في مؤتمر آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية

هوية الكتاب

كلمة سماحة مرجع الدینی الشیخ

ناصر مكارم الشيرازي (دام ظله الوارف)

في مؤتمر "آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية"

و البیان الختامي للمؤتمر

بطلب من: المؤتمر العالمي « آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرفة والتکفيرية»

باهتمام:

محمدرضا خوشخو

الإخراج

الفني: سیدمحمدباقر باقریان موحد

تصمیع الغلاف: محمد مهدی اسعدي

الطبعة: الأولى، 1435ه-

ص: 1

اشارة

كلمة سماحة مرجع الدینی الشیخ

ناصر مكارم الشيرازي (دام ظله الوارف)

في مؤتمر "آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية"

و البیان الختامي للمؤتمر

بطلب من: المؤتمر العالمي « آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرفة والتکفيرية»

باهتمام:

محمدرضا خوشخو

الإخراج

الفني: سیدمحمدباقر باقریان موحد

تصمیع الغلاف: محمد مهدی اسعدي

الطبعة: الأولى، 1435ه-

الکمية:

2000 نسخة

جميع الحقوق محفوظة للمؤتمر

قم، شارع الشهداء، ناصیة زقاق (آمار) 22، رقم البنایة 618

هاتف: 37842141-025 / فاکس: 37841320 - 025

البریدالالکتروني: info@makhateraltakfir.com – Makhateraltakfir@gmail.com

الموقع الالکتروني: www.makhateraltakfir.com

ص: 2

الفهرس

قطعنا شوطاً وبقيت أشواط......................................................................5

أمّا قبل..................7

كلمةسماحة المرجع الدیني الشیخ ناصر مکارم الشیرازی(دام ظله الوارف) ..13

مسؤولية العلماء إزاء ظاهرة التكفير .....15

1. الاستبداد بالرأي و احتکار فهم معاني الکتاب و السنّة .......25

2. التعاطي الانتقائي مع آيات القرآن .............26

3. خطأ جسيم في تفسير الشرک و الإيمان ..........28

البیان الختامي للمؤتمر العالمي..........................................................................35

ص: 3

ص: 4

قطعنا شوطاً وبقيت أشواط

ص: 5

ص: 6

أمّا قبل

فقد اختتم٬ بحمد الله وعنايته٬ بنجاح باهر المؤتمر العالمي حول آراء علماء الإسلام في التيارات التكفيرية دون أيّ مسألة تعكّر صفوه٬ وخلّف ذِكراً محموداً من آثار قيّمة. وقد دعا لعقد هذا المؤتمر سماحة المرجع الديني آية الله العظمى مكارم الشيرازي (دام ظلّه الوارف) مدفوعاً بعلوّ همّته٬ آزره على هذه المهمّة لفيف من الشخصيات والعلماء وطلبة العلوم الدينية الأفاضل والمؤسسات٬ وقد كانت للمؤتمر قطاف وبركات نستعرض فيما يلي بعضاً منها:

1. مثّل المؤتمر صورة مشرقة لوحدة المذاهب الإسلامية٬ وقد تنادت طوائف الشيعة وأهل السنّة والزيدية لتدارس معضلة التكفيريين الكبرى٬ فسبرت جذورها وتذاكرت في الآليات الكفيلة بدفعها.

ص: 7

2. أثبت المؤتمر للعالم من خلال الإجماع الذي عبّر عنه المفتون وعلماء الإسلام بأنّ أفكار التكفيريين ومعتقداتهم غريبة عن الإسلام الذي هو دين الرحمة والمحبة لا دين العنف والإرهاب وسفك الدماء وغصب الأموال وهتك الأعراض٬ لئلا يستغلّ الأعداء هذه الفئة الضالة التي ترعرعت في أحضانهم٬ فيزيدوا نار محاربة الإسلام اضطراماً٬ ويطلقوا بخبث ودهاء اسم «تنظيم الدولة الإسلامية» على زمرة داعش التكفيرية.

3. لقد أطلق مؤتمرنا هذا صفارة انطلاق سلسلة من المؤتمرات المشابهة في بعض البلدان الإسلامية الأخرى٬ فعمل على تعزيز إجماع علماء الإسلام في مضمار إدانة التكفيريين ورفض أفكارهم.

4. لقد كان للمؤتمر أثرٌ طيب في تقوية الروح المعنوية لمقاتلي الإسلام في سوح الوغى وهم يتصدّون للتكفيريين والدواعش٬ بما زعزع معنويات هذه الزمرة التكفيرية كما وردت تفاصيل ذلك في الأخبار.

ص: 8

5. لقد برهن هذا المؤتمر والمؤتمرات المشابهة التي عقدت لاحقاً على أنّ علماء المذاهب الإسلامية يشكّلون خط المواجهة الأول مع الزمر التكفيرية٬ وليس الأفّاقون والمتملّقون الغربيون الذين شكّلوا ائتلافاً مزعوماً ضدّها٬ وثمّة وثائق مؤكّدة تثبت تورّط بعضاً من هؤلاء في تقديم العون للتكفيريين من وراء الستار.

6. لقد أسقط المؤتمر المزاعم الواهية التي تنسب دعم الإرهاب إلى جماعة من العلماء المسلمين أو الساسة في بلادنا٬ وكشف دجل أصحابها وفضحهم٬ وأثبت أنّنا نحن الذين نحارب الإرهاب لا هم بالإضافة إلى مسائل إيجابية أخرى...

***

كما ويسرّنا أن نزفّ هذه البشرى السارة إلى جميع القراء الأعزاء وهي٬ امتثالاً لأمر هذا المرجع الديني المتبصّر٬ سوف يتمّ في القريب العاجل استحداث أمانة دائمة للمؤتمر تكون حلقة وصل بين علماء الإسلام في مجال الخطر التكفيري٬ ونافذة لتبادل المعلومات والخبرات فيما بينهم٬ وعليه نرجو

ص: 9

من المفكرين والعلماء المسلمين وطلاب الحوزة العلمية الأفاضل إرسال ما لديهم من مقترحات إلى الأمانة الدائمة.

***

أمّا الكتاب الذي بين أيديكم فيتضمّن «الكلمة الافتتاحية» و«البيان الختامي» للمؤتمر. وقد ألقى الكلمة الافتتاحية سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي (دام ظلّه) حيث تناول فيها جذور الفكر التكفيري وسبل الخلاص منه بأسلوب علمي ومنطقي٬ وبيان رائق وجليّ. أمّا «البيان الختامي» للمؤتمر فهو عبارة عن جماع آراء المؤتمرين تمّ تلخيصه في أربعة عشر محوراً مهماً تناولت موضوعات من قبيل وحدة المسلمين ومعيار الكفر والإيمان وجذور أخطاء التكفيريين وتصميم العالم الإسلامي على طيّ صفحة هذه الفتنة الطخياء.

هذا٬ وكلنا أمل في أن يبقى جميع المشاركين الأعزاء في هذا المؤتمر من الشيعة الإمامية وأهل السنّة والزيدية على العهد الذي قطعوه على أنفسهم بالالتزام بالمحاور الأربعة عشر٬ لنتمكّن بوحدة كلمتنا من صدّ الخطر الأكبر الذي يتهدّد الإسلام٬ لا بل البشرية جمعاء.

ص: 10

الشكر الجزيل لجميع الضيوف الأعزاء من الداخل والخارج الذين لبّوا دعوتنا وشاركوا في أعمال المؤتمر.

اللهم انصرنا نصراً عزيزاً وافتح لنا فتحاً قريباً واجعل لنا من لدنك سلطاناً نصيرا.

سكرتارية المؤتمر العالمي

"آراء علماء الإسلام حول مخاطر التكفيريين"

قم - مدرسة الإمام الكاظم علیه السلام

ص: 11

ص: 12

كلمة سماحة المرجع الدینی الشیخ ناصر مكارم الشيرازي

كلمة سماحة المرجع الدینی الشیخ ناصر مكارم الشيرازي(دام ظله الوارف)

في مؤتمر

"آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة والتكفيرية"

ص: 13

ص: 14

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

مسؤولية العلماء إزاء ظاهرة التكفير

اشارة

في البداية، أرحّب أجمل ترحيب بعلماء الإسلام الأفاضل من داخل البلاد و من أنحاء العالم كافة الذين لبّوا دعوتنا للمشاركة في هذا المؤتمر الديني العظيم، و إنّي لعلى ثقة أنّ جهودكم أيها الأعزاء في إطار أهداف المؤتمر سوف تثمر عن نتائج طيبة تساهم في التخفيف من معاناة مسلمي العالم، و تطلعهم على عمق المخاطر التكفيرية.

و أودّ بدوري أن أتوجه إليكم بخالص الشكر، أيّها الأخوة العلماء الأفاضل، على حضوركم الذي زيّنتم به مؤتمرنا ليكون قريباً من تحقيق أهدافه الثلاثة المهمة و هي:

ص: 15

الهدف الأول، أن نؤكّد للعالم و بتوقيع علماء الإسلام أنّ ما ترتكبه الجماعات التكفيرية من جرائم لا علاقة له بالإسلام البتة، و عليه لا ينبغي أن تتّخذ كذريعة لوصم الإسلام بالعنف، فالإسلام دين الرحمة و الرأفة و المحبة و التعايش مع جميع الطوائف و الفرق المسالمة.

ثانياً، أن نبرهن للسُذّج من الشباب المغُرّر بهم، الذين التحقوا بالجماعات التكفيرية، اعتقاداً منهم أنّهم قد سلكوا سبيل الله و تحقيقاً لمرضاته، نبرهن لهؤلاء أنّ هذا الطريق سينتهي بهم إلى نار جهنّم و الله عليم بذلك، فلا ينخرطوا مع التكفيريين و يودوا بأنفسهم إلى التهلكة.

ثالثاً، أن نتشاور لإيجاد الآليات الكفيلة بمواجهة هذا الخطر الداهم، و أن نضع المسلمين أمام مسؤولياتهم بإزاء ما يحدث.

و بالمناسبة أودّ أن أصرّح هنا بأنّنا في مؤتمرنا هذا رسمنا لأنفسنا ثلاثة خطوط حمراء هي:

أولاً، النأي بالنفس عن القضايا السياسية و البحث في مسألة الغلو و التطرّف من زاوية فقهية و علمية إسلامية بحتة.

ص: 16

ثانياً، عدم طرح أيٍّ نقاش حول المسائل الخلافية المذهبية، بل لا بدّ لنا جميعاً أن نضع أيدينا في أيدي بعض، و أن نتبادل الأفكار حول خطر التطرّف و التكفير.

ثالثاً، احترام مقدسات جميع المذاهب شيعةً و سنة، و عدم السماح بأيّ إهانة أو إساءة.

و بعد هذه الملاحظات نعود إلى جوهر البحث.

لقد شهد العالم الإسلامي في الآونة الأخيرة هجمة شرسة من العنف غير المسبوق، تسبّبت في اشعال حروب دموية، سُفكت فيها دماء الأبرياء، و دمّرت المدن العامرة للمسلمين، و مزّقت البنية التحتية الاجتماعية المهمة، و هُدّمت الآثار الإسلامية بما فيها المساجد و أضرحة أئمة الدين، و شُرّدت آلاف العوائل المسلمة، ليهيم الأطفال و النساء و الرجال على وجوههم في القفار، و انتُهكت حرمات و أعراض المسلمين و غير المسلمين أيضاً الذين تعايشوا مع المسلمين لقرون طويلة، فكانت هذه الجماعات بحقّ تجسيداً للآية الكريمة (وإِذَا تَوَلَّى سَعى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ويُهْلِكَ الْحَرْثَ والنَّسْلَط واللهُ لاَ يُحِبُّ

ص: 17

الْفَسَادَ)(1)، و الأنكى من ذلك إعطاء أعداء الإسلام الألداء ذريعة لوصم الإسلام بأنّه دين العنف و البربرية.

و ليس من قبيل الصدفة أن يصرّ المناهضون للإسلام على إطلاق تسمية الدولة الإسلامية على تنظيم داعش المنحرف، الذي هو بالقطع تنظيم إرهابي ضالّ، في حين أنّه لا هو دولة و لا إسلامي، فقد اخترع هذه التسمية و نسبها لنفسه، و يقوم أعداء الإسلام بتكرار هذه التسمية نكاية بالإسلام و للنيل منه.

و لسنا بحاجة إلى التأكيد هنا على أنّ علماء الإسلام يقفون أمام مسؤولية إلهية، و ممّا يجدر ذکره، أنّ سحق هذه الهجمة و القضاء عليها لا يتمّ عبر الوسائل العسکرية و السياسية فحسب، بل يستدعي الأمر تضافر جهود علماء الدين الأفاضل من أجل تجفيف مصادر التنظيم العقدية التي تستغفل بعض الشباب الغرّ ليلتحقوا بصفوفه.

نعلم جميعاً أنّ النبيّ الأکرم محمد صلی الله علیه و آله و سلم قد خرج من رحم

ص: 18


1- . سورة البقرة: 205.

مجتمع جاهلي يعجّ بمظاهر العنف و الخشونة، مجتمع ظلّت نار الحروب و الغارات بين قبائله موقدة لم تنطفئ أبداً. مجتمع کان يرى في المرأة عاراً و شناراً فشاعت فيه عادة وأد البنات، و کان الأب يقتل أبناءه خشية الفقر و الإملاق، و أحياناً سفهاً ليتقرّب بهم إلى الأوثان (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا ومَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).(1)

وقد رسم أمير المؤمنين الإمام علي علیه السلام صورة عن أوضاع العرب في الجاهلية بقوله:

«إِنَّ اَللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلی الله علیه و آله و سلم نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَ أَمِيناً عَلَى اَلتَّنْزِيلِ، وَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ اَلْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ، وَ فِی شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ، وَ حَيَّاتٍ صُمٍّ، تَشْرَبُونَ اَلْکَدِرَ وَ تَأْکُلُونَ اَلْجَشِبَ، وَ تَسْفِکُونَ دِمَاءَکُمْ، وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَکُمْ، اَلْأَصْنَامُ فِيکُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَ اَلْآثَامُ بِکُمْ مَعْصُوبَةٌ».

إذن، في وسط هذا المجتمع بُعث نبيّنا الکريم صلی الله علیه و آله و سلم رحمةً للعالمين، و کان هذا المجتمع (عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ)(2)

ص: 19


1- . سورة الأنعام: 140.
2- . سورة آل عمران: 103.

فأنقذه منها، و جعل من القرآن الذي نزل على قلبه الشريف و ورثناه دون أيّ تحريف أو تغيير، «نوراً مبيناً» يضيء درب المجتمع الجاهلي، فدعاهم للخروج من «الظلمات» إلى «النور» ومن الضلال إلى «سبل السلام» ليصبحوا في نهاية المطاف بنعمته إخوانا.

و أكثر من هذا، أنّ الإسلام العظيم يخاطب غير المسلمين أيضاً الذين لا يؤمنون بأيٍّ من أحکامه، لکنّهم ليسوا في حرب مع المسلمين بالقول: (لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(1).

ثم يستخدم کلمة «إنّما» وهي أداة حصر ليقول (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(2) ليضع طريق

ص: 20


1- . سورة الممتحنة: 8.
2- . سورة الممتحنة: 9.

الحياة المسالمة أمام المسلمين و غير المسلمين على السواء.

و بفضل هذه النداءات الصريحة دخلت جميع الأمم، عرباً و عجماً، حُمْراً و سُوداً، تحت لواء هذا الدين القويم مصداقاً للآية الکريمة (يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا)، و شعر أفرادها و مازالوا بالأخوة الإيمانية بعضهم تجاه البعض مستلهمين من الخطاب القرآني (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

لکن، و على حين غرّة، بدأ عصر جاهلي جديد باسم عصر استباحة التكفيريين للدماء، قاموا فيه بإهراق الدماء و إهلاک الحرث و النسل و الإفساد في الأرض، فاعتبروا کل من سواهم کافر حربي أو مرتد، دمه و ماله مستباح، و نساؤه سبايا، فانبروا إلى ارتکاب جرائم لم تخطر ببال حتى الأقوام الجاهلية، و الأفظع من هذا أنّهم أطلقوا اسم الإسلام على هذه الجاهلية المشؤومة السوداء، و فعلوا کل ما بوسعهم لتشويه صورة الإسلام و المسلمين.

يعتقد هؤلاء أنّهم وحدهم من يفهم معنى الشرک و الإيمان، و أنّ مفهوم البدعة والسنّة عندهم و لا أحد غيرهم،

ص: 21

و أنّ فهم آيات القرآن في حوزتهم و ما بعد عبادان من قرية، و ليس لأحد أن يشکّک فيما يقولون أو يجادلهم فيما يفتون و إلاّ أُهدر دمه و استُبيحت أمواله و نساءه.

إنّهم يقولون، أنّ جميع علماء الإسلام في الماضي و الحاضر عاصون، لسماحهم بإبقاء الضريح المقدس للنبي الأکرم صلی الله علیه و آله و سلم داخل المسجد النبوي الشريف، في حين أنّ هذا العمل حرام من وجهة نظرهم، و عليه، لا بدّ من نقل الضريح المقدس إلى خارج المسجد النبوي، کما خطّأوا سيرة علماء السلف في الألف عام الماضية و أکثر، و وصل بهم الأمر إلى تحريف الآية الکريمة التالية عن معناها الأصلي (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)(1).

و الآن، لنفتّش عن المصادر الأصلية لهذا الانحراف الخطير؟ سوف استعرض على حضراتکم فيما يلي بعضاً من هذه المصادر. (أجدّد التأکيد على أنّ خطابنا هذا موجّه إلى

ص: 22


1- . سورة الکهف: 21.

المتطرّفين فقط و طبقاً لهدي الآية القرآنية الکريمة (اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وجَادِلْهُمْ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ)(1). و الأمر الذي يبعث على الأمل هو قيام بعض أتباع العقيدة السلفية أخيراً بتصحيح مسيره، فراح الکثير منهم يستنکر العنف الذي يمارسه «المتطرّفون» ومن جملتهم المفتي الأعظم للمملکة العربية السعودية الذي أصدر فتويين مهمتين في هذا المجال. يقول في الفتوى الأولى: «أفكار التطرف و التشدد و الارهاب الذي يفسد في الأرض و يهلك الحرث و النسل ليس من الاسلام في شيء» كما صرّح «أنّ هؤلاء هم من أهل جهنّم». و في الفتوى الثانية استنکر بشدّة الأعمال الإرهابية التي ارتُکبت ضدّ مجاميع شيعية كانت تقيم مراسيم العزاء الحسينية، و طالب بإنزال القصاص بحقّ مرتکبيها. هذه الفتاوى جديرة بالثناء والتقدير، و نأمل أن تشکّل بداية إجماع لعلماء

ص: 23


1- . سورة النحل: 125.

المسلمين ضدّ التکفيريين. کما ينبغي علينا أن نمنع شرّ المتطرّفين عن غير المسلمين أيضاً الذين يعيشون في سلام و وئام بين ظهراني المسلمين. و لهذا السبب نستنکر بشدّة اعتداءات التکفيريين التي طالت غير المسلمين الذين لا يعادوننا، و لا يعينون أعداءنا.

ربّما سمعتم تصريح بابا الفاتيکان قبل فترة و الذي قال فيه أنّ على مراجع الإسلام أن يدافعوا عن المسيحيين ضدّ هجمات داعش، لقد بعثت له برسالة أکّدت له فيها إدانتنا لمثل هذه الأعمال، و خاطبته بالقول: أنتم أيضاً يجب أن لا تکتفوا بإدانة الهجمات ضدّ المسيحيين، بل أن تدافعوا عن المسلمين کذلک. فبعث لنا مؤخراً برسالة جوابية يعلن فيها عن تقديره لهذا الموقف و وعد بأن يستنکر الهجمات الموجهة ضدّ جميع البشر مسلمين و غير مسلمين.

نعود إلى جوهر الموضوع أعني المصادر الخطيرة للتکفير وهي كالتالي:

ص: 24

1. الاستبداد بالرأي و احتکار فهم معاني الکتاب و السنّة

و أعني بذلک أنّهم عملياً يحتکرون فهم الکتاب و السنّة و يقولون: أنّ مفهوم الشرک و الإيمان هو أن نطرح رأينا و على جميع المسلمين السمع و الطاعة، و من تمرّد علينا استحقّ القتل. و إذا قلنا لهم أنّ قراءتکم للشرک و الإيمان غير صحيحة من وجهة نظر العلماء المسلمين، و أنّ الأوساط العلمية و العلماء الذين هم أعلم منکم بالکتاب و السنّة يخطّأون قراءاتکم، قالوا أنّ رأينا هو الصحيح، و کل العلماء المخالفين لنا في ضلالة، بما في ذلک علماء السلف الذين عاشوا قبل ألف عام و نيّف.

هذا الاستبداد بالرأي الذي قال الإمام علي علیه السلام فيه قولته الشهيرة: «من استبدّ برأيه هلک» هو أحد الأسباب الأصلية التي تقف وراء جرائمهم الشنيعة و التي فيها مقتلهم، فلو عملوا بالآية الکريمة (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(1) أو على

ص: 25


1- سورة النحل: 43.

الأقل استلهموا من الآية (وأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)(1) و طلبوا المشورة من کبار العلماء و الحوزات العلمية في مختلف البلاد، لأنقذوا أنفسهم من هذا الطريق الوعر الذي أقحموا أنفسهم فيه، و اهتدوا إلى الصراط المستقيم و سبل السلام.

إنّ الاستبداد بالرأي و احتکار الحقيقة ينطوي على عواقب وخيمة بالنسبة لهم، و هو ما نشهده على أرض الواقع في کل مکان، إذ راحوا يکفّرون المسلمين، شيعةً و سنّة، و يقومون بقتلهم بأبشع الصور.

2. التعاطي الانتقائي مع آيات القرآن

نقطة أخرى نعتقد أنّها منشأ جميع هذه المشاکل، و جرّت على العالم الإسلامي مصائب و کوارث لا نظير لها و هي، التعاطي الانتقائي مع آيات القرآن، بمعنى، أنّهم يختارون عدد من الآيات التي توافق أفکارهم، و يتجاهلون التي تتعارض معها، و يمرّون عليها مرّ الکرام.

ص: 26


1- سورة الشورى: 38.

على سبيل المثال، في مسألة نفي علم الغيب يستدلّون بأنّ القرآن يقول على لسان النبي الأکرم صلی الله علیه و آله و سلم : (قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا ولاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ ولَو كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ومَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)(1)، لکنّهم مثلاً لا يلقون بالاً لهذا الجزء من آية الکرسي المبارکة (ولاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ)(2) (يعلم الأخوة الأعزاء أنّ الاستثناء من النفي يعني الإثبات)، أو في الآية 49 من سورة آل عمران التي تقول على لسان السيد المسيح علیه السلام (وأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ ومَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) و کذا في الآية 27 من سورة الجن (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ).

هذا السلوک «نؤمن ببعض و نکفر ببعض» و تبنّيهم للأدلة التي تنسجم مع أهوائهم و ميولهم و جعلها مستنداً لأفعالهم، هو في الحقيقة مصيبة عظمى. فالقرآن الکريم کلّه من عند

ص: 27


1- سورة الأعراف: 188.
2- سورة البقرة: 255.

الله تعالى، لذا، علينا أن نؤمن بجميع آياته، لا أن نؤمن بتلک التي تتوافق مع أفکارنا فنکون لا سمح الله تجسيداً للآية الکريمة (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ)(1).

3. خطأ جسيم في تفسير الشرک و الإيمان

و على طريقتهم في التعاطي الانتقائي مع الآيات، فقد تمسّکوا بالآيات التالية لتبرير أفکارهم في تکفير المسلمين:

1. (وأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا)(2)

2. (وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(3)

3. (ويَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ)(4)

لذا، يستنتجون من هذه الآيات أعلاه أنّ من ينادي «يا

ص: 28


1- سورة النساء: 150.
2- سورة الجن: 18.
3- سورة غافر: 60.
4- سورة يونس: 18.

رسول الله» أو «يا علي» ويطلب الشفاعة منهما مشرک و مهدور الدم، و لا فرق بين مشرکي الجاهلية الأولى الذين کانوا يستشفعون بالأصنام و بين المتوسّلين الذين يوسّطون أولياء الله ليشفعوا لهم عند الله، بل إنّ الفئة الثانية أسوء من مشرکي عصر الجاهلية.

هذا، على الرغم من أنّ مسألة الشرک و الإيمان واضحة کل الوضوح في آيات القرآن. فالمشرک هو من جعل الشريک و المثل لله، و يطلق على من هم بمستوى بعضهم البعض شرکاء. و الحرف «مع» في الآية الکريمة (فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا) يبيّن هذا المعنى بشکل تام.

في ستّ آيات نُهي عن جعل «الأنداد» لله تبارک و تعالى، و معلوم أنّ «الأنداد» هو جمع «ند» و هو «المثل»، و طبقاً لما ورد في القاموس المحيط للفيروزآبادي فإنّ «الندّ» لا يقال لأيّ مثل بل له معنى خاص يختصّ «بالشبه في الجوهر و الذات».

و في سورة الإخلاص استخدم کلمة «کفو» (ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) و هي أيضاً بمعنى المثل، و ينقل القرآن الكريم

ص: 29

على لسان الكفار قولهم في الآخرة (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(1).

و هنا نسأل، هل إنّ أحداً من المسلمين جعل أولياء الله شركاء أو أكفاء له في جوهر الذات، أليس الجميع يقول أنّ ما يفعله أولياء الله إنّما هو بإذن الله و مشيئته، كما هو الحال مع الملائكة المطيعين للحق (لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَول وهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)(2).

إنّنا حين نجد القرآن الكريم ينسب صراحةً خمس معجزات إلى النبي عيسى علیه السلام و هي: شفاء «الأكمه» و «الأبرص»، و «إحياء الموتى»، «خلق ما يشبه الطير و نفخ الروح فيه فتحوّل إلى طير حي» و «الإخبار عن الأمور الغيبية»، لكنّه في نفس الوقت يربطها بإذن الله، بمعنى صاحب الإرادة الأصلية هو الله تبارك و تعالى.

و من المؤكّد أنّ أولئك الذين سمعوا هذا القول من المسيح علیه السلام لا بدّ أنّهم طلبوا منه أن يقدّم لهم معجزات فقام ببعضها، فهل نقول عن هؤلاء أنّهم كفار؟ و هل إنّ المسيح علیه السلام

ص: 30


1- . سورة الشعراء: 98.
2- . سورة الأنبياء: 27.

أو الذين استغاثوا به كفار أو مهدورو الدم و يجب إنزال القصاص بهم، ربّما لو كان التكفيريون موجودين في ذلك العصر لقالوها.

باعتقادنا، أنّ في كلمة «بإذن الله» تأكيد واضح على التوحيد، لقوله أنّ تأثير الشفاعة و التوسّل و الدعاء و ما شابه ذلك كلّه يحصل بإذن الله تعالى، و هذا تأكيد صريح على التوحيد. نعم، إذا اعتبرنا أنّ لهم تأثيراً على نحو مستقل و رفعناهم إلى مصاف الله تعالى، ففي هذه الحالة يعدّ كفراً.

و الأعجب من ذلك مقارنة أولياء الله بأصنام من حجر و خشب لا شعور لها و لا فهم (و لا تضرّ و لا تنفع).

و نحن نتساءل هنا، هل كان بإمكان أصنام الجاهلية أن تطلب شيئاً من الذات القدسية الإلهية، أو أن تحل مشكلة بإذن الله، أيّ مقارنة مجحفة هذه؟

و الأكثر إجحافاً أن نتنكّر للحياة البرزخية لأولياء الله، في حين أنّ الشهداء العاديين يحيون حياةً خالدة كما ورد في صريح القرآن الكريم، فهل يا ترى أنّ مقام النبي الأكرم6 أقل من الشهيد العادي؟ إذاً لماذا نسلّم عليه6 في صلواتنا؟

ص: 31

و هل أنّه6 بعد رحيله عن الدنيا أصبح، و العياذ بالله، كالحجر والخشب، و أنّنا نسلّم على الحجر والخشب؟

من المؤسف القول، أنّ البعض يريد صيانة التوحيد فإذا به يشوّه النبوة، و البعض الآخر يغالي في النبوة إلى الدرجة التي يطعن فيها بالتوحيد، لذا، بحسب اعتقادنا أنّ كليهما خطأ.

بألم و حسرة نقول، أنّهم لا يملكون من علوم الكتاب و السنّة إلاّ صبابة كأس، لأنّهم لم يتتلمذوا على جهابذة علماء الإسلام حتى ينهلوا من علومهم، و قد انبروا إلى تفسير القرآن الكريم و السنّة النبوية المطهرة تفسيراً خاطئاً مستندين إلى ما التقطوه من فتات العلم. و هيهات أن يتمكّنوا من جمع لآلئ هذا العلم فبحره عميق كما تعلمون أيّها الأفاضل الأعزاء.

استميحكم أيّها الأخوة الأعزاء و العلماء الأعلام من جميع المذاهب عذراً على الإطالة، و اسمحوا لي أن أعرض على حضراتكم في ختام كلمتي مطلباً مهماً و هو أن لا نكتفي باستعراض المعاناة و المشاكل، و إنّما من الضروري أن نزيد على ذلك بالتفتيش عن الحلول و المعالجات المناسبة الكفيلة

ص: 32

باقتلاع هذه الأفكار الضالة و المتطرّفة من بين صفوف المسلمين و التي أصبحت مصدراً لجميع الشرور و الجرائم، و شوّهت وجه الإسلام الناصع في أنظار العالم في وقت صار العالم مهيّأً لاحتضان الإسلام، و أن يعيش أهل القبلة و أولئك المؤمنين بالشهادتين، شهادة وحدانية الحق تعالى و شهادة نبوة النبي الأكرم6، أن يعيشوا جنباً إلى جنب، و تتشابك أيديهم على الوحدة و التضامن، و حينذاك، لن يجرؤ أيّ أجنبي طامع أن يسيطر عليهم.

و المثير للدهشة أنّ القرآن الكريم في سورة يس المباركة يتحدّث عن رسول أنطاكية قائلاً: (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) فإذا كان في إضافة ثالث إلى الاثنين عزّة و قوة، فما بالك بتكاتف جميع المسلمين و اتحادهم؟ و لا ننسى أنّ القرآن الكريم اعتبر بثّ الفرقة و إثارة الخلافات إحدى شُعَبِ الشرك كما يقول عزّ من قائل (ولاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعًا)(1).

ص: 33


1- . سورة الروم: 32.

اسمحوا لي أن أعرض عليكم اقتراحاً بتشكيل أمانة دائمة للمؤتمر يكون مقرّها إحدى المدن المهمة في العالم الإسلامي و مهمّتها التصدّي الفكري و الثقافي للتيارات التكفيرية، و أن تضمّ في عضويتها كبرى المؤسسات العلمية الإسلامية، و يتشاور أعضاؤها لإيجاد الآليات و الحلول لاجتثاث الأفكار المتطرفة.

و يقيناً أنّكم يا علماء الإسلام الأفاضل لن تسكتوا على ما يحدث، و ستقومون بواجبكم الديني و الإنساني.وفقكم الله و سدّد خطاكم و في الختام ندعو الله فنقول (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ولاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(1).

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ص: 34


1- . سورة الحشر: 10.

البیان الختامی للمؤتمر العالمي

البیان الختامی

للمؤتمر العالمي

«حول آراء علماء الإسلام

في التيارات المتطرفة والتکفيرية»

ص: 35

ص: 36

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ )

الحمدلله رب العالمین و صلی الله علی سیدنا محمد و آله الطیبین و صحبه المنتجبین و من تبعهم باحسان الی یوم الدین

علی ضوء الظروف العالمیة الراهنة، و فی الوقت الذي یجب علی الأمة الإسلامیة أن تجد مکانتها اللائقة في الساحة الدولیة، نری أن العالم الإسلامي یمر بمرحلة هي من اکثر مراحلها مرارة و صعوبة.

إن ما تقوم به التیارات المتطرفة و التکفیریة، یؤدي إلی تشویه وجه الإسلام العزیز و بث الفرقة بین المسلمین و صرف

ص: 37

الأنظار عن القضایا الرئیسیة للعالم الإسلامي، کما أنه یعزز جبهة الاعداء و یتسبب في استمرار الهیمنة الأجنبیة علی الدول الإسلامیة و نهب ثراواتها. إن هذه التیارات تبیح دماء المسلمین و أموالهم و أعراضهم، و تضحي بهم - بکل عنف و قسوة - فی سبیل افکارها المنحرفة و اعمالها الإجرامیة.

في مثل هذه الظروف، وانطلاقاً من الإیمان بشمولیة دیننا الإسلامي بصفته رسالة کونیة خالدة وصانعة للحضارات، فإن الواجب الرسالي لکبار علماء الدین یتطلب منهم أن یعکفوا علی کشف حقیقة هذه التیارات و بیان انحرافاتها، و تعریف العالم بالمعارف و التعالیم الإسلامیة الأصیلة، لیؤدوا الدور اللائق بهم ازاء هذه البدع و تداعیاتها الضارة، وذلک عملا بقول النبي الأکرم6: اذا ظهرت البدع فللعالم ان یظهر علمه و إذا کتم فعلیه لعنة الله.

بناء علی ما تقدم، و لغرض کشف حقیقة التیارات المتطرفة و التکفیریة و إدانتها، انعقد المؤتمر العالمي حول «التیارات المتطرفة و التکفیریة في آراء علماء

ص: 38

الإسلام» في مدینة قم خلال یومي 29 شهر محرم الحرام و الأول من شهر صفر لعام 1436ق (الموافق 23-24 نوفمبر 2014م) و ذلک بناء علی دعوة من عَلَمینِ من المرجعیات الدینیة المرموقة في الحوزة العلمیة بمدینة قم، و بمشارکة مئات العلماء و المفکرین من اکثر من 80 دولة، و قد تم إعلان ما توصلت إلیه مداولات المؤتمر و القرارات الصادرة عنه کما یلي:

1. إن الإسلام دین الرحمة و الأخوة والدعوة إلی البر و الإحسان و إن النبي الأکرم6 قد أکد بأن الهدف من بعثته هو إتمام مکارم الأخلاق، کما أن القرآن الکریم قد بیّن لنا أن سرّ انتشار الإسلام و انجذاب الناس إلی النبي الأکرم یتمثل فی رأفته و رحمته6: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)(1).

علی هذا الاساس یجب علی جمیع المسلمین سیما العلماء

ص: 39


1- - آل عمران ، 159

و المثقفین منهم أن یحذوا حذو النبي الأکرم6 وأئمة أهل البیت: و قادة و علماء المذاهب، في التعامل المتسم بالسلم و المودة، لیس مع اتباع دینهم فحسب وانما مع اتباع سائر الدیانات أیضاً، و أن یقفوا بوجه أي عمل یؤدي إلی تقدیم صورة عنیفة عن الدین الحنیف.

2. لقد قرر الدین الإسلامي الحنیف المبادئ الثلاثة المتمثلة في الحکمة والموعظة الحسنة و الجدال بالأحسن لمواجهة الأفکار المعارضة، کما ورد في قوله تعالی: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(1). لذلک فإن أي إساءة إلی مقدسات و رموز سائر المذاهب الإسلامیة أو الدیانات الأخری بعیدة کل بعد عن الآداب والتعالیم الإسلامیة و یتعین علی المسلمین أن یتجنبوا ذلک و أن یعاملوا اتباع سائر الدیانات بالتسامح و الحوار ما لم یقوموا بمحاربة الإسلام و المسلمین: قل یا

ص: 40


1- - نحل، 125.

أهل الکتاب تعالوا إلی کلمة سواء بیننا و بینکم ألا نعبد إلا الله و لا نشرک به شیئاً(1).

3. حسب التعالیم الإسلامیة الباعثة علی الحیاة، کل من ینطق بشهادتین فإنه یعتبر داخلا فی الإسلام فیحرم دمه وماله و عرضه و کرامته و أنه لایجوز اعتبار أحد خارجا عن الإسلام طالما یُظهر اسلامه کما جاء فی القران الکریم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا)(2).

4. بما أن مصطلح الکفر في نظام التفکیر الإسلامي یطلق علی حالة إنکار أحد مبادئ الإیمان بالله والرسول و الآخرة، أو إنکار إجمالي لکل ما انزل الله تعالی؛ فإن بعض الأفکار المنحرفة التي تقوم بتکفیر سائر المسلمین تحت ذرائع واهیة و بسبب بعض القناعات أو الطقوس الدینیة المقبولة لدی اغلبیة علماء الإسلام، هي أفکار مدانة ومرفوضة. ولما کانت هذه

ص: 41


1- - آل عمران، 64.
2- - نساء، 94.

الأفکار المنحرفة تمهد الأرضیة لشق عصا المسلمین و نفوذ الأعداء أو - لاقدرالله - فرض إرادة الأعداء علی المجتمعات الإسلامیة، فلابد من تعریة هذه الأفکار و مواجهتها باعتبارها أفکارا مناقضة للإسلام. و علی العلماء و المرجعیات الدینیة بوجه خاص أن یتخذوا خطوة کبیرة في سبیل مکافحة التکفیر من خلال قیامهم بإصدار فتاوی حاسمة.

5. إن رواج ظاهرة التکفیر في المجتمع یشکل فتنة طالما أثارت استیاء قاطبة المسلمین و انزعاجهم. لذلک یتعین علی المسلمین أن یشحذوا الهمم لمعارضة تکفیر اهل القبلة و اخماد نار الفتنة الجدیدة و ذلک اهتداء بقول النبی الأکرم6: «یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیة» و احتذاء بالسنة المتبعة لدی المسلمین في مقارعة الأفکار التکفیریة منذ عهد الخوارج في القرن الإسلامی الأول إلی عودة هذه الأفکار فی القرن الثانی عشر و انتهاء بالعصر الحاضر الذي صرنا نشهد ارتکاب الجرائم الواسعة النطاق من قبل الزمر التکفیریة في العالم الإسلامي، وذلک بغیة ألاتقضي آثارها الهدامة علی مقدسات و مصالح العالم الإسلامي.

ص: 42

6. نظرا ً لحرمة دماء أهل القبلة و أموالهم و أعراضهم و کرامتهم، فإنه یُعتبر المساس بها أو القیام بقتل المسلمین من الذنوب التي لاتغتفر والتي تستوجب الغضب الإلهي واللعن و العذاب: «و من یقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فیها و غضب الله علیه و لعنه و أعد له عذاباً عظیماً». لذلک فإن اتخاذ أي خطوة عملیة مبنیة علی أساس الأفکار التکفیریة - بما في ذلک العملیات الانتحاریة، والتفجیرات والاغتیالات و أعمال القتل والذبح و أي ایذاء لأهل القبلة و إباحة أموالهم و أعراضهم و إلحاق الخسائر المالیة بهم أو تدمیر و هدم الأماکن والآثار الإسلامیة - کل ذلک حرام شرعاً، کما أن عرض صور هذه الأعمال الإجرامیة تسيء إلی الدین الحنیف و تقدم وجهاً غیر حقیقی متسم بالعنف عن الإسلام مما یُعدّ بدوره حراماً مضاعفاً. لذلک فإن الواجب یملي علی جمیع المسلمین أن یقفوا بوجه هذه الظاهرة المشؤومة و ذلک عبر القیام بالتوعیة لتجفیف جذور التکفیر الفکریة - و التي قد امتدت مع الأسف إلی الکتب التعلیمیة في مدارس بعض الدول -

ص: 43

و کذلک الوقف الفوري لأنواع الدعم المالي والعسکري و السیاسی التي تقدم للجماعات المتطرفة، و بوجه خاص وقف عملیة إرسال المرتزقة للقتال ضد شعوب المنطقة، و العمل علی تعزیز العلاقات والحوار والتعاون بین الدول الإسلامية بالاضافة إلی رصد مستمر لما تواجهه أمتنا الأسلامیة من تطورات و مکامن ضعف و قوة و تهدیدات و تحدیات و فرص.

7. إننا إذ ندین جرائم الجماعات التکفیریة في دول المنطقة، خاصة في العراق وسوریا، ونعرب عن قلقنا من إحتمال اتساع نطاقها في حال عدم مواجهتها مما یؤدي إلی نسیان الدفاع عن أولی القبلتین و أرض فلسطین المغتصبة؛ ندعم انتفاضة الشعب الفلسطینی العادلة من أجل إنقاذ القدس العزیز من براثن الکیان الصهیوني الغاصب مما یشکل مصداقا بارزا ً للدفاع المشروع و یعد من الواجبات الشرعیة لإنهاء احتلال جزء من دار الإسلام، معتبرین أن القیام بالمساندة والمؤازرة لتحریر کل الأراضي الفلسطینیة فریضة دینیة لکل أبناء الأمة الإسلامیة.

ص: 44

8. بما أن الجهل بالتعالیم الإسلامیة وعدم معرفتها بشکل صحیح - بجانب مؤامرة الأعداء الهادفة إلی بث الفرقة بین المسلمین و تکفیر بعضهم البعض - یعتبر من العوامل التي تدفع بعض الأشخاص إلی الأفکار المنحرفة و الجماعات التکفیریة، فإن رسالة علماء الدین تتطلب منهم أن یجندوا کل طاقاتهم لتوعیة الشباب المسلمین المنخدعین وأن ینبهوا عموم المسلمین إلی خطر التیارات التکفیریة و المتطرفة و یجفف جذورها الفکریة بمدد البرهان والمنطق.

9. بما أن أعداء الإسلام یستخدمون اجهزتهم الاستخباراتیة من أجل استغلال التیارات المتطرفة و التکفیریة بصفتها أداة مؤاتیة لوضع و تنفیذ مشاریع التخویف من الإسلام و الحیلولة دون انتشار الإسلام فی العالم، فإن العلماء المشارکین في هذا المؤتمر إذ یؤکدون علی ضرورة التحلي بالوعي و اتخاذ جانب الیقظة تجاه أحابیل الاستکبار العالمي، یعلنون بصراحة بأن التیارات التکفیریة و المتطرفة لا تمت بصلة بالدین الإسلامي الباعث علی الحیاة. لذا یجب العمل علی تعزیز قدرات الشباب

ص: 45

المسلمین الغیاری و تقویة الروح الثوریة المناهضة للکفر و الاستعمار لدیهم، والحیلولة دون انحرافهم نحو قتال الأشقاء و معاداة المسلمین، وذلک من أجل سد الطریق أمام تحقق أهداف الأعداء فی الدول الإسلامیة.

10. إذ نؤکد مجدداً أن الوحدة الإسلامیة هي رمز نجاح الأمة فی تحقیق الأهداف الإسلامیة و إعادة بناء الحضارة الإسلامیة الجدیدة ونشر ثقافة الإسلام الحیویة في العالم، نعلن أن علی کل المسلمین أن یتصدوا لمؤامرات أعداء الإسلام في إیجاد الفرقة و بث العداوة بین المسلمین، و ألا یسمحوا للأعداء في تطبیق عملیة تشویه حقیقة الإسلام و تقدیم صورة عنیفة لاإنسانیة لهذا الدین المبین و التعتیم علی صفاته الرحمانیة وصولاً لأهدافهم المقیتة معتمدین بذلک علی التیارات المتطرفة و التکفیریة.

11. نظراً لضرورة التعریف بالمبادئ والتعالیم الإسلامیة والابتعاد عن الترویج للخلافات بین المذاهب - والتي ینبغي أن تطرح في إطار النقاشات العلمیة بین المختصین في العلوم

ص: 46

الإسلامیة - و نظراً لضرورة توظیف جمیع الآلیات لتوعیة المجتمعات الإسلامیة، نوصي جمیع أصحاب القلم والإعلامیین، والقنوات الإذاعیة والتلفزیونیة، والإعلام المقروء والناشطین فی الفضاء الافتراضي أن یتصدوا لکل حالات سوء الاستخدام للعناوین المذهبیة المختلفة و الإساءة للآخر، و أن یقاطعوا و یفضحوا کل مبادرة تتعارض مع الوحدة والتقریب، و أن یهتموا بالدفاع عن المقدسات الأمة الإسلامیة و مصالحها في مواجهة أعداء الإسلام اللدودین و علی رأسهم أمریکا و الکیان الصهیوني.

12. نظراً لدور علماء العالم الإسلامي في إرشاد المجتمعات الإسلامیة، و ضرورة البحث عن الحلول الکفیلة و الشرعیة للخروج من أزمة المشاکل الراهنة یقترح تأسیس المجمع العالمي لعلماء الإسلام للتوصل إلی أفکار مشترکة و إزالة حالة سوء التفاهم و الابتعاد عن إثارة القضایا الخلافیة، وصولاً إلی تعزیز التقارب بین علماء الإسلام والتمهید لمواجهة التحدیات التي تعترض طریق الأمة الإسلامیة و عالم البشریة.

ص: 47

إن تأسیس الأمانة الدائمة للتصدي للتیارات المتطرفة والتکفیریة، وتشکیل و إیفاد مجموعات النوایا الحسنة و الوساطة بین الأطراف المتنازعة في العالم الإسلامي بإشراف المجمع العالمي لعلماء الإسلام یعدان من الضرورات التي ینبغي القیام بها.

وختاماً یتقدم المشارکون في المؤتمر بأسمی آیات التقدیر للدعم المستمر للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة قیادة و حکومة و شعباً لمسیرة الوحدة الإسلامیة و التقریب بین المذاهب. کما و یثمنون مبادرة مراجع الدین الکبار في تحریم التکفیر و کل إساءة لمقدسات المسلمین.

و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمین

قم المقدسة

اول صفر 1436

ص: 48

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.