ميزان المعرفة لتوحيد الاماميّة
مولف: حسن الاٴحمدي
ص: 1
شناسنامة
ص: 2
عکس
ص: 3
عکس
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله المعرّف لنفسه بنفسه و لم تجعل للعقول طريق إلى معرفة كنه ذاته بل جعل معرفتهم بالتقصير و التصديق إيماناً و شكراً.
والحمدلله الفاطر عباده على معرفة ربوبيته و هو الثابت بحقيقة الموجودية خارجاً عن التعطيل و التشبيه و سبحان الذي جلّ عن الصفات و تنزّه عن مجانسة المخلوقات و نزّه نفسه عن أفعال العباد ولكنّ الناس تحيّروا و طلبوا الإرتياب و ازدادوا بُعداً عن الحق و الصواب و وصفوه بصفة المخلوق و الأضداد.
والحمدلله الذي أنزل على عبده الكتاب و بعث النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)لرفع الإختلاف فهدي الله به الذين آمنوا و أخرجهم من الظلمات و أفضل الصلوات و التحيات على محمد و آله الهداة(علیهم السلام) إلى النور و الكمال و صلواته الكاملة التامة على صاحب المعارف الحقّة الإلهية و بقية العترة الهادية مولي الكونين و سيدها الحجة بن الحسن العسكري روحي و أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء الذين هم ركن التوحيد و سبيله و بابه و بهم عرف الله و وحد الله و هم محالّ معرفة الله و هم المقسّمون المعرفة إلى الخلق و خازنوها و لولا هم لم يعرف الله الذين بوجودهم و هداياتهم يتحقق حقيقة التنزيه و هياكلهم هياكل التوحيد.
ص: 5
والسلام على المهدي سبيل التوحيد و معرفته الذي فقدانه و غربته غربة التوحيد و إنتظاره حياة لإحياء أمر التوحيد.
والذي حملني على الإتعاب في تأليف هذا الكتاب بيان الشبهات لذوي الإرتياب على مذهب أهل بيت الأطياب و في هذا اليوم قد اختلط كل الفرق و يبحثوا على أذواقهم العرفانية و الفلسفية من دونأن يتأملوا في مذهب الإمامية فاشتبه الحق من بين المذاهب و ادخلوا عقائدهم على مذهب العترة الهادية بحسن الظن على الكبار فاختلطوها في الجماعات و المناظرات مع أهل الخلاف و علّموها في مقام التدريس و ألّفوا حولها الكتاب تدليساً على الضعاف حتي اتّقي البصير من الخلاف بحيث آل الأمر بإختفاء الوجوه الممتازة في موازين معارف الحقة الإلهية و أوردوا منكراً من القول و ادخلوا رسوم الجاهلية و الفضول و ألّفوا و وفّقوا بينها و بين الآثار بالزور و سمّوها الحكمة المتعالىة في الأصول و ما هو الا تأويلاً على المسالك و تدليساً على المشارب و تلفيقاً بين المذاهب ذعناً منهم بأنّها موهبة كشفية عرشية...
فلهذا رأيت أحسن الخدمة بساحة مولانا الحجة(عجل الله تعالی فرجه الشریف) و بالشريعة بذل الهمة في تدوين كتاب على ميزان المعرفة لتوحيد الإمامية اذ فيه إحياء لتراث أهل بيت العصمة(علیهم السلام) و نشر لتوحيد الشيعة دفعاً لشبهات قياسات البشرية أخذاً من عيون صافية شافية و لايعيها الا قلوب عن الشبهات خالية فوقانا الله و إياكم من تسويلات هولاء الجهلة (و قل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) .(1)
ص: 6
فيا لله أصبحنا في هذا اليوم من آخرالزمان إنّ عامّة الناس عن توحيد الحق معرضون و ناصره حقير و اللسان عن أدائه ضعيف كليل و الأقلام ظريف و الفتنة عامة عظيمة لاسيّما في هذا الزمان الأخير فياحسرة على انتشار الكفر و التظليل و الإنحراف عن سبيل التوحيد.
فياأيها الطالبون لحقيقة العرفان و ياأيها الشيعة الخلّص في الإيمان خذوا المعارف الحقة عن القرآن و عن العترة (علیهم السلام)لا عن فلسفة اليونان و لا عن الصوفية و العرفان.
ياصاحب التوحيد و الدولة الإلهية انظر إلى غربتك و غربة التوحيد و الدين و الشيعة عجّل لإحيائها فكم من مغرق منغمر في ظلمة الجهالة البشرية أنقذهم من جهالاتهم إلى العلوم الإلهية و منتوحيد الفلاسفة اليونانية و العرفان الصوفية إلى المعارف الحقة الإلهية فكم من مستغرق مستغيث بكم و كم من مستوحش غرق طالب رضاكم و كم من منتظر لإحياء أمركم و دولتكم.
اللّهم أحي بوليك التوحيد و القرآن و النبوة و الامامة و الإيمان...
(يا أيها العزيز مسّنا و أهلنا الضر و جئنا ببضاعة مزجاة و أوف لنا الكيل و تصدّق علينا انّ الله يجزي المتصدّقين).(1)
ص: 7
لاشبهة لذي عقل بأنّ الله جعل العقول ميزاناً لتميز الحق عن الباطل و تصديقه؟(1)
ولكن هل كل ما حكم به العقل هو الحق و الصواب ؟
أم هل يكون الحق في شيء واحد بجهة واحدة كثيرة ؟
و بعده هل يكون الصراط الأمن منحصراً في اتّباع الوحى أو العقل أو كليهما؟
و هل تكون الأمنية في اتّباع الفلسفة اليونانية أو المكاشفات العرفانية أو الحكمة الصدرائية أو كل رأي و قياس أو الإتّباع لكلّ ما جاء به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) و وصّي به القرآن و العترة؟
فبالنتيجة هل الإتكاء بالعقول للوصول إلى حقائق الأشياء ممكنة و هل إستغناء الفلسفة بحكمتهم و الإستبداد بآراء عقولهم و التجول بالقياسات الظنية الفلسفية و الحكمية لكشف الحقائق الإعتقادية (نحو معرفة ذاته تعالى) مصون و معصوم عن الخطإ أو اللازم إتّباع الأنبياء بتصديق الحق بالعقل ؟
ألم تكن إتّباع الأنبياء أليق و أولي من اتباع من استغني بعقله عن وحى السماء و الذي يقول بوحدة الوجود أو الموجود أو بعبادة كل صورة حتي الصنم و... ؟ هذه أسألة عديدة لابدّ لكلّ عاقل عن الجواب لها و هل لها ميزان للناقد البصير لينتصف العاقل به ؟
ص: 8
لايخفي عليك بأنّ الخلق بأحكام تلك العقول المتناقضة لايصلون إلى الحقائق اذ أحكام عقولهم نتيجة قياساتهم الظنيّة التي لاتغني من الحق شيئاً و الذي هو العقل المصطلح الأبزاري لا العقل بمعنى اللغوي و الأنواري الذي به يعلم أنّ لكلّ حق نوراً و لايختلف حكمه بالتناقض و التضاد فعصمته في تصديق المخبر الصادق(1) الا فيالضرويات كضرب اليتيم...
عن موسي الكاظم(علیه السلام) :... يا هشام إنّ لله على الناس حجتين حجّة ظاهرة و حجّة باطنة، فأما الظاهرة فالأنبياء و الرسل و أما الباطنة فالعقول.(2)
قال علي بن الحسين(علیه السلام) : إنّ دين الله عزوجلّ لايصاب بالعقول الناقصة و الآراء الباطلة و المقائيس الفاسدة و لايصاب الا بالتسليم فمن سلم لنا سلم و من اهتدي بنا هدي و من دان بالقياس و الرأي هلك...(3)
قال أميرالمؤمنين(علیه السلام) :... إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أتاه من ربه فأخذ به...(4)
قال أميرالمؤمنين(علیه السلام) :... إنّ دين الله لايعرف بالرجال بل بآية الحقّ فإعرف الحقّ تعرف أهله.(5)
عن علي(علیه السلام) :... إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف من أتاه و لم تعرف الباطل
ص: 9
فتعرف من أتاه...(1)
عن الصادق(علیه السلام) أنّه قال: من دخل في هذا الدين بالرجال أخرجه منه الرجال كما دخلوه فيه و من دخل فيه بالكتاب و السنة زالت الجبال قبل أن يزول.(2)
ص: 10
ما هو الميزان لتمييز الحق من الباطل؟ و أين الأمنية؟
و هل المعيار للتشخيص فيه بمعرفة الرجال ثمّ معرفة الحق أو بالعكس؟
و الحقّ أنّ حقيقة البرهانية و الحجية هى المنطبقة على القرآن مع العترة و قد قال الله تعالى: (قد جائكم برهان من ربّكم) و لا ميزان و لا برهانية لمن اتّكل على حكم العقل بالتّناقض و التّضاد و لا الرأي و القياسات الظنية اذ من البديهة لدي كل عاقل بأن لايكون للحق في شيء واحد بجهة واحدة حكمان مختلفان و كونهما حق ! اذ النور لاتكون ظلمة و العلم جهلاً و الحقّ باطلاً أبداً.
ولاشبهة بأنّ الله تعالى بعث الأنبياء لإظهار الحق و لرفع الإختلاف فقال الله تعالى عنهم (فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)(1) و قال الله تعالى: (و ما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه).(2)
والعاقل يرى و عقله يحكم بدخول الدار من بابه و الشرع يعضده و يرشد إليه بقوله تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) و بعد إمعان النظر في ذلك يرى الناقد البصير بأنّ كل من كان مع القرآن و العترة مستغني عن الحكمة و العرفان بصراحة حديث الثقلين(3) المتواترة و سائر الروايات المتظافرة و
ص: 11
النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) و عترته الطاهرة(علیهم السلام) هم البراهين الساطعة و الواضحة لتميز الحقّ عن الباطل و هم براهين لربوبيته و ميزان لمعرفته تعالى و ليس الأمنية في طريق الحكمة و الفلسفة مع تلك المعارضات الواضحة و الشبهات الواردة في طريقتهم و أين هذا من الأمنية الضامنة و أنّي يكون لبراهينهم ميزان مصون موافق مع العقل و الشرع ؟!فبالجملة أحسن الأمنية و اطمأنّها في إتباع القرآن و العترة و أين هذا في الفلسفة اليونانية و العرفان الصوفية... فبذلك اتضح بأن لامعيار لتشخيص الحق بمعرفة أساطينهم بل في معرفة الحق... فأحكام العقول في كمال برهانيتها و حجيتها محدودة في الحكم الا في التصديق بما جاءت بها في لسان الوحى .
و الحق أنّ القران نور و هداية و فيه تبيان لكل شيء و لايفهم معالمه الا بما بينه المعصوم(علیه السلام) فالأمنية الكاملة و الهداية التامة منحصرة بالتمسك بالثقلين و ليس فيهما الا المصونية و العصمة.
عن أميرالمومنين(علیه السلام):... فأمرهم الله سبحانه بالإختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه ؟! أم أنزل الله ديناً ناقصاً فإستعان بهم على إتمامه ؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا و عليه أن يرضي؟ أم أنزل الله ديناً تاماً قصر الرسول عن تبليغه و أدائه ؟ و الله سبحانه يقول ما فرّطنا في الكتاب من شيء و فيه تبيان كلّ شيء...(1)
قال سمعت أباجعفر(علیه السلام) يقول: ليس عند أحد من الناس حق و لا
ص: 12
صواب و لا أحد من الناس يقضي بقضاء حق الا ما خرج منا أهل البيت(علیهم السلام)...(1)
قال روي انّ اناساً من المسلمين أتوا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) بكتف كتب فيها بعض ما يقوله اليهود فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : كفي بها ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم فنزلت (أو لم يكفهم انّا أنزلنا عليك الكتاب يتلي عليهم...).(2)
عن الرضا(علیه السلام):... و إنّما اختلف الناس في هذا الباب حتي تاهوا و تحيروا و طلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفةأنفسهم فازدادوا من الحق بُعداً و لو وصفوا الله عزوجل بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين و لمّا اختلفوا فلمّا طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه إرتبكوا و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.(3)
ص: 13
المؤمن الموحّد ينظر إلى الطرق الكثيرة لإصابة الحقّ فيجد أنّ إحديها حقّ و باقيها باطلة و منحرفة(1) و إلى النّار اذ ليس للحقّ من اختلاف ولكن انّما الكلام في أنّ أيها حق ؟ و من الناجي منها ؟!
ولمّا إلتفت إلى تلك السبل يراها بأن أكثرها أو جلّها خارجة عن الصراط الأقوم و السبيل الأوضح لأنّها يعارض بعضها بعض الآخر فيجد إنحصار النجاة و الأمان في متابعة القرآن و العترة و لكن الفلاسفة استغنوا بحكمتهم عن الأنبياء و استبدّوا بعقولهم الناقصة عن طلب حقائق الأشياء و اكتفوا بآرائهم عن وحى السماء و تكلّموا في ذات الإله و قالوا بأنّه مبدء كلّ شيء و الأشياء منه و تجرؤوا و تجاسروا فقالوا بأنّه تعالى عين كل شيء...
فمادة الإختلاف بين فحول البشر من أساطين الحكمة في أحكام عقولهم و نتيجة براهينهم اذ لاميزان لصحّتها لعدم المؤمّن لها فلو كان ما توهموه حكمة و عقلاً يلزم منها لغوية البعث و إفهام الأنبياء و إقامة الحجة عليهم و هل يساوق من قال بأنّ المخلوقات عين خالقه أو ثبوت الجبر في الأفعال أو كون الشيطان و الأشياء الخسيسة تجلياً من ظهوراته و نحوها مع ما جاء به الأنبياء فلو كان كذلك لا معنى لدعوة الأنبياء بالتوحيد و الإيمان و ما الإنذار بالوعد و الوعيد؟!
فالمتتبع الناقد يرى بأن طريقة العرفان و الفلسفة مبائن نتائجه و منحرفه
ص: 14
أحكامه عن طريق القرآن و العترة(1) اذ أعظم البراهينللحكيم المتأله برهان الصديقين و هو مبتن على القول بوحدة الوجود و أصالته هذا و قد ابتنت الفلسفة المسمى بالحكمة المتعالىة على المجموعة من الامور و القضايا الوهمية و الباطلة التي لا دليل على صحتها بل الدليل قائم على بطلانها فطريقة السلامة و النجاة لا يكون الا باتباع الوحى و العصمة و الجلوس إلى بيوت الأنبياء و أوصيائهم فقال الله عزوجلّ (و أتوا البيوت من أبوابها) يعني مع محمد و آل محمد(علیهم السلام) لأنّهم أمان لأهل الأرض.(2)
ص: 15
بعد ما بينا بإنحصار الأمنية في التمسك بالثقلين يلزمنا الإنفكاك بين المسلك العرفاني و الفلسفي و صراط الأمن الإلهي لأن نتائجهما متضادة و معكوسة و التفكيك بين ما في الوحى الإلهي و المشرب الفلسفي العرفاني واضح و مشهود و ملموس.
ومن توجّه و تأمّل بتلك الإختلاف الفاحش يجد بالضرورة الإنفكاك بينهما لازمة اذ مبني القرآن و العترة معارضة مع ما بينوها في الحكمة المتعالىة و إليك ببعض منها بنحو الإشارة:
الأول: على مبني القرآن و العترة تفكر الذات و تصوره و إدراك كنهه ممتنع فلابدّ لنا من إثباته و خروجه عن حدي التعطيل و التشبيه لأنّ مبني القرآن و العترة البينونة الحقيقي حاكمة بين الخالق و المخلوق و على مبني العرفان و الفلسفة تصور الذات و صفاته و تطوّر الذات و السنخية بل العلّية و العينية حاكمة و أنّه كل الأشياء ضرورية .
الثاني: على مبني القرآن و العترة أنّ الله تعالى خالق و فاعل بإختياره و إرادته الغير الذاتية و قادر على الخلقة آنا فآنا و في برهان الفيلسوف قانون الواحد لايصدر منه الا الواحد مع الإرادة الذاتية جارية و حاكمة .
الثالث: على مبني القرآن و العترة أنّ العالم حادث واقعي ذاتاً و زماناً و الفيلسوف يرى أنّ العالم حادث ذاتاً و قديم زماناً.
الرابع: على مبني القرآن و العترة أنّ المعاد جسماني و الجنة و النار مخلوق مادي واقعي و موجود ولكن عندهم أنّ الجنة و النار مجردة عن المادة موجودة بإنشاء النفس... و غير ذلك من تطويلاتهم و تعدّياتهم حول
ص: 16
المبدء و المعاد.(1)قال السيد حسين الطباطبائي لتفكيك مذهب العرفان و الفلسفة والقرآن:... فهذه طرق ثلاثة في البحث عن الحقائق و الكشف عنها... الظواهر الدينية و طريق البحث العقلي و طريق تصفية النفس أخذ بكل منها طائفة من المسلمين على ما بين الطوائف الثلاث من التنازع و التدافع وجمعهم في ذلك كزوايا المثلث كلّما زادت في مقدار واحدة منها نقصت من الآخرين و بالعكس...
فلذلك رام جمع من العلماء بما عندهم من بضائة العلم على اختلاف مشاربهم أن يوفقوا بين الظواهر الدينية و العرفان كإبن العربي و عبدالرزاق الكاشي و ابن الفهد و الشهيد الثاني و الفيض الكاشاني و آخرون أن يوفقوا بين الظواهر الدينية و الفلسفة كالقاضي سعيد و غيره و آخرون أن يوفقوا بين الجميع كإبن سينا في تفاسيره و كتبه و صدرالمتألهين الشيرازي في كتبه و رسائله و عدة ممن تأخر عنه و مع ذلك كله فالإختلاف العريق على حاله لاتزيد كثرة المسائي في قطع أصله الا شدة في التعرق و لا في إخماد ناره الّا اشتعالا ...(2)
ص: 17
و قد صرّح بذلك بعض المعاصرين(1) اذ يقول: كان محمدابن ابراهيم الشيرازي أول من أرسي دعائم المبدء و المعاد... و استبان خلال الشيخ الرئيس في العلم الالهي و ألّف بين الشريعة المطّهرة و الحكمة الإلهّية ...
فبذلك يرون بأنّ أول من ألّف و وفّق لتطبيق القواعد و المشارب المنتحلة المختلفة المتضادة من الآراء الفلسفية و العرفان الصوفية مع الواقعيات الدينية هو الصدر الشيرازي عندهم و هل لهم في ذلكخدمة بصاحب الشريعة مع تلك المباينة الفضيحة (كلّا بل ران على قلوبهم).(2)
فهل يجوز لعاقل أن يرى و يحكم بصلح الكل أو يرى أن المؤمن و الكافر إلى حد سواء و كلهم في الطريق لكن طريق المؤمن قريب و الكافر طريقه بعيدة و هل فيها الا إنكاراً لبديهة حكم العقل و ضرورة الشرع...(3)
ص: 18
هل معرفة ذاته تعالى متوقفة على المباني و البراهين الحكميّة و الفضلات اليونانية أو المكاشفات العرفانيّة الصوفية مع مضادته بالأصول الإعتقاديّة الموجودة في كتب الشيعة الإمامية الحقّة أو الرجوع إلى القرآن و العترة الهادية(علیهم السلام) و الأصول المسلّمة التي بعثت بها النبي و أحكموها أوصيائه الأئمة المعصومين(علیهم السلام)؟
و تلك المخالفة مع هذا الإختلاف الفاحش لأجل التوالي الفاسدة التي لايمكن الجمع بينهما أعاذنا الله و ايّاكم من تسويلات هؤلاء الجهلة الذين انحرفوا بمعارضاتهم عن الحق الواضح و المباني الصحيحة في القرآن و عند العترة(علیهم السلام)...
فنقول: لاشبهة بأنّ الله تعالى حجب العقول عن إدراك ذاته بالتوهّم و التعقّل و التفكر فالعقل في كمال نورانيّته و حجيته لايصل يده لإدراك ذاته و تعريفها فوظيفته التصديق و التسليم(1) بما جاء به المخبر الصادق... لكن الحكيم استغني نفسه بحكمته عن الأنبياء(2) و استبدّ برأيه لإدراك كنه الذات
ص: 19
و تكلّم في الله تعالى بعقله بحيث يرى عينيته تعالى مع كل شيء...(1)
قال السيد نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية: إنّ أكثرأصحابنا قد تبعوا جماعة من المخالفين من أهل الرأي و القياس من أهل الطبيعة و الفلاسفة و غيرهم من الذين اعتمدوا على العقول و استدلالاتها و طرحوا ما جاءت به الأنبياء حيث لم يأت على وفق عقولهم و قد نقل أنّ عيسي لمّا دعي أفلاطون إلى التصديق بما جاء به أجاب بأنّ عيسي رسول إلى ضعفة العقول و أما أنا و أمثالي فلسنا نحتاج فى المعرفة إلى إرسال الأنبياء ...
ولايخفي عليك بأنّ بطلان القياس من ضروريات مذهب الشيعة(2) و الدليل الإستحساني هو الرأي المذموم أيضاً عدّ من القياس و لاشبهة بأن أكمل براهينهم تشبيه الخالق مع المخلوق المسمّى بالبرهان العرشي المؤسسة على قانون العلية و المعلوليّة و هو من القياس المذموم اذ فيه قياس الواجب مع الممكن و القديم بالحادث و سيأتي تمام الكلام فيه...
و قد أوضحنا في محله بأنّ أحكام العقل بمعنى القياس المنطقي المنتجه من
ص: 20
البراهين الفلسفي ليس بحجّة لأنّه ليس مصوناً عن الخطاء و هو غير العقل الأنواري بالمعنى اللغوي اذ هو الحجّة الباطني الذي وظيفته كشف حسن الأفعال و قبحها و تصديق الرب و تسليمه...
فبهذا العقل يحكم بأنّ الإنسان عاجز عن درك كنه الذات ومعرفة حقيقتها(1) و لايجوز له التكلّم فيما يرى بالوهم و القياس فيتعقل بأنّ التدليس أو التأويل في كلام الحكيم قبيح فيعلم أنّ وظيفته عند قصور عقله عن درك الواقعيات و عدم إحاطتها أما السكوت أو التسليم فيما جاء به النبي و عترته (علیهم السلام)...
ص: 21
الصيانة الضامنة في معرفته تعالى فيما جاءت به القرآن و السنة و هى في التسليم و التصديق بهما لا في التأويل أو التدليس أو التوجيه بما لايرضي صاحبه و لا الركون إلى الرأي و المقائيس و التوجيه بالتفاسير الذوقية التي لا ميزان لها و لاتزيد صاحبها الا بُعداً عن الحق و الصواب.
لاشبهة لمن كان عارفاً بالمحاورات و الظهورات بأنّ بناء العقلاء على حجية الظواهر و تحريف الكلام و التدليس به و تأويله عن موضعه خلاف العقل و الوجدان و القرآن(1) اذ يلزم الهرج و المرج عند عدم اعتبارية الظهور و هى أول التدليس... لأن المدلّس و المؤوّل بصدد تثبيت كلامه في تأويله و ثانياً يوجب التكلّم عن صاحب الكلام بالكذب و ثالثاً يوجب خلط الواقعيّات و رابعاً يوجب حذف حقائق القرآن و خامساً ينتهي بالإمتزاج في المشارب و المسالك و سادساً هى مورث الإختلاف و سابعاً فيها نقض غرض المتكلّم الحكيم و ثامناً يوجب إنسداد باب الوحى و غير ذلك من المفاسد العظيمة.
فلهذا المتأوّل و المتدلّس مبطل و مضلّ... كما صرح بذلك الصدري الشيرازي حيث يقول...(2)
و أما كونه حراماً شرعاً فلأن الألفاظ اذا صرفت عن مقتضي ظواهرها بغير اعتصام فيه عن صاحب الشرع و من غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضي بطلان الثقة بالألفاظ و لو جاز صرف الألفاظ الشرعية من
ص: 22
مفهوماتها الأول مطلقاً من غير داع عقلي لسقط منفعة كلام الله و كلام رسوله ... و هذا أيضاً من المفاسد العظيمة بالضرورة و البدع الشايعة عند المسمّين بالصوفيّةو بهذا الطريق توسلت الباطنيّة إلى هدم جميع الشريعة بتأويلها و تنزيلها على رأيهم فيجب الإحتراز عن الإغترار بتلبيساتهم فإنّ شرّهم أعظم على الدين من شرّ الشياطين... (تمّ كلامه)
إنّ الحكماء لما رأوا تشتت الآراء و عدم التميز لبراهينهم ( و فقدان الميزان لأحكام عقولهم ) أوّلوا نصوص الكتاب بالتأويلات المنفية و خالفوا النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) و العترة الهادية(علیهم السلام) و الفطرة السليمة بالقياسات الحكمية و المكاشفات العرفانية بحيث أغفلوا تابعيهم (و هو أول التدليس) بالحديث المفتري إلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ( الطرق إلى الله بعدد أنفس الخلائق ).
والحق أنّ الطريق واحد اذ ليس للحق الواحد من جهة واحدة من تناقض و تضادّ و إختلاف و هى غير طريقة العرفان المسمّى بالتصوف أو الحكمة المصطلحة المتعالية المسمّى بالفلسفة.
والخبير يعلم بأنّ الميزان الأتمّ لتمييز الحق عن الباطل في كشف الحقائق بنور العقل و في تصديق الوحى و قد قال الله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله... )(1)
و ما قد يقال: إنّ لكل قوم اصطلاحاً خاصاً بهم سخيف ضعيف لايعبأ
ص: 23
بكلامهم اذ يلزم منها اختلال النظام و ثبيت الأمر المتوهم و المتخيل بالقياسات البشرية عوضاً عن الميزان القويم و الهداية الكاملة في القرآن و ما جاءت بها الأئمة(علیهم السلام) كقولهم في قاعدة (الواحد لايصدر منه الا الواحد) و (بسيط الحقيقة كل الأشياء) و (وحدة الوجود أو الموجود) اذ العقل يحكم بدخول الدار من الباب و الّا تكون سارقاً فالميزان القويم منحصرة بإتباع الوحى و التصديق له لا القياس و لا المكاشفة الخياليّة الشيطانية أو التأويلات المنفيّة الوهميّة التي لامصونيّة لإحراز حقّها عن باطلها...و قد صرّح بذلك نيكولسون في حقّ ابن العربي!... إنّه يأخذ نصاً من القرآن و الحديث و يؤوّله بالطريقة التي نعرفها في كتاب فيلون اليهودي و اريجن الاسكندري (إلى أن قال) يعهد ابن العربي في كل ذلك إلى تخريج المعاني التي يريدها من الآيات و الأحاديث بطريقة خاصة في التأويل فإن كان في ظاهر الآية ما يؤيّد مذهبه مهما كانت دلالتها على التشبيه و التجسيم أخذ بها و الا صرفها إلى غير معناها الظاهر... و عماده في كل ذلك انّه يتكلم بلسان الباطن الذي هو في الحقيقة لسان مذهبه و يترك الظاهر الذي يعبر عن عقيدة العوام...(1)
قال أبوالعلاء العفيفي استاذ جامعة الفاروق:... هكذا اقتضى مذهب وحدة الوجود أن يغيّر ابن العربي مفاهيم الاصطلاحات الدينية و يستبدل بها مفاهيم اخري فلسفية صوفية تتفق مع روح مذهبه...(2)
ص: 24
فمع ذلك كله إدّعي على الطريقة البيضاء الحنيفة و حكمتهم المتعالىة منطبقة على ميزان القرآن و السنة على ما ادعت به الشيرازي...!(1)و أشنع منها حيث خالف فيها و ادّعي بأنّه أثبت رسوم الجاهلية فيها من اليونانيين و الهند و الزرتشت.(2)
و هكذا مقالاته في مدح الصوفيّة و ذمّهم متفاوتة!(3)
ص: 25
فبالجملة: جميع مبانيه منطبقة على مشرب الصوفية و الفلاسفة فكيف بإنطباقه مع القرآن و السنة و هل في هذا الا تدليساً و كذباً محضاً ؟!!!
و إليك ببعض من تأويلاتهم السخيفة و أباطيلهم المدلسة المملوة في كتبهم الضالة المضلّة حول مسألة التوحيد...(1)
ص: 26
ص: 27
لاشبهة بأنّ اختلاف المذاهب و المشارب في المعارف و العقائد تنتهي بإختلاف المسالك و النتائج مع أنّ طريق الهداية و الحق واحد و هم مختلفون فيه و العقل يحكم بإمتناع إجتماع المتناقض و لا وجه للجمع بين هذه المسالك المتشتته مع الآراء المختلفة فيحكم العقل بلزوم الإنفكاك اللازم بل الواجب.
اذ كم فرقاً بين مذهب المشاء و الإشراق و العرفان و الفلسفة اليونان و مع السنة و القرآن فعلينا فهم الحقائق من محكمات السنة و القرآن لا عن فلاسفة اليونان و لا عند الصوفية و العرفان.
و من تأمل حول كلماتهم من بدو الأمر إلى هنا حول التوحيد و غيره يظهر له التناقض الواضح مثل قولهم (الوحدة عين الكثرة) و قولهم (الواحد لايصدر منه الا الواحد) (التنزيه في عين التشبيه) و (العليّة و المعلولية) في عين أنّه لا شيء سواه (و ليس في الدار غيره ديّار) مضافاً بأنّهم مصرّحون بعدم درك حقائق الأشياء كما هو حقه خصوصاً في معرفة التوحيد.(1)
ص: 28
فمع ذلك ادّعوا بأنّ لها في ذلك طوراً وراء طور العقل و هو يحصل بالمكاشفة العرفانية و أقبح من ذلك قولهم بعد عجزهم عن البرهان بأنّها من الأسرار الإلهية و يرمون مخالفيهم إلى التجهيل و ينسبون إليهم بأنّهم الخفافيش و علماء الظاهر...
فبالجملة: هل التناقضات الظاهرة و المغالطات الواضحة و المقايسات الغير المحرزة و الإنتقادات و المعارضات الكثيرة الظاهرة من مخالفيهم لم تكن دليلاً واضحاً على عدم أمنية طريقتهم و عدم مصونيّتهم عن الخطاء...
فبالنتيجة: فكم من دليل و قاعدة عقليّة برهانية قد خالف منها الآخرون و إنتقدوها و ينسبون صاحبها إلى الجهل و الوهم و...
فهذا منتهى قياسات البشرية و مقتضي براهينهم العقليّة نحو بيانهم في الوجود و اصالته و تحققه و وحدته في التوحيد و حقيقة الروح و النفس و الملك و بدء الخلقة و الإرادة و الجبر و المعراج و المعاد و... فوجود الإختلاف دليل على عدم أمنيّة طريقتهم فلاتغفل!(1)
ص: 29
كيف يحكم عاقل بقصور أفهام المحدثين و الفقهاء و العلماء من أصحاب الأئمة(علیهم السلام) إلى يومنا هذا لأنّهم كانوا محرومين عن توحيد العرفاء و الفلاسفة...
يقول المجلسي: لايخفي على من راجع بكلامهم و تتّبع اصولهم ان جلّها لايطابق ما ورد في شرايع الأنبياء و انّما يمضغون ببعض اصول الشرايع و ضرورة الملل على ألسنتهم في كل زمان حذراً من القتل و التكفير من مؤمني أهل زمانهم...و لعمري من قال بأن الواحد لايصدر منه الا الواحد و كل حادث مسبوق بمادة و... كيف يؤمن بما أتت به الشرايع و نطقت به الآيات و تواترت به الروايات .
فظهر مما بيّنا بأن اختلاف النوابغ من أساطين العرفان و الفلسفة في معظم مسائلها دليل على أنّ عقلهم كليل و نظرهم عليل عن درك حقائق الأشياء خصوصاً في تعريف الذات...(1)
فالإختلاف في نتائج الآراء المعكوسة لأحكام عقولهم في مبحث التوحيد أيضاٌ ليس على السواء بل على مقدار تفاوت الخالق مع المخلوق أضف إلى ذلك:
إنّهم يقولون بأنّ طريق الحكمة مسيراٌ صعباٌ غير ميسور لكثير من الناس الورود فيها! و العقل يحكم بعدم جواز دخول كل شخص فيها فكيف لعاقل أن يلزم أحداً امن الورود فيها! مع إلزامهم لمن كان له الإستعداد و مع ذلك يحكمون بلزوم معرفته تعالى بالعقل (الإصطلاحي النظري)! ثم يرون
ص: 30
التناقض بأنّ لها طورا وراء طور العقل و هل في ذلك الا خلف ظاهر ؟!!!(1)
ص: 31
إنّ هؤلاء بعد إعترافهم بأنّ الله لايعرف و لايدرك كنه ذاته تعالى تكلّموا في ذات الإله بعقولهم و تجولوا في المباحث العقلية و تصوروا إدراك مفهوم وجوده بالعقل و الحكم بأنّ بسيط الحقيقة كل الأشياء!
لاشبهة بأنّ الحجية للعقل الأنواري و ان الذي سمّوه عقلاً و ميزاناً لتميّز الحق عن الباطل من نتائج القياسات البشرية التي ليست الا النكراء لأنّها مؤسسة على العليّة و المعلولية و قياس الواجب مع الممكن في مبحث التوحيد و سيأتي بأنّها باطلة رأساً لأنّها توجب السنخية الذاتية فأحسن الأقيسة عندهم التي سمّوها بالبرهان تكون أقبحها و لو سلّمنا بأنّ المعرفة منحصرة بإدراكات العقول و قياسات المنطقية بهذا الطريقة و لايمكننا الوصول لفهم حقيقة ذاته تعالى الا بالعقل فكيف لهم الفرار عن برهانهم العرشي إلى المكاشفات العرفانية؟!
أيجوز لعاقل أن يحكم بعينية نفسه مع الله تعالى و سنخيته معه و بعد عجزه عن إقامة البرهان لوحدتهما يقول: «بأنّ لها طورا وراء طور العقل».
فليست الأمنية المطلقة الا في متابعة القرآن و العترة و لم تجعل العقول لإدراك ذاته و الإحاطة به الا في تصديق المخبر الصادقبالعقل الأنواري لا الإصطلاحي فتدبر.(1)
ص: 32
إنّ أساس ابتناء معارف الرسول و الأئمة(علیهم السلام) على العقول التي هى حجج إلهيّة و مبعوثة بها على جميع العقلاء وهو النور الذي تجده الانسان حال كبره و به يعرف حسن الافعال و قبحها و هو ما به الإدراك.
و المستفاد من الأخبار أنّ العقل حقيقة نورية و مغايرة مع الروح و النفس الإنسانية فبه يصير الإنسان عاقلاً عالماً فهما و هو أول مخلوق روحانيّ و هو أجل و أعظم من أن يفهم أو يعلم كنه ذاته و هو من كمال العقل و برهانيته لأنّ تصوّره و تعقّله خلاف وجدانه و هو الحجة الباطنيّة للمعارف الحقة الإلهّية سيما في مبحث التوحيد.(1)
و هذا غير ما ذهب إليه الفلاسفة في تعريفهم العقل بأنّه جوهر مجرد قديم يدرك بها التصورات و التصديقات و عندهم هو من مراتب فعليّة النفس بإستخراج النظريات عن الضروريات فنتيجة تلك البراهين المتشكلة من القياسات الظنية لكشف الحقائق تسمّي بالعقل النظري ثم يحكمون بإتحاد العقل و العاقل و المعقول.
بناء على ذلك: إن قوام ذلك العقل عندهم على اليقين الذي لايكون مصوناً بالذات لعدم ميزان لتميّز مطابقته للواقع فلايكون مصوناً عن الخطاء كما هو ظاهر من تخطئة كل من أساطين الفلسفة للآخرين منهم في تأليف قياساتهم و نتيجة أحكام عقولهم و أيقانهم فعندهم هو العلم الحصولي و اليقين
ص: 33
الذي لا ميزان لإحراز صوابه عن خطائه لعدم المؤمّن لنا من الخطاء ...
و الله تعالى هدي الخلق بالعقل الأنواري على معرفته فهو حجة بذاته و آية و علامة و برهان على حقانيته و هو ميزان قويم لمعرفة الحقائق و المعارف الإلهية عن القياسات الظلمانية المنتجة منالأقيسة الغير العاصمة فهذا غير العقل المنطقي الذي لايكون الا النكراء و الشيطنة و التعمّق في الجهالة فذلك العقل الأنواري المحجوج به هو برهان على العزيز القدوس المتعالى عن معروفيته بالعقل و تعريفه بالوجود الإصطلاحي اذ التفكر في ذاته تعالى ممتنع عقلاً و شرعاً.
إن قلت: لو كانت العقول محجوبة عن معرفته تعالى و لم تحصل المعرفة بالعقول فكيف الأمر بالتفكّر و التدبّر و التعقّل...
قلت: معرفة ذاته تعالى بالإحاطة و الإدراك بالقياسات البشرية ممتنع لأنّ فيها التحديد و التعين اذ كلّما ميّزناه بعقولنا فهو مثلنا و مخلوق فكرنا و هو غير الإله.(1)
و لاشبهة بأن حقّ المعرفة في توحيده تعالى بالعقل أن يصدّقه بالفطرة و يجده بها و يخرجه عن حدي التعطيل و ينزهه عن التشبيه لا التكلم في ذاته بأنّه صرف الوجود و أنّه كل الأشياء و سيأتي تمام الكلام في ذلك.
ص: 34
فعلى ذلك فهل يحكم العقل بعد فرض تضاده مع الشرع بإتّباع العقل الغير المعصوم في تعريف الذات بالوجود بعد الإعتراف بأن لايصل يد العقل لإدراك كنه الذات...؟
و هل يكون وظيفة العقل في توحيد الذات الا التصديق بما جاءت به الأنبياء؟ بالعقل الأنواري لا الإصطلاحي؟! فلو كان ما توهموه عقلاً لانهدم في التوحيد جميع الشرايع اذ فيه الحكم بالسنخية الذاتية بين المخلوق و الخالق مع أن البينونة الحقيقيّة بينهما حاكمة فيكفينا التخطئة لأحكام عقولهم في حكمهم بتطورا الحق تعالى بصورة أجزاء العالم و عبادة الأصنام و الشيطان و انها عبادة الله.فالعاقل البصير يجد بنور عقله بأن عقله أعظم آية لمعرفة ربه و ان ذاته تعالى خلاف ذاته و هى خلاف ما ذهب إليه الفلاسفة بأحكام عقولهم الكاسدة المبتنية على البراهين المنطقية و القياسات البشرية كيف اطمئنوا على الطريقة الغير العاصمة و الآراء المتناقضة و الحكم على خلاف العقل الصريح في التوحيد.
ص: 35
لاريب بأنّ الله تعالى أنزل على عبده الكتاب و بعث نبيه على العباد للعبودية و لرفع الإختلاف و نهاهم عن عبادة ما سواه من الأصنام و سائر المعبودات فهدي الله الذين آمنوا و أخرجهم من الظلمات و قد كانوا على الضلال فقال عزوجل: «و قضي ربّك ألّا تعبدوا الا إيّاه» فلهذا الغرض الأقصي خلق الخلق و أنزل الكتب و بعث الرسل لإثبات التوحيد و رفع عبادة الأنداد.(1)
لاريب بأنّ أساس حفظ الشريعة أيضاً على العلوم الإلهية التي علّمها الله نبيّه و أوصيائه في أمر المبدء و المعاد فالله تعالى جعلهم خزنة لعلمه ثم أمر الناس بإتباعهم و الإقتباس من علومهم و الإقتداء بحبلهم و هداياتهم فجعل الخير الجزيل في تعلم علومهم و حكمتهم فهدي الله بهم جميع الخلق و أخرجهم من ظلمات العلوم البشرية و جهالاتهم و من قياسات الفلسفة
ص: 36
اليونانية خصوصاً في مبحث التوحيد إلى النور و الكمال.
فقال الله تعالى (هو الذي بعث في الاميّين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبللفي ضلال مبين).(1)
لاشبهة بأن دعوة النبي إلى الإيمان بالله و النهي عن الكفر و تخريجه تعالى عن التشبيه و التعطيل و لكن الفلاسفة استغنوا(2) عن الأنبياء و اكتفوا بعقولهم عن وحى السماء فتكلّموا في ذات الإله فقالوا بأنّه عين الأشياء و كل الأشياء و اعتقدوا بوحدة الوجود بل الموجود و أنّ الخلق طوراً من أطوار الواجب بل عينه و ذلك سبب لإنهدام الشريعة و إلزام الأنبياء و نقض غرض البعث و هى المخالفة الظاهرة الواضحة بما جاء به القرآن و ما جاء به نبينا و الأئمة المعصومين(علیهم السلام) فبذلك يرون و يعتقدون بأنّ جميع الفرق و صاحب الأديان و المذاهب يعبدون الحق و ان عبدوا الأصنام لأنّها مظاهر الحق تعالى و العجب من الشيطان حيث أقرّ بالتوحيد مع الكبر(3) و لم يقر به
ص: 37
الفلاسفة و الصوفية الا مع الشرك.(1)
فمع ذلك كله هل جاءت الأنبياء لإنتشار مباني الفلسفة اليونانية و تعليمها و ترويج الحكمة المتعالىة و العرفان الصوفية الملحدة و معتقدات سائر الملل المنحرفة من الزنادقة.(2)
ص: 38
فلو كان كذلك فلِمَ لم يذكرهم النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بعد بعثته بل علّمهم القرآن و نبّههم في كتابه فقال الله عزوجل «لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين» أفلايكون القرآن بوحدته مستكفياً ؟! أم كان ناقصاً ؟! فاستعين بالبراهين الفلسفية و القياسات المنطقية لرفع نقصانه!(1)
و من الواضحات لدي المتتبع البصير: بان مباينة مباني القرآن و السنة و معارضتها مع توحيد الفلاسفة و عرفان الصوفية مشهودة ملموسة بالأدلّة
ص: 39
العقليّة و النقلّية و هذا الإختلاف من الشيعة و مبدئها من عهد اليونان إلى هنا و سيأتي تمام الكلام فيها عند نقدها و انتظر...
انّهم لمّا رأو عدم تطابق آرائهم و أقوالهم مع البراهين الإلهية في التوحيد و غيره أوّلوا كلماتهم تدليساً بأن الصوفي مأمور بالباطن الأنبياء جاءوا بظاهر الشريعة و لايجوز كشف الأسرار الباطنيّة الا لخواص أهل الطريقة...(1)و الخبير يعرف و يجد موارد نقض كلامهم في أنّ الظاهر لسان الباطن أن النبي و الأئمة المعصومين(علیهم السلام) هم الأولياء أسرار الباطني و الظاهري و أن لم ينطقوا بذلك مضافاً بأنّ أكثر الصوفية و في رأسهم الحلاج و ابن العربي و الصدري الشيرازي و... و أنهم قد هتكوا ستر الأسرار و حجاب الآثار في أمر المبدء و المعاد و هتكوها و أوهنوها و ما هى الا التدليس...
قال ابن العربي:... انّ الله تجلي لي مراراً و قال: انصح عبادي... فهل هو مأمور بإظهار هذه الأسرار.(2)
و من الواضح بأنّ النبي واحد من الأئمة المعصومين(علیهم السلام) لم يحكموا بترجمة الكتب الفلسفية بل تصدي لتلك الخيانة صداً لباب الوحى و العصمة خلفاء الجور و الظلمة اغتناماً للفرصة و استيلاء للسلطنة و توسعة للسيطرة و
ص: 40
انحرافاً عن أبواب أهل بيت العصمة(علیهم السلام).(1)
ص: 41
قال الله تعالى « ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا ».(1)
لاشبهة بأنّ الحق الذي عليه مدار جميع الحقائق و الحقوق و هو النور الساطع و الفرقان الجامع و القرآن اللامع النازل بظاهره و باطنه و هو الميزان لتشخيص الحقائق و الفرقان لتمييز الحق عن الباطل و أيضاً قد جاءت في الآيات و الروايات الكثيرة المتواترة بأنّه لابدّ من الرجوع إلى النبي و إلى الأئمة(علیهم السلام) في الاصول و الفروع لأنّهم باب الله التي لايؤتي الا منه و هم الصراط الأقوم و الحق الواضح المسلم المؤدي الى معرفة ربه و النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) حرّض اُمّته بعد القاء كلمة التوحيد بالتمسك بهما و الكون معهما اذ كل منهما معادن للعلوم النبوية و الأسرار العقليّة و الشرعيّة و لهذا حثّ على الاقتداء و التمسك بهما(2) و من أراد الوصول إلى الله بغير واسطة
ص: 42
محمدوآل محمد(علیهم السلام) نحو العرفاء و الصوفية و الحكماء و الفلاسفة بإتكاءهم على عقولهم و آرائهم (سيما في باب معرفة الله و أمر المبدء و المعاد) و لم يرجعوا إلى من نصبه الله لهداية الخلق في معرفة الرب فهو من المغضوب عليهم و ضالّ و مضلّ انّهم كسابقيهم طلبوا المعرفة و النور و الهداية بالجهل و الظلمة و الغواية لأنّهم تركوا نبيهم و اتكلوا إلى هواهم و رأيهم حاشا! و كلّا! بأن تكون فهم المعارف الإلهية التي جاءت بها النبي و الاسلام الكامل الذي قد بيّن النبي و عترته(علیهم السلام) بجميع حدوده و معارفه محتاجة إلى آراء عدّة من زنادقة اليونانية أو إلى مصطلاحات الفلاسفة قبل الإسلام و بعده أو الصوفية الملحدة المنحرفة فهل يمكن الحاداً و كفراً أعظم من التصرف في النواميس الإلهيّة ؟! و اتخاذ الآراء الظنية بالأفكار الضعيفة الغير المعصومة عن الخطأ؟! و هل يكون حربا أعظم من الحرب مع الله تعالى ؟!
فهل وصية نبينا في تحكيم مباني الاسلام على تعليم الفلسفة و الحكمة المتعالىة و توكيل الناس إلى حكم العقل و الاستحسانات النفس و ركونهم بها في مقابل الشرع و الوحى في أمر المبدء و المعاد ؟!
أم وظيفتنا التصديق بما جاءت به صاحب الشريعة بعد عجزنا و اعترافنا بقصور أفكار عقولنا عن التفكر في كنه ذاته تعالى ؟!
فهل يحكم عاقل بسنخية الذاتيّة و العينيّة مع الله تعالى و أن عبادة كل شيء عبادة الله لأنّها مظاهره و مجليه ؟!
فهل يكون كفر أعظم من هذا ؟!
ص: 43
فهل تكون هذه المناقضات الرديّة و المعارضات الواضحة التي أسودّت بها وجه مدافعية الا الوهن في بعثة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) و الإهانة بساحة القرآن و العترة(علیهم السلام) ؟!
فهل هذا من التمسك بالثقلين الذي حثّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بالتمسك بهما ؟!(1)
عن الرضا(علیه السلام):... انّما اختلف الناس في هذا الباب حتي تاهوا و تحيّروا و طلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بُعداً و لو وصفوا الله عزوجل بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين و لما اختلفوا فلما طلبوا من ذلك ما تحيّروا فيه ارتبكوا و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم...(2)
ص: 44
لاريب بأنّ الضديّة بين القياسات البشرية و العلوم الحديثة الإلهية واضحة ظاهرة و أنّ طريقة الحكماء و العرفاء غير طريقة الأنبياء و الأوصياء و قد أوقعوا الشبهة بين المذاهب و في هذه الامة بين طبقات المسلمين من عهد المأمون إلى هنا و لايكون ذلك الا بإدبارهم عن الوحى و إنغمارهم في ظلمة الجهل و تمسكهم بعروة الغير بما لايغني من الحق الا بعداً و ما ازدادوا لهم من الريب الا شكاً فلهذا قاموا أصحاب الأئمّة(علیهم السلام) تبعاً لمواليهم و قد أظهروا المخالفة الصريحة مع الفرق الباطلة سيما مع العرفان الصوفية الملحدة و الفلسفة اليونانية انّ هؤلاء اقتبسوا من مشكاة النبوة و بيت الولاية و من معدن العلوم الإلهية و بيوت آل محمد(علیهم السلام)...
كما ورد عن الصادق(علیه السلام):... فتبّاً و خيبة و تعساً لمنتحلي الفلسفة...(1)
و قد صرّح بذلك أيضاً تدليساً لعوام الناس بقوله: فتبا لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب و السنة...(2) و الشاهد على تدليسه ذكر مبانيها عنهم نقلاً بنقل و سيظهر لك ذلك المعنى في المباحث الآتية انشاء الله...
فمتعلّموهم(علیهم السلام) و أصحابهم قاموا لمحو آثار المتعدّين و أضاليل الصوفية الملحدين و إيضاحاً لبطلان كلمات الفلاسفة المضلّين فكتبوا كتباً وافرة في ردهم و أوضحوا شبهاتهم من زمن المعصوم إلى زماننا هذا شكّر الله مساعيهم
ص: 45
الجميلة و قدّس الله أرواحهم و نوّر الله مراقدهم... و إليك بجملة منهم :
منهم هشام بن الحكم من أصحاب مولانا الصادق(علیه السلام): جاء في رجال الكشي ذكر كتب هشام و عدّ منها... كتاب الرّد على ارسطاطاليس في التوحيد... و له مطاعن عن الفلاسفة بما ذكرهالكشي.(1)
و منهم فضل بن شاذان من أصحاب مولانا الرضا(علیه السلام) : عدّ النجاشي في رجاله كتبه و منها كتاب الرّد على الفلاسفة و في رجال المامقاني عن الفهرست عدّ كتبه منها كتاب النقض على من يدعي الفلسفة في التوحيد.(2)
و منهم على بن أحمد الكوفي (المتوفي سنة 352 ه.ق) له كتاب الرد على ارسطاطاليس.(3)
و منهم على بن محمد بن العباس عدّ النجاشي من كتبه كتاب الرّد على الفلاسفة.(4)
و منهم حسن بن موسي النوبختي المتكلم المشهور صاحب التصنيفات الكثيرة في متفرقات الافنان و الأبحاث الواردة الغفيرة على حكماء اليونان و في رجال المامقاني عدّ من كتبه كتاب الأداء في نقض الفلسفة و الديانات.(5)
و منهم: هلال بن ابراهيم ثقة و له كتاب الرد على من ردّ آثار الرسول و اعتمد نتائج العقول.(6)
ص: 46
و منهم حمزة بن علي بن زهرة (المتوفي سنة 585 ه.ق) له كتاب في نقض شبة الفلاسفة «ذكره المامقاني في رجاله»
و منهم قطب الدين الراوندي (المتوفي سنة 575 ه.ق) و هو من أجلة الأصحاب له كتاب تهافت الفلاسفة.(1)و منهم الحسين بن علي بن بابويه القمي <الصدوق> له كتاب التوحيد و في مفتتح كمال الدين طعن عليهم.
و منهم الشيخ المفيد له كتب منها كتاب جوابات الفيلسوف في الإتّحاد و كتاب الرد على أصحاب الحلاج.(2)
و منهم الشيخ علي بن محمد الحسن بن زيد الدين العاملي الشهيد نسبه إلى جده الشهيد الثاني قال في طرائق الحقائق له كتب منها رسالة المسماة بالسهام المارقة من أغراض الزنادقة في الردّ على الصوفية.(3)
و منهم الحسن بن محمد بن عبدالله الطيبي كان شديد الرّد على الفلاسفة مظهراً فضائحهم مع إستيلائهم حينئذ.
و منهم مولي محمد طاهر القمي و من كتبه كتاب ملاذ الأخبار و رسالة فوائد الدينية في الرّد على الحكماء و الفلاسفة قال في الروضات كان شديد التعصب على جماعة الصوفية و فرق الملاحدة... و قد كفر في رسالته التي كتبها في الرّد على الصوفية جماعة من العلماء و العرفاء بل نسب إلى الكفر
ص: 47
كل من شك في كفر من نسب إليه كلماتهم الموهمة لخلاف الشرع و شدّد النكير عليهم بما لا مزيد عليه...(1)
ومنهم شيخ حرّ العاملي قال: في أمل الآمل لي رسالة في الرّد على الصوفيّة.
و منهم الشيخ يوسف البحراني صاحب حدائق و من تأليفاته كتاب النفحات الملكوتيّة في الرّد على الصوفية.
و منهم الملا الصدري الشيرازي صاحب الأسفار في رسالته كسر الأصنام الجاهليّة في كفر جماعة الصوفية و العجب منه بعده كيف رضي بنقل مكتب ابن العربي الصوفي البحت و غيرها و لاشبهة بأن مقالات أكابر الصوفية و الفلاسفة واحداً طابق النعلبالنعل لفظاً و معنى خصوصاً في قولهم بوحدة الوجود و الموجود سيظهر تمامية تدليساته.
و منهم الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر(رحمه الله) و قد سبق كلامه في الرد على الفلاسفة قال: ما بعث رسول الله الا لإبطال الفلسفة.(2)
و منهم علامة ملا محمدباقر المجلسي(رحمه الله) في ج108 / 185 في ذمّ التصوف و الفلسفة...(3)
عن ابن أبي الحديد في تفضيله قضاء أميرالمؤمنين(علیه السلام) :... ما أقول في رجل تحبّه أهل الذّمه على تكذيبهم بالنبوة و تعظّمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملّة...(4)
ص: 48
و منهم العلامة الخوئي(رحمه الله) في تفسيره البيان يقول: إنّ عقيدة حزب التودة مثل الفلاسفة تكون على خلاف اصول الإسلام.
و منهم العلامة السيد الشهاب الدين المرعشي النجفي(رحمه الله)في أول إحقاق الحق ج1 / 183
و منهم العلامة الخوئي(رحمه الله) في منهاج البراعة على شرح نهج البلاغة ج13 / 363 / 410
و منهم الشيخ الأنصاري(رحمه الله) في مكاسب المحرمة / 30 عند ذكر حرمة كتب الضلال... قال: كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة على ظواهر منكرة...
و غير ذلك من الكتب الكثيرة المدوّنة لرفع شبهات الفلاسفة نحو حديقة الشيعة للمقدّس الأردبيلي(رحمه الله) و اثني عشرية للحرّ العاملي(رحمه الله) و العارف و الصوفي ماذا يقول و البدعة و التحرف للشيخ الجواد الخراساني(رحمه الله) و معارف الأئمة عنه و بيان الفرقان للشيخ المجتبي القزويني(رحمه الله) و... و سيأتي بعض عباراتهم لذمّ الصوفيّة و الفلاسفةو لو غمضاً عن الحق الذي في كتب هولاء الأجلاّء من أصحاب الأئمة(علیهم السلام) و فقهائهم, لنا النظر حول كلمات الفلاسفة فالعاقل يكفيه الإشارة ببعض ما ذكروه هؤلاء المنحرفة عن طريق الوحي لبطلان طريقتهم.
نحو قول الصدري الشيرازي يكفينا النظر حول كلامه عند ذكر عشق الظرفاء و الفتيان للأوجه الحسان...(1) إنّ العاشق اذا اتفّق له ما كانت غاية
ص: 49
متمناه و هو الدّنو من معشوقه و الحضور في مجلس صحبته معه فاذا حصل هذا المتمني يدعي فوق ذلك و هو تمنّي الخلوة و المجالسة معه من غير حضور احد فاذا سهل ذلك و خلي المجلس عن الأغيار تمنّي المعانقة و التقبّل فان تيسّر ذلك تمنّي الدخول في لحاف واحد و الإلتزام بجميع الجوارح أكثر ما ينبغي و مع ذلك كلّه الشوق بحاله و حرقة النفس كما كانت بل ازداد الشوق و الاضطراب كما قال قائلهم:
أعانقها و النفس بعد مشوقه *** إليها و هل بعد العناق تداني
و الثم فاهاكي تزول حرارتي *** فيزداد ما القي من الهيجان
كأنّ فؤادي ليس يشفي غليله *** سوى أن يرى الروحان يتحدان
أقول يا شيعة آل الله انظروا إلى مقالة هؤلاء المدعين للفناء في ذات الله يرون النظر إلى صورة الأمارد بهذه الكيفية مجلبة إلى دقائق اللطائف فتبّا و سحقاً للإعتقاد الفاسد هذا الداء المسري الذي فاعله و مفعوله مذموماً مقبوحاً عقلاً و حرمته من صاحب الشريعة ملموساً شرعاً ولكن في الحكمة المتعالىة دلّسوه للإيصال إلى مرادهم ليلاً.
افّ لحكمة تكون تعاليه من بدء الخليفة الثاني و إنتشاره من جملة المعاندين من العامة نحو ابن العربي ثم تابعيه ممن تابعه إفساداً أعاذنا الله و جميع إخواننا الشيعة من وساوس الخنّاس من الجنة و الناس بل لعلّهم هم أعرف من صاحب الشريعة و يكفي لمن له أدنيالمعرفة و العقل لضلالة من ادعي الحكمة و العرفان.
نحو كلماتهم حول وحدة الوجود و الموجود و سيأتي الكلام في بطلانها بتمامه و أيضاً عقيدتهم حول أزلية العالم و قدمه و هكذا قولهم بإمتناع
ص: 50
إعادة المعدوم و إنكارهم المعاد الجسماني مع أنّه من ضروريات العقل و الآيات و الروايات و غير ذلك من المطالب الباطلة المخالفة مع مذهب الشيعة و لعمري تستدعي التنبيه لذلك على تأليفات كثيرة.
فبالجملة تبيين مقالات أصحاب الأئمة(علیهم السلام) و فقهاء الشيعة من القدماء و المتأخرين تستدعي تدوين كتاب خاص و قد تركناها اختصاراً.
فلو فرضنا ابتناء الحكمة على ما جاءت بها الأنبياء و امكان التجوّل في المباحث العقليّة و الحكميّة و تلفيقها مع الشريعة فلم قاموا أكثر هؤلاء الأجلّاء تبعاً لمواليهم(علیهم السلام) على ردّ مبانيها بتدوينهم الكتب الكثيرة بل جاءت في الروايات العديدة المشحونة بلعنهم و طعنهم و نقض مقالاتهم و نسبوا الكفر لمن اعتقد بقدم العالم و لمن اعتقد بوحدة الوجود و الموجود...
ص: 51
قد سمع خيراً ممّن يدّعي الخدمة بالإسلام بأنّ الصدري الشيرازي جمع وألّف(1) بين الحكمة المتعالية و المكاشفات العرفانية الصوفية و ما جاءت به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بالوحي و هل هذا الا خدمة منه بالشريعة المقدسة في طوره الحديثه و في هذه البرهة التي نظر العالم إلى البراهين الفلسفية و الحكمية؟!
و الخبير يعلم أنّهم ككبرائهم بصدد محو آثار الأنبياء و الأئمة(علیهم السلام) والعلماء الماضين الذين جدوا لإطفاء الحكمة اليونانية و لكنهم دلّسوه لإختفاء وجوه الممتازة للقرآن الحديثة و السيرة النبوية و الآثار العلوية و
ص: 52
الشاهد على ذلك مطابقة الحكمة المتعالية مع مقالات أكابر الفلاسفة اليونانية قبل المسيح إلى هنا و الصوفية الملحدة إلى الآن لفظاً بلفظ و نقلاً بنقل أليس هذا الا كذباً؟ وتدليساً؟!
حيث يقول:... فالحق ان من له قدم راسخ في التصوف و العرفان...(1)
و اخري عنه قال:... كيف و جميع المحققين من أكابر الفلاسفة و الصوفية... و اما عند علماء الظاهر و المتكلّمين...(2)
و في موضع يذمّ العلماء المتعبّدين بقول المعصوم(علیه السلام) الذين عنده علماء الظاهر و شبّههم بالخفاش.
قال:... و قد ابتلينا بجماعة غار به الفهم فغمش عيونهم عن أنوار الحكمة... كأبصار الخفافيش يرون التدبّر بدعة...(3)
ثّم مدح الصوفيّة في كتاب كسر الأصنام حيث يقول:... يعلم يقيناً أنّ أهل الله و أرباب التصوف و الكمال... و من جانب أنّه مدح الصوفيّة و بالجملة الصوفي من حيث أنّه صوفي مستور عن العقول... خزائن الأمناء مكنونة و كنوز الأولياء مخزونة قدّس الله أهل عرفانه و خواص عباده إلى آخر كلماته في مدحهم...
ص: 53
فكرة قديمة من المسيحية اليونانية و البودائية و الزردشتية و سائر الزنادقة من الصوفيّة و من تابعهم في الإسلام من الفلاسفة حول مسئلة وحدة الوجود و هى عقيدة ضالّة مضلّة كفريّة و هى أنّ الواجب عين الأشياء بل كلّ الأشياء و انّ وجودهما واحد و ليس في الدار غيره ديّار و إليك بنقل أقوالهم و سيأتي تمام الكلام في بطلانه :
عقيدة أفلاطونيون: قال برمانيدس : ... هو كل الوجود و وجود الكلّ...(1)
و قال فلوطين في المسيحية : ... هل كلّ الأشياء...(2)
عقيدة عرفاء الهند : .... من الذّرة إلى الشمس كلّها عين ذات الحق...(3)
عقيدة الزردشت : ... كل موجود هو الحق...(4)
يقول ابن العربي : ... سبحان من أظهر الأشياء و هو عينها...(5)
يقول ابن العربي بعين ما سبق.(6)
يقول ابن العربي : ... فاذا شهدناه شهدنا نفوسنا لأنّ ذواتنا عين ذاته...(7)
يقول ابن العربي : ... انّ فرعون عين الحق...(8)
ص: 54
يقول الملا الصدري : ... بعد نقل هذا الكلام عنه يقول: يفوحمن هذا الكلام رائحة التحقيق...(1)
يقول الملا الصدري : ... و لا ثاني له في العين و ليس في دار الوجود غيره ديار... التي هى في الحقيقة عين ذاته كما صرّح به لسان بعض العرفاء...(2) «لاريب بأنّ مراده من ذلك ابن العربي».
يقول الملا الصدري : ... كل بسيط الحقيقة فكذلك فهوكلّ الأشياء فواجب الوجود كل الأشياء...(3)
يقول : ... انّ الحقّ الذي تسألون عنه و تطلبوا به... هو عين كل شيء بل هو كل شيء... و ليس لغيره وجود أصلاً لا ذهناً و لا خارجاً...(4)
و يقول : ... الهي حسن توئي و حسن حسن نما است...(5)
يقول المطهري: ... فانّ السيد حسين الطباطبايي يعتقد بأن لايقدر أحد في الإسلام أن يكتب سطراً كما كتب ابن العربي.(6)
و قال الطباطبائي: ... من الواجب أن يكون بين المعلول و علّته سنخية ذاتية...(7)
و قال الطباطبائي: ... انّ ذات الواجب... و صرف الشيء واحد بالوحدة
ص: 55
الحقة التي لاتتّثني و لاتتكّرر...(1)
يقول الجوادي : ... انّ الإطلاق الذاتي لايشذ عن شيء و لايشذعنه شيء...(2)
قال أيضاً الجوادي : ... انّ غير المتناهي قد ملا الوجود كلّه... فأين المجال لفرض غيره...(3)
و امّا الصوفيّة : منهم أنّ الحلاج يدّعي الالوهيّة عند أصحابه و من جملة أقواله (أنا الحق) و (ليس في جبّتي الا الله).
و انّ من أشعار العطار(4) قوله :
من همي گويم و همي شنوم *** نيست در دار غيره ديار
و انّ من أشعار المولوي(5) قوله:
آنانكه طلبكار خدائيد خدائيد *** حاجت بطلب نيست شمائيد شمائيد
و هذا الإعتقاد الفاسد المشحونه بالكفر كثيرة في كلمات هؤلاء الصوفيّة و الحكماء و قد حققنا في كتابنا المسمّى بنقد وحدة الوجود.
ص: 56
عود البدن بالمادة الدنيوية الجسمانيّة من ضروريّات دين الإسلام و سائر الأديان و مذهب الأئمة(علیهم السلام) و الشيعة لكن عند جمهور الفلاسفة على غير ذلك حيث يقولون: ليس المعاد بالبدن العنصري بل بالبدن المثالي المنشأ بإيجاد النفس فعندهم المعاد روحاني.
قال العلامة الحلي: اتّفق المسلمون على إعادة الأجسام خلافاً للفلاسفة ؟(1)
يقول انكساغورس:... انّما الوجود ظهورها من ذلك الجسم... و ربما يقول هو الباري تعالى و مقتضي مذهبه أن يكون المعاد إلى ذلك الجسم.(2)
قال الملا الصدري:... بل تلك الأبدان لوازم تلك النفوس... فكل جوهر نفساني مفارق يلزم شبح مثالي ينشأ منه بحسب ملكاته و أخلاقه و هيأته النفسانية...(3) فإن قلت: النصوص القرآنية دالة على أنّ البدن الاخروي لكل انسان هو بعينه هذا البدن الدنيائي له قلنا نعم ولكن من حيث الصورة لا من حيث المادة...
و قال:... و لايخفي على ذي بصيرة انّ النشأة الثانية طور آخر من الوجود يبابن هذا الطور المخلوق من التراب و الماء و الطين و انّ الموت و البعث ابتداء حركة الرجوع إلى الله أو القرب منه لا العود إلى الخلقة المادية
ص: 57
و البدن الترابي الكثيف الظلماني...(1)
و قال:... بل هى صورة معلّقة موجودة للنفس من النفس في صعق آخر مرتبة بأعمال و أفعال حدث عنها في الدار الدنيا واثمرت في ذاتها أخلاقاً و ملكات منشبعة لتلك الصور المعلّقة هو ما قال قدوة المكاشفين محيي الدين العربي...(2)
ص: 58
قال الصدري الشيرازي : مما استدلّ به صاحب الفتوحات على انقطاع العذاب للمخلدين في النار... لأنّ أشدّ العذاب على أحد مفارقة الموطن الذي ألّفه...(1)
قال الملا الصدرى:... و الاولي في الإستدلال على هذا المطلب أن يستدل لقوله «و لقد ذرانا لجهنم كثيراً»(2) قال: المخلوق الذي غاية وجوده أن يدخل في جهنم بحسب الوضع الإلهي و اقتضاء الرباني لابدّ أن يكون ذلك الدخول مواقفاً لطبعه و كمالاً لوجوده... و كمال الشيء الموافق له لايكون عذاباً في حقه...
و اخري عنه ج9:... و آخر من بقي هم الذين ما عملوا خيراً لا من جهة الإيمان و لا بإتيان مكارم الأخلاق غير انّ العناية سبقت لهم أن يكونوا من أهل تلك الدار... فغلقت الأبواب و أطبقت النار... فحينئذ تعمّ الراحة أهلها لأنّهم قد يئسوا من الخروج منها فانّهم كانوا يخافون الخروج منها... و هم الذين قد جعلهم الله على مزاج يصلح ساكن تلك الدار تتضرر بالخروج منها فلما يئسوا فرحوا فنعيمهم هذا القدر... فتزول الالام.....
و قال:... و بالنسبة إلى المشركين الذين يعبدون غير الله من الموجودات فينتقم منهم لكونهم حصروا الحق فيما عبدوة و جعلوا الإله المطلق مقيداً و
ص: 59
اما من حيث انّ معبودهم عين الوجود الحق الظاهر في تلك الصور فما يعبدون الا الله فرضي الله منهم هذا الوجه فينقلب عذابهم عذباً في حقّهم...(1)
ص: 60
قال انكساغورس: انّ أصل الأشياء جسم واحد موضوع الكلّ لا نهاية... و انّما الوجود ظهورها من ذلك الجسم... و ربما يقول هو الباري تعالى...(1)
انكسيمانس من تلامذة ثاليس يقول: انّ الباري تعالى أزلي... و الصور أزلية بأزليتة...
و هكذا مقالة أنبذ قلس من حكماء يونان نحوه...(2)
قال أفلاطون: انّ كل مبدء ظهرت صورته في حدّ الإبداع فقد كانت صورته في علم الأول الحق و الصور باقية بلا نهاية أزليّة...(3)
قال فلوطرخيس:... انّ الباري تعالى لم يزل بالأزلية التي هى أزلية الأزليات... و الصورة عنده بلا نهاية... و الصورة باقية دائمة و هى أزلية...(4)
قال ارطاطاليس:... و اذا فرضنا انّه لم يزل و لايزال... فيجب أن يكون من ذاته الأمر الأكمل الأفضل... و كل ما يصدر عنه على ترتيب الصدور عنه و الا فلم يعقل ذاته بكنهها... ذاته ابدع ما ابدع لذاته...(5)
و من كلام ارسطاطاليس:... انّ الحركات سرمدية و الحوادث لم تزل و
ص: 61
انّ صدور الفعل عن الحق الأول انّما هو متأخر لا بزمان بل بحسب الذات...(1)
قال الصدري الشيرازي:... القول بقدم العالم انّما نشأ بعد الفيلسوف الأعظم ارسطوا بين جملة رفضوا طريق الربانيين والأنبياء... فاطلقوا القول بقدم العالم... و ذلك القول في الحقيقة تكذيب الأنبياء من حيث لايدري...(2)
و قال أيضاً:... انّ العقول المفارقة خارجة عن الحكم بالحدوث لكونها ملحقة بالصقع الربوبي لغلبة أحكام الوجود عليها فكانها موجودة بوجوده تعالى لا بإيجاده و ما سوى العقول من النفوس و الأجسام و ما يعرفها حادثة بالحدوث الطبيعي...(3)
قال الطباطبائي «في الحدوث الذاتي»:... فهو كون وجود الشيء مسبوق العدم المتقرر في مرتبة ذاته و القدم الذاتي خلافه...(4)
ص: 62
إنّ الكلام الحق هل الحكمة المتعالية بزعمهم سازجة على ميزان القرآن و الحديث على ما ادعت به الشيرازي(1) أم لا بل وظيفتنا التفكيك بين مباني الفلسفة و مشارب العرفانية و بين الوحي من القرآن و السنة الصريحة ؟!(2) و سيظهر بأنّ ادعاء الشيرازي لإنطباق عقائده على ميزان القرآن و الحديث كذب و تدليس محض...(3)
و لذلك رام جمع من العلماء بما عنده من بضاعة العلم على اختلاف مشاربهم أن يوفّقوا بين الظواهر الدينية و العرفان كإبن العربي و عبدالرزاق
ص: 63
الكاشاني و ابن فهد و الشهيدالثاني و الفيض الكاشاني و اخرون أن يوفّقوا بين الفلسفة و العرفان كأبي نصر الفارابي و الشيخ السهروردي صاحب الاشراق... و اخرون أنيوفّقوا بين الظواهر الدينية و الفلسفة كالقاضي سعيد و غيره و آخرون: أن يوفّقوا بين الجميع كإبن سينا في تفاسيره و كتبه و صدر المتألهين الشيرازي في كتبه و رسالته و عدة ممّن تأخر عنه و مع ذلك كله فاختلاف العريق على حاله لاتزيد كثرة المساعي في قطع أصله الا شدة في التعرّق و لا في إخماد ناره الا إشتعالاً.
قال الشيخ الأنصاري في مبحث القطع: و أوجب من ذلك ترك الخوض في المطالب العقلية النظرية لإدراك ما يتعلق باصول الدين فانّه تعريض للهلاك الدائم و العذاب الخالد و قد أشير إلى ذلك عند النهي عن الخوض في مسئلة القضاء و القدر.
ص: 64
قال كنت مع الإمام الهادي علي بن محمد(علیهما السلام) في مسجد النبي فأتاه جماعة من أصحابه... ثم دخل المسجد جماعة من الصوفيّة و جلسوا في جانبه مستديراً و أخذوا بالتهليل فقال(علیه السلام) : لاتلتفتوا إلى هولاء الخدّائين فانّهم خلفاء الشياطين و مخرّبوا قواعد الدين يتزهّدون لراحة الاجسام و يتهجّدون لتصييد الأنعام... و أذكارهم الترنّم و التغنية فلايتبعهم الا السفهاء و لايعتقد بهم الا الحمقاء فمن ذهب إلى زيارة أحد منهم حياً أو ميتاً فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان و عبدة الأوثان و من أعان أحداً منهم فكأنّما أعان يزيد و معاوية و أباسفيان فقال رجل من أصحابه و إن كان معترفاً بحقوقكم؟ فقال فنظر إليه شبه المغضب و قال دع ذاعنك فمن اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا اما تدري انّهم أخس طوائف الصوفيّة و الصوفيّة كلّهم من مخالفينا و طريقتهم مغايرة لطريقتنا و ان هم الا نصاري و مجوس هذه الأمة أولئك الذين يجهدون في إطفاء نور الله و الله متمّ نوره و لو كره الكافرون.(1)
قال رجل من أصحاب مولانا الصادق(علیه السلام): قد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفيّة فما تقول فيهم؟ فقال انّهم أعدائنا فمن مال إليهم فهو منهم و سوف يحشر معهم و سيكون أقوام يدعون حبّنا و يميلون إليهم و يتشبهون بهم و يلقبون أنفسهم بلقبهم و يولّون أقوالهم الا فمن مال إليهم
ص: 65
فليس منا و انا منه برآء و من أنكرهم ورد عليهم كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسو ل الله(صلی الله علیه و آله و سلم)...(1)
عن الرضا (علیه السلام) : لايقول بالتصوف أحد الا لخدعة أو ضلالة أوحماقة...(2)
قال العسكري(علیه السلام) لأبي هاشم الجعفري:... علمائهم شرار خلق الله على وجه الأرض لأنّهم يميلون إلى الفلسفة و التصوف و أيم الله اذ هم لمن أهل العدول و التحرّف يبالغون في حبّ مخالفينا و يضلّون شيعتنا و محبّينا... الا أنّهم قطاع طريق المؤمنين و الدعاة إلى نحلة الملحدين فمن أدركهم فليحذرهم و ليصن دينه و ايمانه...(3)
عن الرضا(علیه السلام) أنّه قال:... من ذكرعنده الصوفيّة فلم ينكرهم بلسانه و قلبه فليس منا و من أنكرهم فكأنّما جاهد الكفار بين يدي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)...(4)
عن الإمام العسكري(علیه السلام)... أنّه قال سئل الصادق(علیه السلام) عن حال عثمان بن هاشم الصوفي أبي هاشم الكوفي فقال(علیه السلام): انّه كان فاسد العقيدة جداً و هو الذي ابتدع مذهباً يقال له التصوف و جعله مفرّاً لعقيدته الخبيثة...(5)
ص: 66
قال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): لاتقوم الساعة على امّتي حتي يخرج قوم من امتي اسمهم الصوفيّة ليسوا مني (و انّهم يهود امتي) يحلقون للذكر و يرفعون أصواتهم يظنون انّهم على طريق الأبرار (إبراهيم(علیه السلام)) لهم شهقة كشهقة الحمار و قولهم كقول الفجّار و عملهم كعمل الجهّال و هم ينازعون للعلماء ليس لهم إيمان و هم معجبون بأعمالهم ليس لهممن عملهم الا التعب هم أضلّ من الكفار و هم أهل النار.(1)
عن الصادق(علیه السلام) في حديث:... فتبّا و خيبة و تعساً لمنتحلي الفلسفة...(2)
ص: 67
الإنسان عند النظر إلى العالم و المخلوقات يسأل عن نفسه و عن سبب وجوده و خلقته! فيقول: لأيّ علّة كنت و خلقت؟! أ خلقت للأكل و الشرب؟ و الشهواً و النوم ؟ أم خلقت للبقاء و الحيوة الأبدية؟!
و الخبير المؤمن على مذهب الأنبياء و سيرتهم مع العقل السليم يجد بأنّ الله تعالى لم يخلق الخلق باطلاً و عبثاً بل خلقهم للكمال و لإزدياد المعرفة بالله و لعبوديته فالله تعالى بعث نبيه محمداً(صلی الله علیه و آله و سلم) ليخرج عباده من عبودية غيره «من الأوثان» إلى عبوديته و من طاعتهم إلى طاعته و الذهاب من الدنيا الفانية إلى جواره و الحيوة الدائمة و الخلد في الجنة.
ولاشبهة: بأنّ الهداية منحصرة في عبوديته و معرفته اذ في نفيها تعطيل التوحيد و لاتحصل العبودية الا بتلك المعرفة و هى المؤيدة بالآيات الكثيرة(1) و الروايات الصحيحة المتواترة.(2)
ص: 68
ص: 69
إن الله تعالى خلق الخلق بعد أن عرفوه و أقرّوا به و أنكروا عبودية غيره تعالى للرحمه و لاينال أحد بتلك الرحمه الا بالعبودية لله تعالى و الإنقطاع عن عبودية ما سوى الله فلهذا أمرهم بها ليعلم أن ليس الغرض لخلقتهم الا عبوديّته تعالى طوعاً أو كرهاً و هى المقصودة لخلقتهم لا الدعوة إلى الفناء في الذات و اندكاك الانيّة بحيث لا يرى شيئاً الا و هو الله تعالى حتي ادعي العينية مع الله تعالى بنحو الوحدة الشخصيّة و أين هذا من عبوديته تعالى؟!
و من يرى وحدة بين الخالق و المخلوق يرى عبادة الإنسان لأيّ معبود كانت من عبادة الشيطان و الإنسان و الملائكة و جميع الأشياء عبادة الله و هم عابدون لأنفسهم من حيث لا يشعرون.
إنّهم يقولون انّ كل معبوداتهم مظاهر له تعالى باختلاف الأسماء فهذه مقاله جميع الكفرة و الزنادقة من الصوفيّة الملحدة و الإبليسية و الكهنة و الزردشتية و الوثنيّة و السامريّة و الفرعونيّة و سائر الملل و المذاهب الباطلة و هل هذا الا التحرف عن الدين القيّمة الحنيفة المسلمة... فيالله من هذه الطامات... و سيأتي تمام الكلام في بطلانه و من اعتقد بأنّ له رباً عالماً قادراً خلقه ليبتليه و يجزيه بالثواب و العقاب يرى أنّ العبودية أثر معرفة الله و الشاهد على ذلك الروايات الكثيرة و إليك بجملة منها.(1)
ص: 70
قال سألت أباعبدالله(علیه السلام) عن قول الله تعالى «و لذلك خلقهم»:... قال خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم...(1)
قال الصادق(علیه السلام):... انّ أفضل الفرائض و أوجبها على الانسانمعرفة الرب و الإقرار بالعبودية...(2)
عن الحسين(علیه السلام): أيها الناس ان الله جل ذكره ما خلق العباد الا ليعرفوه فاذا عرفوه عبدوه و اذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه...(3)
عن الفضل بن شاذان قال سئل المأمون عن الرضا(علیه السلام) : أن يكتب له محض الاسلام على الايجاز والاختصار فكتب الرضا(علیه السلام) : ان محض الاسلام شهادة أن لا اله الا الله و انّه المقصود بالعبادة والدعاء...(4)
قال سمعت الرضا(علیه السلام) يقول: ليس العبادة كثرة الصلاه و الصوم انّما العبادة في التفكر في أمر الله...(5)
قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): من عرف الله و عظمه منع فاه من الكلام و بطنه من الطعام و عفي نفسه بالصيام و القيام...(6)
عن أبي عبد الله(علیه السلام): من عرف الله خاف الله...(7)
في خطبه لأميرالمؤمنين(علیه السلام):... ثم قال: أيها الناس انّ الله تعالى لما خلق
ص: 71
خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعه و اخلاق شريفه فعلم انّهم لم يكونوا كذلك الا بأن يعرفهم ما لهم و ما عليهم و التعريف لايكون الا بالأمر و النهي و الأمر و النهي لايجتمعان الا بالوعد و الوعيد و الوعد لايكون لا بالترغيب و الوعيد لايكون الا بالترهيب و الترغيب لايكون الا بما تشتهيه انفسهم و تلذّ أعينهم و الترهيب لايكون الا بضد ذ لك...(1)
قال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): جاء في صحف موسي بن عمران يا عبادي انّي لم أخلق لأستكثره بهم من قله... و لا لأستعين بهم على شيء عجزتعنه و لا لجر منفعه و لا لدفع مضره و لو انّ جميع خلقي من أهل السموات و الأرض اجتمعوا على طاعتي و عبادتي لايفترون عن ذلك ليلا و لا نهارا ما زاد ذلك في ملكي شيئاً سبحاني و تعاليت عن ذلك.(2)
ص: 72
من عرف الله به و بتوصيفه تعالى يجده ثم يرى بأنّه عاجز عن معرفة ذاته و كنهه و أوصافه الذاتيّة بالإدراك و التوهم و التفكر و التعقّل اذ فيه التحديد و التشبيه و الإحاطة به تعالى بل وظيفته وجدانه بقلبه و توصيفه بما وصف به نفسه ثم إثباته و إخراجه عن حدي التعطيل و التشبيه لأنّ الله تعالى لم تجعل للافكار و العقول طريقاً إلى معرفة كنه ذاته الا العجز عن ذلك فمن توهمه أو تفكر في ذاته بالعلم الحصولي و الحضوري و تعقّله و ثم سمّاه بالوجود فهو من تخيّلاته اذ الكلام في ذاته و حقيقته فرع الإدراك ثم الإحاطة به تعالى و في تلك المعرفة إلحاد و إنحراف و الشاهد على ذلك روايات كثيرة إليك بنبذة منها.(1)
ص: 73
لكن الفلاسفة استغنوا بحكمتهم عن الأنبياء و استبدوا بآرائهم عن وحى السماء و اكتفوا بعقولهم في طلب حقائق الأشياء حتي تكلموافي ذات الاله وكنهه و قالوا بأنّه مبدء كل الأشياء و الأشياء منه و سيأتي بأنّ الله تعالى عرف نفسه لخلقه بأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة و موجود بحقيقة الموجوديّة لا الوجود المصطلح في مقابل الماهية و لا أنّه أصل كل شيء و الأشياء منه بالرشحة و الفيضان و القطرة او الشعاع و....(1)
قال الطباطبائي في قوله «لا تفكروا في الله فتهلكوا» يقول: في النهي عن التفكر في الله روايات كثيرة اخر مودعه في جوامع الفريقين و النهي ارشادي متعلق بمن لايحسن الورود في المسائل العقلية العميقة فيكون خوضه فيها تعريضاً للهلاك الدائم.(2)
أقول: منع التكلم في ذاته تعالى من ضروريات الدين و المذهب لمن يحسن التكلم أو لايحسن اذ الكلام في ذاته فرع الإدراك و الإحاطة و هو محال و سيأتي تمام الكلام فيه.
و إليك بما سئل عن أبي الحسن موسي(علیه السلام) انّه روي عن آبائك: انّهم نهوا عن الكلام في الدين فتأوّل مواليك المتكلّمون بأنّه نهى من لايحسن أن يتكلم فيه فأما من يحسن أن يتكلم فيه فلم ينه فهل ذلك كما تأولوا أو لا؟ فكتب(علیه السلام) : المحسن و غير المحسن لايتكلم فيه.(3)
ص: 74
لايخفي بأنّ معرفة الإنسان و مدركاته بكل شيء و منها التوحيد لدي الحكماء اما بالعلم الحصولي أو الحضوري(1) و انّهم قسّموا الحصولي بالحسي و التوهمي و التخيّلي و التعقلي كما أن الحضوري عندهم على أقسام أربعة عيني و وجداني و إحاطي و استغراقي و القوي المدركه الظاهرية هى الحواس الخمسة الظاهرة التي هى من أقسام العلم الحصولي عندهم القاصرة عن إدراك ذاته بها اذ يلزم لتصديقه بتصور الصورة الإدراكي منه تعالى و هو محال كما وردت في صراحة الروايات الكثيرة(2) ولكن العامة بإعراضهم عن أهل بيت العصمة(علیهم السلام) قالوا بأنّه تعالى مدرك بحس البصر فكما أنّ إدراك كنه ذاته تعالى بالتفكر و التوهم و التعقل و بالحواس الباطنة ممتنع فكذلك حضور ذاته تعالى عند النفس و القلب بالإحاطة أيضاً غير ممكن فالمعرفة
ص: 75
عندهم بوجهين اما المعرفة بكنهه تعالى و اخري بالوجه فبما أنّهم يرون بأنّ المعرفة بكنه ذاته غير ممكن عرفوه و عينوه بالوجود فبالحقيقة انّهم عرّفوا الله تعالى بحقيقة الوجود و قالوا بأنّ المخلوق شعائه و وجهه.
ولايخفي عليك بأنّ إطلاق الأسماء و الصفات على الله بلحاظمعنى الإشتقاقي و الإشتراك اللفظي لا الإشتراك المعنوي التصوري المدرك بالوجه... اما الحواس الباطنة نحو التوهّم و التخيّل و التفكر و التعقّل فقد وردت في الأخبار الكثيرة بامتناع المعرفة بها(1) اذ أقوي المدركات الباطنية
ص: 76
وهو العقل ليس يدرك المغيبات الا بالآثارو أثر الشيء غير الشيء ولكن الحكيم يدّعي المعرفة بالعقل و العارف يرى أنّه تعالى مدرك بالقلب(1) مع أنّ ذاته تعالى لايعرف بالإدراك و التصور و التفكر و التوهم و التعقل بحيث يعرف ما هو بالذات و ما هو في ذاته بل لايعرف و لايوصف الا بما وصف به نفسه الخارجة عن الحدّين بالتنزّه اذ التعريف و التوصيف فرع المعرفة بكنهه و الإحاطة به و هو ممتنع عند العقلاء و في مكتب الوحي.
إن قلت: لو كانت العقول محجوبه عن معرفته تعالى فكيف لنا المعرفة به تعالى؟
قلت: احتجاب العقول عن المعرفة بنحو الإحاطه بكنه ذاته بالإدراك ثبوتاً ممتنع اذ فيه التحديد و التعيين لا المعرفة الوجداني الفطري و لا إثباته تعالى بالبراهين و الإستدلال العقلي اذ لايصل يد العقل بتصوره و اكتناهه بالعقل و الوهم و...
ص: 77
توصيف الذات و أوصافه بالمدركات يستلزم التحديد و الإحاطة و التشبيه فلهذا نهوا العقلاء عن التعمق و التكلّم في ذاته بالتفكّر و التعقّل مضافاً بأنّ التوصيف فرع الإدراك و الإدراك مستلزم للإحاطة و عند المعصومين(علیهم السلام) لايحيط به علماً.
فاللازم ذكر أدلّه عدم إيصال العقل لمعرفة كنه ذاته و الإحاطة به تعالى غير أنّه بالعقل يجده و يعتقد معرفته.
عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) :... بالعقول يعتقد (تثبت) معرفته و بالفكر (بالفطرة) تثبت حجته...(1)
قال زين العابدين(علیه السلام) في دعاء : ... الهي أنت الذي... و لم تجعل للخلق طريقاً إلى معرفتك الا بالعجز عن معرفتك... «أي بالإحاطة بكنهه»(2)
عن الرضا(علیه السلام) :... لاتضبطه العقول و لاتبلغه الأوهام....(3)
عن الصادق(علیه السلام) :... انّ العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار و لايعرفه بما توجب له الإحاطة بصفته فإن قالوا فكيف يكلّف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف و لايحيط به؟ قيل لهم: إنّما كلّف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه و هو أن يوقنوا به و يقفوا عند أمره و نهيه و لم يكلّفوا الإحاطة بصفته... قيل لهم هو كذلك من جهة اذا رام العقل معرفة كنهه و الإحاطة به...(4)
ص: 78
عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) :... لم يطلع العقول على تحديد صفته و لم يحجبها عن واجب معرفته... نهج البلاغهأقول: واجب المعرفة خروجه عن الحدين و إثباته و الإعتقاد بوجوده و ثبوته تعالى...
قال الرضا(علیه السلام) قال أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... قد ضلّت العقول في أمواج تيّار إدراكه و تحيّرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليته ...(1)
عن الحسين بن علي(علیهما السلام) : ... احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار...(2)
ص: 79
تستفاد من مجموع الروايات عدم جواز التفكر في ذاته اذ هو الزندقة و الكفر ولكن بالتفكر تثبت حجّته بتصديقه و الإيمان و الإيقان به تعالى و الذين تفكّروا في ذاته و يقولون بأنّه وجود لم يصيبوا حقاً اذ ذلك الإكتناه يوجب التعيين و التحديد و الإحاطة بذاته تعالى بأفكارهم القاصرة...
قال علي(علیه السلام) : ... و لاتحيط به الأفكار و لاتقدّره العقول و لاتقع عليه الأوهام فكلّما قدّره عقل أو عرف له مثل فهو محدود فمن زعم أنّ إله الخلق محدود... فقد جهل المعبود...(1)
قال أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... و ارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهاهه رويّات المتفكرين ...(2)
عن علي(علیه السلام) : ... و حار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير ...(3)
قال الحسين(علیه السلام) : ... يصيب الفكر منه الإيمان به موجوداً ...(4)
قال أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... لأنّه أجلّ من أن تحدّه ألباب البشر بالتفكير ...(5)
قال الحسن(علیه السلام) : ... و لا أهل التفكير بتفكيرهم الا بالتحقيق إيقاناً بالغيب ...(6)
ص: 80
قال أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... من فكّر في ذات الله تزندق ...(1)
عن أبي جعفر(علیه السلام): دعوا التفكر في الله فإنّ التفكر في الله لايزيد الاتِيها...(2)
عن أبي عبدالله(علیه السلام) : اذا انتهى الكلام إلى الله فامسكوا و تكلموا فيما دون العرش و لاتكلّموا فيما فوق العرش فانّ قوماً تكلّموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم حتي انّ الرجل كان ينادي من بين يديه فيجيب من خلفه و ينادي من خلفه فيجيب من بين يديه.(3)
سأل أباالحسن(علیه السلام) انّه روي عن آبائك(علیهم السلام) انّهم نهوا عن الكلام في الدين فتأوّل مواليك المتكلّمون بأنّه إنّما نهى من لايحسن أن يتكلم فيه فأما من يحسن أن يتكلم فيه فلم ينه! فهل ذلك كما تأوّلوا أو لا؟ فكتب(علیه السلام) : المحسن و غير المحسن لايتكلم فيه فانّ إثمه أكثر من نفعه.(4)
والسرّ في المنع عن التكلّم لعجزنا و جهلنا عن التعمق و التفكر في ذاته و الإحاطة به تعالى كما هو المستفاد من مجموع أحاديث الباب و السلام على من اتبع الهدي.
وما ورد في الحديث (عن الرضا(علیه السلام):... انّما العبادة في التفكر في الله)(5) المقصود منه التفكر في أمر الله و خلقه و آياته وآثاره حتي يستقين بحقانيته و وجوده...
ص: 81
عن الرضا(علیه السلام):... فالحجاب بينه و بين خلقه لإمتناعه مما يمكن في ذواتهم و لإمكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته و لإفتراق الصانع و المصنوع والرب و المربوب و الحاد و المحدود...(1)
عن الصادق(علیه السلام):... فليس من هذه الوجوه شيء يمكن المخلوق أن يعرفه من الخالق حق معرفته غير أنّه موجود فقط فاذا قلنا و كيف و ما هو؟ فممتنع علم كنهه و كمال المعرفة به...(2)عن الصادق(علیه السلام) : ... ليس بإله من عرف بنفسه ...(3)
عن الرضا(علیه السلام) : ... كل معروف بنفسه مصنوع ...(4)
قال علي(علیه السلام) : ... لاينال بجور الإعتساف كنه معرفته ...(5)
عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... الحمد لله الذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته ...(6)
عن الصادق(علیه السلام) : ... هو كالغامض لايدركه أحد ...(7)
عن الصادق(علیه السلام) : ... سبحان من لايعلم كيف هو الا هو ...(8)
عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... و لايقال له ما هو؟ لأنّه خلق الماهية ...(9)
ص: 82
عن الصادق(علیه السلام) : ... و لايبلغون كنه علمه و لا مبلغ عظمته ...(1)
عن الرضا(علیه السلام) : ... و لا اياه وحّد من اكتنهه ...(2)
عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... و انحسرت الأبصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفاً و بالذات التي لايعلمها الا هو عند خلقه معروفاً ...(3)عن الرضا(علیه السلام) : ... ذاته حقيقة و كنهه تفريق بينه و بين خلقه ...(4)
عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... مدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً و سمي تركهم التعمق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخاً ...(5)
عن الرضا(علیه السلام) : ... انّه من يصف ربه بالقياس لايزال الدهر في الالتباس مائلاً عن المنهاج ظاعناً في الإعوجاج ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل ...(6)
عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... لايخطر ببال اولي الرويات خاطره من تقدير جلال عزّته لبُعده أن يكون في قوي المحدودين ...(7)
فبالجملة : إنّ ذاته تعالى لايصير معقولاً مدركاً معلوماً مفهوماً حتي يفهم و يتفكر له و لايصل يد العقل لإدراك سنخ ذاته و طور صفته و من قال بأنّه تعالى وجود اكتنهه و عينه (و لو يقال بأنّ كنهه في غاية الخفاء) اذ محض تعينه هو الوصول إلى تعريف كنهه فهويّه ذاته تعالى لايعرف و
ص: 83
لايوصف مع أنّه شيء بحقيقة الشيئيّة و موجود بحقيقة الموجوديّة فلايجوز نفيه أو إثباته بالتشبيه الوهمي لأن الإحاطة به يستلزم التحديد و العلم بكنهه يستلزم التكييف و هما يستلزمان التصريف في ذاته فعلينا الإقرار بوجوده عيناً لا ذهناً و خروجه عن حدي التعطيل و التشبيه و الذين وصفوه بالقياسات البشري و توصيفهم ذاته بغير ما وصف به نفسه فهم في ريبهم يتردّدون و إلههم المعقوله المتوهمّة لديهم يعبدون.
عن الرضا(علیه السلام):... و انّما اختلف الناس في هذا الباب حتي تاهوا و تحيّروا و طلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بُعداً و لو وصفوا الله عزوجل بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين و لمااختلفوا...(1)
ص: 84
لاريب بان مفهوم المدركات قاصرات عن توصيف الذات من نحو الوجود و هى من ضروريات مذهب الشيعة حيث نهوا العقلاء عن التعمق و التفكر و التكلم في ذاته تعالى و انّ جميع المدركات و المفهومات و المعقولات و التوهمات قاصرة عن إدراك كنه ذاته و كنه صفته اذ الأصل في امتناع إدراك الذات، امتناع الذات لا قصور المدركات فقط و ان كانت هى قاصرة أيضاً عن دركه و فهمه و وهمه ولكن عند الفلاسفة و العرفاء المنع لأجل قصور المدركات فلهذا عندهم اذا ارتفع المانع جاز الإدراك و لذا يقولون بأنّ العقل المستعد لإدراكه يدركه و العارف بقلبه يعرفه، انّهم منعوا العلم الوجداني به تعالى ولكنهم يقولون بأنّ علم المعلول بعلتّه إستغراقي اذ وجود المعلول مستغرق في وجود العلّة و المعلول ليس غير وجود العلّة و ليس بينهما دوئية و بينونة.
فمع ذلك يرون المظهر لاتعرف الا بمعرفة مظهره فذاته تعالى لايعرف و لايوصف الا بما تجلي من أسمائه و صفاته و هو وجهه فبذلك عطلوا معرفته تعالى الا بمعرفة وجهه و مثاله دون معرفته تعالى... و إنّهم بعد ما عرّفوا الوجود بأنّه الحقيقة البسيطة و هو كل الأشياء فبالحقيقة عرفوا الله بالعينية مع جميع الأشياء بل عينوه ثم اعتقدوا بوحدة الوجود بل الموجود و أنكروا غير الله تعالى في دار التحقق و عدّوا المخلوق من سنخ الخالق بل انّه شأن من شئونه... (1)
ص: 85
ص: 86
إمكان معرفة الذات بالوجود في الحكمة المتعالية
إنّ الفلاسفة و الصوفيّة انقسموا معرفته بوجهين المعرفة بالكنه و المعرفة بالوجه و هؤلاء اعترفوا في كلماتهم بأنّ معرفة كنه ذاته غير ممكن لكنهم بعد ما عرفوا الله بالوجود و أنّه حقيقة واحدة لايبقي مجال للترديد بأنّهم عرّفوا الله بالتحديد و التعيين و التشبيهحيث عيّنوا كنهه بالوجود مع السنخية و العينية مع المخلوق و ان قالوا بالغيريّة الوهميّة الإعتباريّة...
و سيأتي بأنّ معرفة كنه ذاته بالعلم الحصولي أو الحضوري محال عقلاً و منهي نقلاً أنّهم بإدعائهم بأنّ الله حقيقة الوجود و أنّ المخلوق شعائه و عكسه شبّهوه بالمخلوق بل حدّدوه و مثّلوه و إن لم يعرفوه بزعمهم.
فقال محيي مذهبهم: سبحان الذي أظهر الأشياء و هو عينها بل العرفان عندهم منحصر في التفكر في ذاته و صفاته و لا تميّز عندهم بين العارف و المعروف اذ ليس في الدار غيره ديار و الخلق أطواره و شئونه و قد سبق الكلام من صاحب الميزان عند تأويل الروايات الناهية عن التفكر في ذاته بأنّ النهي إرشاديّ و متعلق بمن لايحسن الورود في المعارف العقلية... فلو كان معرفة الله بالوجه و بالعناوين الحاكية له نحو مفهوم الوجود ففيها تعطيل المعرفة رأساً اذ معرفة العناوين الحاكية له ليست معرفة له تعالى.
قال السيد الهاشم الحسيني في تقريره على التوحيد: و جملة الكلام في معرفته تعالى انّه لايدرك بذاته... فالمدرك منه بحسب العقل و التصور هو العناوين الصادقه عليه ذاتاً أو صفة كالشيء و الموجود و الإله و العالم و الحي و القادر إلى غير ذلك من أسمائه تعالى...
ص: 87
و الخبير يعلم في عدم المعرفة تعطيل فعلينا معرفته هذا أولاً و ثانياً عرفان العناوين الذاتيّة بالمعنى التصوري المصطلح مع الإشتراك المعنوي خلاف ما وصف الله به نفسه من خروجه عن النفي و عن حدي التعطيل و التشبيه...(1)
ولاريب بان العارف بمذهب أهل البيت(علیهم السلام) و توحيدهم يعلم يقيناً بأنّ العقل السليم يحكم ببينونيته تعالى مع الخلق و العبودية منحصرة به تعالى و قد جاء في دعاء المروي بعد زيارة علي بن موسي الرضا(علیه السلام):... يا معروف العارفين و يا معبود العابدين.
عن الرضا(علیه السلام):... فليس الله من عرف بالتشبيه ذاته و لا إيّاه وحد من اكتنهه و لا حقيقة أصاب من مثّله...
ص: 88
و بعد القول بوحدة الوجود و الموجود و إثبات العينية و اتحاد العارف و المعروف و العابد و المعبود يصير جميع المخلوقات هو الحق و يسقط التكاليف عن السالك في مرتبة الحال...
ص: 89
فالله تعالى هو المعرف لنفسه بنفسه و هو المعّرف نفسه لجميع خلقه من دون التشبيه و التمثيل و التحديد فنتيجة تلك المعرفة الوله في معرفة ذاته فلهذا يقال له الاله (قال(علیه السلام):... أله الخلق عن درك ماهيته).(1)
فبما أنّه تعالى قال ذاته حقيقة و أنّه إحدي الذات و المعنى فلا مانع لأحد من معرفة ذاته بمعرفة الوجداني (خدا يابي نه خدا إدراكي) من دون تصور و إدراك و تعقل و توهم اذ لاتنال كنه ذاته بتلك الصور و بهذا المعنى أشار النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بقوله: «ما عرفناك حق معرفتك» اذ جميع الخلائق من الأنبياء و أضعفهم يستوون في إمتناع معرفة كنه ذاته بالإدراك و التصور و لا فرق بين الكامل و الناقص في تلك المعرفة.
فبالجملة: لن يصل يد الخلق بأجمعهم لمعرفة ذاته المقدسه الاحدي بالإدراك و التحديد.(2)
ص: 90
ص: 91
ولكن الشواهد الكثيرة موجودة على أنّه تعالى عرّف نفسه لخلقه و لاينحصر معرفته بآياته و آثاره منها بما أنّ ذاته تعالى غير مقداريه و غير إجزائيه و أنّه منزه عن التشبيه و التمثيل و أنّ جميع المخلوقات يعرف بأمثاله و أشكاله و أضداده فإذن تنحصر معرفته تعالى به لا بغيره...
و قد قال أميرالمومنين(علیه السلام):... انتهي المخلوق إلى مثله و ألجأه الطلب إلى شكله و منها كلّما يتصور و يدرك منحصر بالمخلوق الذي له الحد و الجزء و... فعلى الله أن يعرف نفسه لخلقه من دون تصور و إدراك حتي عرفوه به لا بغيره و لو لم يعرف نفسه لخلقه تكون التكليف بمعرفته تكليفاً بما لايطاق و هو لايمكن.
و منها لاشبهة بأنّ جميع المخلوقات و المعارف آثار و آيات لمعرفته تعالى و كما أن جميع الخيرات منتسب به تعالى فإنتساب المعرفة إليه تعالى أولي و أنسب من انتسابها إلى المخلوق.
و مخلص الكلام في ذلك إنّ معرفة الله بالله بتوصيفه نفسه لا بتعريف الخلق و هى الخارجة عن التشبيه و التعطيل مع التنزيه و هى غير ما ذهب إليه العرفاء و الصوفيّة في معرفة الذات بالفناء في ذاته تعالى و غير ما رأي الفلاسفة و الحكماء بمعرفة الوجود في الوجود بمعنى محو العارف عينيته في وجوده تعالى.
ص: 92
و الحق الحقيق في معرفته تعالى بآثاره بأن يقال: بأنّ التصديق العقلي بإقامة الدليل على وجوده منحصر بطريق الآثار و الآيات في مقام الإثبات لأنّ حقيقة الله غير معلومه الكنه لغيره فينحصر الإيمان و الايقان به تعالى من طريق مخلوقاته اذ لا طريق للوصول إلى معرفة كنه ذاته تعالى لأنّ المخلوق محدود الله تعالى مبائن مع المخلوق المحدود فلا تنال ذاته...
إن قلت: لو كان الأمر كذلك فالمعرفة تتعلق بآياته و آثاره فتوجب تعطيل المعرفة به تعالى اذ الآيات غيره...
قلنا: الأمر هكذا لو نظرنا بالآيات و الآثار بنفسها من دون أن يتحقق المعرفة به تعالى ولكن نظرنا بالآيات بإعتبار معرفة الله يعني انا بالنظر إلى جميع الآثار وجدنا بأنّ لها خالقاً حكيماً و....
فقال الله تعالى... «أفلاينظرون إلى الإبل كيف خلقت و إلى السماء كيف رفعت و إلى الجبال كيف نصبت و إلى الأرض كيف سطحت»... و قد يستدل على كيفية التعريف بالمخلوق في عالم الذر الأول و انّه تعالى عرف نفسه لخلقه بالمعرفة الوجداني من دون شهود ذاته بالإحاطة و الإدراك...
عن الرضا(علیه السلام):... كل معروف بنفسه مصنوع و كل موجود في سواه معلول بصنع الله يستدل عليه و بالعقول تعتقد معرفته...(1)
عن أميرالمومنين(علیه السلام):... ليس بإله من عرف بنفسه هو الدال بالدليل
ص: 93
عليه...(1)
قال علي(علیه السلام):... دليله آياته...(2)
عن الصادق(علیه السلام):... و لايعرف الا بخلقه تبارك و تعالى...(3)عن الباقر(علیه السلام):... ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان لايعرف بالقياس... موصوف بالآيات معروف بالعلامات...(4)
قال الرضا(علیه السلام):... بها تجلي صانعها للعقول... و بها عرفها الإقرار و بالعقول يعتقد التصديق بالله...(5)
قال الرضا(علیه السلام):... اذا لقامت فيه آيه المصنوع و لتحول دليلاً بعد ما كان مدلولا عليه...(6)
قال الرضا(علیه السلام):... لعمران الصابي (حين قال) فبأي شيء عرفناه؟ قال(علیه السلام) بغيره قال: فأي شيء غيره؟ قال الرضا(علیه السلام): مشيته و اسمه و صفته و ما أشبه ذلك و كل ذلك محدث مخلوق مدبر...(7)
قال الرضا(علیه السلام):... و يستدل عليه بخلقه حتي لايحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رويه عين... و لا إحاطة بالقلب.(8)
فجميع العالم متغير و له صانع و مدبر و التركيب و الاختلاف و... جميعها
ص: 94
آيات فطرية عقلية بأنّ لكل مصنوع صانع و لكل محدث حادث و...
و في دعاء العرفة قال الحسين(علیه السلام):... الهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار...(1)
و المنصف العارف يعلم بأنّ الله تعالى عرف نفسه أيضاً بفعله و خلقه لا بدون الواسطة و من غير طريق الآثار و بالمعرفة الشهودي الوجداني القلبي من دون الكيف و الكم و التشبيه و التمثيل لأنّ ذاته منزّه عن المقدار و الإجزاء و الشبه لأنّ الله تعالى شيء بخلاف الأشياء و ما يوجد في المخلوق بأجمعه... هو الموجود المقداري والأجزائي و مع الإيمان بأنّ المخلوق قاصر عن إدراك كنه ذاته تعالى الا وجدانا قلبيا بدون الكيف فكان وظيفته معرفته تعالى بالفطرة و خروجه عن التعطيل و التشبيه مع التنزيه و من جهة اخري لو كان المعرفة به تعالى محالاً الا بالآثار اذا تقع معرفته للمجهول مطلقاً و ذلك تكليفاً بما لا يطاق فعلى الله تعالى أيضاً أن يعرف نفسه لخلقه بخلقه و بآياته وآثاره و نوره وكلامه و هكذا.
عن الرضا(علیه السلام):... فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته...(2)
عن الصادق(علیه السلام):... و هو من جهة كالغامض لايدركه أحد...(3)
قال الرضا(علیه السلام):... الحمد لله الملهم عباده حمده و فاطرهم على معرفة ربوبّيته...(4)
ص: 95
قال(علیه السلام):... من زعم أنّه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك لأنّ حجابه و مثاله و صورته غيره و انّما هو الله واحد متوحّد فكيف يوحده من زعم أنّه عرفه بغيره و انّما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه انّما يعرف غيره.(1)
ص: 96
بعد ما ثبت في محله بأنّ البينونة الحقيقيّة الذاتيّة و الصفتية بين الخالق و المخلوق موجود و ثابت و أنّ كل ما في الخلق لايوجد في خالقه و كل ما يمكن فيه من تصريف الصفات و الذوات و الأعراض و الأحوال يمتنع منه في صانعه لإفتراق الخالق و المخلوق و الحادّ و المحدود و المتناهي و اللامتناهي و الزماني و المكاني و الجسم و الصورة و المثال و الزيادة و النقيصة و جميع الصفات الأجزائي و المقداري و العددي اذ التحديد و التناهي و التزايد و الحوايه و هكذا كلّها من مميّزات المخلوق(1) و قال(علیه السلام):... فربنا بخلاف الخلق كلهم(2) و الأدلة الصريحة بتلك المعنى كثيرة جداً فإليك بنبذة منها.(3)
ص: 97
فنقول: الإستدلال بأنّ ذاته و صفاته غير محدود و بلا نهاية و القول بأنّه مطلق و الخلق محدود و ذي نهاية و الخلق المحدود لايدرك اللامحدود و اللانهاية سخيف جداً اذ من ضروريات مكتب الشيعة على محاليه الوجود اللامحدود و اللامتناهي و إنتسابها إلى الله تعالى لأنّ بطلانها من الامور المسلّمة البديهية عقلاً و نقلاً اذ اللامتناهي وصف شدة المتناهي المقداري و
ص: 98
حدّه و هى من مميزاتالمخلوق.(1)
فالقول بأنّ وجوده تعالى مطلق صار إلى ما لا نهاية له خطأ اذ اللانهاية و اللامحدود وصف للحدّ و الإمتداد و هما حدّان، اذ الحدّ المعقول المفهوم الغير المعيّن أيضاً محدود كما يقال بأنّه عالم بمعنى أنّه ليس بجاهل أو قادر بمعنى أنّه ليس بعاجز فهذا تحديد بصفة الضد و هكذا الوجود في مقابل العدم الا الوجود بمعنى الثبوت و الخروج عن الحدود...
ص: 99
لايخفي على الخبير البصير بأنّ الله تعالى هو الظاهر لنفسه بنفسه و عالماً لنفسه بنفسه(1) و من جانب آخر طلب المعرفة به تعالى بالعلم الحضوري توجب الإحاطة و الإكتناه به تعالى و يستلزم منه مجهوليته مع أنّه أظهر من كل شيء و ظهوره و تجليه تعالى أيضاً يكون بنوره و كلامه و آياته و آثاره و بالعقل و ذلك ليس التجلي الذاتي المتوهّم المتعقّل المتصوّر حتي يكون الغير أظهر منه إذ أيّ ظاهر أظهر منه بل المراد أنّ الخلق وجدوه و عرفوه بتلك الوسائط من دون التشبيه و أخرجوه عن حد التعطيل و نزّهوه عن التمثيل.
فتلك المعرفة عند المعصومين(علیهم السلام) أحدي في الحقيقة لأنّه أحدي المعنى والذات(2)و ليست لها في هذا المقام درجه أو درجات في الحقيقة ثبوتا اذ لايتوهم و لايتصور كنهه.(3)
ص: 100
فالمعرفة به تعالى أحدي في الواقع و لكن الطريق إلى إثباته و الوسائط لوجدانه لمن لم تكن مذعناً و معترفاً بأنّه أظهر من كل شيء مختلفة و بالنتيجة في مقام الإثبات لمن شك في معرفته تحتاج تارة إلى إثبات معرفته بفعله و اخري بنوره و آياته و آثاره.
فبالجملة: انّما الفرق في مراتب المعرفة لمقام الإثبات و مراتب العارف فيها بمعنى أنّ الخلق بعضهم يجدونه و يعرفونه بذاته من دون النظر إلى العلم الحضوري و إدراكه و الإحاطة به تعالى و لا يتوهمه و لا يتصوره و بعضهم يعرفونه بآثاره و آياته في مرتبة الإثبات... فهو أحدي الذات و المعنى و معرفته أيضاً أحدي بدون التجزئه و الإثنينية بأن يقال مره معرفة ذاته و اخري معرفة صفاته فنتيجة تلك المعرفة هى الوله في معرفة ذاته و صفاته فلهذا يقال له الإله.
فالخلق في معرفة كنه ذاته ثبوتاً واحداً فمعرفة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) مع غيرهم في تلك المعرفة واحد اذ جميع الخلائق من الأنبياء و أضعف الخلق في عدم توهمه و إدراكه و تعقّله على حدّ سواء.
فبذلك يظهر: أنّ ادعاء الفرق للمعرفة بين الكامل و الناقص و العالي و الداني كذب و افتراء ثبوتاً و ما يرى منهم (حيث صرّحوا بتوحيد خاص الخاص «لمن فنا ذاته في ذاته تعالى» و بتوحيد الخواص «لمن فنا في صفاته» و توحيد العام للعوام) يكون على غير ما جاء لأحديتيه في المعرفة.
ص: 101
يقول:... لا إله الا الله وحده وحده وحده ناظر إلى مراتب التوحيد الذاتي و الوصفي و الفعلي لفناء جميع الذوات في ذاته تعالى و فناء جميع الأوصاف في وصفه تعالى و فناء جميع الأفعال في فعله تعالى لأنّ «كل شيء هالك الا وجهه» و «أينما تولوا فثم وجهالله»... لأنّ الإطلاق الذاتي لايشذ عن شيء و لايشذ عنه شيء و مثل هذه المعرفة و التعريف لايتيسر الا لخواص أوليائه الذين يعرفون الله بالله... فحينئذ لايعرفون شيئاً الا ما عرفهم الله ايّاه...(1)
و اخري عنه حيث يقول للمعرفة درجات حسب درجات العارفين به لأنّ أدناها كما أفاده هو الإقرار بأنّه لا اله غيره و لا شبه و لا نظير و أنّه قديم مثبت موجود غير فقيد و أنّه ليس كمثله شيء و فوق هذه المرتبة هو ما يستفاد من سوره الإخلاص النازله لأقوام متعمقين...(2)
و البصير يعلم: بأنّ أعلى العرفان عند الحكيم المتألّه هو برهانهم العرشي الذي نتيجته هى السنخية بل العليّة و الفناء في ذاته تعالى و هذه مقالتهم:«سبحان الذي أظهر الأشياء و هو عينها»... و سيأتي تمام الكلام عند ذكر إدعاء سنخيتهم و قولهم أنّ المخلوق شأن و طور من تطوّر الحق و مقالتهم بوحدة المخلوق مع الخالق في عين تكثرهم فهم «العرفاء و الصوفيّة و الحكماء و الفلاسفة» لمّا لايرون في عالم الوجود الا وجوداً واحداً و ليس غيره حتي يعرف بغيره فمعرفتهم بأنفسهم هى عين معرفة الله مستشهداً بقول
ص: 102
النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) « من عرف نفسه فقد عرف ربه»(1) فلا فرق لديهم من العارف و المعروف و العابد و المعبود فبذلك هلكوا و استهلكوا و استهزوا الأنبياء و ما جاءوا به من الثواب و العقاب و الجنة و النار و...
و معنى الحديث عندهم الوارد «يا من دلّ على ذاته بذاته» أي بوجوده على وجوده معتقداً بأن ليس في دار الوجود وجوداً غير وجوده و أنّ المخلوق موهوم فلهذا يقولون «كل ما ندركه فهو وجودالحق في أعيان الممكنات».(2)
إنّهم يرون بأنّ الوجود هى الحقيقة الواحدة ذات المراتب و هو من مقوله التشكيك بعدد أنفس الخلائق و المعرفة أيضاً بعددهم و استشهدوا على ذلك على رواية مجعولة موضوعه بأنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال:« الطرق إلى الله بعدد أنفس الخلائق».(3)
ولايخفي على البصير بأنّ ادعاء معرفته تعالى بالوجود مناقض مع ادعائهم بعدم معرفة كنه ذاته... لأنّ الوجود عندهم معلوم «معروف» بالعلم الحضوري مضافاً بأنّ الوجود عندهم ذات مراتب بالشدة و الضعف و ذلك خلاف ذاتها(4) اذ الشدة و الضعف قابله للإشتداد التي هى من صفات
ص: 103
المخلوق و المحدود المثبتان بهما السنخية مع المخلوق(1) و معرفة وجوده المطلق الحاصلة من إنتزاع مفهوم وجوده مغاير بأنّه احدي المعنى و الحال أنّ مفهومه غيره و أفضح منه بأنّهم يقولون بأنّ كنهه في غاية الخفاء ولكن مصداقه جميع الأشياء...
و سيأتي عند تبيين الإشتراك اللفظي دون المعنوي و تعدّد الصفات و التغاير المفهومي و إتصافه تعالى لحيثيات مختلفة (مع أنّه أحدي الذات و المعنى) بأنّها لاتوجب درجه و تغايراً في معرفة الذات الواحد الأحدي في الذات و المعنى.
و الحق الحقيق بالذكر بأنّ العارف يعرفه و يجده بدون الكيفيةبالمعرفة الوجداني «لأنّ كنهه لاتعرف و لاتوصف بالإدراك و الإحاطة» مع أنّ تعريفه من صنعه و فعله تعالى اذ المخلوق بعد فعله و خلقته عرفوه به تعالى فكما أنّه المعروف بالمعرفة الثبوتي الوجداني من عنده بلا كيفية فهو المعروف بالمعرفة الإثباتي أيضاً لدي الخلق مختلفاً و متدرجاً كمّاً و كيفاً اِنّاً و لمّاً...
و لهذا أكثر الخلق يعرفونه بآياته و آثاره لإثباته و لخروجه عن حدي التعطيل و التشبيه(2) فهذه المعرفة البرهاني الإثباتي لها درجات بعدد أنفس الخلائق و قد تفترق برهانيتها لبعض دون بعض و بين العالم و الجاهل و
ص: 104
الدني و الفاضل و لعلّ بهذا يشير مولانا أميرالمؤمنين(علیه السلام) «لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً» يعني أنّه لو اقيم لي بجميع البراهين الإثباتي له تعالى ما ازددت فيّ يقينا بعد ما وجدته بالشهود القلبي الوجداني.
و مما قلنا ظهر لك نكته و هى الجمع بين قول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) «ما عرفناك حق معرفتك» و مقاله أميرالمؤمنين علي(علیه السلام) حيث يقول: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً».(1)
ص: 105
انتهي الشيء يعني بلغ بنهايته و لهذا يقال سدرة المنتهي أي ينتهي إليه علم الملائكة فنهاية الشيء آخره. المتناهي أي صاحب الجزء و الحد و مقابله اللامتناهي.(1)
فعلى هذا المعنى قد يقال بأنّ الله تعالى هو الذات الوجود اللامتناهي لإثبات وجوده و انّ وجوده أحاط بجميع الوجودات المتناهية و لم يكن يبقي موضع لوجود للغير.
فنقول: إنّ حقيقة الوجود اللامتناهي أيضاً وجود مقداري أجزائي عددي لها أجزاء و أفراد قابله للزيادة و النقيصة اذ لايقفى عليه لأنّ موضوعه هو المقدار و الأجزاء و يمكن فرض أعلاه أيضاً فلهذا لايعقل إطلاقه عليه تعالى و هو محال ذاتاً و لو فرضناها فهو مقابل المتناهي الذي هو ضده و الله تعالى وجوده منزّه عن الضد!(2)
ص: 106
لأنّ اللانهاية وصف للإمتداد فيتصف به الممتدّ و هو تعالى لا إمتداد له و اللانهاية حدّ في نفسه فيقال: ممتدّ بلانهاية و هذا نوع من الحدّ و الحدّ قد يكون معيناً و قد لايكون معيناً فهو محدود ولكن بلانهاية كما يقال له العالم بمعنى أنّه ليس بجاهل و إطلاقه عليهتعالى غير جائز فلايفرض له تعالى اللانهاية في شيء من ذاته و صفاته كما لايفرض له نهاية في شيء منها و بالجملة لايعرف ذاته و صفاته غير أنّ وجوده إثباته كذلك لايعرف له باللانهاية غير أنّه غير محدود بحدّ فقد قال أميرالمؤمنين(علیه السلام):(و من أشار إليه فقد حدّه) و لو كان بوصف لا نهاية له.(1)
ص: 107
قال الجوادي: إنّ الخالق واحد لا شريك له لأنّ المطلق الغير المتناهي قد ملك الوجود كله فلا مجال لغيره اذ الثاني المفروض لابدّ و أن يكون له من الوجود سهم و لا سهم لغير المطلق المذكور منه أصلا فهو الخالق مطلقاً...(1)
قد سبق الكلام: بأنّ المتناهي حدّ للامتناهي و هو من الصفات الشيء المقداري و من مميزات المخلوق و وجود الذات اللامتناهي بإطلاقه و هو الساري في جميع أجزائه المتناهي (لو قلنا بأنّ الوجود من المقولة بالتشكيك أو قلنا بالوحدة الشخصية) محال في حقّه تعالى ...
قال: العلّة هى تمام المعلول ...(2)
و قال: ... اذ من الواجب في التشكيك أن يشمل الشديد على الضعيف و زيادة.(3)
قال: ... الوجود عنده حقيقة واحدة ذات مراتب متفاوتة بالشدة و الضعف و نحوهما و هذا التفاوت لاينافي الوحدة لأنّ ما به التفاوت عين ما به الإتفاق...(4)
ص: 108
و فيه إشكالات:
أولاً: إنقسام الوجود بالمتناهي و اللامتناهي وصف زائد على حقيقة الوجود كيف يمكن الجمع بينهما مع تضادّهما مع وحدتهالإطلاقي...
ثانياً: لو كان الواجب اللامتناهي هو الله على زعمهم فلايكون مجالاً لفرضه في الممكن مع إذعانهم بأنّ في اللامتناهي جميع الأشياء و لا موجود غير الله.
ثالثاً: وجود جميع أفراد المتناهي في اللامتناهي يناسب القول بسنخية وجود المخلوق مع الخالق بل عينيتهما.
رابعاً: ما الدليل على أنّ اللامتناهي هو الوجود المطلق.
خامساً: الوجود المطلق مع صرافته و وحدته قد قيد بوجود جميع أعيان الممكنات في ذاته.
سادساً: أضف إليها وجود الروايات المتواترة في نفي ذلك المعنى.(1)
فحدّ المعرفة بأن تعلم أنّ المباينة الحقيقيّة بين الخالق و المخلوق يقتضي أنّ جميع صفات المخلوق من التحديد و التناهي حدّ للمخلوق و الخالق
ص: 109
ليس بمخلوق و الله هو الحاد للمحدود و السلام على من اتبع الحدود .(1)
و العارف و الحكيم المتألّه يحتاج لإثبات الوجود اللامتناهي و جريانه على جميع أجزائه أولاً إثبات الوجود و القول بالإشتراكالمعنوي و تحقّقه و بساطته ثم إثبات أنّ الله هو الوجود اللامتناهي بالسنخية و العينية و أين هذا من توحيد الإمامية المعتقد بالتنزيه عن التشبيه نعم لايخفي عليك أنّ في توحيد الشيعة الإمامية ثبوت الذات اللامتناهي الغير المصطلحة الخارجة عن الحدّ و التشبيه مما لاريب فيه و هى المستفادة من مجموع روايات الباب و السلام على ذوي الألباب.
ص: 110
و الله تعالى واحد بالوحدانية الحقيقيّة و هو شيء بالحقيقة الشيئية ومثبت موجود بالموجودية الواقعية و لايقبل التجزئّ و الإنقسام في العقل والوهم و الوجود و... لأنّه ذات أحدي المعنى و صفاته ليست الا ذاته فلايتجزأ ذاته بالإتصاف بالأوصاف أو زيادة على الذات أو يختلف فيه معاني الصفات.
و قد قال الإمام الحسن(علیه السلام):... و لا إختلاف صفة فيتناهي...(1)
و لما كان لايجوز و لايمكننا أن نقع على الله شيء في مقام الثبوت و الحقيقة لفظاً و لا معناً بتصور العناوين و المعاني الحاكية له اذ لايدرك و لايتوهم و لايعقل حتي يوصف (و هذا معنى توقيفية أسمائه تعالى و قد قال أبوالحسن(علیه السلام): «...الممتنع من الصفات ذاته...»(2) بالصفات الزائدة أو معاني المختلفة اذ لايعلم كنهه و حقيقته...) فعليه تعالى أن يوصف نفسه لخلقه ليستدل بها عليه، فعلينا التوصيف و التعبير بما وصف بها نفسه لكن لا بإدراك المفاهيم التصورية و التوهمية و التعقلية المشتبهة و لا بالتضاد و التناقض و التقابل و إثباته بالصفات الضد «لأنّ معاني الخلق... و هى عن الله تعالى منفية».(3)
ص: 111
ص: 112
فوضع الأسماء و الصفات و الألفاظ و إطلاق المعاني بإعتبار توصيفه تعالى لخلقه بعد خلقتها(1) فلهذا أنّ توصيفه من صنعه و فعله و هذا معنى توقيفية الأسماء عليه.
فعلى هذا العبارات في ألسنة الأئمة المعصومين(علیهم السلام) الواردة على ذكر صفات الضد و تقابلها نحو الحادث و القديم(2) (و الوجود و العدم(3)) العلم و الجهل(4) القدرة و العجز الأزل و الأبد و الحيوة و الموت و الشيء و الذات و الواحد و التحديد و التغيير و غير ذلك ناظرة بأجمعها إلى المعنى الذي ذكرنا بأنّ إطلاق الألفاظ يكون بالمعاني الوضعية الخارجية على الخالق و المخلوق الذي ليس على نحو الإشتراك المعنوي أو الإثبات بالنقيض أو الحكم بالتعطيل بل الحق الحقيق هو الإثبات بلا تشبيه.
ص: 113
قال: انّ مفهوم الوجود مشترك لفظي بين الواجب و الممكن(1) و ردّ: بانا أن نقصد بالوجود الذي نحمله على الواجب معنى أو لا و الثاني يوجب التعطيل و على الأول اما أن نعني به معنى الذي نعنيه اذا حملناه على الممكنات و اما أن نعني به نقيضه و على الثاني يلزم نفي الوجود عنه عند إثبات الوجود له تعالى عن ذلك و على الأول ثبت المطلوب و هو كون مفهوم الوجود مشتركاً معنوياً.
و قد سبق في مبحث الإشتراك اللفظي دون المعنوي بأنّ ذاته أحدي المعنى و ليس فيه تعدّد و تغاير مفهومي في ذاته و صفاته و إن كانت جهة العلم غير جهة القدرة و هكذا و إتصاف تلك الجهات في مقام الإثبات ليست حيثيات و مفاهيم مختلفة حقيقية و الا لكانت كل صفة بالتغاير المفهومي إلهاً اذ توجب تعدّد الذات فلو كان لجميع أسمائه و صفاته معاني مختلفة و قولنا بالإشتراك المعنوي للزم تعدد المعاني و التغاير في ذاته تعالى و يستلزم منه تعدد الآلهه...
إن قلت: لوكانت النسبه بالمفاهيم الغير المتداوله عندنا لكان باب الأسماء و المفاهيم مسدوداً فيلزم إنسداد باب المناجات و الأدعيه و...
قلت: خروجه عن التشبيه و تنزيهه عن صفات المخلوق أكمل مراتب المعرفة لكن بدون التعطيل و سلب المعنى الحقيقي التنزيهي «أي الإثبات بلا تشبيه»
إن قلت: لو كان الوجود لها معان مختلفة فلابدّ للعدم أيضاً معان عديدة
ص: 114
فلابدّ من القول بالإشتراك المعنوي...
قلت: انّ مفهوم الوجود خارجة عنه تخصصاً لا تخصيصاً اذا الوجود المقابل بالعدم منتفية عنه تعالى لأنّ وجوده سبق العدم و في المخلوق قبله العدم.
إن قلت: لو لم يكن مشتركاً معنوياً للزم تعطيل ذاته....قلت: ان أثبتنا معنا غير ما يفهم من العام الإنتزاعي المشترك بدون تصوره فلاتكون تعطيلاً بل تنزيها و الدليل على الإشتراك اللفظي مضافاً إلى الأدلة النقلية السابقة امور:
منها إنّ للألفاظ مفاهيم اشتقاقي فبما أنّ وضعها للمعاني الخارجية لا الصور الذهنية اذ المعاني المتصوره مخلوقه المعاني و القول بالإشتراك المعنوي يلزم بتصور الذات و انتزاع المفاهيم العامة و اطلاقها على الله تعالى، فلزم من ذلك اطلاق المعاني الاشتقاقي و معيه الغير مع الله و صيرورة القديم حادثاً و متعدداً مع أنّه أحدي الذات و المعنى.(1)
فبالجملة: التباين الذاتي و الصفتي و عدم السنخية و عدم تقابل الصفات تقضي بعدم اشتراك المعنوي.
قال:... على أنّ نقيض وجود الشيء في مرتبة من المراتب دفع وجوده
ص: 115
فيها...(1)
قال المجلسي: ان التعطيل و نفي جميع صفاته تعالى عنه باطل كما يلزم على القائلين بالإشتراك اللفظي بل يحب إثبات صفاته تعالى على وجه لايتضمن نقصاً... فأثبت له تعالى الصفة و نفيت عنها ما يقارنها فينا من صفات النقص و لا تعلمها بكنه حقيقتها...(2)
و قال:... فلايعرف الا بتنزيهات و تقديسات و إضافات خارجة عنه... لكن يعرف بالبرهان انّ مبدء الموجودات و صانعها موجود بالمعنى العام ثابت اذ لو لم يكن موجوداً بهذا المعنى لكان معدوماً اذلا مخرج عنها و أشار إليه بقوله:«لم احدّه ولكني اثبته اذ لم يكن بين النفي و الإثبات منزلة» فلمّا انتفي ثبت الثبوت.(3)
أقول: إثبات صفة الضد له تعالى مع التقابل و السنخية باطل عندنا و عدم وجود المنزلة بين النفي و الإثبات يقتضي الإثبات بالتشبيه فعلينا الإعتقاد بالمعنى التنزيهي...(4)
فبالجملة: الظاهر منهم ان الوجود في الجميع مشترك في المعنى العام الطارد للعدم و النفي و البطلان فقط ففيه ما سبق بأنّ العدم ضدّ الوجود.
ص: 116
و قد قال أميرالمؤمنين(علیه السلام) :« بمضادّته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له» فعلينا خروجه عن التعطيل بالمعنى الغير الخلقي لأنّ الخالق ليس في رتبه المخلوق حتي يقال إن لم يكن موجوداً فكان معدوماً...
عن أميرالمؤمنين(علیه السلام):... الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال الا وجوده...(1)
قال أميرالمؤمنين(علیه السلام):... و الكائن قبل الكون بغير كيان...(2)
قال الصادق(علیه السلام):... الحمدلله الذي كان قبل أن يكون كان...(3)
قال أبوعبدالله(علیه السلام):... فانف عن الله البطلان و التشبيه فلا نفي و لا تشبيه هو الله الثابت الموجود...(4)
قال أبوعبدالله(علیه السلام):... موجود لا بعدم عدم... سبق الأوقات كونه والعدم وجوده و الإبتداء أزله...(5)
قال أبوعبدالله(علیه السلام):... و لاينقل الشيء من الوجود إلى العدم الا الله...(6)
قال أميرالمؤمنين(علیه السلام):... كان عزوجل الموجود بنفسه لا بأداته...(7)
قال أبوعبدالله(علیه السلام):... قال السائل فقد حدّدته اذ أثبت وجوده؟ قال أبوعبدالله(علیه السلام) : لم أحدّه ولكن اثبته اذ لم يكن بين الإثبات و النفي منزلة...(8)
ص: 117
عن الصادق(علیه السلام):... فليس من هذه الوجوه شيء يمكن للمخلوق أن يعرف من الخالق حق معرفته غير أنّه موجود فقط...(1)
سئل عن أبي عبدالله(علیه السلام) عن التوحيد فقال هو عزوجل مثبت موجود لا مبطل و لا معدود...(2)
قال أميرالمؤمنين(علیه السلام):... موجود لا عن عدم...(3)
عن أميرالمؤمنين(علیه السلام): الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال الا وجوده...(4)
فبالجملة: فإطلاق الوجود على الله بمعنى الثبوت و الخروج عن التعطيل و التشبيه لا الوجود المطلق البسيط في مقابل المحدود الذيهو نقيض العدم لأنّ العدم أيضاً مخلوق محدث مضافاً بأنّ الوجود المصطلح (في مقابل الماهية) ليس في رتبه الإطلاق الذاتي و مفهوم الوجود الإنتزاعي المقسمي للماهية المتصور في الذهن رتبتها متأخرة عن وجوده تعالى فذلك الوجود في مقابل الماهية و الله تعالى أحدي الذات و المعنى فماهيته إنيته و ذاته بدون التركيب من الوجود المفهومي و الماهية المقسمي اذ قال « فلاينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم» فبذلك: هذا الوجود لم يكن بسيطاً و سيأتي تمام الكلام في معنى البساطة...
ص: 118
فبذلك كله ظهر بأنّ لا مجال للتشكيك لبطلان ما يعتقده الفلاسفة لإشتراك الوجود ثم بساطته و انّه الوجود اللامتناهي ثم إثبات وحدة الوجود أو التشكيك في مراتب الوجود بعد عدم السنخية بين الموجود بالذات و بالغير.
ص: 119
البسيط هو الموجود الغير المركب و الواحد الحقيقي الغير المتجزي إلى الوجودات.
من ضروريات مذهب الشيعة أنّ الله تعالى أحديّ الذات و المعنى و لايتجزي ذاتاً في نفس الذات و لا صفة من حيث الإتصاف بالأوصاف فلايكون مركباً من الذات و الصفة.(1)
فالله تعالى واحداً حقيقياً لايقبل التقسيم و التجزئه مطلقاً في العقل و الوهم و في الوجود.(2)
فالله تعالى واحد حقيقي ذاتاً و صفة بلا إختلاف في ذاته و صفاته بأن يختلف عليه بالإطلاق و التقييد و التناهي و اللامتناهي اذ الواحد الحقيقي لاينقسم في العقل و الوهم و لايقبل الشدة و الضعف و التعدّد و التكثّر و لو إعتباراً أو وهماً.
لايخفي عليك بأنّ تصوّر صرف الوجود البسيط المطلق (في مقابل المقيّد)
ص: 120
الغير المركب و لو مفهوماً ثم فرض وجوده بأنّه كل الأشياء يوجب التبعيض في أحديّته(1) مع أنّه تعالى ذات كله العلم والقدرة و الحياة و السمع و البصر لا أنّه ذات ثبت له علم و سمع و بصر و قدرة ...
و بعد التوجه بالعقل الأنواري أن لا سبيل لتصور ذاته تعالى و إدراكه و أنّ ذاته تعالى مبايناً مع المخلوق و لا سنخية بينهما و لو في المعنى و المفهوم فلاتكون ذاته وجوداً (و لو في المعنى و المفهوم) مسانخاً مع المخلوق بالشدة و البساطة أو الإطلاق و... اذ كلّ محدود قابله للإشتداد و الزيادة و لايخفي بأنّ كلّ بسيط مطلق شيئيته بالإعتبار و بتصوّر كل الأشياء تكون واحد و مع بسط وجوده تكون كلّ الأشياء و من البديهي أيضاً أنّ الوحدة الإعتبارية قابله للتعدّد...
فإدعاء الإطلاق و البساطة للوجود القابلة للتشكيك بالإطلاق و التقييد يوجب التبعيض في أحديته بالزيادة و النقيصة و لو وهماً عقلياً.
و قبل نقدها علينا النظر إلى كلمات القوم حولها.(2)
ص: 121
ص: 122
فبالجملة فليس مرادهم الا أنّ كل بسيط الحقيقة فهو بوحدتها كل الأشياء و الا لزم التركيب (من الوجود و العدم) اذ الوجود المطلق لايكون محصوراً في أمر معين محدود فهو كلّ الأشياء على وجه أبسط فمبدء الأشياء و فياضها يجب أن يكون هو كل الأشياء على وجه أرفع و أعلى...
أقول: فعلى هذا المبني فعليهم إثباتها و عينية جميع الأشياء مع الله تعالى عندهم بل لاأقلّ من السنخية معها و سيأتي بالأدلة الواضحة بينونته تعالى و عدم السنخية بينه و بين خلقه هذا أولاً.(1)
و ثانياً: لابدّ و أن يكون الوجود واحداً و لو اعتباراً و مفهوماً و هذا يوجب التبعيض في أحديّته و لو مفهوماً و ذاته تعالى لايقبل التجزئه في العقل و الوهم بأن يتفاوت ذاته بإحتمال الشدة و الضعف أو الزيادة و النقصان...
و ثالثاً: لايتصور الوجود وجوداً منبسطاً بنحو الوجود المزجي أو الموجي لأنّ بسط تلك الوجود غير معقول عليه تعالى.
و يلزم منه أيضاً التغيير في ذاته بحدوث الموجود فيه.
و أيضاً يلزم إنقسام ذاته بالوجود الذي لها كيف.
و اخري يلزم إنقسام ذاته بالتركيب في الوجود الوهمي...
فلهذا لاربط بين الخالق و المخلوق بالعينية و السنخية بل الرابطة بينهما
ص: 123
هى البينونة الحقيقيّة فليس بينهما جهة وحدة حتي يقال بوحدة الوجود والموجود.
فبالجملة إثبات الوجود المطلق البسيط الساري في جميع الخلق مع تعينه بجميع الأشياء خلف فتصور تلك الوجود الإصطلاحي المفهومي المتكوّنه جميع الأشياء فيه ثم بمعنى عدم التركيب من شرّ التراكيب و لو إعتباراً عقلياً اذ فيهما التركيب بين الوجود و العدم فليس وجود المخلوق عندهم أمراً حقيقياً بل إعتباري فلازمه تركيب الواجب مع الممكن...
فبالنتيجة فاللازم عليهم بعد إثبات البساطة لوجوده و أنّه جميع الأشياء إثبات وحدة الوجود و عينيته تعالى معهم حتي ينتج بأن ليس في الدارغيره ديّار... و سيأتي فيه ما فيه...
قال ابن العربي: و ما في الكون أحديّه الا أحديّه المجموع...(1)
قال الملا الصدري:... انّ المعنى المسمّى بالجسم لا أنحاء من الموجود متفاوتة في الشرف و الخسّة و العلوّ و الدنوّ من لدن كونه طبيعياً إلى كونه عقلياً فليجز أن يكون في الوجود جسم إلهي ليس كمثله شيء و هو السميع البصير المسمّى بالأسماء الإلهية المنعوت بالنعوت الربانيّة... و أيضاً وجوده علم بجميع الأشياء.
لايخفي عليك بأنّ قوله هو جسم إثبات جسم و هو مناقض مع لا كالأجسام و أما قولنا شيء إثبات فقط و ليس في لا كالأشياء مناقضه.
ص: 124
و الخبير بمسلك القوم يعرف بأنّ النسبة و الرابطة بين الخالق و المخلوق عند الحكماء و العرفاء العينية و هو ينتهي إلى أمر واحد يقولون بأنّ المخلوق طوراً من تطوّر الحق و تعيّنه و هم يرون بأنّ المخلوق عين الخالق و الفلاسفة أيضاً أنكروا التباين الكلي بين الخالق و المخلوق و إعتقدوا بوحدة الوجود بل الموجود(1) و انهم يرون بأنّ الله تعالى واحد بسيط ينطوي
ص: 125
فيه جميع الاشياء و قد اوردنا تلك القاعدة و طرحناها و نقضاها بما فيها كفاية لأولي الألباب.
ص: 126
والإستدلال للعينية مبتن على صحّة تلك القاعدة و تماميّتها و مع ذلك يستلزم التناقض أولا لأنّ فرض وحدة الوجود بين الواجب و الممكن توجب التناقض بين وجوب الوجود في الواجب و عدم وجوب الوجود في الممكن و هذا خلف و تناقض فاحش اذ المتنازل هو المتصاعد عند قوس الصعود و النزول...وثانياً: القول بالعينية توجب التغيير في ذات الحق بالواجب و الممكن...
ثالثاً: يلزم من القول بالعينية لغوية الشرايع و بعث الرسل و نفي التكليف و الأمر و النهي و الثواب و العقاب و الجنة و النار...
رابعاً: سيأتي الشواهد الكثيرة من الروايات الدالة على غيريّة المخلوق مع خالقه...
قال صاحب كتاب التنبيهات في ردّ على من قال بالعينية / 88: يمتنع كون الموجود في دار التحقق حقيقة واحدة بل الموجود بذاته المتحقق في ذاته المستقل في ذاته الشيء بحقيقة الشيئية و الواقعية و النور الحقيقي الأزلي الأبدي أحدي الذات عين جميع الكمالات من العلم و الحيوة و القدرة و نحوها بلا تركيب فيه و لا شبيه له و لا ثاني و لا عدل.
و الثاني: سنخ آخر غير السنخ المذكور أي شيء بالغير قائم ذاته بذلك الغير و ما هو كذلك مبائن لما هو شيء بذاته و قائم بنفسه انّه شيء صار شيئاً بالغير لا من شيء و حيث انّه لا من شيء فهو غير مترشح و لا متنزل عن ذلك الغير و لا عن شيء آخر و حيث انّه لم يكن ثم كان فهو حادث بالحدوث الحقيقي و ما هو كذلك مبائن للذات الأزلي و حيث انّه
ص: 127
مظلم ذاتاً فهو يتنور بنور العلم تارة و يرجع إلى ما كان عليه من الظلمة الذاتيّة اخري ثم يتنور و هكذا...
و ظاهر: ان ما هو كذلك مبائن لما هو أحدي الذات فيظهر ان ما هو من السنخ الثاني يمتنع دخوله في صقع الأمر الأول مهما بلغ من العلم و الكمال ولايمكن أن يكون مشابهاً له أيضاً...
و الشاهد على نفي ذلك المعنى هى الروايات الكثيرة و سيأتي الإشارة إليها.(1)
ص: 128
لاشبهة لمن كان بصيراً بضروريات الأديان و يحكم على العقل والوجدان و القرآن يعلم بأنّ المغايرة و المباينة الحقيقيّة بين الله و بين خلقه و عدم السنخية بينهما من اصول عقائد جميع الأديان و الشرايع الإلهيّة و الروايات المتواترة قائمة على نفي السنخيّة بينهما لأنّ التوحيد بمعنى التنزيه و التباين و عدم التشابه مع المخلوق فكيف القول بالعينيّة و وحدة المخلوق مع الخالق أو السنخيّة و المشابهة بينهما.
انّ الحكماء و العرفاء لما اعتقدوا بأنّ المخلوق مرتبة من مراتب الحق بالإطلاق و التقييد و أنّه شأن من شئونها رأوا الربط بينهما بالسنخية الذاتيّة أو الشأنيّة و انّ المعلول في مرتبة الظهور و التعين ذات العلّة و شأنها لإعتقادهم بعدم تخلف المعلول عن علّته التامّة فلهذا يرون كمال الإرتباط و التناسب و السنخية بين المعلول و علته...(1)
ص: 129
و قد صرّحوا الأئمة المعصومين(علیهم السلام) بأنّ العليّة و السنخية باطلة رأساً لأنّ فعله غيره و أنّ فاعليته تعالى من إرادته الغير الذاتيّة فلا سنخيّة ذاتيّة بين فعل الفاعل و ذاته و العقل يحكم بعدم المسانخة بين الواجب و الممكن و القديم و الحادث و القائلين على السنخية استدلوا لها بوجوه:
الأول: لولا السنخية بين الله و بين خلقه لصدر كل شيء عن كل شيء و قد بينّا عدم تمامية هذا القول اذ صدور الأشياء ليست بنحو الترشح من ذات العلّة حتي يشبهها و يسانخها بل خلقه الأشياء من إرادته التي هى صفة فعله و لا شباهة بينهما.
ص: 130
إنّ الحكماء لما رأوا كلمات الفلاسفة اليونانيين من قبل المسيح إلى هنا المصرّحون بأنّ الله تعالى علة تامّة لصدور معلوله و هذه هى القاعدة المستحكمة لديهم اذ هى عندهم أحسن قاعدة عقلية لربط المخلوق مع الخالق و قد إفتتنوا بهم و أذعنوا بصحّتها من غير حجة قوية و طريقة صحيحة و استرشدوا من غير بابه و هلكوا و أهلكوا لأنّهم وصفوا الله بغير ما وصف به نفسه.
إنّهم تخيّلوا أنّ صدور العالم على النظام العلي و المعلولي و انّه تعالى علة تامّة لوجود خلقه و أنّ تخلف المعلول عن علته التامّة غير ممكن بالضرورة و الكلام حول هذه المسألة تستدعي طرحها ثمّ الإستدلال عليها و ذكر لوازمها ثمّ ذكر ما يورد عليها فنقول:
إنّ العلّة لمعنيين! الأول: مطلق توقف الشيء على الشيء يسمى العلّة و هو صحيح لا محظور فيه و هى العلّة بمعنى السبب و الجهة.
المعنى الثاني: توقف صدور المعلول عن العلّة و امتناعه بإمتناعها و عدم إنفكاك المعلول عن العلّة و هذه هى العلّة المصطلحة المستحيلة إطلاقها على الله تعالى بالأمور التي سيأتي الإشارة إليها.(1)
يقول الصدري الشيرازي: للعلة مفهومان أحدها هو الشيء الذي يحصل
ص: 131
من وجوده وجود شيء آخر و من عدمه عدم شيء آخر (و هو بمعنى السبب) وثانيهما هو ما يتوقف عليه وجود الشيء فيمتنعبعدمه ولايجب بوجوده...(1)
ص: 132
قال: و الحاصل ان من نظر في كلمات الفريقين لايرتاب في ان الفلاسفة يقولون: بوجوب صدور العالم عنه تعالى على النظام العليو المعلولي المذكور في كتبهم لأنّه تعالى تام الفاعليه و تخلّف الأثر و إمكان عدم صدوره عن الفاعل التام ممتنع و لازم ذلك: أزليه العالم و أبديته و امتناع الفناء عليه و امتناع التغيير و التحول فيه.(1)
إنّهم يرون بأنّ الممكن وجوده و عدمه على السواء و ملاك فقره إلى العلّة وجوده و امكانه و تخلف تلك المعلول عن العلّة بالضرورة محال و لازمه السنخية بينهما فعلى هذا يلزم الرابطة الذاتيّة بين الحادث و القديم.
أقول: من البديهة أنّ كمال الإرتباط و التناسب بين ذات العلّة و المعلول في العلل الطبيعية على نحو الإقتضاء لا العليّة التامّة بمعنى عدم تخلف المعلول عن علّته أبداً و... بالإستظهار العرفي ولكن في الفواعل الإراديه انّ المعلول وجوده متوقف بإرادته التي هى فعله لا ذاته انّهم لما رأوا السنخية الذاتيّة بين المعلول و علته فرأوا التناسب بينهما...
فبالجملة عند العرفاء المعلول عين العلّة ولكن الإختلاف في الرتبه و عند الحكيم المعلول سنخ العلّة و لايخفي عليك بأن باب الخالقيه ليست من باب العليّة و المعلولية بالأدلة العقلية و الشواهد النقلية.
و إليك بجملة من الإشكالات الواردة عليها :
الأول يلزم من القول بأنّ فاعليته بنحو العليّة و المعلولية تعدّد القدماء عندهم و قدم المخلوق مخالف مع الشرع اذ عندهم الإنفكاك بين العلّة و
ص: 133
المعلول محال...
الثاني لو كانت فاعليته بنحو العليّة و المعلولية لابدّ و أن تكون بينهما سنخيّة ذاتيّة و الأدلة تنفيه كما مرّ سابقاً.
الثالث لو كانت فاعليته بنحو العليّة فهى تقتضي الإيجاب يعني يصير الفاعل في فعله موجباً و لايكون مختاراً بل مضطراً.
الرابع لو كانت فاعليته بنحو العليّة يلزم انتفاء العلّة عند انتفاءالمعلول بل انتفاء وجوده تعالى بإنتفاء مخلوقه و لإستحالة انتفاء المعلول بدون إنتفاء علته و بالعكس فيلزم منها قدم العالم و أزليته و هى باطلة رأساً.
الخامس لو كانت فاعليته بنحو العليّة يلزم فاعليته تعالى بالذات لا بالمشيّة و قد ثبت عند الإمامية انّ فاعليته تعالى بالإرادة و المشيّة الغير الذاتيّة...
السادس لو صدرت المعاليل الكثيرة المتباينه عن العلّة الواحدة لزمه تقرّر جهات كثيرة في ذاتها مع أنّه جهة واحدة فلاتصح قاعدة الواحد لايصدر منه الا الواحد.
السابع انّ فاعليته تعالى لاتكون بالترشّح و الفيضان عن ذات العلّة لأنّه من التولد و لو مفهوماً و لايكون إعطائه من ذاته بل بالإبداع و المشيّة...
الثامن قد سبق بأنّ القول الحق في الإشتراك اللفظي لا المعنوي فعلى هذا لاينتزع من الحقائق المتباينة معنى المفهوم الواحد و لاتكون بينهما سنخيّة...
التاسع وجود الشواهد الكثيرة من الروايات قائمة على وقوع التباين الكلي بين الخالق و المخلوق ففيها كفاية لمن كان مؤمناً بالوحي و النبي و الأئمة المعصومين(علیهم السلام)...
ص: 134
العاشر إليك بالتوجه إلى جملة من الروايات.(1)و هذه القاعدة «أي الرابطة بين العلّة و المعلول» عقلية في العلل الطبيعية بالإقتضاء لا بالنسبة إلى الحق المنزّه أن يتولد منه شيء بالترشح و الفيضان من ذاته لأنّها سبب التغيير في ذاته الذي كان فاعليته بالإرادة الغير الذاتيّة و بلاتغيّر في ذاته الذي قادر على خلق الأشياء المختلفة المتعددة في لحظة واحدة بدون السابقة لأحدهما و من دون ترتيب بين عللها و الا يكون عاجزاً و لاتكون خلقته بذاته بحيث توجب عدم خلقته نقص في ذاته فالله تعالى يكون خالقاً قادراً مختاراً حراً و لاتكون مجبوراً مضطراً موجباً في فعله حتي تكون فعله واجباً عليه بنحو الترشّح عن ذاته...
ص: 135
و العارف المسن على توحيد الإمامية يعرف مما جاءت به الأنبياء بأنّ كنه معرفته تعالى على البينونة الحقيقيّة لا العينية الوهمية الإعتبارية و بما صرّحوا أئمتنا أهل البيت(علیهم السلام) في مذهبهم بأنّ كمال المعرفة في التنزيه لا التشبيه و يعلم أيضاً بأنّ البينونة الحقيقيّة حاكمة بينه تعالى و بين خلقه ذاتاً و صفة و لاينعزل سلطانه عن خلقه دائماً فلم يباين عما خلق قدرة و لا علماً و لا إحاطة بل محيط و قيوم على كل شيء و لاينعزل عن خلقه تدبيراً و لايخفي عليه خافيه في السموات و الأرضين...
و القائلين بوحدة الوجود و الموجود يرون الخلق في صورة الإطلاق عين الخالق (وجود المطلق) و في صورة التقييد سنخ الخالق مطلق الموجود و طوراً و مرتبة من تطوراته و شأنا من شؤونه...
و لاشبهة لدي العارف بتوحيد الإمامية بمقتضي العقل و النقل بأنّ الغيريّة الحقيقيّة و المباينة الواقعيّة بين الموجود بالذات و الموجود بالغير حاكمة لا الوهمية الإعتبارية كما زعمتها الفلاسفة لأنّهم يرون بأنّ الممكن ماهيته إعتبارية وهمية فاذا ارتفعت اعتباريته لم تبق الا الوجود.
و لهذا يقول:
بيني و بينك إنيتي يفارقني *** فارفع بنفسك إنيتي من البين
قال الحافظ: تو خود حجاب خودي حافظ از ميان برخيز.
و العقل يحكم في التباين على اختلاف الحقيقتين و عدم التقابل و المشابهة اذ السنخية نوع من التشبيه التي تستدعي المناسبه بين الخالق و
ص: 136
المخلوق و قد جاءت الشواهد الكثيرة و الأدلة المتواترة الصريحة لنفي العينية و السنخية بل مصرحه بالغيريّة الحقيقيّة التي يكفي للعاقل المنصف المؤمن و إليك ببعضها.
1- عن علي(علیه السلام) في دعاء الصباح : و تنزه عن مجانسةمخلوقاته.(1)
2- قال الرضا(علیه السلام) : ... خلق الله الخلق ... ومباينته ايّاهم مفارقته إنيّتهم ... فكلما في الخلق لايوجد في خالقه و كلما يمكن فيه يمتنع في صانعه ...(2)
قال الرضا(علیه السلام) : ... و لا في ابانته عن الخلق ضيم الا بامتناع الأزلي ...(3)
3- عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... مبائن لجميع ما أحدث في الصفات ...(4)
4- عن الرضا(علیه السلام) : ... ذاته حقيقة و كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه ...(5)
5- قال(علیه السلام) : ... بل أنشأته ليكون دليلاً عليك بأنّك بائن من الصنع ...(6)
6- عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) : ... بأنّ من الخلق فلا شيء كمثله ...(7)
7- عن الرضا(علیه السلام) لعمران : ... ليس هو في الخلق و لا الخلق فيه تعالى عن ذلك ...(8)
ص: 137
8- قال(علیه السلام) : ... فربّنا بخلاف الخلق كلهم ...(1)9- قال(علیه السلام) : ... حكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة ...(2)
10- عن الرضا(علیه السلام) :... لإمتناعه مما يمكن في ذواتهم و لإمكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته و لإفتراق الصانع و المصنوع و الرب و المربوب و الحادّ و المحدود...(3)
11- عن الصادق(علیه السلام) :... لايليق بالذي هو خالق كلشيء الا أن يكون مبايناً لكل شيء متعالياً عن كلشيء سبحانه و تعالى.(4)
12- قال أميرالمؤمنين(علیه السلام) :... بأن بها من الأشياء و بانت الأشياء منه...(5)
13- عن أبي عبدالله(علیه السلام) :... هو واحد و أحدي الذات بائن من خلقه و بذاك وصف نفسه و هو بكل شيء محيط بالإشراف و الإحاطة و القدرة...(6)
14- قال أبوعبدالله(علیه السلام) :... و الجهة الثانية التشبيه اذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب و التأليف... انّهم مصنوعون و أن صانعهم غيرهم و ليس مثلهم...(7)
15- عن الرضا(علیه السلام) :... اما التوحيد فان لاتجوز على ربك ما جاز
ص: 138
عليك.(1)
16- عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) :... تعالى أن يجري منه ما يجري من المخلوقين و هو اللطيف الخبير و أجلّ و أكبر أن ينزل به شيء مما ينزل بخلقه...(2)17- قال علي(علیه السلام) :... فمعانى الخلق عنه منفية...(3)
18- قال علي(علیه السلام) :... حد الأشياء كلها عند خلقه اياها إبانه لها من شبهة و إبانه له من شبهها فلم يحلل فيها فيقال هو فيها كائن و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن و لم يخل منها و يقال له أين لكنه سبحانه أحاط بها علمه و اتقنها صنعه و احصاها حفظه...(4)
19- قال علي(علیه السلام) :... هو في الأشياء على غير ممازجه خارج منها على غير مباينه... داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل و خارج منها لا كشيء من شيء خارج...(5)
20- عن أميرالمؤمنين(علیه السلام) :... هو في الأشياء كلها غير متمازج بها و لابائن عنها...(6)
21- قال علي(علیه السلام) :... بأنّ من الأشياء بالقهر لها و القدرة عليها و
ص: 139
بانت الأشياء منه بالخضوع له و الرجوع إليه... و البائن لا بتراخي مسافة...(1)
22-
قال الباقر(علیه السلام) :... و الواحد المتبائن الذي لاينبعث من شيء و لايتحد بشيء...(2)
23- قال أبوعبدالله(علیه السلام) :... ولكن هو بائن من خلقه محيط بما خلق علماً و قدرة و إحاطة و سلطاناً و ملكاً... و الأشياء له سواء علماً و قدرة و سلطانا و ملكاً و إحاطة.(3)24- عن أبي جعفر الثاني(علیه السلام) :... فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه لايشبهه شيء... و هو خلاف ما يعقل و خلاف ما يتصور في الأوهام...(4)
25- عن أبي عبدالله(علیه السلام) :... من شبه الله بخلقه فهو مشرك أنّ الله تعالى لايشبه شيئاً و لايشبهه شيء و كلّما وقع في الوهم فهو بخلافه.(5)
26- عن الرضا(علیه السلام) :... فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته و لااياه وحد من اكتنهه و لاحقيقته أصاب من مثله...(6)
عن الرضا(علیه السلام) :... و انّما اختلف الناس في هذا الباب حتي تاهوا و تحيروا و طلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم
ص: 140
فازدادوا من الحق بعدا و لو وصفوا الله عزوجل بصفاته و وصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم و اليقين و لما اختلفوا فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا و الله يهدي ما يشاء إلى صراط مستقيم...(1)
ص: 141
إن الله تعالى ذاته لايعرف و لايوصف بالإدراك و التوهم و التفكر و التعقل ولكن يجده العارف بالله بأنّ ذاته مبائن معه و كنهه تفريق بينه و بينه و ليست سنخ ذواتهم اذ التوصيف و الرسوخ و الإحاطة بذاته و البحث عن كنهه أعظم الفريه على الله و رسوله في معرفته و هذه معنى وجدان الإله لاتصوره و لاإدراكه... و لأنّه ليست ذاته محجوبه(1) حتي يدركه العارف بالمدركات و المفهومات نحو مفهوم الوجود بل الله أظهر من كلشيء فأي ظاهر هى أظهر و أوضح من الله(2) و معرفة ذاته بالمدركات فرع مجهوليته و هى توجب التغيير في ذاته بأنّه لم يظهر ثم ظهر ولكن ذاته تعالى محجوب و مستور عن العقول و الأفكار بغير حجاب محجوب مستور فالإيجاب بينه و بين خلقه و احتجابه بنوره و آياته و بالعقل(3) مع أنّه الظاهر فوق كلشيء و الخلق بذاته سبب الإحتجاب!(4)
ص: 142
فتجلي الله في خلقه بخلقه و بنوره و آياته بأن ليست المخلوقات عين ظهور الذات و شئونه و شعائه بل هو عند أهل بيت(علیهم السلام) جميع الموجودات علامات و آيات على وجوده و ثبوته له تعالى و معرفته بالمظاهر و الآيات ليست معرفة ذاته بالإدراك له تعالى بل آيات و علامات له و هى معنى مظهرية الأشياء له تعالى فليس تجليه بكنه ذاته و لابصفة ذاته كما يقول الصوفي البحت ابن العربي بقوله: سبحان الذي أظهر الأشياء و هو عينها.
ص: 143
و هو على أقسام:
القسم الأول: التجلّي الذّاتي و الوجودي و هو تجلّي الخاصّ الخاص ببسط الوجود المطلق على هياكل الموجودات و هى التجلي في قوس النزول و عندهم أنّ المخلوق هو ظهور الذات أو صفته عند فنائه في الذات و الصفات و إندكاك إنيته و هى قوس الصعود و التجلي العروجي و قد يسمي بالمشاهدة و العبد في القوس الصعود يتصاعد أولا عند تجلي الأفعال ثم يتجلي له الصفات عند محوه و يفني في الذات و لهذا يقول الصوفي البحت مميت الدين ابن العربي:
بيني و بينك إنيتي يفارقني *** فارفع بنفسك انيني من البين
و بذلك يقول الحافظ: تو خود حجاب خودي حافظ از ميان برخيز
يقول ابن العربي: اما سرّ المنزل و المنازل فهو ظهور الحق في صور كل ما سواه فلولا تجليه لكل شيء ما ظهرت شيئيه ذلك الشيء...(1)
يقول: فما به التجلي و المتجلي له كلّها شيء واحد و ليس هناك أمران ذات العلّة و تجلي الحق له اذ يمتنع أن يصدر عنه تعالى بجهة واحدة صورتان صورة العقل و صورة التجلي و يستحيل أن يتكرر وجودان لشيء واحد فثبت من ذلك أنّ وجود العقل بعينه عبارة عن تجليه تعالى بصورة ذاته عليه...(2)
قد جاء عن الشيخ الرئيس بهذا المعنى : بذاته ظاهر متجل لجميع
ص: 144
الموجودات... و ليس تجليه الا حقيقة ذاته...(1)
يقول ابن العربي في الفص الشيثي:... فهو مرآتك في رؤيتكنفسك و أنت مرآته في رؤيته أسمائه و ظهور أحكامها...
يقول: فهو عين كل شيء في الظهور...(2)
كما يقول ابن العربي: سبحان الذي أظهر الأشياء و هو عينها.
و يقول أيضاً: إنّ لله تجليين تجلي غيب و تجلي شهادة فمن تجلي الغيب يعطي الإستعداد الذي عليه القلب و هو التجلي الذاتي الذي الغيب حقيقة و هو الهويّة التي يستحقّها فاذا حصل للقلب هذا الإستعداد تجلي الحق له التجلي الشهودي فرآه فظهر بصورة ما تجلي له...(3)
و قد استشهدوا بحديث عمران الصابي حيث قال ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه قال الرضا(علیه السلام): جلّ يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق و لا الخلق فيه... قال(علیه السلام): أخبرني عن المراه أأنت فيها أم هى فيك فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شيء إستدللت بها على نفسك...(4)
ص: 145
القسم الثاني: التجلي الشهودي و الصفاتي و هو أن يظهر عليه في إحدي الصفات الذاتيّة و عندهم بعض الخلق مظهر لقدرته و بعضهم مظهر لرحمته حتي أنّ الشيطان لعنه الله عندهم مظهر لقهره و غضبه...
فبالجملة جميع الخلق مظاهر لأسمائه و صفاته ولكن المظهر الأتمّ لذاته هو الإنسان الكامل و هذا يسمي بالمكاشفة و هى تجليالخاص على قلب العارف.(1)
يقول ابن العربي: فاوجد العالم سبحانه ليظهر سلطان الأسماء...
يقول:.. فإنّ للحق تعالى تجلياً و ظهوراً بذاته على ذاته و ظهور في أسمائه و صفاته...(2)
و قال أيضاً: إنّ للحق تجلياً واحداً على الأشياء... و هذا الظهور على الأشياء هو بعينه ظهور الثانوي على نفسه في مرتبة الأفعال... فلا محاله نشأ من هذا الظهور الثانوي الكثرة و التعدد حسب تكثر الأسماء و الصفات...(3)
يقول الحافظ:
ص: 146
بي خود از شعشه پرتو ذاتم كردند *** باده از جام تجلي صفاتم كردند
بعد از اين روي من و آينه وصف جمال كه در آنجا خبر از جلوه ذاتم كردند
القسم الثالث: و هو التجلي الأفعالي على قلب العارف فلايرى فعلاً الا فعله من الخير و الشر و هذا معنى الجبر...
القسم الرابع: التجلي في الآثار للأبصار و هى لغير الكمّل من عموم الناس و هو أن يتجلي الله للسالك في صور الأشياء و لايكون الا بالفناء في المظاهر بحيث لايرى شيئاً الا و يرى الله تعالىمصوراً و هو تجلي العام.
اما القسم الخامس من التجلي تجليه تعالى في خلقه و آثاره بحيث أنّ الخلق شأن من شئونه و مرتبة من مراتبه و شعاع ذاته و هى معنى مظهرية الأشياء له تعالى.(1)
اما القسم السادس من التجلي الواردة في منطق الأيات(2) و الأخبار و
ص: 147
سيرة الأئمة الأبرار(علیهم السلام) هو التجلي في الآيات و الآثار بمعنى العلامات اذ الخلق آيات و علامات و مظاهر لوجدانه بمعنى خروجه عن حدي التعطيل و التشبيه لا إثبات العينية أو السنخية و العليّة و القول بوحدة الوجود و الموجود ولكن عند العارف السالك عند فناء ذاته لايرى شيئاً الا و هو الله جلّ و عزّ عن وصف الواصفين و أوهام المخلوقين.
ص: 148
و للحكماء بيان آخر للتجلّي و هو أنّ أصل وجود العلّة بتمام الهويّة متجلي في المعلول و ليس المعلول غير العلّة بل وجود المعلول عين الربط إلى العلّة و العلّة حد التام للمعلول و المعلول حدّها الناقص...
يقول ابن العربي: المعلول صورة العلّة و ظاهرها و العلّة حقيقة المعلول و باطنه.(1)
إنّ الصوفي يرى الوجود الواحد بالوحدة في الكثرة بالكمون و البروز و يقول باطن الخلق ظاهر الحق و ظاهره باطنه اذ الممكن عندهم سرّ الواجب و إن اختلفا في الظهور بنحو الإطلاق و التقييد فلايرون المغايرة و المباينة بينهما بل كلّ مظهر بذاتها مظهر لذاته و المظهر لاتعرف الا بمعرفة مظهره و استشهدوا على مقالتهم بقوله تعالى: هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن» فلايرون البينونة بين الشيء و ظهوره.
ذكر الإشكالات الواردة على التجلي و الظهور عند الحكيم و العارف:
لو كان ظهور العلّة منطو في ظهور المعلول يستلزم السنخية الذاتيّة بينهما هذا أولاً.
وثانياً إنّ الحكيم يرى بأنّ صرف الشيء «بسيط الحقيقة» لايتثنّي و لايتكرّر فرؤية المخلوق عين الخالق في مرتبة الظهور ثم إثبات الغيريّة بينهما «لو ثبت منهم» خلف لأنّ التجليات المتكثرة ليست الا الذات الأحديه بعد
ص: 149
ثبوت العينية و الوحدة و الكلام حول التجلي الذاتي فرع القول بوحدة الوجود و الموجود و قد استشعروا بذلك حيث صرّح بذلك ابن العربي في الفتوحات.(1)وثالثاً يرون التجلي في الأحديه لايصح لأنّ التجلّي يطلب الإثنين و لابدّ من الإثنين...
و إن قالوا بأنّ المراد من التجلّي هو التجلّي الظهوري لا الذاتي.
قلنا: لو كان المراد من التجلّي هو التعيّن «و سلّمنا بأنّ التجلّي على نوعين التجلّي الذاتي و التجلي الظهوري» فلايشك أحد بأنّ الذات لاينجلي اذ لايدرك و لايعرف حتي يتجلي و يتعين اذ هو التحديد ولكن عندهم أنّ المخلوق عين ظهور الذات و المعلول شأنه و تعينات ذاته.
فعندهم نستعيذ بالله أنّ جميع الشرور و الخبائث من ظهورات ذاته و يستند وجودها إليه تعالى.
مضافاً بأنّ قاعدة المظهريه مبتن على القول بأنّ الوجود من المقولة بالتشكيك حتي يقال: أنّ المخلوق عين ذاته في مرتبة المظهريه و ليس الأمر عندهم كذلك،
و على هذا الأساس ذهب جمع منهم على القول بالحلول و الإتحاد و اتصفوا بدخول الأشياء فيه و خروجه عنها...(2)
ص: 150
الناس في معرفة الله على طوائف ثلاث:
الأولي: طائفة لايرون للعالم مدبراً حكيماً عالماً قديراً كالطبيعيّون و منهم المعطله و النافين أو الذين أثبتوه مع التشبيه و السنخية بل العينية.
الثانية: و هى المشبّهة و هم الذين يرون إمكان إدراك الذات و هم الذين يعتقدون برؤية الحق في كلّ صورة انّهم كالهندوئيسم و البوديسم تصوروا الخالق بصورة الإنسان و تجليه فيه و استشهدوا بقوله « انّ الله تعالى خلق آدم بصورته »(1) أو « من عرف نفسه فقد عرف ربه » انّهم كالعامة حيث أنّهم تمسكوا بظاهر الآيات و أثبتوا اليد و العين و الجسم له تعالى انّهم أيضاً أبطلوا ذاته تعالى و أثبتوه مع التشبيه و السنخية بل العينية و القول بوحدة الوجود لأنّ القول بأنّ التنزيه هو عين التشبيه و تجلي ذاته بأي صورة كانت
ص: 151
هى نفس التعطيل و في الحقيقة إنّهم المعطّلون النافون.
الثالثة: مذهب التنزيه بدون التشبيه و هو مذهب أهل البيت(علیهم السلام) و هو إثباته بلا تشبيه و خروجه عن حدي التعطيل و التشبيه اذ العقل يحكم بأنّ من لم يكن موجوداً لكان موهوماً و معدوماً و أيضاً من كان بصفة المخلوق فهو محدود متعين و لاريب بأنّ الشيعة يعتقدبأنّ التكلم و التعقل و التفكر في ذاته بأدقّ معناه مسدود و ممنوع اذ يوجب الإحاطة و التحديد و التعيين في ذاته ولكنهم أخرجوه عن التعطيل و أثبتوه مع التنزيه عن التشبيه و هى المذهب الجعفريه.
فحق المعرفة له تعالى أن يعلم بأنّه شيء بحقيقة الشيئية و موجود بحقيقة الموجودية و مثبت بحقيقة الثبوت من دون المماثلة و المشابهة بشيء من المخلوقات و الشاهد على ذلك الأدلة الكثيرة.(1)
ص: 152
فكل ما نفينا عنه تعالى نحو التشبيه و التكييف و التحديد من كمال التوحيد و حق المعرفة فالله تعالى ليس بذاته و صفته نحو المخلوق و لايحيط به المخلوق و ليس له أن يعرفه و يصفه بالتفكرو التعقل في ذاته و أوصافه بل له إثباته بحقيقة الشيئية و الموجودية إثباتاً حقيقياً بدون التشبيه لا وهمياً تخيلياً بدون التنزيه و ليس في إثبات الشيئية له تعالى تحديد كما يزعم الصوفي الملحد حيث يقول:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيداً *** وإن قلت بالتشبيه كنت محدداً
و إن قلت بالأمرين كنت مسدداً *** و كنت إماماً في المعارف سيداً
ص: 153
يقول العارف الصوفي:... انّ الحق المنزّه هو الخلق المشبّه...(1)
و اخري عنهم: و نزّهه و شبّهه و قم في مقعد صدق.(2)
التنزيه: تقديس الحق عن مجانسة المخلوق و عن التشبيه و السنخية بينهما بل إظهار المغايرة و المباينة بينهما اذ العقل يحكم بمباينه المخلوق مع خالقه و الحادث عن القديم و المحدود عن المطلق ذاتاً و صفة من دون تنزله في مرتبة المخلوق حتي صار شأناً من شؤونه أو طوراً من أطواره ولكن حق المعرفة عند الحكماء و العرفاء في الجمع بين التنزيه و التشبيه مع أنّ المعنيين متناقضين و إجتماع النقيضين محال انّهم نزّهوا الحق في صورة إطلاق الوجود و في صورة التقييد هو و خلقه فشبّهوه و مخلص مرامهم على قاعدة بسيط الحقيقة كل الأشياء و ليس بشيء منها.(3)
يقول ابن العربي في أول الفتوحات:
الرّب عبد و العبد حق *** ياليت شعري من المكلّف
إن قلت عبد فذاك ميت *** أو قلت رب انّي يكلّف
يقول ابن العربي في الفصوص: فيحمدني و أحمده و يعبدني و أعبده ففي حال أقرّ به و في الأعيان أجحده...
ص: 154
لاريب بأنّ الغرض الحقيقي من بعث الرسل و إنزال الكتب هو تنزيهه تعالى عن جميع ما ينتسب إلى المخلوق في ذاته و صفته ألم تكن دعوة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في أول بعثته بإظهار وحدانيته و خلع الأندادحيث قال: قولوا لا إله الا الله تفلحوا(1) أو قال علي(علیه السلام): فبعث الله محمداً بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته.(2)
و الشاهد على ذلك المعنى الآيات(3) و الروايات(4) التي ينزّهه تعالى عن
ص: 155
شباهته مع المخلوق الدالة على التنزيه بدون التشبيه و مع ذلك كلّه كيف يجترئ عاقل من أضعف المسلمين أن ينتسب من قال لا إله الا الله أو سبحان الله إلى الجهل و سوء الأدب أو اكتفي بلفظ الله بدون لا إله.
يقول: اعلم انّ التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد و التقييد فالمنزّه اما جاهل و اما صاحب سوء أدب... و كذلك من شبّهه و من نزّهه فقد قيده و حدّده و ما عرفه و من جمع في معرفته بين التنزيه و التشبيه... فقد عرفه مجملاً...(1)
يقول الصدري الشيرازي:... إنّ الحق هو المتجلي في كلّ شيء مع انّه المتخلي عنه كلّ شيء...(2)
أو يقول في جذباته: «سبحاني ما أعظم شأني»(3) و «إنّي أنا الله» و«ليس في جبتي الا الله» و«أنا الحق» و هل إظهار هذه الكلمات من حق الأدب في توحيده؟ حاشا و كلّا! من تلك المزخرفات الموهشه التي ينزجر عنها من كان له أدني معرفة بتوحيد الله و ما جاء به رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) و الأئمة
ص: 156
المعصومين(علیهم السلام) من آل الله.
كما إشتهر من أبي يزيد البسطامي من أكابر الصوفيّة حيث يقول: «إنّي أنا الله لا إله الا أنا» أو من منصور الحلاج وغيرهما...(1)
و الأعراب الجاهلية أيضاً يرون عبادة الأصنام و الأوثان عبادة الله و يقول الله عنهم «ليقربونا إلى الله زلفي»(2) و هم قاسوا الموجود المحسوس بالله تعالى فهذا منتهى كفرهم و شركهم في التوحيد و اليوم عدة من الزنادقة
ص: 157
اخذوا دينهم عن اليونانيين و الرهبانيّون و الهنديسم و البوديسم و اتكاؤا على عقولهم الناقصة و قياساتهم المستحسنة و ركنوا على أقاويل الفلاسفة في اتخادهم المفاهيمالمصطلحة المتصورة بالإشتراك المعنوي و قاسوا المخلوق مع خالقه بالعينية و السنخية الذاتيّة حتي صار السالك عند فنائه في الذات عينه و نفسه و ادعي كفراً و شركاً و زندقة و سبحان الله عمّا يصفون.(1)
ص: 158
بعد ما بيّنا سابقاً بأنّ التقديس و التنزيه الحقيقي هو بينونته تعالى عن جميع خلقه و أوصافهم(1) فجميع أوصاف المخلوق من المكان و الزمان و التحديد و التعيين و التجسيم و التصوير و الزيادة و النقيصة من مميزات المخلوق و قال: فربنا بخلاف الخلق كلّهم.(2)
فتوصيفه بالجوهر و العرض و الجسم و الصورة مستلزم للإدراك و الإحاطة و الجسميّة و كلّها قابله للأبعاد الثلاثه مع التركيب و التحديد و التناهي مع أنّه تعالى خارجة عنها ذاتاً و صفة فليس له تعالى جسم أو
ص: 159
صورة أو مثل سبحانه و تعالى عما يصفه المتصورون بل هو شيء لا كالأشياء خارجاً عن التعطيل و التشبيه و التحديد...
يقول ابن العربي: فاذا شهدناه شهدنا نفوسنا لأنّ ذواتنا عينذاته... أي ذاته التي تعينت و ظهرت في صورتنا...
و قال أيضا في الفصوص: فالعالم بالله و مظاهره يعلم أنّ المعبود هو الحق في أي صورة كانت سواء كانت حسيّة كالأصنام أو خيالية كالجن أو عقلية كالملائكة...
يقول الصدري الشيرازي في شرحه على الكافي في نفي الجسمية له تعالى... إلى أن قال:... انّ معنى المسمّى الجسم له إنحاء من الوجود متفاوتة في الشرف و الخسّة و العلو و الدنو من لدن كونه طبيعياً فليجز أن يكون في الوجود جسم الهي ليس كمثله شيء...
أقول: الجسم في اللغه ما له طول و عرض و عمق فلايجوز وصفه تعالى بذلك و القول بأنّه جسم لا كالأجسام أيضاً باطل لأنّ إثبات الجسم مع نفيه بكونه لا كالأجسام متناقض بخلاف شيء لا كالأشياء اذ إثبات الشيئية لاتناقض بعدم كونه كسائر الأشياء...
و قد أفاد السيد الخوئي (قدّس الله روحه) بعد نقل كلامه... ليت شعري ان ما فيه هذه الأبعاد و كان عمقه غير طوله و هما غير عرضه كيف لايشتمل على ماده و لايكون مركباً حتي يكون هو الواجب سبحانه...(1)
ولايخفي على الخبير بأنّ كل ما ندركه صورة كانت أو معنى جسماً أو
ص: 160
روحاً لطيفاً أو كثيفاً ظاهرياً أم باطنياً و كل ما تشعره المشاعر الظاهريّة و الباطنيّة فهو مخلوق و خالقه منزّه عنها و قيوميته تعالى و علوه و شهوده على خلقه في جميع الأزمنة و الأمكنة لاتكون بمعنى التمثيل و التشبيه و لا سنخيّة و و لايكون بنحو الإتصاف بالمقادير و التحديد و الشدة و لاتكون معيته تعالى بصورة كل شيء تعالى الله مما تصفه الصوفيّة... و من الواضحات في توحيد الإمامية نفي الجسميّة و المماثلة مع خلقه بل المباينة و المغايرة بينهما من المصرحات في آثار أهل بيت العصمة(علیهم السلام).(1)
ص: 161
ص: 162
أما مذهب العامة و المنحرفين عن بيت الوحي و العصمة أنّهم يقولون في توحيدهم بأنّ الله تعالى جسم يرى بالعين و أنّ له تعالى حيز و مكان و له رجل و يد و ساق و أعضاء مختلفة بل وضحك فيلزم من ذلك أنّ له عزوجل حدّ و بعض و تركيب و احتياج و جميع صفات المخلوق من التشبيه و التصوير و التجسيم و من انتقال من حال و مكان إلى آخر ففي الحقيقة أنّ الله تعالى لهم ناقص محتاج بجميع صفات المخلوق من الإجزاء و التحديد و التناهي...
فملخص آراء العامة في التوحيد انّ رؤيته تعالى من الأصول المتفقه بينهم يقولون: بأنّ الناس يرون ربهم في الدنيا و في الآخره و قد سبق بأنّ توحيد الإمامية مبتن على بينونته تعالى مع المخلوق ذاتاً و صفة و أنّهم أثبتوه و أخرجوه عن التعطيل مع التنزيه عن التشبيه و التمثيل و السنخية بأدق معناه و عمدة وجه النظر نقلهم الروايات الضعيف في صحاههم المخالفة مع القرآن و العقل و الأحاديث الصحيحة الواردة عن أبواب أهل بيت العصمة الطهارة(علیهم السلام) .
ص: 163
قال: كنا جلوساً عند النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال انّكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لاتضامون في رؤيته...(1)
عن أبي هريرة عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) «إلى أن قال»:... فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك... حتي يأتينا ربنا فاذا آتينا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا؟ فيتبعونه و يضرب جسر جهنم... فلايزال يدعوا حتي يضحك الله فاذا ضحك منه اذن له بالدخول فيها...(2)
و هكذا ما جاء في صحيح البخاري ج6 تفسير سوره النساء و ج9 كتاب التوحيد.
قال قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) بينا أهل الجنة في نعيمهم اذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فاذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة و ذلك قول الله «سلام قولاً من رب رحيم» قال فينظر إليهم و ينظرون إليه...(3)
... فقال:.. فاذا انا بربي تبارك و تعالى في أحسن صورة فقالك يامحمد قلت: ربي لبيك... فرأيته وضع كفه بين كتفي قد وجدت برد انا مله بين ثديي...
و غير ذلك مما ورد في آثارهم و أخبارهم و آراء فحولهم الذي لايخفي على المتتبع الخبير.(4)
ص: 164
قال(علیه السلام) :... قال لها أين إله؟ قالت في السماء قال من انا قالت أنت رسول الله قال اعتقها فانّها مؤمنة.(1)
قال(علیه السلام) :... ثم قال: ويحك أتدري ما الله... انّ الله فوق عرشه و عرشه فوق سماواته...(2)
قال(علیه السلام) :... فلايزال يدعوا حتي يضحك الله فاذا ضحك منه اذن بالدخول...(3)
قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : يضحك الله إلى رجلين...(4)
قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : ضحك ربنا من قنوت عبادة و قرب غيره قال قلت يا رسول الله أيضحك الرب؟ قال: نعم.(5)
إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: ينزل ربنا في كل ليلة إلى السماء الدنيا حتي يبقي ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فاستجيب له...(6)
ص: 165
عن أبي هريرة عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: خلق الله آدم على صورته...(1)عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: لاتقولن قبح الله وجهك... فانّ الله خلق آدم على صورته.
عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قال:... اذا قال أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فانّ الله خلق آدم على صورته.(2)
ذكر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال قال انّ الله ليس بأعور الا أنّ المسيح الدجال أعور العين اليمني...(3)
قال سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): يأخذ الجبار سماواته و أرضه بيده ثم يقول أنا الجبار أين الجبارون؟...(4)
قال سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): ما من قلب الا بين إصبعين من أصابع الرحمن ان شاء اقامه و ان شاء اذاعه.(5)
عن أبي هريرة عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: انّ عين الله ملأي لايغيضها نفقته سحاء الليل و النهار و بيده الاخري الفيض أو القبض يرفع و يقبض.(6)
ص: 166
عن أبي سعيد قال قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يقول: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن و مؤمنة ...(1)
عن أبي هريرة قال قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم):... يقال لجهنم هل امتلئت؟ تقول هل من مزيد ؟ فيضع الرب تعالى قدمه عليها فتقول قطّ قطّ.(2)
أقول لايخفي عليك بأن إدبارهم عن أبواب أهل بيت العصمة(علیهم السلام)والناطقون عن الله تعالى جعل إلههم هواهم حتي إنتهوا في كفرهم في الله وقالوا بأنّ لله تعالى يداً و رجلاً و ساقاً و عظماً و ضحكاً و... و أثبتوا لله تعالى جميع صفات المخلوق بل لم تستحيوا و قالوا هل لله آلة الرجولية واستدلوا بآيه «و ليس الذّكر كالأنثي» كما يقول به ابن أبي الحديد بأنّ منشأ جميع تلك العقائد وجودها في صحاحهم... من دون نقل رواية خالفها أو يأوّلها و...(3)
ص: 167
إنّ الله تعالى أجل و أعظم من أن يرى بالعين اذ ليس محسوساً و مملوساً حتي يرى لإستلزامها الإحاطة به و محدوديته و صيرورته محدثاً و لتعاليه عن المشابهة و المماثلة مع المخلوق ولكن المجسمة و المشبهة من العامة (نحو الأشاعرة و ابن جنبل) يرون الرؤية منه تعالى ممكن و استدلوا على ذلك بأخبار سخيفة ضعيفة و قد سبق جملة منه ولكن في توحيد الأئمة الإثني عشر(علیهم السلام) كمال المباينة مع توحيد العامة و في ذلك روايات صحيحة كثيرة مؤيّدة بالقرآن و العقول السليمة و إليك بعدة منها .
عن الصادق(علیه السلام):... يابن الفضل انّ الأبصار لاتدرك الا ما له لون و كيفية و الله خالق الألوان و الكيفية .(1)
عن أحمد بن إسحاق قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث علي بن محمد(علیهما السلام) أسأله عن الرؤية و ما فيه الخلق فكتب(علیه السلام): لاتجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر فمتي انقطع الهواء و عدم الضياء بين الرائي و المرئي لم تصح الرؤية...(2)
عن الحسين بن علي(علیهما السلام) :... فاذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فان كل ما جاز عليه البصر و الرؤية فهو مخلوق و لابدّ للمخلوق من الخالق فقد جعلته اذا محدثاً مخلوقاً و من شبهة بخلقه فقد اتخذوا مع الله شريكاً ويلهم ألم يسمعوا يقول الله: لاتدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار...(3)
ص: 168
عن علي(علیه السلام) قال:... و انحسرت الأبصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفاً...(1)
عن الرضا(علیه السلام) قال:... انّ الله تبارك و تعالى لايوصف بمكان ولايدرك بالأبصار و الأوهام...(2)
عن الرضا(علیه السلام):.. عرف بغير رؤية...(3)
في كلام من موسي ابن عمرانعلى نبينا و آله و عليه السلام : فلما أفاق ورد عليه روحه قال سبحانك تبت إليك من قول من زعم انّك ترى ورجعت إلى معرفتي بك انّ الأبصار لاتدركك و أنا أول المؤمنين و أول المقربين بأنّك ترى و لاترى...(4)
عن أبي عبدالله(علیه السلام) : انّ الله تبارك و تعالى لايوصف بزمان و لامكان و لاحركة و لاإنتقال و لاسكون بل هو خالق الزمان و المكان و الحركة و السكون تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.(5)
قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام) : انّ بعض أصحابنا يزعم أنّ لله صورة مثل الإنسان و قال آخر انّه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبوعبدالله(علیه السلام) ساجداً ثم رفع رأسه فقال سبحان الله الذي ليس كمثله شيء و لاتدركه الأبصار و...(6)
ص: 169
في حديث الاهليلجه عن أبي عبدالله(علیه السلام):... انّي لاأري حواسي الخمس أدركته و ما لم تدركه حواسي فليس عندي بموجود قلت أنه لما عجزت حواسك عن إدراك الله تعالى أنكرته و انا لما عجزت حواسي عن إدراك الله صدقت به قال و كيف ذلك؟ قلت: لأنّ كل شيء جري فيه أثر تركيب لجسم أو وقع عليه بصر للون فما أدركته الأبصار و نالته الحواس فهو غير الله سبحانه اذا لايشبه الخلق و انّ هذا الخلق ينتقل بتغيير و زوال و كل شيء أشبه التغييرو الزوال فهو مثله و ليس المخلوق كالخالق و لا المحدث كالمحدث.(1)
عن أبي ابراهيم موسي(علیه السلام) قال: ذكر عنده قوم يزعمون انّ الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا فقال انّ الله لاينزل و لايحتاج إلى أن ينزل... انّما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة و كل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به فمن ظن بالله الظنون هلك فاحذروا في صفاته من أن تقفوا على حد تحدونه بنقص أو زيادة أو تحريك أو تحرك أو زوال أو استنزال أو نهوض أو قعود فانّ الله تعالى جل و عز عن صفة الواصفين و نعت الناعتين و توهم المتوهمين...(2)
قال دخلت على الصادق(علیه السلام): فقلت يابن رسول الله انّي دخلت على مالك أصحابه فسمعت بعضهم يقول: انّ لله وجهاً كالوجوه و بعضهم يقول له يدان و احتجوا لذلك بقوله: (بيدي استكبرت) و بعضهم يقول هو كالشاب من ابناء ثلاثين سنة فما عندك في هذا يابن رسول الله قال: و كان متكئاً
ص: 170
فاستوي جالساً و قال: اللهم عفوك ثم قال يايونس من زعم انّ لله وجهاً كالوجوه فقد أشرك و من زعم انّ لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله فلاتقبلوا شهادته و لاتأكلوا ذبيحته تعالى الله عما يصفه المشبهون بصفة المخلوقين...(1)
عن الصادق(علیه السلام): في جواب الزنديق حيث قال:... أليس هو قادر أن يظهر لهم حتي يروه فيعرفونه فيعبد على يقين قال: ليس للمحال جواب...(2)
عن الرضا(علیه السلام): في جواب الزنديق... قال فلم لاتدركه حاسة البصر؟ قال: للفرق بينه و بين خلقه الذين تدركهم حاسة الأبصار... ثم هو أجل من أن تدركه الأبصار أو يحيط به وهم أو يضبطهعقل...(3)
كتبت إلى أبي محمد(علیه السلام)... قال و سألته هل رأي رسول الله ربه فوقع انّ الله تعالى أري رسوله بقلبه من نور عظمتهما أحب...(4)
سألت الصادق(علیه السلام) عن قول الله تعالى: (لقد رأي من آيات ربه الكبري) قال: رأي جبرئيل على ساقه الدر...(5)
و قد أجاب الرضا(علیه السلام) لأبي قرة:... فكيف يجيئ رجل إلى الخلق أجمعين فيخبرهم أنّه جاء من عند الله و أنّه يدعوهم إلى الله و بأمر الله و يقول لاتدركه الأبصار و لايحيطون به علماً و ليس كمثله شيء ثم يقول: أنا رأيته
ص: 171
بعيني و أحاطت به علماً و هو على صورة البشر أما تستحيون ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخرقال أبوقرة فانّه يقول: (و انّه راه نزله اخري) فقال أبوالحسن(علیه السلام): ان بعد هذه الآيه ما يدل على ما رأي حيث قال: (ما كذب الفؤاد ما رأي) يقول: ما كذب فؤاد محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأي فقال: (لقد رأي من آيات ربه الكبري) فآيات الله غير الله... فقال أبوالحسن(علیه السلام): اذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها...(1)
أقول: الآيات النافية أكثر من الآيات المثبته مضافاً بأنّها مخالفة للعامة عقلاً و نقلاً نحو قوله تعالى: (و اذ قلتم يا موسي لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتكم الصاعقه و أنتم تنظرون).(2)
قال الله تعالى: (وجوه يؤمئذ ناظرة إلى ربها ناظرة)(3) و قال اللهتعالى: (أو نري ربنا لقد استكبروا في أنفسهم...).(4)
ص: 172
بعد التوجه إلى المباحث السابقة حول التجلي في الذات و الصفات عند قوس النزول فنبحث في قوس الصعود حول المكاشفة فنقول:
لاشبهة بأن الله تعالى منزه عن الرؤية لأنها من أوصاف المخلوق (كما أن ادراك كنه ذاته تعالى بالتفكر و التعقل و التوهم ممتنع عقلاً و نقلاً و أن إدعاء الحكماء بالمشابهة و المسانخة العقلي و بتوهّم القلوب و أنه تعالى سنخ الأشياء بل عينها و قد تجلي الله بذاته في المخلوق و هو ظاهره بصورهم و الخلق شأن من شؤونه و أطواره) ولكن الصوفيّة ادعوا المكاشفة بالوحدة الشخصية و الفناء في ذاته تعالى بالعينية بعد إندكاك إنيتهم بالحلول و الإتحاد و الوحدة.
والحق بأنّ الله تعالى عرف نفسه للخلق في جميع العوالم و في الدنيا بحيث وجدوه بقلوبهم بأنّه تعالى ربّهم و هاديهم و بمعنى وجدانه تعالى بالنور و الآيات و العقل و بالقلب و الرؤية القلبية بهذا المعنى صحيحة و هى بمعنى معرفة الوجداني لا الإدراكي وهذه غير المعرفة بالعقل و القلب بتوهم القلوب فكشف ذاته تعالى بالإدراك القلبي و الوهمي و هى ممتنعة(1) ولكن عند العرفاء و الصوفيّة بأن لمعرفته تعالى طوراً وراء طور العقل و هو الكشف فعندهم إدراك كنه ذاته بمعنى كشف ذاته بالقلب ممكن أي يكشف
ص: 173
الرب و يراه بقلبه بالمكاشفة و بتوهم القلوب بعد إندكاك إنيته و وصوله إلى حد الفناء في الذات بحيث يرى جميع الأشياء عين الحق فالكشف عندهم حجة باطنيّة و ان كان مخالفاً مع ظاهر الشرع.عن أبي عبدالله(علیه السلام) في قول الله تعالى: (و اذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) قال: كان ذلك معاينه لله فانساهم المعاينه و أثبت الإقرار في صدورهم...(1)
قال قلت لأبي جعفر(علیه السلام): أرأيت حين اخذ الله الميثاق على الذر في صلب آدم فعرضهم على نفسه كانت معاينه منهم له؟ قال: نعم... وأنساهم رؤيته وأثبت في قلوبهم معرفته...(2)
قال سألت أباجعفر(علیه السلام) عن قول الله تعالى:(و اذ اخذ ربك ...) قال(علیه السلام):... فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه وأراهم نفسه ولولا ذلك ما عرف احد ربه...(3)
سئل أميرالمؤمنين(علیه السلام):... فقيل يا أخا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: وكيف أعبد من لم أره لم يره العيون بمشاهدة الأعيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان...(4)
عن أبي جعفرالثاني(علیه السلام) قال:... ياأباهاشم... فأوهام القلوب لاتدركه فكيف أبصار العيون.(5)
ص: 174
عن أبي عبدالله(علیه السلام):... وان الرؤية على وجهين رؤية القلب و رؤية البصر و ما عنى برؤية القلب فهو مصيب و ما عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته لقول رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) من شبه الله بخلقه فقد كفر...(1)
قال علي(علیه السلام) لرجل يهودي:... لم تره العيون في مشاهدة الابصارغيرأن الايمان بالغيب من عقد القلوب.(2)
قال الصادق(علیه السلام):... وهذا أخي فعرفوه به ولم يعرفوه بغيرهولاأثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب...(3)
قال أبوعبدالله(علیه السلام):... ألست تراه في وقتك هذا (ثم قال(علیه السلام) لأبي بصير)... ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر و ليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى الله عما يصفه المشبهون و الملحدون.(4)
عن الصادق(علیه السلام):... إن العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار و لايعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته فإن قالوا فكيف يكلف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف و لايحيط به؟ قيل لهم: انما كلف العباد من ذلك ما في طاقتهم ان يبلغوه وهو أن يوقنوا به ويقفوا عند أمره ونهيه و لم يكلفوا الإحاطة بصفته...(5)
و الشاهد على ذلك الآيات الكثيرة منها ما قال الله تعالى: سنريهم آياتنا
ص: 175
في الآفاق و في أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق...(1)
منها قوله تعالى: فمن كان يرجوا لقاء ربه...(2)
ومنها قوله تعالى: قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر الي الجبل...(3)
قال علي(علیه السلام) في حديث:... ويلك ياذعلب لم تره العيون بمشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان...(4)
قال كتبت إلى أبي محمد العسكري(علیه السلام) أساله كيف يعبد العبد ربه و هو لايراه؟ فوقع(علیه السلام)... جل سيدي أن يرى و قال سألته هل رأيرسول الله ربه؟ فوقع أن الله تعالى أري رسوله بقلبه من نور عظمته ما احب.(5)
عن الرضا(علیه السلام) في قوله لاتدركه الأبصار فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لاتدركه الأوهام و هو يدرك الأوهام.(6)
قال سألت أباالحسن(علیه السلام) هل راي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ربّه عزوجل فقال: نعم بقلبه رآه أما سمعت الله عزوجل يقول: (ما كذب الفؤاد ما رأى) أي لم يره بالبصر ولكن رأه بالفؤاد.(7)
وهكذا الروايات الكثيرة الواردة لموسي(علیه السلام) عند تجليه تعالى له في الجبل
ص: 176
بنوره...(1)
قال علي(علیه السلام):... و لا بمستتر فيكشف...(2)
في وصايا علي للحسن(علیهما السلام) :... عظم أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر...(3)
قال العالم(علیه السلام):... إنما عنى ابصار القلوب و هى الأوهام فقال: لاتدرك الأوهام كيفيته وهو يدرك كل وهم...(4)
والخبير يعلم بأن الكشف الذي خلاف الشرع و البرهان ليست بحجة لكنهم يرون بأن كشفهم يصدقه البرهان و الكشف عندهم على انحاء:
منها: المكاشفة الطبيعيّة الماديّة التي يحصل في عالم الطبع نظير علوم الطبيعي و الهيئة...
منها: المكاشفة القلبية في عالم المثال نظير الرؤيا التي يراها فيالنوم...
منها: المكاشفة الروحية في عالم العقل بواسطة قدرة الروح و سيطرتها على العالم الجسماني حتي يقدر على طي الأرض و التصرف في النفوس و العالم.
منها: المكاشفة السِريّة التي يحصل للروح سر عالم الوجود عند كشف صفات الإلهية أسمائها .
ص: 177
منها: المكاشفة الذاتيّة التي يحصل للسالك الفناء في الله بحيث يرى في شهوده بأن الكثرة عين الوحدة و الوحدة عين الكثرات حتي يرى جميع الاشياء هو الحق وليس في دارالوجود غيره ديار...(1)
ص: 178
لاشبهة بأنّ الله تعالى لايرى في النوم كما لايرى في اليقظة و لا في الدنيا و لا في الآخره ولكن الصوفيّة ادعوها لدي المكاشفة إدعائهم لها إمّا شيطانيّة و إمّا نفسانيّة و كلّها ليست الا رؤية خياليّة نظير التوهمات الغير الواقعيّة النفسانية و عند ما يرى النائم أشباحاً و تماثيل في الهواء فلو كان لغلبه النفس و ممارستها فهى نفسانيّة فكيف كان فالرائي منهم يرى صورة الرب و شبحه بزعمه أنّه الله.(1)
قال الصدري الشيرازي في شرحه على الكافي / 447 نقلاً عن الغزالي في كتاب إحياء العلوم...
إنّ أهل التصوّف مالوا إلى العلوم الإلهاميّه دون الإستدلاليّه و التعليميّه فلذلك لم يصرّحوا على دراسه العلم... و اذا تولّي الله أمر القلب فاضت الرحمه و إشرق النور في القلب و انشرح الصدر و انكشف له سر الملكوت و تلئلئت فيه حقائق الأمور... و يجلس فارغ الهم مجموع القلب و لاينزع
ص: 179
فكره بقرائه القرآن و درسه و لا بالتأمّل في تفسيره و لا بكتب حديث و حفظه بل يجتهد أن لايخطر بباله سوى ذكر الله قائلاً بلسانه الله الله الله على الدوام مع حضور القلب إلى أن ينتهي إلى حاله يترك فيها تحريك اللسان و يرى كان.... و عند ذلك اذا صدقت أرادته و زكيت فطرته و قويت همته و لم يجاذبه شهواته فيلمع لوامع الحق في قلبه...(1)
ص: 180
أقول لايخفي عليك لا ميزان لصحة مكاشفاتهم و علّته خيالات أنفسهم لأنّ الشيطان سول لهم و أوحي إليهم بأنّ الله تعالى حلّ فيهم و اتّحد معهم و أنّ جميع الأشياء عين الحق حتي الأوثان و الأصنام و الشيطان فكيف القول بالمكاشفة و الغيريّة بين الله و بين الصوفي مع فرض صحة وحدة الوجود بل الموجود عندهم فتدبّر...(1)
ص: 181
لايخفي عليك بأنّ ورود الفلسفة بين المسلمين سبب لظهور علم الكلام بينهم ولكن الفيلسوف بعقله يؤمن و المتكلم هو المؤمن الذي يريد التعقل و الحكيم اتّكل على آراء اليونانيين و المتكلم هدفه الدفاع عن معتقدات المسلمين ولكن اقتبس التكلّم بغير الأحسن عنهم.
و الحق انّ المسلمين بوجود كلام الوحي من القرآن و أحاديث النبي و أوصيائه(علیهم السلام) استغنوا عن الفلسفة اليونانية و البراهين الكلاميه لأنّهم بينوا جميع ما يحتاج الناس إليها من أمر المبدء و المعاد ولكنهم دخلوا بين المسلمين أموراً و ظنوناً لايغني من الحق شيئاً اخطاؤهم الأئمة المعصومين(علیهم السلام) و صاحبها عندهم مورد الطعن و الجرح و السرّ في ورودها ليس بينهم الا سداً لباب الوحي و منع الناس عن الوفود إليهم الظاهرة من عند الخلفاء الظلمة الأموية و العباسية نحو المعاوية لعنة الله عليهم اجمعين...
ولاريب انّ تطبيق القوانين الحكميه مع ظواهرالشرع سبب لظهور علم الكلام في قوله بالجبر و نفوذ الفرق المختلفة بين المسلمين كالمعتزله.
والنهي عن التكلم بعلم الكلام أيضاً لأجل خلط المباحث الفلسفي به وهو
ص: 182
غير المجادلة بالأحسن التي وردت في منطق القرآن و الأحاديث و هذا وجه الجمع بين الروايات الناهية المانعة و الأدلة التي يجوز التكلّم لتبيين الحق.(1)
ص: 183
ص: 184
برهان المتكلم لإثبات التوحيد أيضاً نحو برهان الحكيم مورد النقاش لأنّ برهان كل منهما انّي حيث أقاموا الدليل من المعلول إلى العلّة لدي الحكيم و من الأثر إلى المؤثر لدي المتكلم فيقول الحكيم: الموجود ينقسم إلى ما يمتنع وجوده و ما لايمتنع ثم الذي لايمتنع وجوده اما أن يجب أو لايجب فالذي يجب وجوده هو الواجب الوجود و الذي لايجب هو الممكن و المتكلم يقول: الشيء الحادث الموجود اما المستلزم للقديم أو الممكن فالمستلزم لواجب الوجود هو الله و غيره هو الممكن فعلى هذا فلا فرق بين برهان الحكيم و المتكلم و لا مزيه.
المتكلم إنّ العالم حادث فلابدّ من محدث فلو كان محدثاً تسلسل أو دار و إن كان قديماً ثبت المطلوب لأنّ القديم يستلزم الوجوب...(1)
و ببيان آخر: كل شيء معقول اذا تصوّرنا و نسبنا إليه الوجود الخارجي فاما أن يصح إتصافه به أو لا فإن لم يصح إتصافه به لذاته فهو ممتنع الوجود لذاته كشريك الباري و إن صح اتصافه به فاما أن يجب اتصافه به لذاته أو لا و الأول هو الواجب لذاته و هو الله تعالى و الثاني هو ممكن الوجود لذاته و هو ما عدا الواجب من الموجودات... أقول من تأمل فيها يظهر له عليه إشكالات عديدة:
منها: جعل واجب الوجود مما يتصوره الذهن يستلزم الحد لله تعالى لأنّ
ص: 185
تصور الواجب بأي معنى تفسر توجب الإحاطة بالواجب فيكون الواجب محاطاً و قد قال أبوجعفر الباقر(علیه السلام) كلّما ميّزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق إليكم مثلكم مردود إليكم.
منها: كيف يقدر الذهن أن يتصور ماهيه الواجب مجرده عن الوجود ثم يحكم عليها بضرورة الوجود لها مع ان مهيّته تعالى عين وجوده لأنّه أحدي الذات و المعنى فلا معنى لجعل معنى الوجود أمراً وصفياً عارضاً على تلك الصورة فينقلب الواجب إلى الممكن.
منها: لا شك انّ القسيم لابدّ و أن يشترك مع القسيم الآخر فيالمقسم فالمقسم لابدّ أن يكون جاريا في جميع أقسامه و الا لايكون مقسماً فالوجود الخارجي و الصورة الحاصلة عند الذهن ساريين في الواجب و الممتنع و الممكن على نحو واحد فهذا هو القول بوحدة الوجود و الموجود.
فبالجملة إثبات التوحيد بالأدلة العقلية المستقلة لإدراك الحقائق من دون النظر إلى طريق الوحي لايكون الا قياساً في الدين و هى التكلم بغير الأحسن المخدوشه عقلاً و نقلاً ولكن طريق الصحيح لإثبات التوحيد في القرآن و عند النبي و أوصيائه(علیهم السلام) ليس على برهان الوجوب و الإمكان بل عمدة ما استدلوا به لإثبات التوحيد بتقرير برهان الحدوث و المصنوع و النظم و التدبير و التركيب والإفتقار و الإختلاف و غير ذلك...
ص: 186
الفطرة دليل ثبوتي لصاحبها لا إثباتي بمعنى انّ إنساناً لو يكبّر و خلي طبعه من دون إختلاطه بالأوهام و الشبهات و الشهوات يقرّ بفطرته على وجود الصانع و يجده بقلبه ولكنها مغفول عنها نحو المنكر الذي يقرّ بالتوحيد عند الإضطرار و هذا غير المعرفة الإثباتي بالبراهين العقلي الذي يعتقد ذاته جلّ و عزّ عن الإحاطة بذاته بالبراهين المنطقيّة و الفلسفيه فأساس دعوة الشارع إلى ا لمعرفة الفطرية و مقتضي كون المعرفة فطريّة عدم الحاجه لإثباتها إلى إقامة البرهان و الإستدلال اذ الإحتجاج و إقامة البرهان علم حصولي يحتاج إلى الإكتساب و الله تعالى ليست معرفته إكتسابية حصولية و لسنا مكلّفين بتحصيل المعرفة بالإدراك بل بتعريف نفسه و الا للزم أن يدعوا أولا بتحصيل البراهين الحكميّه و المنطقيّة و يقول أيها الناس حصّلوا المعرفة بكنه ذاته من طريق البرهان فبعدها يدعوهم إلى العبادة...
ولاشبهة لدي العارف بالله بأنّ ذاته تعالى ليست مشكوكه مجهوله حتي يدركه العارف بالمدركات و المعقولات و إقامة الإستدلال و البرهان بالإنّ أو اللّم لأنّ الإستدلال فرع المجهولية فهو الأظهر من كل شيء و فوق كل شيء.(1)
ص: 187
فالله تعالى عرف نفسه لخلقه في عالم الأرواح عند أخذ الميثاق و في الدنيا فعرفوه و وجدوه و اقروا به طوعاً أو كرهاً.
و لايخفي بأنّ المعرفة بالعلم الحصولي فعل العبد و هى غير المعرفة التي هى من صنع الله و قال الله تعالى:... انّ علينا للهدي.(1)
في فقرة من دعاء العرفة يقول:... أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك... حتي يكون هو المظهر لك و اخري فيها قال(علیه السلام): متي غبت حتي تحتاج إلى دليل يدل عليك...
ص: 188
لعباده بالمعرفة الوجداني الشهودي القلبي فظهر أنّ اداه المعرفة من العلم الحصولي و الحضوري و العقل و الوهم قاصرة عن إدراك ذاته تعالى كما بينا سابقاً بتعريف نفسه و بوجدانه و توفيقه و هدايته و ليس يخفي على البصير بمضامين الأخبار انّ المعرفة الفطري و أرائه تعالى نفسه كانت بالرؤية القلبي بدون المعرفة العقلي أو الآيه فالمؤمن آمن بفطرته و قلبه و وجد أنّ له صانعاً مدبراً حكيماً قادراً فيظهر أنّ بتلك المعرفة الفطرية تثبت حجته تعالى
ص: 190
بقلوبهم لا بالنظر إلى الإستدلال و البرهان حتي تكون الفطرة عقلياً فالله تعالى بنور العقل تعتقد معرفته لا بأنّ العقل واسطة له تعالى لأنّ الرؤية بالواسطة ليست رؤيته تعالى بل الله تعالى ظاهر أيضاً بنور العقل.
إن قلت: إنّ النفس الآدمي و بدنه و روحه مظلمه الذات فكيف يجد النور التمام و يحصل له المعرفة به تعالى.
قلت: كما أنّه واجد لنور العقل بنفسه أنّه أيضاً بتعريف الله نفسه و رؤيته وجده و أنّه تعالى بشدة ضيائه و نوره ينوّر قلوب المظلم و يهديهم.
ولكن عند الحكماء تكون إطلاق الفطرة على قضايا الفطري القياس الذي هو من مواد البرهان و هى غير المعرفة الفطري لسليم الطبع الغير المشوش بالبراهين المنطقيّة و الحكميه فتأمل!
ص: 191
لاريب بأنّ ظهوره تعالى للإنسان بحيث يجده بقلبه من دون إقامة البرهان و في مرحله إثباته بأن يعتقد بعقله و يحصل و يستند بالبراهين حتي يخرجه عن حدي التعطيل و التشبيه من دون أن يدرك كنه ذاته بأفكار العقول لأنّ يد العقل قاصرة عن الإدراك و الإحاطة بذاته و بصفته له يعرف ما هو في ذاته و كيف كنه صفته ولكن وظيفته الإقرار بوجوده بعد إقامة البرهان على إثبات الصانع معرفة غياباً و إجمالياً لا إحاطة و إدراكاً عقلياً...
عن الصادق(علیه السلام):... ولابدّ من إثبات صانع الأشياء خارجاً من الجهتين المذمومتين احديهما النفي اذ كان النفي هو الإبطال و العدم و الجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب و التأليف فلم يكن بُدّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين و الإضطرار منهم إليه...(1)
قال الصادق(علیه السلام):... ولكن لابدّ من إثبات ذات بلاكيفية لايستحقها غيره لايشارك فيها و لايحاط بها و لايعلمها غيره...(2)
عن الصادق(علیه السلام): انّ العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار و لايعرفه بما يوجب الإحاطة بصفته... و هو أن يوقنوا به و يقفوا عند أمره و نهيه و لم يكلفوا الإحاطة بصفته...(3)
قال علي(علیه السلام): دليله آياته و وجوده إثباته و معرفته توحيده و توحيده
ص: 192
تمييزه عن خلقه...(1)
قال علي(علیه السلام):... بصنع الله يستدل عليه و بالعقول يعتقد معرفته وبالفكر تثبت حجته...(2)
قال علي(علیه السلام):... لم يطلع العقول على تحديد صفته و لم يحجبها عن واجب معرفته...(3)
فالعقل يحكم بأنّ من لم يكن موجوداً لكان موهوماً و معدوماً فحق المعرفة أن يعلم أنّه شيء و موجود و مثبت بحقيقة الموجودية فعلينا إثباته أولا ثم إخراجه عن حدي التعطيل و التشبيه...(4)
إن قلت إحتجاب العقول عن معرفته يمنع من إثباته !
قلت إحتجاب العقول عن معرفة ذاته لأجل النهي عن الإحاطة به تعالى و تصوره لا إثباته بالبرهان.
ص: 193
لايخفي عليك بأن أحكم البراهين و أسهل الإستدلال و الدليل على إثباته تعالى بمجادلة الأحسن بالتذكر بالآيات الآفاقية و الأنفسية و... اذ قال الله تعالى: انّ في خلق السموات و الأرض لآيات لأولي الالباب.(1)
اذ الخبير العاقل يرى بأنّ العالم متغيّر متألف و له صانع و مدبّر و الدليل على ذلك أنّ جميعها ذا التشكل و التركيب و التصوير و الإختلاف و الفقر و... أنّها آيه مبينه معها على وجود صانع حكيم خبير فجميع المخلوقات آيات له تعالى من جهة المصنوعية و المخلوقيّة و الآيتية من دون أن يدرك بها كنه ذاته بأفكار العقول و قد استدل بها في منطق الوحي(2) و استندوا إليها في كلمات الأئمة المعصومين(علیهم السلام)(3) و احتجّوا بها على الخصم فجميعها
ص: 194
براهين صريحه يحكم العقل بها بأنّ لكل مصنوع صانع و لكلّ محدث محدث و هكذا...
فبالجملة كل من له أدني تأمّل لما ينظر إلى جميع المخلوقات بجميع ذراتها و عجائب خلقها و أسرارها من النظم و التدبير و الحكمة و... يرى بأنّ كلّها آيات له تعالى و قد قال الله تعالى: ألم يروا إلى الطير مسخّرات في جوّ السماء ما يمسكهنّ الا الله انّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون.(1)
و قد سبق تمام الكلام بأنّ المخلوقات ليست عين ظهور ذاته و شئونه و شعائه كما يقول به الحكماء بل بأجمعها آيات له تعالى على أحديته و سلطانه و عظمته و أنّها دليل على وجوده و إثباته.
ص: 195
قال الله تعالى:... صنع الله الذي أتقن كلّ شيء أنّه خبير بما تفعلون.(1)
والذي تستفاد من الأدلة العقلية على إثبات الصانع هى أنّ المخلوقات بأجمعها مصنوعات يحتاج إلى الصانع و أنّ كل شيء مؤلّف مصوّر مقدّر محدّد مدبّر و في كلّها آثار الصنعة و التأليف و التدبير و آية للصانع العزيز القدوس المتعالى عن الإحاطة بذاته و صفته بالسنخية و العينية و الشاهد على ذلك الآيات و الروايات المتواترات.
عن الصادق(علیه السلام):... فلابدّ من إثبات صانع الأشياء خارج من الجهتين المذمومتين... فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين و الإضطرار منهم إليه أثبت أنّهم مصنوعون و أنّ صانعهم غيرهم و ليس مثلهم اذ كان مثلهم شبيهاً لهم في ظاهر التركيب و التأليف...(2)
سئل أبوعبدالله(علیه السلام):... فما الدليل على صانع العالم ؟ قال وجود الأفاعيل التي دلّت على أنّ صانعاً صنعها...(3)
عن علي(علیه السلام):... بشهادة العقول أنّ كلّ من حلّته الصفات فهو مصنوع و شهادة العقول أنّه تعالى صانع ليس بمصنوع بصنع الله يستدل عليه...(4)
قال أميرالمؤمنين(علیه السلام):... كفي بإتقان الصنع لها آيه و بمركب الطبع عليها دلاله و بحدوث الفطر عليها قدمه و بأحكام الصنع لهاعبره...(5)
ص: 196
قال الصادق(علیه السلام) لإبن أبي العوجاء: أمصنوع أنت أم غير مصنوع ؟ فقال: لا لست بمصنوع فقال له الصادق(علیه السلام): فلو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون؟ فلم يحرجوا بأوقام و خرج.(1)
قال الكاظم(علیه السلام) لإبن أبي العوجاء... و هو يقول: طويل عريض عميق قصير متحرّك ساكن كلّ ذلك صفة خلقه «صنعه» فقال له العالم(علیه السلام): فإن كنت لم تعلم صفة الصنعه غيرها فاجعل نفسك مصنوعاً لما في نفسك مما يحدث من هذه الأمور...(2)
قال الصادق(علیه السلام) للمفضل:... لو رأيت تمثال إنسان مصوراً على حائط فقال لك قائل انّ هذا ظهر هيهنا من تلقاء نفسه لم يصنعه صانع أكنت تقبل ذلك؟ بل كنت تستهزء به فكيف تنكر هذا في تمثال مصوّر جماد و لاتنكر في الانسان الحيّ الناطق؟...(3)
عن الصادق(علیه السلام) «في خبر الاهليلجة»:... و لعمري ما أتي الجهال من قبل ربهم و انّهم ليرون الدلالات الواضحات و العلامات البينات في خلقهم و ما يعاينون من ملكوت السموات و الأرض و الصنع العجيب المتقن الدالّ على الصانع ولكنهم قوم فتحوا على أنفسهم أبواب المعاصي و سهلوا لها سبيل الشهوات فغلبت الأهواء على قلوبهم و استحوذ الشيطان بظلمهم عليهم و كذلك يطبع الله على قلوب المعتدين.(4)
ص: 197
و من البراهين الواضحة العقلية على إثبات الصانع و هى بأنّ الأشياء بأجمعها مدبره حادثه و الحادث يحتاج إلى المحدث القادر الذي يحدثه من بعد العدم فلايخلو اما أنّ محدثها نفسها فلايخلوا اما مكونّه نفسها بعد إن لم تكن أو حين صارت كائنة فإن كانت مكوّنه بعد العدم فهذا محال اذ يستحيل أن يؤثر المعدوم في الإيجاد نفسه و اما إن كانت موجودة فهى أيضاً محال لأنّه يلزم تحصيل الحاصل فاللازم أن يكون محدثها هو الله تعالى.
و ببيان آخر: انّ العالم حادث فلابدّ له من محدث فلو كان محدثاً تسلسل أو دار و إن كان قديماً ثبت المطلوب لأنّ القديم يستلزم الوجوب اما أنّ العالم حادث فلأن الجسم لايخلوا من الحوادث فهو حادث لأنّه لو لم يكن حادثاً لكان قديماً و حينئذ اما أن يكون معه في القدم شيء من تلك الحوادث اللازمه أم لا فإن كان الأول لزم إجتماع القدم و الحدوث في شيء واحد و هو محال أو لا يكون معه في القدم فلزم خلوّ الجسم من الحركة و السكون معاً.
قال ابن أبي العوجاء للصادق(علیه السلام):... ما الدليل على حدث الأجسام؟ فقال(علیه السلام): انّي ما وجدت شيئاً صغيراً و لا كبيرا الا اذا ضمّ إليه مثله صار أكبر و في ذلك زوال و إنتقال عن الحاله الأولي و لو كان قديماً مازال و لا حال لأنّ الذي يزول و يحول يجوز أن يوجد و يبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث و في كونه في الأزل دخول في القدم و لن تجتمع صفة الأزل و العدم و الحدوث و القدم في شيء واحد...(1)
ص: 198
ص: 199
ص: 201
قال المجلسي فائدة : اذا امعنت النظر... حصل لك القطع من الآيات المتظافرة و الأخبار المتواترة الواردة بأساليب مختلفة... بالحدوث...(1)
و من تتبع كلام العرب و موارد إستعمالاتهم و كتب اللغه يعلم انّ الإيجاد و الاحداث و الخلق و الفطرة و الابداع و الإختراع و الصنع و الإبداء لاتطلق الا على الإيجاد بعد العدم... ليس بين المعلول و علّته تقدّم و تأخّر في وجودهما زماناً.
و خالف في ذلك الفلاسفة و يرون العالم حادث ذاتاً و قديم زماناً بمعنى أنّ الحدوث الذاتي هو إفتقار المعلول إلى العلّة و عدم استناد العلّة إلى المعلول لكنه قديم زماناً يعني أن تخلف المعلول عن العلّة و إنفكاكهما في زمان محال لأنّه تجليها و شعائها بل بينهما سنخية ذاتية...
و ببيان آخر: ليس المعلول عندهم في مرتبة العلّة و هكذا الحادث بالذات مع القديم ذاتاً لكن ليس بين المعلول و علّته تقدّم و تأخّر في وجودهما زماناً.(2)
ص: 202
إن قلت انّهم يقولون بأنّ إنفكاك المعلول عن العلّة محال و الا يلزم ترجيح هذا المعلول بدون المرجّح فاللازم وجوده أزلاً فكيف مع إفتقار المعلول إلى العلّة قلت: و لايخفي بأنّ المرجّح لحدوث العالم هو فعله و إرادته فلايمتنع أن تكون حادثاً و في غير العلّة الفلسفيّه التي يتطوّر بأطوار مختلفة بل المرجّح ظهور كماله و قدرته تعالى فالله تعالى جلّ و عزّ من أن يخرج عنه شيء بالترشّح و الفيضان أو التغيير في ذاته...
إن قلت: انّهم يرون بأنّه تعالى فيّاض دائماً بإرادته الذاتيّة فلو كانت حادثاً لزم إنقطاع الفيض في زمان فالله تعالى يعطي الفضل دائماً من دون أن ينقطع فيضه فالعلّة ليست فاقداً للمعلول و المعلول في مرتبة الذات فالله تعالى دائماً مع الخلق في الأزل.(1)
والخبير يعلم بأنّ فاعليته تعالى ليس بذاته بل بفعله الحادث إن شاء فعل و إن شاء ترك و هو من كمال قدرته فلانري بأنّه عاجز حتي يقال في زمان لم يفض ولكن لايجب عليه الخلقة فهو قادر عليها و على مثلها و ضدّها و... بإختياره و إرادته من غير أن يكون إلزاماً لفعله و قد قال الله تعالى «لايسأل عما يفعل و هم يسئلون».(2)
ص: 203
الإنسان كتاب تكويني قد إنطوي في وجوده ببدنه و روحه من الأسرار العجيبه التي يتمكن كل فرد من أدني الناس فهما و علماً بالتوجه إليها لمعرفة نفسه ثمّ يعرف بها الطريق لمعرفة ربه و الإقرار بوجوده و صفاته و الإنسان شريفهم و وضيعهم أعلمهم و أجهلهم أضعفهم و أشرفهم يعرف حقيقة نفسه بأنّه جاهل عاجز فقير ضعيف لما في وجوده من الإحتياج و الاجزاء و أنّه مركّب مصوّر مولّف مقدّر مدبّر بتلك الأحوال المختلفة و يعرف بأنّ شيئيته و موجوديته بالغير فلو تأمّل و نظر فيها يعرف و يجد ربه و يعرف بأنّ فيها شواهد على آثار مصنوعيته و أنّ صانعه هو على خلافه و بها يشعر بأنّ الطريق لمعرفة ربه في سبيل معرفة نفسه و الإنسان بأدني التوجه إلى نفسه يعرفها بأنّ حقيقتها ميتيّه مظلمه روحاً و جسداً لاشعور لها و لا علم و لا قدرة و لا غيرها من الكمالات بذاته بل يفاض عليها الحيوة و العلم و العقل آناً فآناً...
ويعرف بأنّ شيئيته و موجوديته بجسده و روحه و عقله بالغير و أنّ ذاته مبائن لخالقه الذي هو الحي القيوم القادر العالم بالذات ثمّ يعرف بأن لا
ص: 204
سنخية ذاتيّة و لا عليّة و عينية و بينهما فبذلك يستدل كل شخص بأنّه مخلوق محدث مصنوع و انّ ربه إلهاً عالماً قديراً حكيماً مدبراً...
ولاريب بأنّ الطريق لمعرفة الله أولاً معرفته بذاته و بنفسه ثم إقامة الدليل على ربه لأنّ وظيفته معرفة الله إمّا من طريق نفسه و بالخلق و تستدل بها على ربه لأنّها آيه لربه...قلت: قد تبيين في باب المعرفة الفطري بأنّ الوجدان الشهودي و العرفان القلبي لتعريفه تعالى نفسه ثبوتاً حاكمة على المعرفة الإثباتي فالعارف بالله يستدل عليه بالبراهين المختلفة لإثباته و من تلك البراهين الإثباتي هو الإقرار بوجوده من طريق معرفة النفس...
وقد سبق بأنّ الله تعالى عرف الإنسان نفسه في العوالم السابقة و في عالم الأرواح و في الدنيا و عند جميع النشأت فعرفوه و وجدوه بقلوبهم بحقائق الإيمان ولكن انساهم الله تلك المعرفة لمصلحه واقعيه.(1)
ص: 205
و قد قال الله تعالى: و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلي.(1)
ص: 206
يقال لمن وضع الأمر بالعلم و الصواب في موضعه بأنّه مدبّراً حكيماً...
قال الصدوق: الحكيم معناه أنّه عالم و الحكمة في اللغه: العلم و منه قوله تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء.(1)
ومعنى ثان: أنّه محكم و أفعاله محكمة متقنة من الفساد...
والحكيم يقوم بالحق و العلم لهدف معيّن و تدبير متين بالصواب و الحق من دون أن يكون عبثاً و هو الحكيم الذي يفعل و يعطي ويمنع لغرض وحكمة وقد قال الله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن: «وهو الحكيم الخبير»(2) «والله عليم حكيم»(3) «و هو القاهر فوق عباده و هو الحكيم الخبير».(4)
قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : انّ لله تعالى تسعة و تسعين أسماء... الحكيم...(5)
الإنسان الفهيم يدرك بعقله: بأنّ إتصال جميع الكائنات و ائتلاف المتباينات و إجتماعها لايمكن الا بمريد عالم و مدبر قاهر و تدبير حكيم قادر فيتأمّل فيها و يجد بنور عقله بأنّها أدلّ شاهد على انّ جميعها تحت قدرة قاهرة و إرادة نافذة و تدبير محكمة متقنة لصانعه تعالى.
وبعد النظر فيها يعرف أيضاً بأنّ برهان الحكمة و التدبير لايثبت وجود الصانع فقط بل يفهم منه علمه و تدبيره و أنّه وضع الأمور في موضع الحق
ص: 207
و الصواب بالعلم و مع التدبير المتقن...
قال علي(علیه السلام) (في خطبته):... و ظهر في العقول بما يرى في خلقهمن علامات التدبير...(1)
عن علي(علیه السلام) :... فالويل لمن أنكر المقدّر و جحد المدّبر و زعموا أنّهم كالنبات ما لهم زارع و لا لإختلاف صورهم صانع... و هل يكون بناءً من غير بان أو جنايه من غير جان...(2)
عن هشام بن الحكم قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام):... ما الدليل على أنّ الله واحد؟ قال(علیه السلام): إتصال التدبير و تمام الصنع كما قال الله تعالى: لو كان فيهما آلهه الا الله لفسدتا.(3)
عن الصادق(علیه السلام): يامفضل أول العبر و الأدلة على الباري تهيئة هذا العالم و تأليف أجزائه و نظمها على ما هى عليه... ففي هذا دلاله واضحه على أنّ العالم مخلوق بتقدير و حكمة و نظام و ملائمة و انّ الخالق واحد و هو الذي ألفه و نظمه بعضاً إلى بعض...(4)
في توحيد المفضل عن أبي عبدالله(علیه السلام):... انظر الآن يامفضل كيف جعلت آلات الجماع في الذكر و الأنثي جميعاً على ما يشاكل ذلك ... أليس ذلك من تدبير حكيم لطيف ؟ ... فكر يا مفضّل في أعضاء البدن أجمع و تدبير كل منها... أترى من الإهمال يأتي بشيء من ذلك ؟ كلّا بل هو تدبير من مدبّر حكيم قادر عليم بالأشياء قبل خلقه ايّاها لايعجزه شيء و هو
ص: 208
اللطيف الخبير.(1)
ونحوه حديث الصادق(علیه السلام) مع أبوشاكر الديصاني في بحارالانوار ج3/32 ح5
ونحوه حديث إحتجاج الصادق(علیه السلام) مع الحكيم في الإحتجاج / 343في حديث الاهليلجة عن الصادق(علیه السلام) :... و لعمري لو تفكّروا في هذه الأمور العظام لعاينوا من أمر التركيب و لطف التدبير الظاهر و وجود الأشياء مخلوقه بعد إن لم تكن ثمّ تحولها من طبيعة إلى طبيعة و صنيعة بعد صنيعة ما يدلّهم ذلك على الصانع فانّه لايخلو شيء منها من أن يكون له أثر تدبير و تركيب يدلّ على أنّ له خالقاً مدبراً و تأليف بتدبير يهدي إلى واحد حكيم...(2)
قال الصادق(علیه السلام) للمفضل:... و كذلك جميع الأعضاء اذا تأمّلتها و اعملت فكرك فيها و نظرت وجدت كل شيء منها قد قدر لشيء على صواب و حكمة...(3)
عن علي(علیه السلام):... في الإستدلال عليه تعالى بعجيب خلقه من أصناف الحيوان و غيرها و لو فكروا في عظيم القدرة و جسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق... أفلاينظرون إلى صغير ما خلق كيف احكم خلقه و اتقن تركيبه و فلق له السمع و البصر و سوى له العظم و البشر انظروا إلى النملة في صغر جثتها و لطافة هيئتها...(4)
ص: 209
من تأمّل في جميع ما خلق الله يرى بأنّ الموجودات على تدبير و حكمة متقنة و يجد وجود النظم فيها محسوسة و مشهودة و عند مطالعة الطبيعة يحصل له فيها بياناً لنظم موجوداتها و الدليل عليها في إنسجام قوانين الخلقة و تركيبها و تجزئها و البرهان الجاري فيها هو برهان النظم و كلّما يزداد تلك القانون يسهل له طريق معرفة الله فيها فوجود المخلوقات مع تلك الخلقة المنتضمة لاينسجم و لايستحكم الا عن العالم القادر الحكيم المدبر واستحكامها دليل على أنّ ناظمها متّصف بالعلم و الإرادة و التدبير والحكمة.
فبالجملة الإطلاع على عجائب الخلقة و أقسامها و النظم و الترتيب فيها سبيل إلى معرفة الله الحي القيوم الحافظ المدبّر المنظم الحكيم...(1)
ص: 210
إنّ الدهري و الطبيعي ينكر وجود الصانع للعالم و يرون الخلقة صادرة عن الطبيعة بالإتفاق و لاترى لها ربّ فكلّهم عطّلوا الله فيسأل عنهم (بأنّه لو كان الخلقة اتفاقي) فهل تلك الطبيعة مع الشعور أم لا؟ فلو كانت شاعرة فشعوره بأي شيء؟ و لو كانت من الطبيعة الغير الشاعرة فكيف تلك الأوضاع المنتظمة يصدر من الطبيعة الغير الشاعرة اذ لايصدر عنه شيء من الكمال و...
يقول المنكر لله تعالى لو كان للعالم صانع فيلزم أن يكون محسوساً و جوابه أولا: إنّ العقل و الروح و... أيضاً ليست بمحسوس فلايدلّ على عدم الوجود و ثانياً لاتنحصر العلم بوجود المحسوس فقط بل يحصل العلم بالقلب و العقل أيضاً...(1)
ص: 211
المنكر و الطبيعي و الدهري يقول: انّ الإعتقاد بالغيب لابدّ و أن يحتاج الإنسان إلى فهمه و إدراكه فلسنا نحتاج لرب لايدرك و لايعقل ؟
فنقول: انّا لاندرك عقولنا و نفوسنا بحقيقتها فهل تدلّ على عدم الوجدان هذا أولاً.
وثانياً: الذين يدّعون بانّ للعالم رب يدعون بأن الهنا فوق المادةو الطبيعة و العليّة بل هو الظاهر بذاته و يجده كلّ إنسان بفطرته فالهنا ليس بمعقول و مدرك بل وظيفتنا خروجه عن حدي التعطيل و التشبيه و عن جميع ما يتّصف به أنفسنا.(1)
واستشكلوا أيضاً: بأنّ الخلقة تكون بالإتفاق و الإهمال و قال الله تعالى عنهم «و ما يهلكنا الا الدهر» و دليلهم فيها أولاً: بوجود الآفات.
وثانياً: لو كان من حكيم مدبّر منظم و عن عمد فلايتّفق فيها خوارق العادات بل على نسق واحدة.
و يقال أيضاً أولاً بأنّ وجود الحوادث دليل على محدثه لمنفعه أو مصلحه فلايلزم انّه على غير عمد من حكيم مدبر.
ص: 212
وثانياً: لو اتفق خلاف العاده فانّما هى دليل على اختيار الحكيم فكم من التقادير التي اجراها الحكيم لهدايه الخلق و استكمالهم كما في وقوع الزلزله لموعظه أو ترهيب نحو الإبتلائات بالأمراض و الأموال و...(1)
فبالجملة وجود الأفاعيل دليل على وجود فاعل حكيم مدبّر منظّم و استحكام الصنع مع تلك الإنتظام دليل على أنّ صانعها متّصف بكمال و حكمة و إرادة و إختيار...
انّما الكلام في انّ هذا النظام الواحد مع تلك الأجزاء و الإختلاف تدلّ على أنّ ناظمها واحد اذ لوكان إثنين يصدر منهما الخلق المختلف المتضاد في كليهما ولكن الكلام في أنّه هل يدلّ على وحدة النظام أيضاً...؟
ص: 213
لاشبهة بأنّ النظم في جميع ذرّات العالم مشهودة و موجودة و كلّها دالّة على انّ ناظمها واحدة...(1) ولكن هل تدلّ على أنّ الله تعالى إنتظم نظاماً واحداً تاماً كاملاً لتدلّ على أنّه واحد ؟
لا ريب انّ جميع الموجودات مرتبطه و منتظمة بالنظم الواحد في جميع ذراتها من الجماد و النبات و الحيوان و الإنسان و الأفلاك بجميع شئونها و حركاتها بحيث لايتمّ فعل أحد منها من دون الآخر و فيها دليل على انّ خالقها و صانعها أيضاً واحد حقيقي...
لاتقول فاللازم على ذلك بأنّه عاجز على خلقه نظام آخر مثله أو ضدّه أو نحوه إلى ما لايتناهي بل انّه حكيم خبير قادر بالإختيار على خلقه النظات الكثيرة ولكنه تعيّن هذا النظام بمشيته و إيجاده من العدم من دون سابقة أزليّه و قد جاء في فقرة من زيارة الجامعة : ... و تمام نوره ...
ولكن الفلاسفة يقولون: بأنّ الواحد لايصدر منه الا الواحد...(2) وهو
ص: 214
العقل الأول و سائر الموجودات صادرة منه بواسطته و هم يرون صدوره بواسطة المشيّة المتجليّة عن ذاته بنحو الترشح و الفيضان من ذاته و عندهم أن العلّة التامّة الواحدة المطلقة البسيطة لاتكون لها الا معلول واحد بسيط و سائر الأشياء منه إنّهم تمسّكوا بقول مولانا الرضا(علیه السلام) للعمران الصابي:... ياعمران أليس ينبغي أن تعلم انّ الواحد ليس يوصف بضمير و ليس يقال له أكثر من فعل و عمل و صنع...(1)
والخبير يعلم بأنّ الإمام(علیه السلام) بصدد دفع ذلك التوهّم بأنّ إرادته تعالى ليست نشأه من الضمير مثلنا ولكن ليس يقال له بأكثر من فعل فقط و هذا غير ما استفادوا منه بأنّ المشيّة هى المتجليّة من ذاته بنحو الترشّح أو الترتيب...
و من جانب آخر أنّ وحدة النظام دليل على عدم التمانع و الفساد اذ لو كان المؤثر غير الله و إرادة خالقين يستلزم عجز الآخر أو عجزهما أو لزم إرادتهما متمانعين لخلقه العالم و توجب فساد العالم...(2) و قد بين الله تعالى في
ص: 215
كتابه فقال: لوكان فيهما آلهه الا الله لفسدتا.(1)
فقال الله تعالى في كتابه المجيد: ما اتخذ الله من ولد و ما كانمعه من إله اذا لذهب كل إله بما خلق.(2)
ص: 216
أعظم برهان الحكيم المتألّه برهان صرف الوجود و هو البرهان الصديقين عندهم و هو انّي ثبوتي
من أوثق البراهين و امتنها عندهم الذي استشهدوا به هو برهانهم المسمّى ببرهان الصديقين و هو ثبوتي إنّي و هو أنّ حقيقة الوجود إما واجبة و إما تستلزمها فاذن الواجب بالذات موجود و هى المطلوب...(1)
ص: 217
وببيان آخر: لاشبهة بأنّ الإنسان يدرك وجود موجودات فيكون فيها موجوداً واجب الوجود بديهية و الا مفتقراً لوجوده إلى علّةموجده و الوجودات الممكنة المعلّلة تفتقر لوجوده إلى غيره لأنّ العدم ليس منشأً للأثر...
فخلاصة الكلام: انّ الله تعالى علّة العلل و صرف الوجود المطلقة السارية في الممكنات و لا موجود سواه و بعد التنزّل تصير موجوداً فحقيقة الوجود مطلق بسيط من دون حدّ و تعيّن ولكن في قوس النزول تصير ممكناً فما سوى العلّة صادرة عن ذاته و مرتبة من مراتبه و شئونه فالوجود واجب و ممكن و حقيقتهما واحدة و بينونتهما بالإعتبار...
ولايخفي بأنّ عمدة إتّكاء هؤلاء على محدودية الوجود بالعدم في الممكن دون واجب الوجود الذي لا إقتضاء فيه للعدم لأنّ وجوده المطلق البسيط هذا أولاً...
وثانياً: سلسله تلك الموجودات و المعلولات إلى وجود الواجب الثابت الأزلي و هو العلّة.
وثالثاً: صرف الوجود هو الحقيقة الغير المتناهية لوجوده بخلاف المتناهي المحدود انّهم استشهدوا لذلك بروايات نشير إليها إجمالاً...(1)
ص: 218
والخبير البصير بعد مابيّنا سابقاً و ما يأتي عليه يجد بطلانهكالشمس في رابعه النهار...
ولاشبهة بأنّ إطلاق الوجود على الله في مذهب أهل البيت بمعنى الثبوت و الخروج عن التعطيل و التشبيه لامفهوم الوجود المطلق البسيط الغير المتناهية المصطلحة المقابل مع الوجود المحدود المركب المتناهي النقيض للعدم لأنّها من صفات المخلوق... فالخالق ليس في رتبه المخلوق فعلينا خروج معنى الوجود فيها بالتغاير المفهومي لأنّ التنزيه يقتضي عدم السنخية فالله تعالى موجوداً مثبتاً بحقيقة الموجوديّة من دون أن يفهم و يدرك مفهومه فإطلاق الوجود المطلق على المقيد بالمعنى المصطلح تقتضي السنخية بل العينية بالتقابل و الإشتداد و الضديّه
فبما أنّه تعالى أحدي الذات و المعنى فلايقبل وجوده التقسيم إلى الواجب و الممكن و المطلق و المقيد و البسيط و المركب و المتناهي و اللامتناهي اذ الواحد الحقيقي لايقبل الزيادة و النقيصة و الشدة و الضعف و لو وهماً.
و تصوّر صرف الوجود المطلق البسيط مع فرض توهّمه بأنه جميع الأشياء يوجب إنحلال بساطته و إطلاقه إلى التجزء و التقييد فهذا قول من
ص: 219
قال بأنّ الوجود من المقولة بالتشكيك ثم الإتّحاد و الحلول.
وقد سبق بأنّ وجوده أحديّ الذات و المعنى و ليس في ذاته تعالى تغاير مفهومي بحيث يطلق تارة على الله بل وجوده « بمعنى ثبوته» عين ذاته مع عدم إدراكنا مفهوم الوجود فوظيفتنا خروج مفهومه عن التعطيل و التشبيه و تارة على الموجود و الحكم في كليهما بمعنى واحد فمعرفته تعالى بالوجود المتوهّم المتصوّر بالتغاير المفهومي دليل على تعدّد الذات مع أنّه أحديّ الذات و المعنى...
فتبصر حتي تعلم بأنّ الغيرية الحقيقيّة حاكمة بين الخالق و المخلوق... فلو أثبتنا معنى غير ماينتزع من المفهوم العام التصوري فهى التنزيه الحقيقي فلاتكون تعطيلاً و محدوداً فعلينا خروجه عن التعطيل و التشبيه بالمعنى الغير الخلقي فمفهوم الوجودالمصطلح الإنتزاعي من الوجود و العدم...(1) و تقسيم الشيء إلى الوجود و الماهية و إطلاقه عليهما ليس في محله...
ص: 220
مضافاً بأنّه لو كان الله صرف الوجود المطلق كيف يتجزّي ذلك الوجود إلى الموجود الذي يقبل التغيير و التجزّء و خواص صفات الممكن في ذاته و بين وجود الواجب البسيط الذي لايقبل اذ يلزم إنقسام الوجود المطلق بعدد الخلق و بالنتيجة يوجب القول بتعدّد القدماء...
وأضف إليه لو كان الله هو الوجود الصرفه المتوهّمة يلزم منه تعريف ذاته تعالى مع أنّنا عاجز عن إدراكه وتعريفه.
و أيضاً: لو كان المخلوق ظلّ الوجود و شعائه و مرتبته يلزم منه التشبيه و التعيين في ذاته و هو في مذهبنا ممنوع و منفية عنه تعالى(1) و قد سبق بطلانها مراراً ولكنّ هؤلاء يدعون بأنّ كنهه فيغاية الخفاء بعد تجزئتهم ذاته إلى جميع الموجودات مع انّه أحدي الذات و المعنى فبالحقيقة عرفوا ذاته بالتحديد و التشبيه و التعيين بعدد الخلق و هى تحديد الذات.
و الخبير يجد مواقع زلّات كلامهم و معتقدهم عند ملاحظتها فتدبر...
ص: 221
توحيد الحكماء و العرفاء في وحدة الوجود بل الموجود وأنّ الله تعالى واحد حقيقي لا إعتباري
لا ريب بأنّ الله تعالى واحد حقيقي لا اعتباري و ليس له جزء و لا شريك و لا مصاحب و لا مثل و لا عدّ اذ فيها الحدّ و فيها إثبات صفات المخلوق و لا ريب بأنّ توحيده تعالى نفي التشبيه و بينونة بينه و بين خلقه...(1)
و قد قال(علیه السلام):... كمال التوحيد نفي الصفات « الخلقي» عنه و معنى قوله « الله أحد» أي المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه و الإحاطة بكنهه و الله تعالى فرد بإلهيته متعال عن صفات خلقه...(2)
والوحدة على نحوين: إما الوحدة الحقيقيّة التي لاتقبل التكثّر و التعدّد و الزيادة و النقيصة و أخري الوحدة الإعتبارية و هى فرض الموجود المتجزّي العددي و المقداري واحداً و قد سبق بأنّ التوصيف بالتناهي و عدمه يكون من صفات الموجود المقداري لأنّقابليه الزيادة و النقيصة فيها موجودة.
ص: 222
و مراد الفلاسفة من الوحدة الحقيقيّة إمّا من جهة عدم تناهي الوجود و بساطته و أنّه كلّ الأشياء و إمّا لأنّ الوجود المطلق اللامتناهي لايبقي معه وجود للغير أقول تصوّر الوحدة بعد فرض بساطة الوجود و إطلاقه ثم يفرض بأنّه كلّ الأشياء فهى الوحدة الموهومة الإعتبارية لا الحقيقيّة....
ولاشبهة بأنّه ينفي عن ذاته تعالى التركيب و التجزء و هو أحدي الذات و المعنى فلهذا لاتختلف ذاته شدة و ضعفاً و زيادة و نقصاناً بحيث توجب التبعيض في أحديّته و لو وهماً و إعتباراً و الله تعالى واحد حقيقي لايقبل التقسيم و التجزء في أحديته في العقل و الوهم و في الوجود فتدبّر...(1)
ص: 223
قبل الورود في ذكر إستدلالهم و نقدها إجمالاً لابدّ لنا من ترسيم أقوالهم حول الوجود و إقامة الدليل لوحدة الوجود بعد فرض صحة إطلاق صرف الوجود عليه تعالى و إصالته و بساطته فنقول: يتصور الوجود مع فرض اعتبارية الموجود عند أهل الحكمة و العرفان على أقسام:
القسم الأول: القول بكثرة الوجود و الموجود.
القسم الثاني: القول بوحدة الوجود و الموجود و هذا قول الصوفيّة و حاصله إعتبارية الكثرات و ليس وجود غير وجوده تعالى أي «ليس في الدار غيره ديّار».
القسم الثالث: وحدة الوجود و كثرة الموجود.
القسم الرابع: وحدة الوجود و الموجود في عين كثرتها.
و هذين الأخيرتين مختاري الصدري الشيرازي فعنده: إن الوحدة حقيقياً يحكم فيها بأنّ للوجود و كثراته درجات و الوحدة فيها تشكيكي في عين الوحدة السنخي و إن كانت الوحدة في الوجود حقيقي و الكثرة مجازي و إعتباري فلا وجود غيره و هى قوله في الحكمة المتعالية فعنده حقيقة الوجود واحد بسيط و وجود سائر الموجودات إعتبارية محضة لكن الأول علّته و باقيه معلولها فعلى هذا بمقتضي قاعدة الوحدة عدم الإثنينية في الوجود و هو الخالق و المخلوق و العابد و المعبود و العلّة و المعلول و الآمر و المأمور و هكذا...
لكنه بصدد دفع توهم الإثنينية بالفرق الإعتباري بانّ الموجود هو تطوّر الوجود المطلق و مرتبته أو ظلّه أو شعاعه أو خلقه بمعنى انّ الوجود في
ص: 224
الواجب واجب و في الممكن ممكن شدة و ضعفاً و زيادة و نقصاناً و بساطة و تركيباً عندما كان الوجود تشكيكياً.
و قد سبق لبيان المعصومين بأنّ وجود الواجب لا تكون سنخيا بل تباينياً لاتعدد فيه لاحقيقة و لاإعتباراً...و من البديهة عندنا إعتبار الإثنينيّة لايرفع الإشكال لأنّ إتحاد الخالق مع المخلوق خلاف موازين العقل و الشرع اذ لاتكون أدني الشباهة بينهما فكيف القول مع السنخية أو العينية في ذاتهما فالله تعالى قديماً و المخلوق حادثاً كما حققناه سابقاً.
ص: 225
إنّ القائلون بوحدة الوجود يقولون: انّ الله تعالى عين الكل و الكلّ عينه بالوحدة الشخصيّة بقولهم ليس غيره تعالى شيء في دار التحقق و الوجود منحصرة به تعالى بالوحدة الشخصيّة و هو الذي يترائي و يتجلي و يترشّح بصورة الخلق «هى الوحدة الإعتبارية» ولاريب انّه إنكار لضروري التوحيد و الأديان.(1)
ولكن القائل بالوحدة الحقيقيّة يقول: إنّ الله تعالى واحد و ليس له جزء و لا صورة « و لا شباهة بينهما و هو أحدي الذات و المعنى» و الموجودات مخلوقات كثيرة حقيقية و لا سنخية و لا عينية بينهما فالله تعالى موجوداً واحداً مثبتاً بحقيقة الموجوديّة و الوحدة الحقيقيّة لا الوحدة المفروضة الموهومة الإعتبارية... لأنّ فرض الوجود الغير المتناهي و الصرافة و الإطلاق و البساطة في الوجود إعتباري غير حقيقي اذ ليس له وجود حقيقي و كل موجود مطلق و بسيط و غير المتناهي بالإعتبار لشيء آخر و بالنسبة معه مقيّد و متناه و كلّها من خواص الموجود المقداري و الأجزائي والله تعالى منزّه عن صفات المخلوق المتجزي بل هو أحديّ الذات و المعنى(2) و ذات القديم لاتكون مبدء الحادث بالولاده و الفيضان و الترشح مضافاً بأنّ
ص: 226
توصيف الرب بوصف الوجود الغير المتناهي توجب إضافه الغير المتناهي بوصف زائد على الوجود كما فيإضافه المتناهي بالوجود و سيأتي الشواهد الكثيرة عن كثير من فحول الصوفيّة والفلاسفة وفي رأسهم ابن العربي والصدر الشيرازي و من تابعهما حولها.
و لاتغفل عمّا يقال: إنّ تقسيم الوجود إلى مقام الأحدّيه أو الواحدّيه و...
لأنّها منفية عنه تعالى و لو في الوهم لصراحة قول أميرالمؤمنين(علیه السلام) ... حين سأله عن معنى الواحد... قال: انّه تعالى لاينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم...
و عن الرضا(علیه السلام):... يوحّد و لايبعّض...
والخبير يعلم إدعاء الوحدة الشخصيّة بين الله و خلقه حتي يصير الخلق سنخ المخلوق بل عينه غير ما هو متوجّه العبد إلى نفسه و إعراض الإنسان عما سوى الله و عدم الإلتفات إلى نفسه بحيث جميع أوقاته مشغولة بذكر الله و قلبه فارقة عن غير الله و هى المطلوبة عند الشارع و هى المقصودة من خلقه العبد ولكن ليس هذا مراد القائلين بوحدة الوجود و الموجود كما هو ظاهر لمن تأمّل في كلماتهم فتبصر حتي تعلم مواقع زلّاتهم...
ص: 227
عمدة ما استدلّوا على وحدة الوجود أمور:
الأمر الأول: الحقّ أنّها حقيقة واحدة في عين أنّها كثيرة لأنّها منتزع من جميع مراتبها و مصاديقها المفهوم الوجود العام البديهي و من الممتنع إنتزاع مفهوم واحد من مصاديق كثيرة بما هى كثيرة غير راجعة إلى وحدة ما...(1)
و جوابه أولاً إنتزاع مفهوم الوجود من الحقيقتين المختلفتين في الخارج ممكن و لايستلزم وحدة الحقيقة و كل منهما موجود و لو مع التغاير...
و ثانياً هذا في المفاهيم الحقيقيّة صحيحة و لا في المفاهيم الإعتبارية الإنتزاعيّة و الوجود من المفاهيم الإنتزاعيّة.
و ثالثاً قد سبق بأنّ وحدة السنخية في الذات غير صحيحة و الوجدان و الوحي دالّة على تعدّد السنخية الذاتيّة... و غير ذلك من الاجوبه التي أعرضنا عنها إختصاراً...
و الأمر الثاني: الموجودات الواقعه في سلسله المعاليل يتشكّل حقيقة واحدة يتقوّم جميعها بالواجب.
و جوابه أولاً قد سبق بأنّ العليّة باطلة رأساً فوجود الأشياء بالإبداع لا بإعطاء المعطي من ذاته ترشحاً و عليّة...
و ثانياً العليّة تقتضي الإيجاب و الله تعالى ليس في فعله موجباً مضطرّاً.
و ثالثاً يلزم منها إنتفاء وجود العلّة عند إنتفاء المعلول و بالعكس... لإستحالة إنتفاء المعلول بدون إنتفاء علّته...
ص: 228
و رابعاً لو كانت بنحو العليّة يلزم تعدّد القدماء اذ الإنفكاك بين العلّة و المعلول محال...
و خامساً من قال بلزوم العليّة يلزمه القول بالسنخية الذاتيّة و قدسبق بطلانها...
و سادساً على فرض الصحّة يلزمهم الإعتقاد بقاعدة الواحد لايصدر منه الا الواحد و هى باطلة أيضاً كما سبق...
الأمر الثالث: انّ معطي الشيء ليس فاقداً له و لازمه الوحدة بينهما...
و فيه أولاً لو كان المعطي إعطائه عن ذاته فهى صحيحة لكنه تعالى إعطائه بالإبداع لا من ذاته.
و ثانياً فاعلّيته تعالى بالمشيّة لا بنحو العليّة عن ذاته حتي ترى الوحدة بينهما...
و الأمر الرابع: انّهم يرون بأنّ وجود المعلول حدّ ناقص لوجود العلّة و العلّة حدّ تامّ للمعلول فانّ المبائن لاتكون حدّاً و آيه للمبائن فاللازم الوحدة بينهما.
و فيه أولاً لزوم الإتحاد بين الحدّ التامّ و الناقص يلزم القول بالقياس في ذاته بينهما و هو ممنوع...
و ثانياً يستلزم السنخية الباطلة و غير ذلك...
فبالجملة انّهم يرون بأنّ الأصل في التحقيق هو الوجود و عندهم الوجود واحد بسيط و العليّة حاكمة بوجود الوحدة بين الوجود الحق و الخلق و الفرق عندهم اما بالوجه أو الظل أو تنزل الرتبه.
ص: 229
و عدة منهم يرون انّه هو هو بعينه و استشهدوا على ذلك بآيات و روايات تأويلاً أو تدليساً و إليك بالإشارة إليها إجمالاً و الخبير يجد زلات أقدامهم فيها فتدبّر.
منها قوله تعالى: «انّ من شيء الا عندنا خزائنه»(1) أي أنّه أصل الوجود و الموجودات عنه و فيه أولاً لم تكن في الآيه « فينا» حتي يتوهّم هذا المعنى و ثانياً أنّ الآيه خارجة عن هذا المعنى تنزيلاً و تأويلاً.
و منها قوله تعالى: « كلّ يعمل على شاكلته»(2) و فيه أيضاًالمشاكلة بمعنى النية و الطريقة لا المثلية و الخطاب متوجه إلى المخاطبين.
و منها قوله تعالى: «ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظل»(3) إنّ تفسير الآيه على وحدة الوجود من دون دليل و من غير ما يرضاه صاحبه و لايخلو من تأسّف و استشهدوا على ذلك بروايات منها:
عن علي(علیه السلام) :... توحيده تمييزه من خلقه و حكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة...(4)
أقول: قد بيّن الله تعالى عدم البينونة العزلي في قوله تعالى« و هو معكم أين ما كنتم»(5) و « و نحن أقرب إليه من حبل الوريد» و هكذا و ليس فيها إتحادهما و وحدتهما و قد روي فيها:
عن أبي عبدالله(علیه السلام) في قوله تعالى « ما يكون من نجوي»(6) فقال: هو
ص: 230
واحد و أحديّ الذات بائن من خلقه و بذلك وصف نفسه و هو بكل شيء محيط بالإشراف و الإحاطة و القدرة... لا بالذات... فاذا كان بالذات لزمه الحواية...(1)
و الإستشهاد بآيه النور لوحدة الوجود في غير محله و هو كما ترى في التفاسير بمعنى أنّ الله هادي الخليقه لا المعنى المصطلحة أو التأويل المنفي المتخذة من مشرب العرفان و الحكمة...
و التمسّك بفقرة حديث النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): كنت سمعه و بصره و لسانه و يده. يحتمل وجوها و منها: « نور سمعه و بصره...» أو أنّ الله تعالى « أحبّ إليه من سمعه» أو « لكثرة تخلقه بأخلاق ربه» و هى غير ما استفادوا منها لوحدة الوجود و مما استدلوا بها علىوحدة الوجود قوله تعالى: « و أينما تولوا فثمّ وجه الله»(2) و فسّروا الوجه بالذات.
ولاشبهة بأنّ تفسير الوجه بالذات من غير دليل و غير مرضي لصاحبه و هو منهي و الوجه إمّا الدين أو نبيّه أو وصيّه أو كلّ ما يتوجه به إلى الله و ليس فيها معنى الذات فتدبّر...
ص: 231
قال الصدري الشيرازي لسهرودي: شيخ أتباع المشرقيّين المحيي رسوم الحكماء الفرس...
و قال:...مثل الانواع الطبيعية التي أثبتها أفلاطون و أفلاطونيّون... ونحن قد أحيينا رسوم المتقدمين في القول بهذا المذهب.(1)
بعد التأمّل في المعتقدات الملل المختلفة من مسيحيّه اليونان و بودائيّه الهند و الزرتشت في الفارس و سائر الزنادقة من الملل المنحرفه يرى بأنّ مسألة وحدة الوجود متداوله بينهم و من معتقدهم و يجد بأنّ القول بها فكره قديمه حتي من المادي و الدهري و الطبيعي الذي يقول بأنّ مرجع كل شيء إلى المادّة و هى عند التأمّل أقوي عنصر تنتهي إليها المادّة و تستند إليها و هى أصلها و قد سبق الإشارة إليها.
إنّهم يرون الوجود الواحد كلّ الأشياء و كلّ معبود هو الحق في أي صورة كانت حيواناً كان أو جماداً لأنهما مظاهر الحق صنماً كان أو كوكباً أو شمساً أو ملكاً اذا العارف يرى الله عين كل شيء فلايجوز حصر معبوده في شيء من الصنم و الإنسان كما كان فرعون يعترف بوجود أرباب دونه ولكنه أعلاهم فقال الله تعالى عنه حيث قال: أنا ربّكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخره و الأولي.(2)
و كان ينفي الألوهيه لغيره و يهدّد موسي أن يتخذ إلهاً غيره فقال الله
ص: 232
تعالى عنه: قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلّنك من المسجونين.(1)
و قال أيضاً: قال فرعون يا أيّها الملاء ما علمت لكم من إلهغيري.(2)
إنّ فرعون جعل الأصنام أرباباً فكانوا يعبدونها فيقول أنا ربها الأعلى و ربّكم جميعاً و كان وثنياً يعبد الآلهة و...
وقد بين الله تعالى في كتابه مرام النصاري في قولهم « لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح» و قال ابن العربي: انّ النصاري انّما أخطأوا حيث قالوا إنّ الله هو المسيح بن مريم و لم يقولوا إنّ الله هو العالم كلّه فلو قالوا كذلك إرتفع عنهم الخطاء بالمرّه... (3)
ص: 233
فمن هذا يترائي لهم الشيطان في أيّ صورة كانت لاغوائهم و يقول لهم: إنّي أنا الله...(1)
و مؤدي كلام القائلين بوحدة الوجود و الموجود في الحقيقة هو بعين معتقدات اليهود و النصاري من الفرعون و الشيطان و سائر الزنادقة و الثنويه...(2) و مقالتهم في ذلك على حد الكفر بالله الواحد الأحد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد...(3)
من عقائد عرفاء اليونان طائفة من الصائبين الجرنانية و هم جماعة من الصائبة و هم يقولون: الصانع المعبود واحد و كثير.(4)
يقول برمانيدس تلاميذ اكسيوفان: لايعتقد العاقل الا بوجود واحد الذي هو كل الوجود و وجود الكل.(5)
قال فلوطين في المسيحية: هو كلّ الأشياء ولكن ليس بشيء منها و الموجودات جميعاً فيضان و ترشح من ذلك...(6)
ص: 234
قال انكساغورس: إنّ أصل الأشياء جسم واحد موضوع الكل لانهاية له... و ربما يقول هو الباري تعالى...(1)
من عقائد عرفاء الهند(2) إنّ ذات الحق المقدّسه تتصوّر بكلّ صورة... و من الذّره إلى الشمس كلّها عين ذات الحق...(3)
ص: 235
و من عقائد الفرس و الزردشت يقولون: ليس للعالم وجود في الخارج و كلّ
موجود هو الحق.(1)
و منهم من يقول: و ليس لغير الله وجود بل وهم و خيال.(2)
و من إعتقاد حسينعلي بهاء من معتقدات البهائيه :
فلايرى في هيكلي الا هيكل الله... و لا في كينونتي الا كينونته و لا في ذاتي الا ذاته... قل لم يكن في نفسي الا الحق و لايرى في ذاتي الا الله.. إنّني أنا الله لا إله الا أنا...(3)
يقول الفيلسوف الآلماني المسمى بگوته: إنّ الخالق والمخلوق شيء واحد.(4)
و من عقائد الصوفيّة في وحدة الوجود منها الشيخ العطار في قصيدته:
هر كه از وي نزند أنا الحق سر *** بود او از جماعت كفار
و عن الجنيد(5):
چو دوئي از ميانه برخيزد *** تو نماني او كند اقرار
من همي گويم و همي شنوم *** نيست در دار غيره ديّار
و قال السيد الجزائري و كان من أعاظم الصوفيّة عندهم الشيخ العطار...(6)
أرسل إليه جلاداً يأخذ رأسه ثمّ قال له الشيخ العطار: أنت ربي بأيّ
ص: 236
صورة شئت فتصوّر و مقالاته في وحدة الوجود كثيرة.(1)
و كثيراً ما يقول أبويزيدالبسطامي: سبحاني سبحاني ما أعظم شأني.(2)
و كثيراً ما يقول أبويزيدالبسطامي: ليس في جبّتي الا الله.(3)
و من أشعار أبويزيدالبسطامي:
گفت مستانه عيان آن ذو فنون *** لا إله الا أناها فاعبدون
نسيت اندر جبه ام غير از خدا *** چند جوئي در زمين و در سما
ج4 المثنوي و منهم منصور الحلاج(4)
بيني و بينك اني ينازعني *** فارفع بفضلك اني من البين
قال ابن نديم في الفهرست: انّ الحلاج يدعي عند أصحابه الإلهية.(5)
و من قوله «أنا الحق» و« ليس في جبّتي الا الله» و قد ورد توقيع صاحب الأمر(علیه السلام) بلعنه.
و منهم أبوالحسن خرقاني يقول في أشعاره:
هست توحيد مردم بي درد *** حصر نوع وجود در يك فرد
ليك غير خداي عزوجل *** نيست موجود نزد اهل كمال
وحدت خاصه شهود اين است *** معني وحدت وجود اين است
يقول الشبستري في كتاب گلشن راز:
ص: 237
روا باشد أنا الحق از درختي *** چرا نبود روا از نيكبختي
مسلمان گر بدانستي كه دين چيست *** بدانستي كه دين در بت پرستي است
يقول الشبستري(1):
جناب حضرت حق را دوئي نيست *** در آن حضرت من و ما و توئي نيست
و أشعاره في وحدة الوجود كثيرة راجع إلى محله:
من و ما وتوواو هست يك چيز *** كه در صورت نباشد هيچ تمييز
نماند در ميانه هيچ تمييز *** شود معروف و عارف جمله يك چيز
دليل وحدت حق غيرحق نيست *** چه موجودي به عالم غير حق نيست
بت اينجا مظهر عشق است و وحدت *** بود زنار بستن عقد خدمت
چو كفر و دين بود قائم بهستي *** بود توحيد عين بت پرستي
مسلمان گر بدانستي كه بت چيست *** بدانستي كه دين در بت پرستي است
و گر مشرك زبت آگاه گشتي *** كجا از دين حق گمراه گشتي
يكي گو و يكي بين و يكي دان *** بدو ختم آمد اصل و فرع ايمان...
و أيضاً عن شاه نعمة الله ولي(2):
يك وجود است و مظاهر بي شمار *** آن يكي را در مظاهر مي شمار
و اخري عنه:
ص: 238
اين دوئى و خيال را بگذار *** اى يگانه بيا و يكتا شو
در همه آيه يكى بنگر *** آن يكى نيز بى شكى بنگر
و اخري عنه:
درمرتبه جسم است ** در مرتبه روح است ** در مرتبه جان است
در مرتبه جانان ** درمرتبه تو راه ** در مرتبه انجيل **در مرتبه كفر است ** در مرتبه ايمان...
و منهم مولوي(1):...
ني ني كه هم او بود كه مي گفت أنا الحق منصور نبود آن كه بر آن دار برآمد
و منهم مولوي(2):...
آنان كه طلبكار خدائيد خدائيد *** حاجت به طلب نيست شمائيد شمائيد
و منهم نعمت الله الولي يقول:
پرده بردار از ميان كوس انا اللهي بزن كند *** ران نفس مجرد هيچ جز الله نيست...
و منهم الشبلي: خداوندا كوچكترين برگي از برگ هاي درختان... پاره اى از تو بوده است و جزئى از تو مى باشد.
و منهم السلطانعلي شاه:... لما كان أجزاء العالم مظاهر لله الواحد القهار
ص: 239
بحسب أسمائه... كان عباده الإنسان لأي معبود كانت عبادة الله إختياراً...(1) فالإنسان في عبادتها إختياراً للشيطان كالإبليسية و الهند كالكهنة و تابعي الجن و العناصر كالزدشتية و عابدي الماء و الهواء و الأرض و المواليد كالوثنية و عابدي الأحجار و الأشجار و النباتات كالسامرية و بعض الهنود الذين يعبدون سائر الحيوانات و كالجمشيدية و الفرعونية الذين يعبدونالإنسان و يقرون بإلهيته و الكواكب كالصائبة و للملائكة كأكثر الهنود و للذكر و الفرج كبعض الهنود القائلين بعبادة ذكر الإنسان و فرجه... لأنّ كل المعبودات مظاهر له بإختلاف أسمائه و لذلك قيل:
اگر مؤمن بدانستي كه بت چيست *** يقين كردي كه دين در بت پرستي است(2)
و الذي يهمّنا لذكر نبذة من عبارات أساطين هذا المذهب و محيي سنن اليونانيين و البودائيين و اليهود و في رأس هؤلاء مميت هذا المذهب ابن العربي و الصدري الشيرازي و من تابعهم العقل و الشرع يحكمان بالمباينة الحقيقيّة بين الخالق و المخلوق و مع ذلك كيف يجتمع القول بإتحادهما و وحدتهما عيناً و إليك بعبارات عدة منهم.(3)
ص: 240
ص: 241
ص: 242
ص: 243
بما أنّ نقد تلك المسألة و نفي وحدة الوجود تقتضي تدوين كتاب مستقلّ و نحن قد أعرضنا عن الإهتمام به حذراً عن إذاعة العمر فلهذا نذكر هيهنا جملة مما يورد عليها إجمالاً عقلاً و نقلاً، فنقول:
الإشكال الأول: عليها أنّ لو كان الوجود واحداً مشتركاً بين الخالق و المخلوق يلزم منه عدم إتصاف الوجود بالواجب و الممكن اذ لايمكن أن يكون في حاله واجباً و أخري ممكناً و تصير الواجب واجباً و ممكناً و سيأتي الإشارة إلى الرواية بأنّ الشدة و الزيادة لاتسري في ذاته تعالى...
الثاني: يلزم أن يكون الوجود المطلق يصير مقيّداً و متشخّصاً و الشيء اذا لم يتشخّص لم يوجد فمن هذا يقول الصوفيّة و الشيخية بأنّذاته مجهوله فعلى هذا يلزم كونه تعالى محدوداً...
الثالث: يلزم أن يكون ذاته مثل سائر الأشياء و قد قال الله تعالى ليس كمثله شيء و قد جاءت الروايات لنفي الشباهة و المثلية معه تعالى بل عندهم بالعينية...
الرابع: لو كان الوجود واحداً ذات مراتب يلزم فيه الإشتداد و الزيادة و التجزئه في ذاته تعالى...
الخامس: يلزم من القول بوحدة الوجود بين الخالق و المخلوق السنخية الذاتيّة بل العينية الحقيقيّة و هى منفية عنه تعالى بالأدلة الكثيرة لأنّ فيها المماثلة و المشابهة...
السادس: لزوم إتصاف وجوده تعالى مع وجود المخلوق بالعينية و فيه إنكار مخلوقية ما سوى الله و قد حقّقنا في محلّه بأنّ الغيرية الحقيقيّة حاكمة بين الله و بين خلقه...
ص: 244
السابع: يلزم من القول بالوحدة إتصاف المخلوق بصفة الخالق بالشباهة و المثلية و الزيادة و اللانهاية لأنّهم إقترنوا القول ببسط الوجود المطلق اللانهاية في مقابل صفات المخلوق لذي النهاية.
الثامن: لو كان الله تعالى عين وجود الخلق بالوحدة يلزم معيّه وجود الخلق مع الله في جانب الأزل و الأبد و هى منفية عنه تعالى عقلاً و نقلاً و ضرورة...
التاسع: يلزم من القول بإشتراك الوجود تعريف الذات بعد إعترافهم بعدم إكتناه الكنه و انّ معرفة كنه ذاته محال عقلاً و نقلاً و من البديهة بأن لا سبيل لاحد إلى معرفة كنه ذاته تعالى بالإحاطة و الإدراك دون الوجدان...
العاشر: يلزم من ذلك سلب ألفاظ القرآن و الروايات التوحيديّه عن معانيها الواقعيّة المقصودة لدي الشارع من الخالق و المخلوق و تأويلها إلى غير ما يرضاه صاحبه و هو مقبوح لدي كل عاقل فالوجود بمعنى الثبوت لابمعنى مفهوم الوجود المصطلح المتنزع...
الحادي عشر: لو كان وجود ذاته تعالى عين وجود المخلوق يلزمنفي مخلوقيّة الموجود الحادث و يلزم قدم العالم و يصير الوجود الواحد مشتركاً بين الواجب و الممكن...
الثاني عشر: يلزم من الإنقسام في الوجود بين الواجب و الممكن كون الواحد المشترك في شيء واحد ينحل إلى وجود الواجب و الممكن على فرض بساطته و يلزم إنقسام ذات الوجود إلى وجودات متعددة سواء كان على وجه الإتحاد أو الوحدة...
ص: 245
الثالث عشر: يلزم من القول بالوحدة و العينية سرايه كمالات الذات إلى الموجودات من دون فرق و أين هذا من التوحيد الصفاتي و القرآن و البرهان حاكمة على المباينة في صفاته مع المخلوق...
الرابع عشر: لو كان الوجود واحداً بين الخالق و المخلوق يستلزم إنكار العليّة و المعلولية اذ الواحد البسيط كلّ الأشياء من دون إنثلام في وحدته و إعتبار الموجود معلولاً و الوجود علّة لاينقلب الحقيقة الواحدة حقيقتين.(1)
الخامس عشر: يلزم من القول بالوحدة إنكار الثواب و العقاب لأنّ وجود المخلوق جزء و قيد من وجود الخالق و الشخص لايثيب و لايعاقب نفسه...
السادس عشر: يلزم من القول بالوحدة لغوية بعث الرسل و إنزال الكتب...
السابع عشر: يلزم منها إنكار كون الأفعال للعباد و يلزم القول بالجبر اذ ليس الوجود الا الله و هو فاعل كلّ فعل بالحقيقة و إن كانت فاحشة و المخلوق عينه و أفعاله أيضاً صادرة منه تعالى...
الثامن عشر: لو كان الوجود عين وجود الموجود يلزم منه كون الأشياء الخسيسة بل النجسه أيضاً وجوده و قال الله تعالى: «سبحان الله عما يقولون».(2)
التاسع عشر: لو كان الوجود عين وجود الموجود يلزم التغيير و التأثير في ذاته لتباين الوجودين و بسط وجوده على الموجود بنحو الظل و الموج و
ص: 246
الفيضان من صفات المخلوق و هو غير معقول...
العشرون: توصيفه تعالى بعدم التشابه بالصفات الخلقي في الروايات من نحو « شيء لا كالأشياء » و « تعالى عن ضروب الأمثال أو الصفات المخلوقه » و أمثاله من الآيات و الروايات دليل على أنّ الله تعالى لايوصف بشيء من صفات المخلوقات فكيف بذاته تعالى و قال علي(علیه السلام) : و كلّما قدّره عقل أو عرف له مثل فهو محدود.(1)
و قد جاء بأنّ كمال الإخلاص في التوحيد نفي جميع ما يوصف به المخلوق في ذاته و صفاته من المثلية و المشابهة و السنخية و العينية بل البينونة الحقيقيّة حاكمة بين الخالق و المخلوق فتدبّر...
فبالجملة القول بوحدة الوجود إنكار لضروري التوحيد و الشريعه و يكفي في بطلانه عدم وجود دليل عقلي أو نقلي معتبر على تلك المهمه التي ركن لمعرفة الرب تعالى عند الحكماء و الصوفيّة!!!...
والخبير يعلم بأنّ تجلي الذات بصورة المخلوق بنحو الرشحة و الفيضان بحيث لا موجود سواه على نحو صدوره عن ذاته هى أيضاً الولادة التي يحكم العقل و الشرع بفساده و بطلانه... و هي صدّ لباب العبودية المقصودة من بعث الرسل و إنزال الكتب والسلام على من إتبع السّبل.
ص: 247
عن يونس بن عبد الرحمان: قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا(علیه السلام) سألته عن آدم هل كان فيه من جوهريّة الرّب شيء ؟ فكتب إليّ جواب كتابي: ليس صاحب هذه المسألة على شيء من ألسنة زنديق.(1)
عن الرضا(علیه السلام): لايتغيّر الله بإنغيار المخلوق كما لايتّحد بتحديد المحدود...(2)
عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: إنّ الله تعالى خلو من خلقه و خلقه خلو منه...(3)
قال عمران الصابي للرضا(علیه السلام):... ألا تخبرني ياسيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه ؟ قال الرضا(علیه السلام) : جلّ ياعمران عن ذلك ليس هو في الخلق و لا الخلق فيه تعالى عن ذلك...(4)
عن الحسين بن علي(علیهما السلام) في تفسير قوله تعالى« لم يلد و لم يولد...» قال: تعالى أن يخرج منه شيء و أن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف... مبدع الأشياء و خالقها...(5)
عن الصادق(علیه السلام):... و زعموا مع ذلك أنّ الههم ينتقل من قالب إلى قالب... فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدلّ على أنّ أحدهما خالق صاحبه...(6)
عن الصادق(علیه السلام) قال: من زعم أنّ الله عزوجل في شيء أو من شيء أو
ص: 248
على شيء فقد أشرك...(1)
قال قلت لأبي عبدالله(علیه السلام): إنّ قوماً يزعمون أنّكم آلهه يتلون علينابذلك قرأنا «و هو الذي في السماء إله و في الأرض إله» فقال ياسدير سمعي و بصري و بشري و لحمي و دمي و شعري من هؤلاء برآء و بريء الله منهم ما هؤلاء على ديني...(2)
عن الرضا(علیه السلام):... من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر...(3)
ص: 249
قال السيد: القائلون بوحدة الوجود من الصوفيّة اذا التزموا بأحكام الإسلام فالأقوي عدم نجاستهم الا مع العلم بإلتزامهم بلوازم مذهبهم من المفاسد...(1)
قال الشيخ الحرّالعاملي: إنّ بطلان هذا الإعتقاد «وحدة الوجود» من ضروريات مذهب الشيعة الإمامية لم يذهب إليه أحد منهم بل صرّحوا بإنكاره و أجمعوا على فساده و شنعوا على من قال به فكلّ من قال به خرج عن مذهب الشيعة فلاتصح دعوي التشيّع من القائل به...(2)
قال العلامة الحلّي: الضرورة قاضيه ببطلان الإتحاد فانّه لايعقل صيرورة الشيئين شيئاً واحداً و خالف في ذلك جماعة من الصوفيّة من الجمهور فحكموا بأنّه تعالى يتّحد بأبدان العارفين حتي تمادي بعضهم و قال: انّه تعالى نفس الوجود و كلّ موجود فهو الله تعالى و هذا عين الكفر و الإلحاد...(3)
قال السيد الخوئي: القائل بوحدة الوجود... هو أن يقول بوحدة الوجود و الموجود حقيقة و انّه ليس هناك في الحقيقة الا موجود واحد ولكن له تطوّرات متكثرة و إعتبارات مختلفة لأنّه في الخالق خالق و في المخلوق مخلوق...
ص: 250
و حكي عن بعضهم أنّه قال ليس في جبتي سوى الله... فانّ العاقل...(1)
كيف يلتزم بوحدة الخالق و مخلوقه ؟! و يدّعي إختلافهما بحسبالإعتبار؟
فكيف كان فلاإشكال في أنّ الإلتزام بذلك كفر صريح و زندقة ظاهرة لأنّه إنكار للواجب تعالى و الدّين و النبي...
قال صاحب الحدائق: إنّ الأصحاب ذهبوا إلى تكفير الفلاسفة و من يحذو حذوهم...(2)
قال الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة في النّجاسة: إنّ السيرة المستمرّة من الأصحاب في تكفير الحكماء المنكرين لبعض الضروريات...
فلاريب في كفر القائل و نجاسته... و الإعتقاد بها و الإلتزام بها و الإذعان لايفيد الإلتزام بأحكام الإسلام لو أراد بها في الفروع و لو أراد بها في الأصول فهما ضدان أو متناقضان... فالأقوي أنّ القائل بها خارج عن ربقه الإسلام و رجُس و نجُس و قول صاحب العروة من ذهابه إلى عدم نجاستهم فرض فرضه لا وجود له في الخارج فكأنّه أراد التستر مع وضوح المسئلة و لذا قال: مع العلم بإلتزامهم بلوازم مذهبهم الفاسدة...(3)
قال المجلسي: إنّهم لعنهم الله لايقنعون بتلك البدع بل يحرّفون أصول الدين و يقولون بوحدة الوجود و المعنى المشهور في هذا الزمان المسموع من مشايخيهم كفر بالله العظيم...(4)
ص: 251
قال العلاّمة البهبهاني: بعد ذكر القائلين بوحدة الوجود و التمثيل بالبحر و موجه : لاشكّ في انّ هذا الإعتقاد كفر و إلحاد و زندقة و مخالف لضروريّ الدين...(1)
و قال أيضاً: لايخفي أنّ كفرهم أظهر و أعظم من كفر إبليس عند أرباب البصيرة لأنّهم ينكرون المغايرة و المباينة بين الخالق والمخلوق و بطلان هذا القول من الضروريّات و البديهيّات عند جميع المذاهب و الملل...
و قال سيدنا الأستاذ النجفي المرعشي: عندي انّ مصيبة الصوفيّة على الإسلام من أعظم المصائب تهدّمت بها أركانه... انّ الدّاء سري إلى الدين من رهبه النصاري فتلقّاه جمع من العامة كالحسن البصري و الشبلي و معروف الكرخي و الطاووس و الزهري و الجنيد و غيرهم ثم سري منهم إلى الشيعة... أوّلوا النصوص الكتاب و السنة و خالفوا الأحكام الفطرية... و التزموا بوحدة الوجود بل الموجود...(2)
فوسّعوا فلسفه التصوف بمقالات مبنيّة على مزخرفات التأويلات... فألّفوا الكتب المتظافرة ككتاب الفتوحات و الفصوص و الأسفار و ... المحشوّة بحكايات مكذوبة و أغفلوا العوام و السفلة بالحديث الموضوع المفتري « الطرق إلى الله بعدد أنفس الخلائق ».
و الحمدلله رب العالمين
ص: 252
المقدمة....................................................................................... 5
ميزان المعرفة............................................................................... 8
النجاة والأمان في إتباع العترة والقرآن................................................ 11
عدم الأمنية في الفلسفة اليونانية و الصدرائية........................................ 14
النتائج المتناقضة بين الدّين و الفلسفة................................................. 16
ضرورة التسليم........................................................................... 19
التأويلات المنفيّة أو التدليسات الضالّة................................................. 22
وجود اختلاف نوابغهم دليل على عدم الأمنية.......................................... 28
قولهم بأنّ للمعرفة طوراً وراء طور العقل خلف....................................... 32
تصديق التوحيد بالعقل الأنواري لا ما يسمي عقلاً من القياس....................... 33
بعثة الانبياء لمحو مباني الفلسفة و آثارها............................................. 36
وصية النبي هى الأخذ بالثقلين لا العرفان و الفلسفة.................................. 42
قيام أصحاب الأئمة وعلماء الشيعة لردّ مباني الحكمة................................ 45
مطابقه الحكمة المتعالية.................................................................. 52
مع مقالات أكابر الصوفيّة و الفلاسفة اليونانية........................................ 52
مطابقه الحكمة المتعالية.................................................................. 52
كلماتهم حول وحدة الوجود.............................................................. 54
قولهم في المعاد........................................................................... 57
مقالتهم حول العذاب و الخلود في النار................................................. 59
قولهم في الأزلية.......................................................................... 61
هل مباني الحكمة منطبقة على ميزان القرآن و السنة ؟.............................. 63
ذكر نبذة من الروايات في ذمّ الصوفيّة و الفلاسفة و طعنهم......................... 65
ص: 253
أقصي غرض الخلقة معرفة الله.......................................................... 68
العبودية أثر معرفة الله لا الفناء في الذات و العينية مع الله.......................... 70
العجز عن معرفة الذات بالإدراك........................................................ 73
امتناع إدراك كنه الذات بالتّفكر و التوهّم و التعقّل.................................... 75
ذكر نبذة من الروايات المانعة لمعرفة ذاته بالتعقّل و التفكّر......................... 78
المنع عن التفكّر في ذاته تعالى.......................................................... 80
إدعاء إدراك كنه الذات في الحكمة و العرفان.......................................... 85
في معنى معرفة ذاته بذاته............................................................... 90
معرفة الله بآياته وآثاره................................................................... 93
هل لمعرفته تعالى حدّ ؟.................................................................. 97
درجات المعرفة.......................................................................... 100
الكلام حول التناهي و عدمه............................................................ 106
هل يمكن أن يقال بأنّ الوجود المطلق اللامتناهي هو الله؟.......................... 108
الكلام حول الإشتراك اللفظي دون المعنوي.......................................... 111
إنّ الله هو الموجود المثبت لا الوجود في مقابل الماهية............................ 114
في ردّ قول من قال «بسيط الحقيقة كل الأشياء و ليس بشيء منها»............. 120
هل يكون الخالق عين المخلوق ؟!.................................................... 125
هل تكون السنخيّة بين الله و بين خلقه............................................... 129
هل الله تعالى علة تامّة لوجود خلقه ؟!............................................... 131
البينونيّة الحقيقيّة بين الله و بين خلقه ذاتاً و صفة لا الإعتبارية الوهمية........ 136
إنّ المخلوق ليس ظهور الذات بل الآيه له........................................... 142
التجلّي لدي العرفاء و الحكماء........................................................ 144
تجلّي العلّة في المعلول عند الحكيم.................................................... 149
حق المعرفة إثباته مع التنزيه عن التشبيه و خروجه عن التعطيل................ 151
ص: 254
تنزيه العرفاء عين التشبيه بل العينية................................................ 154
تنزيهه تعالى عن التشبيه و التمثيل و التصوير و الرؤية.......................... 159
تجسيم الرب و تصويره في توحيد العامة............................................ 163
توحيدهم على رؤية الله................................................................. 164
إنّ الله عندهم في السماء و العرش................................................... 165
إنّ الله تعالى عندهم يضحك و يتعجب................................................. 165
إنّ الله تعالى عندهم ينزل و يصعد..................................................... 165
في توحيدهم انّ لله تعالى صورة...................................................... 166
في توحيدهم انّ لله عيناً................................................................ 166
في توحيدهم بأنّ لله يداً و رجلاً و ساقاً و أصابع.................................... 166
توحيد الإمامية مباين مع توحيد العامة............................................... 168
إدراك ذاته و رؤيته تعالى عند الصوفيّة بالقلب لدي المكاشفة..................... 173
ميزان المكاشفة......................................................................... 179
النهي عن التكلّم بغير الأحسن......................................................... 182
برهان المتكلم لإثبات الصانع.......................................................... 185
توحيد الفطرة ثبوتي وجداني قلبي.................................................... 187
إثبات التوحيد بالإستدلال و البرهان للمنكر........................................... 192
برهان الآية.............................................................................. 194
برهان الصنع............................................................................ 196
تقرير برهان الحدوث................................................................... 198
إنّ العالم حادث واقعي ذاتاً و زماناً.................................................... 200
إثبات التوحيد بمعرفة النفس........................................................... 204
برهان الحكمة و التدبير................................................................ 207
ص: 255
برهان النظم............................................................................. 210
مقالة المنكر من الطبيعي و الدهري................................................... 211
برهان وحدة النظام و التمانع.......................................................... 214
أعظم برهان الحكيم المتألّه برهان صرف الوجود و هو البرهان الصديقين عندهم و هو انّي ثبوتي..... 217
توحيد الحكماء و العرفاء في وحدة الوجود بل الموجود و أنّ الله تعالى واحد حقيقي لا إعتباري ....222
في معنى وحدة الوجود و الموجود عندهم........................................... 224
إدعاء الوحدة الشخصيّة في عرفان الحكمة المتعالية............................... 226
فيما إستدلوا على وحدة الوجود و الموجود.......................................... 228
تاريخ مسألة وحدة الوجود و الموجود............................................... 232
وحدة الوجود في معتقدات............................................................. 234
المسيحية اليونانية، البودائية، الزردشت والزنادقة................................. 234
وحدة الوجود في معتقدات المسيحية اليونانية ، البودائية ، الزردشت و الزنادقة234
من كلمات الصوفيّة حول وحدة الوجود و الموجود................................. 236
ذكر نبذة من الإشكالات الواردة عليها................................................ 244
ذكر نبذة من الروايات النافية لوحدة الوجود......................................... 248
الحكم بكفر من قال بوحدة الوجود و الموجود و نجاسته........................... 250
فهرس الكتاب........................................................................... 253
ص: 256