزلها علينا فإنا بها مؤمنون».

قال ابن عباس : والله ما استتمت الدعوة فإذا هي بصحفة من ورائها ...) (2).

والحديث يكشف عن إحدى معاجزها وكراماتها التي ظهرت فضلاً عن زهدها؛ وسيمر علينا الحديث في المبحث القادم وهو : معاجزها وكراماتها.

ص: 317


1- الزهد لهناد : ج 2، ص 389، حديث 757 كتاب الحجة للشيباني : ج 3، ص 457
2- مستدرك الوسائل للنوري : ج 6 ، ص 311 ، ح (6886 و 6887)

المبحث الخامس:

معاجزها وكراماتها

تناولنا في مبحث (رحى فاطمة عليها السلام) آثار الآيات والكرامات التي ترافق الأنبياء والأولياء على الفرد والمجتمع وذكرنا أن تنوع الآية أو الكرامة زماناً ومكاناً مرتبط بما تتركه هذه الآية في الفرد الشاهد لها أو الجماعة أو المجتمع، فضلاً عن الاستعدادات التي ترافق ظهورها لدى الناظر أو الشاهد للآية.

وهنا: في معاجز فاطمة صلوات الله عليها وكراماتها نجد أن تلك الآثار تنوعت بين اختصاصها بالخمسة أصحاب الكساء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهي من قبيل إتحافهم وإكرامهم بما عند الله تعالى وبين اختصاصهم ببعض الصحابة، أي ظهور هذه الكرامة الفاطمية لهم واختصاصهم بمشاهدة هذه اللطف الإلهية ؛ وبين اختصاصها بعائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخيراً ما ظهر لبعض اليهود الذين كانوا في المدينة وآثار هذه الكرامة عليهم.

وعليه : تنوع هذه الكرامات يرجع إلى النتائج التي تتركها على الناظر والشاهد لها من جهة، ومن جهة أخرى كانت دواماً لنزول اللطف الإلهي والفيض الرحماني على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين.

ص: 318

المسألة الأولى :
تكرار كرامة نزول الطعام إليها من السماء

يعرض القرآن الكريم في حديثه عن مريم ابنة عمران عليها السلام اختصاصها بالكرامة من الله تعالى ممثلاً في نزول الطعام إليها من السماء بواسطة الفيض الإلهي وهم الملائكة عليهم السلام ؛ والتي يعرضها القرآن الكريم في قوله تعالى :

«...كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1).

وتظهر الآية المباركة دوام نزول الطعام وكثرة مشاهدة زكريا عليه السلام لهذه الكرامة وهو واضح في مطلع الآية المباركة :

«...كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ ...».

والملاحظ في الروايات الشريفة أن هذا التكرار في نزول اللطف الإلهي الذي تعاهده زكريا هو نفسه قد حصل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين فقد شهدوا تكرار الكرامة ودوام نزول الطعام لفاطمة صلوات الله عليها مرات عديدة وفي أزمان مختلفة.

والمستفاد من هذه الروايات، جملة من الأمور، منها :

1 - بحسب الظاهر للآية المباركة أن الطعام الذي كان ينزل لمريم مخصوص بها دون غيرها من أهل بيتها بمعنى لم تتناول الروايات ذكر اشتراك نبي الله زكريا بهذا الطعام وهذا يدل إما على اختصاصها دون غيرها بهذا الرزق ؛ وإما أن الروايات لم

ص: 319


1- سورة آل عمران، الآية: 37

تهتم بهذه التفاصيل الدقيقة وكأنها تحصيل حاصل.

ولكن الذي يظهر أنها مختصة بمريم عليها السلام وأن زكريا كان سهمه من هذه الكرامة المشاهدة والاعتبار مما يرى إذ التفت حينها إلى أمر الذرية التي تأخرت عليه وقد بلغ من العمر عتيا ومن ثم تعذر عليه الإنجاب طبقاً للسنن الكونية التي أوجدها الله تعالى وأخضع الأشياء لها.

لكن هذه السنن هي في النهاية خاضعة لأمر خالقها وموجدها جلت قدرته؛ ولذلك توجه زكريا إلى الله في أن يمن عليه بالخلف؛ فقال سبحانه عن هذه اللحظات التأملية التي مر بها زكريا وقد كان شاهداً لكرامة مريم ونزول الطعام إليها :

«هنالك دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ، قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٌ طَيِّبَةٌ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ» (1).

2 - إشتراك العترة النبوية بهذا الطعام؛ إذ تفيد بعض الروايات أن نزول الطعام لفاطمة كان مخصوصاً لها ولأبيها وبعلها وولديها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا أفضل من الطعام الذي كان يقتصر على مريم فقط، وهذا يدل على أنهم جميعاً مخصوصون بهذا اللطف وعلى أنهم من سنخية نور الله تعالى أي : إنهم من نور واحد وإن اختلفت منازلهم ودرجاتهم عند الله تعالى كأفضل الخلق وسيد ولد آدم النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم أخيه ووصيه وخليفته علي أمير المؤمنين عليه السلام، ثم بضعته النبوية

ص: 320


1- سورة آل عمران، الآية: 38

فاطمة الزهراء عليها السلام البتول، ثم الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.

3 - إنها واسطة نزول الفيض لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأحد أبواب اللطف الإلهي ، فهذا الطعام الذي ينزل من السماء لاشك أنه يختلف من حيث الماهية والنشأة والآثار، ومن ثم مثلما جعل الله تعالى النبي الأعظم مصدراً لنزول اللطف الأعظم والفيض الأقدس إلى الخلق جميعاً فكان باب رحمة الله الواسعة وهو المخصص بالعطاء للخلق جميعاً ف_ «هَذَا عَطَاؤُنَا فَأَمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حساب»(1) ؟

فإن فاطمة صلوات الله عليها باب من الفيض واللطف الإلهي المخصوص لآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وهي المخصوصة في قوله عزّ وجل لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»(2).

فظاهر العطاء في آية سليمان عليه السلام تسخير القوى الطبيعية التي بها تستقيم حياة الناس وغيرهم من المخلوقات كالطيور والدواب والنبات وقد أوكلها إليه وظاهر العطاء هنا فاطمة صلوات الله وسلامه عليها ولذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة وتقديم الذبائح شكراً لله على ما أعطى وذلك لعظيم

ص: 321


1- سورة ص ، الآية : 39
2- سورة الكوثر ، الآية : 1

منزلة فاطمة عليها السلام في حين لم يؤمر سليمان بالصلاة ولم يطلب منه الذبيحة والقرابين فشتان بين عطاء أسباب الحياة في الدنيا وبين عطاء أسباب حياة الشريعة وهي فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط علم الله.

4 - تفيد الروايات أيضاً أن فاطمة عليها السلام كانت سبباً لنزول الفيض إلى شيعتها كعمار وسلمان وأبي ذر والمقداد وغيرهم.

الصورة الأولى لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام

أخرج محمد بن سليمان الكوفي (المتوفى في القرن الثالث الهجري) عن أبي سعيد الخدري قال :

(أصبح علي ذات يوم فقال :

«يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه؟».

فقالت - عليها السلام - :

«والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح عندي شيء أغذيكه ولا ما أطعمناكه منذ يومين إلا شيء كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابني - تعني حسناً وحسينا-».

فقال علي - عليه السلام - :

«يا فاطمة ألا كنت أعلمتني لأبيع لكم شيئا؟».

فقالت عليها السلام :

«يا أبا الحسن إني كنت استحي من إلهي (من) أن تكلف نفسك ما لا

ص: 322

تقدر عليه».

فخرج علي من عند فاطمة واثقا بالله حسن الظن بالله فاستقرض دينارا فا قرضه (المسؤول عنه) فبينا الدينار في يد علي أراد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم فعرض له المقداد في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته فلما راه علي أنكر شأنه فقال :

«يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك؟».

فقال : يا أبا الحسن خل سبيلي ولا تسألني عما وراثي، فقال له :

«يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك».

فقال : يا أبا الحسن رغبة إلى الله وإليك أن تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي، فقال - عليه السلام - :

«يا أخي تسرك أن تكتمني حالك؟».

فقال له: يا أبا الحسن أما إذا أبيت فالذي أكرم محمدا بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلا الجهد ولقد تركت عيالي يتضاغون جوعا فلما سمعت (ضجة) العيال لم تحملني الأرض فخرجت مهموم-ا راكبا رأسي فهذه حالي ! فهملت عينا علي باكيا حتى بلت دموعه لحيته فقال :

«أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني من رحلي غير الذي أزعجك من رحلك ولقد اقترضت دينا را فهاكه فقد آثرتك به على نفسي!».

فدفع إليه الدينار ثم رجع حتى دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 323

صلاة المغرب مر بعلي في الصف الأول فغمزه برجله فقام علي متبعا (إياه) حتى لحقه على باب من أبواب المسجد فسلم فرد رسول الله (عليه) السلام فقال :

«يا أبا الحسن هل عندك شيء تعشينا فنميل معك ؟».

فمكث (علي) مطرقا لا يحير جوابا حياءً من رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يعلم ما كان من أمر الدينار ومن أين أخذه وأين وجهه صلى الله عليه وآله وسلم (و) قد كان أوحى الله إلى نبيه أن يتعشى تلك الليلة عند علي فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى سكوته قال له :

«يا أبا الحسن مالك لا تقول لا فانصرف عنك أو تقول نعم فأمضي معك؟».

قال : حياء وتكرما بلى يا رسول الله اذهب بنا.

فأخذ رسول الله بيد علي فانطلقا حتى دخلا على فاطمة (وهي) في مصلاها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة يفور دخانها ، فلما سمعت (فاطمة) كلام النبي صلى الله عليه وآله في رحلها خرجت من مصلاها فسلمت عليه وكانت من أعز الناس عليه فرد السلام ومس بيده على رأسها وقال :

«يا بنية كيف أمسيت؟ رحمك الله عشينا غفر الله لك، وقد فعل».

فأخذت الجفنة ووضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، وبين يدي علي بن أبي طالب - عليه السلام - عنه فلما نظر ( علي ) إلى لون الطعام وشم ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا فقالت له فاطمة :

«سبحان الله يا أبا الحسن ما أشح نظرك وأشده؟ هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا أستوجب السخطة؟».

ص: 324

فقال (علي) :

«وأي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه أليس عهدي بك في اليوم الماضي تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما منذ يومين؟».

قال : فنظرت فاطمة إلى السماء وقالت :

«إلهي يعلم ما في السماء والأرض أني لم أقل الاحقاء».

فقال - عليه السلام - :

«يا فاطمة أنى لك هذه الطعمة التي لم أنظر إلى مثل لونه قط ولم أشم مثل ريحه قط ولم أكل مثله قط !».

قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي فغمزها ثم قال :

«يا علي هذا بدل دينارك هذا جزاء بدينارك هذا من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب».

ثم استعبر النبي صلى الله عليه وآله باكيا ثم قال :

«الحمد لله الذي أبا لكما أن يخرجكما من الدنيا حتى يجريك يا علي في المثال الذي جرى فيه زكريا ويجريك يا فاطمة في مثل الذي جرت فيه مريم ابنة عمران.

«...كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَريَا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا»(1))(2).

ص: 325


1- سورة آل عمران الآية : 37
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي : ج 1 ، ص 201 - 204 ، باب اقتراض علي دينارا؛ تفسير فرات الكوفي : ص 84 - 85 ؛ فضائل فاطمة لعمر بن شاهين : ص 27؛ كشف الغمة للأربلي : ج 2، ص 98 ؛ البحار للمجلسي : ج37، ص 105
الصورة الثانية لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام

روى ابن أبي حاتم الرازي عن أبي يعلى وخرجه الزيلعي وابن كثير، عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام أياماً ولم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في ديار أزواج-ه فل-م يصب عند إحداهن شيئاً فأتى فاطمة فقال :

«يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جانع».

قالت :

«لا والله بنفسي وأمي».

فلما خرج عنها بعثت جارة لها رغيفين وبضعة لحم فأخذته ووضعته في جفنة وغطت عليها وقالت :

«والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفسي من غيري».

وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجع إليها فقالت :

«قد أتانا الله بشيء فخبأته لك».

فقال :

«هلمي يا بنية».

فكشفت الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحما، فلما نظرت إليه بهتت وعرفت أنه من عند الله فحمدت الله وصلت على نبيه أبيها وقدمت إليه فلما رآه حمد الله وقال :

«من أين لك هذا؟».

ص: 326

قالت :

«هومن عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب».

فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى على فدعاه وأحضره وأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي حتى شبعوا، قالت فاطمة :

«وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت منها على جميع جيراني وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا»)(1) .

الصورة الثالثة لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام

وهذه الصورة رويت عن حذيفة بن اليمان وعن أبي سعيد الخدري وعند التقابل بين الروايتين وجدت أن رواية أبي سعيد الخدري فيها بعض الفقرات التي لا تنسجم مع سياق الرواية مما يدل على أنها أقحمت في النص ؛ كقوله :

(فلما كان الغد أقبل رسول الله في المهاجرين والأنصار حتى قرعوا الباب فخرج إليهم وقد عرق من الحياء لأنه ليس في منزله قليل ولا كثير فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخل المهاجرون والأنصار حتى جلسوا) (2).

ص: 327


1- تفسير ابن أبي حاتم: ص 207؛ تخريج الأحاديث : ج 1، ص 184 ؛ تفسير ابن كثير: ج 1 ، ص 368؛ الخرائج والجرائح : ج 2، ص 528 - 529 ؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 6 ، ص 122 ؛ إقبال الأعمال لابن طاووس : ص 529 ؛ تفسير الصراط المستقيم : ج 1، ص 171؛ تفسير سعد السعود : ص 131؛ تفسير جوامع الجامع للطبرسي : ج 1، ص 282 ؛ تفسير البيضاوي : ج 2، ص 35؛ تفسير الكشاف للزمخشري : ج 1 ، ص 427
2- سعد السعود : ص 90 - 91 ؛ البحار للمجلسي: ج 43 ، ص 77

ولا يمكن أن يصح هذا الكلام فأي دار تتسع لجميع المهاجرين والأنصار وهم جلوس، وكيف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي بهم جميعاً إلى دار علي وفاطمة عليهما السلام في حين أن حقيقة الأمر كما يروي حذيفة بن اليمان أنهم كانوا خمسة نفر فقط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سیمر.

وعليه : فيبدو أن أبا سعيد الخدري أحب أن يضيف كرامة لجميع الصحابة دون استثناء وإنهم قد أكلوا من هذا الطعام الذي نزل من السماء كما هو حاله في الصورة الثانية التي مرّ ذكرها آنفاً فقد أقحم الراوي أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم والجيران في تناولهم لهذا الطعام في حين أننا وجدنا بعض الروايات وهي تؤكد على الحصر في تناول هذا الطعام واختصاصه بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعض من شيعتهم.

أما حقيقة الصورة الثالثة من نزول الطعام من السماء لفاطمة صلوات الله عليها فيرويها الشيخ الطوسي، والطبري (الشيعي) بسنده عن حذيفة بن اليمان قال :

(لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل معه النجاشي قدحا من غالية وقطيفة منسوجة بالذهب هدية إلى النبي فلما قدم جعفر والنبي في خيبر أتاه جعفر بالهدية القدح والقطيفة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله».

فمد أصحاب النبي أعناقهم إليها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«أين علي؟».

ص: 328

فلما جاء قال :

«يا علي خذ هذه القطيفة إليك».

فأخذها وأمهل حتى إذا قدم المدينة انطلق إلى البقيع وهو سوق المدينة فأمر صائغاً ففصل القطيفة سلكا سلكا فباع الذهب وكان ألف مثقال وفرقه على فقراء المهاجرين والأنصار ورجع إلى منزله ولم يبق له من الذهب شيء لا قليل ولا كثير، فلقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمار فقال :

«يا علي إنك أخذت بالأمس ألف مثقال فاجعل غداي اليوم وأصحابي عندك».

ولم يكن علي يومئذ يرجع إلى شيء من العروض من الذهب والفضة فقال حياء أو كرما :

«نعم يا رسول الله أدخل أنت وأصحابك على الرحب والسعة».

فدخل النبي ومن معه، قال حذيفة : وكنا خمسة نفر أنا وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد، قال : فدخل علي على فاطمة يلتمس عندها زادا فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور وعليها عراق كثير وكأن رائحتها المسك فحملها علي ووضعها بين يدي النبي ومن حضر فأكلنا منها حتى شبعنا ولم ينقص منها شيء فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودخل على فاطمة فقال :

«أنى لك هذا الطعام يا فاطمة؟

فأجابته ونحن نسمع :

ص: 329

«هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب».

فخرج النبي إلينا مستبشرا وهو يقول :

«الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت لابنتي فاطمة رأي زكريا لمريم كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا فيقول لها : يا مريم أنى لك هذا، فتقول هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب»)(1) .

الصورة الرابعة لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام

وهذه الصورة قد مرّ ذكرها كاملة في المبحث السابق كشاهد علی زهدها و نوردها باختصار ؛ وقد أخرجها المحدث النوري عن الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره، في خبر طويل ذكر فيه جوع فاطمة وأبيها وزوجها وولديها عليهم السلام وأنها دخلت بيتها وصلت ركعتين قرأت في أولاهما الفاتحة و (ألم) السجدة وفي الثانية الحمد وسورة الأنعام ، فلما سلمت دعت فأنزل الله تعالى عليها مائدة، الخبر) (2).

الصورة الخامسة لنزول الطعام من السماء لفاطمة صلوات الله عليها

وهذه الصورة أخرجها ابن شهر آشوب عن أبي بكر هبة الله العلافي بإسناده إلى ابن عباس في خبر طويل : ( إنه اجتمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وجعفر عند فاطمة عليهم السلام، وهي في صلاتها فلما سلمت أبصرت عن يمينها

ص: 330


1- المسترشد لمحمد بن جرير الطبري : ص 286 ؛ دلائل الإمامة للطبري : ص 145؛ الأمالي للطوسي : ص 614 - 615 ؛ حليلة الأبرار للبحراني : ج 2، ص 268 ؛ البحار للمجلسي : ج21، ص 20؛ البرهان للسيد هاشم البحراني : ج 1، ص 619 ؛ الدر النظيم لابن أبي حاتم الشامي : ص 465
2- مستدرك الوسائل للنوري : ج 6 ، ص 311

رطباً على طبق وعلى يسارها سبعة أرغفة وسبعة طيور مشويات وجام من لبن وطاس من عسل وكأس من شراب الجنة وكوز من ماء معين فسجدت وحمدت وصلت على أبيها وقدمت الرطب.

فلما فرغوا من أكله قدمت المائدة فإذا بسائل من وراء الباب : أهل بيت الكرم هل لكم في إطعام المساكين فمدت فاطمة يدها إلى رغيف ووضعت عليه طيراً وحملت بالجام وأرادت أن تدفع إلى السائل فتبسم نبي الله في وجهها وقال :

«إنها محرمة على هذا السائل».

ثم نبأها بأنه إبليس وأنه لو واسيناه لصار من أهل الجنة) (1).

الصورة السادسة لنزول الطعام من السماء

ورد في تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان وعلي بن حرب الطائي ومجاهد بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي هريرة وروى جماعة عن عاصم بن كليب عن أبيه واللفظ له عن أبي هريرة أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه الجوع فبعث رسول الله إلى أزواجه فقلن ما عندنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :

«من لهذا الرجل الليلة؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام :

«أنا يا رسول الله».

ص: 331


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب : ج 2، ص88؛ البحار للمجلسي : ج 37، ص102. شرف المصطفى للخركوشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الاسد الوطنية ويحمل الرقم : 1887

وأتى فاطمة وسألها :

«ما عندك يا بنت رسول الله».

فقالت :

«ما عندنا إلا قوت الصبية لكنا نؤثر به ضيفنا».

فقال علي عليه السلام :

«يا بنت محمد نومي الصبية وأطفني المصباح».

وجعلا يمضغان بألسنتهما، ولما فرغ من الأكل أتت فاطمة بسراج فوجدت الجفنة مملوءة من فضل الله فلما أصبح صلى مع النبي فلما سلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته نظر إلى أمير المؤمنين وبكى بكاء شديداً وقال :

«يا أمير المؤمنين لقد عجب الرب من فعلكم البارحة».

فقرأ :

«... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...» (1).

أي : مجاعة.

«... وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ...».

يعني : علياً وفاطمة والحسن والحسين

«فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(2)).

ص: 332


1- سورة الحشر الآية : 9
2- المناقب لابن شهر : ج 2، ص 74؛ مستدرك الوسائل للنوري : ج 7، ص 214 - 215

وقد روى هذه الحادثة الشيخ الطوسي والحر العاملي ولم يذكرا خبر الجفنة(1).

والرواية الشريفة تكشف عن بعض الأمور ، منها :

1 - تعطي الرواية درساً تربوياً في إكرام الضيف وما له من الأثر التوفيقي على الإنسان إلى الحد الذي ينزل رزقاً من السماء كما حدث لعلي وفاطمة عليهما السلام.

2 - لا شك أن التفاوت في الفضل من الله تعالى ودرجة استحقاقه متوقف على الاخلاص في العمل وصدق النية وقصد القربة الله تعالى كي يحصل الإنسان على هذه الكرامة التي نالها أهل البيت عليهم السلام وهذا درس تربوي في التعامل مع الله تعالى يقدمه بيت علي وفاطمة صلوات الله عليهما.

3 - إن الحكمة في التعجب الذي نصت عليه الرواية يعود - بحسب الظاهر للرواية - إلى أن العمل الذي قام به علي وفاطمة كان على درجة عالية من التوافق والفهم إذ الغالب في الحياة الزوجية أن تبدي المرأة اعتراضاً لاسيما وأن الأمر متعلق بأمر مستحب وهو إكرام هذا الضيف فكيف إذا كان هناك صبية ليس لهم سوى هذا الطعام الذي قدم للضيف وهنا يأخذ بالأم حنانها وعاطفتها اتجاه أولادها فتبدي اعتراضاً وممانعة لزوجها لكن فاطمة كانت على طاعة تامة وفهم مشترك ونية واحدة في التقرب إلى الله تعالى ولا شك أن علياً له من العاطفة اتجاه ولديه كما لفاطمة لكن قدم الضيف.

ص: 333


1- الأمالي للطوسي : ص 185 ؛ وسائل الشيعة للحر العاملي : ج 9، ص 462

والسؤال المطروح : لماذا كل هذا الاهتمام بهذا الضيف؟

وجوابه : دفع الحرج عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ لم يكن عند أزواجه طعام ولعلهن لم يجدن ضرورة في التضييف مما سيوقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حرج وأذى فكان علي وفاطمة عليهما السلام قد تحملا الأذى والجوع حباً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاصدين في ذلك رضا الله ورسوله.

فأنزل الله فيهم :

«... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...».

وعليه :

فهذه الصوَر المتعددة تثبت أن نزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام كان متكرراً كما كان حال مريم ابنة عمران عليها السلام، إلا أن الفارق هو أن طعام مريم الذي كان من السماء كان الحين ولادة عيسى عليه السلام وأما فاطمة فكان الطعام ينزل إليها من السماء بعد زواجها وولادتها للحسن والحسين عليهم السلام فكان يأكل منه الخمسة أصحاب الكساء وبصورة متكررة إكراما منه سبحانه وتعالى لهم.

ودلالة على أن فاطمة بعد زواجها وولادتها لولديها لم تزدد من الله تعالى إلا قرباً وطاعة وارتفاع منزلة وهذا يكشف عن أحد أسباب كونها سيدة نساء العالمين، وذلك أن مريم عليها السلام كانت خليلةٌ من دون زوج وأولاد ومتفرغة للعبادة والذكر في حين كانت فاطمة عليها السلام مع وجود الموانع والمشاغل

ص: 334

والواجبات والحقوق إلا أنها تزداد تعرفاً وطاعة الله وهذا أفضل عند الله تعالى. بقي لنا في هذه المسألة أن نضيف صورتين الأولى كانت مرتبطة ببيت فاطمة عليها السلام كما هو حال الصور السابقة لكن الكرامة وظهور الآية كانت بيد رسول الله ؛ والصورة الثانية كانت كذلك في بيت فاطمة صلوات الله عليها إلا أن وقتها كان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بمعنى: أن نزول الطعام إليها من السماء كان كذلك بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أي: إن دوام هذه الكرامة حاصلة مما يدل على أنها في ارتقاء وارتفاع وقرب من الله تعالى وهي حقيقة العترة النبوية؛ إذ كلما ازداد عليهم البلاء كلما كان قربهم من الله أكبر وخير شاهد على ذلك قول سيد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء بعد مقتل جميع أهل بيته من الرجال والأطفال إذ إنه قال :

«هوّن ما نزل بي أنه بعين الله».

الصورة السابعة : ظهور آية تكثير الطعام لأيام ولم ينقص ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وهذه الصورة أخرجها الحميري القمي (المتوفى سنة 304ه_) فقال :

إن علي بن أبي طالب قال :

«دخلت السوق فابتعت لحما بدرهم وذرة بدرهم فأتيت به فاطمة عليها السلام حتى إذا فرغت من الخبز والطبخ قالت: لو أتيت أبي فدعوته فأتيته وهو مضطجع، وهو يقول: أعوذ بالله من الجوع ضجيعاً فقلت: يا رسول الله عندنا طعام فقام واتكأ عليّ ومضينا نحو فاطمة عليها السلام فلما دخلنا قال: هلم طعامك يا فاطمة عليها السلام».

ص: 335

فقدمت البرمة والقرص فغطى القرص وقال :

«اللهم بارك لنا في طعامنا، ثم قال: أغر في لعائشة فغرفت، ثم قال أغر في لأم سلمة فغرفت فما زالت تغرف حتى وجهت إلى نسانه التسع قرصة قرصة ومرقا، ثم قال: اغر في لابنيك وبعلك ثم قال اغرفي وكلي وأهدي الجاراتك».

ففعلت وبقي عندهم أياما يأكلون من ذلك) (1) .

والملاحظ في هذه الرواية الشريفة أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هنا أمر بنقل كميات من هذا الطعام إلى أزواجه وجيران فاطمة صلوات الله عليها في حين كنا نشاهد أن الطعام الذي ينزل من السماء لفاطمة كان يقتصر على الخمسة أصحاب الكساء صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا يدل على أن الطعامين مختلفان من حيث الماهية والمنشأ وإن كان الثاني هو ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن محتواه كان من طعام الدنيا، أي اللحم والذرة اللذان اشتراهما أمير المؤمنين عليه السلام مما يجعل فيه العمومية في الخير بينا ذاك الذي نزل من السماء مخصوص ومقيد بالعترة النبوية صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ومما يدل عليه :

ما رواه ابن شهر في المناقب عن (كتاب أبي إسحاق العدل الطبري عن عمر ابن على عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال :

«دعانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وفاطمة والحسن والحسين ثم نادى

ص: 336


1- قرب الاسناد للحميري القمي : ص 325؛ الخرائج والجرائح للراوندي: ج 1، ص108 ؛ البحار للمجلسي : ج 17 ، ص 232

بالصحفة فيها طعام كهيئة السكنجبين وكهينة الزبيب الطائفي الكبار، فأكلنا منه فوقف سائل على الباب فقال له رسول الله أخسأ، ثم قال: ارفع ما فضل فرفعه فقالت فاطمة عليها السلام يا رسول الله لقد رأيتك اليوم صنعت شيئا ما كنت تفعله، سأل سائل فقلت اخسأ ورفعت فضل الطعام ولم أرك رفعت طعاماً قط فقال صلى الله عليه وآله وسلمان الطعام كان من طعام الجنة وإن السائل كان شيطانا») (1).

ولعل الرجوع إلى السيرة النبوية ليغني القارئ عن الاحتياج إلى إثبات هذه الحقيقة إذ تعدد ظهور الآيات النبوية في الطعام والشراب لأصحابه في طيلة حياته المقدسة أشهر من أن يذكر.

الصورة الثامنة : نزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وهذه الصورة أخرجها الشيخ الطوسي مختصرة، ورواها الراوندي بتمامها إلا أنه لم يورد لها سنداً، ونحن نوردها مع بعض بذكر السند وتمام المتن.

أخرج الشيخ الطوسي ( عن جعفر غلام عبد الله بن بكير، عن عبد الله بن محمد بن نهيك عن النصيبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام :

«يا سلمان اذهب إلى فاطمة عليها السلام فقل لها تستحف من تحف الجنة».

قال سلمان: فخرجت إلى فاطمة فقالت :

«جفوتموني بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

ص: 337


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج 2، ص 251

ثم قالت :

«اجلس».

فجلست، فحدثتني أنها كانت جالسة أمس وباب الدار مغلق قالت :

«وأنا أتفكر في انقطاع الوحي عنا وانصراف الملائكة عن منزلنا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ انفتح الباب من غير أن يفتحه منا أحد فدخلت عليّ ثلاث جوار من الحور العين من دار السلام وقلن نحن من الحور العين من دار السلام أرسلنا إليك رب العالمين يا ابنة محمد كنا مشتاقات إليك».

فقلت لواحدة منهن، أظن أنها أكبرهن سناً :

«ما اسمك؟».

قالت : أنا مقدودة خلقت للمقداد بن الأسود، وقلت للثانية :

«ما اسمك؟».

قالت : ذرة خلقت لأبي ذر وقلت للثالثة :

«ما اسمك؟».

قالت : سلمى خلقت لسلمان الفارسي، ثم قالت فاطمة :

«أخرجن لنا طبقا عليه رطب أمثال الخشكنانك الكبار أشد بياضاً من الثلج وأذكى ريحا من المسك الأذفر وقد أحرزت نصيبك لأنك منا أهل البيت فافطر عليه وإذا كان غدا فأتني بنواه».

قال سلمان : فأخذت الرطب فما مررت بجماعة إلا قالوا معك مسك فأفطرت عليه، فلم أجد له نواة فغدوت إليها وقلت : يا ابنة رسول الله لم أجد له عجماً قالت :

ص: 338

«يا سلمان إنما هو نخل غرسه الله لي في دار السلام بكلام علمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

قال لي :

«إن سرك أن لا تمسك الحمى في دار الدنيا فواظبي عليه وقولي: (بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور، الحمد لله الذي أنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، بقدر مقدور، على نبي محبور الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور)».

قال سلمان : فتعلمته وعلمته أكثر من ألف إنسان ممن به الحمى فكلهم برؤوا بإذن الله) (1).

المسألة الثانية: كرامة نزول الخاتم من السماء إليها

إن من الكرامات التي اختصت بها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزول خاتم من السماء إليها، وكانت قد جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسأله خاتما. فقال :

«ألا أعلمك ما هو خير من المخاتم إذا صليت صلاة الليل فاطلبي من الله عزّ وجل خاتما فإنك تنالين حاجتك».

ص: 339


1- اختيار معرفة الرجال للطوسي : ج 1 ، ص 41 ؛ الخرائج والجرائح للراوندي: ج2، ص 533؛ روضة الواعظين للنيسابوري : ص 282 ؛ البحار للمجلسي : ج 22 ، ص 353 ؛ الدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني : ص 217؛ معجم رجال الحديث للسيد الخوئي قدس سره : ج 9، ص197؛ نفس الرحمن للطبرسى : ص 337

قالت :

«فدعت ربها تعالى فإذا بهاتف يهتف يا فاطمة الذي طلبت مني تحت المصلى».

فرفعت المصلى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له فجعلته في إصبعها وفرحت، فلما نامت في ليلتها رأت في منامها كأنها في الجنة فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنة مثلها، قالت :

«لمن هذه القصور؟».

قالوا : لفاطمة بنت محمد قالت :

«فكأنها دخلت قصراً من ذلك».

ودارت فيه فرأت سريراً قد مال على ثلاث قوائم فقالت :

«ما لهذا السرير قد مال على ثلاثة؟».

قالوا : لأن صاحبته طلبت من الله تعالى خاتماً فنزع أحد القوائم وصيغ لها خاتم وبقي السرير على ثلاث قوائم، فلما أصبحت دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقصت القصة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

«معاشر آل عبد المطلب ليس لكم الدنيا، إنما لكم الآخرة وميعادكم الجنة، ما تصنعون بالدنيا فإنها زائلة غرارة.

فأمرها النبي أن ترد الخاتم تحت المصلى فردت ثم نامت على المصلى فرأت في المنام أنها دخلت الجنة فدخلت ذلك القصر ورأت السرير على أربع قوائم فسألت عن حاله فقالوا : ردت الخاتم ورجع السرير إلى هيئته) (1).

ص: 340


1- المناقب لابن شهر آشوب : ج 3، ص 339؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 47؛ مستدرك سفينة البحار : ج 3، ص 20

والمستفاد من الرواية أمور منها :

1 - التجاء فاطمة عليها السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل صغيرة وكبيرة وهذا المنهج يكشف عن الآثار الإيمانية والتربوية التي ينبغي بالمسلم أن يستسن بها وذلك بالرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعترته في كل شاردة وواردة ويسأل الله تعالى بهم أن يرشده لحسن الصواب.

2 - تحقيق ما كانت تتمنى وهذا يكشف عن سرعة الإجابة لها عند الله تعالى.

3 - فضيلة صلاة الليل وإن طلب الحاجة بعد هذه الصلاة يحقق للإنسان سرعة الإجابة.

4 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

«ليس لكم الدنيا».

إنما يراد به أن الله قد شرط على أنبيائه وأوليائه الزهد في الدنيا كما سابقاً، إذ لا يخفى على أهل المعرفة أن أصل الخاتم هو من السماء وليس من حطام هذه الدنيا؛ فصلاً عن أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أرشدها إلى كيفية الحصول على الخاتم ؛ ومن ثم إن هذا النعيم الذي أعده الله تعالى لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم محفوظ لهم في الآخرة ولو شاءوا أن يكون لهم ما كان لسليمان وأعظم من ذلك لأعطاهم الله تعالى؛ لكن الله تعالى اختار لهم الآخرة فسلموا لما أراد الله وأحب لهم. فضلاً عن ذلك :

فقد روى ابن شهر آشوب كرامة أخرى لها غير ما مرّ ذكره في المسألتين

ص: 341

السابقتين، وهي كرامة إسلام مجموعة من اليهود حينما (رهنت عليها السلام كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال : ما هذه الأنوار في دارنا ؟ !

قالت : لكسوة فاطمة فأسلم في الحال وأسلمت إمرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفسا) (1).

المسألة الثالثة معجزة غليان القدر وفورانه وإدخال فاطمة يدها فيه تحركه

المعجزة : (من عجز عن الشيء يعجز عجزاً : إذا ضعف ولم يقدر عليه، وهي أمر خارق للعادة يظهره الله لنبي تأييداً لنبوته، وعرفت بأنها أمر داع إلى الخير والسعادة يظهر بخلاف العادة على يد الذي يدعي النبوة عند تحدي المنكرين على وجه يعجز عن الإتيان بمثله للتحدي والمعارضة) (2).

وهذا اللفظ والتعريف يرشد القارئ إلى معنيين المعنى الأول : إن إتيان كل أمر خارق يعجز عن إتيانه البشر فهو : إعجاز ومعجزة، ولأنها كذلك فهي تحتاج إلى قوة تتحكم بتعطيل هذه الأسباب والسنن الكونية كتعطيل سنة الاحراق من النار كما هو حال نبي الله إبراهيم أو كخروج الناقة من صخرة ملساء وغير ذلك.

ولا شك أن هذه القوى المعطلة لهذه القوانين والسنن الطبيعية هي قدرة الله تعالى فهو سبحانه من خلق هذه الموجودات ووضع فيها سنناً وقوانين وبيده أمرها وإليه ترجع الأمور.

ص: 342


1- المناقب لابن شهر : ج 3، ص 117 ؛ البحار للمجلسي : ج 43 ، ص 47 ؛ جامع أحاديث الشيعة للبروجردي: ج 18، ص 352
2- معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : ج3، ص313

والمعنى الثاني الذي يرشد إليه هذا التعريف : أن المعجزة تترافق مع وجود الأنبياء عليهم السلام للاحتجاج على خصومهم وإظهار الدليل على أنهم مرتبطون بخالق هذه السنن والقوانين ولذا فهم يرجعون إليه في دعواهم.

وحينما يُدرك الإنسان أن هذا الشخص أو ذاك مرتبط بالسماء ومؤيد من الله تعالى وهو خاصته والمختار من خلقه لا شك أنه سيذعن لنداء العقل أما من خالف عقله واتبع هوى نفسه سيكون مصيره العصيان والتردي والهلاك.

وهذه المعجزة التي شاهدتها عائشة حينما دخلت على فاطمة صلوات الله عليها فرأتها تحرك القدر بيدها والقدر تغلي وتفور تظهر أن فاطمة عليها السلام ممن اختارهم الله لشرعه وخصهم بدينه واصطفاهم لذلك من بين خلقه فهم خاصة الله وصناعته لنفسه كما قال سبحانه :

«وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي»(1).

بمعنى:

أراد الله تعالى من عائشة أن تدرك أن فاطمة من أولئك الذين ارتبط وجودهم بالله تعالى ودينه وشرعه ولذا فهم يأتون بما يعجز عنه البشر، أما كيف وقعت معجزة غليان القدر وفاطمة تحركه بيدها فهي كالآتي:

(وعن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس قال: سألني الحجاج ابن يوسف عن حديث عائشة، وحديث القدر التي رأت في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تحركها بيدها ، قلت : نعم أصلح الله الأمير

ص: 343


1- سورة طه ، الآية : 41

دخلت عائشة على فاطمة عليها السلام وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم في قدر والقدر على النار يغلي (وفاطمة صلوات الله عليها) تحرّك ما في القدر بإصبعها، والقدر على النار يبقبق(1).

فخرجت عائشة فزعة مذعورة، حتى دخلت على أبيها، فقالت : يا أبه، إني رأيت من فاطمة الزهراء أمراً عجيباً ( عجبا) ، رأيتها وهي تعمل في القدر، والقدر على النار يغلي وهي تحرّك ما في القدر بيدها ! فقال لها : يا بنية ! اكتمي، فإنّ هذا أمر عظيم.

فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال :

«إنّ الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار والذي بعثني بالرسالة، واصطفاني بالنبوة لقد حرم الله تعالى النار على لحم فاطمة، ودمها، وشعرها، وعصبها، (وعظمها)، وفطم من النار ذريتها وشيعتها، إن من نسل فاطمة من تطيعه النار، والشمس والقمر والنجوم، والجبال، وتضرب الجن بين يديه بالسيفه وتوافي إليه الأنبياء بعهودها، وتسلّم إليه الأرض كنوزها، تنزل عليه من السماء بركات ما فيها الويل لمن شك في فضل فاطمة.

(لعن الله من يبغضها لعن الله من يبغض بعلها، ولم يرض بإمامة ولدها.

إنّ لفاطمة يوم القيامة موقفاً، ولشيعتها موقفاً.

و إنّ فاطمة تدعى فتكسى، وتشفع فتشفّع، على رغم كلّ راغم».

ص: 344


1- البقبقة : حكاية صوت القدر في غليانه؛ تاج العروس : ج 6 ، ص 297

ولقد أجاد فيها الفاضل الشيخ الدمستاني حيث يقول :

أيكبر عن قدر البتولة أنها *** تلامس ما في القدر وهي تفور

أما هي بنت المصطفى طابع الحصى *** بخاتمه والمسلمون حضور

ومن كانت الحور الحسان تزورها *** لهن لديها غبطة وسرور

وفي القدر كفاية في بيان فضلها وشرفها) (1).

وقريب من هذا المعنى روى ابن حمزة الطوسي، (عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وقد دخل إلى بيت فاطمة عليها السلام فوجد قدرا منصوبة بين يديها تغلي بغير نار !

فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بما رأى فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال :

«يا أبا عبد الله، أعجبك ما رأيت من حال ابنتي فاطمة؟».

قلت: نعم، يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

«أتعجب من أمر الله، إن الله تبارك وتعالى علم ضعف فاطمة عليها السلام، فأيدها بمن يعينها على دهرها من كرام ملائكته»)(2).

فضلاً عن ذلك فقد أوردنا في مبحث (رحى فاطمة) بعض الروايات التي تكشف عن منزلتها عند الله تعالى وما آتاها من الكرامة والشأنية فكان من بين تلك المظاهر التي ترشد الناظر والقارئ إلى هذه المنزلة : دوران الرحى لها من غير طاحن يقوم بطحن الشعير.

ص: 345


1- وفاة فاطمة للبلادي البحراني : ص13
2- الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي : ص 201

ص: 346

المحتويات

الفَصلُ الأَوّل

مَنزلتهَا عِند الملائِكَة وَالأنبياءِ وَالكُتُب السَّمَاويَّةِ

المبحث الأول: منزلتها عليها السلام عند الملائكة ... 7

المسألة الأولى: منزلتها عند الملائكة أجمعين قبل خلق آدم عليه السلام ... 9

المسألة الثانية: منزلتها عند جبرائيل عليه السلام ... 10

أولاً : إنها خلقت من عرق جبرائيل وزغبه ... 11

ثانياً: هبوط جبرائيل عليه السلام بصورته العظمى لإيصال نور فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا ... 13

ثالثاً: اختصاص جبرائيل بتزويج فاطمة من علي عليهما السلام ومراحل ظهوره زماناً ومكاناً ... 14

ص: 347

ألف: هبوط جبرائيل عليه السلام بخبر تزويج فاطمة في السماء ليزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض من علي بن أبي طالب عليه السلام ... 15

باء: جبرائيل وميكائيل يجريان عقد نكاح فاطمة من علي في السماء والملائكة هم الشهود ... 16

جيم: جبرائيل عليه السلام يشتري الدرع الحطمية من علي عليه السلام ثم يهديها إليه ليكون مهر فاطمة عليها السلام ... 16

دال: إن عطر فاطمة ليلة زفافها عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل ممزوج بعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 18

هاء: جبرائيل عليه السلام يهبط في سبعين ألف ملك في ليلة زفاف فاطمة عليها السلام ... 19

واو: جبرائيل يتحف فاطمة وعلي عليهما السلام ليلة الزفاف بطعام من الجنة ... 19

ياء: جبرائيل يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة زفاف فاطمة بقتل الإمام الحسين عليه السلام ... 20

المبحث الثاني : منزلة فاطمة عليها السلام عند الأنبياء عليهم السلام ... 22

المسألة الأولى: منزلتها عند آدم عليه السلام ... 22

المسألة الثانية: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله نوح عليه السلام ... 26

المسألة الثالثة: منزلة فاطمة عليها السلام عند إبراهيم عليه السلام ... 27

المسألة الرابعة: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله يعقوب عليه السلام ... 31

المسألة الخامسة: منزلة فاطمة عليها السلام عند نبي الله موسى الكليم عليه السلام ... 32

أولاً : في خروجه لميقات ربه وابتلاء بني إسرائيل بفتنة السامري ... 32

ثانياً: في لقاء موسى الكليم بالخضر عليه السلام وما جرى بينهما من التعريف بمنزلة فاطمة عليها السلام ... 36

ثالثاً: تعريف موسى قومه بمنزلة محمد وعترته صلوات الله عليهم أجمعين في دخولهم باب حطة ... 37

رابعا: توسل صاحب بقرة بني إسرائيل بالنبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم ... 39

خامساً: التعريف بمنزلة فاطمة عليها السلام عند استسقاء موسى عليه السلام

ص: 348

لقومه ... 41

المسألة السادسة: منزلة فاطمة عند نبي الله زكريا عليهما السلام ... 42

المبحث الثالث: منزلتها عليها السلام في التوراة والإنجيل ... 44

المبحث الرابع: منزلة فاطمة عليها السلام في الأمة ... 51

المسألة الأولى: انها سيدة نساء الأمة ... 51

أولاً: أفضلية فاطمة وخديجة على نساء الأمة تثبتها السنة والإجماع وبهما يسقط قول ابن حزم الأندلسي بتفضيل عائشة على سائر الصحابة حتى على أبيها ... 54

ثانيا: مناقشة ابن القيم في أفضلية عائشة على فاطمة عليها السلام وبيان فساد منهجه في التفضيل ... 59

ثالثاً: مناقشة قول ابن تيمية في التفضيل بين خديجة وعائشة وتوقفه في ذلك بأيهما أفضل ... 70

رابعا: مناقشة قول الرافعي في تفضيل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة صلوات الله وسلامه عليها ... 73

المسألة الثانية: إن فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين ... 78

أولاً: اخباره الناس من خلال المسجد النبوي في بيان منزلة فاطمة عليها السلام ... 79

ثانياً: اصطحابه بعض الصحابة لزيارة بيت فاطمة عليها السلام ... 7

ثالثاً: بيانه لمنزلتها في محضر أزواجه وفي اللحظات الأخيرة من حياته ... 81

رابعاً : بيانه إلى إن منزلة السيادة على نساء العالمين محصورة بفاطمة عليها السلام ولا تتجزء على سيدات العوالم الأخرى ... 82

المسألة الثالثة: منزلتها بين أهل الأرض ... 87

ص: 349

الفَضْلُ الثَّاني

مَنزِلتهَا علیهاالسّلام في الآخرةِ

المبحث الأول : منزلتها يوم القيامة ... 91

المسألة الأولى: كيف يكون خروج فاطمة من قبرها إلى ساحة المحشر؟ ... 93

أولاً: الحكمة في خروج فاطمة عليها السلام من قبرها ضمن تشريفات ملكوتية ... 94

ثانيا: إظهار منزلة خديجة في المحشر من خلال استقبالها لفاطمة عليها السلام ... 96

ثالثا: اختصاص خديجة عليها السلام بألوية التكبير في ساحة المحشر كاشف عن شرافة منزلتها ... 99

المسألة الثانية: كيف يكون شأن فاطمة عليها السلام في ساحة المحشر؟ .... 101

أولاً : إنها تقدم إلى ساحة المحشر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 101

ثانياً : إنّ فاطمة عليها السلام تجتاز الخلائق في ساحة المحشر وقد أمروا بغض أبصارهم ... 103

الف: العلة في حشر الخلائق سراعاً إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ......104

باء : إن الخلائق تغض أبصارها لمرور فاطمة غض إجلال وتعظيم وليس غض حرمة في عرصة يوم القيامة ... 107

ثالثاً: إنها عليها السلام تقف يوم القيامة عن يمين العرش بعد أن تنتقل من ساحة المحشر ... 108

المسألة الثالثة: لفاطمة خطبة ومنبر يقام لها في يمين العرش تخطب به الخلائق يوم القيامة تشكوما نزل بولديها الحسن والحسين عليهما السلام ... 110

ص: 350

أولاً: أول من يوضع له المنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى ... 110

ثانياً إن الله تعالى يجعل الكرم يوم القيامة لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ... 111

ثالثاً: منبر فاطمة عليها السلام يوم القيامة من نور له سبع مراق ... 113

المبحث الثاني: منزلة فاطمة عليها السلام على الصراط يوم القيامة ليس كمثلها منزلة ... 117

المسألة الأولى: ما تمتاز به التشريفات القدسية لخروج فاطمة من قبرها إلى المحشر واختلافها عن بقية التشريفات التي لها عند انتقالها من مكان إلى آخر في يوم القيامة ... 118

المسألة الثانية: ما تمتاز به التشريفات الملكوتية لانتقال فاطمة من ساحة المحشر إلى يمين العرش ... 120

المسألة الثالثة: ما تمتاز به التشريفات الخاصة بجواز فاطمة عليها السلام على الصراط عن غيرها من التشريفات يوم القيامة ... 122

المسألة الرابعة: ما تمتاز به التشريفات القدسية الخاصة بانتقال فاطمة عليها السلام من الصراط إلى الجنة وبما تختلف عن بقية التشريفات المرافقة لحركتها في يوم القيامة ... 127

المبحث الثالث: منزلة فاطمة عليها السلام في الجنة ... 133

المسألة الأولى : إظهار شرافة فاطمة ومنزلتها عند باب الجنة ... 134

المسألة الثانية: إن فاطمة سيدة نساء الجنة ... 135

المسألة الثالثة: إنّ فاطمة أول من يدخل الجنة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحكمة في ذلك ... 137

أولاً : خصوصية الأولوية في الدخول إلى الجنة ... 137

ثانيا: ما هي الحكمة في أن تكون فاطمة عليها السلام أول الداخلين على رسول

ص: 351

الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة؟ ... 142

ثالثاً: افتخار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأولوية دخول فاطمة عليه في الجنة ... 150

المسألة الرابعة: إن فاطمة عليها السلام إذا صارت عند باب الجنة تلتفت إلى المحشر ... 155

أولاً: خصوصية كونها بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودلالته العقائدية على المسلم ... 156

ثانياً: احتياج الإنسان إلى لطف الله تعالى وليس إلى استحقاق العمل الصالح ... 158

ثالثاً: لماذا تسأل فاطمة عليها السلام عن قدرها عند باب الجنة دون غيرها من المواطن في يوم القيامة ... 159

رابعاً: قدر فاطمة عليها السلام في يوم القيامة شفاعتها لمحبيها وشيعتها ... 162

المسألة الخامسة : كيفية دخولها إلى جنتها وتعظيم أمرها في الجنان ... 168

أولاً : كيف يكون حالها عند أول دخولها إلى الجنة؟ وما سبب تشفعها لمن أدخل النار وهي في الجنة ... 169

ثانيا: تباشر أهل الجنان بها وجلوسها على كرسي من نور في جنة الفردوس فيجلسون حولها ... 171

ثالثاً: إقامة التعزية على ولدها الحسين في قصرها في جنة الفردوس فتكون بركة التعزية الشفاعة ... 172

الشفاعة الأولى: عند باب الجنة ... 174

الشفاعة الثانية: عند دخولها الجنة ... 174

الشفاعة الثالثة: عند دخولها قصرها وإقامة المأتم على ولدها الحسين ... 175

رابعاً: صفة جنتها التي بناها الله لها ولعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما ... 175

خامساً: إن جبل العقيق الأصفر مطل على دار فاطمة في الجنة ... 176

سادسا : بعض أحوالها في الجنة ... 177

ص: 352

الفَصلُ الثَّالِث

بَعضُ شُؤُونِ فَاطِمَة علیهاالسّلام وَخَواصِهَا

المبحث الأول: أسماؤها ... 181

المسألة الأولى : إنها فاطمة عليها السلام ... 181

الف: إن التسمية بفاطمة ينفي الفقر عن الدار ... 18

باء: التسمية بفاطمة لها حقوق عند أبيها ... 182

المسالة الثانية: إنها الزهراء عليها السلام ... 184

ألف: بنورها زهرت السماوات السبع والأرضون السبع ... 184

باء: إن الله تعالى خلقها من نور عظمته ... 185

جيم: إنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام ... 186

دال: إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء ... 188

هاء: لأنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ... 189

المسألة الثالثة: إنها البتول ... 189

المسألة الرابعة: إنها الحوراء ... 191

المسألة الخامسة: إنها الطاهرة ... 194

المسألة السادسة: إنها المحدثة ... 195

المسالة السابعة: سمّيت في التوراة ب_(هليون) ... 196

المبحث الثاني: كنيتها وألقابها ... 197

المسالة الأولى: كنيتها ... 197

المسالة الثانية: ألقابها عليها السلام ... 206

أولا : ما هو اللقب؟ ... 206

ص: 353

ثانياً: ما ذكره المازندراني من ألقاب فاطمة عليها السلام ... 208

ثالثا: ما ذكره الشيخ محمد باقر الكجوري من ألقاب فاطمة عليها السلام ... 209

المبحث الثالث: بعض خواصها ... 213

المسألة الأولى: حرزها ... 213

1 - حرز النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام خاص لها ... 214

2 - وروى السيد ابن طاووس أن لها هذا الحرز الذي كانت تدعو الله به ... 214

ما علمته لسلمان من الأحراز ... 214

المسألة الثانية: رحى فاطمة عليها السلام ... 215

أولاً : لقد طحنت سيدة نساء العالمين بالرحى حتى يبس جلد يديها ... 216

ثانياً: ما رافق رحى فاطمة من الكرامات التي أظهرها الله لبعض الصحابة ... 218

الف: ما ظهر لميمونة من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام ... 221

باء: ما ظهر السلمان الفارسي من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام ... 222

جيم: ما ظهر لأبي ذر الغفاري من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام ... 225

دال: تكرر ظهور الكرامة لسلمان في بيت فاطمة عليها السلام ...230

هاء: ما ظهر لبلال المؤذن من الكرامة في بيت فاطمة عليها السلام ... 237

واو: ما رواه أبو هريرة من كرامة دوران الرحى لحالها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 238

المسألة الثالثة: مغزل فاطمة صلوات الله عليها ... 244

أولاً: الحث على تعلم المرأة الغزل والحكمة فيه؟ ... 245

ثانيا خصوصية مغزل فاطمة عند أهل البيت عليهم السلام ... 247

ألف: دور مغزل فاطمة عليها السلام في نزول سورة (هل أتى) ... 247

أولاً : طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقدمة على احتياجات النفس والأسرة ... 254

ثانياً : مواساة فاطمة عليها السلام لعلي في احتياجات الأسرة ... 254

باء: كان لعلي عليه السلام قميص من غزل فاطمة عليها السلام يتقي به نفسه في الحروب ... ک255

جيم مغزل فاطمة عليها السلام من مختصات تراث آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ... 256

ص: 354

المسألة الرابعة : بقلة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها وسبب معاداة بني أمية لها ... 259

أولاً : التعريف ببقلة الزهراء عليها السلام) وأسماؤها ... 260

الف: التعريف ببقلة الزهراء عليها السلام وصفة شكلها ... 260

باء: أسماء بقلة الزهراء عليها السلام وانتشارها في العالم ... 260

ثانيا : ما روي في فضل بقلة الزهراء عليها السلام التي سميت (الرجلة ( Pueslane)، أو الفرفخ، أو البربين، أو اللوينة وغيرها من الأسماء ... 262

ثالثا: فوائد بقلة الزهراء عليها السلام الغذائية التي استحقت أن توصف ب_(بقلة البركة) و(سيدة البقل) ... 266

الف: وجود مشتركاتغ بين بقلة الزهراء عليها السلام والأسماك ... 266

باء: الاستخدامات والفوائد العلاجية لبقلة الزهراء عليها السلام (Purslane ) ... 267

جيم: استخداماتها الطبية ... 268

دال: استخداماتها العلاجية في الطب القديم ... 269

هاء: استخدام شعوب العالم لبقلة الزهراء عليها السلام (Purslane) في العلاجات الطبية والروحية ... 271

1 . الرجلة دواء عالمي لكل داء ... 271

2 . الرجلة في الفلكور العالمي ... 273

3 . الرجلة في أفريقيا ... 274

4 . الرجلة في الكونغو ... 274

5 . الرجلة في الغابون ... 274

6 . الرجلة في غانا ... 275

7. الرجلة في ساحل العاج ... 275

8. الرجلة في ملاوي ...

9. الرجلة في شمال أفريقيا ... 276

10 . الرجلة في جنوب أفريقيا ... 276

11 . الرجلة في غرب أفريقيا ... 276

12 . الرجلة عند الهنود الأمريكان ... 277

13 . الرجلة في استراليا ... 277

14 . الرجلة في الصين ... 277

ص: 355

15 . الرجلة في كوشين الصين (لائوس - فيتنام - كمبوديا – تايلند) ... 279

16 . الرجلة في كولومبيا ... 279

17 . الرجلة في مصر ... 279

18 . الرجلة في أوربا ... 279

19 . الرجلة في أمريكا الوسطى ... 280

20 . الرجلة في الهند ... 280

21 . الرجلة في كوريا ... 280

22 . الرجلة في ماليزيا ... 281

23 . الرجلة في أمريكا الشمالية ... 281

24 . الرجلة في سريلانكا ... 281

25 . الرجلة في سيبيريا ... 281

26 . الرجلة في ترينيداد وتوباغو ... 282

رابعاً: العلة في إيراد هذه الدراسة عن بقلة الزهراء عليها السلام المعروفة عالمياً بالرجلة؟ ... 282

المسألة الخامسة : كان يعجبها من الطعام (الخل والزيت) ... 283

أولاً: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الخل والزيت ... 284

ألف: ما ورد من الأحاديث في الخل والزيت ... 284

باء: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الخل ... 287

جيم: ما ورد من الأحاديث الشريفة في فوائد الزيت ... 290

ثانياً: ما ورد في الدراسات والأبحاث المعاصرة من نتائج تظهر فوائد الخل والزيت حينما يمزجان مع بعضهما ... 291

ألف: فوائد الخل وآثاره العلاجية ... 291

باء: فوائد زيت الزيتون وآثاره العلاجية ... 294

المبحث الرابع: زهدها عليها السلام ... 296

المسألة الأولى: تعريف الزهد عند الفقهاء واللغويين ... 297

المسألة الثانية: الزهد في أحاديث العترة النبوية ... 301

المسألة الثالثة حياة فاطمة عليها السلام كلها قائمة على الزهد ... 305

ص: 356

أولاً: زهدها في مكونات البيت وأثاثه عند الزواج ... 305

ثانيا: زهدها عن الخادم وقيامها بعمل دارها بنفسها ... 306

ثالثا: زهدها في الملبس ... 307

رابعا: صبرها على مرارة الحياة وهو جوهر الزهد ... 308

خامساً: زهدها في المأكل مع ولديها وصبرها على الجوع ... 310

حقائق يكشفها الحديث ... 314

المبحث الخامس: معاجزها وكراماتها ... 318

المسالة الأولى : تكرار كرامة نزول الطعام إليها من السماء ... 319

الصورة الأولى لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام ... 322

الصورة الثانية لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام ... 326

الصورة الثالثة لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام ... 327

الصورة الرابعة لنزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام ... 330

الصورة الخامسة لنزول الطعام من السماء لفاطمة صلوات الله عليها ... 330

الصورة السادسة لنزول الطعام من السماء ... 331

الصورة السابعة: ظهور آية تكثير الطعام لأيام ولم ينقص ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 335

الصورة الثامنة: نزول الطعام من السماء لفاطمة عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... 337

المسألة الثانية: كرامة نزول الخاتم من السماء إليها ... 339

المسألة الثالثة: معجزة غليان القدر وفورانه وإدخال فاطمة يدها فيه تحركه ... 342

المحتويات ... 347

ص: 357

المجلد 6

هوية الكتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2012-2804

الرقم الدولي ISBN: 9789933489502

الحسني، نبيل، 1965 - م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها: وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة وتحليل نبيل الحسني. ط 1 - كربلاء: العتب - ة الحسينية المقدس - ة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434 ق. = 2013 م.

8 ج. - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100).

المصادر.

1. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - فضائل. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (س)، 11 ق. 5. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. إيذاء وتعقيب. 6. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله و سلامه عليها و هی قلبي و روحي التي بین جنبي

کاتب:نبیل حسنی

المنتج: العتبة الحسینیة المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة. شعبة الدراسات و البحوث الإسلامیة

عدد المجلدات :8 ج

لسان: العربي

الناشر:العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة - کربلای معلی عراق

سنة النشر: 1434 هجری قمری|2013 میلادی

قانون الكونجرس:/ح5ھ4 27/2 BP

ص: 2

ص: 3

حقوق النشر محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1434 ه - 2013 م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

قسم الشؤون الفكرية والثقافية - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 4

الفصل الاول: عبادتها و صلاتها و تسبيحها

اشارة

ص: 5

ص: 6

توطئة

إن مما يقود العقل إلى حقيقة ارتباط بعض الناس بالله تعالى هو عبادتهم له جل شأنه حتى تكاد تكون هذه الصفة، أي العبادة هي أبرز ملاحم تحديد هوية الإنسان في المجتمع.

ولذا:

نجدها صفة ملازمة للأنبياء والمرسلين عليهم السلام ومن سار على نهجهم؛ حتى أن البعض ممن إلتزم هذا الركب الصالح قد بذل قصارى جهده في العبادة والعمل بكل ما فيه تحقيق لهذه الصفة كالصلاة والصوم والذكر وقراءة القرآن وغيرها من المظاهر التي تقود الناظر إلى الاعتقاد بأن هذا الشخص ممن اختاروا الآخرة على الدنيا وكانوا من أهل الله تعالى.

ولعل الرجوع إلى القرآن الكريم يغني الإنسان عن التتبع للأدلة في إثبات أن هذه المظاهر هي مما يرسم هوية الإنسان في الحياة وأنه مرتبطاً بالسماء وشرائعها، ومن تلك الشواهد:

ص: 7

ألف: تفرغ مريم ابنة عمران للعبادة في بيت المقدس ومخاطبة الملائكة لها:

يٰا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اُسْجُدِي وَ اِرْكَعِي مَعَ اَلرّٰاكِعِينَ (1) .

باء: تهجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليل وطول عبادته وذكره لله، فقال سبحانه:

قُمِ اَللَّيْلَ إِلاّٰ قَلِيلاً(2) .

جيم: في وصفه سبحانه للعباد في الليل فقال عزّ وجل:

كٰانُوا قَلِيلاً مِنَ اَللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (3) .

دال: وفي وصفه سبحانه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن آمن به وتمسك بهديه.

فقال جلّ شأنه:

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ اَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَى اَلْكُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ تَرٰاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اَللّٰهِ وَ رِضْوٰاناً سِيمٰاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ اَلسُّجُودِ ذٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي اَلتَّوْرٰاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي اَلْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوىٰ عَلىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ اَلزُّرّٰاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ اَلْكُفّٰارَ وَعَدَ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً(4) .

ص: 8


1- سورة آل عمران، الآية: 43.
2- سورة المزمل، الآية: 2.
3- سورة الذاريات، الآيتان: 17 و 18.
4- سورة الفتح، الآية: 29.

وعليه:

يتضح أن المظاهر العبادبة هي من السمات التي تتحد بها هوية الإنسان في المجتمع ليكون قبلة يتوجه إليها السالك إلى الصلاح كي يستسن بهذه السنن ويلتزم هذا النهج الذي يقوده إلى الخير والعدل والإحسان.

أي: أن يتصف بصفات أهل طاعة الله سبحانه وهم الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين.

من هنا:

كانت لفاطمة صلوات الله عليها مظاهراً عبادية عديدة ترشد الناظر إلى أنها من أهل الله وطاعته ومن أولئك الذين ارتبط وجودهم الحياتي بالله عزّ وجل.

وهي كالآتي:

ص: 9

المبحث الأول: مستوى عبادتها لله تعالى

عرفت الزهراء عليها السلام بين الناس بالعبادة وكثرة الصلاة حتى قال في هذا التعبد الحسن البصري (ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتى تورمت قدماها)(1).

وهذا المستوى من العبادة لله تعالى هو أحد من الصفات التي ترافق عترة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبها يعرفهم الناس وما ذاك إلا لالتزامهم بنهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولا يخفى على أهل المعرفة أن الله تعالى قد عاتب رسوله المصطفى في محكم كتابه على كثرة عبادته وما كان يصنع بنفسه وهي خاصية لم يختص بها مخلوق قط؛ وذلك أن الغرض من خلق الله للجن وللإنس هو العبادة، لكن أن يعاتب الله أحد خلقه على عبادته فهذا محصور بخير خلقه محمد

ص: 10


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 119؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 76؛ ربيع الأبرار للزمخشري: ج 2، ص 274؛ المستطرف للأبشيهي: ج 1، ص 76؛ الخصائص الفاطمية للكجوري: ج 2، ص 425؛ قادتنا كيف نعرفهم للسيد الميلاني: ج 5، ص 391.

صلى الله عليه وآله وسلم؛ والروايات التي تكشف عن تهجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجتهاده في العبادة لكثيرة، منها:

1. عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال:

(كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عائشة، فقالت: يا رسول الله، لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال: «يا عائشة، ألا أكون عبداً شكورا؟».

وقال عليه السلام:

«كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم على أطراف أصابع رجليه، فأنزل الله سبحانه وتعالى:

طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ (1) )(2).

2 - وعن عائشة: (إن نبي الله صلى الله عليه - وآله - وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، قال:

«أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً»)(3).

3 - قال الإمام الصادق عليه السلام:

«كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي من التطوع مثلي الفريضة»(4).

ص: 11


1- سورة طه، الآيتان: 1 و 2.
2- الكافي للكليني: ج 2، ص 95.
3- صحيح البخاري: ج 4، ص 1830، ح 4557.
4- التهذيب للطوسي: ج 2، ص 4، ح 3.

وهذا الحال في العبادة بشتى صورها من الصلاة وقيام الليل وتلاوة القرآن ومداومة الذكر وفي ذلك كله نراه عند علي أمير المؤمنين وفاطمة والأئمة المعصومين من أبنائهما عليهم أفضل الصلاة والسلام.

ففي عبادة أمير المؤمنين عليه السلام وتهجده يروي لنا الشيخ الصدوق رحمه الله (عن ضرار بن ضمرة النهشلي حينما دخل على معاوية بن أبي سفيان، فقال له معاوية: صف لي علّياً؟

فقال: أو تعفيني ؟

فقال: لا، بل صفه لي.

فقال له ضرار: رحم الله عليّاً، كان والله فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا زرناه، لا يغلق له دوننا باب، ولا يحجبنا عنه حاجب، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا، لا نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.

فقال معاوية: زدني من صفته.

فقال ضرار: رحم الله عليا، كان والله طويل السهاد، قليل الرقاد، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، ويجود لله بمهجته، ويبوء إليه بعبرته، لا تغلق له الستور، ولا يدخر عنا البدور، ولا يستلين الاتكاء، ولا يستخشن الجفاء، ولو رأيته إذ مثل في محرابه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول:

«يا دنيا، إليّ تعرضت، أم إليّ تشوقت، هيهات هيهات لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثا

ص: 12

لا رجعة لي عليك».

ثم يقول:

«واه واه لبعد السفر، وقلة الزاد، وخشونة الطريق»)(1).

إذن: هذه الحالة التعبدية هي من خصوصيات العترة ولم تكن فاطمة عليها السلام بدون هذه المستوى التعبدي الذي كان عليه أبيها وبعلها صلوات الله عليهم أجمعين لاسيما في لزوم المحراب وطول التهجد، وفي ذلك يصف لنا الإمام الحسن عليه السلام حال أمه فاطمة عليها السلام فيقول:

«رأيت أمي فاطمة عليها السلام قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت: يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت: يا بني، الجار ثم الدار»(2).

والحديث يظهر بعض الأمور، منها:

1 - لابد للمؤمن من أن يتخذ في بيته محراباً للصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وغيرها من الأمور العبادية كما كانت تصنع بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ يكشف الحديث عن وجود محراب خاص بها عليها السلام ولذا، قال عليه السلام:

«في محرابها».

ص: 13


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 724.
2- علل الشرايع للصدوق: ج 1، ص 182؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 7، ص 113.

ولم يقل في المحراب كما هو حال مريم حينما كانت في بيت المقدس فقد التجأت إلى محراب بيت المقدس كما هو واضح في قوله تعالى:

كُلَّمٰا دَخَلَ عَلَيْهٰا زَكَرِيَّا اَلْمِحْرٰابَ (1) .

والظاهر من الرواية أن محراب فاطمة غير محراب علي عليه السلام وذلك أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يتخذ من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محلاً للتهجد أما محراب فاطمة فهو في عقر دارها، ولذا فهو خاص بها.

2 - خصوصية ليلة الجمعة في التهجد والدعاء كما تنص الروايات الشريفة في بيان فضل ليلة الجمعة عند الله تعالى وأنها من الليال المخصوصة بالاستجابة؛ ولذا: كانت بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تفعل في ليلة الجمعة.

3 - إنها لم تكن تنام في ليلة الجمع بل تقضي الليلة بالعبادة، لما بعد الليل وطلوع الفجر كما هو واضح في قوله عليه السلام:

«حتى انفجر عمود الصبح».

4 - إن وقت الدعاء في منهج فاطمة صلوات الله عليها يكون بعد طلوع الصبح فتأخذ بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات، أما في الليل فمخصص للصلاة والسجود.

5 - ترشدنا الرواية الشريفة إلى ذكر الأسماء في الدعاء للمؤمنين والمؤمنات،

ص: 14


1- سورة آل عمران، الآية: 37.

إذ لا يكفي الدعاء بصيغة الجمع وإنما أن يخص الداعي بالاسم لمن أراد أن يدعو له من أخوانه المؤمنين والمؤمنات.

6 - كما ترشدنا الرواية إلى الابتداء بالجار والدعاء لهم ثم لأهل الدار من الأبناء والأخوان والأخوات والأرحام.

ص: 15

المبحث الثاني: نوافلها

اشارة

تفيد الروايات الشريفة بأن بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لها بعض النوافل من الصلوات التي كانت تؤديها في أوقات محددة، فمنها ما علمها بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنها ما علمها جبرائيل عليه السلام، وهذه الصلوات تكشف عن مستوى تعبدها لله تعالى والتقرب إليه بأحب الأعمال ألا وهي الصلاة؛ فكانت كالآتي:

المسألة الأولى: نوافلها المخصوصة بالأزمنة
اشارة

لفاطمة صلوات الله عليها بعض الصلوات التي كانت تتنفل بها إلى الله تعالى بحسب الأزمنة خلال الأسبوع، وهي كالآتي:

أولاً: صلواتها في ليلة الأربعاء وما لها من الآثار

روى العلامة المجلسي والمحدث النوري (عن مولاتنا فاطمة البتول صلوات الله عليها، أنها قالت:

«علّمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة ليلة الأربعاء فقال: من صلى ست ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد و:

ص: 16

قُلِ اَللّٰهُمَّ مٰالِكَ اَلْمُلْكِ تُؤْتِي اَلْمُلْكَ مَنْ تَشٰاءُ وَ تَنْزِعُ اَلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشٰاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشٰاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشٰاءُ بِيَدِكَ اَلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اَللَّيْلَ فِي اَلنَّهٰارِ وَ تُولِجُ اَلنَّهٰارَ فِي اَللَّيْلِ وَ تُخْرِجُ اَلْحَيَّ مِنَ اَلْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ اَلْمَيِّتَ مِنَ اَلْحَيِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ (1) .

فإذا فرغ من صلاته قال: جزى الله محمّدا ما هو أهله، غفر الله له كل ذنب إلى سبعين سنة وأعطاه من الثواب ما لا يحصى»)(2).

وترشدنا الرواية إلى أمور، منها:

1 - إن هذه النافلة قد علمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة صلوات الله عليها وحدد لها الوقت الذي تصلي فيه ويستفاد من هذا التحديد لغفران الذنوب أي: ليلة الأربعاء، بعد صلاة العشاء من يوم الثلاثاء.

2 - يستفاد كذلك من تحديد هذا الوقت أن الإنسان يبتدأ بهذه الليلة كي يستقبل ليلة الجمعة وهي اشرف الليالي في الأسبوع بالصلاة والتقرب إلى الله تعالى، لاسيما بما تحمله هذه الصلاة من آثار أخروية ودنيوية.

3 - وردت بعض الروايات الشريفة في تحديد ما نحس من الأوقات وما سعد منها فكان يوم الأربعاء هو من الأيام النحسة خلال الأسبوع والظاهر أن الإنسان يتحرز من آثار يوم الأربعاء من خلال التقرب إلى الله تعالى بهذه الصلاة.

ص: 17


1- سورة آل عمران، الآيتان: 26 و 27.
2- البحار: ج 87، ص 304؛ مستدرك الوسائل: ج 6، ص 371.

ولعل الرجوع إلى حديث أمير المؤمنين علي عليه السلام حينما سأله رجل فقال: (يا أمير المؤمنين أخبرنا عن يوم الأربعاء وتطيرنا منه، وأي أربعاء هو؟ فقال:

«آخر أربعاء في الشهر، وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم الأربعاء ألقي إبراهيم عليه السلام في النار، ويوم الأربعاء أغرق فرعون، ويوم الأربعاء جعل الله قرية لوط عاليها سافلها، ويوم الأربعاء أرسل الريح على قوم عاد، ويوم الأربعاء أصبحت كالصريم، ويوم الأربعاء سلط الله على نمرود البقة، ويوم الأربعاء طلب فرعون موسى ليقتله، ويوم الأربعاء خر عليهم السقف من فوقهم، ويوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان، ويوم الأربعاء خرب بيت المقدس، ويوم الأربعاء أحرق مسجد سليمان بن داود عليه السلام بإصطخر من كورة فارس، ويوم الأربعاء قتل فيه يحيى بن زكريا، ويوم الأربعاء أخذ قوم فرعون أول العذاب، ويوم الأربعاء خسف الله بقارون، ويوم الأربعاء ابتلى الله أيوب بذهاب ماله وولده ويوم الأربعاء دخل يوسف السجن، ويوم الأربعاء قال الله تعالى:

أَنّٰا دَمَّرْنٰاهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (1) .

ويوم الأربعاء أخذتهم الصيحة، ويوم الأربعاء عقروا الناقة، ويوم الأربعاء أمطر عليهم حجارة من سجيل، ويوم الأربعاء شج النبي صلى الله عليه وآله»)(2).

4 - قولها عليها السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء بعد الصلاة:

ص: 18


1- سورة النمل، الآية: 51.
2- جواهر الكلام للشيخ الجواهري: ج 18، ص 151.

«جزى الله محمّداً ما هو أهله».

يرشدنا إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكره تدفع عن الإنسان العذاب لقوله سبحانه:

وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (1) .

فيكون الإنسان من خلال هذه الصلاة قد استحق الأمان من العذاب ببركة الاعتراف بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء له صلى الله عليه وآله وسلم فيغفر الله تعالى لمن صلى هذه الصلاة ذنوب سبعين سنة.

ثانياً: صلاتها في يوم الجمعة وما لها من الآثار وتسمى ب - (صلاة الأوابين)

من النوافل التي كانت تتنفل بها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله تعالى في يوم الجمعة صلاتين، الأولى: وتسمى ب - (صلاة الأوابين) وقد ورد في كيفيتها ما يلي:

روى العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«من صلى أربع ركعات فقرأ في كل ركعة خمسين مرة قل هو الله أحد كانت صلاة فاطمة عليها السلام وهي صلاة الأوابين»(2).

وقد اشتركت هذه الصلاة من حيث الاسم والكيفية بصلاتين آخرتين وهما:

ص: 19


1- سورة الأنفال، الآية: 33.
2- تفسير العياشي: ج 2، ص 286؛ الوسائل للعاملي: ج 8، ص 113؛ مستدرك الوسائل: ج 6، ص 294.

1 - صلاة الأوابين، وقد نسب هذا الاسم إلى صلاة الزوال أيضاً كما تنص على ذلك بعض الروايات الشريفة:

ألف: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«صل صلاة الزوال فإنها صلاة الأوابين، وأكثر من التطوع يحبك الحفظة»(1).

2 - عن عبد الله بن عطا في حديث له مع الإمام الصادق عليه السلام، أن قال عليه السلام:

«يا ابن عطا أتيت العراق فرأيت القوم يصلون بين تلك السواري في مسجد الكوفة ؟».

قال: قلت نعم، فقال:

«أولئك شيعة أبي علي هذه صلاة الأوابين، إن الله تعالى يقول:

فَإِنَّهُ كٰانَ لِلْأَوّٰابِينَ غَفُوراً(2) )(3).

وهذه الصلاة، أي نافلة صلاة الظهر والتي تسمى بصلاة الزوال وصلاة الأوابين هي ثمان ركعات وقد اشتركت من حيث الاسم مع صلاة فاطمة عليها السلام.

أما ما اشتركت به هذه الصلاة من حيث الكيفية فقد نسبت هذه الصلاة كذاك إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهي أربع ركعات بالحمد

ص: 20


1- البحار للمجلسي: ج 84، ص 53.
2- سورة الإسراء، الآية: 25.
3- البحار: ج 84، ص 53.

مرة والتوحيد خمسين مرة.

والمستفاد من هذه الروايات أمور:

1 - إن نسب هذه الصلاة إلى فاطمة أو علي عليهما السلام لا يفيد الاختلاف وإنما يدل على أنهما كانا يصليان بهذه الكيفية فنسبت إلى كليهما صلوات الله عليهما.

2 - إن لها من الفضل ما لصلاة الزوال وذلك لاقترانها من حيث الاسم، أي (الأوابين).

3 - إن لها من المغفرة ما لصلاة الزوال.

أما وقتها فقد ورد في صلاة أمير المؤمنين عليه السلام إن (من صلاها في يوم الجمعة واتبعها المصلي بقوله:

«اللهم صلّ على النبي العربي وآله».

فقد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان كمن ختم القرآن اثنتي عشرة ختمة، ورفع الله عنه عطش يوم القيامة)(1).

الصلاة الثانية المخصوصة في يوم الجمعة.

أما الصلاة الثانية التي كانت تتنفل بها فاطمة عليها السلام إلى الله تعالى فهي كالآتي:

(روى صفوان قال دخل محمد بن علي الحلبي على أبي عبد الله عليه السلام في يوم الجمعة فقال له: تعلمني أفضل ما أصنع في مثل هذا اليوم، فقال:

ص: 21


1- مفاتيح الجنان للمحدث الشيخ عباس القمي: ص 68، ط الأعلمي.

«يا محمد ما أعلم أن أحداً كان أكثر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة عليها السلام ولا أفضل مما علمها أبوها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال:

من أصبح يوم الجمعة فاغتسل وصف قدميه وصلى أربع ركعات مثنى يقرأ في أول ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمسين مرة وفي الثانية فاتحة الكتاب والعاديات خمسين مرة، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وإذا زلزلت خمسين مرة، وفي الرابعة فاتحة الكتاب وإذا جاء نصر الله والفتح خمسين مرة، وهذه سورة النصر وهي آخر سورة نزلت فإذا فرغ منها دعا فقال:

إلهي وسيدي من تهيأ أو تعبأ أو أعد أو استعد لوفادة مخلوق رجاء رفده وفوائده ونائله وفواضله وجوائزه فإليك يا إلهي كانت تهيئتي وتعبئتي يا من لا تخيب عليه مسألة السائل ولا تنقصه عطية نائل فإني لم آتك بعمل صالح قدمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته أتقرب إليك بشفاعته إلا محمداً وأهل بيته صلواتك عليه وعليهم أتيتك أرجو عظيم عفوك الذي عدت به على الخاطئين عند عكوفهم على المحارم فلم يمنعك طول عكوفهم على المحارم أن جدت عليهم بالمغفرة وأنت سيدي العواد بالنعماء وأنا العواد بالخطاء أسألك بحق محمد وآله الطاهرين أن تغفر لي ذنبي العظيم فإنه لا يغفر العظيم إلا العظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم يا عظيم»)(1).

ص: 22


1- مصباح المتهجد: ص 318؛ جمال الأسبوع للسيد ابن طاووس: ص 93؛ وسائل الشيعة: ج 7، ص 371.
المسألة الثانية: نوافلها المخصوصة بالحاجات للدنيا والآخرة
اشارة

لم تقتصر نوافلها العبادية لله تعالى في التقرب إليه في الأوقات المخصوصة بالعبادة كيوم الجمعة وإنما كانت عليها السلام تتقرب إلى الله تعالى بالصلاة فيما يعرض لها من الحاجات للدنيا والآخرة، وهو ما يكشف عن منهج تربوي يرشد المسلم إلى كيفية بنائه لنفسه وقلبه وارتباطه بخالقه سبحانه والالتجاء إليه في كل أموره الحياتية؛ وذلك لما يرسمه القرآن الكريم من طريق للوصول إلى الله تعالى والتقرب إليه في شتى الظروف الحياتية التي يمر بها الإنسان.

كقوله سبحانه وتعالى:

وَ اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ اَلصَّلاٰةِ وَ إِنَّهٰا لَكَبِيرَةٌ إِلاّٰ عَلَى اَلْخٰاشِعِينَ (1) .

وهو ما كانت تعتمده مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها في جميع أمورها الحياتية فكانت نعم الوسيلة التي يتمسك بها المسلم في بنائه الروحي والإيماني؛ فكانت هذه الصلوات كالآتي:

أولاً: صلاتها لطلب الرزق

من الصلوات التي كانت فاطمة عليها السلام تصليها لقضاء الحوائج، صلاة لطلب الرزق، وهي ركعتان قرأت فيها فاطمة عليها السلام بالأولى سورة الحمد والسجدة، وفي الثانية سورة الحمد والأنعام كما تنص الروايات الآتية:

1 - روى المحدث النوري عن الشيخ أبي الفتوح الرازي في تفسيره، في خبر طويل، ذكر فيه جوع فاطمة وأبيها وزوجها وولديها صلوات الله وسلامه عليهم

ص: 23


1- سورة البقرة، الآية: 45.

أجمعين، وأنها دخلت بيتها، وصلت ركعتين قرأت في أولاهما: الفاتحة، وألم السجدة؛ وفي الثانية: الحمد، وسورة الأنعام، فلما سلمت، دعت فأنزل الله تعالى عليها مائدة(1).

2 - روى القاضي النعمان المغربي (المتوفى 363 ه -) في خبر طويل ذكر فيه خروج أمير المؤمنين علي عليه السلام ليجلب طعاماً إلى عياله وقد أضر بهم الجوع منذ ثلاثة أيام فلقي المقداد فأعطاه الدينار بعد أن وجده منذ أربعة أيام بدون طعام ثم عاد إلى المسجد (فصلى فيه الظهر والعصر والمغرب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ذلك اليوم صائماً، فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال:

«يا محمد إفطارك الليلة عند علي وفاطمة عليهما السلام».

فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب أخذ بيد علي ومشى معه إلى منزله ودخلا.

فقالت فاطمة:

«وا سوأتاه من رسول الله أما علم أبو الحسن أنه ليس في منزلنا شيء».

ودخلت إلى البيت فصلت ركعتين، ثم قالت:

«اللهم إنك تعلم أن هذا محمد رسولك، وأن هذا صهره علي وليك وأن هذين الحسن والحسين سبطا نبيك، وأني فاطمة بنت نبيك، وقد نزل بي من الأمر ما أنت أعلم به مني، اللهم فأنزل علينا مائدة من السماء كما أنزلتها على بني إسرائيل، اللهم إن بني إسرائيل كفروا بها وإنا لا نكفر بها».

ص: 24


1- مستدركا لوسائل: ج 6، ص 311.

ثم التفتت، فإذا هي بصحفة مملوءة عراق كثير تفور من غير نار، تفوح منها رائحة المسك فحمدت الله وشكرته واحتملتها، فوضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام؛ ودعت الحسن والحسين عليهما السلام، وجلست معهم.

فجعل علي يأكل وينظر إليها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا أبا الحسن كل ولا تسأل حبيبتي عن شيء، فالحمد لله الذي رأيت في منزلك مثل مريم بنت عمران:

كُلَّمٰا دَخَلَ عَلَيْهٰا زَكَرِيَّا اَلْمِحْرٰابَ وَجَدَ عِنْدَهٰا رِزْقاً قٰالَ يٰا مَرْيَمُ أَنّٰى لَكِ هٰذٰا قٰالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشٰاءُ بِغَيْرِ حِسٰابٍ (1) .

هذا يا أبا الحسن بالدينار الذي أعطيته المقداد، قسمه الله عز وجل على خمسة وعشرين جزء، عجل لك منها جزء في الدنيا وأخر لك أربعة وعشرين منها إلى الآخرة»)(2).

ثانياً: صلاتها لقضاء الحوائج التي علمها جبرائيل عليه السلام

وهذه الصلاة رواها السيد ابن طاووس والمحدث النوري:

(عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«كان لأمي فاطمة صلاة تصليها علمها جبرائيل ركعتان يقرأ في الأولى الحمد

ص: 25


1- سورة آل عمران، الآية: 37.
2- شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج 3، ص 26-27؛ دلائل الإمامة لابن جرير: ص 321.

مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة وفي الثانية الحمد مرة ومائة مرة قل هو الله أحد فإذا سلمت سبحت تسبيح الطاهرة عليها السلام وهو التسبيح الذي تقدم وتكشف عن ركبتيك وذراعيك على المصلى وتدعو بهذا الدعاء وتسأل حاجتك تعطها إن شاء الله تعالى»)(1).

ورواها مع التسبيح والدعاء الشيخ الكفعمي فقال:

(صلاة فاطمة عليها السلام وهي ركعتان في الأولى بعد الحمد القدر مائة مرة، وفي الثانية بعد الحمد التوحيد كذلك فإذا سلمت فسبح تسبيح الزهراء عليها السلام وقل:

سبحان ذي العز الشامخ المنيف، سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي الملك الفاخر القديم، سبحان من لبس البهجة والجمال، سبحان من تردى بالنور والوقار، سبحان من يرى أثر النمل في الصفا، سبحان من يرى وقع الطير في الهواء، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره.

وروي أنه ينبغي لمن صلى هذه الصلاة وفرغ من التسبيح أن يكشف ركبتيه وذراعيه ويباشر بجميع مساجده الأرض بغير حاجز يحجز بينها وبينه ويدعو ويسأل حاجته ويقول وهو ساجد:

يا من ليس غيره رب يدعى، يا من ليس فوقه إله يخشى، يا من ليس دونه ملك يتقى، يا من ليس له وزير يؤتى، يا من ليس له حاجب يرشى، يا من ليس له بواب يغشى، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا، وعلى كثرة

ص: 26


1- جمال الأسبوع: ص 172؛ وسائل الشيعة: ج 8، ص 114؛ المصباح للكفعمي: ص 410؛ المقنعة: ص 168.

الذنوب إلا عفوا وصفحا، صل على محمد وآله وافعل بي كذا وكذا)(1).

ثالثاً: صلاتها لكل أمر مخوف

ومن الصلوات التي كانت تتقرب بها فاطمة عليها السلام إلى الله تعالى وتفزع إليه في الملمات هي صلاة لكل أمر مخوف، وقد رواها الشيخ الكفعمي عن (إبراهيم بن عمر الصنعاني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«للأمر المخوف العظيم تصلي ركعتين وهي التي كانت الزهراء عليها السلام تصليها، تقرأ في الأولى الحمد وقل هو الله أحد خمسين مرة وفي الثانية مثل ذلك فإذا سلمت صليت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ترفع يديك وتقول:

اللهم إني أتوجه بهم إليك وأتوسل إليك بحقهم العظيم، الذي لا يعلم كنهه سواك، وبحق من حقه عندك عظيم، وبأسمائك الحسنى، وكلماتك التامات التي أمرتني أن أدعوك بها، وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت إبراهيم عليه السلام أن يدعو به الطير فأجابته، وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني بردا وسلاما على إبراهيم فكانت، وبأحب أسمائك إليك، وأشرفها عندك، وأعظمها لديك، وأسرعها إجابة، وأنجحها طلبة، وبما أنت أهله، ومستحقه ومستوجبه.

وأتوسل إليك، وأرغب إليك، وأتصدق منك، وأستغفرك، وأستمنحك، وأتضرع إليك، وأخضع بين يديك، وأخشع لك، وأقر لك بسوء صنيعتي، وأتملقك، وألح عليك، وأسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجميع، من التوراة والإنجيل والقرآن العظيم، من أولها إلى آخرها،

ص: 27


1- البلد الأمين للكفعمي: ص 149؛ المصباح للكفعمي: ص 410.

فإن فيها اسمك الأعظم، وبما فيها من أسمائك العظمى، أتقرب إليك.

وأسألك أن تصلي على محمد وآله، وأن تفرج عن محمد وآله، وتجعل فرجي مقرونا بفرجهم، وتبدأ بهم فيه وتفتح أبواب السماء لدعائي في هذا اليوم، وتأذن في هذا اليوم، وهذه الليلة بفرجي وإعطاء سؤلي وأملي في الدنيا والآخرة، فقد مسني الفقر ونالني الضر وسلمتني الخصاصة وألجأتني الحاجة، وتوسمت بالذل، وغلبتني المسكنة، وحقت علي الكلمة، وأحاطت بي الخطيئة، وهذا الوقت الذي وعدت أولياءك فيه الإجابة، فصل على محمد وآله، واسمح ما بي بيمينك الشافية، وأنظر إليّ بعينك الراحمة، وأدخلني في رحمتك الواسعة، وأقبل إليّ بوجهك الذي إذا أقبلت به على أسير فككته، وعلى ضال هديته، وعلى جائز أدنيته، وعلى فقير أغنيته وعلى ضعيف قويته وعلى خائف آمنته ولا تخلني لقا لعدوك وعدوي، يا ذا الجلال والإكرام، يا من لا يعلم كيف هو وحيث هو وقدرته إلا هو، يا من سد الهواء بالسماء وكبس الأرض على الماء، واختار لنفسه أحسن الأسماء، يا من سمى نفسه بالاسم الذي به تقضي حاجة كل طالب يدعوه به.

وأسألك بذلك الاسم فلا شفيع أقوى لي منه وبحق محمد وآل محمد أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تقضي لي حوائجي، وتسمع محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين وعليا ومحمدا وجعفرا وموسى، وعليا ومحمد وعليا والحسن والحجة صلوات الله عليهم وبركاته ورحمته، ليشفعوا لي إليك، وتشفعهم في، ولا تردني خائبا بحق لا إله إلا أنت، وبحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا يا كريم»)(1).

ص: 28


1- مصباح المتهجد: ص 302-304.
رابعاً: صلاتها لقضاء الحوائج وقد علمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تصليها

وهذه الصلاة رواها السيد ابن طاووس (عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه قال لأمير المؤمنين عليه السلام ولابنته فاطمة عليها السلام:

«إنني أريد أن أخصكما بشيء من الخير مما علمني الله عزّ وجل، وأطلعني الله عليه، فاحتفظا به».

فقالا عليهما السلام:

«نعم يا رسول الله فما هو؟».

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«يصلي أحدكما ركعتين يقرأ في كل ركعة (فاتحة الكتاب وآية الكرسي ثلاث مرات، و (قل هو الله أحد) ثلاث مرات، وآخر الحشر ثلاث مرات من قوله:

لَوْ أَنْزَلْنٰا هٰذَا اَلْقُرْآنَ عَلىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خٰاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اَللّٰهِ وَ تِلْكَ اَلْأَمْثٰالُ نَضْرِبُهٰا لِلنّٰاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هُوَ اَللّٰهُ اَلَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ عٰالِمُ اَلْغَيْبِ وَ اَلشَّهٰادَةِ هُوَ اَلرَّحْمٰنُ اَلرَّحِيمُ هُوَ اَللّٰهُ اَلَّذِي لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْمَلِكُ اَلْقُدُّوسُ اَلسَّلاٰمُ اَلْمُؤْمِنُ اَلْمُهَيْمِنُ اَلْعَزِيزُ اَلْجَبّٰارُ اَلْمُتَكَبِّرُ سُبْحٰانَ اَللّٰهِ عَمّٰا يُشْرِكُونَ هُوَ اَللّٰهُ اَلْخٰالِقُ اَلْبٰارِئُ اَلْمُصَوِّرُ لَهُ اَلْأَسْمٰاءُ اَلْحُسْنىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (1) .

فإذا جلس فليتشهد، وليثنِ على الله عزّ وجل، وليصل على النبي صلى الله عليه وآله

ص: 29


1- سورة الحشر، الآيات: 21 و 22 و 23 و 24.

وسلم وليدع للمؤمنين والمؤمنات، ثم يدعو على أثر ذلك، فيقول:

اللهم إني أسألك بحق كل اسم هو لك يحق عليه فيه إجابة الدعاء إذا دعيت به؛ وأسألك بحق كل ذي حق عليك وأسألك بحقك على جميع ما هو دونك أن تفعل بي كذا وكذا»)(1).

المسألة الثالثة: خشوعها في الصلاة وخوفها من الله

إنّ من الصفات التي ترافق حياة الأنبياء فتكون مظهراً من مظاهر الارتباط بالله تعالى هو الخشوع أثناء الصلاة وذلك أن الصلاة هي وسيلة للعروج إلى حضرة القدس والجلالة؛ ومن ثم فإن الخشوع هو دليل ارتباط المصلي بربه وخطور قلبه عند خالقه سبحانه وقد امتدح القرآن الكريم الخشوع وجعله من صفات المؤمنين فقال عزّ وجل:

قَدْ أَفْلَحَ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاٰتِهِمْ خٰاشِعُونَ (2) .

في حين بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته معنى الخشوع في الصلاة وكيفيته فكان منها:

1 - عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في قوله تعالى:

اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاٰتِهِمْ خٰاشِعُونَ .

قال:

ص: 30


1- جمال الأسبوع للسيد ابن طاووس: ص 90؛ البحار: ج 86، ص 365؛ فضائل القرآن للصالحي: ص 138.
2- سورة المؤمنون، الآيتان: 1 و 2.

«الخشوع في القلب وأن تلين كتفك للمسلم، وأن لا تلتفت في صلاتك»(1).

2 - وعنه عليه السلام قال:

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبصر رجلاً يعبث بلحيته في صلاته فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»(2).

3 - وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:

«الخشوع الذي لا يعرف عن يمنيه ولا الذي عن يساره، إنما ينظر إلى موضع سجوده»(3).

4 - وعن الباقر عليه السلام قال:

«أخشع ببصرك ولا ترفعه إلى السماء، وليكن حذاء وجهك في موضع سجودك»(4).

وعليه: فإن هذه الصفة الدالة على ارتباط المصلي بالله تعالى فإنها تتعاظم عند الأنبياء والمرسلين والأولياء وفي ذلك (روى أحمد بن محمد بن فهد في عدة الداعي، روي أن إبراهيم عليه لاسلام كان يسمع تأوهه على حد ميل حتى مدحه الله بقوله:

إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّٰاهٌ مُنِيبٌ (5) .

ص: 31


1- الصلاة في الكتاب والسنة للريشهري: ص 84.
2- مسند زيد بن علي: ص 120.
3- الصلاة في الكتاب والسنة: ص 84.
4- الكافي للكليني: ج 3، ص 301.
5- سورة هود، الآية: 75.

وكان في صلاته يسمع له أزيز كأزيز المرجل وكذلك كان يسمع من صدر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك وكانت فاطمة عليها السلام تنهج(1) في الصلاة من خيفة الله)(2).

بل إننا نجد من خلال النصوص أن لفاطمة صلوات الله عليها حالات من الخوف والخشوع والتضرع إلى الله تعالى ما جعلها تمتاز على غيرها من الأولياء لله تعالى فقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حالة الصلاة لربها فقال:

«وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزّ وجل لملائكته: يا ملائكتي أنظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها(3) من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار»(4).

ص: 32


1- النهج والنهيج: الربو وتواتر النفس من شدة الحركة أو فعل متعب؛ النهاية لابن الأثير: ج 5، ص 134.
2- مستدرك الوسائل: ج 4، ص 100.
3- الفرائص: جمعه فريصة، وهي لحمة بين الكتب والصدر ترتعد عند الفزع.
4- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 176.

المبحث الثالث: تسبيح فاطمة عليها السلام

اشارة

اشتهر تسبيح فاطمة صلوات الله عليها بين المسلمين لاسيما الإمامية بشكل كبير إذ لم يكد يخلو كتاب من كتب الأدعية والأذكار منه فضلاً عن كتب الحديث والسيرة، بل: إن هذا التسبيح انتشر ذكره في كتب الحديث لدى أبناء العامة وهذا يكشف عن أهميته البالغة.

إلاّ أن الفارق بين إيراده في كتب الإمامية وكتب أبناء العامة هو بيان آثاره الدنيوية والأخروية لدى المسبح به.

ولذا: وجدنا - أولاً - بيان كيفية التسبيح وسبب صدوره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلمه لفاطمة عليها السلام، وثانياً: بيان آثاره الدنيوية والأخروية.

ص: 33

المسألة الأولى: سبب صدور التسبيح

ما رواه رئيس المحدثين الشيخ الصدوق رحمه الله في الفقيه (عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل من بني سعد:

«ألا أحدثكم عني وعن فاطمة عليها السلام، إنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد.

فقلت لها لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل.

فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده أحداثاً فاستحيت وانصرفت فعلم عليه السلام أنها جاءت لحاجة فغدا علينا ونحن في لحافنا فقال:

السلام عليكم فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم فسكتنا واستحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف وقد كان يفعل ذلك، يسلم ثلاثا فإن أذن له وإلا انصرف.

فقلت: وعليك السلام يا رسول الله أدخل فدخل وجلس عند رؤوسنا وقال يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد فخشيت إن لم تجبه أن يقوم فأخرجت رأسي وقلت:

والله أنا أخبرك يا رسول الله أنها استقت بالقبة حتى أثر في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل.

ص: 34

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبحا ثلاثا وثلاثين، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها وقالت: رضيت عن الله ورسوله، رضيت عن الله ورسوله»)(1).

ورواه البخاري وغيره مختصراً بهذا اللفظ:

(حدّثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن الحكم سمعت ابن أبي ليلى قال حدثنا علي - عليه السلام:

«إنّ فاطمة - عليها السلام - شكت ما تلقى من أثر الرحى، فأتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سبيٌ ، فانطلقت فلم تجده، فوجدت عائشة، فأخبرتها فلما جاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخبرته عائشة بمجيء فاطمة، فجاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم قال: (علا مكانكما).

فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، وقال: (ألا أعلمكما خيرا مما سألتني إذا أخذتما مضاجعكما تكبّرا أربعا وثلاثين، وتسبحا ثلاثا وثلاثين، وتحمدا ثلاثة وثلاثين، فهو خير كلما من خادم»)(2).

ص: 35


1- مفتاح الفلاح للبهائي: ص 276؛ علل الشرايع: ج 2، ص 366؛ من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 1، ص 321؛ وسائل الشيعة: ج 12، ص 67؛ تفسير الميزان للطباطبائي: ج 6، ص 312.
2- أخرجه البخاري في أكثر من باب، وهي: باب دعاء النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم، وباب مناقب المهاجرين والأنصاري، وباب النفقات، وفي كتاب الدعوات؛ وأخرجه أحمد في المسند: من مسند علي بن أبي طالب عليه السلام: ج 1، ص 96؛ صحيح ابن حبان: ج 12؛ شعب الإيمان للبيهقي: ج 1، ص 426، برقم 608؛ الترغيب والترهيب: برقم 5524 و في ص 339، برقم 5529؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 164، برقم 4724؛ عمل اليوم والليلة للنسائي: ص 473، برقم 814 و 815؛
المسألة الثانية: في كيفية التسبيح

لتسبيح فاطمة صلوات الله عليها كيفيتان؛ الأولى في النهار، والثانية عند الاضطجاع للنوم فأما ما يقرأ في النهار، فقد روي عن أئمة العترة صلوات الله عليهم الكيفية الآتية:

أن يبدأ المسبح بالتكبير (34) ويثني بالتحميد (33) ويتبعها بالتسبيح (33) بمعنى: أن يقول (الله أكبر، 34)، و (الحمد لله، 33)، و (سبحان الله، 33)(1).

أما في الاضطجاع وعند النوم فيكون التكبير 34، ومن ثم التسبيح 33، ومن ثم التحميد 33.

ص: 36


1- المحاسن للبرقي: ج 1، ص 36.
المسألة الثالثة: آثار تسبيح فاطمة عليها السلام الأخروية
اشارة

لتسبيح فاطمة صلوات الله عليها مجموعة من الآثار الدينيوية والأخروية وهو ما دلت عليه الروايات الشريفة عن العترة النبوية وهي كالآتي:

أولاً: إن تسبيح فاطمة أحب إلى الله تعالى من ألف ركعة

وهو ما أخرجه الشيخ الكليني والصدوق والحر العاملي (عن أبي خالد القماط قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول:

«تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلى الله من صلاة ألف ركعة في كل يوم»)(1).

ثانياً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام هو المخصوص بالذكر الكثير الذي نص عليه القرآن

وقد ورد فيه بعض الروايات الشريفة التي أظهرت أن تسبيح فاطمة عليها السلام هو المخصوص بقوله تعالى:

يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا اَللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً(2) .

وذلك لقول الصادقين عليهما السلام، وهي:

1 - عن محمد بن مسلم قال:

سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

ص: 37


1- الكافي للكليني: ج 3، ص 343؛ ثواب الأعمال للصدوق: ص 163؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 6، ص 444.
2- سورة الأحزاب، الآية: 46.

«تسبيح فاطمة عليها السلام من ذكر الله الكثير الذي قال الله عزّ وجل:

اَللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً »(1).

2 - عن إسماعيل بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله - الصادق عليه السلام - قوله عزّ وجل: اَللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً ، ما هو؟

قال:

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم فاطمة عليها السلام أن تكبر أربعا وثلاثين تكبيرة، وتسبّح ثلاثا وثلاثين تسبيحة، وتحمد ثلاثا وثلاثين تحميدة، فإذا فعلت ذلك بالليل مرة وبالنهار مرة فقد ذكرت الله كثيرا»(2).

3 - وعن الصادق عليه السلام قال:

«من بات على تسبيح فاطمة عليها السلام كان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات»(3).

ثالثاً: تسبيح فاطمة بعد الفريضة يوجب غفران الذنوب

ما رواه الحر العاملي عن الصادق عليه السلام أنه قال:

«من سبح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجله من صلاة الفريضة غفر الله له ويبدأ بالتكبير»(4).

ص: 38


1- مستردك الوسائل للنوري: ج 5، ص 36.
2- المصدر السابق.
3- وسائل الشيعة: ج 6، ص 447.
4- الوسائل للحر العاملي: ج 6، ص 442؛ الأمالي للصدوق: ص 643.
رابعاً: تسبيح فاطمة عليها السلام بعد الفريضة يوجب الجنة

من عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

سمعته يقول:

«من سبح تسبيح فاطمة في دبر المكتوبة من قبل أن يبسط رجليه أوجب الله له الجنة»(1).

خامساً: تسبيح فاطمة عليها السلام يطرد الشيطان ويرضي الرحمان

روى الحر العاملي عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (الباقر عليه السلام):

«من سبح تسبيح فاطمة ثم استغفر غفر له وهي مائة باللسان وألف في الميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن»(2).

سادساً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام أفضل التمجيد

روى الشيخ البهائي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:

«ما عبد الله بشيء من التمجيد أفضل من تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام»(3).

ص: 39


1- مستدرك الوسائل: ج 5، ص 34.
2- وسائل الشيعة: ج 6، ص 442.
3- مفتاح الفلاح للشيخ البهائي: ص 65.
المسألة الرابعة: آثار تسبيح فاطمة الدنيوية
اشارة

لتسبيح فاطمة صلوات الله عليها آثار دنيوية تضاف إلى تلك الآثار الأخروية، بمعنى يقرأ هذا التسبيح لغرض الحصول على بعض الآثار الدنيوية التي يحتاج إليها الإنسان، وهي كالآتي:

أولاً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام يحفظ النفس والمتاع في السفر

أخرج البرقي رحمه الله عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«أتى إخوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالا: إنا نريد الشام في تجارة فعلمنا ما نقول ؟

فقال: نعم، إذا أوتيتما إلى المنزل فصليا العشاء الآخرة فإذا وضع أحدكما جنبه على فراشه بعد الصلاة فليسبح بتسبيح فاطمة عليها السلام ثم ليقرأ آية الكرسي فإنه محفوظ من كل شيء حتى يصبح».

وإن لصوصا تبعوهما حتى إذا نزلوا بعثوا غلاما لهم ينظر كيف حالتهما نائمان أم مستيقظان فانتهى الغلام إليهما، وقد وضع أحدهما جنبه على فراشه وقرأ آية الكرسي وسبح تسبيح فاطمة عليها السلام.

قال فإذا عليهما حائطان مبنيان فجاء الغلام فطاف بهما فكلما دار لم ير إلا حائطين مبنيين فرجع إلى أصحابه فقال: لا والله ما رأيت إلا حائطين مبنيين.

فقالوا: له أخزاك الله لقد كذبت بل ضعفت وجبنت فقاموا فنظروا فلم يروا إلا حائطين مبنيين فداروا بالحائطين مبنيين فلم يروا إنساناً فانصرفوا إلى منزلهم.

ص: 40

فلما كان من الغد جاءوا إليهم فقالوا أين كنتم فقالوا: ما كنا إلا هاهنا وما برحنا قالوا: والله لقد جئنا وما رأينا إلا حائطين مبنيين فحدثونا ما قصتكم فقالوا إنا أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسألناه أن يعلمنا فعلمنا آية الكرسي وتسبيح فاطمة عليها السلام فقلنا ذلك قالوا انطلقوا لا والله لا نتبعكم أبداً ولا يقدر عليكم لص بعد هذا الكلام»(1).

ثانياً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام يطرد مردة الشياطين في الليل والنهار

وقد دل عليه الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام الذي رواه السيد ابن طاووس رحمه الله فقال:

«إذا أوى أحدكم إلى فراشه ابتدره ملك كريم وشيطان مريد فيقول له الملك اختم يومك بخير وافتح ليلك بخير، ويقول الشيطان اختم يومك بإثم وافتح ليلك بإثم.

قال فإن أطاع الملك الكريم وختم يومه بذكر الله وفتح ليله بذكر الله إذا أخذ مضجعه وكبر الله أربعا وثلاثين مرة وسبح الله ثلاثا وثلاثين مرة وحمد الله ثلاثا وثلاثين مرة، زجر الشيطان عنه فتنحى وكلأه الملك حتى ينتبه من رقدته، فإذا انتبه ابتدر شيطانه فقال له مثل مقالته قبل أن يرقد ويقول له الملك مثل ما قال له قبل أن يرقد فإن ذكر الله عزّ وجل العبد بمثل ما ذكره أولا طرد الملك شيطانه عنه فتنحى وكتب الله عزّ وجل له بذلك قنوت ليلة»(2).

ص: 41


1- المحاسن للبرقي: ج 2، ص 368؛ مستدرك الوسائل: ج 5، ص 40.
2- فلاح السائل للسيد ابن طاووس: ص 279؛ مستدرك الوسائل: ج 5، ص 40؛ البحار: ج 73، ص 209.
ثالثاً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام ينفع لمن أراد أن يرى ميت له في المنام

ومن الآثار التي أظهرتها الروايات الشريفة عن العترة النبوية صلوات الله عليها أن المؤمن إذا أراد أن يرى حال ميت له من أهله أو خاصة فليعمل بما رواه السيد ابن طاووس بسنده عن بعض الأئمة عليهم السلام أنه قال:

«إذا أردت أن ترى ميتك فبت على طهر واضطجع على يمينك وسبح تسبيح فاطمة عليها السلام ثم قل:

اللهم أنت الحد الذي لا يوصف، والإيمان يعرف منه، منك بدت الأشياء، وإليك تعود، فما أقبل منها كنت ملجأ ومنجاه، وما أدبر منها لم يكن له ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، فأسألك بلا إله إلا أنت، وأسألك بسم الله الرحمن الرحيم بحق محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد النبيين، وبحق علي خير الوصيين، وبحق فاطمة سيدة نساء العالمين، وبحق الحسن والحسين الذي جعلتهما سيدي شباب أهل الجنة عليهم أجمعين السلام أن تصلي على محمد وأهل بيته، وأن تريني ميتي في الحال التي هو فيها فإنك تراه إنشاء الله»(1).

المسألة الخامسة: آثار تسبيح فاطمة عليها السلام العلاجية
اشارة

لم تقتصر آثار تسبيح فاطمة صلوات الله عليها على الآثار الأخروية والدنيوية وإنما له آثاراً علاجية، فقد دلت الروايات الشريفة على فوائد تسبيح فاطمة في العلاج من بعض الأمراض وهو كالآتي:

ص: 42


1- فلاح السائل للسيد ابن طاووس: ص 286؛ البحار: ج 53، ص 329.
أولاً: تسبيح فاطمة ينفع لعلاج ضعف القلب والبدن

روى الحر العاملي مسنداً عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال:

«من أصابه ضعف في قلبه أو بدنه فليأكل لحم الضأن باللبن فإنه يخرج من أوصاله كل داء وغائلة ويقوي جسمه ويشد لثته ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحيي ويميت، ويميت ويحيي وهو حي لا يموت؛ يرددها عشر مرات قبل نومه ويسبح بتسبيح فاطمة عليها السلام ويقرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد»(1).

ثانياً: يستخدم تسبيح فاطمة عليها السلام لعلاج قلة السمع

روى الطبرسي أنه: (دخل رجل على أبي عبد الله عليه السلام وكلمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله وشكا إليه ثقلا في أذنيه فقال - عليه السلام - له:

«ما يمنعك أو أين أنت من تسبيح فاطمة عليها السلام ؟».

فقال له: جعلت فداك وما تسبيح فاطمة ؟

فقال - عليه السلام -:

«تكبر الله أربعاً وثلاثين وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين وتسبح الله ثلاثاً وثلاثين تمام المائة».

قال: فما فعلت ذلك إلا يسيرا حتى ذهب عني ما كنت أجده)(2).

وعليه:

ص: 43


1- الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي: ج 3، ص 168؛ البحار للمجلسي: ج 73، ص 194.
2- مشكاة الأنوار للطبرسي: ص 483؛ الحدائق الناظرة للمحقق البحراني: ج 8، ص 518؛ مصباح الفقيه للهمداني: ج 2، ص 398؛ مستدرك الوسائل للطبرسي: ج 5، ص 37؛ البحار: ج 82، ص 334.

فإن هذه الأحاديث الشريفة التي كشفت عن أهمية هذا التسبيح وحجم آثاره التي تنوعت فكان منها للآخرة ومنها للدنيا، ومنها للعلاج؛ فإن كل هذا وغيره يكشف كذلك عن تمسك الأئمة عليهم السلام بهذا التسبيح وحث شيعتهم عليه والتزامهم به وتعليم صبيانهم وبناتهم عليه إلى المستوى الذي يظهر فيه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حجم هذا التمسك بتسبيح فاطمة عليها السلام فلم يدعه حتى في ليلة صفين.

فقال عليه السلام:

«فو الله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم».

فقال له ابن الكواء الناصبي ولا ليلة صفين ؟ فقال عليه السلام:

«قاتلكم الله يا أهل العراق، ولا ليلة صفين»(1).

وحديثه عليه السلام كان في بيان سبب صدور تسبيح فاطمة عليها السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن هذه الكلمات قد علمها جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وفاطمة صلوات الله عليهما ولعلم الإمام علي عليه السلام بفضل هذه الكلمات وآثارها الدنيوية والأخروية لم يدعها منذ أن علمها له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى في أشد الأوقات انشغالاً كليلة صفين التي كان يقاتل فيها عليه السلام جيش الشام وقد اشتدت ضراوة القتال(2).

ص: 44


1- الغارات للثقفي: ج 2، ص 739؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 107؛ صحيح البخاري، كتاب النفقات: ج 6، ص 193.
2- أما قوله لابن الكواء الناصبي الذي أنكر عليه قوله فقال عليه السلام: «قاتلكم الله يا أهل العراق»،

فضلاً عن ذلك:

فقد دخل أبو هارون المكفوف على الإمام الصادق عليه السلام فقال له:

«إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة، فألزمه، فإنه لم يلزمه عبد فشقي»(1).

وكي يكتمل الأجر والثواب ويزداد المؤمن نفعاً في الدنيا والآخرة، فقد أرشد أئمة الهدى المؤمنين إلى اتخاذ سبحة من طين قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام بعدد هذه التسبيحات كما فعلت فاطمة صلوات الله عليها حينما علمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا التسبيح.

فعن الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«من سبّح بسبحة من طين قبر الحسين عليه السلام تسبيحة كتب الله له أربعمائة حسنة ومحا عنه أربعمائة سيئة وقضيت له أربعمائة حاجة، ورفع له أربعمائة درجة».

ثم قال:

«وتكون السبحة بخيوط زرق أربعاً وثلاثين خرزة وهي سبحة مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام لما قتل حمزة عملت من طين قبره سبحة تسبح بها بعد كل صلاة»(2).

ص: 45


1- الأمالي للصدوق: ص 579.
2- جواهر الكلام للعلامة الجواهري: ج 10، ص 406؛ مستدرك الوسائل: ج 5، ص 56.
ثالثاً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء في الأمر العظيم الفادح وكشف الهم والغم وغيرها

ورد في نفس المهموم عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال:

«ضمني والدي عليه السلام إلى صدره - يوم قتل، والدماء تغلي - وهو يقول: يا بنيَّ ! احفظ عنّي دعاءً علّمتنيه فاطمة عليها السلام، وعلّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلمّه جبرئيل عليه السلام في الحاجة والهم والغم والنازلة إذا نزلت، والأمر العظيم الفادح.

قال عليه السلام: أدع بحقّ يس والقرآن الكريم (الحكيم)، وبحق طه والقرآن العظيم، يا من يقدر على حوائج السائلين، يا من يعلم ما في الضمير، يا منفّس عن المكروبين، يا مفرّج عن المغمومين، يا راحم الشيخ الكبير، يا رازق الطفل الصغير، يا من لا يحتاج إلى التفسير، صلّ على محمد وآل محمد وافعل بي....»(1).

رابعاً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء عند النوم

روى ابن السنّي في كتاب (عمل اليوم والليلة) بإسناده عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت:

«علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلمات، وقال: إذا أخذت مضجعك، فقولي: الحمد لله الكافي، سبحان الله الأعلى، حسبي الله وكفى، ما شاء الله قضى، سمع الله لمن دعا، ليس من الله ملجأ، ولا وراء الله ملتجأ، توكلت على الله

ص: 46


1- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 217، باب دعواتها، برقم 157 (4).

ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا»(1).

خامساً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء لقضاء الدين، والغنى من الفقر

جاء في بحار الأنوار عن أبي المفضل محمد بن عبد الله رحمه الله، قال: كتب إليّ محمد بن الأشعث الكوفي - من مصر - عن موسى بن عمران بن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال:

«إنّ فاطمة عليها السلام شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأرق، فقال لها: قولي يا بنية: يا مشبع البطون الجائعة، ويا كاسي الجسوم العارية، ويا ساكن العروق الضاربة، ويا منوم العيون الساهرة، سكن عروقي الضاربة وأذن لعيني نوماً عاجلاً.

قال عليه السلام: فقالته، فذهب عنها، ما كان تجده»(2).

سادساً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء عند نزول المصيبة، والخوف من السلطان

ورد في كتاب مكارم الأخلاق، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلّم عليا وفاطمة عليهما السلام، هذا الدّعاء فقال لهما:

ص: 47


1- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 217، باب دعواتها، برقم 158 (5).
2- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 218، باب دعواتها، برقم 160 (7).

«إن نزلت بكما مصيبة، أو خفتما جور السلطان، أو ضلّت لكما ضالة، فأحسنا الوضوء، وصلّيا ركعتين، ورافعا أيديكما إلى السماء، وقولا: (يا عالم الغيب والسرائر، يا مطاع، يا عليم، يا الله يا الله يا الله، يا هازم الأحزاب لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، يا كائد فرعون لموسى، يا منجي عيسى من أيدي الظلمة، يا مخلّص قوم نوح مِنَ الغرق، يا راحمَ عبده يعقوب، يا كاشفَ ضرّ أيّوب، يا منجي ذي النون من الظلمات، يا فاعل كل خير، يا هادياً إلى كل خير، يا دالاً على كلّ خير، يا آمراً بكل خير، يا خالق الخير، ويا أهل الخيرات، أنت الله رغبت إليك فيما قد علمت، وأنت علام الغيوب، أسألك إن تصلي على محمد وآل محمد)، ثم اسألا الحاجة تجاب إن شاء الله تعالى»(1).

سابعاً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء لدفع الحمى والنجاة منها، وهو المعروف بدعاء النور

في مهج الدعوات: عن الشيخ علي بن محمد بن علي بن عبد الصمد، عن جدّه، عن الفقيه أبي الحسن، عن أبي البركات علي بن الحسين الجوزي، عن الصدوق، عن الحسن بن محمد بن سعيد، عن فرات بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد بن بشرويه، عن محمد بن إدريس بن سعيد الأنصاري، عن داود بن رشيد، والوليد بن شجاع بن مروان، عن عاصم، عن عبد الله بن سلمان الفارسي، عن أبيه، قال:

(خرجت من منزلي يوما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 48


1- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 222، باب دعواتها، برقم 166 (13).

بعشرة أيّام، فلقيني علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عمّ الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي:

«يا سلمان! جفوتنا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

فقلت: حبيبي أبا الحسن! مثلكم لا يجفى، غير أن حزني على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طال فهو الذي منعني من زيارتكم، فقال عليه السلام لي:

«يا سلمان! ائتِ منزل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّها إليك مشتاقة، (و) تريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنة».

قلت لعلي عليه السلام: قد أتحفت فاطمة عليها السلام بشيء من الجنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟، قال (عليه السلام):

«نعم، بالأمس».

قال سلمان الفارسي: فهرولت إلى منزل فاطمة عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.... إلى أن قالت:

«ألا أعلمك بكلام علمينه أبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كنت أقوله غدوة وعشيّة ؟».

قال سلمان: قلت: علميني الكلام يا سيدتي! فقالت:

«إن سرّك أن لا يمسك أذى الحمى ما عشت في دارا لدنيا، فواظب عليه».

ثم قال سلمان: علمتني هذا الحرز فقالت:

«بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور،

ص: 49

بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين».

قال سلمان: فتعلمتهن، فو الله لقد علمتهن أكثر من ألف نفس من أهل - المدينة ومكة - ممن بهم الحمى، فكل بريء من مرضه بإذن الله تعالى)(1).

ص: 50


1- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 222-223، باب دعواتها، برقم 167 (14).

المبحث الرابع: أدعيتها المخصوصة بأيام الأسبوع، ولبعض الحوائج

اشارة

لفاطمة صلوات الله عليها مجموعة من الأدعية كانت تخص بها كل يوم من أيام الأسبوع، فضلاً عن بعض الأدعية التي كانت تدعو بها، وأخرى علمتها بعض المؤمنين من خلال الرؤيا، وهي كالآتي:

المسألة الأولى: أدعيتها المخصوصة لأيام الأسبوع
أولاً: دعاء يوم السبت

«اللهمَ افتح لنا خزائن رحمتك، وهب لنا اللهم رحمة لا تعذبنا بعدها في الدنيا والآخرة، وارزقنا من فضلك الواسع رزقاً حلالاً طيباً، ولا تحوجنا ولا تفقرنا إلى أحد سواك، وزدنا لك شكراً، وإليك فقرا وفاقة، وبك عمن سواك غنى وتعففا.

اللهم وسع علينا في الدنيا، اللهم إنا نعوذ بك أن تزوي وجهك عنا في حال،

ص: 51

ونحن نرغب إليك فيه، اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعطنا ما تحب، واجعله لنا قوّة فيما تحبّ يا أرحم الراحمين»(1).

ثانياً: دعاء يوم الأحد

«اللهم اجعل أول يومي هذا فلاحاً، وآخره نجاحا، وأوسطه صلاحاً، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا ممن أناب إليك فقبلته، وتوكّل عليك فكفيته، وتضرّع إليك فرحمته»(2).

ثالثاً: دعاء يوم الاثنين

«اللهم إنّي أسألك قوة في عبادتك، وتبصراً في كتابك، وفهما في حكمك، اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعل القرآن بنا ماحلاً، والصراط زائلاً، ومحمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) عنا مولّيا»(3).

رابعاً: دعاء يوم الثلاثاء

«اللهم اجعل غفلة الناس لنا ذكراً، واجعل ذكرهم لنا شكراً، واجعل صالح ما نقول بألسنتنا نية في قلوبنا، اللهم إن مغفرتك أوسع من ذنوبنا، ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، اللهم صل على محمد وآل محمد ووفقنا لصالح الأعمال، والصواب من الفعال»(4).

ص: 52


1- مسند فاطمة: ص 225، باب دعواتها، برقم 171 (18).
2- مسند فاطمة: ص 226، باب دعواتها، برقم 172 (19).
3- مسند فاطمة: ص 226، باب دعواتها، برقم 173 (20).
4- مسند فاطمة: ص 226، باب دعواتها، برقم 174 (21).
خامساً: دعاء يوم الأربعاء

«اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، وركنك الذي لا يرام، وبأسمائك العظام، وصل على محمد وآله، واحفظ علينا ما لز حفظه غيرك ضاع، واستر علينا ما لو ستره غيرك شاع، واجعل كل ذلك لنا مطواعا، إنك سميع الدعاء قريب مجيب»(1).

سادساً: دعاء يوم الخميس

«اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى والعمل بما تحب وترضى، اللهم إني أسألك من قوّتك لضعفنا، ومن غناك لفقرنا وفاقتنا، ومن حلمك وعلمك لجهلنا، اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعنا على شكرك وذكرك وطاعتك وعبادتك برحمتك يا أرحم الراحمين»(2).

سابعاً: دعاء يوم الجمعة

«اللهم اجعلنا من اقرب من تقرب إليك، وأوجه من توجه إليك، وانجح من سألك وتضرع إليك، اللهم اجعلنا ممن كأنه يراك إلى يوم القيامة الذي فيه يلقاك، ولا تمتنا إلاّ على رضاك، اللهم واجعلنا ممن اخلص لك بعمله، وأحبك في جميع خلقك، اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا مغفرة جزما حتما لا نقترف بعدها ذنبا، ولا نكتسب خطيئة ولا إثما، اللهم صل على محمد وآل محمد صلاة نامية دائمة زاكية متتابعة متواصلة مترادفة برحمتك يا أرحم الراحمين»(3).

ص: 53


1- مسند فاطمة: ص 226، باب دعواتها، برقم 175 (22).
2- مسند فاطمة: ص 228، باب دعواتها، برقم 176 (23).
3- مسند فاطمة: ص 228، باب دعواتها، برقم 177 (24).
المسألة الثانية: أدعيتها لبعض الحوائج
أولاً: دعائها لخير الدنيا والآخرة

في البحار: عن اختيار بن الباقي: دعاء عن سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام:

«اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، اللهم إني أسألك كلمة الإخلاص، وخشيتك في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بالقضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مظلمة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهديين، يا رب العالمين»(1).

ثانياً: دعائها لوالديها والتوفيق للعمل الصالح وتيسير الأمور

وفي مهج الدعوات: دعاء آخر، عن مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام:

«اللهم قنّعني بما رزقتني، واسترني، وعافني أبداً ما أبقيتني، واغفر لي وارحمني إذا توفّيتني، اللهم لا تعيني في طلب ما لم تقدر لي، وما قدرته عليّ ، فاجعله ميسّرا سهلاً.

اللهم كاف عني والديّ ، وكل من له نعمة علي خير مكافاة.

اللهم فرّغني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكلفت لي به، ولا تعذبيني وأنا أستغفرك، ولا تحرمني وأنا أسألك.

اللهم ذلل نفسي، وعظم شأنك في نفسي، وألهمني طاعتك، والعمل بما يرضيك، والتجنب لما يسخطك يا أرحم الراحمين»(2).

ص: 54


1- مسند فاطمة: ص 224، باب دعواتها، برقم 169 (16).
2- مسند فاطمة: ص 225، باب دعواتها، برقم 170 (17).
المسألة الثالثة: ما علمته لبعض المؤمنين من الأدعية
أولاً: دعاء علمته لرجل كان محبوساً في الشام

روي أنّ رجلا كان محبوساً بالشام مدة طويلة مضيقا عليه، فرأى في منامه كأن الزهراء عليها السلام أتته، فقالت له:

«أدع بهذا الدعاء».

فتعلمه ودعا به، فتخلص ورجع إلى منزله وهو:

«اللهم بحق العرش ومن علاه، وبحق الوحي ومن أوحاه وبحق النبي ومن نبأه، وبحق البيت ومن بناه، يا سامع كل صوت، يا جامع كل فوت، يا باري النفوس بعد الموت، صل على محمد وأهل بيته، وآتنا وجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها فرجاً من عندك عاجلاً، بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبدك ورسولك صلى الله عليه وآله وسلم على ذريته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما»(1).

ثانياً: الدعاء الجامع الذي علمته لرجل من ذريتها

ورد في كتاب دار السلام: الشيخ الطبرسي في كتاب (كنوز النجاح) عن ابي أحمد بن عبد السلام بن الحسين التجري الكاتب، والمعروف - بقطان المقري - قال: (رأيت أحمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن طاهر العلوي الحسيني - الوالي على المدينة - يتضرّع ويدعو كثيراً، ثم ذهبت إلى سفر، فلم أره مدة مديدة، فلما رجعت منه رأيته قد نقص تضرعه ودعاءه فسألته عن سبب تنقيصه ؟ فقال: كنت

ص: 55


1- مسند فاطمة: ص 219، باب دعواتها، برقم 161 (8).

ليلة في حرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الروضة - وهي ما بين القبر والمنبر - فصليت نافلة الصبح، فغلني النوم قبل أداء فريضة الصبح، وكان من عادتي التضرع والدعاء في هذا الوقت، فرأيت فاطمة الزهراء عليها السلام في النوم وهي تقول لي:

«يا ولدي، يا بن عبد الرحمن! كثرة تضرعك ودعائك قد أقرح قلبي».

فقلت: إنكم قد أمرتمونا بالتضرع والإنابة.

قالت (عليها السلام):

«صدقت، ولكن أين أنت من الدعاء الجامع ولم لا تدعوه ؟».

فقلت: وما الدعاء الجامع ؟

فقالت:

«قل: اللهم قنعني بما رزقتني، واسترني، وعافني أبدا ما أبقتني، واغفر لي، وارحمني إذا توفيتني.

اللهم لا تتعبني في طلب ما لم تقدّره لي، وما قدرت لي فاجعله سهلا يسيراً.

اللهم كاف عني والدي وكل ذي نعمة علي.

اللهم فرغني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكلفت لي به، ولا تعذبني وأنا أستغفرك ولا تحمرني وأنا أسألك.

اللهم ذلل نفسي لي في نفسي، وعظم شأنك في قلبي، وألهمني طاعتك، والعمل بما يرضيك، والتجنب لما يسقطك يا أرحم الراحمين»(1).

ص: 56


1- مسند فاطمة: ص 220، باب دعواتها، برقم 162 (9).
ثالثاً: روايتها لدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند دخوله المسجد

الأمالي: عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة، عن جدّته عليها السلام، قالت:

«كأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل المسجد صلّى على النبي، وقال:

«اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك.

وإذا خرج صلى على النبي، وقال: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك»(1).

ص: 57


1- مسند فاطمة: ص 225، باب دعواتها، برقم 194 (41)؛ وروى الترمذي كذلك؛ وقال علي بن حجر عن عبد الله بن الحسن قال: كان إذا دخل رسول الله المسجد قال: «رب افتح لي أبواب رحمتك»، وإذا خرج قال: «رب افتح لي أبواب فضلك»؛ وروى عبد الرزاق عن فاطمة بنت الحسن، عن فاطمة الكبرى قالت: «كان رسول الله إذا دخل المسجد قال: اللهم صل على محمد، اللهم! اغفر لي ذنوبي، وافتح ابواب رحمتك»، وإذا خرج قال: مثلها، إلا أنه يقول: «أبواب فضلك»؛ وروى السيوطي في مسند فاطمة أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل المسجد يقول: بسم الله، والسلام على رسول الله اللهم! اغفر لي ذنوبي، وافتح لي ابواب رحمتك وإذا خرج قال: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم! اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك»؛ وروى الدولابي عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام عن فاطمة عليها السلام، أنها قالت: «كان النبي إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: الهم! اغفر لي ذنوبي، وافتح لي ابواب رحمتك، واذا خرج صلى على محمد وقال: اللهم! اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك».

المبحث الخامس: ما تدعو به من الأدعية بعد الصلوات اليومية

اشارة

إن لفاطمة صلوات الله عليها أدعية خاصة للفرائض اليومية كانت تعقب بها هذه الصلوات الخمس وهي كالآتي:

المسألة الأولى: دعاؤها عقيب صلاة الصبح، المسمى ب - (دعاء الحريق)

ومما روي عنها عليها السلام - في تعقيب صلاة الفجر - وهو الدعاء المعروف ب - (دعاء الحريق)، روي عن الصادق عليه السلام أنه قال:

«سمعت ابي محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول: كنت مع أبي علي بن الحسين عليهما السلام ب - (قبا) (وهو) يعود شيخاً من الأنصار، إذ أتى أبي عليه السلام آت، وقال له: ألحق دارك، فقد احترقت.

فقال (عليه السلام): لم تحترق، فذهب، ثم عاد وقال: قد احترقت، فقال أبي (عليه السلام): والله ما احترقت فذهب، ثم عاد ومعه جماعة من أهلنا وموالينا، وهم يبكون ويقولون لأبي: قد احترقت دارك.

ص: 58

فقال (عليه السلام): كلا، والله، ما احترقت، إني بربي أوثق منكم، ثم انكشف الأمر عن احتراق جميع ما حول الدار إلا هي.

فقال أبي الباقر لأبيه زين العابدين عليه السلام ما هذا؟

فقال عليه السلام يا بني! شيء نتوارثه من علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أحب إليّ من الدنيا وما فيها من المال والجواهر والأملاك، وأعد من الرجال والسلاح، وهو سرّ أتى به جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعلمه عليا وابنته فاطمة عليهما السلام وتوارثناه نحن، وهو الدعاء الكامل الذي من قدمه أمامه كل يوم، وكل الله تعالى به ألف ملك يحفظونه في نفسه وأهله وولده وحشمه وماله وأهل عنايته من الحرق والغرق والشرق والهدم والردم والخسف والقذف، وآمنه الله تعالى من شر الشيطان والسلطان، ومن شر كل ذي شر، وكان في أمان الله وضمانه، وأعطاه الله تعالى على قراءته - إن كان مخلصاً موقنا - ثواب مائة صديق، وإن مات في يومه دخل الجنة، فاحفظ يا بني! ولا تعلمه إلا بمن تثق به، فإنه لا يسأل محق به شيئا إلا أعطاه الله تعالى».

كما ورد في (مصباح) الشيخ، و (كتاب) الكفعمي، وغيرهما (في باب التعقيب المختص لصلاة الفجر): ثمّ تدعو بدعاء، وإليك نص الدعاء الكامل المعروف.

«بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إني أصبحت أشهدك وكفى بك شهيدا، وأشهد ملائكتك، وحملة عرشك، وسكان سبع سماواتك، أرضيك وأنبيائك ورسلك، وورثة أنبيائك ورسلك، والصالحين من عبادك، وجميع خلقك، فاشهد لي، وكفى بك شهيداً.

ص: 59

إلهي إنّي أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت المعبود، وحدك لا شريك لك، وأنّ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عدبك ورسولك، وأن كل معبود مما دون عرشك على قرار أرضك السابعة السفلى، باطل مضمحل ماخلا وجهك الكريم، فإنه أعز وأكرم، وأجل وأعظم، من أن يصف الواصفون كنه جلاله، أو تهتدي القلوب إلى كنه عظمته، يا من فاق مدح المادحين مفاخر مدحه، وعلا وصف الواصفين مآثر حمده، وجل عن مقالة الناطقين تعظيم شأنه، صل على محمد وآله، وافعل بنا ما أنت أهله، يا أهل التقوى، وأهل المغفرة».

يقرأ ذلك ثلاثا، ثم يقول: إحدى عشرة مرة:

«لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، ما شاء الله ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، ويميت ويحيى، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير».

ويقول: إحدى عشرة مرة - أيضاً -:

«سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أستغفر الله وأتوب إليه، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، الحليم الكريم، العلي العظيم، الرحمن الرحيم، الملك القدوس، الحق المبين، عدد خلقه، وزنة عرشه، وملء سماواته وأرضه، وعدد ما جرى به قلمه، وأحصاه كتابه، ومداد كلماته، ورضا نفسه».

ثم يقول:

«اللهم صل على محمد وأهل بيت محمد المباركين، وصل على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وحملة عرشك أجمعين، والملائكة المقربين، اللهم صل عليهم جميعا

ص: 60

حتى تبلغهم الرضا، وتزيدهم بعد الرضا مما أنت أهله، يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وصل على ملك الموت وأعوانه، وصل على رضوان وخزنة الجنان، وصل على ما لك وخزنة النيران، اللهم صل عليهم جميعا حتى تبلغهم الرضا وتزيدهم بعد الرضا مما أنت أهله، يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على الكرام الكاتبين، والسفرة الكرام البررة، والحفظة لبني آدم، وصل على ملائكة الهواء، والسماوات العلى، وملائكة الأرضين السفلى، وملائكة الليل والنهار، والأرض والأقطار، والبحار والأنهار، والبراري والفلوات، والقفار والأشجار، وصل على ملائكتك الذين أغنيتهم عن الطعام والشراب بتسبيحك وتقديسك وعبادتك.

اللهم صل عليهم، حتى تبلغهم الرضا، وتزيدهم بعد الرضا مما أنت أهله، يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وصل على أبينا آدم وأمنا حواء، وما ولدا من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين.

واللهم صل عليهم حتى تبلغهم الرضا، وتزيدهم بعد الرضا مما أنت أهله يا أرحم الرحمين.

اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين، وعلى أصحابه المنتجبين، وعلى أزواجه المطهرات، وعلى ذرية محمد، وعلى كل نبي بشر بمحمد، وعلى كل نبي ولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى كل امرأة صالحة كفلت محمدا، وعلى كل ملك هبط إلى محمد، وعلى كل من في صلواتك عليه رضى لك ورضى نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 61

اللهم صل عليهم حتى تبلغهم الرضا، وتزيدهم بعد الرضا مما أنت أهله، يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

اللهم أعط محمدا الوسيلة، والفضل، والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وأعطه حتى يرضى، وزده بعد الرضا مما أنت أهله، يا أرحم الراحمين.

الله! صل على محمد وآل محمد، كما أمرتنا أن نصلّي عليه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، كما ينبغي لنا أن نصلي عليه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، بعدد كل حرف في صلاة صليت عليه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، بعدد من صلى عليه، ومن لم يصل عليه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، بعدد كل شعرة ولفظة ولحظة، ونفس وصفة، وسكون وحركة، ممن صلى عليه، وممن لم يصل عليه، وبعدد ساعاتهم، ودقائقهم، وسكونهم، وحركاتهم، وحقائقهم، وميقاتهم، وصفاتهم، وأيّامهم، وشهورهم، وسنّيهم، وأشعارهم، وأبشارهم، وبعدد زنة ذرّ ما عملوا أو يعملون، أو بلغهم أو رأوا أو ظنّوا أو فطنوا أو كان منهم أو يكون إلى يوم القيامة، وكأضعاف ذلك أضعافاً مضاعفة، إلى يوم القيامة، يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد، بعدد ما خلقت، وما أنت خالقه إلى يوم القيامة، صلاة ترضيه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، بعدد ما ذرأت وما برأت.

ص: 62

اللهم لك الحمد، والثناء والشكر، والمن، والفضل، والطول، والخير، والحسنى، والنعمة، والعظمة، والجبروت، والملك، والملكوت، والقهر، والسلطان، والفخر، والسؤدد، والامتنان، والكرم، والجلال، والإكرام، والجمال، والكمال، والخير، والتوحيد، والتمجيد، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والتقديس، والرحمة، والمغفرة والكبرياء، والعظمة، ولك ما زكى وطاب، وطهر من الثناء الطيب، والمديح الفاخر، والقول الحسن الجميل، الذي ترضى به عن قائله، وترضي به قائله، وهو رضى لك، حتى يتصل حمدي بحمد أول الحامدين، وثنائي بثناء أول المثنين على رب العالمين، متصلا ذلك بذلك، وتهليلي بتهليل أول المهللين، وتكبيري بتكبير أول المكبرين، وقولي الحسن الجميل بقول أول القائلين، المجملين المثنين على رب العالمين، متصلا ذلك بذلك، من أول الدهر إلى آخره، وبعدد ذر السماوات والأرضين، والرمال، والتلال والجبال، وعدد الثرى والحصى، والنوى المدر، وعدد زنة ذلك كله، وعدد زنة ذر السماوات والأرضين، وما فيهن وما بينهن وماتحتهن وما بين ذلك وما فوقهن إلى يوم القيامة، من لدن العرش، إلى قرار أرضك السابعة السفلى، وبعدد حروف ألفاظ أهلهنّ ، وعدد أرماقهم، ودقائقهم، وشعائرهم، وساعاتهم، وأيّامهم، وشهورهم، وسنيّهم، (سنينهم) وسكونهم، وحركاتهم، وأشعارهم (أسعارهم)، وأبشارهم، وأنفاسهم وبعدد زنة ما عملوا أو يعملون به، أو بلغهم أو رأو أو ظنّوا أو فطنوا أو كان منهم أوي كون ذلك إلى يوم القيامة، وعدد زنة ذرّ ذلك وأضعاف ذلك، وكأضعاف ذلك أضعافاً مضاعفة، لا يعلمها ولا يحصيها غيرك، يا ذا الجلل والإكرام، وأهل ذلك، أنت، ومستحقه ومستوجبه مني ومن جميع خلقك، يا بديع السماوات والأرض.

ص: 63

اللهم إنك لست برب استحدثناك، ولا معك إله فيشركك في ربوبيتك، ولا معك إله أعانك على خلقنا، أنت ربنا كما تقول، وفوق ما يقول القائلون، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تعطي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل ما سألك، وأفضل ما سئلت له، وأفضل ما أنت مسؤول له إلى يوم القيامة.

أعيذ أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونفسي، وديني، و (ذريتي) ومالي، وولدي، وأهلي، وقراباتي، وأهل بيتي، وكل ذي رحم لي، ودخل في الإسلام أو يدخل إلى يوم القيامة، وحزانتي، وخاصتي، ومن قلدني دعاء، أو أسدى إليّ برّاً (يداً)، أو رد عنّي غيبة، أوقال فيّ خيراً، أو اتّخذت عنده يداً أو صنيعة، وجيراني، وإخواني من المؤمنين والمؤمنات، بالله وبأسمائه التامة العامة، الشاملة الكاملة، الطاهرة الفاضلة، المباركة المتعالية، الزاكية الشريفة، المنيعة الكريمة، العظيمة المخزونة، المكنونة التي لا يجاوزهنّ برّ ولا فاجر، وبأم الكتاب وخاتمته، وما بينهما من سورة شريفة، وآية محكمة، وشفاء، ورحمة، وعوذة، وبركة، وبالتوراة والإنجيل والزبور، والفرقان، وصحف إبراهيم وموسى، وبكل كتاب أنزله الله، وبكل رسول أرسله الله، وبكل حجة أقامها الله، وبكل برهان أظهره الله، وبكل نور أنارها لله، وبكل آلاء الله وعظمته أعيذ.

وأستعيذ من شر كل ذي شر، ومن شر ما أخاف وأحذر، ومن شر ما ربي منه أكبر، ومن شر فسقة العرب والعجم، ومن شر فسقة الجن والإنس، والشياطين والسلاطين، وإبليس وجنوده، وأشياعه ومن شر ما في النور والظلمة، ومن شر ما دهم أو هجم أو ألم، ومن شر كل غم وهم، وآفة وندم، ونازلة وسقم، ومن شر ما يحدث في الليل والنهار، وتأتي به الأقدام، ومن شر ما في النار، ومن شر ما في

ص: 64

الأرض، والأقطار والفلوات، والقفار، والبحار، والأنهار، ومن شر الفساق والفجار، والكهان والسحار، والحساد، والذعار، والأشرار، ومن شر ما يلج في الأرض، وما يخرج منها، وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، ومن شر كل ذي شر، ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ اَلْعَرْشِ اَلْعَظِيمِ (1) .

وأعوذ بك - اللهم - من الهم والغم، والحزن والعجز، والكسل، والجبن، والبخل، ومن ضلع الدين، وغلبة الرجال، ومن عمل لا ينفع، ونم عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نصيحة لا تنجع، ومن صحابة لا تردع، ومن اجتمع على نكر، وتودّد على خسر، أو تؤاخذ على خبث، ومما استعاذ منه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والملائكة المقربون، والأنبياء المرسلون، والأئمة المطهرون (الطاهرون)، والشهداء والصالحون، وعبادك المتقون.

وأسألك اللهم أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تعطيني من الخير ما سألوا، وأن تعيذني من شر ما استعاذوا، وأسألك اللهم من الخير كله - عاجله وآجله - ما عملت منه، وما لم أعلم، وأعوذ بك يا رب من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون.

بسم الله على أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على اهلي ومالي، بسم الله على كل شيء أعطاني ربي، بسم الله على أحبتي وولدي وقراباتي، بسم الله على جيراني المؤمنين، وإخواني، ومن قلدني

ص: 65


1- سورة التوبة، الآية: 129.

دعاءً ، أو اتّخذ عندي يداً، أو أسدى إليّ برا من المؤمنين والمؤمنات، بسم الله على ما رزقني ربي ويرزقني، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض، ولا في السماء، وهو السميع العليم.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وصلني بجميع ما سألك عبادك المؤمنون أن تصلهم به من الخير، واصرف عني جميع ما سألك عبادك المؤمنون أن تصرفه عنهم من السوء والردى، وزدني من فضلك ما أنت أهله ووليه، يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على محمد، وأهل بيته الطيبين الطاهرين، وعجل اللهم فرجهم وفرجي، وفرج عن كل مهموم، من المؤمنين والمؤمنات.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقني نصرهم، واشهدني أيامهم، واجمع بيني وبينهم في الدنيا والآخرة، واجعل منك عليهم واقية، حتى لا يخلص إليهم إلا بسبيل خير، وعليّ معهم، وعلى شيعتهم، ومحبّيهم، وعلى أوليائهم، وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات، فإنك على كل شيء قدير.

بسم الله، وبالله، ومن الله، وإلى الله، ولا غالب إلا الله، ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله، توكّلت على الله، وأفوّض أمري إلى الله، وألتجئ إلى الله، وبالله أحاول وأصاول، وأكاثر، وأفاخر، وأعتزّ، وأعتصم، عليه توكّلت وإليه متاب، لا إله إلاّ هوالحيّ القيوم، عدد الثرى والحصى والنجوم، والملائكة الصفوف، لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، لا إله إلا الله سبحانه إني كنت من الظالمين».

المسألة الثانية: دعاؤها عقيب صلاة الظهر

ورد في فلاح السائل: ومن المهمات (الدعاء) عقيب الصلوات الخميس

ص: 66

المفروضات بما كانت الزهراء فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام تدعو به، فمن ذلك دعاؤها عليها السلام عقيب فريضة الظهر، وهو:

«سبحان ذي العز الشامخ المنيف، سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي الملك الفاخر القديم، والحمد لله الذي بنعمته بلغت ما بلغت به من العلم، والعمل له، والرغبة إليه، والطاعة لأمره، والحمد لله الذي لم يجعلني جاحداً لشيء من كتابه، ولا متحيرا في شيء من أمره، والحمد لله الذي هداني لدينه، ولم يجعلني أعبد شيئاً غيره.

اللهم إنّي أسألك قول التوابين وعملهم، ونجاة المجاهدين وثوابهم، وتصديق المؤمنين وتوكّلهم، والراحة عند الموت، والأمن عند الحساب، واجعل الموت خير غائب أنتظره، وخير مطلع يطلع عليّ ، وارزقني عند حضور الموت، وعند نزوله، وفي غمراته، وحين تنزل النفس من بين التراقي، وحين تبلغ الحلقوم، وفي حال خروجي من الدنيا، وتلك الساعة التي لا أملك لنفسي فيها ضرّاً ولا نفعاً ولا شدّة ولا رخاء، روحاً من رحمتك، وحظاً من رضوانك، وبشرى من كرامتك قبل أن تتوفّى نفسي، وتقبض روحي، وتسلّط ملك الموت على إخراج نفسي ببشرى منك - يا رب - ليست من أحد غيرك يثلج بها صدري، وتسر بها نفسي، وتقرّ بها عيني، ويتهلّل بها وجهي، ويسفر بها لوني، ويطمئن بها قلبي، ويتباشر بها سائر جسدي، يغبطني بها من حضرني من خلقك ومن سمع بين من عبادك، تهون بها علي سكرات الموت، وتفرج عني بها كربته، وتخفف عني بها شدته، وتكشف عني بها سقمه، وتذهب عني بها همه وحسرته، وتعصمين بها من أسفه وفتنته، وتجيرني بها من شرّه وشر ما يحضر أهله، وترزقني بها خيره وخير ما يحضر

ص: 67

عنده، وخير ما هو كائن بعده.

ثم إذا توفيت نفسي، وقبضت روحي، فاجعل روحي في الأرواح الرابحة، واجعل نفسي في الأنفس الصالحة، واجعل جسدي في الأجساد المطهرة، واجل عملي في الأعمال المتقبلة.

ثم ارزقني في خطتي من الأرض حصتي، وموضع جنبي حيث يرفت لحمي، ويدفن عظمي، واترك وحيدا لا حيلة لي، قد لفظتني البلاد، وتخلى مني العباد، وافتقرت إلى رحمتك، واحتجت إلى صالح عملي، وألقى ما مهدت لنفسي، وقدمت لآخرتي، وعملت في أيام حياتي، فوزاً من رحمتك، وضياء من نورك، وتثبيتا من كرامتك بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنك تضل الظالمين وتفعل ما تشاء.

ثمّ بارك لي في البعث والحساب إذا انشقت الأرض عنّي، وتخلى العباد مني، وغشيتني الصيحة، وأفزعتني النفخة، ونشرتني بعد الموت، وبعثتني للحساب، فابعث معي يا رب نوراً من رحمتك، يسعى بين يدي، وعن يميني، تؤمني به وتربط به على قلبي، وتظهر به عذرى، وتبيض به وجهي، وتصدق به حديثي، وتفلج به حجتي، وتبلغني به العروة الوثقى من رحمتك، وتحلني الدرجة العليا من جنتك، وترزقني به مرافقة محمد النبي عبدك ورسولك صلى الله عليه وآله وسلم في أعلى الجنة درجة، وأبلغها فضيلة، أبرّها عطية، وأرفعها نفسة، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اللهم صل على محمد وآل محمد خاتم النبيين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى الملائكة أجمعين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أئمة الهدى أجمعين، آمين

ص: 68

رب العالمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد كما هديتنا به، وصل على محمد وآل محمد كما رحمتنا به، وصل على محمد وآل محمد كما عززتنا به، وصل على محمد وآل محمد كما فضلتنا به، وصل على محمد وآل محمد كما شرفتنا به، وصل على محمد وآل محمد كما بصرتنا به، وصل على محمد وآل محمد كما أنقذتنا به من شفا حفرة من النار.

اللهم بيض وجهه، وأعل كعبه، وافلج حجته، وأتمم نوره، وثقل ميزانه، وعظم برهانه، وأفسح له حتى يرضى، وبلغه الدرجة والوسيلة من الجنة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، واجعله أفضل النبيين والمرسلين عندك منزلة ووسيلة، وأقصص بنا أثره واسقنا بكأسه، وأوردنا حوضه، واحشرنا في زمرته، وتوفّنا على ملته، واسلك بنا سبله، واستعملنا بسنته، غير خزايا، ولا نادمين، ولا شاكين، ولا مبدلين (ولا مضلين).

يا من بابه مفتوح لداعيه، وحجابه مرفوع لراجيه، يا ساتر الأمر القبيح، ومداوي القلب الجريح، ولا تفضحني في مشهد القيامة بموبقات الآثام، ولا تعرض بوجهك الكريم عني من بين الأنام، يا غاية المضطر الفقير، ويا جابر العظم الكسير، هب ليس موبقات الجرائر، وأعف عني فاضحات السرائر، واغسل قلبي من وزر الخطايا، وارزقني حسن الاستعداد لنزول المنايا، يا أكرم الأكرمين، ومنتهى منية السائلين.

أنت مولاي فتحت لي باب الدعاء والإنابة، فلا تغلق عني باب القبول والإجابة، ونجني برحمتك منا لنار، وبؤئني غرفات الجنان، واجعلني مستمسكا بالعروة

ص: 69

الوثقى، واختم لي بالسعادة، وأحيني بالسلامة، يا ذا الفضل والكمال، والعزة والجلال، لا تشمت بي عدوّاً ولا حاسداً، ولا تسلط عليّ سلطانا عنيداً، ولا شيطاناً مريداً، برحمتك يا أرحم الراحمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما كثيرا».

المسألة الثالثة: دعاؤها عقيب صلاة العصر

ورد في كتاب فلاح السائل: ومن المهمات الدعاء عقيب العصر مما كانت الزهراء فاطمة سيدة النساء صلوات الله عليها تدعو به في جملة دعائها للصلوات الخمس، وهو:

«سبحان! مَنْ يَعْلَم خَواطر القلوب، سبحان! من يحصي عدد الذنوب، سبحان! من لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، والحمد لله الذي لم يجعلني كافراً لأنعمه، ولا جاحداً لفضله، فالخير فيه وهو أهله.

والحمد لله على حجّته البالغة على جميع من خلق ممن أطاعه، وممن عصاه، فإن رحم فمن منه، وإن عاقب فبما قدمت أيديهم

وَ مَا اَللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبٰادِ(1) .

والحمد لله العليّ المكان، والرفيع البنيان، الشديد الأركان، العزيز السلطان، العظيم الشأن، الواضح البرهان، الرحيم الرحمان، المنعم المنان.

الحمد لله الذي احتجب عن كل مخلوق يراه بحقيقة الربوبية، وقدرة الوحدانية، فلم تدركه الأبصار، ولم تحط به الأخبار، ولم يعينه مقدار، ولم يتوهمه اعتبار، لأنه

ص: 70


1- سورة غافر، الآية: 31.

الملك الجبار.

اللهم قد ترى مكاني، وتسمع كلامي، وتطلع على أمري، وتعلم ما في نفسي، وليس يخفى عليك شيءٌ من أمري، وقد سعيت إليك في طلبتي، وطلبت إليك في حاجتي، وتضرّعت إليك في مسألتي، وسألتك لفقر وحاجة وذلة وضيقة وبؤس ومسكنة، وأنت غني عن عذابي.

وأنا فقير إلى رحمتك، فأسألك بفقري إليك وغناك عني، وبقدرتك عليّ وقلة امتناعي منك أن تجعل دعائي هذا دعاءً وافق منك اجابة، ومجلسي هذا مجلسا وافق منك رحمة، وطلبتي هذه طلبة وافقت منك نجاحا، وما خفت عسرته من الأمور فيسره، وما خفت عجزه من الأشياء فوسعه، ومن أرادني بسوء من الخلائق كلهم فأغلبه، آمين يا أرحم الراحمين، وهوّن عليّ ما خشيت شدته، واكشف عني ما خشيت كربته، ويسر لي ما خشيت عسرته آمين رب العالمين.

اللهم أنزع العجب والرياء والكبر والبغي والحسد والضعف والشك والوهن والضر والأسقام والخذلان والمكر والخديعة والبلية والفساد من سمعي وبصري، وجميع جوارحي، وخذ بناصيتي إلى ما تحب وترضى يا ارحم الراحمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر ذنبي، واستر عورتي، وآمن روعتي، واجبر مصيبتي، وأغن فقري، ويسر حاجتي، واقلني عثرتي، واجمع شملي، واكفني ما أهمني، وما غاب عني، وما حضرني، وما أتخوفه منك يا أرحم الراحمين.

اللهم فوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، وأسلمت نفسي إليك بما جنيت عليها، فزعا منك وخوفا وطمعا، وأنت الكريم الذي لا يقطع الرجاء، ولا يخيب الدعاء، فأسألك بحق إبراهيم خليلك، وموسى كليمك، وعيسى

ص: 71

روحك، ومحمد صفيك ونبيك صلواتك عليه وآله، أن لا تصرف وجهك الكريم عني حتى تقبل توبتي، وترحم عبرتي وتغفر لي خطيئتي، يا أرحم الراحمين، ويا أحكم الحاكمين.

اللهم اجعل ثاري على من ظلمني، وانصرني على من دعاني، اللهم لا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، ولا مبلغ علمي.

إلهي! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي من كل خير، واجعل الموت راحة من كل شر.

اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني.

اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، والعدل في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا يبيد، وقرة عين لا ينقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك لذة النظر إلى وجهك.

اللهم إني أستهديك لإرشاد أمري، وأعوذ بك من شر نفسي.

اللهم عملت سوءاً وظلمت نفسي، فاغفر لي، أنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

اللهم إني أسألك تعجيل عافيتك، وصبرا على بليتك، وخروجا من الدنيا إلى رحمتك.

اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك، وأشهد من في السماوات ومن في الأرض إنك أنت الله لا إله إلاّ أنت، وحدك لا شريك لك، وأن حمداً عبدك ورسولك صلى الله عليه وآله وسلم، وأسألك بأن لك

ص: 72

الحمد لا إله إلاّ أنت بديع السماوات والأرض، يا كائنا قبل أني كون شيء، والمكون لكل شيء والكائن بعدما لا يكون شيء.

اللهم إلى رحمتك رفعت بصري، وإلى جودك بسطت كفي، ولا تحرمني وأنا أسألك، ولا تعذبني وأنا أستغفرك.

اللهم فاغفر لي، فإنك بي عالم، ولا تعذبني فإنك عليّ قادر، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ذا الرحمة الواسعة، والصلاة النافعة الرافعة (الزاكية) صل على أكرم خلقك عليك، وأحبهم إليك، وأوجههم لديك، محمد صلى الله عليه وآله وسلم عبدك ورسولك المخصوص بفضائل الوسائل، اشرف وأكرم وأرفع وأعظم وأكمل ما صليت على مبلغ عنك، ومؤتمن على وحيك.

اللهم كما سددت به العمى، وفتحت به الهدى، فاجعل مناهج سبله لنا سننا، وحجج برهانه لنا سبباً، فأتمّ به إلى القدوم عليك.

اللهم لك الحمد ملأ السماوات السبع، وملأ طباقهن، وملأ الأرضين السبع، وملأ ما بينهما، وملأ عرش ربنا الكريم، وميزان ربنا الغفار ومداد كلمات ربنا القهار، وملأ الجنة وملأ النار، وعدد الثرى والماء، وعدد ما يرى وما لا يرى.

اللهم واجعل صلواتك وبركاتك ومنك ومغفرتك ورحمتك ورضوانك وفضلك وسلامتك وذكرك ونورك وشرفك ونعمتك وخيرتك على محمد وآل محمد، كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم أعط محمداً الوسيلة العظمى، وكريم جزائك في العقبى، حتى تشرفه يوم

ص: 73

القيامة يا إله الهدى.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وعلى جميع ملائكتك ورسلك، سلام على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وحملة العرش، وملائكتك القربين، والكرام الكاتبين والكروبين، وسلام على ملائكتك أجمعين، وسلام على أبينا آدم، وأمنا حواء، وسلما على النبيين أجمعين، والصديقن والشهداء والصالحين، وسلام على المرسلين أجمعين، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبي الله ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما كثيرا»(1).

المسألة الرابعة: دعاؤها عقيب صلاة المغرب

ومن تعقيبها لفريضة المغرب ما روي عنها عليها السلام من الدعاء عقيب الخمس الصلوات وهو:

«الحمد لله الذي لا يحصي مدحه القائلون، والحمد لله الذي لا يحصي نعماءه العادون، والحمد لله الذي لا يؤدي حقه المجتهدون، ولا إله إلا الله الأول والآخر ولا إله إلا الله الظاهر والباطن، ولا إله إلا الله المحيي المميت، والله أكبر ذو الطول، والله أكبر ذو البقاء الدائم، والحمد لله الذي لا يدرك العالمون علمه، ولا يستخف الجاهلون حلمه، ولا يبلغ المادحون مدحته، ولا يصل الواصفون صفته، ولا يحسن الخلق نعته.

والحمد لله ذي الملك والملكوت، والعظمة والجبروت، والعزّ والكبرياء والجلال، والبهاء، والمهابة، والجمال، والعزة، والقدرة، والحول، والقوّة، والمنة، والغلبة، والفضل،

ص: 74


1- مسند فاطمة: ص 230-232، باب دعواتها، برقم 179 (26).

والطول، والعدل، والحق، والخلق، والعلى، والرفعة، والمجد، والفضيلة، والحكمة، والغناء، والسعة، والبسط، والقبض، والحلم، والعلم، والحجة البالغة، والنعمة السابغة، والثناء الحسن الجميل، والآلاء الكريمة، ملك الدنيا والآخرة، والجنة والنار، وما فيهنّ تبارك وتعالى.

والحمد لله الذي علم أسرار الغيوب، واطّلع على ما تجنّ القلوب، فليس عنه مذهب ولا مهرب.

والحمد لله المتكبر في سلطانه، العزيز في مكانه، المتجبّر في ملكه، القوي في بطشه، الرفيع فوق عرشه، المطّلع على خلقه، والبالغ لما أراد من علمه.

والحمد لله الذي بكلماته قامت السماوات الشداد، وثبتت الأرضون المهاد، وانتصبت الجبال الرواسي الأوتاد، وجرت الرياح اللواقح وسارت في جوّ السماء السحاب، ووقفت على حدودها البحار، ووجلت القلوب من مخافته، وأنقمعت الأرباب لربوبيته.

تباركت يا محصي قطر المطر، وورق الشجر، ومحيي أجساد الموتى للحشر، سبحانك! يا ذا الجلال والإكرم، ما فعلت بالغريب الفقير إذا أتاك مستجيراً مستغيثا، ما فعلت بمن أناخ بفنائك وتعرض لرضاك وغدا إليك، فجثا بين يديك يشكو إليك ما لا يخفى عليك، فلا يكونن يا رب حظي من دعائي الحرمان، ولا نصيبي مما أرجو من منك الخذلان، يا من لم يزل ولا يزال ولا يزول، كما لم يزل قائماً على كل نفس بما كسبت، يا من جعل أيام الدنيا تزول، وشهورها تحول، وسنينها تدور، وأنت الدائم لا تبليك الأزمان، ولا تغيرك الدهور، يا من كل يوم عنده جديد، وكل رزق عنده عتيد للضعيف والقوي

ص: 75

والشديد، قسمت الأرزاق بين الخلائق، فسويت بين الذرة والعصفور.

اللهم إذا ضاق المقام بالناس، فنعوذ بك في ضيق المقام، اللهم إذا طال يوم القيامة على المجرمين، فقصر طول ذلك اليوم علينا كما بين الصلاة إلى الصلاة.

اللهم إذا أدنيت الشمس من الجماجم، فكان بينها وبين الجماجم مقدار ميل، وزيد في حرها حر عشر سنين، فإنا نسألك أن تظلنا بالغمام، وتنصب لنا المنابر والكراسي، نجلس عليها، والناس ينطلقون في المقام، آمين رب العالمين.

أسألك اللهم بحق هذه المحامد إذا غفرت لي، تجاوزت عني، وألبستني العافية في بدني، ورزقتني السلامة في ديني، فإني أسألك وأنا واثق بإجابتك إياي في مسألتي، وأدعوك وأنا عالم باستماعك دعوتي، فاستمع دعائي، ولا تقطع رجائي ولا تردّ ثنائي، ولا تخيب دعائي.

أنا محتاج إلى رضوانك، وفقير إلى غفرانك، أسألك ولا آيس من رحمتك، وأدعوك وأنا غير محترز من سخطتك يا رب، فاستجب لي، وامنن عليّ بعفوك، وتوفني مسلما، وألحقني بالصالحين، رب لا تمنعني فضلك يا منان، ولا تكلني إلى نفسي مخذولاً يا حنان.

رب ارحم عند فراق الأحبة صرعتي، وعند سكون القبر وحدتي، وفي مفازة القيامة غربتي، وبين يديك موقوفا للحساب فاقتي رب استجير بك من النار، فأجرني، رب أعوذ بك من النار فأعذني، رب أفرغ إليك من النار فأبعدني، رب أسترحمك مكروبا فارحمني، رب أستغفرك لما جهلت فاغفر لي، رب قد أبرزني الدعاء للحاجة إليك فلا تؤيسني، يا كريم! ذا الآلاء والإحسان والتجاوز.

ص: 76

يا سيدي، يا بر، يا رحيم، استجب بين المتضرعين إليك دعوتي، وارحم بين المنتحبين بالعويل عبرتي، واجعل في لقائك يوم الخروج من الدنيا راحتي، واستر بين الأموات يا عظيم الرجاء عورتي، وأعطف عليّ عند التحول وحيداً إلى حفرتي، إنك أملي، موضع طلبتي، والعارف بما أريد في توجيه مسألتي، فاقض يا قاضي الحاجات حاجتي، فإليك المشتكى وأنت المستعان والمرتجى.

أفر إليك هارباً من الذنوب، فأقبلني، والتجئ، من عدلك إلى مغفرتك فأدركني، وألتاذ بعفوك من بطشك فامنعني، وأستروح رحمتك من عقابك فنجّني، وأطلب القربة منك بالإسلام، فقربني، ومن الفزع الأكبر فآمني، وفي ظل عرشك فظللني، وكفلين من رحمتك فهب لي، ومن الدنيا سالما فنجني، ومن الظلمات إلى النور فأخرجني، ويوم القيامة فبيّض وجهي، وحساباً يسيراً فحاسبني، وبسرائري فلا تفضحني، وعلى بلائك فصبرني، وكما صرفت عن يوسف السوء والفحشاء فاصرفه عني، وما لا طاقة لي به فلا تحملني، وإلى دار السلام فاهدني، وبالقرآن فانفعني، وبالقول الثابت فثبتني، ومن الشيطان الرجيم فاحفظني، وبحولك وقوتك وجبروتك فاعصمني، وبحلمك وعلم واسعة رحمتك من جهنم فنجني، وجنتك الفردوس فاسكني، والنظر إلى وجهك فارزقني، وبنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم فألحقني، ومن الشياطين وأوليائهم ومن شر كل ذي شر فاكفني.

اللهم وأعدائي ومن كادني بسوء إن أتوا برا فجبّن شجعهم، فض جمعهم، ككل سلاحهم، عرقب دوابهم سلط عليهم العواصف والقواصف أبدا حتى تصليهم النار، أنزلهم من صياصيهم وأمكنا من نواصيهم، آمين رب العالمين.

ص: 77

اللهم صل على محمد وآل محمد صلاة يشهد الأولون مع الأبرار، وسيد المتقين، وخاتم النبيين، وقائد الخير، ومفتاح الرحمة.

اللهم رب البيت الحرام، والشهر الحرام، ورب المعشر الحرام، ورب الركن والمقام، ورب الحل والحرام، أبلغ روح محمد صلى الله عليه وآله وسلم منا التحية والسلام.

السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمين الله، السلام عليك يا محمد بن عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فهو - كما وصفته - بالمؤمنين رؤوف رحيم، اللهم أعطه أفضل ما سألك وأفضل ما سئلت له، وأفضل ما أنت مسؤول له إلى يوم القيامة آمين رب العالمين»(1).

المسألة الخامسة: دعاؤها عقيب صلاة العشاء

ورد في فلاح السائل: ومن المهمات - أيضاً - بعد صلاة العشاء الآخرة الدعاء المختص بهذه الفريضة من أدعية مولاتنا فاطمة عليها السلام عقيب الخمس المفروضات، وهو:

«سبحان! من تواضع كل شيء لعظمته، سبحان! من ذل كل شيء لعزته، سبحان! من خضع كل شيء لأمره وملكه، سبحان! من انقادت له الأمور بأزمتها، الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، الحمد لله الذي سامك السماء، وساطح الأرض، وحاصر البحار، وناضد الجبال، وبارئ الحيوان، وخالق الشجر، وفاتح ينابيع الأرض، ومدبر الأمور، ومسيّر السحاب، ومجري الريح والماء النار من

ص: 78


1- مسند فاطمة: ص 233-236، باب دعواتها، برقم 180 (28).

أغوار الأرض، متصاعدات في الهواء، ومهبط الحر والبرد الذي بنعمته تتم الصالحات، وبشكره تستوجب الزيادات، وبأمر قامت السماوات، وبعزته استقرت الراسيات، وسبحت الوحوش في الفلوات، والطيور في الوكنات، الحمد لله رفعي الدرجات، منزل الآيات، واسع البركات، ساتر العورات، قابل الحسنات، مقيل العثرات، منفّس الكربات، منزل البركات، مجيب الدعوات، محيي الأموات، إله من في الأرض والسماوات، الحمد لله على كل حمد، وذكر، وشكر، وصبر، وصلاة، وزكاة، وقيام، وعبادة، وسعادة، وبركة، وزيادة، ورحمة، ونعمة، وكرامة، وفريضة، وسراء، وضراء، وشدة، ورخاء، ومصيبة، وبلاء، وعسر، ويسر، وغنى، وفقر، وعلى كل حال، وفي كل أوان وزمان، وكل مثوى ومنقلب ومقام.

اللهم إني عائذ بك فأعذني، ومستجير بك فأجرني، ومستعين بك فأعني ومستغيث بك فأغثني، وداعيك فأجبني، ومستغفرك فاغفر لي، ومستنصرك فانصرني، ومستهديك فاهدني، ومستكفيك فاكفني، وملتجئ إليك فآوني، ومتمسك بحبلك فاعصمني، ومتوكل عليك فاكفني، واجعلني في عبادك، وجوارك، وحرزك، وكنفك، وحياطتك، وحراستك، وكلائتك، وحرمك، وأمنك، وتحت ظلك، وتحت جناحك، واجعل عليّ جنة واقية منك، واجعل حفظك، وحياطتك، وحراستك، وكلائتك من ورائي وأمامي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، ون تحتي، وحوالي حتى لا يصل أحد من المخلوقين إلى مكروهي وأذاي، بحق لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام.

اللهم أكفني حسد الحاسدين، وبغي الباغين، وكيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحيلة المحتالين، وغيلة المغتالين، وغيبة المغتابين، وظلم الظالمين، وجور

ص: 79

الجائرين، واعتداء المعتدين، وسخط المسخطين، وتشجب المتشجبين، وصولة الصائلين، واقتسار المقتسرين، وغشم الغاشمين، وخبط الخابطين، وسعاية الساعين، ونميمة النامين، وسحر السحرة والمردة والشياطين، وجور السلاطين، ومكروه العالمين.

اللهم إني أسألك باسمك المخزون، الطيب، الطاهر، الذي قامت به السماوات والأرض، وأشرقت له الظلم، وسبّحت له الملائكة، ووجلت منه القلوب، وخضعت له الرقاب، وأحييت به الموتى، أن تغفر لي كلّ ذنب أذنبته في ظلم الليل، وضوء النهار، عمداً وخطاً، سراً أو علانية، وأن تهب لي يقينا وهديا ونورا وعلما وفهما، حتى أقيم كتابك، وأحل حلالك، وأحرم حرامك، وأؤدي فرائضك، وأقيم سنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

اللهم ألحقني بصالح من مضى، واجعلني من صالح من بقي، واختم لي عملي بأحسنه، إنك غفور رحيم.

اللهم إذا فني عمري، وتصرمت أيام حياتي، وكان لابدّ لي من لقائك، فأسألك يا لطيف أن توجب لي من الجنة منزلا يغبطني به الأولون والآخرون.

اللهم أقبل مدحتي والتهافي، وأرح ضراعتي وهتافي، وإقراري على نفسي واعترافي، فقد أسمعتك صوتي في الداعين، وخشوعي في الضارعين، ومدحتي في القائلين، وتسبيحي في المادحين، وأنت مجيب المضطرين، ومغيث المستغيثين، وغياث الملهوفين، وحرز الهاربين، وصريخ المؤمنين، ومقيل المذنبين، وصلى الله على البشير النذير، والسراج المنير، وعلى (جميع) الملائكة والنبيين.

اللهم داحي المدحوات، وبارئ المسموكات، وجبّال القلوب على فطرتها شقيّها

ص: 80

وسعيدها، إجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، وروافه تحياتك، وكرائم تحياتك على محمد صلى الله عليه وآله وسلم عبدك، ورسولك، وأمينك على وحيك، القائم بحجتك، والذاب عن حرمك، والصادع بأمرك، والمشيد بآياتك، والموفي لنذرك.

اللهم فأعطه بكل فضيلة من فضائله، ومنقبة من مناقبه، وحال من أحواله، ومنزلة من منازله، فيما رأيت محمداً لك فيها ناصراً، وعلى مكروه بلائك صابراً، ولمن عاداك معادياً، ولمن والاك مواليا، وعما كرهت نائيا، وإلى ما أحببت داعيا فضائل من جزائك، وخصائص من عطائك وحبائك تسني بها أمره، وتعلي بها درجته مع القوامين بقسطك، والذّابين عن حرمك حتى لا يبقى سناء، ولا بهاء، ولا رحمة، ولاكرامة، إلاّ خصصت محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، وآتيته منه الذرى، وبلغته المقامات العلى، آمين رب العالمين.

اللهم إني أستودعك ديني ونفسي وجميع نعمتك عليّ ، واجعلني في كنفك، وحفظك، وعزك، ومنعك، عز جارك، وجل ثناؤك، وتقدّست أسماؤك، ولا إله غيرك، حسبي أنت في السراء والضراء والشدة والرخاء، ونعم الوكيل.

رَبَّنٰا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنٰا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنٰا وَ إِلَيْكَ اَلْمَصِيرُ(1) ، رَبَّنٰا لاٰ تَجْعَلْنٰا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اِغْفِرْ لَنٰا رَبَّنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ (2) ، رَبَّنَا اِصْرِفْ عَنّٰا عَذٰابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذٰابَهٰا كٰانَ غَرٰاماً إِنَّهٰا سٰاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقٰاماً

ص: 81


1- سورة الممتحنة، الآيتان: 4 و 5.
2- سورة الفرقان، الآيتان: 65 و 66.

اِفْتَحْ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْفٰاتِحِينَ (1) ، رَبَّنٰا إِنَّنٰا آمَنّٰا(2) ، رَبَّنٰا فَاغْفِرْ لَنٰا ذُنُوبَنٰا وَ كَفِّرْ عَنّٰا سَيِّئٰاتِنٰا وَ تَوَفَّنٰا مَعَ اَلْأَبْرٰارِ رَبَّنٰا وَ آتِنٰا مٰا وَعَدْتَنٰا عَلىٰ رُسُلِكَ وَ لاٰ تُخْزِنٰا يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ إِنَّكَ لاٰ تُخْلِفُ اَلْمِيعٰادَ(3) ، رَبَّنٰا لاٰ تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا رَبَّنٰا وَ لاٰ تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا رَبَّنٰا وَ لاٰ تُحَمِّلْنٰا مٰا لاٰ طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ وَ اُعْفُ عَنّٰا وَ اِغْفِرْ لَنٰا وَ اِرْحَمْنٰا أَنْتَ مَوْلاٰنٰا فَانْصُرْنٰا عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْكٰافِرِينَ (4) .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار، وصلى الله عليها سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلم تسليما»(5).

ص: 82


1- سورة الأعراف، الآية: 89.
2- سورة آل عمران، الآية: 16.
3- سورة آل عمران، الآيتان: 193 و 194.
4- سورة البقرة، الآية: 286.
5- مسند فاطمة: ص 237-240، باب دعواتها، برقم 181 (28).

المبحث السادس: دعاؤها في مصائبها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

اشارة

من للمظلوم غير الله تعالى، ومن للمريض غير الله تعالى، ومن لمن لا يجد معيناً بعد تكالب الزمان والناس عليه غير الله تعالى، هكذا كان حالها صلوات الله عليها بعد مصابها بفقد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فهي بين ألم المصاب بفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورزية انتهاك حرمتها بكسر ضلعها، وإسقاط جنينها، وسلب مالها، وأرضها؛ وبين ألم إعراض الناس عنها، وعن زوجها، وولديها؛ بين كل هذا وذاك لم تجد سيدة نساء العالمين عليها السلام غير الدعاء إلى الله تعالى، فكانت مما تدعوا به.

المسألة الأولى: ما دعت به حينما قيل لها: ألا تشتكين إلى عمك العباس

روي: أن فاطمة الزهراء عليها السلام لما ضاق قلبها بما كانت تقاسيه من محن الأيام، ونكبات الزمان، قيل لها: أما تشتكين إلى عمّك العباس ؟ فرفعت رأسها إلى السماء وقالت:

«يا من لا يخفى عليه أنباء المتظلمين، ولا يحتاج في قصصهم إلى شهادات الشاهدين، أشكوا إليك ما لا يخفى عليك»(1).

ص: 83


1- مسند فاطمة: ص 247، باب دعواتها، برقم 184 (31).
المسألة الثانية: دعائها حينما اشتد بها المرض والمصاب

ورد في مصباح الأنوار: عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«إنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستّين يوما، ثم مرضت فاشتدّت علّتها، فكان من دعائها في شكواها:

(يا حي، يا قيوم! برحمتك أستغيث فأغثني، اللهم زحزحني عن النار، وأدخلني الجنة، وألحقني بأبي، محمد صلى الله عليه وآله وسلم).

فكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لها: عافاك الله ويبقيك، فتقول عليها السلام: يا أبا الحسن! ما أسرع اللحاق بالله»(1).

المسألة الثالثة: دعاؤها في مرضها للعصاة من أمة أبيها

قالت أسماء: فرأيتها - أي فاطمة - رافعة يديها إلى السماء، وهي تقول:

«اللهم إني أسألك بمحمد المصطفى، وشوقه إليّ ، وببعلي علي المرتضى وحزنه عليّ ، وبالحسن المجتبى وبكائه عليّ ، وبالحسين الشهيد وكآبته عليّ ، وببناتي الفاطميات وتحسرهنّ عليّ ، إنك ترحم وتغفر للعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتدخلهم الجنّة، إنك أكرم المسؤولين، وأرحم الراحمين»(2).

ص: 84


1- مسند فاطمة: ص 248، باب دعواتها، برقم 185 (32).
2- مسند فاطمة: ص 250، باب دعواتها، برقم 190 (37).

المبحث السابع: خادمتها ودايتها ومولاتها

اشارة

ظهرت بعض النساء في حياة سيدة نساء العالمين عليها السلام ضمن بعض الأدوار التي كانت تمارسها هؤلاء النسوة، وهو أمر يكاد يكون معتاداً في أغلب البيوتات العربية في مكة والمدينة وبتفاوت في عدد هؤلاء النسوة.

فمنهن من كانت تعينها على الخدمة، ومنهن من كانت قد تولت أمر ولادتها لأولادها فعرفت بالداية، ومنهن من كانت تتقرب إليها بالخدمة التماساً للأجر والثواب فعرفت بالمولاة.

وهذه الطبقية تتفاوت في البيوتات العربية من حيث عدد الخدم والجواري والإماء لاسيما تلك البيوت الميسورة الحال، أو التي عرفت بالثراء.

أما التعرف على هذه الشخصيات النسوية التي ظهرت في بيت سيدة النساء، فهو كالآتي:

ص: 85

المسألة الأولى: خادمتها فضة النوبية
اشارة

اشتهر هذا الاسم لدى أتباع أهل البيت عليهم السلام بصورة خاصة وأصبح عنواناً للوصول إلى المراتب السامية والحضوة العالية في القرب من بيت علي وفاطمة صلوات الله عليهما.

وقد آخذ الموالون من حياة هذه الشخصية دروسا عديدة في كيفية بلوغ الإنسان الشأنية لدى الله تعالى ورسوله من خلال المعرفة بأهل البيت والتشرف بخدمتهم فضلاً عن أن الطبقية الاجتماعية ليس لها أي دور في وصول الإنسان إلى تلك المنزلة الأخروية التي أعدها الله تعالى لعباده الصالحين كما أن هذه الطبقية أو اللون أو العرق لم يكن له أي اعتبار في فكر وحياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.

ولذا: برزت أسماء لم تكن تمت إلى العرق العربي بشيء كسلمان الفارسي وغيره من الرجال، وفضة النوبية وغيرها من النساء، فهؤلاء رفعهم التقوى والقرب من الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وما نالوا ذاك إلا من خلال المعرفة بهم والعمل بهذه المعرفة.

أما ما يخص فضة النوبية فقد أشارت الروايات وترجمتها إلى جملة من الخصائص نعرض لها كالآتي:

أولاً: كيف جاءت فضة إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام

تناولنا فيما سبق في المباحث التي شملت زهد فاطمة، ورحى فاطمة، وتسبيحها عليها السلام شكايتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 86

والتماسها خادمة تعينها على العمل في البيت لاسيما وأن ضروب الحياة كانت في السابق على رغم بساطتها لكنها متعبة وذلك لفقدان الوسائل التي تعين المرأة في عمل البيت.

فمن الطحن بالرحى إلى العجين والخبز، إلى استخدام الحطب للطهي ونقل الماء وغيرها مما يشكل عبئاً على المرأة لاسيما وإن فاطمة عليها السلام كانت صغيرة السن إذ انتقلت إلى بيت الزوجية ولها من العمر عشر سنوات.

وعليه: كانت تلتمس من أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخادمة كي تعينها على أداء عملها في المنزل وتهيئت احتياجات الأسرة.

فكانت تعاود السؤال بين الحين والآخرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم في كل مرة يتحفها بأمر يعود عليها بخير الدنيا والآخرة، كتسبيحها، أو بعض الأذكار والأدعية كما مر بيانه سابقاً.

إلاّ أنه صلى الله عليه وآله في هذه المرة جاءته فاطمة عليها السلام تسأله خادمة تعينها؛ فبكى صلى الله عليه وآله وسلم وقال:

«يا فاطمة، والذي بعثني بالحق إن في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام ولا ثياب ولولا خشيتي خصلة لأعطيتك ما سألت يا فاطمة إني لا أريد أن ينفك عنك أجرك إلى الجارية وإني أخاف أن يخصمك علي بن ابي طالب يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجل إذا طلب حقه منك».

ثم علمها صلاة التسبيح فقال أمير المؤمنين:

«مضيت تريدين من رسول الله الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة».

ص: 87

قال أبو هريرة:

فلما خرج رسول الله من عند فاطمة أنزل الله على رسوله:

وَ إِمّٰا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ اِبْتِغٰاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهٰا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً(1) .

يعني: عن قرابتك وابنتك فاطمة (ابتغاء) يعني طلب (رحمة من ربك) يعني رزقا من ربك ترجوها (فقل لهم قولا ميسورا) يعني قولا حسنا فلما نزلت هذه الآية أنفذ رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم جارية إليها للخدمة وسماها فضة(2).

ثانياً: اشتراكها مع علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في سبب نزول سورة هل أتى

ويختار الله تعالى لهذه المرأة القادمة من أثيوبيا ما اختاره لخيرته من خلقه وخاصته من عباده لتنال بفضله وسابق لطفه بها ما لم يناله أحد من النساء اللاتي عاصرن سيدة نساء العالمين باستثناء عقيلة الهاشميين وفخر بنات علي أمير المؤمنين إلى قيام الساعة.

فقد وفقت فضة النوبية (الأثيوبية) لتشترك في سبب نزول سورة هل أتى على الإنسان حين من الدهر؛ وذلك حينما نذرت معهم أن تصوم لله تعالى نذراً على شفاء الحسن والحسين عليهما السلام؛ إلاّ أن الرواية لم تشير إلى أنها تصدقت كذلك بطعامها كما فعل أهل البيت عليهم السلام.

ص: 88


1- سورة الإسراء، الآية: 28.
2- المناقب لابن شهر آشوب المازندراني: ج 3، ص 341، و 342.

وعليه: فنحن نتمسك بظاهر الرواية التي نصت على اشتراكها في الصوم نذراً لشفاء الحسن والحسين عليهما السلام فكانت ممن نالها الحظ الأوفر في نزول:

هَلْ أَتىٰ عَلَى اَلْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ اَلدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً(1) .

وفي ذلك روى الشيخ الصدوق عن الإمام الباقر عليه السلام، إنه قال:

«مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه رجلان، فقال إحداهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما.

فقال علي عليه السلام: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عزّ وجل، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضة، فألبسهما الله عافية، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام..... إلى آخر الرواية التي مر ذكرها(2).

ثالثاً: كيفية تعامل الزهراء عليها السلام مع خادمتها فضة

إن المستفاد من الرواية الشريفة التي أخرجها ابن جرير (الشيعي) في الدلائل عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قال: قال سلمان الفارسي:

(خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وأنا أريد الصلاة، فحاذيت باب علي بن أبي طالب عليه السلام فإذا أنا بهاتف من داخل

ص: 89


1- سورة الدهر، الآية: 1.
2- الأمالي للصدوق: ص 329-333؛ وسائل الشيعة: ج 23، ص 305.

الدار وهو يقول:

«اشتد صداع رأسي، وخلا بطني، ودبرت كفاي من طحن الشعير».

فمضني القول مضاً شديداً فدنوت من الباب فقرعته قرعاً خفيفاً، فأجابتني فضة، جارية فاطمة عليها السلام فقالت: من هذا؟

فقلت: أنا سلمان ابن الإسلام.

قالت: ورائك يا أبا عبد الله، فإن ابنة رسول الله من وراء الباب، عليها اليسير من الثياب ؟ فأخذت عباءتي فرميت بها داخل الباب فلبستها فاطمة عليها السلام، ثم قالت:

«يا فضة قولي لسلمان يدخل؛ فإن سلمان منا أهل البيت ورب الكعبة».

فدخلت فإذا أنا بفاطمة جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل قد أفضى إلى الحجرة فحانت مني التفاته فإذا بالحسن بن علي في ناحية من الدار يتضور من الجوع فقلت جعلني الله فداك يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد دبرت كفاك من طحن الشعير وفضة قائمة ؟ فقالت:

«نعم يا أبا عبد الله أوصاني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوم ولي يوم، فكان أمس يوم خدمتها واليوم يوم خدمتي»(1).

فهذا الحديث يكشف بوضوح عن الكيفية التي كانت تتعامل بها فاطمة

ص: 90


1- دلائل الإمامة لابن جرير (الشيعي): ص 140-141؛ الخرائج والجرائح للراوندي: ج 2، ص 531؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 28؛ بيت الأحزان للشيخ عباس القمي: ص 36.

عليها السلام مع خادمتها فضة وتقسيم الأعمال فيما بينها وبين خادمتها إلى الحد الذي كانت بحاجة كبيرة لمعاونتها لكنها متمسكة بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا يكشف ايضاً عن تقواها في الامتثال للحكم الشرعي، والثبات على الطاعة وصبرها الكبير في تحمل هذه المشاق.

رابعاً: استمرارها في خدمة أمير المؤمنين عليه السلام بعد استشهاد فاطمة عليها السلام

إن من الأمور التي ترشد إلى حسن توفيق هذه المرأة هو مواصلتها بعد وفاة مولاتها الزهراء عليها السلام في القيام بخدمة أمير المؤمنين عليه السلام.

1 - روى المحدث النوري عن سويد بن غفلة، قال: (دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام القصر، فإذا بين يديه قعب لبن أجد ريحه من شدة حموضته؛ فإذا في يديه رغيف يرى قشار الشعير على وجهه، وهو يكسره ويستعين أحياناً بركبته، وإذا جارية قائمة فقلت لها:

يا فضة أما تتقون الله في هذا الشيخ ؟

لو نخلتم دقيقه، فقالت: إنا نكره أن يؤجر ونأثم، قد أخذ علينا أن لا ننخل دقيقه ما طبخناه فقال علي عليه السلام:

«ما يقول ؟».

قالت: سله. فقلت له: قلت لها: لو ينخلوا دقيقك، فبكى ثم قال:

«بأبي وأمي من لم يشبع ثلاثاً متوالية من خبز بر حتى فارق الدنيا، ولم ينخل دقيقه».

ص: 91

قال: يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

2 - روى المازندراني في المناقب: إن عمرو بن حريث ترصد غذاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؛ فأتت فضة بجراب مختوم فأخرج منه خبزاً متغيرا خشنا فقال عمرو: يا فضة لو نخلت هذا الدقيق وطيبته ؟

قالت: كنت أفعل فنهاني، وكنت أضع في جرابه طعاما طيباً فختم جرابه.

ثم أن أمير المؤمنين فتحه في قصعة وصب عليه الماء، ثم ذر عليه الملح وحسر عن ذراعه فلما فرغ قال:

(يا عمرو لقد خابت هذه ومد يده إلى محاسنه، وخسرت هذه أن أدخلها النار من أجل الطعام وهذا يجزيني)(2).

3 - روى القاضي المغربي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال:

كانت لفاطمة جارية يقال لها: فضة، فصارت من بعدها إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فزوجها من أبي ثعلبة الحبشي، فأولدها ابناً ثم مات عنها ثعلبة، وتزوجها سليك الغطفاني، ثم توفي ابنها من أبي ثعلبة، فامتنعت من سليك أن يقربها، فشكاها إلى عمر وذلك في أيامه، فقال لها عمر:

ما يشتكي منك سليك، يا فضة ؟

فقالت: أنت تحكم في ذلك، وما يخفي عليك لم منعته من نفسي!

قال عمر: ما أجد لك رخصة.

ص: 92


1- مستدرك الوسائل للمحقق النوري: ج 16، ص 296.
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 367؛ بحار الأنوار: ج 40، ص 325.

قالت: يا أبا حفص، ذهبت بك المذاهب أن ابني من غيره مات، فأردت أن استبرئ نفسي بحيضه، فإذا أنا حضت علمت أن ابني مات ولا أخ له.

وإن كنت حاملاً كان الذي في بطني أخوه.

فقال عمر: شعرة من آل أبي طالب أفقه من عدي)(1).

خامساً: ما علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضة من الدعاء

ذكر ابن حجر العسقلاني في الإصابة ترجمة لها فمما جاء فيها بعد أن ذكر شمولها في نزول سورة (هل أتى على الإنسان حين من الدهر)، أنه قال:

(ذكر ابن صخر في فوائده وابن شكوال في كتاب المستغيثين من طريقه بسند له من طريق الحسين بن العلاء عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخدم فاطمة ابنته جارية اسمها فضة النوبية وكانت تشاطرها الخدمة، فعلمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاء تدعو به فقالت لها فاطمة:

«أتعجنين أو تخبزين ؟».

فقالت: بل أعجن يا سيدتي واحتطب فذهبت واحتطبت وبيدها حزمة وأرادت حملها فعجزت فدعت بالدعاء الذي علمها وهو:

(يا واحد ليس ليس كمثله أحد تميت كل أحد، وتفنى كل أحد، وأنت

ص: 93


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 2، ص 328؛ المناقب لابن شهر: ج 2، ص 183؛ البحار: ج 40، ص 227؛ الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية للمحقق البحراني: ج 3، هامش ص 282.

عرشك واحد ولا تأخذه سنة ولا نوم).

فجاء إعرابي كأنه من أزدشنوءة فحمل الحزمة إلى باب فاطمة)(1).

أما وفاتها وقبرها:

فقد ذكر ياقوت الحموي: أن قبرها في مقبرة الباب الصغير في دمشق الشام(2).

المسألة الثانية: دايتها ومولاتها
أولاً: دايتها (سلمى زوجة أبي رافع)

الداية: المولدة، المرأة التي تساعد الوالدة، فتتلقى الجنين عند الولادة(3).

وسلمى كانت إحدى ثلاث إماء مملوكات لرسول الله فاعتقهن(4)، فتزوجها أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

واختلف بينها وبين سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب، فجزم بعضهم بأن سلمى مولاة صفية غير سلمى زوجة أبي رافع(5).

وكانت سلمى مولاة صفية تقبل خديجة بنت خويلد في ولادتها إذا ولدت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعد قبل ذلك ما تحتاج إليه(6).

ص: 94


1- الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 281.
2- معجم البلدان: ج 2، ص 468.
3- المصطلحات: ج 1993؛ معجم ألفاظ الفقه الجعفري: ص 186.
4- تركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحماد بن إسحاق: ص 110.
5- تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 12، ص 376.
6- الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 227.

وقد أخرج لها أحمد والترمذي في صحيحه؛ والطبراني في معجمه، والهيثمي في زوائده وغيرهم، وعدها ابن حبان من الثقات(1). وقد سجلت كتب الحديث في مدرسة أهل البيت عليهم السلام حضوراً مميزاً لسلمى امرأة أبي رافع في مرض فاطمة واستشهادها، فقد كانت تتولى تمريضها أثناء مرضها، وكانت قد أعدت لها غسلاً في وصيتها قبل وفاتها(2)، كما سيمر بيانه في آخر الكتاب.

ثانياً: مولاتها

أشارت بعض المصادر إلى وجود ثلاثة اسماء نسائية كلا منها وصفت بأنها مولاة لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي كالآتي:

1 - فضة النوبية: فقد وردت بلفظ مولاة فاطمة كما في مستدرك الوسائل في مجريات وفاة فاطمة عليها السلام(3).

2 - مرجانة، وقد وردت في كتب الحديث في بيان ساعة استجابة الدعاء من يوم الجمعة كما في رواية الطبراني، والدارقطني، والبيهقي، والشوكاني، واللفظ له: عن زيد بن علي عليه السلام عن مرجانة مولاة فاطمة - عليها السلام - قالت: حدثتني فاطمة عن أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وفيه: أية ساعة هي ؟

ص: 95


1- الثقات لابن حبان: ج 4، ص 352
2- الأمالي للطوسي: ص 400؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 138؛ البحار: ج 43، ص 172؛ مستدرك الوسائل: ج 2، ص 203.
3- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 137.

قالت:

«إذا تدلى نصف الشمس للغروب»(1).

ولم يتناولها أصحاب التراجم في مصنفاتهم مما يشير إلى أنها قد تكون فضة النوبية هي نفسها مرجانة.

3 - رقية: وقد ذكرها ابن حجر في الإصابة فقال: رقية مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم عمرت حتى جعلها الحسين بن علي مقيمة على قبر سيدتها فاطمة لأنه لم يكن بقي من يعرف القبر غيرها، قاله عمر بن شبة في أخبار المدينة(2).

ص: 96


1- نيل الأوطار للشوكاني: ج 3، ص 299.
2- الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 140، برقم 11188.

الفصل الثانى: علم فاطمه عليها السلام و فقهها و بعض نظرياتها

اشارة

ص: 97

ص: 98

المبحث الأول: علم فاطمة عليها السلام

اشارة

قد يكون من البديهي حينما نتحدث عن علم الأنبياء ونسأل من أين لهم هذا العلم فالجواب بديهياً إنه من الله تعالى؛ لكن السؤال الذي يفرض نفسه عند البعض الآخر حينما يكون الحديث عن علم أمرء لا يعتقد البعض بارتباطه بالسماء، أو أنه ينظر إليه نظرة لا تتعدى عن كونها تبعية للغير، ومن ثم لا تجد لنفسها ميزة عن غيرها.

ومثاله كالناظر إلى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو يراهن في العلم سواء وذلك لعدم ارتباطهن بشكل مباشر بالسماء ومن ثم فهن يتفاوتن من حيث العلم بما لديهن من تحصيل بحسب معاشرتهن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لكن هذه النظرة قطعاً نراها تختلف لدى الناظر حينما ينظر إلى مريم ابنة عمران عليها السلام، فعلمها لا يدفع بالناظر إلى كونها غير مرتبطة بالسماء، لاسيما وإن الملائكة كانت تحدثها كما نص عليه القرآن الكريم:

ص: 99

1 - قال تعالى:

وَ إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اِصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ اَلْعٰالَمِينَ (1) .

2 - وقال عزّ وجل:

يٰا مَرْيَمُ اُقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اُسْجُدِي وَ اِرْكَعِي مَعَ اَلرّٰاكِعِينَ (2) .

3 - وقال تبارك وتعالى:

إِذْ قٰالَتِ اَلْمَلاٰئِكَةُ يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اَللّٰهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ اَلْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مِنَ اَلْمُقَرَّبِينَ (3) .

وعليه:

لا يكون وجود نبي الله عيسى عليه السلام هو المصدر الوحيد لهذا العلم الذي كانت تناله مريم عليها السلام، فلمريم مصدرها العلمي وهم الملائكة لاسيما بأمور غيبة كتبشيرها بعيسى ونبوته.

ومن هنا:

حينما نأتي إلى علم فاطمة صلوات الله عليها فإنا نجده قد تكون لديها من ثلاثة مصادر:

1 - علم لدني من الله تعالى.

ص: 100


1- سورة آل عمران، الآية: 42.
2- سورة آل عمران، الآية: 43.
3- سورة آل عمران، الآية: 45.

2 - علم نبوي من سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - علم ملائكي فهي كانت محدَثة.

وهذه المصادر الثلاثة جعلتها أعلم نساء الأمة وأفقهها.

فمن كانت تنال علمها من هذه المصادر التي تمتاز جميعاً بأنها مرتبطة بالله تعالى لا شك بأنها أعلم من غيرها من نساء الأمة لاسيما نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك إن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كنّ يأخذن علمهن من مصدر واحد وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع ملاحظة أن بعضهن قد لا تتوجه إليه صلى الله عليه وآله وسلم بالمسألة، ومنهن من قد تأخر زواجها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهن من قد شغلها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المرأة والمكحلة كما هو حال عائشة حينما أثار شكوكها أبو هريرة وهو يكثر من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت له:

(إنك لتحدث بشيء ما سمعته ؟! قال: طلبتها وشغلك عنها المكحلة والمرآة، فقالت: لعله)(1).

إذن:

فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها أعلم نساء الأمة وأفقهها، وهذا إذا اعتمدنا على هذه المصادر التي كونت علم فاطمة عليها

ص: 101


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 509؛ الإصابة لابن حجر: ج 7، ص 440؛ سير أعلام النبلاء: ج 2، ص 604.

السلام، أما إذا أخذنا بما أخصها الله تعالى من الاصطفاء والتطهير فيكون لزاماً أننا هنا نسلم لعصمتها، ومن ثم أعلميتها على الأمة بعد أبيها وبعلها، لاسيما وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على أن رضاها رضا الله وغضبها غضب الله تعالى؛ وإن ما يريبها يريب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن ما يؤذيها يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم(1).

وعليه:

فنحن لا نناقش هنا عصمتها وإنما سنورد للقارئ مصادر هذا العلم ضمن المسائل الآتية:

المسألة الأولى: علمها بما كان ويكون ومنشئ ذلك العلم
اشارة

لعل عنوان المسألة بحد ذاته يبعث على التساؤل، وذلك لعدم توفر الإمكانيات التي تخدم الإنسان في طلب العلم آنذك، كاستخدام الشبكة العالمية، أو حتى أعلى درجات التطور في تخزين المعلومات وسرعة جمع المعلومة وعرضها، حتى في هذه الحالة يكون الأمر عسيراً ومقيداً جداً فيما يخص بما كان، وكما قلنا لو تم تخزينه وجمعه وتبويبه؛ لكن يبقى السؤال قائماً مع عدم توفر الإمكانيات سابقاً، كيف لفاطمة صلوات الله عليها معرفة ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، أي أننا هنا نتحدث عن المستقبل المترامي الأطراف الذي لا يحيط به إلاّ الله تعالى ؟!

وجواب ذلك من أمور، منها؟

ص: 102


1- ذهب المقريزي إلى عصمتها عليها السلام مستنداً إلى هذا الحديث الشريف؛ (فضل آل البيت للمقريزي): ج 1، ص 51.
أولاً: العلم اللّدني هو باب خاص من أبواب العلم، وفاطمة عليها السلام ممن اختصت به وبغيره من أبواب العلم.

يستعرض القرآن الكريم بعض الصور الكاشفة عن تفاصيل حياة الأنبياء عليهم السلام في كثير من الصفات كما هو واضح في قوله تعالى:

وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنٰا بَعْضَ اَلنَّبِيِّينَ عَلىٰ بَعْضٍ وَ آتَيْنٰا دٰاوُدَ زَبُوراً(1) .

وقوله سبحانه:

تِلْكَ اَلرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللّٰهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجٰاتٍ وَ آتَيْنٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ اَلْبَيِّنٰاتِ وَ أَيَّدْنٰاهُ بِرُوحِ اَلْقُدُسِ (2) .

ولا يدخل هذا التفضيل فيما بينهم في الاعتقاد بنبوتهم أو رسالتهم؛ إذ الإيمان بهم واجب على كل قوم في زمان بعثهم ومحيط تكليفهم؛ أما نحن فواجب علينا أن لا نفرق بين أحد منهم في النبوّة؛ أما تفاضلهم عند الله تعالى فإن القرآن يعرضه في كثير من الصفات، ومن بين الصفات التي تفاضل بها الأنبياء هي أبواب العلم، وذلك إن الله تعالى قد خص بعض الأنبياء بعلم خاص ولم يكن عند البعض الآخر منهم، ومن الشواهد القرآنية على ذلك، أي اختصاص الأنبياء ببعض أبواب العلم واتصافهم به فضلاً عن صفة النبوة، ما يلي:

ص: 103


1- سورة الإسراء، الآية: 55.
2- سورة البقرة، الآية: 253.

1 - في علم آدم عليه السلام يعرض لنا القرآن هذه الحقيقة الكاشفة عن أن الله تعالى قد خص خليفته آدم فضلاً عن النبوة بعلم الأسماء، فقال عزّ وجل:

وَ عَلَّمَ آدَمَ اَلْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى اَلْمَلاٰئِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلاٰءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ قٰالُوا سُبْحٰانَكَ لاٰ عِلْمَ لَنٰا إِلاّٰ مٰا عَلَّمْتَنٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَلِيمُ اَلْحَكِيمُ (1) .

وجواب الملائكة يظهر بشكل جلي أن مصدر العلم هو الله تعالى على الرغم من أن الملائكة قد أعطاها الله قوة في العلم وجمعه، كطرق السماوات وما فيها، والأرض وما عليها، فضلاً عن سرعة الحركة والإجابة والإحاطة؛ ولكن يبقى الأمر محصوراً في الحصول على ما هو غائب ومخفي بالله تعالى.

2 - في علم التأويل نجد أن الله تعالى قد خصّ به نبيّه يوسف فقال عزّ وجل:

قٰالَ لاٰ يَأْتِيكُمٰا طَعٰامٌ تُرْزَقٰانِهِ إِلاّٰ نَبَّأْتُكُمٰا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمٰا ذٰلِكُمٰا مِمّٰا عَلَّمَنِي رَبِّي(2) .

3 - وفي اختصاص سليمان بعلم منطق الطير، قال تعالى:

وَ وَرِثَ سُلَيْمٰانُ دٰاوُدَ وَ قٰالَ يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ عُلِّمْنٰا مَنْطِقَ اَلطَّيْرِ وَ أُوتِينٰا مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ إِنَّ هٰذٰا لَهُوَ اَلْفَضْلُ اَلْمُبِينُ (3) .

4 - وفي اختصاص الخضر ببعض علم الغيب قال تعالى:

ص: 104


1- سورة البقرة، الآيتان: 31 و 32.
2- سورة يوسف، الآية: 37.
3- سورة النمل، الآية: 16.

فَوَجَدٰا عَبْداً مِنْ عِبٰادِنٰا آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً(1) .

والشواهد القرآنية في ذلك لكثيرة إلاّ أننا نشير هنا إلى أن هذه العلوم حينما يختص الله بها نبياً من الأنبياء عليهم السلام فهي تنتقل إلى غيره منهم فتكون من تراث النبوة الذي جمع عند سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم.

بمعنى:

أن جميع أبواب العلم وتفرعاته التي اختص بها بعض الأنبياء دون البعض الآخر تنتقل من نبي إلى آخر، فعلم الأسماء الذي اختص به آدم عليه السلام انتقل ضمن ميراث النبوة إلى ولده نبي الله شيث عليه السلام ومنه إلى غيره، وعلم منطق الطير الذي اختص به سليمان وداود عليهما السلام انتقل مع علم الأسماء إلى غيرهما من الأنبياء، وكذا علم التأويل، وعلم الحكمة، والعلم اللدني الذي اختص به الخضر وغيرها من العلوم تنتقل من نبي إلى نبي ضمن تراث النبوة فضلاً عما حوته صحف إبراهيم وزبور داود والإنجيل والتوراة من العلوم لتجتمع جميعاً عند الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفي كتابه الذي أنزله الله تعالى على قلبه.

قال تعالى:

إِنّٰا نَحْنُ نُحْيِ اَلْمَوْتىٰ وَ نَكْتُبُ مٰا قَدَّمُوا وَ آثٰارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ (2) .

ص: 105


1- سورة الكهف، الآية: 65.
2- سورة يس، الآية: 12.

وقال سبحانه في صفة القرآن الكريم:

طس تِلْكَ آيٰاتُ اَلْقُرْآنِ وَ كِتٰابٍ مُبِينٍ (1) .

هذا الكتاب المبين هو خزانة العلم فقال سبحانه وتعالى:

1 - وَ مٰا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقٰالِ ذَرَّةٍ فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ فِي اَلسَّمٰاءِ وَ لاٰ أَصْغَرَ مِنْ ذٰلِكَ وَ لاٰ أَكْبَرَ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (2) .

2 - وقال عزّ وجل:

وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ اَلْغَيْبِ لاٰ يَعْلَمُهٰا إِلاّٰ هُوَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ وَ مٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّٰ يَعْلَمُهٰا وَ لاٰ حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ اَلْأَرْضِ وَ لاٰ رَطْبٍ وَ لاٰ يٰابِسٍ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (3) .

3 - وقال سبحانه وتعالى:

وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي اَلْأَرْضِ إِلاّٰ عَلَى اَللّٰهِ رِزْقُهٰا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهٰا وَ مُسْتَوْدَعَهٰا كُلٌّ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (4) .

4 - وقال تعالى:

مٰا فَرَّطْنٰا فِي اَلْكِتٰابِ مِنْ شَيْ ءٍ (5) .

ص: 106


1- سورة النمل، الآية: 1.
2- سورة يونس، الآية: 61.
3- سورة الأنعام، الآية: 59.
4- سورة هود، الآية: 6.
5- سورة الأنعام، الآية: 38.

5 - وقال تعالى:

وَ مٰا مِنْ غٰائِبَةٍ فِي اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (1) .

فجميع هذه العلوم هي في القرآن؛ اَلْكِتٰابِ اَلْمُبِينِ ، وفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لَبِإِمٰامٍ مُبِينٍ ، وهذا أعم بكثير من العلم الذي علمه الله تعالى للخضر، فما عند النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو خزانة العلم؛ قال تعالى مخاطباً رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:

وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى اَلْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (2) .

وعليه:

فمن كانت بضعة من لَبِإِمٰامٍ مُبِينٍ ، الذي اختصه الله ب - اَلْكِتٰابِ اَلْمُبِينِ ، لا يخفى عليها ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وإن العلم اللدني هو أيسر ما اختصت به الزهراء عليها السلام.

ثانياً: إنها مخلوقة من نور العلم الإلهي

تناولنا في الجزء الأول من الكتاب الروايات الشريفة التي كانت تتحدث عن خلق نور فاطمة عليها السلام وروحها وبيَّنا حينها ما يتعلق بهذا النور حسبما أرشدتنا إليه الروايات.

وهنا - نود أن نورد رواية أخرى تُظهر فيها الزهراء عليها السلام علمها

ص: 107


1- سورة النمل، الآية: 75.
2- سورة النمل، الآية: 6.

الأول وتكشف لنا عن أحد أبواب علومها التي خصها الله تعالى بها، وهو علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة:

عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال:

(شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام وقد ولج على فاطمة عليها السلام فلما أبصرت به نادت:

«أدنُ لأحدّثك بما كان، وبما هو كائن، وبما لم يكن إلى يوم القيامة، حين تقوم الساعة».

قال عمار: فرأيت أمير المؤمنين عليه السلام يرجع القهقري، فرجع برجوعه إذ دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: أدن، يا أبا الحسن! فدنا فلما اطمأنّ به المجلس، قال له صلى الله عليه وآله وسلم:

«تحدثني أم أحدثك ؟».

قال علي عليه السلام:

«الحديث منك أحسن يا رسول الله».

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«كأني بك وقد دخلت على فاطمة عليها السلام وقالت لك: كيت وكيت فرجعت».

فقال علي عليه السلام:

«نور فاطمة من نورنا؟».

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 108

«أولا تعلم ؟».

قال عمار: فخرج أمير المؤمنين عليه السلام وخرجت بخروجه فولج على فاطمة عليها السلام وولجت معه، فقالت:

«كأنك رجعت إلى أبي فأخبرته بما قلته لك ؟».

قال عليه السلام:

«كذلك يا فاطمة».

فقالت عليها السلام:

«اعلم يا أبا الحسن إن الله تعالى خلق نوري، وكان يسبح لله جل جلاله، ثم أودعه بشجرة من شجرة الجنة فأضاء ت، فلما دخل أبي الجنة، أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف ثمرة تلك الشجرة، وأدرها في لهواتك، ففعل فأودعني الله سبحانه صلب أبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد، فوضعتني وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون.

يا أبا الحسن! المؤمن ينظر بنور الله»)(1).

والحديث الشريف يكشف عن جملة من الأمور، منها:

1 - إن الغرض من الحديث هو العلم، بمعنى: أن فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها أرادت أن تظهر لعلي صلوات الله عليه وعمار بن ياسر مبلغ علمها، ومصدر حصولها على هذا العلم، ومن ثم فإن حقيقة علم فاطمة هو

ص: 109


1- عيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب: ص 47؛ البحار للمجلسي: ج 43، ح 8؛ نفس الرحمان للطبرسي: ص 422.

أنها مخلوقة من نور علم الله، وذلك إن أصل الحديث كان عن العلم وليس أصل الحديث وغرضه إظهار أنها خلقت من ثمار الجنة - كما مرّ سابقاً - وإنما لإظهار أنها خلقت من نور علم الله تعالى، وإن لم تصرح باسم هذا النور وخاصيته، فقد اكتفت بإظهار آثار هذا النور وهو علمها بما كان، وبما هو كائن، وبما لم يكن إلى يوم القيامة، أي إظهار حقيقة أنها مخلوقة من نور الله تعالى.

2 - الظاهر من سياق الرواية أن رجوع أمير المؤمنين عليه السلام عند سماعه لحديث فاطمة صلوات الله عليها هو ليس لعدم معرفته بمنزلة فاطمة وما خصها الله تعالى به من الكرامة لاسيما بالعلم وخاصة إن هناك العديد من الروايات الشريفة التي تشير إلى أن المعصوم عليه عليه السلام قد خصه الله بمعرفة الحقائق وإحاطته بها وفاطمة عليها السلام من أهل العصمة ومن ثم فإن أمير المؤمنين عليه السلام يعلم بذلك؛ لكن الظاهر من رجوعه هو إظهارها لهذه المنزلة أمام عمار بن ياسر.

بمعنى:

أن هذه المقامات هي مستودعة عند أهلها وإن إظهارها مرهون بكثير من الشروط والمقدمات ولعل عمار بن ياسر كان أحد أولئك الذين نالوا شرف الوصول إلى هذه الرتبة فأحرز سماع هذه المفضلية ومن ثم نجده قد خص بها سلمان المحمدي دون غيره فحدثه بما سمع ورأى من علي وفاطمة صلوات الله عليهما؛ بمعنى: لا يستطيع كثير من الناس تصنيف ذلك ولعل بعضهم يشكل فيما سمع ولعل غيرهم يستهزء وينكر.

والشهواد على ذلك كثيرة، نورد منها شاهداً واحداً، وهو قوله صلى الله

ص: 110

عليه وآله وسلم في حق علي عليه السلام:

«لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولاً لا تمر بملأ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة»(1).

ولذا فهي كرامة أرادت فاطمة صلوات الله عليها اتحاف الصحابي المنتجب عمار بن ياسر بها، وإلاّ ليس هناك مسوغ لاصطحاب أمير المؤمنين عليه السلام لعمار وذهابه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن سمع من فاطمة عليها السلام هذه الفضيلة.

بمعنى:

أن أمير المؤمنين عليه السلام أراد بيان الأمر وتأكيده لعمار بن ياسر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولذا اصطحبه معه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ومما يدل عليه: قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«نور فاطمة من نورنا».

بصيغة الاستفهام ليكون الجواب من الحضرة النبوية صلى الله عليه وآله وسلم:

«أولا تعلم ؟».

وسكوته عن الجواب: يدل على أن المراد هنا في معرفة علم فاطمة هو عمار

ص: 111


1- الكافي للكليني: ج 8، ص 57؛ الأمالي للصدوق: ص 709.

بن ياسر وأن نور فاطمة من نور محمد وعترته صلوات الله عليهم أجمعين.

3 - إن الذي يستفاد من بعض النصوص إن هذه الشجرة التي أودع الله فيها نور فاطمة فأضاءت هي الشجرة التي ورد ذكرها في آية النور وذلك لتناسب دلالة الرواية مع دلالات الآية الشريفة فضلاً عن احتوائها لبعض المفردات التي تتسق مع العلم؛ ولذا نجد الآية الكريمة ختمت بصفة العليم فقال سبحانه:

وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (1) .

قال تعالى:

اَللّٰهُ نُورُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اَللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَضْرِبُ اَللّٰهُ اَلْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ وَ اَللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ (2) .

وهذه الدلالات الجمة التي تسير جنباً إلى جنب مع قول بضعة النبوة، وكونها المشكاة، ونور تلك الشجرة الزيتونة التي أضاءت في الجنة وأضاءت بنور العلم على العالم.

وهو نفس المعنى الذي أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام في حديثه مع المنصور العباسي وقد ملئ غضباً منه وذلك أن الناس كانت تحدث ببعض مناقبه ومقاماته فساء المنصور ما يسمع، فقال له:

ص: 112


1- سورة البقرة، الآية: 282.
2- سورة النور، الآية: 35.

(ولقد تعلم ما يقال فيك من الزور والبهتان، وإمساكك عن ذلك ورضاك به سخط الديان، زعم أوغاد الحجاز ورعاع الناس: أنك حبر الدهر وناموسه، وحجة المعبود وترجمانه، وعيبة علمه وميزان قسطه، ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى ضياء النور، وإن الله لا يقبل من عامل جهل حقك في الدنيا عملاً، ولا يرفع له يوم القيامة وزنا، فنسبوك إلى غير حدك، وقالوا فيك ما ليس فيك، فقل فإن أول من قال الحق جدك، وأول من صدقه عليه أبوك، وأنت حري أن تقتص آثارهما وتسلك سبيلهما. فقال الإمام الصادق عليه السلام:

«أنا فرع من فروع الزيتونة، وقنديل من قناديل بيت النبوة، وأديب السفرة، وربيب الكرام البررة، ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور، وصفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر»)(1).

ويؤيّد هذا المعنى ما رواه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله في كتابه مصباح الأنوار بإسناده (عن رجاله مرفوعا إلى المفضل بن عمر قال: دخلت على الصادق عليه السلام ذات يوم فقال لي:

«يا مفضل هل عرفت محمداً وعلياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كنه معرفتهم ؟».

قلت: يا سيدي وما كنه معرفتهم ؟ قال:

«يا مفضل تعلم أنهم في طرف عن الخلائق بجنب الروضة الخضرة فمن عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى».

ص: 113


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 710؛ البحار للمجلسي: ج 10، ص 217.

قال، قلت: عرفني ذلك يا سيدي ؟ قال:

«يا مفضل تعلم أنهم علموا ما خلق الله عزّ وجل وذرأه وبرأه وأنهم كلمة التقوى وخزناء السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار وعرفوا كم في السماء نجم وملك ووزن الجبال وكيل ماء البحار وأنهارها وعيونها وما تسقط من ورقة إلا علموها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس، إلاّ في كتاب مبين وهو في علمهم وقد علموا ذلك».

فقلت: يا سيدي قد علمت ذلك وأقررت به وآمنت، قال:

«نعم يا مفضل، نعم يا مكرم، نعم يا محبور، نعم يا طيب، طبت وطابت لك الجنة ولكل مؤمن بها»)(1).

فكيف إذا استحضرنا مع هذه المعرفة إن فاطمة عليها السلام سميت بهذا الاسم لأن الله تعالى فطمها بالعلم ؟

المسألة الثانية: علمها الذي أخذته عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلما وما روت عنه
اشارة

لقد مرّ علينا آنفاً أن نور فاطمة عليها السلام وعلمها من نور محمد وعترته صلوات الله عليهم، وعلمهم أجمعين إلاّ أن الله تعالى قد خص رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بعلوم لم يخص بها أحداً من عباده لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل.

ص: 114


1- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة للسيد شرف الدين الاسترآبادي: ص 488؛ تفسير كنز الدقائق للشيخ محمد رضا القمي المشهدي: ج 11، ص 62.

ولذا كان هو السراج المنير الذي أضاء بنوره العوالم التي خلقها الله تعالى، قال سبحانه وتعالى:

يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِنّٰا أَرْسَلْنٰاكَ شٰاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً(1) .

وهذا العلم المكنون في قلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فتح أبوابه لوصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حينما قال:

«علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب».

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنا مدينة العلم وعلي بابها».

ومن هذه المدينة وأبوابها فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة من العلوم ما لا يعلمه إلاّ الله تعالى والأئمة المعصومين من ولدها؛ إلاّ أن الفارق فيما بينها وبين أمير المؤمنين صلوات الله عليهما إن فاطمة عليها السلام كانت في زمن اثنين من المعصومين وهما أبوها وبعلها؛ ومن ثم فإن البيان والتبليغ كان لهما، وهذا أولاً.

وثانياً: إن الفترة القصيرة التي عاشتها فاطمة بعد وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتتابع المصائب عليها وانصراف الناس إلى شؤون العهد الجديد وتركهم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم واتباعهم الاجتهادات ونكرانهم لوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته، كل ذلك وغيره حجب عن التراث الإسلامي ما كان لفاطمة من

ص: 115


1- سورة الأحزاب، الآية: 45.

العلوم وحرم المسلمين من التزود من قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومحل نزول الفيض الأقدس الذي:

نَزَلَ بِهِ اَلرُّوحُ اَلْأَمِينُ عَلىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ اَلْمُنْذِرِينَ (1) .

ولذا:

نجد أن رواياتها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت قليلة وذلك لإعلان الحرب عليها بكل أنواعها الاقتصادية والاعلامية والعسكرية إلى الحد الذي عزموا فيه على الإبادة الجماعية لأهل هذا البيت وحرقه بمن فيه.

فبعد هذا كيف نجد في التراث الإسلامي ظهور علم فاطمة عليها السلام ولكن يأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

إذن:

يُعدّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المصدر الثاني لعلم فاطمة عليها السلام كما كان لعلي صلوات الله وسلامه عليه؛ ولقد تناولنا سابقاً قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتزويدها في الأمور العبادية كثيراً من الأدعية والصلوات التي لم يخص بها أحداً غيرها.

ونحاول هنا: أن نورد بقية الروايات التي كشفتها فاطمة عليها السلام أو التي رواها الأئمة من بعدها فنقلوا لنا بعضاً مما أخذته فاطمة عليها السلام عن أبيها خلال عمرها القصير الذي عاشته معه فكان ثمانية عشر سنة وهو مبلغ سنها منذ الولادة وحتى الوفاة؛ فكانت هذه الأحاديث كالآتي:

ص: 116


1- سورة الشعراء، الآيتان: 193 و 194.
أولاً: ما روته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أبواب الفقه
ألف: الصلاة الواجبة

1 - روى السيد علي بن طاووس في فلاح السائل، بحذف الإسناد (عن سيدة النساء فاطمة ابنة سيد الأنبياء صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها أنها سألت أباها محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم فقالت:

«يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء»؟

قال:

«يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة؛ ست منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة، إذا خرج من قبره: فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا فالأولى يرفع الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عزّ وجل سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين، وأما اللواتي تصيبه عند موته فأولاهن أنه يموت ذليلا، والثانية يموت جائعا، والثالثة يموت عطشانا (عطشان)، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه، وأما اللواتي تصيبه في قبره أولاهن يوكل الله به ملكا يزعجه في قبره، والثانية يضيق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره، وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره فأولاهن أن يوكل الله به ملكا يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية يحاسبه حسابا شديدا، والثالثة لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم»)(1).

ص: 117


1- مستدرك الوسائل للمحدث النوري: ج 3، ص 24.

2 - أخرج الخطيب البغدادي (عن عبد الله بن الإمام الحسن عن أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«خياركم ألينكم مناكب في الصلاة»)(1).

باء: في العتق

روى الشيخ الطوسي (عن الحكم بن أبي نعيم، قال: سمعت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحدث عن أبيها، قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أعتق رقبة مؤمنة كان له بكل عضو منها فكاك عضو منه من النار»)(2).

جيم: في المسكر

روى المحدث النوري (عن جعفر بن محمد عن آبائه صلوات الله عليهم أجمعين عن فاطمة عليها السلام قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا حبيبة أبيها كل مسكر حرام وكل مسكر خمر»)(3).

دال: في التختم

روى الحر العاملي (عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 118


1- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 12، ص 49، برقم 6428.
2- الأمالي للطوسي: ص 390.
3- مستدرك الوسائل: ج 17، ص 58.

قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من تختم بالعقيق لم يزل يرى خيرا»)(1).

هاء: الرجل أحق بصدر دابته والصلاة في منزله

روى الدولابي (عن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام قال:

«خرجت أمشي مع جدي الحسين بن علي عليهما السلام إلى أرضه فأدركنا النعمان بن بشير على بغلة له، فنزل عنها وقال للحسين عليه السلام: اركب أبا عبد الله فأبى، فلم يزل يقسم عليه، حتى قال: أما إنك قد كلفتني ما أكره، ولكن أحدثك حديثاً حدثتنيه أمي فاطمة صلوات الله عليها: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: الرجل أحق بصدر دابته، وفراشه، والصلاة في بيته إلاّ إمام يجمع الناس فاركب أنت على صدر الدابة وأردفني خلفك.

فقال النعمان: صدقت فاطمة حدثني أبي وهو ذا هي بالمدينة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إلاّ أن يأذن.

فلما حدثه النعمان بهذا الحديث ركب الحسين عليه السلام السرج، وركب النعمان خلفه»)(2).

والحديث يكشف عن أن هذه الخاتمة التي ذكرها النعمان عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم (إلا أن يؤذن) هي من أصل الحديث وأن الإمام الحسين عليه السلام كان يعلم بتمام الحديث الشريف وأن فاطمة عليها السلام حدثته كذلك،

ص: 119


1- وسائل الشيعة: ج 3، ص 401.
2- الذرية الطاهرة للدولابي: ص 137، ح 171.

ولكن أراد عليه السلام أن لا يكلف النعمان المشقة ولذا: كان عليه السلام من البدء يرفض الركوب حرصاً على راحة النعمان، فضلاً عن التواضع.

فلما أتم للإمام الحديث وجد عليه السلام الاستجابة لطلبه تقريراً منه عليه السلام على هذه الرواية التي أوردها النعمان عن أبيه في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولذا: جلس على السرج.

واو: في أجر المريض عند الله تعالى

روى الدولابي (عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة الكبرى عليها السلام قالت:

«قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إذا مرض العبد أوحى الله إلى ملائكته: أن ارفعوا عن عبدي القلم، ما دام في وثاقي، فإني أنا حبسته، حتى أقبضه أو أخلي سبيله».

قال: فذكرت لبعض ولده فقال: كان أبي يقول:

«أوحى الله إلى ملائكته أكتبوا لعبدي أجر ما كان يعمل في صحته»)(1).

زاي: ما يقرأ من الأذكار قبل النوم

عن فاطمة عليها السلام أنها قالت:

«دخل عليّ أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإني قد افترشت الفراش وأردت أن أنام، فقال: يا فاطمة لا تنامي حتى تعمل أربعة أشياء: حتى تختمي القرآن،

ص: 120


1- الذرية الطاهرة للدولابي: ص 149، برقم 189؛ قوت القلوب لأبي طالب المكي: ص 46.

وتجعلي الأنبياء شفعاءك، وتجعلي المؤمنين راضين عنك، وتعملي حجة وعمرة.

ودخل في الصلاة، فتوقفت في فراشي، حتى أتم الصلاة، فقلت: يا رسول الله أمرتني بأربعة أشياء لا أقدر في هذه الساعة أن أفعلها.

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إذا قرأت قل هو الله أحد(1) ثلاث مرات، فكأنك ختمت القرآن، وإذا صلّيت عليّ وعلى الأنبياء من قبلي، فقد صرنا لك شفعاء يوم القيامة، وإذا استغفرت للمؤمنين فكلهم راضون عنك، وإذا قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فقد حججت واعتمرت»)(2).

حاء: في ثواب قراءة سورة الرحمن والواقعة والحديد

أخرج البيهقي وعنه السيوطي، (عن محمد بن علي عليهما السلام عن فاطمة عليها السلام قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قارئ الحديد وإذا وقعت والرحمن يدعى في ملكوت السماوات والأرض ساكن الفردوس»)(3).

طاء: في التعامل مع المجذوم

أخرج الحافظ عمر بن شاهين (عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين عليهم السلام، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

ص: 121


1- سورة التوحيد.
2- مسند فاطمة عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلام: ص 173.
3- شعب الإيمان للبيهقي: ج 2، ص 491؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 234؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 1، ص 583؛ فيض القدير للمناوي: ج 4، ص 614.

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم المجذوم ففروا منه كما تفرون من الأسد، وإذا كلمتموه فكلموه وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين»)(1).

ثانيا: ما روته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآداب والسنن
ألف: في النهي عن البخل وبيان مضاره

عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن الحسين بن علي، عن أمه فاطمة عليها السلام قالت:

«قال لي أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إياك والبخل فإنه عاهة لا تكون في كريم، إياك والبخل فإنه شجرة في النار وأغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله النار. والسخاء شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الجنة»)(2).

باء: في عاقبة الظلم

عن عبد الله بن الحسن، (عن أبيه الإمام الحسن عليه السلام عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما التقى جندان ظالمان إلا تخلى الله عنهما ولم يبال أيهما غلب، وما التقى جندان ظالمان إلاّ كانت الدبرة على أعتاهما»)(3).

ص: 122


1- ناسخ التواريخ لابن شاهين: ص 518؛ مسند الفردوس للديلمي: ج 1، ص 262، برقم 1017.
2- دلائل الإمام للطبري: ص 4.
3- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 553.
جيم: في إكرام الضيف، وفضل السكوت إلاّ في قول الخير

روى الحر العاملي (عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن إسحاق بن عبد العزيز عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«جاء ت فاطمة عليها السلام تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض أمرها فأعطاها كربة وقال: تعلمي ما فيها فإذا فيها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت»)(1).

دال: أربع صفات من كن فيه كان من شرار الأمة

روى البيهقي والمنذري وابن أبي الدنيا (عن عبد الله بن الحسن المجتبى عن أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: شرار أمتي الذين غدوا بالنعيم، الذين يأكلون ألوان الطعام، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام»)(2).

هاء: في غسل اليدين من الطعام

روى الدولابي (عن الحسين بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن أبيها، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يلومن إلاّ نفسه من بات وفي يده غمر»)(3).

ص: 123


1- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 12، ص 126.
2- شعب الإيمان للبيهقي: ج 5، ص 33؛ الترغيب والترهيب: ج 3، ص 115، الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا: ج 3، ص 115.
3- الذرية الطاهرة للدولابي: ص 138، والغمر: الدهن ودسم الطعام.
ثالثا: ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الفضائل
ألف: في بيان عمر الأنبياء عليهم السلام

روى اسحاق بن راهوية في مسنده، في باب: ما يروى عن فاطمة عليها السلام، عن يحيى بن جعدة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام:

«إنه لم يعمر نبيّ قط إلاّ عمّر الذي بعده نصف عمر صاحبه، عمر عيسى أربعين وأنا عشرين»(1).

ورواه الهيثمي بلفظ آخر:

عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

«قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن عيسى بن مريم مكث في بني إسرائيل أربعين سنة»(2).

باء: في بيان شدة ابتلاء الأنبياء عليهم السلام

روى الديلمي في مسنده عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أشد الناس بلاءاً الأنبياء ثم الصالحون الذين يلونهم»(3).

ص: 124


1- مسند ابن واهوية: ج 5، ص 10.
2- مجمع الزوائد: ج 8، ص 206؛ مسند الموصلي: ج 12، ص 109.
3- مسند الفردوس للديلمي: ج 1، ص 212، برقم 808؛ كشف الخفاء للعجلوني: ج 1، ص 144.
جيم: روايتها لحديث الكساء

يعد حديث الكساء من الأحاديث المشهورة التي تناولها الرواة بالتحديث والرواية بين الاختصار والتمام فمنها ما أخرجه أحمد في المسند(1)، والترمذي في السنن(2)، و الحاكم النيسابوري(3)؛ وابن أبي شيبة(4)، وابن عاصم(5)، والنسائي(6)، والموصلي(7)، وغيرهم.

إلا انني أحببت ان أورد ما عثرت عليه في مخطوط للحافظ الخركوشي الشافعي وقد روى حديث الكساء عن أم سلمة وعائشة مشتركا وبلفظ جديد ينقل صورة فريدة في كيفية جمع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأهل بيته من حوله وكيفية تجليلهم بالكساء فكانت صورة فريدة وجديدة لم أعثر عليها في الكتب المطبوعة، وهي كالآتي:

قال: (عن أم سلمة وعايشة أشتمل بالعباء، قالت: سمعناه يقول وقد الصق ظهر علي على صدره صلى الله عليه وآله وسلم وظهر فاطمة الى ظهره، والحسن على يمينه، والحسين على يساره، ثم عمهم ونفسه بالعبا حتى غطاهم.

قالت عائشة: ولقد لفّهم فيه حتى أنه حبل أطرافه تحت قدميه؛ ثم قالت:

ص: 125


1- مسند أحمد: ج 6، ص 292.
2- سنن الترمذي: ج 5، ص 31.
3- مستدرك الحاكم: ج 2، ص 416.
4- المصنف لابن أبي شيبة: ج 7، ص 501.
5- السنة لابن أبي عاصم: ص 589.
6- السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 113.
7- مسند أبي يعلى الموصلي: ج 12، ص 451.

ورفع طرفه إلى السماء وأشار بسبابتيه وما كاد يبين وجهه: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي أنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم، اللهم والي من والاهم، وعادي من عاداهم، وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجبرائيل حاضر فآمن على الدعاء وقال: وأنا معكم يا محمد؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم(1).

فعن جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمة الله عليهم أجمعين)، قال: سمعت فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنها قالت:

«دخل عليّ أبي رسول الله في بعض الأيام، فقال: السلام عليك يا فاطمة! فقلت: وعليك السلام.

قال: إنّي أجد في بدني ضعفاً، فقلت له: أعيذك بالله يا أبتاه! من الضعف.

فقال: يا فاطمة! إيتيني بالكساء اليماني، فغطيني به، فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به، وصرت أنظر إليه، وإذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله.

فما كانت إلاّ ساعةً ، وإذا بولدي الحسن قد أقبل، وقال: السلام عليكِ يا أماه!

فقلت: وعليك السلام، يا قرة عيني، وثمرة فؤادي.

فقال لي: يا أماه! إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله. فقلت: نعم، إن جدك تحت الكساء، فأقبل الحسن نحو الكساء، وقال: السلام عليك يا جداه! يا رسول الله، أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء؟ فقال: وعليك السلام، يا ولدي، ويا صاحب حوضي، قد أذنت لك، فدخل معه تحت الكساء.

ص: 126


1- شرف المصطفى للخركوشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد برقم: (1887).

فما كانت إلا ساعة وإذا بولدي الحسين قد أقبل وقال: السلام عليك يا أماه!

فقلت: وعليك السلام يا ولدي، ويا قرّة عيني، وثمرة فؤادي، فقال لي: يا أماه!

إنّي أشمّ عندك رائحة طيبة كأنّها رائحة جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: نعم، يا بني إن جدك وأخاك تحت الكساء، فدنى الحسين نحو الكساء، وقال: السلام عليك، يا جداه! السلام عليك، يا من اختاره الله! أتأذن لي أن أكون معكما تحت الكساء.

فقال: وعليك السلام، يا ولدي، وشافع أمّتي، قد أذنت لك، فدخل معهما تحت الكساء. فأقبل عند ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب، وقال: السلام عليك يا بنت رسول الله.

فقلت: وعليك السلام يا أبا الحسن! ويا أمير المؤمنين!

فقال: يا فاطمة! إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة أخي وابن عمي رسول الله.

فقلت: نعم، ها هو مع ولديك تحت الكساء.

فأقبل علي نحو الكساء، وقال: السلام عليك، يا رسول الله! أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟

قال له: وعليك السلام يا أخي، ويا وصيّي، وخليفتي، وصاحب لوائي، قد اذنت لك، فدخل علي تحت الكساء.

ثم أتيت نحو الكساء، وقلت: السلام عليك، يا أبتاه! يا رسول الله! أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟

قال: وعليك السلام، يا بنتي، ويا بضعتي، قد أذنت لك، فدخلت تحت الكساء.

فلما اكتملنا جميعاً تحت الكساء، أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء، وأومئ بيده اليمنى إلى السماء، وقال: اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي، وخاصتي وحامتي، لحمهم

ص: 127

لحمي، ودمهم دمي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويحزنني ما يحزنهم، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، وعدوٌ لمن عاداهم، ومحبّ لمن أحبهم، إنهم منّي وأنا منهم، فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليّ وعليهم، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

فقال الله عزّ وجل: يا ملائكتي! ويا سكّان سماواتي! إنّي ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية، ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة، ولا فلكا يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسري، إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء.

فقال الأمين جبرائيل: يا رب! ومن تحت الكساء؟

فقال الله عزّ وجل: هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، هم فاطمة وابوها وبعلها وبنوها. فقال جبرائيل: يا رب! أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادسا؟ فقال الله: نعم، قد أذنت لك.

فهبط الأمين جبرائيل وقال: السلام عليك يا رسول الله! العلي الأعلى يقرؤك السلام، ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: وعزّتي وجلالي، إني ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية، ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة، ولا فلكا يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسري، إلا لأجلكم ومحبتكم، وقد أذن لي أن أدخل معكم، فهل تأذن لي يا رسول الله ؟

فقال رسول الله: وعليك السلام، يا أمين وحي الله! إنّه نعم، قد أذنت لك.

فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء، فقال لأبي: إن الله قد أوحى إليكم، يقول:

إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(1) .

ص: 128


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.

فقال علي لأبي: يا رسول الله! أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله ؟ فقال النبي: والذي بعثني بالحق نبيا، واصطفاني بالرسالة نجيا، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض، وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا إلا ونزلت عليهم الرحمة، وحفت بهم الملائكة، واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا.

فقال علي: إذا والله فزنا، وفاز شيعتنا ورب الكعبة.

فقال أبي رسول الله: يا علي! والذي بعثني بالحق نبيا، واصطفاني بالرسالة نجيا، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الارض، وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا، وفيهم مهموم إلا وفرج الله همه، ولا مغموم إلا وكشف الله غمه، ولا طالب حاجة إلا وقضى الله حاجته. فقال علي: إذا والله فزنا وسعدنا، وكذلك شيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة ورب الكعبة»(1).

جيم: ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام
1 - روايتها لحديث الغدير

روى العلامة الأميني عن شمس الدين أبو الخير الجزري الشافعي الدمشقي في كتابه أسس المطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام، إنه قال: (وألطف طريق وقع لهذا الحديث (يعني الغدير) وأغربه ما حدثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن المحب المقدسي مشافهة، أخبرتنا الشيخة أم محمد زينب ابن أحمد بن عبد الرحيم المقدسية، عن أبي المظفر محمد بن فتيان بن المثنى، أخبرنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ.

ص: 129


1- مسند فاطمة الزهراء للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 18-20.

إلى أن يقول بسنده المتصل: حدثتني عن أم كلثوم بنت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله سلم، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قالت:

«أنسيتم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم، من كنت مولاه فعلي مولاه ؟».

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنت مني بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام ؟»)(1).

2 - من كنت وليه فعلي وليه

روى المجلسي عن الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام بسنده إلى الحسين بن علي عليهما السلام عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

«من كنت وليه فعلي وليه، ومن كنت إمامه فعلي إمامه»(2).

3 - إن علي عليه السلام نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم

روى علي بن يونس العاملي (المتوفى 877 ه -) والسيد هاشم البحراني (المتوفى 1107 ه -) عن عائشة قالت: قالت فاطمة عليها السلام:

«لما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضل بعض الصحابة لم يقل في علي شيئاً، فقيل له في ذلك فقال: علي نفسي فمن رأيت يقول في نفسه شيئاً»(3).

ص: 130


1- الغدير للعلامة الأميني: ج 1، ص 197؛ موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام: ج 5، ص 151؛ شرح إحقاق الحق: ج 21، ص 28.
2- البحار للمجلسي: ج 38، ص 112.
3- الصراط المستقيم لعلي بن يونس: ج 1، ص 250؛ غاية المرام للبحراني: ج 5، ص 23.
4 - إنك وشيعتك في الجنة

روى الأربلي عن المحدث الحنبلي عن فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: أما إنك يا ابن أبي طالب وشيعتك في الجنة»(1).

5 - في حال الملكين الكاتبين الذين صحبا الإمام علي عليه السلام

عن الإمام الحسن بن علي، قال:

أخبرتني فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أخبرني جبرائيل عن كاتبي علي أنهما لم يكتبا على علي ذنباً منذ صحباه»(2).

6 - إن الله تعالى غفر لعلي خاصة في عشية عرفة

روى الشيخ الصدوق رحمه الله والقاضي النعمان المغربي والطبري الشيعي وابن شهر آشوب وغيرهم، عن فاطمة الصغرى بنت الحسين عليه السلام عن الإمام الحسين عليه السلام، عن أمه فاطمة بن محمد صلوات الله عليهم قالت:

«خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية عرفة، فقال: إن الله تبارك وتعالى باهى بكم وغفر لكم عامة، ولعلي خاصة، وإني رسول الله غير محاب لقرابتي، وهذا جبرائيل يخبرني أن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب

ص: 131


1- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 137.
2- كنز الفوائد للكركي: ص 162؛ البحار: ج 25، ص 193.

علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي حق الشقي من أبغض علياً عليه السلام في حياته وبعد موته»(1).

7 - إن علياً عليه السلام هو المخصوص بقوله عزّ وجل: وَ قٰالَ اَلْإِنْسٰانُ مٰا لَهٰا

روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن هارون بن خارجة رفعه عن فاطمة عليها السلام قالت:

«أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر ففزع الناس إلى أبي بكر وعمر فوجدوهما قد خرجا فزعين إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فتبعهما الناس حتى انتهوا إلى باب علي فخرج إليهم علي غير مكترث لما هم فيه ومضى فاتبعه الناس حتى انتهى إلى تلعة فقعد عليها وقعدوا وهم ينظرون إلى حيطان المدينة ترتج جائية وذاهبة فقال علي عليه السلام لهم كأنكم قد هالكم ما ترون قالوا وكيف لا يهولنا ولم نر مثلها قط.

قالت عليها السلام: فحرك شفتيه ثم ضرب الأرض بيده ثم قال: ما لك اسكني فكسنت فعجبوا من لك أكثر من عجبهم أولا حين خرج إليهم فقال إنكم قد عجبتهم من صنيعي قالوا نعم، قال: أنا الرجل الذي قال الله عزّ وجل:

إِذٰا زُلْزِلَتِ اَلْأَرْضُ زِلْزٰالَهٰا وَ أَخْرَجَتِ اَلْأَرْضُ أَثْقٰالَهٰا وَ قٰالَ اَلْإِنْسٰانُ مٰا لَهٰا .

فأنا الإنسان الذي أقول لها يومئذ تحدث أخبارها إياي تحدث»(2).

ص: 132


1- الأمالي للصدوق: ص 249؛ شرح الأخبار: ج 1، ص 209؛ المسترشد للطبري: ص 464؛ المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 3.
2- علل الشرايع للصدوق: ج 2، ص 556؛ المناقب لابن شهر آشوب: ج 2، ص 151؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 67.
8 - إن الله تعالى يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإسراء والمعراج بأن علي ولي الله ويشهد على ذلك الملائكة

أخرج فرات الكوفي بسنده عن علي بن عتاب معنعناً عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لما عرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى فكان قاب قوسين أو أدنى فأبصرته بقلبي ولم أره بعيني، فسمت أذانا مثنى مثنى، وإقامة وترا وترا، فسمعت مناديا ينادي: يا ملائكتي، وسكان سماواتي وأرضي، وحملة عرشي، اشهدوا أني لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي، قالوا: شهدنا وأقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي، وسكان سماواتي، وأرضي، وحملة عرشي بأن (أن) محمداً عبدي ورسولي، قالوا: شهدنا، وأقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي، وسكان سماواتي، وأرضي، وحملة عرشي، بأن (أن) علياً وليّي، وولي رسولي، وولي المؤمنين بعد رسولي، قالوا: شهدنا وأقررنا»(1).

9 - إن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم وشيعة علي عليه السلام يدعون بأسماء آبائهم

روى العلامة المجلسي رحمه الله (عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

«سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فإذا انا بقصر من درة بيضاء مجوفة، وعليها باب مكلل بالدر والياقوت، وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب (لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي القوم) وإذا مكتوب على الستر بخ بخ من مثل شيعة علي ؟

ص: 133


1- تفسير فرات الكوفي: ص 342.

فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوف، وعليه باب من فضة مكلل بالزبرجد الأخضر، وإذا على الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب (محمد رسول الله علي وصي المصطفى) وإذا على الستر مكتوب: (بشر شيعة علي بطيب المولد).

فدخلته فإذا أنا بقصر من زمرد أخضر مجوف لم أر أحسن منه، وعليه باب من ياقوتة حمراء مكللة باللؤلؤ وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر شيعة علي هم الفائزون، فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذا؟ فقال: يا محمد لابن عمك ووصيك علي بن أبي طالب عليه السلام يحشر الناس كلهم يوم القيامة حفاة عراة إلا شيعة علي ويدعى الناس بأسماء أمهاتهم ما خلا شيعة علي عليه السلام فإنهم يدعون بأسماء آبائهم فقلت: حبيبي جبرئيل وكيف ذاك ؟ قال: لأنهم أحبوا عليا فطاب مولدهم»(1).

دال: ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولديها الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين

1 - أخرج أبو يعلى الموصلي عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام عن فاطمة الكبرى بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لكل بني أم عصبة ينتمون إليه إلاّ ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم»(2).

ص: 134


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 65، ص 76؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 141؛ مستدرك سفينة البحار: ج 6، ص 115.
2- مسند أبي يعلى الموصلي: ج 12، ص 109؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 423؛ كشف الخفاء للعجلوني: ج 2، ص 120.

2 - روى الهيثمي وغيره عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها أتت بالحسن والحسين عليهما السلام في شكواه الذي توفي فيها فقالت:

«يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئاً فقال: أما حسن فله هيبتي وسؤددي، وأما حسين فله جرأتي وجودي»(1).

3 - روى الدولابي عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام، عن فاطمة الكبرى بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن رسول الله كان يعوذ الحسن والحسين ويعلمهما هؤلاء الصيام كما يعلمها السورة من القرآن، يقول: (أعوذ بكلمات الله التامة من شر كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة)»(2).

أقول: لقد تناولنا خلال الجزء الثالث من الكتاب بعض الأحاديث التي تكشف عن دور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تنشئة الحسن والحسين عليهما السلام. ولذا: لم نشأ التكرار هنا.

رابعا: ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغيبيات

إنّ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأمور الواقعة بعد وفاته سواء ما يخص أهل بيته أو أصحابه أو أمته لكثيرة جدا؛ ولذا نقتصر هنا على ما روته بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 135


1- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 185؛ المستجاد من الارشاد للعلامة الحلي: ص 142؛ البحار: ج 23، ص 263.
2- الذرية الطاهرة للدولابي: ص 149.

وسلم فيما يقع من الأمور بعد وفاته والتي تعد من الأمور الغيبية، والتي تكاد تكون محصورة - أي هذه الرواية - في أمر وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتحاق فاطمة به سريعاً فكان كما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

1 - روى ابن راهوية في مسنده عن عائشة قالت: (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاءت تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرحب بها فأجلسها عن يمينه أو عن يساره فأسر إليها حديثاً فبكت فقلت لها استخصك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بحديثه ثم تبكين ؟

ثم أسر إليها فضحكت فقلت: ما رأيت فرحاً أخرج من حزن، أي شيء قال لك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فقالت:

«ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

قالت: فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقالت:

«إن جبرائيل كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقرآن وإنه أتاني العام فعارضني به مرتين ولا أرى أجلي إلاّ قد حضر وإنك لأول أهلي بي لحوقاً، ونعم السلف أنا لك، فبكيت ثم قال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو هذه الأمة»)(1).

2 - وقريب من هذا اللفظ روى الطبراني عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام:

ص: 136


1- مسند راهوية: ج 5، ص 7؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، ص 248؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 179.

(إن عائشة كانت تقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في مرضه الذي قبض فيه، قال لفاطمة:

«يا بنيّة احني عليّ ».

فاحنت عليه فناجاها ساعة ثم انكشفت وهي تبكي وعائشة حاضرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بساعة:

«احني عليّ يا بنية».

فأحنت عليه فناجاها ساعة ثم انكشفت عنه فضحكت، قالت عائشة فقلت: أي بنية أخبريني ماذا ناجاك أبوك فقالت فاطمة:

«ناجاني على حال سر ظننت إني أخبر بسره وهو حي».

فشق ذلك على عائشة أن يكون سرا دونها، فلما قبضه الله قالت عائشة لفاطمة: يا بنية ألا تخبريني بذلك الخبر! قالت:

«أما الآن فنعم ناجاني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل عليه السلام كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة وأنه عارضه بالقرآن العام مرتين وأخبرني أنه أخبره أنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله وأنه أخبرني أن عيسى بن مريم عاش عشرين ومئة سنة ولا أراني ذاهبا على رأس الستين فأبكاني ذلك وقال يا بنية إنه ليس من نساء المسلمين امرأة أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى من امرأة صبرا وناجاني في المرة الآخرة فأخبرني أني أول أهله لحوقا به وقال إنك سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من البتول مريم بنت عمران فضحكت بذلك»)(1).

ص: 137


1- المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 417؛ الذرية الطاهرة للدولابي: ص 147.

2 - حديث النساء المعذبات

قال علي بن عبد الله الوراق: حدثنا محمد بن ابي عبد الله الكوفي، عن سهل بن زياد الأدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن محمد بن علي الرضا، عن ابيه الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال:

«دخلت أنا وفاطمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدته يبكي بكاءً شديداً، فقلت: فداك أبي وأمي يا رسل الله ما الذي أبكاك، فقال: يا علي ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد فأنكرت شأنهن فبكيت لما رأيت من شدة عذابهن.

ورأيت امرأة علقة بشعرها، يغلى دماغ رأسها، ورأيت امرأة معلقة بلسانها، والحميم يصب في حلقها، ورأيت امرأة معلقة بثدييها، ورأيت امرأة تأكل لحم جسدها، والنار توقد من تحتها، ورأيت امرأة قد شد رجلاها إلى يديها وقد سلط عليها الحيات والعقارب، ورأيت امرأة صماء عمياء خرساء في تابوت من نار يخرج دماغ رأسها من منخرها وبدنا متقطع من الجذام والبرص، ورأيت امرأة علقة برجليها في تنور من نار، ورأيت امرأة تقطع لحم جسدها من مقدمها ومؤخرها بمقاريض من نار، ورأيت امرأة يحرق وجهها ويداها وهي تأكل أمعاء ها، ورأيت امرأة رأسها رأس الخنزير وبدنها بدن الحمار وعليها ألف ألف لون منا لعذاب، ورأيت امرأة على صورة الكلب والنار تدخل في دبرها وتخرج من فيها والملائكة يضربون رأسها وبدنها بمقامع من نار.

ص: 138

فقالت فاطمة عليها السلام: حبيبي وقرة عيني أخبرني ما كان عملهن وسيرتهن حتى وضع الله عليهن هذا العذاب ؟ فقال: يا بنيتي أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال، وأما المعلقة بلسانها، فإنها كانت تؤذي زوجها، وأما المعلقة بثدييها، فإنها كانت تمتنع من فراش زوجها، وأما المعلقة برجليها، فإنها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها، وأما التي كانت تأكل لحم جسدها فإنها كانت تزين بدنها للناس، وأما التي شد يداها إلى رجليها وسلط عليها الحيات والعقارب فإنها كانت قذرة الوضوء قذرة الثياب وكانت لا تغتسل من الجنابة والحيض ولا تتنظف وكانت تستهين بالصلاة، وأما الصماء العمياء الخرساء فإنها كانت تلد من الزنا فتعلقه في عنق وزجها، وأما التي كانت تقرض لحمها بالمقاريض فإنها كانت تعرض نفسها على الرجال وأما التي كانت تحرق وجهها وبدنها وهي تأكل أمعاءها فإنها كانت قوادة، وأما التي كان رأسها رأس الخنزير وبدنها بدن الحمار، فإنها كانت نمامة كذابة، وأما التي كانت على صورة الكلب والنار تدخل في دبرها وتخرج من فيها فإنها كانت قينة نواحة حاسدة.

ثم قال عليه السلام: ويل لامرأة أغضبت زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها»(1).

ص: 139


1- وسائل الشيعة: ج 20، ص 213؛ عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 10-11.

المبحث الثاني: مصحف فاطمة صلوات الله عليها

اشارة

ما زلنا في بحث مصادر علم فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها وتناولنا المصدر الأول لهذا العلم وهو أنها مخلوقة من نور العلم الإلهي، وإنها ممن اختصت بالعلم اللّدني، ومن ثم انتقلنا على المصدر الثاني وهو ما علمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العلم كما علم علياً صلوات الله عليه من علمه فكان باب مدينة علم النبوة؛ أما المصدر الثالث لعلم فاطمة عليها السلام فهم الملائكة عليهم السلام فقد كانت محدَّثة، تحدثها الملائكة ليصبح مصحف فاطمة عليها السلام هو خلاصة المصدر الثالث لعلمها وهو ما سنتناوله في هذه المسألة.

المسألة الأولى: ما هو مصحف فاطمة عليها السلام

لا يمكن لنا معرفة مصحف فاطمة دون الرجوع إلى الأئمة المعصومين من أبناء فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين فأهل البيت عليهم السلام هم أدرى بما لديهم من تراث الأنبياء عليهم السلام، فكانت الروايات الشريفة التي تحدثت عن

ص: 140

هذا المصحف وعرفت به كالآتي:

1 - روى الكليني (عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام».

قال، قلت: وما مصحف فاطمة، قال:

«إن الله تعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عزّ وجل فأرسل الله إليها ملكا يسلي غمها ويحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته بذلك فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً قال: ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون»)(1).

2 - وروى الكافي أيضاً: (عن أبي عبيدة قال سأل أبا عبد الله عليه السلام بعض أصحابنا عن الجفر، فقال:

«هو جلد ثور مملوء علما».

قال له: فالجامعة ؟ قال:

«تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلاّ وهي فيها حتى ارش الخدش».

ص: 141


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 239.

قال: فمصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال: فسكت طويلا ثم قال:

«إنكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوما وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليها السلام»)(1).

3 - روى ابن جرير الطبري (الإمامي) (عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن مصحف فاطمة عليها السلام ؟ فقال:

«أنزل عليها بعد موت أبيها صلى الله عليه وآله وسلم».

قلت: ففيه شيء من القرآن ؟ فقال:

«ما فيه شيء من القرآن».

قلت: فصفه لي ؟ قال عليه السلام:

«له دفتان من زبرجدتين على طول الورق وعرضه، حمراوين».

قلت: جعلت فداك، فصف لي ورقه ؟ قال:

«ورقه من در أبيض، قيل له كن، فكان».

قلت: جعلت فداك فما فيه ؟ قال عليه السلام:

«فيه خبر ما كان، وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر السماء، وعدد ما في السماوات من الملائكة وغير ذلك، وعدد كل من خلق الله مرسلاً، وغير

ص: 142


1- الكافي ج 1، ص 240؛ بصائر الدرجات: ص 153.

مرسل، وأسماءهم وأسماء من أرسل إليهم، وأسماء من كذب ومن أجاب، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولين والآخرين، وأسماء البلدان، وصفة كل بلد في شرق الأرض وغربها، وعدد ما فيها من المؤمنين، وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كل من كذب، وصفة القرون الأولى وقصصهم، ومن ولي من الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم، وفيه أسماء الأئمة وصفتهم، وما يملك واحدا واحدا، وفيه صفة كراتهم، وفيه صفة جميع من تردد في الأدوار من الأولين والآخرين».

قال: قلت: جعلت فداك وكم الأدوار؟ قال:

«خمسون ألف عام، وهي سبعة أدوار، وفيه أسماء جميع من خلق الله من الأولين والآخرين وآجالهم، وصفة أهل الجنة، وعدد من يدخلها، وعدد من يدخل النار، وأسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء، وفيه علم القرآن كما أنزل، وعلم التوراة كما أنزلت، وعلم الإنجيل، والزبور، وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد».

قال أبو جعفر عليه السلام:

«فلما أراد الله عز وجل أن ينزله عليها، أمر جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوا المصحف فينزلوا به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، هبطوا به عليها وهي قائمة تصلي، فما زالوا قياما حتى قعدت، فلما فرغت من صلاتها سلموا عليها، وقالوا لها: السلام يقرئك السلام، ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت لهم: الله السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، وعليكم يا رسل الله السلام، ثم عرجوا إلى السماء، فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرأه، حتى أتت على آخره.

ص: 143

ولقد كانت صلوات الله عليها طاعتها مفروضة على جميع من خلق الله من الجن، والإنس، والطير، والبهائم، والأنبياء، والملائكة».

فقلت: جعلت فداك فلما مضت إلى من صار ذلك المصحف ؟ فقال:

«دفعته إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فلما مضى صار إلى الحسن، ثم إلى الحسين، ثم عند أهله حتى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر».

فقلت: إن هذا العلم كثير)(1)!

3 - روى الصفار في البصائر عن (علي بن سعيد قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده محمد بن عبد الله بن علي إلى جنبه جالساً وفي المجلس عبد الملك بن أعين ومحمد الطيار وشهاب بن عبد ربه، فقال رجل من أصحابنا جعلت فداك إن عبد الله بن الحسن يقول لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا فقال أبو عبد الله عليه السلام بعد كلام:

«أما تعجبون من عبد الله يزعم أن أباه علي لم يكن إماماً ويقول إنه ليس عندنا علم وصدق والله ما عنده علم ولكن والله».

وأهوى بيده إلى صدره:

«إن عندنا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيفه ودرعه وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله وإنه لإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطه علي عليه السلام بيده وعندنا والله الجفر».

وما يدرون ما هو أمسك شاة أو مسك بعير ثم أقبل إلينا وقال:

ص: 144


1- دلائل الإمامة للطبري: ج 106.

«أبشروا أما ترضون أنكم تجيئون يوم القيامة آخذين بحجزة علي عليه السلام وعلي آخذ بحجزة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»)(1).

المسألة الثانية: إن دلالة الروايات تكشف عن أن مصحف فاطمة يتكون من ثلاثة أجزاء متخصصة في محتواها
اشارة

إن التأمل في الروايات السابقة ودراسة ما تضمنته من بيان لمصحف فاطمة عليها السلام ووصفه وتعريفه يكشف عن حقيقة مهمة وهي أن هذا المصحف يتكون من ثلاثة أجزاء حمل كل منها العنوان نفسه وهو أشبه ما يكون اليوم في عالم الكتب من تكون بعض العناوين من عدد من الأجزاء يحمل كل جزء منها مضموناً خاصاً به لتشكل هذه الأجزاء في النهاية ما احتواه العنوان من علوم مختلفة.

إلاّ أن الفارق بين مصحف فاطمة عليها السلام وبين ما نجده في عالم الكتب من تعدد للأجزاء ضمن العنوان الواحد هو المصدر الذي زود هذا المصحف بالعلوم والمعلومات.

بمعنى:

أن الكاتب أو الباحث هو من يقوم بكتابة كتابه فيملي فيه ما جمعه من دلائل ومعلومات وأحداث وغيرها مستنداً في ذلك إلى مصادر ومراجع أخرى؛ بينما مصحف فاطمة عليها السلام فهو من جهات معلوماتية ثلاث كانت هي السبب في جعله ضمن أجزاء ثلاثة وهي كالآتي:

ص: 145


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 153.
أولاً: إنّ الجزء الأول من مصحف فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وهو من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام

إن المستفاد من الروايات الشريفة إن مصحف فاطمة عليها السلام ليس فيه آية من آيات كتاب الله تعالى وهذا يدل على أنه ليس بكلام الله تعالى ولا يقاس بكتاب الله المجيد ولقد أكد أهل البيت عليهم السلام على هذه الحقيقة مراراً لغرض قطع الطريق على المنافقين والمبطلين والجهال كي لا ينعقوا مع كل ناعق.

ومن ثم:

فهذا المصحف الفاطمي هو مجموعة من العلوم والمعارف الإلهية والنبوية والملائكية التي لا يعلم عددها إلاّ الله تعالى ورسوله والأئمة من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

من هنا:

فقد تكوّن هذا الصرح العظيم من العلم من أجزاء ثلاثة كانت بحسب مصدرها هي:

1 - رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في حياته وبخط علي عليه السلام.

2 - إنه مخلوق في السماء وأنزل الله إليها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - إنه من جبرائيل عليه السلام وقد حدثها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 146

أما الجزء الأول الذي هو من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقد دل عليه حديث الإمام الصادق الذي أخرجه الصفار في البصائر، فقال عليه السلام:

«وعندنا والله مصحف فاطمة، ما فيه آية من كتاب الله، وإنه لإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخص علي عليه السلام بيده»(1).

والحديث يشير بوضوح إلى أن مصحف فاطمة يتكون من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام وهذا قطعاً وقع في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويظهر من سبب تسميته ب - (مصحف فاطمة) أي هذا الجزء الذي هو من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو خاص بها، بمعنى: قد أملاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأجل فاطمة عليها السلام.

وهو يؤكد ما عرضناه في بداية البحث في أن المصدر الثاني لعلم فاطمة عليها السلام هو سول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان هذا المصحف المخصوص لفاطمة عليها السلام إنما كان بعضاً من علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ويمتاز هذا المصحف كبقية الأجزاء الأخرى بخلوه تماماً من آيات القرآن الكريم على الرغم من اشتماله لعلوم ومعلومات جمة، ولعله كتلك الأبواب التي فتحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي صلوات الله عليه.

ص: 147


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 173؛ البحار للمجلسي: ج 26، ص 41؛ جامع أحاديث الشيعة للبروجردي: ج 1، ص 135.
ثانياً: إنّ الجزء الثاني خلقه الله تعالى بقدرته وأنزله بواسطة الملائكة المقربين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وهذا الجزء من مصحف فاطمة صلوات الله عليها يمتاز عن الجزئين الأول والثالث ببعض الأمور التي نص عليها حديث الإمام الباقر عليه السلام الذي أخرجه الطبري عن أبي بصير، وهي كالآتي:

1 - إنه لم يكن من إملاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بخط علي عليه السلام ولم يحدثها ملك بما فيه.

2 - إنه أنزل عليها (أو إليها) من السماء في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - إن الله تعالى يأمر جبرائيل وميكائيل وإسرافيل بحمله إليها فوضعوه في حجرها بعد أن فرغت من صلاتها وهي في المحراب.

4 - أما صفة هذا المصحف فله دفتان من زبرجدتين على طول الورق وعرضه؛ وإن لونهما أحمر.

5 - إن صفة ورقه: من در أبيض.

6 - إنه تكون بقدرة الله تعالى فقال له: كن؛ فكان.

7 - أما محتواه، وما يتضمن من المعارف والعلوم، فهي كالآتي:

ألف: خبر ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

باء: خبر كل سماء على حده.

جيم: عدد ما في السماوات من الملائكة، وغير ذلك، وهو أمر لم يفصح

ص: 148

عنه الإمام الباقر عليه السلام فلا ندري ما تضم بين خلجاتها لفظة: (وغير ذلك).

دال: عدد المرسلين والأنبياء وأسماؤهم، وأسماء من أرسلوا إليهم، وأسماء من كذب من الناس ومن أجاب.

هاء: أسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولين والآخرين.

واو: أسماء البلدان وصفة كل بلد في شرق الأرض وغربها.

زاي: عدد ما في المدن من الكافرين وصفة كل من كذب.

حاء: صفة القرون الأولى وقصصهم.

طاء: من ولي من الطواغيت ومدة ملكهم وعددهم.

ياء: أسماء الأئمة في هذه البلاد، وصفتهم، وما يملك كل واحد واحد، وصفة كبرائهم.

أي الأئمة الذين يدعون إلى الهدى وأولئك الذين يدعون إلى الظلال وهو ما نص عليه قوله تعالى:

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ (1) .

كاف: جميع من تردد في الأدوار وهي سبعة أدوار، وكل دور يبلغ خمسون ألف عام.

لام: في المصحف جميع ما خلق الله وآجالهم.

ص: 149


1- سورة الإسراء، ا لآية: 71.

ميم: صفة أهل الجنة وعدد من يدخلها وأسمائهم.

نون: صفة أهل النار وعدد من يدخلها، وأسمائهم.

سين: فيه علم القرآن كما أنزل.

عين: فيه علم التوراة كما أنزلت؛ وعلم الإنجيل كما أنزلت، وعلم الزبور.

فاء: فيه عدد كل شجرة، ومدرة، في جميع البلاد.

فهذا بعض ما يحتويه هذا المصحف من المعارف والعلوم؛ وإن جميع هذا الذي ذكره الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام لفي ورقتين فقط ولم يكشف لأبي بصير ما في الورقة الثالثة فكيف بجميع المصحف ؟!!

ولعل البعض يستغرب من هذا الوصف وكيف تجمع كل هذه المعارف والمعلومات في ورقتين ؟ وجوابه من نقاط:

1 - قد لا يختلف البعض حينما ينظر إلى التقنيات العلمية الحديثة لاسيما في المجال الالكتروني وما توصلت إليه الجهات المختصة في عالم تخزين المعلومات من إمكانيات هائلة في تخزين هذه المعلومات ضمن قطع صغيرة من المعدن أو غيره وهو ما يعرف اليوم ب - (تقنيات النانو) أو (نانو تكنلوجيك)؛ كإمكانية تحميل مكتبة ضخمة على (فلاش ميموري) الذي لا يتجاوز حجمه عقلة أصبع.

2 - إما إذا عرضنا هذا الحديث على القرآن الكريم فإنا نجد له شاهداً عملياً في سيرة نبي الله نوح عليه السلام وذلك حينما أمره الله تعالى بحمل ما دب على الارض من دواب ونبات في السفينة فقال عزّ وجل:

حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَمْرُنٰا وَ فٰارَ اَلتَّنُّورُ قُلْنَا اِحْمِلْ فِيهٰا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ

ص: 150

وَ أَهْلَكَ إِلاّٰ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ اَلْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ مٰا آمَنَ مَعَهُ إِلاّٰ قَلِيلٌ (1) .

وهذا يستلزم معرفة كاملة بجميع أجناس الحيوانات والطيور والنباتات والحشرات وأصنافها من الذكور والإناث كي تستمر دورة الحياة الجديدة بعد هلاك الحياة على الأرض بسبب الطوفان.

وعليه:

فهذا الكم الهائل من المعلومات والمعارف والأعداد وأسماء الأشياء وأجناسها وأصنافها وغير ذلك كله عند نبي الله نوح عليه السلام ولو فرضنا أنه عليه السلام كان يجهل أصغر كائن حي على الأرض فهذا يعني وقوع الهلاك والاندثار وهذا محال لتعارضه مع سنة الله تعالى في إقامة العدل والحياة الجديدة.

وهذا الأمر نفسه نجده عند علم فاطمة عليها السلام فهي قد ورثت هذه المعارف النبوية وغيرها من العلوم في هذا المصحف.

3 - فضلاً عما تقدم فإن الإمام الباقر عليه السلام يُظهر حقيقة أخرى مرتبطة بسبب اختصاصها عليها الصلاة والسلام بهذا المصحف وهو كونها كانت (مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله تعالى من الجن والإنس والطيور والوحوش والأنبياء والملائكة) وهذا مقام عظيم له من الشرافة التي لا يعلم شأنها غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهذه الشأنية تقتضي أن تكون فاطمة عليها السلام على رتبة من العلم بهذا الخلق الذي فرضت عليهم طاعتها.

ص: 151


1- سورة هود، الآية: 40.

بمعنى:

إن من اختير لقيادة جيش من الجيوش وجب عليه معرفة صنوف هذا الجيش وعدد فرقه وصفوفه وتعداده وأسماء القادة وأسماء الجند وغير ذلك مما يرتبط بهذا الجيش وإلا فإن القائد بجهله لهذه المعارف والمعلومات سيكون غير قادر على قيادة هذا الجيش في أي أمر كان وإذا فعل فإن مصيره الفشل.

وعليه:

كونها عليها السلام مفروضة الطاعة على الخلق لزم منها الإحاطة بهذا الخلق وهذا يكون بمن أوجب طاعتها على الخلق وهو الله تعالى فهو الذي خصها بفضله ونصبها علماً لعباده وحجة على جميع مخلوقاته.

ثالثاً: إنّ الجزء الثالث من مصحف فاطمة عليها الصلاة والسلام وهو من إملاء جبرائيل عليه السلام وخط علي أمير المؤمنين عليه السلام

هذا الجزء الشريف من مصحف فاطمة كشفت عنه الرواية الشريفة الواردة عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام وقد تناولت هذه الروايات صفة هذا الجزء وإن لم تسميه بجرء وإنما - كما أسلفنا - سمته بمصفح فاطمة إلا أننا من خلال التأمل في هذه الروايات ونتيجة للجمع بينها ومقارنتها وجدنا أن عنوان: (مصحف فاطمة) يتكون من ثلاثة أجزاء.

وعليه:

فإن الجزء الثالث من مصحف فاطمة يمتاز ببعض الأمور عن الجزء الأول والثاني وهي كالآتي:

ص: 152

1 - إنه من إملاء ملكاً من الملائكة وهو جبرائيل عليه السلام وقد أرسله الله إليها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كي يسلي غمها ويحدثها.

2 - إنه بخط علي أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن يسمع من فاطمة بما كان يحدثها به الملك.

3 - إن الإمام علي عليه السلام هو الذي سماه ب - (مصحف فاطمة عليها السلام).

أما محتواه فيتضمن:

ألف: أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومكانه في الجنة.

باء: فيه ما يكون من حوادث في ذريتها وقد كانت تحزن لما تسمع من حديث جبرائيل في ذريتها.

كما في الرواية التي أخرجها حسن بن سليمان الحلي: (إنها قالت لأمير المؤمنين عليهما السلام:

«إني لأسمع من يحدثني بأشياء ووقايع تكون في ذريتي».

وقول الإمام الصادق عليه السلام:

«ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي يكتب».

جيم: إن فيه علم ما يكون.

دال: ليس فيه شيء من الحلال والحرام.

فهذه الأجزاء الثلاثة تكوّن في مجموعها (مصحف فاطمة عليها السلام)

ص: 153

والذي يمتاز بعدم وجود آية واحدة من كتاب الله تعالى فيه وإنما يحتوي على مجموعة من العلوم والمعارف التي تجعل الأئمة من آل البيت عليهم السلام في غنى عن الناس وإن الناس هم من يحتاج إلى عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما نتناوله في ثالثاً.

المسألة الثالثة: إن مصحف فاطمة عليها السلام مصدر من مصادر علوم العترة النبوية التي من خلالها لا يحتاجون إلى أحد من الناس

من الحقائق التي دلت عليها الأحاديث الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام إن مصحف فاطمة صلوات الله عليها هو أحد مصادر علومهم، وهذه الأحاديث كالآتي:

1 - روى الشيخ الكليني رحمه الله (عن الحسين بن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«إن عندي الجفر الأبيض».

قال: قلت: فأي شيء فيه ؟ قال:

«زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم عليه السلام والحلال والحرام ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآنا وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلد ونصف الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش وعندي الجفر الأحمر».

قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال:

«السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل».

ص: 154

فقال له عبد الله بن يعفور أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن ؟ فقال:

«إي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار ولكنهم يحملهن الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرا لهم»)(1).

2 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن أبيه، إلى علي بن إسماعيل الميثمي عن حبيب الخثعمي قال: (كتب أبو جعفر الخليفة إلى محمد بن خالد بن عبد الله القسري وكان عامله على المدينة أن اسأل أهل المدينة عن الخمسة في الزكاة من المائتين كيف صارت وزن سبعة ولم يكن هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره أن يسأل فيمن يسأل عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد عليه السلام، فسأل أهل المدينة فقالوا: أدركنا من كان قبلها على هذا فبعث إلى عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد عليه السلام.

فسأل عبد الله فقال: كما قال المستفتون من أهل المدينة، قال: فما تقول أنت يا أبا عبد الله فقال:

«إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعفر في كل أربعين أوقية أوقية، فإذا حسبت ذلك كان على وزن سبعة».

قال حبيب: فحسبناه فوجدناه كما قال، فأقبل عليه عبد الله بن الحسن فقال: من أين أخذت هذا، فقال عليه السلام:

«قرأته في كتاب أمك فاطمة عليها السلام».

ص: 155


1- الكافي للكليني: ج 8، ص 240؛ بصائر الدرجات للصفار: ص 150.

ثم انصرف فبعث إليه محمد ابعث إليّ بكتاب فاطمة فأرسل إليه أبو عبد الله الجواب:

«أني إنما أخبرتك أني قرأته ولم أخبرك أنه عندي».

قال حبيب: فجعل محمد يقول: ما رأيت مثل هذا قط)(1).

3 - روى الشيخ الكليني رحمه الله (عن أحمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة ها هنا أحد يسمع كلامي، قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام سترا بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ثم قال:

«يا أبا محمد سل عما بدا لك».

قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علّم عليا عليه السلام بابا يفتح له منه ألف باب، قال: فقال عليه السلام:

«يا أبا محمد علّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام ألف باب يفتح من كل باب ألف باب».

قال: قلت: هذا والله العلم، قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال:

«إنه لعلم وما هو بذاك».

قال: ثم قال:

ص: 156


1- علل الشرايع للصدوق: ج 2، ص 373؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 9، ص 149؛ الكافي للكليني: ج 3، ص 507.

«يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة».

قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال:

«صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش».

وضرب بيده إليّ فقال:

«تأذن لي يا أبا محمد؟».

قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال:

«حتى ارش هذا».

كأنه مغضب، قال: قلت: هذا والله العلم، قال:

«إنه لعلم وما هو بذاك».

ص: 157

ثم سكت ساعة ثم قال:

«وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر».

قال: قلت: وما الجفر؟ قال:

«وعاء من آدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل».

قال: قلت: إنّ هذا هو العلم ؟ قال:

«إنه لعلم وليس بذاك».

ثم سكت ساعة ثم قال:

«وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام».

قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال:

«مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد».

قال: قلت: هذا والله العلم، قال:

«إنه لعلم وما هو بذاك».

ثم سكت ساعة، ثم قال:

«إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة».

قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هو العلم ؟ قال:

«إنه لعلم وليس بذاك».

قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم ؟ قال:

«ما يحدث بالليل والنهار، الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة»)(1).

فهذا هو العلم عند العترة صلوات الله وسلامه عليهم ولذا كان من أسمائهم وصفاتهم (صاحب الأمر).

ص: 158


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 239؛ الإرشاد للمفيد: ج 2، ص 58؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 2، ص 158.
المسألة الرابعة: إن مصحف فاطمة عليها السلام هو أحد العلامات الدالة على الإمام المعصوم

إنّ من الأحداث التي وقعت في التأريخ الإسلامي ظهور كثير من الناس وهم يدعون الإمامة الشرعية وإنهم الممثلون للحكم الشرعي؛ ومن ثم لابد للناس من إتباعهم والرجوع إليهم والخضوع لهم وتفويض أمورهم بيد هؤلاء الذين يدعون الارتباط بالشريعة، وإنهم المعنيون بالملة والدين.

ولأن هذا الادعاء يشيع الظلال بين الناس ويؤدي إلى الفتنة والفرقة والخسران في الدنيا والآخرة كان لزاما على من ادعى الانتماء والالتصاق بالنص الشرعي وإنه المنصوص عليه من قبل الله تعالى أن يظهر دلائل ترشد السامع وتقنع الناظر بأنه المقصود بالحلال والحرام.

من هنا:

كانت هناك مجموعة من العلامات تلازم كل من اختاره الله تعالى لشرعه ونصبه علماً لخلقه، أي الأئمة المعصومين عليهم السلام، فكانت هذه العلامات كالآتي:

1 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله (عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال:

«للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس، ويولد مختونا، ويكون مطهّرا، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل، وإذا وقع على

ص: 159

الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين، ولا يحتلم وتنام عينه، ولا ينام قلبه ويكون محدّثا، ويستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يرى له بول، ولا غائط، لأن الله عزّ وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون أولى بالناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من أبائهم، وأمهاتهم، ويكون أشد الناس تواضعا لله عزّ وجل ذكره، ويكون آخذ الناس بما يأمر به، وأكف الناس عما ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجابا حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين، ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيفه ذوالفقار، ويكون عنده صحيفة يكون فيها أسماء شيعته إلى يوما القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة، وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً، فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر إهاب ما عز وإهاب كبش، فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش، وحتى الجلد ونصف الجلدة، وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة»(1).

2 - روى الشيخ الكليني عن سليمان بن خالد، قال:

قال أبو عبد الله عليه السلام:

«إنّ في الجفر الذي يذكرونه لما يسوؤهم لأنهم لا يقولون الحق والحق فيه فليخرجوا قضايا علي وفرائضه إن كانوا صادقين وسلوهم عن الخالات والعمات، وليخرجوا مصحف فاطمة عليها السلام فإن فيه وصية فاطمة عليها السلام ومعه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّ الله عزّ وجل يقول فأتوا

ص: 160


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 418؛ معاني الأخبار للصدوق: ص 102.

بكتاب من قبل هذا وآثاره من علم إن كنتم صادقين»(1).

الروايتان تكشفان عن هذه الحقيقة المهمة وهي أن مصحف فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها هو أحد العلامات الدالة على الإمام المعصوم المنصوص عليه من الله تعالى وأنه صاحب أمر الدين والدنيا وإليه قد فوض الله تعالى شؤون خلقه وهو القائم بأمر الله فيهم.

من هنا:

تظهر أهمية مصحف فاطمة وشرافته وأثره العظيم عند الأئمة المعصومين، وفي الوقت نفسه يظهر هذا المصحف عظمة من خصت به وسمي بها، وأنزل الله عليها فصلوات الله عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم أودعت في روضتها عند أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ويوم تبعث حيا فترد المحشر بتلك التشريفات الإلهية.

ص: 161


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 240؛ بصائر الدرجات للصفار: ص 158.

المبحث الثالث: فقه فاطمة عليها السلام

اشارة

قد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال مفاده: ما المراد من فقه فاطمة صلوات الله عليها؟ وللإجابة عليه ينبغي أولاً الوقوف على معنى الفقه لغة واصطلاحاً عند اللغويين والفقهاء.

(الفقه في اللغة فسّر بعدّة تفاسير:

1 - هو العلم بالشيء والفهم له، وهو المعروف لدى اللغويين، قال تعالى:

قٰالُوا يٰا شُعَيْبُ مٰا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّٰا تَقُولُ (1) .

2 - فهم الشيء الدقيق، قال تعالى:

وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰكِنْ لاٰ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (2) .

فلا يقال: فقهت أن السماء فوقنا، واختار ذلك أبو اسحاق المروزي، وقال القرافي: وهذا أولى، ولهذا خصّصوا اسم الفقه بالعلوم النظرية، فيشترط كونه في مظنّة الخفاء، فلا يحسن أن يقال: فقهت أنّ الاثنين أكثر من الواحد.

ص: 162


1- سورة هود، الآية: 91.
2- سورة الإسراء، الآية: 44.

ومن ثمّ لم يسمّ العالم بما هو من ضروريات الأحكام الشرعية فقيهاً.

3 - فهم غرض المتكلّم من كلامه، سواء أكان الغرض واضحاً أم خفيّاً، واختاره الرازي.

والظاهر أنّ أصح هذه الأقوال هو الأوّل.

ثمّ إنّ الأصل فيه الشقّ ، قال الهروي: (الفقه حقيقته الشقّ والفتح، والفقيه الذي يشتقّ الكلام)، وقال ابن الأثير: (الفقه في الأصل الفهم، واشتقاقه من الشق والفتح).

وأمّا الفقه في اصطلاح الفقهاء: فقد أُطلق الفقه أوّلا على ما يرادف لفظ الشرع فكان علم الفقه هو العلم بكل ما جاء من قبل الله سبحانه وتعالى في الدين سواء ما يتعلق بأُصول الدين أو الأخلاق أو أفعال الجوارح أو معرفة النفس أو القرآن وعلومه، وهو الذي أوجبته الآية الشريفة:

فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ (1) .

وقد سمّي بالفقه الأكبر، إلاّ انّه بالتدريج قد دخله تخصيص كثير فاستبعد علم العقائد وجعل علماً مستقلاّ برأسه مسمّى بعلم التوحيد أو علم الكلام، واستبعد علم الأخلاق ومعرفة النفس والسلوك وسمّي بعلم الأخلاق وعلم العرفان والسلوك، واستبعد ما يتعلّق بالقرآن الكريم فسمّي بعلم التفسير وعلوم القرآن، واستبعد ما يتعلّق بأُصول الفقه فجعل علماً مستقلاّ يبحث عن منهج الاستدلال الفقهي أو الأدلّة المشتركة في الفقه.

ص: 163


1- سورة التوبة، الآية: 122.

فاختص تعريف الفقه الاصطلاحي بالعلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيليّة.

والمقصود من الفرعية الأحكام المتعلقة بأفعال المكلّفين وتروكهم - فيخرج أُصول الدين وأُصول الفقه - سواء كانت تكليفية كالوجوب والحرمة أو وضعية كالملكية والطهارة وسواء كانت متعلقة بالفرد في سلوكه الشخصي أو بالأُسرة والعائلة أو بالمجتمع والدولة والسلوك العام.

والمقصود بكونها عن أدلّة تفصيلية اخراج الفقه التقليدي أي علم المقلِّد بفتاوى مقلَّده، فإنّه ليس من الفقه الاصطلاحي، فيختص علم الفقه بالإجتهادي كما يختص عنوان الفقيه بالمجتهد دون المقلِّد)(1).

ويتضح من هذا التعريف أن المراد من فقه فاطمة عليها السلام: ما ورد عنها في التوحيد والمعارف الإلهية والمعارف القرآنية والأخلاقية وغيرها؛ بل: بجميع ما يرتبط بصلاح هذا الإنسان في الدنيا وما ينجيه في الآخرة.

ولأن هذا المعنى فيه سعة، جداً بسعة العصمة والشريعة والدين، فإن كل ما يبدر من المعصوم من قول أو فعل أو تقرير لفعل فهو الفقه، وهو بالمعنى الأخص يعد حكماً شرعياً.

وعليه: تصبح جميع حياة فاطمة صلوات الله عليها هي الفقه بعينه، إلاّ أننا هنا نورد ما يصحب هذه اللفظة من دلالة للحكم الشرعي في الحلال والحرام والواجب والمندوب والمكروه، فنذكر ما روي عنها في بعض أبواب الأحكام وعناوينها.

ص: 164


1- موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام لمؤسسة دائرة المعارف للفقه الإسلامي: ج 1، ص 17-18.
المسألة الأولى: في حثها عليها السلام على التفقه في الدين وبيان آجر العالم وفضله

روي عن الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، أنه قال:

«حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك.

ثم ثنت، فأجابت، ثم ثلثت (فأجابت) إلى أن عشرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت لا أشق عليك يا بنت رسول الله، قالت فاطمة عليها السلام:

هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكترى يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكرائه مائة ألف دينار، أيثقل عليه فقال له، فقالت اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يثقل عليّ ، سمعت أبي (رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون، فيخلع عليهم نم خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، وجده في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف، خلعة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عزّ وجل أيها الكافلون لأيتام آل محمد، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم (كما خلعتموهم) خلع العلوم في الدنيا.

فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم.

ص: 165

ثم إن الله تعالى يقول أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم، وتضعفوها، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم.

وقالت فاطمة عليها السلام يا أمة الله إن سلكا من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة، وما فضل فإنه مشوب بالتنغيص والكدر»(1).

2 - وروي عنه عليه السلام، أنه قال:

«قالت فاطمة عليها السلام: وقد اختصم إليها امرأتان، فتنازعتا في شيء من أمر الدين إحداهما معاندة والأخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجتها، فاستظهرت على المعاندة، ففرحت فرحا شديداً.

فقالت فاطمة عليها السلام:

«إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها، وإن الله عزّ وجل قال للملائكة أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف، ضعف ما كانت أعددت لها واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين، فيغلب معانداً مثل ألف ألف، ما كان له معدا من الجنان»(2).

ص: 166


1- تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 340؛ مستدرك الوسائل للنوري: ج 17، ص 317.
2- تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص 346؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 18؛ الكافي للكليني: ج 4، ص 114.

والحديثان يظهران، منهج البضعة النبوية عليها السلام في نشر علوم الشريعة وضرورة سعي العالم إلى بيان أحكام الله تعالى والحرص على تفريج ما يلتبس على الناس من شبهات في أمور دينهم.

فضلاً عن بيان ما لمن يسعى في نشر علوم الشريعة وتفريج هموم السائلين عن دينهم وتحقيق النصر لهم على المعاندين والمنافقين، من الفضل والأجر العظيم عند الله تعالى.

المسألة الثانية: ما روي عنها في بعض مسائل العبادات
اشارة

إنّ من المسائل البديهية لدى العارف المطلع على حقيقة الإسلام إن القرآن والعترة النبوية هما الركنان الأساسان في فهم الشريعة والوقوف عند أحكامها؛ وفاطمة عليها السلام بما خصها الله تعالى من الفضل والشأن فكانت ممن اختارهم الله لشرعه واجتباهم لدين الإسلام؛ فضلاً عما تداخل من حياتها في حياة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم فإن تخصيص أبواب من الفقه الإسلامي لملئها بما روي عنها هو في الواقع من المحال وذلك لبعض الأسباب:

1 - إن حياة الصديقة الكبرى صلوات الله عليها متداخلة ومتجانسة مع حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تكاد لا تنفك تلك الحياتين عن بعضهما فتجعل لكل منهما منهجاً مستقلاً وطوراً منفرداً؛ ومن ثم فحياتها تبع لحياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يمنعها من ابداء أي حكم شرعي مع وجود ناموس الشريعة وسنامها ومنبعها، أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

2 - إن الفترة الزمنية - كما أسلفنا - التي قضتها فاطمة عليها السلام بعد وفاة

ص: 167

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمنعها كذاك من بيان الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية التي يحتاج إليها المسلمون، فجميع ما عاشته عليها السلام هو خمسة وسبعون يوماً.

3 - إن كثرة المصائب والبلايا والخطوب التي أصابتها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ما فرضته السلطة الحاكمة المتمثلة بسلطة السقيفة من حصار ومنع من الوصول إلى بيت فاطمة يجعل الرواية عنها في غاية من العسر، إن لم تكن من المحال في بعض الأوقات العصيبة كالهجوم على الدار وما رافقه.

4 - إن حياة الزهراء صلوات الله عليها كانت محصورة بين معصومين وهما أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجها علي أمير المؤمنين عليه السلام، ومن ثم فإن صدور الحكم الشرعي لا يتعدى عن هذين المصدرين، ومن ثم كان سبباً في قلة الرواية عنها.

5 - لا شك أن قلة الرواية عنها لهذه الأسباب لا يمنع من كونها إحدى أبواب نزول الفيض إلى أبناءها الأئمة المعصومين عليهم السلام وإلى المؤمنين من شيعتها وإلى العالم كله؛ وهذا من أمر الله تعالى وسنته في خلقه، قال تعالى:

وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ وَ مٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (1) .

وعليه:

فقد روي عنها صلوات الله عليها بعض العناوين في العبادات فكانت كالآتي:

ص: 168


1- سورة الحجر، الآية: 21.
أولاً: في لباس المصلي للمرأة

روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«صلّت فاطمة عليها السلام في درع وخمارها على رأسها ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها»(1).

ثانيا: أن المرأة الحائض تقضي ما فاتها من الصوم ولا تقضي الصلاة

روى الشيخ الكليني رحمه الله (عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قضاء الحائض للصلاة ثم تقضي الصوم قال:

«ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان».

ثم أقبل عليّ وقال:

«إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بذلك فاطمة عليها السلام وكانت تأمر بذلك المؤمنات»)(2).

والحديث يكشف عن دور البضعة النبوية عليها السلام في نقل الأحكام المتعلقة بالنساء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النساء المؤمنات؛ إذ كانت عليها السلام هي الواسطة بين النساء والنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتعلق بالأحكام الشرعية الخاصة بهن، إلا أن يأتي بعضهن مباشرة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألنَّه أو أن يأتين إلى فاطمة عليها السلام فيسألنَّها عن تلك الأحكام كما مرَّ مثاله في أول البحث.

ص: 169


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 257.
2- الكافي للكليني: ج 3، ص 104، و ج 4، ص 136؛ وسائل الشيعة: ج 2، ص 349.
ثالثا: في جواز مضخ الصائم للطعام دون إدخاله إلى جوفه

1 - روى الكليني عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

«إن فاطمة صلى الله عليها كانت تمضغ للحسن ثم للحسين صلوات الله عليهما وهي صائمة في شهر رمضان»(1).

2 - روى المحدث النوري رحمه الله عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت:

«ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه، وسمعه، وبصره، وجوارحه»(2).

رابعاً: في حكم دخول الرجل الأعمى على المرأة الأجنبية عنه

روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن آبائه صلوات الله عليهم أجمعين عن علي عليه السلام:

«إن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لم حجبته وهو لا يراك فقالت: يا رسول الله إن لم يكن يراني فأنا أراه وهو يشم الريح.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أشهد أنك بضعة مني»(3).

ص: 170


1- الكافي للكليني: ج 4، ص 114؛ وسائل الشيعة: ج 10، ص 108.
2- مستدرك وسائل الشيعة: ج 7، ص 366.
3- مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: ص 289؛ الجعفريات: ص 95؛ العدد القوية: ص 224؛ دعائم الإسلام للقاضي المغربي: ج 2، ص 214؛ مستدرك الوسائل: ج 14، ص 289.
خامساً: في تعظيم ليلة القدر

روى القاضي النعمان المغربي عن علي عليه السلام:

«إن رسول الله كان يطوي فراشه، ويشدّ مئزره في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين، وكان يرش وجوه النيام بالماء في تلك الليلة، وكانت فاطمة عليها السلام لا تدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة، وتداويهم بقلة الطعام، وتتأهب لها من النّهار، وتقول: محروم من حرم خيرها»(1).

سادساً: في جواز صلاة النساء على الجنائز

روى الشيخ الطوسي رحمه الله عن يزيد بن خليفة، قال:

كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجل من القميين، فقال: يا أبا عبد الله، أتصلي النساء على الجنائز؟

فقال أبو عبد الله عليه السلام:

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان هدر دم المغيرة بن أبي العاص، وحدث حديثاً طويلاً، وأن زينب بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفيت وإن فاطمة خرجت في نسائها فصلت على أختها»(2).

ص: 171


1- دعائم الإسلام للمغربي: ج 1، ص 283؛ مستدرك الوسائل: ج 7، ص 470؛ البحار: ج 4، ص 10؛ جامع أحاديث الشيعة: ج 9، ص 39؛ سنن النبي للطباطبائي: ص 297.
2- تهذيب الأحكام للطوسي: ج 3، ص 333؛ الاستبصار: ج 1، ص 485؛ وسائل الشيعة: ج 3، ص 138؛ المستدرك للنوري: ج 2، ص 288.
سابعاً: في استحباب لزوم المرأة دارها

1 - روى الحر العاملي عن الإمام علي عليه السلام قال:

«كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أخبروني أي شيء خير للنساء فعيينا بذلك كلنا حتى تفرقنا فرجعت إلى فاطمة عليها السلام، فأخبرتها بالذي قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس أحد منا علمه ولا عرفه فقالت: ولكني أعرفه خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله سألتنا أي شيء خير للنساء خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال فقال: من أخبرك فلم تعلمه وأنت عندي فقلت فاطمة فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إن فاطمة بضعة مني»(1).

2 - روى المحدث النوري عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام:

«أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها علي عليه السلام وبه كآبة شديدة، فقالت: ما هذه الكآبة فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مسألة ولم يكن عندنا جواب لها، فقالت: وما المسألة ؟ قال: سألنا عن المرأة ما هي ؟ قلنا: عورة، قال: فمتى تكون أدنى من ربها، فلم ندر.

ص: 172


1- وسائل الشيعة: ج 20، ص 67؛ مجمع الزوائد: ج 4، ص 255؛ حلية الأبرار لأبي نعيم: ج 2، ص 41، ط دار الكتاب العربي؛ كشف الأستار: ج 2، ص 150-151، برقم 1405؛ إتحاف السائل للمناوي: ج 1، ص 2؛ جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري: ج 1، ص 166؛ الدرر واللآل: ص 209؛ المخلاة: ص 153، برقم 45.

قالت: ارجع إليه فأعلمه أن أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها فانطلق فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما ذا من تلقاء نفسك يا علي فأخبره أن فاطمة عليها السلام أخبرته، فقال: صدقت إن فاطمة بضعة مني»(1).

ثامناً: زيارتها لقبر عمها حمزة بن عبد المطلب، وقبور شهداء أحد

روى الحر العاملي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«إن فاطمة عليها السلام كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت فتأتي قبر حمزة وتترحم عليه وتستغفر له»(2).

وتفيد الروايات في زيارة فاطمة صلوات الله عليها لقبر حمزة بن عبد المطلب وقبور الشهداء في البقيع إلى أنها كانت تتعاهدها في الأسبوع بزيارتين أو ثلاثة وهي كالآتي:

1 - روي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال:

«عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الإثنين والخميس فتقول ها هنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ها هنا كان المشركون»(3).

2 - قال الواقدي: (وكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 173


1- مستدرك الوسائل: ج 4، ص 14، ح 182؛ الجعفريات: ص 95.
2- وسائل الشيعة: ج 3، ص 224.
3- وسائل الشيعة: ج 3، ص 223.

تأتيهم بين اليومين والثلاثة فتبكي عندهم وتدعو)(1).

3 - روى ابن عبد البر وغيره عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، أنه قال:

«إنّ فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي عنده»(2).

وعند الحافظ بلفظ: (فتصلي وتبكي عنده)(3).

ولم تكتف بضعة الهادي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم بالزيارة لقبر عمها حمزة بن عبد المطلب والصلاة عند القبر والدعاء والاستغفار له وإنما كانت تتعاهده بالترميم والإصلاح كي يبقى محافظا على معالمه فلا يندرس بمرور الأيام وكانت كذاك قد وضعت عليه علماً كي يسترشد الزائر إليه ويستدل عليه.

ألف: روى عبد الرزاق الصنعاني، عن الأصبغ بن نباتة، أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تأتي قبر حمزة، وكانت قد وضعت عليه علماً، لو تعرفه(4).

باء: روى ابن عبد البر عن الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام قال:

«كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة»(5).

جيم: روى الحكيم الترمذي، وابن سعد، وابن شيبة النميري:

عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنه قال:

ص: 174


1- مغازي الواقدي: ج 1، ص 313.
2- التمهيد لابن عبد البر: ج 3، ص 234.
3- مستدرك الحاكم: ج 1، ص 377، و ج 3، ص 28؛ تلخيص الحبير لابن حجر: ج 5، ص 249 نيل الأوطار للشوكاني: ج 1، ص 166.
4- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 3، ص 574؛ ورواه البيهقي في السنن الصغرى: ج 2، ص 438، ح 1160.
5- التمهيد لابن عبد البر: ج 3، ص 234.

«كانت فاطمة تأتي قبر حمزة ترمه وتصلحه، في كل عام»(1).

وهذه الأحاديث تدل على جواز زيارة القبور وتعاهدها بالبناء والإصلاح والصلاة والبكاء عندها، فضلاً عن تواتر الروايات الواردة عن أئمة العترة في جواز ذلك وهو خلاف مذهب السلف.

الذين ذهبوا إلى حرمة زيارة القبور وبناءها وأن ذلك بدعة عندهم على الرغم من صريح النصوص في زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقبور شهداء أحد والاستغفار لهم.

تاسعاً: بكائها على عمها جعفر الطيار وتكفلها بإطعام آل جعفر ثلاثة أيام

إن من المسائل التي أثارها أتباع السلف؛ حرمة البكاء على الميت، واختلفوا فيما بين البكاء والنياحة فجوزوا البكاء وحرموا النياحة، وذهب أعلام مدرسة العترة إلى جواز البكاء مطلقاً وحرموا الجزع على الميت ما خلا الجزع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعترته، لاسيما الجزع على سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.

ص: 175


1- نوادر الأصول للترمذي: ج 1، ص 126، ط دار الجيل.

أما ما يخص بضعة النبوة فقد بكت على مقتل عمها جعفر بن أبي طالب الطيار عليه السلام ونادت:

«واعماه».

فقد أخرج الواقدي والسيوطي والمزي، (عن أسماء بنت عميس قالت:

لما أصيب جعفر وأصحابه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد عجنت عجيني ودهنت صبياني وغسلتهم ونظفتهم فقال:

«ائتني ببني جعفر».

فأتيته بهم فشمهم وقبلهم فذرفت عينا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلت: بأبي وأمي ما يبكيك أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟

قال:

«نعم، أصيبوا في هذا اليوم».

فبكيت، فقال لي:

«يا أسماء لا تضربي صدراً ولا تقولي هجراً».

فدخلت فاطمة وهي تقول:

«واعماه».

فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:

«على مثل جعفر فلتبك الباكية».

وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:

ص: 176

«لا تغفلوا على آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم»)(1).

2 - روى الشيخ الصدوق، والبقي، والطوسي، والحر العاملي رحمهم الله تعالى، (عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:

«لما قتل جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام أن تتخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ثلاثة أيام وتأتيها ونساءها وتقيم عندها ثلاثة أيام، فجرت بذلك السنة أن يصنع لأهل المصيبة طعاماً ثلاثا»(2).

عاشراً: حجها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع

تناولت مصادر التأريخ والحديث والسيرة النبوية خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السنة التاسعة من المدينة قاصداً مكة لأداء فريضة الحج ولقد خرج معه المسلمون إن لم يكن معظمهم قد لحق بهذا الركب المحمدي وكان فيمن خرج معه صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.

في حين كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا الوقت في اليمن فأدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بذي الحليفة وقد قدم ببدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 177


1- مغازي الواقدي: ج 2، ص 766، و ج 1، ص 311؛ جامع الأحاديث للسيوطي: ج 39، ص 451، برقم 42885؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 5، ص 611؛ السيرة الحلبية: ج 2، ص 790؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 15، ص 70-71؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2، ص 43.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 182؛ المحاسن للبرقي: ج 2، ص 419؛ الأمالي للطوسي: ص 659؛ وسائل الشيعة: ج 24، ص 364.

فدخل على فاطمة عليها السلام وهي قد أحلت فوجد ريحا طيبة ووجد عليها ثيابا مصبوغة، فقال:

«ما هذا يا فاطمة».

فقالت:

«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

فخرج علي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستفتيا ومحرشا على فاطمة عليها السلام فقال:

«يا رسول الله إني رأيت فاطمة قد أحلت عليها ثياب مصبوغة».

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنا أمرت الناس بذلك، وأنت يا علي بما أهللت ؟».

قال: قلت:

«يا رسول الله إهلالاً كإهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم».

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«كن على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي»)(1).

ص: 178


1- الكافي للكليني: ج 4، ص 236؛ أمالي الطوسي: ص 401؛ تهذيب الأحكام للطوسي: ج 5، ص 256؛ من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 237؛ وسائل الشيعة: ج 11، ص 215؛ المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم: ج 3، ص 317؛ سنن أبي داود: ج 2، ص 184؛ سنن الدارمي: ج 2، ص 69؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 5، ص 7؛ المصنف لابن أبي شيبة: ج 3، ص 335؛ مسند أبي راهوية: ج 1، ص 4؛ مسند البزار: ج 2، ص 131؛ مسند الروياني: ج 1، ص 223؛ مسند الطياليسي: ج 1، ص 232؛ مسند عبد بن حميد: ج 1، ص 251.

وكان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أمرها بأن تشهد اضحيتها؛ كما في الرواية عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، أنه قال:

«أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم النّحر حتى دخل على فاطمة عليها السلام فقال: يا فاطمة قومي واشهدي أضحيتك فإن لك بكل قطرة من دمها كفارة كل ذنب أما إنها يؤتى بها يوم القيامة فتوضع في ميزانك مثل ما هي سبعين ضعفا، قال فقال: له المقداد بن الأسود يا رسول الله لآل محمد عليهم السلام هذا خاصة أم لكل مؤمن عائمة، فقال: بل لآل محمد عليهم السلام وللمؤمنين»(1).

في حين كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اشرك علياً في بدنته وكان قد نحر صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثاً وستين بدنه(2).

والسبب الذي جعل رسول الله يشرك علياً في بدنته هو أنه وصيه وخليفته ونفسه فلم يفرق بينه في هذا المنسك.

بقي أن نذكر فيما جرى مع فاطمة عليها السلام في هذا الحج هو: قدوم أم هانئ بنت أبي طالب عليه السلام وكانت قد أجارت حموين لها فأراد أمير المؤمنين عليه السلام قتلهما لكونهما من المشركين فذهبت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشكو إليه فوجدت فاطمة أشد من علي عليه السلام على المشركين:

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 179


1- مستدرك الوسائل للنوري: ج 10، ص 107؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 9، ص 283؛ نصب الراية للزيلعي: ج 4، ص 219؛ الترغيب والترهيب للمنذري: ج 2، ص 992؛ تفسير القرطبي: ج 7، ص 155.
2- المغني لابن قدامة: ج 3، ص 282.

«ما كان ذلك له قد آمنا من آمنت، وأجرنا من آجرت».

ثم أمر فاطمة عليها السلام فسكبت له غسلاً فاغتسل)(1).

الحادي عشرة: في الآداب والسنن
اشارة

ومما روي عنها صلوات الله عليها في بعض الآداب والأخلاق ما يلي:

ألف: في كيفية تعظيم الوالدة

روى السيوطي، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت قد سألت عن حق الوالدة - أنها قالت للسائل:

«ألزم رجلها، فإن الجنة تحت أقدامها»(2).

باء: في إتحاف المؤمن لأخيه

روى الخطيب البغدادي والحافظ السيوطي عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنها قالت:

«نعم تحفة المؤمن التمر»(3).

ص: 180


1- صحيح مسلم: ج 1، ص 266، برقم 336؛ أخبار مكة للأزرقي: ج 3، ص 68، حديث 880؛ صحيح ابن حبان: ج 3، ص 462، برقم 1189؛ المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم: ج 1، ص 384، برقم 760؛ مسند أبي عوانة الأول: ج 1، ص 238، برقم 806؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 1، ص 8، برقم 19؛ مسند ابن راهوية: ج 1، ص 17؛ سنن سعيد بن منصور: ج 2، ص 275؛ زوائد الهيثمي: ج 1، ص 334؛ برقم 224؛ فتح الباري: ج 3، 53.
2- مسند فاطمة للسيوطي: برقم 271.
3- تاريخ بغداد: ج 8، ص 284؛ كنز العمال: ج 12، ص 339؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 276؛ فيض القدير: ج 6، ص 374.

المبحث الرابع: بعض نظريات الفكر الفاطمي

اشارة

نتناول بعون الله في هذا المبحث بعض أقوالها التي ارتأينا أنها تأسس لكثير من السنن الحياتية والمناهج العملية لسير الإنسان في الحياة، فمنها ما كان يتعلق بالشؤون الدنيوية كالاجتماعية والتربوية والسلوكية، ومنها ما يتعلق بالشؤون الأخروية فكان إتيانها في الحياة الدنيا يقود العامل بها إلى الفوز في الآخرة.

ومن ثم فإن هذه النظرية هي أساس لمنهج حياتي متكامل في المحل الذي أوجدت فيه هذه النظرية وسنرى إنشاء الله تعالى أن هناك جملة من النظريات التي لو اتخذت في قاموس الإنسان الحياتي لوجد نفسه في سكينة واطمئنان وثبات، فضلاً عن أن بعض هذه النظريات كانت تتحدث عن سنن كونية وحقائق حياتية راسخة.

ولكن قبل المضي في المبحث ومسائله سنعرض أولاً بين يدي القارئ الكريم الفرق بين النظرية والفرضية وبما تختلف النظرية عند المعصوم عن غيره من الناس لاسيما العلماء والباحثين.

ص: 181

المسألة الأولى: الفرق بين النظرية والفرضية، وبما تمتاز النظرية عند الزهراء عليها السلام
أولاً: ما هي النظرية ؟
اشارة

(النظرية هي تقرير يوضح قطاعا خاصا من الظواهر، ولها عدة نماذج هي:

ألف/ النظرية الفرضية، الاستنتاجية

تقوم هذه النظرية على التماسك المنطقي، منطلقة من مسلمات صحيحة، وتتألف من:

1 - مجموعة من التعريفات للمصطلحات الحاسمة.

2 - مجموعة من التقريرات الفرضية المتعلقة بالعلاقات المفترضة بين الظواهر التي تمثلها المصطلحات الحاسمة.

3 - مجموعة من الاستنتاجات المشتقة منطقياً من التقريرات الفرضية.

باء/ النظرية الوظيفية

يقول بعض العلماء إن الاهتمام الزائد بترتيب الواقع وبناء النظريات يؤدي إلى إنهاء فعالية التفسير، وما النظرية إلا أداة مؤقتة، لذلك لا يهتمون بالإجراءات الاستنتاجية المنطقية كتركيزهم على الملاحظة القائمة بالأدلة، ويرون أن التفاعل بين الملاحظة والاستنتاجات المنطقية هام لتقدم العلم.

جيم/ النظرية الاستقرائية

تقوم على التفسير التالي: الوقائع أولاً، ثم تنبثق النظرية في تأمل دقيق لهذه الوقائع.

ص: 182

دال/ النموذج

يكون النموذج رسماً أو نسخة مصغرة عن الشيء الواقعي، أو قد يكون شيئا أكثر تجريداً، كالمعادلات الرياضية، أو التقريرات اللفظية، أو الأوصاف الرمزية، أو الخطوط البيانية.

ويرى بعض الباحثين أن النموذج والنظرية هو الشيء ذاته، لكن البعض يميز بينهما كالآتي: إن النظرية والنموذج عبارة عن مخطط مفهومي يفسر العلاقات بين المتحولات المدروسة، ولكن النموذج يتصف بالمماثلة للشيء، هذا الأمر يماثل ذاك، ويستطيع الباحث أن يتسامح في قبول أو رفض بعض الوقائع التي لا تنسجم مع الظواهر الواقعية.

ثانيا: وظائف النظرية

النظرية أداة وهدف، فهي كهدف تساعد في تفسير الظواهر بأكثر ما يمكن من الضبط وهي كأداة توفر إطاراً للملاحظة والاكتشاف، وتساعد النظرية الباحثين في:

1 - تحديد الظواهر المناسبة: تبين النظرية نوع الوقائع التي يدرسها الباحث، لذا تقتضي منه أن يهتم بقطاعات محدودة يركز عليها انتباهه الكامل، لأن لكل موضوع يتناوله الباحث جوانب متعددة، وما لم يقم الباحث ببناء الإطار النظري لمشكلته، فإنه لن يعرف ما الذي يجب عليه أن يلاحظه من وقائع، فالنظرية توضح للباحث أي الوقائع التي ينبغي أن يهتم بها دون غيرها.

2 - صياغة المفهوم المنطقي للموضوع: ينشئ الباحث مفاهيم ذهنية كالتقرير

ص: 183

والتوتر من أجل تفسير السلوك، أو النتيجة التي يلاحظها، وتسمى هذه المفاهيم بناءات منطقية أو بناءات نظرية، ومعلوم أن المفهوم هو نتاج ملاحظة مواقف عديدة، وتجريد وجه الشبه بينها، وإجراء تعميمات حولها، فالنظرية ترشد التفكير النظري والعملي، وتسهل على الباحثين معالجة الوقائع وإيصال المكتشفات.

3 - تصنيف الظواهر: يصعب على الباحث التعامل بكفاية مع وقائع كثيرة ومبعثرة، فهو بحاجة لترتيب الوقائع في ميدان عمله، لذلك يقوم على إعداد إطار نظري لتصنيف الوقائع مع صياغة فرضيات تفسر هذه الوقائع.

4 - تلخيص الوقائع: تتراوح الخلاصات بين التعميمات البسيطة والعلاقات النظرية المعقدة، حيث يصف التلخيص مجالا محددا من الوقائع، لكن التلخيص على مستوى عال، قد يشتمل دون شك على دمج التعميمات الخبرية الأساسية في إطار نظري أكثر شمولا.

5 - التنبؤ بالوقائع: تساعد النظرية الباحث على التنبؤ بما يجب أن يكون قابلا للملاحظة حين لا تتوافر الوقائع، فهي أداة جيدة لإرشاد الباحثين في متابعة الظواهر.

6 - الكشف عن البحث اللازم: النظرية مصدر غني يزود الباحث بالأدلة المؤيدة لبحثه.

ثالثا: الفرق بين النظرية والفرضية

الفرضية بيان ذو صيغة إعلانية يشير إلى العلاقة بين متحولين، أو أكثر، وتعني كلمة بيان أن هناك تقريرا صادرا عن الباحث يدل على وجود علاقة بين

ص: 184

متحولين، وكلمة إعلانية تعني أن الفرضية ليست سؤالاً يطرحه الباحث، وإنما هي حل مؤقت لمشكلة معلن عنها من قبل الباحث، بينما النظرية كما هو معلوم، تعني محاولة تفسير قطاع محدود من الظواهر والفرق بينهما:

1 - الفرق الأول: يشمل اتساع قطاع الظواهر التي تنصب عليه محاولة التفسير، فالفرضية تفسر قطاعاً محدداً يشمل العلاقة بين متحولين، بينما النظرية تتسع لتفسير عدد غير محدد من العلاقات فهي أوسع من الفرضية.

2 - الفرق الثاني: يرتبط بالتحقيق واختبار الصحة، فالفرضية تشمل علاقة بين متحولين لتفسير قطاع صغير محدود، لذلك فالتحقيق التجريبي والصدق كبير جدا فيها، بينما النظرية بسبب اتساعها يبقى صدقها احتماليا مهما بلغ النجاح فيها)(1).

وعلى هذا نجد أن نظرية المعصوم هي عين الواقع فلا وجود للاحتمالات فيها ولا ظنون نافذة إليها فهي عين الصدق، لأنها ترتكز على فيض من سن السنن وأجراها ومن بيده مقاديرها وتصريفها، فكان علم الإمام بها علماً ربانياً (لدنّياً).

رابعا: الفرق بين نظرية المعصوم عليه السلام وغيره من الناس

ترتكز النظرية عند المعصوم عليه السلام على تفسير الظاهرة أو القانون أو القاعدة طبقاً لعين الواقع، ولذا فهي علمية لاستحالة نفوذ الاحتمال أو الظن إليها، بمعنى لا يكون بيان الإمام مستنداً على الظن أو عدم الاحاطة الكاملة والشاملة والدقيقة للسنن والقوانين والظواهر الكونية، ونقصد بالكونية جميع ما

ص: 185


1- أسس البحث في التربية وعلم النفس، د. محمد نجيب ود. محمود ميلاد: ص 40-43.

يمكن أن يدركه الإنسان ويحسه بل وحتى الأشياء التي لم يتمكن من إدراكها ومعرفتها فجميع ذلك علمه عند الإمام المعصوم عليه السلام.

وذلك أن علم المعصوم هو علم حضوري أو لدنّي قال تعالى: في معرض حديثه عن الخضر عليه السلام:

وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً(1) .

وقال عن سيد الأئمة وخازن النبوة أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم:

وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ (2) .

وفي بيانه عزّ شأنه لعلم نوح عليه السلام حينما أمره ببناء السفينة وحمل المخلوقات فيها قال له:

اِحْمِلْ فِيهٰا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّٰ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ اَلْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ مٰا آمَنَ مَعَهُ إِلاّٰ قَلِيلٌ (3) .

وهذا الجمع يستلزم المعرفة التامة والاحاطة الشاملة بجميع ما خلق الله تعالى؛ كي يتمكن نوح عليه السلام من حمل هذه المخلوقات بل يستلزم ذلك معرفته وعلمه بأصناف هذه المخلوقات وأجناسها أي الذكر من الأنشى حتى يتمكن من إعادة دورة الحياة على الأرض، فكم من حيوان ونبات وحشرة خلقها الله تعالى

ص: 186


1- سورة الكهف، الآية: 65.
2- سورة يس، الآية: 12.
3- سورة هود، الآية: 40.

على الأرض، وحملها معه نوح عليه السلام في السفينة.

ولذا لا يمكن أن يكون فعل نوح عليه السلام بغير علم لدنّي علمه الله تعالى إياه:

وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً ، بل كما أسلفنا: وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ .

وعليه: تكون نظرية المعصوم عليه السلام هي عين الواقع ونظرية غيره من الخلق تبنى على مجموعة من الظنون تتفاوت في نسبها وقوتها ومرجحاتها فقد يصل هذا العالم أو ذاك من خلال الدراسة والبحث إلى معرفة الحكم بنسبة محدودة تقترب أو تبتعد عن الحكم الواقعي والمطابق لعين الحق، وقد يبتعد كل البعد عن عين الواقع فتكون نظريته واهية سرعان ما يظهر فشلها حينما يأتي عالم آخر يقدم أدلته التي تكتسب أهميتها من خلال قربها من الواقع، ومن ثم إحراز نسبة من الحقيقة التي سنها الله تعالى، من هنا ذهب البعض إلى: (أن النظرية بسبب اتساعها يبقى صدقها احتماليا مهما بلغ النجاح فيها)(1).

ونحن سنتناول ما وجدنا بحسب تلك المعطيات أنه داخل تحت عنوان النظرية، بمعنى: لا يوجد في التراث الفكري لآل البيت عنوان يندرج تحت: نظرياتهم عليهم السلام وإنما هذا ما يتوصل إليه الباحث من خلال دراسته لأقوالهم عليهم السلام؛ فليمس أن هذا القول هو: نظرية بحسب المجال الذي تدور فيه، أي اجتماعي أو تربوي، أو اقتصادي وغير ذلك؛ أو أنه سنة من سنن الحياة

ص: 187


1- أسس البحث العلمي، د. محمد نجيب ود. محمود ميلاد: ص 43.

سواء كان فيما حدث في الأمم السابقة واندرج عليه التابعون والسالكون لهذه القوانين والسنن في الأمم والمجتمعات اللاحقة، وهو ما يعبّر عنه في الدراسات التأريخية (بالسنن).

وعليه:

سيكون البحث هنا ضمن محورين الأول: ما توصلنا إليه من كونه نظرية، والثاني: السنن التأريخية عند فاطمة عليها السلام.

المسألة الثانية: نظريتها في النظام والضبط الاجتماعي
اشارة

قالت عليها السلام:

«وجعل إمامتنا نظاماً للملة وولايتنا حفاظاً من الفرقة».

أن من أهم الأفكار التي تناولها علماء السوسيولوجيا باهتمام بالغ هي فكرة الضبط الاجتماعي، ولذا يجد الباحث في علم الاجتماع أن هذه الفكرة قديمة في الفكر الاجتماعي والفلسفي على حد سواء.

ومعنى ذلك: أن التفكير في مسألة الضبط الاجتماعي، ودور النظم والجماعات باعتبارها ضوابط لسلوك الأعضاء قديم قدم المجتمع الإنساني وقد انشغل كل من أفلاطون وأرسطو بمشكلة النظام الاجتماعي وكيفية تدعيم التماسك في المجتمع، حيث عاصر هذان الفيلسوفان الأيام الأولى من الثقافة اليونانية، ونظرا إلى التفكك الاجتماعي والسياسي في عصرهما على أنه مرحلة انتقال من السلطة القديمة القائمة على علم اللاهوت اليوناني - بما صاحبه من انهيار في النظام الاجتماعي - إلى مرحلة أخرى تقوم على النظام العلماني، كما

ص: 188

اعترفا بحاجة المجتمع في ذلك الوقت إلى أساس جديد للنظام، أي إلى عامل جديد يستطيع أن يدعم التماسك الاجتماعي، وقد وجد أفلاطون هذا الأساس في (الدولة) وأعلى ذلك (الجمهورية) وفي (القوانين) حيث ذهب إلى أن الدولة تمثل تطورا في نمو الطبيعة الإنسانية، وإنها تمارس السلطة الكبرى تجاه النظم الاجتماعية كلها، وبالتالي تجاه الأفراد، فضلاً عن أنها تحقق العدالة باعتبارها جوهر الأخلاق.

ولكن من هي تلك الفئة التي يجب أن تمثل الدولة أو تمثل السلطات العليا فيها، أنها طبقة الحكماء والفلاسفة وقد أطلق عليها أفلاطون (طبقة الصفوة).

ثم جاء الرواقيون في النصف الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد وكانوا متفقين مع أرسطو على أن الإنسان اجتماعي بطبيعته واهتموا بقانون الطبيعة، باعتباره أفضل موجة للسلوك الأخلاقي، ونادوا بالتحرر من المؤثرات الخارجية، وخصوصاً تلك التي تمارسها الدولة وبالخضوع لقانون الطبيعة الذي يعلو فوق كل قانون وضعي.

وأما في العصور الوسطى فقد تميزت فكرة القانون الطبيعي بالطابع الديني، ولذلك أصبح القانون الطبيعي هو ذلك القانون الإلهي الذي يعلو فوق كل قانون آخر.

ثم ظهرت فكرة القانون الوضعي التي تقول: إن المجتمع يعتمد في أساسه على الوعي بالمصلحة الشخصية وقد أدى ذلك بأصحاب هذه الفكرة إلى المطالبة المستمرة بتدعيم النظم الاجتماعية التي تحكم علاقات الأشخاص وذلك بهدف القضاء على تلك الشرور التي تسببت فيها ظروف الحياة التي كانت سائدة من قبل.

ص: 189

ثم حدث بعد ذلك تلازم بين فكرتي القانون الطبيعي والقانون الوضعي وخاصة عند الرومان حيث اعترفوا بأهمية القانون الطبيعي من ناحية ثم بوجود أصل آخر للقانون وهو (الاتفاق) (cuncensus) من الناحية الأخرى، كما هو واضح في كلام أحد المفكرين الرومان وهو (شيشيرون) فقد كان يعتقد بوجود عدل يعلو فوق النظم والقوانين الوضعية وهو عبارة عن قانون ثابت، وأبدي، يوافق الطبيعة والعقل، وينطبق على الناس في كل زمان وكل مكان.

وبذلك يؤكد (شيشيرون) وجود عنصري (العدل المثالي) من ناحية وهي فكرة مثالية أكدها أصحاب مذهب القانون الطبيعي؛ ثم (الاتفاق) من ناحية أخرى وهو ركن أساسي في القانون الوضعي)(1).

ويا ليت علم هذا المفكر الروماني أن العدل المثالي والقانون الثابت الأبدي الذي يوافق الطبيعة والعقل وينطبق على الناس في كل زمان وكل مكان وهو فوق النظم والقوانين الوضعية هو القرآن.

(ثم ظهرت في بداية العصر الحديث بعض المذاهب والنظريات الاجتماعية، السيكولوجية والسياسية: كمذهب العقد الاجتماعي، ونظرية التقدم، ونظريات كونت، وسبنس، التي تركت أثرها على تطوير نظريات الضبط الاجتماعي، وخصوصاً التقليدية منها، وسوف نعرض بشكل سريع هذه المذاهب والنظريات في علم الاجتماع الحديث.

ص: 190


1- الفكر الاجتماعي للدكتورة سامية محمد جابر: ص 233-237، ط دار العلوم العربية - لبنان - (بتصرف).
1 - مذهب العقد الاجتماعي

انشغل المفكرون الاجتماعيون والسياسيون في بداية العصر الحديث بذات المشكلة، وهي: كيفية تدعيم النظام في المجتمع الإنساني وواجهوا مشكلة تشبه تلك التي واجهها أفلاطون وأرسطو، وهي انهيار النظام الخارق للطبيعة في الدولة الرومية، وانهيار البناء الإقطاعي في الدولة العلمانية.

وفي ظل هذه المتغيرات، بدأوا يبحثون عن مصدر جديد للسلطة، أو عامل جديد يفسرون به انضباط السلوك الإنساني، وقد وجدوا هذا المصدر في (العقد الاجتماعي) - أي التعاقد - ولكن أصحاب نظريات العقد الاجتماعي، اختلفوا في تصورهم لهذا العقد، وفي مضمونه، وهم الفيلسوف الانجليزي (توماس هوبز) (Thomas hobes) ، وهو أول من قام بصياغة نظرية في العقد الاجتماعي، ثم جاء بعده (لوك) (J.Lock) ، ثم (جان جاك روسو) وهو آخر من مفكري مدرسة العقد الاجتماعي واختلفوا في آراء أصحاب فكرة العقد الاجتماعي في حالة الفطرة التي كانت سائدة قبل وجود المجتمع المنظم، واختلفوا أيضاً في مصدر السلطة هل هي تأتي من الخارج وتفرض على الفرد أم هي في الفرد ذاته ولا تأتيه من الخارج ولكنهم اتفقوا جميعاً على أمرين:

ألف: إقلاعهم عن التفسيرات الخارق واللاهوتية للحياة وللضبط الاجتماعي.

باء: إن الإنسان حراً في تحديد مصيره طالما أنه يوجه أفعاله الخاصة طبقاً للقانون الذي اشترك في وضعه.

ص: 191

ومن ثم فقد أصبح مصدر السلطة متمثلاً في القوى الاجتماعية وعلى وجه الخصوص في عنصر (التعاقد) بدلا من القوى الخارجة للطبيعة ومن ثم فهي نظرية علمانية، في مقابل النظريات أو التفسيرات الأخرى الدينية واللاهوتية(1).

2 - النظرية التقدم

تتلخص هذه النظرية في أن التقدم البشري يعتبر طبيعياً وتلقائياً، وهو نتيجة لأي جهة جمعي يهدف إلى تحقيق غايته نحو التقدم وقد بدأ هذا المذهب عند مفكرين مثل (برنارد دوفتينل) و (دون سان بيبر) و (كلود هافياس) وهم الذين ذهبوا إلى أن وصول الإنسانية إلى الكمال أمر ممكن، عن طريق التنوير الشامل والتعليم العقلاني وأن التقدم يعتبر حقيقة واقعة.

3 - النظرية الوظيفية

ثم بعد ذلك ظهرت في بداية العصر الحديث نظريات وآراء تهتم بتفسير العوامل المؤثر في النظم الاجتماعية والسياسية، منها التفسيرات الجغرافية، والبيولوجية، والسيكولوجية، والدينية.

فظهرت النظرية الوظيفية على يد عالم الاجتماع (كولانج) فهو أول من وجه الأنظار إلى أهمية تحليل الوظيفي للنظم وذلك بالرغم من أن معظم الباحثين في علم الاجتماع يرجعون أصول الاتجاه الوظيفي إلى (أيل دوركيم).

والمراد بالتحليل الوظيفي للنظم هو الدراسة التكاملية المتبادلة بين العقيدة والعائلة والقانون.

ص: 192


1- الفكر الاجتماعي للدكتورة سامية محمد جابر: ص 239-242 (بتصرف).

وأخيراً ظهور بعض النظريات السياسية والاجتماعية في النظام والضبط الاجتماعي وهي على قسمين:

ألف: نظرية في طبيعة الدولة، وصور الحكومة والسياسة.

باء: أساليب الضبط الاجتماعي غير القانونية وهو ما يسمى اليوم بالعرف فالعرف له أثر فعال في الضبط الاجتماعي.

وقد خلصت الدكتورة سامية محمد في كتابها: (الفكر الاجتماعي نشأته واتجاهاته وقضاياه)(1) بعد أن عرضت هذه النظريات والاتجاهات، خلصت إلى اهتمامها الواضح - أي هذه الاتجاهات والنظريات - بدراسة الدولة، وصور الحكومة، ومفهوم السيادة، الذي انعكس فيما بعد على دراسات الضبط الاجتماعي التقليدية، والحديثة، والمعاصرة، إذ أنه ليست هناك دراسة لم تشر إلى الدولة ودورها في عملية الضبط الاجتماعي المباشر.

وهنا تبرز نظرية سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام في النظام والضبط الاجتماعي، فقد نصت نظريتها: على ضرورة وجود الدولة وضبط المجتمع، وهي العلة في نظام الملة - أي الأمة - كما أقر بهذه الحقيقة علماء السوسيولوجيا والأنثربولوجيا، فما من أحد من الباحثين في علم الاجتماع وقد أراد الوصول إلى المنهج الذي يكفل الضبط الاجتماعي إلا وقد أقر بوجود الدولة في هذا المنهاج الإصلاحي.

ص: 193


1- أستاذة علم الاجتماع بجامعتي الاسكندرية وبيروت العربية: ص 233-251، ط دار العلوم العربية، بيروت.

لكن جميع هؤلاء الباحثين والمفكرين لم يتفقوا على أفراد وعناصر هذه الدولة؛ فأفراد الدولة عند أفلاطون هم: (الصفوة).

وعند الرواقيين الذين كانوا متفقين مع أرسطو، هم: (القانون الطبيعي) وهو ذلك القانون الإلهي الذي يعلو فوق أي قانون آخر.

وعند (الأبيقوريين) الذين تعارض تصورهم للمجتمع مع تصور الرواقين فكانت أفراد الدولة عندهم: (القانون الوضعي).

وعند أصحاب (نظرية العقد الاجتماعي) وهي نظرية علمانية، هم: (القوى الاجتماعية).

وعند أصحاب (نظرية التقدم) فإن أفراد الدولة، هم: (العلم والعقل والتقدم والتطور).

وعند أصحاب (النظرية الوظيفية)، هم: (العقيدة، والعائلة، والقانون).

وعند أصحاب (النظريات الحديثة) ك - (كونت) و (سبنس) فإن أفراد الدولة هم: (الشعب، والأقليم، والقوة الحاكمة) أو (الأقليم، والشعب، والتنظيم الحكومي).

أما عند فاطمة الزهراء عليها السلام البضعة النبوية عليها الصلاة والسلام فإن أفراد الدولة هم: (إمامتنا) - أي الأئمة الإثني عشر وهم الأئمة المعصومين من أهل بيت النبوة عليهم السلام.

وهم: (أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والحسن بن علي المجتبى، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر

ص: 194

بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، والحجة بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، صلوات الله عليهم أجمعين)، فهم الدولة التي بها يقام نظام الأمة المحمدية وبهم يتحقق الضبط الاجتماعي.

وأما مفهوم السيادة عند جميع هؤلاء الباحثين والمفكرين فهو أيضاً مختلف، والذي يبدو أن سبب الاختلاف في أفراد الدولة ومفهوم السيادة عند هؤلاء الباحثين والمفكرين هو: نفس الناس أي - المجتمعات القديمة والحديثة - فالناس بتركهم الالتزام بما جاء به المصلحون وهم الأنبياء وتعديهم على تلك الحدود والنظم التي وضعها الشارع المقدس أدى إلى حالة الفوضى وعدم الاستقرار وانعدام الضوابط الاجتماعية.

هذه الحالة المتجددة في كل عصر ومكان أدت إلى دفع الباحثين والمفكرين في علم السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا في البحث عن السبل والمناهج التي تعمل على تقويم السلوك الإنساني المؤدي إلى الضبط الاجتماعي؛ ولكن أنى لهم بذاك فقد ذهبوا بعيداً فلا يصلح الداء إلا الحاذق العارف بالدواء وهما القرآن والعترة، ولذا فإن مفهوم السيادة عند أم الأئمة المعصومين فاطمة عليها السلام هو (ولايتنا) التي بها يتحقق الأمان من الفرقة فقالت:

«وجعل ولايتنا أماناً من الفرقة».

أي: أن بولايتنا يتحقق الضبط الاجتماعي للمسلمين وبإمامتنا يعم النظام في المجتمع.

ص: 195

فما من سيادة في أي مجتمع كان قديماً أو حديثاً استطاعت أن تحقق الأمان من الفرقة؛ ولا تتجرأ على إعطاء الظمان بذلك.

أي ليست هناك في جميع المجتمعات التي تناولها الباحثون في علم الاجتماع سيادة حققت الضبط الاجتماعي وضمنت للناس عدم الفرقة مثلما كانت لسيادة ولاية أهل البيت عليهم السلام إلاّ أن تدخل أصحاب المصالح الشخصية والحكام الذين عملوا في صرفها عن الناس؛ كان هو السبب في حرمان الناس من التنعم بها، وفي هذا المجتمع تقول فاطمة:

«وتالله لو مالوا عن المحجة اللايحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردهم إليها، - أي أمير المؤمنين علي عليه السلام - وحملهم عليها ولسار بهم سيرا سجحا لا يكلم حشاشه ولا يكل سائره ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا، صافيا، رويا، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا وإعلانا، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب، ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين»(1).

ولذلك نجد - بل وكل باحث في المجتمع الإسلامي - هذه الحقيقة المرة، وهي افتراق المسلمين إلى ثلاثة وسبعين فرقة، وحدوث الفوضى في كل زمان ومكان والسبب في ذلك هو عدم التزام المسلمين بولاية أهل البيت بفعل السياسات

ص: 196


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 148.

الحاكمة التي جاءت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهو ما نصت عليه نظرية فاطمة عليها السلام في النظام والضبط الاجتماعي، في قولها عليها السلام:

«وجعل إمامتنا نظاماً للملة وولايتنا أمانا من الفرقة».

المسألة الثالثة: نظريتها في الأبوة الدينية والنسبية
اشارة

قالت عليها السلام لأحدى النساء:

«أرضي أبوي دينك محمداً وعلياً بسخط أبوي نسبك، ولا ترضي أبوي نسبك بسخط أبوي دينك، فإن أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمد وعلي صلوات الله عليهما بثواب جزء من ألف جزء من ساعة من طاعاتهما، وإن أبوي دينك محمداً وعلياً إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما لأن ثواب طاعات أهل الدنيا كلهم لا يفي بسخطهما»(1).

تنطلق بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان علاقة الإنسان بأبويه إلى تقسيم الأبوة إلى قسمين:

1 - أبوة الدين.

2 - أبوة النسب.

وهذه نظرية خاصة في مفهوم الأبوة في الفكر الإسلامي؛ إذ تشير الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الواردة عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في بيان حقوق الأبوين النسبية للمسلم وما يترتب عليه من برهما والإحسان

ص: 197


1- تفسير الإمام العسكري: ص 344.

إليهما، ولم تشر تلك الآيات والأحاديث إلى الأبوة الدينية فكيف يمكن فهم ما تضمنه الحديث الشريف لبضعة النبوة صلوات الله وسلامه عليها من وجود أبوين لكل منهما حقوق، بل وكما هو واضح في الحديث: أن حق الأبوة الدينية أعظم من حق الأبوة النسبية ؟

وجوابه:

1 - إن فاطمة صلوات الله عليها لم يغب عنها ما نزل به القرآن الكريم من آيات في بر الوالدين، كما لم يفتها ما بيّنه أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيان لتلك الحقوق، ومن ثم فنحن بحاجة إلى فهم ما تنظوي عليه هذه الكلمات من دلالات ومعان ترسم للمسلم طريق التعامل مع الله تعالى.

2 - إن المحور في الحديث هو طاعة الله تعالى، وهذه الطاعة طريق تحصيلها يكون من خلال ما أراده الله لا بما يريده الإنسان.

بمعنى:

إن الدافع على بر الوالدين والإحسان إليهما يندرج تحت محفزين؛ الأول: الغريزة الإنسانية التي تدفع الإنسان إلى الوقوف بجانب والديه.

والثاني: الإيمان بالله تعالى الذي أمر ببرهما وجعل لهما منزلة عظيمة، فإذا جمع هذين المحفزين عند أحد من الناس فإنه سيندفع إلى تقديم رضاهما على رضا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام، وذلك لعدم وجود محفز الغريزة الإنسانية من كونهما والديه في الأبوة الدينية، ولذا يميل الإنسان إلى طاعة الأبوة النسبية على الأبوة الدينية.

ص: 198

من هنا:

فإن بضعة النبوة صلوات الله عليها تنطلق في هذه النظرية من تدعيم الحافز الإيماني اتجاه الأبوة الدينية وتعظيم حقها وبيان حقيقة الطاعة التي يرتظيها الله تعالى وإنها محصورة فيها.

بمعنى: تغليب الجنبة الإيمانية على الجنبة الغريزية ومن ثم إظهار الترجيح بين تعظيم الأبوتين فأظهرت عليها السلام إن أبوة رسول الله وعلي صلوات الله عليهما ليس فوقها حق؛ وذلك أنها تحقق رضا الله تعالى، وإن كان ذاك يجر إلى سخط الوالدين النسبيين؛ لأن سخط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام يهدم جميع الأعمال ولا يبقي للإنسان حسنة واحدة؛ بل أن ثواب طاعات أهل الدنيا لا تستطيع أن تكفّر ذنب سخط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي صلوات الله عليها.

ولعل القارئ الكريم يبحث عن العلة في ذلك؛ وعن النصوص في بيان الأبوة الدينية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي صلوات الله وسلامه عليه وما معنى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام أبوا هذه الأمة ؟

ونقول:

فلنأتي أولاً إلى بيان النصوص الدالة على أبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام لهذه الأمة ثم نعرّج إلى بيان العلة في تقديم طاعة المسلم للأبوة الدينية على الأبوة النسبية وإن كان فيها سخط الوالدين.

ص: 199

أولاً: النصوص الواردة في أبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام لهذه الأمة

1 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده، عن أبي الجارود، عن ثابت بن أبي صفية، عن سيد العابدين علي بن الحسين، عن سيد الشهداء الحسين بن علي، عن سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام عن سيد النبيين محمد بن عبد الله خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«إنّ الله تبارك وتعالى فرض عليكم طاعتي ونهاكم عن معصيتي، وواجب عليكم إتباع أمري، وفرض عليكم من طاعة علي بعدي ما فرضه من طاعتي، ونهاكم من معصيته عما نهاكم عنه من معصيتي، وجعله أخي ووزيري ووصيي ووارثي، وهو مني وأنا منه، حبه إيمان وبغضه كفر، ومحبه محبي، ومبغضه مبغضي، وهو مولى من أنا مولاه، وأنا مولى كل مسلم ومسلمة، وأنا وإياه أبوا هذه الأمة»(1).

2 - وعنه رحمه الله بسنده، عن سيد الشهداء عليه السلام عن سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، أنت أخي وأنا أخوك، أنا المصطفى للنبوة، وأنت المجتبى للإمامة، وأنا صاحب التنزيل، وأنت صاحب التأويل، وأنا وأنت أبوا هذه الأمة....»(2).

3 - وعنه رحمه الله بسنده، عن سليمان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال:

ص: 200


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 65.
2- الأمالي للصدوق: ص 411.

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، أنت أخي ووارثي ووصيي وخليفتي في أهلي وأمتي في حياتي وبعد مماتي، محبك محبي، ومبغضك مبغضي، يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة، يا علي أنا وأنت والأئمة من ولدك سادة في الدنيا، وملوك في الآخرة، من عرفنا فقد عرفا لله، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عزّ وجل»(1).

4 - وعنه رحمه الله، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا سيد من خلق الله جميعاً، وأنا خير من جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش وجميع ملائكة الله المقربين، وأنبياء الله المرسلين، وأنا صاحب الشافعة والحوض الشريف، وأنا وعلي أبوا هذه الأمة. من عرفنا فقد عرف الله عزّ وجل، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عزّ وجل، ومن علي سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة: الحسن والحسين، ومن ولد الحسين تسعة أئمة طاعتهم طاعتي، معصيتهم معصيتي تاسعهم قائمهم ومهديهم»(2).

ولم يقتصر الحديث على كتب الإمامية أتباع عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما أورده بعض علماء أتباع الصحابة؛ فقد أورده الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن(3)، والآلوسي في تفسيره(4)، وابن سيده في المخصص(5)، وغيرهم.

ص: 201


1- الأمالي للصدوق: ص 755.
2- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ص 261.
3- المفردات في غريب القرآن للاصفهاني: ص 72؛ مفردات ألفاظ القرآن: ص 57.
4- تفسير الآلوسي: ج 22، ص 31.
5- المخصص لابن سيدة: ج 4، ق 1 (السفر الثالث عشر)، ص 173؛ رسائل أخوان الصفا: ج 1، ص 213.
ثانيا: معنى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام أبوا هذه الأمة

للوقوف على معنى الأبوة الدينية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام فلابد لنا من الرجوع إلى أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام وأقوال المفسرين فيما يتناولون الأبوة في القرآن الكريم.

1 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده، (عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن - الرضا - عليه السلام، فقلت له: لم كنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأبي القاسم ؟ فقال:

«لأنه كان له ابن يقال له قاسم فكنى به».

قال، فقلت له: يبن رسول الله فهل تراني أهلاً للزيادة ؟ فقال:

«نعم، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا وعلي أبوا هذه الأمة ؟».

فقلت: بلى، قال:

«أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أب لجميع أمته، وعلي فيهم بمنزلته ؟».

فقلت: بلى. قال:

«أما علمت أن عليا قاسم الجنة والنار؟».

قلت: بلى، قال:

«فقيل له أبو القاسم لأنه أبو قسيم الجنة والنار».

فقلت له: وما معنى ذلك ؟

ص: 202

فقال:

«إن شفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمته شفقة الآباء على الأولاد، وأفضل أمته علي عليه السلام ومن بعده شفقة علي عليه السلام عليهم كشفقته صلى الله عليه وآله وسلم لأنه وصيه وخليفته والإمام بعده، فلذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنا وعلي أبوا هذه الأمة، وصعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فقال:

من ترك دنيا أو ضياعاً فعلي وألي، ومن ترك مالا فورثته، فصار بذلك أولى بهم من آبائهم وأمهاتهم، وصار أولى بهم منهم بأنفسهم وكذلك أمير المؤمنين عليه السلا بعده جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»)(1).

2 - قال العلامة الطباطبائي قدس سره الشريف في بيان معنى الأبوة الدينية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام:

(الأب أو الوالد هو المبدأ الإنساني لوجود الإنسان والمربي له فمعلم الإنسان ومربيه للكمال أبوه فمثل النبي والولي عليهما أفضل الصلاة والسلام أحق أن يكونا أبا للمهتدي به، المقتبس من أنوار علومه ومعارفه من الأب الجسماني الذي لا شأن له إلا المبدئية والتربية في الجسم، فالنبي والولي - أي الإمام علي عليه السلام - أبوان والآيات القرآنية التي توصي الأولاد بوالديه تشملهما بحسب الباطن وإن كانت بحسب ظاهرها لا تعدو الأبوين الجسمانيين)(2).

ص: 203


1- علل الشرايع للصدوق: ج 1، ص 127.
2- تفسير الميزان: ج 4، ص 357.

3 - قال الراغب الاصفهاني (المتوفى سنة 425 ه -):

(الأب: الوالد، ويسمى كل من كان سبباً في إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره أبا، ولذلك يسمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا المؤمنين، قال الله تعالى:

اَلنَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ (1) .

وفي بعض القراءات: وهو أب لهم، وروى أنه صلى الله عليه - وآله - وسلم قال لعلي - عليه السلام -:

«أنا وأنت أبوا هذه الأمة».

وإلى هذا أشار بقوله:

«كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي».

وقيل: أبو الأضياف لتفقده إياهم، وأبو الحرب لمهيجها، وأبو عذرتها لمفتضها، ويسمى العم مع الأب أبوين، وكذلك الأم مع الأب، وكذلك الجد مع الأب، قال: تعالى في قصة يعقوب:

مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قٰالُوا نَعْبُدُ إِلٰهَكَ وَ إِلٰهَ آبٰائِكَ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ إِلٰهاً وٰاحِداً(2) .

وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمهم، وسمي معلم الإنسان أباه لما تقدم من ذكره، وقد حمل قوله تعالى:

ص: 204


1- سورة الأحزاب، الآية: 6.
2- سورة البقرة، الآية: 133.

وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ (1) .

على ذلك، أي علماءنا الذين ربونا بالعلم بدلالة قوله تعالى:

رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا اَلسَّبِيلاَ(2) .

وقيل في قوله:

أَنِ اُشْكُرْ لِي وَ لِوٰالِدَيْكَ (3) .

إنه عنى بالأب الذي ولده، والمعلم الذي علمه، وقوله تعالى:

مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ .

إنما هو نفي الولادة وتنبيه أن التبني لا يجري مجرى البنوة الحقيقة)(4).

3 - قال الآلوسي (المتوفى سنة 1270 ه -) في بيان قوله تعالى:

مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ وَ لٰكِنْ رَسُولَ اَللّٰهِ (5) .

إنّ قوله تعالى (ولكن رسول الله) استدراك من نفي كونه عليه الصلاة والسلام أبا أحد من رجالكم على وجه يقتضي حرمة المصاهرة ونحوها إلى إثبات كونه أبا لكل واحد من الأمة فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وآله وسلم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم صلى الله عليه وآله وسلم فإن

ص: 205


1- سورة الزخرف، الآية: 22.
2- سورة الأحزاب، الآية: 67.
3- سورة لقمان، الآية: 14.
4- المفردات في غريب القرآن: ص 7.
5- سورة الأحزاب، الآية: 40.

كان رسول الله أب لأمته فيما يرجع إلى ذلك، وحاصله أنه استدراك من نفي الأبوة الحقيقة الشرعية التي يترتب عليها حرمة المصاهرة ونحوها إلى إثبات الأبوة المجازية اللغوية التي هي من شأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتقتضي التوقير من جانبهم، والشفقة والنصيحة لهم، فإن كان رسول الله أبا لكل واحد من الأمة فيما يرجع إلى ذلك.

وحاصله: إنه استدراك من نفي الأبوة الحقيقية الشرعية التي يترتب عليها حرمة المصاهرة ونحوها إلى إثبات الأبوة المجازية اللغوية التي هي من شأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتقتضي التوقير من جانبهم والشفقة من جانبه صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

4 - وأخرج ابن ماجة في السنن عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال:

«إنما أنا لكم مثل الوالد لولده أعلمكم»(2).

ثالثا: العلة في تعظيم حق الأبوة الدينية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوق الأبوة النسبية للمسلم

قد تبين من خلال الأحاديث الشريفة والأقوال السابقة لبعض العلماء والمفسرين حول حقيقة والدية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام لهذه الأمة، فبينت أن المراد بها الأبوة اللغوية المجازية التي تنظوي تحتها

ص: 206


1- تفسير الآلوسي: ج 22، ص 31.
2- سنن ابن ماجة: ج 1، ص 114.

معان متعددة: كإخراجهم من الضلالة إلى الهدى، وتعليمهم وتزكيتهم كما دل قوله تعالى:

وَ يُعَلِّمُهُمُ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ (1) .

وغيرها من المعاني والدلالات التي تمنح صاحبها حقوقاً كثيرة على المستفيد منها.

ومثاله من حيث التناسب بين عدد النعم الممنوحة والمستفيد منها كنعمة خلق الله للإنسان وأسباغ نعمه سبحانه عليه فعظم معها حق الباري جل شأنه على عبده.

بمعنى:

أننا لو تتبعنا عدد النعم التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موجداً لها وسببا في منحها للإنسان لخرج الموضع عن عنوانه، فيكفي في أنه السبب في خلاص المسلم من النار في الآخرة، وأنه واسطة نزول الفيض أو الخير من الله تعالى إلى الخلائق لقوله تعالى:

وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ (2) .

وقوله سبحانه:

هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ (3) .

ص: 207


1- سورة البقرة، الآية: 129.
2- سورة الأنبياء، الآية: 107.
3- سورة ص، الآية: 39.

ولقد أوتي الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من العطاء الإلهي ما لم يعط أحداً من الخلق وكيف لا وهو سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، أفيعقل أن يعطى النواب والوزراء من الامتيازات والقوانين والسنن بأكثر مما يعطى رئيسهم ؟!

وعليه: عظم حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين بما عظم لديهم من النعم التي جاءتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن علي بن أبي طالب عليه السلام فهو الهادي لكل قوم بنص محكم التنزيل في قوله تعالى:

إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ(1) )(2).

ص: 208


1- سورة الرعد، الآية: 7.
2- أخرج الحاكم النيسابوري عن علي عليه السلام في قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، أنه قال: «رسول الله المنذر وأنا الهاد»: ج 3، ص 130؛ وروى ابن حجر عن الطبري بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله يده على صدره وقال: «أنا المنذر»، وأومأ إلى علي وقال: «أنت الهادي، بك يهتدي المهتدون بعدي»، وعقب ابن حجر على الحديث قائلاً: (فإن ثبت هذا فالمراد بالقوم أخص من الذي قبله أي بن هاشم مثلا)؛ وأخرج ابن أبي حاتم، وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات المسند، وابن مردويه من طريق السدي، عن عبد خير، عن علي قال: «الهادي رجل من بني هاشم»، قال: بعض رواته هو علي وكأنه أخذه من الحديث الذي قبله، وفي إسناد كل منهما بعض الشيعة ولو كان ذلك ثابتاً ما تخالفت رواته؛ فتح الباري لابن حجر: ج 8، ص 285. وأقول: 1 - عجيب هذه المغالطات من ابن حجر وهو يجد تلك الأحاديث يقوي بعضها بعضاً ويصحح بعضها بعضاً، إلاّ أنه مع ذلك يحاول أن يضلل القارئ عنها، فقبل أن يستفتح حديث الطبري نجده يشتت ذهن القارئ بقوله: (والمستغرب ما أخرجه الطبري بإسناد حسن) ثم يورد الرواية، فكيف يكون مستغرباً وإسناده حسن، إلا أن يكون علياً هو الهادي وليس أحد من الصحابة. 2 - إن الحديث الوارد عن طريق عبد خير عن علي عليه السلام أنه قال: «الهادي رجل من بني هاشم»، أخرجه أحمد في مسنده أيضاً قبل أن يخرجه ولده عبد الله في زيادات المسند؛ أنظر: مسند أحمد: ج 1، ص 126. 3 - وهل في بني هاشم من الفضائل والمناقب والمزايا ما لعلي حتى يتوهم القارئ بأنها في غير علي عليه السلام، أفهل هناك غير علي عليه السلام قسيم الجنة والنار؛ أم في غير حبه وبغضه يفتن المسلمون فيميز الله المؤمنين من المنافقين والفجار. 4 - إن أغرب ما قيل في توجيه الحديث لغير وجهته، قول ابن حجر: (وفي إسناد كل منهما بعض الشيعة، ولو كان ذلك - أي إن علي هو الهادي - ما تخالفت رواته، ونقول: ألف: إما أن في إسناده شيعة فقد ملئت الصحاح الستة من رواة الشيعة ومن أراد الزيادة فعليه بالمراجعات لشرف الدين أعلى الله مقامه فقد أورد في المراجعة رقم (ستة عشر) مئة من روات الصحاح الذين كانوا يدينون الله بحب علي عليه السلام، واشتهروا بالتشيع لعلي. باء: إما اختلاف رواته فهو دليل على الصحة وليس على عدمها؛ وذلك أن الأمة كلها اختلفت وتمايزت في حب علي عليه السلام وبغضه فمن أحب علي عليه السلام أقر بالرواية ومن أبغضه أنكرها، واستغربها.

فعلي عليه السلام له من الحق العظيم على الأمة في كونه الهادي إلى الحق والهدى اللذان بهما يفوز المسلم بالنعيم الأبدي ويحرز رضا الله تعالى؛ فضلاً عن كونه الوصي والخليفة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فنال ما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلا النبوة والرسالة جميع الامتيازات من الوساطة في نزول الفيض وحفظ الأمة من الضلال وغير ذلك.

ولعل الروايات الشريفة الواردة عن العترة النبوية فيها من البيان ما يغني القارئ عن البحث في العلة التي جعلت الأبوة الدينية أعظم حقاً عند الله تعالى من الأبوة النسبية، فمنها:

ص: 209

1 - قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام:

«قال علي بن أبي طالب عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أنا وعلي أبوا هذه الأمة، ولحقنا عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم، فإنا ننقذهم - إن أطاعونا - من النار إلى دار القرار، ونلحق من العبودية بخيار الأحرار»(1).

2 - قالت فاطمة صلوات الله عليها:

«أبوا هذه الأمة محمد وعلي يقيمان أودهم، وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما، ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما»(2).

3 - قال الإمام الحسن بن علي عليهما السلام:

«محمد وعلي أبوا هذه الأمة، فطوبى لمن كان يخصهما عارفاً، ولهما في كل أحواله مطيعاً، يجعله الله من أفضل سكان جنانه، ويسعده بكراماته ورضوانه»(3).

4 - قال الإمام علي بن الحسين عليهما السلام:

«إن كان الأبوان إنما عظم حقهما على أولادهما لإحسانهما إليهم، فإحسان محمد وعلي عليهما السلام إلى هذه الأمة أجل وأعظم فهما بأن يكونا أبويهم أحق»(4).

ص: 210


1- تفسير الإمام العسكري: ص 330.
2- المصدر السابق.
3- تفسير الإمام العسكري: ص 330-331.
4- المصدر السابق.

5 - وقال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:

«من رعى حق أبويه الأفضلين: محمد وعلي عليهما السلام، لم يضره ما أضاع من حق أبوي نفسه وسائر عباد الله، فإنهما صلوات الله عليهما يرضيانهم بسعيهما»(1).

6 - وقال محمد بن علي الباقر عليه السلام:

«من أراد أن يعرف كيف قدره عند الله، فلينظر كيف قدر أبويه الأفضل عنده محمد وعلي عليهما السلام»(2).

7 - وقال الحسن بن علي عليهما السلام:

«من آثر طاعة أبوي دينه محمد وعلي عليهما السلام على طاعة أبوي نسبه قال الله عزّ وجل:

(لأؤثرنك كما آثرتني ولأشرفنك بحضرة أبوي دينك، كما شرفت نفسك بإيثار حبهما على حب أبوي نسبك)»(3).

إذن:

نظريتها عليها السلام في الأبوة ترتكز على إن رضا أبوي الدين وسخطهما مقرون برضا الله تعالى وسخطه فكانا أعظم مسؤولية عند الله تعالى من أبوي النسب، وإن أبوي النسب لاحظ لهما عند تقديم أبوي الدين.

وسخطهما أعظم خطراً واشد مسؤولية عند الله تعالى.

ص: 211


1- تفسير الإمام العسكري: ص 331.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.
المسألة الرابعة: نظريتها في حب الدنيا
اشارة

قالت عليها السلام:

«إني أحب من دنياكم ثلاثاً: الإنفاق في سبيل الله، وتلاوة كتاب الله، والنظر إلى وجه أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

وجدت فاطمة صلوات الله عليها في حقيقة الدنيا أموراً ليست مذمومة، بل ترقى إلى ما فوق الممدوح فأحبتها؛ لكن الأشياء التي تُحَب في الدنيا وعند الفكر الفاطمي هي بغير المفهوم المرتكز في أذهان الناس باختلاف مستوياتهم الإدراكية ومعطياتهم الفكرية ومكوناتهم الثقافية.

فالدنيا بما جعل الله تعالى فيها من زينة وزخرف من جهة، وما جعل في النفس الإنسانية من شهوات قد تشهد في كل يوم العشرات من الصراعات فيما بينها وبين الناس وغرائز تدفعها إلى التعايش مع هذه الزينة، والانجذاب إليها، والانقياد لها من جهة أخرى.

فأسر من أسر، وتحرر من تحرر، وحينها لم يجد المأسور والمتحرر غير الذم للدنيا تارة، والتحذير منها تارة أخرى بعد غوض غمار التعايش مع الدنيا.

أما من ارتمس في شهواتها فهو لم يفق حتى تأتيه سكرة الموت، وحينها يقول:

يٰا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيٰاتِي(2) .

ص: 212


1- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلام: ص 161، نقلاُ عن أنيس الواعظين: ج 2، ص 95.
2- سورة الفجر، الآية: 24.

فقد أضاع نفسه وهلك في واد سحيق ليترك آنذاك جرساً يدق في كل حين منبهاً الغافلين من أتباع هذا المسلك؛ فيزداد عند ذاك عدد الذامين للدنيا وعدد الغارقين في ملذاتها.

ولا يدرك السامع أين يكون الخلل أفي الدنيا، أم في غرائزه، أم في ضعف إرادته، أم في حظه منها؟ ولعله لا يجد سوى أن يندب حظه حينما لم ينل من الدنيا بشيء أو حينما يقع على رأسه فلا يجد غير الملامة من الآخرين أو من نفسه أو لعله لا يجد عند ذلك من أحد.

هكذا هي المفاهيم في التعامل مع الدنيا، وهكذا حال الإنسان معها، ولكن بين هذه الرؤى والمعطيات تظهر مفاهيم أخرى وجدت من الدنيا مكسباً عظيماً ووجدت فيها سعادة غامرة وحباً متغللاً حتى الشغف.

إنها الحب في ثلاث:

1 - الإنفاق في سبيل الله.

2 - تلاوة كتاب الله.

3 - النظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

واللافت للانتباه ان ليس في هذه الثلاث غير الله تعالى، فهو المرتكز في نظرية فاطمة صلوات الله عليها في حب الدنيا، وهو ما يميزها حتى عن الثلاثة التي أحبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا، فكانت:

«العطر والنساء وقرة عيني الصلاة»(1).

ص: 213


1- الوافي للفيض الكاشاني: ج 21، ص 29، برقم 20736-7، 20737-7.

فهذه الثلاثة النبوية فيها من الدنيا نصفها، أي المرأة؛ أما تلك الثلاثة الفاطمية ليس فيها من الدنيا نصيب ولو قيد أنملة.

وهذه الثلاثة النبوية فيها أيضاً للنفس شيئين، العطر والنساء، وتلك التي عند فاطمة عليها السلام ليس فيها للنفس أي شيء؛ فهي: تعطي، والإنسان يفرح في الأخذ والاغتنام.

أما تلاوة كتاب الله، والنظر على وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهما للآخرة مطلقاً ولم يحس بجمالهما وحلاوتهما غير فاطمة عليها السلام صاحبة هذا الشعور القلبي في حبها لثلاثة أشياء وجدتها في هذه الدنيا.

على الرغم من أن لدى فاطمة في هذه الدنيا ما لم يكن لامرأة فيها، فلفاطمة الحسن والحسين عليهما السلام بما يحملان من زينة حب البنين، وأي بنين هما؛ وبما يحملان من شأن إلهي، لكنهما لم يرقيا على مصاف حبها في تلاوة كتاب الله والنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولعلنا إن تركنا البيان لما فيه هذه الثلاثة من آثار على الإنسان وما يدل سلوكها إلى حقيقة النفس ومستوى رقيها سيجعل القارئ في نقص من اكتمال الصورة لديه أو يجعله في حيرة في فهم شخصية فاطمة صلوات الله عليها وتعاملها مع الحياة الدنيا.

ولذا:

وجدنا ضرورة بيان ما لهذه الثلاثة من دلالة وآثار في الدنيا والآخرة ومن ثم كشفها لشخصية العامل بها وتميزه عن غيره من الناس، وهي كالآتي:

ص: 214

أولاً: دور الإنفاق في بناء شخصية الإنسان وتحديد ملامح هذه الشخصية

يعرض القرآن الكريم قضية الإنفاق في آيات عديدة ضمن مجموعة من السور وهي ترسم للباحث طريق بناء النفس والمجتمع إلى المستوى الذي جعله القرآن، أي الإنفاق ضمن المنجيات والمهلكات الأربعة التي بها يتحقق الفوز أو الخسران في الآخرة كما في قوله تعالى:

قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ اَلْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ اَلْمِسْكِينَ وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ اَلْخٰائِضِينَ وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ اَلدِّينِ (1) .

فهذه الآيات الكريمة تظهر ركنية الإنفاق في تلك المهلكات الأربعة التي تدخل الناس النار وذلك لارتكاز هذه الأركان الأربعة على الإيمان بالغيب.

إذ الإنفاق هو في الحقيقة يكشف عن خلاف الإنسان للأنا، لاسيما في المال الذي جبل الإنسان على حبه؛ بمعنى: يكون الدافع النفسي عند الإنسان في التعامل مع المال يرتكز على الإزدياد وبغض الخسران وكره النقصان مما يتطلب إرادة قوية عند المرء تمكنه من مقاومة هذه التجاذبات بين الزيادة والنقصان في التعامل مع المال.

ولذلك: جعله القرآن أحد مقومات الإيمان بالغيب لما يترتب عليه من إصلاح للنفس والمجتمع وسلامتهما من الفساد والإفساد، فلا النفس حينها تغرق في بحر الأنا، فتكون منّاعة للخير مسومة بالبخل والشح مأسورة للشهوات، منقادة إلى الملذات ومن ثم ينتهي بها المطاف في قسوة من القلوب فهي كالحجارة أو أشد قسوة.

ص: 215


1- سورة الدثر، الآيات: 42-46.

وأما في المجتمع فالتمايز بين الطبقية الاجتماعية، وتفشي الفقر وانتشار الجهل بعسر الإنفاق عند الآباء على أبنائهم، يدفع إلى اكتساب العادات السيئة والأخلاق المنحرفة لينتهي الأمر بمحاولات لممارسة الجريمة المنظمة أو المبعثرة كالاتجاء للسرقة أو القتل أو الاتجار بالمخدرات أو الابتزاز وغيرها التي يدفع ثمنها بالدرجة الأولى الأغنياء الذين يظنون أنهم بما لديهم من أموال بمنأى عن هذه الحوادث التي كانوا هم السبب الرئيسي في مكونها بمنعهم الزكاة والخمس والصدقات وتركهم الإنفاق.

ولذا:

(قد تعبد الله سبحانه بالإنفاق في سبيله كما تعبد بالجهاد بالأنفس فقال الله تعالى:

وَ جٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ (1) .

فسوى سبحانه بين فرض الإنفاق في سبيله والجهاد بالأنفس، وقال سبحانه:

وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ لاٰ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى اَلتَّهْلُكَةِ (2) .

فأمر بالإنفاق وتوعد المخل به بالهلاك، وذلك برهان وجوبه في أمثال هذه الآيات)(3).

لما يشكله من آثار كبيرة على النفس والمجتمع، فضلاً عن آثاره في الآخرة، فكان (من أعظم ما يهتم بأمره الإسلام في أحد ركنيه وهو حقوق الناس وقد

ص: 216


1- سورة التوبة، الآية: 41.
2- سورة البقرة، الآية: 195.
3- الكافي في الفقه لأبي صلاح الحلبي: ص 175.

توسل إليه بأنحاء التوسل إيجاباً وندباً من طريق الزكاة والخمس والكفارات والمالية وأقسام الفدية والإنفاقات الواجبة والصدقات المندوبة، ومن طريق الوقف والسكن، والعمري والوصايا والهبة وغير ذلك.

وإنما يريد بذلك ارتفاع سطح معيشة الطبقة السافلة التي لا تستطيع رفع حوائج الحياة من غير إمداد مالي من غيرهم، ليقرب أفقهم من أفق أهل النعمة والثروة، ومن جانب آخر قد منع من تظاهر أهل الطبقة العالية بالجمال والزينة في مظاهر الحياة بما لا يقرب من المعروف ولا تناله أيدي النمط الأوسط من الناس، بالنهي عن الاسراف والتبذير ونحو ذلك.

وكان الغرض من ذلك كله ايجاد حياة نوعية متوسطة متقاربة الأجزاء متشابهة الأبعاض، تحيى ناموس الوحدة والمعاضدة، وتميت الإرادات المتضادة وأضغان القلوب ومنابت الأحقاد، فإن القرآن يرى أن شأن الدين الحق هو تنظيم الحياة بشؤونها، وترتيبها ترتيبا يتضمن سعادة الانسان في العاجل والأجل، ويعيش به الانسان في معارف حقة، واخلاق فاضلة، وعيشة طيبة يتنعم فيها بما أنعم الله عليه من النعم في الدنيا، ويدفع بها عن نفسه المكاره والنوائب ونواقص المادة.

ولا يتم ذلك إلا بالحياة الطيبة النوعية المتشابهة في طيبها وصفائها، ولا يكون ذلك إلا بإصلاح حال النوع برفع حوائجها في الحياة، ولا يكمل ذلك إلا بالجهات المالية والثروة والقنية، والطريق إلى ذلك انفاق الافراد مما اقتنوه بكد اليمين وعرق الجبين، فإنما المؤمنون إخوة، والأرض لله، والمال ماله.

وهذه حقيقة أثبتت السيرة النبوية على سائرها أفضل التحية صحتها

ص: 217

واستقامتها في القرار والنماء والنتيجة في برهة من الزمان وهي زمان حياته عليه السلام ونفوذ امره.

وهي التي يتأسف عليها ويشكو انحراف مجريها أمير المؤمنين علي عليه السلام إذ يقول:

«وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا، والشر فيه إلا اقبالا، والشيطان في هلاك الناس إلا طمعا، فهذا أو ان قويت عدته وعمت مكيدته - وأمكنت فريسته، اضرب بطرفك حيث شئت هل تبصر إلا فقيرا يكابد فقرا؟ أو غنيا بدل نعمة الله كفرا؟ أو بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا أو متمردا كأن بإذنه عن سمع المواعظ وقرا؟»)(1).

إذن

يتضح لنا أن حب فاطمة عليها السلام للإنفاق في سبيل الله مرتكز على القيمة الإصلاحية للنفس والمجتمع وانعكاساته على بناء حياة طابعها الرحمة وقوامها المأزرة، فالخلق أحباب الله وأقربهم إلى الله أنفعهم لخلقه سبحانه.

وأول المنفعة للخلق تحسين مستواهم المعيشي الذي يؤسس لنشر العلم والتعليم ومحاربة الجهل، فيرقى الإنسان إلى حيث إرادة له الشريعة المقدسة.

ثانياً: دور تلاوة القرآن في بناء شخصية الإنسان

لا شك إن المكانة الكبيرة التي يشغلها القرآن الكريم في الإسلام إنما كانت لكونه عنوان الإسلام وهويته وجوهره وظاهره ودستوره وشريعته، وغيرها مما

ص: 218


1- تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: ج 2، ص 38.

يتعلق بوجود هذا الدين السماوي، الذي جعله الله تعالى خاتمة الديانات السماوية وخير الأديان التي أخرجت للناس.

إلاّ أن القرآن الكريم مع ما أوتي من خصوصية وحدود وقدسية في الإسلام لم ينل من حيث التثقيف على القراءة لآياته وتلاوته القدر المستحق، وذلك لاهتمام معظم الناس بالتكسب والمعيشة أو طلب العلم أو المرابطة على الثغور وغيرها من اللوازم الحياتية التي تفرض على الإنسان التمسك بها والانقياد إليها مما أثر سلباً على تخصيص بعض الوقت لقراءة القرآن وتلاوة آياته.

وهي حقيقة عرضها القرآن وبينها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عزّ وجل:

إِنَّ هٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شٰاءَ اِتَّخَذَ إِلىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً(1) .

من هنا:

كانت الروايات الشريفة تحث الإنسان المسلم على بذل بعض الوقت من أجل التفرغ لقراءة القرآن وتلاوته والتدبر في آيات، نورد منها بعض الشواهد القليلة كي لا يخرج البحث عن عنوانه؛ فهذا الشاهد يظهر بوضوح ما لقراءة القرآن وتلاوته من آثار في بناء النفس وتقويم السلوك وهي ما نحن بصدده في بيان نظرية فاطمة في حب الدنيا.

1 - فقد روى الشيخ الكليني عن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال:

ص: 219


1- سورة المزمّل.

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّها الناس إنكم في دار هدنة وأنتم على ظهر سفر والمسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود فأعدوا الجهاز لبعد المجاز».

قال: فقام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله وما دار الهدنة ؟ قال:

«دار بلاغ وانقطاع فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وقائل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة فليجل جال بصره وليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب ويتخلص من نشب فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص»)(1).

2 - وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تعلموا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة صاحبه في صورة شاب جميل شاحب اللون فيقول له القرآن: أنا الذي كنت أسهرت ليلك وأظمأت هواجرك وأجففت ريقك وأسلت دمعتك أؤول معك حيثما ألت، وكل تاجر من وراء تجارته وأنا اليوم لك من وراء تجارة

ص: 220


1- الكافي للكليني: ج 2، ص 599، ح 2.

كل تاجر وسيأتيك كرامة (من) الله عز وجل فأبشر، فيؤتى بتاج فيوضع على رأسه ويعطى الأمان بيمينه والخلد في الجنان بيساره ويكسى حلتين ثم يقال له: اقرأ وارقه فكلما قرء آية صعد درجة ويكسى أبواه حلتين إن كانا مؤمنين ثم يقال لهما: هذا لما علمتماه القرآن»(1).

3 - وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن لحمه ودمه وجعله الله مع السفرة الكرام البررة وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة، يقول:

يا رب إن كل عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي فبلغ به أكرم عطاياك، قال: فيكسوه الله العزيز الجبار حليتين من حلل الجنة، ويوضع على رأسه تاج الكرامة ثم يقال له: هل أريناك فيه ؟

فيقول القرآن: يا رب قد كنت أرغب له فيما هو أفضل منهذا، فيعطى الأمن يمينه والخلد بيساره، ثم يدخل الجنة فيقال له: اقرأ واصعد درجة، ثم يقال له: هل بلغنا به وأرضيناك ؟ فيقول: نعم.

قال: ومن قرأه كثيراً وتعاهده بمشقة من شدة حفظه أعطاه الله عزّ وجل أجر هذا مرتين»(2).

والأحاديث في ذلك لكثيرة جداً وجميعها تكشف عن تلك الآثار التي تتمخض عن قراءة القرآن وتلاوته والتدبر في آياته ودوره في بناء شخصية الإنسان من خلال التدبر.

ص: 221


1- الكافي للكليني: ج 2، ص 603، ح 3، باب: فضل حامل القرآن.
2- الكافي للكليني: ج 2، ص 603.

إلاّ أن الملفت في ذلك هو الدافع الذي يقود الإنسان لقراءة القرآن إذ الغالب في وجود هذا الدافع والمحرك النفسي هو الثواب والإحساس بالأمان وجلب الخير والبركة وغيرها.

لكنه أي الدافع في قراءة القرآن عند بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو حب الله تعالى والأنس بكلامه أفهل يجد الحبيب غير الجلوس بين يدي حبيبه فيستمع إلى حديثه ؟ فهذا الذي أحبته فاطمة من الدنيا.

ثالثا: حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآثاره في بناء الشخصية

يقدم القرآن الكريم منهجاً دقيقاً في كيفية التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطورة هذا التعامل في الدنيا والآخرة لما ارتبط به من سنن إلهية أجرها سبحانه وتعالى في هذه الأمة وفي الأمم السابقة في إتباع الأنبياء والإعراض عنهم ومعاداتهم.

ويخصص القرآن في هذا المنهاج حيزاً واسعاً في آثار حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضلاً عما بينته الأحاديث الشريفة في هذه المسألة، لما يترتب عليها من بناء للشخصية المسلمة ودليلاً على تحديد هويته الإيمانية ونسبته إلى الإسلام.

ومن الشواهد على ذلك:

1 - قال تعالى:

إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اَللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللّٰهُ (1) .

ص: 222


1- سورة آل عمران، الآية: 31.

2 - وقال سبحانه:

يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نٰاجَيْتُمُ اَلرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً (1) .

3 - وقال عزّ وجل:

لاٰ تَجْعَلُوا دُعٰاءَ اَلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوٰاذاً فَلْيَحْذَرِ اَلَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ (2) .

4 - وقال تعالى:

إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً(3) .

أما من الشواهد النبوية في بيان آثار حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهي:

1 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته».

قال: فقال رجل من القوم: يا ابا عبد الرحمن، ما تزال تجيء بالحديث يحيي

ص: 223


1- سورة المجادلة، الآية: 12.
2- سورة النور، الآية: 63.
3- سورة الأحزاب، الآية: 57.

الله به القلوب)(1).

2 - روى الشيخ الطوسي رحمه الله عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يكون العبد مؤمنا حتى أكون أحب إليه من نفسه ومن ولده وماله وأهله»(2).

3 - روى البخاري عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده»(3).

4 - وعنه أيضاً، عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»(4).

وغيرها من الشواهد التي ترسم للمسلم طريق التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وماذا يعني له حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأي كاشفية للإيمان متجذرة في هذا الحب الذي من خلاله يكتشف الإنسان نفسه

ص: 224


1- الأمالي للصدوق: ص 414.
2- الأمالي للطوسي: ص 416.
3- صحيح البخاري: باب حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ج 1، ص 9.
4- المصدر السابق.

ويتعرف على هويته ونسبته من الإسلام، أهي لقلقة لسان أم حب متجسد في أفعاله وأقواله.

من هنا:

كانت هذه العناوين في الأفعال والأقوال تدفع الإنسان إلى بناء شخصيته وذلك أن من أحب أمرء تأثر به وكلما كان حبه أعمق كلما كان هذا التأثر أمضى وأشمل كالذي كانت عليه بضعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حتى أصبحت في هذا التأثر بحبها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم صورة له في سمتها وقولها وهديها.

وفي ذلك تقول عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

(ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً، وحديثا، وكلاماً، برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة - عليها السلام)(1).

وفي لفظ آخر قالت في صفة فاطمة عليها السلام:

(ما رأيت أحداً أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم)(2).

فكيف بعد ذلك الحب الذي يكشف عن أعلى درجات الإيمان كما دلت النصوص في أن يكون النظر إلى وجه الحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أحد الثلاثة التي أحبتها فاطمة صلوات الله عليها من الدنيا.

ص: 225


1- سنن ابي داود، باب: في بلة الرجل ولده، ج 2، ص 522.
2- سنن الترمذي: ج 5، ص 316، باب: ما جاء في فضل فاطمة عليها السلام.

مكونة في ذلك نظرية جديدة في مفهوم حب الدنيا ترتكز على حب الله أولاً وفي بناء النفس ثانياً وفي إصلاح المجتمع ثالثاً، فهذه الأركان الثلاثة في النظرية الفاطمية ليس فيها من الدنيا شيء سوى أنها السبيل المؤدي على الله تعالى.

المسألة الرابعة: نظريتها في العبادة

قالت عليها الصلاة والسلام:

«من أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله إليه أفضل مصلحته»(1).

يعرض القرآن الكريم مسألة العبادة والتعبد لله تعالى في إطار الغائية في خلق الجن والإنس فقال سبحانه:

وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ (2) .

وفي المقابل جعل الإخلاص شرطاً في القبول، فقال سبحانه:

وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اَللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُوا اَلزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ اَلْقَيِّمَةِ (3) .

والإخلاص في العبادة هو التنزيه في جميع مظاهر الشرك وبواطنه في ممارسة العبادة لله تعالى لاسيما فيما يتعلق بالنفس وأهوائها كما حدث لإبليس الذي كان أول المفلسين في عبادته لله حينما سولت له نفسه فكانت تجد لها الأحقية في اختيار الأصلح أو تقرير الأصوب كقوله في أفضلية الطين على النار فجعل من نفسه

ص: 226


1- تفسير الإمام العسكري: ص 177؛ مجموعة وارم: ج 2، ص 108.
2- سورة الذاريات، الآية: 56.
3- سورة البينة، الآية: 5.

شريكاً في الحكم الإلهي.

وكذلك اليوم وفي كل يوم منذ أن بعث الله آدم عليه السلام نبياً كانت مقابله أوامر نفسية يصدرها أهل الاجتهادات الباطلة فيضعون أنفسهم مقابل النص الإلهي الصادر من أنبياءه عليهم السلام ورسله ووحيه وكتبه.

فالإخلاص في العبادة يقتضي مجاهدة النفس في الرجوع إلى ما شرعه الله تعالى من أحكام وشرائع من جهة، ومن جهة أخرى عدم إشراك الغير في هذه العبادة كالرياء أو حصول المنفعة أو دفع المضرة.

وبمعنى آخر: أن يكون الإنسان صادقاً في عبادته لله تعالى فلا يقدم نفسه على هذه العبادة فيها القرين لهذا الحكم أو استجلاباً للنفع أو دفعاً للضرر.

قال تعالى:

فَإِذٰا رَكِبُوا فِي اَلْفُلْكِ دَعَوُا اَللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ فَلَمّٰا نَجّٰاهُمْ إِلَى اَلْبَرِّ إِذٰا هُمْ يُشْرِكُونَ (1) .

وقال عزّ وجل:

هُوَ اَلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ حَتّٰى إِذٰا كُنْتُمْ فِي اَلْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِهٰا جٰاءَتْهٰا رِيحٌ عٰاصِفٌ وَ جٰاءَهُمُ اَلْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكٰانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اَللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنٰا مِنْ هٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ اَلشّٰاكِرِينَ فَلَمّٰا أَنْجٰاهُمْ إِذٰا هُمْ يَبْغُونَ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ إِنَّمٰا بَغْيُكُمْ

ص: 227


1- سورة العنكبوت، الآية: 65.

عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ مَتٰاعَ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا ثُمَّ إِلَيْنٰا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (1) .

في المقابل نجد القرآن الكريم يعطي بياناً آخراً في الآثار التي تنبثق من الإخلاص في الدين فيقول سبحانه:

1 - قٰالَ رَبِّ بِمٰا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّٰ عِبٰادَكَ مِنْهُمُ اَلْمُخْلَصِينَ قٰالَ هٰذٰا صِرٰاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبٰادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطٰانٌ إِلاّٰ مَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ اَلْغٰاوِينَ (2) .

فكان السبيل مقطوع على إبليس لمن أخلص لله تعالى وصدّق بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال سبحانه في بيان تلك الآثار المرتبطة في الإخلاص:

قٰالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّٰ عِبٰادَكَ مِنْهُمُ اَلْمُخْلَصِينَ (3) .

فحصّن عباد الله المخلصين من الغواية والسقوط في شباك عدو الله والإنسان، إبليس عليه لعنة الله.

إذن:

تتكون النظرية الفاطمية من طرفين لهما عمود يتوازنان به، الطرف الأول: هو الإخلاص في العبادة لله تعالى، والطرف الثاني أفضل مصلحة الإنسان،

ص: 228


1- سورة يونس، الآيتان: 22 و 23.
2- سورة الحجر، الآيات:
3- سورة ص، الآية: 82.

وعمودهما هو الإيمان بالغيب وذلك لقولها عليها السلام (من أصعد إلى الله) أي الإيمان بالغيب من خلال صعود العمل وهبوط المصلحة.

أي: أن يكون الدافع والمحرك الأساس في العبادة هو الإيمان بالغيب وكلما ازداد الإنسان اعتقاداً ويقينا بالغيب كلما ارتقى في سلم الإخلاص ليصل إلى رتبة الصدّيق أي المصدق بالغيب الممثل بالملائكة والوحي والكتب والأجر والثواب والجزاء الدنيوي والأخروي.

ولذا: ربطت عليها السلام الأمر بالصعود أي ارتفاع العمل وبالهبوط وهو الجزاء لهذا العمل الذي يقدمه الإنسان؛ فضلاً عن الديمومية أي الارتقاء في رتبة اليقين وتحقق الإجابة والجزاء الآني والفوري لما يقوم به الإنسان حينما بلغ درجة المخلصين لينال أفضل ما يصلح حاله في الدنيا والآخرة، ومن ثم بناء حياة كريمة.

ص: 229

المبحث الخامس: حركة التأريخ عند فاطمة عليها السلام

اشارة

من الروافد التي نمت على منهله جذور علم التاريخ فانتشى واقفاً يلقي بأغصانه على خواص أهل هذا العلم، فأناخوا في ساحته ركابهم وحطوا بجواره قرطاسهم ودواتهم؛ هو رافد كلمات البضعة النبوية فاطمة الزهراء عليها السلام الذي أحدث نقلة نوعية في دفع حركة التاريخ الإسلامي وتدوينه.

إلا أن الفارق الذي يفترق به رواد مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن غيرهم من رواد المدارس الأخرى، أن رواد هذه المدرسة حينما كتبوا الحدث التاريخي كانت كتابتهم محاطة بالوعي والنقد والتحليل والواقعية والأمانة لجميع ما سارت عليه الأمة سواء كان يرضي أصحاب الحدث أم لم يرضهم.

ولذلك نجد أن جهابذة هذا العلم حوربوا أشد المحاربة واضطهدوا وشردوا ونفوا عن مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 230

فضلاً عن ذلك فإنّ طلاب هذه المدرسة المحمديّة امتازوا - أيضاً - بتدوين الحدث وتصنيفه وتوثيقه قبل غيرهم سواء من التفت من المؤرخين إلى تدوين بعض ما يتعلق بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ك -: (سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري)(1) أم من دوّن التاريخ الحولي كابن جرير الطبري(2) وغيره.

ومن هنا: نجد معظم الكتابات في هذا العلم أو الدراسات التي كتبت عنه تجنبت الخوض في مصنفات طلاب هذه المدرسة ك -: كتاب سليم بن قيس الهلالي أو حتى الإشارة إليه، ناهيك عن اتهامهم بالطائفية والتحزب لعلي عليه الصلاة والسلام، وكأنه لم يكن أحد أركان هذا التاريخ الإسلامي والعربي.

والسبب في ذلك كله يعود إلى كتابتهم التاريخ بوعي وأمانة وعدم انحياز للأهواء والأغراض السياسية، فكانت حياتهم في خطر مستمر وتشريد وغربة.

المسألة الأولى: تشخيصها عليها السلام لبدء حركة التاريخ

تمتاز بضعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عمن سبقها وعمن لحقها في بيانها لحركة التاريخ بأنها تتفرد بتشخيص نقطة انطلاق النشأة والتكوين للخلق وتحديدها، بمعنى آخر جميع الذين تحدثوا عن تاريخ الأمم والشعوب ولم يتوسعوا في هذا التصنيف ليشمل جميع أنواع المخلوقات الحيوانية والنباتية والجمادات؛ لأن كل هذه الأجناس لها تاريخ في نشوئها

ص: 231


1- تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين: ج 2، ص 65.
2- تاريخ التراث العربي: ج 2، ص 159.

ومواطن خلقها ووجودها.

إلاّ أن سيدة النساء فاطمة عليها السلام حينما قدمت الحركة التاريخية ابتدأت من النقطة الأولى التي خلق الله تعالى فيها الأشياء.

فمن هذه اللحظة تبدأ حركة التاريخ عند البضعة النبوية عليها السلام؛ وهو الأمر الذي لم يرد حتى في ظاهر آيات القرآن الكريم؛ أما باطن القرآن ففيه علم كل شيء.

قال تعالى:

وَ قٰالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لاٰ تَأْتِينَا اَلسّٰاعَةُ قُلْ بَلىٰ وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عٰالِمِ اَلْغَيْبِ لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ أَصْغَرُ مِنْ ذٰلِكَ وَ لاٰ أَكْبَرُ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (1) .

وهذا الغيب الذي جمع الله فيه العلوم بحيث لا يعزب عنه - عزّ شأنه - مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، قد جمعه الله تعالى أي هذا العلم في إمام مبين.

قال تعالى:

إِنّٰا نَحْنُ نُحْيِ اَلْمَوْتىٰ وَ نَكْتُبُ مٰا قَدَّمُوا وَ آثٰارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ (2) .

ص: 232


1- سورة سبأ، الآية: 3.
2- سورة يس، الآية: 12.

فكيف بمن كانت حجة الله على الأئمة(1).

ولذا:

حينما بدأت بضعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث عن الحركة التاريخية للوجود بدأتها من الخلق الأول والنشأة الأولى للأشياء.

فقالت عليها السلام:

«ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده من نقمته، وحياشة لهم إلى جنته»(2).

وهنا:

لم تُظهر فاطمة عليها السلام الحركة التاريخية لخلق الأشياء وبدء تكوينها وإنما تلحق هذا البيان بإجراء الله تعالى لسننه التي جعلها في الخلق، والعلة التي لأجلها خلقهم؛ ولذا تضع في هذا البيان الموجز العلة والمقدمة والنتيجة مجموعة

ص: 233


1- قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام: «نحن حجج الله على الخلائق، وأمنا فاطمة حجة الله علينا». «الأسرار الفاطمية، للمسعودي: ص 17، نقلاً عن تفسير أطيب البيان: ج 13، ص 226.
2- كتاب الاحتجاج للطبرسي، خطبة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها: ج 1، ص 133. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 29، ص 221، الباب 11. بلاغات النساء لابن طيفور: ص 15.

كلها في بيان هذه الحركة التاريخية لوجود الخلق. فكانت العلة في خلق الله تعالى للخلق هي:

1. تثبيتاً لحكمته.

2. تنبيها على طاعته.

3. إظهاراً لقدرته.

4. تعبداً لبريته.

5. إعزازاً لدعوته.

والحكمة في جعله - عزّ شأنه - الثواب على الطاعة، ووضعه العقاب على المعصية هي:

1. ذيادة، أي دفعاً لعباده تعالى عن نقمته.

2. حياشة، أي يجمعهم ويسوقهم إلى جنته.

أما جعله - عز وجل - للسنن التاريخية في سير هذا الخلق، فكان يرتكز على سنّتين:

السنّة الأولى: طاعة الله تحقق الثواب.

السنّة الثانية: معصية الله تحقق العقاب.

المسألة الثانية: تحديد حركة تاريخ النبوة

مثلما تميزت الحركة التاريخية للخلق عند سيدة نساء العالمين عليها السلام كذلك الحال في بيانها الحركة التاريخية للنبوة، فقد أظهرت عليها السلام النقطة

ص: 234

الأولى لانطلاق النبوة مع بيان العلة في وجودها وما يرافقها من سنن وما يتبعها من نتائج وما سبقها من مقدمات، ظهرت آثارها في الأمم التي بعثت فيها الأنبياء، فتقول عليها السلام:

«وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة؛ علما من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور.

ابتعثه الله إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه»(1).

وهنا تبدأ سيدة نساء العالمين عليها السلام في تحديد نقطة انطلاق الحركة التاريخية للنبوة، والتي تتميز بميزات منها:

1. إنّ الله تعالى خلق الخليفة قبل الخليقة، بمعنى قدم خلق النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قبل خلق الخلائق بزمن لا يعلم مقداره إلا الله تعالى ورسول الله وعترته عليهم السلام.

وهو ما عبرت عنه بقولها عليها السلام:

«اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه».

2. تقديم الحركة التاريخية للنبوة على الحركة التاريخية للخلق بثلاث مراحل زمنية:

المرحلة الأولى: مرحلة مكنون الغيب، وهي أولى المراحل لحركة تاريخ

ص: 235


1- الاحتجاج للطبرسي، خطبة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها: ج 1، ص 133.

الخلق حيث كانت الخلائق في مكنون الغيب فلا يعلم أين كانت إلاّ الله تعالى.

المرحلة الثانية: مرحلة ستر الأهاويل، أي: أن هذه الخلائق كانت محاطة بستر يمنعها من الظهور، والهول: هو الفزع، فيكون الفزع هو الذي يصونها، أي يحفظها.

المرحلة الثالثة: مرحلة إقران العدم، أي ان هذه الخلائق لولا بعث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لكانت معدومة من نعمة الظهور والفوز بالخلود بالجنة نتيجة للطاعة وتجنباً للمعصية.

3. بيان العلة في تقديم حركة تاريخ الخليفة، - أي: النبوة - على حركة تاريخ الخليقة هو لما يلي:

أ. علم الله تعالى بما تؤول إليه الأمور.

ب. إحاطته عز وجل بحوادث الدهور، أي الأزمنة.

ج. معرفته تعالى بمواقع المقدور، وفي رواية بمواقع الأمور.

فهذه الأسباب كانت وراء تقديم حركة تاريخ النبوة على حركة تاريخ الخلق، أي الخليفة قبل الخليقة.

4. إنّ الحكمة في بعث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كانت فيما يلي:

أ. إتمام لأمر الله تعالى.

ب. عزيمة على إمضاء حكمه الله تعالى.

ص: 236

ج. وإنفاذ لمقادير حتم الله تعالى.

وعليه؛

يظهر مما تقدم فوائد تحديد سيدة النساء عليها السلام لنقطة انطلاق الحركة التاريخية للنبوة.

المسألة الثالثة: وقائع الحركة التاريخية الأممية

ثم تنعطف سيدة النساء عليها السلام بعد بيانها لبدء الحركة التاريخية للنبوة إلى الحركة التاريخية الأممية من خلال سير الرسالة المحمدية في الأمم، فتسجل الحركة التاريخية للنبوة ما رأته من وقائع في الأمم السابقة.

فقالت عليها السلام:

«فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها»(1).

بمعنى:

أن النبي الأعظم عليها السلام في أثناء الحركة التاريخية لنبوته رأى أربع وقائع في الأمم السابقة.

وهي الآتي:

الواقعة التاريخية الأولى: أن هذه الأمم متفرقة في أديانها، بمعنى أن كل أبناء

ص: 237


1- الاحتجاج للطبرسي، خطبة الزهراء عليها السلام: ج 1، ص 133. الانتصار للعاملي: ج 7، ص 368.

ملة واحدة ودين واحد متفرقون في دينهم.

الواقعة التاريخية الثانية: أنّ هذه الأمم عكف على عبادة النيران.

الواقعة التاريخية الثالثة: أنها تعبد الأوثان.

الواقعة التاريخية الرابعة: أنها منكرة لله مع عرفانها بالخالق عز وجل وهذا أعلى مراتب الجحود.

وعليه:

كيف كان عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إصلاح هذه الأمم ؟.

قالت عليها السلام:

«فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلا عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم»(1).

وهنا: بيان لإنجازات النبوّة المحمدية في حركتها التاريخية الأممية؛ بمعنى: أنّ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حينما تقدم خلقه على خلق الأمم فكانت حركة تاريخ النبوة أقدم من حركة تاريخ الأمم لزم ذلك أن يكون النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد شاهد سلوك تلك الأمم منذ أن قدر الله تعالى لها العيش على هذه الأرض واختلاف أزمانها وتنوع أجناسها وألوانها وألسنتها وأنبيائها الذين بعثهم الله تعالى إليها.

ص: 238


1- الاحتجاج للطبرسي، خطبة الزهراء عليها السلام: ج 1، ص 133.

وهو ما دلّ عليه القرآن الكريم بقوله تعالى:

فَكَيْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنٰا بِكَ عَلىٰ هٰؤُلاٰءِ شَهِيداً(1) .

إذن:

اقتضت الحركة التاريخية النبوية أن تكون شاهدة على الحركة التاريخية الأممية ومدونة للوقائع التاريخية التي وقعت في الأمم السابقة.

«فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلا عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد صلى الله عليه وآله من تعب هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه، وأمينه، وخيرته من الخلق وصفيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته».

المسألة الرابعة: حركة تاريخ العرب قبل الإسلام في نظر سيدة النساء عليها السلام

كثرت الدراسات حول تاريخ العرب قبل الإسلام وبيان الجوانب الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية لهم، وتشابهت هذه الدراسات قديما وحديثا في بيانها للوضع المزري لهم على هذه الأصعدة دون التركيز على دور الرسالة المحمدية

ص: 239


1- سورة النساء، الآية: 43.

وجهد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وجهاده في نقل هذه الأمة من الحضيض إلى القمة، ومن الهمجية إلى التمدن والحداثة.

وإذا أرادت بعض هذه الدراسات الحديث عن ذلك فإنها تمرّ عليه مرورا عابرا. في حين أننا نجد أن بضعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حينما تتحدث عن حركة تاريخ العرب قبل الإسلام وتبين الجوانب الاجتماعية والثقافية والعقائدية لهم تتبعها بالتغير الجذري لسلوك هذه الأمة وحركتها من خلال دور النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا البناء الجديد للأمة.

فتقول عليها السلام:

«وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الاقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد والورق، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تعالى بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

ورصدها عليها السلام للحياة التي كان عليها العرب قبل الإسلام كان مبنيا على الأسس البنائية للمجتمع العربي بحيث إن هذا البناء المتآكل والمتصدع أوشك على السقوط والانهيار.

ص: 240


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي، خطبة الزهراء عليها السلام: ج 3، ص 35. الاحتجاج للطبرسي، خطبة الزهراء عليها السلام: ج 1، ص 135 و 136. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 29، ص 236، خ 9.

والزهراء عليها السلام حينما تستعرض الحالة العامة لتاريخ العرب تجمع فيما بين الحياة الدنيوية والأخروية بجعل المقدمات التي كانت سببا في إيجاد الخليقة هي خاضعة ومرتبطة بالنتائج التي سنها الله تبارك وتعالى في سلوك هذه الخليقة، ولذا قالت:

«وكنتم على شفا حفرة من النار».

أي إشارة إلى تحقيق نتيجة هذا السلوك في الآخرة مع تحقق نتيجته في الحياة الدنيا.

ثم تنعطف عليها السلام إلى بيان الوضع النفسي العام لهذه الأمة، وهذه خصوصية خاصة إذ اعتادت الدراسات على تشخيص الحالة النفسية منفردة لكل شخص في المجتمعات، أو انها تهمل دراسة الحالة النفسية للمجتمع ككل، لكن الزهراء عليها السلام تتحدث عن الوضع النفسي العام الذي أصبح عليه العرب قبل الإسلام، وهي بذاك تعطي بيانا للمستوى الذي يشترك فيه الجميع كنتيجة طبيعية لتوحد الجميع في السلوكيات الفردية فأصبح سلوكا جماعيا واحدا عند الجميع. وهو ما أشار إليه قوله تعالى:

إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰى يُغَيِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ (1) .

أي أصبح الجميع على سلوك واحد، وهو الأمر الذي أشارت إليه عليها السلام في بيانها لصفات هذا السلوك الجماعي، وهي «مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام».

ص: 241


1- سورة الرعد، الآية: 11.

فهنا تحدد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام أربع صفات خاصة بالمستوى النفسي للعرب وهي بمجموعها تدلل على الانهيار والخوف، والمذلة، بحيث أصبحوا بفعل هذه الحالة (مذقة الشارب) أي: استلذاذ الآخرين بهم، لأن المذقة هي (الشربة من اللبن الممزوج بالماء)(1).

و (نهزة الطامع)، أي: أصبحوا من الضعف فرصة لكل طامع وغنيمة يغتنمها الطماع(2).

و (قبسة العجلان) وهنا تعطي صورة أخرى للمستوى الذي بلغ إليه العرب من الضعف بحيث كانوا حتى بالنسبة للشبعان الذي ليس له رغبة في السلب، أن يأخذ منهم أي شيء فذاك أفضل من أن يفوته كل شيء، وما ذاك إلا لشدة ضعفهم وتشتت أمرهم.

وهذه الصفة لها بيان آخر: وهو أنهم أصبحوا نهبا لكل من مرّ بهم، وأن هذا النهب والسلب كان سريعا، لأن القبس هو شعلة من النار، والعجلان اسم سمي به شهر شعبان لقصر الصيام فيه ولانقضائه سريعا(3).

ومن كان هذا حالهم، فهم موطئ الأقدام يسحقون كما تسحق الهوام، أذلة خاسئين يخافون أن يتخطفهم الذين من حولهم من الفرس والروم، وهم الذين

ص: 242


1- مجمع البحرين للطريحي: ج 5، ص 235.
2- أنظر: لسان العرب لابن منظور: ج 5، ص 421، مادة (نهز). كتاب العين للفراهيدي: ج 4، ص 15.
3- أنظر لسان العرب لابن منظور: مادة (عجل) ج 11، ص 426 و 429. وانظر منه مادة (قبس) ج 6، ص 167.

أشارت إليهم بلفظ الناس فيقودونهم عبيدا رجالا ونساءً .

وعليه؛ كيف ستقوم لهم قائمة ؟، بل كيف يمكن أن يدفعوا عن أنفسهم الذل والمهانة والهوان وهم هذا حالهم ؟!.

وهم مع هذا الضعف والذل كانوا يعيشون بطريقة همجية أقرب ما تكون حيوانية نتيجة لتفشّي الجهل والفقر والذل، فطباعهم ليست طباعاً بشرية، فقد كانوا يأكلون (القَدّ)(1) وهي جلود الحيوانات! ويشربون الطّرْق(2).

أي: ماء السماء الذي يتجمع في حفر صغيرة فتبول به الإبل وتبعر!، بمعنى: أن حتى هذه الحيوانات لا تشرب من هذه الحفر، فأي مستوى من التردي والانحطاط على المستويات النفسية والاجتماعية والثقافية كافة كان حال العرب قبل الإسلام.

ولذلك: بعد هذا البيان لتاريخهم اتبعته عليها السلام ببيان آخر وهو أن الحياة الكريمة التي أصبحوا عليها بعد مرور ثلاث وعشرين سنة، - وهي الفترة الزمنية التي عاشها النبي الأعظم بعد البعثة - كان السبب الأول فيها هو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. ولذا قالت:

(فأنقذكم الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم).

لكن كيف كانت عملية الإنقاذ هذه ؟! سؤال تجيب عليه سيدة النساء فاطمة عليها السلام ببيان آخر تعرض فيه تاريخ حركة السيرة النبوية.

ص: 243


1- انظر لسان العرب لابن منظور: مادة (قدد) ج 3، ص 344.
2- لسان العرب لابن منظور: مادة (طرق).
المسألة الخامسة: بيان إنجازات النبوة في حركتها التاريخية
اشارة

من الملاحظات التي لوحظت في عرض السيدة فاطمة عليها السلام لحركة التاريخ هو تتبعها بشكل دقيق لمراحل تطور البشرية، أي: أنها تمزج في هذا العرض عامل الزمن كمصداق لمفردة الحركة مع عامل التاريخ الذي يكون مصداقا للحدث.

وهنا: تقوم بضعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بعرض الحركة التاريخية للسيرة النبوية في ثلاثة محاور.

المحور الأول لهذه الحركة التاريخية يتمثل في شخص النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

المحور الثاني لهذه الحركة التاريخية يتمثل في عمل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

المحور الثالث لهذه الحركة التاريخية يتمثل في النتائج التي حققها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. محاور حركة تاريخ النبوة:

المحور الأول

تبدأ عليها السلام في بيان هذا المحور بقوله تعالى:

لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (1) .

ص: 244


1- سورة التوبة، الآية: 128.

والآية تبين ثلاثاً من صفات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

الأولى: «علاقته صلى الله عليه وآله وسلم بأمته».

والثانية: «صفاته الشخصية فهو عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم، بالمؤمنين رءوف رحيم».

والثالثة: «إنه عربي ومن قريش».

وهذا بحد ذاته يعطيهم زخما نفسيا ومعنويا؛ ثم تنطلق بعد هذه الآية فتقول:

«فإن تعزوه وتعرفوه: تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم ولنعم المعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

لأن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي أنقذهم من الهلاك والموت والاندثار، لذا قالت عليها السلام تجدوه أبي دون نساءكم.

هنا:

بيان لحفظ هذا الشخص الذي أنقذهم من خلال حفظ ابنته، وأن لها خصوصية خاصة بهذه الكينونية.

وأن ابن عمها علي بن أبي طالب عليه السلام وهو زوجها له دونهم مثل ما لها من الخصوصية المرتبطة بشخص هذا الرجل الذي أنقذهم من الهلاك والموت والاندثار.

ص: 245


1- الاحتجاج للطبرسي، خطبة الزهراء عليها السلام: ج 1، ص 134 و 135.

لكنها وجدتهم قد أخلوا بهذا الجانب خللاً شديدا؛ ولذا قالت: (ولنعم المعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم) وهي في نفس الوقت قد لوحت في هذا المحور بتحرك السنن التاريخية التي جرت في الأمم السابقة كما سيمر بيانه.

المحور الثاني

وفي المحور الثاني في عرضها عليها السلام للحركة التاريخية للسيرة النبوية تقوم ببيان العمل الذي قام به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فتقول:

«فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة(1) المشركين، ضاربا ثبجهم(2)، آخذا بأكظامهم(3)، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجف الأصنام(4)، وينكث الهام(5)، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر»(6).

المحور الثالث

ثم بعد إيرادها لما قام به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من عملٍ انعطفت عليها السلام على إيراد النتائج، فقالت:

ص: 246


1- المَدْرَجَةُ ، الطريق: معظمه وسننه. لسان العرب: مادة (درج)، ج 2، ص 267.
2- الثبج، ثبج كل شيء: معظمه، ووسطه، وأعلاه، والجمع أثباج (لسان العرب): مادة (ثبج).
3- الكظيم، المكروب، ويقال: أخذ بكظمه فما يقدر أن يتنفس، أي أخذهم صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم لا يقدرون أن يتنفسوا، أنظر كتاب العين: مادة (كظم)، ج 5، ص 345.
4- جُف الطلعة وعاؤها الذي تكون فيه، وجُف الشيء: شَخْصُه. لسان العرب: مادة (جفف).
5- النكث: هو التفريق، والهام: هو الدماغ، فيكون المعنى: أنه صلى الله عليه وآله وسلم فرق ما عليه فكرهم الضال المنحرف.
6- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 135. بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 29، ص 263.

«حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين وطاح وشيظ(1) النفاق وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص(2)»(3).

المسألة السادسة: حركة تاريخ الصحابة وأهل البيت عليهم السلام في حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

بعد ذكرها عليها السلام لبيان الحركة التاريخية للسيرة النبوية وبيان إنجازاتها وجهادها ممثلا في ثلاثة محاور تنتقل بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك لبيان الحركة التاريخية لسير الصحابة وأهل البيت عليهم السلام أثناء حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

وحينما نقف عند معاني هذا البيان، نجد أن الزهراء عليها السلام تحدد مسارين لهذه الحركة التاريخية التي رافقت سير الدعوة النبوية.

المسار الأول: الحركة التاريخية لمسير بعض الصحابة. المسار الثاني: الحركة التاريخية لمسير أهل البيت عليهم السلام ومعهم نفر من الصحابة.

ص: 247


1- الوشيظ، كأمير: الأتباع والخدم والأحلاف. «تاج العروس، الزبيدي: ج 10، ص 497».
2- الخميص، عفيف البطن عن أموال الناس. «لسان العرب: ج 7، ص 30».
3- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 135. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 29، ص 263.
أولاً: دلالة تحديد الحركة التاريخية لكلا المسارين

ألف - إن هذا التحديد في مسار الحركة التاريخية لسير بعض الصحابة وأهل البيت عليهم السلام أثناء حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يظهر أن هذه الفترة الزمنية كانت تشهد تجمعين وأن لكل منهما صفاته وإنجازاته وأهدافه.

باء - إنّ هذين المسارين أخذا بالاستقلال في حركتهما التاريخية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحيث أصبح لكل منهما مدرسته الخاصة به وله أتباعه وتلاميذه الذين ينهلون منه أحكامهم وعقائدهم.

جيم - ظهور بعض الخلافات بين أنصار أعمدة هذين المسارين في هذه الفترة الزمنية بسبب اختلاف الرؤى في فهم الرسالة المحمدية وطريقة التعايش معها.

دال - التباين في إنجازات كلا المسارين في الجهاد الميداني في ساحات الحروب أو الجهاد البنائي في نشوء المجتمع الجديد.

ثانيا: تباين المسارين في الحركة التاريخية

إن من يقرأ التاريخ الإسلامي بعين البصيرة والبحث العلمي والموضوعي ليرى بوضوح هذا التباين لكلا المسارين في الحركة التاريخية للسيرة النبوية في أثناء حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

أما من أناخ في رحاب مدرسة العترة الطاهرة فإنه ليجد الحقائق تتلألأ دون جهد أو عناء. لاسيما وهو ينظر في كلمات بضعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهي تتحدث عن سير الحركة التاريخية في هذه الفترة الزمنية من بعث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وإلى يوم وفاته. فتقول عليها السلام:

ص: 248

«وبعد أن مني - النبي صلى الله عليه وآله وسلم - ببهم(1) الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان(2) أو فغرت(3) فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها(4)»(5).

قبل أن تُظهر بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم صفات كلا المسارين التاريخيين تبدأ بذكر ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهد وجهاد في نشر الإسلام، ثم تعرض بعد هذه المقدمة حقيقة كلا المسارين في التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته التي جاء بها.

فتبدأ بذكر الحركة التاريخية لمسار أهل البيت عليهم السلام في هذه الفترة الزمنية من عمر الرسالة المحمدية، فتقول:

«قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ(6) حتى يطأ صماخها(7) بأخمصه(8).

ص: 249


1- بهم الرجال: شجعانهم. (الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 136).
2- نجم: ظهر، وقرن الشيطان: أمته تابعوه. القرن: الروق من الحيوان، موضعه من رأس الإنسان وهو حد الرأس وجانبا. (تاج العروس للزبيدي: ج 18، ص 443).
3- فغرفاه: أي فتحه، والفاغرة من المشركين: الطائفة منهم. (الصحاح للجوهري: ج 2، ص 782).
4- قذف: رمى، واللهوات بالتحريك: جمع لهاة اللحمة في أقصى شفة الفم. (الصحاح للجوهري: ج 6، ص 2487).
5- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 136. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 29، ص 224.
6- ينكفئ: يرجع فانكفؤوا أي رجعوا. (الصحاح للجوهري: ج 1، ص 67).
7- الصماخ: فرق الأذن. (الصحاح للجوهري: ج 1، ص 426).
8- الأخمص ما لا يصيب الأرض من باطن القدم. (تاج العروس للزبيدي: ج 9، ص 275).

ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا(1) في ذات الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، وأنتم....»(2).

ثم بعد بيانها للحركة التاريخية لمسار أهل البيت عليهم السلام ممثلا في هذه الفترة بشخص علي أمير المؤمنين عليه السلام مع توصيف بلاغي دقيق في دلالته وبيانه لكيفية سلوك الإمام علي عليه السلام في هذه الفترة، فتبدأ أولاً ببيان منزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرابته الإيمانية فتختار من تلك المنازل، منزلة المؤاخاة، فتقول: «فقذف أخاه في لهواتها».

بمعنى: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما كان يرى يقدم المشركون أو المنافقون يقدمون على إشعال نار الفتنة أو الحرب فإن أول شيء يقوم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في محاربة هذا الفساد أن يقذف أخاه علياً في عمق فم الحرب، وهو «اللهاة».

ثانياً: تُبين سيدة النساء عليها السلام في عرضها الحركة التاريخية لمسار أهل البيت عليهم السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن الوقائع التاريخية التي سجلتها هذه الحركة تمثلت بما يلي:

1. إنّ الإمام علياً عليه السلام لا يرجع من الحرب «حتى يطأ صماخها بأخمصه»، أي: يطأ وسط رأس هذه الفتنة بباطن قدمه وهو الأخمص.

ص: 250


1- بئر كدود، إذا لم ينل ماؤها إلا بجهد.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 136. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 29، ص 224.

2. يخمد لهب هذه النار بسيفه وهو كناية عن قتل رؤساء الفتنة.

3. مكدوداً، أي مجداً مجتهداً في ذات الله تعالى.

4. قريباً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفارقه مع وجود رتبة القرابة الإيمانية والرحمية.

5. سيداً في أولياء الله تعالى.

هذه الوقائع التاريخية لمسار حركة تاريخ أهل البيت عليهم السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قابلها تسجيل للوقائق التاريخية لمسار حركة تاريخ بعض الصحابة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فكانت كالآتي:

قالت عليها السلام:

«وأنتم - أي: المهاجرون والأنصار - في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون(1) الأخبار وتنكصون(2) عند النزال، وتفرون من القتال»(3).

فأول هذه الوقائع التاريخية هو: انهم كانوا في رفاهية من العيش، أي لم

ص: 251


1- تتوقعون أخبار المصائب والفتن النازلة بنا، التوكف: التوقع، يقال: مازلت أتوكفه حتى لقيته. (الصحاح للجوهري: ج 4، ص 1441).
2- النكوص: الأحجام عن الشيء، ويقال: نكص على عقبيه، ينكص وينكص، أي رجع. (الصحاح للجوهري: ج 3، ص 1060).
3- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 136.

تشغلهم تلك الفتن التي يثيرها المشركون في المجتمع الإسلامي.

ثانياً: «وادعون» أي أنهم يتركون النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل بيته وتلك الثلة من أصحابه التي وصفتها بالنفر البيض الخماص يواجهون الأخطار.

ثالثاً: «فاكهون» قد انصرفوا إلى ملذات المعيشة من الأكل والشراب في حال كان النبي وأهل بيته وأولئك النفر البيض الخماص في جهد وجهاد وزهد وكفاف.

رابعاً: «آمنون» لم يشتركوا في الحروب لا بأنفسهم ولا بأهليهم ولا بأموالهم ولذا هم آمنون بتركهم الجهاد وهم آمنون بفعل اتكالهم على جهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ونفر من أصحابه رضي الله عنهم.

خامساً: من الوقائع التاريخية لمسير بعض الصحابة انهم كانوا يتربصون بأهل البيت عليهم السلام الدوائر وهذا اللفظ من بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يظهره القرآن في بيانه للوقائع التاريخية للمنافقين والأعراب.

فقال تعالى:

إِنَّ اَللّٰهَ جٰامِعُ اَلْمُنٰافِقِينَ وَ اَلْكٰافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً اَلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اَللّٰهِ قٰالُوا أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَ إِنْ كٰانَ لِلْكٰافِرِينَ نَصِيبٌ قٰالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَاللّٰهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ وَ لَنْ يَجْعَلَ اَللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً(1) .

ص: 252


1- سورة النساء، الآية: 140-141.

وقال عز وجل:

وَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ مَنْ يَتَّخِذُ مٰا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ اَلدَّوٰائِرَ عَلَيْهِمْ دٰائِرَةُ اَلسَّوْءِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) .

سادساً: «وتتوكفون الأخبار»، أي: كانوا يتوقعون الأخبار السيئة بأهل البيت عليهم السلام ليفرحوا بها.

سابعاً: «تنكصون عند النزال»، النكص؛ الإحجام، أو التراجع، أي: كانوا يتراجعون عند النزال فلا يواجهون الخصم بسبب الخوف لكونهم جبناء.

ثامناً: ومن الوقائع التاريخية التي سجلت لأولئك الأعراب انهم كانوا يفرون في القتال، والفرق بين النكوص عند النزال وبين الفرار؛ وان كان السبب في حدوثهما واحداً وهو الخوف والجُبن؛ فان النكوص أو التراجع يكون في المواجهة الفردية شخصاً لشخص والفرار في القتال يكون في الأغلب عند اشتباك القوم جميعاً.

فعندها لا يميز بين من يقاتل بشجاعة في الوهلة الأولى على من اختار الفرار وهي فرصة لمن رغب بذلك كي لا يفتضح أمره ويُشخص.

ولذلك:

يعد الفرار أكبر ضرراً من التراجع لما يحدثه من ضرر على الجماعة أو الجيش.

ولذا: عدّ الفرار من الذنوب الكبائر.

ص: 253


1- سورة التوبة، الآية: 98.

هذا التباين الواضح في الوقائع التاريخية لكلا المسارين ألقى بثقله على الحركة التاريخية للإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مما أدى إلى تقديم التاريخ بوجهين مختلفين تكونت ملامحهما في أروقة المدارس التاريخية الإسلامية في المدينة والكوفة والشام، وقد أخذت السياسة الحاكمة من تحديد هذه الحركة التاريخية مأخذاً كبيراً فغيبت وقائع وغيرت حقائق لا يسعنا ذكرها(1).

بل: قد تدخلت السلطات الحاكمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشكل جذري في الحركة التاريخية لكلا المسارين.

وجدير بنا ونحن ندرس الحركة التاريخية عند بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نستوفي ما جاء عنها عليها السلام في بيان هذه الحركة ومراحل تنقلها حسبما وضعته الزهراء عليها السلام من محطات زمنية لهذه الحركة التاريخية التي ابتدأتها من نقطة الانطلاق الأولى لتاريخ خلق الوجود وإلى انتهاء عمر الدنيا، وما ارتبط بهذه الحركة التاريخية من سنن إلهية رافقت الأمم السابقة وسترافق هذه الأمة.

المسألة السابعة: الحركة التاريخية للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

من المحطات التي عرضت فيها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحركة التاريخية الكونية، هي الفترة الزمنية التي أعقبت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 254


1- أنظر: الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد، للمؤلف. وهي دراسة في نشأة علم السيرة وتطوره خلال القرن الأول والثاني للهجرة.

وسلم والتي توضح فيها حركة تاريخ المسلمين. فتقول عليها السلام:

«فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة(1) النفاق، وسمل جلباب(2) الدين، ونطق كاظم الغاوين(3)، ونبغ خامل الأقلين(4)، وهدر فنيق المبطلين(5)، فخطر في عرصاتكم(6)، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه(7) هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، وأحمشكم(8) فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير مشربكم، هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر، ابتدارا، زعمتم خوف الفتنة.

ص: 255


1- الحسك: ما يعمل من الحديد على مثاله، وهو من آلات العسكر، وقولهم: في صدره، على حسيكة وحساكة، أي منغن وعداوة. (الصحاح للجوهري: ج 4، ص 1579).
2- ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله على مدرها. (مجمع البحرين للطريحي: ج 1، ص 384، باب ج).
3- الضالين: غوي، الغي: الضلال والخيبة.
4- الخامل: من خفي ذكره وكان ساقطا لا نباهة له. (الصحاح للجوهري: ج 4، ص 1689).
5- الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته. (الصحاح للجوهري: ج 2، ص 852). الفنيق: النمل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان. (الصحاح للجوهري: ج 4، ص 1545).
6- خطر: خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة بعد مرة ومزب به فخذيه. (تاج العروس للزبيدي: ج 6، ص 357). العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء. (الصحاح للجوهري: ج 3، ص 1044).
7- مغرزه: أي ما يختفي فيه تشبيها له بالقنفذ فإنه يطلع رأسه بعد زوال الخوف.
8- أي حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه.

أَلاٰ فِي اَلْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكٰافِرِينَ (1) »(2).

وهذا البيان الذي تعرض فيه الزهراء عليها السلام سير الحركة التاريخية للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تضمن ميزات عدة، وهي كما يلي:

أولاً

فضلاً عن بيانها عليها السلام للحركة التاريخية للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تخص ضمناً أول السنن التاريخية وقوعاً لهذه الأمة.

ثانياً

إظهار للنتائج التي أعقبت المقدمات وهي الوقائع التاريخية للمسلمين في هذه الفترة الزمنية.

ثالثاً

تحديد دقيق لعامل الزمن الذي بدأت فيه الحركة التاريخية للمسلمين بمرحلة جديدة، أي: من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حين مواراته في روضته المقدسة وهي ثمان وأربعون ساعة.

فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين ثم ووريّ الثرى

ص: 256


1- سورة التوبة، الآية: 49.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 136 و 137.

ليلة الأربعاء(1).

فعلى رغم قصر هذه الفترة الزمنية إلاّ أنها شهدت من الوقائع التاريخية الشيء كثير؛ فكيف كانت صورة الحركة التاريخية للمسلمين التي بدأت عجلاتها بالدوران وهي تسجل مرحلة جديدة من السير؟

المسألة الثامنة: الوقائع التاريخية التي كانت مقدمات للسنن الأممية
اشارة

تستعرض سيدة النساء فاطمة عليها السلام ما حدث من الوقائع التاريخية بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي تعد مقدمات لوقوع السنن التاريخية التي جرت في الأمم السابقة، فها هي اليوم قد وقعت في أمة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

فكانت نتيجة حتمية لما شهدته المرحلة الأولى من الحركة التاريخية للمسلمين أثناء حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتباين المسارين فيها، أي مسار أهل البيت عليهم السلام مع نفر من الصحابة، يقابلها أصحاب المسار الثاني وهم الأعراب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

والسبب في حدوث هذين المسارين - كما أسلفنا - نردّه إلى اختلاف الرؤى والفهم والاعتقاد بالنبوة.

تستعرض سيدة النساء عليها السلام تكملة هذا المسار الذي ظهرت مكوناته بصورة مموهة من خلال الوقائع التاريخية التي مرّ ذكرها في حياة رسول الله صلى

ص: 257


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، ص 305.

الله عليه وآله وسلم إلى واقع علني يضرب بقوة في حركة تاريخ المسلمين مسجلا فيه عدداً من الوقائع التاريخية المتسارعة الحدوث والتي خلفت آثاراً ونتائج متسارعة أيضاً، وهي كالآتي:

قالت عليها السلام:

«فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم».

فما الذي ظهر في الوقائع التاريخية في المسلمين ؟

الواقعة التاريخية الأولى: (حسكة النفاق، أو حسيكة النفاق)

وهي: الحقد، والعداوة، والضغن، وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«إن الرجل يعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة»(1).

أي: حقد.

أي: أن هؤلاء الأعراب قد بلغ النفاق في قلوبهم أعلى درجاته بحيث تحول إلى حقد وعداوة وبغض وهي حقيقة قرآنية ونبوية.

أما القرآن الكريم فيقول تعالى:

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزٰادَهُمُ اَللّٰهُ مَرَضاً(2) .

وأما النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقد أوضح الطبيعة السلوكية

ص: 258


1- المصنف - للصنعاني، باب: غلاء الصداق، ج 6، ص 174.
2- سورة البقرة، الآية: 10.

للنفاق وارتباطها بالقلب من حيث تعلق حالة الحب والبغض به.

أي: ان الحب والبغض حالتان وجدانيتان ونفسيتان من لوازم القلب، فإذا مرض القلب بالبغض بفعل النفاق انعكس ذلك على السلوكيات فيترجم في علاقة المسلم بعلي بن أبي طالب عليه السلام.

قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام:

«لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»(1).

ولذلك ظهر هذا النفاق بعد أن ملئ القلب وسيطر على المشاعر فانقاد الذهن له أن أدى إلى العداوة والحقد، لان البغض أول مراتب النفاق وهو حاصل من خلال بغض الأعراب والمنافقين للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كما ورد في الحديث النبوي.

إذن؛

أول الوقائع التاريخية ظهوراً في حركة تاريخ المسلمين هي ترجمة النفاق إلى واقع سلوكي شوهد على الأرض من خلال معاداة أهل البيت عليهم السلام.

الواقعة التاريخية الثانية: (سمل جلباب الدين)

وبيان هذه الواقعة التاريخية يحتمل بعض الوجوه، وهي كالآتي:

ألف. إن طبيعة المنافق أن يتظاهر بالإيمان ويبطن الكفر، بمعنى تراه حاضراً في

ص: 259


1- مسند أحمد بن حنبل، مسند علي بن أبي طالب عليه السلام: ج 1، ص 95، سنن الترمذي: ج 5، ص 307.

مواطن المظاهر الإسلامية كالمساجد والصلاة فيها أو الذهاب إلى بيت الله تعالى لأداء فريضة الحج والعمرة وغيرها من المظاهر الإسلامية التي تعد جميعها ثوب الدين وهو الذي عبرت عنه السيدة الزهراء عليها السلام بالجلباب.

الا أن الواقعة التاريخية التي كشفت سلوكيات هؤلاء الأعراب هو تركهم لهذه المظاهر علناً دون أي رادع يردعهم عن ذلك.

وعليه؛ فيكون بيان هذه الواقعة التاريخية: هو انحسار هذه المظاهر الدينية لدرجة التحريف في الثوب.

الوجه الآخر: أن يكون المعنى من هذه الواقعة التاريخية هو منع أهل البيت عليهم السلام من القيام بدورهم من كونهم الستر الذي يستتر به المسلم على دينه، فلا يقع في الضلال والفتن والشبهات، ولذا فهو أصبح اليوم مهتوك الستر ترد عليه الشبهات والفتن فترديه في دينه فيهلك، ويهلك معه دينه.

ومما يدل عليه:

ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في بيان هذا المعنى.

1. قال عليه السلام:

«هُدي من تجلبب بجلباب الدين»(1).

وقطعاً لا يراد بالهدى الذي يهتدي به الإنسان هو هذه المظاهر التي يشترك في أدائها المؤمن والمنافق كالصلاة مثلاً.

وإنما الجلباب الذي يهتدي من تجلبب به هو الولاية لأهل البيت عليهم

ص: 260


1- عيون الحكم والمواعظ: ص 512.

السلام، كما أوصى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أمته بذلك قائلاً:

«إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض؛ وأهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي، أذكركم الله أهل بيتي»(1).

2. في خطبة له عليه السلام يخاطب بها المسلمين لاسيما أولئك الذين تصدوا لتحديد مسار الحركة التاريخية لبعض الصحابة فيقول:

«سترني عنكم جلباب الدين، وبصّرنيكم صدق النية»(2).

قال ابن أبي الحديد في بيان معنى هذا الحديث: إن إظهاركم شعار الإسلام عصمكم مني مع علمي بنفاقكم؛ وإنما أبصرت نفاقكم وبواطنكم الخبيثة بصدق نيتي، كما يقال: «المؤمن يبصر بنور الله»(3).

وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة عما يجري من بعده، ولاسيما هذه الوقائع التاريخية فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«فأنت أول من تلحقين بي مظلومة مغصوبة، وسوف تظهر بعدي حسيكة النفاق ويسمل جلباب الدين، أنت أول من يرد علي الحوض»(4).

ص: 261


1- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: ج 3، ص 478.
2- الإرشاد، للمفيد: ج 1، ص 254؛ الجمل، لابن شدقم المدني: ص 152؛ البحار: ج 32، ص 237.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1، ص 207.
4- البحار للمجلسي: ج 36، ص 288.
الواقعة التاريخية الثالثة: (نطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين)

يمكن أن نستظهر من خلال هذه الواقعة التاريخية المتسارعة في ظهور السنن التاريخية الحقائق التالية:

ألف - هذه العناوين الثلاثة تدل على تشكل ثلاث مجموعات في المجتمع الإسلامي في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وأنّ هذه المجموعات لها قادة. إلا أن ظهورها على الساحة كان عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه المجموعات هي:

أولاً: مجموعة الغاوين.

ثانياً: مجموعة الأقلين.

ثالثاً: مجموعة المبطلين.

هذه المجموعات الإسلامية تبلورت على الحيثية العقائدية لا الاجتماعية الخاضعة لضوابط الأحساب والأنساب والفقر والغنى وحدودها، وانما ارتكزت على العقيدة بالنبوة حركة تاريخية لهذه الأمة بدأت منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذا فالحديث يدور حول تشكل فرق عقائدية ضمن أنماط وسلوكيات خاضعة لمفاهيم محدودة في التعاطي مع النبوة ومن اعتقد بها.

وأن هذه المجموعات أو الفرق الدينية قد لعبت دوراً مميزاً في توجيه الحركة التاريخية للمسلمين، ناهيك عن امتيازها في وضع حجر الأساس بسريان السنن التاريخية في هذه الأمة.

ص: 262

وهو ما أظهرته سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام في خطبتيها الاحتجاجيتين العامة والخاصة(1).

باء - إنّ أئمة هذه المجموعات كانوا قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأثناء سير الحركة التاريخية للمسلمين في حالة من التخفي والإهمال والانزواء، بل لم يكن لهم ظهور قيادي لهذه المجموعات.

والسبب في ذلك يعود إلى ثلاثة أمور:

1. خوفاً من أن يقدموا على عمل يكشف حقيقة اعتقادهم بالنبوة فلا يستطيعوا بعد ذلك القيام بما يخططون له، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:

يَحْذَرُ اَلْمُنٰافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمٰا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اِسْتَهْزِؤُا إِنَّ اَللّٰهَ مُخْرِجٌ مٰا تَحْذَرُونَ (2) .

وقد أشارت إليه الزهراء عليها السلام في قولها:

«تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار».

أي يتبعون الأخبار ويتوقعون حدوث أمر سيّئ كي يبادروا إلى ما عزموا عليه وترصدوا له.

ص: 263


1- الخطبة الاحتجاجية العامة ألقتها سيدة النساء فاطمة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جمع من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أمّا خطبتها الاحتجاجية الخاصة فهي التي كانت مع بعض نساء المهاجرين والأنصار قبل وفاتها صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.
2- سورة التوبة، الآية: 64.

2. إن مكوناتهم النفسية لم تسمح لهم من البروز فهم من حيث التنشئة الاجتماعية قد تربوا على الخمول والنبذ، لم يلاقوا أي اهتمام أو عناية إما لكونهم أعراباً وإما لأنهم عبيد عند أشراف قريش ووجهائها فهم بتلك التنشئة الاجتماعية مسرعون في الإغواء يتبعون كل باطل. حتى ظهر فيهم من كان أرذلهم بحيث لا يملك القدرة على الإفصاح وهو ما عبرت عنه بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقولها:

«ونطق كاظم الغاوين».

وهم بفعل هذه المكونات النفسية والنشوئية التي جعلت منهم أقل الناس شأناً لا يستطيعون الحركة أو التعايش مع الناس، فهم في خمول وركود إلا أن رحيل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم مكّن أخمل هذه المجموعة من النبوغ أي الظهور والبروز بعد أن كان طابعه الكسل وشأنه الضمور والانزواء.

3. إنّ الدوافع الشخصية الممثلة في السعي من أجل بلوغ السلطة والجلوس في محل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعايشت الإمبراطوريات المعاصرة كالرومانية والفارسية دفعت بعض النفوس إلى الادعاء والسعي بأحقيتها بمقام الحاكمية التي كانت لهرم السلطة الدينية الممثلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هنا أطلق عليها لفظ الخلافة.

فهؤلاء أسمتهم سيدة النساء فاطمة صلى الله عليه وآله وسلم ب - «المبطلين»، ثم شخصت عليها السلام في بيانها لرموز هذه الواقعة التاريخية صفة قائد هذه المجموعة التي لم تكن تظهر نواياها في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 264

إلا أن وفاته كانت سبباً في تجمع هؤلاء ضمن معطيات نفسية واحدة وهي بلوغ السلطة.

إلا أن الذي تمكن البروز منهم هو «الفنيق»، والفنيق: لغة فحل الإبل، والهدر هو صوت البعير الذي يتلجج في عنقه.

ووصفها عليها السلام لقائد المبطلين بهذه الصورة هو لكونه أشدهم حرصاً على بلوغ السلطة والجلوس على سدّة الحكم.

وفي صورة أخرى تتحدث عن هذه المرحلة التاريخية وما أعقبتها من آثار ينقلها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في خطابه لأقطاب الجمل، قال عليه السلام:

«بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنمتم ذروة العلياء، وبنا انفرجتم عن...».

إلى قوله:

«من وثق بماء لم يظمأ»(1).

لتشكل هذه الصورة وتلك اللتين نقلهما إلينا علي وفاطمة عليها السلام حقيقة الحركة التاريخية للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما تبعها من وقوع للسنن التاريخية التي جرت في الأمم السابقة.

ص: 265


1- الإرشاد للمفيد: ج 1، ص 254؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1، ص 207.

المبحث السادس: السنن التاريخية عند فاطمة الزهراء عليها السلام

اشارة

مثلما كانت الحركة التاريخية تحظى باهتمام بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك هو حال السنن التاريخية، فقد ركزت عليها سيدة النساء فاطمة عليها السلام متبعة في ذلك النهج القرآني والنبوي في بيان السنن الإلهية وتوضيحها والتي أجراها الله عزّ وجل في الأمم السابقة.

وحيث أن هذه الأمة ستسير تبعا لما سارت عليه الأمم السابقة، لاسيما السنن التاريخية التي لحقت ببني إسرائيل؛ حسبما أوضحه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فإن هذه الأمة ستحذو في سيرها حذو الأمم السابقة؛ بل ستظهر في هذه الأمة بعض السنن التاريخية الجديدة التي لم تقع في الأمم السابقة كسنة قتل أولاد الأنبياء وما أعقبها من نتائج، وغير ذلك من السنن.

ص: 266

المسألة الأولى: سنة الوقوع في الفتنة بين المقدمات والنتائج

حينما تتحدث الزهراء عليها السلام عن هذه السنة التاريخية التي وقع فيها المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن حديثها مجرد استعراض لهذه السنة أو غيرها، أي لم تكن تتحدث عنها بوصفها حدثاً تاريخياً وقع وانتهى الحال.

وإنما تعطي المقدمات التي تهيأت لهذه السُنّة والنتائج التي أفرزتها فتبدأ أولا بذكر مقدمات الوقوع في الفتنة، فتقول:

«فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم»(1).

هذه المقدمات لتكوّن الفتنة ونشوئها، اتبعتها الزهراء عليها السلام ببيان لتفاعل هذه المقدمات ونموها وتكامل تكوينها، فتقول بعد أن تهيأت المقدمات التي مكنت الشيطان من إخراج رأسه من مخدعه، فتبعه نمو وتكامل ونضوج للفتنة، فتقول عليها السلام:

«وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم»(2).

وهنا مرحلة أخرى من نضوج الفتنة، وهي استظهار للسلوك العام، فتقول عليها السلام:

ص: 267


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 136 و 137.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 136 و 137.

«ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، وأحمشكم فألفاكم غضابا»(1).

أي:

أصبحوا في مرحلة النضوج والتكامل الفتني إلى ما قبل الانفجار، وهو أشبه ما يكون بالبركان الذي تجمع تحت قشرة الأرض ولم يبقَ لظهوره سوى وجود فتحة صغيرة.

وهذا الحال نفسه انعكس على الواقع الإسلامي في هذه الفترة الزمنية، فكانت النتيجة ما يلي:

قالت عليها السلام:

«فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير مشربكم».

أي الوقوع في التيه بعد فترة قصيرة جدا من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف سيكون حالكم بعد سنين، وأي مستقبل سيكون لكم؛ ولذا قالت:

«هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر، ابتدارا، زعمتم خوف الفتنة.

أَلاٰ فِي اَلْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكٰافِرِينَ (2) ».

أي: انكم جرت فيكم سنة الوقوع في الفتنة كما جرت في الأمم السابقة فهلكوا فيها.

ص: 268


1- المصدر السابق.
2- سورة التوبة، الآية: 49.
المسألة الثانية: سنة تضاعف النتائج

مثلما قدر الله عزّ وجل في الحياة الدنيا سنة مضاعفة نتائج الأفعال كنتيجة تدحرج كرة الثلج، أو سريان الموج في المحيطات، أو سريان النار في الغابات، وغيرها من الشواهد التي تتحدث عن هذه السنة الكونية في مضاعفة النتائج كذلك الحال في السنن التاريخية التي تتحدث عن سلوكيات الأمم والمجتمعات، بل والسلوك الفردي أيضا. وفي هذه السُنة التاريخية تقول الزهراء عليها السلام:

«ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها»(1).

أي: سوف لن يطول الأمر، بل ستتسارعون في مضاعفة نتائج الوقوع في الفتنة بزمن قصير كنفرة الدابة، ثم يسهل قيادة الفتنة في مضاعفة الانحراف فتتضاعف النتائج السلبية.

وتمضي عليها السلام في بيان هذه السُنة التاريخية فتقول:

«ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي، وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في ارتغاء، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء، ويصير منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشاء، وأنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا.

أَ فَحُكْمَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اَللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (2) »(3).

ص: 269


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1. أعيان الشيعة لسيد محسن الأمين: ج 1، ص 316.
2- سورة المائدة، الآية: 50.
3- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 137 و 138. بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 29، ص 226.

هذا التسارع في مضاعفة النتيجة واتساع دائرة أضرارها هي من السنن التاريخية التي جرت في الأمم السابقة، كقوم لوط الذين تضاعفت نتيجة سلوكهم في الاكتفاء بالرجال إلى تصميمهم على أن يخزوا لوطاً عليها السلام في ضيفيه وهم الملائكة؛ ثم تضاعفت النتيجة فعزموا على إخراج لوط وأهل بيته من قريتهم، قال تعالى:

وَ مٰا كٰانَ جَوٰابَ قَوْمِهِ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنٰاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (1) .

وفي قوم ثمود كانت هذه السنة من أظهر السنن التاريخية؛ إذ منّ الله عزّ وجل عليهم بآية بينة وحجة قطعية في كون صالح عليها السلام هو نبي الله قد أرسله إليهم حينما أخرج لهم من الصخرة ناقة يتبعها فصيلها.

فلما تمادى بعض قومه صلى الله عليه وآله وسلم فكذبوه وأنكروا هذه الآية الإلهية والمعجزة الربانية، بدأت هذه السنة التاريخية بالظهور؛ وهي مضاعفة النتيجة فكان انعكاسها على سلوكهم أن عقروا الناقة وفصيلها، ثم تتضاعف النتيجة وتتسع دائرة أضرارها وانحدارها بأن تحدوا الله ورسوله وطلبوا نزول العذاب، اعتقادا منهم بعدم صدق نبيهم، على الرغم من ظهور الناقة من صخرة صماء ملساء يتبعها فصيلها. قال تعالى:

وَ إِلىٰ ثَمُودَ أَخٰاهُمْ صٰالِحاً قٰالَ يٰا قَوْمِ اُعْبُدُوا اَللّٰهَ مٰا لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جٰاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هٰذِهِ نٰاقَةُ اَللّٰهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهٰا

ص: 270


1- سورة الأعراف، الآية: 82.

تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اَللّٰهِ وَ لاٰ تَمَسُّوهٰا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ (1) .

قٰالَ اَلْمَلَأُ اَلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صٰالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قٰالُوا إِنّٰا بِمٰا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قٰالَ اَلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا إِنّٰا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كٰافِرُونَ فَعَقَرُوا اَلنّٰاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ قٰالُوا يٰا صٰالِحُ اِئْتِنٰا بِمٰا تَعِدُنٰا إِنْ كُنْتَ مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ اَلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دٰارِهِمْ جٰاثِمِينَ (2) .

فعلى الرغم من ظهور هذه الآية العظيمة إلا أنّهم كانوا ينكرون ويستكبرون في الأرض ويتمادون في الباطل، وهم لا يدركون أنها سنة كونية جرت في الماديات، كما تجري في السلوكيات البشرية.

ولذلك تذكرهم الزهراء عليها السلام بأن عندهم آية الله عزّ وجل ومعجزة النبوة التي تصدهم عن الضلال والتردي، لكن مقدمات الفتنة كانت قد سرت فيهم لتتسارع معها سنة مضاعفة النتائج. قالت عليها السلام:

«فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنّى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم. أرغبة عنه تريدون ؟ أم بغيره تحكمون ؟

ص: 271


1- سورة الأعراف، الآية: 73.
2- سورة الأعراف، الآية: 75-78.

بِئْسَ لِلظّٰالِمِينَ بَدَلاً(1) ، وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اَلْإِسْلاٰمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي اَلْآخِرَةِ مِنَ اَلْخٰاسِرِينَ (2) »(3).

المسألة الثالثة: سنة تعجيل العذاب

هذه السنة التاريخية ترتبط مع سنة مضاعفة النتائج ارتباطا كبيرا؛ إذ يجرّ هذا التسارع في مضاعفة النتائج إلى حلول الدمار ونزول العذاب بصورة متناسقة فيما بين هاتين السنتين ككرة الثلج، كلما كبرت تسارعت وتضاعفت معها الأضرار.

تقول عليها السلام:

«فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الأبد، موصولة ب -:

نٰارُ اَللّٰهِ اَلْمُوقَدَةُ اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى اَلْأَفْئِدَةِ (4) .

فبعين الله ما تفعلون.

وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (5) .

وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا

ص: 272


1- سورة الكهف، الآية: 50.
2- سورة أل عمران، الآية: 85.
3- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 137. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 29، ص 225، الباب 11. دلائل الإمام لمحمد بن جرير الطبري الإمامي: حديث فدك ص 116.
4- سورة الهمزة، الآية: 6-7.
5- سورة الشعراء، الآية: 227.

منتظرون»(1).

ففي الوقت الذي تأخذ فيه السنن التاريخية استحقاقها من المجتمعات البشرية سواء أكانت نتائج الأفعال إيجابية أم سلبية؛ فإن من توابع هذه السنن أن ينتظر المظلوم ما يحل بالظالم من خاتمة لحياته.

كما أن صاحب الحق يكون مطمئناً بما ستؤول إليه عاقبة أمره، ولذا فهو في شوق وترقب لبلوغ نتائج السنن.

المسألة الرابعة: سنة انقلاب الأمم بعد أنبيائها

من السنن التاريخية التي وقعت في الأمم السابقة هي سنة انقلاب الناس بعد غياب أنبيائها أو موتهم؛ ويظهر أن هذه السنة التاريخية كانت قد وقعت في بني إسرائيل قبل موت موسى عليه السلام مما يكشف عن حجم هذه الفتنة وأثر هذه السنة.

ويبدو أن الحكمة في تذكير النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بتاريخ بني إسرائيل وما وقع فيهم من السنن الإلهية كان لأجل أن يحذر أمته من السير على نهج بني إسرائيل؛ إلا أن الأمر الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتحقق له.

ولذلك نجد أن هذه الأمة قد حذت حذو بني إسرائيل في انقلابها على أعقابها، غير أن الفارق بين الأمتين أن أمة بني إسرائيل انقلبت في حياة نبيها موسى عليه السلام، وأن هذه الأمة انقلبت بعد موت نبيها صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 273


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 141.

والفارق أيضا: أن موسى عليه السلام لم يكن يعلم ماذا سيجري بعده أثناء غيابه وذهابه لميقات ربه، بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم بما سيؤول إليه أمر أمته من بعده؛ ولطالما صرح بذلك.

أما عدم علم موسى عليه السلام فقد أظهره القرآن.

قال تعالى:

وَ مٰا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يٰا مُوسىٰ قٰالَ هُمْ أُولاٰءِ عَلىٰ أَثَرِي وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضىٰ قٰالَ فَإِنّٰا قَدْ فَتَنّٰا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ اَلسّٰامِرِيُّ (1) .

وأما علم النبي المصطفى بحال قومه من بعده فقد صرح به القرآن الكريم في قوله تعالى:

وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ (2) .

وأظهرته السنة، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنكم تحشرون حفاة عراة.

- إلى أن يقول -:

وأناسا من أصحابي فيؤخذ بهم ذات الشمال!! فأقول أصحابي أصحابي، فيقال إنهم

ص: 274


1- سورة طه، الآية: 83-85.
2- سورة آل عمران، الآية: 144.

لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم....»(1).

وروى مسلم في صحيحه، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك»(2).

وفي لفظ آخر أخرجه أحمد بن حنبل، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«فأقول أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

قال فأقول:

سحقا سحقا لمن بدل بعدي»(3).

أما بضعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فقد كشفت الأمر على حقيقته القرآنية والواقعية، لأنها عاشت هذه اللحظات التي أعقبت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجرت فيها هذه السنة التاريخية، فقالت عليها السلام

ص: 275


1- صحيح البخاري: ج 4، ص 110. مسند أحمد بن حنبل: ج 6، ص 53. المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 2، ص 447.
2- صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، ج 7، ص 68. مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 384. كنز العمال للمتقي الهندي: ج 14، ص 418، المبعث والحشر، الحوض.
3- مسند أحمد بن حنبل: ج 5، ص 333. صحيح البخاري، كتاب الفتن: ج 8، ص 87. الإيضاح لفضل بن شاذان الأزدي: ص 233. إمتاع الأسماع للمقريزي: ج 14، ص 223.

وقد خصت الأنصار في خطابها فتوجهت إليهم قائلة:

«يا معشر النقيبة(1) وأعضاد الملة وحضنة الإسلام، ما هذه الغميزة(2) في حقي والسنة(3) عن ظلامتي ؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي يقول (المرء يحفظ في ولده)؟»(4).

وهنا:

تجمع الزهراء عليها السلام بين حركة التاريخ لمسار الأنصار في حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وحركة التاريخ لمسارهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم تنطلق من هذا البيان إلى تحرك السنن التاريخية في أمة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فتقول:

«سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(5) ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول، أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فخطب جليل: استوسع وهنه(6) واستنهر(7) فتقه وانفتق رتقه، واظلمت الأرض لغيبته، وكسفت

ص: 276


1- النقيبة: الفتية.
2- الغميزة: بفتح الغين المعجمة الزاي - ضعفة في العمل.
3- السِنة: النوم الخفيف.
4- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 139. الانتصار للعاملي: ج 7، ص 373.
5- إهالة: بكسر الهمزة: الدسم، وسرعان ذا إهالة: مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته.
6- وهنه الوهن: الخرق.
7- واستنهر: اتسع.

الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال(1)، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة(2) عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه، في أفنيتكم، وفي ممساكم، ومصبحكم، يهتف في أفنيتكم هتافا، وصراخا، وتلاوة، وألحانا، ولقبله ماحل بأنبياء الله ورسله، حكم فصل، وقضاء حتم:

وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّٰهُ اَلشّٰاكِرِينَ (3) »(4).

المسألة الخامسة: سنة ظلم آل الأنبياء عليهم السلام وآثارها على الأمة

إن جميع السنن الكونية التي سنها الله تعالى ولاسيما السنن التاريخية تكون مصحوبة بمجموعة من الآثار حال وقوعها، وقد نجد أن بعض هذه السنن لها قابلية الدفع بآثارها إلى أزمنة متعاقبة، بل يظهر أن بعض السنن لها ديمومة هائلة في المحافظة على آثارها ما دامت هناك حياة على الأرض، أي أن هذه الآثار باقية ببقاء الليل والنهار، ومستمرة باستمرار البشرية، وهذا يكشف عن عظم هذه السنة التاريخية الإلهية وخطورة الوقوع فيها.

ص: 277


1- أكدت: قل خيرها.
2- بائقة: داهية.
3- سورة آل عمران، الآية: 144.
4- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 139-140. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 29، ص 227. أعيان الشيعة لسيد محسن الأمين: ج 1، ص 317.

ومن أبرز هذا النوع من السنن، هي سنة ظلم آل الأنبياء عليهم السلام.

ويختلف نوع الظلم النازل بأنبياء الله تعالى حسب الظروف التي ينشأ فيها الظلم والأفراد والزمان والمكان، إلا أنّ من أكبر ما يقع على الأنبياء من الظلم هو ما يصيب أبناءهم، لما وضعه الله تعالى من عاطفة خاصة وعلاقة حميمة بين الآباء والأبناء.

وحينما يستعرض القرآن أنواع الأذى الذي أصاب الأنبياء عليهم السلام وما تبعه من آثار على الأمم نجده يقدم ثلاثة أنواع من الأذى، وهي (الأذى العقائدي، والأذى الجسدي، والأذى النفسي.

فالنوع الأول انحصر في تكذيبهم والاستهزاء بهم واتهامهم بالجنون.

وفي النوع الثاني انحصر الأذى في التعرض إلى أجساد الأنبياء عليهم السلام من الضرب والجوع والقتل.

وفي النوع الثالث انحصر الأذى في التعرض لآل الأنبياء وأرحامهم ومن آمن بهم.

أما آثار النوع الأول من الأذى فقد أظهره القرآن في قوله تعالى:

فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنٰاهُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَةً وَ مٰا كٰانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (1) .

وهم قوم هود عليه السلام، وفي قوم شعيباً عليه السلام وهم أصحاب الأيكة قال عزّ وجل:

ص: 278


1- سورة الشعراء، الآية: 139.

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذٰابُ يَوْمِ اَلظُّلَّةِ إِنَّهُ كٰانَ عَذٰابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (1) .

وفي قوم مدين حينما كذبوا شعيب عليه السلام قال تعالى:

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ اَلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دٰارِهِمْ جٰاثِمِينَ (2) .

ويلاحظ في هذه الآية وغيرها التي تبين السنن التاريخية الإلهية في الأمم السابقة أن هذا البلاء حينما يقع على الأمم يكون في حياة الأنبياء عليهم السلام فيبيد الله تعالى هذه الأمم الظالمة وينجي أنبياءه عليهم السلام ثم يرسلهم الله تعالى إلى أمة أخرى وقوم آخرين كما تحدثت الآيات عن شعيب عليه السلام أو خروج لوط من قريته أو انتقال إبراهيم عليه السلام من العراق إلى بيت المقدس ثم إلى مكة وهكذا.

وفي صورة النوع الثاني من الأذى، وهو الأذى الجسدي وما يتبعه من آثار على الأمة فقد أظهره القرآن في قوله تعالى:

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ اَلذِّلَّةُ وَ اَلْمَسْكَنَةُ وَ بٰاؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اَللّٰهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كٰانُوا يَكْفُرُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَ يَقْتُلُونَ اَلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمٰا عَصَوْا وَ كٰانُوا يَعْتَدُونَ (3) .

وفي صورة النوع الثالث من الأذى الذي ينزل بالأنبياء عليهم السلام وما يتبعه من آثار، قال تعالى:

ص: 279


1- سورة الشعراء، الآية: 189.
2- سورة العنكبوت، الآية: 37.
3- سورة آل عمران، الآية: 112.

فَبِمٰا نَقْضِهِمْ مِيثٰاقَهُمْ وَ كُفْرِهِمْ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَ قَتْلِهِمُ اَلْأَنْبِيٰاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنٰا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اَللّٰهُ عَلَيْهٰا بِكُفْرِهِمْ فَلاٰ يُؤْمِنُونَ إِلاّٰ قَلِيلاً(1) .

فهذه السنة التاريخية وما ارتبط بها من آثار تفاوتت في حجمها وسعتها ودوامها وقوة تأثيرها؛ قد جرت في هذه الأمة الإسلامية بعد وفاة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم بصورها الثلاث.

إلا أن الفارق بين الأمم السابقة وهذه الأمة يكمن في الأمور الآتية:

1 - أن نبي هذه الأمة صلى الله عليه وآله وسلم وجوده يرفع العذاب عن الخلق، أي ما دام حيا فإن العذاب لا ينزل بأمته وإن كذبوه ورضخوه بالحجارة وأدموه وجوّعوه وهجّروه وآذوا أهل بيته وقتلوا رحمه كحمزة بن عبد المطلب وما قامت به هند زوجة أبي سفيان من التمثيل بجسده، وقتل جعفر بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، ناهيك عن الأذى البالغ الذي كان ينزله المنافقون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمور أخرى كثيرة يطول ذكرها.

إذن: وجوده صلى الله عليه وآله وسلم بين أمته كان يرفع عنهم العذاب.

قال تعالى:

وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ (2) .

ص: 280


1- سورة النساء، الآية: 155-156.
2- سورة الأنفال، الآية: 33.

2 - لكونه الرحمة التي أرسلها الله للعالمين، ووجود الرحمة يرفع العذاب وإن وقع الأذى عليه صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى:

وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ (1) .

3 - لكونه صلى الله عليه وآله وسلم لم يدعُ على قومه على الرغم من إيذائهم له، وكان يقول - بأبي وأمي -:

«اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»(2).

لكن الأمر بعد موته اختلف كليا، فقد رفعت تلك السنن والقوانين الإلهية التي جعل الله قيامها وحركتها بوجوده صلى الله عليه وآله وسلم، أي: تحرك السنن التاريخية التي جرت في الأمم السابقة فيما قدموا على ظلم الأنبياء عليهم السلام وتغلغل آثار هذه السنن ونفوذها في حال وقوعها.

وهو الأمر الذي أظهرته بضعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حينما توجهت بخطابها إلى الأنصار خاصة، فقالت عليها السلام:

أيْها بني قيلة! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومبتدأ ومجمع ؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنّة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم

ص: 281


1- سورة الأنبياء، الآية: 107.
2- العقد النضيد والدر الفريد لمحمد بن الحسن القمي: ص 51، ح 37. تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 62، ص 247، برقم 7932. الدر المنثور لجلال الدين السيوطي: ج 3، ص 94. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 21، ص 119، ح 17. ذكر أخبار إصبهان للحافظ الإصبهاني: ج 2، ص 149.

موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنجبة التي انتجبت، والخيرة التي اختيرت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الاسلام، ودر حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنى حرتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الاقدام، وأشركتم بعد الايمان.

أَ لاٰ تُقٰاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمٰانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْرٰاجِ اَلرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) .

ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم، ف -:

إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اَللّٰهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ(2) »(3).

ويظهر هنا في كلامها عليها السلام: تقديم الحركة التاريخية لمسير الأنصار في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعد مماته مع وقوع السنن التاريخية، ولاسيما سنة ظلم الأنبياء عليهم السلام في أنفسهم ممثلا ذلك في آل الأنبياء عليهم

ص: 282


1- سورة التوبة، الآية: 13.
2- سورة إبراهيم، الآية: 8.
3- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 140. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 29، ص 228.

السلام؛ وبخاصة أنها ابنته الوحيدة التي خصها بخصائص عديدة تكشف عن مدى قربها من شخص النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فهي قلبه وروحه التي بين جنبيه مع اختصاصها بموصول الأذى والغضب والرضا بشخص النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كما دلت عليه النصوص المتضافرة، والمشهورة عند المسلمين.

ومع علمهم بما خصها الله تعالى من الكرامة والارتباط برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يترتب على إيذاء رسول الله من آثار خاصة تتناسب مع مقامه وكرامته عند الله تعالى، إلا أن ذلك لم يكن بحائل ولا مانع لهم من إيذائها عليها السلام، ليناولوا بذلك ما اقترن بهذه السنة التاريخية من آثار خاصة كشفتها لهم الزهراء عليها السلام فقالت:

«ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة(1) التي خامرتكم(2)، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور(3) القنا(4)، وبثة الصدر، وتقدمة الحجة.

فدونكموها فاحتقبوها(5) دبرة(6) الظهر، نقبة الخف(7)، باقية العار، موسومة بغضب

ص: 283


1- الخذلة: ترك النصر.
2- خامرتكم: خالطتكم.
3- الخور: الضعف.
4- القنا: الرمح؛ والمراد هنا من ضعف القنا، ضعف النفس عن الصبر على الشدة.
5- فاحتقبوها: فاحملوها على ظهوركم.
6- دبرة: دبر البعير، أصابته الدبرة بالتحريك وهي جراحة تحدث من الرجل.
7- نقبة الخف: نقب خف البعير رق وثقب.

الله وشنار الأبد، موصولة ب -:

اَللّٰهِ اَلْمُوقَدَةُ اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى اَلْأَفْئِدَةِ (1) .

فبعين الله ما تفعلون.

وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (2) »(3).

المسألة السادسة: سنة رين القلوب بين الأسباب والنتائج

من السنن التاريخية التي عرضها القرآن مجملا ومفصلا هي سنة رين القلوب، فمن حيث المجمل يذكر القرآن الأسباب التي تؤدي إلى تكون هذه السنة وآثارها ممثلا ذلك بالنتائج.

قال تعالى:

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ اَلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ اَلدِّينِ وَ مٰا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاّٰ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذٰا تُتْلىٰ عَلَيْهِ آيٰاتُنٰا قٰالَ أَسٰاطِيرُ اَلْأَوَّلِينَ كَلاّٰ بَلْ رٰانَ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ مٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ (4) .

وذكرها القرآن مفصلا في سير حديثه لنتائج تكذيب الأنبياء عليهم السلام ويظهر من العرض المجمل والمفصل لهذه السُنة التاريخية أن الأساس في تكونها هو

ص: 284


1- سورة الهمزة، الآية: 6-7.
2- سورة الشعراء، الآية: 227.
3- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 141. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 29، ص 229. مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 2، ص 50.
4- سورة المطففين، الآية: 10-14.

التكذيب بما جاءت به الأنبياء عليهم السلام إلى أقوامهم فيلحقه التكذيب باليوم الآخر، ليصل إلى ذروته في حجب الأذن عن كل موعظة أو إنذار أو تحذير أو آية أو معجزة فيكون عند ذلك الرين على القلوب أي حجبها وصدأها وموتها عند ذلك فلا حياة لها.

وإذا ما وصلت القلوب إلى تلك المرحلة تمادت في الظلم وظهر منها ما لم يظهر من أشد الوحوش قساوة وشراسة والعياذ بالله.

ولذلك تتوجه صلوات الله وسلامه عليها السلام في بيانها لهذه السنة التاريخية وما يعقبها من نتائج إلى عامة الناس من المهاجرين والأنصار والأعراب، لأن الأمر لم يتعلق بفئة محددة بل بقانون إلهي وسنة ربانية جرت في جميع الأمم السابقة، وقد وقعت في هذه الأمة.

فقالت عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وولدها الصلاة والسلام:

«معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر.

أَ فَلاٰ يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ أَمْ عَلىٰ قُلُوبٍ أَقْفٰالُهٰا(1) .

كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم، لتجدن والله محمله ثقيلا، وغبه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء، وبان بأورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون»(2).

ص: 285


1- سورة محمد، الآية: 24.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 144.
المسألة السابعة: سنة الاستقامة في السلوك

في الوقت الذي كانت فيه فاطمة الزهراء عليها السلام تحذر المسلمين من الوقوع في فم السنن التاريخية التي توجدها السلوكيات المنحرفة فتقذف بها في الهاوية والخسران المبين، كانت عليها السلام أيضا تذكر بالسنن التاريخية التي تكون وليدة السلوكيات المستقيمة والمنضبطة بضوابط الشريعة المقدسة، وما تثمره من نتائج خيرة تعود على الإنسان بالسرور والخير والبركة في الدنيا والآخرة.

قالت عليها السلام:

«وما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام ؟! نقموا والله منه نكير سيفه، وقلة مبالاته لحتفه، وشدة وطأته، ونكال(1) وقعته، وتنمره(2) في ذات الله.

وتالله لو مالوا عن المحجة اللايحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردهم إليها، وحملهم عليها ولسار بهم سيرا سجحا(3)، لا يكلم(4) حشاشه، ولا يكل(5) سائره، ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا(6)، صافيا، رويا، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا وإعلانا، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل(7)، غير ري الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من

ص: 286


1- النكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان.
2- تنمر: عبس وغضب.
3- سجحا: سهلا.
4- يكلم، كلمه: جرحه.
5- يكل: يتعب.
6- النمير: الأبيض.
7- النائل: مثل الذي يعدو وعليه حمل ينهض به، أي لم يكن يحتمل من الدنيا بحمل.

الراغب والصادق من الكاذب.

وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ اَلْقُرىٰ آمَنُوا وَ اِتَّقَوْا لَفَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بَرَكٰاتٍ مِنَ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنٰاهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ (1) . وَ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هٰؤُلاٰءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئٰاتُ مٰا كَسَبُوا وَ مٰا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (2) »(3).

وقد حددت عليها السلام آثار هذه السنة التاريخية، أي سنة الاستقامة بالعوائد التالية:

1 - الرد إلى الشريعة السمحاء، أي دفع الوقوع في الشبهات.

2 - حمل الأحكام الشرعية فيكون الناس فقهاء عرفاء بشريعتهم فلا وجود للجهل بينهم، أي رفع المستوى التعليمي عند هذه الأمة لتكون كما أراد الله لها خير أمة أخرجت للناس، ولكي تستطيع أن تمارس دورها الإرشادي للأمم. قال تعالى:

وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ يَكُونَ اَلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً .

3 - سهولة السير في متطلبات الحياة سواء الدنيوية أو الأخروية. وهو قولها «ولسار بهم سيراً سجحا».

ص: 287


1- سورة الأعراف، الآية: 96.
2- سورة الزمر، الآية: 51.
3- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 147-148. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 43، ص 160.

4 - طبيعة هذا السير وصفاته ثلاث.

ألف. عذوبة الحديث.

باء. لا يتعب السائر من سيره.

جيم. ولا يمل الراكب من ركوبه.

5 - المكان الذي سيصلون إليه في هذا السير الذي يسيرون به مع علي عليه السلام سيأخذهم من خلاله إلى مكان يتصف بصفات عدة، وقد شبهته عليها السلام بالنهر الجاري دلالة على العيش الرغيد ومن صفاته:

أ. العذوبة.

ب. الصفاء.

ج. يروي من العطش.

د. الكثرة.

ه -. تطفح ضفتاه.

و. لا يتجمع الطين على جوانبه.

ز. وأن الشارب من هذا الماء يصدر عنه، أي ينتقل عنه وهو ريّان.

6 - إن هذه السنة التاريخية ومما تقدمه من ثمار وفوائد، مشروطة بأن يكون القائد أو الحاكم ناصحاً لرعيته في السر والعلن.

ثم تنعطف عليها السلام إلى ثمار اتباع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التمسك بوصيه؛ فتذكر لهم صفات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بوصفه إماماً وحاكماً وراعياً لهم - كما مرّ -.

ص: 288

المسألة الثامنة: سنة ترك التمسك بأحكام الله عزّ وجل بين المقدمات والنتائج

حينما بينت الزهراء عليها السلام سنة الاستقامة في السلوكيات البشرية ونتائجها الإيجابية على الإنسان في الدارين، تنتقل عليها السلام بعد ذلك لبيان العكس أي سنة ترك الاستقامة والتمسك بأحكام الله تعالى، وتُظهر أيضا مقدمات هذه السنة التاريخية ونتائجها على مصير المجتمع الذي تجري فيه.

قالت عليها السلام:

«ليت شعري إلى أي أسناد استندوا؟! وإلى أي عماد اعتمدوا؟! وبأية عروة تمسكوا؟! وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا(1) لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا»(2).

حينما سارت هذه الأمة سير الأمم السابقة ووقعت في فم السنن التاريخية التي مر ذكرها فكانت النتائج مضاعفة، والآثار مستمرة فمن البديهي أنها ستسير نحو الهلاك والتمادي في الظلم والضلال.

ولذلك: كانت تتعجب من هذا السلوك المتغير بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل تضع المقدمات لما هو أسوأ آثارا من جميع السنن التاريخية الأخرى.

فتقول عليه السلام:

ص: 289


1- احتنكوا: استولوا عليهم، أنظر: الصحاح للجوهري: ج 4، ص 158.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 148. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 43، ص 160. صحيفة الزهراء عليها السلام، جَمَعَهُ الشيخ جواد القيومي: ص 254.

«استبدلوا الذنابى والله بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

أَلاٰ إِنَّهُمْ هُمُ اَلْمُفْسِدُونَ وَ لٰكِنْ لاٰ يَشْعُرُونَ (1) . ويحهم.

أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (2) »(3).

أما النتائج المفجعة والفادحة لسلوك الأمة هذه السنة التاريخية، فتظهرها لهم بضعة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فتقول عليها السلام:

«أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دما عبيطا وذعافا مبيدا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون، غب ما أسس الأولون ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لكم، وأنى بكم، وقد عميت عليكم، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون»(4).

ص: 290


1- سورة البقرة، الآية: 12.
2- سورة يونس، الآية: 35.
3- معاني الأخبار للشيخ الصدوق رحمه الله: باب معاني قول فاطمة عليها السلام، ص 355. دلائل الإمام لمحمد بن جرير الطبري الإمامي: ص 127. أمالي الطوسي: ص 375. الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 148. بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 43، ص 158.
4- بحار الأنوار للعلامة المجلسي رحمه الله: ج 43، ص 160-161. الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 148.

هذا الكم الكبير من المفاهيم والرؤى والتشخيص لحركة التاريخ وسننه الذي ورد في القرآن ومن العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام أعطى دفعا قويا لمن تتلمذ في هذه المدرسة على التخصص في هذا الفن والإحاطة به.

بل قد شكل هذا التشخيص والدراسة لحركة التاريخ والسنن التاريخية من قبل القرآن والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام وبضعة النبي فاطمة الزهراء عليها السلام بخلق حالة متميزة من الوعي التاريخي والنقد والفهم والدراسة الدقيقة والمتأنية لما حدث وما يرتبط في كينونته من الزمان والمكان والأفراد والرواة والدوافع والأسباب والنتائج.

تم هذا الجزء بحمد الله تعالى فله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم ويليه الجزء السادس بإذنه تعالى وحوله وقوته.

وهو: مصائب فاطمة عليها السلام ومحنتها بين المأساة والرسالية.

وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلاّٰ بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ (1) .

رَبَّنٰا تَقَبَّلْ مِنّٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ (2) .

وَ سَلاٰمٌ عَلَى اَلْمُرْسَلِينَ وَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ (3) .

ص: 291


1- سورة هود، الآية: 88.
2- سورة البقرة، الآية: 127.
3- سورة الصافات، الآية: 181.

ص: 292

المحتويات

توطئة 7

المبحث الأول: مستوى عبادتها لله تعالى 10

المبحث الثاني: نوافلها 16

المسألة الأولى: نوافلها المخصوصة بالأزمنة 16

أولاً: صلواتها في ليلة الأربعاء وما لها من الآثار 16

ثانياً: صلاتها في يوم الجمعة وما لها من الآثار وتسمى ب - (صلاة الأوابين) 19

المسألة الثانية: نوافلها المخصوصة بالحاجات للدنيا والآخرة 23

أولاً: صلاتها لطلب الرزق 23

ص: 293

ثانياً: صلاتها لقضاء الحوائج التي علمها جبرائيل عليه السلام 25

ثالثاً: صلاتها لكل أمر مخوف 27

رابعاً: صلاتها لقضاء الحوائج وقد علمها رسول الله أن تصليها 29

المسألة الثالثة: خشوعها في الصلاة وخوفها من الله 30

المبحث الثالث: تسبيح فاطمة عليها السلام 33

المسألة الأولى: سبب صدور التسبيح 34

المسألة الثانية: في كيفية التسبيح 36

المسألة الثالثة: آثار تسبيح فاطمة عليها السلام الأخروية 37

أولاً: إن تسبيح فاطمة أحب إلى الله تعالى من ألف ركعة 37

ثانياً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام هو المخصوص بالذكر الكثير الذي نص عليه القرآن 37

ثالثاً: تسبيح فاطمة بعد الفريضة يوجب غفران الذنوب 38

رابعاً: تسبيح فاطمة عليها السلام بعد الفريضة يوجب الجنة 39

خامساً: تسبيح فاطمة عليها السلام يطرد الشيطان ويرضي الرحمان 39

سادساً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام أفضل التمجيد 39

المسألة الرابعة: آثار تسبيح فاطمة الدنيوية 40

أولاً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام يحفظ النفس والمتاع في السفر 40

ثانياً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام يطرد مردة الشياطين في الليل والنهار 41

ثالثاً: إن تسبيح فاطمة عليها السلام ينفع لمن أراد أن يرى ميت له في المنام 42

المسألة الخامسة: آثار تسبيح فاطمة عليها السلام العلاجية 42

أولاً: تسبيح فاطمة ينفع لعلاج ضعف القلب والبدن 43

ثانياً: يستخدم تسبيح فاطمة عليها السلام لعلاج قلة السمع 43

ثالثاً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء في الأمر العظيم

ص: 294

الفادح وكشف الهم والغم وغيرها 46

رابعاً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء عند النوم 46

خامساً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء لقضاء الدين، والغنى من الفقر 47

سادساً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء عند نزول المصيبة، والخوف من السلطان، أو عند ضياع ضالة 47

سابعاً: ما علمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء لدفع الحمى والنجاة منها، وهو المعروف بدعاء النور 48

المبحث الرابع: أدعيتها المخصوصة بأيام الأسبوع، ولبعض الحوائج 51

المسألة الأولى: أدعيتها المخصوصة لأيام الأسبوع 51

أولاً: دعاء يوم السبت 51

ثانياً: دعاء يوم الأحد 52

ثالثاً: دعاء يوم الاثنين 52

رابعاً: دعاء يوم الثلاثاء 52

خامساً: دعاء يوم الأربعاء 53

سادساً: دعاء يوم الخميس 53

سابعاً: دعاء يوم الجمعة 53

المسألة الثانية: أدعيتها لبعض الحوائج 54

أولاً: دعائها لخير الدنيا والآخرة 54

ثانياً: دعائها لوالديها والتوفيق للعمل الصالح وتيسير الأمور 54

المسألة الثالثة: ما علمته لبعض المؤمنين من الأدعية 55

أولاً: دعاء علمته لرجل كان محبوساً في الشام 55

ثانياً: الدعاء الجامع الذي علمته لرجل من ذريتها 55

ثالثاً: روايتها لدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند دخوله المسجد 57

ص: 295

المبحث الخامس: ما تدعو به من الأدعية بعد الصلوات اليومية 58

المسألة الأولى: دعاؤها عقيب صلاة الصبح، المسمى ب - (دعاء الحريق) 58

المسألة الثانية: دعاؤها عقيب صلاة الظهر 66

المسألة الثالثة: دعاؤها عقيب صلاة العصر 70

المسألة الرابعة: دعاؤها عقيب صلاة المغرب 74

المسألة الخامسة: دعاؤها عقيب صلاة العشاء 78

المبحث السادس: دعاؤها في مصائبها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 83

المسألة الأولى: ما دعت به حينما قيل لها: ألا تشتكين إلى عمك العباس 83

المسألة الثانية: دعائها حينما اشتد بها المرض والمصاب 84

المسألة الثالثة: دعاؤها في مرضها للعصاة من أمة أبيها 84

المبحث السابع: خادمتها ودايتها ومولاتها 85

المسألة الأولى: خادمتها فضة النوبية 86

أولاً: كيف جاءت إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام 86

ثانياً: اشتراكها مع علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في سبب نزول سورة هل أتى 88

ثالثاً: كيفية تعامل الزهراء عليها السلام مع خادمتها فضة 89

رابعاً: استمرارها في خدمة أمير المؤمنين عليه السلام بعد استشهاد فاطمة عليها السلام 91

خامساً: ما عرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضة من الدعاء 93

المسألة الثانية: دايتها ومولاتها 94

أولاً: دايتها 94

ثانياً: مولاتها 95

ص: 296

المبحث الأول: علم فاطمة عليها السلام 99

المسألة الأولى: علمها بما كان ويكون ومنشئ ذلك العلم 102

أولاً: العلم اللّدني هو باب خاص من أبواب العلم، وفاطمة عليها السلام ممن اختصت به وبغيره من أبواب العلم. 103

ثانياً: إنها مخلوقة من نور العلم الإلهي 107

المسألة الثانية: علمها الذي أخذته عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلما وما روت عنه 114

أولاً: ما روته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أبواب الفقه 117

ألف: الصلاة الواجبة 117

باء: في العتق 118

جيم: في المسكر 118

دال: في التختم 118

هاء: الرجل أحق بصدر دابته والصلاة في منزله 119

واو: في أجر المريض عند الله تعالى 120

زاي: ما يقرأ من الأذكار قبل النوم 120

حاء: في ثواب قراءة سورة الرحمن والواقعة والحديد 121

طاء: في التعامل مع المجذوم 121

ثانيا: ما روته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآداب والسنن 122

ألف: في النهي عن البخل وبيان مضاره 122

باء: في عاقبة الظلم 122

جيم: في إكرام الضيف، وفضل السكوت إلاّ في قول الخير 123

دال: أربع صفات من كن فيه كان من شرار الأمة 123

هاء: في غسل اليدين من الطعام 123

ص: 297

ثالثا: ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الفضائل 124

ألف: في بيان عمر الأنبياء عليهم السلام 124

إنّ أشد الناس بلاءً هم الأنبياء 124

باء: روايتها لحديث الكساء 125

جيم: ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام 129

1 - روايتها لحديث الغدير 129

2 - من كنت وليه فعلي وليه 130

3 - إن علي عليه السلام نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم 130

4 - إنك وشيعتك في الجنة 131

5 - في حال الملكين الكاتبين الذين صحبا الإمام علي عليه السلام 131

6 - إن الله تعالى غفر لعلي خاصة في عشية عرفة 131

7 - إن علياً عليه السلام هو المخصوص بقوله عزّ وجل: 132

8 - إن الله تعالى يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإسراء والمعراج بأن علي ولي الله ويشهد على ذلك الملائكة 133

9 - إن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم وشيعة علي عليه السلام يدعو بأسماء آبائهم 133

دال: ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولديها الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين 134

رابعا: ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغيبيات 135

2 - حديث النساء المعذبات 138

المبحث الثاني: مصحف فاطمة صلوات الله عليها 140

المسألة الأولى: ما هو مصحف فاطمة عليها السلام 140

المسألة الثانية: إن دلالة الروايات تكشف عن أن مصحف فاطمة يتكون من ثلاثة أجزاء متخصصة في محتواها 145

أولاً: إنّ الجزء الأول من مصحف فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وهو من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام 146

ثانياً: إنّ الجزء الثاني خلقه الله تعالى بقدرته وأنزله بواسطة الملائكة

ص: 298

المقربين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 148

ثالثاً: إنّ الجزء الثالث من مصحف فاطمة عليها الصلاة والسلام وهو من إملاء جبرائيل عليه السلام وخط علي أمير المؤمنين عليه السلام 152

المسألة الثالثة: إن مصحف فاطمة عليها السلام مصدر من مصادر علوم العترة النبوية التي من خلالها لا يحتاجون إلى أحد من الناس 154

المسألة الرابعة: إن مصحف فاطمة عليها السلام هو أحد العلامات الدالة على الإمام المعصوم 159

المبحث الثالث: فقه فاطمة عليها السلام 162

المسألة الأولى: في حثها عليها السلام على التفقه في الدين وبيان آجر العالم وفضله 165

المسألة الثانية: ما روي عنها في بعض مسائل العبادات 167

أولاً: في لباس المصلي للمرأة 169

ثانيا: في أن المرأة الحائض تقضي ما فاتها من الصوم ولا تقضي الصلاة 169

ثالثا: في جواز مضخ الصائم للطعام دون إدخاله إلى جوفه 170

رابعاً: في حكم دخول الرجل الأعمى على المرأة الأجنبية عنه 170

خامساً: في تعظيم ليلة القدر 171

سادساً: في جواز صلاة النساء على الجنائز 171

سابعاً: في استحباب لزوم المرأة دارها 172

ثامناً: زيارتها لقبر عمها حمزة بن عبد المطلب، وقبور شهداء أحد 173

تاسعاً: بكائها على عمها جعفر الطيار وتكفلها بإطعام آل جعفر ثلاثة أيام 175

عاشراً: حجها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع 177

الحادي عشرة: في الآداب والسنن 180

ألف: في كيفية تعظيم الوالدة 180

باء: في إتحاف المؤمن لأخيه 180

المبحث الرابع: بعض النظريات من الفكر الفاطمي 181

ص: 299

المسألة الأولى: الفرق بين النظرية والفرضية، وبما تمتاز النظرية عند الزهراء عليها السلام 182

أولاً: ما هي النظرية ؟ 182

ألف/ النظرية الفرضية، الاستنتاجية 182

باء/ النظرية الوظيفية 182

جيم/ النظرية الاستقرائية 182

دال/ النموذج 183

ثانيا: وظائف النظرية 183

ثالثا: الفرق بين النظرية والفرضية 184

رابعا: الفرق بين نظرية المعصوم وغيره من الناس 185

المسألة الثانية: نظريتها في النظام والضبط الاجتماعي 188

1 - مذهب العقد الاجتماعي 191

2 - نظرية التقدم 192

3 - نظرية الوظيفية 192

المسألة الثالثة: نظريتها في الأبوة الدينية والنسبية 197

أولاً: النصوص الواردة في أبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام لهذه الأمة 200

ثانيا: معنى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام أبوا هذه الأمة 202

ثالثا: العلة في تعظيم حق الأبوة الدينية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوق الأبوة النسبية للمسلم 206

المسألة الرابعة: نظريتها في حب الدنيا 212

أولاً: دور الإنفاق في بناء شخصية الإنسان وتحديد ملامح هذه الشخصية 215

ثانياً: دور تلاوة القرآن في بناء شخصية الإنسان 218

ثالثا: حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآثاره في بناء الشخصية 222

المسألة الرابعة: نظريتها في العبادة 226

ص: 300

المبحث الخامس: حركة التأريخ عند فاطمة عليها السلام 230

المسألة الأولى: تشخيصها عليها السلام لبدء حركة التاريخ 231

المسألة الثانية: تحديد حركة تاريخ النبوة 234

المسألة الثالثة: وقائع الحركة التاريخية الأممية 237

المسألة الرابعة: حركة تاريخ العرب قبل الإسلام في نظر سيدة النساء عليها السلام 239

المسألة الخامسة: بيان إنجازات النبوة في حركتها التاريخية 244

المحور الأول 244

المحور الثاني 246

المحور الثالث 246

المسألة السادسة: حركة تاريخ الصحابة وأهل البيت عليهم السلام في حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم 247

أولاً: دلالة تحديد الحركة التاريخية لكلا المسارين 248

ثانيا: تباين المسارين في الحركة التاريخية 248

المسألة السابعة: الحركة التاريخية للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 254

أولاً 256

ثانياً 256

ثالثاً 256

المسألة الثامنة: الوقائع التاريخية التي كانت مقدمات للسنن الأممية 257

الواقعة التاريخية الأولى: (حسكة النفاق، أو حسيكة النفاق) 258

الواقعة التاريخية الثانية: (سمل جلباب الدين) 259

الواقعة التاريخية الثالثة: (نطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين) 262

المبحث السادس: السنن التاريخية عند فاطمة الزهراء عليها السلام 266

ص: 301

المسألة الأولى: سنة الوقوع في الفتنة بين المقدمات والنتائج 267

المسألة الثانية: سنة تضاعف النتائج 269

المسألة الثالثة: سنة تعجيل العذاب 272

المسألة الرابعة: سنة انقلاب الأمم بعد أنبيائها 273

المسألة الخامسة: سنة ظلم آل الأنبياء عليهم السلام وآثارها على الأمة 277

المسألة السادسة: سنة رين القلوب بين الأسباب والنتائج 284

المسألة السابعة: سنة الاستقامة في السلوك 286

المسألة الثامنة: سنة ترك التمسك بأحكام الله عزّ وجل بين المقدمات والنتائج 289

المحتويات 292

ص: 302

المجلد 7

هوية الكتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2012-2805

الرقم الدولي ISBN : 9789933489519

الحسني، نبيل، 1965 - م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها: وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة وتحليل نبيل الحسني. ط 1 - كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434 ق. = 2013 م.

8 ج. - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100).

المصادر.

1. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - فضائل. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (س)، 11 ق. 5. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. إيذاء وتعقيب. 6. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله و سلامه عليها و هی قلبي و روحي التي بین جنبي

کاتب:نبیل حسنی

المنتج: العتبة الحسینیة المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة. شعبة الدراسات و البحوث الإسلامیة

عدد المجلدات :8 ج

لسان: العربي

الناشر:العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة - کربلای معلی عراق

سنة النشر: 1434 هجری قمری|2013 میلادی

قانون الكونجرس:/ح5ھ4 27/2 BP

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الفصل الاول: النبى صلى الله عليه وآله وسلم يهيئ اهل بيته لتلقى المصائب والمحن

اشارة

ص: 5

ص: 6

توطئة

قد يبدو العنوان فيه نوع من الغرابة أو الاستفهام لدى القراء الكرام الذين لم يتخذوا من المدرسة الإمامية وفكرها مذهباً عقدياً وتعبدياً يتقربون به إلى الله تعالى ويقبلون به إليه في يوم الحشر:

(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولٰئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتٰابَهُمْ وَ لاٰ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(1).

وذلك أن هذه الشخصية قد منحها الله تعالى من الكرامات والخصائص ما لم تحظَ به امرأة من العالمين من أمها حواء عليها السلام وإلى آخر امرأة يحشرها الله تعالى.

فهي مع ما اختصت به ذاتها المباركة، ابنة سيد الأنبياء والمرسلين الوحيدة(2)؛

ص: 7


1- سورة الإسراء، الآية: 71.
2- إن حقيقة انجاب أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام لأربع بنات وهنّ: زينب، وأم كلثوم، ورقية، وفاطمة عليها السلام لم تثبت عند كثير من الباحثين والمحققين على الرغم من شهرة هذه المسألة وثبوتها عند الكثيرين من أتباع أهل الجماعة، أو عند الإمامية، ولقد وفقنا الله تعالى إلى البحث

وزوجة سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأم الحسن والحسين سبطي هذه الأمة وريحانتي النبي من الدنيا وسيدي شباب أهل الجنة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فضلاً عن ذلك فقد عاشت في زمنٍ هو خير الأزمان، وفي قرن هو خير القرون(1)، وبين البدريين وأهل حنين فكيف يكون لها مصائب ومحن؛ وهي لم تبقَ بعد أبيها إلاّ أياماً قليلة، أربعين أو خمسة وسبعين.

أفتخون الدنيا بتلك السرعة بعباد الله المخلصين، أم تجور الأيام على الصالحين وأركان الدين؟!

إنها تساؤلات كثيرة، واستفهامات عديدة سنقف عندها في هذا الجزء بعون الله ولطفه وسابق عنايته ورحمته وما توفيق إلاّ بالله.

ص: 8


1- صحيح البخاري، كتاب الشهادات: ج 3، ص 151؛ والحديث غريب مع الواقع الذي عاشه المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد انتهكت حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوذي أشد الأذى في عترته وذريته، فضلاً عن اختلاف الصحابة، وتقاتلهم، وتكفير بعضهم لبعض كما يشهد التاريخ والسيرة ومصنفوها.

المبحث الأول: إخبار النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وبعلها وبنيها عليهم السلام بما يجري عليهم من بعده

اشارة

تعد مسألة إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغيبيات من المسائل التي زخرت بها كتب الحديث الشريف حتى باتت من المسائل البديهية والعناوين الأساسية في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما وأنها أحد الدلالات النبوية في اختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة؛ فمنها على سبيل الاستشهاد.

1 - أخرج مسلم في الصحيح عن أم سلمة وأحمد في المسند عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قال لعمار:

«تقتلك الفئة الباغية»(1).

وفي لفظ أحمد: (ويحك ابن سمية تقتلك الفئة الباغية)(2).

ولقد استشهد عمار بن ياسر في معركة صفين حينما كان يقاتل مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في حربه لزعيم الفئة الباغية معاوية بن أبي سفيان.

ص: 9


1- صحيح مسلم، باب تقوم الساعة حتى يمر الرجل: ج 8، ص 186.
2- مسند أحمد: ج 3، ص 5، من حديث أبي سعيد الخدري.

2 - أخرج أبن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أيتكم صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعد ما كادت»(1).

ولقد خرجت عائشة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام لقتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في البصرة في واقعة سميت بوقعة الجمل.

3 - أخرج الحاكم في المستدرك عن عوف بن مالك قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة»(2).

وفي لفظ:

«ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة»(3).

وغيرها من الشواهد التي تحدث فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الغيبيات فكان من بينها حديثه صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل بيته وعترته فاطمة وعلي والحسن والحسين عما ينزل عليهم من البلايا والمصائب وتكالب القوم عليهم قتلاً ونهباً وتشريداً.

فكان منها، أي من هذه الأحاديث ما هو على وجه العموم حينما يجتمعون

ص: 10


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي، في مسيرة عائشة: ج 8، ص 711؛ فتح الباري لابن حجر: ج 13، ص 46؛ مسند ابن راهويه: ج 2، ص 33.
2- مستدرك الحاكم: ج 4، ص 430؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 10، ص 208.
3- مسند أحمد: ج 2، ص 333؛ سنن ابن ماجه: ج 2، ص 1321؛ سنن أبي داود: ج 2، ص 390.

مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سيمر بيانه، ومنها ما كان على وجه الخصوص وكشفه صلى الله عليه وآله وسلم لبضعته وقلبه فاطمة عليها السلام.

المسألة الأولى: إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عترته بما يجري عليهم من بعده

تكشف الروايات عن اجتماع النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عترته (علي وفاطمة وولديهما الحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم) وإخبارهم بما يجري عليهم من بعده من البلايا والمحن والمصائب، فكانت كالآتي:

1 - أخرج الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه، عن عقيلة الهاشميين، زينب ابنة علي عليهما السلام، أنها قالت:

(حدثتني أم أيمن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الأيام، فعملت له حريرة وأتاه علي عليه السلام بطبق فيه تمر، ثم قالت أم أيمن: أفأتيتهم بعش فيه لبن وزبد، فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام من تلك الحريرة، وشرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشربوا من ذلك اللبن، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا السرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء ملياً، ثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثم خر ساجداً وهو ينشج فأطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه، ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله صلى الله عليه وآله

ص: 11

وسلم وهبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك قال له علي وقالت له فاطمة عليها السلام:

«ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك، فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك؟».

فقال:

«يا أخي سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط وأني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته فيكم، إذ هبط عليّ جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله تعالى اطلع على ما عني نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك فأكمل لك النعمة وهنأك العطية، بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم، يحيون كما تحيا، ويعطون كما تعطى، حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بأيدي الناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك براءً من الله ومنك خبطاً خبطا، وقتلاً قتلا، شتى مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم ولك فيهم، فاحمد الله عزّ وجل على خيرته وأرض بقضائه، فحمدت الله ورضيت بما اختاره لكم»)(1).

2 - أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قال:

«قال بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ التفت إلينا فبكى فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟

ص: 12


1- كامل الزيارات، الهامش: ص 444؛ مستدرك الوسائل: ج 5، ص 153؛ البحار: ج 28، ص 57؛ وج 45، ص 180؛ وفاء الوفاء للسمهودي: ج 2، ص 469، ط دار إحياء التراث.

فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي، فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها، وطعنة الحسن، في الفخذ والسم الذي يسقى، وقتل الحسين.

قال: فبكى أهل البيت جميعاً، فقلت: يا رسول الله ما خلقنا ربنا إلا للبلاء، قال: أبشر يا علي، فإن الله عزّ وجل قد عهد إليّ أنه لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»(1).

3 - روى العلامة المجلسي والمحدث النوري، قال:

(روي أنه دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً إلى فاطمة عليها السلام فهيّأت له طعاماً من تمر وقرص وسمن فاجتمعوا على الأكل هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فلما أكلوا سجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأطال سجوده ثم بكى ثم ضحك وجلس وكان أجرأهم في الكلام علي عليه السلام فقال:

«يا رسول الله رأينا فيك اليوم ما لم نره قبل ذلك».

فقال:

«إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم فسجدت لله تعالى شكراً، فهبط جبرئيل يقول سجدت شكراً لفرحك بأهلك؟ فقلت نعم، فقال: ألا أخبرك بما يجري عليهم بعدك؟ فقلت: بلى يا أخي جبرئيل؛ فقال: أما ابنتك فهي أول أهلك لحوقا بك بعد أن تظلم، ويؤخذ حقها، وتمنع إرثها،

ص: 13


1- الأمالي للصدوق: ص 134.

تظلم ويظلم بعلها، ويكسر ضلعها؛ وأما ابن عمك فيظلم ويمنع حقه ويقتل؛ وأما الحسن فإنه يظلم ويمنع حقه ويقتل بالسم؛ وأما الحسين فإنه يظلم ويمنع حقه، وتطؤه الخيول، وينهب رحله، وتسبى نساؤه وذراريه، ويدفن مرملاً بدمه، ويدفنه الغرباء».

فبكيت وقلت:

«هل يزوره أحد؟».

قال:

«يزوره الغرباء».

قلت:

«فما لمن زاره من الثواب؟».

قال:

«يكتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة كلها معك فضحكت»)(1).

وهذه الأحاديث تنص على تضافر القوم على انتهاك حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحرمة أهل بيته، فكان كما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لهم.

وأما ما كان يخص فاطمة عليها السلام من تعدد المحن والمصائب عليها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو ما سنعرض له في المسألة القادمة.

ص: 14


1- البحار: ج 98، ص 44؛ مستدرك الوسائل: ج 10، ص 275؛ جامع أحاديث الشيعة للبروجردي: ج 12، ص 399؛ نهج الحق: ص 432.
المسألة الثانية: إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام بما يجري عليها من بعده

سنتناول في هذه المسألة - إن شاء الله - بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي يكشف من خلالها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يجري على فاطمة صلوات الله عليها من المصائب بعد وفاته على الرغم من أن المدّة التي عاشتها فاطمة عليها السلام وكما أسلفنا كانت في غاية القصر.

ومن ثم سنعرج في المباحث القادمة إلى تفاصيل هذه الأحداث والمحن والرزايا التي ألمت ببضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقلبه وروحه التي بين جنبيه من خلال الرجوع إلى كتب الحديث والتاريخ والتراجم. أما هذه الأحاديث فهي كالآتي:

1 - روى الطبري (الشيعي) عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام عن فاطمة الصغرى عن أبيها عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنها قالت:

«قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يدفن من ولدي سبعة بشاطئ الفرات لم يسبقهم الأولون، ولم يدركهم الآخرون»(1).

2 - روى فرات الكوفي عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

«كان الحسين مع أمه عليهما السلام تحمله فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك».

ص: 15


1- دلائل الإمامة: ص 5.

قالت فاطمة الزهراء عليها السلام:

«يا أبه أي شيء تقول؟».

قال:

«يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر، والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل وكأني أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم».

قالت:

«يا أبه وأنى، وأين هذا الموضع الذي تصف؟».

قال:

«موضع يقال له كربلاء، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة، يخرج عليهم شرار أمتي ولو أن أحدهم يشفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلدون في النار».

قالت:

«يا أبه فيقتل؟».

قال:

«نعم يا بنتاه وما قتل قتلته أحد كان قبله، وتبكيه السماوات والأرضون والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفس، ويأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، أولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء،

ص: 16

وهم واردون حوضي غدا، أعرفهم إذا وردوا علي بسيماهم، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم، وهم يطلبونا لا يطلبون غيرنا، وهم قوام الأرض، وبهم ينزل الغيث».

فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام:

«يا أبه إنا لله».

وبكت، فقال لها:

«يا بنتاه إن أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا:

(أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا)(1).

فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، قتلة أهون من ميتة، من كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه، ومن لم يقتل فسوف يموت.

يا فاطمة بنت محمد! أما تحبين أن تأمري غدا بأمر فتطاعي في هذا الخلق عند الحساب، أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش، أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة، أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه، أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار والجنة يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء، أما ترضين أن تنظري إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله فما ترين الله صانعاً بقاتل ولدك وقاتليك إذا أفلحت حجته على الخلائق وأمرت النار أن تطيعه، أما ترضين أن تكون الملائكة تبكي

ص: 17


1- سورة التوبة، الآية: 111.

لابنك ويأسف عليه كل شيء، أما ترضين أن يكون من أتاه زائرا في ضمان الله ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله الحرام، واعتمر و لم يخلُ من الرحمة طرفة عين وإذا مات مات شهيدا وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا».

قالت:

«يا أبه سلمت ورضيت وتوكلت على الله».

فمسح على قلبها ومسح على عينيها فقال:

«إني أنا وبعلك وأنت وابناك في مكان تقر عيناك ويفرح قلبك».

(يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ)(1) (2).

3 - روى ابن قولويه (عن المعلى بن خنيس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبح صباحاً فرأته فاطمة عليها السلام باكياً حزيناً، فقالت:

«ما لك يا رسول الله؟».

فأبى أن يخبرها، فقالت:

«لا آكل ولا أشرب حتى تخبرني».

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن جبرائيل عليه السلام أتاني بالتربة التي يقتل عليها غلام لم يحمل به بعد وهذه تربته»)(3).

ص: 18


1- سورة التوبة، الآية: 119.
2- تفسير فرات الكوفي: ص 55؛ البحار للمجلسي: ج 44، ص 264.
3- كامل الزيارات: ص 62، ح 349.

4 - روى السيد ابن طاووس رحمه الله بسنده (عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن سلمان الفارسي قال: قلنا يوما: يا رسول الله من الخليفة بعدك حتى نعلمه، قال لي:

«يا سلمان، أدخل عليّ أبا ذر والمقداد وأبا أيوب الأنصاري وأم سلمة زوجة النبي من وراء الباب».

ثم قال:

«اشهدوا وافهموا عني، أن علي بن أبي طالب عليه السلام وصيي ووارثي وقاضي ديني، وعدتي، وهو الفاروق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والحامل غدا لواء رب العالمين، هو وولده من بعده، ثم من الحسين ابني أئمة تسعة هداة مهديون إلى يوم القيامة، أشكو إلى الله جحود أمتي لأخي وتظاهرهم عليه، وظلمهم له وأخذهم حقه».

قال: فقلنا له: يا رسول الله ويكون ذلك؟

قال:

«نعم، يقتل مظلوما من بعد أن يملأ غيظا ويوجد عند ذلك صابرا».

قال: فلما سمعت ذلك فاطمة عليها السلام أقبلت حتى دخلت من وراء الحجاب وهي باكية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما يبكيك يا بنية؟».

قالت:

«سمعتك تقول في ابن عمك وولدي ما تقول».

ص: 19

قال:

«وأنت تظلمين وعن حقك تدفعين، وأنت أول أهل بيتي لحوقاً بي بعد أربعين، يا فاطمة أنا سلم لمن سالمك وحرب لمن حاربك، أستودعك الله تعالى، وجبرئيل، وصالح المؤمنين».

قال، قلت: يا رسول الله من صالح المؤمنين، قال:

«علي بن أبي طالب»)(1).

5 - أخرج الشيخ الطوسي رحمه الله بسنده إلى أبان بن عثمان، (عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس، قال: لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته، فقيل له يا رسول الله، ما يبكيك فقال:

«أبكي لذريتي، وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة ابنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي يا أبتاه يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي».

فسمعت ذلك فاطمة عليها السلام فبكت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا تبكين، يا بنية».

فقالت:

«لست أبكي لما يصنع بي من بعدك، ولكن أبكي لفراقك، يا رسول الله».

ص: 20


1- اليقين لابن طاووس: ص 488؛ البحار للمجلسي: ج 36، ص 265؛ شرح العينية الحميرية للفاضل الهندي: ص 273؛ نفس الرحمن للطبرسي: ص 423؛ قادتنا كيف نعرفهم للسيد الميلاني: ج 1، ص 380.

فقال لها:

«أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي»)(1).

6 - أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده إلى سعيد بن جبير (عن ابن عباس قال:

إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السلام فلما رآه بكى، ثم قال:

«إليّ يا بنيّ».

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين عليه السلام فلما رآه بكى، ثم قال:

«إليّ يا بني».

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة عليها السلام فلما رآها بكى، ثم قال:

«إليّ إليّ يا بنية».

فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام فلما رآه بكى، ثم قال:

«إليّ إليّ يا أخي».

ص: 21


1- الأمالي للطوسي: ص 88؛ البحار: ج 28، ص 41.

فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن؛ فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلاّ بكيت، أوما فيهم من تسر برؤيته؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجل وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم.

أما علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد موتي، محبه محبي ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة.

وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين والأولين والآخرين وهي بضعة مني وهي، نور عيني وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزّ وجل لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار.

ص: 22

وأني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي؛ كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها (وكسرت جنبتها)، وأسقطت جنينها، وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن.

ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين.

ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث الله عزّ وجل إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علتها؛ فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي؛ فيلحقها الله عزّ وجل بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها وعاقب من غصبها وذلل من أذلها وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين»)(1).

ونحن نقول كما قالت الملائكة: آمين إلى قيام يوم الدين.

ص: 23


1- الأمالي للصدوق: ص 112-115؛ الفضائل لابن شاذان القمي: ص 10؛ الدر النظيم لابن أبي حاتم العاملي: ص 378؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 197؛ البحار للمجلسي: ج 28، ص 38؛ إرشاد القلوب للديلمي: ج 2، ص 299؛ بشارة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لأبي قاسم الطبري: ص 307.

فهذه الأحاديث الشريفة فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام، وأما ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في بيان ما جرى عليها من المصائب فسنعرض له في مواضعه إن شاء الله.

أما ما نحن بصدده أن تلك المصائب هي حقيقة ثابتة أخبر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته، وجرت أحداثها بعد مماته صلى الله عليه وآله وسلم، وأن خير القرون لم يكن إلاّ دعوة لم تصمد أمام تلك المآسي التي وقعت في الأمة، وأنها تكشف عن أن الذين تقولوا هذا الحديث إنما أرادوا التستر على تلك الفجائع والجرائم التي انتهكت فيها حرمة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل فيها من الأذى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم ينزل بأحد من الأنبياء والمرسلين.

وقولنا في ذلك ما نطق به القرآن الكريم:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً)(1).

أما أول المصائب التي نزلت بفاطمة عليها السلام فهي وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي سنمر عليها بحسب ما يقتضيه البحث فقد نتوقف مع الحدث هنا أو نسرع هناك فإن ذلك منوط بحسب الحدث الذي مرت به فاطمة صلوات الله عليها في أثناء وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 24


1- سورة الأحزاب، الآية: 57.

المبحث الثاني: وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى المصائب

اشارة

تتناقل الأحداث في كتب الحديث والسيرة والتأريخ وتتابع في تلك الحقبة الزمنية التي شهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلاّ أن هذه المصادر لم تجمع لنا هذه الأحداث بشكلها الوقوعي حتى بات القارئ لم يتصور الحدث بتسلسله الزمني؛ فضلاً عن إغفال البعض من الرواة لحقائق مرة خشية المساس ببعض الرموز التي شهدت هذه المرحلة الزمنية من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن هنا:

لم نشأ أن نتتبع تلك الأحداث ونتوقف عندها ونعرضها للتحقيق والبحث فإن ذلك سيأخذ مساحة واسعة من الكتاب ومن ثم لا يتسق مع منهج البحث فأرجأنا البحث والتحقيق في وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته ضمن كتاب مستقل ولقد وفقنا الله تعالى لإتمامه.

ص: 25

وعليه:

سنمر هنا بما لفاطمة عليها السلام من ظهور في هذه الأيام التي شهدت مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته، ومن ثم نعرّج إلى تلك المحن والمصائب والخطوب العظيمة التي أصابت فاطمة وبعلها وولديها صلوات الله عليهم أجمعين.

المسألة الأولى: ابتداء المرض برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

أشارت الروايات التاريخية إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لما قدم المدينة من حجة الوداع عقد لأسامة بن زيد الإمرة وأمره أن يقصد حيث قتل أبوه، وقال له:

«أوطئ الخيل أواخر الشام من أوائل الروم»(1).

(ولما أحس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمرض الذي اعتراه وذلك يوم السبت أو الأحد لليال بقين من صفر أخذ بيد علي عليه السلام وتبعه جماعة من أصحابه وتوجه إلى البقيع ثم قال:

«السلام عليكم أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها».

ثم قال:

«إن جبرئيل، كان يعرض عليّ القرآن كل سنة مرة وقد عرضه عليّ العام

ص: 26


1- أعلام الورى للطبرسي: ج 1، ص 263.

مرتين ولا أراه إلا لحضور أجلي»(1).

ثم قال:

«يا علي إني خيرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة فاخترت لقاء ربي والجنة، فإذا أنا مت فغسلني واستر عورتي فإنه لا يراه أحد إلا كمه».

ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكاً)(2).

وقد اختلف المحدثون في عدد الأيام التي لبث فيها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مريضاً فهي بين ثلاثة عشر يوما إلى تسعة أيام.

فكانت الأيام الثلاثة الأولى ينتقل فيها إلى بيوت أزواجه، وقد خرج في اليوم الثالث إلى المسجد وهو معصوب الرأس من شدة الوجع متكئاً على علي بيمنى يديه وعلى الفضل بن عباس باليد الأخرى(3)، فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

«أما بعد أيها الناس إنه قد حان مني خفوق من بين أظهركم فمن كانت له عندي عدة فليسألني أعطه إياها ومن كان له عندي دين فليخبرني به؟».

فقام رجل فقال: يا رسول الله لي عندك عدة إني تزوجت فوعدتني بثلاثة أواق، فقال:

«انحلها إياه يا فضل»(4).

ص: 27


1- قريب من هذا اللفظ أخرج أحمد في المسند: ج 3، ص 389.
2- إعلام الورى: ج 1، ص 264.
3- مسند أحمد: ج 6، ص 228.
4- المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 202؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 10، ص 184.

فلبث الأربعاء والخميس ولما كان يوم الجمعة جلس على المنبر فخطب ثم قال:

«أيها الناس إنه ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيراً أو يصرف به عنه شراً إلاّ العمل الصالح، أيّها الناس لا يدع مدّع ولا يتمنّ متمن، والذي بعثني بالحق لا ينجي إلاّ العمل مع رحمة الله، ولو عصيت لهويت، اللهم بلغت ثلاثاً».

ثم نزل فصلى بالناس ثم دخل بيته، وكان إذ ذاك في بيت أم سلمة فأقام بها يوماً أو يومين(1).

وفي هذه الأيام التي كان فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مريضاً كانت فاطمة صلوات الله عليها تتعاهد زيارته حيث كان يوجد بأبي وأمي عند بيوت أزواجه، فقد كان يتنقل بينهن وهو على هذه الحالة حرصاً منه على العدل بينهنّ، فكانت فاطمة عليها السلام تتبعه في تنقله ولها معه حالات في هذا الدخول أو ذاك، وهي كالآتي:

أولاً: فاطمة عليها السلام ترقي أباها صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه

روى العجلوني عن أنس بن مالك، أنه قال: (كانت فاطمة - عليها السلام - ترقي أباها صلى الله عليه وآله وسلم إذا وجد تكسراً في عطفه أو فترة - فتقول -:

«بسم الله وبالله أذهب البأس رب الناس وأشف أنت الشافي لا شفاء إلاّ شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً يا أرحم الراحمين»(2).

ص: 28


1- الإرشاد للمفيد: ج 1، ص 182.
2- كشف الخفاء للعجلوني: ج 1، ص 115، ح 306.
ثانياً: بكاؤها لما ترى عليه حال أبيها وما أصابه من المرض والضعف

وكانت عليها السلام في هذا التنقل الذي تتبع فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتدخل عليه في أحد بيوته عند أزواجه لا تحتمل أن تراه على تلك الحالة من الضعف والألم فكانت دموعها تسبقها قبل الحديث معه لاسيما والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يمثل لها الإيمان والنبوة والجاه والمعين والرؤوف الرحيم فكيف لا يزداد بكاؤها مع ما تراه من حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الذي كشفته الروايات الشريفة، وهي كالآتي:

1 - روى الشيخ الطوسي رحمه الله بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري، أنه قال:

(مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتته فاطمة عليها السلام تعوده، فلما رأت ما برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المرض والجهد استعبرت وبكت حتى سالت دموعها على خديها؛ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا فاطمة، إني لكرامة الله إياك زوجتك أقدمهم سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلماً، إن الله تعالى اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منها فبعثني نبياً، واطلع إليها ثانية فاختار بعلك فجعله وصيا».

فسرت فاطمة عليها السلام فاستبشرت، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يزيدها مزيد الخير، فقال يا فاطمة:

«إنا أهل بيت أعطينا سبعاً لم يعطها أحد قبلنا ولا يعطاها أحد بعدنا، نبينا أفضل

ص: 29

الأنبياء وهو أبوك، ووصينا أفضل الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا أفضل الشهداء وهو عمك، ومنا من جعل الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، والذي نفسي بيده لابد لهذه الأمة من مهدي، وهو والله من ولدك»)(1).

2 - روى الديلمي رحمه الله، يرفعه إلى سلمان الفارسي، أنه قال:

(كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فدخلت فاطمة عليها السلام فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ما يبكيك يا فاطمة؟».

قالت:

«يا رسول الله أخشى الضيعة على نفسي وولدي بعدك».

فاغرورقت عيناه ثم قال:

«يا فاطمة أما علمت أنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وأنه حتم الفناء على جميع خلقه، وأن الله تبارك وتعالى اطلع على الأرض اطلاعة فاختار منها أباك ثم اطلع اطلاعة فاختار منها زوجك فأوحى إليّ أن أزوجه إياك وأن أتخذه وليا ووزيرا وأن أجعله خليفتي في أمتي، فأبوك خير أنبياء الله، وبعلك خير الأوصياء، وأنت أول من يلحق بي من أهل بيتي.

ثم اطلع اطلاعة ثالثة فاختارك واختار ولدك، فأنت سيدة نساء العالم وأهل الجنة،

ص: 30


1- الأمالي للطوسي: 154-155.

وابناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة كلهم هادون مهتدون.

فالأوصياء بعدي أخي علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم الأئمة من ولد الحسين في درجتي وليس في الجنة درجة أقرب إلى الله تعالى من درجة أبي إبراهيم.

أما تعلمين يا بنية أن من كرامة الله عزّ وجل إياك أن زوجك بخير أمتي وخير أهل بيتي أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما».

فاستبشرت فاطمة وفرحت بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ثم قال:

«يا بنية إن لبعلك مناقب، إيمانه بالله ورسوله قبل كل أحد، لم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي؛ وعلمه بكتاب الله وسنتي، وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير علي عليه السلام؛ فإن الله عزّ وجل علمني علماً لا يعلمه غيري، وعلم ملائكته ورسله علما؛ فكلما علم ملائكته ورسله فأنه أعلمني، وأمرني ربي عزّ وجل أن أعلمه إياه، ففعلت، فليس أحد من أمتي يعلم علمي وفهمي وحكمي غيره؛ وإنك يا بنية زوجته، وابنيه سبطاي الحسن والحسين عليهما السلام، أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإن الله تعالى آتاه الحكمة وفصل الخطاب.

ويا بنية:

إنا أهل بيت أعطانا الله تبارك وتعالى ست خصال لم يعطها أحداً من الأولين كان قبلكم، ولم يعطها أحداً من الآخرين غيرنا؛ نبينا خير الأنبياء والمرسلين وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة بن

ص: 31

عبد المطلب عم أبيك».

قالت:

«يا رسول الله هو سيد شهداء الذين قتلوا معه؟».

قال:

«لا بل سيد شهداء الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء؛ وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطائر في الجنة مع الملائكة؛ وابناي الحسن والحسين سبطاي وسيدا شباب أهل الجنة منا؛ والذي نفسي بيده منا مهدي الأمة الذي يملأ الارض به قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا»)(1).

والملاحظ في هذا الحديث مع الحديث السابق:

ألف: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسأل فاطمة عن سبب بكائها، بينما سألها عن سبب بكائها في الحديث الذي يرويه سلمان الفارسي.

باء: إن فاطمة في هذه الرواية تكشف عن سبب بكائها، وهو تخوفها من أنها ستضيع مع أولادها بين القوم الذين أخبرها عنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل وماذا سيفعلون بها من بعده.

لاسيما وأنها شاهدت كثيراً من الأفعال التي تكشف عن بدء البلاء والمصائب كتخلفهم عن التوجه إلى سرية أسامة، وسماعها لهمسات بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما تدخل عليه تعوده.

ولعلها قد رأت وسمعت ما أظهر الشماتة بها فدخلت على أبيها باكية تشكو

ص: 32


1- إرشاد القلوب للديلمي: ج 2، ص 419-420؛ البحار للمجلسي: ج 28، ص 52.

إليه تخوفها ولكونه مريضاً لم تشأ أن تخبره بالأسباب التي أنشأت هذا الخوف في قلبها.

جيم: من هنا: كان حديثه صلى الله عليه وآله وسلم معها يدور حول المنازل الرفيعة التي خصها الله بها وأبيها وبعلها وبنيها.

3 - روى الشيخ الطوسي رحمه الله عن واثلة، قال: حدثني سلمان الفارسي، قال:

(دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فجلست بين يديه وسألته عما يجد، وقمت لأخرج، فقال لي:

«أجلس يا سلمان، فسيشهدك الله عزّ وجل أمراً، إنه لمن خير الأمور».

فجلست فبينا أنا كذلك إذ دخل رجل من أهل بيته، ورجال من أصحابه، ودخلت فاطمة عليها السلام ابنته فيمن دخل، فلمّا رأت ما برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الضعف خنقتها العبرة حتى فاض دمعها على خدها، فأبصر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«ما يبكيك يا بنية، أقر الله عينك، ولا أبكاها؟».

قالت:

«كيف لا أبكي، وأنا أرى ما بك من الضعف».

قال لها:

«يا فاطمة، توكلي على الله، واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء، وأمهاتك من أزواجهم، ألا أبشرك يا فاطمة؟».

ص: 33

قالت:

«بلى يا نبي الله».

أو قالت:

«يا أبت».

قال:

«أما علمت أن الله تعالى اختار أباك فجعله نبياً، وبعثه إلى كافة الخلق رسولاً، ثم اختار علياً فأمرني فزوجتك إياه واتخذته بأمر ربي وزيراً ووصياً.

يا فاطمة، إن عليا أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقا، وأقدمهم سلما، وأعلمهم علما، وأحلمهم حلما، وأثبتهم في الميزان قدرا».

فاستبشرت فاطمة عليها السلام، فأقبل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«هل سررتك يا فاطمة؟».

قالت:

«نعم يا أبت».

قال:

«أفلا أزيدك في بعلك وابن عمك من مزيد الخير وفواضله؟».

قالت:

«بلى يا نبي الله».

قال:

ص: 34

«عليٌّ أول من آمن بالله عزّ وجل ورسوله من هذه الأمة، هو وخديجة أمك، وأول من وازرني على ما جئت، يا فاطمة، إن عليا أخي وصفيي، وأبو ولدي، إن عليا أعطي خصالاً من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده، فأحسني عزاك، واعلمي أن أباك لاحق بالله عزّ وجل».

قالت:

«يا أبتاه فرحتني وأحزنتني!».

قال:

«كذلك يا بنية أمور الدنيا، يشوب سرورها حزنها، وصفوها كدرها، أفلا أزيدك يا بنية؟».

قالت:

«بلى يا رسول الله».

قال:

«إن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم قسمين، فجعلني وعليا في خيرهما قسما، وذلك قوله عزّ وجل:

(وَ أَصْحٰابُ اَلْيَمِينِ مٰا أَصْحٰابُ اَلْيَمِينِ)(1).

ثم جعل القسمين قبائل، فجعلنا في خيرها قبيلة، وذلك قوله عزّ وجل:

(وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ (...(2).

ص: 35


1- سورة الواقعة، الآية: 27.
2- سورة الحجرات، الآية: 13.

ثم جعل القبائل بيوتا، فجعلنا في خيرها بيتا في قوله سبحانه:

(إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(1).

ثم إن الله تعالى اختارني من أهل بيتي، واختار علياً والحسن والحسين واختارك، فأنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، وأنت سيدة النساء، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ومن ذريتكما المهدي، يملأ الله عزّ وجل به الأرض عدلاً كما ملئت من قبله جورا»)(2).

وهذا الحديث يكشف عن جملة من الأمور، وهي كالآتي:

1 - إن هذا الحديث يكشف عن أن دخول فاطمة صلوات الله عليها كان متكرراً وفي كل دخول كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحفها ويسلي همومها بمزيد من البيان لما أخص الله به أهل البيت من الشرف والمنزلة والكرامة.

2 - إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما طلب من سلمان الجلوس وعدم الخروج كي يكون شاهداً على ما سيسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في محضر أصحابه وأهل بيته لأنه - بأبي وأمي - قد أخبره الوحي بما تؤول إليه الأمة من الانقلاب بعد وفاته؛ ولذا قال لسلمان:

«أجلس يا سلمان، فسيشهدك الله عزّ وجل أمراً، إنه لمن خير الأمور».

3 - هنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل فاطمة عن بكائها فتخبره، أن

ص: 36


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.
2- الأمالي للطوسي: ص 606-608؛ تفسير فرات الكوفي: ص 464-465.

السبب: لما ترى في النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الضعف في حين كان السبب في الرواية السابقة: أنها تخشى الضيعة وأولادها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولما سيجري عليها من المصائب والمحن.

4 - حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إزالة هموم فاطمة وإدخال السرور على قلبها، وهذا يكشف عن عمق حبه لها وتعلقه بها، ولا يخفى أن حبه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن نابعاً عن الغريزة الأبوية فقط وإنما هو لعلمه ما لفاطمة من الدرجة والمنزلة الرفيعة عند الله تعالى فهي:

«من يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها».

5 - إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا اللقاء وفي بقية اللقاءات التي جمعته بفاطمة في أيام مرضه كان يخبرها بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنه من ولدها، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهذا بيان لها بأنه سيأخذ لها حقها وحق بعلها وأبنائها ممن ظلمها وسن ظلمها.

4 - روى الشيخ المفيد وابن حجر وغيره عن زينب بنت أبي رافع، قالت:

(أتت فاطمة بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شكواه الذي توفي فيه فقالت:

«هذان ابناك فورثهما شيئا».

فقال:

«أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فإن له جودي وشجاعتي»)(1).

ص: 37


1- الإرشاد للمفيد: ج 2، ص 7؛ الخصال للصدوق: ص 77؛ الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 158؛ الآحاد والمثاني للضحاك: ج 1، ص 299؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 185؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16، ص 10؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 13، ص 230.

والحديث يكشف عن أن فاطمة عليها السلام إنما أرادت بجلبها الحسن والحسين عليهما السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه لتطلب منه أن يورثهما إنما كان لحكمة خاصة، وهي:

ألف: أرادت أن تبيّن للذين كانوا حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذين هما الوريثان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو أبوهما وإن كانا من صلب علي بن أبي طالب عليه السلام ولذا:

قالت عليها السلام:

«هذان ابناك فورثهما».

والابن لا يرث إلا من أبيه.

2 - إجابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقولها فورثهما تأكيداً وتشريعاً أنهما ابناه ولهما حق الإرث.

3 - نوعية الإرث لهما فيه خصوصية خاصة وهو محصور في الأنبياء بمعنى: لا يورث الأب أبناءه الكمالات الأخلاقية المحدودة بإرادته.

بمعنى آخر: إن للعامل الوراثي الطبيعي مدخلية في نقل الصفات الوراثية من الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد ولكن لا يكون للإنسان مدخلية في تحديد هذه الصفات أو الجينات الوراثية وإنما يكون الأمر خاضعاً لإرادة الله تعالى ولما أودعه من سننه سبحانه في الأشياء على هذه الأرض وفي خلقه أجمعين.

ص: 38

أما أن يحدد النبي لكل منهما نوعين من هذه الكمالات الخاصة به صلى الله عليه وآله وسلم فهذا خاص به وبولديه الحسن والحسين عليهما السلام وهذا أعظم أثراً من الدينار والدرهم والعقار الذي يورثه الآباء للأبناء.

وذلك: أن النبي أراد بيان حقهما في الإرث لكونهما ولديه من جهة؛ ومن جهة أخرى إنما ورثة النبوة والرسالة بما أراده الله تعالى فسبحان من يعلم أين يضع رسالته.

ثالثا: فاطمة عليها السلام تطلب من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينقل إلى حجرته كي تقوم بتمريضه هي وعلي عليهما السلام

تناولنا فيما مضى أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بدأ به المرض في يوم الأربعاء ليستمر معه إلى عشرة أيام وفي هذا اليوم، أي الجمعة بعد أن ألقى خطبته في المسجد وقد خرج متكئاً على علي بن أبي طالب عليه السلام والفضل بن العباس، دخل على أم سلمة فلبث عندها يوماً أو يومين.

وهنا: تفيد الروايات بأن عائشة جاءت إليه فسألته أن ينتقل إلى بيتها لتتولى تعليله فأذن لها فانتقل إلى البيت الذي تسكنه عائشة واستمر المرض به أياماً وثقل من المرض بأبي وأمي(1).

وفي هذه الأيام وقبل وفاته تم لده صلى الله عليه وآله وسلم كما صرح بذلك البخاري ومسلم وغيرهما ونحن نعتقد أنها محاولة لقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل إن عملية اللد هي مما عجل بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم كما أثبتنا

ص: 39


1- الإرشاد للمفيد: ج 1، ص 182.

ذلك في موضعه(1).

وأثبتنا أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقل إلى حجرته كي تمرضه فاطمة وعلي عليهما السلام، وقد روى ابن سعد قائلاً: (لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي توفي فيه طافت فاطمة على نسائه تقول:

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشق عليه أن يطوف عليكن»)(2).

فكان فاطمة وعلي عليهما السلام يقومان بتمريضه، وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد المعتزلي عن سلمان الفارسي، إنه قال: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صبيحة يوم قبل اليوم الذي توفي فيه، فقال لي:

«يا سلمان ألا تسأل عما كابدته الليلة من الألم والسهر أنا وعلي عليه السلام».

فقلت: يا رسول الله ألا أسهر الليلة معك بدله؟ فقال:

«لا، هو أحقّ بذلك منك»)(3).

والحديث يدل على أن أمر تعليل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتمريضه والسهر معه كان موكلاً إلى علي عليه السلام وفاطمة صلوات الله وسلامه عليها وليس إلى أزواجه لاسيما فيما يروى من أنه كان في أيام مرضه في حجرة عائشة، وهو خلاف الواقع، وذلك:

ص: 40


1- للمزيد، ينظر: كتابنا الموسوم (وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه).
2- الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 168، ط دار صادر؛ امتاع الأسماع للمقريزي: ج 2، ص 130.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 10، ص 266.

1 - تجنباً لوقوع الغيرة بينهن لاسيما بما عرفت به عائشة من كثرة غيرتها من خديجة عليها السلام.

2 - إن فاطمة وعليّاً هما أحق بتمريض النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلمان الفارسي.

3 - منعاً لوقوع التنازع والتخاصم فيما بين أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذويهن من التفاخر في تمريض النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الأيام الأخيرة له في الحياة.

4 - إن المرء يحتاج إلى أبنائه وإخوانه في أيام مرضه أكثر مما يحتاج إلى أزواجه لاسيما إذا كان عددهن تسع نساء، نعم لو كانت واحدة وهي تتصف بصفات حسن التبعل لاحتاج الزوج إلى وجودها، بل إنها لحسن تبعلها تلازمه.

5 - إن فاطمة مع ما لها من الخصوصية عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحب العميق فهي واحدته التي ليس لديه غيرها فضلاً عن أنها ابنة خديجة عليها السلام التي لم يتزوج عليها حتى ماتت إجلالاً لقدرها، ومن بعد خديجة كل ذلك يدفع إلى الاعتقاد بأن عائشة لم تمرضه، بل هي فاطمة وعلي عليهما السلام.

إذن:

كان فاطمة وعلي عليهما السلام هما من كانا يمرضان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أيامه الأخيرة.

ص: 41

المسألة الثانية: تخلف الصحابة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الالتحاق بسرية أسامة وقول عمر بن الخطاب: إنه ليهجر

إن الأحداث التي وقعت في اليوم ما قبل الأخير كانت أحداث سريعة فقد ثقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم واشتد به المرض (فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغمور بالمرض فنادى الصلاة رحمكم الله، فقال:

«يصلي بالناس بعضهم».

فقالت عائشة: مروا أبا بكر ليصلي بالناس وقالت حفصة: مروا عمر، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أكففن فإنكن صويحبات يوسف».

ثم قام وهو لا يستقل على الأرض من الضعف وقد كان عنده أنهما خرجا إلى أسامة فأخذ بيد علي بن أبي طالب والفضل بن عباس - وهو الخروج الثاني له والأخير مع علي بن أبي طالب والفضل بن العباس - فاعتمدهما ورجلاه تخطان الأرض من الضعف فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فأومأ إليه بيده فتأخر أبو بكر وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكبر وابتدأ بالصلاة فلما سلم وانصرف إلى منزله استدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد، ثم قال:

«ألم آمركم أن تنفذوا جيش أسامة».

فقال أبو بكر: إني كنت خرجت ثم عدت لأحدث بك عهداً، وقال عمر:

ص: 42

إني لم أخرج لأنني لم أحب أن اسأل عنك الركب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«نفذوا جيش أسامة»(1).

يكررها ثلاث مرات.

وكان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد أخرج جل الصحابة من المهاجرين والأنصار وأمرهم بالالتحاق بجيش أسامة وشدد عليهم القول حتى قال:

«لعن الله من تخلف عن جيش أسامة»(2).

وكان ممن أمرهم بالخروج والالتحاق (أبو بكر وعمر بن الخطاب وغيرهما).

بل: ورد عن ابن سعد في الطبقات: (فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم وابن حريش)(3).

ولذا: نجده صلى الله عليه وآله وسلم قد تعجب من مخالفتهم الصريحة وتجرئهم على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فبدأوا يعتذرون

ص: 43


1- الإرشاد للمفيد: ج 1، ص 184.
2- الفوائد الطوسية للحر العاملي: ص 265؛ وصول الأخيار إلى أصول الأخبار، والد البهائي العاملي: ص 68؛ بحار الأنوار: ج 30، ص 432.
3- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2، ص 190؛ فتح الباري: ج 8، ص 116؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 2، ص 714.

عن الخروج والتخلف وعدم الالتحاق بتلك الأعذار التي مرّ ذكرها.

(ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه فمكث هنيئة وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وأهل بيته ومن حضره، فأفاق، فقال:

«ائتوني بدواة وكتف اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً».

ثم أغمي عليه فقام بعض من حضر من أصحابه ليلتمس دواة وكتفا فقال له عمر: (ارجع فإنه يهجر)(1).

فلما أفاق قال بعضهم: ألا نأتيك يا رسول الله بكتف ودواة؟

فقال:

«أبعد الذي قلتم، لا، ولكن (أحفظوني في أهل بيتي واستوصوا بأهل الذمة خيراً وأطعموا المساكين والصلاة وما ملكت أيمانكم)».

فلم يزل يردد ذلك حتى أعرض عن القوم بوجهه فنهضوا وبقي عنده العباس والفضل وعلي وأهل بيته خاصة)(2).

(ويروي سليم بن قيس الهلالي، قال سمعت سلمان يقول: سمعت علياً عليه السلام يقول بعد ما قال ذلك الرجل ما قال وغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفع الكتف ألا نسأل رسول الله عن الذي كان أراد أن يكتب في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان فسكت حتى إذا قام من في البيت

ص: 44


1- الإرشاد للمفيد: ج 1، ص 184؛ صحيح البخاري: ج 4، ص 31، باب: دعاء النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم إلى الإسلام.
2- الإرشاد للمفيد: ج 1، ص 185.

وبقي علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وذهبنا نقوم أنا وصاحبي أبو ذر والمقداد، قال لنا علي عليه السلام:

«اجلسوا».

فأراد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نسمعه، فابتدأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«يا أخي، أما سمعت ما قال عدو الله أتاني جبرئيل قبل فأخبرني أنه سامري هذه الأمة وأن صاحبه عجلها، وأن الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتي من بعدي، فأمرني أن أكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك، وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه، ادع لي بصحيفة».

فأتى بها، فأملى عليه أسماء الأئمة الهداة من بعده رجلاً رجلا وعلي عليه السلام يخطه بيده، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني أشهدكم أن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي علي بن أبي طالب، ثم الحسن ثم الحسين ثم من بعدهم تسعة من ولد الحسين».

ثم لم أحفظ منهم غير رجلين علي ومحمد، ثم اشتبه الآخرون في أسماء الأئمة عليهم السلام، غير أني سمعت صفة المهدي وعدله وعمله وأن الله يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجورا، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني أردت أن أكتب هذا ثم أخرج به إلى المسجد ثم أدعو العامة فأقرأه عليهم وأشهدهم عليه، فأبى الله وقضى ما أراد».

ثم قال سليم: فلقيت أبا ذر والمقداد في إمارة عثمان فحدثاني، ثم لقيت

ص: 45

علياً عليه السلام بالكوفة والحسن والحسين عليهما السلام فحدثاني به سراً ما زادوا ولا نقصوا كأنما ينطقون بلسان واحد)(1).

ولما خرجوا من عنده صلى الله عليه وآله وسلم بقي عنده العباس بن عبد المطلب وولده الفضل بن العباس، والإمام علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؛ فقال العباس:

يا رسول الله إن يكن هذا الأمر فينا مستقراً من بعدك فبشرنا وإن كنت تعلم أنا نغلب عليه فأوص بنا.

فقال:

«أنتم المستضعفون من بعدي».

وصمت، ونهض القوم، وهم يبكون خرجوا من عنده، قال:

«ردوا عليّ أخي علي بن أبي طالب وعمّي».

فحضرا فلما استقر بهما المجلس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«يا عباس، يا عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقبل وصيتي وتنجز عدتي وتقضي ديني؟».

فقال العباس يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمك شيخ كبير ذو عيال كثير وأنت تباري الريح سخاء وكرما وعليك وعد لا ينهض به عمك، فأقبل على علي فقال:

«نعم يا رسول الله صلى الله عليك وآلك».

ص: 46


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 877.

فقال:

«أدن مني».

فدنا منه فضمه ونزع خاتمه من يده فقال له:

«خذه فضعه في يدك».

ودعا بسيفه ودرعه، ويروى أن جبرئيل نزل بها من السماء فجيء بها إليه فدفعها إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال له:

«أقبض هذا في حياتي».

ودفع إليه بغلته وسرجها وقال:

«امض على اسم الله إلى منزلك».

ودفع إليه الحيزوم، وهو فرس جبرائيل الذي نزل عليه يوم بدر وأحد يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أمير المؤمنين علي عليه السلام انتقل إلى ولده الحسن، ثم إلى سيد الشهداء الإمام الحسين عليهما السلام، فخرج يقاتل عليه في يوم عاشوراء وهو الذي عاد إلى المخيم يصهل عالياً ويقول:

(الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها)(1).

أما ما جرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك:

فقد حجب الناس عنه وثقل في مرضه صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

ص: 47


1- للمزيد: ينظر كتاب: اليحموم فرس جبرائيل في عاشوراء للمؤلف.
2- إعلام الورى: ج 1، ص 269-270.
المسألة الثالثة: احتضار النبي صلى الله عليه وآله وتفرده بأهل بيته عليهم السلام

وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في مرضه:

«رب سلم أمة محمد من النار ويسّر عليهم الحساب».

فقالت أم سلمة: يا رسول الله ما لي أراك مغموماً متغير اللون، فقال:

«نعيت إليّ نفسي هذه الساعة فسلام لك في الدنيا فلا تسمعين بعد هذا اليوم صوت محمد أبداً».

فقالت أم سلمة واحزناه، حزناً لا تدركه الندامة عليك يا محمداه؛ ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أدع لي حبيبة قلبي وقرة عيني فاطمة تجيء»(1).

(قال أبو ذر الغفاري: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي توفي فيه، فقال:

«يا أباذر ائتني بابنتي فاطمة».

قال: فقمت ودخلت عليها وقلت: يا سيدة النسوان أجيبي أباك.

قال: فلبست جلبابها، وخرجت حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انكبت عليه(2) وبكت، وهي تقول:

«نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء، يا أبتاه ألا تكلمني كلمة فإني

ص: 48


1- الأمالي للصدوق: ص 636.
2- كفاية الأثر: ص 5.

أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا، وأرى عساكر الموت تغشاك شديداً».

فقال لها:

«يا بنيتي إني مفارقك فسلام عليك مني»(1).

وبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبكائها، وضمها إليه، ثم قال:

«يا فاطمة لا تبكي فداك أبوك، فأنت أول من تلحقين بي، مظلومة، مغصوبة، وسوف تظهر بعدي حسيكة النفاق، ويسمل جلباب الدين، أنت أول من يرد عليّ الحوض».

قالت:

«يا أبت، أين ألقاك؟».

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«تلقيني عند الحوض، وأنا أسقي شيعتك ومحبيك، وأطرد أعداءك ومبغضيك».

قالت:

«يا رسول الله فإن لم ألقك عند الحوض».

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«تلقيني عند الميزان».

قالت:

«يا أبت فإن لم ألقك عند الميزان؟».

ص: 49


1- الأمالي للصدوق: ص 636.

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«تلقيني عند الصراط، وأنا أقول: يا رب سلم سلم شيعة علي، جبرائيل عن يميني وميكائيل عن يساري والملائكة من خلفي ينادون: رب سلّم أمة محمد من النار ويسر عليهم الحساب».

فقالت فاطمة عليها السلام:

«فأين والدتي خديجة».

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«في قصر له أربعة آلاف باب إلى الجنة»)(1).

قال أبو ذر: فسكن قلبها، ثم التفت إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

«يا أبا ذر إنها بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ألا إنها سيدة نساء العالمين، وبعلها سيد الوصيين، وابنيها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وإنهما إمامان قاما أو قعداً، وأبوهما خير منهما وسوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة، قوامون بالقسط، ومنا مهدي هذه الأمة».

قال: قلت: يا رسول الله، فكم الأئمة بعدك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«عدد نقباء بني إسرائيل»(2).

ص: 50


1- المصدر السابق.
2- كفاية الأثير: ص 5؛ البحار للمجلسي: ج 36، ص 288.

وروي عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام أنه قال:

«قلت لأبي عليه السلام فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال عليه السلام: ثم دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقال لمن في بيته أخرجوا عني.

وقال لأم سلمة: كوني على الباب، فلا يقربه أحد، ففعلت.

ثم قال: يا علي! ادن مني، فدنا منه، فأخذ بيد فاطمة عليها السلام، فوضعها على صدره طويلا، وأخذ بيد علي عليه السلام بيده الأخرى، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام غلبته عبرته فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة عليها السلام بكاء شديدا وبكى علي، والحسن، والحسين، لبكاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! قد قطعت قلبي، وأحرقت كبدي، لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين، ويا أمين ربه! ورسوله! ويا حبيبه! ونبيّه! من لولدي بعدك؟ ولذل ينزل بي بعدك، من لعلي أخيك، وناصر الدين؟ من لوحي الله وأمره؟ ثم بكت وأكبت على وجهه فقبلته، وأكب عليه علي، والحسن والحسين صلوات الله عليهم.

فرفع رأسه صلى الله عليه وآله وسلم إليهم، ويدها في يده، فوضعها في يد علي عليه السلام وقال له: يا أبا الحسن! هذه وديعة الله، ووديعة رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندك، فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعله، يا علي! هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين، هذه والله مريم الكبرى، أما والله ما

ص: 51

بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته، يا علي! انفذ لما أمرتك به فاطمة عليها السلام، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل عليه السلام، واعلم يا علي! إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة عليها السلام، وكذلك ربي وملائكته.

يا علي! ويل لمن ظلمها، وويل لمن ابتزها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى خليلها، وويل لمن شاقها وبارزها، اللهم! إني منهم بريء، وهم مني برآء، ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وضم فاطمة إليه، وعليا، والحسن، والحسين عليهم السلام.

وقال: اللهم إني لهم ولمن شايعهم سلم، وزعيم: بأنهم يدخلون الجنة، وعدو وحرب لمن عاداهم وظلمهم وتقدمهم أو تأخر عنهم وعن شيعتهم، زعيم: بأنهم يدخلون النار، ثم والله يا فاطمة! لا أرضى حتى ترضي ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي، ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي....»(1).

(ثم خرج علي والحسن والحسين عليهم السلام وخلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بابنته فاطمة وأغلق الباب، فلما خرج علي والحسنان عليهم السلام - استقبلت عائشة الإمام عليّاً عليه السلام فقالت له:

لأمر أخرجك وخلا بابنته دونك؟ فقال عليه السلام:

«عرفت الذي خلا بها له، وهو بعض الذي كنت فيه وأبوك وصاحباه».

فوجمت أن ترد عليه كلمة؛ فما لبث أن نادته فاطمة فدخل والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يبكي ويقول:

ص: 52


1- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام: ص 419-420، ح 5/365.

«بكائي وغمي عليك وعلى هذه أن تضيع بعدي فقد أجمع القوم على ظلمكم»)(1).

(ثم دعا بعلي عليه السلام فساره طويلاً، ثم قال:

«يا علي أنت وصيي ووارثي فقد أعطاك الله علمي وفهمي فإذا مت ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغضب على حقد، فبكت فاطمة وبكى الحسن والحسين عليهم السلام»)(2).

(ثم أذن لنسائه فدخلن عليه فقال لابنته:

«أدني مني يا فاطمة».

فأكبت عليه، فناجاها، فرفعت رأسها، وعيناها تهملان دموعاً، فقال لها:

«أدني مني».

فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك، فتعجبنا، لما رأينا فسألناها فأخبرتنا:

«أنه نعى إلينا نفسه فبكيت».

فقال:

«يا بنية لا تجزعي فإني سألت ربي أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقاً بي، فأخبرني أنه قد استجاب لي، فضحكت»)(3).

ص: 53


1- الصراط المستقيم لابن طاووس: ج 2، ص 92-93.
2- كفاية الأثر: ص 124؛ وانظر في أن عليّاً كان أقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 149، برقم 4671.
3- بحار الأنوار: ج 22، ص 532.

(ثم قال لها:

«يا بنية أنت المظلومة بعدي، وأنت المستضعفة، فمن آذاك فقد آذاني، ومن غاظك فقد غاظني، ومن جفاك فقد جفاني، ومن قطعك فقد قطعني، ومن ظلمك فقد ظلمني، ومن سرك فقد سرني، ومن وصلك فقد وصلني، لأنك مني وأنا منك، وأنت بضعة مني، وروحي التي بين جنبي، إلى الله أشكو ظالميك من أمتي، وكأني بك يا بنية تستغيثين، فلا يغيثك أحد من أمتي».

فبكت فاطمة.

فقال لها:

«لا تبكي يا بنية».

قالت:

«لست أبكي لما يصنع بي، ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله».

فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم:

«ابشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي، فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي»)(1).

(ثم التفت إلى علي عليه السلام فقال:

«يا علي لا يلي غسلي وتكفيني غيرك».

فقال علي عليه السلام:

«يا رسول الله من يناولني الماء؟».

ص: 54


1- كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 120؛ الأمالي للطوسي: ص 188؛ البحار: ج 43، ص 156.

فقال:

«إن جبرائيل معك والفضل يناولك الماء وليغط عينيه فإنه لا يرى أحد عورتي إلا انفقأت عيناه»)(1).

فرفع رأسه صلى الله عليه وآله وسلم وقال:

«لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة»(2).

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة:

«إذا أنامت فلا تخمشي عليّ وجها ولا ترخي عليّ شعراً ولاتنادي بالويل ولا تقيمي عليّ نائحة»(3).

المسألة الرابعة: استئذان ملك الموت في قبض روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستقبال فاطمة عليها السلام له

وتفيد الروايات بأن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن خلا بأهل بيته وأوصاهم بوصاياه أغمي عليه من شدة الجهد، أي: أخذ لا يكلمهم بأية كلمة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام لا يفقده المرض أو الجهد القدرة على الوعي، بمعنى أن المعصوم عليه السلام لا يفقد الوعي سواء بالنوم أو الإغماء وذلك لاتصاله بالفيض الأقدس ولتكليفه الشرعي في التوسط بين الخلق والخالق جل شأنه.

ص: 55


1- كفاية الأثر: ص 126.
2- صحيح ابن حبان: ج 14، ص 592، برقم 6622؛ مستدرك الحاكم: ج 1، ص 537، برقم 1408.
3- مستدرك الوسائل: ص 451.

ولذا: يقول صلى الله عليه وآله وسلم:

«تنام عيني ولا ينام بصري»(1).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إني لست كأحدكم إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني»(2).

ومن هنا: فالمراد من معنى الإغماء هو عدم التكلم، ومما يدل عليه:

مجيء ملك الموت لقبض روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جاء مستأذناً وأخذ يدق الباب قبل الدخول، ونحن نعلم من الناحية الطبية أن المغمى عليه لا يفيق بواسطة الحديث معه وإنما حسبما تقتضيه التأثيرات الدماغية على المغمى عليه.

وهنا: نلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمع كلام ملك الموت الذي جاء بعنوان غريب يدق الباب ويستأذن في الدخول على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تحدثنا الرواية بسماع حوار فاطمة معه، ولو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حالة الإغماء لما علم بما يجري من حوله.

إذن: هو التوقف عن الكلام وذلك لانشغاله بالتجليات والتشريفات الملكوتية في هذا الانشغال الذي تشهده الملائكة لأشرف ما خلق الله تعالى وخير خلقه وأعبدهم.

ص: 56


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 124. صحيح البخاري، باب: علامات النبوة: ج 4، ص 168.
2- من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 172. مسند احمد: ج 2، ص 253. المصنف لابن ابي شيبه: ج 2، ص 495.

فلابد أن تكون هناك تشريفات ملكوتية وقدسية تشهدها الملائكة وأرواح الأنبياء والمرسلين لعروج روح حبيب رب العالمين وانتقالها إلى البرزخ.

ولا شك أن ذلك المقام له من المقال ما يوازي شأنيته وشرافته ومنزلته عند الله تعالى؛ ونحن قد مرّ علينا بيان بعض التشريفات الملكوتية الخاصة بفاطمة صلوات الله عليها في يوم القيامة وما ذاك إلاّ لبيان قدرها ومنزلتها وجاهها عند الله تعالى.

وإذا كان عيسى بن مريم يسلم الله عليه في المواضع البرزخية الثلاثة وتشهد الملائكة هذا السلام وترده عليه فكيف بسيد الخلق أجمعين وقد صلى عليه رب العرش العظيم فقال سبحانه:

(إِنَّ اَللّٰهَ وَ مَلاٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً)(1).

والفارق لا يمكن أن يقاس بين أن يسلم على نفسه المرء وبين أن يصلي عليه رب العرش العظيم فقال سبحانه عن لسان نبيه عيسى عليه السلام:

(وَ سَلاٰمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)(2).

وقوله:

(وَ اَلسَّلاٰمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)(3).

ص: 57


1- سورة الأحزاب، الآية: 56.
2- سورة مريم، الآية: 15.
3- سورة مريم، الآية: 33.

في حين كانت الصلاة والسلام من الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطلقة منذ أن خلقه الله تعالى وإلى أبد الآبدين، فكيف لا تكون هذه الصلاة الإلهية والسلام الرباني في تلك المواضع البرزخية الثلاثة: (من الرحم إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى الآخرة، ومن القبر إلى القيامة، أي الولادة، والموت، والبعث)، فيسلم على عيسى بن مريم فيها ويستثني النبي الأعظم منها؟!

إذن:

النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن في غيبوبة وفاقداً للوعي وإنما هي تجليات الفيض الأقدس، وتهيئة الملائكة وانشغالها واستعدادها لاستقبال أعظم شيء عند الله تعالى وأكبرهم حظوة وأكثرهم شأناً فصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وجميع عباده الصالحين على محمد وعلى آله الطاهرين.

الذي خصّه الله بما لم يخص به أحداً من العالمين، فها هو ملك الموت يستأذن في الدخول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقبض روحه.

فقد روى ابن شهر آشوب عن ابن عباس أنه قال:

(أغمي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه فدق بابه فقالت فاطمة عليها السلام:

«من ذا؟».

قال: أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول الله، أتأذنون لي في الدخول عليه؟ فأجابت:

«امض رحمك الله لحاجتك فرسول الله عنك مشغول».

ص: 58

فمضى ثم رجع فدق الباب وقال: غريب يستأذن على رسول الله، أتأذنون للغرباء؟ فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غشيته فقال:

«يا فاطمة أتدرين من هذا؟».

قالت:

«لا يا رسول الله».

قال:

«هذا مفرق الجماعات، ومنغص اللذات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله على أحد قبلي، ولا يستأذن لأحد من بعدي، استأذن عليّ لكرامتي على الله، ائذني له».

فقالت:

«أدخل رحمك الله».

فدخل كريح هفهافة، وقال: السلام على أهل بيت رسول الله.

فأوصى النبي إلى علي بالصبر عن الدنيا وبحفظ فاطمة وبجمع القرآن وبقضاء دينه وبغسله وأن يعمل حول قبره حائطاً ويحفظ الحسن والحسين)(1).

ثم (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«إن ملك الموت خيرني فاستنظرته إلى نزول جبرائيل عليه السلام».

فتجلى ابنته فاطمة الغشي، فقال لها:

ص: 59


1- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 336.

«يا ابنتي احفظي عليك، فإنك وبعلك وابنيك معي في الجنة»(1).

وروي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام:

«لما حضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل يغمى عليه، فقالت فاطمة عليها السلام: وا كرباه لكربك يا أبتاه، ففتح عينيه، وقال: لا كرب على أبيك بعد اليوم»(2).

وروي أنه قال:

«قد حضر من أبيك، ما الله تبارك وتعالى بتارك أحداً».

وفي لفظ:

«ما ليس بناج منه أحد، الموافاة يوم القيامة»(3).

وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

«إنه قال لفاطمة عليها السلام: لا كرب على ابيك بعد اليوم يا فاطمة إن النبي لا يشق عليه الجيب، ولا يخمش عليه الوجه، ولا يدعى عليه بالويل، ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب وأنا بك يا إبراهيم لمحزون»(4).

وروى ابن سعد: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

ص: 60


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 134؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 38؛ إمتاع الأسماء للمقريزي: ج 14، ص 504.
2- البحار للمجلسي: ج 22، ص 531.
3- مسند فاطمة للسيوطي: ص 29.
4- تفسير فرات الكوفي: ص 220؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 22، ص 458.

«ادعوا لي أخي».

فأتيته، فقال:

«أدن مني».

فدنوت منه، فاستند إليّ فلم يزل مستنداً، وأنه ليكلمني حتى إن بعض ريقه ليصيبني، ثم نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

وعن علي عليه السلام، أنه قال:

«لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت فاطمة تقول: وا أبتاه من ربه ما أدناه، وا أبتاه جنان الخلد مأواه، وا أبتاه ربه يكرمه إذا أدناه، الرب والرسل يسلم عليه حين يلقاه»(2).

وعن أنس أنه قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت فاطمة:

«يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبرائيل ننعاه»(3).

ص: 61


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: القسم الثاني من الجزء الثاني، باب: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في حجر علي؛ كنز العمال: برقم 1107.
2- مسند فاطمة للسيوطي: ص 29.
3- صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ المعجم الصغير للطبراني: ج 1، ص 232، برقم 1082؛ مسند الطيالسي: ج 1، ص 197، برقم 1374؛ مسند الموصلي: ج 5، ص 156، برقم 2769؛ سنن الدارمي: ج 1، ص 54، برقم 87؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 4، ص 71، برقم 6954؛ كتاب الزهد لابن أبي عاصم: ص 16؛ البيان والتعريف للحسيني: ج 2، ص 177، ط دار الكتاب؛ فيض القدير: ج 5، ص 70؛ صحيح ابن حبان: ج 14،
المسألة الخامسة: رثاؤها لأبيها صلى الله عليه وآله وسلم وحزنها عليه
اشارة

تشير الروايات إلى أن فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أظهرت من الأحزان عليه ما يدفع بالباحث والقارئ إلى الوقوف طويلاً عند هذا الحزن الفاطمي ليتأسى بهذه السنة في إظهار تلك الطريقة والأسلوب في التعامل مع المصائب العظيمة التي تصيب المسلم في أقدس مقدساته، وهم: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام.

1 - روى الكليني عن الصادق عليه السلام، أنه قال:

«عاشت فاطمة عليها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الإثنين والخميس فتقول:

ها هنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وها هنا كان المشركون»(1).

2 - وروى أيضا عن الصادق عليه السلام أنه قال:

«إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان يأتيها جبرائيل عليه السلام

ص: 62


1- الكافي للكليني: ج 4، ص 561؛ وسائل الشيعة: ج 14، ص 356.

فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي عليه السلام يكتب ذلك»(1).

أولاً: تعزية جبرائيل والخضر عليهما السلام لآل البيت عليهم السلام بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

1 - إن أول من رثى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونعاه جبرائيل عليه السلام، (فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءهم جبرائيل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مسجى، وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال:

السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة:

(كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ اَلْمَوْتِ وَ إِنَّمٰا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ اَلنّٰارِ وَ أُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ فَقَدْ فٰازَ وَ مَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ مَتٰاعُ اَلْغُرُورِ)(2).

إن في الله عزاء كل مصيبة، ودركار من كل ما فات، وخلفا من كل هالك، وبالله فثقوا, وإياه فارجوا إنما المصاب من حرم الثواب، هذا آخر وطيي من الدنيا».

قال:

«قالوا: فسمعنا صوتا فلم نر شخصا»)(3).

ص: 63


1- الكافي: ج 1، ص 458.
2- سورة آل عمران، الآية: 185.
3- تفسير العياشي: ج 1، ص 209.

2 - وفي لفظ مقارب رواه الشيخ الكليني، عن الإمام الباقر عليه السلام يروي مجيء الخضر عليه السلام يعزي أهل البيت عليهم السلام بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعن أبي جعفر عليه السلام قال:

«لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاهم آت فوقف بباب البيت فسلم عليهم ثم قال: السلام عليكم يا آل محمد:

(كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ اَلْمَوْتِ وَ إِنَّمٰا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ اَلنّٰارِ وَ أُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ فَقَدْ فٰازَ وَ مَا اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا إِلاّٰ مَتٰاعُ اَلْغُرُورِ).

في الله عزّ وجل خلف من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ومدرك لما فات فبالله فثقوا وعليه فتوكلوا وبنصره لكم عند المصيبة فارضوا فإنما المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولم يروا أحدا فقال بعض من في البيت: هذا ملك من السماء بعثه الله عزّ وجل إليكم ليعزيكم وقال بعضهم هذا الخضر عليه السلام جاءكم يعزيكم بنبيكم صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

3 - وعن زيد الشحام، (عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءت التعزية أتاهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور في الله عزّ وجل عزاء من كل

ص: 64


1- الكافي للكليني: ج 3، ص 222؛ مستدرك الوسائل: ج 2، ص 355.

مصيبة وخلف من كل هالك ودرك لما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم»(1).

ثانياً: مناداتها لعلي عليه السلام وهو يغسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم

وبادر الإمام علي عليه السلام إلى تنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام بتغسيله هو والفضل بن العباس الذي كان يسكب له الماء، وهو معصوب العينين، ولم يجرده عن ثيابه بل غسله بهذه الثياب وجبرائيل كان يعينه والملائكة من حوله كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وبيّن لعلي عليه السلام.

وبينما هو يغسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل لما أراد أن يشرع بتغسيله صلى الله عليه وآله وسلم أصبحت فاطمة عليها السلام وهي تنادي:

«وا سوءً صباحاه».

فسمعها أبو بكر فقال لها: (إن صباحك لصباح سوء)(2).

ولا يخفى أن هذه الكلمة كانت قاسية على قلب الزهراء عليها السلام وآلمتها كثيراً فقد كشفت عن الشماتة في إصابتها بهذا المصاب كما هو متعارف بين الناس حينما يصاب أحدهم بعزيز أن يقال له بكلمات التعزية والتصبير وإبداء الحزن لما نزل به من الألم والأحزان لا أن يقال له: (إن صباحكم صباح سوء)، كما قال أبو بكر لفاطمة عليها السلام.

ص: 65


1- المصدر السابق.
2- الإرشاد للمفيد: ج 1، ص 189؛ البحار: ج 22، ص 519.
ثالثاً: فاطمة عليها السلام وقميص النبي صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

ومما يروى في بيان مقدار حزن فاطمة عليها السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما رواه ابن مردويه الاصفهاني (المتوفى سنة 410 ه -) عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال:

«غسلت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قميصه، فكانت فاطمة تقول: أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها، فلما رأيت ذلك غيبته»(1).

والمستفاد من الحديث جملة من الأمور، وهي كالآتي:

ألف: استحباب الجزع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

لقد مرّ علينا في الفقرة أولاً من هذه المسألة: أن أول المعزين والمحزنين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عليه السلام ثم الأنبياء عليهم السلام ولاسيما نبي الله الخضر الذي كان حاضراً يشهد هذه المجريات في الأمة.

ولعل الرجوع إلى القرآن الكريم يغني الباحث أو القارئ عن التتبع في مشروعية الجزع على الأنبياء عليهم السلام كما هو حال نبي الله يعقوب وبكائه على ولده نبي الله يوسف، فقال سبحانه:

(وَ تَوَلّٰى عَنْهُمْ وَ قٰالَ يٰا أَسَفىٰ عَلىٰ يُوسُفَ وَ اِبْيَضَّتْ عَيْنٰاهُ مِنَ اَلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)(2).

ص: 66


1- مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لابن مردويه: ص 196؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 157؛ إحقاق الحق: ج 10، ص 436.
2- سورة يوسف، الآية: 84.

أو كحال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حزنه على ولده إبراهيم عليه السلام الذي يصف حاله الإمام الصادق عليه السلام فقال:

«فلما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هملت عين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدموع ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون»(1).

ومن ثم فليس من المستغرب أن يكون حال الزهراء عليها السلام على فقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصورة التي تتحدث عنها الرواية: من إغمائها حينما تشم قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فهذا كاشف عن مستوى إيمانها الذي كان مصداقه الخارجي هو حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار هذا الحب وتعظيمه لأنه يدل على غاية الحزن والتألم وهو المراد به الجزع الشرعي الذي يثاب عليه الإنسان وذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين».

فكيف يكون حال من أصيب في آن واحد بنفسه وماله وولده والناس أجمعين وكيف له لا يجزع من الحياة والبقاء بعد هذه الإصابة وهل له غير الله معينٌ على هذه المصيبة.

ص: 67


1- الكافي للكليني: ج 3، ص 263؛ وأورد الحديث البخاري في صحيحه في باب الجنائز: ج 2، ص 85.

إذن:

فقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني أن يفقد الإنسان نفسه وماله وولده والناس أجمعين فأي خسارة أعظم من هذه الخسارة ومن هنا: كانت فاطمة عليها السلام يغشى عليها حينما تشم قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته فوجد الإمام علي عليه السلام أن من الشفقة عليها كي لا تهلك من الحزن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقام فغيب القميص عنها.

لكنها هل هدأت واستقرت آلامها وتكشفت همومها وانجلت أحزانها، كلا.

بل لم تزل حزينة باكية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى لحقت به في دار الآخرة - كما سيمر بيانه لاحقاً -.

باء: ما المراد بقميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

تناولنا فيما مرّ سابقاً بأن الإمام عليّاً عليه السلام قد غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجرده من ثيابه وكان الفضل يسكب له الماء وعيناه معصوبتان، ومن ثم لم يقُم الإمام علي عليه السلام حينها بتجريده من قميصه في حين أن الرواية تنص على أن فاطمة عليها السلام كانت تسأل عن قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي غسّل به؟

وجوابه:

قد تناول الفقهاء في أحكام غسل الميت، أنه (ينزع القميص عن رأسه إلى موضع عورته، ويغطى به ولا يكشف عن العورة، ثم يغسل)(1).

ص: 68


1- المقنعة للشيخ الصدوق: ص 57.

على ما هو مذكور في كتب الفقهاء (ثم يكفن في قميص، يجعل القميص غير مزرور ولا مكفوف، وإزار يلف على جسده بعد القميص، ثم يلف في حبر يماني حبري.... الخ)(1).

فضلاً عن ذلك فقد روى سليم بن قيس الهلالي في تغسيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

(فأدخل يده تحت القميص فغسله، ثم خطه وكفنه، ثم نزع القميص عند تكفينه وتحنيطه)(2).

وعليه:

فالقميص الذي غسل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفعه عنه الإمام أمير المؤمنين بعد أن أكمل غسله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قام بتكفينه، ومن ثم فإن قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي غسل به هو من تراث آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا ريب أن قميص سيد الأنبياء والمرسلين وأشرف ما خلق الله تعالى هو أشرف عند الله تعالى من قميص يوسف الذي أرسله مع أخوته إلى أبيه يعقوب:

(فَلَمّٰا أَنْ جٰاءَ اَلْبَشِيرُ أَلْقٰاهُ عَلىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قٰالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اَللّٰهِ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ)(3).

ص: 69


1- المصدر السابق.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي الكوفي: ص 138؛ البحار للمجلسي: ج 28، ص 285.
3- سورة يوسف، الآية: 96.

ولا ريب أن لقميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصائص أعظم أثراً من قميص يوسف عليه السلام.

رابعاً: وقوفها على القبر النبوي الشريف وتعاهدها بزيارته

لم تستطع فاطمة الزهراء عليها السلام بعد هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك قبره دون أن تتعاهده بالزيارة والمكوث عنده تخاطبه وتشكو إليه ما بها من الآلام والأحزان وتبثّ لوعتها بفراقه حتى أصبح حالها مشهوداً من الجميع يتناقله أهل المدينة، ويرويه الرواة ويحدثون به.

ومما جاء في ذلك ما يأتي:

1 - روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال:

«لما رمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءت فاطمة عليها السلام فوقفت على قبره صلى الله عليه وآله وسلم وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعتها على عينيها، وبكت وأنشأت تقول:

ماذا على من شم تربة أحمد

أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت عليّ مصائب لو أنها

صبّت على الأيام صرن لياليا(1)

2 - روي، أن فاطمة عليها السلام رجعت بعد دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيتها واجتمعت إليها النساء فقالت فاطمة عليها السلام:

ص: 70


1- أثارة الترغيب والتشويق للخوارزمي: ص 353، ط دار الكتب؛ المغني لابن قدامة: ج 2، ص 409؛ تفسير الآلوسي: ج 14، ص 397؛ سلوة الحزين: ص 73؛ فنون الأدب للنويري: ج 5، ص 173؛ أخبار الدول للقرماني: ج 1، ص 271.

«انقطع عنا خبر السماء».

ثم قالت راثية:

أغبر آفاق البلاد وكورت

شمس النهار، وأظلم العصران

والأرض من بعد النبي خريبة

أسفا عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربه

وليبكه مصر وكل يمان

نفسي فداك ذاك لديك مايلا

ما وسدوك وسادة الورشان(1)

3 - وقالت عليها السلام:

إذا اشتد شوقي زرت قبرك باكيا

أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي

فيا ساكن الصحراء علمتني البكاء

وذكرك أنساني جميع المصائب

فإن كنت عني في التراب مغيباً

فما كنت عن قلب الحزين بغائب(2)

4 - وقالت عليها السلام:

(وقد رزئنا به محضاً خليقته

صافي الضرائب والأعراق والنسب

وكنت بدراً ونورا يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل روح القدس زائرنا

فقد فقدت فكلّ الخير محتجب

فليت قبلك كان الموتُ صادفنا

لما مضيت وحالت دونك الحجب

إنا رزئنا بما لم يرز ذو شجن

من البرية لا عجم ولا عرب

ص: 71


1- ينابيع المودة: ص 265.
2- ناسخ التواريخ: ص 87؛ البحار للمجلسي: ج 22، ص 547.

ضاقت عليّ بلاد بعد ما رحبت

وسيم سبطاك خسفا فيه لي نصب

فأنت والله خير الخلق كلهم

وأصدق الناس حيث الصدق والكذب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت

منا العيون بتهمال لها سكب)(1)

(إذا مات يوما ميت قل ذكره

وذكر أبي مذ مات والله أزيد

تذكّرت لما فرق الموت بيننا

فعزيت نفسي بالنبي محمد

فقلت لها: إن الممات سبيلنا

ومن لم يمت في يومه مات في غد(2)

5 - وروى العلامة المجلسي عن ورقة بن عبد الله، عن فضة جارية الزهراء عليها السلام إنها قالت:

(لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افتجع له الصغير والكبير، وكثر عليه البكاء، وقل العزاء وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب والغرباء والأنساب، ولم تلق إلا كل باك وباكية، ونادب ونادبة، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب، والأقرباء والأحباب، أشد حزنا وأعظم بكاء وانتحابا من مولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام، وكان حزنها يتجدد ويزيد، وبكاؤها يشتد.

فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين، كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صبرا إذ خرجت وصرخت، فكأنها من فم رسول الله صلى الله

ص: 72


1- مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 136.
2- البحار للمجلسي: ج 22، ص 523.

عليه وآله وسلم تنطق، فتبادرت النسوان، وخرجت الولائد والولدان، وضج الناس بالبكاء والنحيب وجاء الناس من كل مكان، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء وخيل إلى النسوان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قام من قبره، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم، وهي عليها السلام تنادي وتندب أباه:

«وا أبتاه، وا صفياه، وا محمداه! وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى، من للقبلة والمصلى، ومن لابنتك الوالهة الثكلى».

ثم أقبلت تعثر في أذيالها، وهي لا تبصر شيئا من عبرتها، ومن تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها، ودام نحيبها وبكاها، إلى أن أغمي عليها، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول:

«رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي، ولا رادا لدمعتي ولا معينا لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرئيل، ومحل ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية وعليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، ولا حزني عليك».

ثم نادت:

«يا أبتاه والباه».

ص: 73

ثم قالت:

إن حزني عليك حزن جديد

وفؤادي والله صب عنيد

كل يوم يزيد فيه شجوني

واكتيابي عليك ليس يبيد

جل خطبي فبان عني عزائي

فبكائي كل وقت جديد

إن قلبا عليك يألف صبراً

أو عزاء فإنه لجليد

ثم نادت:

«يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة، فقد أسود نهارها، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق، يا أبتاه من للأرامل والمساكين، ومن للأمة إلى يوم الدين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين، ولقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين فأي دمعة لفراقك لا تنهمل، وأي حزن بعدك عليك لا يتصل، وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل، وأنت ربيع الدين، ونور النبيين، فكيف للجبال لا تمور، وللبحار بعدك لا تغور، والأرض كيف لم تتزلزل.

رميت يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول.

بكتك يا أبتاه الاملاك، ووقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك.

ص: 74

يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلا عليك وأثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك، الحسن والحسين، وأخوك ووليك وحبيبك ومن ربيته صغيرا، وواخيته كبيرا، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك من كان منهم سابقا ومهاجرا وناصرا، والثكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسى لازمنا».

ثم زفرت زفرة وأنت أنة كادت روحها أن تخرج ثم قالت:

قل صبري وبان عني عزائي

بعد فقدي لخاتم الأنبياء

عين يا عين أسكبي الدمع سحا

ويك لا تبخلي بفيض الدماء

يا رسول الإله يا خيرة الله

وكهف الأيتام والضعفاء

قد بكتك الجبال والوحش جمعا

والطير والأرض بعد بكي السماء

وبكاك الجون والركن

والمشعر يا سيدي مع البطحاء

وبكاك المحراب والدرس للقرآن

في الصبح معلنا والمساء

وبكاك الإسلام إذ صار

في الناس غريبا من سائر الغرباء

لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه

علاه الظلام بعد الضياء

يا إلهي عجل وفاتي سريعا فلقد

تنغصت الحياة يا مولائي

قالت:

ثم رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها، وهي لا ترقأ دمعتها، ولا تهدأ زفرتها)(1).

ص: 75


1- بحار الأنوار للمجلسي: ج 43، ص 174-175.
خامساً: غشيتها حينما سمعت بلالاً يؤذن

ولم يقتصر إظهار حزنها عليها السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الوقوف على قبره والبكاء على فقده وإنما كانت عليها السلام تحن إلى كل ما له علاقة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كالأذان الذي أوكل إلى بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقد روى الشيخ الصدوق رحمه الله: (إنه لما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم امتنع بلال من الأذان، قال: لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وإن فاطمة عليها السلام قالت ذات يوم:

«إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأذان».

فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان، فلما قال: الله أكبر، الله أكبر، ذكرت عليها السلام أباها صلى الله عليه وآله وسلم وأيامه، فلم تتمالك من البكاء.

فلما بلغ إلى قوله: أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهقت فاطمة عليها السلام، وسقطت لوجهها وغشي عليها.

فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال! فقد فارقت ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدنيا، وظنّوا أنّها قد ماتت، فقطع أذانه لم يتمه.

فأفاقت فاطمة عليها السلام وسألته أن يتم الأذان، فلم يفعل، وقال لها: يا سيدة النسوان! إنّي أخشى عليك ما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك)(1).

ص: 76


1- من لا يحضره الفقيه، باب: الأذان: ج 1، ص 297، ح 44؛ مسند فاطمة عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 435.

المبحث الثالث: ما جرى في السقيفة وخروج الإمام علي بفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلى بيوت المهاجرين والأنصار لتذكيرهم ببيعة الغدير

اشارة

إن من المصائب العظيمة التي كانت سبباً رئيسياً في تفرق المسلمين ووقوع الفتن وسفك الدماء، وظهور البدع وتغيير سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي اجتماع الصحابة في سقيفة بني ساعدة ونبذهم لبيعة الغدير التي بايعوا فيها علي بن أبي طالب عليه السلام بأمر من الله تعالى في حجة البلاغ الذي بلغ فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخليفة والوصي له في الأمة من بعده.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«ألست أولى بكم من أنفسكم؟».

قالوا: بلى، قال:

«من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(1).

ولعل هذا الحديث هو من أشهر الأحاديث وأكثرها طرقاً وتواتراً فيما بين رواة المسلمين.

ص: 77


1- مسند احمد بن حنبل: ج 1، ص 118. فضائل الصحابة للنسائي: ص 15.

وعليه:

فمن البديهي أن تكون التبعات التي تمخضت عن جحد بيعة الغدير وانقلاب كثير من الصحابة على ما أخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم من البيعة لعلي وتراجعهم القهقرى عنها إلى بيعة السقيفة التي أحدثوها والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما زال مسجى على سريره لم يبرد بدنه بعد، أن تكون تلك التبعات والدماء والفتن في وزر من سنَّ تلك السنة ومن عمل بها إلى يوم القيامة.

من هنا:

كان لزاما على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أن يدور على بيوت المهاجرين والأنصار حاملاً معه بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولديها الحسن والحسين عليهما السلام للمطالبة بحقه وتذكيرهم بما انعقد في أعناقهم من بيعة له يوم غدير خم، فكان محله فيهم كمحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنزلته في الأمة كمنزلة هارون في أمة موسى الكليم.

ولكن: لعل من يسأل عن تلك المجريات التي وقعت في السقيفة وكيف أحدثوا البيعة فيها وبأي طريقة أخذوها من المسلمين وكيف جمعوا الناس إليها ليتضح بذلك أحد أسباب تخلف معظم الصحابة، عن الرجوع عن بيعتهم لأبي بكر واعتذارهم إلى علي عليه السلام الذي لم يدع أحداً منهم إلا وقد ذكره بغدير خم، فلم يجد إجابة منهم سوى أربعة نفرٍ أقروا بما له في أعناقهم من عهد وبيعة على الرغم مما رأوه وسمعوه في جمع الناس إلى البيعة فما الذي حصل حتى اعتذر الصحابة من علي عليه السلام فلم يجيبوه؟!

ص: 78

المسألة الأولى: كيف جرت البيعة في السقيفة وكيف جاء الناس إلى المسجد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدفن بعد؟

ما وقع في السقيفة من أحداث، دعا الكثيرين من الرواة وحفاظ الحديث إلى تناقله وتدوينه في مؤلفاتهم.

ولكن ربما اختصر البعض في نقل مجريات الحدث.. وربما رأى البعض الآخر ضرورة في نقله كاملاً.. بينما فضل القسم الآخر لزوم الصمت ظناً منه أنه يغطي على أمرٍ أبى الله إلا حفظه في صدور الناقلين.

وبين هذا وذاك ولاسيما رواة أهل البيت أصحاب المصيبة العظمى والفاجعة الكبرى حاولنا الوقوف عند تسلسل الحدث.

فضلاً عن أن أصحاب الصحاح وشيخهم البخاري قد نقلوا مجريات السقيفة وعلى لسان صاحب الصولة فيها عمر بن الخطاب.

إذن: فلنرَ ما حدث في السقيفة.

يروي البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال:

(وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه - وآله - وسلم أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما)(1).

فلما وصل الخبر إلى أبي بكر وعمر بهذا الاجتماع قال عمر: فقلت لأبي

ص: 79


1- صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت: ج 8، ص 26، ط دار الفكر، أوفسيت.

بكر انطلق بنا إلى إخواننا لننظر ما هم عليه(1).

فانطلق الاثنان وفي الطريق إلى السقيفة اصطحبا أبا عبيدة بن الجراح حتى جاءوا سقيفة بني ساعدة، وسعد بن عبادة(2) على طنّفسة(3) متكئاً على وسادة، وبه الحُمّى.

فقال له أبو بكر: ماذا ترى أبا ثابت؟

قال: أنا رجل منكم!

فقال حُباب بن المنذر(4): منا أمير ومنكم أمير، فإن عمل المهاجري في الأنصاري شيئاً ردّ عليه، وإن عمل الأنصاري في المهاجري شيئاً ردّ عليه، وإن لم تفعلوا: فانا جذيلها المحُكك وعُذَيقها المُرجّب(5)، أنا أبو شبل في عرينه الأسد، والله لأن شأتهم لنعيدنّها جَذَعة!!؟(6).

ص: 80


1- سمط النجوم العوالي: ج 2، ص 244، ط المكتبة السلفية؛ تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي: ص 67، ط مكتبة المؤيد.
2- سعد بن عبادة، هو: أبو ثابت، كان من أهل بيعة العقبة، ومن أهل بدر وغيرها من المشاهد، وكان سيد الخزرج ونقيبهم، وجواد الأنصار وزعيمهم.
3- الطنفسة: البساط من الصوف ونحوه (الزولية)؛ انظر: المصطلحات إعداد مركز المعجم الفقهي: ص 1273.
4- حباب بن المنذر، من سادة الأنصار وأبطالهم بدرياً، أحدياً، ذا مناقب عديدة.
5- قال الخلال سمعت أحمد بن يحيى النحوي قد سئل عن قوله: (أنا جذيلها المحكك)، قال: الخشبة تنصب للإبل تحك بها، و (أنا عذيقها المرجب * عذق النخلة يحوط حولها، ومراده: أنا جذيلها: أنا أشفي داءكم، وأنا عذيقها، أنا كريم؛ السنة للخلال: ج 2، ص 309، ط دار الراية.
6- العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: ج 4، ص 257، ط دار الكتاب العربي؛ مروج الذهب: ج 2، ص 312، ط دار القلم؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1، ص 5-6؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي:

قال عمر: فأردت أن أتكلم، وكنت زورت كلاماً في نفسي!؟ فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر، فما ترك كلمة كنت زوَّرتها في نفسي إلا تكلم بها!

وقال: نحن المهاجرون، أول الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً وأحسنهم وجوهاً، وأمسهم برسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم رَحِماً، وأنتم إخواننا في الإسلام، وشركاؤنا في الدين، نصرتم وواسيتم، فجزاكم الله خيراً، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء! فقد قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«الأئمة من قريش».

وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين - يعني: عمر بن الخطاب وأبا عبيدة ابن الجراح -.

فقال عمر: يكون هذا وأنت حيّ! ما كان أحد ليؤخرك عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم!(1) ثم مد يده ليبايع أبا بكر فبادره رجل من الأنصار فضرب على يد أبي بكر فبايعه قبل عمر فكان أول من بايع(2)، ثم ضرب عمر على يده فبايعه(3).

ص: 81


1- أراد بذلك المقام: هو الصلاة التي صلاها أبو بكر بالمسلمين في صبيحة يوم الاثنين، وهو اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وفيه كان خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتعطيل هذه الصلاة كما سيمر علينا بيانه مشفوعاً بالأدلة والمصادر.
2- مصنف ابن أبي شيبة: ج 7، ص 432، برقم 3743.
3- العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 4، ص 257، ط دار الكتاب العربي.

فلما رأى سعد بن عبادة ذلك أراد أن يكسب الجولة لصالحه بطلب البيعة لنفسه، ظناً منه أن الأنصار ستبايعه وهم الذين جاءوا إلى منزله من أجل هذا الغرض (فقام فبايع، فقال له أبو بكر: لئن اجتمع إليك مثلها رجلان لقتلناك)(1)

فكان هذا التهديد بالقتل لسعد بن عبادة وهو: (سيد الأنصار) ونقيب الأوس والخزرج وهو في منزله وأمام قومه كفيل بانقلاب الأمر؟!!

(فتخلى الأوس عن معاضدة سعد بن عبادة خوفاً أن يفوز بها الخزرج)(2).

فهبوا كرجل واحد (وازدحموا على أبي بكر، فقالت الأنصار:

قتلتم سعداً.

فقال عمر:

اقتلوه، قتله الله، فإنه صاحب فتنة)(3).

ف -: (بويع لأبي بكر في اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وهو يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول)(4)

وقد اقتصرت هذه البيعة على أكثر من حضر السقيفة في هذا اليوم.

ص: 82


1- المنتظم لابن الجوزي: ج 4، ص 68، ط دار الكتب العلمية.
2- مروج الذهب للمسعودي: ج 2، ص 312، ط دار القلم.
3- العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 4، ص 257، ط دار الكتاب العربي.
4- السيرة النبوية لابن كثير: ج 2، ص 260؛ التنبيه والأشراف للمسعودي: ص 284، ط مكتبة خياط؛ تاريخ الخلافة الراشدة: ص 12؛ تاريخ القضاعي: ص 172؛ مروج الذهب: ج 2، ص 309، ط دار القلم؛ سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 2، ص 245-246، ط السلفية.
المسألة الثانية: ماذا حدث في اليوم الثاني لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو لم يدفن بعد؟!
اشارة

بعد أن تمت البيعة لأبي بكر في يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عزم هو وعمر بن الخطاب في اليوم الثاني للوفاة - وهو يوم الثلاثاء - على أخذ البيعة العامة من الناس، وكونها عامة فهذا يتطلب أن تجرى في المسجد النبوي.

فكيف كان مجيء الناس إلى المسجد وهم قد فجعوا بوفاة رسول الله؟!. وكيف تطيب لهم نفسٌ بالقدوم للبيعة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوارَ الثرى؟! ولم يصلَّ عليه بعد؟؟! ولقد كان الناس خلال هذين اليومين إذا سمعوا بلالاً يؤذن ينتحبون عند قوله:

«أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

فما الذي حدث؟ وكيف أخذت البيعة لأبي بكر من الناس.. والناس هذه حالهم؟!

فلنرَ هذه الصورة من خلال لسان البرّاء بن عازب، وزائدة بن قدامة.

أولاً: سوق الناس الى البيعة العامة بطريقة لم تحدث في امة من الأمم

يقول البرّاء بن عازب: (فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر - في السقيفة - أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلت أتردد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول الله لغسله وتحنيطه، وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه

ص: 83


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3، ص 237، ط دار صادر بيروت.

من جملة أصحابه فلم أحفل بهم وعلمت أنه لا يؤول إلى شيء(1).

فجعلت أتردد بينهم وبين المسجد وأتفقد وجوه قريش، فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر)(2).

وصادف في هذا الوقت - والقول لزائدة بن قدامة -: (أن جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها - أي: يشتروا التمر - فشغل الناس عنهم بموت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فشهدوا البيعة وحضروا الأمر، فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم: خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه).

قال البرّاء: (ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية)(3).

يقول زائدة: (والله لقد رأيت الأعراب تخرموا واتشحوا بالأزر الصنعانية(4) وأخذوا بأيديهم الخشب، وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطاً، وجاءوا بهم مكرهين إلى البيعة).

ص: 84


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 1، ص 73، وج 2، ص 132، ط مصر؛ كتاب سليم بن قيس: ص 25، ط مؤسسة البعثة.
2- كتاب سليم بن قيس: ص 25، ط مؤسسة البعثة؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1، ص 73، و ج 2، ص 132، ط مصر.
3- سليم بن قيس: ص 25؛ شرح النهج للمعتزلي: ج 1، ص 73، و ج 2، ص 132.
4- الأزر الصنعانية: وهي التي صنعت في اليمن في مدينة صنعاء.

قال البرّاء: ف - (لا يمر بهم أحد إلا خبطوه فأنكرت عند ذلك عقلي جزعاً منه مع المصيبة برسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم)!!

فخرجت مسرعاً حتى أتيت بني هاشم والباب مغلق دونهم فضربت الباب ضرباً عنيفاً، وقلت: يا أهل البيت، فخرج إليّ الفضل بن العباس فقلت: قد بايع الناس أبا بكر(1)؟ (فسمع العباس وعلي التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم؟! فقال علي:

ما هذا؟!

قال العباس: ما رؤي مثل هذا قط؟! أما قلت لك(2) فقد تربت أيديكم منها إلى آخر الدهر، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني)(3).

إذن: هكذا يتم البرّاء بن عازب المشهد الذي رآه في يوم الثلاثاء وهو اليوم التالي لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(4)!!

وبهذه الطريقة جمع الناس للبيعة.. فإن شئت سمها إرهاباً!.. وإن شئت سمها اجتهاداً.. ولكن مما لا يختلف فيه اثنان أن هذه الطريقة قد أرعبت أهل المدينة، وأدخلت في قلوبهم الذعر والخوف)(5).

ص: 85


1- كتاب سليم بن قيس: ص 25-26، ط مؤسسة البعثة.
2- العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 4، ص 257-258، ط دار الكتاب العربي؛ عيون الأخبار لابن قتيبة: ج 2، ص 165.
3- كتاب سليم بن قيس: ص 29، ط مؤسسة البعثة.
4- سمط النجوم: ج 2 ص 245-246 ط السلفية، مروج الذهب: ج 3 ط دار القلم.
5- وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته بين إختلاف أصحابه واستملاك أزواجه للمؤلف: ص 28-34.
المسألة الثالثة: خروج الإمام علي بفاطمة وولديها عليهم السلام إلى بيوت الأنصار والمهاجرين لتذكيرهم ببيعة غدير خم

إن الناظر إلى سيرة علي عليه السلام ويقرأ تفاصيلها ثم يقارنها مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليجد تطابقاً عظيماً بينهما يوصل الباحث إلى القطع بسنخيتهما وأنهما من جنس واحد ومن منهل واحد وهو القرآن.

فهذا الخروج بفاطمة والحسن والحسين هو صورة حية ومتجددة لخروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفاطمة وولديها إلى مباهلة نصارى نجران؛ ولأن عليّاً عليه السلام هو نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تلك المباهلة، فإن هذا الخروج إلى بيوت المهاجرين والأنصار يحمل نفس الأهداف والغايات والنتائج.

1 - إذ ترتكز المباهلة مع النصارى على إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهنا ترتكز على إثبات إمامة علي عليه السلام.

2 - وهناك كانت الدعوة لإظهار صدق المدعى وهو النبوة، وهنا أيضاً لإظهار صدق دعوى علي عليه السلام.

3 - وهناك كان الخروج بإظهار الطرف الكاذب، ونزول اللعنة عليه وهنا أراد علي عليه السلام إظهار الطرف الكاذب، واستحقاقه للعن لقوله تعالى:

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللّٰهِ عَلَى اَلْكٰاذِبِينَ)(1).

ص: 86


1- سورة آل عمران، الآية: 61.

4 - وهناك دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمّن على دعائه أهل بيته، وهنا دعا علي على الظالمين في انتهاك حقه وأمّن أهل بيته على دعائه.

5 - وهناك أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إظهار شأن فاطمة وعلي وولديها، وهنا أراد الإمام علي عليه السلام إظهار شأن بضعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانتيه.

وغيرها من الأسباب والدواعي والنتائج فيما بين خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمباهلة النصارى وبين خروج علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام للدفاع عن الحكم الشرعي وحفظ الأمة من الضلال والفتن.

ولكن:

كيف كان رد هؤلاء لعلي وهم ينظرون إلى تلك الوجوه التي خرج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتي أثرت في أسقف النصارى فقال: إني أرى وجوهاً لو أنها أقسمت على الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله(1)؛ لكنها عند قلوب هؤلاء لم تؤثر فقد قست هذه القلوب فهي كالحجارة، بل أشد قسوة لنقضهم عهد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أعطوه لعلي عليه السلام في غدير خم فكان مما استحقوا بهذا النقض، أن لعنهم الله فجعل قلوبهم قاسية فهي كالحجارة أو أشد قسوة.

قال تعالى:

(فَبِمٰا نَقْضِهِمْ مِيثٰاقَهُمْ لَعَنّٰاهُمْ وَ جَعَلْنٰا قُلُوبَهُمْ قٰاسِيَةً يُحَرِّفُونَ

ص: 87


1- تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي: ج 1، ص 186. تفسير الثعلبي: ج 3، ص 85.

اَلْكَلِمَ عَنْ مَوٰاضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمّٰا ذُكِّرُوا بِهِ وَ لاٰ تَزٰالُ تَطَّلِعُ عَلىٰ خٰائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاّٰ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اِصْفَحْ إِنَّ اَللّٰهَ يُحِبُّ اَلْمُحْسِنِينَ)(1).

ويروي الطبرسي وسليم بن قيس وغيرهما هذا الخروج كالآتي:

1 - فعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال:

«فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن ففعلت ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلاّ أربعة رهط سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي فأبوا عليّ إلا السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه»(2).

2 - وروى ابن أبي الحديد عن الإمام الباقر عليه السلام جواب هؤلاء القوم إلى فاطمة عليها السلام حينما كانت تطلب منهم نصر علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال:

«إنّ عليّاً حمل فاطمة عليها السلام وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار له فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به.

ص: 88


1- سورة المائدة، ألآية: 13.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 98؛ سليم بن قيس الهلالي: ص 211؛ نهج الإيمان لابن حجر: ص 579؛ مستدرك الوسائل: ج 11، ص 74.

فقال علي: أكنت أترك رسول الله ميتاً في بيته لا أجهزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه؟

وقالت فاطمة: ما صنع أبو حسن إلاّ ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسيبهم عليه»(1).

وفي لفظ آخر قالت:

«ما الله حسيبهم وطالبهم»(2).

3 - وقد روى سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام قد ناشدهم النصرة في ثلاث ليال، فكان يأتي يدور على بيوتهم في كل ليلة فيناشدهم فيقولون: (نصبحك بكرة) فما منهم أحد أتاه إلا هؤلاء الأربعة، وهم سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود(3).

فلما رأى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسبار والرقاع فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع.

فبعث إليه علي عليه السلام:

ص: 89


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6، ص 13؛ السقيفة وفدك للجوهري: ص 64؛ البحار للمجلسي: ج 28، ص 187.
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج 1، ص 19.
3- سليم بن قيس الهلالي: ص 146.

«إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه».

فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله، فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته:

«يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وآله آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمني تأويلها».

ثم قال لهم علي عليه السلام:

«لئلا تقولوا غدا:

(إِنّٰا كُنّٰا عَنْ هٰذٰا غٰافِلِينَ)(1).

ثم قال لهم علي عليه السلام:

«لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته».

فقال عمر: ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه ثم دخل علي عليه السلام بيته)(2).

ص: 90


1- سورة الأعراف، الآية: 172.
2- سليم بن قيس الهلالي: ص 146-147.

الفصل الثاني: الحرب المفتوحة على عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

اشارة

ص: 91

ص: 92

المبحث الأول: البدء بمرحلة الحرب المفتوحة على بيت فاطمة عليها السلام

اشارة

بعد هذه الحجة التي ألقاها الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام على المهاجرين والأنصار حاملاً معه في دورانه على بيوتهم فاطمة والحسن والحسين وسؤاله النصرة له بما اغتصب من حقه الشرعي في مبايعتهم إياه في غدير خم.

وسؤال فاطمة عليها السلام لهم في ذلك فأبوا الخروج ولزموا دورهم وتخلوا عن واجبهم الشرعي والأخلاقي والاجتماعي؛ فلو كان هذا التعاهد والمبايعة مما قد جرت مع غير المسلم من العرب بما تفرضه القوانين والأعراف العشائرية من الالتزام بالعهد فكيف إذا كان الأمر أساسه الإسلام والأمر الإلهي؛ إلاّ أن هؤلاء الذين تخلفوا عن تلك البيعة وقدموا الخذلان لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينصروه سيتحملون نتائج هذا العمل في الدنيا والآخرة.

ولكن السؤال المطروح: أكان أصحاب السقيفة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر في غفلة عن هذا التحرك لآل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خروج علي ببضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانتيه إلى بيوت المهاجرين

ص: 93

والأنصار ولثلاث ليالٍ، والقرآن يصف حال أهل المدينة، فيقول سبحانه:

(وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ مُنٰافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى اَلنِّفٰاقِ لاٰ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلىٰ عَذٰابٍ عَظِيمٍ)(1).

وقال تعالى:

(لَقَدِ اِبْتَغَوُا اَلْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ اَلْأُمُورَ حَتّٰى جٰاءَ اَلْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اَللّٰهِ وَ هُمْ كٰارِهُونَ)(2).

وعليه:

فواقع الحال الذي كان عليه المسلمون يكشف عن أن هذا التحرك الذي قام به أمير المؤمنين علي عليه السلام هو واضح لدى أصحاب السقيفة فهم يعلمون به، فضلاً عن ما يفرضه الحال الذي عليه أصحاب السقيفة من زرع عيون لهم في المدينة تراقب تحركات المعارضين لانقلاب السقيفة، مما يعطي صورة لدى الباحث والقارئ مفادها:

أن هذا التحرك الذي قام به علي عليه السلام بما لديه من ثقل نبوي عند الكثيرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه وزوج بضعته وأبو ريحانتيه.

لاسيما وهو الآن يحمل معه بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيدي شباب أهل الجنة مما يدل على أنهم على مبدأ واحد وأنهم الشهود عليهم يوم

ص: 94


1- سورة التوبة، الآية: 101.
2- سورة التوبة، الآية: 48.

القيامة فقد سمعوا وشهدوا ما دار بين علي وبين الصحابة خلال ثلاث ليال ومن ثم قد يكسب علي عليه السلام الجولة حينما يجد المناصر له فيعيد الأمر إلى موضعه الصحيح ومن ثم سيخسر هؤلاء الدنيا مع علمهم ويقينهم بأنهم خسروا الآخرة.

ولذا:

فلتكن إحدى الدارين قد ذهبت ولكن فلتبقَ الأولى وهي الدنيا التي كانت أكبر همهم وهي التي كان ثمنها الآخرة فكيف يتركون عليّاً يكسب الجولة في هذه الحرب.

وعليه:

بادروا إلى تحرك سريع إتجاه رأس المعارضة لانقلاب السقيفة وصاحب الحق في الخلافة ومواجهته بحرب مفتوحة وبمختلف الوسائل، وعلى جميع الأصعدة سواء كانت نفسية أو عسكرية أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو عقائدية.

فضلاً عن:

كسر حاجز القداسة عن أهل هذا البيت ونسف حدود الحرمة التي لديه والتي أثبتها القرآن والسنة منذ أن وطئت أقدام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرض المدينة.

وبهذا يكون أقطاب السقيفة قد حققوا بهذه الحرب المفتوحة أكثر من هدف فضلاً عن تحقيقها للهدف الأسمى وهو الجلوس على كرسي الحكم ومسك زمام السلطة، وسيادة العرب التي كان يحلم بها زعماء العرب وشيوخ قبائلها فكيف الآن وقد جمعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت

ص: 95

راية واحدة وإن كانت راية دينية تختلف عما كان عليه العرب من معتقدات وديانات قبل الإسلام.

أي إن تجمعهم على دين واحد أفضل من تفرقهم على أديان متعددة ولذا اختاروا من الإسلام اسمه ومن القرآن رسمه ونهضوا بأيدلوجية جديدة؛ في مظهرها الخارجي درء الفتنة في اختيار الخليفة لأنهم تركوا بدون خليفة كما روجوا للأمر؛ وفي باطنها ملك عضوض وسلطان عقيم وإمارة ولو على حجارة(1).

إذن:

بدأت ساعة الصفر في عمر العهد الجديد فكانت الحرب المفتوحة على بيت فاطمة وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين وبتحرك سريع مقابل ذلك التحرك الذي قام أهل هذا البيت عليهم السلام فكان عقابهم واحداً، ومصيرهم واحداً، وهو القتل حرقاً.

المسألة الأولى: جمع الحطب حول بيت فاطمة عليها السلام وإضرام النار فيه لإحراق البيت بمن فيه
اشارة

ذكرنا فيما مرّ سابقاً في الجزء الثالث من الكتاب في انتقال فاطمة عليها السلام إلى المدينة وقيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببناء المسجد وبناء حجر

ص: 96


1- ذكر الخرائطي: عن عمران بن موسى يقول: يروى عن كعب الأحبار: أنه دخل على عمر بن الخطاب وهو جالس على فراشه، وتحت الفراش حصير، وعن يمينه وشماله وسادتان، فقال له عمر: اجلس يا أبا إسحاق وأشار إلى الوسادة، فنحاها كعب وجلس دونها، ثم قال: إن فيما أوصى به سليمان بن داود عليه السلام: أن لا تغش السلطان حتى يملك، ولا تقعد عنه حتى ينساك...)؛ ولا يخفى أن الذي أراده كعب الأحبار من بيان لحال عمر وسلطانه لجلي على أهل المعرفة؛ (الملتقى من كتاب مكارم الأخلاق للخرائطي: ج 2، ص 234، ح 689).

من حوله كانت إحداها لفاطمة صلوات الله عليها فجعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في داخل المسجد وجعل لبيتها باباً؛ ومن ثم فبيت فاطمة هو داخل المسجد - كما مرّ بيانه سابقاً في مبحث تحديد موقع بيت فاطمة الجغرافي -(1).

وعليه:

فبيت فاطمة وعلي صلوات الله عليهما هو في داخل المسجد، ولا يبتعد عن القبر النبوي الشريف سوى بضع سنتمترات، فضلاً عن أنه من ضمن الروضة التي بين بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين المنبر، مما يكشف عن أن هذا البيت له من الحرمة ما للمسجد، والروضة، والقبر النبوي الشريف.

فضلاً عما لأهله من الحرمة والقداسة والشأنية عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والذي لم يزل يظهرها للناس قولاً وفعلاً فقد حدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لهذا البيت من الحدود الشرعية وفرضها على الأمة من خلال كيفية التعامل مع أهل بيته منذ أن جمع تحت سقفه عليّاً وفاطمة عليهما السلام.

فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي إلى هذا البيت ويقف عند بابه في كل صباح فيقول:

«أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم»(2).

ص: 97


1- لمزيد من الاطلاع والمعرفة: أنظر كتابنا (باب فاطمة عليها السلام بين سلطة الشريعة وشريعة السلطة)، وكتابنا: (وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه).
2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 3، ص 208؛ تفسير فرات الكوفي: ص 340؛ تهذيب الأحكام

وبلفظ:

«أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم»(1).

وبلفظ:

«أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم»(2).

ومن ثم فقد رسم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تلك الحدود الشرعية لأهل هذا البيت وأظهر التكاليف التي فرضت على الأمة في التعامل مع عترته عليهم السلام.

ولذا:

فإن هؤلاء الذين أعلنوا الحرب على هذا البيت وأهله فقد أعلنوا الحرب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا من جانب، ومن جانب آخر كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر فاطمة وعليّاً وولديه الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين بما يجري عليهم من بعده ولقد ذكرنا في بداية هذا الجزء بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي أظهرت بيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الابتلاءات التي سيبتلى بها أهل بيته.

ص: 98


1- مسند أحمد: ج 2، ص 442؛ مستدرك الصحيحين: ج 3، ص 149؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي، صحيح ابن حبان: ج 15، ص 435.
2- سنن الترمذي: ج 5، ص 360؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 149؛ سنن ابن ماجة: ج 1، ص 52؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 3، ص 40؛ أحكام القرآن للجصاص: ج 1، ص 571؛ تفسير الثعلبي: ج 8، ص 312.

بل:

إن الملاحظ في تلك السيرة النبوية في هذا الخصوص: متابعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبيان هذه الأحداث وما سيلقى أهل بيته من بعده كي يهيئهم لتلقيّ البلاء، فمما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال:

1 - «إن أهل بيتي هؤلاء سيلقون من بعدي تشريداً وتطريداً....»(1).

2 - «وروى المعتزلي في شرح النهج عن أبي جعفر الإسكافي أنه قال:

(إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة عليها السلام فوجد عليا نائماً فذهبت تنبهه فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«دعيه فرب سهر له بعدي طويل، ورب جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة».

فبكت فقال:

«لا تبكي فإنكما معي وفي موقف الكرامة عندي»)(2).

إلاّ أنّ كل هذا الكم من الأحاديث والنهي والتحذير لم تكن بمانعة (أصحاب السقيفة وأشياعهم) من المضي في حرب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وتحت غطاء شرعي فقد هبوا لدرء الفتنة، ولكن هيهات فقد قال سبحانه:

(وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اِئْذَنْ لِي وَ لاٰ تَفْتِنِّي أَلاٰ فِي اَلْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكٰافِرِينَ)(3).

ص: 99


1- مسند الشاشي: ج 1، ص 409، ح 337.
2- شرح نهج البلاغة: ج 4، ص 107.
3- سورة التوبة، الآية: 49.
أولاً: كيف جرت الحادثة وما هي المرحلة الأولى من جريمة قتل فاطمة عليها السلام
اشارة

إنّ من البداهة بمكان أن يتم التعتيم على حادثة جمع الحطب حول بيت فاطمة وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين وإحراقه ومن ثم اقتحامه بشتى الطرق، وذلك أن حادثة بمثل هذا التجري على الله تعالى لا تختلف من حيث الجرم عن قتل الأنبياء عليهم السلام لاسيما والقرآن الكريم يستعرض في بيانه لتعظيم حرمة الأنبياء وحلول نقمته على الظالمين في حادثة قتل ناقة صالح وفصيلها؛ فكيف يكون غضب الله في تلك الجريمة التي هتكت فيها حرمة الله وحرمة سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم، وقتلت فيها فاطمة وابنها المحسن، فمضت إلى ربها وأبيها شهيدة(1)، وهو القائل لها:

«إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً، حتى تضربي، ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك»(2).

من هنا:

لم تأتِ الحادثة ضمن تفاصيلها الدقيقة في كتب أهل العامة من المخالفين لمدرسة عترة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وإنما وردت ضمن إشارات قليلة فيما لو قورنت مع روايات أهل البيت عليهم السلام؛ إلاّ أن هذه الإشارات على قلتها إلاّ أنها دقيقة وفيها الكفاية لثبوت هذه الجريمة في هتك حرمة الله وحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أصبحت من المسلمات في الفكر

ص: 100


1- قال الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: «إن فاطمة صديقة شهيدة»، أنظر: الكافي للكليني: ج 1، ص 458؛ عوالم العلوم: ج 11، ص 260.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي (بتحقيق الأنصاري): ج 2، ص 907.

الإسلامي وإن اختلفت في الحادثة الأقوال بين محب ومبررٍ لما فعله أبو بكر وعمر بن الخطاب ومن تشيع لهما، وبين متبرّئ منهم ومما فعلوا.

ولكن: بين هذه الأقوال سنورد تلك النصوص والشواهد على وقوع هذه الجريمة ونتوقف إن أسعفنا الشاهد عند تسلسل الحدث وتداعياته، فمما كان في مقدمات الحادثة ما يأتي:

1 - ذكرنا فيما مضى آنفاً أن القوم تركوا جسد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو لم يبرد بعد وتسارعوا للاجتماع في السقيفة، وبعد أن جرت فيها المناورات في كسب الجولة والفوز بكرسي الرياسة في اليوم الأول فسيق الناس إلى بيعة أبي بكر في اليوم التالي بعد أن كان صاحب الصولة في سقيفة الانقلاب عمر ابن الخطاب الذي نال من الخلافة بعد صاحبه الحظ الأوفر.

2 - وقد رأينا فيما رسمته لنا النصوص من تفرغ أمير المؤمنين علي عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وبعض وجوه بني هاشم وعمار وسلمان وأبي ذر في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومواراته في روضته المقدسة.

ولم يحضروا تلك الحلبة التي بايع فيها عمر بن الخطاب والأوس لأبي بكر ومن ثم بايع المهاجرون كي لا يفوتهم نصيب من كعكة الخلافة.

ومن ثم أصبح هناك مجموعة من المعارضة التي برزت بشكل واضح من خلال خروج أمير المؤمنين عليه السلام حاملاً الزهراء وولديها وهو يطلب النصرة من المهاجرين والأنصار على أقطاب السقيفة ومن شايعهم من الأعراب والمنافقين الذين نكثوا بيعة الله في غدير خم.

ص: 101

وعليه:

كان هذا الرد السريع من أقطاب السقيفة ورموزها في قمع الاحتجاجات ورأسها وهم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما وهم ينظرون إلى اختلاف ورود بعض الصحابة إلى دار فاطمة عليها السلام يدخلون على علي عليه السلام يتشاورون فيما حدث وكيف لهم المخرج منه في إرجاع الحق إلى أهله الذين اختصبه هؤلاء النفر وساقوا الناس عنوة إلى بيعة أبي بكر في المسجد.

3 - إن بيت فاطمة عليها السلام حينما بناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند قدومه للمدينة وشروعه ببناء مسجده بنى من حوله حجرات ثلاث وذلك قبل أن تنتقل إليه عائشة، فكان منها، أي من هذه البيوت، بيت فاطمة عليها السلام الذي بناه داخل المسجد بين المنبر والحجرة التي دفن فيها صلى الله عليه وآله وسلم(1)، أي إنه كان من ضمن حدود الروضة، وهو أشرف موضع فيها كما في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام حينما سئل عن الصلاة في بيت فاطمة عليها السلام أفضل أم في الروضة، فقال:

«في بيت فاطمة»(2).

وعليه:

يكون دخول بعض الصحابة المعارضين لانقلاب السقيفة إلى بيت فاطمة

ص: 102


1- لمزيد من الاطلاع، أنظر: وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه للمؤلف.
2- وسائل الشيعة: ج 3، ص 547.

عليها السلام واضحاً بيناً لأبي بكر وعمر؛ بل: إن موقع بيت الزهراء عليها السلام في المسجد يجعل جميع تحركات أهل هذا البيت ظاهرة وأمام نظر أبي بكر وعمر؛ ومن ثم فقد شهد دخول هؤلاء واجتماعهم مع علي عليه السلام.

ولذا:

قرر البدء في المعركة مع أهل هذا البيت علانية وبمختلف الوسائل لأنهم يشكلون الخطر العظيم على الخلافة والسلطة.

وفي ذلك يروي سليم بن قيس الهلالي الكوفي الشيعي بعض أجزاء هذا التحرك الحربي على بيت فاطمة عليها السلام ومن ثم نورد ما رواه أهل السنة والجماعة من إشارات لهذه الحرب التي قادها أبو بكر ونفذها عمر بن الخطاب مع مجموعة من أشياعه.

ألف: ما روته أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في جمع الحطب حول بيت فاطمة عليها السلام

1 - روى سليم بن قيس الهلالي (المتوفى في القرن الأول للهجرة) قائلاً:

(فلما رأى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته.

فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة.

وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والآخر أفضّهما وأغلظهما وأجفاهما.

ص: 103

فقال أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذا، وهو رجل فض غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب.

فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام، فأبى أن يأذن لهم.

فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر - وهما جالسان في المسجد والناس حولهما - فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليها السلام:

«أحرج عليكم أن تدخلوا علي بيتي بغير إذن».

فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء، ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابنيهما عليهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة عليهما السلام: (والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار).

فقالت فاطمة عليها السلام:

«يا عمر، ما لنا ولك؟».

فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت:

«يا عمر، أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟».

ص: 104

فأبى أن ينصرف)(1).

2 - روى الطبرسي (المتوفى سنة 548 ه -)، فقال:

(وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة فينثال الناس يبايعون فعرف أن جماعة في بيوت مستترون فكان يقصدهم في جمع كثير ويكسبهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى، (فدعا عمر بحطب ونار، وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه).

فقيل له: إن فاطمة بنت رسول الله، وولد رسول الله، وآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه؛ وأنكر الناس ذلك من قوله)(2).

3 - وروى ابن طاووس (المتوفى سنة 664 ه -) فقال: (وذكر ابن جيرانة في غرره (قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر) إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا،

(فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلاّ أحرقته ومن فيه)،

قال: وفي البيت علي والحسن والحسين، وجماعة من أصحاب النبي فقالت فاطمة:

«أفتحرق علي ولدي».

ص: 105


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 149-150.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 80؛ البحار للمجلسي: ج 28، ص 204.

فقال: إي والله أو ليخرجن وليبايعن)(1).

باء: ما روته أبناء العامة في جمع الحطب حول بيت فاطمة عليها السلام والتهديد بالحرق

أما ما ورد في كتب أهل السنة والجماعة في بيان حادثة الهجوم على بيت النبوة وحرقه فقد جاء بالكيفية الآتية التي تظهر استخدام الراوي أسلوب التلطيف في الحدث والتخفيف من بشاعته وذلك من خلال تحسين صورة عمر بن الخطاب ببعض الملامح التي قد تساعد على قبول الحدث، أو على الأقل التماس العذر لوقوع الجريمة، فكان بالكيفية الآتية:

1 - فقد روى ابن أبي شيبة الكوفي، وابن عبد البر، وابن أبي عاصم وإمام الحنابلة وغيرهم (عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ما من أحد أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال فلما خرج عمر جاؤوها فقالت:

ص: 106


1- الطرائف لابن طاووس: ص 239؛ نهج الحق للعلامة الحلي: ص 271؛ الشهاب الثاقب للمحقق البحراني: ص 231.

«تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه فانصرفوا راشدين فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ».

فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر)(1).

2 - روى الطبري، والجوهري، وابن أبي الحديد المعتزلي، عن زياد بن كليب، (قال: أتى عمر بن الخطاب إلى منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال والله (لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة)، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه)(2).

3 - روى ابن قتيبة الدينوري في الإمامة فقال:

(وإن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي - عليه السلام -، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، (فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب) وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن (أو لأحرقنها على من فيها)، فقيل له يا أبا حفص، (إن فيها فاطمة؟)، فقال: وإن)(3).

ص: 107


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8، ص 572؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ص 91؛ الاستيعاب: ج 3، ص 975؛ فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 1، ص 364، ط مؤسسة الرسالة؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 17، ص 167؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19، ص 40؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 45؛ السقيفة وفدك للجوهري: ص 41؛ كنز العمال للهندي: ج 5، ص 652.
2- تاريخ الطبري: ج 2، ص 443؛ السقيفة وفدك للجوهري: ص 53؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 56؛ الإمامة وأهل البيت لمحمد بيومي: ج 1، ص 345.
3- الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1، ص 19؛ مسند فاطمة للسيوطي: ح 31؛ البحار للمجلسي: ج 28، ص 356.
جيم: قراءة الحديث في جمع الحطب وتحليله

إن قراءة الحديث الذي أوردته كتب الفريقين ودراسته وتحليله ترسم لنا صورة واضحة عن مجريات هذه الجريمة العظمى في الإسلام وبيان تفاصيل وقوعها.

لاسيما وكما أسلفنا أن القوم قد حاولوا التضليل والتغيير والتعتيم على هذه الحادثة بشتى الصور ولذا وردت بصورة مختلفة عن الواقع فضلاً عن حذف كثيرٍ من التفاصيل حتى في المرحلة الواحدة من مراحل وقوع جريمة الهجوم على بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي ونزول القرآن.

وعليه:

فهذه المرحلة الأولى وهي (جمع الحطب حول بيت فاطمة وعلي وولديهما) جرت ضمن اختصارات كثيرة في روايات أهل السنة والجماعة يمكن ملاحظتها، أي هذه الاختصارات من خلال المقارنة فيما بينها وبين الروايات الواردة في مدرسة العترة النبوية من جهة، ومن جهة أخرى مقارنتها فيما بينها أيضاً، أي: مقارنة هذه الروايات في نفس مصادر أهل السنة والجماعة لاسيما الحديث الأول فقد اتضح من خلال دراسته وتحليله ما يأتي:

1 - أورده ابن أبي شيبة الكوفي في مصنفه وابن أبي الحديد المعتزلي بصورة كاملة في حين حذف منه التهديد بحرق البيت بمن فيه كلٌّ من ابن عبد البر، والصفدي، والنويري، فبدلا قول عمر بن الخطاب لفاطمة صلوات الله وسلامه عليها:

ص: 108

(وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت)(1).

إلى قول آخر نسبوه لعمر بن الخطاب وهو: (ولإن بلغني أن هؤلاء من النفر يدخلون عليك، ولإن بلغني لأفعلن وأفعلن)(2)!!

واستبدلوا قول فاطمة عليها السلام الذي أخرجه ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم، والمعتزلي لهؤلاء الصحابة الذين التجؤوا إلى دارها من قولها لهم:

«تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لإن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين»(3).

إلى قول آخر، فقالت لهم:

«إن عمر قد جاءني وحلف لان عدتم ليفعلنّ، وأيم الله ليفعلنّ بها، فانظروا في أمركم»(4).

في حين قام الخطيب البغدادي بحذف جميع الحادثة في تهديد عمر لفاطمة عليها السلام بحرق بيتها بمن فيه وجوابها له، فقال مختصراً الأمر ومظهراً له بحلة

ص: 109


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8، ص 57، ح 4؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ص 91؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 45.
2- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 975؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 17، ص 167؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19، ص 41.
3- المصنف لابن أبي شيبة: ج 8، ص 57؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ص 91؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2، ص 45.
4- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 975؛ الوافي بالوفيات: ج 17، ص 167؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19، ص 41.

جديدة، فقال: قال عمر بن الخطاب لفاطمة: يا بنت رسول الله ما كان أحد أحب من الناس إلينا من أبيك، وما أحد بعد أبيك أحب إلينا منك)(1).

ولا ريب أن القارئ لهذا الحديث يجد صورة جميلة جداً عن إيمان عمر بن الخطاب وذلك لمقدار حبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابنته من بعده، ومن ثم لا وجود لحادثة حرق بيت فاطمة بيد عمر بن الخطاب ولا أثر لخروج عمر ابن الخطاب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فالنبي هو أحب الناس إليه وهو أكثر الصحابة وبفضل جهود الخطيب البغدادي اتباعاً لهذه السنة فقد صان عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعده، ومن ثم يخرج القارئ لا يعلم شيئاً عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو أنه يجد سنة متضاربة ومتناقضة، وذلك بفضل تلك الجهود التي بذلها أولئك في إخراج المرويات بحسب المقاسات التي ترتضيها الساسة والدراهم والدنانير.

2 - إن مما لا شك ولا ريب ولا شبهة فيه أن هذا الخطاب الذي توجه به عمر ابن الخطاب لبضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء بالكيفية التي أخرجها ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم من التهديد الصريح بحرق دارها بمن فيه، وفيه فاطمة وعلي والحسن والحسين وبعض من المهاجرين والأنصار.

أو سواء بالكيفية التي أخرجها ابن عبد البر، أو الصفدي؛ ففي كلتا الكيفيتين فإن عمر بن الخطاب قد أرعب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 110


1- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 5، ص 168.

وولديها الحسن والحسين واذاهما اشد الأذى وأرعب الصحابة من المهاجرين والأنصار وأدخل عليهم الذعر والخوف، وأنه آلم بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو بهذا الصنيع يكون قد ارتكب مجموعة من الجرائم وهي كالآتي:

أ: إنه آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

1 - لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها»(1).

2 - وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فمن آذاها فقد آذاني...»(2).

والله تعالى يقول في محكم كتابه الكريم في بيان جريمة من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ شأنه ومنزلته وعقابه اللعن في الحياة الدنيا وفي الآخرة كذاك تكون عقوبته اللعن والعذاب المهين كما هو واضح وصريح في الآية المباركة:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً)(3).

ب: إن عقوبة من يرعب أهل المدينة أو يحدث فيها حدثاً أو يخيف أهلها قد أظهره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس، وقد أخرجه أئمة الحديث في صحاحهم، فمنها:

ص: 111


1- صحيح البخاري، كتاب النكاح: ج 6، ص 158.
2- المستدرك على الصحيحين: ج 3، ص 159؛ فتح الباري: ج 9، ص 287.
3- سورة الأحزاب، الآية: 57.

1 - أخرج البخاري ومسلم، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال:

«المدينة حرم ما بين عير إلى ثور؛ فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً»(1).

2 - أخرج أبو داود في السنن، من حديث علي بن أبي طالب عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«المدينة حرام ما بين عافر إلى ثور؛ فمن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، لا يختلي خلالها، ولا ينفر صيدها، ولا تلفظ لفظها إلاّ لمن أنشد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجلاً بعيره»(2).

3 - ذكر إمام المذهب الحنبلي في مسنده، عن ابن صعصعة، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال:

«من أخاف أهل المدينة ظلماً، أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة أجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً»(3) أي لا نفلاً ولا فرضاً»(4).

ص: 112


1- صحيح البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب: حرم المدينة برقم (1870)، صحيح مسلم، كتاب الحج، باب: فضل المدينة حديث (1366).
2- سنن أبي داود، باب تحريم المدينة، حديث (2034) ج 2 ص 529، مشير العزم الساكن لابن الجوزي: ص 235 مكتبة الصحابة بجدة.
3- مسند أحمد: ج 4 ص 55، حديث (16622).
4- الدرة الثمينة لابن النجار: ص 46 ط دار الأرقم.

4 - أخرج العباسي والجنيدي عن جابر بن عبد الله، قال: أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول:

«من أخاف أهل المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»(1).

وعليه:

لا يمكن تغيير الحقائق أو تحسين الجرائم أو تبرير الآثام لاسيما وأن الأمر متعلق بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يمكنهم أن يطفئوا نور الله:

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اَللّٰهِ بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ يَأْبَى اَللّٰهُ إِلاّٰ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكٰافِرُونَ)(2).

3 - من الذي أعطى لعمر بن الخطاب الحق في منع الناس من التصرف في بيوتهم فيحدد لهم من يدخل إليهم ومن يخرج، فيمنع من يشاء ويسمح لمن يشاء؛ أليس هذا الفعل تدخلاً سافراً في حقوق الناس؟

أليس هذا الفعل لو حدث اليوم مع أحد في المجتمعات المدنية لقيل لصاحب هذا الفعل دكتاتور إن كان في هرم السلطة ولو كان فرداً في المجتمع لألقي في السجن أو لقيل عنه ما يناسبه من الألفاظ.

إذن:

قدوم عمر إلى بيت النبوة وفيه بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 113


1- عمدة الأخبار في مدينة المختار للعباسي: ص 90-91 ط أسعد الحسيني، فضائل المدينة للجنيدي المكي: ص 30 ط دار الفكر.
2- سورة التوبة، الآية: 32.

التي يؤلمه ما يؤلمها، والتي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، وتهديدها بحرق بيتها بمن فيه، وجمع الحطب من حوله لسبب واحد وهو أن علي بن أبي طالب، وبعض المهاجرين والأنصار لم يبايعوا أبا بكر ليكون من حيث التسلسل الحدثي لجريمة قتل بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المرحلة الأولى من الجريمة.

ثانياً: المرحلة الثانية من جريمة قتل فاطمة عليها السلام (حرق بيتها بمن فيه)
اشارة

بعد أن قام عمر وعصابته بجمع الحطب حول بيت علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وبعد تهديده لهم بحرق البيت بمن فيه إن لم يخرجوا ليبايعوا أبا بكر وبعد أن رأى امتناعهم ومواجهة بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له عله يستحي ومن معه فيكفون بأسهم وغيهم عنها ولو من قبيل أنها امرأة لا حول لها ولا قوة وأنها أم لأربعة أولاد ومن حقها أن تدافع عنهم؛ إلاّ أنهم مع كل هذه الموانع الإنسانية والتي تتقاطع مع الشيم والأعراف العشائرية فضلاً عن شينها لصفة الرجولة وخزيها لمن كان في أصله حراً يأبى على نفسه الاستذلال فيقاتل امرأة وأطفالها مع كل هذه الموانع والحواجز وبغض النظر عن الحرمات والقيم الأخلاقية والإنسانية إلاّ أن عمر بن الخطاب وعصابته يقدمون على إضرام النار في هذا الحطب ومن ثم يقومون بالهجوم على بيت فاطمة وأطفالها يقاتلونهم على كرسي الخلافة.

ولكن كيف أضرموا النار في الحطب؟

ص: 114

ألف: ما ورد في مدرسة العترة النبوية في إضرام عمر بن الخطاب النار في الحطب لحرق بيت فاطمة بمن فيه

1 - روى سليم بن قيس الهلالي الكوفي الكيفية التي جمع فيها الحطب ووضعه حول بيت فاطمة عليها السلام ومناداته لفاطمة وعلي ومن كان في دارهما من الصحابة وتهديده لهم بالحرق إذا لم يخرجوا لبيعة أبي بكر فلم يخرج أحد منهم وأبوا البيعة لأبي بكر، فقال:

(ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب)(1).

2 - روى الشيخ المفيد في إضرام عمر النار في الحطب حول بيت فاطمة عليها السلام فقال:

(لما بايع الناس أبا بكر دخل علي عليه السلام والزبير والمقداد بيت فاطمة وأبوا أن يخرجوا، فقال عمر بن الخطاب أضرموا عليهم البيت نارا)(2)!!

3 - روى الديلمي في الإرشاد عن أمير المؤمنين عليه السلام في بيان اقتصاص الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من أبي بكر وعمر وعصابتهما التي اقتحمت دار فاطمة عليها السلام فيقول:

«ثم يؤمر بالنار التي أضرمتموها على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابني الحسن والحسين وابنتي زينب وأم كلثوم، حتى تحرقا بها، ويرسل عليكما ريح مرة فتنسفكما في اليم نسفا....»(3).

ص: 115


1- كتاب سيلم بن قيس الهلالي: ص 15؛ البحار للمجلسي: ج 28، ص 269.
2- أمالي المفيد: ص 56، وص 30؛ البحار: ج 28، ص 232.
3- إرشاد القلوب للديلمي: ج 2، ص 286.
باء: ما ورد في كتب العامة من إضرام النار في الحطب الذي وضع حول بيت فاطمة عليها السلام

إن المرحلة الثانية من جريمة قتل فاطمة صلوات الله عليها وهي إضرام النار في الحطب الذي جمع حول بيت الزهراء عليها السلام جاءت في كتب العامة بتعتيم شديد خوفاً من إظهار حجم الجرأة على الله ورسوله في إحراق بيت النبوة من جهة، ومن جهة أخرى محاولة تلميع صورة تلك الرموز التي قادت هذا الهجوم وارتكبت الجريمة.

ولا يخفى على أهل الاختصاص في علم القانون ومكافحة الجريمة وعلم النفس أن التهديد بالقتل أخف حكما وعقوبة من الشروع في التهديد وتنفيذ الفعل وذلك لأنه يكشف - أي الإقدام على تنفيذ التهديد - رسوخ الجريمة وانحراف الفاعل وترديه واتصافه بالجرم.

في حين أننا نجد القرآن الكريم والسنة النبوية تجعل إثم المؤسس لكل عمل سيّئ أعظم إثماً من نفس الفعل وذلك منعا لحدوث الانحرافات أو التهاون في الآثام لما يترتب عليها من التهاون والتغافل والاستقلال في حجم الجريمة فتعد صغيرة وهي عظيمة.

من هنا:

تجنبت مصادر أبناء العامة من إيراد حرق باب فاطمة عليها السلام الذي تولاه عمر بن الخطاب بيده حينما حمل قبساً من النار وأخذ ينادي في أهل بيت النبوة وقد جلس أبو بكر على المنبر يشرف بنفسه على هذه الحرب التي تشن على بيت فاطمة وعلي عليهما السلام وذلك أن بيت فاطمة في الروضة لا يفصل بينه

ص: 116

وبين المنبر سوى أمتار قليلة.

فلا المسجد له حرمة، ولا الروضة، ولا القبر النبوي، ولا صاحبه، وذلك أن لا حرمة لله وشريعته من الأساس في معتقدات هؤلاء الذين جاءوا بالحطب والنار ليحرقوا بيت فاطمة عليها السلام بمن فيه.

1 - روى أبو الفداء في تاريخه قائلاً:

(ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة - رضي الله عنها -، وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم!!!

فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة - رضي الله عنها - وقالت:

«إلى أين يا بن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟!».

قال: نعم،....)(1).

2 - روى ابن عبد ربه الأندلسي في حادثة حرق بيت فاطمة عليها السلام أنه قال:

(الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عُبادة، فأما علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم.

فأقبل بقَبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت:

ص: 117


1- تاريخ أبي الفداء: ج 1، ص 107.

«يا بن الخطاب، أجئت لتُحرق دارنا؟».

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة)(1).

والمستفاد من قراءة الحدث بالكيفية التي نقله رواة مدرسة أهل السنة والجماعة بأن الحادثة بمجرياتها ومراحلها كانت تتداول فيما بين الرواة والمصنفين، وفي المجالس شفاهة لا كتابة وتدوينا إلى الحد الذي أصبحت هذه الحادثة متواترة عند أبناء العامة لاسيما تلك الطبقة التي اشتغلت في الكتابة والرواية والتصنيف في مختلف التخصصات كالحديثية والتأريخية والفقهية والأدبية.

حتى تناولها شاعر النيل المعاصر والمتأخر عن الحادثة بأربعة عشر قرناً إلاّ أن تلك القرون الماضية لم تجعله في غفلة عن حادثة قتل الزهراء عليها السلام وحرق دارها بيد عمر بن الخطاب مما يكشف عن أن الحادثة متواترة شفاهة لا كتابة وتدويناً وأنها مشهورة عند القوم تتناقلها الألسن في العراق والشام وأرض مصر إلى الأندلس.

ولذا: يقول شاعر النيل في قصيدته العمرية:

وقولة لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها(2)

وإن كان حافظ إبراهيم يتغزل بعمره وإمامه ويتفاخر به، إلاّ أن المقايسة هنا

ص: 118


1- العقد الفريد لابن عبد البر: ج 2، ص 73.
2- ديوان حافظ إبراهيم: ج 1، ص 75، تحت عنوان (عمر وعلي) طبع دار الكتب المصرية بالقاهرة.

باطلة مما أعطت أبياتاً موزونة لكنها مختلفة ومضطربة في الحس الجمالي فضلاً عن العقدي.

فهنا لم تكن المقايسة بين من يستطيع أن يهدد فارس عدنان وحاميها فمن قبل خرج له صناديد العرب في بدر وأحد والأحزاب، وبرز له أسطورة اليهود في خيبر وغيرها؛ فهنا تصح المقايسة في مواجهة الفرسان.

لكنها هنا عند حافظ إبراهيم فالمقايسة سمجة ولزجة كلزوجة ماء فم المحتضر؛ وذلك أن المحل في هذه المقولة محل تجرٍ على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن أعظم من أبي حفص جرأة على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في حرق بيته وقتل ابنته وريحانتيه وحرقهم بالنار؟!

وعليه:

لو أدرك أدباء مصر والمشتغلون به آنذاك (كأحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الابياري، وعلي جارم، وعلي أمين، وخليل مطران، ومصطفى الدمياطي بك، وغيرهم)(1)، لما اعتنوا بنشر هذه الأبيات والتفاخر بها.

لكنها رب ضارة نافعة، إذ لو كان هؤلاء قد أدركوا سماجة هذه الأبيات وتجريها على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لما قاموا بنشرها ولضاع بيان الصورة التأريخية التي تنطق بها الأبيات: بأن أبا حفص أشد الناس أذى لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أفهناك أذى أكبر من حرق بيت بنت المصطفى على قلب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ص: 119


1- الغدير للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني: ج 7، ص 86.
المسألة الثانية: هجوم عمر بن الخطاب وعصابته على بيت فاطمة عليها السلام واقتحامه وما وقع عليها من الأضرار
اشارة

قبل المضي في بيان مجريات الحدث فقد أفردت لهذه المرحلة من قتل فاطمة عليها السلام مسألة مستقلة وذلك لتفرع الحدث وما لحقه من تبعات ونتائج.

إذ إن مرحلة الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام واقتحامه والدخول إلى بيتها هو من أكثر المراحل دموية؛ وذلك أن المرحلتين السابقتين وهما جمع الحطب حول بيت الزهراء عليها السلام، وإضرام النار فيه؛ إنما كانتا مقدمة للقضاء على بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولديها وزوجها، ليتم بذلك إنهاء كل ما له علاقة بالعهد القديم، عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحرق جميع آثاره.

لاسيما وأن التأريخ يحدثنا عن تلك الخطة والهدف المنشود من هذه العصابة وهو القضاء على كل ما يمت بصلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبدء بعهد جديد اسمه سنة الشيخين بعد أن تهيّأت لهما الفرصة في جمع العرب تحت لواء واحد بعد تفرق وشتات ليشكلا بذلك أكبر دولة في الجزيرة العربية وليعيدا بذلك ما كانا يسمعانه من أمجاد دولة النعمان بن المنذر ملك العرب، أو فخامة سلطان الفرس، أو إمبراطورية الروم وثراء قصورها.

وعليه:

1 - كانت هذه الخطة أن تبدأ بحرق هذا البيت بمن فيه بحجة الدخول فيما دخلت فيه الأمة من الانقياد للسلطة الجديدة وقياداتها وحكامها الجدد.

ص: 120

2 - حرق أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما فعل أبو بكر وهو ما تحدثت به عائشة (أنها قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله وكانت خمس مائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيرا، قالت تغمني، فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟

فلما أصبح، قال:

«أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك».

فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.

فقلت: لم أحرقتها؟!

قال:

««خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت (به) ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك»)(1).

وهي حجة أخرى تتماشى مع حجة حرق بيت النبي بمن فيه.

وذلك: (كي يدخلوا فيما دخلت فيه الأمة) في الحكومة الجديدة.

3 - منع رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتحدث به وهو ما قام به أبو بكر أيضاً؛ فعن أبي مليكة (قال: إن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً! فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم

ص: 121


1- الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد للمؤلف: ص 117، ح 1؛ تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1، ص 5؛ الرياض النضرة للمحب الطبري: ج 1، ص 200؛ كنز العمال: ج 10، ص 285.

كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه)(1).

4 - إمحاء أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعن يحيى بن جعدة: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده شيء فليمحه)(2).

5 - معاقبة من يتحدث بحديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومما يدل عليه ما أخرجه الدارمي في سننه عن سليمان بن يسار: (إن رجلاً قدم المدينة يقال له ضبيع - وهو من أهل البصرة - فجعل يسأل عن تشابه القرآن، فأرسل إليه عمر - بن الخطاب - فأعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟

قال: أنا عبد الله، ضبيع.

قال: وأنا عبد الله، عمر.

فضربه حتى دمى رأسه، فقال - ضبيع -: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد ذهب الذي كنت أجده في رأسي، ثم نفاه إلى البصرة)(3).

وعن سعيد بن المسيب: (فأمر به عمر فضرب مائة سوط، فلما برئ دعاه

ص: 122


1- الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد للمؤلف: ص 118، ح 2؛ تذكرة الحفاظ للذهبي: ج 1، ص 32.
2- تقييد العلم: ص 53؛ حجية السنة: ص 395؛ من حياة الخليفة عمر بن الخطاب للبكري: ص 274.
3- الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد للمؤلف: ص 118، ح 2؛ سنن الدارمي: ج 1، ص 54؛ نصب الراية للزيلعي: ج 3، ص 118؛ الدراية لابن حجر: ج 2، ص 98؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 2، ص 7؛ فتح القدير للشوكاني: ج 1، ص 319؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 23، ص 411.

فضربه مائة أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى: حرّم على الناس مجالسته)(1).

وذكر السائب بن يزيد: (وكتب - عمر - إلى أبي موسى، يأمره أن يحرم على الناس مجالسته، وإن يقوم في الناس خطيباً، ثم يقول: إن ضبيعاً قد ابتغى العلم فأخطأه.

فلم يزل - الرجل - وضيعا في قومه حتى هلك)(2)!

6 - حبس الصحابة ومنعهم من الخروج من المدينة كي لا يتحدث الناس بما فعله قادة العهد الجديد فضلاً عن منع الرواة من تحديث الناس بسيرة رسول الله وسننه.

ولذا: بدأ عهد جديد وسنة جديدة لم تحمل من الإسلام إلا اسمه مما دعا بعلي عليه السلام أن يرفض البيعة والخلافة على شرط السير بسنة الشيخين(3)؛ وقبلها عثمان الذي عمل بسنة جديدة مما دفع الصحابة على محاربته والاعتراض عليه ومجابهته(4).

وعليه:

ص: 123


1- الإصابة لابن حجر: ج 3، ص 371.
2- كنز العمال للمتقي الهندي: ج 2، ص 334؛ الغدير للأميني: ج 6، ص 292.
3- لما دفن عمر بن الخطاب جاء أبو عبيدة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وسنة الشيخين؟ قال عليه السلام: «أما كتاب الله وسنة نبيه فنعم؛ وأما سنة الشيخين فأجتهد رأيي؛ (تاريخ مختصر الدول لابن العبري: ج 1، ص 54.
4- تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج 3، ص 1093.

لم يكن الهجوم على بيت الله، بيت النبوة والرسالة، بيت علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، هو نقطة النهاية بل هو نقطة البداية من القضاء على الإسلام ومحوه؛ إلاّ أن الفارق بين جميع هذه المراحل لمحو الإسلام هو اقتحام بيت النبوة والرسالة، بيت علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فكان كالآتي:

أولاً: ما ورد في كتب مدرسة أهل البيت عليهم السلام حول اقتحام بيت فاطمة عليها السلام

وردت روايات كثيرة في كتب مدرسة أهل البيت عليهم السلام حول اقتحام بيت فاطمة عليها السلام، فمنها:

1 - ما كان بلسان عمر بن الخطاب في رسالة بعث بها إلى معاوية ونقلها المجلسي عن الطبري فقال:

(بسم الله الرحمن الرحيم من عمر إلى معاوية..... إلى قوله: فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب، فقالت:

«أيّها الضالون المكذبون! ماذا تقولون؟ وأي شيء تريدون وما تشاء يا عمر؟»

قلت: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب، وجلس من وراء الحجاب؟ فقالت:

«طغيانك يا شقيّ! أخرجني، وألزمك الحجة، وكل ضال غويّ».

فقلت: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء، وقولي لعلي يخرج، فقالت:

«لا حبّ ولا كرامة، أبحزب الشيطان تخوّفني يا عمر؟! وكان كيد

ص: 124

الشيطان ضعيفاً».

فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل، وأضرمتها ناراً على أهل هذا البيت، وأحرق من فيه، أو يقاد إلى البيعة، وضربت وأخذت سوط قنفذ، وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلموا في جمع الحطب، فقلت: إني مضرمها. فقالت:

«يا عدوّ الله، وعدوّ رسوله، وعدوّ أمير المؤمنين».

فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه، فرمته، فتصعّب عليّ، فضربت كفّيها بالسوط، فألّمها، فسمعت لها زفيرا وبكاء، فكدت أن ألين وانقلب عن الباب، فذكرت أحقاد علي، وولوعه في دماء صناديد العرب، وكيد محمد وسحره، فركلت الباب وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه، وسمعتها قد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها.

وقالت:

«يا أبتاه! يا رسول الله، هكذا يفعل بحبيبتك وابنتك، آه يا فضة، إليك، فخذيني، فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل».

وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار فدفعت الباب ودخلت، فأقبلت إليّ بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خدّيها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها، وتناثرت إلى الأرض، وخرج علي فلما أحسست به، أسرعت إلى خارج الدار، وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوت من أمر عظيم)(1).

ص: 125


1- البحار للمجلسي: ج 30، ص 293؛ مجمع النورين للمرندي: ص 110؛ بيت الأحزان للشيخ عباس القمي: ص 120؛ مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الاسلامي: ص 439-440، برقم 3/399.

2 - روى سليم بن قيس الهلالي الكوفي، قال: (كنت عند عبد الله بن عباس في بيته ومعنا جماعة من شيعة علي عليه السلام فحدثنا فكان فيما حدثنا أن قال: يا إخوتي توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف واشتغل علي بن أبي طالب عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في حفرته ثم أقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن همته الملك لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره عن القوم فلما افتتن الناس بالذي افتتنوا به من الرجلين فلم يبق إلا علي وبنو هاشم وأبو ذر والمقداد وسلمان في أناس معهم يسير.

قال عمر لأبي بكر: يا هذا إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر فابعث إليه، فبعث (إليه) ابن عم لعمر يقال له قنفذ فقال (له يا قنفذ) انطلق إلى علي فقل له أجب خليفة رسول الله، فانطلق فأبلغه.

فقال علي عليه السلام:

«ما أسرع ما كذبتم على رسول الله (نكثتم) وارتددتم والله ما استخلف رسول الله غيري، فارجع يا قنفذ فإنما أنت رسول فقل له: قال لك علي: والله ما استخلفك رسول الله، وإنك لتعلم من خليفة رسول الله».

فأقبل قنفذ إلى ابي بكر فبلغه الرسالة، فقال أبو بكر: صدق علي ما

ص: 126

استخلفني رسول الله، فغضب عمر ووثب (وقام) فقال أبو بكر: اجلس، ثم قال لقنفذ اذهب إليه فقل له أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأقبل قنفذ حتى دخل على علي عليه السلام فأبلغه الرسالة فقال عليه السلام:

«كذب والله، انطلق إليه فقل له: (والله) لقد تسميت باسم ليس لك فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك».

فرجع قنفذ فأخبرهما فوثب عمر غضبان فقال: والله إني لعارف بسخفه وضعف رأيه وإنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله فخلني آتك برأسه.

فقال أبو بكر: اجلس، فأبى؛ فأقسم عليه، فجلس، ثم قال: يا قنفذ، انطلق فقل له: أجب أبا بكر فأقبل قنفذ فقال يا علي: أجب أبا بكر، فقال علي:

«إني لفي شغل عنه، وما كنت بالذي أترك وصية خليلي وأخي، وأنطلق إلى ابي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور».

فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر فوثب عمر غضبان فنادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى يا ابن أبي طالب (افتح الباب) فقالت فاطمة:

«يا عمر ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه».

قال: افتحي الباب وإلاّ أحرقناه عليكم، فقالت:

«يا عمر، أما تتقي الله عزّ وجل تدخل على بيتي وتهجم على داري».

ص: 127

فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت:

«يا أبتاه يا رسول الله».

فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت:

«يا أبتاه».

فوثب علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أوصى به من الصبر والطاعة فقال:

«والذي كرم محمداً بالنبوة يا ابن صهاك لو لا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي».

فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وسل خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة عليها السلام فحمل عليه بسيفه فأقسم على علي عليه السلام فكف وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة الأسلمي حتى دخلوا الدار أعوانا لعلي عليه السلام حتى كادت تقع فتنة فأخرج علي عليه السلام واتبعه الناس واتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة (الأسلمي رحمهم الله) وهم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم.

وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر أتثب على أخي رسول الله

ص: 128

ووصيه وعلى ابنته فتضربها وأنت الذي يعرفك قريش بما يعرفك به فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده فتعلق به عمر ومنعه (من ذلك) فانتهوا بعلي إلى أبي بكر ملبياً فلما بصر به أبو بكر صاح خلوا سبيله فقال (علي) عليه السلام:

«ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت نبيكم، يا أبا بكر بأي حق وبأي ميراث وبأي سابقة تحث الناس إلى بيعتك ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

فقال عمر: دع (عنك) هذا يا علي فو الله إن لم تبايع لنقتلنك فقال علي عليه السلام:

«إذا والله أكون عبد الله وأخا رسول الله المقتول».

فقال (عمر) أما عبد الله المقتول فنعم، وأما أخو رسول الله فلا، فقال عليه السلام:

«أما والله لولا قضاء من الله سبق وعهد عهده إليّ خليلي لست أجوزه لعلمت أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً».

وأبو بكر ساكت لا يتكلم فقام بريدة فقال: يا عمر ألستما اللذين قال لكما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

انطلقا إلى علي فسلما عليه بإمرة المؤمنين».

فقلتما أعن أمر الله وأمر رسوله فقال:

«نعم».

ص: 129

فقال أبو بكر: قد كان ذلك يا بريدة ولكنك غبت وشهدنا والأمر يحدث بعده الأمر فقال عمر: وما أنت وهذا يا بريدة وما يدخلك في هذا؟ فقال بريدة: والله لا سكنت في بلدة أنتم فيها أمراء، فأمر به عمر فضرب وأخرج.

ثم قال سلمان: يا أبا بكر اتق الله وقم عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به رغدا إلى يوم القيامة لا يختلف على هذه الأمة سيفان، فلم يجبه أبو بكر فأعاد سلمان (فقال): مثلها فانتهره عمر وقال: ما لك ولهذا الأمر وما يدخلك فيما ها هنا فقال: مهلا يا عمر قم يا أبا بكر عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به والله خضرا إلى يوم القيامة، وإن أبيتم لتحلبن به دما، وليطمعن فيه الطلقاء والطرداء والمنافقون والله لو أعلم أني أدفع ضيما أو أعز لله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت به قدما، أتثبون على وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار فقالوا لعلي عليه السلام: ما تأمر والله إن أمرتنا لنضربن بالسيف حتى نقتل؛ فقال علي عليه السلام:

«كفوا رحمكم الله واذكروا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أوصاكم به».

فكفوا؛ فقال عمر لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم (فينا) فيبايعك، أو تأمر به فيضرب عنقه والحسن والحسين - عليهم السلام - قائمان على رأس علي - عليه السلام - فلما سمعا مقالة عمر بكيا ورفعا اصواتهما:

ص: 130

«يا جداه يا رسول الله».

فضمهما علي إلى صدره وقال:

«لا تبكيا فو الله لا يقدران على قتل أبيكم هما (أقل) وأذل وأدخر من ذلك».

وأقبلت أم أيمن النوبية حاضنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأم سلمة فقالتا: يا عتيق ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمد؛ فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد وقال: ما لنا وللنساء، ثم قال يا علي قم بايع، فقال علي:

«إن لم أفعل».

قال: إذا والله نضرب عنقك، قال عليه السلام:

«كذبت والله يا ابن صهاك لا تقدر على ذلك أنت ألأم وأضعف من ذلك».

فوثب خالد بن الوليد واخترط سيفه وقال: والله إن لم تفعل لأقتلنك فقام إليه علي عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم دفعه حتى ألقاه على قفاه ووقع السيف من يده فقال عمر: قم يا علي بن أبي طالب فبايع، قال عليه السلام:

«فإن لم أفعل».

قال: والله نقتلك واحتج عليهم علي عليه السلام ثلاث مرات ثم مد يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي (منه) بذلك ثم توجه إلى منزله وتبعه الناس)(1).

ص: 131


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 862-868.

2 - روى الطبرسي في حادثة اقتحام بيت فاطمة صلوات الله عليها بعد أن ذكر مجريات الحادثة من جمع الحطب وإضرام النار فيه فقال:

(فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه فضبطوه وألقوا على عنقه حبلاً أسود، وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبو بكر إلى قنفذ أضربها فألجأها إلى عضادة بيتها فدفعها - أي الباب - فكسر ضلعها من جنبها وألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة)(1).

3 - وروى العياشي في تفسيره عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن جده ما أتى علي يوم قط أعظم من يومين أتيا علي، فأما اليوم الأول فيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأما اليوم الثاني فو الله إني لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه، إذ قال له عمر يا هذا ليس في يديك شيء مهما لم يبايعك علي، فابعث إليه حتى يأتيك يبايعك، فإنما هؤلاء رعاع فبعث إليه قنفذ فقال له اذهب فقل لعلي أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر: قال لك ما خلف رسول الله أحداً غيري.

قال: ارجع إليه فقل أجب فإن الناس قد أجمعوا على بيعتهم إياه، وهؤلاء

ص: 132


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 82.

المهاجرون والأنصار يبايعونه وقريش، وإنما أنت رجل من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم، فذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع فقال: قال لك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي وأوصاني أن إذا واريته في حفرته لا أخرج من بيتي حتى أؤلف كتاب الله، فإنه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل، قال عمر: قوموا بنا إليه، فقام أبو بكر، وعمر، وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، وقنفذ، وقمت معهم، فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة عليها السلام أغلقت الباب في وجوههم، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف ثم دخلوا فأخرجوا علياً ملببا فخرجت فاطمة فقالت:

«يا أبا بكر أتريد أن ترملني من زوجي والله لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي».

فأخذت بيد الحسن والحسين، وخرجت تريد قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال علي عليه السلام لسلمان:

«أدرك ابنة محمد فإني ارى جنبتي المدينة تكفيان، والله إن نشرت شعرها وشقت جيبها وأتت قبر أبيها وصاحت على ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها (وبمن فيها)».

فأدركها سلمان رضي الله عنه، فقال: يا بنت محمد، إن الله إنما بعث أباك رحمة فارجعي، فقالت:

«يا سلمان يريدون قتل علي، ما على علي صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري وأشق جيبي وأصيح إلى ربي».

ص: 133

فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة، وعلي بعثني إليك ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك وتنصرفي، فقالت:

«إذا أرجع وأصبر وأسمع له وأطيع»)(1).

4 - روى الشيخ عباس القمي في بيت الأحزان عن فاطمة عليها السلام، أنها قالت:

«فجمعوا الحطب الجزل على بابي، وأتوا بالنار ليحرقوه، ويحرقونا، فوقفت و (أخذت) بعضادة الباب، وناشدتهم الله: بالله وبأبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكفوا عنا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ - مولى أبي بكر -، فضرب به على عضدي، (فالتوى السوط على عضدي) حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله، فرده عليّ وأنا حامل، فسقطت لوجهي، والنار تسعر وتسقع في وجهي، فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذني، وجاءني المخاض، فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم»(2).

5 - روى الكليني (عن أبان بن تغلب عن ابي هاشم قال: لما أخرج بعلي عليه السلام خرجت فاطمة عليها السلام واضعة قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأسها آخذة بيدي ابنيها فقالت:

«ما لي وما لك يا أبا بكر، تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي، والله لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري ولصرخت إلى ربي».

ص: 134


1- تفسير العياشي: ج 2، ص 66-68.
2- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلام: ص 443-444، برقم 11/407؛ بيت الأحزان للشيخ عباس القمي: ص 173.

فقال رجل من القوم: ما تريد إلى هذا ثم أخذت بيده فانطلقت به)(1).

6 - روى أبو جعفر الطوسي (عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، وعن سلمان، أن قالا: لما أخرج أمير المؤمنين من منزله خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر، فقالت:

«خلوا عن ابن عمي، فو الذي بعث محمدا بالحق، لئن لم تخلوا عنه لانشرن شعري، ولأضعن قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأسي، ولأصرخن إلى الله، فما ناقة صالح بأكرم على الله مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي».

قال سلمان: فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلّعت من أسفلها، حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها، وقلت: يا سيدتي! ومولاتي، إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة، فلا تكوني نقمة.

فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا)(2).

ثانياً: ما ورد في كتب أهل السنة والجماعة في اقتحام عمر بن الخطاب لبيت فاطمة عليها السلام

وكما هي العادة في روايات أهل السنة والجماعة وكما مرّ علينا في حديث جمع الحطب حول بيت فاطمة عليها السلام ودخول عمر عليها يهددها بالإحراق إن اجتمع بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند علي عليه

ص: 135


1- الكافي للكليني: ج 8، ص 237-238.
2- مسند فاطمة للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 444-445؛ برقم 13/409.

السلام ليحرقن عمر بيت فاطمة بمن فيه وكيف أن القوم حذفوا قول عمر في التهديد والإحراق.

وهنا ليس الأمر ببعيد عن ذلك المنهج الذي اعتمدوه لاسيما وأن مرحلة الاقتحام هي من أكثر المراحل خطورة لأنها تكشف عن دموية الحدث فضلاً عن حجم الفتنة الذي أقدم عليها أبو بكر وعمر في إرعاب فاطمة وولديها وإرعاب أهل المدينة وما تبعها من قتل لفاطمة عليها السلام.

فكيف بهم وأنى لهم أن يرووا تلك الجريمة كما وقعت.

ولذلك: نجد القوم قد أشاروا إليها إشارة خفيفة هنا وهناك علهم بذلك يستطيعون أن يخفوا هذه الجريمة ويمحوا آثارها من أذهان الناس، ويأبى الله تعالى إلا أن يظهر الحق، وعليه فلنرَ كيف أشار إليها القوم.

1 - روى اليعقوبي (المتوفى سنة 248 ه -) في تاريخه فقال:

(وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي ابن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار، وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه، وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت:

«والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله!».

فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياماً، ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع، ولم يبايع علي إلاّ بعد ستة اشهر وقيل أربعين يوماً)(1).

ص: 136


1- تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 126، ط دار صادر؛ ج 2، ص 11، ط الأعلمي.

2 - روى الجوهري (المتوفى سنة 323 ه -) فقال:

(حدثني أبو زيد عمر بن شبة عن رجاله قال: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري ورجل آخر فندر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره؛ ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا حتى بايعوا أبا بكر.

قال أبو زيد وروى النضر بن شميل، قال: حمل سيف الزبير لما ندر من يده إلى أبي بكر وهو على المنبر يخطب فقال: اضربوا به الحجر، قال أبو عمرو بن حماس: ولقد رأيت الحجر وفيه تلك الضربة والناس يقولون هذا أثر ضربة سيف الزبير.

قال أبو بكر، وأخبرني أبو بكر الباهلي، عن إسماعيل بن مجالد، عن الشعبي قال: قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا، فقال: انطلقا إليهما، يعني عليا والزبير فأتياني بهما؛ فانطلقا فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع عليا، قال: وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد بن الأسود، وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره.

ثم أخذ بيد الزبير فأقامه، ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد دونك هذا؛ فأمسكه خالد، وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر رداءً لهما.

ص: 137

ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: نعم؛ فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال.

ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت على باب حجرتها ونادت:

«يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله»)(1).

3 - وورد ذكر الحادثة كذلك في أبحاث بعض المعاصرين، فمما جاء في ذلك أن قال بعضهم:

(أما علي بن أبي طالب فقد امتنع عن مبايعة أبي بكر هو وجماعة من الهاشميين والزبير بن العوام، وتخلفوا في بيت فاطمة، فخرج إليهم عمر بن الخطاب في جماعة من الصحابة، وأرغموا بني هاشم والزبير على مبايعة أبي بكر، ثم استقدم علي إلى أبي بكر وطلب منه أن يبايع، فامتنع بحجة أن أبا بكر اغتصب حقه في خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.....

ولم يبايع علي أبا بكر بالخلافة إلا بعد أن توفيت فاطمة، أي بعد ستة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

ص: 138


1- السقيفة وفدك للجوهري: ص 73-74؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6، ص 48-49؛ غاية المرام للسيد هاشم البحراني: ص 326.
2- تاريخ الدولة العربية للدكتور عبد العزيز سالم: ص 431-432، ط دار النهضة العربية بيروت؛ وقريب منه أورده محمد عزه في تاريخ الجنس العربي: ج 7، ص 8-25، ط المكتبة العصرية لبنان.
المسألة الثالثة: الآثار التي خلفها اقتحام بيت فاطمة عليها السلام على الإسلام وما لحق فاطمة من الأضرار
اشارة

إن المتتبع لمجريات الأحداث الإسلامية منذ أن توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدرك بشكل يقيني أن الاختلافات التي وقعت في الأمة إنما كانت لها جذورها التي انتشت عليها سيقان الفرقة والاختلاف في الأمة حتى باتت أكثر الأمم تفرقاً فقد افترقت على ثلاث وسبعين فرقة(1).

وهذا لم يأت من فراغ، بل من واقع، وواقع مرير؛ ولعل حال المسلمين اليوم لم يكن بأفضل من أمسهم، ولا غدهم بأفضل من يومهم فمازالوا من سيئ إلى أسوأ في حياتهم الدنيوية، وأما في الآخرة فأمر وأدهى.

لقوله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الفرق:

«كلها في النار إلا واحدة»(2).

لكن الذي نحن بصدده تلك الآثار التي خلفها اقتحام بيت الزهراء عليها السلام وما لحق بفاطمة عليها السلام من أضرار بالغة.

وهي كالآتي:

ص: 139


1- سنن الترمذي، باب: ما جاء في افتراق هذه الأمة: ج 5، ص 25، ح 2640؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 19، ص 277؛ السنة لابن أبي عاصم: ج 1، ص 23؛ صحيح ابن حبان: ج 14، ص 140؛ المستدرك للحاكم: ج 1، ص 47؛ سنن أبي داود: ج 4، ص 197، ح 4596.
2- سنن الترمذي: ج 5، ص 26، باب: ما جاء في افتراق الأمة؛ المستدرك للحاكم: ج 7، ص 332؛ كشف الخفاء للعجلوني: ج 1، ص 169.
أولاً: التأسيس لظلم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاك حرمتهم

إن من الأمور البديهية التي أصبحت ضمن معطيات المسلم الثقافية أن ما نزل بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الظلم الممنهج من القتل، والسلب، والتهجير، والتكفير، ومصادرة الأموال، وغيرها مما لا حصر له، وقد ملئت به كتب التاريخ، وصنفت فيه بعض الكتب والمقاتل، كمقاتل الطالبيين، لم يكن إلاّ لكثرة ما نزل بآل أبي طالب، وابناء علي وفاطمة من القتل؛ حتى احتاجوا إلى إفراد كتاب خاص بمقاتلهم.

وهذا جميعه ثمرة من ثمار من أسس لظلم فاطمة وبنيها حينما جمع الحطب على بابها ومن حول دارها على الرغم من تضافر الآيات والأحاديث النبوية في تعظيم هذا البيت وأهله.

فكان أبو بكر وعمر ومن جاء معه للهجوم على دار فاطمة وولديها هم أول من أسس الظلم لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فتبعه بعد ذلك من مأساة قتل علي في محراب مسجد الكوفة، وسم ولدها الحسن في المدينة، ورمي نعشه بالسهام، ومنعه من أن يدفن إلى جنب جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليصل بنا الأمر إلى قتل الحسين بن علي صلوات الله عليه وسبعة عشر نفساً من أحفاد أبي طالب، حتى بدت بيوتهم في المدينة خالية من الرجال، فبين يتيم صارخ، ومعولة ثكلى مذهولة لما نزل بها في كربلاء.

فأي أذى أعظم مما نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ أن اقتحم دار ابنته فاطمة ليحرق بالنار، فيكون اساساً لحرق بيوت بناته وأحفاده في كربلاء،

ص: 140

فهذه النار في المدينة طار شررها إلى كربلاء فأحرق بيوت النساء والأطفال وأرعبتهم أشد الرعب.

وعليه:

فكل ما لحق بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الظلم إلى يوم خروج المهدي ابن فاطمة عليهما السلام، هو في وزر من أسس أساس الظلم والجور على أهل البيت عليهم السلام.

ثانياً: كسر ضلع فاطمة عليها السلام أثناء اقتحام عمر بن الخطاب وعصابته بيتها بعد حرقه

ذكرنا خلال هذا المبحث أن الرواة جهدوا جهدهم في التعتيم على هذ الجريمة بشتى الصور، وبمختلف الأساليب، فكان منها تكذيب كل من يتحدث ولو من قبيل الإشارة أو التلميح إلى وجود هذه الجريمة العظمى؛ فضلاً عن اتهامه بالرفض، وعد كلامه من المثالب التي تقدح بسيرة عمر بن الخطاب؛ وذلك لقطع الطريق على المتكلم والباحث، حتى ولو جاء برواية صحيحة تنص على إحراق بيت فاطمة عليها السلام.

وعليه:

كيف يمكن أن يجد الباحث أو القارئ تفاصيل دقيقة في كتب أهل الجماعة وهم يعتقدون بعدالة وأفضلية عمر بن الخطاب على الأمة؛ فضلاً عن أن الكتّاب ومن قبلهم الرواة يعدون ذلك من الجرائم العظمى التي توجب النقمة.

ولذا:

نحن أمام حالتين:

ص: 141

1 - لابد من الرجوع إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام فأهل مكة أدرى بشعابها.

2 - السعي خلف تلك الشذرات المتناثرة هنا وهناك في كتب أهل الجماعة، علّنا من خلال الجمع لهذه القطرات المتناثرة نحصل على شربة ماء نبل بها ظمأ الباحث أو القراء، فكان من هذه الشذرات أو القطرات ما يأتي:

أ. ذكر أبو الفتح محمد بن كريم الشهرستاني، والخطيب البغدادي، والصفدي، في بيان مقالات النظام(1) فقال:

(إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين)(2)، (صلوات الله وسلام عليهم أجمعين).

ب. ذكر الحافظ الذهبي وابن حجر العسقلاني في ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن أبي دارم المحدث الكوفي (الذي نعته، أي الذهبي ب - (الكذاب، الرافضي) وذلك لكونه ممن قال في ظلامة فاطمة ورواية ما نزل بها على يد عمر بن الخطاب وعصابته الذين اقتحموا عليها دارها، فلاحظ قول الذهبي:

ألف: روى عنه الحاكم وقال ثقة.

ص: 142


1- أبو إسحاق إبراهيم النظام (توفي سنة 231 ه -) وهو شيخ الجاحظ، ومن شيوخ المعتزلة.
2- الملل والنحل للشهرستاني: ج 1، ص 15؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 6، ص 15؛ المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله، المراجعة (30) بتحقيق الشيخ حسين الراضي؛ فاطمة عليها السلام لتوفيق أبو علم: ص 55؛ فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم: لعمر أبو النصر، ط المكتبة الأهلية بمصر لسنة 1935 م.

باء: قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن(1).

ولا يخفى أن استخدام الذهبي، وابن حجر العسقلاني، وغيرهما لهذا المنهج في تسقيط من يقول بتلك الجريمة بشكل خاص، وبالمثالب بشكل عام، هو لغرض منع القارئ أو الباحث من الأخذ بهذه الأقوال أو التصديق بها ونشرها، ومن ثم فهم يمنعون ما أنزل الله من التكاليف في انصاف المظلوم، وفضح الظالم، فهم هنا شركاء في هذه الجريمة.

ثالثا: إسقاط جنينها المسمى ب - (المحسن) بفعل هجوم عمر بن الخطاب وعصابته على بيت فاطمة عليها السلام

نورد هنا ما جمعه سماحة السيد محمد مهدي الخرسان في كتابه الموسوم (المحسن السبط، مولود أم سقط) لمجموعة من المؤرخين والنسابة والمتكلمين، فقد وجدنا فيها الكفاية والفائدة الكبيرة، وهي كالآتي:

1 - ابن قتيبة الدينوري (توفي سنة 276 ه -) حكى عنه الحافظ السروري المعروف بابن شهر آشوب (ت 588 ه -) في كتابة مناقب آل أبي طالب، قال:

(وأولادها: الحسن والحسين والمحسن سقط، وفي معارف القتيبي: (إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العروي).

ص: 143


1- ميزان الاعتدال للذهبي: ج 1، ص 283، برقم 551؛ لسان الميزان لابن حجر: ج 1، ص 268، برقم 824.

وعند مراجعة كتاب المعارف المطبوع لم نجد ذلك فيه، ولمّا كان الحافظ الكنجي الشافعي (ت 658 ه -) قد أكّد حكاية ابن شهرآشوب لذلك عن ابن قتيبة بعد أن ذكر أنّ فاطمة عليها السّلام أسقطت بعد النبي ذكراً كان سماه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم محسناً، فقال الكنجي: وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة.

2 - النسابة الشيخ أبو الحسن العمري وكان حياً (سنة 425 ه -) قال في كتابه المجدي؛ بعد ذكر اختلاف النسابين في المحسن: ولم يحتسبوا بمحسن لأنّه ولد ميتاً، وقد روت الشيعة خبر المحسن والرفسة، ووجدت بعض كتب أهل النسب يحتوي على ذكر المحسن، ولم يذكر الرفسة من جهة أعوّل عليها.

3 - النسابة محمد بن أسعد بن علي الحسيني الجواني (ت 588 ه -) ذكر المحسن في الشجرة المحمدية والنسبة الهاشمية وقال: أسقط، وقيل: درج صغيراً، والصحيح أنّ فاطمة عليها السّلام أسقطت جنيناً.

4 - كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت 652 ه -) قال في مطالب السؤول عند ذكر أولاد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:

(اعلم أيّدك الله بروح منه، أنّ أقوال الناس اختلفت في عدد أولاده) ذكوراً وإناثاً، فمنهم من أكثر فعدّ فيهم السقط، ولم يسقط ذكر نسبه، ومنهم من أسقطه ولم ير أن يحتسب في العدة، فجاء قول كل واحد بمقتضى ما اعتمده في ذلك وبحسبه ثم نقل عن صفة الصفوة وغيرها ذكرهم إلى أن قال: وذكر قوم آخرون زيادة على ذلك، وذكروا فيهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين عليهما السّلام وكان سقطاً).

ص: 144

5 - الحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت 658 ه -)، حكى في كتابه كفاية الطالب عند ذكر أولاد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قول المفيد في عددهم، ثم قال: وزاد الجمهور وقال: إنّ فاطمة عليها السّلام أسقطت بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم ذكراً كان سمّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم محسناً، وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلاّ عند ابن قتيبة.

6 - الحمويني (ت 730 ه -)، ذكر باسناده في فرائد السمطين حديثاً عن ابن عباس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن عليه السّلام فلمّا رآه بكى، ثم قال:

«إليّ إليّ يا بني».

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين عليه السّلام فلما رآه بكى ثم قال:

«إليّ إليّ يا بُني».

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة عليها السّلام، فلما رآها بكى ثم قال:

«إليّ إليّ يا بنية فاطمة».

فأجلسها بين يديه.

ثم أقبل أمير المؤمنين علي عليه السّلام، فلما رآه بكى ثم قال:

«إليّ إليّ يا أخي».

فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله

ص: 145

ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت، أوما فيهم مَن تسرّ برؤيته؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم:

«والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية، إنّي وإياهم لأكرم الخلائق على الله عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم أما علي بن أبي طالب...».

وذكر فضله وما خصّه الله به.

«.... وأما ابنتي فاطمة فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة منّي وهي...، وإنّي لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغُصب حقها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأُسقطت جنينها».

إلى أن قال: يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

«اللّهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل كذا والصواب فأذل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها».

فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

7 - الحافظ جمال الدين المزي (ت 742 ه -)، قال في كتابه تهذيب الكمال: كان لعلي من الولد الذكور... والذين لم يعقبوا محسن درج سقطاً.....

أقول: ونقل ذلك عنه الفاسي في العقد الثمين أيضاً.

8 - الشيخ الإمام سعيد بن محمد بن مسعود الكازروني (ت 758 ه -)، جاء في كتابه مطالع الأنوار المصطفوية في شرح مشارق الأنوار النبوية للصغاني الحنفي

ص: 146

(ت 650 ه -)، عند ذكره رواة الكتاب على ترتيب حروف المعجم، فقال في حرف الفاء:

فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كان من حقها أن تذكر في أول الأسامي لكن ترتيب الكتاب اقتضى هذا التنسيق... إلى أن قال بعد ذكر شيء من ترجمتها: وولدت لعلي الحسن والحسين والمحسن، وقيل: سقط المحسن من بطنها ميتاً بسبب أنّ عمر بن الخطاب دقّ الباب على بطنها حين جاء لعلي أن يروح به إلى عند أبي بكر لأخذ البيعة.

9 - الصلاح الصفدي (ت 764 ه -)، قال في الوافي بالوفيات: والمحسن طرح، وحكى ذلك من كتاب شيخه الذهبي (فتح المطالب في فضل علي بن أبي طالب) ولمّا لم نقف على كتاب شيخه فاكتفينا بنقله عنه، وعددنا شيخه ممّن قال بأنّ المحسن سقط.

10 - التقي الفاسي الحسني المكي (ت 832 ه -)، ذكر في كتابه العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين في ترجمة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أولاد الإمام، فحكى قول ابن قتيبة: (ولعلي رضي الله عنه من الولد الحسن والحسين ومحسن...) فعلق المحقق فؤاد سيد على اسم المحسن فقال: تكملة من المعارف.

أقول: ولا ندري هل عدم ذكره (كان سقطاً) من سهو القلم، أم هو من الاسقاط المتعمد؟ ثم انّ الفاسي حكى أيضاً في كتابه قول الحافظ المزي في تهذيب الكمال: (ومحسن درج سقطاً) ولم يعقب عليه بشيء، فهو إمضاء منه لقوله.

وذكر الفاسي أيضاً في كتابه في ترجمة الزهراء عليها السّلام قول أبي عمر:

ص: 147

(فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب...).

فعلق المحقق على ذلك في الهامش فقال: (ومحسناً) كما في سير أعلام النبلاء حكاية عن ابن عبد البر.

أقول: وما ذكره الطناحي صحيح، فهو موجود في سير أعلام النبلاء، لكن إذا رجعنا إلى الاستيعاب وهو كتاب أبي عمر وهو ابن عبد البر، فلا نجد ذلك النص جملة وتفصيلاً، وبين يدي ثلاث طبعات من الاستيعاب.

- طبعة حيدر آباد سنة 1326 ه -.

- طبعة مصطفى محمد سنة 1339 بهامش الإصابة.

- طبعة محققة بتحقيق علي محمد البجاوي بمطبعة نهضة مصر.

وقد راجعت ترجمتي الإمام أمير المؤمنين والزهراء عليهما السّلام، فلم أجد النص المذكور، فيا ترى من الذي غصّ بذكر المحسن، فابتلعه على مضض ليضيع ذكره كما خفي قبره، وعلى سنن الماضين جاء سير الخالفين، وهكذا أضاع الخلف ما يدين السلف طمساً للحقائق، فالله حسيبهم.

11 - إبراهيم بن عبد الرحمن الحنفي الطرابلسي، (كان حيّاً سنة 841 ه -)، قال في المشجرة التي صنعت للخليفة الناصر وكتبت لخزانة صلاح الدين ص 9: محسن بن فاطمة أسقط، وقيل درج صغيراً، والصحيح أن فاطمة أسقطت جنينها.

12 - ابن الصباغ المالكي الصفاقسي (ت 855 ه -)، قال في الفصول المهمة في ذكر أولاد الإمام: وذكروا أنّ فيهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين، ذكرته الشيعة وأنّه كان سقطاً.

ص: 148

أقول: ولم يعقب على ذلك بشيء، فهو إمضاء منه لما قالته الشيعة، ولو لم يكن كذلك لردّ عليهم بشيء.

13 - أبو الفضيل محمد الكاظم بن أبي الفتوح، قال في كتابه (النفحة العنبرية في أنساب خير البرية) الذي ألّفه سنة 891 ه -: (والمحسن وأخوه ولدا ميتين من الزهراء).

14 - الصفوري الشافعي (ت 894 ه -)، قال في نزهة المجالس: (كان الحسن أول أولاد فاطمة الخمسة: الحسن، والحسين، والمحسن كان سقطاً، وزينب الكبرى، وزينب الصغرى) وقال في كتابه الآخر: (المحاسن المجتمعة في الخلفاء الأربعة) من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر قال: وأسقطت فاطمة سقطاً سمّاه علي محسناً.

أقول: وهذا ليس في الاستيعاب المطبوع فلاحظ.

15 - الشيخ جمال الدين يوسف المقدسي (ت 909 ه -)، في الشجرة النبوية في نسب خير البرية قال: (محسن، قيل: سقط، وقيل: بل درج صغيراً، والصحيح أنّ فاطمة أسقطت جنيناً).

16 - النسابة عميد الدين كان حياً سنة 929 ه - ذكره في المشجر الكشاف فقال: (والمحسن الذي أسقط).

17 - السيد مرتضى الزبيدي المتوفى 1205 ه -، قال في تاج العروس (شبر): (المحسّن بتشديد السين، ذهب أكثر الإمامية من أنه كان حملاً فأسقطته فاطمة الزهراء لستة أشهر، وذلك بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم).

ص: 149

أقول: ولمّا لم يعقب على قول الإمامية برد عليه، فذلك السكوت رضىً به.

18 - الشيخ محمود بن وهيب الحنفي القراغولي قال في جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: (وأما محسّن فأدرج سقطاً).

19 - الشيخ محمد الصبان الشافعي (ت 1206 ه -)، قال في كتابه اسعاف الراغبين بهامش مشارق الأنوار للحمزاوي: (فأما محسن فأدرج سقطاً).

20 - الشيخ حسن الحمزاوي المالكي قال في كتابه مشارق الأنوار الذي فرغ من تأليفه (سنة 1264 ه -) كما في آخره.

قال: (وأما محسن فأدرج سقطاً).

21 - محمد بن محمد رفيع ملك الكتاب من علماء أواخر القرن الثالث عشر قال في كتابه رياض الأنساب ما تعريبه: (وولد آخر معدود في أولاده يعني الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام كانت الزهراء عليها السّلام حاملاً به، فأسقطته قبل استكمال مدة الحمل، لأنّ قنفذاً ضربها وزحمها خلف الباب).

22 - المؤرّخ الفارسي الشهير س في كتابه ناسخ التواريخ في الجزء المختص بالزهراء قال ما تعريبه: ذكر أنّ المحسن الذي سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات سقطاً، لأنّ قنفذاً والمغيرة بن شعبة مع غيرهما ضربوا الزهراء فأسقطوا جنينها)(1).

فهذه بعض مصادر أهل الجماعة التي تنص على قتل المحسن ابن فاطمة صلوات الله عليها دون أن تذكر كثير منها العلة التي أدت إلى قتل هذا الجنين

ص: 150


1- المحسن السبط مولود أم سقط للسيد محمد مهدي الخرسان: ص 120-125.

وكأنهن يدركون أن البيان للقاتل لا يجدي نفعاً في الحياة الدنيا وذلك أن الله تعالى سيسأل المحسن عن قتلته يوم القيامة وهو القائل سبحانه:

(وَ إِذَا اَلْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)(1).

رابعاً: أسماء الذين اقتحموا بيت فاطمة عليها السلام حجة على منكري استشهاد فاطمة وقتلها

تناولت بعض المصادر التأريخية وغيرها أسماء الذين انطووا تحت راية عمر ابن الخطاب فقادهم للهجوم على بيت فاطمة صلوات الله عليها وهذه الأسماء وإن كانت لم تتحدث عن مجريات الجريمة وتفاصيلها إلاّ أنها حجة دامغة على من أنكر قيام عمر بن الخطاب بهذه الجريمة البشعة في حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبضعته وقلبه وروحه التي بين جنبيه.

ولعل قائلاً يقول لا دليل على قيام عمر وعصابته بهذه الجريمة، قلنا: فما الذي جاء بعمر وعصابته لبيت فاطمة فيقتحمونه بعد أن جمعوا الحطب من حوله وأضرموا فيه النار؛ أتراهم جاءوا لوليمة دعاهم إليها علي عليه السلام، أم لعيادة مريض في بيت فاطمة عليها السلام، أم لتقديم التعازي بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم أهله، وذووه، وخاصته، وحامته، لحمهم لحمه، ودمهم دمه، يؤلمه ما يؤلمهم، ويبسطه ما يبسطهم، فجاءوا - لأجل ذلك - بالحطب والنار والسياط والسيوف؟!

وعليه:

فإننا نورد بعض المصادر التي أوردت أسماء هذه العصابة التي اقتحمت بيت

ص: 151


1- سورة التكوير، الآيتان: 8 و 9.

الزهراء عليها السلام وأخرجت منه بعض الصحابة الذين أنكروا بيعة أبي بكر، فكانت كالآتي:

1 - أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة في باب بيعة أبي بكر عن ابن شهاب الزهري قال: (وغضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر منهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعهما السلاح فجاءهم عمر، في عصابة من المسلمين فيهم: أسيد بن حضير، وسلمة بن وقش، وهما من بني عبد الأشهل، ويقال فيهم، ثابت ابن قيس بن شماس أخو بني الحارث من بني الخزرج، فأخذ أحدهم سيف الزبير فضرب الحجر حتى كسره.

قال موسى بن عقبة، قال سعيد بن إبراهيم، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف: أن عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن سلمة كانا مع عمر يومئذ، وإن محمد بن سلمة هو الذي كسر سيف الزبير)(1).

2 - ابن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة 276 ه -) في الإمامة والسياسة(2).

3 - وأخرجه الجوهري المعتزلي (المتوفى سنة 323 ه -) في كتاب السقيفة(3).

4 - روى الكلاعي (المتوفى سنة 634 ه -) هذا الحديث بلفظ فيه اختلاف يسير، في الاكتفاء(4).

ص: 152


1- كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، باب: بيعة أبي بكر، حديث 91، ج 2، ص 554.
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1، ص 18 و ص 28.
3- السقيفة وفدك: ص 46.
4- الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ج 2، ص 57.

5 - ابن أبي الحديد المعتزلي (المتوفى سنة 656 ه -) في شرحه لنهج البلاغة(1).

6 - ورواه المحب الطبري (المتوفى سنة 694 ه -) في الرياض النضرة(2).

7 - ورواه الصالحي الشامي (المتوفى 942 ه -) في سبل الهدى والرشاد(3).

8 - العاصمي في سمط النجوم العوالي(4).

وعليه:

يتضح من خلال سياق الرواية التي أوردها هؤلاء الحفاظ في مصنفاتهم أن العصابة التي جاء بها عمر بن الخطاب لاقتحام بيت الزهراء عليها السلام كانوا كالآتي:

1 - عمر بن الخطاب وهو قائد هذه العصابة.

2 - أسيد بن حضير.

3 - سلمة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل.

4 - ثابت بن قيس بن شماس أخو بني الحارث من بني الخزرج.

5 - عبد الرحمن بن عوف.

في حين جاءت الروايات في بيان أسماء أخرى ك -:

ص: 153


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2، ص 50.
2- الرياض النضرة: ج 2، ص 213، ط دار القرب الإسلامي.
3- سبل الهدى والرشاد: ج 12، ص 317.
4- سمط النجوم العوالي: ج 1، ص 375.

6 - قنفذ العروي.

9 - خالد بن الوليد(1).

10 - عثمان بن عفان.

11 - المغيرة بن شعبة.

12 - مولى أبي حذيفة وقد نص عليها الشيخ المفيد(2).

ولا شك أن العدد الذي جاء به عمر بن الخطاب للهجوم على بيت فاطمة أكثر بكثير وذلك أن عدد الذين كانوا داخل بيت علي بن أبي طالب عليه السلام أكثر فقد قيل في عددهم.

1 - جماعة من بني هاشم ولم تذكر الروايات عددهم.

2 - الزبير بن العوام خال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - عتبة بن أبي لهب.

4 - المقداد بن الأسود.

5 - سلمان الفارسي.

6 - أبو ذر الغفاري.

7 - عمار بن ياسر.

8 - البراء بن عازب.

ص: 154


1- تاج العروس للزبيدي: ج 16، ص 240.
2- كتاب الجمل للمفيد: ص 117.

9 - أبي بن كعب.

10 - العباس بن عبد المطلب.

11 - خالد بن سعيد بن العاص، وهو الوحيد من بني أمية.

12 - طلحة بن عبيد الله.

13 - أبو سعيد الخدري.

14 - وجماعة آخرون لم يذكروا أسماءهم(1).

ولا شك أن القوة التي تستخدم في الهجوم تلزم أن تكون أكثر عدداً من القوة المدافعة وذلك لغرض تحقيق الحسم والانتصار وهو ما قام به عمر بن الخطاب فبعد أن بايع أكثر المهاجرين وانحاز الأنصار إلى هذه البيعة فضلاً عن استخدام الأعراب كأداة ضاربة في هذا الهجوم وهم المرتزقة الذين جندهم ابن الخطاب لتثبيت البيعة لأبي بكر وقد جاءوا إلى المدينة بحجة شراء التمر مما يكشف عن الإعداد المسبق لهذا الانقلاب الذي أخبر عنه القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

1 - قال تعالى:

(وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّٰهُ اَلشّٰاكِرِينَ)(2).

ص: 155


1- سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 1، ص 374؛ وفيات الأعيان: ص 16، 25، 35، 38، 40.
2- سورة آل عمران، الآية: 144.

2 - وقال صلى الله عليه وآله وسلم، (وقد أورده البخاري:

«بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم».

فقال: هَلُمّ، فقلت:

«أين؟».

قال: إلى النار والله، فقلت:

«وما شأنهم؟».

قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري.

«ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم».

فقال: هلم، قلت:

«أين؟».

قال: إلى النار والله، قلت:

«ما شأنهم؟».

قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم)(1).

أي: القليل جداً.

3 - وأخرج مسلم في صحيحه عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول وهو بين ظهراني أصحابه:

ص: 156


1- صحيح البخاري، كتاب الرقاق: ج 7، ص 209.

«إني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم، فو الله ليقطعن دوني رجال فلأقولن: أي رب مني ومن أمتي؟».

فيقول:

«إنك لا تدري ماعملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم»).

4 - وأخرج الدارقطني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، (إن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قال:

«يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك أنهم ارتدوا على أعقابهم القهقري»)(1).

خامساً: محاولات يائسة من ابن أبي الحديد المعتزلي وغيره في دفع جريمة قتل فاطمة عليها السلام وإحراق بيتها عن أبي بكر وعمر وغيرهما

إن المتتبع لأقوال ابن أبي الحديد المعتزلي في جريمة قتل فاطمة صلوات الله عليها بعد أن حرق بيتها بيد عمر بن الخطاب وعصابته، يوقن ببعض الحقائق وهي كالآتي:

1 - إن هذا التردد بين تصويب الحادثة والإقرار بوقوع الجريمة في حرق بيت فاطمة عليها السلام وما تبعه من آثار أدت إلى استشهادها وبين نفي هذه الحادثة أو تكذيبها أو الإقرار ببعض جزئياتها سببه وجود روايات صحيحة، وأقوال صريحة

ص: 157


1- الالزامات والتتبع للدارقطني: ص 122، ط دار الكتب العلمية؛ فتح الباري لابن حجر: ج 11، ص 464، ح 6586.

لأئمة أهل السنة والجماعة.

إلاّ أن ثقل الحديث وتأثيره على المسلم وصعوبة استيعاب أن يقدم مجموعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هتك حرمته والتجري على الله بمثل هذا المستوى من الأفعال التي لا يقدم عليها يهودي أيقن أن لأهل هذا البيت حرمة كما لموسى عليه السلام وغيره، فكيف بمسلم يؤمن بالله وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، أن يقدم على حرق بيت نبيه وقتل ابنته وجنينها؟!

2 - إن هذا التردد لم يقتصر فقط على ابن أبي الحديد المعتزلي وحسب بل كل من أراد الانصاف عند قراءته التاريخ والوقوف عند حوادثه وأحداثه التي عصفت بالأمة منذ أن سجلت أقلام المؤرخين تاريخ الإسلام ورسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - إنّ هذا التردد بين الإقرار بوقوع هذه الجريمة واستشهاد فاطمة على يد عمر بن الخطاب وعصابته وبين نفي الحادثة وتكذيبها وتكفير القائل بها لم يكن ليغير من الواقع شيئاً فالحادثة واقعة كما وقع بعث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقام يدعو إلى الإسلام فآمن به من آمن وكفر به من كفر؛ ومن ثم فإنكار وجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع هذا الانتشار للإسلام لا يغير من الواقع شيئاً ولا يضر إلاّ بالناكر له، وكذاك كان مقتل فاطمة وجنينها وحرق بيتها، فإنه لا يضر إلا الناكر له لقوله تعالى:

(وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)(1).

ص: 158


1- سورة الصافات، الآية: 24.

4 - إن هذا التحزب للحق أو الباطل هو من السنن الكونية التي أوجدها الله تعالى ومن ثم لا تنتهي بقول ابن أبي الحديد ومن قبله الشريف الرضي أو الشيخ الطوسي أو ابن تيمية أو الألباني أو قولنا في هذا البحث.

وإنما ليهلك من هلك عن بينة وليحيا من يحيا عن بينة، وعسى أن يهدي الله بهذا العمل امرءً واحداً فهو خير مما طلعت عليه الشمس كما ورد في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم(1).

وعليه:

أوردنا تردد ابن أبي الحديد ومحاولاته دفع الجرم عن المجرم إنما كان تبعاً لما يخالط النفس من الإقرار للحق والإذعان إليه وبين التمرد عليه والانزلاق إلى الباطل، فكان مما قال:

1 - جاء في الجزء الثاني من شرح نهج البلاغة قوله:

(وقد قال قوم من المحدثين بعضه ورووا كثيراً منه: أن علياً امتنع من البيعة إلى أن يقول: ولم يتخلف إلا علي عليه السلام وحده فإنه اعتصم ببيت فاطمة فتحاموا إخراجه قسراً وقامت فاطمة إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه فتفرقوا وعلموا أنه بمفرده لا يضر شيئاً فتركوه، وقيل أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر فبايعه.

ثم يقول: فأما حديث التحريق، وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة، وقول

ص: 159


1- قال صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: «يا علي لئن يهدِ الله بك رجلاً واحداً لخير لك مما طلعت عليه الشمس».

من قال: إنهم أخذوا علياً يقاد بعمامته والناس حوله؛ فأمر بعيد، والشيعة تنفرد به.

على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه وسنذكر ذلك)(1).

والملاحظ في هذا النص ما أشرنا إليه آنفاً من وجود حالة من التردد والتناقض بين الإقرار بالحدث ونفيه وبين أن الشيعة قد تفردوا به، وبين أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه، والسبب في ذلك هو إقراره بأن حديث التحريق وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة لا يحتمله قلب كل مسلم يخاف يوم الحساب فكيف له أن يسلّم بها.

2 - قال في الجزء السابع عشر من شرحه لنهج البلاغة:

(وأما حديث الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام فقد تقدم الكلام فيه، والظاهر عندي: صحة ما يرويه المرتضى والشيعة، ولكن لا كل ما يزعمونه؛ بل كان بعض ذلك؛ وحق لأبي بكر أن يندم ويتأسف على ذلك، وهذا يدل على قوة دينه وخوفه من الله تعالى)(2).

أقول:

1 - وهذا النص أوضح من السابق في حالة التردد التي كان يمر بها ابن أبي الحديد المعتزلي فهو بين ثبوت صحة ما وقع من جريمة تحريق بيت فاطمة وقتلها وجنينها فهذا الذي يرويه المرتضى والشيعة فضلاً عن كسر ضلعها ولطم خدها

ص: 160


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 2، ص 21-22، بتحقيق أبو الفضل إبراهيم.
2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 17، ص 168.

وضربها بالسوط؛ يعود ابن أبي الحديد فيحاول التنصل مما ثبت عنده من صحة هذه الأحداث فيقول:

(ولكن لا كل ما يزعمونه، بل كان بعض ذلك)، ولم يفصح لنا المعتزلي عن الكل الذي روته الشيعة وعن البعض الذي وجده من هذا الكل صحيحاً؟

2 - لقد بدا واضحاً لدينا أن أحد أهم الأسباب التي جعلت ابن أبي الحديد يعتقد بصحة ما يرويه الشريف المرتضى والشيعة في قتل فاطمة وإحراق بيتها هو اعتراف رأس هذه العصابة والموجه والمخطط لها، أي أبو بكر بن أبي قحافة وذلك من خلال ندمه وتأسفه على ما فعل في كشف بيت فاطمة وإحراقه والهجوم عليه.

إلاّ أن المعتزلي كعادته يضع القارئ في حيرة ولم يلمس منه أي الأحداث ثبت لديه واعتقد بصحته، هل ندم أبو بكر وتأسفه على ما اقترفت يداه في هذه الفظائع؛ أم (قوة دينه وخوفه من الله تعالى - كما يزعم ابن أبي الحديد -) هو الذي دفعه لهذا الندم والتأسف.

والسؤال المطروح متى كان أبو بكر خائفاً من الله تعالى، هل كان خائفاً قبل اعطائه الأمر لعمر بن الخطاب:

(إن أبوا فقاتلهم)؛ أم بعد الهجوم على عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحرق البيت بمن فيه؟!

فإن كان خائفاً من الله قبل حرق بيت فاطمة وقتلها، فكيف يخاف الله من هتك أعظم حرمات الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟

وإن كان بعد قتل فاطمة وجنينها وإرعاب الحسن والحسين عليهم السلام

ص: 161

فهو ليس خوفاً من الله، بل من نار الله التي أعدها لمن آذى رسوله فقال سبحانه:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً)(1).

ومن يلعنه الله تعالى لا تدركه الرحمة فحاله في ذاك حال إبليس الذي استحق العذاب والخلود في النار:

(وَعْدَ اَللّٰهِ لاٰ يُخْلِفُ اَللّٰهُ وَعْدَهُ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ)(2).

3 - قال في الجزء العشرين من شرحه للنهج:

(وأما ما ذكره - أي الشريف المرتضى رحمه الله - من الهجوم على دار فاطمة عليها السلام وجمع الحطب لتحريقها فهو خبر واحد غير موثوق به ولا معول عليه في حق الصحابة، بل ولا في حق أحد من المسلمين ممن ظهرت عدالته).

وأقول:

1 - نعم، فمن ظهرت عدالته من المسلمين لا يقدم على أمر شنيع كهذا وأي ذنب أشنع من جمع الحطب حول دار فاطمة وإضرام النار فيه والهجوم على أهله، ومن هم أهله؟!!

أهل محمد سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، فضلاً عما نزل فيهم من الذكر الحكيم.

2 - أما كونه غير معوّل عليه في حق الصحابة؛ فهذا خلاف القرآن والسنة،

ص: 162


1- سورة الأحزاب، الآية: 57.
2- سورة الروم، الآية: 6.

وذلك لما يأتي:

ألف: أما القرآن فقد نزلت سورة كاملة في بيان صفات المنافقين، وقد ثبت عند أئمة الحديث والرجال: أن الصحابي: هو من شاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمع منه حديثاً؛ ولولا وجود المنافقين فيما بين الصحابة لما احتاج أهل السنة والجماعة إلى علم الجرح والتعديل، كما لما كانوا قد احتاجوا إلى إفراد الأحاديث بين الصحيح والضعيف والمكذوب والمرسل فكانت الصحاح الستة والمستدركات ولجمعت أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها دون تمييز وتمحيص.

وعليه:

فإن وجود المنافقين والكذابين والمدلسين فيما بين الصحابة ينفي تحقق العدالة فيهم جميعاً على حد سواء، إلاّ من ثبتت عدالته بالدليل القاطع؛ وإلاّ كان المعتقد بعدالة جميع الصحابة لكونهم شاهدوا أو سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معترضاً ومنكراً عمداً لكتاب الله تعالى وأحكامه.

باء: وأما ما ورد في السنة فقد ذكر فيما مضى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما، وهي تنص على انقلاب الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنهم أحدثوا من بعده ورجعوا على أعقابهم رجوعاً قهقرياً حتى لا يخلص ولا ينجو منهم إلاّ القليل، وإن هؤلاء الذين انقلبوا من بعده وأحدثوا الفتنة في الأمة يقادون بسياط من نار إلى جهنم وبئس المصير.

ص: 163

من هنا:

فقول ابن أبي الحديد المعتزلي: إن جمع الحطب لتحريق بيت فاطمة عليها السلام غير معول عليه في حق الصحابة، كلام سخيف ومخالف للقرآن والسنة.

3 - أما قوله، إن (الهجوم على دار فاطمة وجمع الحطب لتحريقها فهو خبر واحد وغير موثوق به)، فنقول:

ألف: لم يكن هذا الحديث من الآحاد، بل ذكره أئمة الحديث بسند صحيح وعليه: فهو مما يوثق به.

باء: تناولنا في مسألة إحراق بيت فاطمة عليها السلام بعض المصادر التي اعتمد وثوقها أهل السنة والجماعة والتي أثبتت صحة حديث التحريق لبيت فاطمة صلوات الله عليها بيد عمر بن الخطاب وعصابته الذين اقتحموا بيت فاطمة عليها السلام مما أدى إلى قتلها وقتل جنينها المحسن وغير ذلك من الفظائع؛ ونحن إذ نوردها هنا أي هذه الأحاديث تسهيلاً للقارئ وقطعاً للطريق على المعترض والمعاند والمدلس(1).

ص: 164


1- أنظر في ظاهرة التدليس التي تضحك الثكلى ما ذكره علي محمد الصلابي في كتابه الحسن بن علي في تعليقه على حديث دخول عمر إلى بيت فاطمة عليها السلام بعد أن أورد الحديث المبتور الذي بتر منه تصريح عمر بن الخطاب وتهديده لفاطمة بحرق بيتها بمن فيه إن عاد بعض الصحابة إلى بيتها، ثم يرشد القارئ إلى أنه هو الحديث الصحيح؛ والأعجب من ذلك إيراده في هامش الكتاب تحت الرقم واحد الذي وضعه عند قوله: وهذا هو الثابت الصحيح: فيرجعه إلى: أخرجه ابن أبي شيبة: 567/14، إسناده صحيح؛ ظنّاً منه أنه بهذا التدليس على القارئ لا يعود إلى مصنف ابن ابي شيبة فيكتشف كذبه وتدليسه، فقد أورد ابن أبي شيبة في مصنفه حديث التحريق وتهديد عمر لفاطمة وحرق بيتها بمن فيه بسند صحيح.

1 - أخرج ابن أبي شيبة الكوفي (المتوفى سنة 235 ه -).

(حدثنا محمد بن بشر، نا عبيد الله بن عمر، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم، أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال:

يا بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا من بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت.

قال: فلما خرج عمر جاؤوها فقالت:

«تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ».

فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر)(1).

2 - ورواه ابن ابي عاصم عن ابن أبي شيبة بسنده وساق الحديث(2).

3 - ورواه المعتزلي في شرح النهج(3).

ص: 165


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8، ص 572، بتحقيق سعيد اللحام.
2- المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ج 92.
3- شرح نهج البلاغة: ج 2، ص 45.

في المقابل نجد أن بعض الحفاظ اتبعوا في ذلك ما كان عليه ابن أبي الحديد فقد رواه إمام الحنابلة في فضائل الصحابة وقد حذف تهديد عمر لفاطمة بتحريق بيتها بمن فيه(1).

4 - أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك(2).

5 - الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي(3).

وقد أخرجه ابن عبد البر بدون ذكر تهديد التحريق بالنار وإنما كان مطلق التهديد(4).

وهذا يكشف عن وقوع هذه الفظائع ابتداءً من جمع الحطب والتحريق وقتل فاطمة وجنينها، وإن أولائك المدافعين عن الباطل سيلقون مصير الظالمين لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 166


1- فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج 2، ص 17، برقم 532.
2- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 169، برقم 4736.
3- الصواعق المحرقة: ج 2، ص 520، ط دار الرسالة بيروت.
4- الاستيعاب: ج 3، ص 975.

المبحث الثاني: الحرب الاقتصادية على فاطمة عليها السلام

اشارة

بعد أن جرت الأحداث الفظيعة على فاطمة عليها السلام كما مرّ في المبحث السابق لم تكتف تلك السلطة الحاكمة بهذه الأضرار الجسدية والنفسية التي أفرزها اقتحام بيت فاطمة عليها السلام وإرهاب أطفالها وترويعهم.

وإنما تحول القوم، أي أبو بكر وعمر بن الخطاب ومن التف حولهم من الحرب العسكرية وحرب العصابات المسلحة إلى الحرب الاقتصادية ومحاصرة فاطمة وعلي وولديهما من جميع حقوقهما الشرعية التي فرضتها الشريعة الإسلامية وخصصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي:

1 - إرثها من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ممثلاً بمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعروف بالحوائط السبعة والعوالي.

2 - نحلتها التي نحلها إياها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممثلاً بذلك بأرض فدك.

3 - خمس خيبر.

ص: 167

وبذلك تكون فاطمة وبعلها وولداها قد منعوا من جميع المصادر المالية كي لا تقوم لأهل هذا البيت قائمة بعد رحيل سيد هذا البيت وعموده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فكيف جرت هذه الحرب الاقتصادية على فاطمة وبعلها وولديها صلوات الله عليهم أجمعين؟

المسألة الأولى: قيام السلطة الحاكمة بحبس أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنع فاطمة من إرثها
اشارة

قبل التعرف على ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أموال منقولة ينبغي الرجوع أولاً إلى حقيقة قيام السلطة الحاكمة بحبس أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنع فاطمة عليها السلام من إرثها.

1 - عن عائشة، أنها قالت: (إن فاطمة عليها السلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله عن ميراثها من رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خيبر.

فقال أبو بكر:

إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:

«لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال».

وإني والله لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

ص: 168

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت)(1).

دلالات الرواية:

1 - إن أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

ألف: أمواله في المدينة.

باء: أرض فدك.

جيم: خمس خيبر.

وهذه الأموال جاءت فاطمة عليها السلام تطالب بها السلطة الحاكمة وذلك بعد حبسها ومصادرتها وجعلها من ضمن أموال السلطة، والدليل على ذلك: هو مطالبة فاطمة عليها السلام فلو لم يصادرها أبو بكر ويحبسها عن فاطمة بكونها الوريث الوحيد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما جاءت تطالب بحقها منه.

2 - إطلاق اسم جديد على هذه الأموال وعنوان فقهي تشريعي يمكن السلطة من مصادرة هذه الأموال لحسابه كي يتصرف فيها ما يشاء، فسميت ب - (صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) أي: نفي الملكية الخاصة عن هذه الأموال إلى الملكية العامة فتنفق بحسب ما تراه السلطة التي وضعت يدها على هذه الأموال.

ولذلك: نجد في كتب التاريخ والسيرة وغيرها أن هذه الأموال تسمى بصدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كي يضيع معها أي حق لفاطمة

ص: 169


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين: ج 4، ص 210.

عليها السلام يمكن أن يلتفت إليه المسلمون فيما بعد وعلى مرور الزمن.

3 - إن أبا بكر كان يدرك جيداً أن هذه الأموال هي مما يستعين به آل محمد على مؤونتهم وذلك أن الله تعالى كان قد حرم عليهم الصدقة وأباح لهم الخمس وما ورثته فاطمة من أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله تعالى عليه - كما سيمر بيانه -.

وعليه:

أصبح آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين مطرقة حرمة الصدقات فلا يجوز لهم أكل الصدقة وبين حبس الخمس فمن أين يأكلون؟! ولذا: كان حصاراً بعنوان شرعي حتى يتم القضاء على أهل بيت فاطمة عليها السلام.

4 - إن فاطمة عليها السلام بحرمانها من حقها ومصادرة أموالها التي ورثتها ومنع الخمس عنها، نتج عنه غضبها على أبي بكر فلم تكلمه حتى انتقلت إلى بارئها لتشكو إليه ما نزل بها من الظلم، وقد ثبت في الصحاح عنه صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن الله يرضى لرضا فاطمة - عليها السلام - ويغضب لغضبها».

ولكن ما هي أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة، وفدك، وخمس خيبر؟!

أولاً: ما حجم أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة؟
اشارة

كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أموال كثيرة في المدينة المنورة وقد جاءت إليه هدية خالصة لنفسه وهي كالآتي:

ص: 170

ألف: الحوائط السبعة؛ أو أرض العوالي التي كانت لمخيريق اليهودي

وهذه الأرض مكونة من سبعة بساتين عامرة ومليئة بالنخيل والأشجار، فضلاً عن زراعتها بكثير من الحاصلات الأرضية كالخضار.

وقد جاءت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتقلت إليه من خلال وصية أوصى بها المالك لهذه الحوائط السبعة أي البساتين - (مخيريق اليهودي) وقد نص على انتقالها أهل السير، فمما قالوا:

1 - قال ابن إسحاق (المتوفى سنة 150 ه -) وهو أول من صنف السيرة النبوية:

(وكان من حديث مخريق، وكان حبراً عالماً، وكان رجلاً غنياً كثير الأموال من النخل وكان يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته، وما يجد في علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك، حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم أحد يوم السبت، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه، فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم (وأصحابه) بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم، فأموالي لمحمد (صلى الله عليه - وآله - وسلم) يصنع فيها ما أراه الله، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم - فيما بلغني - يقول:

«مخيريق خير يهود».

وقبض رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم أمواله، فعامة صدقات

ص: 171

رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم بالمدينة منها)(1).

2 - وروى ابن أبي شبة النميري في تاريخ المدينة أسماء هذه الحوائط السبعة وسبب تسميتها بهذه الأسماء فقال: (عن ابن شهاب الزهري، قال: كانت صدقات رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم أموالاً لمخيريق اليهودي، قال عبد العزيز بلغني أنه كان - أي مخريق من بقايا بني قينقاع - وأوصى مخريق بأمواله للنبي صلى الله عليه - وآله - وسلم، وشهد أحداً فقتل بها، فقال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«مخيريق سابق اليهود، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة».

وأسماء أموال مخيريق التي صارت للنبي صلى الله عليه - وآله - وسلم: الدلال، وبرقة، والأعواف، والصافية، والمشيب، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم.

فأما الصافية والبرقة والدلال والمنيب، فمجاورات بأعلى السورين من خلف قصر مروان بن الحكم، فيسقيها مهزور.

وأما مشربة أم إبراهيم فيسقيها مهزور، فإذا خلفت بيت مدراس اليهود، فحيث مال أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة الأسدي، فمشربة أم إبراهيم إلى جنبه، وإنما سميت (مشربة أم إبراهيم) لان أم إبراهيم من رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ولدته فيها، وتعلقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، فتلك الخشبة اليوم معروفة في المشربة.

ص: 172


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 2، ص 362؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، ص 501؛ تاريخ المدينة لابن شبة: ج 1، ص 173؛ الأحكام السلطانية للماوردي: ص 169.

وأما حسنى فيسقيها مهزور وهي من ناحية القف.

وأما الأعواف فيسقيها أيضا مهزور، وهي أموال بني محمم.

- قال أبو غسان: وقد اختلف في الصدقات، فقال: بعض الناس هي أموال قريظة والنضير.

- فحدثني عبد العزيز بن عمران، عن أبان بن محمد البجلي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كانت (الدلال) لامرأة من بني النضير، وكان لها سلمان الفارسي، فكاتبته على أن يحييها لها ثم هو حر، فأعلم ذلك النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم، فخرج إليها فجلس على فقير، ثم جعل يحمل إليه الودي فيضعه بيده، فما عدت منها ودية أن أطلعت. قال: ثم أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه - وآله - وسلم.

قال: والذي تظاهر عندنا أنها من أموال النضير، ومما يدل على ذلك أن مهزورا يسقيها، ولم يزل يسمع أنه لا يسقي إلا أموال بني النضير.

- قال: وقد سمعنا بعض أهل العلم يقول: إن برقة والميثب للزبير بن باطا، وهما اللتان غرس سلمان، وهما مما أفاء الله من أموال بني قريظة ويقال: كانت (الدلال) من أموال بني ثعلبة من اليهود، و (حسنى) من أموالهم، و (مشربة أم إبراهيم) من أموال بني قريظة، و (الأعواف) كانت لخنافة اليهودي من

بني قريظة، والله أعلم أي ذلك الحق، وقد كتبناه على وجهه كما سمعنا)(1).

ص: 173


1- تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج 1، ص 173-175؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1، ص 518.
باء: أرضه من أموال بني النضير

قال الماوردي:

(وهي أول أرض أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فأجلاهم عنها وكف عن دمائهم وجعل ما حملته الإبل من أموالهم إلاّ السلاح، فخرجوا بما استقلت أبلهم إلى خيبر والشام وخلصت أرضهم كلها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ ما كان ليمين بن عمير وأبي سعد بن وهب فإنهما أسلما قبل الظفر، فأحرز لهما إسلامهما ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما سوى الأرضين من أموالهم على المهاجرين الأولين دون الأنصار إلاّ سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة فإنهما ذكرا فقرا فأعطاهما وحبس الأرضين على نفسه فكانت من صدقاته حيث يشاء وينفق منها على أزواجه، ثم سلمها عمر ابن الخطاب إلى العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب عليه السلام)(1).

جيم: ثلاثة حصون من خيبر

كانت خيبر من الأماكن التي استملكها اليهود وبنوا فيها مجموعة من الحصون بلغ عددها ثمانية حصون كانوا يتحصنون بها من كل عدو.

ولما فتح الله تعالى عليه خيبر جاءته ثلاثة منها سلماً وصلحاً، وفي ذلك يقول الماوردي (وَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ حُصُونٍ: نَاعِمَ وَالْقُمُوصَ وَشَقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَالْوَطيحَ وَالسَّلالِمَ وَحِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ أَوَّلَ حِصْنٍ فَتَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ مِنْهَا نَاعِمٌ وَعَنْهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ

ص: 174


1- الأحكام السلطانية للماوردي: ص 169.

وَالثَّانِي الْقُمُوصُ وَهُوَ حِصْنُ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ، وَمِنْ سَبْيِهِ

(اصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ فَأَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا).

ثُمَّ حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَكَانَ أَعْظَمَ حُصُونِ خَيْبَرَ وَأَكْثَرَهَا مَالاً وَطَعَامًا وَحَيَوَانًا، ثُمَّ شَقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ فَهَذِهِ الْحُصُونُ السِّتَّةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ افْتَتَحَ الْوَطْيحَ وَالسَّلالِمَ وَهِيَ آخِرُ فُتُوحِ خَيْبَرَ صُلْحًا بَعْدَ أَنْ حَاصَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَة لَيْلَةَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ وَيَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَمَلَكَ مِنْ هَذِهِ الْحُصُونِ الثَّمَانِيَةِ ثَلاثَةَ حُصُونٍ الْكَتِيبَةَ وَالْوَطيحَ وَالسَّلالِمَ: أَمَّا الْكَتِيبَةُ فَأَخَذَهَا بِخُمُسِ الْغَنِيمَةِ.

وَأَمَّا الْوَطيحُ وَالسَّلالِمُ فَهُمَا مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ لأنهُ فَتَحَهَا صُلْحًا، فَصَارَتْ هَذِهِ الْحُصُونُ الثَّلاثَةُ بِالْفَيْ ءِ وَالْخُمُسِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - وآله - وَسَلَّمَ فَتَصَدَّقَ بِهَا وَكَانَتْ مِنْ صَدَقَاتِهِ.

وَقَسَّمَ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَفِي جُمْلَتِهَا وَادِي خَيْبَرَ وَوَادِي السَّرِيرِ وَوَادِي حَاضِرٍ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَتْ عِدَّةُ مَنْ قُسِمَتْ عَلَيْهِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَهُمْ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ خَيْبَرَ وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَمْ يَغِبْ عَنْهَا إلاّ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَسَمَ لَهُ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا، وَكَانَ فِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ أَعْطَاهُمْ سِتَّمِائَةِ سَهْمٍ، وَأَلْفٌ وَمِائَتَا سَهْمٍ لألفٍ وَمِائَتَيْ رَجُلٍ، فَكَانَتْ سِهَامُ جَمِيعِهِمْ أَلْفًا وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ، أَعْطَى لِكُلِّ مِائَةٍ سَهْمًا فَلِذَلِكَ صَارَتْ خَيْبَرُ مَقْسُومَةً عَلَى ثَمَانِيَةَ

ص: 175

عَشَرَ سَهْمًا)(1).

دال: أرض فدك

(كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فتح خيبر جاءه أهل فدك فصالحوه بسفارة محيصة بن مسعود على أن لهم نصف أرضهم ونخلهم يعاملهم عليه ولهم النصف الآخر، فصار النصف منها من صدقاته معاملة مع أهلها بالنصف من ثمرتها والنصف الآخر خالصاً لهم إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب فيمن أجلاه من أهل الذمة عن الحجاز فقوم فدك ودفع إليهم نصف القيمة فبلغ ذلك ستين ألف درهم، وكان الذي قوّمها مالك بن التيهان وسهل بن أبي حتمة وزيد بن ثابت، فصار نصفها من صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونصفها الآخر لكافة المسلمين، ومصرف النصفين الآن سواء)(2).

وقد نحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأرض لفاطمة عليها السلام قبل وفاته بأمر من الله تعالى كما سيمر بيانه في المسألة القادمة.

هاء: الثلث من أرض وادي القرى

وهو وادٍ بين المدينة والشام، ما بين تيماء وخيبر؛ وسمي بوادي القرى: لأن الوادي من أوله إلى آخره مكون من عدة قرى، يقع قسمٌ منها على طريق حاج الشام وكان يسكنها اليهود.

وهذه الأرض كانت مقسمة إلى ثلاثة أثلاث فثلثها الأول كان لبني عذرة،

ص: 176


1- الأحكام السلطانية: ص 170.
2- الأحكام السلطانية: ص 170؛ تركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحماد بن إسحاق: ص 79.

وثلثها الثاني والثالث كان لليهود، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نصفه، فصارت أثلاثاً: ثلثها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو من صدقاته، وثلثها لبني عذرة، إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب، وقومت في زمانه فكانت قيمتها تسعين ألف دينار)(1).

واو: موضع سوق بالمدينة يقال له: مهروذ أو مهروز

واو: موضع سوق بالمدينة يقال له: مهروذ أو مهروز(2)

فهذا حجم أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير المنقولة وجميعها كانت في المدينة وقد قام أبو بكر بحبسها ومصادرتها وجعلها في ميزانية الحكومة الجديدة وجميعها من حق فاطمة عليها السلام تحت عنوان إرثها من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فجعلها أبو بكر وعمر صدقة كي تخرج من يدي بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

سعياً منهم بسد المنافذ على علي وفاطمة من التمكن في إنفاق درهم واحد في المطالبة بحق علي عليه السلام في خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيستعين به كما استعان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمال خديجة في قيام الإسلام.

ثانيا: أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير المنقولة

وسوى هذه الأموال من الأراضي والبساتين كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أموال أخرى وهي منقولة فكانت كالآتي:

ص: 177


1- الأحكام السلطانية: ص 170.
2- المصدر السابق.

1 - قال الحسن بن الوشاء: سألت مولانا أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام: هل خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير فدك شيئاً؟ فقال أبو الحسن عليه السلام:

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلف حيطاناً بالمدينة صدقة(1)، وخلف ستة أفراس، وثلاث نوق (العضباء، والصهباء، والديباج، وبغلتين: الشهباء والدلدل، وحماره اليعفور، وشاتين حلوبتين وأربعين ناقة حلوباً، وسيفه ذا الفقار، ودرعه ذات الفضول، وعمامته السحاب، وحبرتين يمانيتين وخاتمه الفاضل، وقضيبه الممشوق، وفراشاً من ليف، وعباءتين قطونتين، ومخاداً من أدم.

فصار ذلك إلى فاطمة عليها السلام ما خلا درعه وسيفه وعمامته وخاتمه فإنه جعلها لأمير المؤمنين عليه السلام»)(2).

2 - روى الشيخ الكليني والصدوق رحمهما الله تعالى عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:

(لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين عليه السلام فقال للعباس:

«يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟».

ص: 178


1- أطلق الإمام الرضا عليه السلام على هذه الحوائط السبعة ب - (الصدقة) وذلك لأنها عرفت فيما بين الناس بصدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولذا أسماها للوشاء بما اشتهرت به وعرفت وهو لا يدل على كونها من الأصل كانت صدقة، لأن ذلك مخالف لما هو ثابت في العقيدة الإسلامية من عدم تصدق رسول الله منها على المسلمين فهي ماله الذي انتقل إلى ابنته فاطمة.
2- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 26، ص 103.

فرد عليه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح، قال: فأطرق صلى الله عليه وآله هنيئة ثم قال:

«يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه؟».

فقال: بأبي أنت وأمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تباري الريح، قال: أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ثم قال:

«يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه؟».

فقال:

«نعم بأبي أنت وأمي ذاك علي ولي».

قال: فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من أصبعه فقال:

«تختم بهذا في حياتي».

قال:

«فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في أصبعي فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم».

ثم صاح:

«يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية والقميص وذي الفقار والسحاب والبرد والأبرقة والقضيب».

قال:

«فوالله ما رأيتها غير ساعتي تلك - يعني الأبرقة - فجيء بشقة كادت تخطف الابصار فإذا هي من أبرق الجنة».

فقال:

ص: 179

«يا علي إن جبرئيل أتاني بها وقال: يا محمد اجعلها في حلقة الدرع واستدفر بها مكان المنطقة».

ثم دعا بزوجي نعال عربيين جميعا أحدهما مخصوف والآخر غير مخصوف والقميصين: القميص الذي أسري به فيه والقميص الذي خرج فيه يوم أحد، والقلانس الثلاث: قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين والجمع، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه، ثم قال:

«يا بلال علي بالبغلتين: الشهباء والدلدل، والناقتين: العضباء والقصوى والفرسين: الجناح».

كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول الله صلى الله عليه وآله يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله صلى الله عليه وآله وحيزوم وهو الذي كان يقول:

«أقدم حيزوم والحمار عفير».

فقال:

«أقبضها في حياتي».

فذكر أمير المؤمنين عليه السلام:

«أن أول شيء من الدواب توفي عفير ساعة قبض رسول الله صلى الله عليه وآله قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره».

وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

ص: 180

«إن ذلك الحمار كلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني، عن أبيه، عن جده، عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار»)(1).

فهذه أملاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنقولة وغير المنقولة والتي جاءته من خلال الخمس، والهبة، والفيء، والغنيمة وقد انتقلت ملكيتها إلى الزهراء صلوات الله عليها فبعضها انتقل إليها من عنوان الهبة والنحل، وبعضها كان بالإرث وقد حبسها جميعاً أبو بكر وعمر وصادراها، لاسيما أرض فدك التي كانت أعظم هذه الأموال وأكثرها أثراً على المستوى المالي والجباية وعلى المستوى الاستراتيجي والسياسي والعقائدي وذلك لكونها جاءتها أثناء حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبأمر من الله تعالى وكانت تقبض إيرادها المالي وتنظر في إصلاحها وشؤونها أثناء حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

مما أكسبها أي هذه الأرض خصوصية وشأنية لأنها تحمل معها عنوان الشأنية والعناية الإلهية بفاطمة وذريتها ومن ثم أراد الحاكم الجديد قطع جذور هذه الحرمة والشأنية التي لفاطمة عند الله تعالى وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فضلاً عن الجانب المالي الذي كان لهذه الأرض.

وقد جاءت فاطمة عليها السلام تطالب بجميع هذه الأموال كما أسلفنا في حديث عائشة.

ص: 181


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 1، ص 237، ح 9؛ علل الشرايع: ج 1، ص 167؛ البحار: ج 1، ص 167.
المسألة الثانية: مصادرة السلطة الحاكمة لأرض فدك وتضييق الخناق على فاطمة عليها السلام وأبعادها السياسية والعقائدية
أولاً: هوية فدك

1 - فدك: بالتحريك: وآخره كاف؛ قال ابن دريد: فدكت القطن تفديكا إذا نفشته؛ وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل: ثلاثة(1)، أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في سنة سبع صلحاً(2).

2 - وقال ابن منظور: فدك قرية بخيبر، وقيل بناحية الحجاز فيها عين ونخل أفاءها الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم(3).

3 - وقال الطريحي: فدك، بفتحتين، قرية من قرى اليهود بينها وبين مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومان وبينها وبين خيبر دون مرحلة(4).

4 - وجاء في المنجد قوله: فدك، واحة في الحجاز قرب خيبر، كان أهلها من المزارعين اليهود اشتهرت بتمرها وقمحها، أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً لمحاربتهم ثم صالحهم على نصف أملاكهم سنة 7 ه - / 628 م(5).

5 - قال عبدا لله بن خميس: (إن ارض فدك وردت ضمن الأماكن التي أحتلها الملك البابلي نيوبثد الذي حكم في القرن السادس قبل الميلاد من عام 556

ص: 182


1- أي ما يقارب مائة وأربعين كيلومترا عن المدينة.
2- معجم البلدان للحموي: ج 4، ص 238.
3- لسان العرب: مادة (فدك)، ج 10، 473.
4- مجمع البحرين للطريحي: ج 5، ص 283، بتحقيق أحمد الحسيني.
5- المنجد في الاعلام: ص 407، الطبعة الحادية والعشرون.

إلى عام 539(1).

6 - وتعرف حالياً ضمن المخطط البلدي لمحافظة الحناكية في السعودية ضمن أودية المحرّة الشرقية، أودية الحويط (يديع) والحائط وهو الإسم الجديد الذي سميت به فدك في الوقت المعاصر(2).

ثانياً: قيمتها الاقتصادية

تكشف الأقوال السابقة بأن أرض فدك كانت مكونة من قرية كبيرة قديماً وحديثاً وأنها عرفت بخصوبة أرضها وعذوبة مائها وذلك لوجود عين ماء فورة فيها مما أكسبها هذه الخصوبة والجودة في المحصول الزراعي المتمثل بأهم مادتين غذائيتين وهما التمر والحنطة.

ولقد قدر عدد نخيل فدك بعدد نخيل الكوفة في القرن السادس عشر(3)، وقدر عدد نخيلها قبل ستين عاماً بعشرين ألف نخلة(4).

أما مقدار قيمتها الاقتصادية في زمن عمر بن الخطاب فقد قيمها مالك بن التيهان وسهل بن أبي حثمة وزيد بن ثابت ب - (ستين ألف درهم)(5)، في حين كان مقدار واردها الزراعي في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ب - (مائة ألف

ص: 183


1- معجم أودية الجزيرة لعبد الله بن خميس: ج 2، ص 316.
2- فدك في الماضي والحاضر لعبد الله اليوسف: ص 14.
3- نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16، ص 210.
4- معجم معالم الحجاز لعاتق البلادي: ج 2، ص 206، ط دار مكة المكرمة، الطبعة الأولى.
5- الأحكام السلطانية للماوردي: ص 170.

درهم)(1).

مما يعطيها ثقلاً استراتيجيا ممثلاً في قيمتها الانتاجية وقوتها الدفاعية لمن يمتلكها في مواجهة خصومه.

وعليه: فكيف لا تندفع السلطة الجديدة بحبسها ومنعها من أن تكون بيد فاطمة وعلي عليهما السلام وهم الخصوم الأساسيون لهذه السلطة كما يعتقد أهلها.

ثالثاً: كيف انتقلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

ذكر المؤرخون وغيرهم: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاصر أهل خيبر في حصنيهم: الوطيح والسلالم، فلما أيقنوا بالهلكة، سألوه أن يسيرهم ويحقن دماءهم، ففعل، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد حاز الأموال كلها، الشق والنطاة، والكتيبة، وجميع حصونهم، إلاّ ما كان من هذين الحصنين، فلما سمع أهل فدك ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه, آله وسلم، فسألوه أن يسيرهم ويحقن دماءهم، ويخلوا له الأموال، ففعل، وكان فيمن مشى بينه وبينهم محيصة بن مسعود(2).

2 - وروي أيضا إن فدك أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في سنة سبع صلحاً وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نزل خيبر وفتح

ص: 184


1- لسان العرب لابن منظور: ج 10، ص 473؛ معجم مااستعجم: ج 4، ص 239.
2- السيرة النبوية لابن هشام: ج 3، ص 301؛ الخراج ليحيى بن آدم: ج 1، ص 83، ح 103؛ تاريخ الطبري: ج 2، ص 302.

حصونها ولم يبق إلا ثلث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل وبلغ ذلك أهل فدك فراسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة(1).

3 - وروى الراوندي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في غزاة فلما انصرف راجعاً نزل في بعض الطريق فبينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطعم والناس معه إذ أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد قم فاركب فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فركب وجبرئيل فطويت له الأرض كطي الثوب حتى انتهى إلى فدك فلما سمع أهل فدك وقع الخيل ظنوا أن عدوهم قد جاءهم فغلقوا أبواب المدينة ودفعوا المفاتيح إلى عجوم لهم في بيت لهم خارج المدينة وحلقوا برؤوس الجبال فأتى جبرئيل العجوز حتى أخذ المفاتيح ثم فتح أبواب المدينة ودار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيوتها وقرأها، فقال جبرئيل:

يا محمد هذا ما خصك الله به وأعطاك دون الناس وهو قوله:

ص: 185


1- معجم البلدان لياقوت الحموي: ج 4، ص 238، ط دار الفكر؛ التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 29، ص 284؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 16، ص 210؛ فتح الباري لابن حجر: ج 6، ص 140؛ وفاء الوفاء للسمهودي: ص 1280؛ كتاب الأموال لأبي عبيد: ص 16، ط مطبعة الأزهر؛ عمدة الأخبار في مدينة المختار لأحمد بن عبد الحميد العباسي: ص 387، ط المدينة المنورة؛ فتوح البلدان لياقوت الحموي: ص 51.

(مٰا أَفٰاءَ اَللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبىٰ...)(1).

وذلك في قوله:

(... فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لاٰ رِكٰابٍ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ...)(2).

ولم يغزُ المسلمون ولم يطأوها ولكن الله أفاءها على رسوله وطوف به جبرئيل في دورها وحيطانها وغلق الباب ودفع المفاتيح إليه فجعلها رسول الله في غلاف سيفه وهو معلق بالرحل ثم ركب وطويت له الأرض كطي الثوب فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم على مجالسهم لم يتفرقوا ولم يبرحوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس:

قد انتهيت إلى فدك وإني قد أفاءها الله عليّ فغمز المنافقون بعضهم بعضاً فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه مفاتيح فدك ثم أخرجها من غلاف سيفه ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركب معه الناس فلما دخل على فاطمة عليها السلام فقال: يا بنية إن الله قد أفاء على أبيك بفدك واختصه بها فهي لي خاصة دون المسلمين أفعل بها ما أشاء وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك مهر وإن أباك قد جعلها لك بذلك ونحلتكها تكون لك ولولدك بعدك، قال فدعا بأديم عكاظي ودعا علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: أكتب لفاطمة بفدك نحلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشهد على ذلك علي بن أبي طالب ومولى لرسول الله وأم أيمن

ص: 186


1- سورة الحشر، الآية: 7.
2- سورة الحشر، الآية: 6.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أم أيمن امرأة من أهل الجنة وجاء أهل فدك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقاطعهم على أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنة»(1).

وتتفق هذه الشواهد التاريخية التي أوردها المؤرخون مع أقوال المفسرين عند أهل الجماعة في تفسير آية الفيء في سورة الحشر.

1 - (فقد جاء في التفسير الكبير للفخر الرازي أن الصحابة طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقسّم الفيء بينهم كما قسّم الغنيمة بينهم، فذكر الله تعالى الفرق بين الأمرين، وهو أن الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها وأوجفتم عليها الخيل والركاب، بخلاف الفيء فإنكم ما تحملتم في تحصيله تعباً فكان الأمر فيه مفوّضا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم يضعه حيث يشاء.

ثم يذكر وجهين لتفسير الآية:

الأول: أن الآية نزلت في يهود بني النضير وقراهم وليست للمسلمين يومئذٍ كثير خيل ولا ركاب ولم يقطعوا إليها مسافة كثيرة ولم يركب إلا رسول الله فلما كانت المقاتلة قليلة والخيل والركب غير حاصل، أجراه الله مجرى ما لم يحصل فيها المقاتلة أصلاً فخصّ رسول الله بتلك الأموال وجعلها من الفيء.

الثاني: أنها نزلت في يهود فدك لأن أهل فدك انجلوا عنها فصارت تلك القرى والأموال بيد رسول الله من غير حرب فكان يأخذ من غلة فدك نفقته ونفقة من يعوله(2).

ص: 187


1- الخرائج والجرائح للراوندي: ج 1، ص 112-113.
2- التفسير الكبير: ج 1، ص 506.

2 - وذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى:

(مٰا أَفٰاءَ اَللّٰهُ...).

يعني ما ردّ الله تعالى على رسوله من أموال بني النضير، فقال:

(... فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ...).

أو صنعتم عليه، يقول: لم تقطعوا إليها مشقة ولا لقيتم بها حرباً ولامشقة، وإنما كانت من المدينة على ميلين قاله الفرّاء، فمشوا إليها مشياً ولم يركبوا خيلاً ولا إبلاً، إلاّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه ركب جملاً فافتتحها صلحاً وأجلاهم وأخذ أموالهم، فسأل المسلمون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسّم لهم فنزلت:

(وَ مٰا أَفٰاءَ اَللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ...).

فجعل أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة يضعها حيث يشاء وفي صحيح مسلم عن عمر كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وكانت للنبي خاصة(1).

3 - ويذكر الطبري في تأويل قوله تعالى:

(وَ مٰا أَفٰاءَ اَللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ...).

يقول تعالى ذكره: والذي ردّه الله على رسوله منهم، يعني من أموال بني النضير.. يقول فما أوضعتم فيه من خيل ولا إبل وهي الركاب، وإنما وصف جلّ

ص: 188


1- الجامع لأحكام القرآن: ج 18، ص 10-11.

ثناؤه الذي أفاءه على رسوله منهم بأنه لم يوجف عليه بخيل من أجل أن المسلمين لم يلقوا في ذلك حرباً، ولا كلفوا فيه مؤونة، وإنما كان القوم معهم، وفي بلدهم، فلم يكن فيه إيجاف خيل ولا ركاب وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل(1).

4 - وذهب ابن كثير في تفسير الآية إلى أنّ الفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأفاءه على رسوله، ولهذا تصرّف فيه كما يشاء، فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله عزّ وجل في هذه الآيات فقال تعالى:

(وَ مٰا أَفٰاءَ اَللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ...).

أي من بني النضير.

(... فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لاٰ رِكٰابٍ...).

ثم قال تعالى:

(مٰا أَفٰاءَ اَللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرىٰ...).

أي جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بني النضير، ولهذا قال تعالى:

(... فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبىٰ وَ اَلْيَتٰامىٰ وَ اَلْمَسٰاكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ...).

ص: 189


1- جامع البيان في تفسير القرآن: مج 12، ج 28، ص 24.

إلى آخرها والتي بعدها فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه(1).

5 - وجاء في الدر المنثور في التفسير بالمأثور أنه قال: أخرج عبد الحميد عن قتادة قال في تفسير قوله تعالى:

(وَ مٰا أَفٰاءَ...).

الآية قال: ما قطعتكم إليها وادياً ولا سيّرتم إليها دابة ولا بعيراً إنما كانت حوائط لبني النضير أطعمها الله رسوله.

6 - وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن منذر عن عمر بن الخطاب قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله فكانت لرسول الله خاصة(2).

ثم يذكر عدة روايات من مصادر مختلفة تدور حول نفس الموضوع.

7 - وقد ذهب إلى مثل هذا القول غالب مفسري العامة، كالآلوسي البغدادي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، وتفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل، لصاحبه علاّمة الشام محمد جمال الدين القاسمي.

وبناءً على هذا يمكن القول: بأن البلدان والأماكن التي يفتحها المسلمون، إما أن تفتح بواسطة القتال وركوب الخيل وسفك الدماء، وهي المسماة (مفتوح العنوة) وهذه نطبّق عليها أحكام الغنيمة يقول تعالى:

(وَ اِعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبىٰ وَ اَلْيَتٰامىٰ

ص: 190


1- تفسير القرآن العظيم: ج 16، ص 601-602.
2- الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 6، ص 31.

وَ اَلْمَسٰاكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ...)(1).

وإما أن يسيطر عليها المسلمون بغير قتال وبدون خيل وسفك دماء فينجلي عنها أهلها، أو يسلّموها إلى المسلمين بطريق آخر كالصلح ونحوه، وهي المسماة (غير مفتوح العنوة)، وهي ما أطلق عليها في القرآن الكريم والنصوص (الفيء) في الآية السادسة من سورة الحشر، وحكم هذه الأراضي أنها لرسول الله خاصة ولا توزع على المسلمين كما يجري في الغنائم عادة)(2).

رابعاً: كيف انتقلت ملكيتها إلى فاطمة عليها السلام

يمكن لنا معرفة الكيفية التي انتقلت فيها قرية فدك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى فاطمة عليها السلام وذلك من خلال الرجوع إلى الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهي كالآتي:

1 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله قال:

(لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ...)(3).

قال:

«أدعوا لي فاطمة».

فدعيت له، فقال:

ص: 191


1- سورة الأنفال، الآية: 41.
2- فدك هبة النبوة للشيخ حسن أحمد العاملي: ص 53-56.
3- سورة الإسراء، الآية: 26.

«يا فاطمة».

قالت:

«لبيك يا رسول الله».

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«هذه فدك، مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصة دون المسلمين، وقد جعلتها لك لما أمرني الله به، فخذيها لك ولولدك»(1).

2 - روى الشيخ الكليني عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام، أنه قال:

«إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ...).

فلم يدر رسول الله من هم فراجع في ذلك جبرائيل وراجع جبرائيل ربه فأوحى الله تعالى إليه أن أدفع فدك إلى فاطمة عليه السلام فدعاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها:

يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك؛ فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك؛ فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(2).

3 - روى محمد بن سليمان الكوفي المتوفى سنة (300 ه -) عن الإمام جعفر بن

ص: 192


1- الأمالي للصدوق: ص 619.
2- الكافي للكليني: ج 1، ص 543؛ تهذيب الأحكام للطوسي: ج 4، ص 148؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 9، ص 525.

محمد الصادق عليه السلام قال:

«لما نزلت:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ...).

أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة وإبنيها بفدك فقالوا: يا رسول الله أمرت لهم بفدك؟ فقال: والله ما أمرت لهم بها ولكن الله أمر لهم بها ثم تلا هذه الآية:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ...)»(1).

4 - وروى أبو يعلى الموصلي والقاضي المغربي عن أبي سعيد الخدري:

(إن الله عزّ وجل لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ...).

دعا فاطمة عليها السلام فأعطاها فدك)(2).

5 - روى فرات الكوفي (عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:

«لما نزلت هذه الآية:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ...).

ص: 193


1- مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي: ج 1، ص 159.
2- مسند أبو يعلى الموصلي: ج 2، ص 334؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 3، ص 27؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 7، ص 49؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16، ص 268؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 439.

أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فدك.

فقال أبان بن تغلب: رسول الله أعطاها؟ فغضب الإمام جعفر الصادق عليه السلام وقال:

«الله أعطاها»)(1).

فهذه الروايات الشريفة تظهر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطى فدكا لفاطمة في حياته بأمر من الله تعالى حينما نزل قوله سبحانه:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ...).

وإنها كانت تتصرف بها وتقبض غلتها وتنفقها على الفقراء والمساكين وابن السبيل في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد مرّت علينا سابقاً في مبحث كرامتها ومعاجزها كيف أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان حينما يأتيه سائل ولم يكن عنده ما يعطيه لهذا السائل كان يبعثه إلى فاطمة صلوات الله وسلامه عليها والسبب في ذلك هو أن فاطمة كانت بيديها فدك لكنها لم تنل من فدك شيئاً فلقد كانت تحب من هذه الدنيا الإنفاق في سبيل الله فكانت تنفق ما يأتيها من خير فدك في سبيل الله.

ولأنها في جميع أمورها تقدم الله تعالى فقد كان الله سبحانه يتحفها من خيره فينزل عليها جفنة من الجنة أو ثماراً أو خاتما كما مرّ علينا بيانه سابقاً.

لكن السلطة الجديدة التي جلست في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدون وجه شرعي صادرت هذه القرية وحبست مالها وثمارها لصالحها تنفق

ص: 194


1- تفسير فرات الكوفي: ص 239.

هذا المال في تدعيم سلطانها الجديد وتجهيز جيش خالد بن الوليد الذي خرج لبسط البيعة على القبائل العربية بعد أن أخذت البيعة عنوة وإرهاباً في المدينة.

فكذاك اليوم يأخذها خالد بن الوليد وتحت عنوان جديد اسمه (حروب الردة) فقد امتنع هؤلاء الذين قاتلهم خالد بن الوليد من تسليم الزكاة إلى السلطة الجديدة لكونها لم تكن شرعية بل غصبية غصبت الخلافة من علي بن أبي طالب الذي تمت منهم له البيعة في يوم الغدير في حجة الوداع حينما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما أمره الله تعالى من إعلان الولي والوصي والخليفة في هذه الأمة فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«ألست أولى بكم من أنفسكم؟».

قالوا: بلى، قال:

«فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1).

إلاّ أن بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن لتهادن أو تماطل أو تتقاعس عن الدفاع عن شريعة الله تعالى وأحكامه فهذه الهبة الإلهية التي أعطاها الله تعالى لفاطمة عليها السلام لم تكن ابنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لتتركها لقمة سهلة يتلاقفها الظالمون، بل انتفضت على هذا الظلم والجور ودكت أركان السلطة بفصيح لسان النبوة وصولة الرسالة في مسجد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة.

ص: 195


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 118-119، وج 4، ص 281، وص 372، وج 5، ص 370؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 297؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 14؛ مستدرك الحاكم: ج 3، 111.
المسألة الثالثة: تصدي فاطمة عليها السلام للسلطة في جورها على شريعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

لم ينحصر خروج فاطمة ثائرة على السلطة الجديدة على المطالبة بحقها في قرية فدك وإنما كان لهذا الحراك الثوري أهداف أخرى كشفت عنها ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبتها التي حاججت فيها رأس الهرم في السلطة الجديدة.

ففاطمة فضلاً عن مطالبتها بأرضها فقد طالبت بميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمواله التي مرّ بيانها والتي تمت مصادرتها بيد السلطة الحاكمة، كما طالبت فاطمة عليها السلام بالخمس الذي عطله أبو بكر ومنعه عن بني فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين.

فهذه المطالب الشرعية كانت بكفة في هذه الانتفاضة الفاطمية وبكفة ثانية الدفاع عن أهم أصل من الأصول في الإسلام وهو إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام الذي به أي بهذه الإمامة في علي وولده الأحد عشر تأمن الأمة من الضلال، ومن الوقوع في الفتن وتحفظ بها شريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من رموز الظلم وأئمة الجور والضلال.

وعليه: كان هذا الخروج الفاطمي النبوي للتصدي للسلطة التي عطلت الحدود وأدارت دفة الأمة إلى الضلال والتردي لتفترق بهذا التأسيس والقيادة إلى اثنتين وسبعين فرقة هالكة.

أما الكيفية التي خرجت بها فاطمة عليها السلام للتصدي للسلطة الحاكمة والوقوف بوجه هذا الجور فكانت كالآتي:

ص: 196

1 - أخرج البخاري وغيره عن عروة عن عائشة:

(أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم أرسلت إلى ابي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قال:

«لا نورث، ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال».

وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة عليها السلام منها شيئاً، فوجدت فاطمة على ابي بكر في ذلك فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي - عليه السلام - ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي - عليه السلام -)(1).

والحديث ينص على مصادرة أبي بكر لأرض فدك وأموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة مما أفاء الله تعالى عليه، وسهم خيبر من الخمس.

2 - وقد أخرج أحمد في المسند في بيان مطالبة فاطمة عليها السلام أبا بكر بإرثها؛ (فعن أبي سلمة قال:

إن فاطمة - عليها السلام - قالت لأبي بكر:

ص: 197


1- صحيح البخاري، باب مناقب المهاجرين: ج 4، ص 209؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 9.

«من يرثك إذا مت؟».

قال: ولدي وأهلي، قالت:

«فما لنا لا نرث النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم».

قال: سمعت النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم يقول:

«إن النبي لا يورث»)(1).

3 - روى علي بن إبراهيم القمي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، أنه قال:

«لما بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها فجاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر فقالت:

يا أبا بكر منعتني عن ميراثي من رسول الله وأخرجت وكيلي من فدك فقد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمر الله، فقال لها:

هاتي على ذلك شهودا؛ فجاءت بأم أيمن، فقالت: لا أشهد حتى أحتج يا أبا بكر عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت أنشدك الله، ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن أم أيمن من أهل الجنة؟ قال: بلى، قالت فأشهد أن الله أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

(فَآتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ...)(2).

ص: 198


1- مسند أحمد: ج 1، ص 10؛ فتوح البلدان للبلاذري: ج 1، ص 35-36، ح 115، بلفظ آخر.
2- سورة الروم، الآية: 38.

فجعل فدك لفاطمة بأمر الله وجاء علي عليه السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتاباً بفدك ودفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إن فاطمة ادّعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فاكتبت لها بفدك، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه وقال:

هذا فيء المسلمين؛ وقال: أوس بن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه قال إنا معاشر الأنبياء لا نورث ماتركناه صدقة، فإن عليا زوجها يجر إلى نفسه وأم أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه(1).

فخرجت فاطمة عليها السلام من عندهما باكية حزينة فلما كان بعد هذا جاء علي عليه السلام إلى ابي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أبو بكر: هذا فيء المسلمين فإن أقامت شهوداً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعله لها وإلا فلا حق لها فيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين، قال: لا قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة قال إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين، قال: فإذا كان في يدي شيء وادعى فيه المسلمون فتسألني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعده ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوا عليّ شهوداً

ص: 199


1- ذكر البلاذري وغيره رد أبو بكر شهادة علي وأم أيمن: فتوح البلدان: ص 527.

كما سألتني على ما ادعيت عليهم.

فسكت أبو بكر ثم قال عمر: يا علي دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حججك فإن أتيت بشهود عدول وإلا فهو فيء المسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم، قال: فأخبرني عن قول الله تعالى:

(... إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1).

فيمن نزلت: أفينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم، قال: فلو أن شاهدين شهدا على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر المسلمين قال: كنت إذا عند الله من الكافرين، قال: ولم؟

قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها فدك وقبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبه عليها فأخذت منها فدك وزعمت أنه فيء المسلمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه.

قال: فدمدم الناس وبكى بعضهم فقالوا: صدق والله علي ورجع علي عليه السلام إلى منزله، قال: ودخلت فاطمة إلى المسجد، وطافت بقبر أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وهي تبكي وتقول:

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها *** واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

ص: 200


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا

فغاب عنا وكل الخير محتجب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

فقمصتنا رجال واستخف بنا

إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

فكل أهل له قرب ومنزلة

عند الإله على الأدنين يقترب

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم

لما مضيت وحالت دونك الكثب

فقد رزينا بما لم يرزَهُ أحد

من البرية لا عجم ولا عرب

وقد رزينا به محضا خليقته

صاي الضرائب والأعراق والنسب

فأنت خير عباد الله كلهم

وأصدق الناس حين الصدق والكذب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت

منا العيون بهمال لها سكب

سيعلم المتولي ظلم خامتنا

يوم القيامة إني كيف ينقلب»(1)

وهذه الروايات تكشف عن تحرك علي وفاطمة عليهما السلام للدفاع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي عطلها أبو بكر؛ فضلاً عن تعطيل شريعة الله تعالى، فهذا المال الذي جعله الله خاصة لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل فيه ما يشاء، كيف لأبي بكر أن يجمده ويصادره، وكأنه سلطان قد انقلب على سلطان آخر وغلب عليه فوضع يده على ماله يتصرف فيه ما يشاء وليس نبياً ورسولاً منحه الله تعالى ما يشاء من فضله؟!

والعجيب في هذه التشريعات الجديدة للسلطة الحاكمة أن تبيح بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأزواجه فيسكُنَّ فيها ولا يطالبن بالشهود ولا البنية

ص: 201


1- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 155-157.

ولا كونهن تزوجن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن ثم فالأنبياء لا تورث! وكأنّ هذا القانون لا يسري إلاّ على فاطمة عليها السلام من دون أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وكيف لأبي بكر أن يعطل شهادة أحد الزوجين للآخر ويردها وها هو النووي المدافع عن سنة الشيخين يقول:

(وتقبل شهادة أحد الزوجين للآخر لأن النكاح سبب لا يعتق به أحدهما على الآخر بالملك فلم يمنع شهادة أحدهما للآخر)(1).

ولا ندري بأي شريعة حكم أبو بكر في رد شهادة علي على فرض أن لأبي بكر الحق في المطالبة بإحضار الشهود على تملك فاطمة عليها السلام لفدك وهي صاحبة اليد؛ ولذلك كان مجيئها بأم أيمن وعلي عليه السلام يكشف عن إلزام الجائر بما جار به على الشريعة؛ فضلاً عن قلة الناصر وخذلان الصديق فهل من أحد كان لا يعلم أن فاطمة قد قبضت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدك لما نزل قوله تعالى:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ...).

وهم بمسمع ومرأى من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله؛ أم أنهم من ملة أخرى؟! فلم يروا ولم يسمعوا؛ أم إنهم يكتمون ما أنزل الله تعالى من شريعة؟!

ولذلك: لما لم تجد فاطمة صلوات الله عليها من ناصر أو خائف من الله

ص: 202


1- المجموع للحافظ النووي: ج 20، ص 235.

واليوم الآخر، عزمت على التصدي لهذه السلطة بحراك نبوي ورسالي وتوجهت إلى المسجد النبوي لتحاجج القوم جميعاً فقد أصبح الجميع شركاء في هذا الظلم والجور الذي أنزلوه في شريعة أبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكيف كانت هذه الثورة المحمدية الفاطمية؟

أولاً: الانتفاضة لحق الإمامة ورمزية فدك الثورة

حينما رأت ابنة الهادي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم أن شريعة أبيها انتهكت وأن الحدود عطلت وأن السنة أميتت والبدعة أحييت وأن القوم اتفقت كلمتهم على تغيير مسار الإسلام، عزمت على تصحيح هذا المسار وصعق الأمة بصعقة محمدية فاطمية تعيد إليها توازنها وآلية تفكيرها وتحديد مسارها، إلقاءً للحجة وبياناً للنذارة كي تسقط حجج القوم في الاعتذار وعدم معرفة عواقب الانجرار خلف الظالمين ومن بدلوا شريعة رب العالمين.

فخرجت ابنة الهادي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد، ولكن بأي كيفية؟ تقول ابنتها عقيلة الهاشميين:

(لما أجمع أبوبكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكاً، وبلغها ذلك لاثت خمارها(1) على رأسها، واشتملت بجلبابها(2)، وأقبلت في لمة(3) من حفدتها

ص: 203


1- اللوث: الطي والجمع، ولاث العمامة شدها وربطها، ولاثت خمارها لفته والخمار بالكسر: المقنعة، سميت بذلك لأن الرأس يخمر بها أي يغطى.
2- الاشتمال بالشيء: جعله شاملاً ومحيطاً لنفسه؛ والجلباب: الرداء والإزار.
3- في لمة، أي: جماعة وفي بعض النسخ في لميمة بصيغة التصغير أي: في جماعة قليلة، والحفدة بالتحريك: الأعوان والخدم.

ونساء قومها تطأ ذيولها(1)، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(2)، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم(3) فنيطت دونها ملاءة(4) فجلست ثم أنَّت أنة أجهش(5) القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السلام:

«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته.

ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا

ص: 204


1- أي: إن أثوابها كانت طويلة تستر قدميها، فكانت تطأها عند المشي، وفي بعض النسخ تجر أدراعها والمعنى واحد.
2- الخرم بضم الخاء وسكون الراء: الترك، والنقص، والعدول.
3- الحشد: الجماعة.
4- نيطت: علقت وناط الشيء، علقه: والملاءة الإزار.
5- أجهش القوم: تهيئوا.

تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، وتعبدا لبريته وإعزازا لدعوته.

ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده من نقمته، وحياشة(1) لهم إلى جنته، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بما يلي الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور ابتعثه الله إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها(2)، وجلى عن الأبصار غممها(3)، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم.

ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم من تعب هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه، وأمينه، وخيرته من الخلق وصفيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته».

ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت:

«أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم،

ص: 205


1- حاش الإبل: جمعها وساقها.
2- بهمها: أي مبهماتها وهي المشكلات من الأمور.
3- الغمم: جمع غمة وهي: المبهم والملتبس، وفي بعض النسخ (عماها).

وبلغائه إلى الأمم، زعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل الله الإيمان: تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة: تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة: تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام: تثبيتا للإخلاص، والحج: تشييدا للدين، والعدل: تنسيقا للقلوب، وطاعتنا: نظاما للملة، وإمامتنا: أمانا للفرقة، والجهاد: عزا للإسلام، والصبر: معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف: مصلحة للعامة، وبر الوالدين: وقاية من السخط، وصلة الأرحام: منساة في العمر(1) ومنماة للعدد، والقصاص: حقنا للدماء، والوفاء بالنذر: تعريضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين: تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر: تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف: حجابا عن اللعنة، وترك السرقة: إيجابا بالعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء».

ثم قالت:

«أيها الناس اعلموا: أني فاطمة وأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أقول عودا وبدوا، ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا(2)، لقد جاءكم رسول من

ص: 206


1- منساة للعمر: مؤخرة.
2- شططا: الشطط بالتحريك: هو البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شيء.

أنفسكم عزيز عليه ما عنتم(1)، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.

فإن تعزوه(2) وتعرفوه: تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم، فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة(3)، مائلا عن مدرجة المشركين(4)، ضاربا ثبجهم(5)، آخذا بأكظامهم(6)، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجف الأصنام(7)، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه(8)، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين(9)، وطاح وشيظ النفاق(10)، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص(11)، في نفر من البيض الخماص(12)، وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب(13)، ونهزة الطامع(14)، وقبسة العجلان،

ص: 207


1- عنتم: أنكرتم وجحدتم.
2- تعزوه: تنسبوه.
3- صادعاً: الصدع هو الإظهار: والنذارة بالكسر الإنذار وهو الإعلام على وجه التخويف.
4- المدرجة: هي المذهب والمسلك.
5- ثبجهم: الثبج بالتحريك: وسط الشيء ومعظمه.
6- أكظامهم: الكظم بالتحريك: مخرج النفس من الحلق.
7- يجف الأصنام: في بعض النسخ (يكسر الأصنام) وفي بعضها (يجذ الأصنام) أي يكسر.
8- تفرى الليل عن صبحه: أي انشق حتى ظهر وجه الصباح
9- شقاشق الشياطين: الشقاشق: جمع شقشقة بالكسر وهي: شيء كالربة يخرجها البعير من فيه إذا هاج.
10- طاح: هلك، والوشيظ السفلة والرذل من الناس.
11- كلمة الإخلاص: كلمة التوحيد.
12- البيض الخماص: المراد بهم أهل البيت عليهم السلام.
13- مذقة الشارب: شربته.
14- نهزة الطامع: بالضم - الفرصة أي: محل نهزته.

وموطئ الأقدام(1)، تشربون الطرق(2)، وتقتاتون القد(3)، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد أن مني ببهم(4) الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان(5)، أو فغرت فاغرة من المشركين(6)، قذف أخاه في لهواتها(7)، فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه(8)، ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا، كادحا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون(9) فاكهون(10) آمنون، تتربصون بنا الدوائر(11)، وتتوكفون الأخبار(12)، وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال، فلما اختار الله لنبيه

ص: 208


1- قبسة العجلان: مثل في الاستعجال؛ موطئ الأقدام: مثل مشهور في المغلوبية والمذلة.
2- الطرق: بالفتح، ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.
3- القد: بكسر القاف وتشديد الدال - سير بقد من جلد غير مدبوغ.
4- بهم الرجال: شجعانهم.
5- نجم: ظهر؛ وقرن الشيطان: أمته وتابعوه.
6- فغرفاه: أي فتحه؛ والفاغرة من المشركين: الطائفة منهم.
7- قذف: رمى؛ واللهوات بالتحريك: - جمع لهاة -: وهي اللحمة في أقصى شفة الفم.
8- ينكفئ: يرجع؛ والأخمص: ما لا يصيب الأرض من باطن القدم.
9- وادعون: ساكنون.
10- فاكهون: ناعمون.
11- الدوائر: صروف الزمان، أي: كنتم تنظرون نزول البلايا علينا.
12- تتوقعون أخبار المصائب والفتن النازلة بنا.

دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق(1)، وسمل جلباب الدين(2)، ونطق كاظم الغاوين(3)، ونبغ خامل الأقلين(4)، وهدر فنيق المبطلين(5)، فخطر في عرصاتكم(6)، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم(7)، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، وأحشمكم فألفاكم غضابا(8)، فوسمتم غير إبلكم(9)، ووردتم غير مشربكم(10)، هذا والعهد قريب والكلم رحيب(11)، والجرح لما يندمل(12)، والرسول لما يقبر، ابتدارا، زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم

ص: 209


1- في بعض النسخ (حسيكة)
2- وسمل جلباب الدين: سمل صار خلقا، والجلباب الإزار.
3- الكظوم: السكوت.
4- الخامل: من خفي ذكره وكان ساقطاً لا نباهة له.
5- الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته، والفنيق: الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان.
6- خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه.
7- مغرزة: أي ما يختفي فيه، تشبيها له بالقنفذ فإنه يطلع رأسه بعد زوال الخوف.
8- أي حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه.
9- الوسم: أثر الكي.
10- الورود: حضور الماء للشرب.
11- الكلم بالضم: الجرح، الرحب بالضم: السعة.
12- أي: لم يصلح بعد.

أرغبة عنه تريدون(1)؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها(2)، ويسلس قيادها(3)، ثم أخذتم تورون وقدتها(4)، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في ارتغاء(5)، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء(6)، ويصير(7) منكم على مثل حز المدى(8)، ووخز السنان في الحشاء، وأنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟! أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية: أني ابنته.

أيها المسلمون أغلب على إرثي(9)؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟

ص: 210


1- في بعض النسخ (تدبرون).
2- نفرتها: نفرت الدابة جزعت وتباعدت.
3- يسلس: يسهل.
4- أي: لهبها.
5- الحصو: هو الشرب شيئا فشيئا، والارتغاء: هو شرب الرغوة وهي اللبن المشوب بالماء، وحسوا في ارتغاء: مثل يضرب لمن يظهر ويريد غيره.
6- الخمر بالفتح: ما واراك من شجر وغيره، والضراء بالفتح: الشجر الملتف بالوادي.
7- وفي بعض النسخ (يصير).
8- الحز: القطع، والمدى: السكاكين.
9- في بعض النسخ (إرثه).

إذ يقول:

(وَ وَرِثَ سُلَيْمٰانُ دٰاوُدَ...(1).

وقال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال:

(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (2) يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...(3).

وقال:

(... وَ أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اَللّٰهِ...)(4).

وقال:

(يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ...)(5).

وقال:

(... إِنْ تَرَكَ خَيْراً اَلْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَ اَلْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى اَلْمُتَّقِينَ...)(5).

وزعمتم: أن لا حظوة(6) لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة(7)، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم

ص: 211


1- سورة النمل، الآية: 16.
2- سورة البقرة، الآية: 180.
3- سورة مريم، الآية: 6.
4- سورة الأنفال، الآية: 75.
5- سورة النساء، الآية: 11.
6- الحظوة: المكانة.
7- مخطومة: من الخطام بالكسر، وهو: كل ما يدخل في أنف البعير ليقاد به، والرحل بالفتح: هو للناقة كالسرج للفرس.

محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم».

ثم رمت(1) بطرفها نحو الأنصار فقالت:

«يا معشر النقيبة وأعضاد الملة،(2) وحضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي(3)، والسنة عن ظلامتي(4)؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي يقول (المرء يحفظ في ولده)؟

سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(5)، ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول، أتقولون مات محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فخطب جليل: استوسع وهنه واستنهر فتقه(6) وانفتق رتقه، واظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت(7) الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة(8) عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه، في

ص: 212


1- في بعض النسخ (رنت).
2- النقيبة: الفتية.
3- الغميزة: - بفتح الغين المعجمة والزاي - ضعفة في العمل.
4- السنة بالكسر: النوم الخفيف.
5- إهالة: بكسر الهمزة الدسم؛ وسرعان ذا إهالة مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته.
6- وهنة الوهن: الخرق، واستنهر: اتسع.
7- أكدت: قل خيرها.
8- بائقة: داهية.

أفنيتكم، وفي ممساكم، ومصبحكم، يهتف في أفنيتكم هتافا، وصراخا، وتلاوة، وألحانا، ولقبله ماحل بأنبياء الله ورسله، حكم فصل، وقضاء حتم:

(وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّٰهُ اَلشّٰاكِرِينَ)(1).

أيها بني قيلة(2)، أأهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدى(3) ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة(4)، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم(5) البهم، لا نبرح أو تبرحون(6)، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين(7).

ص: 213


1- سورة آل عمران، الآية: 144.
2- بنو قيلة: قبيلتا الأنصار: الأوس والخزرج.
3- المنتدى المجلس.
4- الجنة بالضم: ما استترت به من السلاح.
5- في بعض النسخ (كالحتم).
6- لا نبرح: لا نزال.
7- استوسق: اجتمع.

فأنى حزتم بعد البيان؟ وأسررتم بعد الإعلان؟ ونكصتم بعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟

بؤسا لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم، وهموا بإخراج الرسول، وهم بدؤوكم أول مرة، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض(1)، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة(2)، ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم(3)، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد.

ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم(4)، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة(5)، وبثة الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة(6) الظهر نقبة الخف(7) باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون،

(... وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(8).

ص: 214


1- أخلدتم: ملتم، والخفض: السعة والخصب واللين.
2- الدعة: الراحة والسكون.
3- الدسع: القيء، وتسوغ الشراب شربه بسهولة.
4- الجذلة: ترك النصر، خامرتكم: خالطتكم.
5- الخور: الضعف، والقناة: الرمح؛ والمراد من ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة.
6- فاحتقبوها: أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير أصابته الدبرة بالتحريك وهي جراحة تحدث من الرحل.
7- نقب خف البعير رق وتثقب.
8- سورة الشعراء، الآية: 227.

وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون».

فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان، وقال: يا بنت رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رؤوفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا أليما، وعقابا عظيما، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفك دون الأخلاء(1) آثر على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبكم إلا سعيد، ولا يبغضكم إلا شقي(2) بعيد فأنتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، والله ما عدوت رأي رسول الله، ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله، وأني أشهد الله وكفى به شهيدا، أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

«نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه»(3).

ص: 215


1- الألف: هو الأليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لأنه إلف الزوجة وفي بعض النسخ (ابن عمك).
2- في ذخائر العقبى: - لمحب الدين الطبري - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق شقي»، أخرجه الملا.
3- نقل الإمام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس سره) في كتابه الجليل (النص والاجتهاد) عن الأستاذ المصري المعاصر محمود أبو رية ما يلي: قال: (بقي أمر لابد أن نقول فيه كلمة صريحة، ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة - عليها السلام - بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما فعل معها في ميراث أبيها، لأنا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي، وأنه قد ثبت أن النبي صلى

وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم انفرد به وحدي، ولم استبد بما كان الرأي عندي(1)، وهذه حالي ومالي، هي لك وبين يديك، لا

ص: 216


1- خطر ببالي وأنا أفكر في قول الخليفة: (وذلك بإجماع المسلمين لم أنفرد به)، وقوله في آخر الحديث الذي تفرد بنقله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر أن يحكم فيه بحكمه)، نعم خطر ببالي وأنا أفكر في هاتين الفقرتين وما إذا كانت فدك من حق المسلمين حتى يؤخذ رأيهم فيه أم من حقه الخاص حتى يحكم فيه بحكمه كما جاء في ذيل الحديث الذي استنكرته الصديقة الطاهرة عليها السلام وعدّته كذبا وزورا وافتراء على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اعتلالا منهم لما أجمعوا على الغدر بذريته كما عدّته طعنا في عصمته صلى الله عليه وآله وسلم لو صدر ذلك منه. وأسمع ذلك كله في جوابها لأبي بكر: «سبحان الله، ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفا، ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل في حياته»، ثم إن كان من حقه الخاص فلماذا لم يعطها سيدة النساء وبنت سيد الأنبياء إكراماً لمقام أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وإذا كان من حق المسلمين لماذا لم يؤخذ رأيهم أولاً في إعطائها إياها.

تزوى عنك، ولا ندخر دونك، وأنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لاندفع مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك صلى الله عليه وآله فقالت عليها السلام:

«سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفا(1)، ولا لأحكامه مخالفا! بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى

ص: 217


1- صادفا: معرضا.

الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل(1) في حياته هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا يقول:

(يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...)(2).

ويقول:

(وَ وَرِثَ سُلَيْمٰانُ دٰاوُدَ...)(3).

وبيّن عزّ وجل فيما وزع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون».

فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.

فالتفتت فاطمة عليها السلام إلى الناس وقالت:

«معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل(4)، المغضية على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم

ص: 218


1- الغوائل: المهالك.
2- سورة مريم، الآية: 6.
3- سورة النمل، الآية: 16.
4- في بعض النسخ (قبول الباطل).

من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلا، وغبه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء وبان بأورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون».

ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه وآله وقالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

وكل أهل له قربى ومنزلة

عند الإله على الأدنين مقترب

أبدت رجال لنا نجوى صدورهم(1)

لما مضيت وحالت دونك الترب

تجهمتنا رجال واستخف بنا

لما فقدت وكل الأرض مغتصب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به

عليك ينزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل بالآيات يونسنا

فقد فقدت وكل الخير محتجب

فليت قبلك كان الموت صادفنا

لما مضيت وحالت دونك الكثب(2)

ثم انكفأت عليها السلام، وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار، قالت لأمير المؤمنين عليه السلام:

«يا بن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة

ص: 219


1- النجوى: السر.
2- الكثب - بضمتين -: جمع الكثيب وهو: الرمل.

الأجدل(1)، فخانك ريش الأعزل(2)، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة(3) ابني! لقد أجهد(4) في خصامي، وألفيته ألد في كلامي(5) حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، أضرعت خدك(6) يوم أضعت حدك افترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا أغنيت طائلا(7) ولا خيار لي، ليتني مت قبل هنيئتي، ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا(8) ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق! ويلاي في كل غارب! مات العمد، ووهن العضد(9)، شكواي إلى أبي! وعدواي(10) إلى ربي! اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشد بأسا وتنكيلا».

فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«لا ويل لك بل الويل لشانئك(11)، ثم نهنهي عن وجدك(12) يا ابنة الصفوة، وبقية

ص: 220


1- قوادم الطير: مقادم ريشه وهي عشرة - والأجدل: الصقر.
2- الأعزل من الطير: ما لا يقدر على الطيران.
3- يبتزني: يسلبني، والبلغة: ما يتبلغ به من العيش.
4- في بعض النسخ (أجهر).
5- ألفيته: وجدته، والألد: شديد الخصومة.
6- ضرع: خضع وذل.
7- أي ما فعلت شيئاً نافعاً، وفي بعض النسخ (ولا أغنيت باطلا): أي كففته.
8- العذير بمعنى العاذر أي: الله قابل عذري، وعاديا، متجاوزا.
9- الوهن: الضعف في العمل أو الأمر أو البدن.
10- العدوي: طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك.
11- الشانئ: المبغض.
12- أي كفي: عن حزنك وخففي عن غضبك.

النبوة، فما ونيت(1) عن ديني، ولا أخطأت مقدوري(2) فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما أعد لك أفضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله».

فقالت:

«حسبي الله وأمسكت»)(3).

ثانياً: رمزية فدك الثورة

منذ أن عزمت السلطة التي جلست في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على إصدار تشريعاتها الجديدة؛ ومنذ أن صادرت هذه السلطة أموال آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فاستولت على حقوقهم؛ ومنذ أن اقتحمت دارهم وأحرقت بابهم وقتلت ابنهم المحسن، فمنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا أصبحت فدك رمزاً من رموز النضال والجهاد والتضحية والحرية التي أطلقت النسيم للأحرار الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر في تجدد الحياة والإباء ضد الظلم والجور.

ص: 221


1- ما كللت ولا ضعفت ولا عييت.
2- ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادراً على الانتصاف لك لما أوصاني به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
3- السقيفة وفدك للجوهري: ص 139-147، بتحقيق د. محمد هادي الأميني؛ بلاغات النساء لابن طيفور: ص 14-20؛ منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير: ج 2، ص 507، بتحقيق محمود الطحاني؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 132، تعليق السيد محمد باقر الخرسان؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 3، ص 34؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16، ص 249؛ التذكرة الحمدونية: ج 6، ص 256؛ جواهر المطالب للدمشقي الباعواني: ج 1، ص 157؛ الشافي في الإمامة للشريف المرتضى: ج 4، ص 71؛ أعلام النساء لرضا كحالة: ج 3، ص 1208.

هكذا هي فدك رمزية الثورة وعنوان التصدي للظلم ومنطلق الحراك من أجل الشريعة المحمدية، فكان أول من انتفض لأجلها، أي الشريعة، ابنة صاحب الشريعة وحجة الله على الحجج عليهم السلام أم الأئمة ومشكاة الأنوار الإلهية.

ولو أردنا الوقوف عند كلماتها في المسجد لاحتجنا إلى كتاب مستقل كما دأب على ذلك كثير من الفضلاء والباحثين والمحققين إلاّ أننا ارتأينا هنا أن نورد بعض الشواهد على رمزية فدك الثورة منذ أن اتخذتها كذاك بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تبعها أمير المؤمنين علي عليه السلام فها هو في مسجد الكوفة يكشف للتأريخ تعمد الخلفاء من قبله والذين جلسوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتون الأمة بسنة جديدة عرفها الناس بسنة الشيخين وألحقوها ظلما وعدواناً بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحدثوا حدثاً أماتوا فيه سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحيوا فيه البدعة التي سموها بالبدعة الحسنة.

وفي هذا التظلم يقول أمير المؤمنين عليه السلام:

«سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

كيف أنتم إذا لبستم الفتنة، ينشؤ فيها الوليد، ويهرم فيها الكبير، ويجري الناس عليها حتى يتخذوها سنة، فإذا غير منها شيء قيل أتى الناس بمنكر، غيرت السنة، ثم تشتد البلية، وتنشؤ فيها الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب، وكما تدق الرحا بثقالها، يتفقه الناس لغير الدين، ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة».

ص: 222

ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه ناس من أهل بيته، وخاصة من شيعته، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال:

«لقد عمل الولاة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول الله متعمدين لذلك، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها التي كانت عليها على عهد رسول الله لتفرق عني جندي، حتى أبقى وحدي إلا قليلا من شيعتي، الذين عرفوا فضلي وإمامتي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة سلام الله عليها، ورددت صاع رسول الله ومده إلى ما كان، وأمضيت إلى قطايع كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقطعها للناس سنين، ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته، وهدمتها وأخرجتها من المسجد، ورددت الخمس إلى أهله، ورددت قضاء كل من قضى بجور، ورددت سبي ذراري بني تغلب، ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت ديوان العطاء، وأعطيت كما كان يعطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء.

والله لقد أمرت الناس: أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل وسيفه معي: (أنعى الإسلام وأهله غيرت سنة عمر)، ونهى أن يصلى في شهر رمضان في جماعة، حتى خفت أن يثور في ناحية عسكري على ما لقيت، ولقيت هذه الأمة من أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار.

وأعظم من ذلك سهم ذوي القربى، الذي قال الله تبارك وتعالى فيه:

ص: 223

(وَ اِعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبىٰ وَ اَلْيَتٰامىٰ وَ اَلْمَسٰاكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ...)(1).

وذلك لنا خاصة إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان، نحن والله عنى بذوي القربى، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه، ولم يجعل لنا في الصدقة نصيبا، أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس»)(2).

والخطبة مليئة بالدلالات على ظلم السلطة الحاكمة لشريعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن الذي نحن بصدده:

1 - رمزية فدك الثورة وعنوان ظلامة آل محمد.

2 - سهم ذوي القربى، أي الخمس الذي أظهر في ذكره الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الحكمة في اختصاصه بهم.

لكن التشريعات الجديدة لسلطة الشيخين جعلتها عامة للمسلمين فأكلوا ما ليس لهم وفي ذلك يقول إمام المذهب الشافعي:

(إن الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخمس هم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم آل محمد الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليهم معه، والذين اصطفاهم من خلقه بعد نبيه فإنه يقول:

ص: 224


1- سورة الأنفال، الآية: 41.
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 393؛ كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 263؛ الكافي للكليني: ج 8، ص 59؛ البحار للمجلسي: ج 34، ص 168.

(إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(1).

فاعلم أنه اصطفى الأنبياء وآلهم)(2).

3 - إن الله تعالى لم يكن ليضيع حق آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الفيء ومال رسول الله مما أفاء الله تعالى عليه وكذاك قرية فدك.

ولقد بقيت فدك تحمل في معناها ودلالاتها على كرور الليالي والأيام عنوان الثورة والظلم الذي أنزله حكام المسلمين الذين جلسوا مجلس خلافة النبوة، فكانت منها أي من هذه الدلالات على حقيقة امتلاك فاطمة لهذه الأرض وما عليها ومصادرتها بفعل تشريعات سنة الشيخين ما يأتي:

ألف: إبقاء أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يطالب أبو بكر وعمر منهنّ أن تأتي إحداهن ببينة أو شهود على تمليك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهن هذه البيوت، ولا حتى أوصى لهن بالسكن فيها، ولم يجعلها من النفقة الواجبة ولا المستحبة عليهن إذا المرأة فارقت الرجل بالوفاة أو الطلاق ما لم تكن حاملاً أو لها حق الحضانة بالنفقة على الزوج؛ ومن ثم بأي شريعة إلهية سكنت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيوته، وتمنع الزهراء من مال أبيها صلى الله عليه وآله وسلم خاصة دون غيرها؟!!

ص: 225


1- سورة آل عمران، الآية: 34.
2- أحكام القرآن للشافعي: ج 1، ص 77.

باء: إن يهود فدك كانوا أحد الشهود على أحقية فاطمة عليها السلام بها وذلك أن عمر بن الخطاب لما أراد إجلاءهم من أرضهم وإخراجهم احتجوا عليه بما قسم فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصالحهم عليه من نصف الارض وثمارها.

في حين كان أبو بكر يأخذ جميع خراج هذه الأرض بعد أن صادرها من فاطمة وذلك بعد تركه اليهود فيها فسكتوا لأنهم علموا حالها مع أبي بكر وأخذها من فاطمة فقد انتقلت بفعل السلطة الجديدة إلى الحاكم الجديد ومن ثم فإن المعاهدات السابقة قد سقطت بوجود السلطة الجديدة.

وفي ذلك أورد ابن سلام في كتاب الأموال، قال أبو عبيد:

(أجلى عمر بن الخاب يهود خيبر، فخرجوا منها ليس لهم من الثمر والأرض شيء، فأما يهود فدك فكان لهم نصف الأرض، لأن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم كان صالحهم على ذلك، فأقام لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض لأن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم كان صالحهم من ذهب وورق وإبل وأقتاب، ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم.

قال أبو عبيد: إنما صار أهل خيبر لا حظ لهم في الأرض والثمر لأن خيبر أخذت عنوة فكانت للمسلمين، لا شيء لليهود فيها، وأما فدك فكانت على ما جاء فيها من الصلح، فلما أخذوا قيمة بقية أرضهم خلصت كلها لرسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، ولهذا تكلم العباس وعلي عليهما السلام)(1).

ص: 226


1- الأموال لابن سلام: ج 1، ص 25، ح 22.

وقال أيضا: (كان أهل فدك قد أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فبايعوه على أن لهم رقابهم ونصف أراضيهم ونخلهم، ولرسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم أراضيهم ونخلهم فلما أجلاهم عمر بعث معهم من أقام لهم حظهم من الأرض والنخل، فأداه إليهم)(1).

في حين أن مطالبة الإمام علي عليه السلام والعباس بأرض فدك ورجوعهما إلى عمر بن الخطاب ليس لاختلافهما فيما بينهما كما يروج لذلك رواة الشيخين أبي بكر وعمر، وإنما لأنهما جاءوا يطالبون الحاكم الجديد الذي لم يستطع أن يرد على اليهود بما كان بينهن وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من معاهدة، وإن هذه الأرض تختلف من حيث الحكم عن أرض خيبر، ففدك مما لم يوجف عليها بخيل أو قتال وإنما جاءت صلحاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فهي مما أفاء الله تعالى على نبيه خالصة له.

ولو أنكر عمر بن الخطاب هذه المعاهدة لكان هؤلاء شهوداً أمام الناس يأججون عليه اغتصاب أبي بكر لفدك من فاطمة مما يثير الفوضى واحتجاج بني هاشم والمتعاطفين معهم.

ولذا:

وجد عمر أن الأسلم أن يبقي على المعاهدة فيما بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثم فلا يحرك ساكن ثورة فدك الذي ظهر في مجيء علي والعباس إليه يحاججانه في أرض فدك.

ص: 227


1- المصدر السابق.

أي ليلزموا عمر بن الخطاب بما ألزم به نفسه مع اليهود فأما أنه يقر بأن صاحبه أبا بكر قد اغتصبها من فاطمة وأنها كانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا عمل بهذا مع اليهود؛ وأما أن يرجعها إليهما، فوجد أن إرجاع فدك إلى علي والعباس أسلم من تحرك ثورة فدك وإثبات ظلامة فاطمة عليها السلام وحسب تصرفه اجتهاداً عند أشياع الشيخين.

جيم: تكذيب حديث (لا نورث) بلسان عثمان بن عفان وذلك بعد أن جاءته عائشة مطالبة بما كان يفرضه لها عمر بن الخطاب مع العطاء فما كان من عثمان إلاّ أن يجد رأيه في هذا العطاء ويعمل باجتهاده فمنع عنها ما كان يبذله لها عمر بن الخطاب فكان سبب نقمتها عليه.

وفي ذلك يروي الشيخ المفيد (عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام، أنه قال:

«جاءت عائشة إلى عثمان فقالت له: أعطني ما كان يعطيني أبي، وعمر بن الخطاب، فقال لها: لا أجد لك موضعا في الكتاب ولا في السنة، وإنما كان أبوك وعمر بن الخطاب يعطيانك بطيبة من أنفسهما وأنا لا أفعل.

قالت له: فأعطني ميراثي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال لها: أو لم تجيئيني أنت ومالك بن أوس النصري فشهدتما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث حتى منعتما فاطمة ميراثها وأبطلتما حقها، فكيف تطلبين اليوم ميراثاً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

فتركته وانصرفت؛ وكان عثمان إذا خرج إلى الصلاة أخذت قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قصبة فرفعته عليها ثم قالت: إن عثمان قد

ص: 228

خالف صاحب هذا القميص وترك سنته»)(1).

دال: كشف الإمام الكاظم عليه السلام لهذه الظلامة وبيان رمزية فدك الثورة والانتفاضة على ظلم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهذه المعاني جاءت واضحة في مخاطبة الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام للخليفة العباسي المهدي، حينما وجده يرد المظالم، (فقال له:

«ما بال مظلمتنا لا ترد».

فقال له: وما هي يا أبا الحسن؟ فقال - عليه السلام -:

«إنّ الله عزّ وجل لما فتح على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فدكاً وما والاها ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم:

(وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ...(2).

فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هم، فراجع في ذلك جبرئيل عليه السلام فسأل الله عزّ وجل فأوحى الله إليه أن ادفع فدكا إلى فاطمة عليها السلام فدعاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها:

يا فاطمة إنّ الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدكا، فقالت: قد قبلت يا رسول الله، من الله، ومنك».

فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فلما ولي أبو بكر أخرج عنها ولكاءها، فأتته فسألته أن يردها عليها، فقال لها: ائتيني بأسود

ص: 229


1- الأمالي للشيخ المفيد: ص 125.
2- سورة الإسراء، الآية: 26.

أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين وأم أيمن(1)، فشهدا لها فكتب

ص: 230


1- قال ابن عبد البر في ترجمة أم أيمن: بكرة بنت ثعلبة، بن عمرو، بن حصن، بن مالك، بن سلمة، بن عمرو، بن النعمان، وهي أم أيمن، غلبت عليها كنيتها فكنيت بابنها أيمن بن عبيد، وهي بعد أم أسامة ابن زيد، تزوجها زيد بن حارثة بعد عبيد الحبشي، فولدت له أسامة، يقال لها مولاة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، وخادم رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم بأم الظباء، هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة وإلى المدينة جميعا؛ وكانت لعبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، وصارت للنبي صلى الله عليه - وآله - وسلم. وكانت بمنزلة الأم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أم أيمن أمي بعد أمي»؛ (الاستيعاب لابن عبد البر: ج 2، ص 78). وروى المازندراني عن علي بن معمر قال: خرجت أم أيمن إلى مكة لما توفيت فاطمة وقالت لا ارى المدينة بعدها فأصابها عطش شديد في الجحفة حتى خافت على نفسها، قال: فكسرت عينيها نحو السماء ثم قالت: يا رب أتعطشني وأنا خادمة بنت نبيك، قال فنزل إليها دلو من ماء الجنة فشربت، ولم تجع ولم تطعم سنين؛ (مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص 338؛ الخرائج للراوندي: ج 2، ص 530؛ الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 224). وقال ابن سعد: وقد حضرت أم أيمن أحداً وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى، وشهدت خيبر مع رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم. وقال أبو نعيم قيل: كانت لأخت خديجة فوهبتها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وقال ابن سعد: قالوا: كان ورثها عن أمه فأعتق رسول الله أم أيمن حين تزوج خديجة، وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأعتقه وزوجه أم أيمن بعد النبوة فولد له أسامة. وأسند عن الواقدي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأم أيمن: «يا أمه» وكان إذا نظر إليها يقول: «هذه بقية أهلي». وقال ابن سعد: لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف ودون الروحاء فعطشت وليس معها ماء وهي صائمة، فأجهدها العطش، فدلّي عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض، فأخذته فشربته حتى رويت فكانت تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر، فما عطشت. وأخرج ابن سعد عن سفيان بن عيينة قال: كانت أم أيمن تُلطف النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم وتقدّم

لها بترك التعرض، فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد؟ قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة.

قال: أرنيه؛ فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه، ثم تفل فيه ومحاه وخرقه.

فقال له المهدي: يا أبا الحسن حدها لي؟ فقال:

«حد منها جبل أحد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل».

فقال له: كل هذا؟! قال:

«نعم يا أمير المؤمنين هذا كله، إن هذا كله مما لم يوجف على أهله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيل ولا ركاب».

فقال: كثير، وأنظر فيه)(1).

والحديث الشريف يكشف عن جملة من الحقائق وهي كالآتي:

ص: 231


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 543؛ التهذيب للطوسي: ج 4، ص 148؛ وسائل الشيعة: ج 9، ص 525؛ عوالي اللآلي لابن أبي الجمهور الاحسائي: ج 2، ص 78؛ البحار للمجلسي: ج 48، ص 157؛ جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 8، ص 580؛ تفسير القرآن المجيد للشيخ المفيد: ص 326؛ فقه القرآن للراوندي: ج 1، ص 248؛ التفسير الصافي للفيض الكاشاني: ج 3، ص 186.

1 - ثبوت انتقال ملكية فدك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أفاءها الله تعالى عليه إلى فاطمة عليها السلام بأمر من الله تعالى.

2 - النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجري عقداً بينه وبين فاطمة في العرض والقبول فقد قبضت منه بهذا العقد، فقالت: قد قبلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الله ومنك؛ وذلك توكيداً وتوثيقاً لانتقال ملكيتها من الله تعالى فهو سبحانه المالك وله ما في السماوات وما في الأرض وهو الذي منّ على رسوله فملكه هذه الأرض وغيرها فكانت من الفيء، وهو عزّ وجل نقل ملكيتها من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلى فاطمة عليها السلام.

3 - تصرفها عليها السلام في هذه الأرض بعد أن تملكتها فقد جعلت فيها وكلاء ينظرون ويديرون شؤونها الزراعية والتسويقية وغير ذلك، وينفقون بأمرها في أوجه البر الكثيرة قربة إلى الله تعالى.

4 - مطالبتها عليها السلام من أبي بكر بأن يرد عليها أرض فدك كان في المرحلة الأولى لإلقاء الحجة عليه ولتنظر ما هو الوجه الشرعي الذي استند إليه أبو بكر في مصادرة أرض فدك وإخراج وكلائها منها.

أما في المرحلة الثانية من المطالبة بحقها فكان التوجة إلى المسجد وإظهار المحاربة العلنية في محفل المهاجرين والأنصار، وذلك بعد أن جاءت إلى أبي بكر بالشهود وإلزامه بما ألزم به نفسه فقد طلب شهوداً فجاءته بما طلب، ولقد نزلت عند هذا الطلب كي تقطع الطريق عليه في التشريع الذي شرعه لنفسه ومخالفته الصريحة لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشريعة الإسلام.

ص: 232

5 - إن السبب الذي دفع أبا بكر بالمطالبة بالشهود إلى المستوى الذي كان فيه واثقا من عدم قدرة فاطمة على أن تأتي إليه بأحد فقال بصيغة المجاز: (ائتيني بأسود أو أحمر) ولم يحدد في ذلك المهاجرين والأنصار وإنما ذهب إلى استخدام الأعراق للدلالة على استحالة أن يأتي مع فاطمة عليها السلام من يشهد لها بامتلاكها لهذه الأرض والسبب في هذه الثقة عند أبي بكر:

ألف: الآثار التي خلفها حرق بيت فاطمة صلوات الله وسلامه عليها واقتحامه وإخراج أمير المؤمنين عليه السلام يقاد مع عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد وغيرهم إلى البيعة إرهاباً وكرهاً وتعسفاً.

باء: قلة الناصر وخذلان المهاجرين والأنصار لعلي ولها ولولديها حينما كان يدور عليهم علي مع بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولديه فلم يجد ناصراً مما أعطى هذا التخاذل من المهاجرين والأنصار كل هذا الزخم النفسي لأبي بكر.

جيم: إن من يتخاذل عن نصرة بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولديها وهي تستغيث فلا تغاث وتنتهك حرمة رسول الله في اقتحام بيت النبوة وحرقه، كيف له أن يحيا ضميره في لمحة من البصر فيأتي أمام محضر سلطان أبي بكر ليشهد لفاطمة عليها السلام بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملكها أرض فدك، وهل هذا الأمر يحتاج إلى شهود والنبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته فدك في السنة السابعة، أي إن هذه الأرض بقيت ثلاث سنوات بيد فاطمة، وأن وكلاءها يعملون بها أمام المهاجرين والأنصار واليهود والنصارى.

فلماذا يطلب من فاطمة أن تأتي بالشهود؟ إلا لأن الأمر أصبح أشبه

ص: 233

بالمستحيل، فمن يشهد مع فاطمة بعد جريمة حرق بيت فاطمة عليها السلام.

ولذلك: لم يأتِ معها ليشهد لها على ظلامتها واغتصابها حقها غير أمير المؤمنين عليه السلام ومولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم أيمن؛ وهذا يكشف عن حجم الظلم الذي نزل بها عليها السلام فلا من أحد، لا من المهاجرين، ولا الأنصار، ولا من بني هاشم، ولا زوجة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سوى علي عليه السلام وأم أيمن.

فمن يجرؤ على المجيء وقد هتكت حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المستوى الذي فعله الشيخان وعصابة من الصحابة الذين خجل من بيانهم المؤرخون فقالوا: (جاء عمر بعصابة من المسلمين)، وكأننا في زمن آخر ليس بزمن الصحابة.

5 - لما جاءته عليها السلام بما طلب، وجد نفسه ملزماً برد فدك، وذلك أن عدم الركون لهذا الطلب يكشف إصراره على ظلم فاطمة بشكل خاص، فإن كان دخوله لبيتها وحرقه بدافع جمع الصحابة على بيعة رجل واحد ومنعاً - كما يقولون - من شق عصا الأمة وتفرقها الذي أصبح واقع حال، وثمرة من ثمرات السقيفة.

فإن عدم تسليمه لأرض فدك بعد شهادة الشهود ليس له توجيه سوى التجاهر بحرب فاطمة عليها السلام، وعندها قد ينهض معها من ينهض ولو باحتمالية ضعيفة جدا.

فضلاً عن احتدام المواجهة من جديد لاسيما وقد استقر له الأمر وبايعه

ص: 234

الناس واستقر مجلسه في السلطان الجديد.

6 - لا أجد كلمات مناسبة تصف هذا الفعل الذي قام به عمر بن الخطاب حينما اعترض بضعة النبوة وروح المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فأرهبها وسلبها الكتاب، ثم ليتفل فيه ويمحوه ويمزقه ولعل الأمر لو كان مسجلاً بعدسة مصورٍ لكتب في أسفل الصورة (بدون تعليق) إذ يترك الكلام فيها للناظر.

7 - إن تلك الحدود التي ذكرها الإمام أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام إنما هي الحدود الشرعية بحسب قانون الفيء الذي جعله الله خاصة من خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن ثم فكل ما هو داخل تحت هذا العنوان فهو من حق فاطمة وأبنائها فهم الورثة الشرعيون لمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وإن من انتفع من هذه الأموال بدون إذن منها أو منهم من بعدها فهو غاصب لمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومال آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك قال له المهدي: (كثير) أي إن ما ذكرت من الحدود فهو كثير:

وذلك: إن رمزية فدك كانت منطلقاً للثورة ورفع الظلم عن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

8 - إن إطلاق الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر بصفة (أمير المؤمنين) على المهدي العباسي ليس إقراراً له بالإمارة على المؤمنين، فأين هؤلاء الطواغيت والإيمان والمؤمنين، وإنما اتصافه بالصفة التي أطلقها على نفسه كمن يصف نفسه ل - (ملك الملوك)، أو (صاحب الجلالة).

ص: 235

المبحث الثالث: إرهاب الحرب الجسدية والنفسية والاجتماعية على فاطمة عليها السلام

اشارة

على الرغم من الوقت القصير الذي عاشته فاطمة عليها السلام بعد وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبالغة خمسة وسبعين يوماً إلاّ أنها تعرضت لإرهاب وحرب منظمة على مختلف المجالات حتى لحقت بربها صابرة محتسبة شهيدة.

بل يكفي بالقارئ الاعتقاد بقتل فاطمة عليها السلام هو هذه المدّة القصيرة التي عاشتها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع تلك الأحداث التي أنزلها عليها أبو بكر وعمر وعصابتهما كما أسماها البعض من المؤرخين في الهجوم على بيت النبوة (بعصابة من المسلمين) يقودهم عمر بن الخطاب.

ولكن:

كيف أصبح حال فاطمة مع هذه المصائب والابتلاءات والأحداث المتسارعة التي لو قسمت على هذه الأيام لخرجنا بنتيجة مفادها أن فاطمة عليها السلام في كل يوم يمر عليها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان محملاً بمصاب جديد

ص: 236

وابتلاء جديد حتى وصفت حالها عليها السلام بقولها:

صبّت عليّ مصائب لو أنها *** صبّت على الأيام صرن لياليا(1)

وفضلاً عن قولها وبيانها لما أصابها من المصائب فإن هناك بعض الروايات الأخرى التي تعطي صورة لهذه المصائب وحجمها التي نزلت بفاطمة وعلى مختلف المجالات كالجسدية والنفسية والاجتماعية فضلاً عن الاقتصادية التي مرّ بيانها، والتي سنتناولها من خلال هذه المجالات لكي ندرك حجم المعاناة والألم الذي أصاب فاطمة عليها السلام فكان إرهاباً منظماً عجل باستشهادها ومفارقتها للحياة.

المسألة الأولى: كيف أصبح حال الزهراء فاطمة عليها السلام بفعل هذه الحرب التي تشن عليها
اشارة

تظهر الروايات حالتين مما تصف وضع الزهراء الجسدي بعد هذه الحرب أو خلالها وهي كالآتي:

أولاً: إنها أحد البكائين الخمسة

لم تزل الزهراء عليها السلام باكية بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم في الليل والنهار لا يجف لها رمش ولم تسكن لها عين، ولا يهدأ لها أنين، حتى عدت بذلك أحد البكائين الخمسة الذين عرفهم المسلمون وغيرهم وذلك لطول بكائهم ودوام حزنهم كما أشارت الروايات الشريفة، فمنها:

ص: 237


1- المناقب لابن شهر: ج 1، ص 208؛ مسكن الفؤاد للشهيد الثاني: ص 103؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 181؛ تفسير الآلوسي: ج 19، ص 149؛ سير أعلام النبلاء: ج 2، ص 134؛ الوافي بالوفيات: ج 1، ص 253؛ تاريخ مكة لمحمد بن أحمد المكي الحنفي: ص 321؛ الاكتفاء للكلاعي: ص 62.

عن الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام قال:

«البكاءون خمسة آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي بن الحسين عليهما السلام، فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له:

(... تَاللّٰهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّٰى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ اَلْهٰالِكِينَ (1).

وأما يوسف بكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا: إما أن تبكي بالنهار و تسكت بالليل، وإما أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار فصالحهم على واحد منهما، وأما فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تأذى بها أهل المدينة وقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر، مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين عليهما السلام فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك عبرة»)(2).

ص: 238


1- سورة يوسف، الآية: 85.
2- الأمالي للصدوق: ص 140-141؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 322؛ الخصال للشيخ المفيد: ج 1، ص 272-273؛ تفسير العياشي: ج 2، ص 188؛ إرشاد القلوب للديلمي: ج 1، ص 95؛ روضة الواعظين للفتال: ج 1، ص 170؛ قصص الأنبياء للجزائري: ص 175.
ثانيا: شدة حزنها عليها السلام الذي أدى إلى يباس لحمها على عظمها

إن من كانت تلازم البكاء في الليل والنهار، ومن لم تر ضاحكة كما يقول الإمام الباقر عليه السلام:

«ما رئيت فاطمة عليها السلام ضاحكة مستبشرة منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبضت»(1).

فإن حالها الجسدي سيكون بأسوأ ما يمكن أن يتحمله هذا البدن الضعيف، فهو لا قدرة له على تحمل كل هذه المصائب وهذا الحزن والابتلاءات.

فقد وصل بها الحال عليها الصلاة والسلام إلى ذبول جسمها وإنهيار قواها، فقد ذابت من الحزن، هذا الحزن الذي ما زال يزداد عليها يوماً بعد يوم، وذلك أن القوم لم يتركوها وشأنها على الرغم من مصادرة مالها وحبس خمسها ومنع إرثها، فضلاً عن حرق دارها واقتحامه وإرهاب أولادها وترعيبهم، وإخراج علي عليه السلام يقاد عنوة للبيعة صابراً محتسباً ملتزماً بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حال فقد الناصر وخذل الصديق؛ فهذه الابتلاءات التي جرت عليها جعلت جسدها بهذا الشكل الذي يصفه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن آبائه سلام الله عليهم أجمعين قال:

«لما حضرت فاطمة عليها السلام الوفاة كانت قد ذابت من الحزن وذهب لحمها فدعت أسماء بنت عميس».

وقال أبو بصير في حديثه عن أبي جعفر عليه السلام أنها:

ص: 239


1- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 498.

«دعت أم أيمن فقالت: يا أم أيمن اصنعي لي نعشا يواري جسدي فإني قد ذهب لحمي، فقالت لها: يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا يصنع في أرض الحبشة؟

قالت فاطمة عليها السلام: بلى، فصنعت لها مقدار ذراع من جرائد النخل وطرحت فوق النعش ثوبا فغطاها فقالت فاطمة عليها السلام: سترتيني سترك الله من النار».

ولكن ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الحال الذي عليه فاطمة عليها السلام؟

إن الأسباب التي أدت إلى هذا الحال الذي عليه فاطمة صلوات الله عليها هي الحرب المفتوحة التي شنها أبو بكر وعمر ومن انطوى تحت لوائهما وعلى كافة المجالات، وللمزيد من التوضيح والبيان نورد ما تعرضت له فاطمة على يدي الشيخين ضمن المسائل الآتية:

المسألة الثانية: إرهاب الحرب الجسدية على فاطمة عليها السلام

إن مما مرّ بيانه في المباحث السابقة هو قيام عمر بن الخطاب بمحاصرة بيت فاطمة عليها السلام بالحطب وإحراقه، ثم اقتحامه فخلف ذلك آثاراً جسدية كبيرة على بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكانت كالآتي:

1 - عصرها بين الحائط والباب.

2 - كسر ضلعها.

3 - إسقاط جنينها، وقتل المحسن.

4 - ضربها بالسوط على يدها حتى أصبح كالدملج.

5 - لطمها على وجهها فأصيبت عينها.

ص: 240

ولعل ذكر ما جرى عليها بلسان ولدها الإمام الحسن عليه السلام فيه الكفاية في بيان إرهاب الحرب الجسدية التي شنها عمر بن الخطاب وعصابته من المسلمين.

فقال عليه السلام مخاطباً عمر بن الخطاب:

«وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالاً منك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومخالفة منك لأمره وانتهاكاً لحرمته»(1).

ولعل قيام ابن أبي الحديد بذكر هذه الفجائع والمصائب واستهجانه لها ورمي الشيعة بالتفرد به وسكوته عن كونه صحيحاً أم ضعيفاً أم مرسلاً يدل على أن هذه المصائب صحيحة وقد روتها أهل السنة والجماعة بأسانيد صحيحة كما مرّ بيانه فيما أخرجه ابن أبي شيبة الكوفي وابن أبي عاصم وغيرهما من تهديد عمر بن الخطاب فاطمة بحرق بيتها بمن فيه فضلاً عما روته أهل السنة في قتل المحسن ومصرعه كما بيّناه أيضا.

أما قول ابن الحديد المعتزلي فكان كالآتي:

(فأما الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة: من إرسال قنفذ إلى بيت فاطمة عليها السلام وأنه ضربها بالسوط، فصار في عضدها كالدملج، وبقي أثره إلى أن ماتت، وأن عمر أضغطها بين الباب والجدار فصاحت يا أبتاه يا رسول الله، وألقت جنينا ميتاً، وجعل في عنق علي عليه السلام حبل يقاد به وهو يعتل، وفاطمة خلفه تصرخ وتنادي بالويل والثبور، وابناه حسن وحسين معهما يبكيان،

ص: 241


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 278.

وأن عليا لما أحضر سألوه البيعة فامتنع فتهدد بالقتل؛ فقال: إذن تقتلون عبد الله، وأخا رسول الله؛ فقالوا: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله فلا؛ وأنه طعن فيهم في أوجههم بالنفاق، وسطر صحيفة الغدر التي اجتمعوا عليها، وبأنهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ليلة العقبة فكله لا أصل له عند أصحابنا، ولا يثبته أحد منهم، ولا رواه أهل الحديث، ولا يعرفونه، وإنما هو شيء تنفرد الشيعة بنقله)(1).

أقول:

لقد مرّ عليك أيها القارئ الكريم عرض أقوال ابن أبي الحديد ومناقشتها وبيان تردده فيها، فمرة يقر بها أي بهذه المصائب، ومرة يقر بنصفها، ومرة يلقيها في عنق الشيعة وتفردها بروايتها، والذي يهمنا هنا ترتيبه الزمني لمجريات هذه الأحداث والمصائب بشكل دقيق يكشف عن اهتمامه الكبير بها، ولا يخفى على من تحقق في أقواله وآرائها يكتشف سر هذا التردد، فحبه للشيخين وإقراره بهذه الأمور الشنيعة والمستهجنة التي فعلوها ببيت النبوة جعلته يحمد الله تعالى الذي (قدم المفضول على الفاضل) ومن ثم قوله: (إنما هو شيء تنفرد الشيعة بنقله)، لا أساس له من الصحة وهو محاولة لدفع هذه الشنائع عمن يتولى أبا بكر وعمر.

ومن ثمّ: فقد قادا حرباً مفتوحة على بيت النبوة فكانت على الصعيد الجسدي لبضعة النبوة فاطمة عليها السلام ما مر ذكره، فكيف لا يكون حزنها طويلاً وكيف لا ييبس لحمها ويذوب بدنها؟!

ص: 242


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2، ص 60.

علماً: أن مجريات الحرب النفسية التي شنها الشيخان ضدها عليها السلام لم تكن أقل شناعة وبشاعة من إرهاب الحرب الجسدية، وهو كما في المسألة الثالثة.

المسألة الثالثة: إرهاب الحرب النفسية على فاطمة صلوات الله عليها
اشارة

إن من أشنع الأمور التي نزلت ببيت النبوة التي يندى لها جبين الإنسانية فضلاً عن السجية العربية وما تفرضه الشريعة الإسلامية من خطوط حمراء في التعامل مع آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إلا أن كل هذا لم نجد له أثراً في حركة أبي بكر وعمر إتجاه بيت النبوة وعنوان وجوده فاطمة قلب النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وروحه التي بين جنبيه.

ولعل القوم حينما لم يستطيعوا القيام بهذه الحرب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما يكشفه الوحي ويظهره من نصوص قرآنية تفضح الفاعل على فعله، انهالوا على ابنته وبضعته فاطمة عليها السلام بما لديها من المحل والمكانة في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فكان إرهابهم لها على المستوى النفسي ما يأتي:

أولاً: إنّ أوّل من قذف فاطمة على المنبر وأسس لذلك أبو بكر بن أبي قحافة

لم تزل الحرب النفسية التي استخدمها مشركو العرب اتجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصفه بالجنون، والكذب، والسحر، والشعر، مستخدمة ضد أهل بيته عليهم السلام إلاّ أن الفارق بين الحرب النفسية ضد رسول الله وبين الحرب النفسية ضد أهل البيت أن الأولى كانت من طرف ظاهر في كفره وعدائه أما الثاني فكان مستتراً بالإسلام وهم المنافقون فكانت تأثيرات الحرب النفسية على

ص: 243

أهل البيت عليهم السلام أكثر بكثير من الحرب التي شنها المشركون اتجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أن الحرب ضد أهل البيت أحدثت شرخاً عظيماً في العقيدة من خلال التجري العلني والصريح على الله ورسوله وتحت مرأى ومسمع من المهاجرين والأنصار، إذ لم يزل أولئك وأشياعهم من وصف فاطمة صلوات الله عليها بصفات لا تليق بأمة من إماء العرب والعجم فكيف بسيدة نساء العالمين وبضعة سيد الأنبياء والمرسلين وزوجة سيد الوصيين وأفضل الصحابة أجمعين وهل يرقى أحد على من كان نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فضلاً عن ولادتها للحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

لكن أبا بكر لم يمنعه مانع من قذف محصنة النبوة ومخدرة الرسالة! ومن على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونعتها بالسيئات، فأي شناعة وبشاعة واستهجان ومجاجة وتوحش وتجرٍ على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الفعل؟!!

ولعل الرجوع إلى قوله الذي رواه الجوهري (المتوفى سنة 323 ه -) وابن أبي الحديد المعتزلي (المتوفى سنة 656 ه -) وغيرهما فيه الكفاية لبيان إرهاب الحرب النفسية التي شنها أبو بكر وعمر على فاطمة عليها السلام فيقول، واللفظ للجوهري، قال:

(حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، بالإسناد الأول، قال: فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر، - أي: منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وقال:

ص: 244

ما هذه الرعة إلى كل قالة، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلم، إنما هو فعالة يشهده ذنبه، حرب لكل فتنة، هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي...!!(1).

حتى أصبحت هذه الشنيعة سنة لدى أشياع أبي بكر وعمر فقد تعاهدوا على ذلك في التجري على أهل بيت النبوة وهجائه وقذفه، وفي ذلك يقول الإمام جعفر ابن محمد الصادق عليهما السلام:

«إن الكبائر سبع فينا أنزلت ومنا استحلت فأولها الشرك بالله العظيم، وقتل النفس التي حرم الله قتلها، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وإنكار حقنا.

فأما الشرك بالله فقد أنزل الله فينا ما أنزل، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال فكذبوا الله ورسوله وأشركوا بالله.

وأما قتل النفس التي حرم الله قتلها فقد قتلوا الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه.

وأما أكل مال اليتيم، فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله الله لنا وأعطوه غيرنا.

وأما عقوق الوالدين، فقد أنزل الله ذلك في كتابه فقال:

ص: 245


1- السقيفة وفدك للجوهري: ص 105؛ شرح ابن أبي الحديد للمعتزلي: ج 16، ص 215؛ البحار للمجلسي: ج 29، ص 326؛ فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر: ص 67.

(اَلنَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ...)(1).

فعقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذريته وعقوا أمهم خديجة في ذريتها.

وأما قذف المحصنة، فقد قذفوا فاطمة عليها السلام على منابرهم.

وأما الفرار من الزحف، فقد أعطوا أمير المؤمنين بيعتهم طائعين غير مكرهين ففروا عنه وخذلوه.

وأما إنكار حقنا، فهذا ما لا ينازعون فيه»(2).

ولعل الرجوع إلى ما أخرجه أحمد في المسند وغيره(3) من إجراء سنة سب علي بن أبي طالب على المنابر يغني القارئ والباحث عن التتبع فيما أسسه الأولون من التعرض لبيت النبوة في إرهاب الحرب النفسية وغيرها كما سيمر.

ثانيا: بيت الأحزان شاهد على إرهاب الحرب النفسية على فاطمة عليها السلام

لا تجد المرأة بما خصها الله تعالى من عاطفة ورقة وضعف بدني فيما لو قورن مع الرجل، لم تجد غير الدمع وسيلة تعبر عما يختلج في نفسها من الألم والحزن والقهر، وكذاك الفرح؛ فالدمع هو اللسان الصامت الذي تستخدمه المرأة لإيصال المعاني بأوضح مما يجيده اللسان الناطق من بيان وبلاغة.

ولذا:

ص: 246


1- سورة الأحزاب، الآية: 6.
2- علل الشرايع للصدوق: ج 2، ص 474.
3- مسند أحمد بن حنبل، من مسند عبد الله بن عباس: ج 1، ص 331؛ المستدرك على الصحيحين: ج 3، ص 132؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 113.

كانت الزهراء فاطمة صلوات الله عليها كثيرة الدمع ككثر الأحزان والآلام التي ألمت بها وأصابت قلبها الذي تصدع لفراق روح حياتها ووجودها ألا وهو أبوها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضلاً عما شنته عصابة المسلمين التي قادها عمر بن الخطاب كما يسميها التاريخ(1)، في حربها ضد فاطمة عليها السلام وبيت النبوة.

فكان من شأنها ما رواه العلامة المجلسي رحمه الله في حجم حزنها على مصابها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم تجد فيه إلاّ المعبر عن آلامها وأحزانها، فيقول عن لسان خادمتها فضة رحمها الله حينما سألها ورقة بن عبد الله عن حال فاطمة عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت له:

(يا ورقة بن عبد الله هيجت عليّ حزناً ساكناً، وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة، فاسمع الآن ما شاهدت منها عليها السلام.

اعلم أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افتجع له الصغير والكبير وكثر عليه البكاء، وقل العزاء، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب والغرباء والأنساب، ولم تلق إلا كل باك وباكية، ونادب ونادبة، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب، والأقرباء والأحباب، أشد حزنا وأعظم بكاء وانتحابا من مولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام، وكان حزنها يتجدد ويزيد، وبكاؤها يشتد.

ص: 247


1- الرياض النضرة للمحب الطبري: ج 1، ص 241.

فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين، ولا يسكن منها الحنين، كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صبرا إذ خرجت وصرخت، فكأنها من فم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنطق، فتبادرت النسوان، وخرجت الولائد والولدان، وضج الناس بالبكاء والنحيب وجاء الناس من كل مكان، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء وخيل إلى النسوان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قام من قبره، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم، وهي عليها السلام تنادي وتندب أباه:

«وا أبتاه، وا صفياه، وا محمداه! وا أبا القاسماه، وا ربيع الأرامل واليتامى، من للقبلة والمصلى، ومن لابنتك الوالهة الثكلى».

ثم أقبلت تعثر في أذيالها، وهي لا تبصر شيئا من عبرتها، ومن تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها، ودام نحيبها وبكاها، إلى أن أغمي عليها، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول.

«رفعت قوتي، وخانني جلدي، وشمت بي عدوي، والكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت والهة وحيدة، وحيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري، وتنغص عيشي، وتكدر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي، ولا رادا لدمعتي، ولا معينا لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل، ومهبط جبرئيل، ومحل ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب، وتغلقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية وعليك ما

ص: 248

ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، ولا حزني عليك».

ثم نادت:

«يا أبتاه والباه».

ثم قالت:

إن حزني عليك حزن جديد

وفؤادي والله صب عنيد

كل يوم يزيد فيه شجوني

واكتيابي عليك ليس يبيد

جل خطبي فبان عني عزائي

فبكائي كل وقت جديد

إن قلبا عليك يألف صبرا

أو عزاء فإنه لجليد

ثم نادت:

«يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة، فقد أسود نهارها، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق، يا أبتاه من للأرامل والمساكين، ومن للأمة إلى يوم الدين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين يا أبتاه أصبحت الناس عنا معرضين، ولقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين فأي دمعة لفراقك لا تنهمل، وأي حزن بعدك عليك لا يتصل، وأي جفن بعدك بالنوم يكتحل، وأنت ربيع الدين، ونور النبيين، فكيف للجبال لا تمور، وللبحار بعدك لا تغور، والأرض كيف لم تتزلزل، رميت يا أبتاه بالخطب الجليل، ولم تكن الرزية بالقليل، وطرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول.

ص: 249

بكتك يا أبتاه الاملاك، ووقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحش، ومحرابك خال من مناجاتك، وقبرك فرح بمواراتك، والجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك.

يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلا عليك وأثكل أبو الحسن المؤتمن أبو ولديك، الحسن والحسين، وأخوك ووليك وحبيبك ومن ربيته صغيرا، وواخيته كبيرا، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك من كان منهم سابقا ومهاجرا وناصرا، والثكل شاملنا، والبكاء قاتلنا، والأسى لازمنا».

ثم زفرت زفرة وأنت أنة كادت روحها أن تخرج ثم قالت:

قل صبري وبان عني عزائي

بعد فقدي لخاتم الأنبياء

عين يا عين أسكبي الدمع سحا

ويك لا تبخلي بفيض الدماء

يا رسول الإله يا خيرة الله

وكهف الأيتام والضعفاء

قد بكتك الجبال والوحش جمعا

والطير والأرض بعد بكي السماء

وبكاك الحجون والركن

والمشعر يا سيدي مع البطحاء

وبكاك المحراب والدرس للقرآن

في الصبح معلنا والمساء

وبكاك الإسلام إذ صار في

الناس غريبا من سائر الغرباء

لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه

علاه الظلام بعد الضياء

يا إلهي عجل وفاتي سريعاً

فلقد تنغصت الحياة يا مولائي

قالت: ثم رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها، وهي

ص: 250

لا ترقأ دمعتها، ولا تهدأ زفرتها، واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة عليها السلام تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا، ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلا أو نهارا، فقال عليه السلام: حبا وكرامة.

فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام حتى دخل على فاطمة عليها السلام وهي لا تفيق من البكاء، ولا ينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: يا بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكي أباك ليلا وإما نهارا، فقالت:

«يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لا أسكت ليلا ولا نهارا أو ألحق بأبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

فقال لها علي عليه السلام:

«افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك».

ثم إنه بنى لها بيتا في البقيع نازحا عن المدينة يسمى بيت الأحزان، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين عليهما السلام أمامها، وخرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه السلام إليها وساقها بين يديه إلى منزلها)(1).

والحديث يكشف عن مبلغ حزنها وألمها على رحيل رسول الله صلى الله

ص: 251


1- البحار للمجلسي: ج 43، ص 175-178.

عليه وآله وسلم والذي - كما أسلفنا - وجدت فيه المعبر مما أصابها من المصائب والخطوب؛ إلاّ أن الذي نحن بصدده وهو بيت الأحزان الذي أصبح شاهداً على إرهاب الحرب النفسية التي شنها عمر بن الخطاب في عصابة مع المسلمين ضد بيت النبوة الذين لم يطيقوا سماع بكائها فمنعوها حتى من هذا الحق الإنساني والشخصي الذي ينفرد به الإنسان مع نفسه إلاّ أنهم أرهبوها بحربهم النفسية عليها.

ولأن بيت الأحزان كان أحد الشهود الحية والناطقة على إرهاب الحرب النفسية ضد فاطمة، فقد منعوا ذكره وقيامه، فهدم في البقيع بعد أن ظل ينوح على ما لاقته بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينطق عما أجرمته عصابة المسلمين بحقها.

قال السمهودي في بيان المشاهد التي كانت في البقيع في المدينة المنورة:

(ومنها: مشهد سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، وقبره على نَعْتِ قبر الحسن والعباس، وهو ملصق إلى جدار المشهد القبلي، وفي هذا الجدار شباك(1)، قال المجد: وموضع تربته يُعرف ببيت الحزن، يقال: إنه البيت الذي أوَتْ إليه فاطمة رضي الله عنها، والتزمت الحزن فيه بعد وفاة أبيها سيد المرسلين صلى الله عليه - وآله - وسلم(2)، انتهى.

والمشهور ببيت الحزن إنما هو الموضع المعروف بمسجد فاطمة في قبلة مشهد

ص: 252


1- في المغانم المطالبة: ص 209، زيادة: (من جهة القبلة).
2- المصدر السابق.

الحسن والعباس، وإليه أشار ابن جُبير بقوله: ويلي القبة العباسيّة بيت لفاطمة بنت الرسول صلى الله عليه - وآله - وسلم ويُعرف ببيت الحزن، يقال: إنه الذي أوَتْ إليه والتزمت الحزن فيه عند وفاة أبيها صلى الله عليه - وآله - وسلم(1).

وفيه قبرها على أحد الأقوال - كما قدمناه - وأظنّه في موضع بيت علي بن أبي طالب الذي كان اتّخذه بالبقيع، وفيه اليوم هيئة قبور)(2).

وذكره، أي: بيت الأحزان، حمد الجاسر في جمعه لمائة مخطوط في تاريخ المدينة المنورة، فقد ورد ذكره في وصف المدينة في سنة 1303 ه -- 1885 م لعلي بن موسى الأفندي فقال:

(وفي قبليها قبة لا شيء فيها، وتعرف بقبة الأحزان لا يزورها إلاّ الشيعة من الأعاجم وغيرهم في زمن الموسم)(3) - أي الحج -.

وهذا يدل على أن بيت الأحزان كان قائماً وشاخصاً في هذا العام وما بعده حتى جاء أزلام النواصب وأشياع شيخ بني أمية ابن تيمية في الجلوس على كرسي الحكم في بلاد الحجاز فهدموا هذه الشواهد ليضيفوا بذاك أسماءهم إلى سجل تلك العصابة التي أحرقت واقتحمت بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ليكون بذلك موضعاً من مواضع الحرب بين الملائكة والشياطين، وبين القداسة والدناسة.

ص: 253


1- رحلة ابن جبير: ص 155.
2- وفاء الوفاء للسمهودي: ج 3، ص 303.
3- وصف المدينة المنورة في سنة 1303 ه -- 1885 م (مخطوط).
المسألة الرابعة: إرهاب الحرب الاجتماعية على فاطمة عليها السلام

إن من الشواهد التي تدل على إرهاب الحرب الاجتماعية على بيت النبوة وجوهر وجوده فاطمة عليها السلام هو هجران الناس لبيت النبوة وجفاؤهم لفاطمة عليها السلام، على الرغم من احتياجها لمن يواسيها ويعزيها بمصاب أبيها.

ولكن حاشى لله تعالى أن يترك قلب النبوة وروح الرسالة، وحيدة غريبة، فقد أهبط إليها جبرائيل يحادثها ويكلمها تسمع صوته ولا ترى شخصه تسأله عن أبيها وموضعه وحاله في روضته، ويخبرها عنه وعن ذريتها وما يجري في الأمم والأزمنة، حتى خط علي عليه السلام ما كانت تسمع فاطمة من جبرائيل وتقصه على ابن عمها كما مرّ بيانه في مبحث مصحف فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.

وعليه:

فمن الشواهد على مقاطعة الناس لفاطمة وجفائهم لها معاتبتها لسلمان الفارسي الذي انقطع عن زيارة بيت النبوة بعد هذه الأحداث العصيبة التي أحلت به فكان من شأنها عليها السلام عتابها لسلمان ما رواه قطب الدين الراوندي بحذف سنده وأخرجه العلامة ابن طاووس مسنداً:

(أن سلمان قال: خرجت إلى فاطمة فقالت:

«جفوتموني بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

ص: 254


1- وفي مهج الدعوات للعلامة ابن طاووس: قال سلمان خرجت من منزلي يوماً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعشرة أيام فلقيني علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي: «يا سلمان جفوتنا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟»، فقلت: حبيبي أبا الحسن مثلكم لا يجفى غير أن حزني على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طال، فهو منفي من زيارتكم، فقال عليه السلام لي: «يا سلمان أئت منزل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنها إليك مشتاقة تريد أن تتحفك بتحفة....».

ثم قالت:

«أجلس».

فجلست فحدثتني أنها كانت جالسة أمس وباب الدار مغلق، قالت:

«وأنا أتفكر في انقطاع الوحي عنا وانصراف الملائكة عن منزلنا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ انفتح الباب من غير أن يفتحه منا أحد، فدخلت عليّ ثلاث جوار من الحور العين من دار السلام وقلن: نحن من الحور العين من دار السلام أرسلنا إليك رب العالمين يا ابنة محمد، كنا مشتاقات إليك، فقلت لواحدة منهن، أظن أنها أكبرهن سنا: ما اسمك؟ قالت: مقدودة خلقت للمقداد بن الأسود، وقلت للثانية: ما اسمك؟ قالت: ذرة، خلقت لأبي ذر، وقلت للثالثة: ما اسمك؟ قالت: سلمى، خلقت لسلمان الفارسي».

ثم قالت فاطمة:

«أخرجن لنا طبقاً عليه رطب أمثال الخشكنانك الكبار أشد بياضا من الثلج وأذكى ريحا من المسك الأذفر وقد أحرزت نصيبك لأنك منا أهل البيت فأفطر عليه، وإذا كان غدا فأتني بنواه».

قال سلمان: فأخذت الرطب فما مررت بجماعة إلاّ قالوا: معك مسك، فأفطر عليه، فلم أجد له نواة، فغدوت إليها وقلت: يا ابنة رسول الله لم أجد له

ص: 255

عجماً، قالت:

«يا سلمان إنما هو نخل غرسه الله لي في دار السلام بكلام علمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال لي: إن سرك أن لا تمسك الحمى في دار الدنيا فواظبي عليه وقولي: (بسم الله النور النور بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبر الأمور، بسم الله الذي خلق النور، الحمد لله الذي أنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعز مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السراء والضراء مشكور)».

قال سلمان: فتعلمته وعلمته أكثر من ألف إنسان ممن به الحمى فكلهم برءوا بإذن الله)(1).

والحديث الشريف يكشف عن بعض الأمور، منها:

1 - إن الحالة العامة التي استخدمها المسلمون من المهاجرين والأنصار مع بيت النبوة كانت مقاطعة أهل هذا البيت وهجرانهم وجفاءهم على اختلاف منازلهم.

2 - إن سلمان كان دافعه في هجران هذا البيت هو حزنه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ أن ذلك ترك ألماً على قلوب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو مما عبّر عنه أمير المؤمنين حينما قال لسلمان:

«جفوتمونا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

ص: 256


1- الخرائج والجرائح للراوندي: ج 2، ص 533؛ دلائل الإمامة للطبري الشيعي: ص 107؛ مهج الدعوات لابن طاووس: ص 6.

في حين أن انقطاع الجميع وبهذا الشكل الممنهج يكشف عن إرهاب الحرب الاجتماعية التي خلقتها السقيفة وقياداتها على بيت النبوة.

3 - نقلنا الحديث بتمامه للفائدة وقد مرّ بيانه في مبحث كرامتها ومعاجزها.

المسألة الخامسة: بيان فاطمة عليها السلام للأسباب التي دفعت أبا بكر وعمر لظلمها وأهل بيتها

لم تترك الزهراء عليها السلام الأمور مبهمة على القارئ دون أن تضع بين يديه مجموعة الأسباب التي دفعت أبا بكر وعمر لشنّ هذه الحرب عليها وعلى أهل بيتها كي تدفع القارئ المنصف إلى احتكام عقله وضميره في الأخذ بالطريق التي يسلكها إلى الله تعالى.

وهو ما دأب عليه أهل البيت عليهم السلام في إرشاد الناس إلى الطريق المستقيم كي لا تضل بهم الأهواء وتجرهم الفتن إلى الهاوية والهلاك.

ولذا:

فقد قامت بنت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ببيان هذه الأسباب لهذه الحرب المفتوحة حينما دخلت عليها عائشة بنت طلحة فرأتها باكية، فقالت لها: بأبي أنت وأمي، ما الذي يبكيك؟ فقالت لها صلوات الله عليها:

«أسائلتي عن هنة حلق بها الطائر، وحفي بها السائر، ورفع إلى السماء أثراً، ورزئت في الأرض خبراً، أن قحيف تيم، وأحيوك عدي، جاريا أبا الحسن في السباق، حتى إذا تقربا بالخناق، أسرا له الشنان، وطوياه الإعلان، فلما خبا نور الدين، وقبض النبي الأمين، نطقا بفورهما، ونفثا بسورهما، وأدلا بفدك، فيا لها لمن ملك،

ص: 257

تلك أنها عطية الرب الأعلى للنجي الأوفى، ولقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله ونسلي، وأنها لبعلم الله وشهادة أمينه، فإن انتزعا مني البلغة، ومنعاني اللمظة، واحتسبتها يوم الحشر زلفة، وليجدنها آكلوها ساعرة حميم، في لظى جحيم»(1).

والحديث واضح الدلالة في بيان الأسباب التي كانت وراء هذه الحرب المفتوحة على بيت فاطمة عليها السلام من قبل قطبي قيادة هذه الحرب أبي بكر وعمر بن الخطاب، فكان من بينها:

1 - إنهما من بيئة خسيسة نشآ فيها فكان الأول قحيفاً في قومه، والقحيف: تصغير القحف، والقحف أسفل الإناء الذي يرتكز عليه ويضرب به للوضيع شأناً في قومه.

والثاني - أي عمر - كان أحيوك قومه، وهو من الحيكان، أي: المشي القصير، وقد حاك يُحيك حَيكاناً: إذا حرّك منكبيه وفحّج بين رجليه في المشي، فهما ممن أثرت عليهما التنشئة الاجتماعية والأسرية، فنشأ كلٌّ منهما وضيعاً ذليلاً صغير النفس، مما يدفعه إلى الانتقام ممن كانوا أهل الطهر والرفعة والحسب والوجاهة والشأنية كما حسد إبليس آدم وحسد قابيل هابيل.

ولقد بيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة، فقال سبحانه:

(أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنّٰاسَ عَلىٰ مٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)(2).

ص: 258


1- الأمالي للشيخ الطوسي رحمه الله: ص 204؛ بحار الأنوار: ج 29، ص 182.
2- سورة النساء، الآية: 54.

ولا يخفى على أهل العلم والمعرفة بالتفسير والحديث أن آل إبراهيم هم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ولذا اقترنت الصلاة على محمد وآله في الصلاة الإبراهيمية على إبراهيم وآل إبراهيم.

2 - إن أبا بكر وعمر حينما عجزا عن اللحاق بفخر العرب بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسروا له الشنآن أي العداوة وأخفيا كطي الورق الاعلان عن هذا العداء، وهم يتحيزون الفرصة فلما جاءتهم بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانقطاع الوحي نطقاً بفورهما وهي كناية عما كان في داخلهما من البغض والحقد والعداوة التي تغلي وتفور في جوفهما فنطقا بها عند ذاك.

3 - ونفثا بسورهما: كناية عن السم الذي تنفثه الأفعى على من حولها.

4 - فلم يكن أمامهما غير فدك موضعاً لهذا العداء والسم الذي نفثاه على بيت النبوة.

5 - إنّ هذه الأرض، فدك، نحلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للفتية أبناء فاطمة (السواغب) وهو كناية عن صغار الطير الذي لم يكسُه الريش وليس له معيل غير أمه وأبيه.

6 - تشير عليها السلام في قولها (نجله ونسلي) إلى أن الله تعالى جعل نسل النبوة منها عليها الصلاة والسلام.

7 - ثم تصف عليها السلام هذه الأرض وما تقدمه لعيالها فقالت عنها بالبلغة أي ما يبلغ به العيش (واللمقة) إشارة إلى حركة اللسان عند مضغ الطعام، بمعنى لم تحتج من هذه الأرض كي تكون دولة بين الأغنياء ومورداً للثراء وإنما

ص: 259

لتستعين به على سد الجوع وإطعام أولادي أما خير هذه الأرض فهو للإنفاق في سبيل الله الذي أجّلته من هذه الدنيا.

ولكن:

أنى لهم الفرار والخلاص من يوم الحساب وشديد العقاب في يوم الحشر (وليجدنها أي فدك: آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم).

فهذا حالها في الآخرة.

أما في الدنيا فقد كانت وما تزال فدك عنواناً لظلم فاطمة عليها السلام ينشدها الشعراء ويذكرها الكتاب وفيما كتب عوّام صاحب أبي نُواس إلى بعض عمال ديار ربيعة وقد استشهد بظلم فاطمة فقال:

بحق النبيّ بحق الوصي

بحق الحُسين بحق الحسن

بحق التي ظلمت حقّها

ووالدها خير ميت دفن

ترفق بارزاقنا في الخراج

بترفيهها وبحَطّ المؤن(1)

وقال ابن سنان الخفاجي:

وقالوا قد تغيّرت الليالي

وضيّعت المنازل والحقوقُ

فاقسم ما استجد الدهر خُلقا

ولا عدوانه إلا عتيقُ

أليس يرَدُّ عن فدكٍ عليٌّ

ويملك أكثر الدنيا عتيقُ (2)

ص: 260


1- العقد الفريد: ج 5، ص 91-92.
2- ابن سنان الخفاجي (المتوفى 423-466 ه -) من كتاب سر الفصاحة: ص 7، ط دار الكتب العلمية.

المبحث الرابع: مرضها وعلتها مما جرى عليها

اشارة

بعد هذه الأحداث والمصائب التي نزلت ببضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحجم الألم والحزن الذي ضربها فذاب بدنها ويبس لحمها على عظمها، وكيف لا تمرض وهل غير المرض والعلة تكون ملازمة لهذا البدن الذي أذابه الحزن وهدّه المرض؟

ولكن من لفاطمة عليها السلام وقد جفاها الناس وانقطع عنها الأقربون وهي في علتها هذه ومرضها، وهل لها غير أمير المؤمنين عليه السلام الذي دأب على تمريضها وهل لها غير ولديها وبنتيها زينب العقيلة وأم كلثوم وهما من كانتا بحاجة لرعاية، فها هي زينب في الخامسة من عمرها وها هي أم كلثوم في الرابعة من عمرها وكيف لمن كانتا في الخامسة والرابعة أن تقوما بتمريض عليل وتسهرا على رعايته؟!

ولذا:

ص: 261

تفيد الروايات أن فاطمة وهي في هذه الظروف الصعبة، وإحجام الأقربين عن زيارتها لم تكن تتمكن من الاستمرار في مقاومتها لهذا المرض فهي بين إسقاط جنينها وكسر ضلعها وحزنها على مصاب أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاك حرمتها وغصب حق الخلافة، فهذا كله وغيره عجل في وفاتها صلوات الله عليها.

أما في خصوص تمريضها فقد كانت تستعين بأم سلمى زوجة أبي رافع(1).

وقد اشتهر كذلك أن جاريتها فضة كانت كذاك تمرضها.

المسألة الأولى: عيادة أم سلمة لها في مرضها

إن التأمل في الروايات والأحداث التي مرت بها فاطمة عليها السلام تفيد بأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقمن بزيارتها وعيادتها في مرضها إذ الغالب أنها مرت بهذا الجفاء كما مرت من قبل أمها خديجة بنت خويلد عليها الصلاة والسلام.

والظاهر أن القدر قد حتم على فاطمة عليها السلام أن تولد إلى هذه الدنيا التي ملئت ظلماً لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي وحيدة مع أمها فلم يحضرها أحد من نساء مكة فبعث الله لخديجة نساء من الجنة كما مرّ بيانه في الجزء الثاني من الكتاب، وكذا كان حال فاطمة عليها السلام في خروجها من الدنيا فقد هجرتها نساء المدينة، ومع الفارق، ففي مكة لم يكن الإسلام قد ظهر بهذا المستوى الذي عليه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والممانعة والجفاء كان سببها الاختلاف العقائدي وهنا يبدو أن الدافع الذي دفع إلى جفاء فاطمة

ص: 262


1- تعجيل المنفعة لابن حجر العسقلاني: ج 1، ص 562، حديث 1669.

وهجرانها كذاك عقائدي؛ فهناك كان الشرك هو المانع، وهنا كان بغض علي وفاطمة عليهما السلام هو المانع، أي كان النفاق هو الحاجز من التجانس والتلاؤم مع الإيمان الذي يمثله عترة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذا:

لم يتقدّمن لزيارة فاطمة في مرضها على علمهن بسوء حالها وما جرى عليها سوى أم سلمة، فقد بادرت إلى زيارة بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلت عليها، فقالت لها:

(كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله؟ قالت:

«أصبحت بين كمد وكرب، فقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وظلم الوصي، وهتك الله حجبه، أصبحت إمامته مقتضبة على غير ما شرع الله في التنزيل، وسنها النبي في التأويل، ولكنها أحقاد بدرية، وترات أحدية، كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لإمكان الوشاة، فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها وليس على ما وعد الله من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد انتصار ممن فتك بآبائهم في مواطن الكروب ومنازل الشهادات»)(1).

وحديثها عليها السلام مع أم سلمة يقدم صورة واضحة عن حال الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبيان الدوافع النفسية والعقائدية في منعهم من السير خلف علي بن أبي طالب عليه السلام على الرغم من علمهم وتيقنهم

ص: 263


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 2، ص 205؛ العقد النفيد والدر الفريد لمحمد بن الحسن العمي: ص 133؛ بحار الأنوار: ج 43، ص 156.

بإمامته وحقه في الجلوس مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقيادة الأمة وبيان الشريعة كي لا تضل من بعد نبيها فتموت السنن وتحيا البدع وتتوغل الفتن.

وكيف لا تأسى الزهراء على حال الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم وهذا حالها وكيف لا يكون أتباع الأمة للباطل وهجرانها للحق وتركه مورد كرب عليها وألم وحزن.

المسألة الثانية: عيادة نساء المدينة لها وخطبتها فيهنّ

ولما اشتد بها المرض وساء حالها بعد أن وصل خبرها إلى نساء المهاجرين والأنصار عزمت مجموعة من النساء على عيادتها وزيارتها.

فعن سويد بن غفلة(1) قال:

(لما مرضت فاطمة سلام الله عليها، المرضة التي توفيت فيها(2) دخلت عليها

ص: 264


1- قال العلامة في الخلاصة: سويد بن غفلة الجعفي قال البرقي: إنه من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام، انتهى. وفي أسد الغابة (أدرك الجاهلية كبيرا وأسلم في حياة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ولم يره، وأدى صدقته إلى مصدق النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم ثم قدم المدينة فوصل يوم دفن النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم وكان مولده عام الفيل وسكن الكوفة....). وفي التهذيب: (أدرك الجاهلية وقد قيل إنه صلى مع النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم ولا يصح وقدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وهذا أصح... إلى أن قال: قال ابن معين والعجلي: ثقة... وقال أبو نعيم مات سنة ثمانين، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام وغير واحد مات سنة إحدى وثمانين، وقال عمرو بن علي وغيره مات سنة 88.
2- قال ابن ابي الحديد في المجلد الرابع من شرحه على النهج: (قال أبو بكر وحدثنا محمد بن زكريا قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد الله بن حماد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد الله بن حسن

نساء المهاجرين والأنصار يعدنها، فقلن لها: كيف أصبحت من علتك يا بنت رسول الله؟ فحمدت الله، وصلت على أبيها.

ثم قالت:

«أصبحت والله: عائفة لدنيا كن، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجمتهم(1)، وسئمتهم بعد أن سبرتهم(2)، فقبحا لفلول الحد، واللعب بعد الجد، وقرع الصفات وصدع القناة، وختل الآراء(3)، وزلل الأهواء.

و (.. لَبِئْسَ مٰا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي اَلْعَذٰابِ هُمْ خٰالِدُونَ (4).

لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم اوقتها(5)، وشننت عليهم غاراتها(6) فجدعا، وعقرا وبعدا، للقوم الظالمين.

ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين بأمور الدنيا(7) والدين؟!

ص: 265


1- لفظتهم: رميت بهم وطرحتهم بعد أن عجمتهم: أي بعد أن اختبرتهم وامتحنتهم.
2- سئمتهم: مللتهم، وسبرتهم: جربتهم واختبرتهم واحداً واحدا.
3- ختل الآراء: زيفها وخداعها.
4- سورة المائدة، الآية: 80.
5- أوقتها: ثقلها.
6- شننت الغارة عليهم: وجهتها عليهم من كل جهة.
7- الطبين: الفطن الحاذق العالم بكل شيء.

(... أَلاٰ ذٰلِكَ هُوَ اَلْخُسْرٰانُ اَلْمُبِينُ)(1).

وما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام؟! نقموا والله منه نكير سيفه، وقلة مبالاته لحتفه، وشدة وطأته، ونكال(2) وقعته، وتنمره في ذات الله(3)، وتالله لو مالوا عن المحجة اللايحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردهم إليها، وحملهم عليها ولسار بهم سيرا سجحا(4)، لا يكلم حشاشه(5)، ولا يكل سائره(6) ولا يمل راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا، صافيا، رويا، تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا وإعلانا، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ري الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب، ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون، والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين! ألا هلم فاسمع؟! وما عشت أراك الدهر عجبا! وإن تعجب فعجب قولهم!.. ليت شعري إلى أي أسناد استندوا؟! وإلى أي عماد اعتمدوا؟! وبأية عروة تمسكوا؟! وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا(7)، لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله الذنابى

ص: 266


1- سورة الزمر، الآية: 15.
2- النكال: ما نكلت به غيرك كائنا ما كان.
3- تنمر: عبس وغضب.
4- سجحا: سهلا.
5- كلمه: جرحه.
6- يكل: يتعب.
7- احتنكه: استولى عليه.

بالقوادم(1)، والعجز بالكاهل(2)، فرغما لمعاطس(3) قوم(4).

(... يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً(5).

(أَلاٰ إِنَّهُمْ هُمُ اَلْمُفْسِدُونَ وَ لٰكِنْ لاٰ يَشْعُرُونَ)(6).

ويحهم (أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(7).

أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملاء القعب دما عبيطا(8)، وزعافا مبيدا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف البطالون غب(9)، ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا، واطمأنوا للفتنة جاشا، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين: يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لكم! وأنى بكم وقد عميت عليكم!

(... أَ نُلْزِمُكُمُوهٰا وَ أَنْتُمْ لَهٰا كٰارِهُونَ)(10)»)(11).

ص: 267


1- الذنابى: ذنب الطائر، وقوادمه: مقادم ريشه.
2- العجز: مؤخر الشيء، والكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق.
3- المعطس: الأنف.
4- في الأمالي للطوسي: (فتعسا لقوم).
5- سورة الكهف، الآية: 104.
6- سورة البقرة، الآية: 12.
7- سورة يونس، الآية: 35.
8- القعب: القدح، والدم العبيط: الخالص الطري.
9- الغب: المعاقبة؟؟
10- سورة هود، الآية: 28.
11- أمالي الطوسي: ص 374-376؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 147-149؛ بلاغات النساء: ص 32-33؛ دلائل الإمامة للطبرسي: ص 40-41؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 492-494؛ معاني الأخبار للصدوق: ص 354-355؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 16، ص 233-234.

والخطبة الشريفة يظهر فيها تركيز الزهراء عليها السلام واهتمامها بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام والولاية له وتآمر القوم على محاربته ودفع الأمر عنه؛ كما أظهرت عليها السلام الأسباب والدوافع النفسية والعقائدية للمسلمين في نقمتهم على الإمام علي عليه السلام وخذلانهم له وتوليهم عدوه وهم يدركون بما خصه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من حقوق وخصائص عديدة.

ثم أظهرت عليها السلام من خلال هذه الخطبة النتائج التي ستؤول إليها هذه الانتهاكات والتعدي لحدود الله وظلم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة والعالم أكمل.

فضلاً عن احتواء الخطبة لمجموعة من السنن الكونية التي تناولناها في الجزء السابق فليراجع.

المسألة الثالثة: عيادة بعض المهاجرين والأنصار لها

إن من المسائل التي تضمنتها الخطبة الشريفة لبضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بيان موقف الصحابة وتراجعهم عن جادة الحق وإحداثهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرهم بما تؤول إليه أمورهم وانقلابهم على أعقابهم وتراجعهم القهقري كما مرّ بيانه من أحاديث البخاري التي خصصها وغيره في بيان الحوض والفتن.

ص: 268

وعليه:

كانت الزهراء عليها السلام قد ركزت على هذا الانقلاب والتراجع في أول كلامها مع نساء المدينة من أزواج المهاجرين والأنصار، فقالت بعد حمد الله والصلاة على أبيها:

«أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن، شانئتهم بعد أن عرفتهم، ولفظتهم بعد أن سبرتهم، ورميتهم بعد أن عجمتهم، فقبحا لفلول الحد وخطل الرأي، وعثور الجد، وخوف الفتن:

(... لَبِئْسَ مٰا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي اَلْعَذٰابِ هُمْ خٰالِدُونَ)(1)...»)(2).

بل:

إننا لنجد أن جل كلامها مع نساء المدينة كان يرتكز على بيان موقف المهاجرين والأنصار وخذلانهم للحق وتمسكهم بالباطل مما أدى إلى انقطاع حبل المودة فيما بين بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين الصحابة فأصبحت تشنأهم، أي تعاديهم بعد معرفتها بهم وبما فعلوا، معرفة البصير الحاذق فكانوا بما فعلوا أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، لظلمهم عترة نبيهم وإيذائهم له أشد الأذى، فقد انتهكوا حرمة الله ورسوله، وخالفوا أمره وعهده في بيعتهم لعلي بن أبي طالب في غدير خم، وحرقهم بيت النبوة واقتحامه، وقتلهم المحسن،

ص: 269


1- سورة المائدة، الآية: 80.
2- دلائل الإمامة للطبري الإمامي: ص 40.

وضرب بضعته، وكسر ضلعها وغيرها من الشنائع التي مرّ ذكرها.

إلاّ أن فاطمة عليها السلام على الرغم مما جرى عليها إلاّ أنها كانت تضع شأن الأمة وولاية علي بن أبي طالب في مقدمة مأساتها ومصائبها، حالها في ذاك حال أبيها حينما خاطبه الباري بقوله:

(... فَلاٰ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰاتٍ إِنَّ اَللّٰهَ عَلِيمٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ (1).

وحرصاً منها على نجاتهم والأجيال التي تتبعهم وتستن بسنتهم، فكان هذا الألم والحرص ملازماً لها ولجميع الأئمة من ذريتها كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علاقته بالعالمين فقال سبحانه:

(لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(2).

وعليه:

أدى هذا الموقف الفاطمي إلى آثار كبيرة انعكست نتائجها بشكل سريع على الصحابة حينما نقلت النساء لهم موقف بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي يدركون أن رضاها وغضبها مقرون برضا الله تعالى ورسوله وغضبهما غير ظانين أن الأمر قد يصل منها إلى هذا الحد أو لعل البعض منهم كان يتصور سهولة إرضائها وتسامحها فيما أقدم عليه من قبائح وشنائع متجاهلاً أنه قد أسس إلى سنة ظلم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فضلاً عن سنة انحراف الأجيال

ص: 270


1- سورة فاطر، الآية: 8.
2- سورة التوبة، الآية: 128.

اللاحقة والتابعة لهذا المنهج الذي انتهجه الصحابة.

ولذا:

بادروا إلى محاولة جديدة علهم يمتصون من خلالها غضب فاطمة صلوات الله عليها وسخطها عليهم، وعداوتها لهم، فقد وقعت الحرب وسفكت دماء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالمقتول ابنه والدم الذي سفك دمه، فقد قتل هؤلاء ثلث نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما لو تركوا بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحالها فلم يضرموا النار بدارها ولم قوموا باقتحامه.

فأرادوا تخفيف العذاب ورفع الجرم عنهم فبادروا إلى عيادتها في مرضها يعتذرون منها ويتظاهرون بالندم أو إلقاء الجريمة في عاتق غيرهم أو التظاهر بالجهل بما فعلوا.

ولكن: ماذا وجدوا في هذه المحاولة الكاذبة، وهل ينفع الندم في قتل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟

(قال سويد بن غفلة فأعادت النساء قولها عليها السلام على رجالهن فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا: يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد لما عدنا عنه إلى غيره؟

فقالت عليها السلام:

«إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم»)(1).

ص: 271


1- الأمالي للطوسي: ص 376؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 109؛ دلائل الإمامة للطبري (الشيعي): ص 41.

والجواب الذي تلقاه هؤلاء المعتذرون على ما فعلوا في عترة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم كان موازياً لحجم الأذى والضرر الذي أنزلوه ببنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فضلاً: عن أن هذا العذر هو أقبح من فعل، وكأنهم لم يكونوا قد شهدوا حجة البلاغ التي نصب فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً ولياً وخليفة عليهم من بعده، ولم تقع منهم البيعة له في هذا اليوم حتى احتاجوا إلى أن يذكر لهم علي بن أبي طالب ما فعلوه.

أفتراهم كانوا ينتظرون من علي بن أبي طالب أن يفعل مثلهم فيترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون تغسيل وتكفين ثم يتسابق معهم للجلوس على كرسي الخلافة كما فعلوا وتراكضوا إلى سقيفة بني ساعدة يتفاوضون فيما بينهم ويتفاخرون بين وجهائهم ويتبارون بين أمرائهم أيهم يكسب الجولة غير آبهين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مسجى في بيته لم يبرد بدنه بعد!!

فأي عذر لهؤلاء وأي ذنب قد اقترفوا وأي حرمة قد هتكوا؟!!

المسألة الرابعة: عيادة العباس بن عبد المطلب لها

وحينما اشتد بها الحال وصعب عليها المرض، وبعد انتشار إعراضها عن المهاجرين والأنصار وحجبها لقبول عذرهم، يبدو بعد هذا أن العباس بن عبد المطلب أراد أن يستفهم منها عن انطباعها عنه وذلك بعد تقصيره وبني هاشم في الذب عنها والوقوف إلى جانبها في محنتها ومصائبها التي توالت عليها سراعاً منذ أن قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتقل إلى جوار ربه.

ص: 272

وفي ذلك يقول عمار بن ياسر: (مرضت فاطمة عليها السلام مرضها الذي توفيت فيه وثقلت، جاءها العباس بن عبد المطلب عائداً، فقيل له إنها ثقيلة، وليس يدخل عليها أحد، فانصرف إلى داره، فأرسل إلى علي عليه السلام فقال لرسوله قل له:

(يا ابن أخ، عمك يقرئك السلام، ويقول لك قد فجأني من الغم بشكاة حبيبة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وقرة عينه وعيني فاطمة ما هدني، وإني لأظنها أولنا لحوقا برسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، والله يختار لها ويحبوها ويزلفها لديه، فإن كان من أمرها ما لابد منه، فاجمع - أنا لك الفداء - المهاجرين والأنصار حتى يصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها، وفي ذلك جمال للدين).

فقال علي عليه السلام لرسوله وأنا حاضر عنده:

«أبلغ عمي السلام، وقل لا عدمت إشفاقك وتحننك، وقد عرفت مشورتك ولرأيك فضله، إن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تزل مظلومة من حقها ممنوعة، وعن ميراثها مدفوعة، لم تحفظ فيها وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا رعي فيها حقه، ولا حق الله عزّ وجل، وكفى بالله حاكما ومن الظالمين منتقما، وإني أسألك يا عم أن تسمح لي بترك ما أشرت به، فإنها وصتني بستر أمرها».

قال: فلما أتى العباس رسوله بما قاله علي عليه السلام قال: يغفر الله لابن أخي، فإنه لمغفور له، إن رأي ابن أخي لا يطعن فيه، إنه لم يولد لعبد المطلب مولود أعظم بركة من علي إلاّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إن علياً لم يزل

ص: 273

أسبقهم إلى كل مكرمة، وأعلمهم بكل قضية، وأشجعهم في الكريهة، وأشدهم جهاداً للأعداء في نصرة الحنيفية، وأول من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه - وآله - وسلم)(1).

وقد حجبت فاطمة عليها السلام عمها وعم أبيها صلى الله عليه وآله وسلم من الدخول عليها لتدل بهذا الفعل على عدم رضاها عنه لما قصر في حقها وحفظها وصونها وهو شيخ بني هاشم آنذاك، ولكنه تركها للقوم يظلمونها، ويلوعونها، ويرعبونها وأولادها.

وكذلك فعلت فيما أوصت به أمير المؤمنين عليه السلام في أمر دفنها، فحجب أمير المؤمنين المهاجرين والأنصار من ضمنهم كان عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم العباس بن عبد المطلب، فلم يشهد جنازتها ودفنها، فكان بهذا الصنيع واحداً ممن اشترك بظلم بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - كما أسلفنا -.

وكان فيمن جاءها أيضاً، أبو بكر وعمر وقد حاولاً مراراً الدخول عليها والاعتذار منها، فكان ردها المنع كما سيمر لاحقاً.

المسألة الخامسة: محاولة أبي بكر وعمر الدخول على فاطمة عليها السلام لاسترضائها بعد ما جرى منهما في حرق دارها وإسقاط جنينها ومنع إرثها وحبس خمسها واغتصاب أرضها
اشارة

تناولت المصادر الإسلامية لدى الفريقين من أهل السنة والجماعة، وأهل الخاصة والموالاة لعترة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذكر دخول الشيخين أبي

ص: 274


1- الأمالي للطوسي: ص 156؛ البحار للمجلسي: ج 43، ص 210.

بكر وعمر بن الخطاب على بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لغرض استرضائها فيما بدر منهما من حرق دارها واسقاط جنينها المحسن وما تبع ذلك من الظلم في منع إرثها، وحبس خمسها، واغتصاب أرضها فدك.

وتفيد الروايات أنهما حاولا مراراً الدخول عليها بعد أن اشتد بها المرض ووصول حديثها مع نساء المهاجرين والأنصار وشياعه في المدينة.

إلاّ أن الفارق بين روايات أبناء العامة وبين روايات أهل البيت عليهم السلام، أن أهل الجماعة قالا بدخولهما وحصولهما على رضا فاطمة عليها السلام وهو كذب صراح كما سيمر.

وإن أهل البيت عليهم السلام يقولون إنها لم تأذن لهما إلاّ بعد أن ضمن لهما الإمام علي عليه السلام استحصال الإذن منها في الدخول فلما دخلا عليها لم يخرجا إلا بيقينهما ببغضها وسخطها ودعائها عليهما؛ وعليه: فالفارق كبير بين الروايتين.

أولاً: ما روته أهل السنة والجماعة في دخول أبي بكر وعمر على فاطمة للحصول على رضاها

1 - روى البيهقي والذهبي وابن كثير وغيرهم عن الشعبي قال: (ثم لما مرضت فاطمة - عليها السلام - أتاها أبو بكر فاستأذن عليها، فقال علي - عليه السلام -:

«يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك».

فقالت:

«أتحب أن آذن له؟».

ص: 275

قال:

«نعم».

فأذنت له، فدخل عليها يترضاها، وقال والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلاّ ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت ثم ترضاها حتى رضيت) وأردفه الذهبي بقوله: هذا مرسل حسن بإسناد صحيح(1).

2 - وروى المحب الطبري عن عامر قال: (جاء أبو بكر إلى فاطمة عليها السلام وقد اشتد مرضها فاستأذن عليها، فقال لها علي:

«هذا أبو بكر على الباب يستأذن فإن شئت أن تأذني له».

قالت:

«أو ذاك أحب إليك؟».

قال:

«نعم».

فدخل فاعتذر إليها وكلمها فرضيت عنه)(2).

3 - وروى أيضا عن الأوزاعي، قال: (بلغني أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضبت على أبي بكر فخرج أبو بكر حتى قام على بابها

ص: 276


1- السنن الكبرى للبيهقي: ج 6، ص 301، برقم 12515؛ فتح الباري لابن حجر: ج 6، ص 202، ط دار المعرفة؛ دلائل النبوة للبيهقي: ج 7، ص 281؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 2، ص 121؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3، ص 47؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 5، ص 310؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 4، ص 575.
2- الرياض النضرة للمحب الطبري: ص 176.

في يوم حار ثم قال: لا أبرح مكاني حتى ترضى عني بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل عليها علي فأقسم عليها أن ترضى، فرضيت؛ أخرجه ابن السمان في الموافقة)(1).

4 - وروى البيهقي في الاعتقاد وابن حجر في فتح الباري فقال:

(وقد دخل أبو بكر على فاطمة في مرض موتها وترضاها حتى رضيت عنه فلا طائل لسخط غيرها ممن يدعي موالاة أهل البيت عليهم السلام ثم يطعن على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويهجن من يواليه ويرميه بالعجز والضعف واختلاف السر والعلانية في القول والفعل)(2).

أقول:

إنّ هذه المحاولات اليائسة والبائسة لا تستطيع أن تغير من الواقع الذي كان عليه حال أبي بكر وعمر بن الخطاب وعصابتهما من المسلمين أي شيء بل: إنها تزيد القارئ والباحث قناعة بفظاعة وشناعة ما أقدم عليه أبو بكر وعمر ومن آزرهما في ظلم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

كما أن هذه المحاولات لا تغني عن أبي بكر وعمر وغيرهما شيئاً إن كانت مخالفة للواقع فلن تدفع عنهما ما اقترفته أيديهما في حق بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 277


1- الغدير: ج 7، ص 228؛ الرياض النضرة للمحب الطبري: ص 176.
2- الاعتقاد للبيهقي: ص 353، ط دار الآفاق الجديدة بيروت؛ فتح الباري لابن حجر: ج 6، ص 202، ط دار المعرفة؛ تاريخ أبي الفداء: ج 1، ص 80.

إما ما جاء في كلام الحافظ البيهقي فمردود جملة وتفصيلاً، فضلاً عن هشاشة الحجة وبئس الدليل الذي استدل به على خلاف الشيعة لنهج أهل البيت عليهم السلام وكأنهم على جادة ثانية وطريق أخرى غير طريقهم وهديهم فيحبون غير من أحب أهل البيت ويعادون من أحب أهل البيت عليهم السلام، وكأن البيهقي في كوكب آخر لا يرى غير اتهام شيعة آل محمد وإقصائهم.

ولكن:

1 - قوله: (وقد دخل أبو بكر على فاطمة عليها السلام في مرض موتها وترضاها حتى رضيت عنه) فأول الكلام صدق وآخره كذب صراح، فدخول أبي بكر وعمر على فاطمة في مرضها الذي توفيت فيه ثابت، لا خلاف فيه عند السنة والشيعة، وأما رضاها عنهما فكذب باتفاق أهل السنة والشيعة.

بل الثابت عكس هذا:

أي إنها غضبت عليه وعلى عمر ولم تكلمه حتى توفيت؛ وهو ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحه، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، أنها قالت:

(.... فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت....)(1).

فمتى رضيت عنه وهي لم تكلمه حتى توفيت.

ص: 278


1- صحيح البخاري، باب: غزوة خيبر: ج 5، ص 82؛ صحيح مسلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا نورث: ج 5، ص 154؛ سنن الترمذي: ج 4، ص 157، برقم 1609.

وفي لفظ آخر للبخاري يصرّح بأنها غضبت عليه فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت؛ فعن عائشة: (إن فاطمة - عليها السلام - ابنة رسول الله سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم؟ فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قال:

«لا نورث ما تركناه صدقة».

فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت)(1).

وقال المعتزلي: (والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر وأنها أوصت ألا يصليا عليها)(2).

إذن:

الثابت أنهما دخلا عليها لكنهما خرجا منها وهي غاضبة عليهما ولم تكلمهما حتى ماتت.

2 - إن سخط من يتولى أهل البيت عليهم السلام على بعض من عاصرهم نابع من سخط أهل البيت على من ظلمهم فسخط الموالي يتلازم مع سخط أوليائه وهم الله ورسوله وعترته ورضا الموالي يتلازم مع رضا الله ورسوله وعترته.

وقد ثبت أن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر ومن ساندهما

ص: 279


1- صحيح البخاري، باب دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ج 4، ص 42؛ مسند أحمد: ج 1، ص 6، من مسند أبي بكر؛ الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 28.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 6، ص 50، وج 16، ص 253.

وأعانهما وناصرهما على ظلم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقتل ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحرق دارها ومصادرة مالها واغتصاب أرضها وقتل جنينها وغير ذلك.

3 - هناك فرق بين من يتولى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يتولى الصحابة.

4 - إن من لا يفرق بين المؤمن والمنافق من الصحابة فهو راد على كتاب الله الذي أنزل في المنافقين من الصحابة سورة كاملة، وعليه لابد من التمييز بين هؤلاء، بين المؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبين المنافق الذي لم يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وبما أن عملية التمييز قائمة وبحسب القانون الذي وضعه رسول الله في التمييز بين الصحابة فلابد من عرض ولاية علي على هؤلاء فمن أحبه كان مؤمناً ومن أبغضه كان منافقاً(1).

5 - إن الحديث مرسل، وقد صرح البيهقي بذلك، والمرسل لا يحتج به أمام الصحيح الذي أخرجه الشيخان وغيرهما.

أما حقيقة ما كان من دخول أبي بكر وعمر على فاطمة عليها السلام في مرضها وما جرى بينهم من حديث فمعرفته تكون من رواية أهل البيت عليهم السلام فهم أدرى بما جرى في دارهم من الغريب والبعيد عنهم وهو كما سيمر في ثانياً.

ص: 280


1- مسند أحمد: ج 1، ص 84.
ثانياً: دخول أبي بكر وعمر على فاطمة يترضيانها وغضبها وسخطها عليهما أثناء اللقاء

روى الشيخ الصدوق رحمه الله (عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال:

«.... فلما مرضت فاطمة مرضها الذي ماتت فيه أتياها عائدين واستأذنا عليها فأبت أن تاذن لهما فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهدا أن لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة ويتراضاها.

فبات ليلة في البقيع ما يظله شيء ثم إن عمر أتى عليا عليه السلام فقال له: إن أبا بكر شيخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار فله صحبة وقد أتيناها غير هذه المرة مرارا نريد الإذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا حتى ندخل عليها فنتراضى فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل.

قال: نعم، فدخل علي على فاطمة عليها السلام فقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد تردد مرارا كثيرة ورددتهما ولم تأذني لهما وقد سألاني أن أستأذن لهما عليك.

فقالت: والله لا آذن لهما ولا أكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبي، فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني.

فقال علي عليه السلام: فإني ضمنت لهما ذلك، قالت: إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال، لا أخالف عليك بشيء فأذن لمن أحببت، فخرج علي عليه السلام فأذن لهما فلما وقع بصرهما على فاطمة عليها السلام سلما عليها فلم ترد عليهما وحولت وجهها وعنهما فتحولا واستقبلا وجهها حتى فعلت مرارا وقالت: يا علي جاف الثوب، وقالت لنسوة حولها: حوّلن وجهي.

ص: 281

فلما حولن وجهها حولا إليها فقال ابو بكر: يا بنت رسول الله إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عما كان منا إليك.

قالت: لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبداً حتى ألقى أبي وأشكوكما إليه وأشكو صنيعكما وفعالكما وما ارتكبتما مني.

قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا ولا تؤاخذينا بما كان منا.

فالتفتت على علي عليه السلام وقالت: إني لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله فإن صدقاني رأيت رأيي.

قالا: اللهم ذلك لها وإنا لا نقول إلا حقا ولا نشهد إلا صدقا.

فقالت: أنشدكما الله أتذكران أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استخرجكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر علي؟

فقالا: اللهم نعم.

فقالت: أنشدكما بالله هل سمعتما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: فاطمة بضعة مني وأنا منها من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟

قالا: اللهم نعم.

قالت: الحمد لله.

ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذياني في حياتي

ص: 282

وعند موتي والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتما بي وارتكبتما مني.

فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني، فقال عمر: عجبا للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب امرأة وقاما وخرجا»)(1).

ثالثا: ما روي عند أهل السنة والجماعة بما يقارب رواية الشيخ الصدوق رحمه الله في غضب فاطمة على أبي بكر وعمر حينما دخلا عليها

1 - ما أخرجه ابن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة 276 ه -) فقال: (قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أني مت، ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم يقول:

«لا نورث، ما تركنا فهو صدقة».

فقالت:

«أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم

ص: 283


1- علل الشرايع: ج 1، ص 187-188.

تعرفانه وتفعلان به؟».

قالا: نعم، فقالت:

«نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟».

قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، قالت:

«فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه».

فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول:

«والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها».

ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته، مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي، قالوا: يا خليفة رسول الله، إن هذا الأمر لا يستقيم، وأنت أعلمنا بذلك، إنه إن كان هذا لم يقم لله دين، فقال: والله لولا ذلك وما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة، بعدما سمعت ورأيت من فاطمة.

قال: فلم يبايع علي - عليه السلام - حتى ماتت فاطمة - عليها السلام -، ولم تمكث بعد أبيها إلا خمسا وسبعين ليلة)(1).

ص: 284


1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج 1، ص 20.

والحديث الذي دار بين أبي بكر والناس لا يغني ولا يسمن من جوع، فقد مضت فاطمة صلوات الله عليها إلى ربها مظلومة مقتولة مسلوبة مقهورة وهي التي:

1 - يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.

2 - يؤلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يؤلمها ويبسط النبي ما يبسطها.

3 - بضعة منه يرضيه ما يرضيها ويغضبه ما يغضبها.

وقد آذى أبو بكر وعمر وعصابتهما من المسلمين الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه الكريم:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً)(1).

فلا عذر لمن اعتذر.

وأنى لهذا العذر أن يصمد أمام اعتراف أبي بكر بجريمة حرق بيت فاطمة عليها السلام وقتل ولدها وضربها وكسر ضلعها حينما حضرته الوفاة، فهل في هذا الاعتراف حجة لمن أراد أن يلتمس العذر لأبي بكر فيما فعل عمر وعصابته ببنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

(مٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(2).

ص: 285


1- سورة الأحزاب، الآية: 57.
2- سورة القلم، الآية: 36.
المسألة السادسة: اعتراف أبي بكر باقتحام بيت فاطمة عليها السلام بعد حرقه فكان سيد الأدلة

قيل في علم القانون والقضاء: (إن الاعتراف سيد الأدلة)، إذ يعد الاعتراف: كأحد أدلة الإثبات الجنائي بأنه إقرار المجرم على نفسه بصحة الجرم المنسوب إليه من عدمه؛ وهو كذلك فيما وقع من جريمة قتل فاطمة بفعل الآثار التي خلفها حرق بيتها واقتحامه وما نجم عنه من أضرار على بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث كانت واقفة بين الحائط والباب وعصرها كما مرّ بيانه.

ولقد دار جدل منذ زمن الواقعة بين شيعة فاطمة وشيعة أبي بكر في إثبات هذه الجريمة ووقوعها وبين نفيها وتبرئة الجناة الذين مارسوا هذه الشنائع والفضائع بحق بيت النبوة، وبين هذا المدافع وذاك المناصر يبقى الاعتراف سيد الأدلة.

فها هو أبو بكر يعترف بجرمه باقتحام بيت فاطمة وندمه الشديد على ما فعله في حق بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن أنى للندم أن يصلح ما أفسده الظلم والجور والعدوان؛ وهل يدفع الندم عن القاتل إقامة الحد عليه أم يدفع عن السارق أو الزاني أو غيرها من الجرائم والآثام.

وعليه: لا عذر لمن اعتذر عن هذه الجريمة أو إلصاقها بظهر غير جناتها وذلك أن الجناة والفاعلين الحقيقيين هم الذين أقروا بما فعلوا كما روى الطبراني والطبري والذهبي وغيرهم عن حميد بن عبدا لرحمن بن عوف:

(إن عبد الرحمن بن عوف، دخل على أبي بكر في مرضه الذي قبض فيه، فرآه مفيقاً، فقال عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئا(1).

ص: 286


1- بارئا: سليما معافى.

فقال له أبو بكر: أتراه؟، قال عبد الرحمن: نعم، قال: إني على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي، لأني وليت(1) أمركم خيركم في نفسي، وكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر دونه، ثم رأيتم الدنيا مقبلة، ولما تقبل وهي مقبلة، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج(2)، وتأملون الاضطجاع على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم اليوم أن ينام على شوك السعدان(3).

والله لأن يقدم أحدكم، فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض(4) غمرة الدنيا، وأنتم أول ضال بالناس غدا، تصفونهم عن الطريق يمينا وشمالا، يا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر.

قال عبد الرحمن: فقلت له: خفض عليك رحمك فإن هذا يهيضك على ما بك، إنما الناس في أمرك بين رجلين، إما رجل رأى ما رأيت فهو معك، وإما رجل خالفك، فهو يشير عليك برأيه، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، وإن كنت لصالحا مصلحا، فسكت.

ثم قال: مع أنك، والحمد لله ما تأسى على شيء من الدنيا، فقال: أجل إني لا آسى(5) من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن، وثلاث تركتهن

ص: 287


1- الولاية: المسؤولية والنصرة والقيام بالأمر.
2- الديباج: هو الثّياب المتّخذة من الإبريسم أي الحرير الرقيق.
3- السعدان: نبت ذو شوك، وهو من جيّد مراعي الإبل تسمن عليه.
4- خاض الشيء: دخله ومشى فيه.
5- آسى: أحزن.

وددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم.

أما اللاتي وددت أني تركتهن، فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء، وإن كانوا قد أغلقوا على الحرب وودت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي، ليتني قتلته سريحا، أو خليته نجيحا، ولم أحرقه بالنار، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة، كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين، عمر بن الخطاب أو أبي عبيدة بن الجراح، فكان أحدهما أميراً، وكنت أنا وزيراً.

وأما اللاتي تركتهن، فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس الكندي أسيراً، كنت ضربت عنقه، فإنه يخيل إليّ أنه لن يرى شراً إلا أعان عليه، ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون، ظفروا، وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد، ووددت أني إذ وجهت خالداً إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله.

وأما اللاتي وددت أني كنت سألت عنهن رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، فوددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم لمن هذا الأمر، فلا ينازعه أحد، ووددت أني كنت سألته: هل للأنصار في هذا الأمر شيء؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة، فإن في نفسي منها شيئاً)(1).

ص: 288


1- الأموال لابن زنجويه: ج 1، ص 387، حديث 364؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 1، ص 62؛ الاكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي: ص 174؛ الخصائل للصدوق: ص 172؛ تاريخ الطبري: ج 2، ص 353، ط دار الكتب العلمية؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3، ص 118؛ تاريخ ابن عساكر: ج 30، ص 418؛ العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: ج 2، ص 78؛ مروج الذهب للمسعودي: ج 1، ص 290، ط دار القلم؛ اعجاز القرآن للباقلاني: ج 1، ص 138-139، ولم يورد كشف بيت فاطمة عليها السلام؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 47؛ سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 1، ص 443، ط المطبعة السلفية بالقاهرة؛ البحار للمجلسي: ج 30، ص 123؛ ضعفاء العقيلي: ج 3، ص 43؛ ميزان الاعتدال للذهبي: ج 5، ص 13؛ لسان الميزان لابن حجر: ج 4، ص 189؛ الأحاديث المختارة للمقدسي: ج 1، ص 89؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 5، ص 203؛ نهج الحق: ص 265.

ولكن:

مع كل هذا الأسى والندم والاعتراف الصريح بجريمة كشف بيت فاطمة صلوات الله عليها واقتحامه وحرقه كما هدد عمر بن الخطاب وأخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم وغيرهما كما مرّ سابقا، يبقى البعض كابن أبي الحديد يدافع بشكل بائس عن دفع هذه الجريمة على الرغم من اعتراف أبي بكر بثقلها على نفسه وأن لا مهرب لديه مما جنت يداه بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد قتلت ابنته وحفيده المحسن وأرعب الحسن والحسين ولوعت قلوبهما فيقول ابن أبي الحديد في دفاعه عن هذه الجريمة واعتراف صاحبها، قائلاً:

(وأما حديث الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام فقد تقدم الكلام فيه، والظاهر عندي صحة ما يرويه المرتضى والشيعة، ولكن لا كل ما يزعمونه، بل كان بعض ذلك وحق لأبي بكر أن يندم ويتأسف على ذلك وهذا يدل على قوة دينه وخوفه من الله تعالى فهو بأن يكون منقبة له أولى من كونه طعناً عليه.

ونقول بحمد الله:

1 - الحمد لله الذي ثبت عند ابن ابي الحديد المعتزلي خبر الهجوم لكن

ص: 289

بالشكل الذي يتناسب مع بصيرته وما انطوى عليه قلبه وهو مع هذا حجة بالغة إذ ليس الملاك في الكبر والصغر في حجم الاثم إنما الملاك لمن عصيت كما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

2 - قوله: (وحق لأبي بكر أن يندم ويتأسف على ذلك)، نعم يحق له ذلك لأن الهجوم كان على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأن الهجوم كان على روح رسول الله ولأن الهجوم كان على بيت فاطمة فبعد هذا أي ندم يوازي حجم انتهاك حرمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

3 - إذا كان الدين والخوف من الله يحسب على اساس التعرض لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن أبا لهب أقوى الناس ديناً وإذا كانت هناك منقبة فأبو جهل أرفع منقبة وذلك تبعاً لمنهج ابن ابي الحديد.

4 - أما بخصوص الندم الذي يأتي للإنسان عند لحظات الموت فهو الندم الذي أخبر عنه الوحي (ندم فرعون).

وهل نفع فرعون ندمه شيئاً حينما حضره الموت، قال سبحانه:

(وَ جٰاوَزْنٰا بِبَنِي إِسْرٰائِيلَ اَلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتّٰى إِذٰا أَدْرَكَهُ اَلْغَرَقُ قٰالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اَلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرٰائِيلَ وَ أَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ اَلْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ اَلنّٰاسِ عَنْ آيٰاتِنٰا لَغٰافِلُونَ)(1).

ص: 290


1- سورة يونس، الآيات: 90-92.
المسألة السابعة: حكم الشريعة المقدسة فيمن آذى فاطمة وأغضبها
اشارة

لعل الجواب على هذا العنوان لا يحتاج إلى بيان عند كثير من القراء والباحثين لاسيما بعد هذه المباحث التي تم عرضها في الكتاب ولله الحمد.

ولكن فلنرَ أقوال علماء المسلمين في هذه المسألة كي لا يبقى عذر لدى المعتذرين عن جرم الظالمين ويكون الأمر أبلغ في الحجة والبيان والله المستعان.

أولاً: حكم الشريعة المقدسة على من آذى عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون تخصيص لأحد منهم فما يصيب أحدهم يصيب الجميع

إن المتتبع لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجد هناك كماً كبيراً منها قد خصص لبيان حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحرمة عترته وبيان علاقتهم ومكانتهم منه صلى الله عليه وآله وسلم وأن التعرض لهم هو في الأساس تعرض لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما نصت عليه الأحاديث النبوية التي إليها استند علماء المسلمين في بيان حكم الشريعة الإسلامية لمن تعرض لهم جميعاً صلوات الله وسلام عليهم؛ فمنها:

1 - أخرج أحمد في المسند، عن عبد المطلب بن ربيعة قال: دخل العبا س ابن عبد المطلب على رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فقال: يا رسول الله، إنا لنخرج فنرى قريشاً تحدث فإذا رأونا سكتوا.

فغضب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ودر عرق بين عينيه، ثم قال:

ص: 291

«والله لا يدخل قلب امرئ إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي»(1).

2 - أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي الضحى مسلم بن صبيح قال: قال العباس: يا رسول الله، انا لنرى وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم؟ فقال صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«لن يصيبوا خيراً حتى يحبوكم لله ولقرابتي، ترجو سلهف شفاعتي ولا يرجوها بنوعبد المطلب»(2).

3 - روى ابن عساكر والخطيب الخوارزمي، والحاكم الحسكاني وغيرهم عن زيد بن علي وهو آخذ بشعره قال: حدثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره، قال: حدثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره قال: حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم وهو آخذ بشعره قال:

«من آذى شعرة منكم فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنة الله»(3).

4 - روى الشيخ الصدوق رحمه الله وقريباً منه الزيلعي والثعلبي والزمخشري وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال:

«حرم الله على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم وسبهم والمعين عليهم أولائك لا خلاق

ص: 292


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 208؛ المصنف لابن أبي شيبة: ج 7، ص 518.
2- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 7، ص 518.
3- الأمالي للصدوق: ص 409؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2، ص 143؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 54، ص 308؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 105؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 547؛ المناقب للخوارزمي: ص 329؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 102.

لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم»(1).

5 - روى ابن المغازلي والسيوطي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«اشتد غضب الله تعالى وغضبي على من اهراق دمي أوآذاني في عترتي»(2).

6 - أخرج ابن أبي عاصم، وابن حبان، والحاكم النيسابوري عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«ستة لعنتهم ولعنهم الله، وكل نبي مجاب: المكذب بقدر الله، والزائد في كتاب الله، والمتسلط بالجبروت ليذل ما أعز الله ويعز ما أذل الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي»(3).

7 - وروى الهيثمي والطبراني وغيرهما عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

ص: 293


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 37؛ تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 3، ص 237؛ تفسير الثعلبي: ج 8، ص 312؛ تفسير الكشاف للزمخشري: ج 3، ص 467.
2- المناقب لابن المغازي: ص 331؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 1، ص 159؛ شرح الأخبار للقاضي المغرب: ج 1، ص 161.
3- المستدرك على الصحيحين: ج 16، ص 333، حديث 711؛ السنة لابن أبي عاصم: ص 149؛ صحيح ابن حبان: ج 13، ص 62؛ الدعاء للطبراني: ص 578؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 2، ص 186؛ شعب الإيمان للبيهقي: ج 3، ص 443؛ الترهيب والترغيب للمنذري: ج 1، ص 84؛ موارد الظمآن للهيثمي: ج 1، ص 154؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 44؛ سنن الترمذي، باب الغدر: حديث 2154، ج 4، ص 57؛ مشكاة المصابيح للتبريزي: حديث 109؛ إحياء الأموات للسيوطي: ص 69، ح 57 و 58؛ المعتصر للقاضي أبوالمحاسن: ج 2، ص 329؛ المعجم الوجيز للميرغني: ص 143، ح 290.

«ثلاث من حفظهن حفظ الله له دينه ودنياه، ومن ضيعهنّ لم يحفظ الله له أمر دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئاً: حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي»(1).

وهذه الأحاديث وغيرها تشدد على حرمة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحرمة عترته عليهم السلام وأن هذه الحرمات متلازمة مع بعضها وأن التعرض لإحداهن يعد تعرضاً لها جميعاً وأن المنتهك لها عليه اللعنة وسوء العذاب وأن من يتولاه ويحبه ويشايعه يحشر معه يوم القيامة ويحمل وزره وهو من أخطر الأمور لأن فيه ضياع الدنيا والآخرة.

من هنا:

كان علماء المسلمين ينطلقون في حكمهم على من تعرض لآل محمد باللعن ويضرب ويسجن وغير ذلك وهي كالآتي:

1 - قال القاضي عياض:

(إن من انتقصهم أو سبهم فهو ملعون)(2).

2 - وقال مالك بن أنس إمام المالكية، فيمن سب آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 294


1- المعجم الكبير للطبراني: ج 3، ص 126؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 1، ص 72؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 168؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 1، ص 77؛ تهذيب المال للمزي: ج 22، ص 349؛ طبقات الشافعية للسبكي: ج 1، ص 191؛ سبل الهدى للشامي: ج 11، ص 9؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 326.
2- الشفا: ج 2، ص 307.

(يضرب ضرباً وجيعاً ويشهّر، ويحبس طويلاً حتى تظهر توبته لأنه استخفاف بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

وهذا فيما يختص بهم جميعاً فمن سبهم أو انتقصهم فهو ملعون ويضرب ضربا وجيعاً ويشهّر ويحبس طويلاً حتى تظهر توبته فإن لم تظهر توبته يبقى مسجوناً.

وعليه:

فحكم من تعرض لفاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام بحسب رأي مالك والقاضي عياض ما مرّ أما ما ورد في الاحاديث الشريفة فهو لأعظم بكثير كما مرّ آنفاً.

ثانيا: حكم الشريعة فيمن سب فاطمة عليها السلام أو شتمها

ذهب بعض علماء أهل السنة والجماعة في بيان حكمهم على من سب فاطمة عليها السلام، بالكفر وقد استندوا في الحكم هذا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فاطمة بضعة مني».

فما لحق بها لحق به صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه جملة من أقوالهم:

1 - قال السهيلي: (إن من سبها فقد كفر، وإن من صلى عليها فقد صلى على أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

ص: 295


1- الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي: ص 258.
2- الروض الأُنُف للسهيلي: ج 3، ص 282؛ امتاع الأسماع للمقريزي: ج 10، ص 273.

2 - قال ابن حجر العسقلاني: (قوله: (فمن أغضبها أغضبني) استدل به السهيلي على أن من سبها فإنه يكفر، وتوجيهه إنها تغضب ممن سبها وقد سوى بين غضبها وغضبه ومن أغضبه صلى الله عليه وآله وسلم يكفر وفي هذا التوجيه نظر لا يخفى)(1)!

وأقول:

بل إن هذا النظر يخفى، فأي نظر هذا مقابل غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع تضافر الآيات والأحاديث الشريفة التي قرنت طاعة الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ومعصيتهما واحدة، وهل هناك إنسان على وجه الأرض لا يؤذيه الغضب ولا يؤلمه، فضلاً عن تصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأن غضبه غضب الله تعالى؛ وإذا كان القرآن يكفر المنافقين لأنهم يهزأون بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بحال من يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علماً أن الآثار التي خلفها السب والشتم على الإنسان إن لم تكن أعظم غضباً لدى الإنسان من الاهتهزاء فهي لا تكون دونه، قال تعالى:

(وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمٰا كُنّٰا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللّٰهِ وَ آيٰاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)(2).

وعليه: فلا عذر لمن اعتذر في سب فاطمة وحرق دارها وضربها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها ونهب مالها وهل هناك عاقل يقول: بأن كل هذا لم يؤذِ

ص: 296


1- فتح الباري لابن حجر العسقلاني: ج 7، ص 82.
2- سورة التوبة، الآية: 65.

الله ورسوله ويغضبهما ويوجب لعن الفاعل وكفره مع صريح القرآن بذلك.

3 - قال الحافظ النووي على شرحه على صحيح مسلم:

(قوله: (فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله).

قال القاضي عياض حكم الشرع أن من سب النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم كفر وقتل، ولم يذكر في هذا الحديث أن هذا الرجل قتل، قال المازري: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة، وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، والمعاصي ضربان: كبائر وصغائر، فهو صلى الله عليه - وآله - وسلم معصوم من الكبائر بالإجماع، واختلفوا في إمكان وقوع الصغائر، ومن جوّزها منع من إضافتها إلى الأنبياء على طريق التنقيص، وحينئذ فلعله صلى الله عليه - وآله - وسلم لم يعاقب هذا القائل؛ لأنه لم يثبت عليه ذلك، وإنما نقله عنه واحد، وشهادة الواحد لا يراق الدم.

قال القاضي: هذا التأويل باطل يدفعه قوله: اعدل يا محمد، واتقِ الله يا محمد، وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتى استأذن عمر وخالد النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم في قتله، فقال:

«معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه».

فهذه هي العلة، وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه، وسمع منهم في غير موطن ما كرهه، لكنه صبر استبقاء لانقيادهم وتأليفا لغيرهم، لئلا يتحدث الناس أنّه يقتل أصحابه فينفروا، وقد رأى الناس هذا الصنف في جماعتهم

ص: 297

وعدوّه من جملتهم)(1).

أقول: إن ما ذهب إليه القاضي عياض في امتناعه صلى الله عليه وآله وسلم من قتل من تطاول أو قل أدبه بمحضره صلى الله عليه وآله وسلم أو استهزأ كي لا يقول الناس إن محمداً قتل أصحابه هو ما منعه من قتل كثير من المنافقين وغيرهم مما آذوه في حياته صلى الله عليه وآله وسلم وقد اكتفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببيان القرآن لمنزلة هؤلاء وموقعهم في الشريعة.

ولكن:

قوله المعاصي ضربان كبائر وصغائر فهو صلى الله عليه وآله وسلم معصوم من الكبائر بالإجماع واختلفوا في إمكان وقوع الصغائر، ومن جوزها منع من اضافتها إلى الأنبياء على طريق التشخيص، كلام لا معنى له ولا يستقيم مع القرآن الكريم وذلك أن المنافقين يتربصون به صلى الله عليه وآله وسلم الدوائر ومن ثم أي صغيرة والعياذ بالله هي كبيرة لديهم يشهرونها ضده صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثم كيف للوحي أن يحكم عليهم بالكفر لاستهزائهم به صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثم يمكن أن تقع منه صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله وبحسب مذهب أهل السنة والجماعة معصية.

(تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزىٰ (2).

تكشف عن البؤس في منهجية التفكير والبحث.

ص: 298


1- شرح النووي على صحيح مسلم: ج 4، ص 18.
2- سورة النجم، الآية: 22

وعليه:

يبقى الحكم الشرعي قائماً على أساس أن ما يصيب الجزء يصيب الكل فمن أصاب عضواً من أعضاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد أصاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن اصاب بضعاً منه أصابه ومن سب فاطمة بضعته فقد سبه ومن سبه (كفر وقتل).

فكيف بمن طعنه في قلبه وروحه التي بين جنبيه؟!!

4 - قال التهناوي في إعلاء السنن: عن عمر بن عبد العزيز:

(لا يحل قتل امرئ مسلم يسب أحداً من الناس، إلاّ رجل سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وذهب أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأصحاب الحديث وأصحابهم إلى أنه بذلك (كافر مرتد).

وقال أحمد: (لا تقبل توبته)(1).

5 - روى الشيخ الطوسي عن ابن خشيش إن المنتصر العباسي سمع أباه المتوكل العباسي يشتم فاطمة عليها السلام فسأل رجلاً من الناس عن ذلك؟

فقال له: (قد وجب عليه القتل، إلاّ أنه من قتل أباه لم يطل عمره).

قال ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر)(2).

ص: 299


1- إعلاء السنن للتهناوي: ج 8، ص 253، ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية.
2- الأمالي للطوسي: ص 328؛ المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 221.
ثالثا: حكم الشريعة فيمن آذى فاطمة عليها السلام

يستند علماء أهل السنة والجماعة في إصدار حكمهم الشرعي في حق من آذى فاطمة صلوات الله عليها إلى حادثة خطبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من ابنة أبي جهل التي أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما ورد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الخطبة وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إن فاطمة مني... وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً....»(1).

وفي لفظ آخر أخرجه مسلم:

«وإن فاطمة بنت محمد بضعة مني»(2).

فقالوا في حكمهم على من آذى فاطمة صلوات الله عليها ما يأتي:

1 - قال ابن القيم:

(وفيه تحريم أذى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكل وجه من الوجوه، وإن كان بفعل مباح، فإذا تأذى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يجز فعله لقوله تعالى:

(يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَدْخُلُوا بُيُوتَ اَلنَّبِيِّ إِلاّٰ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلىٰ طَعٰامٍ غَيْرَ نٰاظِرِينَ إِنٰاهُ وَ لٰكِنْ إِذٰا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذٰا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لاٰ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذٰلِكُمْ كٰانَ يُؤْذِي اَلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اَللّٰهُ لاٰ يَسْتَحْيِي مِنَ

ص: 300


1- صحيح البخاري، باب: دعاء النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم: ج 4، ص 47.
2- صحيح مسلم، باب: فضائل فاطمة: ج 7، ص 141؛ مسند أحمد: ج 4، ص 426.

اَلْحَقِّ وَ إِذٰا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتٰاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ وَ مٰا كٰانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اَللّٰهِ وَ لاٰ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كٰانَ عِنْدَ اَللّٰهِ عَظِيماً)(1).

(إن أذى أهل بيته وإرابتهم(2) إذى له)(3).

2 - قال الزرقاني:

(فجعل حكم ابنته فاطمة حكمه في أنه لا يجوز أن تؤذى بمباح واحتج على ذلك بقوله تعالى:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً (57) وَ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ بِغَيْرِ مَا اِكْتَسَبُوا فَقَدِ اِحْتَمَلُوا بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً)(4) (5).

3 - قال العظيم آبادي (المتوفى سنة 1329 ه -):

(نهى عن الجمع بينها وبين بنته فاطمة - صلوات الله عليها - لأن ذلك يؤذيها وأذاها يؤذيه صلى الله عليه - وآله - وسلم)(6).

ص: 301


1- سورة الأحزاب، الآية: 53.
2- لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل فاطمة عليها السلام: «يريبني ما يريبها».
3- حاشية ابن القيم: ج 6، ص 56، ط دار الكتب العلمية.
4- سورة الأحزاب، الآيتان: 57-58.
5- شرح الزرقاني على الموطأ: ج 4، ص 316، ط دار الكتب العلمية.
6- عون المعبود للعظيم آبادي: ج 6، ص 55، ط دار الكتب العلمية.

4 - قال ابن حجر العسقلاني، والمباركفوري، والعظيم آبادي، والمناوي، واللفظ لابن حجر:

(وفي الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم بتأذيه لأن أذى النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم حرام اتفاقاً، قليله وكثيره، وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة - عليها الصلاة والسلام -.

فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شيء أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها؛ ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد)(1).

5 - قال العيني في شرح صحيح البخاري:

(وفيه تحريم أدنى أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم بتأذيه)(2)، أي: فاطمة وولدها وذريتها فهم ذريته صلى الله عليه وآله وسلم.

6 - قال النووي في شرح صحيح مسلم:

(نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين أحدهما أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم فيهلك من أذاه، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة - صلوات الله عليها -(3).

ص: 302


1- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر: ج 9، ص 287؛ تحفة الأحوذي: ج 10، ص 251؛ عون المعبود: ج 6، ص 57؛ فيض القدير للمناوي: ج 4، ص 554.
2- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني: ج 20، ص 212.
3- شرح صحيح مسلم للنووي: ج 16، ص 3، ط دار إحياء التراث العربي.

7 - قال السيوطي نقلاً عن البابجي في شرح الموطأ:

(قال بعض أهل العلم أنه لا يجوز أن يؤذى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بفعل مباح ولا غيره)(1).

فجعل حكمها في ذلك أنه لا يجوز أن يؤذى بمباح واحتج على ذلك بقوله:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً)(2).

8 - قال القاضي عياض في الشفا بحقوق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:

(وأما غيره فيجوز بفعل مباح ما لا يجوز للإنسان فعله وإن تأذى به غيره واحتج بعموم قوله تعالى:

(إِنَّ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ...).

وبقوله صلى الله عليه - وآله - وسلم في حديث فاطمة:

«أنها بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ألا وإني لا أحرم ما أحل الله ولكن لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل أبدا».

ويكون هذا مما آذاه به كافر وجاء بعد ذلك إسلامه كعفوه عن اليهودي الذي سحره وعن الأعرابي الذي أراد قتله وعن اليهودية التي سمته وقد قيل: قتلها)(3).

ص: 303


1- الحاوي للفتاوي: ج 2، ص 402.
2- سورة الأحزاب، الآية: 57.
3- الشفا في حقوق المصطفى صلى الله عليه - وآله - وسلم: ج 2، ص 196.

9 - قال الشيخ أبو علي السنجي(1) في (شرح التلخيص): (أنه يحرم التزويج على بنات النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم ويحتمل أن يكون ذلك خاصة بفاطمة - عليها السلام - وقد علّل عليه الصلاة والسلام بأن ذلك يؤذيه، وأذيته عليه الصلاة والسلام حرام بالاتفاق، وفي هذا تحريم أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم بإيذائه، لأن إيذاء النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم حرام اتفاقاً قليله وكثيره، وقد جزم عليه الصلاة والسلام بأنه يؤذيه ما آذى فاطمة، فكل ما وقع منه في حق فاطمة - عليها السلام - شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بشهادة هذا الخبر الصحيح.

وقد استشكل اختصاص فاطمة بذلك مع أن الغيرة على النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم أقرب إلى خشية الافتتان في الدين، ومع ذلك فكان - صلى الله عليه وآله وسلم - يستكثر من الزوجات، وتوجد منهن الغيرة، ومع ذلك ما راعى - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك في حقهن كما راعاه في حق فاطمة.

وقال الحافظ القسطلاني رداً على ما استشكله الشيخ السنجي في اختصاص فاطمة - عليها السلام - بهذا الأمر ورعاية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حقها فيه: بأن فاطمة كانت إذ ذاك فاقدة من تركن إليه مم يؤنّسها، يزيل وحشتها من أم، أو أخت بخلاف أمهات المؤمنين، فإن كل واحدة منهن كانت ترجع إلى من

ص: 304


1- هو الحسين بن شعيب من أجل أصحاب القفل، كان إمام زمانه في الفقه، وهو أول من جمع بين طريقي العراق وخراسان، توفي سنة 427 ه -، راجع: التهذيب للأسماء.

يحصل لها مع ذلك، وزيادة عليه وهو زوجهن - صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان عنده من الملاطفة وتطييب القلوب، وجبر الخواطر، بحيث أن كل واحدة منهن ترضى منه لحسن خلقه، وجميل خلقه، جميع ما يصدر منه بحيث لو وجد ما يخشى وجوده من الغيرة لزال عن قرب)(1).

أقول: أما إنها فاقدة عمن تركن إليه فهذا غير صحيح لأن ركنها الموثوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما هو معروف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يوليها عناية خاصة، فإذا دخلت عليه كان يقوم إجلالاً لها، ويأخذ بيدها ويقبلها وهو صلى الله عليه وآله وسلم ما قبل يد أحد من الناس قط وإذا سافر كان آخر من يراه، وإذا أقدم كانت أول من يقصده فكيف يمكن أن تكون فاقدة عمن تركن إليه.

وثانياً: أما فقدان الأم فقد عوضها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الدنيا وما فيها، وأما فقدان الأخت فهذه حقيقة لا يمكن نكرانها لأنها وحيدة أبيها ويبدو أن هذا هو الذي اعتمده القسطلاني لأن فاطمة عليها السلام لم تفقد اللواتي رباهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريعاً وبخاصةً أم كلثوم فإنها توفيت سنة (9) من الهجرة وأما زينب فقد توفيت سنة 8 من الهجرة، فهي إذ ذاك لديها من ترجع إليه وإن لم يكنّ شقيقاتها.

ثالثاً: أما ما كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر ما هو مسلّم فيه عند كل من عرف رسول الله صلى الله عليه

ص: 305


1- الزهور الندية للقسطلاني: 213، ط وتعليق أحمد بن محمد طاحون.

وآله وسلم أو سمع منه لكن هذه الأمور كانت ابنته فاطمة أحق بها؟ لأنها قلبه وروحه التي بين جنبيه لكن على الرغم من وجود الملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر إلاّ أن الغيرة التي كانت تحدث عند عائشة لم يوجد لها مثيل بين نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى قالت: ما غرت على أحد مثل ما غرت على خديجة لكثرة ما كان يذكرها.

فإن هذه الغيرة ما كانت تنتهي بالملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر بل على العكس كانت تنتهي بألم الرسول وغضبه وتأديبه لها بشد صدغها وتحذيره صلى الله عليه وآله وسلم لها من العودة لهذه الغيرة علما أن التي تغار منها قد توفيت ولم تجتمع معها في مكان واحد؛ وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عدالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حفظ الحقوق ويدل أيضاً على مكانة السيدة خديجة أم المؤمنين عليها السلام، إذ إنه لم يتزوج عليها طيل مدّة حياتها معه والبالغة خمساً وعشرين سنة وهي مدّة شبابه ولو كان احتياجه إلى المرأة غريزيا لكان حرياً أن يتزوج من غيرها في هذه المدّة لكننا نرى أنه تزوج إحدى عشرة امرأة بعد الهجرة.

ولذلك لم يكن منعه صلى الله عليه وآله وسلم لعلي من زواج ابنة أبي جهل خوفا من وقوع الغيرة في بيت فاطمة فتفتن في دينها، فقد وقعت بين نسائه هذه الغيرة ولم يكن له مثل هذا الموقف.

أما السبب في منع الزواج على فاطمة هو:

أولا لعظم مكانتها ومنزلتها عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛

ص: 306

فلقد أخرج الديلمي عن النبي قوله صلى الله عليه وآله وسلم:

«لولا علي لما كان لها كفء».

وثانيا: إن من حكمة الله على العباد أن جعل الأمور تجري بأسبابها، ومن هذا المنطلق فإن الحكمة الإلهية كانت تقتضي أحياناً أن يسبق نزول الوحي حادثة من الحوادث فينزل الوحي مبيناً ومفصلا لهذه الحادثة وهذا له فائدة عظيمة وهي أن الحادثة إذا ترافقت مع الوحي فإن ذلك له تأثير على النفوس في أن الله شاهد عليهم ومحيط بهم ومطْلعٌ نبيه على أسرارهم هذا من جهة؛ أما الجهة الأخرى التي فيها فائدة فهي أن الناس إذا رأت هناك حادثة ترافق معها نزول الوحي فإن ذلك يؤدي إلى حفظ هذه الحادثة وما نزل فيها من القرآن فيكون ذلك أشهد وأحفظ، ومن هنا فإن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«فاطمة بضعة مني».

كانت الحكمة فيه: هي أن يترافق هذا الحديث مع الفعل لكي يتناقله الناس ويبقى راسخاً في أذهانهم.

فضلاً عن ان الإمام علي عليه السلام لم يقدم على خطبة هذه المرأة ولكن أهل النفاق أشاعوا ذلك لغرض تقليب الأمور وإنزال الأذى بفاطمة عليها السلام كما يظنون انها ستغار من ابنت أبي جهل، وما ذاك إلا لجهلهم بأهل البيت عليهم السلام ولكن نسوا ان الله أشد مكرا بهم وأعظم.

وثالثا: إن الجواب على ذلك كله ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس لكي يعلم الناس جميعاً أن إيذاءها هو إيذاء له ومن آذاها فقد آذى الله.

ص: 307

رابعاً: حكم من آذى فاطمة عليها السلام عند أئمة أهل البيت عليهم السلام

لا يختلف حكم أئمة أهل البيت عليهم السلام عن حكم علماء السنة والجماعة فيمن آذى فاطمة صلوات الله وسلامه عليها إلاّ أن الفارق بين الحكمين؛ أن علماء أهل السنة ذكروا الحكم ولم يذكروا الجناة الذين آذوا فاطمة وحرقوا دارها وقتلوا جنينها، وأن أئمة أهل البيت عليهم السلام ذكروا الجناة والحكم فكان هذا قولهم.

فقد أخرج الكليني (عن أبان بن عثمان بن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الله عزّ وجل منّ علينا بأن عرفنا توحيده، ثم من علينا بأن أقررنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة، ثم اختصنا بحبكم أهل البيت نتولاكم ونتبرأ من عدوكم، وإنما نريد بذلك خلاص أنفسنا من النار. قال ورققت فبكيت، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

«سلني فو الله لا تسألني عن شيء إلا أخبرتك به».

قال: فقال له عبد الملك بن أعين ماسمعته قالها لمخلوق قبلك، قال: قلت خبرني عن الرجلين قال:

«ظلمانا حقنا في كتاب الله عزّ وجل، ومنعا فاطمة عليها السلام ميراثها من أبيها، وجرى ظلمهما إلى اليوم».

قال: وأشار إلى خلفه - وقال -:

«ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما»)(1).

ص: 308


1- الكافي للكليني: ج 8، ص 102.

المبحث الخامس: وصيتها ووفاتها عليها السلام

اشارة

لم يتسنَّ لبضعة رسول الله صلى الله عليه وآله الدوام والبقاء بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم طويلاً وذلك لما جرى عليها من المصائب والظلم والرزايا، التي وصفتها بقولها عليها السلام:

صبّت عليّ مصائب لو أنها *** صبت على الأيام صرن لياليا(1)

وقد وصف حالها الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام فقال:

«إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسر إلى فاطمة عليها السلام أنها أول من يلحق به من أهل بيته فلما قبض صلى الله عليه وآله ونالها من القوم ما نالها لزمت الفراش ونحل جسمها وذاب لحمها وصارت كالخيال»(2).

ص: 309


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 20؛ مسكن الفؤاد للشهيد الثاني: ص 103؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 181؛ تفسير الآلوسي: ج 19، ص 149؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 2، ص 134؛ الاكتفاء للكلاعي: ص 62.
2- مستدرك الوسائل للمحدث النوري: ج 2، ص 361.

وروي أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة وتقول لولديها:

«أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة، أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض ولا أراه يفتح هذا الباب أبدا ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما».

ثم مرضت ومكثت أربعين ليلة، ثم دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس وعلياً عليه السلام وأوصت إلى علي عليه السلام)(1)، فكانت وصيتها كالآتي:

المسألة الأولى: وصيتها
اشارة

تنقسم وصية فاطمة عليها السلام إلى عدة محاور يمكن توصيفها كالآتي:

أولاً: وصيتها بنفسها إلى علي عليهما السلام

إنّ أول ما أوصت به فاطمة صلوات الله وسلامه عليها لعلي عليه السلام هي وصيتها له بنفسها وذلك بعد أن مرضت مرضاً شديداً مكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت صلوات الله عليها فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن، وأسماء بنت عميس، ووجهت خلف علي وأحضرته.

فقالت:

«يابن العم إنه قد نعيت إلي نفسي وإنني لا أرى ما بي، إلاّ أنني لاحقة بأبي ساعة

ص: 310


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 3، ص 362.

بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي».

قال لها علي عليه السلام:

«أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت، ثم قالت:

«يابن العم ما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني».

فقال عليه السلام:

«معاذ الله، أنت أعلم بالله، وأبرُ واتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله، أن أوبخك بمخالفتي، قد عزّ علي مفارقتك وفقدك إلاّ أنه أمر لابد منه، والله جددت عليّ مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد عظمت وفاتك وفقدك».

ف - (... إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ)(1).

«من مصيبة ما أفجعها، وآلمها، وأمضاها، وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها».

ثم بكيا جميعاً ساعة وأخذ علي رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال:

«أوصيني بما شئت، فإنك تجديني فيها أمضي كما أمرتني به، واختار أمرك على أمري».

ثم قالت:

«جزاك الله عني خير الجزاء؛ يا ابن عم رسول الله»(2).

ص: 311


1- سورة البقرة، الآية: 156.
2- روضة الواعظين: ص 181؛ البحار: ج 43، ص 191.

«أوصيك في نفسي، وهي أحب الأنفس إليّ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذا أنا مت فغسلني بيدك، وحنطني، وكفني، وأدفني ليلاً»(1).

ثانياً: مناشدتها علياً عليه السلام أن لا يحضر جنازتها أبو بكر وعمر ولا أحد ممن ظلمها

ثم قالت لعلي عليه السلام:

«إن لي إليك حاجة يا أبا الحسن».

فقال عليه السلام:

«تقضى يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

قالت:

«ناشدتك بالله، وبحق محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يصلي عليّ أبو بكر وعمر، فإني لأكتمك حديثاً».

فقالت:

«قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة! إنك أول من يلحق بي من أهل بيتي فكنت أكره أن أسوءك»(2).

ثم قالت:

«أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقّي، فإنهم عدوّي، وعدو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تترك أن يصلي عليّ

ص: 312


1- مستدرك الوسائل للمحدث النوري: ج 2، ص 305.
2- مسند فاطمة لحسين شيخ الإسلام: ص 480؛ البحار الطبعة الحجرية: ج 29، ص 112؛ مستدرك الوسائل: ج 2، ص 290.

أحد منهم، ولا من أتباعهم، وأدفني في الليل، إذا هدأت العيون، ونامت الأبصار»(1).

ثالثاً: وصيتها لعلي عليه السلام بالزواج من أمامة بنت أبي العاص

وكانت بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أوصت به عليا عليهما السلام أن يتزوج من ابنة أختها زينب بنت التي تزوجها أبو العاص بن الربيع فأولدها أمامة، حرصا على أولادها عليهم السلام ورأفة بهم، وذلك أن دخول المرأة إلى بيت الأسرة بعد رحيل الأم ووفاتها له من الآثار الكبيرة على نفسية الأبناء لاسيما إذا كانوا صغاراً وبحاجة إلى رعاية ولا يخفى أن زينب العقيلة عليها السلام كانت في الخامسة من عمرها وأن أم كلثوم دون ذلك.

فكان هذا الفعل يكشف عن حكمة فاطمة عليها السلام وتأسيسها لحياة أسرية هادئة إن أمكن لتلك الأسر التي تبتلى بفقد الأم لاسيما وأن الرجل لابد له من امرأة تعينه على شؤون حياته واحتياجاته الشخصية.

ولذا:

أوصت أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام فقالت:

«جزاك الله عني خير الجزاء يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لابد لهم من النساء»(2).

فمن أجل ذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام:

ص: 313


1- روضة الواعظين: ص 181؛ البحار: ج 43، ص 191؛ ناسخ التواريخ: ص 201.
2- روضة الواعظين: ص 181؛ البحار: ج 43، ص 191.

«أربع ليس لي إلى فراقه سبيل: أمامة أوصتني بها فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(1)(2).

رابعاً: وصيتها بالنعش

تكشف الروايات التي تحدثت عن نعش فاطمة صلوات الله عليها بأنها كانت شديد الحرص على سترها وعظم حيائها وذلك أن المرأة إذا حملت على النعش - وهو السرير أو الخشبة التي يوضع عليها الميت ليحمل إلى قبره - أن هذا النعش حينما توضع عليه المرأة وتغطى بقطعة من القماش فإنه ستظهر معالم جسمها للرجال ولا يتحقق سترها.

ولذا:

أرادت الزهراء عليها السلام نعشاً خاصاً تحمل عليه يحقق لها الستر فلا يصف جسمها حينما يلقى عليها القماش، على الرغم من أن بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مرضت ونحل جسمها وذاب لحمها ويبس على جلدها، لكنها مع ذاك كانت شديد الحرص على سترها وحيائها.

فماذا صنعت؟

ص: 314


1- المصدر السابق.
2- وقد تناولت كثير من المصادر مسألة زواج علي عليه السلام من أمامة بنت أبي العاص، والظاهر لكون أبي العاص من بني أمية؛ أنظر خبر زواجها؛ المعجم الكبير: ج 22، ص 443، برقم 1081؛ فتح الباري لابن حجر: ج 1، ص 195؛ شرح الزرقاني: ج 1، ص 87؛ عون المعبود: ج 3، ص 131؛ تنوير المحالك للسيوطي: ج 1، ص 41؛ سير أعلام النبلاء: ج 2، ص 122؛ طبقات ابن سعد: ج 8، ص 31؛ الذرية الطاهرة للدولابي: ص 45.

1 - في وصيتها لأمير المؤمنين عليه السلام قالت:

«أوصيك يابن عم أن تتخذ لي نعشاً، فقد رأيت الملائكة صوروا صورته».

فقال لها:

«صفيه لي».

فوصفته، فاتخذه لها، فأول نعش عمل على وجه الأرض كان ذلك، وما كان أحد قبله ولا عمل أحد بعده)(1).

في المقابل كانت هناك روايات أخرى تصف النعش وطريقة صنعه في وصيتها لأسماء بنت عميس، والظاهر أن النعش الذي صورته الملائكة لفاطمة فوصفته لأمير المؤمنين عليه السلام فصنعه لها هو نفسه الذي قامت بصناعته أسماء بنت عميس.

أما لماذا وردت الروايات بصفتين، الأولى تتحدث عن قيام أمير المؤمنين عليه السلام بصناعة نعش لفاطمة عليها السلام، والثانية تتحدث عن صناعة أسماء؟ وذلك كي تقوم أسماء بالإخبار عن هذا النعش وما دار بينها وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقامت فصنعته لها.

وليدل هذا الحوار على ما كانت تمتاز به سيدة نساء العالمين من الحياء والعفة والمحافظة على الستر كي تتخذنها النساء أسوة في المحافظة على عفتهن وسترهن وحشمتهن؛ ولا ريب أن النعشين هما على هيأة واحدة فالذي صوّرته الملائكة لفاطمة عليها السلام هو الذي صنعته أسماء فكان سبقاً في تطمينها صلوات الله وسلامه عليها.

ص: 315


1- روضة الواعظين: ص 181؛ البحار: ج 43، ص 191.

أما على أيهما حملت؟ فإن من المسلم أنها حملت على النعش الذي صنعه أمير المؤمنين عليه السلام لخصوصية أهل البيت عليهم السلام وما يترتب على ذلك من آثار تكوينية ليس بالضرورة كشفها، لكنها من المسلمات في حياة الأنبياء وشؤونهم التي تدل على التصاقهم وسنخيتهم مع الغيب والإيمان به.

أما كيف صنعت أسماء بنت عميس النعش فهو في الفقرة (1).

2 - روى الشيخ الطوسي (عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام:

«أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة، إنها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها وقالت لأسماء:

إني نحلت، وذهب لحمي، ألا تجعلي لي شيئاً يسترني؟

قالت: أسماء إني إذ كنت بأرض الحبشة، رأيتهم يصنعون شيئاً، أفلا أصنع لك مثله فإن أعجبك صنعت لك؟

قالت: نعم.

فدعت بسرير فألجته لوجهه، ثم دعت بجرائد، فشدته على قوائمه، ثم جللت ثوباً.

فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون.

فقالت: اصنعي لي مثله، استريني سترك الله من النار»)(2).

فكانت عليها الصلاة والسلام أول من جعل لها النعش في الإسلام(2).

ص: 316


1- الكافي للكليني: ج 3، ص 251؛ تهذيب الأحكام: ج 1، ص 469؛ من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 194؛ وسائل الشيعة: ج 3، ص 219.
2- التهذيب للطوسي: ج 1، ص 132؛ وسائل الشيعة للعاملي: ج 2، ص 876؛ البحار: ج 43، ص 212؛ كشف الغمة: ج 1، ص 129.

وروي عن أسماء بنت عميس، أنها قالت: (لما رأته تبسمت وما رأيتها متبسمة إلا يومئذ(1)؛ وروي: أن سبب تبسمها أنها قالت:

«ذكرت ما قاله أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلحقين بي من بعدي بعد أربعين صباحاً وبقي يومان فلعل الله تعالى يلحقني به»(2).

خامساً: وصيتها بحوائطها السبعة

لقد مرّ علينا سابقاً في مبحث مال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحبس أبي بكر هذا المال ومنع فاطمة عليها السلام منه إلاّ أن ذلك لا يغير من الواقع الذي عليه هذه الحوائط السبعة التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فورثتها ابنته فاطمة عليها السلام فحكمها الذي نصت عليه شريعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي ملكها؛ ولذا: قامت فاطمة عليها السلام فعملت بتكليفها الشّرعي في هذه الحوائط وإن كان أبو بكر قد صادرها، فكانت

ص: 317


1- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 3، ص 220؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 177، برقم 4763؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 4، ص 34، برقم 721؛ ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين: ص 483، ط مكتبة المنار بالزرقاء؛ عون المعبود للآبادي: ج 8، ص 37؛ حلية الأولياء: ج 2، ص 42، ط دار الكتاب العربي؛ سير أعلام النبلاء: ج 2، ص 128، ط مؤسسة الرسالة؛ تهذيب الكمال: ص 35، بلفظ: (أول من غطي نعشها بهذه الكيفية)؛ الاستيعاب: ج 4، ص 1898، ط دار الجيل (أول من غطي نعشها في الإسلام)؛ طبقات ابن سعد: ج 8، ص 28، ط دار صادر؛ موضع أوهام الجمع والتفريق للبغدادي: ج 2، ص 464، ط دار المعرفة؛ المواهب اللدنية: ج 2، ص 66؛ تاريخ القضاعي: ص 23؛ السنن الصغرى للبيهقي: ج 1، ص 340؛ الأعلام للزركلي: ج 5، ص 139؛ فقه الرضا: ص 189.
2- كتاب فضائل العشرة تأليف أبي العباس أحمد بن الحسن الكنكشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد ويحمل الرقم (12990).

وصيتها فيها كالآتي:

روى الشيخ الصدوق والكليني وغيرهما، (عن أبي بصير، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهم السلام قال: قال أبو جعفر:

«لا أقرئك وصية فاطمة عليها السلام».

قال: قلت: بلى، قال:

«فأخرج حقا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأه (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصت بحوائطها السبعة العواف والدلال والبرقة والميثب والحسنى والصافية وما لأم إبراهيم إلى علي ابن أبي طالب عليه السلام فإن مضى علي فإلى الحسن فإن مضى الحسن فإلى الحسين فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي شهد الله على ذلك والمقداد ابن الأسود والزبير بن العوام وكتب علي بن أبي طالب»)(1).

سادساً: وصيتها التي كتبتها بيدها في أموالها

وكانت صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها قد كتبت بيدها وصيتها بأموالها التي ورثتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله تعالى عليه فكانت كالآتي:

ص: 318


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 244؛ الكافي للكليني: ج 7، ص 48؛ تهذيب الأحكام: ج 9، ص 144؛ وسائل الشيعة: ج 19، ص 198؛ دعائم الإسلام: ج 2، ص 343؛ دلائل الإمامة: ص 42؛ كشف الغمة: ج 1، ص 499؛ المجموع شرح المهذب للنووي: ج 15، ص 511، ط مكتبة الإرشاد بجدة.

فعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال:

«وإن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتبت هذا الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما كتبت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مالها إن حدث بها حادث، تصدّقت بثماني أوقية، تنفق عنها من ثمارها التي لها كل عام، في كل رحب، بعد نفقة السقي، ونفقة المغل، وأنها انفقت أثمارها العام، وأثمار القمح عاماً قابلاً في أوان غلّتها، وإنما أمرت لنساء محمد صلى الله عليه وآله وسلم - أبيها - خمساً وأربعين أوقية، وأمرت لفقراء بني هاشم، وبني عبد المطلب، بخمسين أوقية، وكتبت في أصل مالها في المدينة، إنّ عليا عليه السلام سألها أن توليه مالها، فيجمع مالها إلى مال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا تفرق، تليه ما دام حيّاً، فإذا حدث به حادث، دفعه إلى ابنيّ - الحسن والحسين عليهما السلام - فيليانه.

وإنّي دفعت إلى علي بن أبي طالب عليه السلام على أنّي أحلله فيه، فيدفع مالي، ومال محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يفرق منه شيئاً، يقضي عنّي من أثمار المال ما أمرت به، وما تصدّقت به، فإذا قضى الله صدقتها، وما أمرت به، فالأمر بيد الله تعالى، وبيد علي عليه السلام يتصدّق، وينفق حيث شاء، لا حرج عليه.

فإذا حدث به حادث، دفعه إلى ابنيّ - الحسن والحسين عليهما السلام - المال جميعاً: مالي، ومال محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فينفقان ويتصدّقان حيث شاءا، ولا حرج عليهما.

وإنّ لابنة جندب بنت أبي ذر الغفاري التابوت الأصغر، وتغطها في المال ما

ص: 319

كان، ونعلي الآدميين، والنمط، والجب، والسرير، والزريبة، والقطيفتين.

وإن حدث بأحد ممن أوصت له قبل أن يدفع إليه، فإنه ينفق في الفقراء والمساكين، وإنّ الأستار لا يستتر بها امرأة إلا إحدى ابنتيّ، غير أنّ علياً عليه السلام يستر بهنّ إن شاء ما لم ينكح.

وإنّ هذا ما كتبت فاطمة عليها السلام في مالها، وقضت فيه، والله شهيد، والمقداد ابن الأسود، والزبير بن العوام، وعلي بن أبي طالب عليه السلام كتبها.

وليس على علي عليه السلام حرج فيما فعل من معروف».

قال أبو جعفر بن محمد عليهما السلام:

«قال أبي: هذا وجدناه وهكذا، وجدنا من وصيّتها عليها السلام»)(1).

سابعاً: رؤياها في عالم المنام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيتها لعلي فيمن يشهد جنازتها

أخرج ابن جرير الطبري (الشيعي) (عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، أنه قال:

«لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ترك إلاّ الثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته وكان قد أسر إلى فاطمة أنها لاحقة به وأنها أول أهل بيته لحوقا.

فقالت عليها السلام: بينا أنا بين النائمة واليقظانة بعد وفاة أبي بأيام إذ رأيت كأن أبي قد أشرف عليّ فلما رأيته لم أملك نفسي أن ناديت يا ابتاه انقطع عنا خبر السماء فبينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفا يقدمها ملكان حتى

ص: 320


1- مسند فاطمة عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلام: ص 484-485.

أخذاني فصعدا بي إلى السماء فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيدة وبساتين وأنهار تطرد قصر بعد قصر وبستان بعد بستان، وإذا قد طلع عليّ من تلك القصور جوارٍ كأنهن اللعب مستبشرات يضحكن إليّ ويقلن مرحبا بمن خلقت الجنة وخلقنا من أجل أبيها، ولم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني إلى دار فيها قصور في كل قصر بيوت فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وفيها من السندس والإستبرق على الأسرة الكثير وعليها اللحاف من الحرير والديباج بألوان ومن أواني الذهب والفضة وفيها الموائد وعليها ألوان الطعام وفي تلك الجنان نهر مطرد أشد بياضا من اللبن وأطيب رائحة من المسك الأذفر.

فقلت: لمن هذه الدار وما هذه الأنهار فقالوا: هذه الدار هي الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنة وهي دار أبيك ومن معه من النبيين ومن أحب الله وهذه هي نهر الكوثر الذي وعده الله أن يعطيه إياه.

قلت: فأين ابي، قالوا: الساعة يدخل عليك، فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصور أشد بياضا من تلك القصور وفرش هي أحسن من تلك الفرش وإذا أنا بفرش مرتفعة على أسرة وإذا أبي جالس على تلك الفرش ومعه جماعة فأخذني وضمني وقبل ما بين عيني وقال: مرحبا بابنتي وأقعدني في حجره ثم قال: يا حبيبتي أما ترين ما أعد الله لك وما تقدمين عليه وأراني قصوراً مشرفات فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل وقال: هذا مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهما فطيبي نفسا فإنك قادمة عليّ إلى أيام قالت: فطار قلبي واشتد شوقي فانتبهت مرعوبة.

قال أبو عبد الله: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لما انتبهت من رقدتها صاحت بي

ص: 321

فأتيتها وقلت ما تشكين فأخبرتني بالرؤيا ثم أخذت عليّ عهدا لله ورسوله أنها إذا توفيت لا أعلم أحدا إلا أم سلمة زوج النبي وأم أيمن وفضة ومن الرجال ابنيها وعبد الله بن عباس وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر والمقداد وأباذر وحذيفة وقالت إني قد أحللتك من أن تراني بعد موتي فكن مع النسوة فيمن يغسلني ولا تدفني إلاّ ليلا ولا تعلم على قبري»(1).

المسألة الثانية: احتضارها عليها السلام ووفاتها

لقد آن لهذا الجسد أن يستريح من آلامه التي أوجدها الظالمون.

لقد آن لهذا الجسم النحيل أن يغادر هذه الدار إلى الدار الآخرة.

لقد آن لهذا البدن الذي ذاب لحمه أن يستقر في جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد اشتاق الحبيب لحبيبه، وطال الفراق وزاد الحنين لتلك اللحظات التي كانت تزهو بالحب والطمأنينة بعدما بدلها الظالمون رعباً وخوفاً ووحشة.

ولطالما كانت تستغيث بأبيها وتدعو الله لتلقاه، فقد كانت تكثر الدعاء في هذه الأيام الأخيرة وعينها في السماء:

«يا حي يا قيوم برحمتك استغيث فأغثني، اللهم زحزحني عن النار وأدخلني الجنة، وألحقني بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم».

فكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لها:

«يعافيك الله ويبقيك».

ص: 322


1- دلائل الإمامة لابن جرير الطبري: ج 43، ص 44.

فتقول:

«يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق بالله».

هكذا كانت فاطمة في أيامها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد استجاب الله تعالى لها فألحقها بحبيبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لكن هذه اللحظات لم تكن لتخلو من الحزن والبكاء ففي الوقت الذي كانت فيه فاطمة مشتاقة لرؤية أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي الوقت نفسه كيف لها بفراق علي أمير المؤمنين وأولادها.

فهما لمّا يجف لهما جفن بعد فراق أبيهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإذا بهما سرعان ما يفقدان أمهما، فكيف كان احتضارها ووداعها لأولادها وزوجها.

قال الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ فاطمة عليها السلام لما احتضرت، أوصت علياً فقالت: إذا أنا مت فتول أنت غسلي وجهزني، وصلّ علي، وأنزلني في قبري، وألحدني، وسوي التراب عليّ، وأجلس عند رأسي قبالة وجهي، وأكثر من تلاوة القرآن والدعاء، فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء، وأنا استودعك الله تعالى وأوصيك في ولدي خيراً. ثم ضمت إليها أم كلثوم، فقالت له: إذا بلغت فلها ما في المنزل، ثم الله لها»(1).

ثم إنها عليها الصلاة والسلام (بكت فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام:

ص: 323


1- البحار للمجلسي: ج 89، ص 27.

«يا سيدتي! ما يبكيك؟».

قالت:

«أبكي لما تلقى بعدي».

فقال لها:

«لا تبكي، فو الله، إن ذلك لصغير عندي في ذات الله تعالى»)(1).

ثم قالت عليها السلام:

«يا أبا الحسن إذا أردت دفني فأخرج من هذه الحقة كاغذة، واجعلها في كفني، ولا تنظر فيه».

قال عليه السلام:

«وما في الكاغذ؟».

قالت:

«سرّ».

قال علي عليه السلام:

«بحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تخبريني».

قالت فاطمة عليها السلام:

«حين أراد أبي أن يزوجني منك، قال: يا فاطمة! هل ترضين أن أزوّجك من علي بصداق أربعمائة درهم؟ قلت: رضيت بعلي، ولا رضيت بصداق أربعمائة درهم، فجاء جبرئيل وقال: يا رسول الله! يقول الله تعالى: جعلت الجنة وما فيها صداقاً

ص: 324


1- البحار: ج 43، ص 218؛ العوالم: ج 11، ص 264.

لفاطمة، قلت: لا أرضى، قال: أيّ شيء تريدين يا فاطمة! قلت: أريد أمّتك لأنّ قلبك مشغول بأمّتك، فرجع جبرئيل ثمّ جاء بهذه الورقة، مكتوب فيها: جعلت أمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم صداقاً لفاطمة عليها السلام، إذا كان يوم القيامة آخذ هذا الكاغذ وأقول: إلهي هذه قبالة شفاعة أمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم».

ثم قالت عليها السلام:

«يا أبا الحسن! لم يبق لي إلاّ رمق من الحياة، وحان زمان الرحيل والوداع، فاستمع كلامي فإنّك لا تسمع بعد ذلك صوت فاطمة عليها السلام أبداً، أوصيك يا أبا الحسن! أن لاتنساني، وتزورني بعد مماتي، فإنّي ما فارقتك مدّة حياتي، والآن أقيم في بيت الغربة والوحشة، ولا أجد من يرحم وحدتي، ويؤنس وحشتي، وأوصيك بكذا وكذا».

فبكى عليٌ عليه السلام وقال:

«يا فاطمة! إذا لقيت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاقرئيه منّي السلام، واشرحي له ما أصابني من أمّته من الظلم والعدوان».

ثمّ التفتت إلى ولديها عليهما السلام وقالت:

«يا ولديّ، ويا نوري عينيّ، إذا مت فمن يتولى أمركما؟ ومن يتفقدكما؟».

فلما سمعا ذلك انتحبا وبكيا، فعزّ عليهما، وقالت عليها السلام:

«يا ولديّ! اذهبا إلى البقيع، واسألا الله أن يعافي أمّكما».

فسارا إلى البقيع، واستلقت فاطمة عليها السلام على فراشها، وقالت لأسماء:

ص: 325

«يا أسما! أعدّي لهما طعاماً إذا رجعا من البقيع، أطعميهما، ولا تدعيهما يشاهدان ما أنا فيه».

فقام علي عليه السلام وخرج إلى المسجد، واشتغلت فاطمة عليها السلام بالبكاء والدعاء، وسمعتها تدعو الله وتقول:

«إلهي، وسيّدي! أسألك بالذين اصطفيتهم، وببكاء ولديّ في مفارقتي، أن تغفر لعصاة شيعتي، وشيعة ذريّتي»)(1).

(ثم قالت لأسماء:

«هاتي طيبي الذي أتطيب به، وهاتي ثيابي التي أصلي فيها».

ووضعت رأسها فقالت لأسماء:

«أجلسي عند رأسي فإذا جاء وقت الصلاة فأقيميني فإن قمت وإلاّ فارسلي إلى علي عليه السلام»)(2).

المسألة الثالثة: هبوط الملائكة لقبض روحها ومعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجبرائيل عليه السلام

وكانت عليها السلام قبل هبوط الملائكة لقبض روحها قد اغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت:

«يا سلمى(3)! هلمي ثيابي الجدد».

ص: 326


1- مسند فاطمة للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 491-493.
2- البحار: ج 43، ص 200.
3- زوجة أبي رافع.

قالت سلمى: فأتيتها بها فلبستها ثم جاءت إلى مكانها الذي كانت تصلي فيه، فقالت:

«قربي فراشي إلى وسط البيت».

ففعلت فاضطجعت عليه ووضعت يدها اليمنى تحت خدها، واستقبلت القبلة(1)، وقالت:

«يا سلمى إني مقبوضة الآن».

قالت: وكان علي عليه السلام يرى ذلك من صنيعها، فلما سمعها تقول: إني مقبوضة الآن استبقت عيناه بالدموع، وقال:

«لا أحوش الله من أم الحسنين وقرة العينين»(2).

فقالت:

«يا أبا الحسن! أصبر، فإن الله مع الصابرين»(3).

وروي عن عبد الله بن الحسن عن أبيه، عن جده عليه السلام:

«إن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما احتضرت نظرت نظراً حاداً، ثم قالت: السلام على جبرائيل، السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اللهم مع رسولك، اللهم في رضوانك وجوارك ودارك - دار السلام -.

ص: 327


1- تلخيص الجير لابن حجر العسقلاني: ج 2، ص 102، ح 731؛ السيل الجرار للشوكاني: ج 1، ص 335.
2- مجموع أول مسائل عبد الله بن سلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن سلام (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم (19124)، رقم المصغر الفيلي: (15062).
3- البحار: ج 78، ص 246؛ كشف الغمة: ج 2، ص 127.

ثم قالت: ترون ما أرى؟

فقيل لها: ما ترى؟

قالت: هذه مواكب أهل السماوات، وهذا جبرائيل، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول: أقدمي فما أمامك إلا خير لك»(1).

ثم سلمت على ملك الموت وسمعوا حس الملائكة ووجدوا رائحة طيبة كأطيب ما يكون من الطيب(2).

وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:

«فلما كانت الليلة التي أراد الله أن يكرمها ويقبضها إليه، أخذت تقول: وعليكم السلام، يا ابن عمي هذا جبرائيل أتاني مسلماً، وقال: السلام يقرئك السلام يا حبيبة حبيب الله وثمرة فؤاده اليوم تلحقين به في الرفيع الأعلى، وجنة المأوى، ثم انصرف عني.

ثم أخذت تقول وعليكم السلام وتقول: يا ابن عمي، وهذا ميكائيل يقول كقول صاحبه.

ثم أخذت ثالثا تقول:

«وعليكم السلام وقد فتحت عينيها شديداً وقالت: يا ابن عمي هذا والله الحق عزرائيل نشر جناحه بالمشرق والمغرب وقد وصفه لي أبي وهذه صفته.

ثم قالت: يا قابض الأرواح عجل بي ولا تعذبني، ثم قالت: إليك ربي لا إلى النار ثم غمضت عينيها ومدت يديها ورجليها فكأنها لم تكن حية قط».

ص: 328


1- البحار: ج 43، ص 200.
2- المصدر السابق.

وروي في وفاتها غير ذلك وهو خبر صعب شديد)(1).

قالت أسماء: (ثم مكثت ساعة، ثم أتيتها وناديتها، فلم تردّ جوابي: فدخلت الحجرة، وكشفت عن وجهها، وإذا بها قد فارقت روحها الدنيا، فبكيت وصرخت وا فاطمتاه! فبينما هي في صراخ وعويل، إذ دخل الحسنان عليهما السلام باكيين، فأقبلت إليهما أسماء، وأجلستهما، وأحضرت لهما طعاماً، فقالا:

«يا أسماء! هل رأيتنا نأكل من غير أمنا، يا أسماء! مضينا إلى البقيع ودعونا لأمّنا، ثمّ انصرفنا على قبر جدّنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمعناه، يقول: يا ولديّ! انصرفا إلى أمّكما، فإنّها تفارق الدنيا».

ثم قاما ودخلا الحجرة.

وفي (البحار): فوقع الحسن عليه السلام، عليها، يقبّلها مرة، ويقول:

«يا أماه! كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني»)(2).

ف - (... إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ)(3).

تم ولله الحمد

(... وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلاّٰ بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ)(4).

(... رَبَّنٰا تَقَبَّلْ مِنّٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ)(5).

ص: 329


1- دلائل الإمامة للطبري (الشيعي): ص 44.
2- مسند فاطمة: ص 493.
3- سورة البقرة، الآية: 156.
4- سورة هود، الآية: 88.
5- سورة البقرة، الآية: 127.

المحتويات

الفصل الاول: النبى صلى الله عليه وآله وسلم يهيى اهل بيته لتلقى المصائب والمحن

توطئة 7

المبحث الأول: إخبار النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وبعلها وبنيها عليهم السلام بما يجري عليهم من بعده 9

المسألة الأولى: إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم عترته بما يجري عليهم من بعده 11

المسألة الثانية: إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام بما يجري عليها من بعده 15

المبحث الثاني: وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى المصائب 25

المسألة الأولى: ابتداء المرض برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 26

أولاً: فاطمة عليها السلام ترقي أباها صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه 28

ثانياً: بكاؤها لما ترى عليه حال أبيها وما أصابه من المرض والضعف 29

ثالثا: فاطمة عليها السلام تطلب من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن

ص: 330

ينقل إلى حجرته كي تقوم بتمريضه هي وعلي عليهما السلام 39

المسألة الثانية: تخلف الصحابة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الالتحاق بسرية أسامة وقول عمر بن الخطاب: إنه ليهجر 42

المسألة الثالثة: احتضار النبي صلى الله عليه وآله وتفرده بأهل بيته عليهم السلام 48

المسألة الرابعة: استئذان ملك الموت في قبض روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستقبال فاطمة عليها السلام له 55

المسألة الخامسة: رثاؤها لأبيها صلى الله عليه وآله وسلم وحزنها عليه 62

أولاً: تعزية جبرائيل والخضر عليهما السلام لآل البيت عليهم السلام بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 63

ثانياً: مناداتها لعلي عليه السلام وهو يغسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم 65

ثالثاً: فاطمة عليها السلام وقميص النبي صلى الله عليه وآله وسلم 66

ألف: استحباب الجزع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 66

باء: ما المراد بقميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 68

رابعاً: وقوفها على القبر النبوي الشريف وتعاهدها بزيارته 70

خامساً: غشيتها حينما سمعت بلالاً يؤذن 76

المبحث الثالث: ما جرى في السقيفة وخروج الإمام علي بفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلى بيوت المهاجرين والأنصار لتذكيرهم ببيعة الغدير 77

المسألة الأولى: كيف جرت البيعة في السقيفة وكيف جاء الناس إلى المسجد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدفن بعد؟ 79

المسألة الثانية: ماذا حدث في اليوم الثاني لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو لم يدفن بعد؟! 83

أولاً: سوق الناس الى البيعة العامة بطريقة لم تحدث في امة من الأمم 83

المسألة الثالثة: خروج الإمام علي بفاطمة وولديها عليهم السلام إلى بيوت الأنصار والمهاجرين لتذكيرهم ببيعة غدير خم 86

ص: 331

الفصل الثاني: الحرب المفتوحة على عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

المبحث الأول: البدء بمرحلة الحرب المفتوحة على بيت فاطمة عليها السلام 93

المسألة الأولى: جمع الحطب حول بيت فاطمة عليها السلام وإضرام النار فيه لإحراق البيت بمن فيه 96

أولاً: كيف جرت الحادثة وما هي المرحلة الأولى من جريمة قتل فاطمة عليها السلام 100

ألف: ما روته أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في جمع الحطب حول بيت فاطمة عليها السلام 103

باء: ما روته أبناء العامة في جمع الحطب حول بيت فاطمة عليها السلام والتهديد بالحرق 106

جيم: قراءة الحديث في جمع الحطب وتحليله 108

ثانياً: المرحلة الثانية من جريمة قتل فاطمة عليها السلام (حرق بيتها بمن فيه) 114

ألف: ما ورد في مدرسة العترة النبوية في إضرام عمر بن الخطاب النار في الحطب لحرق بيت فاطمة بمن فيه 115

باء: ما ورد في كتب العامة من إضرام النار في الحطب الذي وضع حول بيت فاطمة عليها السلام 116

المسألة الثانية: هجوم عمر بن الخطاب وعصابته على بيت فاطمة عليها السلام واقتحامه وما وقع عليها من الأضرار 120

أولاً: ما ورد في كتب مدرسة أهل البيت عليهم السلام حول اقتحام بيت فاطمة عليها السلام 124

ثانياً: ما ورد في كتب أهل السنة والجماعة في اقتحام عمر بن الخطاب لبيت فاطمة عليها السلام 135

ص: 332

المسألة الثالثة: الآثار التي خلفها اقتحام بيت فاطمة عليها السلام على الإسلام وما لحق فاطمة من الأضرار 139

أولاً: التأسيس لظلم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاك حرمتهم 140

ثانياً: كسر ضلع فاطمة عليها السلام أثناء اقتحام عمر بن الخطاب وعصابته بيتها بعد حرقه 141

ثالثا: إسقاط جنينها المسمى ب - (المحسن) بفعل هجوم عمر بن الخطاب وعصابته على بيت فاطمة عليها السلام 143

رابعاً: أسماء الذين اقتحموا بيت فاطمة عليها السلام حجة على منكري استشهاد فاطمة وقتلها 151

خامساً: محاولات يائسة من ابن أبي الحديد المعتزلي وغيره في دفع جريمة قتل فاطمة عليها السلام وإحراق بيتها عن أبي بكر وعمر وغيرهما 157

المبحث الثاني: الحرب الاقتصادية على فاطمة عليها السلام 167

المسألة الأولى: قيام السلطة الحاكمة بحبس أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنع فاطمة من إرثها 168

أولاً: ما حجم أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة؟ 170

ألف: الحوائط السبعة؛ أو أرض العوالي التي كانت لمخيريق اليهودي 171

باء: أرضه من أموال بني النضير 174

جيم: ثلاثة حصون من خيبر 174

دال: أرض فدك 176

هاء: الثلث من أرض وادي القرى 176

واو: موضع سوق بالمدينة يقال له: مهروذ أو مهروز 177

ثانيا: أموال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير المنقولة 177

المسألة الثانية: مصادرة السلطة الحاكمة لأرض فدك وتضييق الخناق على فاطمة عليها السلام وأبعادها السياسية والعقائدية 182

أولاً: هوية فدك 182

ثانياً: قيمتها الاقتصادية 183

ص: 333

ثالثاً: كيف انتقلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ 184

رابعاً: كيف انتقلت ملكيتها إلى فاطمة عليها السلام 191

المسألة الثالثة: تصدي فاطمة عليها السلام للسلطة في جورها على شريعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 196

أولاً: الانتفاضة لحق الإمامة ورمزية فدك الثورة 203

ثانياً: رمزية فدك الثورة 221

المبحث الثالث: إرهاب الحرب الجسدية والنفسية والاجتماعية على فاطمة عليها السلام 236

المسألة الأولى: كيف أصبح حال الزهراء فاطمة عليها السلام بفعل هذه الحرب التي تشن عليها 237

أولاً: إنها أحد البكائين الخمسة 237

ثانيا: شدة حزنها عليها السلام الذي أدى إلى يباس لحمها على عظمها 239

المسألة الثانية: إرهاب الحرب الجسدية على فاطمة عليها السلام 240

المسألة الثالثة: إرهاب الحرب النفسية على فاطمة صلوات الله عليها 243

أولاً: إنّ أوّل من قذف فاطمة على المنبر وأسس لذلك أبو بكر بن أبي قحافة 243

ثانيا: بيت الأحزان شاهد على إرهاب الحرب النفسية على فاطمة عليها السلام 246

المسألة الرابعة: إرهاب الحرب الاجتماعية على فاطمة عليها السلام 254

المسألة الخامسة: بيان فاطمة عليها السلام للأسباب التي دفعت أبا بكر وعمر لظلمها وأهل بيتها 257

المبحث الرابع: مرضها وعلتها مما جرى عليها 261

المسألة الأولى: عيادة أم سلمة لها في مرضها 262

ص: 334

المسألة الثانية: عيادة نساء المدينة لها وخطبتها فيهنّ 264

المسألة الثالثة: عيادة بعض المهاجرين والأنصار لها 268

المسألة الرابعة: عيادة العباس بن عبد المطلب لها 272

المسألة الخامسة: محاولة أبي بكر وعمر الدخول على فاطمة عليها السلام لاسترضائها بعد ما جرى منهما في حرق دارها وإسقاط جنينها ومنع إرثها وحبس خمسها واغتصاب أرضها 274

أولاً: ما روته أهل السنة والجماعة في دخول أبي بكر وعمر على فاطمة للحصول على رضاها 275

ثانياً: دخول أبي بكر وعمر على فاطمة يترضيانها وغضبها وسخطها عليهما أثناء اللقاء 281

ثالثا: ما روي عند أهل السنة والجماعة بما يقارب رواية الشيخ الصدوق رحمه الله في غضب فاطمة على أبي بكر وعمر حينما دخلا عليها 283

المسألة السادسة: اعتراف أبي بكر باقتحام بيت فاطمة عليها السلام بعد حرقه فكان سيد الأدلة 286

المسألة السابعة: حكم الشريعة المقدسة فيمن آذى فاطمة وأغضبها 291

أولاً: حكم الشريعة المقدسة على من آذى عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون تخصيص لأحد منهم فما يصيب أحدهم يصيب الجميع 291

ثانيا: حكم الشريعة فيمن سب فاطمة عليها السلام أو شتمها 295

ثالثا: حكم الشريعة فيمن آذى فاطمة عليها السلام 300

رابعاً: حكم من آذى فاطمة عليها السلام عند أئمة أهل البيت عليهم السلام 308

المبحث الخامس: وصيتها ووفاتها عليها السلام 309

المسألة الأولى: وصيتها 310

أولاً: وصيتها بنفسها إلى علي عليهما السلام 310

ثانياً: مناشدتها علياً عليه السلام أن لا يحضر جنازتها أبو بكر وعمر ولا أحد ممن ظلمها 312

ص: 335

ثالثاً: وصيتها لعلي عليه السلام بالزواج من أمامة بنت أبي العاص 313

رابعاً: وصيتها بالنعش 314

خامساً: وصيتها بحوائطها السبعة 317

سادساً: وصيتها التي كتبتها بيدها في أموالها 318

سابعاً: رؤياها في عالم المنام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيتها لعلي فيمن يشهد جنازتها 320

المسألة الثانية: احتضارها عليها السلام ووفاتها 320

المسألة الثالثة: هبوط الملائكة لقبض روحها ومعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجبرائيل عليه السلام 320

المحتويات 320

ص: 336

المجلد 8

هوية الكتاب

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله عليها

اسم المؤلف: السيد نبيل الحسني

التنضيد: محمد رزاق السعدي

الإخراج الفني: احمد محسن المؤذن

التدقيق اللغوي: أ. خالد جواد العلواني

المتابعة الطباعية والتوزيع: إحسان خضير عباس

إصدار شعبة الدراسات الإسلامية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد لسنة 2012-2806

الرقم الدولي ISBN : 9789933489526

الحسني، نبيل، 1965 - م.

هذه فاطمة صلوات الله وسلامه عليها: وهي قلبي وروحي التي بين جنبي (النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة وتحليل نبيل الحسني. ط 1 - كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية. شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية، 1434 ق. = 2013 م.

8 ج. - (قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة؛ 100).

المصادر.

1. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. السيرة. 2. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - فضائل. 3. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - في القرآن. 4. واقعة إحراق باب دار فاطمة الزهراء (س)، 11 ق. 5. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. إيذاء وتعقيب. 6. فاطمة الزهراء (س)، 8؟ قبل الهجرة - 11 ه -. - الشهادة. 7. الشيعة - أحاديث.

تمت الفهرسة في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة قبل النشر

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب: هذه فاطمة صلوات الله و سلامه عليها و هی قلبي و روحي التي بین جنبي

کاتب:نبیل حسنی

المنتج: العتبة الحسینیة المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة. شعبة الدراسات و البحوث الإسلامیة

عدد المجلدات :8 ج

لسان: العربي

الناشر:العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفکریة و الثقافیة - کربلای معلی عراق

سنة النشر: 1434 هجری قمری|2013 میلادی

قانون الكونجرس:/ح5ھ4 27/2 BP

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الفصل الاول: تجهيزها للانتقال الى روضتها الفردوسية

اشارة

ص: 5

ص: 6

بعد رحيلها من الحياة الدنيا وخروج روحها المقدسة قام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بتنفيذ وصاياها في نفسها من تغسيلها وتكفينها وتحنيطها والصلاة عليها وتشييعها ودفنها لكن هذه الأمور رافقتها بعض الأحداث التي تكشف عن حالها صلوات الله عليها وحال الأمة وحال علي عليه الصلاة والسلام من بعدها؛ وهي كالآتي:

المبحث الأول: خصوصية تجهيزها وتفردها في ذلك

اشارة

لابد للميت من تجهيزه للانتقال إلى قبره الذي يختلف باختلاف وضع الميت الأخروي، فقبور الأنبياء والأئمة والأولياء عليهم السلام: (روضة من رياض الجنة)، أما قبر الكافر بالله تعالى، (فهو حفرة من حفر النيران)، وهو ما نص عليه الحديث الشريف الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران»(1).

وروضة فاطمة الفردوسية ستأتي إليها فاطمة عليها السلام بعد تجهيزها بما أوجبه الشارع المقدس من الغسل والكفن والحنوط، فكان تغسيلها كالآتي:

ص: 7


1- الأمالي للشيخ الطوسي: ص 28.
المسألة الأولى: تغسيلها
اشارة

أشارت الروايات إلى أن فاطمة صلوات الله عليها قد عهدت إلى أمير المؤمنين عليه السلام بتغسيلها وتكفينها؛ وأوصت أسماء بنت عميس وسلمى زوجة أبي رافع بإعانة علي عليه السلام، فكان غسلها بحسب ما ترشد إليه الروايات كالآتي:

أولاً: إنها غسلت نفسها قبل وفاتها بساعات قليلة وأوصت أن لا تكشف

تفيد بعض الروايات بأنها صلوات الله عليها قد تهيأت للانتقال إلى جوار ربها والدخول إلى روضتها القدسية البرزخية قبل أن تهبط عليها الملائكة لقبض روحها والعروج بها إلى بارئها وذلك بحسب ما روي عن كتب الفريقين؛ وأن التي هيئت لها ما تحتاج إليه من الملبس والماء، فكانت سلمى زوجة أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، والمعروف بحبه وموالاته لآل البيت عليهم السلام.

1 - فقد روى أحمد بن حنبل، والحميدي، والنسائي، وابن سعد، وغيرهم؛ ومن طريق علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام روى ابن البطريق، والشيخ الطوسي، وغيرهم، (عن عبد الله بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، عن سلمى امرأة أبي رافع(1)، قالت: مرضت فاطمة عليها السلام، فلما كان في اليوم الذي ماتت فيه، قالت:

ص: 8


1- سلمى أم رافع: مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويقال مولاة صفية بنت عبد المطلب وهي زوجة أبي رافع، روت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن الزهراء عليها السلام، وكانت قابلة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي التي غسلت الزهراء عليها السلام؛ (الكاشف: ج 2، ص 510، برقم 7015؛ تعجيل المنفعة: ج 1، ص 562، برقم 1669، بلفظ لما مرضت فاطمة كنت أمرضها؛ التحقق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي: ج 2، ص 6، ط دار الكتب العلمية).

«هيئي لي ماء».

فصببت لها، فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت:

«ائتيني بثيابي الجدد».

فلبستها، ثم أتت البيت الذي كانت فيه، فقالت:

«افرشي لي في وسطه».

ثم اضطجعت واستقبلت القبلة ووضعت يدها تحت خدها، وقالت:

«إني مقبوضة الآن فلا أكشفن فإني قد اغتسلت».

قالت: وماتت، فلما جاء علي عليه السلام أخبرته فقال:

«لا تكشف».

فحملها بغسلها عليها السلام)(1).

2 - وروي أيضاً، أن الذي جاءها بالماء فاغتسلت قبل وفاته هو أمير المؤمنين عليه السلام، فقد روي (عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال: إن فاطمة لما حضرتها الوفاة أمرت علياً فوضع لها غسلا فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها، فأتيت بثياب غلاظ فلبستها ومست من الحنوط ثم أمرت علياً أن لا

ص: 9


1- الأمالي للطوسي: ص 400؛ العمدة لابن البطريق: ج 1، ص 431؛ مستدرك الوسائل: ج 12، ص 201؛ مسند أحمد: ج 6، ص 461؛ مسند الحميري: ج 1، ص 159؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 210؛ الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 27؛ نصب الراية للزيلعي: ج 2، ص 250؛ القول المسدد لابن حجر: ج 1، ص 43، ط مكتبة ابن تيمية؛ نيل الأوطار للشوكاني: ج 4، ص 51، ط دار الجيل؛ فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 2، ص 629، ط دار الرسالة؛ ناسخ الحديث لابن شاهين: ص 587؛ الإصابة: ج 8، ص 267.

تكشف إذا قضت وأن تدرج كما هي في ثيابها(1).

ثانياً: إن أسماء هي التي غسلتها بدون علي عليه السلام

وروي أيضا أن أسماء بنت عميس هي التي قامت بتغسيلها وإن الحسن والحسين عليهما السلام هما من كان يجلب لها الماء(2).

ثالثاً: إن الذي غسلها أسماء بنت عميس والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

وروي في كتب أهل السنة والجماعة أن الذي غسلها أسماء بنت عميس والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فعن ام جعفر بنت محمد عن جدتها أسماء بنت عميس، إن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت:

«يا أسماء إذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي بن أبي طالب».

فغسلها علي وأسماء(3).

ص: 10


1- مصنف عبد الرزاق: ج 3، ص 411، برقم 6126؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 211؛ نصب الراية للزيلعي: ج 2، ص 297؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1، ص 402؛ المعجم الكبير: ج 22، ص 399؛ حلية الأولياء: ج 2، ص 42، ط دار الكتاب العربي؛ سير أعلام النبلاء: ج 2، ص 129، ط مؤسسة الرسالة؛ الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 57، ط دار الجيل.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 500.
3- مجمع الزوائد: ج 9، ص 211؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 3، ص 396، برقم 6453؛ سنن الدارقطني: ج 2؛ الاستيعاب: ج 4، ص 1898، ط دار الجيل؛ تلخيص الحبير لابن حجر: ج 2، ص 143؛ سبل السلام: ج 2، ص 98، برقم 12؛ مسند الشافعي: ج 1، ص 391؛ المصنف لعبد الرزاق: ج 3، ص 409، برقم 6122؛ التمهيد لابن عبد البر: ج 1، ص 81؛ شرح الزرقاني على الموطأ: ج 2، ص 72، ط دار الكتب العلمية؛ المحلى لابن حزم: ج 5، ص 175، ط دار الآفاق الجديدة؛ المغني: ج 2، ص 201؛ تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 12، ص 454، برقم 2815، بلفظ: سلمى أم
رابعاً: إن الذي تولى غسلها علي بن أبي طالب عليه السلام

رابعاً: إن الذي تولى غسلها علي بن أبي طالب عليه السلام(1)

لقد مرّ آنفاً مجموعة من الروايات أشارت إلى أن الذي تولى غسل فاطمة سلمى زوجة أبي رافع، وأسماء بنت عميس تساعد علياً في ذلك، وأنها اغتسلت بنفسها قبل الوفاة؛ فضلاً عن تفرد الإمام علي عليه السلام بذلك وهو أصح هذه الروايات لوردها عن أئمة أهل البيت عليهم السلام فكانت كالآتي:

1 - عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنه قال:

«غسل علي فاطمة عليهما السلام وكانت أوصت بذلك إليه»(2).

2 - وعن فضة خادمة فاطمة عليها السلام:

(إن فاطمة قالت لعلي عليهما السلام:

«فإذا قرأت يس فاعلم أني قد قضيت نحبي فغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة».

ص: 11


1- السبل الجرار: ج 1، ص 344؛ مستدرك الوسائل للحاكم: ج 3، ص 163؛ فقه الإمام أحمد: ج 1، ص 235؛ منار السبيل: ج 1، ص 173؛ المصنف لابن قدامه: ج 3، ص 461؛ سنن الدارقطني: باب الصلاة على القبر، عن الجنائز، ج 2، ص 79؛ أخرجه البيهقي في باب الرجل يغسل امرأته وغسل المرأة عن كتاب الجنائز: ج 3، ص 396.
2- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 184.

إلى أن قالت: فقال علي عليه السلام:

«والله لقد أخذت في أمرها وغسلتها في قميصها ولم أكشفه عنها فو الله لقد كانت ميمونة طاهرة»)(1).

3 - روى المحدث النوري قائلاً:

(لما غسل علي فاطمة عليهما السلام قال له ابن عباس: أغسلت فاطمة ؟! قال:

«أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي زوجتك في الدنيا والآخرة»)(2).

4 - روى الصدوق والكليني وغيرهما عن المفضل بن عمر قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك من غسل فاطمة عليها السلام ؟ قال:

«ذاك أمير المؤمنين عليه السلام».

قال: فكأني استعظمت ذلك من قوله، فقال:

«كأنكم ضقت مما أخبرتك به ؟».

قلت: قد كان ذلك جعلت فداك، قال:

«لا تضيقن فإنه صديقة لا يغسلها إلا صديق أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى عليه السلام»)(3).

ص: 12


1- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 203.
2- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 186.
3- علل الشرايع: ص 254؛ الكافي للكليني: ج 3، ص 159، وج 1، ص 459؛ من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 142؛ وسائل الشيعة: ج 2، ص 530؛ الاستبصار: ج 1، ص 199؛ تهذيب الأحكام للطوسي: ج 1، ص 440.

ويمكن لنا من خلال الجمع للروايات السابقة أن أسماء بنت عميس وسلمى زوجة أبي رافع كانتا قد حضرتا تغسيلها وإن الحسن والحسين(1) عليهما السلام كانا يحملان الماء.

خامساً: تنشيفها ببرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد تغسيلها

وتفيد الرواية التي أخرجها السيد ابن طاووس عن الصدوق بسنده، (عن أحمد بن علي المقري عن أم كلثوم بنت علي عليه السلام قالت: آخر عهد أبي إلى أخويّ أن قال:

«يا ابني إن أنا مت فغسلاني بالبردة التي نشفتم بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عليها السلام».

إلى أن قالت:

«ثم برز الحسن عليه السلام بالبردة التي نشف بها رسول الله وفاطمة فنشّف بها أمير المؤمنين عليهم السلام»)(2).

ولا يخفى على أهل الفكر والمعرفة ما لهذا الأمر من تأثيرات غيبية تكشف عن الانتفاع بآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهمية التوسل والتمسك بها لغرض استحصال النفحات الرحمانية من الله تعالى.

وذلك لابد من التقرب لمن كان له حاجة عند الله تعالى بالحبيب صلى الله عليه وآله وسلم(3).

ص: 13


1- كشف الغمة: ج 1، ص 500.
2- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 203.
3- اللهم اجعلنا ممن يعظم حبيبك المصطفى صلى الله علي وآله وسلم وزدنا حباً له وارزقنا شفاعته ورضاه
سادساً: حكم تغسيل الرجل لزوجته في المدارس الفقهية

فيما تناولته المدارس الفقهية في الإسلام من المسائل الخلافية: تغسيل الرجل لزوجته، ففي مدرسة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، جائز ذلك، ففي الرواية عن الرضا عليه السلام أنه قال:

«ولا بأس بأن ينظر الرجل إلى امرأته بعد الموت وتنظر المرأة إلى زوجها ويغسل كل واحد منهما صاحبه إذا ماتا»(1).

فضلاً عن التواتر في تغسيل أمير المؤمنين لفاطمة صلوات الله عليهما في مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

اما عند الجمهور من المدارس الإسلامية:

(فقد أجمع العلماء على جواز غسل المرأة زوجها، فقد غسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر بمحضر من الصحابة، وكذلك غسلت ابا موسى امرأته، واختلفوا في غسل الرجل امرأته فأجاز ذلك جمهور من العلماء من التابعين والفقهاء وهو قول مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وداود، وحجتهم أن علي بن أبي طالب غسل زوجته فاطمة، وقياسا إلى غسله إلاه، ولأنه كان يحل له من النظر إليها ما لا يحل للنساء، وقال أبو حنيفة والثوري وروى ذلك عن الشعبي لا يغسلها لأنه ليس في عدة منها وهذا مالا معنى له أنها في حكم الزوجة لا في حكم المبتوتة بدليل الموارثة والأصل في هذه المسألة غسل علي

ص: 14


1- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 187.

فاطمة - عليهما السلام -.

وروى الداوردي الدراوردي عن عمارة بن المهاجر عن أم عون بنت عبدا لله بن جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس قالت: أوصت فاطمة - عليها السلام - أن نغسلها أنا وعلي فغسلتها أنا وعلي، وذكر عبد الرزاق هذا الخبر فلم يقم إسناده هو خبر مشهور)(1).

المسألة الثانية: حنوطها عليها السلام

الحنوط في اللغة: طيب يخلط للميت خاصة مشتق من ذلك لأن الرمث إذا أحنط كان لونه أبيض يضرب إلى الصفرة وله رائحة طيبة، وقد حنّطه(2).

والإنسان حينما يموت لابد له - بحسب الشريعة الإسلامية - من حنوط يوضع معه في كفنه وذلك لدفع أي رائحة قد يصدرها الجسم حينما يتغير وضعه لاسيما إذا لم يتم التعجيل في دفنه ومواراته في قبره.

ولكن:

نحن هنا نتحدث عن فاطمة صلوات الله عليها وهي من أهل بيت طهرهم الله تطهيراً، وأن أبدانهم وأجسامهم لا تتأثر بالعوامل الطبيعية في القبر وذلك لخصوصية هذه الأجساد الطاهرة كما مرّ بيانه في الجزء الأول من الكتاب في خلق طينة فاطمة (صلوات الله عليها) وروحها.

ص: 15


1- التمهيد لابن عبد البر: ج 1، ص 80، ط وزارة الأوقاف بالمغرب؛ السير الجرار للشوكاني: ج 1، ص 344.
2- لسان العرب لابن منظور، فصل: الحاء المهملة: ج 7، ص 278.

فضلاً عن ذلك: فإن أهل البيت عليهم السلام ارتبط وجودهم بالغيب وما يترتب عليه من آثار تظهر للعيان لدى الناس ومنها أن حنوطهم من الجنة كما نصت عليه الروايات الشريفة. فعن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام:

«كان في الوصية أن يدفع إليّ الحنوط فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته بقليل فقال: يا علي ويا فاطمة، هذا حنوطي من الجنة دفعه إليّ جبرئيل وهو يقرئكما السلام ويقول لكما اقسماه واعزلا منه لي ولكما.

فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبتاه لك ثلثه وليكن الناظر في الباقي علي بن أبي طالب عليه السلام.

فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضمها إليه وقال: موفّقة رشيدة مهدية ملهمة، يا علي قل في الباقي.

قال: نصف ما بقي لها والنّصف الآخر لمن ترى يا رسول الله.

قال: هو لك فاقبضه»(1).

ولقد تولى أمير المؤمنين عليه السلام تغسيلها وتحنيطها بالكيفية التي وردت عن الإمام أبي عبد الله الحسين الشهيد بكربلاء عليه الصلاة والسلام، قال:

«أنّ أمير المؤمنين عليه السلام غسّل فاطمة عليها السلام ثلاثا وخمسا وجعل في الغسلة الخامسة الآخرة شيئا من الكافور وأشعرها مئزرا سابغا دون الكفن وكان هو الذي يلي ذلك منها وهو يقول: اللهم إنها أمتك وبنت رسولك

ص: 16


1- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 3، ص 15؛ مستدرك الوسائل: ج 2، ص 209.

وصفيك وخيرتك من خلقك، اللهم لقّنها حجتها وأعظم برهانها وأعل درجتها واجمع بينها وبين أبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(1).

وفي لفظ آخر: روي أنها قالت لأسماء بنت عميس:

«إذا متُ فانظري إلى الدار، فإذا رأيت سجفاً من سندس من الجنة قد ضرب فسطاطا في جانب الدار، فاحمليني وزينب وأم كلثوم، فاجعلوني من وراء السجف، وخلو بيني وبين نفسي».

فلما توفيت عليها السلام وظهر السجف، حملناها وجعلناها وراءه، فغسلت وكفنت وحنطت بالحنوط، وكان كافوراً أنزله جبرائيل من الجنة في ثلاث صرر، فقال:

«يا رسول الله ربك يقرؤك السلام، ويقول لك: هذا حنوطك، وحنوط ابنتك، وحنوط أخيك علي عليه السلام مقسوم أثلاثاً، وان أكفانها وماءها وأونيها من الجنة»(2).

علماً: أنها لا تحتاج إلى الغسل والحنوط فهي طاهرة مطهرة؛ ولكن جرى ذلك التزاماً بالسنّة النبوية.

المسألة الثالثة: كفنها عليها السلام

ولفاطمة عليها السلام خصوصية في كفنها إذ المستفاد من الروايات:

1 - إنها عليها السلام قد كفنها أمير المؤمنين عليه السلام بسبعة أثواب(3).

ص: 17


1- مستدرك الوسال للنوري: ج 2، ص 199.
2- البحار: ج 30، ص 348؛ مجمع النورين للمرندي: ص 146.
3- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 208.

2 - وروي أنها قالت قبل موتها:

«إذا أنا مت فاغسلوني واجمروا ثيابي»(1).

أي: طيبوها بالبخور.

3 - وعن عقيل بن أبي طالب: (إن فاطمة لما حضرتها الوفاة أمرت علياً فوضع غسلاً فاغتسلت وتطهرت، ودعت ثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ فلبستها ومست من الحنوط ثم أمرت علياً أن لا تكشف إذا قضت وأن تدرج كما هي في ثيابها.

قال: فقلت له: هل علمت أحداً فعل ذلك ؟

قال: نعم كثير بن عباس وكتب في أطراف أكفانه شهد كثير بن عباس: أن لا إله إلا الله)(2).

4 - روى الأبشهي، قائلاً: (جلباب فاطمة عليها السلام كانت من صوف اكتسته ليلة بنى علي عليه السلام وخرجت به من الدنيا)(3).

ويستفاد من الرواية: إن كفنها كان هو جلبابها الذي زفت به لعلي عليه السلام وهو الذي خرجت به من الدنيا، أي إشارة إلى الكفن فهو الذي يخرج به الإنسان من الدنيا إلى الآخرة.

لكن الذي تركن له النفس هو الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.

ص: 18


1- نصب الراية للزيلعي: ج 2، ص 264، ط دار الحديث.
2- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 3، ص 411؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 399؛ الراية للزيلعي: ج 2، ص 298.
3- المستطرف للأبشيهي: ج 2، ص 211.
المسألة الرابعة: الصلاة عليها
اشارة

لا شك أن الذي تولى جميع أمور تجهيز بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إلاّ أن أمر الصلاة عليها كان فيه خصوصية خاصة وذلك مما يتعلق بشخص فاطمة صلوات الله عليها وما يناسبها من التشريفات الملكوتية التي بدأت تظهر من خلال اللحظات الأولى للآخرة وهي حالة الاحتضار وبين ما كان يظهره أمير المؤمنين عليه السلم من خلال تجهيزها للانتقال إلى روضتها الفردوسية، ومن ضمنها الصلاة عليها فهذا من جانب.

ومن جانب آخر أن مسألة الصلاة عليها وتشيعها تكشف عن حجم الظلم الذي نزل بها وعدد الذين اشتركوا في ظلمها، وذلك من خلال عدم حضورهم للصلاة عليها كما سيمر بيانه، وهو كالآتي:

أولاً: تكبير الإمام علي بن أبي طالب عليها وجبرائيل والملائكة (عليهم السلام جميعاً)

إنّ المستفاد من الروايات أن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام حينما أكمل غسلها وحنوطها وتكفينها وكذاك هو الموكل بحسب وصيتها بالصلاة عليها فكانت الصلاة عليها تمتاز بحسب الروايات إلى:

1 - إنه عليه السلام كبّر عليها خمس تكبيرات.

فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، (إنه سئل: كم كبّر أمير المؤمنين عليه السلام على فاطمة عليها السلام ؟ فقال:

«كان يكبّر أمير المؤمنين تكبيرة فيكبر جبرائيل تكبيرة والملائكة

ص: 19

المقربون إلى أن كبّر أمير المؤمنين خمساً».

فقيل له: وأين كان يصلي عليها؟ قال:

«في دارها، ثم أخرجها»)(1).

2 - وفي رواية أخرى (عن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام:

«أن علي بن أبي طالب صلى على فاطمة عليها السلام فكبّر خمساً وعشرين تكبيرة»(2).

ويمكن الجمع بين الروايتين فتكون التكبيرات الخمسة الأولى التي عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(3)، كان جبرائيل عليه السلام يكبر فيها فأشار الإمام الصادق إلى أن عددها خمس تكبيرات، وأن التكبيرات العشرون لم يكن جبرائيل يكبر فيها مع الملائكة فهي نافلة ترشد إلى مستوى منزلتها وخصوصيتها عند الله تعالى ومثال هذه الحادثة:

ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشكل خاص مع عمه حمزة بنت عبد المطلب حينما استشهد في معركة أحد فكان يضع جنبه الشهداء حتى كبر عليه سبعين تكبيرة.

ص: 20


1- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 256.
2- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 262.
3- أنظر في تكبيره عليه السلام على فاطمة عليها السلام خمس تكبيرات؛ وسائل الشيعة: ج 3، ص 79؛ مستدرك الوسائل: ج 2، ص 259؛ سبل السلام للصنعاني: ج 2، ص 103، ط دار إحياء التراث العربي.

والمستفاد من تلك التكبيرات التي كبرها أمير المؤمنين عليه السلام على فاطمة عليها والسلام والتي بلغت خمسة وعشرين تكبيرة، هي لصلاة الملائكة واختلاف أفواجها ومواضعها في السماء والأرض.

ثانياً: كم نفر صلى على فاطمة مع علي عليه السلام ؟

قد أصبح من الواضح أن فاطمة صلوات الله عليها قد أوصت إلى علي عليه السلام بأن لا يشهد جنازتها أحداً من الذين ظلموها.

(فقالت عليها السلام:

«لا تصلي عليّ أمة نقضت عهد الله، وعهد أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في أمير المؤمنين علي عليه السلام، وظلموني حقّي، وأخذوا إرثي، وخرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك، وكذّبوا شهودي وهم - الله - وجبرئيل، وميكائيل، وأمير المؤمنين عليه السلام، وأمّ أيمن، وطفت عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين عليه السلام يحملني، ومعي الحسن والحسين عليهما السلام ليلاً ونهاراً إلى منازلهم أذكّرهم بالله وبرسوله، ألاّ تظلمونا، ولا تغصبونا حقّنا الذي جعله الله لنا، فيجيبونا ليلاً، ويقعدون عن نصرتنا نهاراً، ثم ينفذون إلى دارنا قنفذاً، ومعه عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، ليخرجوا ابن عمّي عليا عليه السلام إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة فلا يخرج إليهم متشاغلا بما أوصاه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبأزواجه، وبتأليف القرآن، وقضاء ثمانين ألف درهم وصّاه بقضائها عنه عذاة وديناً، فجمعوا الحطب الجزل على بابنا، وأتوا بالنّار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب، وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفّوا عنّا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ - مولى أبي

ص: 21

بكر - فضرب به عضدي، فالتوى السّوط على عضدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله، فردّه عليّ وأنا حاملُ ، فسقطت لوجهي، والنّار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتّى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم.

فهذه أمّة تصلّي عليّ ، وقد تبرأ الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم منهم، وتبرّأت منهم ؟!».

فعمل أمير المؤمنين عليه السلام بوصيّتها، ولم يعلم أحداً بها)(1).

إلاّ أن الروايات الشريفة أشارت إلى أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أعلم بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن لم يشتركوا في ظلم فاطمة عليها السلام فرفع عنهم المانع من استحصال الأجر في الصلاة على فاطمة عليها السلام وهم الذين نص عليهم الحديث الشريف الوارد عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: خلقت الأرض لسبعة بهم ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون، منهم، سلمان الفارسي، والمقداد، وأبوذر، وعمار، وحذيفة».

وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام يقول:

«وأنا إمامهم، وهم الذين صلوا على فاطمة صلوات الله عليها»(2).

ص: 22


1- مسند فاطمة عليها السلام تاليف حسين شيخ الإسلامي: ص 506.
2- الاختصاص للمفيد: ص 5؛ الخصال للصدوق: ج 2، ص 360؛ رجال الكشي: ص 6؛ أعلام الورى للطبرسي: ص 152.
المسألة الخامسة: تشييعها عليها السلام

حينما لم يكن مع علي عليه السلام غير أولئك النفر الأربعة الذين أقاموا الصلاة على فاطمة عليها السلام فمن البديهي أن يكون هؤلاء النفر هم الذين شيعوا جنازتها مع إمامهم أمير المؤمنين علي عليه السلام.

وقد ورد في الروايات، إن تشييعها صاحبه حمل المصابيح، وهو ما ورد عن الصادق عليه السلام فقال:

«إن ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرجت ليلاً ومعها مصابيح»(1).

وفي رواية، أنه عليه السلام قال:

«فيما قضت نحبها وهُمْ في جوف الليل أخذ علي عليه السلام في جهازها من ساعته واشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار، حتى صلى عليها ودفنها ليلاً»(2).

ص: 23


1- وسائل الشيعة: ج 3، ص 159.
2- المصدر السابق.

المبحث الثاني: دفنها وموضع قبرها

اشارة

لم يبق لعلي عليه السلام من وصية فاطمة عليها السلام سوى المراحل الأخير منها فها هو عليه السلام قد حمل نعشها الذي خلي من المشيعين على كثرة من آمن بأبيها صلى الله عليه وآله وسلم وقلة الناصر لابنته في أمته حتى بدى المنظر في أقصى درجات الغرابة، فبين كونها البنت الوحيدة للنبي الذي أمنوا برسالته وبين تركها وحيدة أيضا فكانت وحيدة في الأمة.

أليس من الغرابة أن تكون خير أمة أخرجت للناس، أن لا يخلص من أهلها وهم أهل خير القرون إلا كهمل النعم.

أما الباقي من أهل خير القرون فيساقون بسياط من نار من ساحة المحشر إلى جهنم خالدين فيها أبداً.

هكذا أخبر نبي الإسلام عن أصحابه الذين كانوا في خير القرون(1)، وهكذا كان دفن وحيدة الأمة في خير القرون ؟!

ص: 24


1- شرح صحيح مسلم للنووي: ج 16، ص 84.
المسألة الأولى: دفن فاطمة عليها السلام

وتتسارع الدقائق ويمضي الوقت سريعاً فصاحبة النعش لم تثقل على حامليها فقد أصبحت من الحزن كالخيال فذاب بدنها ويبس لحمها، فلم يجد الحاملون غير وزن جرائد النخيل التي صنعتها أسماء بنت عميس على هيئة الصندوق فالقت عليها ملاءة فغطت بهاصاحبة النعش الذي لم يبق من رسمها وجسمها سوى هيئة تصرخ أن ها هنا امرأة مظلومة.

وقد بدى صوتها يتردد في الفضاء الذي ضاق بمصيبة ضلعها المكسور وقرطها المنثور وحمرة عينها وصرخت جنينها وهو ملفوفاً بقماش كان قد أعد ليكون قماطاً فصار كفناً فحملته الملائكة على اكفها قبل أن تضعه أمه الثكلى على صدرها وراح صوته الذي خفت مع صوتها فضاق بهما الفضاء الرحب.

وقد رافق صوتها صوت المثكول بها، وهي تكلمه بصوت ضعيف:

«إذا أنا مت فتول أنت غُسلي، وجهزني، وصل عليّ ، وأنزلني قبري، وألحدني، وسو التراب عليّ ، وأجلس عند رأسي قُبالة وجهي فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء، فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء»(1).

فجاء بها فوضعها على شفير قبرها، ثم تولى إنزالها فقد تلقاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي صلوات الله عليه يقول:

«بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو

ص: 25


1- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 339.

أولى بك مني، ورضيت لك بما رضي الله تعالى لك».

ثم قرأ:

(مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ )(1).

(فلما سوى عليها التراب أمر بقبرها فرش عليه الماء)(2).

ثم (قام على قبرها وقال:

«اللهم إني راض عن ابنة نبيك، اللهم إنها قد أوحشت فأنسها، اللهم إنها قد هجرت فصلها، اللهم إنها قد ظلمت فأحكم لها، وأنت خير الحاكمين»(3).

ثم (عفا على موضع قبرها، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:

«السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري وصدري بلى وفي كتاب الله لي أنعم القبول إنا لله وإنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة وأخلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد وهم لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي

ص: 26


1- سورة طه، الآية: 55.
2- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 337.
3- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 241؛ الخصال للمفيد: ج 2، ص 588.

دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح، وهم مهيج سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول، ويحكم الله وهو خير الحاكمين، سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن اقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، واه واها والصبر أيمن وأجمل ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهضم حقها، وتمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر وإلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلى الله عليك، وعليها السلام والرضوان»)(1).

ثم أنشد يقول:

أرى عِلَلَ الدنيا عليَّ كثيرةً *** وصاحِبُها حتى المماتِ عليلُ

لكل اجتماع من خليلين فُرْقَةٌ *** وإن الذي دون المماتِ قليل

وإنْ افتقادي فاطمٌ بعد أحمدٍ *** دليل على ألاَ يدومَ خَليلُ (2)

ص: 27


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 458-459؛ الأمالي للطوسي: ج 109-110؛ نهج البلاغة للمعتزلي: ص 319؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 505؛ الأمالي للمفيد: ص 281.
2- الأمالي للصدوق: ص 491؛ زهر الآداب وثمر الألباب: ج 1، ص 18؛ الكامل للمبرّد: ج 3، ص 1390؛ التعازي والمراثي لابن حمدون: ص 205؛ التعليق من أمالي ابن دريد لشقران العذري: ص 98؛ منح المدح لابن سيد الناس: ص 189؛ البيان والتبين: ج 3، ص 181؛ الحماسة البصرية: ص 248؛ نهاية الأرب: ج 5، ص 167؛ بهجة المجالس: ج 2، ص 359؛ الثاني في الكامل للمبرّد: ص 1390؛ التذكرة الحمدونية: ج 4، ص 237؛ العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 1، ص 345؛ مروج الذهب: ج 1، ص 286؛ المختار من شعر بشار: ص 72.

ثم جلس قبالة وجهها يقرأ لها القرآن كما أوصته ويدعوا الله تعالى لها، ولكن لم يمكث طويلاً، فقد أدركه عمود الصبح، ولابد له من الرحيل عن فاطمة عليهما السلام قبل أن ينكشف موضع قبرها، وهي التي أوصت أن يدفنها بالليل(1)؛ كي لا يؤذن بها ابو بكر وعمر خاصة(2)؛ فضلاً عن من تشيع لهما ووقف بجانبهما في ظلمها؛ فقد أرادت أن يبقى موضع قبرها مجهولاً ينطق بكل آن: إن ها هنا امرأة مظلومة.

ص: 28


1- السنن الكبرى للبيهقي: ج 4، ص 31، برقم 6702؛ عن ابن عباس: إن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفنت ليلاً؛ المصنف لابن أبي شيبة: ج 3، ص 31، (إن عليا دفن فاطمة ليلاً)، برقم 11827؛ مصنف عبد الرزاق: ج 3، ص 521، برقم (6554)؛ حاشية ابن القيم: ج 8، ص 309، ط دار الكتب العلمية؛ تحفة الأحوذي: ج 4، ص 141، ط دار الكتب العلمية؛ معرفة الثقات للعجلي: ج 2، ص 458، ط مكتبة الدار بالمدينة المنورة؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 35، ص 252، ط مؤسسة الرسالة؛ الاستيعاب: ج 4، ص 1898، ط دار الجيل؛ طبقات ابن سعد: ج 8، ص 29، غسلها علي وصلى عليها ودفنها ليلاً؛ الدراية في تخريج أحاديث الهداية: ج 1، ص 242، ط دار المعرفة؛ نصب الراية للزيلعي: ج 2، ص 251، ط دار الحديث؛ المغني: ج 2، ص 218، ط دار الفكر؛ المدونة الكبرى لمالك بن أنس: ج 1، ص 186، ط دار صادر، وج 4، ص 137.
2- سبل السلام للصنعاني: ج 2، ص 236؛ الجوهر النقي مطبوع في هامش السنن الكبرى للبيهقي: ج 3، ص 396، ط دار المعرفة؛ وفي الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 60، ط دار الجيل وجاء فيه (إن عليا صلى عليها ودفنها بليل بعد هدأة)؛ الفتح الرباني: ج 22، ص 97، نقلا عن الهيثمي والطبراني؛ حلية الأولياء: ج 2، ص 43؛ تهذيب التهذيب: ج 6، ص 554؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 398؛ أنساب الأشراف: ج 1، ص 491، لم يعلم أبا بكر وعمر بذلك؛ مشكل الآثار للطحاوي: ج 1، ص 137، باب 23، وقال: (ولم يؤذن بها أبا بكر)؛ المغني لابن قدامة: ج 3، ص 503؛ معرفة الآثار والسنن للبيهقي: ج 5؛ الإصابة: ج 8، ص 60، ط دار الجيل؛ وفاء الوفاء: ج 3، ص 901-902.
المسألة الثانية: موضع قبرها عليها السلام
اشارة

إن من الخصائص التي اختصت بها سيدة نساء العالمين على بنات الأنبياء والأولياء والمرسلين هي إخفاء قبرها فكان ميزة تضاف إلى تلك الميزات الكثيرة التي حفت بسيدة نساء الجنة.

وقد اختلف المسلمون على اختلاف مشاربهم الفقيه في تحديد موضع قبرها لتلك العلة التي مرَّ ذكرها، فذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى القول: بأنه في دارها الذي كان قرب الحجرة النبوية وملاصقاً لها.

وقد كشف أئمة الهدى عن قبر جدتهم وأمهم فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها بعد زوال ملك بني أمية؛ وبعد تساؤلات كثيرة من المؤمنين في معرفة قبر بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وعليه: يمكن لنا أن ندرج الأقوال في تحديد موضع قبرها كالآتي:

أولاً: إن قبر فاطمة في دارها الذي كان ملاصقاً للحجرة النبوية الشريفة

1 - أخرج الحميري عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: (سألته عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي مكان دفنت ؟ فقال:

«سأل رجل جعفر عليه السلام عن هذه المسألة وعيسى بن موسى حاضر، فقال له عيسى: دفنت في البقيع، فقال الرجل ما تقول ؟ فقال: قد قال لك، فقلت له أصلحك الله ما أنا وعيسى بن موسى ؟ أخبرني عن آبائك ؟ فقال عليه السلام: دفنت في بيتها»)(1).

ص: 29


1- قرب الإسناد للحميري: ص 367، وص 160؛ مستدرك الوسائل: ج 10، ص 211.

2 - وأخرج الكليني والصدوق، عن ابن أبي نصر قال: (سألت الرضا عليه السلام عن قبر فاطمة عليها السلام ؟ فقال:

«دفنت في بيتها، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد»)(1).

3 - أخرج الشيخ الكليني عن عبد بن رزين قال: (كنت مجاوراً بالمدينة، مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان أبو جعفر عليه السلام يجيء في كل يوم مع الزوال إلى المسجد فينزل في الصحن ويصير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسّم عليه ويرجع إلى بيت فاطمة عليها السلام فيخلع نعليه ويقوم فيصلي)(2).

ثانياً: إنه في الروضة التي بين منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبره

1 - روى الصدوق عن أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة لأن قبر فاطمة عليها السلام بين قبره ومنبره وقبرها روضة من رياض الجنة وإليه ترعة من ترع الجنة»(3).

2 - أخرج الطوسي في زيارة فاطمة عليها السلام فقال:

ص: 30


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 461؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1، ص 229؛ تهذيب الأحكام: ج 3، ص 355؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 1، ص 311؛ معاني الأخبار: ص 268؛ وسائل الشيعة: ج 14، ص 369.
2- الكافي للكليني: ج 1، ص 493.
3- معاني الأخبار: ص 267.

(إنك تأتي الروضة فتزور فاطمة عليها السلام لأنها مدفونة هناك)(1).

3 - ويستفاد من وصية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أنها مدفونة في الروضة فقد جاء في وصيته لأخيه الإمام الحسين عليه السلام:

«يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها فإذا أنا مت فهيئني، ثم وجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأحدث به عهداً، ثم اصرفني لأمي فاطمة، ثم ردني فأدفني بالبقيع، واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها»(2).

4 - أخرج ابن جرير الطبري (الشيعي) عن إبراهيم بن محمد بن جبرائيل قال:

(رأيت الحسن بن علي وقد استسقى ماء فأبطأ عليه الرسول فاستخرج من سارية المسجد ماء فشرب وسقى أصحابه ثم قال:

«لو شئت لسقيتكم لبنا وعسلا؟ قلنا: فاسقنا، فسقانا لبنا وعسلا من سارية المسجد مقابل الروضة التي فيها قبر فاطمة عليها السلام»)(3).

5 - روى السيد ابن طاووس في الإقبال عن أبي الحسن إبراهي بن محمد الهمذاني قال:

كتبت إليه، أي الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام -: (إن رأيت أن تخبرني عن بيت أمك فاطمة أهي في طيبة، أو كما يقول الناس في البقيع فكتب ؟:

ص: 31


1- تهذيب الأحكام: ج 6، ص 9.
2- وسائل الشيعة: ج 3، ص 164.
3- دلائل الإمامة للطبري: ص 66.

«هي مع جدي صلى الله عليه وآله وسلم»)(1).

6 - قال السمهودي: المقصورة اليوم دائرة عليه وعلى حجرة عائشة، والمحراب الذي ذكره ابن النجار إنه في بيت فاطمة يكون خلف حجرة عائشة من جهة الزور، بينه وبين موضع تحترمه الناس ولا يدوسونه بأرجلهم يذكر أنه موضع قبر فاطمة)(2).

ثالثاً: إنه في البقيع

ولقد أشارت جملة من الروايات على أن قبرها عليه السلام كان في البقيع، فمنها:

1 - قال المراغي: إنه في البقيع(3).

2 - قال ابن شبة النميري: إن قبر فاطمة عليها السلام وجاه زقاق نبيه، وإنه إلى زاوية دار عقيل أقرب)(4).

3 - وقد أشار بعض أبناء العامة إلى أنه في البقيع عند قبور أبناءها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام(5).

إلاّ أن الذي عليه مدرسة أهل البيت عليهم السلام إنها مدفونة في بيتها فهي

ص: 32


1- مستدرك الوسائل: ج 10، ص 210.
2- وفاء الوفاء للسمهودي: ج 2، ص 469.
3- تحقيق النصرة للمراغي: ص 126.
4- تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج 1، ص 105.
5- تاريخ بغداد: ج 1، ص 138؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 1، ص 392؛ الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 29؛ نيل الأوطار للشوكاني: ج 4، ص 125؛ نزهة الناظرين للبرزنجي: 114.

في داخل الروضة النبوية المقدسة، وفي ذلك أشار الشيخ الطوسي فقال: (وقد اختلف أصحابنا في موضع قبرها، فقال بعضهم: إنها دفنت بالبقيع، وقال بعضهم: إنها دفنت بالروضة، وقال بعضهم: إنها دفنت في بيتها، فلما زاد بنو أمية لعنهم الله في المسجد صارت من جملة المسجد، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين، والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعا، فإنه لا يضره ذلك ويجوز به أجرا عظيما، وأما من قال إنها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب، والذي روي في فضل زيارتها أكثر من أن يحصى)(1).

رابعاً: بعض الأوجه في معرفة الحكمة في إخفاء قبر فاطمة عليها السلام

لا شك أن بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما أوصت بإعفاء موضع قبرها كي لا يتعرف عليه الناس كان لحاجة في نفسها صلوات الله عليها ولا شك أيضاً أننا لن نقف بعين الواقع على ما أكنته الزهراء عليها السلام في نفسها في إخفاء موضع قبرها؛ إلاّ أننا يمكن لنا فهم هذا الفعل من خلال هذه الأوجه.

الوجه الأول: أن معرفة قبرها عليها السلام يعطي فرصة كبيرة للعدو بضياع حقها وانتهاك حرمة الله ورسوله بما جرى عليها، وهو يبرأ العدو من جميع ما اقترفه في حقها بحيث يأتي الذين ظلموا فاطمة ويجلسون على قبرها ويقرؤون لها القرآن وكأن شيئا لم يكن فتكون عندها الأمور مقلوبة فيكون المظلوم بنظر الناس ظالماً والظالم عندهم مظلوماً وعندها يترتب على هذا الواقع أن تهب الناس لمحاربة علي بن أبي طالب عليه السلام لامتناعه عن البيعة لأبي بكر وهو الذي رأى أن

ص: 33


1- تهذيب الأحكام للطوسي: ج 6، ص 9.

وجوههم جميعاً قد انحرفت عنه وتغيرت عليه بعد وفاة فاطمة، وهو صاحب المظلومية العظمى، فكيف به لو كان قبر فاطمة معروفا مكانه معلنا موضعه، لرأى منه العجب العجاب ولا يبعد أن يمنع من زيارته ويأنب على بث حزنه وشكاواه.

الوجه الثاني: من المؤكد أن يقوم الظالمون بالتعدي على حرمة فاطمة بعد موتها ولا تنجوا من التعرض لنبش قبرها والتاريخ مليء بهذا الفعل الإجرامي من أعداء الله وأعداء رسوله ويكفيك ما جرى على حفيدها زيد بن علي بن الحسين بن فاطمة بعد موته من الأمور الشنيعة التي يندى لها جبين الإنسانية، فقد نبش قبره وأخرجت جثته وصلبت على جذع أربع سنوات حتى عششت الفخاة في جوفه ونسجت العنكبوت بيتا على موضع عورته، ولم يكفهم هذا بل أنزلوه بعد هذه السنين والشهور فأحرقوه وذروا رماده في نهر دجلة.

فضلاً عما قام به المتوكل العباسي في محاربته لقبر سيد شباب أهل الجنة بحرث الأرض التي تحيطه وتجريفها وتسليط ماء نهر العلقمي عليها لتضيع آثار القبر المقدس، لكن الله تعالى رد كيده إلى نحره فقد توقف مجرى الماء وحار حول القبر الشريف فكان آية من آيات الله التي أخزت المتوكل ومن أسس وشايع على ظلم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم(1).

الوجه الثالث: لعلمها عليها السلام أن هذا القبر سوف يهجره المسلمون ويمنع عنه المؤمنون، ولعل أهون ما يقوم به الظالمون هو محو أثره كما محيت كثير من الآثار المحمدية والمعالم الإلهية وعندها لن يهب الذين يدعون الإسلام لنصرتها فما

ص: 34


1- تاريخ الطبري: ج 5، ص 502-505؛ المنتظم في تاريخ الأمم لابن الجوزي: ج 7، ص 212؛ تجارب الأمم لابن مسكوية: ج 3، ص 147؛ الأعلام للزركلي: ج 3، ص 147.

بين متقاعص عن المطالبة بحقها وما بين صاحب غصة تخنقه العبرة، وكفى بقبر ولدها الإمام الحس الزكي وهو ريحانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيد شباب أهل الجنة وقبره وقوبر الائمة من آل محمد في البقيع تسفي عليها رياح الصحراء.

فكيف لا يبقى قبر الصديقة الكبرى مجهولاً؟ فذاك أعظم في المظلومية، وأهون في المصيبة مما لو كان مهجوراً.

المسألة الثالثة: تاريخ وفاتها عليها السلام وكم عاشت بعد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
اشارة

اختلفت الروايات في عدد الأيام والشهور التي عاشتها بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إلاّ أن الذي اتفق عليه إنها كانت سريعة اللحاق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت كما أخبرها بأنها أسرع أهل بيته لحوقاً به. وهذا الإسراع في اللحوق يكشف عن أن مجموع ما بقته فاطمة صلوات الله عليها لم يتجاوز الثمانية أشهر وهي قليلة وسريعة فيما لو قيست بصغر سنها مما يدفع إلى أنها خرجت من الدنيا تحت تأثير الهجوم على دارها وما لحقها من أضرار كبيرة في بدنها فخرجت من الدنيا شهيدة.

وهو ما نصت عليه الأحاديث الشريفة الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. قال الإمام موسى بن جعفر عليه السلم:

«إنّ فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة»(1).

أما كم بقت بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فكانت كالآتي:

ص: 35


1- مسائل علي بن عجفر: ص 326.
أولاً: إنها بقت خمسة وسبعين يوما

أولاً: إنها بقت خمسة وسبعين يوما(1)

وهذه الفترة الزمنية هي الأثبت عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وهي:

1 - روى الكليني عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الإثنين والخميس، فتقول: ها هنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ها هنا كان المشركون»(2).

2 - روى الكليني رحمه الله: (عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

«إن فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان يأتيها جبرئيل عليه السلام فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي عليه السلام يكتب ذلك»)(3).

ص: 36


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 898؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 165؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 6، ص 328؛ شرح النووي على مسلم: ج 12، ص 77؛ تهذيب الكمال: ج 35، ص 252؛ سير أعلام الذهبي: ج 2، ص 131.
2- الكافي للكليني: ج 3، ص 228؛ وسائل الشيعة: ج 3، ص 223.
3- الكافي للكليني: ج 1، ص 458.
ثانياً: إنها بقت بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشهر

روى الحاكم في المستدرك: (عن أبي جعفر الباقر عليه السلام:

«أنها توفيت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشهر»)(1).

ثالثاً: أنها بقيت بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم بستة أشهر

وهذا القول هو أشهر الأقوال عند أهل السنة والجماعة ولعل العلة في ذلك اعتماد مسلم النيسابوري لهذا القول في صحيحه فتبعه على ذلك بقية الحفاظ(2).

رابعاً: إنها بقت بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ثمانية أشهر

وقد ذهب إلى هذا القول بعض أهل السنة والجماعة(3)، وهو مع غيره من

ص: 37


1- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 176؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 212؛ فتح الباري: ج 7، ص 105؛ تحفة الأحوذي: ج 10، ص 250؛ شرح النووي على صحيح مسلم: ج 12، ص 77؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 2، ص 128؛ صفة الصفوة: ج 2، ص 15، ط دار العرفة؛ الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 28.
2- صحيح مسلم، باب: قول النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم لا نورث: ج 5، ص 154؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22، ص 298؛ الفتح الرباني للساعاتي: ج 22، ص 97؛ المختصر الكبير لابن جماعة: ص 80؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 34؛ عيون الأثر لابن سيد الناس: ج 2، ص 365؛ المواهب اللدنية: ج 2، ص 65؛ الاستيعاب: ج 4، ص 1894؛ الإعلام للزركلي: ج 5، ص 132؛ إمتاع الأسماع: ج 1، ص 547؛ وسيلة الإسلام لابن قنفذ: ص 63؛ السيرة النبوية للنووي: ص 30؛ لباب الخيار: ص 112؛ الحادي للفتاوي: ج 2، ص 186.
3- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1894؛ المواهب اللدنية: ج 2، ص 65؛ تاريخ خليفة بن خياط: ج 1، ص 13.

الأقوال التي مرّ ذكرها مخالفة لأئمة أهل البيت عليم السلام؛ فهم فضلاً عن كونهم حجج الله على خلقه، الأدرى بحال أمهم وكم عاشت بعد وفاة جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

خامساً: تاريخ وفاتها صلوات الله عليها

مثلما اختلفت الروايات في تحديد الفترة التي عاشتها بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فكذاك اختلفت في تعيين اليوم الذي توفيت فيه وكذلك الشهر، وهي كالآتي:

1 - إن المشهور الذي عليه أتباع أهل البيت عليهم السلام أنها توفيت في اليوم الخامس عشر من شهر جمادي الأولى وذلك لأن الرواية التي عليها الإمامية تستند إلى قول الصادق عليه السلام بأنها ماتت بعد أبيها بخمسة وسبعين يوماً وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت وفاته في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر.

2 - روى السيد ابن طاووس والشيخ الطوسي وغيرهما:

أن يوم وفاتها كان في الثالث من جمادي الآخرة(1).

3 - اعتمد بعض أهل السنة على أنها توفيت في شهر رمضان في اليوم الثالث منه(2).

ص: 38


1- المتهجد: ص 793؛ إقبال الأعمال: ص 623؛ مصباح الكفعمي: ص 511.
2- تاريخ الطبري: ج 2، ص 136؛ التنبيه والأشراف للمسعودي: ج 1، ص 106؛ تاريخ ابن الأثير: ج 1، ص 365.
سادساً: عمرها حين الوفاة

ذهب كثير من محدثي أهل السنة والجماعة إلى أنها توفيت ولها من العمر (28، 29، 30) سنة(1).

وقال ابن منظور في المختصر: (ماتت ولها إحدى وعشرين سنة)(2).

في حين أن المعتمد عند الإمامية هو أن عمرها حين الوفاة كان ثمانية عشر سنة، وذلك أنها ولدت في السنة الخامسة من البعثة النبوية وتوفيت في السنة الحادية عشر من الهجرة النبوية، أما سبب اعتماد أهل السنة على ما سبق ذكره فلكونهم يقولون: بأنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات وهو ما لا يصح؛ وذلك أن أئمة أهل البيت عليهم السلام أدرى بميلاد أمهم فاطمة صلوات الله عليها.

ص: 39


1- تاريخ القضاعي: ص 233.
2- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: ج 1، ص 242.

المبحث الثالث: برزخ فاطمة عليها السلام

اشارة

لابد لكل إنسان بعد أن يتوفاه الله تعالى أن يمر بالبرزخ، وهو ممر بين الدنيا والآخرة، وهو كناية عن القبر فهو الجامع لبرزخ الإنسان، ومن ثم فما يجري في البرزخ من الأهوال والعقبات لا يسعنا تتبعه وبيانه، وذلك لكثرة ما ورد في الشريعة من الأحاديث في بيانه حتى أصبح من مختصات يوم القيامة، وقد عرف أغلب المسلمين وعلى اختلاف ثقافاتهم ومذاهبهم الفقهية البرزخ؛ فمن لا يعلم أن في القبر منكر ونكير وهما الملكان الموكلان بسؤال العبد عن التوحيد والنبوة والإمامة.

فمن لا يعلم أن القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، ومن لا يعلم أو لم يسمع عن ضغطة القبر وغيرها من العقبات والأهوال والمنازل أجارنا الله تعالى وأعاذنا منها -.

ولو توقفنا مع بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما جاءت به الروايات في خصوص حالها في البرزخ لوجدنا عظيم هذه المنزلة عند الله تعالى فضلاً عن حقيقة تعرض جميع ولد آدم دون استثناء إلى سؤال الملكين له في القبر، فما كان حال بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قبرها؟

ص: 40

المسألة الأولى: سؤال الملكين لها في القبر

لم يزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحدث المسلمين عن منزلة الزهراء وشأنها عند الله تعالى ويذكرهم بحفظ حرمتها وصونها ولذا: كان حديثه صلى الله عليه وآله وسلم شاملاً لكل مراحل تكوينها منذ أن خلق الله نورها وروحها وخلقها من ثمار الجنة وولادتها وصباها وزواجها وأبنائها وغير ذلك من شؤونها الحياتية حتى إذا وصل وفاتها وما يكون من شأنها في عالم البرزخ، قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«أتاني الروح الأمين - يعني جبرئيل عليه السلام - وقال: إنها إذا هي قبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها من ربك ؟ فتقول الله ربي، فيقولان من نبيك ؟، فتقول أبي، فيقولان فمن وليك ؟ فتقول هذا القائم على شفير قبري علي بن أبي طالب؛ فيقولان ألا وأزيدكم من فضلها إن الله قد وكل بها رعيلا من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها وهم معها في حياتها وعند قبرها بعد موتها يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها»(1).

المسألة الثانية: إنها في خيمتها البرزخية مع أبيها وأمها

حينما يكون القبر روضة من رياض الجنة لأولياء الله تعالى فإن فاطمة مع أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمها خديجة صلوات الله عليها في موضع واحد من جنة البرزخ.

فعن أبي بصير قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فركض برجله

ص: 41


1- بشارة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ص 139.

الأرض فإذا بحر فيه سفن من فضة فركب وركبت معه حتى انتهى إلى موضع فيه خيام من فضة فدخلها ثم خرج فقال:

«رأيت الخيمة التي دخلتها أولاً».

فقلت: نعم، قال:

«تلك خيمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأخرى خيمة أمير المؤمنين عليه السلام، والثالث خيمة فاطمة، والرابعة خيمة خديجة، والخامسة خيمة الحسن والسادسة خيمة الحسين، والسابعة خيمة علي بن الحسين، والثامنة خيمة أبي، والتاسعة خيمتي، وليس أحد منا يموت إلا وله خيمة يسكن فيها»)(1).

ص: 42


1- بصائر الدرجات: ص 405.

المبحث الرابع: حال الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاتها

اشارة

لم ينته ظلم تلك العصابة التي هددت بحرق دار فاطمة عليها السلام ومن ثم أحرقته واقتحمته فانتهكت حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقتلت ابنته بالتوقف عند هذا المقدار بعد أن مضت بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (شهيدة)(1) إلى ربها.

بل تمادت هذه العصابة في محاربتها لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام؛ وحيث أن أمير المؤمنين عليه السلام هو المستهدف الأول في هذه الحرب التي يشنها المنافقون على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يتسنَ لهم النيل منه فكان علياً هو المتلقي لضربات هذه الحرب الضروس فإن أول مواجهة كانت بينه وبين هؤلاء بعد وفاة فاطمة عليها السلام هي:

ص: 43


1- مسائل علي بن جعفر: ص 325.
المسألة الأولى: محاولة نبش قبر فاطمة ومواجهة علي عليه السلام لتلك العصابة

إن أول مظاهر الحكمة التي تجلت في وصية بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام بأن تدفن ليلاً ويعفا موضع قبرها كانت في صبيحة ليلة دفنها حينما جاء أبو بكر وعمر وعصابتهما من المسلمين الذين اقتحموا بالأمس دارها وأسقطوا جنينها فوجدوا أن بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد دفنت وأنها قد فاتت عليهم أعظم فرصة للتستر على الجريمة التي ارتكبوها في حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما قتلا ابنته.

إذ لا يتصور أن يأتي القاتل فيمشي في جنازة القتيل، ولا يتصور أحد أن القاتل مع هذا الجمع ممن يمشون مع جنازة الضحية، فأي شبهة بعد ذلك ستكون حول القاتل.

ولذلك: كيف إذا اتبع هذا الفعل بالصلاة على الضحية والوقوف على قبرها افتراه يكون هناك أدنى شك في وجود القاتل وإمكانية تشخيصه ؟!

وعليه: فقد أضاعت البضعة النبوية الفرصة على ظالميها وقاتليها في التستر على ما اقترفته أيديهم من الجرم في حق الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحقها؛ وهذا أولاً.

ثانياً: حينما أدرك أبو بكر وعمر بالخسارة الفادحة وأن قتل فاطمة عليها السلام سيلاحقهما ما عاشا، وما كان لفاطمة ذكر بين المسلمين، فقد بادر عمر بن الخطاب وعصابته من المسلمين إلى محاولة نبش قبر فاطمة صلوات الله عليها كي

ص: 44

يتدارك هذه الجريمة في اقتحامه لبيت فاطمة وحرقه بالنار، مما أدى إلى قتلها وجنينها.

فعن سليم بن قيس الهلالي الكوفي قال:

(فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام.

فقال المقداد: قد دفنا فاطمة البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون.

قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها.

فقال عمر: (والله) لا تتركون يا بني هاشم حسدكم القديم لنا أبدا، إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها.

فقال علي عليه السلام:

«والله لو رمت ذلك يا ابن صهاك(1) لأرجعت إليك يمينك؛ والله، لئن سللت سيفي لأغمدته دون إزهاق نفسك، فرم ذلك».

فانكسر عمر وسكت وعلم أن علياً عليه السلام إذا حلف صدق)(2).

ص: 45


1- صهاك: الحبشية جدة عمر بن الخطاب لأمه حنتمه؛ وكانت صهاك أمة عند عبد المطلب ترعى في الماشية، واشتهر عمر بجدته صهاك؛ انظر: (شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 12، ص 39؛ كتاب المنمق للبغدادي، باب: أبناء الحبشيات من قريش، ص 400؛ رسائل الشريف المرتضى: ج 4، ص 108؛ البحار: ج 28، ص 276).
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 871.
المسألة الثانية: تغير وجوه الناس على علي عليه السلام بعد وفاة فاطمة عليها السلام

إن من أكثر المظاهر الإجتماعية التي تكشف عن الحالة العامة لسري النفاق في المجتمع المسلم وفي صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبنائهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم هي بغضهم لعلي عليه السلام وإعراضهم عنه وتغير وجوههم بعد وفاة فاطمة عليها السلام.

وكأنه هو الذي جمع الحطب حول دارها، وهو الذي هددها بالإحراق بمن في دارها، وهو الذي قاد عصابة من المسلمين للهجوم على دارها وعصرها بين الحائط والباب، وقتل جنينها والتسبب بموتها بهذه الجريمة الشنيعة، وليس عمر بن الخطاب وعصابته من المسلمين ؟ ولذا انحازوا إليه وإلى أبي بكر وتغيرت وجوههم عن علي بن أبي طالب مع علمهم ويقينهم بقول الصادق الأمين له.

«يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق».

ولا يمكن تفسير تغير هذه الوجوه وإعراض أصحابها عن علي عليه السلام لولا وجود النفاق، أفيكون المحب في الشدة عارضاً بوجه وعابساً في وجه من يحب، وحال علي اليوم عليه السلام وما نزل به من المصائب ليس له مثيل بين المسلمين.

فالمقتولة زوجته وأم عياله، والمؤود ولده المحسن، والمغتصب حقه، والمحروق داره والمفجوع أبنائه الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.

أليس من الخلق، والشريعة، والإنسانية، أن يواسى المرء حينما يكون حاله بهذا الحجم من الحزن والمصائب والابتلاء أم أنه يلاقي وجوه من أمروا بحبه قد تغيرت وأعرضت أصحابها عنه، فأي حب هذا بل أي نفاق ترسخ في هذه القلوب ؟

ص: 46

فقد أخرج مسلم في صحيحه عن عائشة أنها قالت: (وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، ولم يكن بايع تلك الأشهر)(1).

إلاّ أن هذه الحالة التي أصبح عليها المجتمع المسلم بعد وفاة رسوله صلى الله وآله وسلم واستشهاد فاطمة عليها السلام لم تكن بالخفية على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه فقد أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها، وبما تؤول إليه الأمة من بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم.

فعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب:

«سلام عليك يا أبا الريحانتين من الدنيا، فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتي عليك».

فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال علي عليه السلام:

«هذا أحد الركنين الذي قال رسول الله».

فلما ماتت فاطمة عليها السلام قال:

«هذا الركن الآخر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»)(2).

فكيف به وما هو حاله وقد ذهب ركناه، وكيف لا تتغير وجوه الناس عليه بعد وفاة فاطمة عليها السلام وهو بمثابة الأعزل الذي لا ناصر له ولا معين.

ص: 47


1- صحيح مسلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نورث، ج 3، ص 1380، برقم 1759؛ فتح الباري: ج 7، ص 494؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 22؛ تاريخ الطبري: ج 2، ص 236؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 1، ص 1364.
2- فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج 2، ص 623، ح 1067؛ العمدة لابن البطريق: ص 308.

المبحث الخامس: زيارة قبرها والصلاة والسلام عليها

اشارة

أهتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتربية المسلم على الإيمان بالغيب وتقويم سلوكه بتنمية هذا الإيمان ورفده بكل ما بإمكانه أن يرتبط بالآخرة؛ فكان من بين أهم تلك الروافد هي زيارة قبور الأنبياء والمرسلين والأولياء وعباد الله الصالحين فضلاً عن زيارة قبر الوالدين والأهل فهذا التعاهد بالزيارة يشد الإنسان إلى الآخرة فضلاً عن التغلب على الغفلة التي تفرزها المظاهر الدنيوية ومغرياتها التي تتناقض مع الآخرة وعناصر ارتباطها.

فضلاً عن أن أداء زيارة قبور الأولياء والوالدين يعد نوعاً من الإقرار بالعرفان والجميل لما بذله أولئك الأولياء والأبوين من جهود في خلق حياة كريمة للإنسان، وغيرها من الفوائد الكثيرة التي تحققها زيارة القبور، كما أشارت الأحاديث الشريفة.

ولذا: نجد أئمة أهل البيت عليهم السلام يحثون على زيارة قبورهم وإن بعدت عن المؤمنين بلدانهم حرصا منهم لنيل تلك الآثار التي قرنت بزيارتهم.

ص: 48

قال الإمام الصادق عليه السلام:

«إذا بعدت بأحدكم الشقة ونأت به الدار فليعل أعلى منزل له فيصلي ركعتين وليومى بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصير إلينا»(1).

المسألة الأولى: ثواب زيارتها وآثارها الغيبية
اشارة

يمكن لنا الوقوف على ثواب زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام من خلال بعض النصوص الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فمنها:

أولاً: إن زيارتها برٌ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونجاة من أهوال يوم القيامة

(روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم جالساً وحوله علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال لهم:

«كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى».

فقال له الحسين عليه السلام:

«أنموت موتاً أو نقتل».

فقال:

«بل تقتل يا بني ظلما ويقتل أخوك ظلما وتشرد ذراريكم في الأرض».

فقال الحسين عليه السلام:

«ومن يقتلنا يا رسول الله ؟».

قال:

«شرار الناس».

ص: 49


1- مستدرك الوسائل: ج 1، ص 369.

قال:

«فهل يزورنا بعد قتلنا أحد».

قال:

«نعم، طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم بري وصلتي فإذا كان يوم القيامة جئتهم إلى الموقف حتى آخذ بأعضادهم فأخلصهم من أهواله وشدائده»)(1).

ثانيا: إن من زارها فكأنما زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله لى الله عليه وآله وسلم - في حديث طويل -:

«من زارني بعد وفاتي فإنما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة عليها السلام فكأنما زارني، ومن زار علي علي بن أبي طالب فكأنما زار فاطمة، ومن زار الحسن والحسين فكأنما زار علياً، ومن زار ذريتهما كأنما زارهما»(2).

ثالثا: استحباب زيارتها في كل جمعة

ذكر الشهيد الأول في الدروس، والشيخ الكفعمي في البلد الأمين، استحباب زيارتها في كل جمعة، وفي المواسم المشهورة قصدا، وقصد المشاهد الشريفة في رجب(3). وحيث إن زيارتها صلوات الله عليها مقرونة بزيارة أبيها فإن إتيان مشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع روضته يكون ملازماً لقبرها كما مرّ بيانه سابقاً.

ص: 50


1- الخرائج والجرائح: ج 2، ص 691؛ الإرشاد: ج 2، ص 131.
2- بشارة المصطفى: ص 139؛ مستدرك الوسائل: ج 10، ص 182.
3- الدروس الشرعية للشهيد الأول: ج 2، ص 24؛ البلد الأمين: ص 269.
رابعاً: كيفية زيارتها عليها السلام والآداب المستحبة في إتيان الزيارة
ألف: آداب زيارتها

ورد في آداب زيارتها عليها السلام ما رواه الحر العاملي في الوسائل عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال:

«من أراد أن يزور قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقبر أمير المؤمنين، وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج عليهم السلام وهو في بلده، فليغتسل في يوم الجمعة، وليلبس ثوبين نظيفين، وليخرج إلى فلاة من الأرض، ثم يصلي أربع ركعات يقرأ فيهن ما تيسر من القرآن، فإذا تشهد وسلم فليقم مستقبل القبلة وليقل:

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك أيها النبي المرسل والوصي المرتضى، والسيدة الكبرى، والسيدة الزهراء، والسبطان المنتجبان، والأولاد والأعلام والأمناء المستخزنون، جئت انقطاعا إليكم وإلى آبائكم وولدكم الخلف على بركة الحق، فقلبي لكم سلم ونصرتي لكم معدة، حتى يحكم الله بدينه، فمعكم معكم لا مع عدوّكم، إني لمن القائلين بفضلكم مقدر برجعتكم، لا أنكر لله قدرة ولا أزعم إلا ما شاء الله سبحان الله ذي الملك والملكوت يسبح الله بأسمائه جميع خلقه والسلام على أرواحكم وأجسادكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

قال وفي رواية أخرى افعل ذلك على سطح دارك)(1).

ص: 51


1- وسائل الشيعة: ج 14، ص 579؛ جمال الأسبوع: ص 231.
باء: النصوص الواردة في كيفية زيارتها عليها السلام

وردت مجموعة من النصوص الشريفة في كيفية زيارتها عليها السلام وهي كالآتي:

1 - روي أن قبرها عليها السلام عند أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا أردت زيارتها فقف بالروضة وقل:

«السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وآله، والسلام على ابنتك الصديقة الطاهرة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، يا سيدة نساء العالمين، أيتها البتول الشهيدة الطاهرة، لعن الله مانعك إرثك، ودافعك عن حقك، والراد عليك قولك، لعن الله أشياعهم وأتباعهم، وألحقهم بدرك الجحيم، صلى الله عليك وعلى أبيك وبعلك وولدك الأئمة الراشدين وعليهم السلام ورحمة الله وبركاته»(1).

2 - تقول في زيارة فاطمة عليها السلام:

(«السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام عليك أيتها المغصوبة المظلومة، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، أشهد الله ورسوله وملائكته أني راض عمن رضيت عنه، ساخط على من سخطت عليه، متبرئ ممن تبرأت منه، موال لمن واليت، معاد لمن عاديت، مبغض لمن أبغضت، محب لمن أحببت، وكفى بالله شهيدا وحسيبا وجازيا ومثيبا».

ص: 52


1- كتاب المزار للمفيد: ص 179.

ثم تصلي على النبي وعلى الأئمة عليهم السلام)(1).

3 - قيل: ثم زر فاطمة عليها السلام من عند الروضة، واختلف في موضع قبرها، فقال قوم: هي مدفونة في الروضة، وقال آخرون: في بيتها، وقال فرقة ثالثة: هي مدفونة بالبقيع، والذي عليه أكثر أصحابنا أن زيارتها من عند الروضة، ومن زارها في هذه الثلاث المواضع كان أفضل، وإذا وقف عليها للزيارة فليقل:

«يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة، وزعمنا أن لك أولياء ومصدقون وصابرون، لكل ما أتانا به أبوك صلى الله عليه وآله، وأتى به وصيه فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك»(2).

وقد ذكر الشيخ الطوسي رحمه الله إنّ هذه الزيارة مروية عن فاطمة صلوات الله عليها(3).

4 - وأورد الشيخ الصدوق رحمه الله في كتابه من لا يحضره الفقيه كيفية زيارتها في دخول الزائر للروضة النبوية المقدسة مع الآداب الخاصة بهذه الزيارة فقال: (اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام فمنهم من روى أنها دفنت في البقيع ومنهم من روى أناها دفنت بين القبر والمنبر، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال:

«ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة».

ص: 53


1- المصباح للكفعمي: ص 475.
2- مصباح المتهجد: ص 711؛ وسائل الشيعة: ج 14، ص 367؛ التهذيب للطوسي: ج 6، ص 9.
3- المصدر السابق.

لأن قبرها بين القبر والمنبر، ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد وهذا هو الصحيح عندي، وإني لما حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق الله تعالى ذكره، فلما فرغت من زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله قصدت إلى بيت فاطمة عليها السلام وهو من عند الأسطوانة التي تدخل إليها من باب جبرئيل عليه السلام إلى مؤخر الحظيرة التي فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقمت عند الحظيرة ويساري إليها وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وأنا على غسل وقلت:

«السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت صفي الله، السلام عليك يا بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته، السلام عليك يا ابنة خير البرية، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير الخلق بعد رسول الله، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليك أيتها الحورية الإنسية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك، أشهد أنك مضيت على بينة من ربك وأن من سرك فقد سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن جفاك فقد جفا

ص: 54

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن آذاك فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن وصلك فقد وصل رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن قطعك فقد قطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، كما قال عليه أفضل سلام الله وصلواته اشهد الله ورسله وملائكته أني راض عمن رضيت عنه، ساخط على من سخطت عليه، متبرئ ممن تبرأت منه، موال لمن واليت، معاد لمن عاديت، مبغض لمن بغضت، محب لم أحببت، وكفى بالله شهيدا وحسيبا وجازيا ومثيبا.

ثم قلت:

(اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله خاتم النبيين وخير الخلائق أجمعين، وصل على وصيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المسلمين وخير الوصيين، وصل على فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين، وصل على سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وصل على زين العابدين علي بن الحسين، وصل على محمد بن علي باقر علم النبيين، وصل على الصادق عن الله جعفر ابن محمد، وصل على كاظم الغيظ في الله موسى بن جعفر، وصل على الرضا علي بن موسى، وصل على التقي محمد بن علي، وصل على النقي علي بن محمد، وصل على الزكي الحسن بن علي، وصل على الحجة القائم ابن الحسن بن علي، اللهم أحي بن العدل، وأمت به الجور، وزين بطول بقائه الأرض، وأظهر به دينك وسنة نبيك حتى لا يستخفى بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق واجعلنا من أعوانه وأشياعه والمقبولين في زمرة أوليائه يا رب العالمين، اللهم صل على محمد وأهل بيته الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتم تطهيرا)(1).

ص: 55


1- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 2، ص 572-573.

5 - ذكر السيد ابن طاووس رحمه الله زيارة أخرى لها تقرأ في الروضة النبوية المطهرة، فقال: تقول:

«السلام عليك يا بنت (يا ابنة) رسول الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) نبي الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) حبيب الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) خليل الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) أمين الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) خير خلق الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) أفضل أنبياء الله.

السلام عليك يا بنت خير البرية، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير خلقه بعد رسول الله، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، السلام عليك يا أم المؤمنين، السلام عليك يا أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية.

السلام عليك أيتها الصادقة الرشيدة، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة.

السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة، السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة، السلام عليك أيتها الغراء الزهراء، السلام عليك يا فاطمة بنت محمد رسول الله ورحمة الله وبركاته. صلى الله عليك يا مولاتي وابنة مولاي وعلي روحك وبدنك. اشهد انك مضيت على بينة من ربك، وان من سرك فقد سر رسول الله، ومن جفاك فقد جفا رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن آذاك فقد آذى رسول الله، ومن وصلك فقد وصل رسول الله، ومن قطعك فقد قطع رسول الله، لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، كما قال عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام.

ص: 56

اشهد الله وملائكته اني راض عمن رضيت عنه وساخط على من سخطت عليه، ولي لمن والاك، عدو لمن عاداك وحرب لمن حاربك، انا يا مولاتي بك وبأبيك وبعلك والأئمة من ولدك موقن وبولايتهم مؤمن وبطاعتهم ملتزم، اشهد ان الدين دين دينهم، والحكم حكمهم، وانهم قد بلغوا عن الله عز وجل ودعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لا تأخذهم في الله لومة لائم، وصلوات الله عليك وعلى أبيك وبعلك وذريتك الأئمة الطاهرين.

اللهم صل على محمد وأهل بيته، وصل على البتول الطاهرة، الصديقة المعصومة، التقية النقية، الرضية (المرضية)، الزكية الرشيدة، المظلومة المقهورة، المغصوبة حقها، الممنوعة ارثها، المكسور ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها، فاطمة بنت رسول الله، وبضعة لحمه وصميم قلبه، وفلذة كبده، والنخبة منك له، والتحفة خصصت بها وصية وحبيبه المصطفى وقرينه المرتضى، وسيدة النساء ومبشرة الأولياء، حليفة الورع والزهد، وتفاحة الفردوس والخلد، التي شرفت مولدها بنساء الجنة، وسللت منها أنوار الأئمة، وأرخيت دونها حجاب النبوة.

اللهم صل عليها صلاة تزيد في محلها عندك وشرفها لديك ومنزلتها من رضاك، وبلغها منا تحية وسلاما، وآتنا من لدنك في حبها فضا وإحساناً ورحمة وغفرانا، إنك ذو الفضل الكريم»)(1).

6 - وروى الشيخ الطوسي لها زيارة أخرى فقال: (تقف على أحد الموضعين اللذين ذكرناهما وتقول:

«السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا

ص: 57


1- إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: ص 164-165.

بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت صفي الله، السلام عليك يا بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته، السلام عليك يا بنت خير البرية، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته.

صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك، أشهد أنك مضيت على بينة من ربك وأن سرك فقد سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن جفاك فقد جفا رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن آذاك فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن وصلك فقد صول رسول الله صلى الله عليه وآله، من قطعك فقد قطع رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، أشهد الله ورسله وملائكته أني راض عمن رضيت عنه، وساخط على من سخطت عليه ومتبرئ ممن تبرأت منه، موال لمن واليت، معاد لمن عاديت، بغضن لمن أبغضت، محب لمن أحببت، وكفى بالله شهيداً وحسيبا وجازيا ومثيبا».

ثم تصلي على النبي والأئمة عليهم السلام إن شاء الله)(1).

ص: 58


1- التهذيب للشيخ الطوسي: ج 6، ص 10؛ البلد الأمين للكفعمي: ص 278.
المسألة الثانية: الصلاة عليها والطواف عنها
اشارة

تظافرت النصوص في بيان استحباب وفضل الصلاة على النبي وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عن وجوب ذكرها في الصلاة الواجبة اليومية، فمن هذه الأحاديث ما كانت تبين للناس كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها ما كانت تظهر من هم الذين أخصهم الله تعالى بهذه الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهل ينفرد النبي بها؟

فقد أخرج البخاري وغيره (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدى لك هدية سمعتها من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلت بلى، فأهدها لي، فقال سألنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم، قال:

«قولوا اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد»)(1).

فضلاً عن ذلك فقد تظافرت النصوص في تحديد آل البيت ومن هم حينما نزلت آية التطهير وقيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتجليلهم بالكساء وقوله: هؤلاء أهل بيتي، كما مرّ بيانه سابقاً؛ ناهيك عن قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيه المسلمين إلى أهمية وضرورة أن لا يصلوا عليه الصلاة البتراء، فقال

ص: 59


1- صحيح البخاري: ج 12، ص 39، ح 3370؛ صحيح مسلم: ج 1، ص 305، ح 66 (406).

صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء».

قالوا: يا رسول الله، وما الصلاة البتراء؟ قال:

«لا تقولوا: اللهم صلي على محمد وتمسكوا، بل قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد»(1).

فتكون الصلاة على فاطمة من الواجبات في الصلاة المفروضة لأنها من آل محمد فضلاً عن استحباب الصلاة عليها في مختلف الأوقات والأماكن لاسيما الأوقات والأماكن المشرفة والمخصوصة بالذكر والدعاء كمكة والمدينة والمشاهد المقدسة للأئمة المعصومين.

أما كيفية الصلاة عليها وآثارها الغيبية، فيمكن معرفته من خلال النصوص الآتية:

أولاً: كيفية الصلاة عليها

روى الشيخ الطوسي، والسيد ابن طاووس، والشيخ الكفعمي، كيفية الصلاة على فاطمة عليها السلام فقالوا:

1 - الصلاة على السيدة فاطمة عليها السلام:

«اللهم صل على الصديقة فاطمة الزكية، حبيبة حبيبك، ونبيك، أم أحبائك وأصفيائك التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء العالمين، اللهم كن الطالب لها ممن ظلمها واستخف بحقها وكن الثائر، اللهم بدم أولادها، اللهم وكما

ص: 60


1- كشف الغمة للشعراني: ج 1، ص 219، ط المطبعة الميمنية بمصر.

جعلتها أم أئمة الهدى وحليلة صاحب اللواء الكريمة عند الملأ الأعلى فصل عليها وعلى أمها خديجة الكبرى صلاة تكرم بها وجه أبيها محمد صلى الله عليه وآله وتقر بها أعين ذريتها وأبلغهم عني في هذه الساعة أفضل التحية والسلام»(1).

2 - روى السيد ابن طاووس صلاة أخرى، وهي:

«اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، الحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة والثقى، والحبل المتين والصراط المستقيم»(2).

3 - روى الشيخ الكفعمي صلاة أخرى، وهي:

«اللهم صل على فاطمة الطيبة الطاهرة المطهرة، التي انتجبتها وطهرتها وفضلتها على نساء العالمين، وجعلت منها أئمة الهدى، الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، والسلام عليها ورحمة الله وبركاته»(3).

4 - وروى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي فيما يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل يوم من شهر رمضان إن قال:

«اللهم صل على فاطمة بنت نبيك محمد عليه وآله السلام والعن من آذى نبيك فيها»(4).

ص: 61


1- المصباح للشيخ الطوسي: ص 401؛ جمال الأسبوع لابن طاووس: ص 486؛ البلد الأمين للكفعمي: ص 303.
2- جمال الأسبوع: ص 504.
3- البلد الأمين: ص 296.
4- المقنعة للمفيد: ص 331؛ مصباح المتهجد: ص 621.

وأضاف السيد ابن طاووس والشيخ الكفعمي على هذه الصلاة واللعن لأعدائها: (ووال من والاها، وعادي من عاداها، وضاعف العذاب على من ظلمها)(1).

ثانياً: الآثار الغيبية لفضل الصلاة عليها
اشارة

أشارت الروايات الشريفة إلى بيان الآثار التي تنتج عن الصلاة على فاطمة صلوات الله عليها إلى نوعين من الآثار الأخروية، فضلاً عما للمصلي عليها من الحسنات التي تترتب على الصلاة على محمد وآله، وهي كالآتي:

ألف: من صلى عليها كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة

روى الأربلي والمجلسي عن علي أمير المؤمنين عليه السلام عن فاطمة عليها السلام قالت:

«قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة من صلى عليك غفر الله له وألحقه بي حيث كنت من الجنة»(2).

باء: من صلى عليها ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة

روى الشيخ الطوسي عن يزيد بن عبد الملك، عن أبيه عن جده قال: دخلت على فاطمة عليها السلام فبدأتني بالسلام ثم قالت:

«ما غدا بك».

ص: 62


1- إقبال الأعمال: ص 97؛ المصباح للكفعمي: ص 629.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 472؛ مستدرك الوسائل: ج 10، ص 211.

قلت: طلب البركة، قالت:

«أخبرني أبي وهو ذا هو أنه من سلم عليه وعليّ ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة».

قلت لها: في حياته وحياتك ؟ قالت:

«نعم، وبعد موتنا»(1).

ثالثا: الطواف عنها

وقد ورد في الكافي عن الشيخ الكليني في فضل الطواف عنها وما يلحق العامل من الأجر، ما ورد عن الإمام علي الهادي عليه السلام حينما دخل عليه موسى بن القاسم فقال له: (قد أردت أن أطوف عنك، وعن أبيك فقيل لي: إن الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال لي:

«بل طف ما أمكنك فإنه جائز».

ثم قلت له بعد ذلك: بثلاث سنين إني كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء الله ثم وقع في قلبي شيء فعملت به، قال:

«وما هو».

قلت: طفت يوما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ثلاث مرات:

«صلى الله على رسول الله».

ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن عليه السلام والرابع عن الحسين عليها السلام والخامس عن علي بن الحسين عليه السلم

ص: 63


1- تهذيب الأحكام للطوسي: ج 6، ص 9؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 14، ص 367.

والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، واليوم السابع عن جعفر بن محمد عليه السلام واليوم الثامن عن أبيك موسى عليه السلام، واليوم التاسع عن أبيك علي عليه السلام، واليوم العاشر عنك يا سيدي، وهؤلاء الذين أدين الله بولايتهم، فقال:

«إذن والله تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره».

قلت: وربما طفت عن أمك فاطمة عليها السلام، وربما لم أطف فقال:

«استكثر من هذا فإنه أفضل ما أنت عامله إن شاء الله»)(1).

رابعاً: إهداء الصلاة إليها

ذكر الشيخ الطوسي في أعمال يوم الجمعة التنفل بثمان ركعات، أربعاً تهدى إلى رسول الله وأربعاً تهدى إلى فاطمة عليها السلام(2).

وروى السيد ابن طاووس دعاء يقرأ بعد إهدائها عليها الصلاة والسلام صلاة ركعتين بما تيسر من السور، فقال: ما يهديه إلى فاطمة عليها السلام يقول:

«اللهم إن هاتين الركعتين هدية مني إلى الطاهرة المطهرة الطيبة الزكية فاطمة بنت نبيك اللهم فتقبلها مني وأبلغها إياهما عني وأثبني عليهما أفضل أملي ورجائي فيك وفي نبيك صلوات الله عليه وآله ووصي نبيك والطيبة الطاهرة فاطمة بنت نبيك والحسن والحسين سبطي نبيك يا ولي المؤمنين يا ولي المؤمنين يا ولي المؤمنين»(3).

ص: 64


1- الكافي للكليني: ج 4، ص 314؛ التهذيب للطوسي: ج 5، ص 450.
2- مصباح المتهجد: ص 322؛ مهج الدعوات: ص 108.
3- جمال الأسبوع لابن طاووس: ص 17.

الفصل الثاني: فاطمة عليها السلام بعد وفاتها

اشارة

ص: 65

ص: 66

المبحث الأول: التوسل والاستشفاء بها إلى الله تعالى

اشارة

قبل المضي في بيان ما ورد في الأحاديث الشريفة من أدعية وأذكار للتوسل بفاطمة عليها السلام إلى الله تعالى نورد ما جاء في كتب أهل السنة والجماعة من بيان للتوسل بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ونكتفي بذكر حادثة واحدة وقعت في حياته المباركة وتناقلها الرواة وهي تنص على ضرورة التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن ثم بأهل بيته لقضاء الحوائج والأمور المعسرة للدنيا والآخرة.

المسألة الأولى: مشروعية التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته إلى الله تعالى وتقديمه بين يدي الداعي

إن من بين المسائل التي ابتدعها المخالفون لمذهب القرآن والسنة النبوية تحريم التوسل بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وعدوا ذلك من المحرمات التي تجر الداعي والمتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبجاهه عند الله من ضروب الشرك والعياذ بالله.

ص: 67

في حين نجد أن ما جاء في الأثر عنه صلى الله عليه وآله وسلم في جواز، بل بضرورة التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم لحوائج الدنيا والآخرة، ما أخرجه الحافظ النسائي (عن عثمان بن حنيف: أن أعمى قال: يا رسول الله! أدع الله أن يكشف لي عن بصري، قال - صلى الله عليه وآله وسلم -:

«فانطلق، فتوضّأ، ثم صلّ ركعتين، ثم قل: اللهم! إني أسألك وأتوجه إليك بنبيّي محمد، نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربّك أن يكشف عن بصري، اللهم شفعه فيّ ».

قال: فرجع وقد كشف الله عن بصره)(1).

قال الشوكاني: (وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه - وآله - إلى الله عزّ وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المناع، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن)(2).

وأقول: حتى إذا اعتقد أن المعطي هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو جائز، لقوله تعالى:

(هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ )(3).

ص: 68


1- أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة: ح 660؛ وأخرجه أيضا الترمذي: ح 3578؛ وابن ماجه: ح 1385؛ وأحمد: ج 4، ص 138؛ وابن السني في عمل اليوم والليل: ح 638؛ وغيره، وصححه الحاكم: ج 1، ص 313، وص 519، وص 526؛ ووافقه الذهبي، وصححه أيضا الترمذي ابن خزيمة والطبراني.
2- تحفة الذاكرين للشوكاني: ص 212؛ وانظر في جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم: الجوهر المنظم لابن حجر الهيثمي، طبع دار جوامع الكلم؛ تحقيق النصرة للمراغي: ص 144.
3- سورة ص، الآية: 39.

وهو بمعنى أن الله قد أوكل إلى نبيه التصرف فيما أعطاه الله عزّ وجل وأنّه لا يحاسب على المنع أو العطاء. وعليه لا إشكال في الاعتقاد بأن رسول الله هو الذي أعطا وهو الذي منع لأن الله منحه هذا العطاء وخصه بتلك الخصوصية من بين خلقه؛ وإن كل شيء يكون بإذنه ومشيئته سبحانه.

فضلاً عن هذه الواقعة فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة عليهم السلام أحاديث كثيرة ترشد المؤمن إلى أهمية التوسل بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وضرورة القيام به لما يترتب عليه من حفظ العلاقة الإيمانية بما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الكرامة على الله تعالى وإنه الباب المؤتى منه إلى الله تعالى وإن ما يلحق به من التوسل فقد خص الله تعالى به أهل بيته.

1 - عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«قال جابر الأنصاري قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تقول في علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فقال: ذاك نفسي، قلت: فما تقول في الحسن والحسين عليهما السلام ؟ قال: هما روحي، وفاطمة أمهما ابنتي، يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرها، أشهد الله أني حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم؛ يا جابر إذا أردت أن تدعو الله فيستجيب لك فادعه بأسمائه فإنها أحب الأسماء إلى الله عزّ وجل»(1).

2 - عن داود الرقي قال: إني كنت أسمع أبا عبد الله أكثر ما يلح به في الدعاء على الله بحق الخمسة يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام(2).

ص: 69


1- الاختصاص للشيخ المفيد: ص 223؛ مستدرك الوسائل: ج 2، ص 228.
2- الكافي للكليني: ج 2، ص 580؛ وسائل الشيعة: ج 7، ص 97.

3 - عن الرضا عليه السلام أنه قال:

«إذا أنزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا على الله عزّ وجل وهو قوله عزّ وجل:

(وَ لِلّٰهِ اَلْأَسْمٰاءُ اَلْحُسْنىٰ فَادْعُوهُ بِهٰا...)(1)»(2).

4 - عن محمد بن سليمان الديلمي (عن أبيه قال: جاء رجل إلى سيدنا الصادق عليه السلام فقال له: أشكو إليك دينا ركبني، وسلطانا غشمني، فقال:

«إذا جنّك الليل فصل ركعتين اقرأ في الأولى منهما الحمد وآية الكرسي وفي الركعة الثانية الحمد وآخر الحشر لو أنزلنا هذا القرآن على جبل إلى آخر السورة ثم خذ المصحف فدعه على رأسك وقل: (بحق هذا) القرآن، وبحق من أرسله، وبحق كل مؤمن فيه، وبحقك عليهم فلا أحد أعرف بحقك منك، بك يا الله عشر مرات، ثم تقول يا محمد عشر مرات، يا علي عشر مرات، يا فاطمة عشر مرات، يا حسن عشر مرات، يا حسين عشر مرات، يا علي بن الحسين عشر مرات، يا محمد بن علي عشر مرات، يا جعفر بن محمد عشر مرات، يا موسى بن جعفر عشر مرات، يا علي بن موسى عشر مرات، يا محمد بن علي عشر مرات، يا علي بن محمد عشر مرات، يا حسن بن علي عشراً، يا الحجة عشراً، ثم تسأل الله حاجتك».

قال: فمضى الرجل وعاد إليه بعد مدة وقد قضي دينه وصلح له سلطانه وعظم يساره)(3).

ص: 70


1- سورة الأعراف، الآية: 180.
2- مستدرك الوسائل: ج 5، ص 228.
3- وسائل الشيعة: ج 8، ص 125-126.
المسألة الثانية: التوسل والاستغاثة بها إلى الله تعالى
اشارة

إن الروايات الشريفة في مجال الأدعية والأذكار تكاد لا تخلوا من التوسل بالأسماء الخمسة إلى الله تعالى والتوجه بهم إليه سبحانه وتقديمهم بين يدي حاجة الداعي إليه عزّ وجل.

ولو أردنا تتبع هذه الأدعية والأذكار لخرج الكتاب عن عنوانه الذي وضع من أجله.

وعليه:

أولاً: التوسل بها إلى الله تعالى

يمكن لنا أن نورد هنا ما نقله المحدث النوري عن بعض العاصرين له في أهل السنة في كتاب خلاصة الكلام في امراء البلد الحرام، ولبعض العارفين دعاء مشتمل على قوله:

«اللهم رب الكعبة وبانيها، وفاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، نور بصري وبصيرتي، وسري وسريرتي».

وقد جرب هذا الدعاء لتنوير البصر وإن من ذكره عند الاكتحال نور الله بصره(1).

أما ما ورد في دعاء التوسل الذي أورده المحدث الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان لغني عن التعريف والبيان فهو زاد أهل الدعاء إلى الله تعالى.

ص: 71


1- مستدرك الوسائل: ج 1، ص 446.
ثانياً: الاستغاثة بها إلى الله تعالى

ورد أيضاً في كتب الأدعية والأحاديث صيغة أخرى للتوجه بفاطمة عليها السلام إلى الله تعالى في قضاء الحوائج وتيسير الأمور وحل ما تعسر منها.

وذلك من خلال الاستغاثة بها إلى الله تعالى، أي أن تقدم بين يدي الداعي إلى الله تعالى، أو يلتجئ الموالي لها كما يلتجئ العبد المملوك لسيده في الحياة الدنيا للنظر في أمره وقضاء حاجته وكذا حال المؤمن مع سيدته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم. وقد أورد الشيخ الكفعمي صلاة الاستغاثة بها إلى الله تعالى بهذه الكيفية، فقال:

(تصلي ركعتين فإذا سلمت فكبر الله تعالى ثلاثاً، وسبح تسبيح الزهراء عليها السلام، واسجد وقل مائة مرة: يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني، ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل كذلك، ثم عد إلى السجود وقل: كذلك، ثم ضع خدك الأيسر على الأرض وقل كذلك، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة وعشر مرات واذكر حاجتك تقضى)(1).

المسألة الرابعة: الاستشفاء بها

مما ورد في الأحاديث الشريفة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ما جاء بخصوص الاستشفاء ببضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت كالآتي:

1 - روي عن الصادق عليه السلام:

«أن الله عزّ وجل عوض فاطمة عليها السلام من فدك طاعة الحمى لها فأيما رجل

ص: 72


1- البلد الأمين: ص 159؛ مستدرك الوسائل: ج 6، ص 393.

أحبها وأحب ولدها فأصابته الحمى فقرأ ألف مرة قل هو الله أحد، ثم سأل بحق فاطمة عليها السلام زالت عنه الحمى بإذن الله تعالى؛ ومن قرأ إذا جاء نصر الله في نافلة أو فريضة نصره الله على جميع أعدائه»(1).

2 - محمد بن الحسن الصفار يرفعه (قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا محموم فقال لي:

«ما لي أراك ضعيفا».

فقلت: جعلت فداك حمى أصابتني، فقال:

«إذا حم أحدكم فليدخل البيت وحده ويصلي ركعتين ويضع خده الأيمن على الأرض ويقول يا فاطمة بنت محمد - عشر مرات - أستشفع بك إلى الله فيما نزل بين فإنه يبرأ إن شاء الله تعالى»)(2).

3 - روى الطبرسي عن أبي زينب قال: (بينا أنا عند جعفر بن محمد عليه السلام إذ أتاه سنان بن سلمة مصفر الوجه، فقال له:

«ما لك».

فوصف له ما يقاسه من شدة الضربان في المفاصل، فقال:

«ويحك قل اللهم إني أسألك بأسمائك وبركاتك، ودعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك صلى الله عليه وآله وسلم، وبحقه وبحق ابنته فاطمة المباركة، وبحق وصيه أمير المؤمنين، وبحق سيدي شباب أهل الجنة، إلا أذهبت عني شر ما أجد بحقهم بحقهم بحقهم، بحقك يا إله العالمين فو الله ما قام من مجلسه

ص: 73


1- مكارم الأخلاق للطبرسي: ص 366.
2- مكارم الأخلاق: ص 396.

حتى سكن ما به»(1).

4 - عبد الله بن موسى الطبري قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن محمد بن خال البرقي، عن محمد بن سنان السناني، عن المفضل بن عمر قال: شكا رجل من إخواننا إلى عبد الله عليه السلام شكاة أهله من النظرة والعين والبطن والسرة، ووجع الرأس، والشقيقة، وقال يا ابن رسول الله لا تزال ساهرة تصبح الليلة أجمع وأنا في جهد من بكائها وصراخها فمن علينا وعليها بعوذة فقال الصادق عليه السلام:

«إذا صليت الفريضة فابسط يديك جميعاً إلى السماء ثم قل بخشوع واستكانة أعوذ بجلالك وقدرتك وبهائك وسلطانك مما أجد يا غوثي يا الله يا غوثي يا رسول الله يا غوثي يا أمير المؤمنين يا غوثي يا فاطمة بنت رسول الله أغثني أغثني ثم امسح بيدك اليمنى على هامتك وتقول يا من سكن له ما في السماوات وما في الأرض سكن ما بي بقوتك وقدرتك صلى على محمد وآله وسكن ما بي»(2).

المسألة الخامسة: آثار حب آل محمد وبغضهم في الدنيا والآخرة

قبل المضي في بيان آثار حب فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، نشير إلى الروايات الشريفة التي تتحدث عن آثار حب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبغضهم، أي آثار حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين صلوات الله

ص: 74


1- طب الأئمة عليهم السلام: ص 69.
2- فقه الطب - مركز المعجم الفقهي: ج 5، ص 6688؛ بحار الأنوار: ج 92، ص 56.

وسلامه عليهم أجمعين وهي كالآتي:

1 - وجدت في مخطوط بعنوان: رسالة في فضائل أهل البيت عليهم السلام لعبد الله بن عيسى مقطوعة نصية تشير إلى تفرق المسلمين بين محب لأهل البيت عليهم السلام وبين منكر لفضلهم لا يرى لهم شأناً أو منزلاً مجرد قلبه من أنوارهم، مما يدل على أن هذه الطبقية الإيمانية لم تزل موجودة في كل مكان وزمان وأن آثار هذا الحب لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبغضهم كذاك سايرة مع كرور الليالي والأيام.

فجاء في قوله أي: صاحب المخطوط للمنكرين لفضلهم: (قال رجل في بعض المواقف أن أهل البيت النبوية خلقهم الله بعناية فأنكر مقالد بعض الحاضرين وزعم أن اهل البيت كغيرهم من الناس لا فضل لأحد على أحد فطلب مني وجه الصواب فأقول: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم لك الحمد يا من أعليت أهل بيت نبيك علواً كبيراً، أنزلت فيهم:

... إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1).

والصلاة والسلام على رسوله، الذي انحله قربه وأوجب على كافة الخلق حبه وعلى آله أهل بيته، الذين حبهم دليل الإيمان، وانقاصهم رأس الكفر والفسوق والعصيان.

أما بعد: فأعلم رزقني وإياك حب آل محمد وأماتنا على مودتهم التي هي النور المؤيد، إن الله سبحانه اختار نبيه وأهل بيته على ساير العرب والعجم

ص: 75


1- سورة الأحزاب، الآية: 33.

وجعلهم أخص العالم بشرف الأصل والشعب، قال تعالى:

(لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ...)(1).

وقري بفتح الفاء، فأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم من أشرف القبائل، وأحق الخلق بالمعاني والفضايل ولو أردنا أن نعطر السطور بنعوتهم الذكية لملانا بطون الدفاتر ولأقرت بالعجز ألسنة الأقلام وأفواه المحابر وأنى تحصى حق من سهب الكتاب بعلو مقامه.

ونطقت ألسنة العز بوجوب إجلاله واحترامه، ولم تزل العلماء الأعلام وجهابذة كل عصر من أمة الإسلام قعدت لذكرهم فضايلهم الفصول والأبواب، بل توالف في مناقبهم الكتاب بعد الكتاب فليس يخلوا من فضلهم كتاب من كتب الهداية أما بالتضمن أو بالاستقلال كما صنعه الكثير من أرباب الدراية هذا مع توسط الدولة الأموية وتهافتهم على إطفاء أنوارهم المحمدية فكم جهدوا في تكتيم ما أراد الله ظهوره:

(... وَ يَأْبَى اَللّٰهُ إِلاّٰ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ...)(2).

ففضايلهم كالشمس وضوحاً وهل تنكروا وسط النهار بوحاً وإذا سمعت منكراً للشمس وسط النهار فذاك محصولا العمى، لكنا لسنا بصدد الشرف وتطييب الأرجا بعرف بشرها، اكتفا بما ضمته بطون الأسفار وتضمنته صدور الأخبار لا رغبة عن التلذذ مكرر ذكرهم ولا محد الشموس أنوارهم ولا غمطا يرهم وكيف

ص: 76


1- سورة التوبة، الآية: 128.
2- سورة التوبة، الآية: 32.

ووصفهم أبهى ما إليه الروح يتطلع وحبهم أشهر ما منه القلب يتضلع وذكرهم هو المسك ما كررته يتضرع وهم الأحباب الذين محامدهم على ممر الدهور محلوه.

ومحاسنهم على ألسن الزمان متلوه وعلى تفنن اوصفيه بوصفه يغني الزمان وفيه ما لم يوصف لكن ليس المراد إلا كشف الصواب ودفع ضرر هذه الأوصاب وإلقام هذا النالح الحجر وأهان هذا الأكمه الذي لا يعرف القمر وإبانة جهل تلك المقالة انجذاب قايلها إلى درك الضلالة.

رجاء أن ينتفع بهذا الرقيم من ينظره ونصراً لله ولرسوله ولينصر الله من ينصره، وإن كنت لست بأهل لأن تجري بيدي الأقلام أو لتسود وجوه الطبروس مقالتي حيث ليس لي بالعلم المام، لكن حملتني قوة الغيرة على الآل الأطايب وجرأتني محبتهم والمحب لا يبالي بارتكاب المواطب فإن أجبت فببركة آل محمد وإن أخطأت فغير عجيب أن يخطئ الجهول(1).

ولا شك أن هذه الغيرة التي دفعت عبد الله بن عيسى إلى الرد على الناكر لفضل أهل البيت كاشفاً عن حبهم ونصرهم وهذا له من الآثار العديدة في الدنيا والآخرة، والتي نصت عليها الأحاديث الشريفة.

2 - أخرج أحمد بن حنبل في المسند عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«من مات على شيء بعثه الله عليه»(2).

ص: 77


1- رسالة في فضائل أهل البيت عليهم اللام لعبد الله بن عيسى بن محمد بن حسين (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق، الشام، يحمل الرقم (15467).
2- مسند أحمد: ج 3، ص 314؛ مستدرك الحاكم: ج 4، ص 313.

وهذا يدل على أن من مات على حب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو على بغضهم بعثه الله على هذا الحب أو البغض.

3 - عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«أنا وفاطمة وعلي مجتمعون، ومن أحبنا يوم القيامة نأكل ونشرب حتى يفرق بين العباد».

فبلغ ذلك رجلاً من الناس، فقال: كيف بالعرض والحساب ؟، قال: كيف بصاحب سرّحين أدخل الجنة من ساعته(1).

4 - روى الشيخ المفيد عن جعفر بن محمد عليه السلام قال:

«بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر إذ نزل فسجد خمس سجدات فلما ركب قال له بعض أصحابه رأيناك يا رسول الله صنعت ما لم تكن تصنعه، قال: نعم أتاني جبرئيل فبشرني أن عليا في الجنة فسجدت شكرا لله تعالى؛ فلما رفعت رأسي، قال: وفاطمة في الجنة فسجدت شكراً لله تعالى؛ فلما رفعت رأسي، قال: والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فسجدت شكرا لله تعالى، فلما رفعت رأسي، قال: ومن يحبهم في الجنة فسجدت لله تعالى شكرا، فلما رفعت رأسي، قال: ومن يحب من يحبهم في الجنة فسجدت شكراً لله تعالى»(2).

5 - روى أحمد في المسند، عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«من أحبني وهذين وأباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم

ص: 78


1- المعجم الكبير للطبراني: ج 3، ص 41؛ اتحاف السائل للمناوي: ج 1، ص 9.
2- الأمالي للمفيد: ص 21.

القيامة»(1).

6 - عن أبي سعيد الخدري، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على منبر:

«ما بال رجال يقولون إن رحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينفع يوم القيامة! بلى، والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرط لكم على الحوض، فإذا جئتم قال رجل: يا رسول الله أنا فلان بن فلا، ن وقال أخوه: أنا فلان بن فلان؛ فأقول لهم: أما النسب فقد عرفته، ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقري»(2).

7 - عن زيد بن علي عن أبيه عليه السلام قالوا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«والذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتى يأكل من ثمار الجنة أو من شجرة الزقوم، وحين يرى ملك الموت يراني ويرى عليا وفاطمة وحسناً وحسيناً عليهم السلام فإن كان يحبنا قلت يا ملك الموت ارفع به إنه كان يحبني ويحب أهل بيتي وإن كان يبغضنا قلت يا ملك الموت شد عليه إنه كان يبغضني ويبغض أهل بيتي»(3).

ص: 79


1- مسند أحمد: ج 1، ص 245، برقم 576، ط عالم الكتب، أخرجه الترمذي، برقم (3733).
2- مسند أحمد: ج 3، ص 18؛ المستدرك للحاكم: ج 4، ص 74؛ مجمع الزوائد: ج 1، ص 364؛ مسند الموصلي: ج 2، ص 434؛ تفسر ابن كثير: ج 3، ص 267؛ فتح القدير للشوكاني: ج 3، ص 502؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 347؛ سبل الهدى للصالحي: ج 11، ص 3.
3- بشارة المصطفى: ص 25؛ البحار: ج 6، ص 194.

8 - أخرج الحاكم النيسابوري، عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار»(1).

9 - روى ابو هريرة انه سجد رسول الله بخمس سجدات بلا ركوع فقلنا له في ذلك فقال:

«أتاني جبرئيل فقال إن الله يحب عليا فسجدت فرفعت رأسي فقال إن الله يحب الحسن فسجدت فرفعت رأسي فقال إن الله يحب الحسين فسجدت، ورفعت رأسي ثم قال: إن الله يحب فاطمة فسجدت، ثم قال إن الله يحب من أحبهم فسجدت»(2).

10 - موسى بن علي القرشي قال: حدثني قنبر بن أحمد بن قنبر مولى علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال: حدثني كعب بن نوفل عن بلال بن حمامة قال: طلع علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ووجهه مشرق كدارة القمر فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله ما هذا النور، فقال:

«بشارة أتتني من عند ربي في آخي وابن عمي وابنتي وإن الله تعالى قد زوج عليا عليه السلام بفاطمة وأمر رضوان خازن الجنة فهز شجرة طوبى فحملت رقاعا استوت القيامة بأهلها نادت المالئكة في الخلائق يا محبو علي بن أبي طالب هلموا خذوا ودائعكم فلا يبقى محب لنا أهل البيت إلا دفعت الملائكة إليه صكا فيه فكاكا من النار من الرجال والنساء بعوض حب علي بن أبي طالب وفاطمة

ص: 80


1- مستدرك الحاكم: ج 11، ص 24، ح 4700.
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهر: ج 3، ص 326.

ابنتي وأولادهما»(1).

11 - وقد أخرج الثعلبي مسنداً عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«من مات على حب آل محمد مات شهيدا»(2).

وبهذا القدر كفاية لبيان الآثار التي تترتب على حب آل البيت عليهم السلام وبغضهم وأنها من أهم السنن الإلهية تأثيراً على حياة الإنسان الدنيوية والأخروية.

أما ما يختص بفاطمة صلوات الله عليها من آثار كونية نابعة عن سنة حبها وبغضها، فقد كشف الروايات عن جملة من هذه الآثار، وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة.

المسألة السادسة: آثار حب فاطمة عليها السلام

إن ما تمتاز به سُنّة حب فاطمة من الآثار على حياة الإنسان الدنيوية والأخروية هو أن هذه السُنّة والحكمة في ذلك هو أن تجري في الخلق قبل أن تولد فاطمة عليها السلام، وهو ماجرى فعلاً في الملائكة حينما ابتلاها الله تعالى بالظلمة

ص: 81


1- مئة منقبة لابن شاذات القمي: ص 166؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج 1، ص 206؛ فضائل أمير المؤمنين عليه السلام: ص 105.
2- تفسير الثعلبي: ج 8، ص 314؛ تفسير الكشاف للزمخشري: ج 3، ص 467؛ المحرر الوجيز لابن عطيبة الأندلسي: ج 5، ص 34؛ تفسير الرازي: ج 27، ص 165؛ تفسير ابن عربي: ج 2، ص 219؛ تفسير القرطبي: ج 16، ص 23؛ تفسير الثعالبي: ج 5، ص 157؛ الدر النظيم لابن أبي حاتم: ص 772؛ تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 3، ص 239.

ثم أخرج لها نور فاطمة فأضاءت السماوات والأرض وسبحت الملائكة لله تعالى حينما رأت هذا النور الأزهر، فسميت عندها بالزهراء كما مر بيانه سابقا.

بمعنى: أن سُنّة حب فاطمة جرت في الملائكة قبل خلق آدم وذريته ليبتلوا بهاوتجري فيهم آثارها، وهو ما دلت عليه الأحاديث التالية.

1 - عن أبي بصير قال: سأل جابر الجعفي أبا عبد الله عليه السلام عن تفسير قوله تعالى:

(وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرٰاهِيمَ )(1).

فقال عليه السلام:

«إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم كشف له عن بصره فنظر فرأى نوراً إلى جانب العرش فقال: إلهي ما هذا النور، قيل له هذا نور علي بن أبي طالب عليه السلام ناصر ديني ورأى إلى جنبه ثلاثة أنوار فقال: إلهي وما هذه الأنوار، فقيل له هذا نور فاطمة فطمت محبها من النار ونور ولديها الحسن والحسين عليهم السلام.

فقال: إلهي وأرى تسعة أنوار قد حفوا بهم، قيل يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة، فقال: إلهي وسيدي أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصى عددهم إلا أنت قيل يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. فقال إبراهيم عليه السلام: وبما يعرف شيعته قال بصلاة الإحدى وخمسين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والقنوت قبل الركوع والتختم باليمين»(2).

ص: 82


1- سورة الصافات، الآية: 83.
2- مستدرك الوسائل: ج 4، ص 187؛ جامع أحاديث الشيعة: ج 5، ص 133.

2 - وروى الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما سمّيت ابنتي فاطمة لأن الله فطمها وفطم من أحبها من النار»(1).

3 - عن محمد بن مروان (عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«أتدري ما تفسير حي على خير العمل ؟».

قلت: لا، قال:

«دعاك إلى البر أتدري بر من ؟».

قلت: لا، قال:

«دعاك إلى بر فاطمة وولدها عليهم السلام»)(2).

4 - عن عبد الله بن مسعود (عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«أتاني جبرائيل عليه السلام ويقول: يا محمد إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك اقرء مني على فاطمة السلام وقل لها لا يدخل الجنة امرء في قلبه من بغضكي ذرة، ولا يدخل النار في قلبه من حبكي ذرة»)(3).

5 - عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 83


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 46.
2- معاني الأخبار: ص 41؛ قريب منه عن الصادق عليه السلام: فلاح السائل: ص 148؛ التوحيد: ج 241؛ مستدرك الوسائل: ج 4، ص 70.
3- فضائل العشرة (مخطوط) تأليف أبي العباس أحمد بن الحسن الكنكشي، يرقد هذا المخطوط في مكتبة الأسد ويحمل الرقم: 12990.

«يا سلمان من أحب فاطمة فهو في الجنة معي ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت، والقبر، والميزان، والحشر، والصراط، والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبت عليه ومن غضبت عليه غضب الله عليه، وويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليا عليه السلام وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها»)(1).

المسألة السابعة: آثار بغض فاطمة عليها السلام

أما الآثار المترتبة على الإنسان في سُنّة بغض فاطمة عليها السلام فقد دلت عليها الأحاديث الشرفة الآتية:

1 - عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«يا علي إن الله تعالى زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض فمن مشى عليها مبغضا لها مشى حراماً»(2).

2 - روى علي بن يونس: (إن أبا سعيد الخدري كان يحدث بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«من أحب أن يلقى الله وهو عليه غضبان، فليبغضن عليا وفاطمة عليهما السلام».

فمنعه أبو بكر من الحديث)(3).

ص: 84


1- إرشاد القلوب: ج 2، ص 294.
2- المناقب لابن شهر: ج 3، ص 351؛ الطرائف: ج 1، ص 254.
3- الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي: ج 3، ص 107.

3 - روى الحر العاملي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال:

«إياكم وذكر علي وفاطمة؛ فإن الناس ليس شيء أبغض إليهم من ذكر علي وفاطمة»(1).

والحديث يكشف عن تردي وضع الإنسان وانحرافه العقائدي بفعل مجموعة من العوامل النشوئية والأسرية والإعلامية مما أدى إلى تكوين هذه العقيدة المنحرفة بين الناس فكانت النتائج لهذه السنّة يتحدث عنها حالهم في الدنيا وسوء منقلبهم في الآخرة.

ص: 85


1- وسائل الشيعة: ج 16، ص 238.

المبحث الثاني: كيف انقلب الذين ظلموا فاطمة عليها السلام في آخر حياتهم، وما هي عاقبتهم ؟

اشارة

إن الناظر إلى الحياة وما يحيط بالإنسان من مظاهر حياتية يجدها قائمة على مجموعة من السنن والقوانين الإلهية التي سخرها الله تعالى لغرض قيام الحياة واستمرار النمو فيها.

إلاّ أن هذه السنن التي قدرها الله تعالى فجعل الحياة تجري تبعاً لها في نظام وتوازن كي تدوم المعيشة كذاك جعل للجانب الإيماني من الإنسان سنناً وقوانينا مثلما جعل له في الجانب المعيشي في الحياة.

ومن هذه السنن والقوانين ما مرّ ذكره في المبحث السابق في بيان آثار حب فاطمة عليها السلام وبغضها وكيف وجدنا سعة هذه الآثار لتشمل الدار الدنيا والآخرة.

ص: 86

وهنا:

نجد أيضاً أن من السنن التي كانت على تماس بالإنسان وتلاصق حياته ومعيشته هي سنة العدل والظلم، فمثلما كان للعدل آثاراً على الحياة ومعيشة الإنسان كذاك يكون حال الظلم فله سنة تجري على الإنسان في الدنيا والآخرة.

ومنها سنة ظلم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بشكل خاص، وبالأخص سنة ظلم فاطمة عليها السلام وذلك أن الروابط التي تتصل بفاطمة كثيرة وآثار هذه الروابط كثيرة أيضاً.

ففاطمة عليها السلام يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.

وفاطمة قلب النبي وروحه التي بين جنبيه التي يؤلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يؤلمها ويبسط النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسره ما يبسطها، فضلاً عن اتصالها بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وولديها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأولادها من ذرية الحسين عليهم السلام وصولاً إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

ومن ثم فإن ظلمها هو ظلم لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين، وإن الآثار التي تنجم عن هذا الظلم في تأثيرها عظيمة على حياة الإنسان المعيشية وتحديد عاقبته الحياتية ومصيره الأخروي.

وهو ما كشفت عنه الروايات، ونصت عليه الأحاديث، ونحن: إذ نورد هذه الروايات والأحاديث كي يلتفت القارئ الكريم إلى خطورة ظلم فاطمة عليها السلام وعظيم شأنها ومنزلتها.

ص: 87

المسألة الأولى: ظهور الفتن وشمول الذين رضوا بظلم فاطمة عليها السلام بها
أولا: القتل والاغتصاب في بيت من المسلمين في ليلة واحدة

إن أول مظهر من مظاهر عاقبة الذين ظلموا فاطمة عليها السلام هي وقوع السيف بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك حينما قام أبو بكر بتجهيز جيش بقيادة خالد بن الوليد لإجبار المسلمين على بيعته بحجة ارتداد هؤلاء عن الإسلام أو امتناعهم من إعطاء الزكاة إلى السلطة الجديدة.

فكان ما كان من أمر خالد بن الوليد وقتله للمسلمين لاسيما قتله لمالك بن النويرة والمبيت مع زوجة مالك في نفس الليلة التي قتل خالد فيها زوجها(1).

والسؤال المطروح: ماذا سمي هذا المبيت هل هو اغتصاب أم زواج مدني أم نكاح جاهلي أم زنى لا أحد يعلم ما كانت الشريعة التي اتبعها خالد بن الوليد آنذاك سوى الذي نصبه قائداً على الجيش ولذلك لم يعاقبه.

ثانيا: عمر بن الخطاب يغتال سيد الأنصار سعد بن عبادة بعد حادثة السقيفة

إن من الآثار التي ظهرت في الأمة بعد قيامها بظلم فاطمة بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وظلم بعلها علي بن أبي طالب عليه السلام، هو وقوع القتل لسيد الأنصار سعد بن عبادة الذي جلس في سقيفة بني ساعدة يتفاوض في أمر البيعة والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي لم يحرك ساكناً

ص: 88


1- مرآة الجنان لليافعي: ج 1، ص 55. الإيضاح للفضل بن شاذان: ص 134. الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 1362. فتوح البلدان للبلاذري: ج 1، ص 117.

وهو يرى انتهاك حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما اقتحم عمر بن الخطاب بيت فاطمة عليها السلام بعد أن أضرم النار فيه.

هذا السكوت عن الظلم وترك نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرضه وحرمته كان نتائجه أن يقتل سعد بن عبادة غيلة بسهم أصابه من رجل بعثه إليه عمر بن الخطاب كمرحلة من مراحل الإنقلاب وتصفية رموز المعارضة.

فعن ابي المنذر هشام بن محمد الكلبي، قال:

(بعث عمر رجلاً إلى الشام فقال: أدْعه إلى البيعة، واحمل له بكل ما قدرت عليه، فقدم الرجل الشام، فلقيه بحوران في حائط(1)، فدعاه إلى البيعة، فقال: لا أبايع قرشياً أبداً.

قال: فإني أقاتلك: وإن قاتلتني.

قال: أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة ؟

قال: أما البيعة فأنا خارج؛ فرماه بسهم، فقتله.

وعن ميمون بن مهران عن أبيه قال: (رمي سعد بن عبادة في حمّام بالشام فقتل).

وعن ابن سيرين قال: رمي سعد بن عبادة بسهم فوجد دفينا في جسده، فمات؛ فبكته الجنّ فقالت:

وقتلنا سيد الخزْ *** رج سعد بن عبادة

ص: 89


1- الحائط: البستان.

ورميناه بسهمي - *** - ن فلم نخطئ فؤاده(1)

ولا يخفى على أهل البحث والفكر أن هذين البيتين إنما قيلا كي يضيع معهما دم سعد بن عبادة فتقيد الجريمة ضد مجهول؛ وتبرء ساحة عمر بن الخطاب الذي كان الباعث والمدبر لوقوع هذه الجريمة؛ أو لعل عمر كان له أعواناً من الجن ينفذون أوامره بقتل المخالفين له سواء كانوا من المهاجرين أم من الأنصار وإنهم، أي هؤلاء الجن كانوا يحسنون الرمي وقول الشعر ليكون فعل الجن يشد الانتباه أكثر من وقوع الجريمة فيشغل الرواة بالجن ويتركون الضحية كما وقع لسعد بن عبادة زعيم الأنصار وسيدهم!!

ثالثاً: عثمان بن عفان يكشف عن بطش عمر بن الخطاب بالصحابة فلم يتمكنوا من الاعتراض عليه

لا شك أن الساكت عن الظلم كالعامل به، ولا شك أن آثار الظلم لتسري في المجتمع كما يسري النار في الهشيم، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تحويلا ولا تجد لها تبديلا.

فالذين سكتوا عن ظلم فاطمة عليها السلام ورضوا بفعل عمر بن الخطاب ابتلاهم الله بعمر بن الخطاب فأذاقهم الذل كما أخبر بذلك الخليفة الثالث للمسلمين عثمان بن عفان فقال:

(إن لكل شيء آفة وإن لكل نعمة عاهة وإن عاهة هذا الدين عيابون ظنانون يظهرون لكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون يقولون لكم وتقولون طغام مثل النعام يتبعون أول ناعق أحب مواردهم إليهم النازح.

ص: 90


1- العقد الفريد لابن عبد البر الأندلسي: ج 2، ص 74، وج 4، ص 259-260.

لقد أقررتم لابن الخطاب بأكثر مما نقمتم عليّ ولكنه وقمكم وقمعكم وزجركم جزر النعام المخزمة والله إني لأقرب ناصراً وأعز نفراً وأقمن - إن قلت - هلم - أن تجاب دعوتي من عمر هل تفقدون من حقوقكم شيئاً فما لي لا أفعل في الحق ما أشاء إذا فلم كنت إماما)(1).

وله موقف آخر مع الصحابة وأبنائهم حينما أراد توسعة مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له مروان بن الحكم:

(فداك أبي وأمي أمر خير لو فعلته ولم تذكر لهم، فقال ويحك! إني أكره أن يروا إني استبدّ عليهم بالأمور، فقال مروان: فهل رأيت عمر حيث بناه وزاد فيه ذكر ذلك لهم ؟ فقال: أسكت إن عمر اشتد عليهم فخافوه، حتى لو أدخلهم حُجْرَ ضبٍّ دخلوا، وإني لنت لهم حتى أصبحت أخشاهم، قال مروان بن الحكم: فداك أبي وأمي لا يُسمع هذا منك فيجترأ عليك)(2).

رابعاً: عائشة تألب الناس على عثمان بن عفان

لعل الناظر إلى الفترة الزمنية التي أعقبت وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمحصورة في زمن الخلفاء الثلاثة يجد أن زمن الخليفة الثالث من أكثر الأزمنة ظهوراً للتناحر بين الرعية والخليفة لاسيما وإن هذا الزمن قد شهد الظهور الأول لتحرك عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأكثر من اتجاه؛ منها ما كان

ص: 91


1- إعجاز القرآن للباقلاني: ص 216-217، ط دار المعارف بمصر؛ البيان والتبيين للجاحظ: ج 1، ص 377.
2- وفاء الوفاء: ج 2، ص 252، ط مؤسسة الفرقان.

برواية الحديث والإفتاء، ومنها ما كان في الجانب السياسي، والتدخل في شؤون السلطة وتكفير الخليفة ووصفه بالخروج عن السنة ومحو الشريعة.

إذ كانت في زمن عثمان بن عفان (تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشعره، وتقول: هذا قميصه وشعره لم يبليا، وقد بلي دينه، أقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلا)(1).

(وكانت عائشة بمكة، خرجت قبل أن يقتل عثمان، فلما قضت حجها انصرفت راجعة، فلما صارت في بعض الطريق لقيها ابن أم كلاب، فقالت له: ما فعل عثمان ؟ قال: قتل! قالت: بعدا وسحقاً! قالت: فمن بايع الناس ؟ قال: طلحة، قالت: أيها ذو الإصبح.

ثم لقيها آخر، فقالت: ما فعل الناس ؟ قال: بايعوا علياً.

قالت: والله ما كنت أبالي أن تقع هذه على هذه، ثم رجعت إلى مكة، وأقام علي أياماً، ثم أتاه طلحة والزبير فقالا: إنا نريد العمرة، فأذن لنا في الخروج.

وروى بعضهم أن علياً قال لهما، أو لبعض أصحابه:

«والله ما أرادا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة».

فلحقا عائشة بمكة فحرضاها على الخروج، فأتت أم سلمة بنت ابي أمية، زوج رسول الله، فقالت: إن ابن عمي وزوج أختي أعلماني أن عثمان قتل مظلوماً، وأن أكثر الناس لم يرض ببيعة علي، وأن جماعة ممن بالبصرة قد

ص: 92


1- تجارب الأمم لابن مسكويه الرازي: ج 1، ص 469؛ تاريخ أبي الفداء: ج 1، ص 172؛ أخبار الدول للقرماني: ج 1، ص 271.

خالفوا، فلو خرجت بنا لعل الله أن يلم أمر أمة محمد على أيدينا؟

فقالت لها أم سلمة: إن عماد الدين لا يقام بالنساء، حماديات النساء غض الأبصار، وخفض الأطراف، وجر الذيول.

إن الله وضع عني وعنك هذا، ما أنت قائلة لو أن رسول الله عارضك بأطراف الفلوات قد هتكت حجابا قد ضربه عليك ؟ فنادى مناديها: إلا إن أم المؤمنين مقيمة، فأقيموا.

وأتاها طلحة والزبير وأزالاها عن رأيها، وحملاها على الخروج، فسارت إلى البصرة مخالفة على علي، ومعها طلحة والزبير في خلق عظيم، وقدم يعلى بن منية بمال من مال اليمن قيل: إن مبلغه أربعمائة ألف دينار، فأخذه منه طلحة والزبير، فاستعانا به، وسارا نحو البصرة.

ومر القوم في الليلة بماء يقال له: مر الحوأب، فنبحتهم كلابه، فقالت عائشة: ما هذا الماء؟ قال بعضهم: ماء الحوأب، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! ردوني ردوني! هذا الماء الذي قال لي رسول الله: لا تكون التي تنبحك كلاب الحوأب، فأتاها القوم بأربعين رجلاً، فأقسموا بالله أنه ليس بماء الحوأب)(1).

فأحدث هذا الخروج شرخاً عميقاً في صرح الإسلام لم تزل الأمة تدفع ضريبته من دماء المسلمين ولن ينتهي، وذلك أن سنة ظلم فاطمة صلوات الله عليها لم تتغير ولم تتبدل حتى يغير الله تعالى حال الأمة.

ص: 93


1- تاريخ اليعقوبي: ج 1، ص 178.
المسألة الثانية: كيف انقلب قادة الهجوم على دار فاطمة عليها السلام وحرقه
اشارة

ذكرنا في الجزء السابق في مبحث ظلامة فاطمة عليها السلام قدوم عمر بن الخطاب بعصابة من المسلمين فجمعوا الحطب ووضعوه حول دارها، ثم هددها عمر بن الخطاب بحرق دارها بمن فيه إم لم يخرج هؤلاء الذين تخلوا من بيعة أبي بكر؛ وفي الدار: كانت فاطمة والحسن والحسين وعلي عليهم السلام الذين جللهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالكساء وقال:

«هؤلاء أهل بيتي؛ إني سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم».

فماذا كانت عاقبتهم وكيف انتهت حياة هؤلاء القادة الذين أحرقوا بيت النبوة، وقتلوا بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأسقطوا جنينها.

أولاً: كيف كانت عاقبة أبي بكر في آخر حياته وماذا قال في احتضاره ؟

اختلفت الروايات في كيفية موت ابي بكر، فمنها ما جعلت سبب الوفاة فنسبته إلى دس السم إليه فقضى مسموما(1)؛ ومنها ما قيل: إنه توفي بالسّل(2).

ومنها ما قيل: إنه مرض بسبب لسعة الحية التي لسعته ليلة الغار(3).

لكن الأشهر عند المؤرخين، إنه مات مسموماً، وقد احتضر فدخل عليه عبد الرحمن بن عوف فسمع منه اعترافه وندمه على ما فعل ببيت فاطمة وكم تمنى أنه لم يقتحم هذا الدار ولم يؤمر باقتحامه(4).

ص: 94


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 1، ص 395.
2- تاريخ القضاعي: ص 277؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 64؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3، ص 198؛ تاريخ القرماني: ج 1، ص 281.
3- الفخري في الآداب السلطانية: ج 1، ص 34.
4- السقيفة وفدك للجوهري: ص 43؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2، ص 47.
ثانياً: كيف كانت عاقبة عمر بن الخطاب في آخر حياته؛ وماذا قال في احتضاره

قبل وصول عمر بن الخطاب إلى اللحظات الأخيرة من عمره كان له موقفاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله فيما مضى وقد سأله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حاله في القبر وحظور الملكان إليه ليسألانه عن التوحيد والنبوة والإمامة فما كان جوابه.

قال عمر، قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«كيف أنت إذا كنت في أربع أذرع في ذراعين، ورأيت منكراً ونكيراً؟».

قال: قلت يا رسول الله وما منكر ونكير؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم:

«فتانا القبر يبحثان الأرض بأنيابهما، يطآن في أشعارهما، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يطيقوا رفعها، هي أيسر عليهما من عصاي هذه».

قلت: يا رسول الله وأنا على حالي هذه ؟ قال:

«نعم».

قلت: أكفيكهما(1).

والسؤال المطروح لماذا يتوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسؤال إلى عمر عن حال القبر وحضور منكراً ونكيراً ويصفهما له ومن ثم يبيّن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بناءً على سؤاله أنه على حاله هذه فقد كفيهما لكنه بعد ترويعه لفاطمة بتهديها في حرق دارها بمن فيه وهم أولادها وزوجها ونفسها، أي

ص: 95


1- الدر المنثور للسيوطي: ج 4، ص 82. كنز العمال للهندي: ج 15، ص 741.

القضاء على أهل البيت النبوي وابادتهم، ولم يثنه شيء من حرقه لبيت النبوة واقتحامه له وقتله للمحسن وأمه وترويع الحسن والحسين عليهما السلام قطعاً قد تغير حاله، هذا الحال الجديد في القبر أخبر عنه عمر بن الخطاب حينما رآه أحد الناس في المنام بعد قتله على يد أبي لؤلؤة وكان قد طعنه في بطنه فبقرها.

إنها حالاً جديدة قال عنها ابن الخطاب: حينما سئل في الرؤيا: (كاد يُثَلُّ عرشي) وهو مثل يضرب للرجل إذا ذل وهلك(1).

أما حاله في الاحتضار فقد أخبر عنها البخاري عن المسور بن مخرمة، إنه قال: (إنّ عمر لما طعن جعل يألم، فقال له ابن عباس وكأنّه يجزّعه فرد عليه عمر قائلاً:

وأما ماترى من جزعي، فهومن أجلك وأجل أصحابك، ووالله لو أن طلاع الأرض لي ذهباً لافتديت به من عذاب الله من قبل أن أراه)(2).

وكان يقول:

وقد أخذ تبنة من الأرض: يا ليتني كنت هذه التبنة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أكن شيئاً، ليتني كنت نسياً منسياً)(3).

فهذه حال عمر بن الخطاب في اللحظات الأخيرة من حياته وعند احتضاره وانتقاله إلى الآخرة.

ص: 96


1- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 1، ص 220، ط دار إحياء التراث.
2- صحيح البخاري، باب مناقب المهاجرين: ج 4، ص 201.
3- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3، ص 360؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 10، ص 437.
ثالثاً: عاقبة الذين ظلموا فاطمة في البرزخ

روى الشيخ المفيد، (عن عبد الله بن بكر الأرجاني قال: صحبت أبا عبد الله عليه السلام في طريق مكة من المدينة فنزل منزلاً يقال له عسفان ثم مررنا بجبل أسود على يسار الطريق وحش، فقلت: يا ابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق جبلاً أوحش منه، فقال:

«يا ابن بكر تدري أي جبل هذا؟».

قلت: لا، قال:

«هذا جبل يقال له الكمد، وهو على واد من أودية جهنم، فيه قتلة ابي الحسين بن علي عليهما السلام استودعوه جري من تحته مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم الآن، وما يخرج من جهنم، وما يخرج من الفلق، وما يخرج من آثام، وما يخرج من طينة خبال، وما يخرج من لظى، وما يخرج من الحطمة، وما يخرج من سقر، وما يخرج من الجحيم، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السعير.

وما مررت بهذا الجبل قط في مسيري فوقفت إلاّ رأيتهما يستغيثان بي ويتضرعان إليّ (1)، وإني لأنظر إلى قتلة أبي فأقول لهما إن هؤلاء إنما فعلوا بنا ما فعلوا لما أسستما لم ترحمونا لما وليتم وقتلتمونا وحرمتمونا ووثبتم على حقنا واستبددتم بالأمر دوننا فلا رحم الله من يرحمكما، - بما - صنعتما وما الله بظلام للعبيد وأشدهما تضرعا واستكانة الثاني فربما وقفت عليهما ليتسلى عني بعض ما يعرض في قلبي وربما طويت الجبل الذي هما فيه وهو جبل الكمد».

قلت: جعلت فداك فإذا طويت الجبل فما تسمع ؟ قال:

ص: 97


1- أي: اللذان ظلما علي وفاطمة وولديهما الحسن والحسين عليهم السلام.

«أسمع أصواتهم ينادون: عرج إلينا نكلمك، فإنا نتوب؛ وأسمع صارخاً من الجبل يقول: لا تكلمهم وقل لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون».

قلت: جعلت فداك ومن معهم ؟ قال:

«كل فرعون عتا على الله وحكى الله عنه فعاله، وكل من علم العباد الكفر».

قلت: من هم ؟ قال:

«نحو قورس الذي علم اليهود أن عزيراً ابن الله، ونحو نسطور الذي علم النصارى أن المسيح ابن الله، وقال لهم هم ثلاثة، ونحو فرعون موسى الذي قال أنا ربكم الأعلى، ونحو نمرود الذي قال قهرت أهل الأرض، وقتلت من في السماء، وقاتل أمير المؤمنين عليه السلام وقاتل فاطمة عليها السلام، وقاتل المحسن، وقاتل الحسن والحسين عليهما السلام، فأما معاوية وعمرو بن العاص فما يطمعان في الخلاص، ومعهم كل من نصب لنا العداوة وعاون علينا بلسانه ويده».

قلت: جعلت فداك إلى أين منتهى هذا الجبل ؟ قال:

«إلى الأرض السادسة وفيها جهنم وهو على واد من أوديتها عليها ملائكة حفظة أكثر من نجوم السماء وقطر المطر وعدد ماء البحار، وعدد الثرى، وقد وكل الله كل ملك منهم بشيء فهو مقيم عليه لا يفارقه»)(1).

وإذا كان هذا حال الظالمين لعترة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في البرزخ فإن حالهم في الآخرة لأشد عذاب وأخزى، فقد روي أن الله تعالى أول ما يحكم بين المحسن وقاتله يوم القيامة كما سيأتي في رابعاً.

ص: 98


1- الاختصاص للمفيد: ص 343-344.
رابعاً: عاقبة الذين قتلوا المحسن بن علي عليهما السلام في يوم القيامة

روى السيد شرف الدين الاسترآبادي في تأويل الآيات، فقال:

(فأول من يحكم فيهما محسن بن علي وفي قاتله، ثم في قنفذ فيؤتيان هو وصاحبه ويضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وضع على جبال الدنيا لذابت حتى يصير رمادا فيضربان بها، ثم يجثوا أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي الله للخصومة مع الرابع ويدخل الثلاثة في جب فيطبق عليهم لا يراهم أحد ولا يرون أحداً فعندها يقول الذين في ولايتهم:

(... رَبَّنٰا أَرِنَا اَلَّذَيْنِ أَضَلاّٰنٰا مِنَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ نَجْعَلْهُمٰا تَحْتَ أَقْدٰامِنٰا لِيَكُونٰا مِنَ اَلْأَسْفَلِينَ )(1).

فيقول الله عزّ وجل:

(وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ اَلْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي اَلْعَذٰابِ مُشْتَرِكُونَ )(2).

فعند ذلك ينادون بالويل والثبور ويأتيان الحوض يسألان عن أمير المؤمنين عليه السلام ومعهما حفظة فيقولان اعف عنا واسقنا وخلصنا فيقال لهما:

(فَلَمّٰا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ قِيلَ هٰذَا اَلَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ )(3).

يعني بإمرة المؤمنين ارجعوا ظماء مظمئين إلى النار فما شرابكم إلا الحميم والغسلين وما تنفعكم شفاعة الشافعين)(4).

ص: 99


1- سورة فصلت، الآية: 29.
2- سورة الزخرف، الآية: 39.
3- سورة الملك، الآية: 27.
4- تأويل الآيات الظاهرة: ص 883؛ تفسير كنز الدقائق للقمي: ص 534.
المسألة الثالثة: كيف انقلب الذين ظلموا فاطمة عند حوض الكوثر في يوم القيامة
اشارة

لعل المتأمل في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حول الحوض ليجدها تركز على مسألة واحدة وهي تحذير الأمة من التعرض لحرمة أهل البيت عليهم السلام وخطورة ما سيتلقاه المسلم في الحياة الدنيا والآخرة من ظلمهم والتعدي عليهم وسلب حقهم وحق مواليهم وشيعتهم، وهي كالآتي:

1 - أخرج البخاري عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إليّ رجل منكم حتى إذا هيت لأنا ولهم اختلجوا دوني فأقول أي رب أصحابي، يقول لا تدري ما أحدثوا بعدك»(1).

2 - عن عطاء بن ياسر عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:

«بينما أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال هلم.

فقلت: أين ؟ قال: إلى النار والله.

قلت: وما شأنهم ؟

قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم.

قلت: أين ؟ قال: إلى النار والله.

قلت: ما شأنهم ؟

ص: 100


1- صحيح البخاري، كتاب الرقاق: ج 7، ص 206؛

قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم»(1).

3 - أخرج البخاري: عن سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله سلم يقول:

«أنا فرطكم على الحوض من ورده منكم شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم»(2).

4 - وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول وهو بين ظهْراني أصحابه:

«إني على الحوض من يرد عليّ منكم، فو الله ليقطعن دوني رجالٌ فلأقولن: أي ربّ مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم»(3).

5 - وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:

«إني ممسك بحجزكم عن النار هلم عن النار وتغلبونني تقاحمون فيه تقاحم الفراش أوالجنادب فأوشك أن أرسل بحجزكم وأنا فرطكم على الحوض فتردون عليّ معا وأشتاتا فأعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله ويذهب بكم ذات الشمال وأناشد فيكم رب العالمين فأقول أي رب أمتي، فيقول: يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم

ص: 101


1- صحيح البخاري، كتاب الرقاق: ج 7، ص 209.
2- صحيح البخاري: كتاب الفتن: ج 8، ص 87؛ صحيح مسلم، باب: إثبات الحوض: ج 7، ص 65.
3- صحيح مسلم: ج 4، ص 1794، كتاب الفضائل باب إثبات الحوض حديث 28-(2249).

كانوا يمشون بعدك القهقري على أعقابهم فلا أعرفن أحدكم يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء فينادي يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغتك فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيراً له رغاء فينادي يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغتك فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغتك فلا أعرفن أحدكم يوم القيامة يحمل سقاء من أدم ينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك شيئاً قد بلغتك»(1).

6 - عن عبد الرحمان بن عوف، فقال: لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مكة انصرف إلى الطائف فحاصرها سبع عشرة، أو ثمان عشرة، فلم يفتحها، ثم ارتحل روحه، أو غدوة فنزل، ثم هجر، ثم قال:

«أيها الناس إني فرط لكم وأوصيكم بعترتي خيراً، وإن موعدكم الحوض»(2).

7 - وقالت أسماء بنت أبي بكر، قال رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم:

«إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا رب مني، ومن أمتي، فقال: أما شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم، قال فكان ابن مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن عن ديننا»(3).

ص: 102


1- صحيح الترغيب والترهيب للألباني: ج 1، ص 92، ح 784.
2- المصنف لابن أبي شيبة: ج 8، ص 128.
3- صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب: إثبات الحوض: ج 4، ص 1794، ح 2293.
أولاً: صحة أحاديث الحوض والإيمان به فرض

إن الاعتقاد بالحوض ووقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسقي من خلص إيمانه بيده، ويد وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام؛ ومن ثم فإن حقيقة انقلاب كثير من الصحابة الذين لم يخلص منهم عند الحوض إلاّ مثل همل النعم - وهو العدد القليل جداً - وذلك لإرتدادهم وانقلابهم على دينهم وإتباعهم للمحدثات التي أوجدوها في الشريعة وأمروا الناس باتباعها وغير ذلك مما مرّ ذكره ونصت عليه الأحاديث الصحيحة التي أخرجها البخاري ومسلم كاشفة عن هذه الحقائق التي لا يردها إلاّ من أنكر ضرورة من ضرورات الدين والعياذ بالله.

وعليه: فإن مصير الذين ظلموا العترة المحمدية، وقتلوا البضعة النبوية ليذادون يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار إلى جهنم بصريح الحديث النبوي وتخريج البخاري في صحيحه.

ولعل: هذا الأمر لا يروق لمن يتولى أبي بكر وعمر وعصابتهما التي أحرقت بيت النبوة وقتلت البضعة النبوية فينكران الحوض والأحاديث الواردة فيه، ونحن نرجع من أنكر الحوض وأحاديثه التي تكشف عاقبة من ظلم العترة وشيعتهم ما قاله علماء السنة والجماعة.

قال الحافظ النووي في شرحه لأحاديث صحيح مسلم:

(قال القاضي عياض رحمه الله أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأول ولا يختلف فيه؛ قال القاضي: وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من

ص: 103

الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن عمر، وأبي سعيد، وسهل بن سعد، وجندب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة، وأم سلمة، وعقبة بن عامر، وابن مسعود، وحذيفة، وحارثة بن وهب، والمتورد، وأبي ذر، وثوبان، وأنس، وجابر بن سمرة؛ ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر، وزيد بن أرقم، وأبي أمامة، وعبد الله بن زيد، وأبي برزة، وسويد بن جبلة، وعبد الله بن الصنابحي، والبراء بن عازب، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بنت قيس وغيرهم.

قلت - والقول للنووي - ورواه البخاري، ومسلم أيضاً، من رواية أبي هريرة، ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب، وعائذ بن عمرو، وآخرين، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهي في كتابه (البعث والنشور) بأسانيده وطرقه المتكاثرات؛ قال القاضي: وفي بعض هذه ما يقتضي كون الحديث متواتراً:

«أنا فرطكم على الحوض».

قال أهل اللغة: الفرط والفارط هو الذي يتقدم الواردين ليصلح لهم الحياض والدلاء ونحوها من أمور الاستقاء، فمعنى فرطكم على الحوض سابقكم إليه كالمهيئ له)(1).

ثانياً: إن أحاديث الحوض متواترة عند أهل السنة والجماعة

فضلاً عما ذكره الحافظ النووي في وجوب الإيمان بالحوض، فقد تناول عدد من علماء أهل السنة والجماعة ذكرها واقروا بأنها من الأحاديث المتواترة وهذه أقوالهم:

ص: 104


1- شرح صحيح مسلم للنووي: ج 5، ص 53؛

1 - أبو عمر ابن عبد البر، قال:

(تواتر الآثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحوض، حمل أهل السنة والحق، وهم الجماعة، على الإيمان به وتصديقه).

2 - القاضي عياض، قال:

(وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة).

3 - الحافظ ابن حجر العسقلاني، قال:

(وبلغني إن بعض المتأخرين أوصلها إلى رواية ثمانين من الصحابة).

4 - البيضاوي، قال:

(الحوض على ظاهره عند أهل السنة، وحديثه متواتر يجب الإيمان به).

5 - القرطبي، قال:

(أحاديث الحوض متواترة).

6 - الحافظ السيوطي قال:

(من الأحاديث المتواترة، وذكر في كتابه قطف الأزهار المتناثرة خمسين صحابياً رووا هذه الأحاديث.

7 - الكناني قال:

(من الأحاديث المتواترة، وذكر سبعة وخمسين صحابياً لهم رواية في الحوض أو الكوثر)(1).

ص: 105


1- ما روي في الحوض والكوثر لابن مخلد القرطبي: ص 18-19.

من هنا:

نجد أن اهتمام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المنزل الأخروي متلاصقاً مع حقيقة الإيمان ونتيجة الأعمال وكشف الحقائق وارتباطه وملازمته لموقف الأمة من عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم الثقل الأصغر بعد القرآن اللذان أوصا الأمة باتباعهما وملازمتهما، وكان يوصي أمته بهما حتى آخر حياته كما دلت عليه الرواية التي أخرجها ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري، قال:

(بينما نحن جلوس في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المرض الذي توفي فيه عاصباً رأسه بخرقة يمشي حتى قام على المنبر فلما استوى عليه، قال:

«والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة»)(1).

فهذه الساعة تحددت فيها مصائر كثير من الصحابة في تعاملهم مع رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعترته عليهم السلام.

ص: 106


1- المصنف لابن ابي شيبة: ج 7، ص 413؛ مسند أحمد: ج 3، ص 91؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 4، ص 282؛ منتخب مسند عبد بن حميد: ص 299؛ ما روي في حوض الكوثر لابن مخلد القرطبي: ص 81.

المبحث الثالث: حضورها عند وفاة المسلمين من أعدائها وشيعتها ساعة الاحتضار

اشارة

مثلما كان لأعداء فاطمة صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها عاقبة ينظرون إليها فيذمون من ظلمهم، ولعلهم لا يدركهم الندم فسرعان ما يرون العذاب:

(وَ قٰالَ اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهٰارِ إِذْ تَأْمُرُونَنٰا أَنْ نَكْفُرَ بِاللّٰهِ وَ نَجْعَلَ لَهُ أَنْدٰاداً وَ أَسَرُّوا اَلنَّدٰامَةَ لَمّٰا رَأَوُا اَلْعَذٰابَ وَ جَعَلْنَا اَلْأَغْلاٰلَ فِي أَعْنٰاقِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّٰ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ )(1).

كذاك شيعة فاطمة عليهم السلام ينظرون في عاقبة أمرهم فيفرحون بما تفضل الله عليهم به من الفوز بالجنة فتكون فاطمة عليها السلام عندهم كما ستكون عند أبنائها، وكما كانت عند أمير شيعتها ومواليها، كما نصت الرواية على حظورها عند استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة.

ص: 107


1- سورة سبأ، الآية: 33.
المسألة الأولى: رؤية أمير المؤمنين علي عليه السلام عند احتضاره لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عليها السلام

روى الزمخشري عن أسماء بنت عميس، أنها قالت:

(أنا لعند علي بن أبي طالب - عليه الصلاة والسلام - بعد ما ضربه ابن ملجم، إذ شهق شهقة ثم أغمي عليه، ثم أفاق فقال:

«مرحباً، مرحباً، الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة».

فقيل له:

ما ترى ؟

قال:

«هذا رسول الله، وأخي جعفر، وعمي حمزة، وأبواب السماء مفتحة، والملائكة ينزلون يسلمون عليّ ويبشرون، وهذه فاطمة قد طاف بها وصائفها من الحور، وهذه منزلي في الجنة، لمثل هذا فليعمل العاملون»)(1).

وأي موعظة أعظم من هذه فشتان بين هذا الاحتضار الذي شهده أمير المؤمنين وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين الاحتضار الذي شهده الظالمون الذي ظلموا علي وفاطمة عليهما السلام ويكفي بهما مرشداً لمن أراد أن تكون عاقبته وموالاته لأحد المشهدين:

احتضار علي بن أبي طالب عليه السلام، أم احتضار أبي بكر وعمر بن الخطاب ؟

ص: 108


1- ربيع الأبرار للزمخشري: ج 1، ص 438.
المسألة الثانية: رؤية المؤمن لفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عند لحظات احتضاره

تضافرت الأحاديث الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في بيان حال المؤمن عند الاحتضار ساعة خروج الروح؛ ويا لها من ساعة ليس لها مثيل في حياة الإنسان؛ وما أشد جزعه وعجزه وخوفه وحاجته إلى من ينقذه من هول ما يرى.

لكنه لم يزل ينظر يميناً وشمالاً فيرى رحمة ربه قد أحاطت به، ورأى ملائكة ربه قد ابتسمت له تبشره بحسن المنقلب والفوز بالجنة والنجاة من العذاب؛ هكذا حال من كان من شيعة فاطمة صلوات الله عليها وهو ما أخبرت عنه الروايات الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام فكانت كالآتي:

1 - روى الشيخ الكفعمي عن عبد الحميد بن عواض قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«إذا بلغت نفس أحدكم هذه، قيل له: أما ما كنت تحذر من هم الدنيا وحزنها فقد أمنت منه، ويقال له: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي عليه السلام، وفاطمة عليهم السلام أمامك»(1).

2 - روى الكليني عن يونس بن ظبيان، قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال:

«ما يقول الناس في أرواح المؤمنين».

فقلت: يقولون تكون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش، فقال

ص: 109


1- كتاب الكافي للكليني: ج 3، ص 134.

أبو عبد الله عليه السلام:

«سبحان الله المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير يا يونس، إذا كان ذلك أتاه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين، عليهم السلام والملائكة المقربون، عليهم السلام؛ فإذا قبضه الله عزّ وجل صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا»)(1).

3 - روى الشيخ الطوسي عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر الباقر، عن جعفر الصادق عليهما السلام، إنهما قال:

«حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة، حتى ترى محمداً، وعلياً، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً عليهم السلام، بحيث تقر عينها، أو تسخن عينها، فانتشر هذا القول في الناس، فشهد جنازته والله الموافق والمفارق»(2).

4 - روى فرات الكوفي عن أبي بصير قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك يستكره المؤمن على خروج نفسه، قال: فقال:

«لا والله».

قال: قلت: وكيف ذاك، قال:

«إن المؤمن إذا حضرته الوفاة حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين، وجميع الأئمة، عليهم الصلاة والسلام؛ ويحضره جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل عليهم السلام».

ص: 110


1- كتاب الكافي للكليني: ج 3، ص 245.
2- أمالي الطوسي: ص 628؛ كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 414.

قال:

«فيقول أمير المؤمنين عليه السلام: يا رسول الله إنه كان ممن يحبنا ويتولانا فأحبه».

قال:

«فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا جبرئيل إنه كان ممن يحب علياً وذريته فأحبه».

قال:

«فيقول جبرئيل عليه السلام لميكائيل وإسرافي مثل ذلك».

قال:

«ثم يقولون جميعاً لملك الموت إنه كان يحب محمداً وآله ويتولى علياً وذريته فارفق به».

قال:

«فيقول ملك الموت: والذي اختاركم وكرمكم واصطفى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وخصه بالرسالة لأنا أرفق به من والد رفيق وأشفق من أخ شفيق».

ثم مال إليه ملك الموت فيقول له:

يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك أخذت رهان أمانك.

فيقول: نعم، فيقول: فبماذا؟ فيقول: بحبي محمداً وآله، وبولايتي عليا وذريته، فيقول: أما ماكنت تحذر فقد آمنك الله منه، وأما ما كنت ترجو فقد أتاك الله به افتح

ص: 111

عينيك فانظر إلى ما عندك، قال فيفتح عينيه فينظر إليهم واحدا وحدا ويفتح له باب إلى الجنة فينظر إليها، فيقول له: هذا ما أعد الله لك وهؤلاء رفقاؤك أفتحب اللحاق بهم أو الرجوع إلى الدنيا».

قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام:

«أما رأيت شخصته ورفع حاجبيه إلى فوق من قوله لا حاجة لي على الدنيا ولا الرجوع إليها ويناديه مناد من بطنان العرش يسمعه ويسمع من بحضرته:

(يٰا أَيَّتُهَا اَلنَّفْسُ اَلْمُطْمَئِنَّةُ )(1).

إلى محمد ووصيه والأئمة من بعده.

(اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً ...)(2).

بالولاية (بولاية علي).

(... مَرْضِيَّةً ).

بالثواب.

(فَادْخُلِي فِي عِبٰادِي)(3).

مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام).

(وَ اُدْخُلِي جَنَّتِي)(4).

ص: 112


1- سورة الفجر، الآية: 27.
2- سورة الفجر، الآية: 28.
3- سورة الفجر، الآية: 29.
4- سورة الفجر، الآية: 30.

غير مشوبة»)(1).

ولم يقتصر حظورها عليها السلام عند وفاة أحد من شيعتها وإنما كذاك عند احتضار أحد من أعدائها، بل قد مر علينا من خلال الحديث الثالث عن الإمامين الصادقين عليهما السلام قولهما:

«حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة، حتى ترى محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام».

وهذا ينص بوضوح على رؤية جميع بني آدم من المسلمين وغيرهم من رؤية محمد وعترته أهل بيته الذين جللهم بالكساء اليماني ونزل فيهم قوله تعالى:

(... إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(2).

لكن المشهد والحال عند المسلمين يختلف عند حال غيرهم في ساعة الاحتضار والوفاة، وكذاك حال المسلمين أنفسهم ساعة الاحتضار لتختلف بين الموالي والمشايع لمحمد وأهل بيته عليهم السلام؛ وبين المعادي والناصب لهم العداء، والمخالف لهم في عقيدته وفرائضه وإيمانه؛ فكيف يكون حال الإثنين عند الاحتضار، حال المحب الموالي المشايع لأهل البيت عليهم السلام، وحال المعادي والناصبي والمخالف لهم عليهم السلام ؟ سؤال يجيب عليه الإمام الصادق عليه السلام كما في المسألة القادمة.

ص: 113


1- تفسير فرات الكوفي: ص 553-554.
2- سورة الأحزاب، الآية: 33.
المسألة الثالثة: هل يتساوى المؤمن والمنافق المعادي لفاطمة في رؤيتها عند الاحتضار وما هو حالهما؟

يروي الشيخ الكليني رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام يقول لشيعته:

«منكم والله يقبل، ولكم والله يغفر، إنه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور، وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه ها هنا».

وأومأ بيده إلى حلقه، ثم قال:

«إنه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وجبرائيل وملك الموت عليهم السلام فيدنو منه علي عليه السلام فيقول: يا رسول الله، إن هذا كان يحبنا أهل البيت فأحبه، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه ويقول جبرئيل لملك الموت: إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه وأرفق به، فيدنو منه ملك الموت.

فيقول: يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟ قال: فيوفقه الله عز وجل فيقول: نعم فيقول: وما ذلك ؟ فيقول: ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، فيقول: صدقت، أما الذي كنت تحذره فقد آمنك الله منه، وأما الذي كنت ترجوه فقد أدركته، أبشر بالسلف الصالح مرافقة رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة عليهما السلام ثم يسل نفسه سلا رفيقا.

ثم ينزل بكفنه من الجنة، وحنوطه من الجنة بمسك أذفر، فيكفن بذلك الكفن ويحنط بذلك الحنوط ثم يكسى حلة صفراء من حلل الجنة، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها وريحانها، ثم يفسح له

ص: 114

عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره، ثم يقال له: نم نومة العروس على فراشها، أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ورب غير غضبان.

ثم يزور آل محمد في جنان رضوي فيأكل معهم من طعامهم، ويشرب من شرابهم، ويتحدث معهم في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبون زمرا زمرا، فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المحلون وقليل ما يكونون، هلكت المحاضير ونجى المقربون من أجل ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام:

أنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام.

قال: وإذا احتضر الكافر، حضره رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي عليه السلام، وجبرئيل عليه السلام، وملك الموت عليه السلام، فيدنو منه علي عليه السلام، فيقول: يا رسول الله إن هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله، يا جبرئيل: إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه، فيقول جبرئيل: يا ملك الموت إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه وأعنف عليه، فيدنو منه ملك الموت، فيقول: يا عبد الله أخذت فكاك رهانك، أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا فيقول: لا، فيقول: أبشر يا عدو الله بسخط الله عز وجل وعذابه والنار، أما الذي كنت تحذره فقد نزل بك، ثم يسل نفسه سلا عنيفا، ثم يوكل بروحه ثلاثمائة شيطان كلهم يبزق في وجهه ويتأذى بروحه، فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار فيدخل عليه من قيحها ولهبها»)(1).

ص: 115


1- الكافي للكليني: ج 3، ص 131-132.
المسألة الرابعة: إنها تتولى تغذية أطفال شيعتها إذا توفوا

لم يتوقف عطف فاطمة صلوات الله عليها ورأفتها بشيعتها فهي بين تفريجها لكربهم في الحياة الدنيا وتأمينها خوف المحتضر عند الوفاة منهم إلى توليها تغذية أطفالهم الذين يتوفاهم الله فلم يكملوا رضاعهم.

1 - فعن ابي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:

«إذا مات طفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات والأرض ألا إن فلان بن فلان قد مات فإن كان مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه، وإلا دفع إلى فاطمة عليها السلام تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته فتدفعه إليه»(1).

2 - روى القمي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله، قال:

«إن أطفال شيعتنا من المؤمنين تربيهم فاطمة عليها السلام»(2).

ص: 116


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 3، ص 490.
2- تفسير القمي: ج 2، ص 332؛ البحار للمجلسي: ج 5، ص 289.

المبحث الرابع: علاقتها الخاصة بزائر الإمام الحسين عليه السلام

اشارة

إن من الخصائص التي اختص بها زائر الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء هو العناية الكبيرة والمنزلة الجليلة التي تتكون لديه عند مواظبته لزيارة سيد الشهداء عليه السلام لاسيما عند بضعة النبوة وبقية الرسالة فاطمة الزهراء عليها السلام، فضلاً عما يناله الباكي عليه والمعزي لفاطمة عليها السلام من الأجر والثواب.

وهو ما دلت عليه النصوص الشريفة الواردة عن الأئمة عليهم السلام والتي سنعرض لها من خلال المسائل الآتية:

المسألة الأولى: إن البكاء على الحسين عليه السلام يدخل السرور على فاطمة عليها السلام

لم تزل فاجعة كربلاء ومصيبة العترة في يوم عاشوراء حينما قتل سيد شباب أهل الجنة وأولاده وسبيت بناته وأخواته، لم نزل أعظم ما نزل بأهل البيت عليهم السلام من المصائب والرزايا.

ص: 117

وقد دلت الروايات الشريفة على أن فاطمة عليها السلام تبكي ولدها الحسين وهي في روضتها الفردوسية، وإن المؤمن إذا زار قبر ولدها الحسين فإنه يدخل السرور عليها.

فعن أبي بصير قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام أحدثه فدخل عليه ابنه فقال له:

«مرحبا».

وضمه وقبله وقال:

«حقر الله من حقركم وانتقم ممن وتركم وخذل الله من خذلكم ولعن الله من قتلكم وكان الله لكم ولياً وحافظا وناصرا، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء».

وقال:

«يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إن فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لو لا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيحفظونها (فيكبحونها) ما دامت باكية ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة الزهراء وإن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض وما منها قطرة إلا بها ملك موكل.

فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا وما فيها ومن على الأرض فلا تزال الملائكة مشفقين يبكونه لبكائها

ص: 118

ويدعون الله ويتضرعون إليه ويتضرع أهل العرش ومن حوله وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة على أهل الأرض ولو أن صوتا من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض وتقطعت الجبال وزلزلت الأرض بأهلها».

قلت: جعلت فداك إن هذا الأمر عظيم، قال:

«غيره أعظم منه ما لم تسمعه».

ثم قال لي:

«يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليها السلام».

فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق وما قدر على كلامي من البكاء ثم قام إلى المصلى يدعو فخرجت من عنده على تلك الحال فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم وأصبحت صائما وجلا حتى أتيته فلما رأيته قد سكن سكنت وحمدت الله حيث لم تنزل بي عقوبة)(1).

2 - عن زرارة قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام:

«يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين عليه السلام أربعين صباحاً بالدّم وإن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد وإنّ الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة وإنّ الجبال تقطعت وانتثرت وإنّ البحار تفجّرت وإنّ الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام وما اختضبت منّا امرأة ولا ادّهنت ولا اكتحلت ولا رجّلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد لعنه الله وما زلنا في عبرة من بعده وكان جدّي عليه السلام إذا ذكره بكى حتى

ص: 119


1- كامل الزيارات لابن قولويه: ص 170.

تملأ عيناه لحيته وحتّى يبكي لبكائه رحمة له من رآه وإنّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسماء من الملائكة إلى أن ذكر عليه السلام غيظ جهنّم على قاتليه».

وقال:

«وإنّها لتبكيه وتندبه وإنها لتتلظى على قاتله ولولا من على الأرض من حجج الله لنقضت الأرض وأكفأت ما عليها وما تكثر الزلازل إلاّ عند اقتراب الساعة وما عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه وما من باك يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدّى حقّنا وما من عبد يحشر إلاّ وعيناه باكية إلاّ الباكين على جدّي الحسين عليه السلام فإنّه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور بيّن على وجهه والخلق في الفزع وهم آمنون والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء يوم الحساب يقال لهم ادخلوا الجنّة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه وإنّ الحور لترسل إليهم إنا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسه عليه السلام من السرور والكرامة الخير»)(1).

المسألة الثانية: إن زائر الحسين عليه السلام يدخل السرور على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عليها السلام

فضلاً عما ذكرته الأحاديث السابقة من بيان لفضل الباكي على الحسين عليه السلام وماله من الأجر والثواب عند الله تعالى وما له من الآثار في إسعاد رسول

ص: 120


1- مستدرك الوسائل للمحدث النوري: ج 10، ص 313.

الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عليها السلام ومواساة أهل البيت عليهم السلام؛ فإن زيارته في كربلاء لها من الأجر ما هو أعظم وأجزل ثواباً، كما دلت عليه النصوص الآتية:

1 - عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله عليه السلام ونحن في طريق المدينة إلى أن قال:

قلت له: فمن يأتيه زائر، ثم متى يعود إليه، وفي كم يؤتى، وفي كم يسع الناس تركه، قال:

«أما القريب فلا أقل من شهر، وأما البعيد الدّار ففي كل ثلاث سنين، فما جاز الثلاث سنين فقد عق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقطع رحمه إلاّ من علة ولو يعلم الزائر للحسين عليه السلام ما يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفرح، وإلى أمير المؤمنين، وإلى فاطمة، وإلى الأئمة عليهم السلام والشهداء منا أهل البيت، وما ينقل به من دعائهم له، وما له في ذلك من الثواب في العاجل والآجل والمذخور له عند الله، لأحب أن يكون ما ثم داره ما بقي؛ وإنّ زائره ليخرج من رحله فما يقع قدمه على شيء إلا دعا له، فإذا وقعت الشمس عليه أكلت ذنوبه كما تأكل النار الحطب، وما تبقي الشمس عليه من ذنوبه شيئاً، فينصرف وما عليه ذنب، وقد رفع له من الدرجات ما لا يناله المتشحط في دمه في سبيل الله، ويوكّل به ملك يقوم مقامه، ويستغفر له، حتى يرجع إلى الزيارة، أو يمضي ثلاث سنين أو يموت»)(1).

ص: 121


1- المصدر السابق.

2 - عن زرارة عن الباقر والصادق عليهما السلام قال:

«ما في الأرض مؤمنة إلاّ وقد وجب عليها أن تسعد فاطمة عليها السلام في زيارة الحسين عليه السلام»(1).

المسألة الثالثة: إن فاطمة تدعو لزائر الحسين عليه السلام وتستغفر له

لا شك حينما يكون الزائر لقبر سيد الشهداء عليه السلام قد أدخل السرور على فاطمة عليها السلام فقد استوجب منها تكرماً وتفضلاً أن تكافئ الزائر، فكانت مكافئتها كالآتي:

1 - عن داود بن كثير عن أبي عبد الله قال:

«إن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحضر لزوار قبر ابنها الحسين عليهما السلام فتستغفر لهم ذنوبهم»(2).

2 - عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

قال لي:

«يا معاوية، لا تدع زيارة قبر الحسين عليهم السلام لخوف فإن من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده، أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والأئمة عليهم السلام»(3).

ص: 122


1- مستدرك الوسائل: ج 10، ص 259.
2- كامل الزيارة لابن قولويه: ص 118.
3- مستدرك الوسائل: ج 10، ص 278.
المسألة الرابعة: منزلة زائر الحسين عليه السلام في الآخرة وعلاقته بفاطمة عليها السلام

لابد للإنسان أن يسعى في إحراز رضا الله ورضا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته لينال بذاك ما أعده الله تعالى من النعيم والكرامة لمن أحرز هذه الدرجة؛ وقد دلت الروايات الشريفة على أن المؤمن يمكن له أن ينال ذلك من خلال السعي لزيارة سيد الشهداء عليه السلام وهو مؤمنا بما أوجب الله تعالى عليه من حقهم وطاعتهم والتمسك بهديهم.

وهو ما نص عليه حديث فاطمة عليها السلام حينما سألتها إحدى النساء - التي أرسلها زوجها إلى فاطمة عليها السلام لتسألها عنه إن كان من شيعتهم أم لا؟ فقالت:

«قولي له: إن كنت تعمل بما أمرناك، وتنتهي عما زجرناك عنه فأنت من شيعتنا، وإلاّ فلا»(1).

وعليه:

فمن كان يعمل بما أمروه به عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وينتهي عما زجروه عنه وقصد زيارة سيد الشهداء عليه السلام له من الدرجة الرفيعة التي لا ينالها إلاّ من جمع هذه الشروط والتي أظهرتها الأحاديث الشريفة فكانت كالآتي:

1 - عن أسامة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«من أراد أن يكون في جوار نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وجوار علي وفاطمة

ص: 123


1- تفسير الإمام العسكري: ص 308.

عليهما السلام فلا يدع زيارة الحسين عليه السلام»(1).

2 - وروى الحر العاملي، (عن ذريع عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«والله إن الله يباهي بزائر الحسين والوافد إليه الملائكة المقربين وحملة عرشه فيقول لهم: أما ترون زوار قبر الحسين عليه السلام أتوه شوقا إليه وإلى فاطمة، وعزّتي وجلالي وعظمتي لأوجبن لهم كرامتي (ولأحبنهم لمحبتي)»(2).

3 - وبإسناده عن أبي بصير قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام (أو) أبا جعفر عليه السلام يقول:

«من أحب أن يكون مسكنه الجنة ومأواه الجنة فلا يدع زيارة المظلوم».

قلت: من هو؟ قال:

«الحسين بن علي صاحب كربلاء من أتاه شوقاً إليه وحباً لرسول الله وحباً لفاطمة وحباً لأمير المؤمنين عليهم السلام أقعده الله على موائد الجنة يأكل معهم والناس في الحساب»)(3).

4 - روى ابن قولويه في العلاء (عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين زوار الحسين بن علي ؟ فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا الله تعالى، فيقول لهم: ما أردتم بزيارة قبر الحسين عليه السلام ؟ فيقولون: يا رب أتيناه حبا لرسول الله، وحبا لعلي، وفاطمة، ورحمة له مما ارتكب منه، فيقال لهم: هذا محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فألحقوا بهم فأنتم معهم في

ص: 124


1- وسائل الشيعة للعاملي: ج 4، ص 425؛ كامل الزيارة: ص 137.
2- وسائل الشيعة: ج 14، ص 497.
3- كامل الزيارة لابن قولويه: ص 137.

درجتهم، ألحقوا بلواء رسول الله فينطلقون إلى لواء رسول الله فيكونون في ظله واللواء في يد علي عليه السلام حتى يدخلون الجنة جميعا فيكونون أمام اللواء وعن يمينه وعن يساره ومن خلفه»(1).

والأحاديث في فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام لكثيرة جداً لا يسعها المقام إلا أننا أوردنا بعضها مما له علاقة بفاطمة صلوات الله عليها على نحو الاستشهاد في ذلك لنبين ما للزائر من خصوصية خاصة عند بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة.

ص: 125


1- كامل الزيارة: ص 141.

المبحث الخامس: الأخذ بثأرها عند ظهور ولدها المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

اشارة

إن من المسائل التي ارتبطت ببضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام هو اختصاصها بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في أكثر من عنوان كما يستفاد من الأحاديث الشريفة.

1 - فالمهدي من ولد فاطمة فاختص بها من حيث النسبة ولم يختص بعلي أمير المؤمنين عليه السلام أو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على الرغم من كونهما جداه.

فكان ذكره مرادفاً، بل وملازماً لذكر فاطمة عليها السلام.

2 - إن المهدي هو الذي ينتقم لأمه فاطمة عليها السلام من أعدائها فرداً فرداً، على الرغم من كثرة أبناء فاطمة صلوات الله عليها سواء كانوا من الأئمة أو سواء كانوا من أبناء الأئمة، إذ الجميع هم معنيون بظلامة جدتهم فاطمة عليها السلام.

وعليه: سنورد أولاً ما ورد من الأحاديث الشريفة حول اختصاص المهدي بفاطمة عليهما السلام ومعرفة السبب في ذلك.

ص: 126

المسألة الأولى: اختصاص ذكر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بفاطمة عليها السلام

تضافرت النصوص من طرق عديدة لدى العامة أتباع الصحابة، والخاصة أتباع أهل البيت عليهم السلام في ذكر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ونصت على التلازم في ذكره مع أمه فاطمة صلوات الله عليها والحكمة في ذلك.

1 - لبيان أن الأئمة كلهم من نسل علي وفاطمة عليهما السلام.

2 - إن نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة عليها السلام لقوله:

«كل بني أم ينتمون لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأنا أبيهم وعصبتهم»(1).

3 - لبيان أن عددهم ثابت وهم اثنا عشر إماماً؛ فقد روى الحر العاملي عن جابر بن عبد الله، أنه رأى قدّام فاطمة عليها السلام لوحاً يكاد ضوؤه يغشي الأبصار فيه اثنا عشر اسماً قال: فقلت أسماء من هؤلاء قالت:

«أسماء الأوصياء أوّلهم ابن عمي وأحد عشر من ولدي آخرهم القائم».

قال جابر: فرأيت فيه محمّداً محمّداً محمّداً، في ثلاثة مواضع وعلياً علياً علياً، في أربعة مواضع)(2).

4 - لا شك إن الظالمين لا يزالون في خوف من العقاب والقصاص حينما يقام العدل؛ ولا شك إن ظلمهم لفاطمة عليها السلام استمر منذ أن توفي رسول

ص: 127


1- نيل الأوطار للشوكاني: ج 6، ص 139. مجمع الزوائد للهيثمي: ج 4، ص 224.
2- وسائل الشيعة: ج 16، ص 245.

الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يملئ الأرض عدلاً وقسطاً.

ولذا: كيف يتحقق العدل بدون أخذ القصاص من ظالمي فاطمة عليها السلام.

بمعنى: لم تزل على كرور الليالي والأيام مظلومة، وإن ظلمها أصبح سنة في هذه الأمة حتى أصبح أكثر الناس ظلامة لفاطمة صلوات الله عليها فكيف لا يقترن ذلك بمقيم دولة القسط والعدل بذكرها.

أما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تخصيص ذكر المهدي ونسبته لفاطمة عليها السلام فهي كالآتي:

1 - روى الحاكم النيسابوري، وابن ماجه، والطبراني، وغيرهم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة، قالت: (ذكر المهدي عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:

«من ولد فاطمة»)(1).

2 - روى أبو داود وغيره عن أم سلمة قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

«المهدي من عترتي من ولد فاطمة عليها السلام»)(2).

3 - وعن جابر بن عبد الله عن فاطمة عليها السلام أنه وجد معها صحيفة

ص: 128


1- مستدرك الحاكم: ج 4، ص 557؛ سنن ابن ماجه: ج 2، ص 1368؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 23، ص 267؛ مسند الفردوس للديلمي: ج 4، ص 223؛ السنن الواردة في الفتن للداني: ج 1، ص 373.
2- سنن أبي داود: ج 2، ص 310؛ تحفة الأحوذي: ج 6، ص 403؛ عقد الدرر للمقدسي: ص 15؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2، ص 672؛ للغيبة للطوسي: ص 185.

من درّة فيها أسماء الأئمة من ولدها فقرأها إلى أن قال أبو القاسم محمد بن الحسن حجة الله على خلقه القائم أمه جارية اسمها نرجس(1).

4 - عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:

«خرج النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم وهو مستبشر يضحك سرورا فقال له الناس: أضحك الله سنّك يا رسول الله وزادك سرورا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا ولي فيهما تحفة من الله ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى، إنّ جبرئيل أتاني فأقرأني من ربّي السّلام، وقال:

يا محمد إنّ الله عزّ وجل اختار من بني هاشم سبعة لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي أنت يا رسول الله سيد النبيين وعلي بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين والحسن والحسين سبطاك سيدا الأسباط وحمزة عمك سيد الشهداء وجعفر ابن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشار ومنكم القائم يصلّي عيسى ابن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض من ذرية علي وفاطمة من ولد الحسين عليه السلام»(2).

والأحاديث في ذلك لكثيرة جداً؛ أما ما يتعلق بتولي الإمام المهدي صلوات الله عليه للانتقام من الظالمين الذين أسسوا ظلم فاطمة عليها السلام ومن أشياعهم الذين ساروا على هذا النهج في ظلمها وظلم أبناءها وذريتها وشيعتها، فهو ما سنعرض له في المسألة الآتية:

ص: 129


1- وسائل الشيعة: ج 16، ص 243.
2- الكافي للكليني: ج 8، ص 49.
المسألة الثانية: انتقام الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ممن ظلموا فاطمة وإقامة القصاص بحقهم
اشارة

إن المستفاد من الروايات الشريفة إن للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف موقفاً طويلاً مع أولئك الظالمون الذين ظلموا أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعاهدوا على ظلمها؛ فقد دلت الروايات على أن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف سيقتص أولاً من الذين أسسوا أساس الظلم والجور على أهل البيت عليهم السلام وأمام مرأى من الناس جميعاً كما فعلوا جُرمهم أمام مرأى الناس جميعاً وفي نفس المكان وبنفس الأدوات التي استخدمت في موقع الجريمة، وهي كالآتي:

أولاً: الإمام المهدي يقتص ممن أمر بالهجوم على بيت فاطمة عليها السلام ومن أحرقه

1 - روى الطبري (الشيعي) عن أبي عبد الله جعفر بن محمد قال: حدثنا محمد بن حمران المدائني، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر قال: سألته متى يقوم قائمكم قال:

«يا أبا الجارود لا تدركون».

فقلت: أهل زمانه، فقال:

«ولن تدرك أهل زمانه، يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة يدعو الناس ثلاثة فلا يجيبه أحد فإذا كان يوم الرابع تعلق بأستار الكعبة فقال: يا رب أنصرني ودعوته لا تسقط فيقول تبارك وتعالى للملائكة الذين نصروا رسول الله يوم بدر ولم يحطوا سروجهم ولم يضعوا أسلحتهم فيبايعونه ثم يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا يسير إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى الله عزّ وجل فيقتل ألف

ص: 130

وخمس مائة قرشيا ليس فيهم إلا فرخ زينة ثم يدخل المسجد فينقض الحائط حتى يضعه إلى الأرض ثم يخرج الأزرق وزريق لعنهما الله غضين طريين يكلمهما فيجيبانه فيرتاب عند ذلك المبطلون فيقولون يكلم الموتى فيقتل منهم خمس مائة مرتاب في جوف المسجد ثم يحرقهما بالحطب الذي جمعاه ليحرقا به علياً وفاطمة والحسن والحسين وذلك الحطب عندنا نتوارثه ويهدم قصر المدينة ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفا من البتية شاكين في السلاح قراء القرآن فقهاء في الدين قد قرحوا جباههم وسمروا ساماتهم وعمهم النفاق وكلهم يقولون يا ابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشية الاثنين من العصر إلى العشاء فيقتلهم أسرع من جزر جزور فلا يفوت منهم رجل ولا يصاب من أصحابه أحد دماؤهم قربان إلى الله ثم يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتى يرضى الله».

قال: فلم أعقل المعنى فمكثت قليلاً ثم قلت: جعلت فداك وما يدريه جعلت فداك متى يرضى الله عزّ وجل قال:

«يا أبا الجارود إن الله أوحى إلى أم موسى وهو خير من أم موسى وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل فعقلت المذهب ؟».

فقال لي:

«أعقلت المذهب».

قلت: نعم، فقال:

«إن القائم ليملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم يملأ الأرض عدلاً وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ويفتح الله عليه شرق

ص: 131

الأرض وغربها يقتل الناس حتى لا يرى إلا دين محمد يسير بسيرة سليمان بن داود يدعو الشمس والقمر فيجيبانه ويطوي له الأرض فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله»)(1).

2 - وقريب من هذه الرواية رواية أخرى أخرجها الخصيبي بإسناده إلى هارون بن سعيد قال: (سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول لعمر:

«من علمك الجهالة يا مغرور أما والله لو كنت بصيرا أو كنت بما أمرك به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبيراً أو كنت في دينك تاجرا نحريرا لركبت العقر ولفرشت القصب ولما أحببت أن يتمثل لك الرجال قياعا ولما ظلمت عترة النبي بقبح الفعل غير أني أراك في الدنيا قتيلا بجراحة من عبد أم معمر تحكم عليه جوراً فيقتلك وتوفيقا يدخل به والله الجنان على الرغم منك، ولو كنت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سامعا مطيعا لما وضعت سيفك على عاتقك ولما خطبت على المنبر وكأني أراك وقد دعيت فأجبت ونودي باسمك فأحجمت وأن لك بعد القتل لهتك ستر وصلبا ولصاحبك الذي اختارك وقمت مقامه من بعده».

فقال له عمر: يا أبا الحسن أما تستحي لنفسك من هذا التكهن، فقال الإمام علي عليه السلام:

«والله ما قلت إلا ما سمعت ولا نطقت إلا بما علمت».

قال: فمتى يكون هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال:

«إذا خرجت جيفتكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبريكما للذين لم ترقدا فيهما نهاراً ولا ليلاً لئلا يشك أحد فيكما إذ نبشتما ولو دفنتما

ص: 132


1- دلائل الإمامة للطبري: ص 241-242.

بين المسلمين لشك شاك وارتاب مرتاب وصلبتما على أغصان دوحات شجرة يابسة فورق تلك الدوحات بكما وتفرع وتخضر فتكون فتنة لمن أحبكما ورضي بفعالكما ليميز الله الخبيث من الطيب وكأني أنظر إليكما والناس يسألون العافية مما قد بليتما به».

قال: فمن يفعل ذلك يا أبا الحسن ؟ قال:

«عصابة قد فرقت بين السيوف وأغمادها وارتضاهم الله لنصر دينه فما تأخذهم في الله لومة لائم ولكأني أنظر إليكما وقد أخرجتما من قبريكما غضين رطبين طريين حتى تصلبا على الدوحات فيكون ذلك فتنة لمن أحبكما، ثم يؤتى بالنار التي أضرمت لإبراهيم عليه السلام ويحيى وجرجيس ودانيال وكل نبي وصديق ومؤمن، ثم يؤمر بالنار التي أضرمتموها على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابني الحسن والحسين وابنتي زينب وأم كلثوم حتى تحرقا بها ويرسل عليكما ريح مرة فتنسفكما في اليم نسفا بعد أن يأخذ السيف ما كان منكما ويصير مصيركما إلى النار جميعاً وتخرجان إلى البيداء إلى موضع الخسف الذي قال الله عزّ وجل:

(وَ لَوْ تَرىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلاٰ فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكٰانٍ قَرِيبٍ )(1).

يعني من تحت أقدامكم».

قال: يا أبا الحسن يفرق بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم، قال:

«نعم».

ص: 133


1- سورة سبأ، الآية: 51.

قال: يا أبا الحسن إنك سمعت هذا وإنه حق ؟، قال: فحلف أمير المؤمنين أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبكى عمر وقال: إني أعوذ بالله مما تقول فهل لذلك علامة، قال:

«نعم، قتل فظيع وموت ذريع، وطاعون شنيع، ولا يبقى من الناس أحد في ذلك الوقت إلا ثلثهم وينادي مناد من السماء باسم رجل من ولدي تكثر الآيات حتى يتمنى الأحياء الموت مما يرون الآيات فمن أهلك استراح ومن كان له عند الله خير نجا، ثم يظهر رجل من ولدي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يأتيه الله ببقيا قوم موسى ويحيى له أصحاب الكهف ويؤيده الله بالملائكة الجن وشيعتنا المخلصين وينزل من السماء قطرها وتخرج الأرض نباتها».

فقال له: يا أبا الحسن أما إني أعلم أنك لا تحلف إلا على الحق فو الله لا تذوق أنت ولا أحد من ولدك حلاوة الخلافة أبداً فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنكم لا تزدادون لي ولولدي إلاّ عداوة».

فلما حضرت عمر الوفاة أرسل إلى أمير المؤمنين فقال له: يا أمير المؤمنين يا أبا الحسن اعلم أن أصحابي هؤلاء قد أحلوني مما وليت من أمورهم فإن رأيت أن تحلني فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أرأيت أن لو أحللتك أنا فهل لك من تحليل من قد مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابنته».

ثم ولى وهو يقول:

ص: 134

(... وَ أَسَرُّوا اَلنَّدٰامَةَ لَمّٰا رَأَوُا اَلْعَذٰابَ ...)(1)»(2).

ثانياً: اقتصاصه عليه السلام من الحميراء لظلمها فاطمة عليها السلام

ويمضي الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في الاقتصاص من الذين ظلموا فاطمة بعد أن يقتص من أبي بكر وعمر لما فعلاه ببنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما مرّ بيانه في الرواية السابقة؛ ثم ينعطف في القصاص على الحميراء وهي عائشة، حيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلقبها به، وذلك لكثرة ما ترى من الحيض فقد كانت دائمة الحيض فأطلق الاسم كناية عن الحمرة التي تراها النساء في الطمث.

1. روى الصدوق بإسناده إلى الإمام الباقر عليه السلام، أنه قال:

«أما لو قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها».

قلت: جعلت فداك ولم يجلدها الحد؟ قال:

«لفريتها على أم إبراهيم».

قلت: فكيف آخره الله للقائم ؟

قال:

«لأن الله تبارك وتعالى بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم رحمة؛ وبعث القائم

ص: 135


1- سورة سبأ، الآية: 33.
2- الهداية الكبرى للخصيبي: ص 162؛ دلائل الإمامة: ص 479؛ إرشاد القلوب للديلمي: ج 2، ص 285.

عليه السلام نقمة»)(1).

وبني العباس ومواليهم فيضع السيف فيهم شهوراً يقتص منهم لما فعلوا من ظلمهم لفاطمة وبنيها وشيعتها.

2. روى نعيم بن حماد المروزي (المتوفى سنة 288 ه -) عن زر بن حبيش سمع علياً عليه السلام يقول:

«يفرج الله الفتن برجل منا يسومهم خسفاً لا يعطيهم إلا السيف، يضع السيف فيهم على عاتقه ثمانية أشهر هرجاً حتى يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة، لو كان من ولدها لرحمنا يغريه الله ببني العباس وبني أمية»(2).

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (العسكري) صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين.

تم بحمد الله وسابق لطفه وعنايته وشفاعة محمد وعترته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

(وَ سَلاٰمٌ عَلَى اَلْمُرْسَلِينَ (181) وَ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ )(3).

(... رَبَّنٰا تَقَبَّلْ مِنّٰا إِنَّكَ أَنْتَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ )(4).

ص: 136


1- علل الشرايع للصدوق: ج 2، ص 580؛ مختصر بصائر الدرجات للحلي: ص 213.
2- الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص 216؛ السنن الواردة في الفتن للداني: ج 1، ص 345، برقم 998؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 7، ص 58.
3- سورة الصافات، الآيتان: 181-182.
4- سورة البقرة، الآية: 127.

المصادر

اشارة

1. الإبانة الكبرى لابن بطة / تأليف: أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد حمدان العكبري المعروف بابن بطة العكبري (ت 387 ه -) / تحقيق: رضا معطي، عثمان الأثيوبي، يوسف الوابل، الوليد بن يسف النصر، حمد التويجري / طبع: دار الراية لسنة 1415 ه -، 1994 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

2. الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأسرة / تأليف: الدكتورة علياء شكري / طبع: دار المعارف لسنة 1399 ه -، 1979 م / القاهرة - مصر.

3. إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين / تأليف: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى (ت 1145 ه -) / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

4. إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل / تأليف: محمد بن عبد الله الأكراوي القلشقندي المناوي الشافعي الشهير بالواعظ (ت 1035 ه -) / تحقيق: محمد كاظم الموسوي / طبع: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية لسنة 1427 ه -، 2006 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

5. الإتحاف بحب الأشراف / تأليف: الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي (ت 1171 ه -) / تحقيق: سامي الغريري / طبع: دار الكتاب الإسلامي

ص: 137

لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

6. الآثار الإسلامية الأولى / تأليف: ك. كريزويل / ترجمة: عبد الهادي عبله / استخراج النصوص والتعليق: أحمد غسان سبانو / طبع: دار قتيبة لسنة 1404 ه -، 1984 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

7. الآثار الباقية عن القرون الخالية / تأليف: أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي (ت 440 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1420 ه -، 2000 م / بيروت - لبنان.

8. الآثار الباقية من القرون الخالية / تأليف: أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي (ت 1048 ه -) / طبعة نادرة في مكتبة الأسد برقم (4652) / طبع: دار صادر لسنة 1341 ه -، 1923 م / بيروت - لبنان.

9. آثار المدينة المنورة / تأليف: عبد القدوس الأنصاري / طبع: المكتبة العلمية لسنة 1353 ه -، 1935 م / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

10. آثار المدينة المنورة / تأليف: عبد القدوس الأنصاري / طبع: مطبعة الترقي لسنة 1353 ه -، 1935 م / دمشق - سوريا.

11. إثارة الترغيب والتشويق إلى تاريخ المساجد الثلاثة / تأليف: محمد بن إسحاق الخوارزمي (ت 827 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1420 ه -، 2000 م / بيروت - لبنان.

12. إثبات الوصية للإمام علي بن ابي طالب عليه السلام / تاليف: أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي الهذلي / طبع: دار الأضواء / بيروت - لبنان.

13. اجتماعيات فقه الشيعة وأحوط الأقوال من أحكام الشريعة / تأليف: الفقيه المحقق السيد إسماعيل المرعشي / طبع: المؤلف لسنة 1419 ه -، 1998 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

14. الآحاد والمثاني / تأليف: أحمد بن عمرو بن الضحاك أبو بكر الشيباني (ت 287 ه -) / تحقيق: باسم الجوابرة / طبع: دار الراية لسنة الراية لسنة 1411 ه -،

ص: 138

1991 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

15. الأحاديث المختارة / تأليف: أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المقدسي (ت 643 ه -) / تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيّس / طبع: مكتبة النهضة الحديثة لسنة 1410 ه -، 1989 م / البعة الأولى / مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

16. الاحتجاج / تأليف: الشيخ أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي (ت 548 ه -) / تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري / طبع: دار الأسروة للطباعة والنشر لسنة 1425 ه -، 2004 م / الطبعة السادسة / قم المقدسة - إيران.

17. الاحتجاج / تأليف: الشيخ أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي (ت 548 ه -) / تعليق: السيد محمد باقر الخرسان / طبع: مطبعة النعمان لسنة 1386 ه -، 1966 م / النجف الأشرف / العراق.

18. أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم / تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي (ت 680 ه -) / طبع: مطبعة بريل لسنة 1326 ه -، 1909 م / ليدن - هولندا.

19. إحقاق الحق وإزهاق الباطل / تأليف: القاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري (ت 1019 ه -) / تعليق: السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي (ت 1411 ه -) / تصحيح: السيد إبراهيم الميانجي / طبع: المطبعة الإسلامية لسنة 1384 ه -، 1964 م / طهران - إيران.

20. إحقاق الحق وإزهاق الباطل / تأليف: القاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري (ت 1019 ه -) / طبع ونشر: كتاب فروشي إسلامية / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

21. الأحكام السلطانية والولايات الدينية / تأليف: علي بن محمد البغدادي الماوردي (ت 450 ه -) / طبعك شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - دار التعاون لسنة 1386 ه -، 1966 م / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

ص: 139

22. أحكام القرآن / تأليف: أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي (ت 370 ه -) / تحقيق: محمد صادق القمحاوي (عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1405 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

23. أحكام القرآن لابن عربي / تأليف: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (ت 543 ه -) / تحقيق: محمد عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه -، 2003 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

24. أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي / تأليف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت 458 ه -) / بهامش: عبد الغني عبد الخالق / تقديم: محمد زاهد الكوثري / طبع: مكتبة الخانجي لسنة 1414 ه -، 1994 م / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

25. أحوال الرجال / تأليف: الحافظ أبو إسحاق، إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (259 ه -) / تحقيق: صبحي البدري السامرائي / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1405 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

26. إحياء الميت بفضائل أهل البيت - عليهم السلام - / تأليف: الحافظ جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر الشافعي السيوطي (ت 911 ه -) / طبع: منظمة الإعلام الإسلامي لسنة 1408 ه -، 1988 م / طهران - إيران.

27. إحياء علوم الدين / تأليف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 205 ه -) / طبع: دار الكتب والفكرية لسنة 1421 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

28. أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ / تأليف: أحمد بن يوسف القرماني (ت 1019 ه -) / تحقيق: د. أحمد حطيط، د. فهمي سعد / طبع: عالم الكتب لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

ص: 140

29. الأخبار الموفقيات / تأليف: أبي عبد الله الزبير بن بكار القرشي (ت 256 ه -) / تحقيق: الدكتور سامي مكي العاني / طبع: عالم الكتب لسنة 1416 ه -، 1996 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

30. أخبار مكة وما جاء فيها من الأخبار / تأليف: أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي (ت 230 ه -) / طبع: دار الأندلس لسنة 1389 ه -، 1969 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

31. الاختصاص / تأليف: الشيخ المفيد / تحقيق: علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي / طبع: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

32. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) / تأليف: الشيخ الطوسي (ت 460 ه -) / تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترآبادي / تحقيق: السيد مهدي الرجالي / مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1404 ه -، 1984 م / قم المقدسة - إيران.

33. الأخلاق الحسينية / تأليف: جعفر البياتي / طبع: دار أنوار الهدى لسنة 1424 ه -، 2005 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

34. أخلاقيات المعاشرة / تأليف: غ. ب بوتيليكو / ترجمة: إبراهيم الجهماني / طبع: دار حوران للطباعة والنشر لسنة 1418 ه -، 1998 م / دمشق - سوريا.

35. الآداب / تأليف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه -) / تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

36. الآداب الشرعية / تأليف: أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي (ت 763 ه -) / تحقيق: شعيب الأرنؤوط / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1418 ه -، 1997 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

37. الأدب المفرد / تأليف: الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه -) /

ص: 141

تحقيق: محمد عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410 ه -، 1990 م / بيروت - لبنان.

38. الأدب المفرد / تاليف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبو عبد الله (ت 256 ه -) / تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي / طبع: دار البشائر الإسلامية / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

39. الأدب في بلاد الشام / تأليف: الدكتور عمر موسى باشا الأستاذ المساعد في كلية الآداب بدمشق / طبع: المكتبة العباسية لسنة 1391 ه -، 1972 م / الطبعة الثانية / دمشق - سوريا.

40. الأربعون حديثا عن أربعين شيخاً من أربعين صحابياً في فضائل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام / تأليف: الشيخ الأقدم منتخب الدين علي بن عبيد الله بن بابويه الرازي من أعلام القرن السادس / تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام / طبع ونشر: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام لسنة 1408 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

41. ارتقاء اللغة عند الطفل من الميلاد إلى السادسة / تأليف: صالح الشماع / طبع: مؤسسة المعارف للطباعة والنشر لسنة 1393 ه -، 1973 م / بيروت - لبنان.

42. الإرشاد / تأليف: الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث / طبع: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع / لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

43. إرشاد القلوب / تأليف: الحسن بن محمد الديلمي / طبع: إنتشارات الشريف الرضي لسنة 1415 ه -، 1994 م / الطبع: طهران - إيران.

44. الإرشاد والتوجيه النفسي / تأليف: حامد عبد السلام / طبع: عالم الكتب لسنة 1400 ه -، 1980 م / القاهرة - مصر.

45. أزمة القيم ودور الأسرة في تطور المجتمع / تأليف: عبد الهادي بو طالب

46. أساس البلاغة / تأليف: الزمخشري (ت 538 ه -) / طبع: دار ومطابع الشعب

ص: 142

لسنة 1380 ه -، 1960 م / القاهرة - مصر.

47. الأساطير والمعتقدات العربية قبل الإسلام / تأليف: الدكتور ميخائيل مسعود / طبع: دار العلم للملايين لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

48. أسباب النزول / تأليف: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري (ت 468 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1421 ه -، 2000 م / بيروت - لبنان.

49. أسباب نزول الآيات / تأليف: الواحدي النيسابوري (ت 468 ه -) / طبع: مؤسسة الحلبي وشركاءه للنشر والتوزيع لسنة 1388 ه -، 1968 م / القاهرة - مصر.

50. أسباب ورود الحديث أو اللمع في أسباب الحديث / تاليف: الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / تحقيق: يحيى إسماعيل أحمد / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1404 ه -، 1984 م / بيروت - لبنان.

51. الاستبصار / تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه -) / تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان / طبع: دار الكتب الإسلامية لسنة 1404 ه -، 1983 م / الطبعة الرابعة / طهران - إيران.

52. الاستيعاب / تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النَمَرِيّ الأندلسي القرطبي المالكي المعروف بابن عبد البر (ت 463 ه -) / تحقيق: علي محمد البجاوي / طبع: دار الجيل لسنة 1412 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

53. الاستيعاب في أسماء الأصحاب بهامش الإصابة / تأليف: محمد بن عبد البر بن عاصم القرطبي المالكي (ت 436 ه -)، بهامش ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / ترجمة: عمّار بن ياسر / طبع: مصطفى محمّد لسنة 1385 ه -، 1939 م / القاهرة - مصر.

54. أسد الغابة في معرفة الصحابة / تأليف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد

ص: 143

بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت 630 ه -) / طبع: مؤسسة إسماعيليان لسنة 1380 ه -، 1960 م / طهران - إيران.

55. أسد الغابة في معرفة الصحابة / تأليف: عز الدين ابن الأثير ابي الحسن علي بن محمد الجزري / تحقيق: مجموعة من المحققين / الطبعة الثانية / نشر: دار الكتب العلمية / سنة الطبع: 1424 ه -، 2003 م / بيروت - لبنان.

56. الأسرار الفاطمية / تأليف: الشيخ محمد فاضل المسعودي / تقديم: السيد عادل العلوي / طبع: مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة لفاطمة المعصومة عليها السلام لسنة 1420 ه -، 2000 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

57. أسس البحث العلمي في التربية وعلم النفس / تأليف: الدكتور محمد نجيب السباعي، والدكتور محمود ميلاد / طبع: مكتبة الضامري للنشر والتوزيع لسنة 1428 ه -، 2007 م / الطبعة الأولى / السيب.

58. أسس السلوك الإنساني / تأليف: د. فاروق عبد الفتاح / طبع: دار عالم الكتب / الرياض - المملكة العربية السعودية.

59. أسس تعلم اللغة وتعليمها / تأليف ه -. دوجلاس براون / ترجمة د. عبدة الراجحي وعلي أحمد شعبان / طبع: دار النهضة العربية / بيروت.

60. إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفضائل أهل بيته الطاهرين / تأليف: الصبان أبي العرفان محمد بن علي المصري الشافعي الحنفي / طبع: الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية / الإسكندرية - مصر.

61. إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وفضائل أهل بيته الطاهرين / تأليف: الصبان أبي العرفان محمد بن علي المصري الشافعي الحنفي / طبع: دار السعيدية.

62. إسعاف ذوي الوفا بمولد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم / تاليف:

ص: 144

محمد بن سليمان بن الفاسي بن طاهر السوسي المالكي / طبع: مكتبة رفاعة الطهطاوي.

63. الإسلام والأسرة / تأليف: معوض عوض إبراهيم / طبع: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر لسنة 1403 ه -، 1983 م / القاهرة - مصر.

64. الإسلام وتنظيم الأسرة / تأليف: محمد ظفار

65. الإسلام وحضارته / تاليف: أندرية ميكيل / ترجمة: الدكتورة زينب عبد العزيز / مراجعة: كمال الدين الهناوي / طبع: منشورات المكتبة العصرية لسنة 1401 ه -، 1981 م / صيدا - لبنان.

66. الإشارات إلى معرفة الزيادات / تأليف: أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي (ت 611 ه -،) طبع: جانين سورديل - طومين لسنة 1372 ه -، / 1953 م / دمشق - سوريا.

67. الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا / تصنيف: الحافظ مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكحري الحكري الحنفي (ت 762 ه -) / طبع: دار القلم لسنة 1416 ه -، 1996 م / دمشق - سوريا.

68. الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا / تصنيف: الحافظ مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكحري الحكري الحنفي (ت 762 ه -) / طبع: مصر لسنة 1362 ه -، 1943 م / مصر.

69. الإشارة إلى وفيات الأعيان المنتقى من تاريخ الإسلام / تأليف: الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 ه -) / تحقيق وتعليق: إبراهيم صالح / طبع: دار ابن الأثير لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

70. الإصابة في تمييز الصحابة / تأليف: الحافظ أحمد بن علي، ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) تحقيق: علي محمد البجاري / طبع: دار الجيل لسنة 1412 ه -، 1992 م / بيروت - لبنان.

ص: 145

71. الإصابة في تمييز الصحابة / تأليف: الحافظ أحمد بن علي، ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1415 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

72. الأصول الستة عشر / تأليف: عدة محدثين / تحقيق المحمودي / طبع: دار الشبستري للمطبوعات لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

73. أصول الكافي / تاليف: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني / طبع: دار الأسوة للطباعة والنشر لسنة 1425 ه -، 2004 م / الطبعة الخامسة / قم المقدسة - إيران.

74. الاضطرابات النفسية عند الأطفال والمراهقين / تأليف: الدكتور موفق هاشم الحلبي / طبع: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1420 ه -، 2000 م / دمشق - سوريا.

75. الاضطرابات النفسية عند الأطفال والمراهقين / تأليف: الدكتور موفق هاشم الحلبي / طبع: دار الفرقان للنشر والتوزيع لسنة 1420 ه -، 2000 م / عمان - الأردن.

76. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن / تأليف: محمد الأمين بن محمد المختار البكني الشقيطي (ت 1393 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

77. أضواء على الصحيحين / تأليف: حجة الإسلام الشيخ محمد صادق النجمي / طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

78. الأطفال مرآة المجتمع / تأليف: د. محمد عماد الدين إسماعيل / طبع: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة

ص: 146

الأولى / الكويت.

79. أطيب البيان لمعالم سور القرآن / تأليف: علي الإبراهيمي / طبع: دار الأنصار لسنة 1425 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

80. إعانة الطالبيين / تأليف: البكري الدمياطي / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1418 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

81. اعتقاد أهل السنة / تأليف: هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي أبو القاسم (ت 418 ه -) / تحقيق: أحمد سعد حمدان / طبع: دار طيبة / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

82. الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذاهب السلف وأصحاب الحديث / تأليف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الشافعي (ت 458 ه -) / طبع: دار الآفاق الجديدة لسنة 1401 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

83. الاعتقادات في دين الإمامية / تأليف: الشيخ الصدوق / تحقيق: عصام عبد السيد / طبع: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 141 ه -، 1994 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

84. اعجاز القرآن / تأليف: أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني / تحقيق: أحمد صقر / طبع: دار المعارف لسنة 1382 ه -، 1963 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

85. إعراب القرآن الكريم / تأليف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس (ت 338 ه -) / تحقيق: الدكتور زهير غازي زاهد / طبع: عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

86. إعراب القرآن الكريم / تأليف: ابو جعفر بن محمد ابن النحاس / نشر: دار الكتب العلمية / الطبعة الثانية / سنة الطبع: 1425 ه -، 2004 م / بيروت - لبنان.

87. إعلاء السنن / تأليف: المحدث أحمد العثماني التهانوي (ت 1394 ه -) / طبع:

ص: 147

دار القرآن والعلوم الإسلامية لسنة 1418 ه -، 1998 م / كراتشي - باكستان.

88. الأعلام / تأليف: خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي الدمشقي (ت 1396 ه -) / طبع: دار العلم للملايين لسنة 1412 ه -، 1992 م / بيروت - لبنان.

89. الأعلام / تأليف: خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي الدمشقي (ت 1396 ه -) / طبع: دار العلم للملايين لسنة 1400 ه -، 1980 م / الطبعة الخامسة / بيروت - لبنان.

90. أعلام الدين في صفات المؤمنين / تأليف: أحمد بن يوسف القرماني / تحقيق: فهمي سعد، أحمد حطيط / طبع: عالم الكتب لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

91. أعلام الساجد بأحكام المساجد / تأليف: محمد بن بهادر عبد الله الزركشي (ت 794 ه -) / تحقيق: أبو الوفا مصطفى المراغي / طبع: المجلس الأعلى الإسلامية لسنة 1184 ه -، 1770 م / القاهرة - مصر.

92. أعلام الموقعين عن رب العالمين / تأليف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (ت 751 ه -) / طبع: شركة دار الأرقم لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

93. أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام / تأليف: عمر رضا كحالة / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1397 ه -، 1977 م / بيروت - لبنان.

94. إعلام الورى بأعلام الهدى / تأليف: الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1417 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

95. الأعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام / تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي / تحقيق: د. أحمد حجازي السقا /

ص: 148

طبع: دار التراث العربي لسنة 1398 ه -، 1978 م / القاهرة - مصر.

96. أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين / طبع: دار التعارف للمطبوعات لسنة 1413 ه -، 1992 م / بيروت - لبنان.

97. الأغاني / تأليف: أبو الفرج علي بن الحسين القرشي الأصبهاني (ت 356 ه -) / تحقيق: علي مهنا، سمير جابر / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

98. الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام / تأليف: محمَّد بن محمَّد بن النعمان بن عبد السَّلام العكبري، المعروف بالشيخ المفيد رحمه الله (ت 413 ه -) / طبع: مؤسسة البعثة لسنة 1414 ه -، 1993 م / قم المقدسة - إيران.

99. الإفصاح في فقه اللغة / تأليف: حسين يوسف موسى وعبد الفتاح الصيعدي / طبع: دار الفكر العربي لسنة 1387 ه -، 1967 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

100. إقبال الأعمال / تأليف: تأليف: رضي الدين أبوالقاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الحسني (ت 664 ه -) / تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني / طبع: مكتب الإعلام الإسلامي لسنة 1414 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

101. الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والثلاثة الخلفاء / تأليف: سليمان بن موسى الكلاعي (ت 634 ه -) / تحقيق: محمد عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1420 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

102. الإكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والثلاثة الخلفاء / تأليف: أبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي (ت 634 ه -) / طبع: مكتبة الخانجي لسنة 1970 ه -، 1389 م / القاهرة - مصر.

103. الإكمال في أسماء الرجال / تأليف: الخطيب التبريزي (ت 741 ه -) / تعليق: أبي أسد الله بن الحافظ محمد عبد الله الأنصاري / طبع: مؤسسة أهل البيت

ص: 149

عليهم السلام / قم المقدسة - إيران.

104. الإكمال في رفع الإرتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب / تأليف: الحافظ علي بن جعفر، أبو نصر، سعد الملك المعروف بابن ماكولا (ت 475 ه -) / تصحيح وتعليق: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلى اليماني أمين مكتبة الحرم المكي / طبع: دار الكتاب الإسلامي لسنة 1413 ه -، 1993 م / القاهرة - مصر.

105. الالزامات والتتبع للدارقطني / تأليف: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينر البغدادي الدارقطني (ت 385 ه -) / دراسة وتحقيق: الشيخ أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوداعي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

106. ألف باء في أنواع الآداب وفنون المحاضرات واللغة / تأليف: أبو الحجاج يوسف محمد البلوي المالقي المعروف بابن الشيخ (ت 604 ه -) / طبع: المطبعة الوهبية لسنة 1297 ه -، 1879 م / القاهرة - مصر.

107. الأمالي / تأليف: الشيخ أبو جعفر محمد بن علي الصدوق / تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية / طبع: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة لسنة 1417 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

108. الأمالي / تأليف: الشيخ المفيد (413 ه -) / تحقيق: حسين الأستاد ولي - علي أكبر الغفاري / طبع: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

109. الأمالي / تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه -) / تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية / طبع: مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

110. أمالي ابن الشجري / تأليف: هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الحسني العلوي أبو السعادات ابن الشجري (ت 542 ه -) / تحقيق: محمود محمد

ص: 150

الطناحي / طبع: مكتبة الخانجي لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

111. أمالي المحاملي / تأليف: الحسين بن إسماعيل الضبي المحاملي أبو عبد الله (ت 320 ه -) / تحقيق: إبراهيم القيسي / طبع: المكتبة الإسلامية / الطبعة الأولى / عمان.

112. أمالي المحاملي / تأليف: الحسين بن إسماعيل الضبي المحاملي أبو عبد الله (ت 320 ه -) / تحقيق: إبراهيم القيسي / طبع: دار ابن القيم / الطبعة الأولى / اليمامة.

113. أمالي المرتضى / تأليف: الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (ت 436 ه -) / تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1387 ه -، 1967 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

114. أمالي يحيى بن معين / تأليف: يحيى بن معين.

115. الإمام الحسين عليه السلام / تأليف: عبد الله العلايلي (ت 1416 ه -) / طبع: دار ومكتبة التربية لسنة 1406 ه -، 1986 م / بيروت - لبنان.

116. الإمام جعفر الصادق عليه السلام / تأليف: المستشار عبد الحليم الجندي / إشراف: محمد توفيق عويضة / طبع: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لسنة 1397 ه -، 1977 م / القاهرة - مصر.

117. الإمامة والتبصرة من الحيرة / تأليف: الفقيه المحدث أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي / تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام / طبع ونشر: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام لسنة 1404 ه -، 1983 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

118. الإمامة والسياسة / تأليف: أبو محمد عبد الله بن عبد المجيد بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان.

119. الإمامة والسياسة / تأليف: أبو محمد عبد الله بن عبد المجيد بن مسلم بن

ص: 151

قتيبة الدينوري (ت 276 ه -) / تحقيق: الأستاذ علي شيري ماجستير في التاريخ الإسلامي / طبع: إنتشارات الشريف الرضي لسنة 1413 ه -، 1993 م / قم المقدسة - إيران.

120. الإمامة وأهل البيت / تأليف: المستبصر محمد بيومي مهران (أستاذ تاريخ مصر والشرق الأدنى بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية) / طبع: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1413 ه -، 1993 م / بيروت - لبنان.

121. الأمان من أخطار الأسفار والأزمان / تأليف: السيد ابن طاووس (ت 664 ه -) / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

122. إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع / تأليف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (ت 845 ه -) / تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي / طبع ونشر: منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية لسنة 1420 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

123. الأمثال في الحديث النبوي / تأليف: أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني (ت 369 ه -) / تحقيق: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد / طبع: دار السلفية لسنة 1402 ه -، 1982 م / بمبئى - الهند.

124. الأمثال في الحديث النبوي / تأليف: عبد الله بن حبان (أبي الشيخ الأصبهاني) (ت 369 ه -) / تحقيق: الدكتور عبد العلي عبد الحميد / طبع: سلسلة مطبوعات الدار السلفية لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الأولى / بومباي - الهند.

125. الأمثال في الحديث النبوي / تأليف: عبد الله بن حبان (أبي الشيخ

ص: 152

الأصبهاني) (ت 369 ه -) / جمع وتخريج ودراسة: الدكتوب محمد جابر فياض العلواني / طبع: المعهد العالمي للفكر الإسلامي لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / عمان - الأردن.

126. الأمثال في الحديث النبوي / تخريج ودراسة: الدكتور محمد جابر فياض العلواني / طبع: المعهد العالمي للفكر الإسلامي لسنة 1414 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / عمّان.

127. الأموال / تأليف: الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت 224 ه -) / تحقيق: محمد خليل هرّاس / طبع: دار إحياء التراث الإسلامي لسنة 1407 ه -، 1987 م / قطر.

128. الأموال / تأليف: الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت 224 ه -) / طبع: مطبعة الأزهر / القاهرة - مصر.

129. الأموال / تأليف: حميد بن مخلد زنجوية (ت 251 ه -) / تحقيق: الدكتور شاكر ذيب فياض / طبع: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

130. الأمومة (نمو العلاقة بين الطفل والأم) / تأليف: الدكتور فايز قنطار / طبع: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / الكويت.

131. الأمومة نحو العلاقة بين الطفل والأم / تأليف: د. فايز قنطار / طبع: مؤسسة السلسلة للعلواني لسنة 1412 ه -، 1992 م / الكويت.

132. الانتصار / تأليف: الشريف المرتضى (ت 436 ه -) / تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1415 ه -، 1995 م / قم المقدسة - إيران.

133. الانتصار / تأليف: الشيخ علي الكوراني العاملي / طبع: دار السيرة لسنة 1421 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

ص: 153

134. الانتصارات المذهلة لعلم النفس الحديث / تأليف: بيير داكوا / ترجمة وجيه أسعد.

135. الأنثروبولوجيا الاجتماعية الثقافية لمجتمع الكوفة عند الإمام الحسين عليه السلام / تأليف: السيد نبيل قدوري الحسني / طبع: قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة لسنة 1430 ه -، 2010 م / الطبعة الأولى / كربلاء المقدسة - العراق.

136. الأنساب / تأليف: السمعاني (ت 562 ه -) / تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي / طبع: دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

137. أنساب الأشراف / تأليف: أحمد بن يحيى البلاذري (ت 279 ه -) / تحقيق: محمود الفردوس العظم، صبحي المارديني / طبع: دار اليقظة العربية لسنة 1417 ه -، 1997 م / دمشق - سوريا.

138. الانصاف / تأليف: ابن الميسر.

139. الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية / تأليف: المحدث الشيخ عباس القمي / تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1417 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

140. أنوار الربيع في أنواع البديع / تأليف: ابن معصوم السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني (ت 1120 ه -) / تحقيق: شاكر هادي شكر / طبع وتوزيع: مكتبة العرفان لسنة 1386 ه -، 1967 م / كربلاء المقدسة - العراق.

141. أنوار الربيع في أنواع البديع / تأليف: ابن معصوم السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني (ت 1120 ه -) / تحقيق: شاكر هادي شكر / طبع: مطبعة النعمان لسنة 1388 ه -، 1968 م / الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.

142. أنوار الغيب / تأليف: الحكيم الإلهي السيد كاظم الحسيني الرشتي أعلى الله

ص: 154

مقامه (ت 1259 ه -) / تحقيق: الشيخ أحمد البو شفيع / طبع: سنة 1421 ه -، 2000 م / قم المقدسة - إيران.

143. أنوار الغيب / تأليف: السيد كاظم الحسيني الرشتي / نشر: دار البلاغ للصحافة والطباعة والنشر / سنة الطبع: 1420 ه -، 2000 م / بيروت - لبنان.

144. الأنوار لأبي الحسن البكري (مخطوط) / يرقد في مكتبة الأسد / دمشق - سوريا.

145. الأنوار ومصباح السرور والأفكار وذكر نور محمد المصطفى المختار صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: أبي الحسن أحمد بن عبد الله البكري / طبع: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحكيم / مصر.

146. أنيس الواعظين وجليس الفائزين / تأليف: حاج ملا محمد جعفر بن ملا سيف الدين الاسترابادي المعروف ب - (شريعتمدار) (ت 1263 ه -) / طبع: دار الطباعة أحمد بن إبراهيم وكريم بن إبراهيم لسنة 1311 ه -، 183 م / إيران.

147. الأوائل / تأليف: الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى (أحد أئمة اللغة والأدب) من أعلام القرن الثالث الهجري (ت 395 ه -) / طبع: منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي لسنة 1395 ه -، 1975 م / دمشق - سوريا.

148. أوجز السير لخير البشر / تأليف: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي (ت 395 ه -) / طبع/ مؤسسة النابغة لسنة 1409 ه -، 1989 م.

149. أولادنا / تأليف: ريتارهج / طبع: أكاديميا تلفزيون المستقبل لسنة 1421 ه -، 2001 م.

150. الإيضاح / تأليف: الفضل بن شاذان الأزدي (ت 260 ه -) / تحقيق: المحدث السيد جلال الدين الحسيني الأرموي / طبع: مؤسسة النشر في جامعة طهران لسنة 1404 ه -، 1984 م / طهران - إيران.

151. إيضاح دفائن النواصب / تأليف: أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن شاذات / مخطوط (يرقد في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي) /

ص: 155

طهران - إيران.

152. الإيمان والكفر في الكتاب والسنة / تأليف: العلامة جعفر السبحاني / طبع: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام لسنة 1416 ه -، 1996 م / قم المقدسة - إيران.

153. الأئمة الإثني عشر / تأليف: مؤرخ دمشق شمس الدين بن طولون (ت 953 ه -) / تحقيق: الدكتور صلاح الدين المنجّد / طبع: منشورات الشريف الرضي / قم المقدسة - إيران.

154. باب فاطمة عليها السلام بين سلطة الشريعة وشريعة السلطة / تأليف: السيد نبيل الحسني / (تحت الطبع).

155. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار / تأليف: الشيخ محمد باقر المجلسي / طبع: مؤسسة الوفاء لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

156. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار / تأليف: الشيخ محمد باقر المجلسي / طبع: طبعة حجرية.

157. البحر الزخار المعروف بمسند البزار / تأليف: الحافظ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق السبكي البزاز (ت 292 ه -) / طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1413 ه -، 1993 م / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

158. البحر المحيط في التفسير / تأليف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي الغرناطي (ت 754 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1412 هن 1992 م / بيروت - لبنان.

159. البحر المحيط في التفسير / تأليف: أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي الغرناطي (ت 754 ه -) / تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

ص: 156

160. البدء والتاريخ / تأليف: المطهر بن طاهر المقدسي (ت 355 ه -) / طبع: دار صادر لسنة 1418 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

161. البداية والنهاية / تأليف: الحافظ أبي الفداء ابن كثير الدمشقي (ت 774 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1414 ه -، 1994 م / بيروت - لبنان.

162. البداية والنهاية / تأليف: الحافظ أبي الفداء ابن كثير الدمشقي (ت 774 ه -) / تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

163. بدائع الصنائع / تأليف: أبي بكر الكاشاني (ت 587 ه -) / طبع: المكتبة الحبيبية لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / باكستان.

164. بدر تمام في ذكر النبي وآله الكرام لابن العظيم الدمشقي (مخطوط).

165. البدعة مفهومها حدها وآثارها / تأليف: العلامة الفقيه جعفر السبحاني / طبع: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام لسنة 1416 ه -، 1995 م / قم المقدسة - إيران.

166. البرهان في تفسير القرآن / تأليف: العلامة المحدث المفسر السيد هاشم الحسيني البحراني / تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية / طبع: مؤسسة البعثة / قم المقدسة - إيران.

167. بشارة المصطفى / تأليف: محمد بن أبي القاسم الطبري / تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي لسنة 1420 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

168. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم / الشيخ محمد بن الحسن بن فروخ الصفار / ترجمة السيد محمد السيد حسين المعلم / طبع: المكتبة الحيدرية لسنة 1426 ه -، 2006 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

169. البصائر والذخائر / تأليف: أبو حيان التوحيدي، علي بن محمد بن العباس

ص: 157

(ت 414 ه -) / تحقيق: د. وداد القاضي / طبع: دار صادر لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

170. بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث / تأليف: علي بن أبي بكر الهيثمي، نور الدين / تحقيق: حسين أحمد صالح الباكري / طبع: جامعة الإسلامية لسنة 1413 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / عمان - الأردن.

171. بلاغات النساء / تأليف: أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المعروف ب - (ابن طيفور) (ت 280 ه -) / طبع: مكتبة بصيرتي لسنة 1402 ه -، 1982 م / قم المقدسة - إيران

172. البلد الأمين والدرع الحصين / تأليف: الشيخ إبراهيم الكفعمي (ت 905 ه -) / طبع: مكتبة الصدوق لسنة 1424 ه -، 2004 م / طهران - إيران.

173. بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب / تأليف: السيد محمود شكري الآلوسي البغدادي (ت 1342 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1412 ه -، 1992 م / بيروت - لبنان.

174. بلوغ المرام من أدلة الأحكام / تأليف: الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / طبع: دار المنار / دمشق - سوريا.

175. بهجة الأخيار في حلية النبي المختار، «مخطوط» من تصنيف حسن بن عبد الله بن محمد البخشي المتوفى سنة 1190 ه -؛ والمخطوط يرقد في مكتبة الأسد بدمشق الشام ويحمل الرقم (14388).

176. بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس / تأليف: الإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله البر النمري القرطبي (ت 463 ه -) / تحقيق: محمد مرسي الخولي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه -، 2003 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

177. بهجة المحافل (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم (13471).

ص: 158

178. البيان المغرب (القسم الموحدي) ثلاثة أجزاء / تحقيق: هويثي ميراندا / طبع: سنة 1380 ه -، 1960 م / تطوان - المغرب.

179. البيان والتبيين / تأليف: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255) / تحقيق: عبد السلام محمد هارون / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

180. البيان والتعريف / تأليف: إبراهيم بن محمد الحسيني (ت 1120 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1401 ه -، 1981 م / بيروت - لبنان.

181. بيت الأحزان / تأليف: الشيخ عباس القمي / الطبعة الجديدة الأولى / نشر: دار الحكمة / سنة الطبع: 1412 ه -، 1991 م / قم المقدسة - إيران.

182. بيت الأحزان في ذكر أحوال سيدة نساء العالمين / تأليف: الشيخ عباس القمي (ت 1359 ه -) / طبع: دار التعارف للمطبوعات لسنة 1419 ه -، 1999 م / بيروت - لبنان.

183. البيئة العاطفية / تأليف: لارلين سكولينك / طبع: شركة بروان بوسطن لسنة 1398 ه -، 1978 م / ألمانيا.

184. تاج العروس / تأليف: الزبيدي (ت 1205 ه -) / تحقيق: علي شيري / طبع: دار الفكر لسنة 1414 ه -، 1994 م / بيروت - لبنان.

185. تاريخ ابن خلدون / تأليف: ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (ت 808 ه -) / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

186. تاريخ ابن سباط / تأليف: حمزة بن أحمد بن عمر المعروف بابن سباط الغربي (ت 926 ه -) / تحقيق: عمر عبد السلام تدمري / طبع: جروس برس لسنة 1413 ه -، 1993 م / طرابلس - لبنان.

187. تاريخ أبي الفداء المعروف ب - (المختصر في أخبار البشر) / تأليف: الملك المؤيد إسماعيل بن أبي الفداء (ت 732 ه -) / طبع: دار الكتاب اللبناني لسنة / بيروت - لبنان.

188. تاريخ أبي زرعة الدمشقي / تأليف: الحافظ عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله

ص: 159

بن صفوان النصري (ت 281 ه -) / رواية: أبو الميمون بن راشد / تحقيق: شكر الله بن نعمة الله القوجاني / طبع: مجمع اللغة العربية / دمشق - سوريا.

189. تاريخ الإسلام الثقافي والسياسي (مسار الإسلام بعد الرسول صلى الله عليه - وآله - وسلم ونشأة المذاهب) / تأليف: عبد الحميد / طبع: مركز الغدير للدراسات الإسلامية لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

190. تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي / تأليف: الدكتور حسن إبراهيم حسن / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة / 1385 ه -، 1966 م / الطبعة السابعة / القاهرة مصر.

191. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام / تأليف: الحافظ المؤرخ، شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه -) / تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

192. تاريخ التراث العربي - علوم القرآن والحديث / تأليف: فؤاد سزكين / تحقيق: الدكتور محمود فهمي حجازي / طبع: مكتبة آية الله المرعشي النجفي لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

193. تاريخ الثقات / تأليف: الحافظ أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن العجلي (ت 261 ه -) / ترتيب: الحافظ نور الدين علي بن أبو بكر الهيثمي (ت 807 ه -) / طبعة دار الكتب العلمية لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

194. تاريخ الجنس العربي / تأليف: محمد عزة دروزة / طبع: المطبعة العصرية للطباعة والنشر لسنة 1381 ه -، 1962 م / الطبعة الأولى / صيدا - لبنان.

195. تاريخ الخلافة الراشدة خلاصة تاريخ ابن كثير / تأليف: القاضي الشيخ محمد بن أحمد كنعان / طبع: مؤسسة المعارف لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

ص: 160

196. تاريخ الخلفاء / تأليف: جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت 911 ه -) / تحقيق: لجنة من الأدباء / طبع: مطابع معتوق أخوان / بيروت - لبنان.

197. تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس / تأليف: الشيخ حسين بن محمد الدياربكري (ت 911 ه -) / طبع: مؤسسة شعبان / بيروت - لبنان.

198. تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس / تأليف: الشيخ حسين بن محمد الديابكري / نشر: دار صادر / بيروت - لبنان.

199. تاريخ الدولة العربية / تأليف: الدكتور عبد العزيز سالم / طبع: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1390 ه -، 1970 م / بيروت - لبنان.

200. تاريخ الدولة العربية تاريخ العرب منذ عصر الجاهلية حتيس قوط الدولة الأموية / تأليف: الدكتور السيد عبد العزيز سالم / طبع: دار الهضة العربية لسنة 1406 ه -، 1986 م / بيروت - لبنان.

201. التاريخ الشامل للمدينة المنورة / تأليف: الدكتور عبد الباسط بدر / طبع: المؤلف لسنة 1413 ه -، 1993 م / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

202. تاريخ الصحابة الذين روي عنهم الأخبار / تأليف: الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البستي (ت 354 ه -) / تحقيق: بوران الصناوي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

203. التاريخ الصغير / تأليف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبو عبد الله (ت 256 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1406 ه -، 1486 م / بيروت - لبنان.

204. تاريخ الطبري - تاريخ الأمم والملوك / تأليف: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري / تحقيق وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

ص: 161

205. تاريخ الطبري - تاريخ الأمم والملوك / تأليف: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري / طبع: دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان.

206. التاريخ الكبير / تأليف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبد الله الجعفي البخاري (ت 256 ه -) / تحقيق: السيد هاشم الندوي / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

207. التاريخ الكبير / تأليف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبد الله الجعفي البخاري (ت 256 ه -) / طبع دار الكتب العلمية لسنة 1407 ه -، 1986 م / بيروت - لبنان.

208. تاريخ المدينة المنورة (أخبار المدينة المنورة) / تأليف: ابن شبه أبو زيد عمر بن شيبه النميري البصري (ت 262 ه -) / طبع: مطبعة قدس لسنة 1410 ه -، 1980 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

209. تاريخ المدينة المنورة المسمى (نصيحة المشاور وتعزية المجاور) / تأليف: ابن فرحون أبو محمد عبد الله بن محمد بن فرحون المالكي (ت 769 ه -) / تعليق: حسين محمد علي شكري / طبع: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم لسنة 1416 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

210. تاريخ اليعقوبي / تأليف: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح الكتاب العباسي المعروف باليعقوبي (ت 292 ه -) / طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة 1413 ه -، 1993 م / بيروت - لبنان.

211. تاريخ اليعقوبي / تأليف: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح الكتاب العباسي المعروف باليعقوبي (ت 292 ه -) / تحقيق: محمد يوسف نجم / طبع: دار صادر لسنة 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

212. تاريخ بغداد وذيوله / تأليف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت 463 ه -) / دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت

ص: 162

- لبنان.

213. تاريخ بغداد وذيوله / تأليف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت 463 ه -) / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

214. تاريخ جرجان / تأليف: حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني (ت 427 ه -) / طبع: عالم الكتب لسنة 1404 ه -، 1981 م / بيروت - لبنان.

215. تاريخ خليفة بن خياط / تأليف: ابن خياط العصفري (ت 240 ه -) / تحقيق: سهيل زكار / طبع: دار الفكر لسنة 1414 ه -، 1993 م / بيروت - لبنان.

216. تاريخ خليفة بن خياط العصفري / رواية بقيّ بن مخلّد (ت 240 ه -) / تحقيق: سهيل زكار / طبع: وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي لسنة 1387 ه -، 1968 م / دمشق - سوريا.

217. تاريخ عمر بن الخطاب / تأليف: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي، ابن الجوزي (ت 597 ه -) / تحقيق: أحمد شرحان / طبع: مكتبة المؤيد لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطائف - المملكة العربية السعودية.

218. تاريخ عمر بن الخطاب تأليف: ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 579 ه -) / تحقيق: أحمد شرحان / طبع: مكتبة التراث لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / دير الزور - سوريا.

219. تاريخ مختصر الدول / تأليف: العلامة غريغوريوس الملطي المعروف بابن العبري (ت 1286 ه -) / طبع: المطبعة الكاثوليكية لسنة 1307 ه -، 1890 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

220. تاريخ مختصر الدول / تأليف: العلامة غريغوريوس الملطي المعروف بابن العبري (ت 1286 ه -) / طبع: المطبعة الكاثوليكية لسنة 1377 ه -، 1958 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

221. تاريخ مدينة دمشق / تأليف: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت 571 ه -) / تحقيق: عمر بن غرامة العمروي / طبع: دار الفكر

ص: 163

للطباعة والنشر التوزيع لسنة 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

222. تاريخ مدينة دمشق / تأليف: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت 571 ه -) / تحقيق: علي شيري / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

223. تاريخ معالم المدينة المنورة قديما وحديثاً / تأليف: السيد أحمد ياسين أحمد الخيّأر المدني الأزهري الحسيني (ت 380 ه -) / طبع وإصدار: النادي الأدبي لسنة 1410 ه -، 1990 م / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

224. تاريخ واسط / تأليف: أسلم بن سهيل الرزاز الواسطي (ت 292 ه -) / تحقيق: كوكيس عواد / طبع: عالم الكتب / بيروت - لبنان.

225. تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة / تأليف: الفقيه المفسر والعلامة المتبحر السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادي النجفي / تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف / طبع: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام لسنة 1407 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / قم القدسة - إيران.

226. تأويل مختلف الحديث / تأليف: عبد الله بن مسلم أبو محمد ابن قتيبة الدينوري (ت 242 ه -) / تحقيق: محمد زهري النجار / طبع: دار الجيل لسنة 1393 ه -، 1972 م / بيروت - لبنان.

227. تأويل مشكل القرآن / تأليف: أبو محمد عبد الله بن مسلم المعروف (بابن قتيبة) (ت 276 ه -) / طبع: دار التراث لسنة 1393 ه -، 1973 م / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

228. تأويل مشكل القرآن / تأليف: أبو محمد عبد الله بن مسلم المعروف (بابن قتيبة) (ت 276 ه -) / تحقيق: إبراهيم شمس الدين / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1428 ه -، 2007 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

229. التائبين من أصحاب سيد المرسلين صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: أبو

ص: 164

محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (ت 620 ه -) / طبع: مؤسسة الريان لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

230. تبصير المنتبه بتحرير المشتبه / تأليف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني / تحقيق: علي محمد اليحاوي / طبع: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر لسنة 1386 ه -، 1967 م / القاهرة - مصر.

231. التبيان في تفسير القرآن / تأليف: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه -) / طبع: مكتب الإعلام الإسلامي لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

232. التبين في أنساب القرشيين / تأليف: عبد الله ابن أحمد بن قدامه المقدسي (ت 682 ه -) / تحقيق: محمد نايف الدليمي / طبع: عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

233. التبين في أنساب القرشيين / تأليف: عبد الله ابن أحمد بن قدامه المقدسي (ت 682 ه -) / طبع: مكتبة النهضة العربية لسنة 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

234. التبين لابن قدامة المقدسي (هل المقصود التبيان في آداب حملة القرآن / تأليف: موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد ابن محمد ابن قدامه المقدسي).

235. التبيين في شرح الأربعين / تأليف: محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن جماعة الشافعي (ت 819 ه -) / مخطوط يرقد في الأزهر الشريف برقم (307529) / القاهرة - مصر.

236. تتمة المختصر في أخبار البشر (تاريخ ابن الوردي) / تأليف: زين الدين عمر بن الوردي (ت 749 ه -) / تحقيق: أحمد رفعت البدراوي / طبع: دار المعرفة لسنة 1389 ه -، 1970 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

237. تتمة ديوان الصنوبري / تأليف: أحمد بن محمد بن الحسن الصنوبري (ت

ص: 165

334 ه -) / تحقيق: لطفي الصقال، درية الخطيب / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1391 ه -، 1972 م / حلب - سوريا.

238. تجارب الأمم / تأليف: أحمد بن محمد مسكويه الرازي (ت 421 ه -) / تحقيق: ألدكتور أبو القاسم إمامي / طبع: دار سروش للطباعة والنشر لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الثانية / طهران - إيران.

239. تحرير تقريب التهذيب / تأليف: الدكتور بشار عواد معروف والشيخ شعيب الأرنؤوط / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

240. التحرير والتنوير / تأليف: الشيخ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت 1393 ه -) / طبع: الدار التونسيّة للنشر لسنة 1404 ه -، 1984 م / تونس.

241. التحصين / تأليف: السيد ابن طاووس (ت 664 ه -) / تحقيق: الأنصاري / طبع: مؤسسة دار الكتاب (الجزائري) لسنة 1413 ه -، 1993 م الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

242. تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: ابن شعبة الحراني / تصحيح وتحقيق: علي أكبر الغفاري / نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1404 ه -، 1983 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

243. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي / تأليف: محمد بن عبد الرحمان المباركفوري (ت 1353 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان.

244. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي / تأليف: محمد بن عبد الرحمان المباركفوري (ت 1353 ه -) / تحقيق: عصام الصبابطي / طبع: دار الحديث لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

245. تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف / تأليف: الحافظ المزي جمال الدين أبي

ص: 166

الحجاج يوسف بن الزكي بن عبد الرحمن (ت 742 ه -) / تحقيق: عبد الصمد شرف الدين / طبع: المكتب الإسلامي والدار القيّمة لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثانية.

246. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: محمد بن علي الشوكاني (ت 1250 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه -، 2003 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

247. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة / تأليف: شمس الدين السخاوي (ت 902 ه -) / تحقيق: أسعد طرابزوني الحسني / طبع: المكتبة العلمية لسنة 1399 ه -، 1979 م / الطبعة الأولى / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

248. تحفة المحتاج / تأليف: ابن الملقن عمر بن علي بن أحمد الوادياشي الأندلسي (ت 804 ه -) / تحقيق: عبد الله بن سعاف اللحياني / طبع: دار حراء لسنة 1406 ه -، 1986 م / مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

249. تحفة ذوي الألباب / تأليف: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (ت 764 ه -) / طبع ونشر: منشورات وزارة الثقافة لسنة 1411 ه -، 1991 م / دمشق - سوريا.

250. تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة / تأليف: أبو بكر بن الحسين بن أبي الفخر المراغي (ت 816 ه -) / تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعي / طبع: المكتبة العلمية لسنة 1401 ه -، 1981 م / الطبعة الثانية / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

251. التحقيق في أحاديث الخلاف / تأليف: عبد الرحمن بن الجوزي (ت 597 ه -) / تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني / طبع: دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان.

252. تحليل سلوك الارتجال عند المرأة / تأليف: ليلى شريف

253. تخريج الأحاديث و الاثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري / تأليف:

ص: 167

جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (ت 762 ه -) / تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد / طبع: دار ابن خزيمة لسنة 1414 ه -، 1994 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

254. تدوين القرآن / تأليف: الشيخ علي الكوراني العاملي / طبع: دار القرآن الكريم لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

255. التدوين في أخبار قزوين / تأليف: الرافعي القزويني عبد الكريم محمد / تحقيق: عزيز الله عطاردي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1407 ه -، 1987 م / بيروت - لبنان.

256. تذكرة الحفاظ / تأليف: محمد بن طاهر القيسراني (ت 507 ه -) / تحقيق: حمدي عبد المجيد / طبع: دار الصميعي لسنة 1415 ه -، 1995 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

257. تذكرة الحفاظ / تصنيف: أبو عبد الله، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (ت 748 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي / بيروت - لبنان.

258. التذكرة الحمدونية / تأليف: أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون (ت 562 ه -) / طبع: دار صادر لسنة 1416 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

259. تذكرة الخواص / تأليف: سبط ابن الجوزي / طبع: دار الحيدرية.

260. تذكرة الخواص / تأليف: سبط ابن الجوزي / طبع: دار العلوم لسنة 1425 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

261. تذكرة الفقهاء / تأليف: العلامة الحلي / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

262. تذكرة الموضوعات / تأليف: محمد طاهر بن علي الهندي الفتني / طبع:

ص: 168

مطبعة أديان لسنة 1334 ه -، 1916 م / الهند.

263. تذكرة النحاة / تأليف: أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي (ت 745 ه -) / تحقيق: د. عفيف عبد الرحمن / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

264. تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب / تأليف: داود بن عمر الأنطاكي / طبع: المكتبة الثقافية / بيروت - لبنان.

265. تذهيب التذهيب / تأليف: شهاب الدين أحمد بن علي الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / تحقيق: إبراهيم الزيبق، عادل مرشد / طبع: مؤسسة الرسالة.

266. تذهيب التذهيب / تأليف: شهاب الدين أحمد بن علي الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / طبع: دار صادر لسنة 1325 ه -، 1907 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

267. ترتيب الموضوعات / تأليف: ابن الجوزي / تصنيف: محمد بن أحمد بن عثمان بن قائماز الذهبي / تحقيق: كمال بن بسيوني زغلول / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1425 ه -، 2004 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

268. الترغيب والترهيب من الحديث الشريف / تأليف: الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوى بن عبد الله، أبو محمد المنذري (ت 656 ه -) / تحقيق: محي الدين مستو، سمير أحمد العطار، يوسف علي بديوي / طبع: دار ابن كثير / سوريا.

269. الترغيب والترهيب من الحديث الشريف / تأليف: الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوى بن عبد الله، أبو محمد المنذري (ت 656 ه -) / تحقيق: محي الدين مستو، سمير أحمد العطار، يوسف علي بديوي / طبع: دار الكلم الطيب لسنة 1416 ه -، 1996 م / سوريا.

270. تركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: حماد بن إسحاق البغدادي (ت

ص: 169

267 ه -) / تحقيق: أكرم ضياء العمري / طبع: دار المعرفة لسنة 1404 ه -، 1984 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

271. تسمية أزواج النبي عليه الصلاة وأولاده / تأليف: أبي عبيدة معمر بن المثنى البصري (ت 209 ه -) / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1402 ه -، 1982 م / بيروت - لبنان.

272. التسهيل لعلوم التنزيل / تأليف: الشيخ أبو القاسم محمد بن أحمد بن جز الكلبي (ت 741 ه -) / تحقيق: محمد سالم هاشم / طبع: دار الكتب العلمية 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

273. تصحيح اعتقادات الإمامية / تأليف: الشيخ المفيد / تحقيق: حسين دركاهي / طبع: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

274. تطور اللغة عند الطفل / تأليف: عبد الرحيم صالح / طبع: دار النفائس للنشر والتوزيع / الأردن.

275. تطور ميدان الأسرة للدكتورة علياء شكري

276. التعازي والمراثي / تأليف: أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد (ت 285 ه -) / تحقيق: محمد الديباجي / طبع: دار صادر لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

277. تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأمة الأربعة / تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي / تحقيق: د. اكرام الله إمداد الحق / طبع: دار الكتاب العربي / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

278. التعديل والتجريح / تأليف: سليمان بن خلف بن سعد، ابن أيوب الباجي المالكي (ت 474 ه -) / تحقيق: الأستاذ أحمد البزار / طبع: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية / مراكش - المغرب.

279. التعريف بما أنست دار الهجرة من معالم دار الهجرة / تأليف: محمد بن

ص: 170

أحمد المطري (ت 741 ه -) / طبع: المكتبة العلمية لسنة 1402 ه -، 1982 م / المدينة المنور - المملكة العربية السعودية.

280. تعليق من أمالي بن دريد / تأليف: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت 321 ه -) / تحقيق: السيد مصطفى السنوسي، مدرس اللغة العربية بجامعة الكويت / طبع: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب قسم التراث العربي لسنة 1404 ه -،، 1984 م / الطبعة الاولى / الكويت.

281. تغليق التعليق على صحيح البخاري / تأليف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني أبو الفضل شهاب الدين (ت 852 ه -) / تحقيق: سعيد القزفي / طبع: المكتب الإسلامي لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى.

282. تفسير ابن زمنين / تأليف: ابن أبي الزمنين (ت 399 ه -) / تحقيق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة - محمد بن مصطفى الكنز / طبع: دار الفاروق الحديثة لسنة 1423 ه -، 2003 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

283. تفسير ابن عربي / تأليف: ابن عربي (ت 638 ه -) / تصحيح وتقديم: الشيخ عبد الوارث محمد علي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

284. تفسير ابن كثير / تأليف: الحافظ ابو الفداء ابن كثير الدمشقي / تحقيق وتقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي / طبع: دار المعرفة لسنة 1412 ه -، 1992 م / بيروت - لبنان.

285. تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم) / تأليف: قاضي القحطان أبي السعود العمادي محمدب ن محمد بن مصطفى (ت 982 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي / بيروت - لبنان.

286. تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام / تأليف: الشيخ محمد صالح الأندمشكي / طبع: دار ذوي القربى لسنة 1425 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

ص: 171

287. تفسير البرهان / تأليف: السيد هاشم الحسيني البحراني (ت 1107 ه -) / طبع: مؤسسة البعثة لسنة 1416 ه -، 1996 م / طهران - إيران.

288. تفسير البغوي / تأليف: أبو محمد الحسين البغوي الشافعي / تحقيق: عبد الرزاق المهدي / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

289. تفسير البيضاوي (المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل) / تأليف: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت 691 ه -) / تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

290. تفسير الخازن (المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل) / تأليف: علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر ابن خليل الشيخي الصوفي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1399 ه -، 1979 م / بيروت - لبنان.

291. تفسير الخازن (المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل) / تأليف: علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر ابن خليل الشيخي الصوفي المعروف بالخازن (ت 725 ه -) / طبع: مطبعة إبراهيم المويلحي لسنة 1287 ه -، 1870 م / القاهرة - مصر.

292. تفسير الرازي / تأليف: ابو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي / طبع: دار الفكر لسنة 1401 ه -، 1981 م / بيروت - لبنان.

293. تفسير الرازي / تأليف: ابو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي / طبع: دار البهية / القاهرة - مصر.

294. تفسير السمرقندي / تأليف: نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي

ص: 172

/تحقيق: د. محمود مطرجي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1427 ه -، 2007 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

295. تفسير السمعاني / تأليف: السمعاني (ت 489 ه -) / تحقيق: ياسر بن إبراهيم - غنيم بن عباس بن غنيم / طبع: دار الوطن لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

296. تفسير الصافي / تأليف: المولى محسن الملقب بالفيض الكاشاني / تحقيق: صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسين الأعلمي / طبع: مؤسسة الهادي لسنة 1416 ه -، 1995 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

297. تفسير الصافي / تأليف: المولى محسن الملقب بالفيض الكاشاني / تصحيح وتعليق: العلامة الشيخ حسين الأعلمي / نشر: مكتبة الصدر لسنة 1416 ه -، 1995 م / الطبعة الثانية / طهران - إيران.

298. تفسير الصراط المستقيم / تأليف: السيد حسين البروجردي (ت 1340 ه -) / تصحيح وتعليق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي / طبع: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر لسنة 1416 ه -، 1996 م / قم المقدسة - إيران.

299. تفسير العياشي / تأليف: أبي النصر محمد بن مسعود العياشي / تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي / طبع: مؤسسة العلمي للمطبوعات لسنة 1411 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

300. تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين (تفسير ابن أبي حاتم) / تأليف: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ابن أبي حاتم / طبع: مكتبة نزار مصطفى الباز لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الثالثة / المملكة العربية السعودية.

301. تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين (تفسير ابن أبي حاتم) / تأليف: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ابن أبي حاتم / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1424 ه -،

ص: 173

2003 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

302. تفسير القرآن الكريم / تأليف: أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي / تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين / طبع: دفتر نشر الهادي لسنة 1420 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

303. تفسير القرآن الكريم / تأليف: السيد عبد الله بن محمد رضا بن محمد شبّر (ت 1242 ه -) / راجعه: الدكتور حامد حفني داود / طبع: دار السيد مرتضى الرضوي لسنة 1385 ه -، 1966 م / الطبعة الثالثة / قم المقدسة - إيران.

304. تفسير القرآن الكريم تفسير صدر المتألهين / تأليف: محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي المعروف ب - (صدر المتألهين) (ت 1050 ه -) / طبع: دار التعارف للمطبوعات لسنة 1419 ه -، 1998 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

305. تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه / تأليف: الشيخ محمد علي طه الدرة (ت 2007 ه -) / طبع: منشورات دار الحكم لسنة 1411 ه -، 1991 م / دمشق - سوريا.

306. تفسير القمي / تأليف: أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1412 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

307. التفسير الكبير / تأليف: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن التيمي الرازي الملقب فخر الدين بن حياء الدين الرازي المشتهر بخطيب الري (ت 606 ه -) / تحقيق: حسين بركة الشامي / طبع: مؤسسة دار السلام لسنة 1418 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / لندن.

308. تفسير المراغي / تأليف: أحمد بن مصطفى المراغي (أستاذ الشريعة واللغة العربية بكلية دار العلوم سابقاً) (ت 1371 ه -) / طبع: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده لسنة 1365 ه -، 1946 م / مصر.

309. التفسير المنير / تأليف: محمد نووي الجاوي / تحقيق: محمد أمين الصناوي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه -، 1997 م / بيروت - لبنان.

310. التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج / تاليف: الدكتور وهبة بن

ص: 174

مصطفى الزحيلي (رئيس قسم الفقه ومذاهبه في جامعة دمشق) / طبع: دار الفكر المعاصر لسنة 1418 ه -، 1998 م / دمشق - سوريا.

311. تفسير جوامع الجامع / تأليف: المفسر الكبير والمحقق النحرير الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من أعلام القرن السادس الهجري / تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1418 ه -، 1998 م / قم المقدسة - إيران.

312. تفسير روح البيان / تأليف: الشيخ إسماعيل حقي البروسوي / تحقيق: الشيخ أحمد عزو عناية / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1421 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

313. تفسير غريب القرآن / تأليف: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 ه -) / طبع: عيسى البابي / حلب - سوريا.

314. تفسير غريب القرآن / تأليف: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 ه -) / تحقيق: السيد أحمد صقر / طبع: المكتبة العلمية لسنة 1428 ه -، 2008 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

315. تفسير غريب القرآن الكريم / تأليف: الشيخ فخر الدين الطريحي / تحقيق: محمد كاظم الطريحي / طبع: المطبعة الحيدرية لسنة 1372 ه -، 1952 م / الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.

316. تفسير فرات الكوفي / تأليف: أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي من علماء عهد الغيبة الصغرى (ت 352 ه -) / تحقيق: محمد الكاظم / طبع: مؤسسة النشر والطبع بوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي لسنة لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

317. تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب / تأليف: المفسر الكبير والعالم العارف الميرزا محمد المشهدي بن محمد رضا بن إسماعيل بن جمال الدين القمي

ص: 175

من مشاهير القرن (12) (ت 1125 ه -) / تحقيق: حسين دركاهي / طبع: مؤسسة النشر والطبع وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي لسنة 1407 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

318. تفسير مجمع البيان / تأليف: أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه -) / طبع: دار إحياء الترث العربي لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

319. تفسير نور الثقلين / تأليف: الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (ت 1112 ه -) / طبع: المطبعة العلمية لسنة 1382 ه -، 1962 م / قم المقدسة - إيران.

320. تفسير نور الثقلين / تأليف: الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (ت 1112 ه -) / تحقيق وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي / نشر: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1412 ه -، 1991 م / الطبعة الرابعة / قم المقدسة - إيران.

321. تفكير الأطفال تطوره وطرق تعليمه / تأليف: د. يوسف قطامي / طبع: دار الأهلية للنشر والتوزيع لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى.

322. تقييد العلم / تأليف: أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، أبو بكر / تحقيق: يوسف العش / طبع: دار إحياء السنة النبوية لسنة 1394 ه -، 1974 م / القاهرة - مصر.

323. تكسير الأصنام بين تصريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعتيم البخاري / تأليف: السيد نبيل قدوري الحسني / نشر: شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية في العتبة الحسينية المقدسة / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1433 ه -، 20012 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

324. التكملة لكتاب الصلة / تأليف: الحافظ ابي عبد الله محمد بن عبد الله بن ابي بكر القضاعي البلنسي المعروف بابن الأبار (ت 659 ه -) / طبع: مطبعة السعادة لسنة 1374 ه -، 1955 م / القاهرة - مصر.

ص: 176

325. تلخيص الحبير / تأليف: ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني / طبع: المدينة المنورة لسنة 1384 ه -، 1964 م.

326. تلخيص المستدرك / تأليف: محمد بن أحمد الذهبي / نشر: دار الكتب / القاهرة - مصر.

327. تلخيص المستدرك / تأليف: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، شمس الدين، أبو عبد الله الذهبي (ت 748 ه -) / تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1426 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

328. تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير / تأليف: جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (ت 597 ه -) / طبع: مكتبة الآداب لسنة 1395 ه -، 1975 م / القاهرة - مصر.

329. تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون / تأليف: الخليل بن أيبك الصفدي (ت 764 ه -) / تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم / طبع: منشورات المكتبة العصرية لسنة 1388 ه -، 1969 م / صيدا - لبنان.

330. التمهيد / تأليف: ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري (ت 463 ه -) / تحقيق: مصطفى أحمد العلوي / طبع: وزارة عموم الأوقاف / المغرب.

331. تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل / تأليف: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي (ت 403 ه -) / تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1407 ه -، 1987 م / بيروت - لبنان.

332. تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام) / تأليف: أبي الحسين ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري (ت 605 ه -) / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

333. تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين / تاليف: الحاكم المحسن بن محمد بن

ص: 177

أحمد بن الحسن بن كرامة بن إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام (ت 494 ه -) / تحقيق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي / طبع: مركز الغدير للدراسات الإسلامية لسنة 1420 ه -، 2000 م / قم المقدسة - إيران.

334. التنبيه والأشراف / تاليف: المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي / طبع: مكتبة خياط لسنة 1384 ه -، 1965 م / بيروت - لبنان.

335. تنقيح المقال في علم الرجال / تأليف: الشيخ عبد الله المامقاني / تحقيق: الشيخ محي الدين المامقاني / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

336. تنوير الحوالك / تأليف: السيوطي (ت 911 ه -) / طبع: المكتبة التجارية الكبرى لسنة 1388 ه -، 1969 م / مصر.

337. تهذيب الأحكام / تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه -) / تحقيق: محمد جعفر شمس الدين / طبع: دار التعارف للمطبوعات لسنة 1412 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

338. تهذيب الأسماء واللغات / تأليف: ابن حزام أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرق النووي / طبع: دار الفكر لسنة 1416 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

339. تهذيب الأسماء واللغات / تأليف: النووي أبو زكريا محي الدين بن شرف (ت 676 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان.

340. تهذيب الألفاظ (أقدم معجم في المعاني) / تأليف: أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت (ت 244 ه -) / تحقيق: لويس شيخو اليسوعي / طبع: المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين لسنة 1314 ه -، 1897 م / بيروت - لبنان.

341. تهذيب التهذيب / تأليف: شهاب الدين أحمد بن علي الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1416 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

ص: 178

342. تهذيب التهذيب / تأليف: شهاب الدين أحمد بن علي الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

343. تهذيب الخصائص النبوية الكبرى / تأليف: جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت 911 ه -) / تعليق وتخريج: عبد الله التليدي / طبع: دار البشائر الإسلامية لسنة 1410 ه -، 1990 م / بيروت - لبنان.

344. تهذيب السيرة النبوية / تأليف: أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (ت 676 ه -) / طبع: دار البصائر لسنة 1400 ه -، 1980 م / دمشق - سوريا.

345. تهذيب الصحاح / تأليف: محمود بن أحمد الزنجاني (ت 656 ه -) / تحقيق: عبد السلام هارون، وأحمد عطار / طبع: دار المعارف لسنة 1371 ه -، 1952 م / القاهرة - مصر.

346. تهذيب الكمال في أسماء الرجال / تأليف: الحافظ المتقن جمال أبو الحجاج يوسف المزي (ت 742 ه -) / تحقيق وضبط وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1425 ه -، 2004 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

347. تهذيب الكمال في أسماء الرجال / تأليف: الحافظ المتقن جمال أبو الحجاج يوسف المزي (ت 742 ه -) / تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

348. تهذيب اللغة / تأليف: أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 ه -) / تحقيق: محمد عوض مرعب، عمر سلامي، عبد الكريم حامد / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1421 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

349. تهذيب تاريخ دمشق / تأليف: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (ت 571 ه -) / ترتيب وتصحيح: عبد القادر بدران الحنبلي (ت

ص: 179

1346 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

350. تهذيب سير أعلام النبلاء / تأليف: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

351. التوحيد / تأليف: الشيخ الجليل الأقدم أبي جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق / تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين / قم المقدسة - إيران.

352. توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم / تأليف: ابن ناصر الدين شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد القيسي الدمشقي (ت 842 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1414 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

353. الثاقب في المناقب / تأليف: ابن حمزة الطوسي (ت 560 ه -) / تحقيق: نبيل رضا علوان / طبع: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

354. الثغور الباسمة في فضائل السيدة فاطمة / تأليف: جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت 911 ه -) / طبع: دار الصحابة للتراث لسنة 1411 ه -، 1991 م / طنطا - مصر.

355. الثغور الباسمة في فضائل السيدة فاطمة / تأليف: جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت 911 ه -) / تحقيق: محمد سعيد الطريحي / الطبعة الأولى / نشر: دار العلوم / سنة الطبع: 1408 ه -، 1987 م / بيروت - لبنان.

356. الثمر الداني شرح رسالة ابن ابي زيد القيرواني / تأليف: صالح عبد السميع

ص: 180

الآبي الأزهري / طبع: المكتبة الثقافة / بيروت - لبنان.

357. ثمرات الأوراق / تأليف: أبو بكر بن محمد بن حجة الحموي / تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم / طبع: مكتبة العصرية لسنة 1426 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى.

358. ثواب الأعمال وعقابها / تأليف: الشيخ الصدوق/ تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان / طبع: منشورات الشريف الرضي لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

359. جام البيان عن تأويل آي القرآن / تأليف: محمد بن جرير الطبري (ت 310 ه -) / تقديم: الشيخ خليل الميس / ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

360. الجامع / تأليف: معمر بن راشد الأزدي (ت 151 ه -) / تحقيق: حبيب الأعظمي / طبع: دار المكتب الإسلامي لسنة 1403 ه -، 1983 م / بيروت - لبنان.

361. جامع أحاديث الشيعة / تأليف: السيد البروجردي / طبع: المطبعة العلمية لسنة 1399 ه -، 1978 م / قم المقدسة - إيران.

362. جامع الأحاديث (الجامع الصغير وزوائده والجامع الكبير والجامع الأزهر) تأليف: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه -) / تحقيق: عباس أحمد صقر - أحمد عبد الجواد / إشراف: مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

363. جامع الأخبار أو معارج اليقين في أصول الدين / تأليف: الشيخ محمد السبزواري من أعلام القرن السابع الهجري / تحقيق: علاء آل جعفر / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / قم المقدسة - إيران.

364. جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الشيباني الجزريّ (ت 606 ه -) / طبع:

ص: 181

منشورات دار ابن الأثير لسنة 1412 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان / توزيع: دار البشائر / دمشق - سوريا.

365. جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الشيباني الجزريّ (ت 606 ه -) / تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط / نشر: دار الفكر لسنة 1420 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

366. جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) / تأليف: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري / طبع: دار ابن حزم - دار الإعلام لسنة 1423 ه -، 2003 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

367. جامع الرواة وإزاحة الشبهات عن طرق الإسناد / تصنيف: العلامة الفاضل محمد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري من علماء النصف الأخير من القرن الهادي عشر الهجري / طبع: منشورات دار الأضواء لسنة 1403 ه -، 1983 م / بيروت - لبنان.

368. جامع الرواة وإزاحة الشبهات عن طرق الإسناد / تصنيف: العلامة الفاضل محمد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري من علماء النصف الأخير من القرن الهادي عشر الهجري / طبع: مكتبة السيد المرعشي النجفي لسنة 1403 ه -، 1982 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

369. جامع السعادات / تأليف: ملا محمد مهدي النراقي / تحقي وتعليق: السيد محمد كلانتر / تقديم: الشيخ محمد رضا المظفر / طبع: دار النعمان للطباعة والنشر / النجف الأشرف - العراق.

370. الجامع الصحيح سنن الترمذي / تأليف: أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ه -) / طبع: دار الحديث / القاهرة - مصر.

371. الجامع الصغير من حديث البشير النذير / تأليف: جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت 911 ه -) /

ص: 182

تحقيق: عبد الله محمد الدرويش / طبع: المحقق عبد الله محمد الدرويش / دمشق - سوريا.

372. الجامع الصغير من حديث البشير النذير / تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي (ت 911 ه -) / تحقيق: محمد بن عبد الرؤوف بن تاج الدين بن علي بن زين العابدين المناوي / طبع: دار طائر العلم / الطبعة الأولى / جدة - المملكة العربية السعودية.

373. الجامع الصغير من حديث البشير النذير / تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي (ت 911 ه -) / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1401 ه -، 1981 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

374. جامع العلوم والحكم / تأليف: ابن رجب الحنبلي / نشر: مؤسسة الرسالة / سنة الطبع: 1422 ه -، 2001 م / بيروت - لبنان.

375. جامع العلوم والحكم / تأليف: ابن رجب الحنبلي أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد (ت 750 ه -) / طبع: دار المعرفة / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

376. جامع كرامات الأولياء / تأليف: يوسف بن إسماعيل النبهاني (ت 1350 ه -) / تحقيق: إبراهيم عطوه عوض / طبع: المكتبة الشعبية لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

377. الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) / تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري شمس الدين القرطبي (ت 671 ه -) / تحقيق ومراجعة: صدقي جميل وعرفات العشا / طبع: دار الفكر لسنة 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

378. الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) / تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري شمس الدين القرطبي (ت 671 ه -) / تحقيق: احمد عبد العليم البردوني / طبع: دار إحياء التراث العربي / بيروت -

ص: 183

لبنان.

379. الجامع من المقدمات / تأليف: ابن رشد أبي الوليد محمد بن رشيد القرطبي المالكي (ت 520 ه -) / تحقيق: د. المختار بن الطاهر التليلي / طبع: دار الفرقان / الأردن.

380. الجامع من المقدمات / تأليف: ابن رشد أبي الوليد محمد بن رشيد القرطبي المالكي (ت 520 ه -) / نشر دار الكتب العلمية لسنة 1423 ه -، 2003 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

381. الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه / تصنيف: محمود صافي (ت 1405 ه -) / طبع: دار الرشيد لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

382. الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه / تصنيف: محمود صافي (ت 1405 ه -) / طبع: دار الرشيد لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الرابعة / دمشق - سوريا.

383. الجرح والتعديل / تأليف: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميميم الحنظلي الرازي (ت 277 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي / بيروت - لبنان.

384. الجعفريات / تأليف: محمد بن محمد بن أشعث الكوفي / طبع: مكتبة نينوى الحديثة / طهران - إيران.

385. جلاء الأبصار والبصائر لابن قضيب البان (مخطوط) / يرقد في مكتبة الأسد / دمشق - سوريا.

386. جلاء العيون / تأليف: محمد باقر بن محمد تقي المجلسي / طبع: مؤسسة سرور لسنة 1415 ه -، 1995 م / قم المقدسة - إيران.

387. الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي / تأليف: ابو الفرج المعافي بن زكريا النهرواني الجريري (ت 390 ه -) / طبع: عالم الكتب لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

388. الجليس الصالح والأنيس الناصح / تأليف: أبو المظفر، شمس الدين يوسف

ص: 184

بن فزأوغلي بن عبد الله، سبط أبي الفرج ابن الجوزي الحنفي (ت 654 ه -) / تحقيق: د. فواز صالح فواز / طبع: رياض الريس للكتب والنشر لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / لندن - بريطانيا.

389. جمال الأسبوع / تأليف: السيد ابن طاووس (ت 664 ه -) / تحقيق: جوادي قيومي الجزة اي الاصفهاني / طبع: مؤسسة الآفاق لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

390. جمالك سيدتي / طبع: بيروت - لبنان.

391. جمع الفوائد من جامع الأصول والفوائد / تأليف: محمد بن محمد بن سليمان بن الفاسي بن طاهر المغربي (ت 1094 ه -) / طبع: دار القبلة للثقافة الإسلامية / جدة - المملكة العربية السعودية.

392. الجمع بين رجال الصحيحين بخاري ومسلم / تأليف: الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي يعرف باب القيسراني الشيباني (ت 507 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

393. الجمع بين رجال الصحيحين بخاري ومسلم / تأليف: الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي يعرف باب القيسراني الشيباني (ت 507 ه -) / طبع: دار الباز / الطبعة الأولى / مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

394. الجمل في النحو / تأليف: أبو القاسم عبد الرحمن بن إساق الزجاجي (ت 340 ه -) / تحقيق: د. علي توفيق الحمد / طبع: مؤسسة الرسالة دار الأمل لسنة 1404 ه -، 1984 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

395. جمهرة الأمثال / تأليف: الحسن بن عبد الله بن سهل، أبو هلال العسكري (ت 394 ه -) / طبع: دار الجيل لسنة 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

396. جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف / تأليف: السيد محمود أبو الفيض المنوفي الحسيني (ت 895 ه -) / طبع: مؤسسة الحلبي وشركائه لسنة 1387 ه -،

ص: 185

1967 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

397. جمهرة النسب لابن الكلبي / تأليف: أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت 204 ه -، / تحقيق: الدكتور ناجي حسن / طبع: عالم الكتب لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

398. جمهرة وصايا العرب / تأليف: محمد نايف الديلمي / طبع: منشورات دار النضال لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

399. الجهاد / تأليف: أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك أبو بكر (ت 287 ه -) / تحقيق: مساعد بن سليمان الراشد الجميد / طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

400. جوامع السيرة النبوية / تأليف: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي الظاهري (ت 456 ه -) / طبع: دار ابن كثير / دمشق - سوريا.

401. جواهر التاريخ (السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام) / تأليف: الشيخ علي الكوراني العاملي / طبع: دار باقيات لسنة 1430 ه -، 2009 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

402. جواهر الدر المكنون وعجائب السر المخزون / تأليف: محمد بن إسماعيل الكبسي (ت 1308 ه -) / تحقيق: زيد بن علي الوزير / طبع: منشورات العصر الحديث للنشر والتوزيع لسنة 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

403. الجواهر السنية في الأحاديث القدسية / تأليف: محمد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

404. جواهر السيرة النبوية / تأليف: قرني طلبه بدوي / طبع: مطبعة الإستقامة / القاهرة - مصر.

405. جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجلي والنسب العلي / تأليف:

ص: 186

علي بن عبد الله الحسني السمهودي / تحقيق: د. موسى بناي العليلي / طبع: وزارة الأوقاف لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بغداد - العراق.

406. جواهر الكلام / تأليف: العلامة الشيخ الجواهري (ت 1266 ه -) / تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوجاني / طبع: دار الكتب الإسلامية لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الثانية / طهران - إيران.

407. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام / تأليف: محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي (ت 871 ه -) / تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي / طبع: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

408. الجوهر الثمين في سيرة الخلفاء والملوك والسلاطين / تأليف: إبراهيم بن محمد بن أيدمر العلائي المعروف بابن دقماق (ت 809 ه -) / تحقيق: الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور / طبع: جامعة أم القرى لسنة 1402 ه -، 1982 م / مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

409. الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم / تأليف: أبو العباس أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي الشافعي (ت 974 ه -) / طبع ونشر: دار جوامع الكلم (شيخة الطريقة الجعفرية) التي أسسها شيخ الأزاهر صالح الجعفري لسنة 1413 ه -، 1993 م / القاهرة - مصر.

410. الجوهر النقي / تأليف: علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني (ت 745 ه -) / في هامش السنن الكبرى للبيهقي / طبع: دار المعرفة / بيروت - لبنان.

411. الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة / تأليف: محمد بن أبي بكر الشهير بالبري (ت 645 ه -) / طبع: دار الرفاعي للنشر لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

412. حاشية ابن القيم / تأليف: محمد بن أبي بكر الزرعي (ت 751 ه -) / طبع: دار

ص: 187

الكتب العلمية لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

413. حاشية السندي / تأليف: نور الدين بن عبد الهادي (ت 1138 ه -) / تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة / طبع: مكتب المطبوعات الإسلامية / الطبعة الثانية / حلب - سوريا.

414. حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (المسمى عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي) / تأليف: شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري الحنفي (ت 1069 ه -) / طبع: المكتبة الإسلامية / دياربكر - تركيا.

415. حاشية رد المختار على درر المختار - شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب ابي حنيفة النعمان / تأليف: محمد أمين (ابن عابدين) / طبع: دار الفكر لسنة 1424 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

416. الحاوي / تأليف: الفتاوي جلال الدين عبدا لرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي (ت 911 ه -) / طبع: المكتبة العسرية لسنة 1411 ه -، 1991 م / صيدا - لبنان.

417. الحاوي للفتاوي / تأليف: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1402 ه -، 1982 م / بيروت - لبنان.

418. الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب / تأليف: السيد أبو علي، فخار بن معد بن فخار الموسوي (ت 630 ه -) / تحقيق: السيد محمد بحر العلوم / طبع: مطبعة الآداب لسنة 1384 ه -، 1965 م / الطبعة الثانية / النجف الأشرف - العراق.

419. الحجة على أهل المدينة / تأليف: محمد بن الحسن الشيباني / تعليق: السيد مهدي حسن الكيلاني القادري / طبع: دار عالم الكتب لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

420. حجية السنة / تأليف: عبد الغني عبد الخالق / طبع: دار الوفاء / بيروت -

ص: 188

لبنان.

421. حدائق الأنوار ومطالع الأسرار / تأليف: محمد بن عمر بن مبارك الحميري الحضرمي الشافعي (ت 930 ه -) / طبع: مطبعة محمد هاشم الكتبي / دمشق - سوريا.

422. الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة / تأليف: المحقق يوسف البحراني / تحقيق: محمد تقي الإيرواني / طبع: دار الأضواء لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

423. حديث شد الأثواب في سد الأبواب / تأليف: الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / شرح وتعليق: سعيد محمد اللحام / طبع: عالم الكتب لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

424. حركة التاريخ وسننه عند علي وفاطمة عليهما السلام / تأليف: السيد نبيل قدوري الحسني / نشر: شعبة الدراسات والبحوث الإسلامي في العتبة الحسينية المقدسة / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1430 ه -، 2009 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

425. حقيقة الإمامة في مدرسة العرفان / تأليف: المولى الشيخ عز الدين الحسين بن عبد الصمد بن الشيخ شمس الدين محمد الجبعي العاملي الحارثي الهمداني (ت 984 ه -) / طبع: مركز بقية الله الأعظم لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

426. حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار عليهم السلام / تأليف: السيد هاشم البحراني (ت 1107 ه -) / طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية لسنة 1411 ه -، 1991 م / قم المقدسة - إيران.

427. حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار عليهم السلام / تأليف: السيد هاشم البحراني (ت 1107 ه -) / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1413 ه -، 1992 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

ص: 189

428. حلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار عليهم السلام / تأليف: السيد هاشم البحراني (ت 1107 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي / بيروت - لبنان.

429. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء / تأليف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصفهاني الشافعي (ت 430 ه -) / تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا / نشر: دار الكتب العالمية لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

430. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء / تأليف: أبو نيعم أحمد بن عبد الله الإصبهاني الشافعي (ت 430 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

431. الحماسة البصرية / تأليف: صدر الدين علي بن الحسن البصري / تحقيق: مختار الدين أحمد / طبع: دار عالم الكتب لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

432. حياة الصحابة / تأليف: الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي (ت 1384 ه -) / تحقيق: محمد شحاتة إبراهيم / طبع: دار صلاح الدين لسنة 1417 ه -، 1997 م.

433. حياة الصحابة / تأليف: الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي (ت 1384 ه -) / تحقيق: الشيخ نايف العباس، محمد علي دولة / طبع: دار القلم لسنة 1403 ه -، 1982 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

434. حياة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: محمد عطية الأبراشي / طبع: مكتبة مصر لسنة 1400 ه -، 1980 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

435. حياة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - / تأليف: واشنجتون إيرفنج / ترجمة: الدكتور علي حسن الخربوطل / طبع: دار المعارف / القاهرة - مصر.

436. خاتم النبيين صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: الشيخ الدكتور محمد أبو زهرة (ت 1316 ه -) / طبع: منشورات المكتبة العصرية / صيدا - لبنان.

437. خاتمة المستدرك / تأليف: ميرزا حسين النوري الطبرسي / تحقيق: مؤسسة

ص: 190

آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1415 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

438. خديجة بنت خويلد / تأليف: محمد كامل حسن المحامي / إشراف ومراجعة: عادل نويهض / طبع: المكتب العالمي للطباعة والنشر لسنة 1397 ه -، 1977 م / بيروت - لبنان.

439. خديجة بنت خويلد عليها السلام أمّة جمعت في امرأة / تأليف: السيد نبيل قدوري حسن الحسني / نشر: شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية في العتبة الحسينية المقدسة / طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة 1432 ه -، 2011 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

440. الخراج / تأليف: يحيى بن آدم / طبع: مطبعة بريل لسنة 1255 ه -، 1839 م / ليدن - هولندا.

441. الخراج وصناعة الكتابة / تأليف: قدامة بن جعفر، الكاتب البغدادي (ت 329 ه -) / تحقيق: الدكتور محمد حسين الزبيدي / طبع: دار الرشيد لسنة 1401 ه -، 1981 م / بغداد - العراق.

442. الخرائج والجرائح / تأليف: سعيد بن عبد الله بن حسين بن هبة الله بن حسن الراوندي الكاشاني المعروف ب - (قطب الدين) (ت 573 ه -) / تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف / طبع: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام لسنة 1409 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

443. خزانة الأدب وغاية الأرب / تأليف: أبو بكر تقي الدين، علي بن عبد الله المعروف بابن حجة الحموي الأزراري (ت 837 ه -) / طبع: دار أو مكتبة الهلال لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

444. خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب / تاليف: عبد القادر بن عمر البغدادي (ت 1093 ه -) / تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون / طبع: مكتبة الخانجي لسنة 1418 ه -، 1997 م / الطبعة الرابعة / القاهرة - مصر.

ص: 191

445. الخصال / تأليف: الشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381 ه -) / تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1403 ه -، 1982 م / قم المقدسة - إيران.

446. الخصائص الفاطمية / تأليف: الشيخ الواعظ محمد باقر الكجوري (ت 1313 ه -) / ترجمة: سيد علي جمال أشرف / طبع: إنتشارات الشريف الرضي لسنة 1380 ه -، 1960 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

447. الخصائص الفاطمية / تأليف: الشيخ الواعظ محمد باقر الكجوري (ت 1313 ه -) / ترجمة: سيد علي جمال أشرف / طبع: إنتشارات الشريف الرضي لسنة 1421 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

448. الخصائص النبوية للسيوطي / عبد الله التليدي / نشر: دار البشائر الإسلامية لسنة 1410 ه -، 1990 م / بيروت - لبنان.

449. خصائص الوحي المبين / تأليف: ابن البطريق (ت 600 ه -) / تحقيق: الشيخ مالك المحمودي / طبع: دار القرآن الكريم مطبعة نغين لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

450. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - / تأليف: أبو عبد الرحنم أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه -) / طبع: مكتبة المعلا لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / الكويت.

451. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - / تأليف: أبو عبد الرحنم أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه -) / طبع: دار التقدم / القاهرة - مصر.

452. الخصوصيات النبوية / تأليف: ابن قضيب البان، إبراهيم بن أحمد (ت 1308 ه -) / مخطوطة يرقد في مكتبة الأسد برقم (12730).

453. خصوصيات النبي / تأليف: أحمد بن محمد القسطلاني / طبع: الدار

ص: 192

المصرية لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

454. خفايا وأسرار حياة الجنين النوراني (وقوت الأرواح) / تأليف: عناية حسن أخضر / طبع: دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت - لبنان.

455. خلاصة البدر المنير / تأليف: عمر بن علي بن الملقن الأنصاري (ت 804 ه -) / تحقيق: حمدي بن عبد المجيد بن إسماعيل السلفي / طبع: مكتبة الرشد / الرياض - المملكة العربية السعودية.

456. خلاصة عبقات الأنوار / تأليف: السيد حامد النقوي (ت 1306 ه -) / طبع: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة لسنة 1405 ه -، 1985 م / طهران - إيران.

457. الخلاف / تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه -) / تحقيق: جماعة من المحققين / نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين / سنة الطبع: 1407 ه -، 1986 م / قم المقدسة - إيران.

458. خلق الإنسان / تأليف: أبو محمد ثابت بن علي بن عبد الله، ثابت بن أبي ثابت (ت 119 ه -) / طبع: الكويت لسنة 1384 ه -، 1965 م / الكويت.

459. الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: محمد غالي محمد الأمين الشنقيطي (ت 1245 ه -) / طبع: دار القبلة للثقافة الإسلامية لسنة 1411 ه -، 1991 م / جدة - المملكة العربية السعودية.

460. در السحابة في مناقب القرابة والصحابة / تأليف: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ثم الصنعاني (ت 1250 ه -) / تحقيق: الدكتور حسين بن عبد الله العمري / طبع: دار الفكر لسنة 1404 ه -، 1984 م / الطبعة الأولى / نوع الطبعة: أوفست في المطبعة العلمية / دمشق - سوريا.

461. الدر المختار / تأليف: الحصفكي (ت 1088 ه -) / إشراف: مكتب البحوث والدراسات / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1415 ه -، 1995 م /

ص: 193

الطبعة جديدة منقحة مصححة / بيروت - لبنان.

462. الدر المنثور في التأويل بالمأثور / تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / طبع دار الفكر لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

463. الدر المنثور في التأويل بالمأثور / تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

464. الدر المنثور في التأويل بالمأثور / تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1423 ه -، 2003 م / بيروت - لبنان.

465. الدر المنثور في طبقات ربات الحذور / تأليف: الأديبة زينب بنت فواز العاملي / طبع: دار المعرفة / الطبعة الثانية / نوع الطبعة: أوفسيت / بيروت - لبنان.

466. الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم / تأليف: يوسف بن أبي حاتم الشامي المشغري العاملي من أعلام القرن السابع / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين / قم المقدسة - إيران.

467. دراسات في الاجتماع العائلي / تأليف: مصطفى الخشاب / طبع: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1405 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

468. دراسات في سيكولوجية المرأة / الدكتورة سهير كامل أحمد أستاذ علم النفس وعميد كلية رياض الأطفال / طبع ونشر: مركز الاسكندرية للكتاب لسنة 1418 ه -، 1998 م / الاسكندرية - مصر.

469. دراسات في علم النفس في الأقطار الاشتراكية / تأليف: موفق الحمداني / طبع: دار الحرية لسنة 1391 ه -، 1971 م / بغداد - العراق.

470. الدراية في تخريج أحاديث الهداية / تأليف: ابن حجر (ت 852 ه -) / تصحيح وتعليق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني / طبع: دار المعرفة / بيروت -

ص: 194

لبنان.

471. الدرة الثمينة في أخبار المدينة / الحافظ محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن المعروف بابن النجار (ت 643 ه -) / تحقيق: حسين محمد علي شكري / طبع: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم لسنة 1420 ه -، 2000 م / بيروت - لبنان.

472. الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة / تأليف: السيد علي خان المدني الشيرازي (ت 1120 ه -) / تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم / طبع: منشورات مكتبة بصيرتي لسنة 1397 ه -، 1977 م / قم المقدسة - إيران.

473. درر السمط في خبر السبط / تأليف: أبي عبد الله محمد بن عبد الله، بن أبي بكر القضاعي المعروف بابن الأبار (ت 658 ه -) / تحقيق: عز الدين عمر موسى / طبع: دار الغرب الإسلامي لسنة 1407 ه -، 1987 م / بيروت - لبنان.

474. الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية / تأليف: المحقق البحراني (ت 1186 ه -) / تحقيق: شركة دار المصطفى صلى الله عليه وآله لإحياء التراث / طبع: شركة دار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لإحياء التراث لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

475. الدرر في إختصار المغازي والسير / تأليف: الحافظ يوسف بن البر النّمري (ت 463 ه -) / تحقيق: الدكتور شوقي ضيف / طبع: دار المعارف لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

476. الدرر في اختصار المغازي والسير / تأليف: الحافظ يوسف بن عبد البر النمري (ت 463 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

477. الدرر واللآل في بدائع الأمثال / تأليف: محمد علي الأنسي، رئيس المحكمة الشرعية العليا في الجمهورية اللبنانية سابقة (ت 1376 ه -) / طبع: مطبعة الاتحاد لسنة 1372 ه -، 1952 م، على نفقة المؤلف / بيروت - لبنان.

ص: 195

478. الدروس الشرعية في الفقه الإسلامي / تأليف: الشهيد الأول (ت 786 ه -) / تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1417 ه -، 1987 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

479. الدعاء / تأليف: الطبراني (ت 360 ه -) / تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

480. دعائم الإسلام / تأليف: القاضي النعمان المغربي (ت 363 ه -) / تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي / طبع: دار المعارف لسنة 1383 ه -، 1963 م / القاهرة - مصر.

481. الدعوات (سلوة الحزين) / تأليف: قطب الدين الراوندي (ت 573 ه -) / تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف / طبع: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لسنة 1407 ه -، 1987 م / قم المقدسة - إيران.

482. دفع الشّبه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرسالة / تأليف: تقي الدين للحصني الدمشقي (ت 829 ه -) / تحقيق: لجنة من العلماء.

483. دلائل الإمامة / تأليف: محمد بن جرير الطبري (الإمامي) (ت أوائل القرن الرابع ه -) / طبع: المطبعة الحيدرية لسنة 1383 ه -، 1963 م / الطبعة الثانية / النجف الأشرف - العراق.

484. دلائل النبوة / تأليف: أبو نعيم الأصبهاني (ت 430 ه -) / طبع: دار النفائس لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الرابعة / عمان - الأردن.

485. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة / تأليف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي (ت 458 ه -) / تحقيق: د. عبد لامعطي قلعجي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / بيروت -

ص: 196

لبنان.

486. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة / تأليف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي (ت 458 ه -) / تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1429 ه -، 2008 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

487. دليل الفالحين / تأليف: محمد بن علان الصديقي الشافعي الأشعري المكي (ت 1057 ه -) / طبع: دار الحديث / القاهرة - مصر.

488. دموع وأحزان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم / تأليف: إبراهيم مجدي السيد / طبع: مكتبة القرآن الكريم لسنة 1412 ه -، 1992 م / القاهرة - مصر.

489. الديباج / تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي / طبع: دار إبن عفان لسنة 1416 ه -، 1996 م / المملكة العربية السعودية.

490. ديوان أبو تمام / شرح: الخطيب التبريزي / تحقيق: د. محمد عبده عزام / طبع: دار المعارف لسنة 1384 ه -، 1965 م / الطبعة الخامسة / القاهرة - مصر.

491. ديوان الصنوبري / تأليف: أحمد بن محمد بن الحسن الصنوبري (ت 334 ه -) / طبع ونشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1399 ه -، 1979 م / بيروت - لبنان.

492. ديوان حافظ إبراهيم / تأليف: إبراهيم أحمد أبياري / طبع: مطبعة دار الكتب المصرية لسنة 1358 ه -، 1939 م / القاهرة - مصر.

493. ديوان حسان بن ثابت / تأليف: حسان بن ثابت (ت 673 ه -) / تحقيق: الدكتور وليد عرفات / طبع: دار صادر لسنة 1393 ه - 1974 م، / بيروت - لبنان.

494. ديوان شعر دعبل بن علي الخزاعي (ت 246 ه -) / تصنيف وتحقيق: الدكتور عبد الكريم الأشتر / طبع: مطبوعات مجمع اللغة العربية لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثانية / دمشق - سوريا.

495. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى / تأليف: الحافظ محب الدين أحمد بن

ص: 197

عبد الله الطبري (ت 911 ه -) / طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر لسنة 1393 ه -، 1974 م / بيروت - لبنان.

496. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى / تأليف: الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري (ت 911 ه -) / طبع: مكتبة القدسي لسنة 1356 ه -، 1937 م / القاهرة - مصر.

497. الذرية الطاهرة الدولابي / تأليف: الحافظ أبو بشر, محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد بن مسلم الأنصاري الدولابي الرازي الوراق (ت 310 ه -) / تحقيق: السيد محمد جواد الحسيني الجلالي / طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الثانية / بيروت لبنان.

498. الذريعة إلى تصانيف الشيعة / تأليف: الشيخ آقا بزرگ الطهراني / طبع: دار الأضواء لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

499. ذكر أخبار إصبهان / تأليف: الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الإصبهاني / طبع: مطبعة بريل لسنة 1352 ه -، 1934 م / ليدن.

500. رأس الإمام الحسين / تأليف: ابن تيمية (ت 728 ه -) / تحقيق: ألدكتور السيد الجميلي / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1406 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

501. الرافد معجم لغوي للإنسان والبيئة / تأليف: الأمير أمين بن علي آل ناصر الدين (ت 1373 ه -) / طبع: مكتبة لبنان لسنة 1400 ه -، 1980 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

502. ربيع الأبرار ونصوص الأخبار / تاليف: أبو القسام محمود بن عمر الزمخشري (ت 538 ه -) / تحقيق: عبد الأمير مهنا / طبع: منشورات الأعلمي لسنة 1412 هن 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

503. رجال ابن داود / تأليف: ابن داود الحلي (ت 740 ه -) / تحقيق وتقديم: السيد محمد صادق آل بحر العلوم / طبع: منشورات مطبعة الحيدرية لسنة 1392 ه -،

ص: 198

1972 م / النجف الأشرف - العراق.

504. رجال البرقي / تأليف: أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن (ت 274 ه -) / طبع: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام / قم المقدسة - إيران.

505. رجال الكشي / تأليف: أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي / تحقيق: أحمد الحشيني / طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة 1430 ه -، 2009 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

506. رجال صحيح البخاري / تأليف: أبو نصر أحمد بن الحسين البخاري الكلابذي (ت 398 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

507. رجال صحيح مسلم / تأليف: أبو بكر أحمد بن علي بن منجوية الاصبهاني (ت 428 ه -) / تحقيق: عبد الله الليثي / طبع: دار المعرفة لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

508. رحلة ابن جبير / تأليف: محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي البلنسي (ت 614 ه -) / طبع: دار صادر للطباعة والنشر لسنة 1384 ه -، 1964 م / بيروت - لبنان.

509. رسالة الإنسانية منهج لصياغة الإنسان وفق رسالة السماء / تأليف: سماحة المرجع الحاج ميرزا حسن الحائري الأحقاقي (ت 1421 ه -) / طبع ونشر: مكتبة الإمام الصادق عليه السلام العامة لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الثالثة / الكويت.

510. رسالة الغفران / تأليف: الشاعر الفيلسوف أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان، أبو العلاء المعرين ألتنوخي (ت 449 ه -) / شرح وإيجاز: كامل كيلاني / طبع: مطبعة المعارف ومكتبتها / القاهرة - مصر.

511. الرسالة المحمدية من نزول الوحي إلى وفاته / تأليف: عبد العزيز الثعالبي (ت 1363 ه -) / تحقيق: صالح الخرفي / طبع: دار ابن كثير لسنة 1417 ه -،

ص: 199

1997 م / دمشق - سوريا.

512. الرسالة المحمدية من نزول الوحي إلى وفاته / تأليف: عبد العزيز الثعالبي (ت 1363 ه -) / طبع: دار القلم

513. رسالة في درجات اليقين / تأليف: ابن تيمية / طبع: جامعة أم القرى، مكتبة الميكروفيلم / المملكة العربية السعودية.

514. رسالة في فضائل أهل البيت - عليهم السلام - / تأليف: عبد الله بن عيسى بن المحمد بن الحسين / (مخطوطة) ترقد في مكتبة الأسد برقم (15467).

515. رسالة في فضائل أهل البيت عليهم السلام لعبد الله بن عيسى بن محمد بن حسين (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق، الشام، يحمل الرقم (15467).

516. رسالة في وصف المدينة / تأليف: علي بن موسى (ت 953 ه -) / تحقيق وتعليق: الشيخ النسابة حمد الجاسر / طبع: منشورات دار اليمامة لسنة 1392 ه -، 1972 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

517. رسالة نوارد الحكم في تاريخ الرسل والرسول وتاريخ أهل البيت والعشرة المبشرين / تأليف: علي أفندي (ت 1191 ه -) / (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد برقم (18479).

518. رسائل أخوان الصفا وخلان الوفاء / تأليف: إخوان الصفاء من أعلام القرن الرابع / طبع: دار صادر للطباعة والنشر لسنة 1395 ه -، 1975 م / بيروت - لبنان.

519. رسائل أخوان الصفا وخلان الوفاء / تأليف: إخوان الصفاء من أعلام القرن الرابع / طبع: دار بيروت للطباعة والنشر لسنة 1395 ه -، 1975 م / بيرت - لبنان.

520. رسائل الجاحظ / تأليف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان الشهير بالجاحظ (ت 255 ه -) / طبع: مكتبة الخانجي لسنة 1399 ه -، 1979 م / القاهرة - مصر.

521. رسائل الشريف المرتضى / تأليف: الشيخ المرتضى (ت 436 ه -) / تقديم:

ص: 200

السيد أحمد الحسيني / إعداد: السيد مهدي الرجائي / طبع: دار القرآن الكريم - مطبعة سيد الشهداء عليه السلام لسنة 1405 ه -، 1985 م / قم المقدسة - إيران.

522. الرسائل العشر / تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه -) / تحقيق: مهدي الزجاني / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي لسنة 1409 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

523. رسائل فقهية / تأليف: الشيخ الجواهري / (مخطوط).

524. رسائل في تاريخ المدينة / جمع: حمد الجامر / طبع: منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر لسنة 1392 ه -، 1972 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

525. رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي عليهم السلام / تأليف: أبو بكر شهاب الدين الحضرمي (ت 1341 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1418 ه -، 1998 م / بيروت - لبنان.

526. رفع الخفا شرح ذات الشفا في سيرة النبي ومن بعده من الخلفاء / تأليف: محمد بن الحاج حسن الآلاني الكردي (ت 1189 ه -) / طبع: عالم الكتب مكتبة النهضة العربية لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

527. الرقة والبكاء / تاليف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة (ت 620 ه -) / طبع: دار القلم لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

528. رواة الآثار / تأليف: ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / تحقيق: سيد كسروي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

529. روح البيان / تأليف: إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي

ص: 201

الخلوتي، المولى أبو الفداء البروسوي (ت 1127 ه -) / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

530. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الآلوسي) / تأليف: شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي (ت 1270 ه -) / تحقيق: محمد حسين العرب / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

531. الروض الاُنف / تأليف: الفقيه المحدث أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي (ت 581 ه -) / طبع دار الفكر لسنة 1409 ه -، 1989 م / بيروت - لبنان.

532. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان / تأليف: الشهيد الثاني / تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية / طبع: دار بوستان كتاب لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

533. الروض الفائق في المواعظ والرقائق / تأليف: الشيخ شعيب الحريفيش (ت 801 ه -) / تهميش: زين الدين المليباري / طبع: المطبعة الميمنية لسنة 1304 ه -، 1887 م / القاهرة - مصر.

534. روضة الطالبين / تأليف: أبي زكريا يحي بن شرف الدين النووي الدمشقي (ت 676 ه -) / طبع: دار ابن حزم لسنة 1423 ه -، 2003 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

535. الروضة الفردوسية والحضرة القدسية (ذكر من مات بالمدينة ودفن بالبقيع) / تأليف: محمد بن أحمد الأقشهري (ت 731 ه -) / مخطوطة ترقد في المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

536. الروضة الفيحاء في تواريخ النساء / تأليف: ياسين بن خير الله الخطيب العمري (ت 1232 ه -) / تحقيق: حسام رياض عبد الحكيم / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1420 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى.

537. روضة الواعظين / تأليف: الشيخ أبو علي، محمّد بن الحسن بن علي بن أحمد

ص: 202

بن الفتّال النيسابوري (ت 5208 ه -) / تحقيق: مجتبى الغرجي / طبع: دليل ما لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

538. الروضة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام / تأليف: سديد الدين شاذان بن جبرائيل القمي / تحقيق: علي الشكرجي / طبع: مكتبة الأمين لسنة 1423 ه -، 2003 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

539. رياض الصالحين / تأليف: النووي / طبع: دار الفكر المعاصر لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

540. الرياض النضرة في مناقب العشرة / تأليف: الإمام شيخ المشايخ الفقيه الحديث أبو جعفر أحمد الشهير بالمحب الطبري (ت 694 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

541. الرياض النضرة في مناقب العشرة / تأليف: الإمام شيخ المشايخ الفقيه الحديث أبو جعفر أحمد الشهير بالمحب الطبري (ت 694 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه -، 2003 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

542. الرياض النظرة / تأليف: الطبري أحمد بن عبد الله (ت 694 ه -) / طبع: دار المغرب الإسلامي / بيروت - لبنان.

543. زاد المسير في علم التفسير / تأليف: أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي (ت 597 ه -) / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

544. زاد المسير في علم التفسير / تأليف: أبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي (ت 597 ه -) / نشر: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

545. زاد المعاد في هدي خير العباد / تأليف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن القيم الجوزية (ت 751 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1415 ه -، 1994 م / الطبعة السابعة والعشرون / بيروت - لبنان.

ص: 203

546. زبدة البيان في أحكام القرآن / تأليف: الشيخ أحمد بن محمد الأردبيلي، المشهور ب - (المحقق، والمقدّس الأردبيلي) (ت 993 ه -) / تحقيق وتعليق: محمد الباقر البهبودي / طبع: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية / طهران - إيران.

547. الزهد / ابن أبي عاصم (ت 287 ه -) / تحقيق: عبد العلي عبد الحميد / طبع: دار الريان للتراث لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

548. الزهد / تأليف: هناد بن السري الكوفي (ت 243 ه -) / تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي / طبع: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي لسنة 1406 ه -، 1986 م / الكويت.

549. الزهد / تأليف: هناد بن السري بن مصعب بن أبي بكر بن شبر بن صعفوق الكوفي التميمي (ت 243 ه -) / تحقيق: محمد أبو الليل الخير آبادي / طبع: على نفقة أمير دولة القطر / القطر.

550. زهر الآداب وثمر الألباب / تأليف: أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني (ت 452 ه -) / طبع: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1372 ه -، 1953 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

551. زهر الأكم في الأمثال والحكم / تأليف: الحسن اليوسي / تحقيق: محمد حجي، محمد الأخضر / طبع: دار الثقافة / المغرب

552. زهر الأكم في الأمثال والحكم / تأليف: الحسن اليوسي / طبع: دار البيضاء لسنة 1401 ه -، 1981 م / الطبعة الأولى / المغرب.

553. الزهراء في معاني كلمات الناس / تأليف: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار ابن الأنباري (ت 328 ه -) / تحقيق: الدكتور يحيى مراد / طبع: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه -، 2004 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

554. الزهور الندية في خصائص وأخلاق خير البرية / تأليف: القسطلاني /

ص: 204

تحقيق وتعليق: الشيخ أحمد بن محمد طاحون / طبع: مكتبة التراث الإسلامي لسنة 1418 ه -، 1998 م / بيروت - لبنان.

555. زواج السيدة عائشة / تأليف: د. خليل إبراهيم ملا خاطر / طبع: دار القبلة لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

556. الزواج والاستقرار النفسي / تأليف: زكريا إبراهيم / طبع: مكتبة مصر لسنة 1376 ه -، 1957 م / القاهرة - مصر.

557. الزواج والعلاقات الأسرية / تأليف: سناء الخولي / طبع: دار المعرفة الجامعية لسنة 1402 ه -، 1982 م / الإسكندرية - مصر.

558. زيادات القطيعي على مسند أحمد بن حنبل برواية ابنه عبد الله / دراسة وتخريج: الدكتور دخيل بن صالح اللحيدان الأستاذ المساعد في قسم السنة وعلومها كلية أصول الدين / الرياض - المملكة العربية السعودية.

559. سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام / تأليف: محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني (ت 1182 ه -) / تحقيق: محمد عبد العزيز الخولي / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1379 ه -، 1979 م / بيروت - لبنان.

560. سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام / تأليف: محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني (ت 1182 ه -) / تحقيق: فواز أحمد زهري، إبراهيم محمد الجمل / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الحادية عشر / بيروت - لبنان.

561. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد / تأليف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت 942 ه -) / تحقيق وتعليق: الشيخ عادل احمد عبد الموجود / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

562. سبيل السلام / تأليف: محمد بن إسماعيل الكحلاني الصنعاني (الأمير) (ت

ص: 205

1182 ه -) / مراجعة وتدقيق: الشيخ محمد عبد العزيز الخولي / طبع: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر لسنة 1379 ه -، 1960 م / الطبعة الرابعة / القاهرة - مصر.

563. سر الفصاحة / تأليف: أبي محمد عبد الله بن سنان الخفاجي الحلبي (ت 466 ه -) / تحقيق: د. ادود غطاشة الشوابكة / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

564. السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير / تأليف: الشيخ شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (ت 977 ه -) / طبع: دار المعرفة / بيروت - لبنان.

565. سعد السعود / للسيد ابن طاووس / طبع: منشورات الرضي / قم المقدسة - إيران.

566. سعد السعود للنفوس / تأليف: علي بن موسى بن جعفر بن طاووس / تحقيق: فارس الحسون / طبع: انتشارات دليل لسنة 1421 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

567. السقيفة وفدك / تأليف: الجوهري (ت 323 ه -) / تقديم وجمع وتحقيق: الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني / طبع: شركة الكتبي للطباعة والنشر لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

568. سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر / تأليف: أبو الفضل، محمد خليل بن علي البخاري المرادي الحسيني (ت 1217 ه -) / طبع: المطبعة الميرية العامرة لسنة 1302 ه -، 1885 م / بولاق - مصر.

569. سلوة الأحزان بما روي عن ذوي العرفان من الصحابة والتابعين والعباد والصالحين / تأليف: الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البغدادي المعروف بابن الجوزي (ت 597 ه -) / تحقيق وتعليق: مجدي فتحي السيد / طبع: دار الصحابة للتراث لسنة 1412 ه -، 1992 م / طنطا - لبنان.

ص: 206

570. سلوة الحزين في موت البنين / تأليف: ابن أبي مجلة اللمساني (ت 776 ه -) / تحقيق: الدكتور صخيمر صالح / طبع: دار الفيحاء لسنة 1407 ه -، 1987 م / عمان.

571. السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين / تأليف: محب الدين الطبري، شيخ الحرم المكي (أحمد بن عبد الله) (ت 694 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1417 ه -، 1997 م / بيروت - لبنان.

572. سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي / تأليف: عبد الملك بن حسين بن عبد الملك المكي العصامي (ت 1111 ه -) / طبع: المكتبة السلفية / القاهرة - مصر.

573. السنة / ابن أبي عاصم عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني (ت 287 ه -) / تحقيق: محمد ناصر الألباني / طبع: المكتبة الإسلامي لسنة 1400 ه -، 1980 م / الطبعلة الأولى / بيروت - لبنان.

574. السنة / تأليف: عبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 290 ه -) / تحقيق: محمد القحطاني / طبع: دار ابن القيم لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / الطبعلة الأولى / الدمام.

575. السنة / تأليف: محمد بن نصر بن الحجاج المروزي (ت 294 ه -) / تحقيق: سالم أحمد السلفي / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

576. السنة للخلال / تأليف: أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال، أبو بكر / تحقيق: عطية الزهراني / طبع: دار الراية لسنة 1410 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

577. السنن / تأليف: سعيد بن منصور الخراساني (ت 227 ه -) / تحقيق: الأعظمي / طبع: دار السلفية لسنة 1402 ه -، 1982 م / الهند.

578. سنن ابن ماجة / تأليف: محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني (ت 275 ه -) /

ص: 207

تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

579. سنن ابن ماجه بشرح السندي / تأليف: أبو الحسن الحنفي المعروف بالسندي (ت 1138 ه -) / تعليق وحاشية: مصباح الزجاجة للبوصيري (ت 840 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1416 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

580. سنن أبي داود / تأليف: الحافظ سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي (ت 275 ه -) / تحقيق: محمد مي الدين عبد الحميد / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

581. سنن أبي داود / تأليف: الحافظ سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي (ت 275 ه -) / تحقيق وتعليق: سعد محمد اللحام / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

582. سنن أبي داود / تأليف: الحافظ سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي (ت 275 ه -) / طبع: دار ابن حزم لسنة 1417 ه -، 1997 م / بيروت - لبنان.

583. سنن الأوزاعي أحاديث وآثار وفتاوى / تأليف: عبد الرحمن بن عمر وأبو عمر الأوزاعي (ت 157 ه -) / تصنيف: مروان محمد الشعار / طبع: دار النفائس لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

584. سنن الترمذي / تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي أسلمي (ت 279 ه -) / تحقيق: أحمد محمد شاكر / طبع: دار إحياء التراث العربي / بيروت - لبنان.

585. سنن الترمذي / تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي أسلمي (ت 279 ه -) / تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع / سنة الطبع: 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

ص: 208

586. سنن الترمذي / تأليف: محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي أسلمي (ت 279 ه -) / تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف / طبع: دار بولاق / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

587. سنن الدارقطني / تأليف: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني (ت 385 ه -) / طبع دار الكتب العلمية لسنة 1416 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

588. سنن الدارقطني / تأليف: علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي (ت 385 ه -) / تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني / طبع: دار المعرفة لسنة 1386 ه -، 1966 م / بيروت - لبنان.

589. سنن الدارمي / تأليف: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن المفضل بن بهرام الدارمي (ت 255 ه -) / تحقيق: الدكتور مصطفى ديب البغا / طبع: دار القلم لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الثالثة / دمشق - سوريا.

590. السنن الصغرى / تأليف: الحافظ أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي (ت 458 ه -) / تحقيق: د. محمد ضياء الدين الأعظمي / طبع: المدينة المنورة لسنة 1410 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

591. السنن الصغرى / تأليف: الحافظ أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي (ت 458 ه -) / تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي / طبع: سلسلة منشورات جامعة الدراسات الإسلامية لسنة 1410 ه -، 1980 م / توزيع: دار الوفاء للطباعة والنشر / كراتشي - باكستان

592. السنن الكبرى / تأليف: البيهقي الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1413 ه -، 1993 م / بيروت - لبنان.

593. السنن الكبرى / تأليف: البيهقي الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458 ه -) / تحقيق: محمد عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة

ص: 209

1424 ه -، 2003 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

594. السنن الكبرى / تأليف: النسائي أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن (ت 303 ه -) / تحقيق: د. عبد الغفور سليمان بنداري، سيد كسروى حسن / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

595. سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (ت 1402 ه -) / طبع: دار كتابفروشي إسلامية لسنة 1412 ه -، 1991 م / الطبعة الخامسة / قم المقدسة - إيران.

596. سنن النسائي / تأليف: المجتبى أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي (ت 303 ه -) / تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة / طبع: مكتب المطبوعات الإسلامية لسنة 1406 هن 1986 م.

597. سنن النسائي / تأليف: المجتبى أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي (ت 303 ه -) / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1348 ه -، 1930 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

598. سنن النسائي / تأليف: المجتبى أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي (ت 303 ه -) / طبع: دار أمنت / بيروت - لبنان.

599. سنن النسائي بشرح السيوطي / تأليف: الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) والسندي (ت 1138 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1420 ه -، 1999 م / بيروت - لبنان.

600. السنن الواردة في الفتن / تأليف: أبو عمرو عثمان بن سعيد المقرئ الداني (ت 444 ه -) / تحقيق: ضياء الله بن محمد / طبع: دار العاصمة لسنة 1416 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / الطبعة الأولى/ الرياض - المملكة العربية السعودية.

601. سؤالات ابن الجنيد / تأليف: يحيى بن معين أبو زكريا، بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن المري بالولاء، البغدادي (ت 233 ه -) / تحقيق: أحمد

ص: 210

محمد نور سيف / طبع: مكتبة الدار لسنة 1408 ه -، 1988 م / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

602. السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام / تأليف: محمد بيومي / طبع: دار النهضة العربية لسنة 1410 ه -، 1990 م / بيروت - لبنان.

603. سير أعلام النبلاء (سير خلفاء الراشدون) / تصنيف: شمس الدين الذهبي (ت 748 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

604. سير أعلام النبلاء / تأليف: الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه -) / تحقيق: شعيب الأرناؤوط / طبع: مؤسسة الرياسة لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة التاسعة / بيروت - لبنان.

605. سير أعلام النبلاء / تأليف: الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه -) / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

606. سيرة ابن إسحاق (كتاب السير والمغازي) / تأليف: محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء المدني (ت 151 ه -) / تحقيق: سهيل زكار / طبع: دار الفكر لسنة 1398 ه -، 1978 م / بيروت - لبنان.

607. السيرة الحلبية / تأليف: علي بن برهان الدين الحلبي (ت 1044 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1400 ه -، 1980 م / بيروت - لبنان.

608. سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: ابن سعد / طبع: دار الفكر للجميع لسنة 1388 ه -، 1969 م / الطبعة الثانية / ترقد في مكتبة الأسد برقم (24360).

609. السيرة النبوية (من البداية والنهاية لابن كثير) / تأليف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 ه -) / تحقيق: مصطفى عبد الواحد / طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1395 ه -، 1976 م / بيروت - لبنان.

ص: 211

610. السيرة النبوية / أبو جعفر، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالطبري (ت 310 ه -) / طبع: الدار المصرية اللبنانية.

611. السيرة النبوية / تأليف: ابن جرير الطبري (ت 310 ه -) / طبع: دار المصرية اللبنانية.

612. السيرة النبوية / تأليف: ابن كثير (ت 774 ه -) / تحقيق: مصطفى عبد الواحد / طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1396 ه -، 1976 م / بيروت - لبنان.

613. السيرة النبوية / تأليف: ابن هشام / تحقيق: مصطفى السقا / طبع: مؤسسة علوم القرآن / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

614. السيرة النبوية / تأليف: ابن هشام / طبع: دار القلم / بيروت - لبنان.

615. السيرة النبوية / تأليف: الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان ابن أحمد التميمي البستي (ت 354 ه -) / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

616. السيرة النبوية / تأليف: محمد بن محمد بن محمد اليعمري، فتح الدين أبو الفتح الإشبيلي، المعروف بابن سيد الناس (ت 734 ه -) / طبع: مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر لسنة 1406 ه -، 1986 م / بيروت - لبنان.

617. السيرة النبوية / تأليف: مفتي مكة أحمد بن زيني دحلان (ت 1304 ه -) / طبع: دار الأهلية للنشر والتوزيع / بيروت - لبنان.

618. السيرة النبوية الصحيحة / تأليف: الدكتور أكرم ضياء العمري / طبع: مكتبة العبيكان لسنة 1430 ه -، 2010 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

619. السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية / تأليف: أحمد بن زيني دحلان الحسني الهاشمي (ت 1304 ه -) / طبع: دار القلم / بيروت - لبنان.

620. السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة / تأليف: محمد بن محمد بن سويلم أبو شهبة (ت 1403 ه -) / طبع: دار البشير / جدة - المملكة العربية السعودية.

ص: 212

621. السيرة النبوية في ضوء الكتاب والسنة / تأليف: محمد بن محمد أبو شهبة (ت 1403 ه -) / طبع: دار القلم لسنة 1417 ه -، 1996 م / الطبعة الثالثة / دمشق - سوريا.

622. السيرة النبوية في مفهوم القاضي عياض / تأليف: الدكتور أحمد جمال العمري / طبع: دار المعارف لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

623. السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي / تأليف: علي أبو الحسن بن عبد الحي بن فخر الدين الندوي (ت 1420 ه -) / طبع: دار ابن كثير لسنة 1425 ه -، 2005 م / دمشق - سوريا.

624. السيرة النبوية وأخبار الخلفاء / تأليف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي، أبو حاتم الدارمي البسني (ت 354 ه -) / تصحيح وتعليق: الحافظ عزيز بك وجماعة من العلماء / طبع: دار الكتب الثقافية لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

625. سيرة النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: أبو الحسن البكري، محمد بن محمد (ت 952 ه -) / (مخطوطة) ترقد في مكتبة الأسد برقم (12442).

626. سيرة النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم وأصحابه العشرة / تأليف: الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي الجماعلي الحنبلي (ت 600 ه -) / تحقيق: هديان الضناوي / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية / بيروت - لبنان.

627. سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي الحسن البكري (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق - سوريا.

628. سيكلوجية العلاقات الزوجية / تأليف: الدكتور محمد محمد بيومي خليل / طبع: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1419 ه -، 1999 م / القاهرة - مصر.

629. سيكلوجية العلاقات الزوجية / تأليف: د. محمد بيومي / طبع: دار قباء لسنة

ص: 213

1420 ه -، 2001 م / القاهرة - مصر.

630. سيكولوجية الأمومة ومسؤولية الحمل / تأليف: عدنان السبيعي / طبع: الشركة المتحدة للتوزيع لسنة 1405 ه -، 1985 م.

631. سيكولوجية اللعب / تأليف: د. سلامة فضل / طبع: دار المشرق / الأردن.

632. سيكولوجية المرأة / تأليف: الدكتورة هيلين دوتش

633. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار / تأليف: محمد بن علي الشوكاني (ت 1250 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

634. الشافي في الإمامة / تأليف: الشريف المرتضى (ت 436 ه -) / طبع: مؤسسة إسماعيليان لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

635. شجرة طوبى / تأليف: الشيخ محمد مهدي المازندراني الحائري (ت 1384 ه -) / طبع: منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها لسنة 1385 ه -، 1965 م / الطبعة الخامسة / النجف الأشرف - العراق.

636. شرح إحقاق الحق / تأليف: السيّد شهاب الدين بن السيّد شمس الدين المرعشي النجفي (ت 14011 ه -) / تحقيق وتعليق: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي / طبع: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي / قم المقدسة - إيران.

637. شرح أصول الكافي / تأليف: مولى محمد صالح المازندراني (ت 1080 ه -) / تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني / ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور / طبع: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1421 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

638. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار / تأليف: ابو حنيفه، نعمان بن محمد بن منصور بن احمد بن حيون التميمي المغربي المشهور ب - (القاضي نعمان المغربي) (ت 363 ه -) / تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي / طبع:

ص: 214

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1409 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

639. شرح الزرقاني على موطأ مالك / تاليف: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري المالكي (ت 1122 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

640. شرح الزرقاني على موطأ مالك / تأليف: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري المالكي (ت 1122 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

641. شرح السنة / تأليف: أبو محمد الحسين بن مسعود ابن محمد الفراء البغوي (ت 516 ه -) / طبع: المكتب الإسلامي لسنة 1403 ه -، 1983 / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

642. شرح العينية الحميرية / تأليف: الفاضل الهندي (ت 1339 ه -) / قدم له: الشيخ جعفر السبحاني / طبع: مكتبة التوحيد - دار إعتماد لسنة 1421 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

643. شرح الكافية الشافية / تأليف: جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله (بن مالك) الطائي الجياني (ت 672 ه -) / طبع: دار المأمون للتراث ومركز البحث العلمي بجامعة أم القرى لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الأولى / مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

644. شرح الكافية الشافية / تأليف: جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله (بن مالك) الطائي الجياني (ت 672 ه -) / تحقيق: أحمد بن يوسف القادري / طبع: دار صادر لسنة 1427 ه -، 2006 م / بيروت - لبنان.

645. شرح المفصل / تأليف: موفق الدين بن يعيش النحوي (ت 643 ه -) / طبع: مكتبة المتنبي لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

646. شرح المقاصد في علم الكلام / تأليف: سعد الدين التفتازاني / طبع: دار

ص: 215

المعارف النعمانية لسنة 1401 ه -، 1981 م / الطبعة الأولى / إسلام آباد - باكستان.

647. شرح المواهب اللدنية للقسطلاني / تأليف: أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني المالكي (ت 1367 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

648. شرح النووي على صحيح مسلم / تأليف: النووي (ت 376 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1393 ه -، 1973 م / بيروت - لبنان.

649. شرح سنن ابن ماجة / تأليف: السيوطي، عبد الغني، الدهلوي / طبع: قديم / مكتبة كراتشي - باكستان.

650. شرح صحيح مسلم المسمى ب - (إكمال إكمال المعلم) للأبي / تأليف: أبي عبد الله محمد بن خلفة الأبيّ (ت 827 ه -) / طبع: مكتبة طبرية / الرياض - المملكة العربية السعودية.

651. شرح صحيح مسلم للنووي / تأليف: محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي (ت 676 ه -) / طبع: دار القلم / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

652. شرح صحيح مسلم للنووي / تأليف: محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي (ت 676 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي / بيروت - لبنان.

653. شرح مختصر الروضة / تأليف: نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطرفي (ت 716 ه -) / تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

654. شرح مشكل الآثار / تأليف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت 321 ه -) / تحقيق: شعيب الأرنؤوط / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1415 ه -، 1995 م /

ص: 216

الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

655. شرح معاني الآثار / تأليف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي (ت 321 ه -) / تحقيق: محمد زهري النجار / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1399 ه -، 1978 م / بيروت - لبنان.

656. شرح نهج البلاغة / تأليف: ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655 ه -) / تحقيق: محمد ابو الفضل إبراهيم / طبع: دار إحياء الكتب العربية لسنة 1378 ه -، 1959 م / الطبعة الأولى / بغداد - العراق.

657. شرف المصطفى / تأليف: عبد الملك بن محمد إبراهيم النيسابوري (ت 407 ه -) / برواية أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري / (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد برقم (1117).

658. شرف المصطفى للحافظ للخركوشي الشافعي «مخطوط» يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم (1887).

659. شعب الإيمان / تأليف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه -) / تحقيق: محمد سعيد بسيوني / طبع: دار الكتب العلمية / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

660. الشعر والشعراء لابن قتيبة / تأليف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه -) / طبع: دار الثقافة لسنة 1383 ه -، 1964 م / بيروت - لبنان.

661. الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت 544 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1404 ه -، 1984 م / بيروت - لبنان.

662. الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت 544 ه -) / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1409 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

ص: 217

663. شفاء السقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله / تأليف: المحقق تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي (756 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1425 ه -، 2005 م / بيروت - لبنان.

664. شفاء الصدور في إيضاح البيان عن كشف حقائق البرهان وأعلام نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام / تأليف: الخطيب أبو الربيع سليمان بن سبع السبتي / مخطوطة يرقد في مكتبة شستربيتي في الكويت رقم المخطوطة في المكتبة (1668).

665. شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام/ تأليف: قاضي مكة العلامة الحافظ أبي الطيب تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسيّ المكي المالكي (ت 832 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1405 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

666. شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام/ تأليف: قاضي مكة العلامة الحافظ أبي الطيب تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسيّ المكي المالكي (ت 832 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان.

667. الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية / تأليف: محمد بن عيسى الترمذي صاحب السنن (ت 279 ه -) / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

668. الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب / تأليف: المحقق البحراني (ت 1186 ه -) / تحقيق: السيد مهدي الرجائي / طبع: مطبعة أمير لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

669. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل / تأليف: أبو القاسم عبيد اللّه بن عبد اللّه النيسابوري الحنفي (ت 470 ه -) / تحقيق: السيد محمد باقر المحمودي / طبع: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي لسنة 1411 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

670. شواهد التنزيل لقواعد التنفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت عليهم

ص: 218

السلام / تأليف: الحاكم الحسكاني الحذّاء الحنفي / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1393 ه -، 1973 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

671. الشيعة في أحاديث الفريقين / تأليف: السيد مرتضى الأبطحي / نشر: مطبعة الأمير لسنة 1416 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى.

672. الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد / تأليف: السيد نبيل الحسني / طبع: قسم الشؤون الفكرية - العتبة الحسينية المقدسة لسنة 1430 ه -، 2010 م / الطبعة الأولى / كربلاء المقدسة - إيران.

673. صبح الأعشى في صناعة الإنشاء / تأليف: أحمد بن علي القلقشندي (ت 821 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1409 ه -، 1989 م / بيروت - لبنان.

674. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية / تأليف: إسماعيل بن حمّاد الجوهري / الجزء الخامس / تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار / طبع: دار العلم للملايين لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

675. الصحة النفسية للحياة الزوجية / تأليف: صالح عبد العزيز / طبع: الهيئة المصرية العامة لسنة 1392 ه -، 1972 م / القاهرة - مصر.

676. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان / تأليف: علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت 739 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1413 ه -، 1993 م / بيروت - لبنان

677. صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان / تأليف: علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت 739 ه -) / تحقيق: شعيب الأرنؤوط / طبع: مؤسسة الرسالة / سنة الطبع: 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

678. صحيح ابن خزيمة / تأليف: محمد بن إسحاق بن خزيمة ابو بكر أسلمي

ص: 219

(ت 311 ه -) / تحقيق: د. الأعظمي / طبع: المكتبة الإسلامية لسنة 1390 ه -، 1970 م / بيروت - لبنان.

679. صحيح ابن خزيمة / تأليف: محمد بن إسحاق بن خزيمة ابو بكر أسلمي (ت 311 ه -) / تحقيق: عادل بن سعد / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1430 ه -، 2009 م / بيروت - لبنان.

680. صحيح البخاري / تأليف: محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت 852 ه -) / طبع: دار العلوم الإنسانية لسنة 1413 ه -، 1993 م / دمشق - سوريا.

681. صحيح البخاري / تأليف: محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت 852 ه -) / طبع: عالم الكتب لسنة 1405 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

682. صحيح البخاري / تأليف: محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت 852 ه -) / طبع: دار الفكر / طبعة أوفسيت / بيروت - لبنان.

683. صحيح الترغيب والترهيب / تأليف: محمد ناصر الدين الألباني / طبع: مكتبة المعارفة لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

684. صحيح الجامع الصغير وزيادته / تأليف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشهودري الألباني (ت 1420 ه -) / طبع: المكتب الإسلامي.

685. صحيح الجامع الصغير وزيادته للسيوطي / تأليف: محمد ناصر الدين الألباني (ت 1420 ه -) / طبع: المكتبة الإسلامي لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الثانية / دمشق - سوريا.

686. صحيح سنن أبي داوود / الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 ه -) / تأليف: محمد ناصر الدين الألباني / طبع: مكتبة المعارف لسنة 1419 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

687. صحيح مسلم / تأليف: مسلم النيسابوري (ت 261 ه -) / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

688. صحيح مسلم بشرح النووي / تأليف: الحافظ محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرِّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي

ص: 220

الشافعي الدمشقي (ت 676 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1392 ه -، 1972 م / بيروت - لبنان.

689. صحيح مسلم بشرح النووي / تأليف: محي الدين النووي الشافعي / تحقيق: د. محمد عبد الرحمن المرعشلي / طبع: دار إحياء التراث العربي / سنة الطبع: 1420 ه -، 2000 م / بيروت - لبنان.

690. صحيح مسلم بشرح النووي / تأليف: محي الدين النووي الشافعي / طبع: عيسى الحلبي.

691. الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: السيد جعفر مرتضى العاملي / طبع: دار الحديث للطباعة والنشر لسنة 1426 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

692. الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: السيد جعفر مرتضى العاملي / طبع: دار الهادي / بيروت - لبنان.

693. الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: السيد جعفر مرتضى العاملي / طبع: دار السيرة / بيروت - لبنان.

694. صحيح وضعيف سنن الترمذي / تاليف: الترمذي / تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني.

695. صحيفة الرضا عليه السلام / تجميع: الشيخ جواد القيومي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1415 ه -، 1995 م / قم المقدسة - إيران.

696. صحيفة الزهراء عليها السلام / تجميع: الشيخ جواد القيومي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

697. الصراط المستقيم / تأليف: علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (ت 877 ه -) / طبع: المكتبة المرتضوية لسنة 1384 ه -، 1964 م / الطبعة الأولى.

ص: 221

698. الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم / تاليف: المتكلم الشيخ زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي / تصحيح وتعليق: محمد الباقر البهبودي / طبع: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية لسنة 1384 ه -، 1964 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

699. صفة الصفوة / تأليف: جمال الدين أبي الفرج بن علي بن الجوزي (ت 597 ه -) / طبع: مكتبة مصر لسنة 1422 ه -، 2003 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

700. صفة الصفوة / تأليف: جمال الدين أبي الفرج بن علي بن الجوزي (ت 597 ه -) / طبع: دار المعرفة / بيروت - لبنان.

701. صفوة التفاسير للصابوني / تأليف: محمد علي الصابوني، الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية مكة المكرمة - جامعة الملك عبد العزيز / طبع: دار الفكر لسنة 1418 ه -، 1998 م / بيروت - لبنان.

702. صفوة الصفوة / تأليف: ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري (ت 597 ه -) / طبع: مكتبة مصر لسنة 1422 ه - 2002 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

703. صفوة الصفوة / تأليف: أبو الفرج عبد الرحمان بن علي (ت 597 ه -) / تحقيق: محمود فاخوري / طبع: دار المعرفة لسنة 1399 ه -، 1979 م / بيروت - لبنان.

704. الصلاة في الكتاب والسنة / تأليف: محمد الريشهري / تحقيق: دار الحديث / طبع: دار الحديث / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

705. الصمت وآداب اللسان / تأليف: ابن أبي الدنيا (ت 281 ه -) / تحقيق: أبو إسحاق الحويني / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

706. صناعة الكتاب / تأليف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي النحاس المعروف بالصفار (ت 338 ه -) / تحقيق: الدكتور بدر أحمد ضيف / طبع: دار العلوم العربية لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى /

ص: 222

بيروت - لبنان.

707. الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة / تأليف: الشهيد نور الله التستري (ت 1019 ه -) / تحقيق: السيد جلال الدين المحدث / طبع: مطبعة النهضة لسنة 1418 ه -، 1998 م / قم المقدسة - إيران.

708. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة / تأليف: أحمد بن حجر الهيتمي المكي / التعليق والتقديم وتخريج الأحاديث: عبد الوهاب عبد اللطيف / طبع: متكبة القاهرة لصاحبها علي يوسف سليمان لسنة 1385 ه -، 1965 م / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

709. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة / تأليف: أحمد بن حجر الهيتمي المكي / طبع: دار الميمنية.

710. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة / تأليف: أحمد بن حجر الهيتمي المكي / طبع: دار الرسالة / بيروت - لبنان.

711. صور من حياة الصحابيات / تأليف: الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا / طبع: دار النفائس لسنة 1412 ه - 1992 م / بيروت - لبنان.

712. ضعفاء العقلي / تأليف: العقيلي (ت 322 ه -) / تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

713. طب الأئمة عليهم السلام / تأليف: عبد الله بن حسين بن سابور الزيات (ابن بسطام النيسابوري) (ت 401 ه -) / طبع: انتشارات الشريف الرضي - مطبعة أمير لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

714. الطبقات الشاذلية الكبرى / تأليف: محي الدين الطعمي / طبع: المكتبة الثقافية لسنة 1414 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

715. طبقات الشافعية الكبرى / تأليف: أبو نصر عبد الوهاب بن علي الكافي السبكي (ت 771 ه -) / تحقيق: مصطفى عبد القادر أحمد عطا / طبع: دار

ص: 223

الكتب العلمية لسنة 1420 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

716. الطبقات الكبرى / تأليف: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد (ت 230 ه -) / تحقيق: محمد عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

717. الطبقات الكبرى / تأليف: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع المعروف بابن سعد (ت 230 ه -) / طبع: دار صادر لسنة 1376 ه -، 1956 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

718. طبقات المحدثين بإصبهان / تأليف: ابن حبان عبد الله بن محمد بن جعفر الأنصاري (ت 369 ه -) / تحقيق: البلوشي / طبع: مؤسسة الرسالة / بيروت - لبنان.

719. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف / تأليف: السيد ابن طاووس / طبع: مؤسسة الخيام لسنة 1399 ه -، 1978 ه - / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

720. طرح التثريب في شرح التقريب / تأليف: الحافظ زين الدين أبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي وولي الدين أبي زرعة العراقي (ت 826 ه -) / طبع: دار المعارف / حلب - سوريا.

721. طرفة الأصحاب بمعرفة الأنساب / تصنيف: السلطان الملك الأشرف عمر بن يوسف بن رسول (ت 696 ه -) / تحقيق: ك. و. سترستين عضو المجمع العلمي العربي / طبع: دار صادر لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

722. الطُرُق الحكمية في السياسة الشرعيّة / تأليف: ابن القيم الجوزية (ت 751 ه -) / طبع: دار الجيل لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

723. الطفل السوي / ترجمة: عبد العلي الجسماني / طبع: الدار العربية للعلوم لسنة 1414 ه -، 1994 م / بيروت - لبنان.

724. طهارة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: السيد علي عاشور / طبع:

ص: 224

دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1421 ه -، 2001 م / بيروت - لبنان.

725. العبر في خبر من غبر / تأليف: الحافظ المؤرخ شمس الدين الذهبي (ت 748 ه -) / طبع: مطبعة حكومة الكويت لسنة 1404 ه -، 1984 م / الطبعة الثانية / الكويت.

726. العثمانية / تأليف: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ه -) / تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون / طبع: دار الجيل لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

727. العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية / تأليف: الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / شرح وتحقيق: سعيد محمد اللحام / طبع: عالم الكتب لسنة 1417 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

728. عدة الداعي ونجاح الساعي / تأليف: أحمد بن فهد الحلي / طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية لسنة 1420 ه -، 2000 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

729. العدد القوية لدفع المخاوف اليومية / تأليف: علي بن يوسف المطهر الحلي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي / إشراف: السيد محمود المرعشي / طبع: مكتبة آية الله المرعشي العامة لسنة 1408 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

730. عرضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي / تأليف: أبو بكر بن العربي المالكي / طبع: دار الكتب العلمية / القاهرة - مصر.

731. عِشرَة النساء / تأليف: أبو عبد الرحمان أحمد بن شعيب بن علي النسائي صاحب السنن (ت 303 ه -) / تحقيق: عمرو علي عمر / طبع: مكتبة السنة / القاهرة - مصر.

732. العطر الشذى في شرح مختصر شمائل الترمذي / تأليف: الشيخ عبد المجيد الشرنوبي / طبع: مكتبة الآداب لسنة 1407 ه -، 1987 م / القاهرة - مصر.

ص: 225

733. العقد التام فيمن زوجه النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: يوسف ابن الحسن المعروف بابن المبرد (ت 909 ه -) / مخطوطة ترقد في مكتبة الأسد برقم (3249).

734. العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين / تأليف: تقي الدين أبو الطيب محمد بن أحمد الفاسي المكي (ت 832 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

735. العقد الحسيني / تصنيف: عز الدين الشيخ حسين بن عبد الصمد العملي، والد الشيخ البهائي (ت 984 ه -) / تصحيح: السيد جواد المدرسي اليزدي / طبع: مطبعة غلبهار / يزد - إيران.

736. عقد الدرر في أخبار المنتظر / تأليف: يوسف بن يحيى المقدسي (من أعلام القرن السابع) / تحقيق: الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو / طبع: مكتبة عالم الفكر لسنة 1399 ه -، 1979 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

737. العقد الفريد / تأليف: أبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1403 ه -، 1983 م / بيروت - لبنان.

738. العقد الفريد / تأليف: أبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328 ه -) / تحقيق: د. مفيد محمد قميحة / طبع: دار الكتب العلمية / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

739. العقد النضيد والدر الفريد / تأليف: محمد بن الحسن القمي من أعلام القرن السابع / تحقيق: علي أوسط الناطقي / مساعدة: سيد هاشم شهرستاني - لطيف فرادي / طبع: دار الحديث للطباعة والنشر لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

740. العلل / تأليف: ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (ت 3327 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الثانية بيروت - لبنان.

ص: 226

741. العلل / تأليف: الدارقطني علي بن عمر بن أحمد (ت 385 ه -) / تحقيق: محفوظ السلفي / طبع: دار طيبة لسنة 1405 ه -، 1985 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

742. علل الشرائع / تأليف: أبو جعفر حمد بن علي الصدوق رحمه الله / تحقيق: السيد محمد الصادق بحر العلوم / طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة 1408 ه -، 1987 م / الطبعة الاولى / بيروت - لبنان.

743. العلل المتناهية في الالأحاديث الواهية / تأليف: أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي الحنفي (ت 597 ه -) / تحقيق: خليل الميس / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

744. العلل ومعرفة الرجال / تأليف: أحمد بن حنبل (إمام المذهب الحنبلي) (ت 241 ه -) / طبع: المكتب الإسلامي لسنة 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

745. علم اجتماع العائلة / تأليف: الدكتور محمد صفوح الأطرش / طبع: جامعة دمشق لسنة 1416 ه -، 1996 م / دمشق - سوريا.

746. علم الاجتماع العائلي / تأليف: الدكتور الوحيشي أحمد بيري / طبع ونشر: منشورات الجامعة المفتوحة الجماهيرية العربية الليبية لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / طرابلس - ليبيا.

747. علم النفس الأكلينيكي / تأليف: مصطفى فهمي / طبع: مكتبة مصر لسنة 1386 ه -، 1967 م / القاهرة - مصر.

748. علم النفس التكويني (الطفولة والمراهقة) / تأليف: صباح حنا هرمز، يوسف حنا إبراهيم / طبع: مديرية دار الكتب للطباعة والنشر لسنة 1408 ه -، 1988 م / جامعة الموصل - العراق.

749. علم النفس ودراسة التوافق / تأليف: كمال دسوقي / طبع: دار النهضة لسنة 1399 ه -، 1979 م / بيروت - لبنان.

750. علم نفس الطفل / تأليف: الدكتور محمد عودة الريحاوي / طبع: دار الشروق

ص: 227

لسنة 1418 ه -، 1998 م / عمان - الأردن.

751. علم نفس الطفل / تأليف: برفسور أ. أ. لوبلينسكايا / ترجمة: بدر الدين عامود، علي منصور / طبع: منشورات وزارة الثقافة لسنة 1400 ه -، 1980 م / سوريا.

752. علم نفس اللغة من منظور معرفي / تأليف: موفق الحمداني / طبع: دار المسيرة للطباعة والنشر لسنة 1427 ه -، 2007 م / عمان - الأردن.

753. علم نفس النحو / تأليف: د. حامد عبد السلام زهران / طبع: عالم الكتب لسنة 1397 ه -، 1977 م / الطبعة الرابعة / القاهرة - مصر.

754. علم نفس النمو الطفولة والمراهقة / تأليف: الدكتور حامد عبد السلام زهران / طبع: عالم الكتب للنشرة والتوزيع لسنة 1425 ه -، 2005 م / القاهرة - مصر.

755. العلم والحكمة في الكتاب والسنة / تأليف: الشيخ محمد بن إسماعيل المحمّدي الري شهري / طبع: دار الحديث لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

756. العمارة الإسلامية خلال العصور / تأليف: الدكتورة سعاد ماهر محمد / طبع: دار البيان العربي لسنة 1405 ه -، 1985 م / جدة - المملكة العربية السعودية.

757. عمارة المساجد / تأليف: رؤوف محمد الأنصاري / طبع: دار النبوغ للطباعة والنشر لسنة 1416 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

758. عمدة الأخبار في مدينة المختار / تأليف: أحمد بن عبد الحميد العباسي (ت القرن العاشر الهجري) / تصحيح وتحرير: الشيخ محمد الطيب الأنصاري / طبع ونشر: على نفقة أسعد ورايزوني الحسيني لسنة 1359 ه -، 1940 م / الطبعة الثالثة / دمشق - سوريا.

759. عمدة الأخبار في مدينة المختار / تأليف: أحمد بن عبد الحميد العباسي (ت القرن العاشر الهجري) / طبع: المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

ص: 228

760. عمدة القاري في شرح صحيح البخاري / تأليف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسي بن أحمد بدر الدين العيني الحنفي (ت 855 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1424 ه -، 2004 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

761. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار / تأليف: الحافظ ابن البطريق، شمس الدين يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي الربعي الحلي (ت 600 ه -) / تحقيق: مالك المحمودي، إبراهيم البهادري / طبع: مطبعة أوفست / الطبعة الثالثة / طهران - إيران.

762. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار / تأليف: الحافظ ابن البطريق، شمس الدين يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي الربعي الحلي (ت 600 ه -) / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1407 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

763. عمل اليوم والليلة / تأليف: أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه -) / تحقيق: فاروق حمادة / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

764. عمل اليوم والليلة / تأليف: الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري الشافعي المعروف ب - (ابن السني) (ت 364 ه -) / تحقيق وتخريج: د. عبد الرحمن كوثر ابن الشيخ محمد عاشق إلهي البرني / طبع: شركة دار الأرقم لابن ابي الأرقم لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

765. عنوان النجابة في معرفة من مات بالمدينة المنورة من الصحابة / تأليف: مصطفى بن محمد بن عبد الله بن العلوي الرافعي / طبع: دار العربية لسنة 1392 ه -، 1972 م / بيروت - لبنان.

766. العواصم من القواصم / تأليف: القاضي أبي بكر بن العربي (ت 543 ه -) / تحقيق: الشيخ محب الدين الخطيب / طبع: دار الجيل لسنة 1414 ه -، 1994 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

ص: 229

767. عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال / تأليف: الشيخ عبد الله البحراني الاصفهاني / طبع: مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الثالثة / قم المقدسة - إيران.

768. العوالم، الإمام الحسين عليه السلام / تأليف: الشيخ عبد الله البحراني (ت 1130 ه -) / تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام / طبع: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى المحققة / قم المقدسة - إيران.

769. عوالي اللئالي / تأليف: ابن أبي جمهور الأحسائي (ت 880 ه -) / تقديم: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي / تحقيق: مجتبى العراقي / طبع: مطبعة سيد الشهداء لسنة 1403 ه -، 1983 م / قم المقدسة - إيران.

770. عون المعبود / تأليف: محمد شمس الحق العظيم آبادي / طبع: الكتب العلمية لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

771. عين اليقين في سيرة سيد المرسلين / تأليف: محمد سيد كيلاني (ماجستير كلية الآداب جامعة القاهرة) / طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر لسنة 1398 ه -، 1978 م / بيروت - لبنان.

772. عيون أخبار الرضا عليه السلام / تأليف: الشيخ الأكبر أبي جعفر الصدوق / طبع: المكتبة الحيدرية لسنة 1425 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

773. عيون الأثر في فنون المغازي والسير / تأليف: ابن سيد الناس (ت 734 ه -) / طبع: مكتبة دار التراث لسنة 1413 ه -، 1993 م / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

774. عيون الأخبار / تأليف: ابن قتيبة الدينوري (ت 276 ه -) / طبع: منشورات محمد علي بيضوت - دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه -، 2003 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

ص: 230

775. عيون التواريخ / تأليف: محمد ابن شاكر ابن أحمد الكتبي / تحقيق: حسام الدين المقدسي / تنسيق المقدمة: الشيخ أبو منصور الحافظ / طبع: مكتبة النهضة المصرية / مصر.

776. عيون الحكم والمواعظ / تأليف: علي بن محمد الليثي الواسطي توفي في القرن السادس / تحقيق: الشيخ حسين الحسني البيرجندي / طبع: دار الحديث / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

777. عيون المعجزات / تأليف: الشيخ حسين بن عبد الوهاب / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1424 ه -، 2004 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

778. الغارات أو الاستغفار والغارات / تأليف: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي / تحقيق: السيد عبد الزهراء الحسينين / طبع: دار الكتاب الإسلامي لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

779. غاية الأماني في أخبار القطر اليماني / تأليف: يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد بن علي (ت 1100 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1388 ه -، 1968 م / القاهرة - مصر.

780. غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام / تأليف: السيد هاشم البحراني الموسوي التويلي / تحقيق: السيد علي عاشور / طبع: مؤسسة التاريخ العربي لسنة 1422 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

781. الغدير / تأليف: الشيخ العلامة الأميني / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1397 ه -، 1977 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

782. غرر البهاء الضوي ودرر الجمال البديع البهي في ذكر الأئمة الأمجاد والعلماء العارفين / طبع: محمد بن علي باعلوي خرد باعلوي الحسيني العلوي التريمي / طبع: المكتبة الأزهرية للتراث لسنة 1422 ه -، 2002 م / بيروت - لبنان.

ص: 231

783. غريب الحديث / تأليف: أبو عبيد، القاسم بن سلام الهروي (224 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1396 ه -، 1976 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

784. غزوات ابن حبيش / تأليف: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن حبيش (ت 485 ه -) / تحقيق: سهيل زكار / طبع: دار الفكر لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

785. غوامض الأسماء المبهمة / تأليف: ابن بشكوال خلف بن عبد الملك (ت 578 ه -) / طبع: عالم الكتب / الطبعة الأولى.

786. غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة / تأليف: أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال (ت 578 ه -) / طبع: عالم الكتب لسنة 1407 ه -،، 1987 م / بيروت - لبنان.

787. الغيبة / تأليف: ابن أبي زينب النعماني / تحقيق: فارس حسون كريم / طبع: دار أنوار الهدى لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

788. الغيبة / تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه -) / تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح / طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية لسنة 1411 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

789. الفاضل / تأليف: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرّد (ت 285 ه -) / طبع: مطبعة دار الكتب المصرية لسنة 1375 ه -، 1956 م / القاهرة - مصر.

790. فاطمة الزهراء / تأليف: توفيق أبو علم / طبع: دار المعارف لسنة 1418 ه -، 1998 م / بيروت - لبنان.

791. فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم / تأليف: عمر أبو النصر / طبع: المكتبة الأهلية للطبع والترجمة والتأليف والنشر لسنة 1354 ه -، 1935 م / القاهرة - مصر.

ص: 232

792. الفاكهة غذاء ودواء / تأليف: الدكتور يوسف البقاعي / طبع: دار الهادي / بيروت - لبنان.

793. الفائق في غريب الحديث والأثر / تأليف: جار الله أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري (ت 538 ه -) / طبع: دار إحياء الكتب العلمية لسنة 1366 ه -، 1947 م / القاهرة - مصر.

794. فتح الباري في شرح صحيح البخاري / تأليف: أحمد بن علي، ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852 ه -) / تحقيق: محب الدين الخطيب / طبع: دار المعرفة لسنة 1379 ه -، 1959 م / بيروت - لبنان.

795. فتح الباري في شرح صحيح البخاري / تأليف: الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1416 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

796. فتح الباري في شرح صحيح البخاري / تأليف: الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز / طبع: دار المعرفة لسنة 1379 ه -، 1959 م / بيروت - لبنان.

797. فتح البيان في مقاصد القرآن / تأليف: صديق حسن خان القنوجي / تحقيق: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري / طبع: المكتبة العصرية لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

798. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني / تأليف: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الشهير بالساعاتي (ت 1378 ه -) / طبع بالأفسيت: دار إحياء التراث العربي / بيروت - لبنان.

799. الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي / تأليف: زين الدين عبد الرؤوف المناوي / تحقيق: أحمد مجتبى بن نذير عالم السلفي / طبع: دار العاصمة لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

800. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير / تأليف:

ص: 233

محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت 1250 ه -) / طبع: دار الكلم الطيب لسة 1418 ه -، 1998 / بيروت - لبنان.

801. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير / تأليف: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (ت 1250 ه -) / طبع: دار ابن حزم لسنة 1421 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

802. فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي / تأليف: أحمد بن محمد بن الصديق الحسني المغربي الغماري (ت 1380 ه -) / تحقيق وتعليق: د. عماد سرور / طبع: المطبعة الإسلامية لسنة 1354 ه -، 1935 م / الأزهر - مصر.

803. فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب / تأليف: أحمد بن الصديق الغماري الشافعي / تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي / طبع: عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

804. الفتن / تأليف: نعيم بن حماد المروزي (ت 288 ه -) / تحقيق وتقديم: الدكتور سهيل زكار / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه -، 1993 م / بيروت - لبنان.

805. الفتوح / تأليف: أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314 ه -) / تحقيق: الدكتور سهيل زكار / طبع: دار الفكر لسنة 1412 ه -، 1992 / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

806. فتوح البلدان / تأليف: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البغدادي البلاذري المولود أواخر القرن الثاني الهجري (ت 892 ه -) / طبع: دار ابن خلدون لسنة 1418 ه -، 1998 م / بيروت - لبنان.

807. الفتوحات الإسلامية بعد مضي الفتوحات النبوية / تأليف: السيد أحمد بن زيني دحلان، مفتي مكة / طبع: مؤسسة الحلبي وشركائه للنشر لسنة 1387 ه -، 1968 م / القاهرة - مصر.

808. الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية / تأليف: محمد بن علي بن

ص: 234

طباطبا المعروف بابن الطقطقا (ت 709 ه -) / طبع: دار صادر لسنة 1386 ه -، 1966 م / بيروت - لبنان.

809. فدك في التاريخ / تأليف: السيد محمد باقر الصدر (ت 1400 ه -) / تحقيق: عبد الجبار شرارة / طبع: مركز الغدير للدراسات الإسلامية لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

810. فدك في الماضي والحاضر / تأليف: عبد الله اليوسف / طبع: دار الهادي لسنة 1422 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

811. فدك هبة النبوة / تأليف: الشيخ حسن أحمد العاملي / طبع: دار الولاء لسنة 1426 ه -، 2006 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

812. فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم عليهم السلام / تأليف: إبراهيم بن محمد ابن المؤيد بن عبد الله بن علي بن بن محمد الجويني الخراساني (ت 722 ه -) / تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي / طبع: مؤسسة المحمودي لسنة 1398 ه -، 1978 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

813. فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب / تأليف: شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي / طبع: دار الفكر لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

814. الفردوس بمأثور الخطاب / تأليف: أبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني الملقب بالكيا (ت 509 ه -) / تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

815. الفرق بين الفرق / تأليف: أبو منصور، عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي (ت 1037 ه -) / دراسة وتحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد / طبع ونشر: المكتبة العصرية لسنة 1416 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

ص: 235

816. الفرق بين الفرق / تأليف: أبو منصور، عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي (ت 1037 ه -) / تعليق: الشيخ إبراهيم رمضان / طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1415 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

817. الفصول المهمة في أصول الأئمة / تأليف: الحر العاملي (ت 1104 ه -) / تحقيق وإشراف: محمد بن محمد الحسين القائيني / طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

818. الفصول المهمة في معرفة الأئمة / تأليف: علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ (ت 855 ه -) / تحقيق: سامي الغربري / طبع: دار الحديث للطباعة والنشر لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

819. الفصول المهمة في معرفة الأئمة / تأليف: علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ (ت 855 ه -) / طبع: دار الحيدرية.

820. الفضائل / تأليف: شاذان بن جبرئيل القمي / طبع: منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها لسنة 1381 ه -، 1962 م / النجف الأشرف - العراق.

821. فضائل الخمسة من الصحاح الستة / تأليف: السيد مرتضى الحسينين الفيروز آبادي (ت 1410 ه -) / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1393 ه -، 1973 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

822. فضائل السادات / تأليف: سيد محمد أشرف بن سيد محمد، الملقب بعبد الحسيب أحمد الاصفهاني (ت 1103 ه -).

823. فضائل الشيعة / تأليف: الشيخ الصدوق / طبع: الدار الإسلامية لسنة 1428 ه -، 2007 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

824. فضائل الصحابة / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه -) /

ص: 236

تحقيق: وصي الله محمد عباس / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة: 1402 ه -، 1982 م.

825. فضائل الصحابة / تأليف: أحمد بن شعيب النسائي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1405 ه -، 1984 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

826. فضائل العشرة (مخطوط) تأليف أبي العباس أحمد بن الحسن الكنكشي، يرقد هذا المخطوط في مكتبة الأسد ويحمل الرقم: 12990.

827. فضائل المدينة / تأليف: الحافظ أبو سعيد المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي اليمني المكي (ت 308 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1405 ه -، 1985 م / بدمشق - سوريا.

828. فضائل أمير المؤمنين عليه السلام / تأليف: أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله بن عجلان، أبو العباس المعروف ب - (ابن عقدة الكوفي) (ت 332 ه -) / طبع: منشورات دليل ما لسنة 1424 ه -، 2004 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

829. فضائل فاطمة الزهراء عليها السلام / تأليف: الحافظ عمر بن شاهين (ت 385 ه -) / تقديم وتحقيق: الدكتور محمد هادي الأميني / طبع: مؤسسة الغدير للمطبوعات دار الكتاب الإسلامي لسنة 1412 ه -، 1992 م / بيروت - لبنان.

830. فضائل فاطمة الزهراء عليها السلام / تأليف: الحافظ عمر بن شاهين (ت 385 ه -) / تقديم وتحقيق: الدكتور محمد هادي الأميني / طبع: مكتبة التربية الإسلامية / القاهرة - مصر.

831. فضل آل البيت / تأليف: تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت 845 ه -) / تحقيق وتعليق: محمد أحمد عاشور / طبع: دار الاعتصام لسنة 1400 ه -، 1980 م / القاهرة - مصر.

832. فقه الرضا عليه السلام / تأليف: علي بن بابويه القمي (ت 339 ه -) / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: المؤتمر العالمي للإمام

ص: 237

الرضا عليه السلام لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / مشهد المقدسة - إيران.

833. فقه الطب / تأليف: مركز المعجم الفقهي / طبع: سنة 1412 ه -، 1992 م.

834. فقه القرآن / تأليف: قطب الدين الراوندي (ت 573 ه -) / تحقيق: السيد أحمد الحسيني / طبع: مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

835. فقه اللغة وسر العربية / تأليف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت 429 ه -) / الجزء الأول / طبع ونشر: مكتبة الخانجي المدني لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

836. الفكر الاجتماعي نشأته واتجاهاته وقضاياه / تأليف: الدكتورة سامية محمد جابر / طبع: دار العلوم العربية / بيروت - لبنان.

837. فلاح السائل / تأليف: السيد العلامة رضى الدين أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد المعروف ب - (السيد ابن طاووس) (ت 664 ه -) / تحقيق: غلام حسين المجيدي / طبع: مكتب الإعلام الإسلامي لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

838. الفنون / تاليف: أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الحنبلي (ت 513 ه -) / تحقيق: جورج المقدّسي / مخطوطة باريس الوحيدة / طبع: دار المشرق لسنة 1390 ه -، 1971 م / بيروت - لبنان.

839. فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات / تأليف: عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني / تحقيق: إحسان عباس / طبع: دار الغرب الإسلامي لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

840. الفهرست / تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه -) / تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم / طبع: مطبعة الحيدري لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الثانية / النجف الأشرف - العراق.

ص: 238

841. فوائد الأصول مع حواشي أوثق الوسائل للميرزا موسى التبريزي / تأليف: الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (ت 1281 ه -) / طبع: دار سماء قلم لسنة 1430 ه -، 2009 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

842. الفوائد الطوسية / تأليف: محمد بن حسن الحر العاملي (ت 1104 ه -) / تحقيق: مهدي اللاجوردي الحسيني - محمد درودي / طبع: متبة المحلاتي لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

843. فيض القدير / تأليف: الشوكاني / طبع: دار الكتبا لعلمية لسنة 1415 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

844. فيض القدير شرح الجامع الصغير / تأليف: محمد بن عبد الرؤوف بن تاج الدين بن علي بن زين العابدين المناوي / طبع: المكتبة التجارية الكبرى لسنة 1365 ه -، 1966 م / القاهرة - مصر.

845. فيض القدير شرح الجامع الصغير / تأليف: محمد بن عبد الرؤوف بن تاج الدين بن علي بن زين العابدين المناوي / تصحيح: أحمد عبد السلام / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1415 ه -، 1994 م / الطبع: بيروت - لبنان.

846. قادتنا كيف نعرفهم ؟ / تأليف السيد محمد هادي الميلاني (ت 1395 ه -) / تحقيق وتعليق: السيد محمد علي الميلاني / مراجعة وإشراف: السيد علي الحسيني الميلاني / طبع: مطبعة شريعت لسنة 1426 ه -، 2006 م / الطبعة: الأولى المنقحة / قم المقدسة - إيران.

847. القاديانية / تأليف: سليمان الظاهر العاملي (ت 1380 ه -) / تقديم وتحقيق: السيد محمد حسن الطالقاني / طبع: مؤسسة الغدير للدراسات والنشر لسنة 1420 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

848. قاموس الرجال / تأليف: الشيخ محمّد تقي بن الشيخ محمّد كاظم بن الشيخ محّمد علي التستري (ت 1415 ه -) / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين لسنة 1419 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة -

ص: 239

إيران.

849. القاموس المحيط / الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي / الطبعة الأولى / طبع: مؤسسة النوري لسنة 1408 ه -، 1987 م / دمشق - سوريا.

850. قراءات في الأسرة ومشكلاتها في المجتمع المعاصر / تأليف: علياء شكري / طبع: دار الثقافة للنشر والتوزيع لسنة 1394 ه -، 1974 م / القاهرة - مصر.

851. قرب الإسناد / تأليف: الشيخ الحميري القمي / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

852. قصص الأنبياء / تأليف: السيد نعمة الله الجزائري / تحقيق: الحاج محسن عقيل / طبع: دار البلاغة لسنة 1419 ه -، 1998 م / الطبعة الخامسة / بيروت - لبنان.

853. قصص الأنبياء / تأليف: قطب الدين الراوندي / طبع: دار الانتصار لسنة 1426 ه - / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

854. قلائد الجمان في التعريق بقبائل عرب الزمان / تأليف: القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي (ت 821 ه -) / تحقيق: إبراهيم الأبياري / طبع: دار الكتاب اللبناني لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

855. القوانين الفقهية / تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن جُزي الكلبي الغرناطي (ت 741 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

856. قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد / تأليف: أبي طالب المكي (ت 386 ه -) / ضبط وتصحيح: باسل عيون السود / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيرت - لبنان.

857. القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع / تأليف: الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 ه -) / تحقيق: بشير محمد عيون /

ص: 240

طبع: مكتبة المؤيد ومكتبة دار البيان / الطائف - السعودية.

858. القول القيم مما يرويه ابن تيمية وابن القيم / تأليف: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية / طبع: دار مكتبة الحياة لسنة 1403 ه -، 1983 م / بيروت - لبنان.

859. القول المسدد / تأليف: العسقلاني أحمد بن علي (ت 853 ه -) / طبع: مكتبة ابن تيمية.

860. القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد / تأليف: الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه -) / طبع: دار اليمامة لسنة 1405 ه -، 1985 م / بدمشق - سوريا.

861. الكافي في الفقه / تأليف: تقي الدين أبي صلاح الحلبي (ت 447 ه -) / تحقيق: رضا أستادي / طبع: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة لسنة 1400 ه -، 1980 م / إصفهان - إيران.

862. كامل الزيارات / تأليف: الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد القمي / تحقيق: الشيخ جواد القيوم الاصفهاني / طبع: دار الفقاهة للنشر لسنة 1424 ه -، 2004 م / الطبعة الثالثة / قم المقدسة - إيران.

863. الكامل في التاريخ / تأليف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت 630 ه -) / تحقيق: عمر عبد السلام تدمري / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

864. الكامل في التاريخ / تأليف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت 630 ه -) / طبع: دار صادر لسنة 1386 ه -، 1966 م / بيروت - لبنان.

865. الكامل في اللغة والأدب / تأليف: أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد (ت 285 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الثالثة /

ص: 241

بيروت - لبنان.

866. الكامل في ضعفاء الرجال / تأليف: أبو أحمد بن عدي الجرجاني (ت 365 ه -) / تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود - على محمد معوض - عبد الفتاح أبو سنة / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

867. كتاب الأربعين / تأليف: ابن عساكر الدمشقي / طبع: مكتبة التراث الإسلامي.

868. كتاب الأربعين / تأليف: محمد طاهر القمي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي / طبع: سنة 1418 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى.

869. كتاب الأم / تأليف: الشافعي محمد بن إدريس (ت 204 ه -) / طبع: دار المعرفة لسنة 1393 ه -، 1973 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

870. كتاب الأنباء بأبناء الأنبياء وتواريخ الخلفاء وولايات الأمراء المعروف ب - (تاريخ القضاعي) / تأليف: القاضي، أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القضاعي (ت 454 ه -) / طبع: المكتبة العصرية لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / صيدا - لبنان.

871. كتاب الثقات / تأليف: الحافظ أبي حاتم محمد بن حبان التميمي البستي (ت 354 ه -) / تحقيق: السيد شرف الدين أحمد / طبع: دار الفكر لسنة 1395 ه -، 1975 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

872. كتاب الثقات / تأليف: الحافظ أبي حاتم محمد بن حبان التميمي البستي (ت 354 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1393 ه -، 1973 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

873. كتاب الجامع / تأليف: أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيراوني (ت 386 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1406 ه -، 1985 م / الطبعة الثالثة / دمشق - سوريا.

874. كتاب الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ / تأليف: أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيراوني (ت 386 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة - المكتبة

ص: 242

العتيقة 1403 ه -، 1983 م / تونس.

875. كتاب الجمل (النصرة في حرب البصرة) / تأليف: الشيخ محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان ابن سعيد بن جبير المروف ب - (الشيخ المفيد) (ت 413 ه -) / طبع: المطبعة الحيدرية لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.

876. كتاب الجيم / تأليف: أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني بالولاء (ت 206 ه -) / الجزء الثالث / تحقيق: إبراهيم الأبياري / مراجعة: محمد خلف أحمد / طبع: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية لسنة 1395 ه -، 1975 م / القاهرة - مصر.

877. كتاب العين / تأليف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي / تحقيق: د. مهدي المخزومي / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1408 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

878. كتاب الفرق / تأليف: ابن فارس اللغوي (ت 395 ه -) / طبع ونشر: دار الرفاعي لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

879. كتاب الفرق / تأليف: ابن فارس اللغوي (ت 395 ه -) / طبع ونشر: مكتبة الخانجي لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

880. كتاب المزار / تاليف: الشيخ المفيد / تحقيق: السيد محمد باقر الأبطحي / طبع: دار الفيد للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

881. كتاب المنمق / تأليف: محمد بن حبيب البغدادي (ت 245 ه -) / تصحيح وتعليق: خورشيد أحمد فاروق.

882. كتاب الوفاة / تأليف: النسائي أحمد بن شعيب / تحقيق: محمد السعيد زغلول / طبع: مكتبة التراث الإسلامي / القاهرة - مصر.

883. كتاب جمهرة اللغة / تأليف: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (ت 321 ه -) /

ص: 243

طبع: دار العلم للملايين لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

884. كتاب سليم بن قيس الهلالي / سليم بن قيس الهلالي / تحقيق: الشيخ محمد باقر الأنصاري الزنجاني / طبع: دار دليل ما لسنة 1423 ه -، 2003 م / الطبعة الثالثة / قم المقدسة - إيران.

885. كتاب سليم بن قيس الهلالي / سليم بن قيس الهلالي / تحقيق: الشيخ محمد باقر الأنصاري الزنجاني / طبع: مؤسسة البعثة / قم المقدسة - إيران.

886. كتاب فضائل العشرة تأليف أبي العباس أحمد بن الحسن الكنكشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد ويحمل الرقم (12990)

887. كتاب من روى عن جده عن أبيه / تأليف: الشيخ الزين أبو العدل قاسم بن قطلوبفا (ت 879 ه -) / طبع: مكتبة المعلا لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / الكويت.

888. كتاب نهج البلاغة / خطب: إمام المتقين وقائد الغر المحجلين الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام.

889. كتاب نوادر حكايات مستطرفاة في مناقب المتقدمين من الأنبياء والصالحين (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق الشام.

890. كحل البصر في سيرة سيد البشر / تأليف: الشيخ عباس القمي (ت 1359 ه -) في النجف الأشرف / طبع: مؤسسة الوفاء لسنة 1403 ه -، 1983 م / بيروت - لبنان.

891. كشاف القناع عن الإقناع / تأليف: الشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي الحنبلي (ت 1051 ه -) / تحقيق: هلال مصيلحي ومصطفى هلال / طبع: دار الفكر لسنة 1402 ه -، 1982 م / بيروت - لبنان.

892. كشاف القناع عن الإقناع / تأليف: الشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي الحنبلي (ت 1051 ه -) / تحقيق: محمد أمين الضناوي / طبع: دار عالم الكتب

ص: 244

/ بيروت - لبنان.

893. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل (تفسير الكشاف) / تأليف: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد الزمخشري (ت 538 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1427 ه -، 2006 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

894. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل / تأليف: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد الزمخشري (ت 538 ه -) / طبع: مكتبة العبيكان لسنة 1418 ه -، 1998 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

895. كشف الأستار عن زوائد البزار / تأليف: الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1399 ه -، 1979 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

896. الكشف الحثيث / تأليف: سبط ابن العجمي / تحقيق وتعليق: صبحي السامرائي / طبع: عالم الكتب - مكتبة النهضة العربية لسنة 1407 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

897. كشف الحق في مسائل المعراج / تأليف: العالم الرباني والحكيم الإلهي السيد كاظم الحسيني الرشتي (ت 1259 ه -) / تحقيق: أمير عسكري / طبع: مؤسسة البلاغ لسنة 1418 ه -، 1998 م / بيروت - لبنان.

898. كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس / تأليف: الشيخ إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي الجراحي العجلوني الشافعي (ت 1162 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1418 ه -، 1997 م / بيروت - لبنان.

899. كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس / تأليف: الشيخ إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي الجراحي العجلوني الشافعي (ت 1162 ه -) / تحقيق: أحمد القلاش / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1405 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

ص: 245

900. كشف الخفاء ومزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على السنة الناس / تأليف: الشيخ إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي الجراحي العجلوني الشافعي / تحقيق: الشيخ محمد عبد العزيز الخالدي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه -، 2001 م / بيروت - لبنان.

901. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون / تأليف: مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرومي الحنفي، المشهور ب - (حاجي خليفة) (ت 1067 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1413 ه -، 1992 م / بيروت - لبنان.

902. كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء / تأليف: الشيخ جعفر كاشف الغطاء / تحقيق: مكتب الإعلام الإسلامي، عباس التبريزيان، محمد رضا الذاكري، عبد الحليم الحلي / طبع: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

903. كشف الغمة عن جميع الأمة / تأليف: أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد الشعراني (ت 973 ه -، / تحقيق: الشيخ زكريا عميرات / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1428 ه -، 2007 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

904. كشف الغمة في معرفة الأئمة / تأليف: الشيخ أبو الحسن، علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي (ت 693 ه -) / طبع: دار الأضواء لسنة 1421 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

905. كشف اللثام / تأليف: الفاضل الهندي / تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1416 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

906. كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام / تأليف: الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي (ت 726 ه -) / تحقيق: حسين الدركاهي أبا محمد حسن حسين آبادي / طبع: الناشر لسنة 1411 ه -، 1991 م / طهران - إيران.

907. الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) / تأليف: أحمد بن محمد

ص: 246

بن إبراهيم الثعلبي، أبو إسحاق (ت 427 ه -) / تحقيق: ابي محمد بن عاشور / مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1422 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

908. الكفاف (كتاب يعيد صوغ قواعد اللغة العربية) / تأليف: يوسف الصيداوي (ت 1423 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

909. كفاية الأثر / تأليف: القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي / تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي / طبع: انتشارات بيدار لسنة 1401 ه -، 1980 م / قم المقدسة - إيران.

910. كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام ويليه البيان في أخبار صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف / تأليف: أبي عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي / تحقيق: د. محمد هادي الأميني / طبع: شركة الكتبي لسنة 1413 ه -، 1992 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

911. كمال الدين وتمام النعمة / تأليف: الشيخ الصدوق / تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم لسنة 1405 ه -، 1985 م / قم المقدسة - إيران.

912. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال / تأليف: علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي (ت 975 ه -) / طبع: منشورات مكتبة التراث الإسلامي / حلب - سوريا.

913. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال / تأليف: علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي (ت 975 ه -) / ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني / نشر: مؤسسة الرسالة / سنة الطبع: 1409 ه -، 1989 م / بيروت - لبنان.

914. كنز الفوائد / تأليف: أبي الفتح الكراجكي (ت 449 ه -) / طبع: مكتبة المصطفوي لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

ص: 247

915. كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق / تأليف: محمد بن عبد الرؤوف بن تاج الدين بن علي بن زين العابدين المناوي (ت 1031 ه -) / طبع: دار بولاق / بولاق - مصر.

916. كنوز الحقائق في حديث خير الخلائق / تأليف: محمد بن عبد الرؤوف بن تاج الدين بن علي بن زين العابدين المناوي (ت 1031 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع لسنة 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

917. الكنى والألقاب / تأليف: الشيخ عباس القمي / طبع: المطبعة الحيدرية لسنة 1389 ه -، 1969 م / الطبعة الثالثة / النجف الأشرف - العراق.

918. كيف تواجه الهموم والضغوطات اليومية (الضغط النفسي العدو الخفيّ !) / إعداد فاديا عبدوش / طبع: شركة دار الفراشة للطباعة والنشر / بيروت - لبنان.

919. لباب الخيار في سيرة النبي المختار / تأليف: الشيخ مصطفى الغلاييني (ت 1364 ه -) / طبع: المطبعة الرحمانية لسنة 1342 ه -، 1924 م / مصر.

920. لباب النقول في أسباب النزول / تأليف: جلال الدين السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري (ت 911 ه -) / طبع: دار الهجرة لسنة 1410 ه -، 1990 م / بيروت - لبنان.

921. اللباب في النحو / تأليف: عبد الوهاب الصابوني (ت 556 ه -) / طبع: مكتبة دار الشرق لسنة 1392 ه -، 1973 م / بيروت - لبنان.

922. لسان العرب / تأليف: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الانصاري المصري / تحقيق: عامر أحمد حيدر / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه -، 2004 م / الطبعة الاولى / بيروت - لبنان.

923. لسان العرب / تأليف: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الانصاري المصري / طبع: دار إحياء التراث العربي / بيروت - لبنان.

924. لسان الميزان / تأليف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، أبو الفضل شهاب

ص: 248

الدين / تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة / طبع: مكتبة المطبوعات الإسلامية لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / الاسكندرية - مصر.

925. لطائف المعارف في مالمواسم العام من الوظائف / تاليف: الحافظ زين الدين بن رجب الحنبلي (ت 795 ه -) / طبع: مؤسسة الريان ودار ابن حزم لسنة 1414 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

926. لطائف المنن والأخلاق في وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق / تأليف: عبد الوهاب الشعراني (ت 973 ه -) / طبع: منشورات دار الحكمة لسنة 1405 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

927. لمحات (في الكتاب والحديث والمذهب) / تأليف: آية الله لطف الله الصافي الكلبايكاني / نشر: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة / طهران - إيران.

928. اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء عليها السلام / تأليف: محمد علي بن أحمد القراچه داغي التبريزي الأنصاري (ت 310 ه -) / تحقيق: السيد هاشم الميلاني / طبع: مؤسسة الهادي لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

929. اللمعة الدمشقية / تأليف: الشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي (الشهيد الأول) (ت 786 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

930. اللهوف في قتلى الطفوف / تأليف: السيد رضي الدين أبوالقاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد الطاووس العلوي الحسني (ت 664 ه -) / طبع: دار أنوار الهدى لسنة 1417 ه -، 1997 م / قم المقدسة - إيران.

931. لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام / تأليف: السيد محسن الأمين العاملي/ تحقيق: السيد حسن الأمين العاملي / طبع: دار الأمير لسنة 1417 ه -،

ص: 249

1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

932. اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم / وضعه: محمد فؤاد عبد الباقي / طبع: دار اقلم لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

933. ما روي في الحوض والكوثر / تأليف: ابن مخلد القرطبي (ت 276 ه -) / تحقيق: عبد القادر محمد عطا صوفي / طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

934. مائة منقبة / تأليف: محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي (ابن شاذان) (ت 412 ه -) / تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف / إشراف: السيد محمد باقر بن المرتضى الموحد الأبطحي / طبع: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحوزة العلمية لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأويى المحققة المسندة / قم المقدسة - إيران.

935. المبسوط / تأليف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأمة السرخسي (ت 483 ه -) / طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1406 ه -، 1986 م / بيروت - لبنان.

936. المتفق والمفترق / تاليف: الخطيب البغدادي، الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت 463 ه -) / تحقيق: الدكتور محمد صادق إيدن الحامدي / طبع: دار القادري لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

937. متن البخاري مشكول بحاشية السندي / تأليف: السندي (ت 1138 ه -) / طبع: دار صعب / بيروت - لبنان.

938. مثلهن الأعلى السيدة خديجة - عليها السلام - / تأليف: عبد الله العلايلي (ت 1416 ه -) / طبع: دار الأهلية للنشر والتوزيع لسنة 1403 ه -، 1983 م / بيروت - لبنان.

ص: 250

939. مثير الأحزان / تأليف: اابن نما الحلي (ت 645 ه -) / طبع: المطبعة الحيدرية لسنة 1369 ه -، 1950 م / النجف الأشرف - العراق.

940. مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن / تصنيف: عبد الرحمن بن علي بن محمد سبط بن الجوزي (ت 597 ه -) / تهذيب: أبو عبد الله محمود المنصوري / تحقيق: أبو موسى عز العرب بن محمد ضبعون / طبع: مكتبة الصحابة لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / جدة - المملكة العربية السعودية.

941. مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن / تصنيف: عبد الرحمن بن علي بن محمد سبط بن الجوزي (ت 597 ه -) / تهذيب: أبو عبد الله محمود المنصوري / تحقيق: أبو موسى عز العرب بن محمد ضبعون / طبع: مكتبة التابعين لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

942. المجازات النبوية / تأليف: الشريف الرضي محمد بن الحسين الموسوي العلوي (ت 406 ه -) / تحقيق وشرح: الدكتور طه محمد الزيني (الأستاذ بالأزهر) / طبع: منشورات مكتبة بصيرتي / قم المقدسة - إيران.

943. مجمع الأمثال / تاليف: ابو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري الميداني (ت 518 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1393 ه -، 1972 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

944. مجمع البحرين / تأليف: الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085 ه -) / تحقيق: أحمد علي الحسيني / طبع: دار الثقافة العربية / الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.

945. مجمع البحرين في زوائد المعجمين / تأليف: الحافظ نور الدين الهيثمي (ت 807 ه -) / طبع: مكتبة الرشد لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الثانية / الرياض - المملكة العربية السعودية.

946. مجمع البلاغة / تأليف: أبو القاسم الحسين بن مفضل بن محمد الراغب الإصفهاني من أعلام القرن الخامس الهجري (ت 502 ه -) / طبع ونشر: مكتبة

ص: 251

الأقصى لسنة 1406 ه -، 1986 م / بيروت - لبنان.

947. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / تأليف: أبي الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1412 ه -، 1992 م / بيروت - لبنان.

948. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / تأليف: أبي الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807 ه -) / تحقيق عبد الله محمد الدرويش / نشر: دار الفكر لسنة 1425 ه -، 2005 م / بيروت - لبنان.

949. مجمع النورين / تأليف: الشيخ أبو الحسن المرندي / طبعة حجرية.

950. مجموع أول مسائل عبد الله بن سلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن سلام (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم (19124)، رقم المصغر الفيلي: (15062).

951. المجموع شرح المهذب / تأليف: الشيرازي، محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 ه -) / طبع: مكتبة الإرشاد لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / جدة - المملكة العربية السعودية.

952. المجموع شرح المهذب / تأليف: الشيرازي، محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 ه -) / تحقيق: ثمانية من الباحثين / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1423 ه -، 2002 م / بالطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

953. المحاسن / تأليف: الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي / تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث) / طبع: دار الكتب الإسلامية لسنة 1370 ه -، 1950 م / طهران - إيران.

954. محاسن التأويل (تفسير القاسمي) / تأليف: علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي (ت 1333 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1398 ه -، 1978 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

955. محاسن الوسائل في معرفة الأوائل / تصنيف: محمد بن عبد الله الشلبي

ص: 252

الدمشقي (ت 796 ه -) / طبع: دار النفائس لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

956. المحاسن والأضداد / تأليف: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255) / تحقيق: فوزي عطوي / طبع: دار صعب لسنة 1388 ه -، 1969 م / بيروت - لبنان.

957. محاضرة الأوائل ومسامرة الأواخر / تأليف: الشيخ علي بن الحاج مصطفى علاء الدين البوسنوي الحنفي الصوفي شيخ زاوية سكتوار المعروف بعلي دده (ت 1007 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1398 ه -، 1978 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

958. المحتضر في تحقيق معاينة المحتضر للنبي والأئمة عليهم السلام / أبو محمد الحسن بن سليمان الحلي العاملي / تحقيق: مشتاق صالح المظفر / طبع: مكتبة العلامة المجلسي لسنة 1430 ه -، 2009 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة إيران.

959. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز / تأليف: أبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (ت 546 ه -) / طبع: مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لسنة 1411 ه -، 1991 م / قطر.

960. المحسن السبط مولود أم سقط / تأليف: السيد محمد مهدي الخرسان / طبع: مطبعة نقارش - دار دليل ما لسنة 1427 ه -، 2007 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

961. المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار / تأليف: ابن حزم الأندلسي، أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد القرطبي الظاهري (ت 456 ه -) / تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة / طبع: دار الآفاء الجديدة / بيروت - لبنان.

962. المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار / تأليف: ابن حزم الأندلسي، أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد القرطبي الظاهري (ت 456 ه -) / تحقيق: لجنة

ص: 253

إحياء التراث العربي / نشر: دار الفكر / بيروت - لبنان.

963. المحن / تأليف: أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي (ت 333 ه -) / تحقيق: الدكتور يحيى وهيب الجبوري / طبع: دار الغرب الإسلام لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

964. المحيط في اللغة / تأليف: كافي الكفاة الصاحب إسماعيل بن عباد / تحقيق: محمد حسن آل ياسين / طبع: دار علم الكتب لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / بغداد - العراق.

965. مختار الصحاح / تاليف: محمد بن أبي بكر الرازي (ت 721 ه -) / ضبط وتصحيح: أحمد شمس الدين / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1415 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

966. المختار من شعر بشار اختيار الخالديين / تأليف: أبو الطاهر إسماعيل بن أحمد زيادة الله التجيبي لبرقي / طبع: دار المدينة للطباعة والنشر.

967. مختصر الشمائل المحمدية / تأليف: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك الترمذي أبو عيسى (ت 279 ه -) / طبع: مكتبة الآداب للطباعة والنشر والتوزيع / القاهرة - مصر.

968. المختصر الصغير في سيرة البشير النذير / تأليف: ابن جماعة عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله (ت 767 ه -) / تحقيق: د. محمد كمال الدين عز الدين / طبع: عالم الكتب لسنة 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

969. المختصر الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني (ت 767 ه -) / تحقيق: د. سامي مكي العاني / طبع: دار البشير لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / عمان - الأردن.

970. المختصر الندي في سيرة النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة (ت 733 ه -) / طبع: مكتبة القرآن

ص: 254

للطبع والنشر والتوزيع / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

971. مختصر بصائر الدرجات / تاليف: حسن بن سليمان الحلي / طبع: منشورات المطبعة الحيدرية لسنة 1370 ه -، 1950 م / الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.

972. مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر / تأليف: محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الأفريقي (ت 711 ه -) / تحقيق: روحية النحاس، رياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع / طبع: دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر لسنة 1402 ه -، 1984 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

973. مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر / تأليف: محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعي الأفريقي (ت 711 ه -) / تحقيق: أحمد حموش، محمد العمر / طبع: دار الفكر لسنة 1405 ه -، 1985 م / دمشق - سوريا.

974. مختصر صفة الصفوة / تأليف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت 597 ه -) / إعداد: أبو أحمد معتز أحمد عبد الفتاح / تحقيق: عصام الدين الصبابتي / طبع: دار الحديث / القاهرة - مصر.

975. مختلف الشيعة / تأليف: العلامة الحلي / تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1413 ه -، 1992 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

976. المخصص / تأليف: أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده (ت 458 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1398 ه -، 1978 م / بيروت - لبنان.

977. المخلاة / تاليف: بهاء الدين محمد بن الحسن العاملي صاحب الكشكول (ت 1003 ه -) / ترجمة وتحقيق: محمد خليل الباشا / طبع: عالم الكتب لسنة

ص: 255

1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

978. مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ تأليف: عبد الله بن أحمد النسفي (ت 710 ه -) / تحقيق: الشيخ مروان محمد الشعار / طبع: دار النفائس لسنة 1416 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

979. المدونة الكبرى / تأليف: الإمام مالك / طبع: دار إحياء التراث العربي / بيروت - لبنان.

980. المدونة الكبرى / تأليف: الإمام مالك / طبع: دار صادر / بيروت - لبنان.

981. مدينة المعاجز / تأليف: السيد هاشم البحراني / تحقيق: الشيخ عزة الله المولائي الهمداني / طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية لسنة 1413 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

982. مدينة النجف / تأليف: محمد علي جعفر التميمي / طبع: مطبعة دار النشر والتأليف في النجف الأشرف لسنة 1372 ه -، 1958 م / النجف الأشرف - العراق.

983. المذكر والتذكير / تأليف: ابن أبي عاصم (ت 287 ه -) / تحقيق: خالد بن قاسم الردادي / طبع: دار المنار لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

984. المرأة - بحث في سيكولوجية الأعماق / تأليف: بيير داكو / ترجمة: وجيه أسعد / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

985. مرآة الجنان وعبرة اليقظان / تأليف: أبو محمد عفيف الدين عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي (ت 768 ه -) / وضع الحواشي: خليل المنصور / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

986. مرآة الزمان في تاريخ الأعيان / تأليف: شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزأوغلي بن عبد الله سبط أبي الفرج ابن الجوزي (ت 654 ه -) / تحقيق: جنان

ص: 256

جليل محمد الهموندي / طبع: وزارة الثقافة والإعلام لسنة 1410 ه -، 1990 م / بغداد - العراق.

987. المرأة بين الدين والمجتمع / تأليف: الدكتور عبد الباقي زيدان / طبع: مكتبة النهضة المصرية لسنة 1397 ه -، 1977 م / القاهرة - مصر.

988. مراتب الإجماع / تأليف: الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (ت 456 ه -) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

989. المراجعات / تأليف: الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي قدس سره (ت 1377 ه -) / تحقيق وتعليق: الشيخ حسين الراضي / طبع: سنة الطبع: 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الثانية.

990. المرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح / تأليف: علي القاري - محمد الخطيب التبريزي / تحقيق: جمال العيتاني / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

991. مروج الذهب ومعادن الجوهر / تأليف: علي بن الحسين المسعودي (ت 346 ه -) / طبع: دار الأندلس لسنة 1384 ه -، 1965 م / بيروت - لبنان.

992. مروج الذهب ومعادن الجوهر / تأليف: علي بن الحسين المسعودي (ت 346 ه -) / طبع: دار القلم / بيروت - لبنان.

993. مروج الذهب ومعدن الجوهر / تأليف: أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي / تحقيق: أمير مهنا / الطبعة الأولى / طبع: مؤسسة الأعلمي لسنة الطبع: 1421 ه -، 2001 م / بيروت - لبنان.

994. المساجد التاريخية الكبرى / تأليف: الدكتور يوسف فرحان / طبع: دار الشمال لسنة 1413 ه -، 1993 م / طرابلس - لبنان.

995. مسالك الأبصار في ممالك الأمصار / تأليف: ابن فضل الله العمري شهاب الدين أحمد بن يحيى (ت 749 ه -) / يصدره: فؤاد سركين / طبع: معهد تاريخ

ص: 257

العلوم العربية والإسلامية في إطار جامعة فرانكفورد لسنة 1408 ه -، 1988 م / فرانكفورد - ألمانيا.

996. مسالك الأبصار في ممالك الأمصار وعجائب الأخبار ومحاسن الأشعار وعيون الآثار / تأليف: محمد بن صالح بن الحسن العصامي الصنعاني / تحقيق: محمد بن علي بن الحسين الأكوع الجوالي / طبع: دار المسيرة لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

997. مسالك الأفهام / تأليف: الشهيد الثاني (ت 965 ه -) / تحقيق: مؤسسة المعارف الإسلامية / طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

998. مسانيد أبي يحيى الكوفي / تأليف: فراس بن يحيى الكوفي (ت 129 ه -) / تحقيق: محمد بن حسن المصري / طبع: مطابع ابن تيمية لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

999. مسائل علي بن جعفر / تأليف: علي بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / مشهد المقدسة - إيران.

1000. المستجاد من الارشاد (المجموعة) / تأليف: العلامة الحلي (ت 726 ه -) / طبع: مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي لسنة 1406 ه -، 1986 م / قم المقدسة - إيران.

1001. مستدرك الوسائل / تأليف: ميرزا حسين النوري الطبرسي / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1408 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى المحققة / بيروت - لبنان.

1002. مستدرك سفينة البحار / تأليف: الشيخ علي نمازي الشاهرودي / طبع:

ص: 258

قسم الدراسات الإسلامية لسنة 1409 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

1003. مستدرك علم رجال الحديث / تأليف: الشيخ علي النمازي الشاهرودي / طبع: ابن المؤلف، مطبعة شفق لسنة 1412 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

1004. المستدرك على الصحيحين / تأليف: ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه -) / طبع: دار المعرفة / بيروت - لبنان.

1005. المستدرك على الصحيحين / تأليف: ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه -) / طبع الهند لسنة 1342 ه -، 1923 م.

1006. المستدرك على الصحيحين / تأليف: ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه -) / تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1007. المستدرك على الصحيحين / تأليف: ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه -) / تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

1008. المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام / تأليف: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري العامي (الشيعي) (ت 310 ه) / تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي / طبع: مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

1009. المستطرف في كل فن مستظرف / تأليف: بهاء الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي (ت 854 ه -) / تحقيق: إبراهيم صالح / طبع: دار صادر لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1010. مسكن الفؤاد / تأليف: الشهيد الثاني (ت 965 ه -) / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث الإسلامي / نشر: مؤسسة آل البيت لإحياء

ص: 259

التراث / طبع: مطبعة مهر لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1011. مسند ابن الجعد / تأليف: ابن الجعد بن عبيد أبو الحسن الجوهري البغدادي (ت 230 ه -) / تحقيق: عامر أحمد حيدر / طبع: مؤسسة نادر لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1012. مسند ابن راهويه / تأليف: إسحاق بن راهويه الحنظلي المروزي (ت 238 ه -) / تحقيق: د. عبد الغفور عبد الحسن البلوشي / طبع: مكتبة الإيمان لسنة 1415 ه -، 1995 م / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

1013. مسند أبي عوانة (2) / تأليف: يعقوب بن إسحاق الأسفرائيني (ت 316 ه -) / طبع: دار المعرفة / بيروت - لبنان.

1014. مسند أبي عوانة الأول / تأليف: يعقوب بن إسحاق الأسفرائيني (ت 316 ه -) / تحقيق: أعين بن عارف الدمشقي / طبع: دار المعرفة لسنة 1419 ه -، 1998 م / بيروت - لبنان.

1015. مسند أبي هريرة / تأليف: أبو إسحاق إبراهيم بن حرب العسكري، ألسمسار (ت 282 ه -). تحقيق: عامر حسن صبري / طبع: دار البشائر الإسلامية لسنة 1427 ه -، 2006 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1016. مسند أحمد بن حنبل / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه -) / طبع: مؤسسة قرطبة لسنة 1410 ه -، 1990 م / القاهرة - مصر.

1017. مسند أحمد بن حنبل / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه -) / تحقيق: عبد الله محمد الدرويش / طبع: دار الفكر لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1018. مسند أحمد بن حنبل / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه -) / طبع: عالم الكتب لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

ص: 260

1019. مسند أحمد بن حنبل / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه -) / تحقيق: احمد محمد شاكر / نشر: مكتبة التراث الإسلامي / القاهرة - مصر.

1020. مسند أحمد بن حنبل / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه -) / طبع: دار الميمنية.

1021. مسند أحمد بن حنبل / تأليف: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني (ت 241 ه -) / طبع: دار صادر لسنة 1400 ه -، 1980 م / بيروت - لبنان.

1022. مسند أحمد بهامش منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال / تأليف: أحمد بن حنبل / طبع: سنة 1398 ه -، 1978 م / الطبعة الثانية.

1023. مسند أسامة / تأليف: عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان البغوي (ت 317 ه -) / تحقيق: حسن أمين بن المنروه / طبع: دار الرياض لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

1024. مسند البزار / تأليف: صديق بن حسن القنوجي (ت 1307 ه -) / تحقيق: عبد الجبار زكار / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1398 ه -، 1978 م / بيروت - لبنان.

1025. مسند البزار / تأليف: صديق بن حسن القنوجي (ت 1307 ه -) / تحقيق: محفوظ الرحمن / طبع: مؤسسة علوم القرآن لسنة 1409 ه -، 1989 م / بيروت - لبنان.

1026. مسند البزار / تأليف: صديق بن حسن القنوجي (ت 1307 ه -) / تحقيق: محفوظ الرحمن / طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1409 ه -، 1989 م / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

1027. المسند الجامع / تأليف: محمود محمد خليل / طبع: الشركة المتحدة لتوزيع الصحف والمطبوعات لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / الكويت.

1028. المسند الجامع / تأليف: محمود محمد خليل / طبع: دار الجيل للطباعة

ص: 261

والنشر والتوزيع لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1029. مسند الحارث بزوائد الهيثمي / تأليف: الحارث بن أبي أسامة / الحافظ نور الدين الهيثمي (ت 282 ه -) / تحقيق: أجل الباك / طبع: مركز خدمة السنة والسيرة النبوية لسنة 1413 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

1030. مسند الحميدي / تأليف: عبد الله بن الزبير أبو بكر (ت 219 ه -) / تحقيق: حبيب الأعظمي / طبع: دار الكتب العلمية 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

1031. مسند الحميدي / تأليف: عبد الله بن الزبير أبو بكر (ت 219 ه -) / تحقيق: حبيب الأعظمي / طبع: مكتبة المتنبي 1380 ه -، 1960 م / القاهرة - مصر.

1032. مسند الحميدي / تأليف: عبد الله بن الزبير أبو بكر القريشي (ت 219 ه -) / تحقيق: حسين سليم أسد / طبع: دار السقا لسنة 1416 ه -، 1996 م / دمشق - سوريا.

1033. مسند الدارمي / تأليف: عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي (ت 255 ه -) / تحقيق: فواز أحمد زمرلي، خالد السبع / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1407 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1034. مسند الروياني / تأليف: محمد بن هارونا لروياني أبو بكر (ت 307 ه -) / تحقيق: أيمن علي / طبع: مؤسسة قرطبة لسنة 1416 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

1035. مسند الشاشي / تأليف: أبو سعيد الهيثم بن كليب بن سريج بن معقل الشاشي (ت 335 ه -) / تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله / طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

1036. مسند الشافعي / تأليف: محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعي (ت 204 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان.

ص: 262

1037. مسند الشاميين / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني (ت 260 ه -) / تحقيق: حمدي السلفي / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1405 ه -، 1984 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1038. مسند الشاميين / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (360 ه -) / تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1405 هن 1985 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1039. مسند الشهاب / تأليف: أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون القضاعي المصري (ت 454 ه -) / تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1407 ه -، 1985 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

1040. مسند الطيالسي / تأليف: سليمان بن داود أبو داود الفارسي البصري (ت 204 ه -) / طبع: دار المعرفة / بيروت - لبنان.

1041. مسند الفردوس للديلمي / تأليف: أبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني (ت 509 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1042. مسند الفردوس، وهو الفردوس بماثور الخطاب / تأليف: أبو شجاع سيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي / تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1432 ه -، 2010 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1043. المسند المستخرج على صحيح مسلم / تأليف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الإصبهاني (ت 43 ه -) / تحقيق: محمد بن محمد الشافعي / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1044. مسند الموصلي / تأليف: أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى التميمي (ت

ص: 263

307 ه -) / تحقيق: حسين سليم أسد / طبع: دار المأمون للتراث لسنة 1408 ه -، 1988 م / دمشق - سوريا.

1045. مسند أنس / تأليف: الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين الحنيني (ت 277 ه -) / طبع: مكتبة العلوم والحكم / القاهرة - مصر.

1046. مسند زيد بن علي / تأليف: زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام / طبع: منشورات دار مكتبة الحياة لسنة 1386 ه -، 1966 م / بيروت - لبنان

1047. مسند عبد بن حميد / تأليف: عبد بن حميد بن نصر أبو محمد الكيسي (ت 249) / تحقيق: صبحي السامرائي / طبع: مكتبة السنة لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

1048. مسند فاطمة - عليها السلام - / تأليف: الحافظ، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1413 ه -، 1993 م / بيروت - لبنان.

1049. مسند فاطمة الزهراء عليها السلام / تأليف: السيد حسين شيخ الإسلامي / طبع: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1050. مشارق الأنوار على صحاح الآثار / تأليف: القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي المالكي (ت 544 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1417 ه -، 1997 م / بيروت - لبنان.

1051. مشاهير علماء الأمصار / تأليف: أبو حاتم محمد بن أحمد بن حبان البُستي (ت 354 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1416 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

1052. المشرع الردي في مناقب السادة الكرام آل با علوي / تأليف: محمد بن أبو بكر الشلي باعلوي (ت 1093 ه -) / طبع: القاهرة لسنة 1318 ه -، 1901 م / الطبعة الأولى.

ص: 264

1053. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار / تأليف: علي الطبرسي / تحقيق: مهدي هوشمند / طبع: دار الحديث لسنة 1418 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1054. مشكاة المصابيح / تأليف: محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين التبريزي (ت 741 ه -) / تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني / طبع: المكتب الإسلامي لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

1055. مشكاة المصابيح / تأليف: محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين التبريزي (ت 741 ه -) / تحقيق: سعيد محمد اللحام / طبع: دار الفكر لسنة 1421 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1056. مشكاة المصابيح / تأليف: محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين التبريزي (ت 741 ه -) / طبع: دمشق - سوريا.

1057. مشكل الآثار / تأليف: أبو جعفر الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري الحنفي / تحقيق: شعيب الأرناؤوط / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1058. مصابيح السنة / تأليف: ابو محمد الحسين بن مسعود ابن محمد الغراء البغوي (ت 516 ه -) / تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، محمد سليم إبراهيم سمارة، جمال حمدي الذهبي / طبع: دار المعرفة لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1059. المصباح (جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية) / تأليف: الشيخ إبراهيم الكفعمي / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثالثة / بيرت - لبنان.

1060. مصباح الأنوار / تأليف: الشيخ الطوسي (وفي بعض المواقع) السيد هاشم بن محمد البحراني / مخطوط.

ص: 265

1061. مصباح البلاغة / تأليف: محمد حسن بن علي الميرجهاني الطباطبائي (ت 1371 ه -) / طبع: مؤسسة التحقيق والنشر لمعارف أهل البيت عليهم السلام / قم المقدسة - إيران.

1062. مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة / تأليف: الحافظ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الكناني البوصيري (ت 840 ه -) / تحقيق: محمد المنتقي / طبع: دار الكتب العربية / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

1063. مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة / تأليف: الحافظ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الكناني البوصيري (ت 840 ه -) / طبع: دار الجنان لسنة 1406 ه -، 1986 م / بيروت - لبنان.

1064. مصباح الفقاهة / تأليف: السيد الخوئي / طبع ونشر: مكتبة الداوري / الطبعة الأولى المحققة / قم المقدسة - إيران.

1065. مصباح الفقيه / تأليف: آقا رضا للهمداني (ت 1322 ه -) / تحقيق: محمد الباقري - نور علي النوري - محمد الميرزائي / الإشراف: السيد نور الدين جعفريان / طبع: المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1066. مصباح المتهجد / تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460 ه -) / طبع: مؤسسة فقه الشيعة لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1067. مصباح الهداية في إثبات الولاية / تأليف: السيد علي البهبهاني / تحقيق وإشراف: رضا الأستادي / طبع: مدرسة دار العلم لسنة 1418 ه -، 1997 م / الطبعة الرابعة / قم المقدسة - إيران.

1068. المصطلحات / إعداد: مركز المعجم الفقهي.

1069. المصنف / تأليف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه -) / تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي / طبع: المكتب الإسلامي للنشر

ص: 266

والتوزيع لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

1070. المصنف / تأليف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه -) / تحقيق: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي / طبع: المجلس العلمي لسنة 1309 ه -، 1891 م / الطبعة الأولى / جوهانزبورغ - ألمانيا.

1071. المصنف في الأحاديث والآثار / تأليف: الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان أبي بكر الكوفي العبسي (ت 335 ه -) / طبع: الدار السلفية لسنة 1399 ه -، 1979 م / الطبعة الثانية / بمبئي - الهند.

1072. المصنف في الأحاديث والآثار / تأليف: الحافظ عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان أبي بكر الكوفي العبسي (ت 335 ه -) / تحقيق وتعليق: سعيد اللحام / طبع: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1073. المصنف لابن مردويه/ تأليف: أبو بكر، أحمد بن موسى بن مردوية بن فورك بن موسى بن جعفر الأصبهاني (ت 410 ه -)

1074. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: محمد بن طلحة ابن الحسن القرشي / طبع: دار البلاغ للصحافة والطباعة والنشر لسنة 1419 ه -، 1999 م / بيروت - لبنان.

1075. مع رجال الفكر / تأليف: السيد مرتضى الرضوي / طبع: دار الإرشاد للطباعة والنشر لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الرابعة موسعة ومنقحة / بيروت - لبنان.

1076. المعاد / تأليف: الشهيد الشيخ مرتضى مطهري (ت 1400 ه -) / ترجمة: جواد علي كسكار / طبع ونشر: مؤسسة الثقلين الثقافية لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

1077. المعارف / تأليف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه -) / تحقيق: الدكتور ثروت عكاشة / طبع: دار المعارف.

ص: 267

1078. المعارف / تأليف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه -) / تحقيق: محمد إسماعيل عبد الله الصاوي / طبع: المطبعة الإسلامية لسنة 1352 ه -، 1934 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

1079. معالم التنزيل في تفسير القرآن / تأليف: أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي (ت 516 ه -) / تحقيق: خالد عبد الرحمن العك / طبع: دار المعرفة لسنة 1412 ه -، 1992 م / بيروت - لبنان.

1080. معاني الأخبار / تأليف: أبو جعفر محمد بن علي الصدوق / تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1379 ه -، 1959 م / قم المقدسة - إيران.

1081. معاني القرآن / تأليف: محمد بن الحسين أبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت 207 ه -) / طبع: دار عالم الكتب لسنة 1403 ه -، 1983 م / الطبعة الثالثة / بيروت - لبنان.

1082. معاني القرآن وإعرابه للزجاج / تأليف: إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (ت 311 ه -) / تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي / طبع: عالم الكتب لسنة 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

1083. المعتبر في شرح المختصر / تأليف: المحقق الحلي أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن / تحقيق وتصحيح: عدة من الأفاضل / إشراف: ناصر مكارم الشيرازي / طبع: مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام لسنة 1405 ه -، 1985 م / قم المقدسة - إيران.

1084. معترك الأقران في إعجاز القرآن / تأليف: الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / تحقيق: علي محمد البجاوي / طبع: دار الفكر العربي / الطبعة الأولى لسنة 1388 ه -، 1969 م / القاهرة - مصر.

1085. معترك الأقران في إعجاز القرآن / تأليف: الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1408 ه -، 1987 م / بيروت - لبنان.

ص: 268

1086. معتصر المختصر / تأليف: يوسف بن موسى الحنفي أبو المحاسن / طبع: عالم الكتب / بيروت - لبنان.

1087. معتصر المختصر / تأليف: يوسف بن موسى الحنفي أبو المحاسن / طبع: مكتبة المتنبي / القاهرة - مصر.

1088. المعتصر من المختصر من مشكل الآثار / تأليف: خصّة القاضي أبو المحاسن يوسف بن موسى بن محمد، جمال الدين الحنفي (ت 803 ه -) / طبع: عالم الكتب / بيروت - لبنان.

1089. المعتقدات الشعبية في الموروث الشعري العربي القديم / تأليف: عبد الرزاق خليفة محمود / طبع: دار الينابيع لسنة 1428 ه -، 2009 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

1090. المعتمد في فقه الإمام أحمد / إعداد: علي عبد الحميد بلطه / طبع ونشر: دار الخير لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1091. معجم أبي يعلى / تأليف: أحمد بن علي بن المثنى الموصلي (ت 307 ه -) / تحقيق: إرشاد الحق الأثري / طبع: إدارة العلوم الأثرية لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / فيصل آباد.

1092. معجم الأدباء / تأليف: ياقوت الحموي (ت 636 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1354 ه -، 1936 م / الطبعة الأخيرة / بيروت - لبنان.

1093. معجم الأوائل في تاريخ العرب والمسلمين / تأليف: الدكتور فؤاد صالح السيد / طبع: دار المناهل لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1094. المعجم الأوسط للطبراني / تأليف: الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت 360 ه -) / طبع: مكتبة المعارف لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / الرياض - المملكة العربية السعودية.

1095. المعجم الأوسط للطبراني / تأليف: الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد

ص: 269

بن أيوب الطبراني (ت 360 ه -) / تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين / طبع: دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1415 ه -، 1995 م / مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

1096. معجم البلدان / تأليف: ياقوت الحموي (ت 626 ه -) / تحقيق: فريد بن عبد العزيز الجندي عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي بالميناء / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1097. معجم البلدان / تأليف: ياقوت الحموي (ت 626 ه -) / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

1098. معجم الشيوخ / تأليف: محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي (ت 402 ه -) / تحقيق: عمر عبد السلام تدمري / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1405 ه -، 1985 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1099. معجم الشيوخ / تأليف: محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي (ت 402 ه -) / تحقيق: عمر عبد السلام تدمري / طبع: دار الإيمان لسنة 1405 ه -، 1985 م / طرابلس.

1100. معجم الصحابة / تأليف: ابن قانع عبد الباقي بن قانع أبو الحسين (ت 351 ه -) / تحقيق: صلاح المصراتي / طبع: مكتبة الغرباء الأثرية / الطبعة الأولى / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

1101. المعجم الصغير للطبراني / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم (ت 360 ه -) / تحقيق: محمد مشكور / طبع: المكتب الإسلامي / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان

1102. المعجم الصغير للطبراني / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم (ت 360 ه -) / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية لسنة 1406 ه -، 1986 م / بيروت - لبنان.

1103. معجم ألفاظ الفقه الجعفري / تأليف: الدكتور أحمد فتح الله / طبع:

ص: 270

مطابع المدوخل لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / الدمام - المملكة العربية السعودية.

1104. المعجم الكبير للطبراني / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني أبو القاسم (ت 360 ه -) / تحقيق: حمدي السلفي / طبع: مكتبة العلوم والحكم لسنة 1404 ه -، 1983 م / الموصل - العراق.

1105. المعجم الكبير للطبراني / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني أبو القاسم (ت 360 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي / القاهرة - مصر.

1106. المعجم الكبير للطبراني / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني أبو القاسم (ت 360 ه -) / تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي / طبع: الدار العربية للطباعة لسنة 1319 ه -، 1901 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1107. المعجم الكبير للطبراني / تأليف: سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني أبو القاسم (ت 360 ه -) / تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي / طبع: مكتب ابن تيمية / الطبعة الثانية / القاهرة - مصر.

1108. معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية / تأليف: الدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم (مدرس أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون - جامعة الأزهر) / طبع: دار الفضيلة / القاهرة - مصر.

1109. المعجم الموسوعي في علم النفس / تأليف: نور بير سيلامي / ترجمة: وجيه أسعد / طبع: وزارة الثقافة / سوريا.

1110. معجم المؤلفين / تأليف: عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة الدمشق (ت 1408 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1414 ه -، 1994 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1111. معجم النساء الشاعرات في الجاهلية والإسلام / إعداد: عبد مهنا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1112. المعجم الوجيز من أحاديث الرسول العزيز / تأليف: السيد عبد الله

ص: 271

ميرغني الحنفي نزيل الطائف (ت 1207 ه -) / طبع: عالم الكتب لسنة 1408 ه -، 1988 م.

1113. المعجم الوسيط / تأليف: إبراهيم مصطفى، وأحمد حسن الزيات، ومحمد علي النجاء / طبع: دار الدعوة لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / تركيا.

1114. معجم أودية الجزيرة / تأليف: عبد الله بن محمد ابن خميس / طبع: مطابع الفرزدق التجارية لسنة 1414 ه -، 1994 م / جامعة ميشيغان.

1115. معجم رجال الحديث / تأليف: السيد الخوئي / طبع: مركز نشر الثقافة الإسلامية في مؤسسة مهر آئين لسنة 1413 ه -، 1992 م / قم المقدسة - إيران.

1116. معجم قبائل الحجاز / تأليف: عاتق البلادي / طبع: دار مكة المكرمة للنشر والتوزيع / مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

1117. معجم لغة الفقهاء / تأليف: محمد قلعجي / طبع: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

1118. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع / تأليف: عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي، أبو عبيد / تحقيق: مصطفى السقا / طبع: عالم الكتب / بيروت - لبنان.

1119. معجم مقاييس اللغة / تأليف: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 ه -) / طبع: دار افكر لسنة 1399 ه -، 1979 م / بيروت - لبنان.

1120. معجم مقاييس اللغة / تأليف: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 ه -) / تحقيق: عبد السلام محمد هارون / طبع: مكتبة الإعلام الإسلامي لسنة 1404 ه -، 1938 م.

1121. معرفة الثقات / تأليف: العجلي أبو الحسن أحمد بن عبد الله الكوفي (ت 261 ه -) / تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي / طبع: مكتبة الدار لسنة 1405 ه -، 1985 م / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

1122. معرفة السنن والآثار / تأليف: شيخ المحدثين أبو بكر أحمد بن الحسين

ص: 272

البيهقي (ت 458 ه -) / تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي / طبع: جامعة الدراسات الإسلامية لسنة 1412 ه -، 1991 م / كراتشي - باكستان.

1123. معرفة السنن والآثار / تأليف: شيخ المحدثين أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه -) / طبع: دار قتيبة لسنة 1412 ه -، 1991 م / بيروت - لبنان.

1124. معرفة السنن والآثار / تأليف: شيخ المحدثين أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه -) / طبع: دار الوعي لسنة 1412 ه -، 1991 م / حلب - سوريا.

1125. معرفة السنن والآثار / تأليف: شيخ المحدثين أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458 ه -) / طبع: دار الوفاء لسنة 1412 ه -، 1991 م / القاهرة - مصر.

1126. معرفة علوم الحديث / تأليف: النيسابوري أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم (ت 405 ه -) / تحقيق: السيد معظم حسين / طبع دار الكتب العلمية لسنة 1397 ه -، 1977 م / بيروت - لبنان.

1127. المعرفة والتاريخ / تأليف: أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي الفارسي (ت 277 ه -) / طبع: مؤسسة الرسالة لسنة 1401 ه -، 1981 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

1128. المغازي للواقدي / تأليف: أبو عبد الله محمد بن عمر السهمي الأسلمي المدني المعروف ب - (الواقدي) (ت 207 ه -) / تحقيق: د. عمر جرش / طبع: عالم الكتب لسنة 1404 ه -، 1984 م / بيروت - لبنان.

1129. المغازي للواقدي / تأليف: أبو عبد الله محمد بن عمر السهمي الأسلمي المدني المعروف ب - (الواقدي) (ت 207 ه -) / طبع: دار نشر المعرفة الإسلامية / طهران - إيران.

1130. المغانم المطابة من معالم طابة / تأليف: محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817 ه -) / تحقيق: حمد الجاسر / طبع: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر لسنة 1389 ه -، 1969 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

1131. المغني / تأليف: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة

ص: 273

المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي (ت 620 ه -) / طبع دار الفكر لسنة 1405 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

1132. المغني / تأليف: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي (ت 620 ه -) / تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو / طبع: دار هجر لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

1133. مغني المحتاج / تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (ت 977 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1377 ه -، 1958 م / بيروت - لبنان.

1134. مفاتيح الجنان / تأليف: الشيخ عباس القمي (ت 1359 ه -) / تعريب: السيد محمد رضا النوري النجفي / طبع: مكتبة العزيزي - دار البعثة لسنة 1426 ه -، 2006 م / الطبعة الثالثة / قم المقدسة - إيران.

1135. مفاتيح الجنان / تأليف: الشيخ عباس القمي (ت 1359 ه -) / تعريب: السيد محمد رضا النوري النجفي / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / بيروت - لبنان.

1136. مفاتيح الغيب (المسمى التفسير الكبير) / تأليف: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن التيمي الرازي الملقب فخر الدين بن حياء الدين الرازي المشتهر بخطيب الري (ت 606 ه -) / طبع: دار الفكر لسنة 1415 ه -، 1995 م / بيروت - لبنان.

1137. المفاضلة بين الصحابة / تأليف: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (ت 456 ه -) / طبع: المطبعة الهاشمية لسنة 1359 ه -، 1949 م / دمشق - سوريا.

1138. مفتاح الفلاح / تأليف: الشيخ العلامة بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي المعروف ب - (الشيخ البهائي) (ت

ص: 274

1031 ه -) / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / بيروت - لبنان.

1139. مفردات ألفاظ القرآن / تأليف: الراغب الأصفهاني (ت 425 ه -) / تحقيق: صفوان عدنان داوودي / طبع: دار طليعة النور لسنة 1427 ه -، 2007 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

1140. مفردات غريب القرآن / تأليف: الراغب الأصفهاني / طبع: دفتر نشر الكتاب لسنة 1404 ه -، 11984 م / الطبعة الثانية / الطبعة الأولى.

1141. المفردات في غريب القرآن / تأليف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف ب - (الراغب الاصفهاني) (ت 502 ه -) / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1428 ه -، 2008 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1142. المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم / تأليف: المحدّث أبو العباس ضياء الدين أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري الأندلسيّ القرطبي المالكي (ت 656 ه -) / تحقيق: عائق بن عبد الله القزني / طبع: دار ابن حزم لسنة 1425 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى.

1143. المفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم / الحافظ أبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (ت 656 ه -) / طبع: دار ابن كثير لسنة 1417 ه -، 1996 م / دمشق - سوريا.

1144. المفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم / الحافظ أبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (ت 656 ه -) / طبع: دار الكلم الطيب لسنة 1417 ه -، 1996 م / بيروت - لبنان.

1145. مقاتل الطالبيين / تأليف: أبي الفرج الأصفهاني / الطبعة الأولى / نشر: دار التربية / بغداد.

1146. مقاتل الطالبيين / تأليف: علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني الأموي القرشي، أبو الفرج الأصبهاني (ت 356 ه -) / تحقيق: السيد أحمد صقر / طبع: دار المعرفة لسنة 1399 ه -، 1979 م / بيروت - لبنان.

ص: 275

1147. المقتضب في اللغة / تاليف: أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (ت 285 ه -) / تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة / طبع: عالم الكتب لسنة 1382 ه -، 1963 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1148. مقتل الحسين / تأليف: أبو المؤيّد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم / تحقيق: الشيخ محمد السماوي / طبع: دار أنوار الهدى لسنة 1423 ه -، 2002 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

1149. مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي / تأليف: أبي مؤيد الموفق أخطب خوارزم المشهور ب - (الخوارزمي) / تحقيق: الشيخ محمد السماوي (ت 568 ه -) / طبع: دار أنوار الهدى لسنة 1423 ه -، 2003 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

1150. مقدمة في أصول الدين / تأليف: آية الله العظمى سماحة الشيخ وحيد الخراساني (دام ظله الوارف) / طبع: منشورات مدرسة باقر العلوم عليه السلام / قم المقدسة - إيران.

1151. مقدمة في علم الأخلاق / تأليف: للعلامة السيد كمال الحيدري / طبع: دار فرقد لسنة 1425 ه -، 2004 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1152. المقنع / تأليف: الشيخ الصدوق (ت 381 ه -) / تحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي عليه السلام / طبع: مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام لسنة 1415 ه -، 1995 م / قم المقدسة - إيران.

1153. المقنعة / تأليف: الشيخ المفيد (ت 413 ه -) / تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

1154. مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: أحمدي الميانجي / طبع: دار الحديث لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى مصححة ومنقحة ومزيدة / بيروت - لبنان.

ص: 276

1155. مكارم الأخلاق / تأليف: الشيخ الطبرسي / طبع: منشورات الشريف الرضي لسنة 1392 ه -، 1972 م / الطبعة السادسة / قم المقدسة - إيران.

1156. مكارم الأخلاق / تأليف: عبد الله بن محمد القرشي (ت 208 ه -) / تحقيق: مجدي السيد / طبع: مكتبة القرآن لسنة 1411 ه -، 1991 م / القاهرة - مصر.

1157. مكمل إكمال إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم / تأليف: السنوسي (ت 892 ه -) / طبع: مكتبة طبرية / الرياض - المملكة العربية السعودية.

1158. مكيال المكارم / تأليف: الميرزا محمد تقي الأصفهاني / تحقيق: السيد علي عاشور / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1421 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1159. من أسس التربية الإسلامية / تأليف: الدكتور عمر محمد التومي الشيباني (ت 1422 ه -) / طبع: المنشآة العامة للنشر لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الثانية / طرابلس - لبنان.

1160. من حديث خثيمة / تأليف: خثيمة بن سليمان القرشي (ت 342 ه -) / تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1400 ه -، 1980 م / بيروت - لبنان.

1161. من حديث خثيمة / تأليف: خثيمة بن سليمان القرشي (ت 342 ه -) / طبع: دار الجيل / بيروت - لبنان.

1162. من حياة الخليفة عمر بن الخطاب / تأليف: عبد الرحمن أحمد البكري / طبع: دار الإرشاد للطباعة والنشر / بيروت - لبنان.

1163. من لا يحضره الفقيه / تأليف: أبو جعفر الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي رحمه الله (ت 381 ه -) / تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

1164. منار السبيل في شرح الدليل على مذهب أحمد بن حنبل / تأليف: الشيخ

ص: 277

إبراهيم بن محمد سالم بن ضويان / طبع: دار الحكمة لسنة 1402 ه -، 1982 م / دمشق - سوريا.

1165. المنار المنيف / تأليف: محمد بن أبي بكر الحنبلي الدمشقي (ت 751 ه -) / طبع: مكتب المطبوعات الإسلامية.

1166. المناقب / تأليف: الموفق بن محمد المكي الخوارزمي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي لسنة 1425 ه -، 2004 م / الطبعة الخامسة / قم المقدسة - إيران.

1167. مناقب آل أبي طالب / تأليف: ابن شهر آشوب المازندراني / تحقيق: د. يوسف البقاعي / الطبعة الأولى / نشر: مركز الأبحاث العقائدية / سنة الطبع: 1421 ه -، 2000 م / قم المقدسة - إيران.

1168. مناقب الإمام علي بن أبي طالب - عليه السلام - / تصنيف: الخطيب الفقيه الحافظ أبو الحسن علي بن محمد الواسطي الجلاني الشافعي الشهير بابن المغازلي (ت 483 ه -) / طبع: إنتشاءات سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسنة 1426 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى.

1169. مناقب الإمام علي عليه السلام / تأليف: محمد بن سليمان الكوفي / تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي / طبع: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية لشهر محرم الحرام من سنة 1412 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1170. مناقب الأنصار / تأليف: الشيخ مجدي عرفات.

1171. المناقب المزيدية في أخبار الملوك الأسدية / تأليف: أبو البقاء هبة الله محمد بن نما الحلي (ت 600 ه -) / تحقيق: محمد عبد القادر خريسات، صالح موسى درادكة كلية الآداب - الجامعة الأردنية / طبع: مكتبة الرسالة الحديثة لسنة 1404 ه -، 1984 م / الطبعة الأولى / عمان.

1172. مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب / تصنيف: الخطيب الفقيه

ص: 278

الحافظ أبو الحسن علي بن محمد الواسطي الجلاني الشافعي الشهير بابن المغازلي (ت 483 ه -) / إعداد: المكتب العالمي للبحوث / طبع: منشورات دار مكتبة الحياة / بيروت - لبنان.

1173. مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام / تأليف: أبو بكر، أحمد بن موسى بن مردوية بن فورك بن موسى بن جعفر الأصبهاني (ت 410 ه -) / تجميع: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين / طبع: دار الحديث لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1174. مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام وما نزل من القرآن في علي عليه السلام / تأليف: أحمد بن مردويه الاصفهاني / تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين / طبع: دار الحديث لسنة 1422 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1175. مناقب عمر بن الخطاب / تأليف: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت 597 ه -) / دراسة وتحقيق: الدكتور السيد الجميلي / طبع ونشر: دار الكتاب العربي لسنة 1405 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

1176. منال الطالب في شرح طوال الغرائب / تأليف: المبارك بن محمد بن الأثير / تحقيق: الدكتور محمود محمد الطناحي / طبع: جامعة أم القرى - مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي / مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

1177. مناهل الصفاء في تخريج أحاديث الشفا / تأليف: عبد الرحمن بن أبي بكر، الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 ه -) / تحقيق: سمير القاضي / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية دار الجنان للنشر والتوزيع لسنة 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

1178. منتخب مسند عبد بن حميد / تأليف: عبد بن حميد بن نصر الكسي / تحقيق وضبط وتخريج أحاديث: السيد صبحي البدري السامرائي، محمود

ص: 279

محمد خليل الصعيدي / طبع: مكتبة النهضة العربية لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى.

1179. المنتخب من ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين / تأليف: محمد بن جرير الطبري / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / بيروت - لبنان.

1180. المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم / تأليف: زبير بن بكار (ت 256 ه -) / تحقيق: سكينة الشهابي / طبع مؤسسة الرسالة / بيروت - لبنان.

1181. المنتخب من مسند عبد بن حميد / تأليف: الحافظ أبي محمد عبد بن حميد المعروف بالكشي (ت 249 ه -) / طبع: عالم الكتب لسنة 1408 ه -، 1988 م / بيروت - لبنان.

1182. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك / تأليف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد السبط ابن الجوزي (ت 597 ه -) / تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1183. منتقى الجمعان / تأليف: الشيخ حسن بن زيدن الدين العاملي صاحب المعالم / تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري / طبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1362 ه -، 1943 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1184. المنتقى في سرد الكنى / تأليف: الحافظ الذهبي / طبع: المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

1185. المنتقى في مولد النبي المصطفى / تأليف: سعيد الدين محمد بن مسعود بن محمد البلياني الكازروني (ت 758 ه -) / طبع: مكتبة المسجد النبوي / المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

ص: 280

1186. المنتقى من المقتضى في أخبار بني العباس / تصنيف: أحمد بن علي المقريزي (ت 845 ه -) / إنتقاء وتقديم وتحقيق: تميمة محمد عبد الروّاف.

1187. المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق / تأليف: أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهيل بن شاكر الخرائطي السامري (ت 327 ه -) / انتفاء: أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني / تحقيق: محمد مطيع الحافظ، وغزوة بدير / طبع: دار الفكر لسنة 1406 ه -، 1986 م / دمشق - سوريا.

1188. منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل / تأليف: الشيخ عباس القمي (ت 1359 ه -) / طبع: الدار الإسلامية لسنة 1411 ه -، 1991 م / بيروت - لبنان.

1189. منتهى المطلب / تأليف: للعلامة الحلي / تحقيق: قسم الفقة في مجمع البحوث الإسلامية / طبع: مؤسسة الطبع والنشر في العتبة الرضوية المقدسة لسنة 1412 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / مشهد المقدسة - إيران.

1190. المنجد في الاملاء / تأليف: عادل حسن الأسدي / طبع: مؤسسة محبين للطباعة والنشر لسنة 1424 ه -، 2004 م / قم المقدسة - إيران.

1191. المنجد في اللغة العربية / تأليف: لوئيس معلوف / طبع: دار المشرق لسنة 1420 ه -، 2000 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1192. المنجد في اللغة العربية / تأليف: لوئيس معلوف / نشر: دار ذوي القربى لسنة 1429 ه -، 2008 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1193. منح الروض الأزهر في شرح الفقه الأكبر / تأليف: علي بن سلطان القاري الحنفي الماتريدي (ت 1014 ه -) / تحقيق وتعليق: الشيخ زهبي سليمان غاوجي / طبع: دار البشائر الإسلامية لسنة 1419 ه -، 1998 م / بيروت - لبنان.

1194. منح المدح أو شعراء الصحابة في مدح الرسول / تأليف: ابن سيد الناس (ت 732 ه -) / تحقيق: عفت وصال حمزة / طبع دار الفكر لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

1195. منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود / تأليف: أحمد عبد

ص: 281

الرحمن البنا الساعاتي / طبع: المكتبة الإسلامية لسنة 1400 ه -، 1980 م / الطبعة الثانية / بيروت - لبنان.

1196. منهاج الصالحين مع فتاوى الشيخ حسين الوحيد الخراساني / تأليف: السيد أبو القاسم الخوئي - الشيخ حسين الوحيد الخراساني / طبع: مدرسة الإمام باقر العلوم عليه السلام لسنة 1432 ه -، 2011 م / الطبعة السادسة / بيروت - لبنان.

1197. مهج الدعوات ومنهج العنايات / تأليف: رضي الدين بن طاووس / تحقيق: جواد القيوم الاصفهاني / طبع: مؤسسة الآفاق لسنة 1422 ه -، 2002 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

1198. مهذب السيرة النبوية / تأليف: إبراهيم الأبياري / طبع: دار المعارف لسنة 1418 ه -، 1998 م / القاهرة - مصر.

1199. موارد الظمآن / تأليف: علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ه -) / تحقيق: محمد عبد الرزاق حمران / طبع: دار الكتب العلمية / بيروت - لبنان.

1200. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان / تأليف: نور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي / تحقيق: حسين سليم أسد الدارني - عبده علي الكوشك / طبع: دار الثقافة العربية لسنة 1411 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / القاهرة - مصر.

1201. مواقف الشيعة / تأليف: أحمدي الميانجي / طبع: مؤسسة النشر الإسلامية التابعة لجماعة المدرسين بقم لسنة 1416 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1202. المواقف للإيجي/ تأليف: عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي / طبع: دار الجيل لسنة 1417 ه -، 1997 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1203. مواليد أهل البيت - عليهم السلام - / تأليف: الحافظ، أبو بكر أحمد بن نصر بن عبد الله بن الفتح النهرواني.

1204. مواهب الجليل / تأليف: الحطاب الرعيني (ت 954 ه -) / ضبط وتخريج:

ص: 282

الشيخ زكريا عميرات / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1416 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1205. المواهب اللدنية بالمنح المحمدية / تأليف: القسطلاني (ت 923 ه -) / تحقيق: صالح الشامي / طبع: دار المكتب الإسلامي لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1206. المواهب اللدنية بالمنح المحمدية / تأليف: القسطلاني (ت 923 ه -) / طبع: دار المعرفة / بيروت - لبنان.

1207. المواهب اللدنية بالمنح المحمدية / تأليف: القسطلاني (ت 923 ه -) / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1417 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1208. موسوعة آل النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) / طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1386 ه -، 1967 م / بيروت - لبنان.

1209. الموسوعة الإسلامية الميسرة / تأليف: المشرف العام الدكتور محمود حكام / طبع ونشر: دار صحاري لسنة 1418 ه -، 1998 م / دمشق - سوريا.

1210. موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية / تاليف: الدكتور أحمد شلبي / طبع: مكتبة النهضة المصرية لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة العاشرة/ القاهرة - مصر.

1211. موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية / تأليف: محمد هادي اليوسفي.

1212. موسوعة الشافعي - كتاب الأم - / تأليف: محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 ه -) / طبع: دار قتيبة لسنة 1416 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

1213. موسوعة العالم الإسلامي ورجالها / تأليف: شاكر مصطفى / طبع: دار

ص: 283

العلم للملايين لسنة 1413 ه -، 1993 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1214. موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام / تأليف: مؤسسة دائرة المعارف للفقه الإسلامي / تحقيق: مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي / طبع: مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي لسنة 1423 هن 2002 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1215. موسوعة الملل والنحل / تأليف: الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد (ت 548 ه -) / تحقيق: محمد سيد كيلاني / طبع: دار المعرفة / بيروت - لبنان.

1216. موسوعة الملل والنحل / تأليف: الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد (ت 548 ه -) / طبع: مؤسسة ناصر للثقافة لسنة 1401 ه -، 1981 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1217. موسوعة أمثال العرب / تأليف: الدكتور أميل بديع يعقوب / طبع: دار الجيل لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1218. موسوعة حياة الصحابة من كتب التراث / إعداد وتنسيق: محمد سعيد مبيض / طبع: مؤسسة الريان لسنة 1421 ه -، 2000 م / بيروت - لبنان.

1219. موسوعة طبقات الفقهاء / تأليف: اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام / إشراف: الشيخ جعفر السبحاني / طبع: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1220. موسوعة عظماء حول الرسول صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: الشيخ خالد عبد الرحمن العك المدرس في إدارة الافتاء العام بدمشق / طبع: دار النفائس لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1221. موسوعة فضائل القرآن الكريم وخواص سوره وآياته / تأليف: الشيخ عبد الله الصالحي النجف آبادي / طبع: المكتبة الحيدرية لسنة 1429 ه -، 2008 م /

ص: 284

الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1222. موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام / تأليف: معهد باقر العلوم للتحقيق / طبع: دار المعروف لسنة 1415 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1223. موضع أوهام الجمع والتفريق / تأليف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت 463 ه -) / تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي / طبع: دار المعرفة لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1224. الموضوعات / تأليف: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي القرشي السلفي (ت 597 ه -) / طبع: الناشر محمد عبد المحسن لسنة 1386 ه -، 1966 م / الطبعة الأولى.

1225. موطأ مالك / تأليف مالك بن أنس (ت 179 ه -) / تحقيق وتصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي / طبع: دار إحياء التراث العربي لسنة 1406 ه -، 1985 م / بيروت - لبنان.

1226. موطأ مالك / تأليف مالك بن أنس (ت 179 ه -) / تحقيق: أبو عبد الرحمن الأخضر الأخذري / طبع: اليمامة لسنة 1420 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

1227. مولد العلماء ووفياتهم / تأليف: ابن زبر محمد بن عبد الله بن أحمد الربعي (ت 397 ه -) / طبع: دار العاصمة لسنة 1410 ه -، 1990 م / الطبعة الثانية / الرياض - المملكة العربية السعودية.

1228. مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن قضيب البان (مخطوط) / يرقد في مكتبة الأسد بدمشق.

1229. الميزان / تأليف: عبد الوهّاب الشعراني (ت 973 ه -) / تحقيق: الدكتور عبد الرحمن عميرة / طبع: عالم الكتب لسنة 1409 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى /

ص: 285

بيروت - لبنان.

1230. ميزان الاعتدال / تأليف: الذهبي / تحقيق: علي محمد البجاوي / طبع: دار المعرفة للطباعة والنشر لسنة 1382 ه -، 1963 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1231. ميزان الحكمة / تأليف: الشيخ محمد الريشهري / طبع: دار الحديث لسنة 1416 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1232. الميزان في تفسير القرآن / تأليف: السيد محمد حسين الطباطبائي / تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي / طبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1417 ه -، 1996 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1233. ناسخ التواريخ - حياة الإمام سيد الشهداء الحسين عليه السلام / تأليف: ميرزا محمد تقي سبهر (لسان الملك) / ترجمة: سيد علي جمال أشرف / تحقيق: سيد علي جمال أشرف / طبع: دار مدين لسنة 1427 ه -، 2007 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1234. ناسخ الحديث ومنسوخه / تأليف: ابن شاهين أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان (ت 385 ه -) / تحقيق: سمير الزهري / طبع: مكتبة المنار لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / الزرقاء.

1235. الناسخ والمنسوخ من الحديث / تأليف: الحافظ عمر بن أحمد (أبو حفص ابن شاهين) (ت 385 ه -) / تحقيق: علي محمد معوّض - عادل أحمد عبد الموجود / طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1236. نثر الدرر / تأليف: الوزير الكتاب أبو سعد منصور بن الحسين الآبي (ت 420 ه -) / تحقيق: محمد علي قرنة / مراجعة: علي محمد الجاوي طبع: الهيئة المصرية العامة للكتاب 1400 ه -، 1980 م / القاهرة - مصر.

1237. نزهة المجالس ومنتخب النفائس / تأليف: عبد الرحمن بن عبد السلام

ص: 286

الصفوري الشافعي / طبع: دار الإسراء لسنة 1424 ه -، 2004 م / عمان - الأردن.

1238. نزهة الناظرين في مسجد سيد الأولين والآخرين / تأليف: السيد جعفر بن السيد إسماعيل المدني البرزنجي (ت 1177 ه -) / طبع: دار صعب لسنة 1303 ه -، 1885 م / بيروت - لبنان.

1239. نزهة النظر في غريب النهج والأثر / تأليف: عادل عبد الرحمن البدري / طبع: مؤسسة المعارف الإسلامية - دار عترت لسنة 1421 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1240. نساء بليغات / تأليف: محمد محمد بدوي وهيبة ميساء محمد العمر / طبع: مكتبة دار البيروني لسنة 1415 ه -، 1995 م / عمان - الأردن.

1241. النسب / تأليف: أبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224 ه -) / طبع: دار الفكر / بيروت - لبنان.

1242. نسب قريش / تأليف: مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، أبو عبد الله الزبيدي (ت 236 ه -) / طبع: دار المعارف للطباعة والنشر لسنة 1402 ه -، 1982 م / الطبعة الثالثة / القاهرة - مصر.

1243. نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة / تأليف: المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم داود التنوخي البصري، أبو علي (ت 384 ه -) / تحقيق ونشر: المحامي عبود الشالجي لسنة 1393 ه -، 1973 م.

1244. النص والاجتهاد / تأليف: السيد عبد الحسين شرف الدين (ت 1377 ه -) / تحقيق وتعليق: أبو مجتبى / نشر: دار أبو مجتبى / طبع: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام لسنة 1404 ه -، 1984 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1245. نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي / تأليف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (ت 762 ه -) / تصحيح: عبدا لعزيز الديوبندي الفنجاني - محمد يوسف

ص: 287

الكاملفوري / تحقيق: محمد عوامة / طبع: مؤسسة الريالة للطباعة والنشر لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1246. نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي / تأليف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (ت 762 ه -) / تصحيح: عبدا لعزيز الديوبندي الفنجاني - محمد يوسف الكاملفوري / تحقيق: محمد عوامة / طبع: دار القبلة للثقافة الإسلامية لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / جدة - المملكة العربية السعودية.

1247. نظام الأسرة في الإسلام / تأليف: محمد عقلة / طبع: دار الرسالة للطباعة والنشر والإعلام لسنة 1410 ه -، 1990 م / بيروت - لبنان.

1248. النظرية الاجتماعية ودراسة الأسرة / تأليف: الدكتورة سامية مصطفى الخشاب / طبع: مؤسسة المعارف للطباعة والنشر لسنة 1407 ه -، 1987 م / بيروت - لبنان.

1249. نظم درر السمطين / تأليف: جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي المدني الحنفي شمس الدين (ت 750 ه -) / ترجمة وتحقيق: علي عاشور / نشر: دار إحياء التراث العربي / الطبعة الأولى / سنة الطبع: 1377 ه -، 1958 م / بيروت - لبنان.

1250. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب / تأليف: أبو العباس أحمد المقري / تحقيق: إحسان عباس / طبع: المطبعة الأزهرية لسنة 1302 ه -، 1884 م.

1251. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب / تأليف: أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد المقري القرشي الملقب بشهاب الدين (ت 1061 ه -) / تحقيق: إحسان عباس / طبع: دار صادر لسنة 1387 ه -، 1968 م / بيروت - لبنان.

1252. نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة / تأليف: محمد أمين فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي (ت 1111 ه -) / طبع: عيسى البابي الحلبي

ص: 288

لسنة 1389 ه -، 1969 م / القاهرة - مصر.

1253. النفس (بحوث مجمعة) / تجميع: الدكتور مصطفى زيور / طبع: القاهرة لسنة 1402 ه -، 1982 م / القاهرة - مصر.

1254. نفس الرحمن في فضائل سلمان / تأليف: الميرزا حسين النوري الطبرسي / تحقيق: جواد القيومي الجزه اي الاصفهاني / طبع: مؤسسة الآفاق لسنة 1411 ه -، 1990 م / الطبعة الأولى / طهران - إيران.

1255. النقود الإسلامية المسمى (بشذو العقود في ذكر النقود) / تأليف: تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (ت 845 ه -) / تحقيق: السيد محمد بحر العلوم / طبع: دار الزهراء لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة السادسة / بيروت - لبنان.

1256. النمو النفسي الاجتماعي للطفل في سنواته التكوينية / تأليف: د. محمد عماد الدين إسماعيل / طبع: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لسنة 1406 ه -، 1986 م / الطبعة الأولى / الكويت.

1257. نهاية الإحكام / تأليف: العلامة الحلي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي / طبع: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1410 ه -، 1989 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

1258. نهاية الأرب في فنون الأدب / تأليف: شهاب الدين، أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733 ه -) / طبع: مطبعة دار الكتب المصرية لسنة 1374 ه -، 1955 م / القاهرة - مصر.

1259. نهاية الأرب في فنون الأدب / تأليف: شهاب الدين، أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733 ه -) / طبع: دار الهيئة المصرية للكتاب لسنة 1410 ه -، 1990 م / القاهرة - مصر.

1260. نهاية الأرب في فنون الأدب / تأليف: شهاب الدين، أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت 733 ه -) / نشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي / القاهرة - مصر.

ص: 289

1261. نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: رفاعة بن رافع الطهطاوي المصري (ت 1290 ه -) / تحقيق: عبد الرحمن حسن محمود، فاروق حامد بدر / طبع: مكتبة الآداب لسنة 1402 ه -، 1982 م / القاهرة - مصر.

1262. النهاية في غريب الحديث والأثر / تأليف: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (ت 606 ه -) / طبع: دار إحياء التراث / بيروت - لبنان.

1263. النهاية في غريب الحديث والأثر / تأليف: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير (ت 606 ه -) / تحقيق: طاهر أحمد الزاوي / طبع: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1384 ه -، 1965 م / الطبعة الرابعة / قم المقدسة - إيران.

1264. نهج الإيمان / تأليف: ابن حجر العسقلاني / تحقيق: ألسيد أحمد الحسيني / طبع: مجتمع إمام هادي عليه السلام، مطبعة ستارة لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1265. نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام / تجميع: الشريف الرضي، السيد محمود المرعشي / نشر: مكتبة السيد المرعشي لسنة 1406 ه -، 1986 م / قم المقدسة - إيران.

1266. نهج الحق وكشف الصدق / تأليف: العلامة الحلي / تقديم: السيد رضا الصدر / تعليق: الشيخ عين الله الحسني الأرموي / طبع: مؤسسة الطباعة والنشر دار الهجرة لسنة 1421 ه -، 2000 م / قم المقدسة - إيران.

1267. نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة / تأليف: الشيخ محمد باقر المحمودي / طبع: مطبعة النعمان لسنة 1385 ه -، 1965 م / الطبعة الأولى / النجف الأشرف - العراق.

1268. نوادر الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم / تأريف: محمد بن علي الحكيم الترمذي / تحقيق: عبد الرحمن عميرة / طبع: دار

ص: 290

الجيل لسنة 1412 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1269. نوادر المعجزات / تأليف: محمد بن جرير الطبري (الشيعي) / تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام / طبع: مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام لسنة 1410 ه -، 1989 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1270. نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار / تأليف: مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي (ت 1308 ه -) / طبع: المطبعة اليوسفية / القاهرة - مصر.

1271. نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار / تأليف: مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي (ت 1308 ه -) / طبع: مكتبة ومطبعة الحاج عباس سلام شقرون لسنة 1374 ه -، 1954 م / القاهرة - مصر.

1272. نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار / تأليف: مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي (ت 1308 ه -) / طبع: دار ذوي القربى لسنة 1426 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1273. نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار / تأليف: مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي (ت 1308 ه -) / طبع: دار مكتبة الحيدرية.

1274. نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار / تأليف: مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي (ت 1308 ه -) / طبع: دار الغري.

1275. نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار / تأليف: مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي (ت 1308 ه -) / طبع: دار العثمانية.

1276. نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار / تأليف: مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي (ت 1308 ه -) / طبع: دار السعيدية.

1277. نور القبس المختصر من المقتبس في أخبار النحاة والأدباء والشعراء والعلماء / تأليف: أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزُباني - اختصار - أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود الحافظ اليغموري (673 ه -) / طبع: دار النشر لسنة 1384 ه -، 1964 م / فرانتس شتاينر - فيسبادن.

ص: 291

1278. نيل الأوطار / تأليف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250 ه -) / طبع: دار الجيل لسنة 1393 ه -، 1973 م / بيروت - لبنان.

1279. نيل الأوطار من أسرار المنتقى الأخبار / تأليف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250 ه -) / تحقيق: أحمد محمد السيد / تخريج الأحاديث: يوسف علي بديوي / طبع: دار الكلم الطيب / دمشق - سوريا.

1280. الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام / تأليف: عبد الزهراء مهدي / طبع: دار رضوان لسنة 1425 ه -، 2005 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1281. الهداية / تأليف: أبو جعفر الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي (ت 381 ه -) / تحقيق: مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1282. الهداية الكبرى / تأليف: الحسين بن حمدان الخصيبي / طبع: مؤسسة البلاغة للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1411 ه -، 1991 م / الطبعة الرابعة / بيروت - لبنان.

1283. هدي الساري مقدمة فتح الباري / تأليف: ابن حجر العسقلاني / تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي - محب الدين الخطيب / طبع: دار المعرفة لسنة 1399 ه -، 1379 م / بيروت - لبنان.

1284. الهدية / تأليف: الخطيب التبريزي.

1285. الوافي بالوفيات / تأليف: صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت 764 ه -) / طبع: دار صادر لسنة 1392 ه -، 1972 م / بيروت - لبنان.

1286. الوافي بالوفيات / تأليف: صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (ت 764 ه -) / تحقيق: أحمد الارناؤوط / الطبعة الأولى / نشر: دار إحياء التراث العربي / سنة الطبع: 1420 ه -، 1999 م / بيروت - لبنان.

1287. الوالدية / تأليف: دلي سالك (مدير قسم علم نفس الطفل في مستشفى نيويورك بمركز كورنيل الطبي) / طبع: دار طلاس / دمشق - سوريا.

ص: 292

1288. الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر العباسي الأول (40-132 ه -) / تأليف: محمد ماهر حمادة، دكتور في علم المكتبات / طبع: مؤسسة الرسالة - دار النفائس لسنة 1394 ه -، 1974 م / بيروت - لبنان.

1289. وسائل الشيعة (آل البيت عليهم السلام) / تأليف: الحر العاملي / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

1290. وسائل الشيعة (الإسلامية) / تأليف: الحر العاملي / تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / طبع: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث لسنة 1414 ه -، 1993 م / الطبعة الثانية / قم المقدسة - إيران.

1291. وسيلة الإسلام بالنبي عليه - وعلى آله - الصلاة والسلام / تأليف: أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب، أبو العباس الشهير بابن قنفذ القسنطيني (ت 810 ه -) / طبع: دار الغرب الإسلامي لسنة 1414 ه -، 1984 م / بيروت - لبنان.

1292. وصف المدينة المنورة في سنة 1303 ه - 1885 م (مخطوط).

1293. وصول الأخيار إلى أصول الأخبار / تأليف: والد الشيخ البهائي العاملي (ت 984 ه -) / تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوهكمري / طبع: مجمع الذخائر الإسلامي - مطبعة الخيام لسنة 1401 ه -، 1981 م / الطبعة الأولى / قم المقدسة - إيران.

1294. الوصول إلى السؤول في مولد الرسول / تأليف: أبو نصر فتح بن موسى بن حماد المغربي (مخطوط).

1295. وصية الإمام علي عليه السلام على فراش الموت / تأليف: الشيخ عبد العزيز عز الدين السيروان / طبع: دار الحكمة لسنة 1419 ه -، 1999 م / الطبعة الأولى / دمشق - سوريا.

1296. الوصية الكبرى (رسالة ابن تيمية إلى أتباع عدي بن مسافر الأموي) /

ص: 293

تأليف: أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني / تحقيق: محمد عبد الله النمر / تجميع: عثمان ضميرية / طبع: مكتبة الصديق لسنة 1408 ه -، 1988 م / الطبعة الأولى / الطائف - المملكة العربية السعودية.

1297. وصية النبي صلى الله عليه - وآله - وسلم لابنته فاطمة - عليها السلام - / تأليف: عبد الله بن سلام / مخطوطة ترقد في مكتبة الأسد برقم (19124).

1298. الوفا بأحوال المصطفى / تأليف: أبو الفرج عبد الرحمن سبط ابن الجوزي (ت 597 ه -) / طبع: دار الكتب الحديثة لسنة 1386 ه -، 1966 م / الطبعة الأولى / مصر.

1299. الوفا بما يجب لحضرة المصطفى / تأليف: السمهودي، علي بن عبد الله الحسني السمهودي وهي رسالة طبعت مع مجموعة رسائل / طبع: حمد الجاسر، دار اليمامة لسنة 1392 ه -، 1972 م / الرياض - المملكة العربية السعودية.

1300. وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: نور الدين علي بن أحمد المصري السمهودي (ت 911 ه -) / تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد / طبع: دار إحياء التراث لسنة 1404 ه -، 1984 م / الطبعة الرابعة / بيروت، لبنان.

1301. وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: نور الدين علي بن أحمد المصري السمهودي (ت 911 ه -) / تحقيق وتقديم: الدكتور قاسم السامرائي / طبع: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي لسنة 1422 ه -، 2001 م / الطبعة الأولى / مكة المكرمة والمدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.

1302. وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى صلى الله عليه - وآله - وسلم / تأليف: نور الدين علي بن أحمد المصري السمهودي (ت 911 ه -) / طبع: دار إحياء التراث

ص: 294

العربي / بيروت، لبنان.

1303. وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه / تأليف: السيد نبيل الحسني / (تحت الطبع).

1304. وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام / تأليف: الشيخ علي حسين البحراني / طبع: مؤسسة البلاغ لسنة 1407 ه -، 1987 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1305. وفيات الأعيان / تأليف: ابن خلكان / تحقيق: إحسان عباس / نشر: دار الثقافة / بيروت - لبنان.

1306. وفيات الأعيان / تأليف: ابن خلكان / تحقيق: إحسان عباس / نشر: دار الثقافة / بيروت - لبنان.

1307. وفيات الأعيان والمشاهير خلاصة تاريخ ابن كثير / تأليف: القاضي محمد بن أحمد كنعان / طبع: مؤسسة المعارف للطباعة والنشر لسنة 1418 ه -، 1998 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1308. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان / تأليف: أبو العباس سمي الدين أحمد بن أبي بكر بن خلكان (ت 681 ه -) / طبع: دار صادر لسنة 1414 ه -، 1994 م / بيروت - لبنان.

1309. وقعة الجمل / تأليف: ضامن بن شدقم الحسيني المدني (ت 1082 ه -) / تحقيق: السيد تحسين آل شبيب الموسوي / طبع: المحقق السيد تحسين الموسوي لسنة 1420 ه -، 1999 م / قم المقدسة - إيران.

1310. وقعة صفين / تأليف: نصر بن مزاحم المنقري (ت 212 ه -) / تحقيق وشرح: محمد هارون / طبع: المؤسسة العربية الحديثة ومكتبة الخانجي لسنة 1401 ه -، 1981 م / الطبعة الثالثة / القاهرة - مصر.

1311. الوقوف على الموقوف / تأليف: ابن حجر العسقلاني (ت 853 ه -) / طبع: مؤسسة الكتب الثقافية / الطبعة الثانية.

1312. الوهابية والتوحيد / تأليف: الشيخ علي الكوراني العاملي / طبع: دار

ص: 295

السيرة / بيروت - لبنان.

1313. اليحموم - فرس جبرائيل عليه السلام في عاشوراء / تأليف: السيد نبيل الحسني / طبع: قسم الشؤون الفكرية - العتبة الحسينية المقدسة لسنة 1434 ه -، 2012 م / الطبعة الثانية / كربلاء المقدسة - العراق.

1314. اليقين / تأليف: السيد ابن طاووس / تحقيق: الأنصاري / طبع: مؤسسة دار الكتاب لسنة 1413 ه -، 1992 م / الطبعة الأولى / الجزائر.

1315. ينابيع المودة لذوي القربى / تأليف: الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي / تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني / طبع: دار الأسوة للطباعة والنشر لسنة 1416 ه -، 1995 م / الطبعة الأولى / بيروت - لبنان.

1316. ينابيع المودة لذوي القربى / تأليف: الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي / تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني / طبع: دار اسطامبول/ تركيا.

1317. ينابيع المودة لذوي القربى / تأليف: الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي / تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني / طبع: دار الحيدرية / النجف - العراق.

1318. ينابيع المودة لذوي القربى / تأليف: الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي / تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني / طبع: دار اسلامبول.

ص: 296

باللغة الانكليزية

Carlson, R. Self Values Ettects Derivations From Romkins Polariy Theory. Jounal of Persinality and Social Psychology. 16-358-45 (1970).

Fag Fransella and Kay Frost: Womenon Being a Wom Tavistic Book, London (1977)

Grieve, 1998

Grieve, Maud: A Modern Herbal - the medicinal, culinary, cosmetic and economic properties, cultivation and folklore of herbs, grasses, fungi, shrubs and trees with all their modern scientific uses. 1998 Tiger Books International, London. ISBN No.1 - 85501 - 249 -9.

Lavender and Franklin, 1996

Lavender, Susan and Franklin, Anna: Herb Craft - A guide to the shamanic and ritual use of herbs. Capall Bann Publishing, Chievely, Berks. 1996. ISBN No. 1 898307-57-9.

Leyel; 1987

Leyel, C.F.: Herbal Delights. 1987 Faber and Faber. ISBN 0 -571 -14850-6.

Lavender and Franklin, 1996

Lavender, Susan and Franklin, Anna: Herb Craft - A guide to the shamanic and ritual use of herbs. Capall Bann Publishing, Chievely, Berks. 1996. ISBN No. 1 57 -898307-9.

Burkill, 1997

Burkill, H.M.: The useful plants of West Tropical Africa. Edition 2. Vol. 4. Families M - R. Royal Botanic Gardens Kew. 1997. ISBN No.1 -X-13 -900347 .

ص: 297

Quisumbing, 1978

Quisumbing, Eduardo: Medicinal Plants of the Philippines. Katha Publishing Company. JMC PRESS, Quezon City, Philippines. 1978. ISBN No. unknown.

Burkill, 1997

Burkill, H.M.: The useful plants of West Tropical Africa. Edition 2. Vol. 4. Families M - R. Royal Botanic Gardens Kew. 1997. ISBN No.1 -X-13 -900347 .

Burkill, 1997

Burkill, H.M.: The useful plants of West Tropical Africa. Edition 2. Vol. 4. Families M - R. Royal Botanic Gardens Kew. 1997. ISBN No.1 -X-13 -900347 .

Wyk Gericke, 2000

Wyk, Ben - Erik van and Gericke, Nigel. People's plants- a guide to useful plants of southern Africa. Briza Publications, Pretoria, South Africa. First edition 2000. ISBN No. 1 2 -19- 875093.

Coffey, 1993

Coffey, Timothy: The History and Folklore of North American Wildflowers. 1993. Facts on File. ISBN No. 0 -6 -2624 -8160.

Scully, 1970

Scully, Virginia: A treasury of American Indian Herbs - their lore and their use for food, drugs, and medicine. Bonanza Books, New York. 1970. ISBN No. 0 - 140292 -517.

Low, 1991

Low, Tim: Australian Nature Fieldguide. Wild Food Plants of Australia. Angus Robertson. 1991. ISBN No. 0 -6 -16930 -207.

Keys, 1976

Keys, D.: Chinese Herbs - Their Botany, Chemistry and Pharmacod ynamics. 1976 (1990 in paperback) Charles E.Tuttle. ISBN No.0 -8048 -1667-0.

ص: 298

المحتويات

الفصل الاول: تجهيزها للانتقال الى روضتها الفردوسية

المبحث الأول: خصوصية تجهيزها وتفردها في ذلك 7

المسألة الأولى: تغسيلها 8

أولاً: إنها غسلت نفسها قبل وفاتها بساعات قليلة وأوصت أن لا تكشف 8

ثانياً: إن أسماء هي التي غسلتها بدون علي عليه السلام 10

ثالثاً: إن الذي غسلها أسماء بنت عميس والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام 10

رابعاً: إن الذي تولى غسلها علي بن أبي طالب عليه السلام 11

خامساً: تنشيفها ببرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد تغسيلها 13

ص: 299

سادساً: حكم تغسيل الرجل لزوجته في المدارس الفقهية 14

المسألة الثانية: حنوطها عليها السلام 15

المسألة الثالثة: كفنها عليها السلام 17

المسألة الرابعة: الصلاة عليها 19

أولاً: تكبير الإمام علي بن أبي طالب عليها وجبرائيل والملائكة (عليهم السلام جميعاً) 19

ثانياً: كم نفر صلى على فاطمة مع علي عليه السلام ؟ 21

المسألة الخامسة: تشييعها عليها السلام 23

المبحث الثاني: دفنها وموضع قبرها 24

المسألة الأولى: دفن فاطمة عليها السلام 25

المسألة الثانية: موضع قبرها عليها السلام 29

أولاً: إن قبر فاطمة في دارها الذي كان ملاصقاً للحجرة النبوية الشريفة 29

ثانياً: إنه في الروضة التي بين منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبره 30

ثالثاً: إنه في البقيع 32

رابعاً: بعض الأوجه في معرفة الحكمة في إخفاء قبر فاطمة عليها السلام 33

المسألة الثالثة: تاريخ وفاتها عليها السلام وكم عاشت بعد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 35

أولاً: إنها بقت خمسة وسبعين يوما 36

ثانياً: إنها بقت بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشهر 37

ثالثاً: أنها بقيت بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم بستة أشهر 37

رابعاً: إنها بقت بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ثمانية أشهر 37

خامساً: تاريخ وفاتها صلوات الله عليها 38

سادساً: عمرها حين الوفاة 39

ص: 300

المبحث الثالث: برزخ فاطمة عليها السلام 40

المسألة الأولى: سؤال الملكين لها في القبر 41

المسألة الثانية: إنها في خيمتها البرزخية مع أبيها وأمها 41

المبحث الرابع: حال الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاتها 43

المسألة الأولى: محاولة نبش قبر فاطمة ومواجهة علي عليه السلام لتلك العصابة 44

المسألة الثانية: تغير وجوه الناس على علي عليه السلام بعد وفاة فاطمة عليها السلام 46

المبحث الخامس: زيارة قبرها والصلاة والسلام عليها 48

المسألة الأولى: ثواب زيارتها وآثارها الغيبية 49

أولاً: إن زيارتها برٌ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونجاة من أهوال يوم القيامة 49

ثانيا: إن من زارها فكأنما زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 50

ثالثا: استحباب زيارتها في كل جمعة 50

رابعاً: كيفية زيارتها عليها السلام والآداب المستحبة في إتيان الزيارة 51

ألف: آداب زيارتها 51

باء: النصوص الواردة في كيفية زيارتها عليها السلام 52

المسألة الثانية: الصلاة عليها والطواف عنها 59

أولاً: كيفية الصلاة عليها 60

ثانياً: الآثار الغيبية لفضل الصلاة عليها 62

ألف: من صلى عليها كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة 62

باء: من صلى عليها ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة 62

ثالثا: الطواف عنها 63

رابعاً: إهداء الصلاة إليها 64

ص: 301

الفصل الثاني فاطمة عليها السلام بعد وفاتها

المبحث الأول: التوسل والاستشفاء بها إلى الله تعالى 67

المسألة الأولى: مشروعية التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته إلى الله تعالى وتقديمه بين يدي الداعي 67

المسألة الثانية: التوسل والاستغاثة بها إلى الله تعالى 71

أولاً: التوسل بها إلى الله تعالى 71

ثانياً: الاستغاثة بها إلى الله تعالى 72

المسألة الرابعة: الاستشفاء بها 72

المسألة الخامسة: آثار حب آل محمد وبغضهم في الدنيا والآخرة 74

المسألة السادسة: آثار حب فاطمة عليها السلام 81

المسألة السابعة: آثار بغض فاطمة عليها السلام 84

المبحث الثاني: كيف انقلب الذين ظلموا فاطمة عليها السلام في آخر حياتهم، وما هي عاقبتهم ؟ 86

المسألة الأولى: ظهور الفتن وشمول الذين رضوا بظلم فاطمة عليها السلام بها 88

أولا: القتل والاغتصاب في بيت من المسلمين في ليلة واحدة 88

ثانيا: عمر بن الخطاب يغتال سيد الأنصار سعد بن عبادة بعد حادثة السقيفة 88

ثالثاً: عثمان بن عفان يكشف عن بطش عمر بن الخطاب بالصحابة فلم يتمكنوا من الاعتراض عليه 90

ص: 302

رابعاً: عائشة تألب الناس على عثمان بن عفان 91

المسألة الثانية: كيف انقلب قادة الهجوم على دار فاطمة عليها السلام وحرقه 94

أولاً: كيف كانت عاقبة أبي بكر في آخر حياته وماذا قال في احتضاره ؟ 94

ثانياً: كيف كانت عاقبة عمر بن الخطاب في آخر حياته؛ وماذا قال في احتضاره 95

ثالثاً: عاقبة الذين ظلموا فاطمة في البرزخ 97

رابعاً: عاقبة الذين قتلوا المحسن بن علي عليهما السلام في يوم القيامة 99

المسألة الثالثة: كيف انقلب الذين ظلموا فاطمة عند حوض الكوثر في يوم القيامة 100

أولاً: صحة أحاديث الحوض والإيمان به فرض 103

ثانياً: إن أحاديث الحوض متواترة عند أهل السنة والجماعة 104

المبحث الثالث: حضورها عند وفاة المسلمين من أعدائها وشيعتها ساعة الاحتضار 107

المسألة الأولى: رؤية أمير المؤمنين علي عليه السلام عند احتضاره لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عليها السلام 108

المسألة الثانية: رؤية المؤمن لفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عند لحظات احتضاره 109

المسألة الثالثة: هل يتساوى المؤمن والمنافق المعادي لفاطمة في رؤيتها عند الاحتضار وما هو حالهما؟ 114

المسألة الرابعة: إنها تتولى تغذية أطفال شيعتها إذا توفوا 116

المبحث الرابع: علاقتها الخاصة بزائر الإمام الحسين عليه السلام 117

المسألة الأولى: إن البكاء على الحسين عليه السلام يدخل السرور على فاطمة عليها السلام 117

المسألة الثانية: إن زائر الحسين عليه السلام يدخل السرور على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عليها السلام 120

المسألة الثالثة: إن فاطمة تدعو لزائر الحسين عليه السلام وتستغفر له 122

ص: 303

المسألة الرابعة: منزلة زائر الحسين عليه السلام في الآخرة وعلاقته بفاطمة عليها السلام 123

المبحث الخامس: الأخذ بثأرها عند ظهور ولدها المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف 126

المسألة الأولى: اختصاص ذكر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بفاطمة عليها السلام 127

المسألة الثانية: انتقام الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ممن ظلموا فاطمة وإقامة القصاص بحقهم 130

أولاً: الإمام المهدي يقتص ممن أمر بالهجوم على بيت فاطمة عليها السلام ومن أحرقه 130

ثانياً: اقتصاصه عليه السلام من الحميراء لظلمها فاطمة عليها السلام 135

المصادر 137

المحتويات 299

ص: 304

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.