دراسات علمية
مجلة نصف سنوية تصدر عن المدرسة العلمية لاخوند الصغرى في النجف الأشرف
تعنى بالابْحَاتِ التَّخَصُصِيَةُ فِي الْجَوْزَةِ العِلْمِيَة
العدد الخامس عشر - شهر رمضان المبارك 1440ه_
الهيئة العلمية
نخبة من أساتذة الحوزة العلمية
في النجف الأشرف
رئيس التحرير
السيد جواد الموسوي الغريفي
هيئة التحرير
السيد علي البعاج
الشيخ محمد الجعفري
الشيخ قاسم الطائي
ص: 1
دراسات علمية
العنوان: مجلة دراسات علمية / العدد الخامس عشر
الطبعة: الأولى
تاريخ الطبع : 2019م – 1440 ه_ . ق
الكمية: 2000
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1614 لسنة 2011
صورة الغلاف: حاشية شرح القواعد للشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي بخط المولى حاجي بابا القزويني (طاب ثراهم أجمعين) والمنشورة في هذا العدد.
ص: 2
بِسْمِ اللَّ_هِ الرَّحْمَ_ٰنِ الرَّحِيمِ
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً
فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَهُوا
في الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ
التوبة (122)
ص: 3
1. ترحّب المجلة بإسهامات الباحثين الأفاضل في مختلف المجالات التي تهم طالب الأبحاث العليا في الحوزة العلمية، من الفقه والأصول والرّجال والحديث ونحوها.
2. يُشترط في المادة المراد نشرها أمور:
أ . أن تكون مستوفية لأُصول البحث العلمي على مختلف المستويات (الفنّيّة والعلميّة)، من المنهجية والتوثيق ونحوهما.
ب . أن تكون الأبحاث مكتوبة بخط واضح أو (منضدة).
ت . أن توضع الهوامش في أسفل الصفحة.
ث . أن يتراوح حجم البحث بين (12) و (50) صفحة من القطع الوزيري بخط متوسط الحجم، وما يزيد على ذلك يمكن جعله في حلقتين أو ثلاث - بحسب نظر المجلة - شريطة استلام البحث كاملاً، ويمكن للمجلة في ما زاد عن ذلك أن تنشره مستقلّاً مع نشر قسم منه في بعض أعدادها.
ج. أنْ لا يكون البحث قد نُشر أو أُرسل للنشر في مكان آخر.
ح . أنْ يُذيَّل البحث بذكر المصادر التي اعتمدها الباحث.
3. يخضع البحث لمراجعة هيئة علمية، ولا يُعاد إلى صاحبه سواء أنشر أم لم يُنشر.
4. للمجلة وحدها حق إعادة نشر البحوث التي نشرتها.
5. يخضع ترتيب البحوث المنشورة في المجلة لاعتبارات فنّيّة لا علاقة لها بمكانة الكاتب أو أهمّيّة الموضوع.
6. ما يُنشر في المجلة لا يعدو كونه مطارحات علمية صرفة، ولا يُعبر بالضرورة عن رأي المجلة.
ص: 4
إدارة المجلة ... 7
القاعدة الأوّليّة في حكم قضاء ما فات من الصوم الواجب
الشيخ مرتضى المشرفاوي دام عزه ... 11
مفطريّة الارتماس للصائم
الشيخ حسن البشيري دام عزه ... 69
التّبعيض في الحجّيّة، وفي ذيله: (قرينية وحدة السياق)
الشيخ وليد العامري دام عزه ... 99
رجال الجواهر / 1
الشيخ علي الغزي ظالم حفرة ... 157
دراسة في أحوال رجال (نوادر الحكمة)
الشيخ إسكندر الجعفري دام عزه ... 215
حاشية شرح القواعد للفقيه الشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي(قدس سره)
تحقيق: الشيخ محمّد الجعفري دام عزه ... 261
ص: 5
ص: 6
بِسْمِ اللَّ_هِ الرَّحْمَ_ٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسّلام على أشرف النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد، مع بزوغ فجرِ كلِّ عددٍ تزداد المجلة في رصيدها من العناوين والبحوث، وتمضي قدماً في ميدان التحقيق والتدقيق في التراث الإسلامي، وتنفض الغبار عن أعمال كانت مغمورة في الزمان يكاد يُغيبها ستار النسيان.
ومن هذا وذاك تُبلوِرُ كل فترةٍ نتاجاً تتضافر عليه العقول والأيدي يكون غذاءً فكرياً لروّاد القراءة والبحث في الموضوعات التي تختص بها من علوم القرآن والفقه والأصول والحديث والرّجال ونحوها.
وبذلك - أيضاً - يتأكد اسم المجلة كرمز ناجح في التجربة التي خاضتها مبادرة قبل غيرها في وقتٍ كان الكثير يتهيب المجازفة فيها خوفاً من عدم اجتماع أسباب النّجاح والقبول أو التعثّر تحت وطأة النّقد وقصور أدوات العمل.
ومع ذلك، لا ترى المجلّة وإدارتها أنها قد بلغت غاية مسعاها، فعلى الرغم من تزايد عدد الباحثين فيها، وتنوّع الموضوعات التي تتناولها في اختصاصها واتساع
ص: 7
طيفها، إلّا أنّه ما زال أمامها شوط كبير لتقطعه في التأصيل والإبداع والمبادرة، وتنظرُ إلى تنوع البحوث المطروحة أكثر، وتتطلّع لعرض موضوعات بطيف أوسع وبهامش تحقيق وتدقيق يماهي وقع قدم البحث العلمي في الحوزات العلمية، وفي الوقت ذاته يترجم تلك البحوث إلى تطبيقات علميّة وعمليّة على موضوعات حية من محيط الإنسان المكلّف، فإنّ لذلك أبلغ الأثر في عكس مستوى النضج والثّمرة نتيجةً لاستمرار البحث في العلوم المرتبطة بالاجتماع الإنساني وعلاقته ببعضه من جهة، و بخالقه من جهة أخرى.
وكما عوّدت المجلّةُ قرّاءَها في كلّ عددٍ على بناء عناوينها على محاور متنوعة: محور الفقه، ومحور الأصول، ومحور الحديث أو رجاله، ومحور التراث القائم على استخراج بعض المخطوطات المهمة في موضوعها، ونشرها بحُلّة التحقيق.
فقد وقع الاختيار هذه المرّة على حاشية الفقيه الشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي(قدس سره)على كتاب والده ((جامع المقاصد))، وهي نسخة نادرة يتيمة - بخط تلميذه الذي قرأها عليه - لم تر النور من قبل ، كبقية تراثه(قدس سره)، الذي نأمل أن نوفّق لنشره بأجمعه بإذنه تعالى.
أمّا محور الفقه الذي يتصدّر المجلّة فيبدو أنّ للصوم - ونحن على أعتاب شهر رمضان الفضيل - السّيادة التّامّة فيه؛ إذْ دار ذلك المحور على بحثين، أولهما في حكم قضاء ما فات من الصوم الواجب، والآخر في حكم مفطّريّة الارتماس.
وأما محور أصول الفقه فنطالع في هذا العدد بحثاً حول التبعيض في الحجية مذيلاً ببحث قرينيّة وحدة السّياق وتأثيره في الظهور.
ولا يقل محور الحديث ورجاله عن المحورين السابقين إثارة وتشويقاً إلى مخرجاته؛ فإنّ استقصاء طريقة فقيه عظيم في مؤلّف مهم ك_( الجواهر) عليه دارت رحى أجيال من
ص: 8
العلماء في الاستنباط والذائقة الفقهيّة لمجهودٌ عظيم يغني، في نتائجه حتماً مكتبة رجال الحديث، ويطالعنا لأوّل مرّة فيما نعلم بالآراء والنظريات الكلية لصاحب الجواهر(قدس سره)في علم الرّجال بعد تحليل اتجاهات المؤلّف في آلاف الصفحات في اختياراته في قبول الحديث وردّه أو نقد رجاله، وبالتالي يساعد في إثراء أو تطوير نظريّة معيّنة في هذا العلم.
ومن هذا المنطلق تظهر فائدة البحث في رجال كتاب مهم مثل (نوادر الحكمة) لمؤلّفه الثقة الجليل محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي (المتوفى نهايات القرن الثّالث) فقد صار الكلام في رجال هذا الكتاب مصدراً من مصادر التحقيق في أحوال الرّجال لما استثنى نَقاد رجالي مهمّ كمحمّد بن الحسن بن الوليد عدة من الرّجال والمرويّات في هذا الكتاب وأخرجهم من دائرة الاعتبار.
هذا، وفي الختام لا يسعنا إلّا أن نتقدم بالشكر لأصحاب السماحة أعضاء اللجنة العلميّة المستمرين في رعاية البحوث ومراجعتها، وكذلك نشكر الأفاضل المساهمين في تنقيح وتصحيح وإعداد البحوث وإخراجها بالضّبط الفنّيّ والمنهجي بالشكل المرضي الذي تظهر به في كلّ عدد، جزاهم الله تعالى جميعاً خير جزاء المحسنين.
سائلين الله تعالى التوفيق في استمرار هذا العمل واستكمال عناصر نجاحه، والله من وراء القصد
هيئة التحرير
النجف الأشرف
شعبان المعظم 1440ه_
ص: 9
ص: 10
الشيخ مرتضى المشرفاوي دام عزه
إنّ البحث عن العمومات الفوقانية في أبواب العبادات بما تمثله من قوانين كلّيّة يحظى بأهميّة بالغة؛ إذ يمكن الرجوع إلى هكذا عمومات في حالات فقد الدليل في المورد الخاص.
وما بين يديك - عزيزي القارئ - محاولة لاستخراج هكذا عموم لقضاء ما فات المرء في باب الصوم، استقرأتُ فيها ما سطره الأعلام في هذا المقام مع مناقشة وتحليل يتناغمان مع النظريات الحديثة في الفقه والأصول والرجال.
ص: 11
ص: 12
المقدمة
بِسْمِ اللَّ_هِ الرَّحْمَ_ٰنِ الرَّحِيمِ
إنّ البحث حول العمومات الدالة على وجوب قضاء ما فات من الصوم الواجب نافع في العديد من الموارد؛ إذ يمكن الرجوع إلى هذه العمومات - لو تمت - بعد فقد الأدلّة الخاصة في الموارد المختلفة، كما في قضاء المرتدّ ما فاته من الصوم أيام ردّته، وقضاء الكافر ما فاته زمان كفره، وكذا المغمى عليه ومن فاته لسكر وغيرها من الموارد، فلو لم تتمّ الأدلّة في أبوابها على حكم قضاء الصوم فيها أمكن الرجوع إلى هكذا عموم فوقاني دالّ على وجوب قضاء ما فات من الصوم الواجب.
وقبل الدخول في البحث لا بد من تقديم عدة أمور:
الأمر الأوّل: يمكن القول بأنّ الوجوه المحتملة في المقام ثلاثة:
إثبات القاعدة مطلقاً، وإنكارها مطلقاً، والتفصيل بين من كُلّف بالأداء فتثبت القاعدة في حقه، وبين من لم يجب عليه الأداء فلا تجري القاعدة في حقه. والتفريق بين هذه الوجوه له مدخلية في النظر في الأدلة، كما سيتضح إن شاء الله تعالى.
ص: 13
الأمر الثاني: إنّ مقتضى الأصل على القول بتبعية القضاء للأداء مطلقاً القاعدة بالنسبة للمكلّفين بالأداء، أما لو لم نقل بتلك القاعدة فإنّ الأصل هو البراءة في المقام؛ باعتبار أنّه من موارد الشكّ في التكليف.
الأمر الثالث : لا إشكال في ثبوت وجوب القضاء على من فاته الصوم في عدد من الموارد، فلا بد من ملاحظة هذه الموارد، والحديث حول إمكانية الاستعانة بها لانتزاع القاعدة الكلّيّة، كما أنّ هناك موارد نُص فيها على خلاف القاعدة.
أما الموارد التي نُص على وجوب القضاء فيها فهي كثيرة، منها: المريض، والمسافر، وناسي الجنابة، والحائض، والنفساء، ومن أفطر متعمّداً . مع الالتفات إلى وجود تفاوت في هذه الموارد، فإنّ المريض والمسافر والحائض والنفساء غير مكلفين بالأداء، بخلاف ناسي الجنابة ومن أفطر متعمّداً.
وأما الموارد التي نُص فيها على خلاف القاعدة فكالمجنون والصبي والمغمى عليه والكافر إذا أسلم، وهذه الموارد ليست على وتيرة واحدة كسابقتها، فإنّ الكافر مكلّف بالأداء - بناءً على ما هو المشهور من تكليف الكفّار بالفروع(1)- بخلاف الموارد الأخرى.
وهناك موارد خلت من النصّ الخاص، فتكون من تطبيقات القاعدة، وفيها تظهر ثمرة البحث، كقضاء المرتدّ ما فاته من الصوم أيام ردّته، والمغمى عليه، ومن فاته لسكر، وغيرها من الموارد إذا لم تتمّ الأدلّة الخاصة في حكم قضاء الصوم في أبوابها.
الأمر الرابع: تاريخ المسألة.
يظهر من سياق كلمات غير واحد من فقهائنا الأعلام البناءا على أن هناك قاعدة
ص: 14
تقضي بوجوب قضاء الصوم على كلّ من فاته، ولعلّ عبارة السيد ابن زهرة(قدس سره)تومئ إلى هذا، حيث قال: (قد دلّلنا فيما مضى على أنّ الكفّار مخاطبون بالشرائع، ومن جملتها قضاء ما يفوت من العبادات، ولا يلزم على ذلك الكافر الأصلي، لأنا أخرجناه بدليل، وهو إجماع الأمة على أنّه ليس عليه قضاؤه)(1)، وبضميمة كلامه(قدس سره)إلى القول بتبعية القضاء للأداء يمكن أن نحصل على نتيجة مهمة، وهي وجوب القضاء على كلّ مَن فاته الصوم الواجب إلّا ما خرج بدليل، كالكافر الأصلي، كما صرّح هو(قدس سره)بذلك، بل لا حاجة إلى ضمّ المقدّمة الثانية للوصول إلى النتيجة؛ فإنّ القضاء من جملة التكاليف والشرائع التي يكون الخطاب فيها شاملاً للمسلم وغيره إلّا ما خرج بدليل بمقتضى الكلام السابق، ولذا نجد السيد(قدس سره)مع التزامه بهذه النتيجة قد حكم بعدم تبعية القضاء للأداء، فقال: (القضاء عبارة عن فعل مثل الفائت بخروج وقته، ولا يتبع في وجوبه وجوب الأداء، ولهذا وجب أداء الجمعة، ولم يجب قضاؤها، ووجب قضاء الصوم على الحائض، ولم يجب عليها أداؤه)(2)، إلّا أنّ من فقهائنا من يلتزم بعدم تكليف الكفار بالفروع وإن نسب القول بتكليفهم بها إلى المشهور.
وأما حديث التبعية فقد نفاها بعضهم، كما في عبارة السيّد ابن زهرة المتقدّمة، وأثبتها آخرون، كما يفهم من عبارة المحقق(قدس سره)،حيث قال: (إن مقتضى الدليل وجوب القضاء على كل مكلف بالأداء إذا اجتمعت فيه شرائط الوجوب، تُرِك العمل به في حق الكافر الأصلي، ويعمل به فيما عداه)(3)، ولكن سيأتي في مطاوي الكلام عدم وضوح الملازمة؛
ص: 15
فإنّ المريض والمسافر والحائض والنفساء لا تكليف عليهم بالصوم، ومع عليهم القضاء.
ذلك يجب
،هذا وللسيّد في مفتاح الكرامة محاولة للاستدلال على ذلك بالروايات، فبعد ذكر فتوى العلامة تتهل بعدم وجوب القضاء على غير المتمكّن من الطهارة - ونقل استدلاله عليه في المختلف بعدم وجوب الأداء، وتوقف وجوب القضاء على أمر جديد، ولم يثبت - قال: (فللمناقشة فيما استدلّوا به مجال، كأن يقال : لا ملازمة بين قضاء العبادة وأدائها جوداً ولا عدماً، وإنّما يتبع سبب الوجوب، وهو حاصل هنا، والأمر الجديد ثابت، وهو قوله الله : (من فاتته صلاة فريضة)، خرج منه ما أجمعوا على عدم قضائه)(1).
كما يمكن أن يقال: بأنّ هناك محاولةً من العلّامة(قدس سره)للاستدلال عليه بالآية الشريفة،حيث استدل على وجوب قضاء الصلاة الفائتة بقياسه على وجوب قضاء الصوم الفائت المنصوص عليه في الآية الشريفة؛ فإنّ اهتمام الشارع بالصلاة أهمّ وآكد من الصوم، فهي أولى بالقضاء، قال في التذكرة : (ولأنّ الصوم يجب قضاؤه بنص القرآن، والصلاة آكد من الصوم، فهي أولى بوجوب القضاء، وإنّما يجب القضاء تبعاً لوجوب الأداء)(2)، فيمكن القول بأنّ الحكم بوجوب القضاء على كلّ من فاته الصوم الواجب كان مركوزاً في أذهانهم الشريفة، ولذا لم تخلُ كلماتهم من إشارات لذلك.
هذا وقد تطوّر الاستدلال على القاعدة بالآية الشريفة وبالروايات في كلمات المتأخرين، فنجد هذا الأمر أشدّ وضوحاً في كلمات سيّد المدارك، وصاحب الجواهر، والسيد الحكيم(قدس سره)، وسيأتي عرض أدلتهم إن شاء الله تعالى، وبيان ما يمكن أن يرد عليها.
ص: 16
ويبقى ما ذكر في هذه الوريقات مجرّد محاولة لتسليط الضوء على قاعدة فقهيّة مهمّة وعمليّة في موارد متعدّدة من الفقه.
وقد ذكر فقهاؤنا الأعلام(قدس سره)وجوهاً للاستدلال على وجود هكذا عموم فوقاني:
الوجه الأوّل: ما أشير إليه في الجواهر من التمسك بعموم: (من فاتته فريضة فليقضها)(1).
وأُشكل عليه(2): بأنه حديث مرسل، بل لم يذكر كرواية في كتب الحديث. نعم، هو مذكور في كتاب عوالي اللآلئ(3)، وفي بعض كتب الاستدلال(4)، فلا يمكن التعويل عليه.
ويحتمل ألا يكون مقصودهم أنه حديث برأسه، بل مرادهم أنها قاعدة متصيّدة من الموارد المتفرّقة التي أوجبت الأدلّة فيها القضاء على من فاته الصوم بسببها، كالحائض، والنفساء، والمسافر، وهكذا، إلّا أنّ عبارة بعضهم لا تساعد على ذلك، ومعه يرجع هذا الوجه إلى الوجه الثاني التالي.
ص: 17
الوجه الثاني إمكان استفادة القاعدة من الموارد المتفرّقة التي حكمت الأدلّة الخاصة على وجوب القضاء فيها، فقد تكرّر هذا الحكم في موارد عديدة كالمريض والمسافر(1)والحائض(2)، والنفساء(3)، وناسي الجنابة(4)، ومَن أفطر متعمّداً(5).
ولكن إمكان استفادة قاعدة كلّية مفادها: (وجوب القضاء على كلّ من ترك الصوم) من هذه الموارد المتفرّقة لا يخلو من بعد وإن ادّعى بعض الأعلام(قدس سره)إمكان ذلك(6).
والوجه في بُعده ثلاثة أمور:
الأوّل: ما أشار إليه السيّد الحكيم(قدس سره)من أنّه وإن وجدت موارد يجب القضاء فيها لكنّها معارضة بما دلّ على نفي القضاء في موارد أخرى(7)، كالكافر إذا أسلم(8)، والمغمى عليه إذا أفاق(9).
ص: 18
الثاني: إنّ الموارد التي دلّت الأدلة على وجوب القضاء فيها تختلف من ناحية وجوب الأداء، فالمريض والمسافر والحائض والنفساء لا تكليف عليهم بالأداء؛ لأنّ عدم المرض والسفر والخلو من الحيض والنفاس من شرائط الوجوب، في حين أنّ ناسي الجنابة ومَن أفطر عمداً مكلّفون بالأداء؛ لوضوح أن عدم نسيان الجنابة، وعدم الإفطار العمدي ليسا من شرائط الوجوب، وعين الاختلاف نجده في الموارد التي دلّت الأدلة على عدم وجوب القضاء فيها، فالمجنون والصبي والمغمى عليه لا يجب عليهم الأداء؛ لأنّ العقل والبلوغ وعدم الإغماء من شرائط التكليف، بينما الكافر إذا أسلم لا يجب عليه القضاء بالرغم من كونه مكلفاً بالأداء، بناءً على ما هو المشهور من تكليف الكفّار بالفروع(1)؛ومع هكذا اختلاف فمن الصعب استنباط قاعدة كلّيّة
اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ هذا الاختلاف بمجرّده لا يمنع من استفادة القاعدة الكلية، بل هو يساعد على ذلك إلّا إذا كانت الموارد التي حكمت النصوص بوجوب القضاء فيها في خصوص المكلّفين بالأداء كثيرةً، والتي حكمت بوجوب القضاء على غير المكلّفين بالأداء بدرجةٍ من القلة بحيث لا تساعد على استفادة القاعدة الكلية في حقهم، فإنّ هذا يخصص القاعدة بمن وجب عليه الأداء، ولكن بعض الموارد لسانها لسان الخصوصية كما في (من أفطر متعمّداً) فيصعب التعميم حينئذ.
الثالث : ما أورده السيد الحكيم(قدس سره)عليه أيضاً ، وهو: أنّ الاستقراء المذكور لا يصلح للدلالة على وجوب القضاء على من لم يصم وإن لم يفطر(2).
ص: 19
توضيحه: أنّه بعد التسليم بإمكان استفادة القاعدة من الموارد المتفرّقة ينبغي أن يكون مفادها وجوب القضاء على من أفطر، ولا تشمل من ترك الصوم، فلا تكون شاملة لمثل المرتدّ والكافر؛ لأنّه لا يصدق عليهما أنهما أفطرا عمداً وإن صدق عليهما أنهما تركا الصوم. ولعلّه(قدس سره)يشير إلى أنّ القاعدة حتى تكون مدلولاً لجميع الأخبار فلا بد من أخذ أخص الأخبار مورداً في موضوعها، فإذا كان بعض الأخبار يعلّق وجوب القضاء على الإفطار، وبعضها على ترك الصوم فلا بد من أخذ الإفطار كقيد إضافي في موضوع القاعدة، ومعه لا تشمل من يتناول المفطر لعدم اعتقاده بوجوب الصوم؛إذ لا يصدق عليه أنّه أفطر، بل ترك الصوم.
ويمكن معالجة هذا الإيراد بإلغاء الخصوصية؛ فإنّ القضاء هو تدارك ما فات من الواجب، فتكون العبرة بترك الصوم.
الوجه الثالث : ما تمسّك به السيد الخوانساري(1)من وجود روايات صحيحة مفادها أنّ مَن أفطر متعمّداً فعليه القضاء(2).
ويلاحظ عليه أوّلاً: ما تقدّم نقله عن السيد الحكيم نتثل من أنه لو أمكن استفادة القاعدة من هذه الروايات تكون مختصة بمن أفطر، ولا تشمل من ترك الصوم.
ثانياً : أنّه أخص من المدعى؛ لاختصاصه بالإفطار العمدي، وهو يقضي بوجوب
ص: 20
الصيام على من أفطر متعمداً، فإنّ من لم يجب عليه الصوم ومن لا يعلم بوجوبه لا يقال: إنّه أفطر متعمّداً عند تركه الصيام، فالاستدلال بهذا اللسان لا يساعد على إثبات القاعدة بمستواها الأعم.
الوجه الرابع: ما ذكره السيد صاحب المدارك(1)(قدس سره)من الاستدلال بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال: (إذا كان على الرجل شيء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي شهر شاء أياماً متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، وليحص الأيام، فإن فرّق فحسن، وإن تابع فحسن)(2).
فإنّه(علیه السّلام)أمر بوجوب القضاء عندما افترض أنّه ترك صوم شيء من شهر رمضان. وفيه: أنّها ناظرة إلى التوسعة وجواز القضاء في أي شهر، بعد الفراغ عن ثبوت القضاء في الذمة، فموضوع الحكم فيها هو من وجب عليه القضاء، كما هو واضح من قوله(علیه السّلام): (إذا كان على الرجل شيء من شهر رمضان)، لا إلى وجوب القضاء عند تحقق الفوت حتّى يتمسك بها في المقام(3).
الوجه الخامس : ما ذكره السيد صاحب المدارك(4)(قدس سره)من الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال: (مَن أفطر شيئاً من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعاً فهو أفضل، وإن قضاه متفرّقاً فحسن)(5).
ص: 21
:وفيه أنّ الرواية واردة في مقام بيان الرخصة في تفريق القضاء لمن عليه القضاء، فحكمت باستحباب التتابع بعد الفراغ عن أصل القضاء، لا في مقام بيان وجوب القضاء على من أفطر حتى يتمسك بها في المقام(1)، بدليل أنه(علیه السّلام)لم يقل: فليقضه، بل تعرّض لكيفية القضاء ابتداءً، فإنّ وجوب القضاء أخذ مفروغاً عنه في الرواية.
وحاول الشيخ الأنصاري تل استفادة القاعدة من الرواية بالرغم من التفاته إلى مضمون ما نقلناه عن السيد الحكيم(قدس سره)في الجواب عن الوجه الرابع، فقال: (اللهم إلّا أن يقال: إنّها دالّة على التوسعة في القضاء لكلّ من أفطر في عذر، والتوسعة والتخيير بين التتابع والتفريق فرع وجوب أصل القضاء، فيدلّ عليه بالالتزام العرفي)(2).
وفي هذا القول نظر؛ فإنّه يكفي في صدق الملازمة المدّعاة ثبوت القضاء في الموارد التي دلّت الأدلّة الخاصة على وجوب القضاء فيها، فبعد الفراغ عن وجوب القضاء على مَن ترك أداء الصوم بأحد الأسباب التي نص على وجوب القضاء فيها - إما لصدق الإفطار عليها كالأكل والشرب والجماع ونحوها، أو للدليل الخاص في موردها كالنوم
الثاني للجنب، وترك غسل الحيض - يأتي حديث الملازمة التي ذكرها(قدس سره)، فلا يقين بشمول الملازمة المدّعاة لغير هذه الموارد حتى يمكن استفادة القاعدة الكلية منها.
ولكن يمكن أن يقال: بأنّه يريد استفادة عموم وجوب القضاء من المدلول الالتزامي للحكم، فإنّه يدلّ على المفروغيّة عن وجوب القضاء، لا أنّه يجعل وجوب القضاء قيداً في الموضوع ، وهذا بخلاف عبارة السيد الحكيم(قدس سره)المتقدّمة فإنّ ما يفهم منها أنّه أخذ وجوب القضاء قيداً لبيّاً في الموضوع، وأمّا الشيخ الأنصاري(قدس سره)فإنّه جعل
ص: 22
القضاء لازماً للحكم، لا أنّه مأخوذ كقيد في جانب الموضوع.
ويمكن التأمّل فيه : بأنّ الرواية ليست بصدد إفادة أصل وجوب القضاء ولو بدلالة الاقتضاء، بل هي بصدد التعرّض لبيان كيفية القضاء بالنسبة إلى من وجب عليه القضاء، فاستفادة وجوب القضاء من الرواية ولو بالدلالة الالتزاميّة بعيد عن المنساق عرفاً من عبارات الرواية. مضافاً إلى اختصاص الرواية بذوي الأعذار، فلا يمكن استفادة القاعدة الكلّية الشاملة لغيرهم منها.
ولكن يمكن أن يقال : بإمكان استفادة العموم منها بالفحوى، فإنّ الرواية حكمت بوجوب القضاء على كلّ من أفطر بعذر، وأولى منه الحكم بوجوب القضاء على من أفطر من دون عذر.
وهذا الكلام لو تم - بعد فرض تجاوز الإشكال الأوّل - فهو إنّما يعطي عموم القاعدة لكل من أفطر، ولا يعمّ من ترك الصوم وإن لم يفطر؛ لأنّ موضوع الرواية من أفطر، فلا يمكن تعميمه لمن ترك الصوم.
الوجه السادس : ما ذكره المحقق الخوانساري والسّيّد الحكيم(قدس سره)من التمسك بقوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾(1)؛ لظهوره في تعليل وجوب القضاء على المريض والمسافر بلزوم إكمال العدّة ، فيؤخذ بعمومه في غير مورده(2).
ويلاحظ عليه ما يلي:
أوّلاً: إنّ الآية ليست صريحةً في التعليل؛ إذ يحتمل أن تكون تأكيداً لقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، وإشارة إلى لزوم إكمالها، فتكون اللام للأمر، لا للتعليل، ويكون
ص: 23
المراد بالعدّة العدّة الفائتة لا عدّة الشهر ، أو يكون المراد بها عدّة الشهر، ولكن حيث إنّه على وجه الأمر لا التعليل، فلا يمكن التعدّي عنها للموارد الأخرى.
ثانياً : يحتمل أن يكون التعليل بإكمال العدّة كالتعليل بقوله تعالى بعدها: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾، ومن الواضح أنّ التكبير ليس هو العلة الحقيقية للحكم، بل هو أشبه بالحكمة، إلّا أن يقال بأنّ الأصل في لام التعليل إفادة أنّ المذكور بعدها علة، ومن ثَمَّ يؤخذ بمفهومه في التعميم والتخصيص إلا أن تقوم قرينة في مورد ما على خلاف ذلك، كما في قوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾.
ثالثاً: إنّ تصدير الآيات الشريفة بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾يجعل شمولها لغير المسلم محل إشكال، إلا أن يقال بالتعميم بقاعدة اشتراك الأحكام بين المسلم والكافر كما عليه المشهور.
الوجه السابع: ما ذكره السيد الحكيم دام ظله من استفادة وجود واجبين من الآيات الشريفة: أحدهما هو وجوب صوم قدر أيّام الشهر ، والآخر هو وجوب إيقاع هذا الصوم في شهر رمضان، فإذا فات الثاني يبقى الأوّل يدعوه للامتثال، وذكر بأنّ ذلك مقتضى إطلاق قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصَّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾(1). وأما قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ اهْدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾(2)فلم يتّضح وروده لتقييد إطلاق الأمر
ص: 24
الأوّل، ليكون هناك أمر واحد بالصوم في شهر رمضان كي يحتاج وجوب القضاء مع عدم امتثاله للدليل، بل مقتضى الجمود عليه كون إيقاع الصيام في شهر رمضان مطلوباً آخر، فعدم امتثاله لا يوجب سقوط أصل وجوب الصيام المستفاد من الأمر الأوّل(1).
ويمكن التأمل في ما ذكره دام ظله ؛ فإنّ الذي يقرأ الآيات (183- 185) من سورة البقرة(2)يجد الارتباط بينها ظاهراً، فهي مسوقة لبيان وجوب صيام شهر رمضان؛ فإنّ قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ بيان للأيام المعدودات التي كتب فيها الصيام على الذين آمنوا في الآية السابقة، وقد ذكر المفسرون أنّ المقصود بالأيام المعدودات هو شهر رمضان، قال الطبرسي : ( في ارتفاع شهر رمضان) ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون خبر مبتدأ محذوف يدلّ عليه قوله: ﴿أَيَّامًا﴾ أي: هي شهر رمضان.
الثاني: أن يكون بدلاً من الصيام، فكأنّه قال: (كتب عليكم شهر رمضان).
والثالث: أن يرتفع بالابتداء، ويكون خبره ﴿الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾(3).
ص: 25
فعلى الوجهين الأولين يكون (شهر رمضان)في الآية الشريفة محدّداً لبيان الأيام المعدودات. نعم، على الوجه الثالث يتم ما ذكره دام ظله .
هذا، وقد استظهر صاحب الميزان تعيّن أحد الوجهين الأولين أو ما هو بمنزلتهما، حيث قال:(سياق الآيات الثلاث يدلّ أوّلاً على أنها جميعاً نازلة معاً، فإنّ قوله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ﴾ أوّل الآية الثانية ظرف متعلّق بقوله: ﴿الصِّيَامُ﴾ في الآية الأولى، وقوله تعالى : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ في الآية الثالثة إمّا خبر لمبتدأ محذوف، وهو الضمير الراجع إلى قوله: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَات﴾ والتقدير : هي شهر رمضان، أو مبتدأ لخبر محذوف والتقدير : شهر رمضان هو الذي كتب عليكم صيامه، أو هو بدل من الصيام في قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ في الآية الأولى، وعلى أي تقدير هو بيان وإيضاح للأيام المعدودات التي كتب فيها الصيام، فالآيات الثلاث جميعاً كلام واحد مسوق لغرض واحد، هو بيان فرض صوم شهر رمضان)(1). وإلى هذا المعنى ذهب صاحب تفسير جامع البيان(2)، وأبو حيان الأندلسي، وأشار إلى أنّ ذلك قول جمهور المفسرين(3).
فعلى مذاق صاحب الميزان ومَن وافقه من المفسّرين تكون الآيات مسوقة لبيان وجوب واحد متعلّق بصوم شهر رمضان، وهي تدلّ على أنّ المريض والمسافر يجب عليهما القضاء إذا تركا الصوم في الشهر ، وأمّا غيرهما فإيجاب القضاء عليه إذا ترك الصوم بحاجة إلى دليل من خارج الآية الشريفة.
ص: 26
فإن استظهرنا ما استظهره صاحب الميزان يتمّ المطلوب، وأما إن احتملنا الوجه الثالث المذكور في كلام الطبرسي فيكون الكلام محفوفا بما يصلح للقرينية، وهذا يكفي إيراداً على ما ذكره السيد دام ظله .
ولعلّ الباعث على ما ذكره من استظهار تعدّد المطلوب هو سوق الآيات الشريفة بالنحو المذكور، حيث ذكرت في البداية الأيام المعدودات، ثُمّ ذكرت شهر رمضان.
ولكن يمكن أن يقال : بأن سوق الآيات الشريفة بهذا الأسلوب كان لأجل توطين النفس، وتخفيف التكليف الذي يأتي بعد ذلك، وهو صوم شهر في السنة، فبدأت بعبارة :مجملة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ ، وفي قوله تعالى بعدها مباشرةً: ﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ من التلطَّف والتخفيف ما لا يخفى، ثُمّ بيّنتها جملة أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فزال بعض الإبهام، مع أنّ الوصف بالعدد يشعر بالقلة، ثُمَّ بيّنت أنّ تلك الأيام هي ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾.
ومما يؤيد عدم استفادة تعدّد المطلوب من الآيات الشريفة هو أنّ الأيام المعدودات ليست منضبطة بغضّ النظر عن شهر رمضان؛ لأنّ الشهور تتفاوت باختلاف السنين بل باختلاف الأماكن على القول بتعدد الآفاق، بل إنّ ذكر قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ بنفسه قبل ذكر شهر رمضان يدلّ على تعيّن الأيام السابقة، فالأيام المعدودات إشارة إلى أيّام محدّدة لم يفصح عنها بنحو الإهمال والإجمال وإن كانت متعيّنة في الواقع، وليس المقصود هو طبيعي الأيام القابل للانطباق على مجمل أيام السنة.
ص: 27
هذا مضافاً إلى ما قد يقال : من إمكان جعل تكرار بيان حكم المريض والمسافر دليلاً على وحدة المطلوب؛ حيث ورد وجوب القضاء على المريض والمسافر في الآية الثانية، وكذلك تكرّر ذكره في الآية الثالثة، فبناءً على تعدّد المطلوب يكون المطلوب الأوّل هو وجوب صيام شهر في السنة، ويكون استثناء المريض والمسافر أوّلاً من هذا الحكم، والمطلوب الآخر هو وجوب إيقاع هذا الصوم في شهر رمضان، ويكون استثناؤهما ثانياً من هذا الحكم.
فإن قلنا بأنّ الواجب عليهما بحكم الاستثناء الأوّل هو القضاء داخل السنة، فلا يكون للاستثناء معنىً محصل؛ لأنّ الإتيان بهذا الواجب داخل السنة في أي وقت يكون أداءً لا قضاءً، لإطلاقه من جهة الوقت بحسب الفرض فلا معنى لخطاب المريض والمسافر بالقضاء حينئذ ؛ لعدم تحقق الفوت ما دام الأداء داخل السنة. وإن كان المقصود من الاستثناء الأول - ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَر﴾َ(1)- خارج السنة، فمع العلم بأن مفاد الاستثناء الآخر . ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾(2)- أي داخل السنة يكون معنى الآيات الشريفة هو وجوب صيام شهر رمضان على المكلّف، وأما المريض والمسافر فيجب عليهما قضاؤه بعده خلال السنة، وإذا فاتهما ذلك بأن استمرّ المرض أو السفر وجب عليهما صيام ذلك المقدار بعد السنة بعنوان القضاء، وهذا قول لم يلتزم به الفقهاء. ولكن قد يقابل هذا الكلام بأنّ الإشكال وارد على كل حال، فحتى على القول
ص: 28
بوحدة المطلوب يبقى السؤال عن سبب تكرار الاستثناء قائماً، ومن هنا ذكر القائلون بوحدة المطلوب ثلاث إجابات عن الإشكال:
الجواب الأوّل: ما ذكره الفخر الرازي وهو يرتبط بمباني أصحابه، حيث قال: (كان الحكم هو التخيير بين الصوم والفدية في بداية الشريعة، وهذا يستفاد من الآية الشريفة: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾َ ، بعد أن فسّروا (يطيقونه) بالقدرة عليه. نعم، المريض والمسافر رخص لهما في ترك الصوم في شهر رمضان، وبموجب الآية الثانية: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾َصار الصوم فرض عين، وهذا يستوجب توهم شموله للمريض والمسافر ، فلدفع هذا التوهّم احتاج إلى التنبيه وتكرار الرخصة)(1).
وأجاب عن إشكال اتصال الناسخ بالمنسوخ بأنّه اتصال في التلاوة، وهو لا يوجب الاتصال في النزول؛ ولذا نجد في القرآن آية مكيّة متأخّرة في التلاوة عن آية مدنية.
إلّا أنّ هذا الوجه موهون في حد نفسه لوجوه:
الأوّل: إنّ الصيام فريضة في كل الأديان، كما تشير الآية الشريفة إلى ذلك، ولا تخيير بين الصيام والفدية فيها، كما لم يثبت في السيرة النبوية تخيير المسلمين في ذلك، مع أنّ المؤرّخين قد ذكروا تاريخ تشريع الصيام وبعض الوقائع التي تتعلق بذلك.
الثاني : إنّ معنى (يطيقونه) أي يقدرون عليه بمشقة شديدة ، قال أهل اللغة: (الطَّوْقُ والإطاقة: القدرة على الشيء، والطَّوْق: الطاقة، وقد طاقه طَوْقاً، وأَطاقَه إطاقةٌ، وأَطاقَ عليه وَهُوَ اسْمٌ لِمِقْدَارِ مَا يُمْكِنُ أَن يَفْعَلَهُ بمشقَة مِنْهُ)(2).
ص: 29
الثالث: ما ذكره العلامة الطباطبائي(قدس سره)(1)من شَهِدَ أن جعل قوله تعالى: ﴿فمَن مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ في آخر الآيات ناسخاً لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾في وسطها، مع كون المنسوخ غير شامل لحكم العاجز، وكون الناسخ شاملاً بإطلاقه للقادر والعاجز، فيبقى العاجز داخلاً في حكم الناسخ دون المنسوخ، من أفحش الفساد.
الجواب الثاني ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي(قدس سره)من أنّ الآيات قبل قوله تعالى : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ - بما تشتمل عليه من أحكام - مسوقة للتوطئة والتمهيد دون بيان الحكم، وإنّما بيّن الحكم في هذه الآية الأخيرة، فليس هناك تكرار، فذكر : (أنّ سياق الآيات يدلّ على أنّ شطراً من الكلام الموضوع في هذه الآيات الثلاث بمنزلة التوطئة والتمهيد بالنسبة إلى شطر آخر ... فالكلام الموضوع في الآيتين توطئة وتمهيد لقوله تعالى في الآية الثالثة: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾(2).
وقد علّل الاحتياج إلى التوطئة في آية الصوم بقوله: (إنّ حكم الصيام يلازم حرمان النفس من أعظم مشتهياتها، ومعظم ما تميل إليه، وهو الأكل والشرب والجماع؛ ولذلك فهو ثقيل على الطبع، كريه عند النفس يحتاج في توجيه حكمه إلى المخاطبين - وهم عامة الناس من المكلفين - إلى تمهيد وتوطئة تطيب بها نفوسهم، وتحن بسببها إلى قبوله وأخذه طباعهم)(3).
وقد أورد عليه بعض الأعلام المعاصرين(4): أنه ليس بالضرورة أن يكون أيّ
ص: 30
حكم شاق بحاجة إلى توطئة أو مقدّمة، فموضوع الجهاد والدفاع صَدَرَ الحكم فيه بدون أية مقدّمة أو تمهيد بقوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾(1).
وربّما يقال: بأنّ موضوع الجهاد عائد إلى موضوع الدفاع، وهو أمر معقول؛ ولذلك يكون مقبولاً بسهولة خلافاً للصيام الذي يلازمه الحرمان من الملذات.
ولكنّ كلّاً من الجهاد والصوم أمران معقولان من خلال التحليل العلمي إلّا أنّ أيّاً منهما ما كان مقبولاً من الناحية العملية، وعندما يقال عن القتال: ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ فهو إشارة إلى هذه الجهة، مضافاً إلى أنه إذا كان حكم ما بحاجة إلى مقدمة وتمهيد فبإمكان الآمر الإتيان بالمقدّمة التمهيدية والحكم الإنشائي معاً.
ولا يخفى بأنَّ ما ما ذكره العلّامة الطباطبائي متين؛ فإنّ الآيات تنادي بأنها بصدد التخفيف وتقريب هذا التكليف الشاق إلى النفوس، فإنّ الحكم بالصيام لا يبدو الوجه فيه والحكمة من تشريعه، بخلاف الأحكام الأخرى، فإنّ الصلاة مثلاً هي خضوع الله سبحانه، وكان الخضوع للآلهة معروفاً لديهم. وأما الجهاد فالحكمة من تشريعه واضحة في أذهانهم لما كان يحيط بهم من مخاطر وغارات مستمرّة من قبل المشركين عليهم، بخلاف الصيام، فالآية تلطّفت أوّلاً ولم تقل : شهر، بل قالت: أياماً معدودات، ثُمَّ ذكرت أنّه كان مفروضاً على أمم قبلكم، وذكرت حكم ذوي الأعذار؛ لأنّ الناس عادةً يتشبثون بكل ما يصلح لإبعاد التكاليف الشاقة والمخالفة لمقتضى طبيعة النفس، فبينت الآية حكم المريض والمسافر وكبار السن، فإرادة التخفيف في الآيات واضحة.
الجواب الثالث: ما ذكره القطب الراوندي وأوضحه العلّامة الكاظمي(قدس سرهما)بقوله: (إنّ تكرير هذا الحكم - أعني وجوب القضاء عليهما - يدلّ على كمال الاعتناء به، وأنّه لا
ص: 31
ينبغي أن يقع فيه تغيير ولا تبديل، وهو ظاهر في كونه عزيمة لا يجوز تركه، ويؤيده: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾، أي يريد أن ييسر عليكم في أحكامكم، وظاهر أنّ إرادة الشيء تستلزم عدم إرادة ضدّه، بل هي عينها، فيكون العسر غير مراد فقوله: ﴿وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ مؤكّد له، والمراد أنه تعالى أحبّ إليكم إذا كنتم مسافرين أو مرضى الإفطار والقضاء في عدة أيام أُخر، فاللازم عليكم اتباع ذلك)(1).
الوجه الثامن : ما ذكره السيد الخوئي(قدس سره)وناقشه(2)، من الاستدلال بصحيحة زرارة الواردة في قضاء الصلاة، حيث ورد فيها : ( يقضي ما فاته كما فاته)(3)، وهي مطلقة فيمكن التمسّك بها في باب الصوم.
ويمكن المناقشة في هذا الكلام من جهتين:
الأولى : إنّ الرواية واردة في باب الصلاة، ولا يمكن التعدّي عنها إلى غيرها، فكأنّه قال: (يقضي ما فاته من الصلاة).
الأخرى: إنّ الرواية في مقام بيان كيفية قضاء ما فات وليست في مقام بيان وجوب القضاء.
الوجه التاسع: أن يستدلّ على تعدّد المطلوب - بمعنى مطلوبية أصل صوم شهر في السنة، وأنّ إيقاعه في شهر رمضان مطلوب آخر - برواية الفضل بن شاذان عن الإمام الرضاء(علیه السّلام): (فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق
ص: 32
من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل، وسقط القضاء؟ وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟ قيل: لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر، فأما الذي لم يفق فإنّه لما مرَّ عليه السنة كلّها، وقد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه، وكذلك كلّ ما غلب الله عليه،
مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه في يوم وليلة، فلا يجب عليه قضاء الصلوات، كما قال الصادق(علیه السّلام): كل ما غلب الله على العبد فهو أعذر له؛ لأنّه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ، ولا سنته للمرض الذي كان فيه ووجب عليه الفداء)(1).
فإذا أمكن استفادة تعدّد المطلوب منها أمكن استفادة الكبرى الكلية، وهي وجوب القضاء على كلّ من فاته الصوم.
أما سند الرواية(2)فقد ذكر لها في العيون طريقين، واقتصر في العلل على أحدهما:
الأوَّل: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور، قال: حدثني عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان(3). وهذا الطريق بعينه هو طريق الشيخ الصدوق(قدس سره)إلى الفضل بن شاذان الذي ذكره في مشيخة الفقيه(4).
والآخر: حدّثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمه أبي عبد الله
ص: 33
محمد بن شاذان، قال: قال الفضل بن شاذان(1).
أمّا الطريق الأوّل فإنّ فيه عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس الذي لم يذكر في كتب الرجال، وعليّ بن محمّد بن قتيبة الذي لم ينص على وثاقته .ومع ذلك فقد استدلّ على وثاقة كل منهما .
أمّا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس فيمكن الاستدلال على وثاقته بوجهين:
الوجه الأوّل: أنّه من مشايخ الصدوق المباشرين، وقد أكثر النقل عنه مترضياً(2).
الوجه الآخر: أنّه ذكر في العيون في باب ما كتبه الرضا(علیه السّلام)إلى المأمون ثلاثة أحاديث، الأوّل رواه عن عبد الواحد، وقال بعد ذكر الحديث الثاني: (وحديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس الا عندي أصح)، وبعد ذكر الحديث الثالث بطريق آخر قال: (مثل حديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس )(3).
والظاهر أنّ كلا الوجهين يمكن تتميمه لإثبات وثاقته.
أما الوجه الأوّل فإنّ الترضي اصطلاح خاص لا يقال إلّا لمن كان في رتبة عالية من الجلالة، والإكثار منه تأكيد له(4).
وأما الوجه الآخر فقد يناقش فيه بأنّ المقصود بالصحة صحة الرواية، وهي قد تنشأ
ص: 34
من تجميع القرائن، فبتجميع القرائن على صحة المضمون يحكم بصحة الرواية من دون النظر إلى رجال السند، وهذا هو معنى الصحة عند القدماء(1)، فلا دلالة في هذا التعبير على تصحيح رجال السند.
ولكن يمكن التأمّل في إرادة الصحة بهذا المعنى في محلّل الكلام، والوجه فيه أنّ الموجود في المقام رواية واحدة تعدّدت طرقها، ولا توجد متون متعدّدة حتى تكون الصحّة بمعنى تجميع القرائن على صحة مضمون أحدها ، فلا يبعد أن يكون ناظراً إلى وثاقة الرواة.
هذا، ولكن قد يقال: بأنّ الشيخ الصدوق(قدس سره)لم يقتصر في الحديث الثاني على ما ذكر، بل قال : حدثني بذلك حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب(علیه السّلام)، قال: حدثني أبو نصر قنبر بن علي بن شاذان عن أبيه الفضل ابن شاذان عن الرضاء(علیه السّلام)، إلا أنّه لم يذكر في حديثه أنّه كتب ذلك إلى المأمون، وذكر فيه الفطرة مُدّين من حنطة، وصاعاً من الشعير والتمر والزبيب، وذكر فيه أنّ الوضوء مرّة مرّة فريضة، واثنتان إسباغ، وذكر فيه أن ذنوب الأنبياء(علیهم السّلام)الصغائرهم موهوبة، وذكر فيه أنّ الزكاة على تسعة أشياء: على الحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة. وحديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عندي أصح ولا قوّة إلّا بالله)(2).
ص: 35
فهناك فوارق بين الحديثين ولو طفيفة وجزئية، ومن هنا ينشأ احتمال أن تكون الصحّة بلحاظ المضمون.
وأمّا عليّ بن محمّد بن قتيبة فقد يستدلّ على وثاقته بوجوه:
الأوّل: تصريح النجاشي في ترجمته باعتماد الكشّيّ عليه في رجاله، حيث قال: (عليه اعتمد أبو عمرو الكشّيّ في كتاب الرجال)(1)، واعتماده عليه واضح بعد مراجعة كتاب الكشّيّ، فقد نقل آراءه كثيراً .
الثاني : اعتماد النجاشي عليه أيضاً، فقد قال في ترجمة محمد بن عيسى بن عبيد: (قال أبو عمرو الكشي: قال القتيبي : كان الفضل بن شاذان يحب العبيدي، ويثني عليه، ويميل إليه، ويقول ليس في أقرانه مثله، وبحسبك هذا الثناء من الفضل)(2)، وهذه الجملة الأخيرة إن كانت من الكشي فالاعتماد فيها واضح؛ لأنّ الثناء لم يثبت عنده إلّا من طريق القتيبي، وإن كانت من كلام النجاشي فهذا يعني أنّ النجاشي يعتمد عليه أيضاً، ومما يؤيّد الاحتمال الثاني أنّ هذه الجملة الأخيرة غير مذكورة في كتاب الكشي(3)، والاعتماد شيء آخر غير مسألة الرواية.
الثالث : ما ذكره الشّيخ الطوسي(قدس سره): (علي بن محمد القتيبي تلميذ الفضل بن شاذان نيسابوري فاضل)(4)، ومن الواضح أنّه لا يريد بيان منزلته العلميّة، بل المقصود الفضل
ص: 36
المناسب لذكره في كتب الرجال، فإنّ مدح الرجل بمثل ذلك من دون ذكر طعن عليه يشير إلى وثاقته خصوصاً مع ذكره في كتب الرجال.
وقد أشكل بعض الأعلام في دلالة الاعتماد على شخص على توثيقه؛ إذ قد ذكر بشأن غير واحدٍ من الرجال أنّه كان يعتمد المراسيل أو المجاهيل، كأحمد بن محمد بن خالد، وسهل بن زياد، وبكر بن أحمد العصري وغيرهم، فكيف يستغرب اعتماد الكشّيّ على غير الثقة(1)!
ويمكن جوابه بوجوه:
الأوّل: إنّ ما ذكره من الاستشهاد يختلف عن محلّ الكلام؛ فإنّ الاعتماد على رواية مرسلة أو مجهولة قد يكون من جهة وجود قرائن تؤيّد مضمون الرواية، وهذا غير الاعتماد على شخص، فإنّ الاعتماد على شخص حينما يذكر في مقام المدح يدلّ ظاهراً على أنه مما يصح الاعتماد عليه.
الثاني: إنّ هذه العبارة تقال في مقام الطعن والتضعيف، فهي ظاهرة في لا بدّية الاعتماد على من يصح الاعتماد عليه، وأنّه لا ينبغي الاعتماد على المراسيل والمجاهيل، والنجاشي لم ينقل ذلك عن الكشي من باب الطعن.
الثالث: إنّ الاستدلال (تارةً) يكون بنفس اعتماد الكشي وحينئذ يشكل بأن الأصحاب وإن كانوا من الأجلاء قد يعتمدون على المجاهيل والمراسيل، فربما يكون الكشي من ضمن هؤلاء، إلّا إذا ثبت أنه لا يعتمد إلا على من يصح الاعتماد عليه، والنجاشي حين نقل الاعتماد لم يطعن عليه، وفي هذا نحو ثناء على الرجل.
(وأخرى) يكون الاستدلال بذكر النجاشي لاعتماد الكنّي على الرجل بما هو ظاهر
ص: 37
في مدحه والثناء عليه، فيكون ظاهراً في مدح ابن قتيبة باعتماد الكشي عليه.
وأما الطريق الآخر ففيه جعفر بن نعيم بن شاذان، وهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضى عليه(1)، وهذا كافٍ للاعتماد عليه كما سلف.
وفيه أيضاً محمّد بن شاذان، وهو محمد بن أحمد بن نعيم الشاذاني، وقد استظهر السيد الخوئي(قدس سره)(2)اتحاده مع محمد بن شاذان بن نعيم بقرينة ما نقله الكثي في ترجمة المغيرة بن سعد حيث قال : ( وكتب إليّ محمّد بن أحمد بن شاذان، قال: حدثنا الفضل). فيظهر من هذه العبارة أنّ تلميذ الفضل والراوي عنه هو محمّد بن شاذان، والمقصود به محمد بن أحمد بن نعيم الشاذاني، فهو شخص واحد تارةً ينسب إلى الأب، وأخرى إلى الجدّ، وهذا أمر متعارف.
وقد يستدلّ على وثاقته بأحد وجهين:
الوجه الأوّل: التوقيع الوارد عن الإمام(علیه السّلام): (وأما محمد بن شاذان بن نعيم فإنّه رجل من شيعتنا أهل البيت)(3).
وهذا التوقيع وإن كان في سنده إسحاق بن يعقوب الذي لم يذكر في كتب الرجال، ولكن يمكن إثبات صحته - بعد اهتمام العلماء به، ونقله في كتبهم(4)- بإثبات وثاقة إسحاق بن يعقوب، وذلك بتقريبين(5):
ص: 38
الأوّل: إِنّ الشّيخ الكليني(قدس سره)لما تصدّى لنقل هذا التوقيع: إما أن يكون حال إسحاق بن يعقوب معلوماً عنده أو مجهولاً، وعلى الأوّل لا بد أن يكون معلوماً بالوثاقة على الأقل ؛ إذ لو كان معروفاً بعدم الوثاقة فمن البعيد أن ينقل عنه التوقيع، وعلى الثاني فمن البعيد أن يتصدّى الشيخ الكليني(قدس سره)لنقل هكذا توقيع يحتوي على معلومات خطيرة لعيون الطائفة، كابن قولويه وأبي غالب الزراري من دون أن يبحث عن حاله، فلا بد أنه قد بحث واطمأن بصدور هذا التوقيع عن الحجّة(علیه السّلام).
وما يبعد احتمالية أن يكون نقل الشيخ الكليني(قدس سره)للتوقيع من باب الوثوق هو كثرة المعلومات الواردة فيه، مع استبعاد أن تكون المعلومات المرتبطة بأشخاص معينين مدحاً أو قدحاً مما تساعد عليها الاعتبارات والشواهد، فليست حكماً شرعياً حتى يقال بأنّ مضمونه موجود في رواية أخرى.
الآخر: ما قد يقال من أنّ التوقيعات في تلك الفترة لا ترد إلّا على الأصحاب المعتمدين والمعتبرين لدى الطائفة، للظروف التي كانت في عصر الغيبة الصغرى، والحرص الشديد من قبل الأئمة المتقدمين على إخفاء هذا الأمر، وتحريم التصريح باسمه(علیه السّلام)، وأنّ الإعلان عنه يساوق الذبح، ويدلّ على ذلك ما ذكره الشيخ الطوسي(قدس سره)في كتاب الغيبة : (وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل)(1)، ويقصد بالأصل الإمام(علیه السّلام).
إلَّا أنّ غاية ما تفيده العبارة المتقدّمة هو توثيق من ترد عليهم التوقيعات، فهم مقصود الشيخ في عبارته، فلم يكن الشيخ(قدس سره)بصدد توثيق كل سائل.
ثمّ إنّه يقع الكلام في دلالة عبارة التوقيع المتقدّم نقله عن الإمام(علیه السّلام)على الوثاقة،
ص: 39
فقد يقال بدلالتها على الوثاقة؛ إذ لا معنى لتصدّي الإمام وإخباره أنّه من شيعته لو لم يكن كذلك.
ولكن يلاحظ على ذلك: بأنّ هذا وإن دلّ بالالتزام على وثاقة الرجل في مقابل الكذب إلّا أنّ دلالته على كونه ثقة في مقابل المسامحة وعدم الضبط محل تأمل.
الوجه الآخر : أنّ الصدوق(قدس سره)عده ممن وقف على معجزات صاحب الزمان ورآه وكلّمه(1)، وصرّح بأنّه من الوكلاء، وهو كافٍ في إثبات الوثاقة.
ولكنّ الرواية ضعيفة السند(2).
بقي هنا أمران يطرحان في شأن هذه الرواية:
الأوّل: إنّهم لم يذكروا في كتب الرجال أنّ الفضل من أصحاب الإمام الرضا(علیه السّلام)، فقد عده الشيخ(قدس سره)من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري(علیه السّلام)، ولم يذكره في أصحاب الإمام الجواد فضلاً عن الإمام الرضا(علیه السّلام)(3)، وأما النجاشي فقد ذكر أن الفضل بن شاذان بن الخليل بن محمّد الأزدي النيسابوري كان أبوه من أصحاب يونس، روى عن أبي جعفر الثاني، وقيل الرضا أيضاً، وكان ثقة، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين(4).
فإن قلنا: إنّ مرجع الضمير في (روى) هو الأب فالإشكال يستحكم، وإن أرجعناه إلى الابن - باعتباره صاحب العنوان - وجملة (كان أبوه من أصحاب يونس) معترضة،
ص: 40
فيكون مفاد الكلام: وقوع الشكّ في روايته عن الإمام الرضاء(علیه السّلام).
ومما يؤيّد الاحتمال الأوّل هو أنّ الفضل لم يرو عن الإمام الجواد(علیه السّلام)ولا رواية واحدة، بينما أبوه يروي عنه. ومما يقرّب الاحتمال الآخر هو أنّ الاستئناف يناسب أن يكون الفاعل في (روى) هو صاحب الترجمة، خصوصاً وأنّه عطف على هذه الجملة قوله :
(وكان ثقةً).
وذهب السيد الخوئي(قدس سره)(1)إلى إمكان روايته عن الإمام الرضا(علیه السّلام)؛ لأنّ أباه روى عن الإمام الكاظم(علیه السّلام)، فيمكن أن يكون في طبقة من يروي عن الإمام الرضا(علیه السّلام).
ولكنّه لا ينفعنا في ما نحن فيه؛ إذ التعويل فيه على الوقوع، لا على الإمكان، فإنّ عدم وجود أية رواية له عن الإمام الرضا(علیه السّلام)يفضي إلى الشك بوجود الإرسال في الرواية، أو أنّها كتاب ألّفه الفضل اعتمد فيه على اجتهاده(2).
ولكن مما يبعد كلا الاحتمالين عبارات الشيخ الصدوق(قدس سره)في العيون(3)والعلل(4)، فقد نقل مكرّراً أنّ الفضل سمعها من الإمام الرضا(علیه السّلام)، ففي العيون قال: (باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها من الرضا مرّة بعد مرة، وشيئاً بعد عد شيء، وأطلق لعليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري روايتها عن الرضا(علیه السّلام))، وفي ذيل الرواية قال: (حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عن عليّ بن محمّد بن قتيبة، قال: قلت للفضل ابن شاذان لما سمعت منه هذه العلل : أخبرني عن هذه العلل التي ذكرتها عن الاستنباط
ص: 41
والاستخراج وهي من نتائج العقل، أو هي تما سمعته ورويته؟
فقال لي : ما كنت لأعلم مراد الله تعالى بما فرض، ولا مراد رسول الله بما شرع وسنّ، ولا أعلل ذلك من ذات نفسي، بل سمعتها من مولاي الرضا المرّة بعد المرّة والشيء بعد الشيء، فجمعتها . قلت له : فأحدّث بها عنك عن الرضا(علیه السّلام)؟ قال: نعم).
فالعبارة صريحة في نفي الإرسال ونفي أنها من مستنبطاته. ونحو هذا في العلل.
بل يظهر أنّ تأكيد الشيخ الصدوق على هذه المسألة وكذلك القتيبي سببه عدم شبه هذه الرواية بسائر الروايات، فكأنّها تصنيف خاص لنقل العلل.
وعلى كل حال بعد صراحة الكلام المنقول بطريق معتبر في أنه سمعها من الإمام(علیه السّلام)، والفراغ عن إمكان رواية الفضل عن الإمام(علیه السّلام)يمكن القول: بأنّ الرواية مروية عن الإمام الرضا(علیه السّلام).
والقاعدة المتبعة في ذلك هي: إذا ثبت إمكان رواية الراوي عن شخص، ووجدت رواية معتبرة يروي فيها عنه يؤخذ بها .
وأمّا مسألة طول الرواية فقد ذكر أنّه سمعها في مجالس متعدّدة، بل حتى على تقدير أنّ الرواية لم تكن منقولة عن الإمام بكل خصوصياتها وأسلوبها(1)يمكن القول بأنّ الفضل صاغ المضامين التي سمعها من الإمام(علیه السّلام)بأسلوبه، فهو نقل بالمعنى.
وبهذا يمكن الجمع بين القول بأنّ الرواية مسموعة من الإمام، وبين كونها من تأليفات الفضل
ص: 42
الآخر : توجد قرائن معاكسة ذكرها بعض أعاظم العصر(1)كشواهد على عدم كون الرسالة مروية عن الإمام(علیه السّلام)فلا بد من ملاحظتها، وقد صنفها إلى قرائن داخلية تشهد بعدم صدورها عن الإمام، وشواهد خارجية على ذلك.
أمّا الداخلية فذكر فيها وجود عبارات في الرسالة لا يناسب صدورها من الإمام(علیه السّلام): منها قوله: (فإن قيل لم غيّرت صلاة الآيات عن أصل الصلاة التي افترضها الله عزّ وجل ؟ قيل : لأنها صلاة لعلّة تغيّر أمر من الأمور وهو الكسوف، فلما تغيّرت العلة تغيّر المعلول)(2).
فيلاحظ أن هذا النحو من التعليل والتعبير المستخدم فيه مما لا يناسب الإمام(علیه السّلام)، وإنّما ينسجم مع ما كان متداولاً عند المتكلّمين في ذلك العصر.
ومنها قوله : (فإن قيل فلمَ لا يجب الغسل على من مس شيئاً من الأموات غير الإنسان كالطير والبهائم والسباع وغير ذلك ؟ قيل : لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبسة ريشاً وشعراً وصوفاً ووبراً، وهذا كله ذكي لا يموت)(3).
وهذا الكلام أيضاً مما لا يناسب الإمام(علیه السّلام)؛ فإنّ مقتضاه أنه لو مس الإنسان لحم الحيوان الميت لوجب عليه أن يغتسل !!
ومنها قوله : (وقد روي عن بعض الأئمّة، قال: ليس من ميت يموت إلا خرجت
ص: 43
منه الجنابة، فلذلك وجب الغسل)(1).
فإنّ التعبير ب_(قد روي عن بعض الأئمة غير متعارف في كلامهم(علیه السّلام)، فالإمام(علیه السّلام)إن روى شيئاً عن بعض آبائه(علیه السّلام)ذكره بالاسم، ولا يعبّر عنه ببعض الأئمّة، بل هذا تعبير الآخرين عنهم.
هذا مضافاً إلى غرابة المضمون؛ وذلك لأنّ غسل الميت يجب حتى بالنسبة إلى الطفل الصغير، بل والسقط الذي بلغ أربعة أشهر !
ومنها: قوله: (أخبرني لم كلّف الخلق ؟ قيل : لعلل، فإن قيل : فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة أم هي غير معروفة ولا موجودة. قيل: بل هي معروفة موجودة عند أهلها، فإن قيل : أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها ؟ قيل لهم: منها ما نعرفه، ومنها ما لا نعرفه).
وهذا الكلام لا يحتمل صدوره من الإمام(علیه السّلام)الذي هو من الراسخين في العلم، وإذا لم يكن هو من أهل المعرفة بتلك العلل فمن الذي يعرفها إذاً ؟!
ويمكن الجواب عن هذه القرينة بأنّ حصول الاطمئنان بعدم صدور أربعة موارد من الرواية لا ينافي حجّية الموارد الأخرى؛ إذ الرواية طويلة جداً، وفيها عدد كبير من المطالب، فمن البعيد أن تكون روايةً واحدةً سمعها الفضل في مجلس واحد، بل نفس الفضل يصرّح بأنّه سمعها في مجالس متعدّدة مرّة بعد مرّة وشيئاً بعد شيء - كما سبق نقل
كلامه - ثمّ إن هذه التصرفات فيها دلالة على كون النقل بالمعنى، ولا إشكال فيه.
وقد أيّد كلامه بأنّ الشيخ الصدوق تل قد غلط الفضل في فقرتين من هذه الرواية:
الأولى: فإن قال قائل : فلم صار الاستنجاء بالماء فرضاً؟ قيل: لأنه لا يجوز للعبد أن
ص: 44
يقوم بين يدي الجبّار وشيء من ثيابه وجسده نجس.
قال الصدوق : (غلط الفضل؛ وذلك لأنّ الاستنجاء به ليس بفرض، وإنّما هو سنة)(1). ويقصد بالفرض ما شرع في الكتاب، و السنة ما جاء به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم).
الأخرى: فإن قال: فلم جعل في الاستفتاح سبع تكبيرات؟ قيل: لأنّ الفرض منها واحد وسائرها سنة.
قال الصدوق : ( غلط الفضل إن تكبيرة الافتتاح فريضة، وإنما هي سنة واجبة)(2).
فيظهر من هذا أنّ الصدوق لم يكن يعتقد أنّ ما ذكره الفضل قد رواه عن الإمام(علیه السّلام)وإنّما هو من استنباطاته ، فلهذا كان يخطّئه.
أقول: بعد ما تقدّم من اعتقاد الشيخ الصدوق(قدس سره)بأنها رواية عن المعصوم(علیه السّلام). مضافاً إلى أنّه قد نقلها في الفقيه(3)، وجزّأها على أبواب الفقه فيه، مع التزامه بصحة الأخبار الموجودة فيه، فلا بدّ من حمل عبارته هنا على الغلط في الفهم والسماع، أو أنّ مقصوده الاشتباه بالتعبير، بناءً على ما قلناه من أنّه نقل بالمعنى، والغلط في موردين لا يؤثر على الالتزام بسائر الموارد الكثيرة الأخر.
وعلى هذا يمكن حمل عبارة الشيخ الصدوق(قدس سره)في مورد آخر من الرواية:
فإن قيل : فلم جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أوّل الصلاة، وجعلت في العيدين بعد الصلاة ... إلخ . (قال مصنّف هذا الكتاب: جاء هذا الخبر هكذا والخطبتان في الجمعة
ص: 45
والعيدين من بعد الصلاة)(1).
وأما القرائن الخارجية فقد ذكر ثلاث قرائن:
القرينة الأولى: أنّ الشّيخ الصدوق(قدس سره)لم يحكم بكون الفضل راوياً عن الرضا(علیه السّلام)، بل أورد حكاية القتيبي وغيره ذلك عن الفضل، ولم يظهر منه تصديقه للحكاية(2).
ويلاحظ عليه: أن نقل الرواية في مواضع متفرّقة من الفقيه(3)الذي ذكر في مقدمته أنّه لا يوجد فيه إلّا ما هو حجّة بينه وبين الله ، يدلّ على أنّه يعتقد بذلك.
مضافاً إلى أنّ العنوان الذي صدّر به الرواية في العيون(4)يشعر بذلك، حيث قال: باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها عن الرضا مرّة بعد مرة وشيئاً بعد شيء، وأطلق لعليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري روايتها عن الرضا(علیه السّلام).
فلا يبعد أن يقال : بأنّه أثبت رواية الفضل عن الإمام(علیه السّلام).
القرينة الثانية(5): يظهر من النجاشي(6)أنّه يرى أنّ رواية العلل من استنباطات الفضل؛ لأنّه عدّها من جملة كتبه، ولم يذكر أنّه رواها عن الرضا(علیه السّلام)، مع أن من دأبهم التصريح بأنّ الكتاب مروي عن الإمام الفلاني إذا كان المؤلّف يرويه بتمامه عن إمام
ص: 46
واحد، كما في ترجمة أحمد بن عامر بن سليمان، حيث قال: (حدثنا الرضا علي بن موسى(علیه السّلام)والنسخة حسنة)(1)، وفي ترجمة عبد الله بن محمّد التميمي: (له نسخة عن الرضا)(2)، وهكذا في موارد أخر.
وما ذكره هو ظاهر عبارة الشيخ الطوسي(قدس سره)أيضاً حيث ذكر في ترجمته: (له كتب كثيرة منها كتاب العلل)(3)، ولم يصرح بأنّه مروي عن الإمام الرضا(علیه السّلام).
ويلاحظ عليه: عدم وجود بناء على أنّه كلّما كان الكتاب عن الإمام فلا بدّ من التصريح بأنّه عن الإمام، ولعلّ السرّ في عدم التصريح بذلك هو ما قلناه من أنّ هذا نقل بالمعنى والمضمون، فهي رواية عن الإمام(علیه السّلام)ساهم الفضل في صياغتها بأسلوبه.
القرينة الثالثة : استبعاد أن يكون الفضل قد أدرك الإمام الرضا(علیه السّلام)، وأخذ عنه العلم في هذه الفترة الطويلة، مع عدم وجود رواية له عن الإمام الرضا(علیه السّلام)من غير طريق القتيبي وصاحبه، وفي غير هذا المورد رغم كثرة رواياته في جوامع الحديث.
والجواب أنّنا لا نجد أيّة رواية للفضل عن الإمامين الهادي والعسكري(علیه السّلام)مع كونه من أصحابهما بلا إشكال(4)، فما يُجاب به هناك يُجاب به هنا.
وقد أكد عدم إدراك الفضل للإمام الرضا(علیه السّلام)بأن الكشتي أورد رواية(5)في
ص: 47
ترجمة الحسن بن علي بن فضال يظهر فيها أنّ الفضل كان في زمان الحسن بن علي بن فضال حدث السن، بينما كان الحسن شيخاً من أجلاء الأصحاب، علماً أنه قد توفي في سنة
ص: 48
(221ه_) أو (224ه_)، وعُدّ من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا(علیه السّلام)فمن البعيد جداً أن الفضل كان في عصر الإمام الرضا(علیه السّلام)- قبل شهادته سنة (203ه_) في أشهر الأقوال - رجلاً كبيراً له صحبة طويلة معه(علیه السّلام)بحيث يتلقى العلم منه مرّة بعد مرة وشيئاً بعد شيء. ولكن الذي يبدو من هذه الرواية ومن غيرها أن الفضل كان من المعمّرين، حيث ذكر الكشّي في ترجمته قوله: (أنا خلف لمن مضى أدركت محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وغيرهما، وحملت عنهم منذ خمسين سنة، ومضى هشام بن الحكم(رحمه الله علیه)وكان يونس ابن عبد الرحمن(رحمه الله علیه)خلفه، كان يردّ على المخالفين، ثُمّ مضى يونس بن عبد الرحمن ولم يخلف خلفاً غير السكّاك، فردّ على المخالفين حتى مضى(رحمه الله علیه)، وأنا خلف لهم من بعدهم(رحمه الله علیه))(1).
فإنّ أحد الذين روى عنهم هو صفوان بن يحيى، ووفاته سنة (210ه_) فلا بدّ أنّه أخذ منه، وتحمّل الرواية عنه قبل وفاته بمدة، فإذا فرضنا أنّ عمره لا يقل حينذاك عن خمس وعشرين سنة أو ثلاثين سنة فيكون عمره تقريباً (80) سنة؛ لأن وفاته كانت بحدود سنة ( 260ه_)، فتكون ولادته سنة (180ه_) تقريباً، فيكون عمره حين وفاة الإمام(علیه السّلام)في سنة (203ه_) ثلاثاً وعشرين سنة، وهو يؤهله للرواية عن الإمام(علیه السّلام).
بل حتى لو قلنا: بأنّه تحمّل الحديث في سن الخامسة عشرة فمن المحتمل أنه تحمّل الحديث قبل وفاة صفوان بخمس سنين، فيكون عمره من حين دخول الإمام(علیه السّلام)مروسنة (201ه_) إلى حين شهادته سنة (203ه_) يتراوح بين الحادية عشرة والثالثة عشرة، وهذا السن يؤهله لتحمّل الرواية.
وأمّا قضية لقائه بابن فضال فعلى الاحتمال الأوّل ولادته (180ه_) - يمكن فرض أنّ عمره في اللقاء الأوّل كان خمس عشرة سنة، وهو يناسب كونه غلاماً، كما في الرواية،
ص: 49
فتكون سنة اللقاء (195ه_)، أي قبل وفاة ابن فضال ب_(29) سنة أو (26) سنة، حسب الاختلاف في تاريخ وفاة ابن فضال، وأنّه (224ه_) أو (221ه_) . ولا يخفى بأنّه على الاحتمال الثاني يكون الأمر أوضح.
والحاصل: أنّ ما ذكره من القرائن المعاكسة إن أوجبت سلب الوثوق والاطمئنان بصدور الرواية عن المعصوم - والذي هو الملاك في حجية الخبر - فلا يمكن التعويل عليها. ولكنك قد عرفت أنّ للمناقشة في بعض ما ذكره مجالاً.
هذا، وقد أسهبنا في نقاش سند الرواية، وجواب الإيرادات الواردة عليها؛ لأهمية الرواية؛ إذ قد تضمّنت الكثير من الأحكام في العديد من أبواب الفقه.
وأمّا دلالة الرواية على تعدّد المطلوب(1):
فتارةً يدّعى استفادة ذلك من نفس تعليل الإمام(علیه السّلام)الفرق بين صورتي وجوب القضاء وسقوطه، بقوله: (لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر)؛ إذ لو كان المطلوب واحداً لكان المتعيّن أن يقول: _لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في ذلك الشهر).
وفيه: أنّ العبارة تنسجم مع كلا الاحتمالين؛ إذ من الواضح أنّ الصوم لا يجب في السنة في شهرين، كما أنّه لا يجب في غير شهر رمضان، بل قد يقال: بأنّ العبارة ظاهرة في
ص: 50
وحدة المطلوب؛ لأنه بناءً على تعدّد المطلوب يكون الواجب شيئين، والعبارة ظاهرة في أنّ الواجب في السنة شيء واحد، ولكن يمكن الخدشة في هذا الاستظهار، فحتى على القول بتعدّد المطلوب التعليل يأمره بإيقاع المطلوب الأوّل في شهر رمضان.
وتارةً يستدلّ بقوله(علیه السّلام): (لأنه دخل الشهر وهو مريض، فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا سنته للمرض الذي كان فيه ووجب عليه الفداء).
فإنّه وارد في مقام تعليل سقوط القضاء في صورة استمرار المرض إلى شهر رمضان الآخر، وقد يفهم منه أنّ هناك مطلوبين، هما صوم شهر رمضان، وصوم آخر في سنته، وهو عاجز عن كل منهما.
ويمكن التأمل فيه؛ إذ إنّ هذا التعبير يستخدم حتّى مع القول بوحدة المطلوب، باعتبار أن القائل بوحدة المطلوب يقول إن الواجب هو صوم شهر رمضان، ويجب على المريض القضاء بعد الشهر أثناء السنة إذا لم يصم فيه، فيصح تعليل سقوط القضاء باستمرار المرض طيلة السنة .
وأخرى بأنّ تعليل الفرق بين صورة سقوط القضاء إذا استمر مرضه إلى رمضان الآخر وعدم سقوطه إذا أفاق أثناء السنة بقوله: (لأنّ ذلك الصوم إنَّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر) لا يصح إلا على القول بتعدّد المطلوب؛ إذ عليه يمكن القول بأنّ المكلّف إذا أفاق خلال السنة ولم يصم يكون وجوب القضاء عليه واضحاً؛ لقدرته على امتثال الأمر، فإذا لم يأتِ به لا يسقط عنه. وأما إذا لم يفق فيسقط عنه القضاء؛ لعجزه عن امتثال كلا الواجبين .
ولا يصح التعليل على القول بوحدة المطلوب؛ لأنّ العجز إذا كان هو المناط في سقوط القضاء - كما هو ظاهر الرواية - فهذا عاجز عن الإتيان بالواجب في وقته سواء
ص: 51
أفاق خلال السنة أم استمر مرضه، فلا بدّ من الالتزام بالسقوط في كلا القسمين، ولا معنى للتفصيل المذكور.
ويمكن أن يلاحظ عليه: بأنّ صحّة التعليل بالعبارة المذكورة لا تنحصر بافتراض تعدّد المطلوب حتى يكون دليلاً عليه، بل يصح التعليل على القول بوحدة المطلوب أيضاً؛ باعتبار أنّ وجوب القضاء على المريض والمسافر أمر مسلّم ومفروغ منه، قد دلّت الآية الشريفة عليه، فإذا عجز المكلّف عن الصوم في شهر رمضان لمرض أو سفر وجب عليه القضاء خلال السنة، فإذا تمكّن منه في السنة ولم يأتِ به فلا يسقط عنه . أمّا إذا لا يتمكن منه سقط عنه؛ للعجز عن الأداء والقضاء.
قد يقال: إنّ التعليل بالتمكّن من القضاء خلال السنة وعدمه في مسألة سقوط القضاء واستقراره إنّما يصح بناءً على الالتزام بوجوب الإتيان بالقضاء داخل السنة، وعدم جواز تأخيره عن رمضان الآتي، حتى يقال: إذا أفاق أثناء السنة ولم يصم لم يسقط عنه؛ لقدرته على القضاء. أمّا إذا لم يفق خلال السنة سقط عنه؛ لعدم قدرته على امتثال
كلا الواجبين (الأداء والقضاء)، بينما لو قلنا بأنّ القضاء موسّع، ويجوز تأخيره عن السنة فلا يصح التعليل؛ إذ لا معنى لتعليل سقوط القضاء عنه إذا لم يفق خلال السنة بعدم قدرته على امتثال كلا الواجبين؛ إذ المفروض أنّ القضاء موسع، فباستطاعته الإتيان به بعد السنة، كما لا يصح تعليل ثبوت القضاء بذمته إذا أفاق خلال السنة ولم يقض مع قدرته على القضاء، بل المفروض أنه واجب موسع، فلم يكن وجوبه خارج السنة لأجل تركه خلال السنة.
هذا، ولكنّهم يصرحون بجواز تأخير القضاء وعدم وجوب المبادرة إليه، ولدفع
ص: 52
هذا الإشكال لا بدّ من الدخول في مسألة وجوب المبادرة إلى قضاء شهر رمضان قبل انتهاء السنة، فنقول : المنسوب إلى المشهور عدم جواز تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان الثاني، بل يظهر أنّه من المسلّمات على ما ذكر بعض الأعلام(قدس سره)(1)، ونفى المحقق القمي(قدس سره)الخلاف فيه(2).
وقد استدلّ لقول المشهور بأدلّة:
الدليل الأوّل والثاني(3): معتبرة الفضل بن شاذان نفسها حيث ورد فيها : (فأما الذي لم يفق فإنّه لما مرّ عليه السنة كلّها وقد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه)(4). فعلّلت سقوط فرض الإتيان بالقضاء أثناء السنة بكونه معذوراً، فلو لم يكن معذوراً لما سقط عنه الصوم أثناء السنة.
ثمَّ يقول في الرواية نفسها : (لأنه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته للمرض الذي كان فيه)، فيظهر منها أنّه لو لم يكن مريضاً لوجب عليه الصوم في سنته، كما أنّه لو لم يكن مريضاً في شهره لوجب عليه الصوم في شهره.
وكذا معتبرة الفضل نفسها(5)بتقريب تعدّد المطلوب وكون المستفاد من الآية
ص: 53
الشريفة مطلوبين: الأوّل: وجوب صيام شهر في السنة. والثاني : جعل هذا الواجب في شهر رمضان. وقد تقدّم الكلام في هذا.
الدليل الثالث(1): التعبير عن تركه بالتهاون والتضييع والتواني، كما في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله(علیه السّلام)، قال : سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر؟ فقالا : (إن كان برئ ثُمّ توانى قبل أن يدركه رمضان الآخر صام الذي أدركه، وتصدّق عن كل يوم بمدّ من طعام على مسكين وعليه قضاؤه)(2).
ومعتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال : (وإن صح فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به - وقد صح - فعليه الصدقة والصيام جميعاً لكلّ يوم مد إذا فرغ من ذلك الرمضان)(3).
ومعتبرة الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا(علیه السّلام): (فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء؛ لتضييعه، والصوم؛ لاستطاعته)(4).
ورواية أبي بصير : (فإن صح فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء الرمضان الآخر فإنّ عليه الصوم والصدقة جميعاً، يقضي الصوم، ويتصدق من أجل أنه ضيّع ذلك الصيام)(5).
ص: 54
وهذه التعبيرات لا تخلو من دلالة على أنه واجب مضيّق، فهي لا تناسب كونه واجباً موسعاً، فلذا لا يقال لمن لم يؤد صلاة الظهر في أوّل وقتها أنّه تهاون أو ضيّع أو توانى.
وأورد عليه السيّد الخوئي(قدس سره)(1)بأنّ غاية ما تدلّ عليه هذه التعبيرات أنّ هناك واجباً موسعاً لم يسارع إلى امتثاله فتوانى وأخر وتهاون وليكن بمعنى تسامح، لكنه تسامح عن التعجيل لا عن أصل الامتثال، وأين هذا من الإشعار بوجوب البدار فضلاً عن الدلالة !
وما يمكن أن يقال في المقام: أنّه وإن كان للمناقشة في دلالة لفظتي (التواني والتضييع) على وجوب المبادرة مجال فإنّ التواني بمعنى التأخير، وقد أطلق التضييع في عدة موارد على ترك الأفضل، من قبيل تأخير الصلاة عن أوّل وقتها(2).
ولكن يبقى التعبير ب_(التهاون) فإنّه لا يصدق على هذا المعنى ظاهراً؛ إذ لا يطلق التهاون على الإتيان بالواجب الشرعي في وقته، فلا بأس بدلالة هذه المفردة على وجوب المبادرة .
الدليل الرابع: الاستدلال بمعتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال: (إن صح فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام)(3).
والذي يفهم منها أن الواجب عليه هو قضاء الصيام فيما بين الرمضانين، فيكون الشرط قيداً للواجب مضافاً إلى تقييد الوجوب وإن وجد احتمال آخر، وهو أنّ المقصود
ص: 55
بيان شرط الوجوب لا شرط الواجب، أي أنّ وجوب القضاء مطلقاً مشروط بأن يصح فيما بين الرمضانين.
ولكن تفريع التهاون على المعنى المذكور (إن صح فيما بين الرمضانين) وإيجاب القضاء والفداء عليه يكون قرينة على أنّ القيد قيد للواجب؛ إذ مع افتراض التوسعة لا يصدق التهاون على تركه القضاء في السنة الأولى.
ولكن الكلام في سند الرواية من جهة علي بن أبي حمزة البطائني، وقد تعارض فيه التوثيق والتضعيف الروائي والرجالي.
وطريقة الجمع بين ما ذكر من عمل الطائفة برواياته(1)وما ورد بحقه من التضعيف هو الأخذ بها قبل قوله بالوقف دون غيره، وإليه يشير كلام النجاشي: (روى عن أبي الحسن موسى(علیه السّلام)، وروى عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، ثُم وقف)(2).
وأما طريقة تمييز رواياته التي رواها قبل الوقف عن التي رواها بعده فيتم بملاحظة الراوي عنه، فإن كان الراوي عنه من رواة الشيعة المعروفين فمن البعيد أن يروي عنه بعد الاطلاع على ما صدر في حقه من الطرد واللعن من قبل الأئمة(علیهم السّلام)، والذي يروي عنه في روايتنا هو الجوهري، ويمكن إثبات وثاقة الجوهري بواسطة رواية بعض الأجلّاء عنه كصفوان وابن أبي عمير(3)، إلّا أنّه متهم بالوقف(4)، فيحتمل أن يروي عن البطائني حتى بعد انحرافه.
ص: 56
ولكن لم يثبت كونه واقفياً فلم ينص النجاشي على ذلك(1)، مع أنّ ديدنه أن يذكر مذهب الشخص، وقد ذكره الشيخ في ثلاثة موارد(2)، ولم ينص على كونه واقفياً إلّا في أحدها، فإذا استطعنا أن نقول بأنّ هذا لا يثبت الوقف له خصوصاً مع عدم نص النجاشي على ذلك، فلا نواجه مشكلة في سند هذه الرواية، وما ذكره الشيخ من نسبة الوقف إليه إشارة إلى أنّه توقف في فترة الفتنة ثم رجع إلى المذهب الصحيح، كما هو موجود في عدد من الأصحاب الذين ذهبوا إلى الوقف لكن سرعان ما رجعوا بعد بيان الإمام(علیه السّلام).
الدليل الخامس: بملاحظة روايات الباب نجد الأصحاب كثيراً ما يسألون عن حكم التأخير(3)، وهذا يكشف عن أنهم كانوا يفهمون أنّ الواجب مضيق لا موسّع، وهذا لا يخلو من تأييد.
الدليل السادس: التعبير بالفدية عمّا يجب عند تأخير القضاء إلى السنة الثانية، وهو ظاهر في المخالفة، وهذا المطلب قد يدعى في الكفّارة أيضاً؛ لأنّ استخدام لفظ الكفّارة في مورد يكشف عن تحقق مخالفة، ولكنّ روايات الباب ليس فيها إطلاق لفظ الكفّارة، بل توجد رواية واحدة أطلقت لفظ الفدية، وهي معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السّلام): (إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثمّ صحّ فإنّما عليه لكلّ يوم أفطره فدية طعام )(4). ولا يمكن الاستدلال بها في المقام؛ لأنها أطلقت الفدية في مورد لا مخالفة فيه.
وعلى كل حال فأصل إطلاق الفدية أعمّ من المخالفة ظاهراً؛ إذ كثيراً ما أطلقت
ص: 57
الفدية في موارد لا مخالفة فيها كما في الصيام ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾، وكذا في باب الحجّ(1)، مضافاً إلى أنّ موردها فدية بدل الصيام، لا فدية التأخير.
الدليل السابع: ما ذكره بعض المحققين(قدس سره)من إمكان استفادة ذلك من الآية الشريفة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، بناءً على ظهورها في وحدة المطلوب - كما هو المشهور - فهي ظاهرة في وجوب صوم في السنة، وقد عيّن على الصحيح وغير المسافر في شهر رمضان وعلى غيرهما في أيام أخر؛ فإنّه ظاهر في كونها من السنة؛ لأنّ المنفي عنهما تعيين رمضان، لا تعيين صوم السنة. نعم، من لا يتمكّن منهما يسقط عنه الصوم كالمريض المستمر به المرض، وهو المراد ب_(الذين يطيقونه)، فيكون الحكم في المريض المستمر مرضه الوارد في النصوص مأخوذاً من الآية الشريفة(2).
وما ذكره(قدس سره)لا يبعد أن يكون تاماً؛ لأنّ الظاهر من الآية أنها تتحدّث عن الصوم في السنة، وبناءً على وحدة المطلوب، فقد عُيّن هذا الصوم للصحيح الحاضر في شهر رمضان. ولكن استفادة هذا المعنى من الآية الشريفة بناءً على تعدّد المطلوب يكون أوضح.
وبهذا تتمّ لدينا جملة من الأدلة على وجوب المبادرة، وعدم جواز تأخير قضاء الصوم عن رمضان الثاني.
الوجه العاشر : ما ذكره بعض الأعلام(قدس سره)(3)من الاستدلال بصحيحة زرارة عن أبي
ص: 58
جعفر(علیه السّلام)، قال: (إن الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس ينفع شيء مكانها دون أدائها، وإنّ الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أياماً غيرها، وجزيت ذلك الذنب بصدقة، ولا قضاء عليك)(1).
فقد جعلت الموضوع لوجوب القضاء عنوان (الفوت) مهما كان سببه. ولكن لا يخفى أنّ فقرة الاستدلال لا تخلو من تشويش، فيتحتم علينا أن نفسر قوله(علیه السّلام):
(وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك) الوارد في ذيل الرواية.
ولكي يتضح المراد من هذه الفقرة ننقل نص الرواية من الكافي : قال أبو جعفر(علیه السّلام): (بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية)، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: (الولاية أفضل؛ لأنها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهن)، قلت: ثمّ الذي يلي ذلك من الفضل ؟ فقال: (الصلاة؛ إنّ رسول(صلی الله علیه و آله و سلم) قال : الصلاة عمود دينكم) قال: قلت: ثمّ الذي يليها من الفضل؟ قال: (الزكاة؛ لأنّه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها، وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): الزكاة تذهب الذنوب)، قلت: والذي يليها من الفضل ؟ قال: (الحجّ ، قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِبُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، وقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): الحجة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر الله له. وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال) قلت : فماذا يتبعه؟ قال: (الصوم)، قلت: وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع ؟ قال : (قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): الصوم جنة من النار)، قال: ثمّ قال: (إنّ أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤدّيه بعينه، إنّ الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس يقع ء مكانها دون أدائها، وإن الصوم إذا
ص: 59
فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أياماً غيرها وجزيت ذلك الذنب بصدقة، ولا قضاء عليك)(1).
وفي ذيل الرواية غموض؛ فإنّ قوله في نهايتها: (ولا قضاء عليك) يتنافى مع قوله قبلها: (أديت مكانه أياماً غيرها) بعد فرض اتّحاد الموضوع في الفقرتين، ويحتمل حصول سقط فيها، بأن يكون الساقط هو عبارة (فإن تعذر عليك ذلك) بأن يكون متن الرواية هكذا: (وإنّ الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياماً غيرها و(إن
تعذر عليك ذلك) جزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك)، وبهذا سوف يتعدّد تعدّده لا إشكال في تعدّد الحكم، فيرتفع إشكال المنافاة، ولكن يبقى الموضوع، ومع التعبير بالذنب على الترك - وإن كان لعذر - ليس مناسباً .
إلّا أنّه يمكن أن يقال بأنّ وجود التشويش في هذه الفقرة إنّما يضر بهذه الجملة الأخيرة، ولا يقتضي زوال الاطمئنان بالجملة التي قبلها، والتي هي محل الاستدلال.
ولكن مع ذلك لرفع الغموض الذي يكتنف ذيل الرواية نقول(2): إنّ سؤال السائل بعدما علم فضيلة الحجّ بقوله: (وماذا يتبعه) - مع معلومية الجواب لديه مما تقدّم - إنّما يكون تمهيداً للسؤال الآتي بعده بقوله : (وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟)، ونقل الإمام(علیه السّلام)قول الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في فضل الصوم إنما كان لرفع التوهّم الذي قد ينشأ في الأذهان بعدم وجود فضيلة للصوم، وبعد ذلك أعطى الإمام(علیه السّلام)الضابطة الكلية في التقديم بقوله: (إنّ أفضل الأشياء)، وبيّن أنّ هذه الأربعة (الصلاة والزكاة والحج والولاية) لم يقم شيء آخر مقامها إلّا تداركها بأنفسها، بينما الصوم لما كان له بديل في
ص: 60
بعض الحالات، وهو وقوع الفداء مكانه لم يشارك هذه الأربعة في هذه المزية فأخّر عنها، فيكون معنى قوله(علیه السّلام): (وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك) يعني في الموارد التي تقوم الصدقة مقام الصوم فيها ، فقوله : ( وجزيت) مقابل لقوله: (أديت).
وأمّا إطلاق الذنب على الترك وإن كان لعذر فقد يكون إطلاقاً مجازياً، ولذا أطلق على ما يتداركه التوبة فكأنّ المراد بالتوبة هنا المعنى اللغوي وهو الرجوع، أو أنها أطلقت على ما ينوب مناب الشيء مجازاً .
وأما فقرة الاستدلال فهي قوله(علیه السّلام): (إنّ الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياماً غيرها)، ومن الواضح دلالتها على وجوب قضاء الصوم إذا فات دائماً، مطلقة،وهی فلا موجب لتخصيصها بالمريض والمسافر؛ لوضوح أن موضوع الحكم فيها هو (فوت الصيام)، والعطف فيها نظير عطف الخاص على العام.
والحاصل : أنّه يمكن استفادة القاعدة الكلّية منها بخلاف الروايات الواردة في المريض والمسافر.
ويمكن جعل الروايات الدالّة على وجوب القضاء في الموارد المتفرقة مؤيدة لذلك. والله العالم. والحمد لله رب العالمين.
ص: 61
المصادر
القرآن الكريم
1 . الاحتجاج، الشيخ أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي(رحمه الله علیه)( 548ه_) ، منشورات الشريف الرضي.
2. اختيار معرفة الرجال الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت460ه_)، تصحيح وتعليق: مير داماد الاسترابادي(قدس سره)، تحقيق : السيد مهدي الرجائي، نشر : مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)، طبع : مطبعة بعثت - قم ، تاريخ الطبع : 1404ه_.
3. أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، تقرير بحث الشيخ مسلم الداوري، تأليف: الشيخ محمد علي صالح المعلّم، الناشر: مؤسسة الرافد للمطبوعات، تاريخ الطبع : 1434ه_ - 2012م.
4 . إعلام الورى بأعلام الهدى الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي(رحمه الله علیه)(ت 548ه_)، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)، المطبعة: ستارة - قم، ط 1 ، تاريخ الطبع: ربيع الأول 1417ه_.
5 . بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي (ت 1111ه_)، نشر وطبع: المكتبة الإسلامية، طهران، ط 6 ، تاريخ الطبع: 1429ه_.
6 . تسنيم في تفسير القرآن الشيخ عبد الله الجوادي الآملي الطبري،تعريب : السيد عبد المطلب رضا، تحقيق: الشيخ محمد عبد المنعم الخاقاني، الناشر: دار الإسراء للنشر ، ط 2 ، تاريخ الطبع: 2011م.
7. تفسير البحر المحيط، محمد بن يوسف الشهير ب_(أبي حيان الاندلسي) (ت 745ھ)
ص: 62
دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض، طبع ونشر : دار الكتب العلمية - لبنان - بيروت، ط 1 ، تاريخ الطبع : 1422ه_ .
8. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)،ط2، تاريخ الطبع: 1414ه_، مطبعة: مهر - قم .
9 . تنقيح مباني العروة - كتاب الصوم، الشيخ الميرزا جواد التبريزي تدل، ط 1 ، المطبعة:
،شریعت تاريخ النشر : 1427ه-.
10 . تهذيب الأحكام الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت 460ه_)، تحقيق السيّد حسن الخرسان(قدس سره)، الناشر : دار الكتب الإسلامية، المطبعة خورشید، ط3 تاريخ الطبع: 1364 ه_ ش .
11 . توضيح المقال في علم الرجال، الملا علي الكني (ت 1306ه_)، تحقيق: محمد حسين مولوي، الناشر : دار الحديث للطباعة والنشر، المطبعة: سرور، ط1، تاريخ الطبع: 1421ه_ .ق.
12 . جامع البيان في تفسير القرآن، محمد بن عبد الرحمن الشافعي الأيجيّ (ت 905ھ) ومعه حاشية محمد بن عبد الله الغزنوي، تحقيق : الدكتور محمد هنداوي، طبع ونشر: محمد علي بيضون (دار الكتب العلمية - بيروت لبنان).
13 . جامع المدارك في شرح المختصر النافع، السيد أحمد الخوانساري(قدس سره)(ت 1405ه_)، علّق عليه : علي أكبر الغفاري، طبع ونشر: مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان.
14 . جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمّد حسن النجفي(قدس سره)(ت 1266ه_)، نشر : مؤسسة المرتضى العالمية، طبع دار المؤرّخ العربي، بيروت - لبنان.
ص: 63
15 . الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي (ت 573ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي، المطبعة: العلمية - قم ، ط 1 ، تاريخ الطبع : 1409ه_ .
16 . رجال الطوسي (الأبواب)، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت 460ه_)، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، ط 1 ، تاريخ الطبع : 1415ه_.
17 . رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنّفي الشيعة)، الشيخ أبو العباس أحمد بن عليّ ابن أحمد بن العباس النجاشي(رحمه الله علیه)(450ه_)، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني دام ظله ، ط5 ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، تاريخ النشر : 1416ه_ .
18 . شرح شرح أصول الكافي، المولى محمد صالح المازندراني (ت 1081ه_)، تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني، تحقيق: السيّد علي عاشور ، ط 2 ، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت لبنان تاريخ الطبع : 1429ه- : 1429 ه_ - 2008م.
19 . شرح مشيخة الفقيه السيد حسن الموسوي الخرسان، المطبوعة في نهاية كتاب من لا يحضره الفقيه، طبع دار الكتب الإسلامية - طهران، ط 7
20. علل الشرائع، الشيخ محمّد بن علي بن الحسين الصدوق(رحمه الله علیه)(ت 381ھ)، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف الأشرف، تاريخ الطبع : 5. 1385ه_ - 1966م.
21 . عيون أخبار الرضا(علیه السّلام)، الشيخ محمد بن علي بن الحسين الصدوق(رحمه الله علیه)(ت 381ھ)، صححه وقدّم له وعلّق عليه العلّامة الشيخ حسين الأعلمي، طبع ونشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان، ط 1 ، تاريخ النشر : 1404 ه_ - 1984م.
ص: 64
22 . غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبو القاسم القمي، تحقيق: عباس تبريزيان مساعدة: عبد الحليم الحلّي، السيد جواد الحسيني، الناشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، ط 1 ، تاريخ الطبع : 1417ه_.
23 . غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع: السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي(رحمه الله علیه)(ت 585 ه_)، تحقيق : الشيخ إبراهيم البهادري ، الناشر : مؤسسة الإمام الصادق(علیه السّلام)،ط 1 ، المطبعة: اعتماد - قم تاريخ الطبع : محرم 1417ه_.
24 . فقه القرآن، قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي(رحمه الله علیه)(ت 573ه_) تحقيق: السيد أحمد الحسيني، نشر : مكتبة السيّد المرعشي النجفي(رحمه الله علیه)، مطبعة الولاية - قم ، ط 2 ، 1405ه_.
25 . فيض العروة الوثقى، تقرير لأبحاث سماحة آية الله العظمى الشيخ الفياض دام ظله ، بقلم السيّد محمّد الموسوي البكاء، ط 1 ، المطبعة دار الكفيل، تاريخ الطبع: 1438 ه_ - 2017 م.
26 . قبسات من علم الرجال، أبحاث السيّد محمد رضا السيستاني، جمعها ونظمها السيّد محمّد البكاء، ط ، المطبعة: دار المؤرّخ العربي، بيروت - لبنان، تاريخ الطبع: 1437 ه_ - 2016م.
27 . الكافي، الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني (ت 329ه_)، ط1، المطبعة: دار المرتضى - بيروت، تاريخ الطبع: 2005م.
28 . كتاب الصوم - شرح القواعد، الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري(قدس سره)(ت 1281ه_)، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر : مجمع الفكر الإسلامي، ط3، المطبعة: شريعت - قم، تاريخ الطبع : 1436ه_ .
ص: 65
29. كتاب الغيبة، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)( ت 460 ه_)، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ عليّ أحمد ناصح، الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، ط1، تاريخ الطبع: 1411ه_ .
30. كمال الدين وإتمام النعمة، الشيخ محمّد بن علي بن الحسين القمي(قدس سره)(ت 381ه_)، منشورات طليعة النور، ط2، تاريخ الطبع : 1429ه_.
31. مجمع البيان في تفسير القرآن الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي(قدس سره)(ت 548ه_)، وقف على تصحيحه وتحقيقه والتعليق عليه: السيد هاشم الرسولي المحلّاتي، طبع ونشر: مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان، ط 1 ، تاريخ الطبع: 1429ه_.
32. مدارك الأحكام السيّد محمّد بن عليّ الموسوي العاملي(قدس سره)، الناشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)لإحياء التراث - مشهد المقدّسة، ط 1 ، المطبعة: مهر - قم تاريخ الطبع 1410ه_.
33 . المرتقى إلى الفقه الأرقى ، السيد محمد الروحاني(قدس سره)، تقريرات السيد عبد الصاحب الحكيم(قدس سره)، نسخة خطية في مكتبة الإمام الحكيم العامة، تحت الرقم: 3601.
34 . مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام الفاضل الجواد الكاظمي(رحمه الله علیه)(ت أواسط القرن الحادي عشر)، علّق عليه وخرّج أحاديثه: الشيخ محمد باقر زاده، أشرف على تصحيحه السيّد محمّد تقي الكشفي، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، المطبعة: حيدري.
35. المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير بحث السيّد أبي القاسم الموسوي الخوئي(قدس سره)(ت 1413ه_)، تأليف: الشيخ مرتضى البروجردي(قدس سره)، ضمن موسوعة السيد
ص: 66
الخوئي(قدس سره)الناشر: مؤسسة الخوئي الإسلامية، ط 5، 1434ه_ - 2013م.
36 . مستمسك العروة الوثقى، السيّد محسن الحكيم(قدس سره)(ت 1390ه_)، الناشر: دار الهدى، المطبعة: ظهور ، ط 1 ، تاريخ الطبع : 1432ه_ - 2010م.
37. مشارق الشموس في شرح الدروس، المحقق الأغا حسين بن جمال الدين محمد الخوانساريّ (ت 1099ه_) مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)لإحياء التراث.
38. مصباح المنهاج السيّد محمّد سعيد الحكيم، الناشر: مؤسسة الحكمة للثقافة الإسلامية - العراق - النجف الأشرف، ط 2 ، تاريخ الطبع : 1428ه_ -2007م .
39 . معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(قدس سره)، ط5، تاريخ الطبع : 1413ه_ - 1992م.
40 . مفاتيح الغيب ، فخر الدين الرازي (ت 606 ه_)، الناشر : دار الفكر .
41 . الميزان في تفسير القرآن، السيّد محمد حسين الطباطبائي(قدس سره)(ت 1402ه_)، تقديم: الشيخ جوادي آملي، طباعة ونشر وتوزيع: دار الأضواء، ط1، تاريخ الطبع: 1431ه_ .
ص: 67
ص: 68
إنّ مسألة ارتماس الصائم في الماء من المسائل التي يعمّ بها الابتلاء، وقد اتفقت كلمة العامة على عدم كونه مبطلاً
للصوم، أمّا الإماميّة فلهم في ذلك أقوال:
منها: أنّه مبطل للصوم وموجب للقضاء مع الكفارة، وهو المشهور.
ومنها: أنّه مبطل للصوم وموجب للقضاء دون الكفّارة.
ومنها: أنّه غير مبطل للصوم ، وإنّما هو حرام تكليفاً.
ومنها: عدم كونه مفطّراً ولا حراماً بل هو مكروه.
والبحث الذي بين يديك - عزيزي القارئ - دراسة لأدلة تلك الأقوال، ومحاولة لاختيار الأوفق منها.
ص: 69
ص: 70
المقدمة
بِسْمِ اللَّ_هِ الرَّحْمَ_ٰنِ الرَّحِيمِ
تعدّ مسألة ارتماس الصائم في الماء من المسائل الابتلائية في شهر رمضان وغيره، خصوصاً في أشهر الحرّ من شهور السنة، وقد وقعت مورداً للخلاف بين الفقهاء قديماً وحديثاً، ولأجل ذلك عقدنا هذا البحث مستعينين بالله سبحانه وتعالى، فنقول:
هل إنّ ارتماس الصائم في الماء مبطل الصومه أو لا؟
وبعبارة أخرى: هل أنّ الارتماس بما هو هو مبطل للصوم كالأكل والشرب أو ليس كذلك؟
وبناءً على كونه مفطّراً وموجباً للقضاء هل يوجب الكفّارة أيضاً أو لا؟
هذا ما سنجيب عليه في بحثنا هذا إن شاء الله تعالى.
ص: 71
ذهب الجمهور قاطبةً إلى أنّ ارتماس الصائم في الماء ليس مبطلاً لصومه(1).
نعم، ذهب الحنابلة إلى كراهته فقط(2)، قال في المجموع: (ويجوز للصائم أن ينزل الماء ويغطس فيه؛ لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: حدثني من رأى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)في يوم صائف يصبّ على رأسه الماء من شدّة الحرّ والعطش وهو صائم)(3)، ونحوه في فتح العزيز(4).
وأمّا فقهاؤنا فقد اختلفوا إلى أقوال متعدّدة كما يلي:
القول الأوّل: ما هو المشهور بين القدماء من أنّ الارتماس مبطل للصوم، وموجب للقضاء والكفّارة معاً، بل ادّعى السيّد المرتضى الإجماع عليه، فقال في الانتصار: (ومما انفردت به الإمامية - وإن وافقتها فيه على بعض من الوجوه قوم من الفقهاء - إفسادهم الصوم بالارتماس في الماء، واعتماد الكذب على الله وعلى رسوله(علیه السّلام)، وإيجابهم بذلك ما يجب في اعتماد الأكل والشرب ... وحكي عن مالك كراهية الارتماس في الماء. والحجّة فيما ذهبوا إليه إجماع الطائفة، وطريقة الاحتياط، واليقين ببراءة الذمة من الصوم. ويمكن أن يكون الوجه في المنع من الارتماس أنّ الماء يصل معه إلى الجوف لا محالة من المخارق التي لا يمكن ضبطها، فجعل ما هو الغالب في حكم الواقع)(5).
ص: 72
وهذا الرأي هو الموجود في الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(علیه السّلام)(1)، وإليه ذهب الصدوقان الأب والابن، والمفيد، والشيخ في كتبه الفقهيّة، والقاضي ابن البراج، وابن زهرة الحلبي(2)، ونسبه الشهيد الأوّل في الدروس إلى المشهور(3)، وهو رأي صاحب الجواهر(4)، والسيد اليزدي(5)، وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين.
وهذا القول فيه دعويان:
الأولى : كون الارتماس مبطلاً للصوم، فيوجب القضاء.
والأخرى: كونه موجباً للكفّارة، وستجيء الإشارة إلى دليل كلتا الدعويين إن شاء الله تعالى.
القول الثاني: أنّ الارتماس مبطل للصوم، ويوجب القضاء دون الكفّارة.
وهو رأي قليل من الفقهاء، كأبي الصلاح الحلبي، والشهيد الأوّل في اللمعة(6)، وغيرهما ممن منع من إطلاق وجوب الكفّارة لكل مفطر.
القول الثالث: أنّ الارتماس غير مبطل للصوم ، لكنّه حرام حرمة تكليفية فقط.
وهذا الرأي نسبه العلّامة في المختلف إلى ابن أبي عقيل(7)، واختاره السيد المرتضى
ص: 73
في جمل العلم والعمل(1)،كما أنه الرأي المعروف من لدن ابن إدريس الحلّي والمحقق والفاضل الآبي والعلّامة والشهيد الثاني(2)، بل نسبه العلّامة في التحرير إلى الشيخ في الاستبصار(3).
ولكن الموجود في الاستبصار لا يوحي بذلك؛ لأنّه ذكر أوّلاً الأخبار المانعة من الارتماس، ثُمّ ذكر خبر عبد الله بن سنان وإسحاق بن عمار المنافيين لها، وقال: (فالوجه في هذين الخبرين وما جرى مجراهما أن نحمله على ضرب من التقية؛ لأنّ ذلك موافق للعامة. ويجوز أن يكون ذلك مختصاً بإسقاط الكفّارة وإن كان الفعل محظوراً؛ لأنّه لا يمتنع أن يكون الفعل محظوراً لا يجوز ارتكابه، وإن لم يوجب القضاء والكفّارة، ولست أعرف حديثاً في إيجاب القضاء والكفّارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء)(4).
أقول: لا يظهر من الشيخ(قدس سره)اختياره هذا القول في هذا الكتاب، وإنّما ذكره كوجه ممكن للجمع بين تلك الأخبار المتعارضة ظاهراً، وأما قوله: (ولست أعرف حديثاً..) فمراده الحديث الذي يكون نصاً صريحاً في ذلك، على أنّ الدليل غير منحصر بالحديث، فقد يكون الإجماع، كما نبه عليه وتمسّك به في الخلاف(5)، فنفيه للحديث الدال على المفطّرية لا يعني الالتزام بعدمها.
وقد اختار هذا القول السيد أبو الحسن الأصفهاني، والسيد أحمد الخوانساري،
ص: 74
والشيخ محمد رضا آل ياسين(قدس سره)(1)، فإنّهم توقفوا في مفطريّة الارتماس للصائم، وجزموا بحرمته تكليفاً
القول الرابع : أنّ الارتماس غير مفطر، ولا حرام أثناءه، بل هو مكروه فقط، وقد تبناه الشيخ علي ابن الشيخ باقر الجواهري، والشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء(2)، وغيرهما من الفقهاء المعاصرين.
(مفطّريّة الارتماس وإيجابه القضاء والكفّارة)
قد قلنا سابقاً إنّ هذا القول فيه دعويان، لا بدّ من إقامة الدليل على كلّ منهما:
الأولى: أنّ الارتماس مفطّر ، فيجب القضاء.
والأخرى: أنّه مضافاً إلى القضاء يوجب الكفّارة كالأكل والشرب.
أمّا الدعوى الأولى فيمكن أن يستدلّ لها بأربعة أدلّة - أهمها الروايات -، وهي:
الدليل الأوّل: ما تمسّك به بعض الأعلام من الإجماع المدّعى في كلام السيّد المرتضى في الانتصار، والشيخ الطوسي في الخلاف(3).
وفيه:
ص: 75
أوّلاً: أنّ الإجماع غير متحقق ؛ فإنّ السيّد نفسه قد خالفه في بعض مؤلّفاته، فقال: (وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه في وجوب القضاء والكفّارة اعتماد الكذب على الله تعالى وعلى رسوله(صلی الله علیه و آله و سلم)و على الأئمة(علیهم السّلام)، والارتماس في الماء، والحقنة، والتعمّد للقيء والسعوط، وبلع ما لا يؤكل كالحصى وغيره، وقال قوم: إنّ ذلك ينقض الصوم وإن لم يبطله ، وهو أشبه)(1)، وقال الشيخ الطوسي عند عده للمفطرات: (والارتماس في الماء على أظهر الروايات، وفي أصحابنا من قال إنّه لا يفطر)(2).
وقد تقدم عن المختلف نسبة القول بعدم المفطرية إلى ابن عقيل، هذا ما كان عليه القدماء.
وأمّا المتأخّرون عنهم فالمشهور بينهم خلاف هذا القول، كما تقدّمت الإشارة إلى بعض منهم .
فالحق أنّه لا يوجد إجماع في المسألة.
وثانياً: لو سلّمنا تحقق الإجماع فهو مدركي أو محتمل المدركية، كما هو واضح.
الدليل الثاني: التمسك بالشهرة الفتوائية بين القدماء على مفطرية الارتماس.
وفيه: أنّه لا دليل على حجّيّة تلك الشهرة، كما حُقّق في محلّه من علم الأصول.
الدليل الثالث: أنّ الحكم المذكور ورد في فقه الإمام الرضا(علیه السّلام)، فهو مقطوع السند والمصدر والدلالة .
وفيه: أنّ المقطوع به أنّ الكتاب المذكور ليس للإمام(علیه السّلام)، بل مؤلّفه شخص آخر، إما الشلمغاني، أو الصدوق الأب، أو غيرهما، كما حقق في محلّه.
ص: 76
الدليل الرابع: الروايات، وهي كالتالي:
الرواية الأولى : صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)يقول : (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث(1)خصال: الطعام، والشراب، والنساء، والارتماس في الماء)(2).
وهي ظاهرة - بل كالصريحة - في أنّ الارتماس مبطل للصوم؛ لأنّ الضرر الذي يلحق الصائم بالارتماس ظاهر في كونه ضرراً يلحق بصومه، وهو الفساد، لا بما هو مكلّف صائم بحيث يكون آثماً ومرتكباً لحرام، خصوصاً مع وروده مع الأكل والشرب والنساء.
الرواية الثانية : صحيحته الأخرى عن أبي جعفر(علیه السّلام)، قال: (الصائم يستنقع في الماء، ويصبّ على رأسه، ويتبرّد بالثوب، وينضح بالمروحة وينضح البوريا تحته، ولا يغمس رأسه في الماء)(3).
وهي أيضاً ظاهرة في فساد الصوم بالارتماس؛ لأنّ النهي عن شيء في العبادات المركبة ظاهر في الإرشاد إلى المانعيّة، خصوصاً مع ذكر جواز الاستنقاع وما بعده الظاهر في الجواز الوضعي لا التكليفي، فيكون النهي ظاهراً في الوضعي أيضاً.
الرواية الثالثة : صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال: (لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم)(4).
ص: 77
وهي كسابقتها في الدلالة. نعم، قد يقال: بأنّ النهي عن ارتماس المحرم في الماء نهي تكليفي، فيكون كذلك بالنسبة للصائم.
ولكن الإنصاف إمكان التفكيك بين النهيين عرفاً بأن يكون أحدهما تكليفياً صرفاً والآخر وضعياً، خصوصاً بعد كون القرينة بالنسبة للإحرام خارجية لا داخلية.
الرواية الرابعة: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله(علیه السّلام): (الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه)(1). وفي الكافي: (ولا يرتمس رأسه).
الرواية الخامسة: صحيحة حريز أو مرسلته - بناءً على أنّه لا يروي عن الإمام الصادق(علیه السّلام)مباشرة - عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال : (لا يرتمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء)(2)، وفي التهذيب : (لا يرمس).
الرواية السادسة: موثقة حنان بن سدير بطريق الصدوق في الفقيه، أنّه سأل أبا عبد الله(علیه السّلام)عن عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال: ( لا بأس، ولكن لا يغمس، والمرأة لا تستنقع في الماء؛ لأنها تحمل الماء بقبلها)(3).
وهي أظهر من بعض الروايات السابقة في فساد الصوم بالارتماس؛ لوجود السؤال فيه الظاهر في الحكم الوضعي.
الرواية السابعة : رواية مثنّى الحنّاط و الحسن الصيقل(4)، قال : سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن الصائم يرتمس في الماء؟ قال: (لا، ولا المحرم)، قال : وسألته عن الصائم يلبس
ص: 78
الثوب المبلول؟ قال: (لا)(1).
وهي ظاهرة في فساد الصوم بالارتماس. لكنّها ضعيفة بالإرسال، وسهل بن زياد، بل وبالحسن الصيقل أيضاً.
الرواية الثامنة : مرفوعة محمّد بن خالد البرقي، عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال: (خمسة أشياء تفطّر الصائم: الأكل، والشرب، والجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة(علیهم السّلام))(2).
وهذه مع صراحتها في المطلوب ضعيفة بالرفع.
الرواية التاسعة: ما ورد في رسالة المحكم والمتشابه نقلاً من تفسير النعماني بإسناده إلى أمير المؤمنين(علیه السّلام)، قال: (وأما حدود الصوم فأربعة حدود: أولها: اجتناب الأكل والشرب، والثاني: اجتناب النكاح، والثالث: اجتناب القيء متعمداً، والرابع: اجتناب الاعتماس في الماء)(3).
لكنّها ضعيفة السند جدّاً .
الرواية العاشرة: ما رواه الحميري، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام): هل يدخل الصائم رأسه في الماء؟ قال: (لا، ولا المحرم)(4).
والإشكال فيها من ناحية السند من جهة الطيالسي؛ لأنّه لم يوثق وإن روى عنه بعض
ص: 79
الأجلّة مثل سعد بن عبد الله، وعلي بن إبراهيم، والحميري، ومحمد بن علي بن محبوب. نعم، بناءً على وثاقة كلّ من ذكر في كامل الزيارات تثبت وثاقته؛ لأنّ له رواية فيه(1). لكن المبنى المذكور غير تام، كما حقق في علم الرجال.
هذه هي الروايات التي الروايات التي تدلّ على فساد الصوم مطلقاً بالارتماس، وعلى وجوب القضاء أيضاً إذا وقع الارتماس في شهر رمضان.
أمّا الكفّارة فتحتاج إلى دليل آخر غير تلك الروايات.
إن قلت: إنّ أقصى ما يثبت بتلك الروايات هو فساد الصوم، ولا ملازمة بينه وبين وجوب القضاء، فإنّ المعيّن بزمان خاص قد يفسد الواجب بفقدان شرط فيه أو وجود مانع له، ولكن لا يجب قضاؤه بعد ذلك، كما هو في مثل النذر المتعلّق بعمل معيّن - غير الصوم والصلاة - في وقت خاص ، كالزيارة والصدقة عند بعض الأعلام(2).
قلت: صحيح أن لا ملازمة عقليّة ولا عرفيّة بين الأمرين، لكن هناك ملازمة شرعيّة بين فساد صوم رمضان وبين وجوب قضائه، قد دلّ عليها:
أوّلاً: الارتكاز الفقهي.
وثانياً: الروايات، مثل رواية المشرقي عن أبي الحسن(علیه السّلام)، قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياماً متعمّداً ما عليه من الكفّارة؟ فكتب(علیه السّلام): (من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة، ويصوم يوماً بدل يوم)(3).ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً؟ قال:
ص: 80
(يتصدق بعشرين صاعاً ويقضي مكانه)(1).
هذا كله بالنسبة إلى الدعوى الأولى من هذا القول، وهو وجوب القضاء بالارتماس. وأما الدعوى الأخرى - وجوب الكفّارة به - فتدل عليها إطلاقات روايات وجوب الكفّارة ، وقد أشرنا إلى اثنين منها(2)، وإليك الثالثة التي هي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(علیه السّلام)في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر، قال: (يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق)(3).
(وجوب القضاء دون الكفّارة بالارتماس)
أما وجوب القضاء فدليله ما تقدّم في القول الأوّل.
وأما عدم وجوب الكفّارة فبدعوى عدم الدليل عليها، فنرجع إلى أصل البراءة عنها. والصحيح هو وجود الدليل على الكفّارة، وهو ما أشرنا إليه قبل قليل من الروايات المطلقة الشاملة للإفطار بالارتماس وغيره.
و دعوى أنّ المراد بالإفطار فيها الإفطار بالأكل والشرب دون غيرهما غير مسموعة؛ لأنّ أصل الفطر الشق، ومنه سمّي إفساد الصوم إفطاراً باعتبار ما للصوم من الهيئة
ص: 81
الاتصاليّة، فما يقع فيه من مفسدات له يهدم ويشقّ تلك الهيئة الاتصالية، ولذلك قال الراغب الأصفهاني: (الفطر ترك الصوم)(1).
ومما يدل على ذلك ما ورد في الروايات من إطلاق الإفطار على الكذب على الله ورسوله(صلی الله علیه و آله و سلم)(2)، و على الجماع(3) ، بل على الارتماس أيضاً كما تقدّم في مرفوعة البرقي، فالإفطار في لسان الروايات وعرف المتشرّعة هو مطلق إفساد الصوم وإبطاله بأي شيء كان
(حرمة الارتماس تكليفاً من دون فساد الصوم)
الدليل الأوّل: أنّ النّهي عن الارتماس الوارد في الروايات المتقدمة ظاهر في الحرمة التكليفية شأنه شأن سائر النواهي، ولا موجب لرفع اليد عن هذا الظهور، فيكون الارتماس حراماً، ولا دليل على إفساد الصوم ووجوب القضاء فقط أو مع الكفّارة فنرجع إلى أصل البراءة عنهما.
ويرد عليه:
أوّلاً: أنّ النّهي وإن كان له ظهور أوّلي في الحرمة التكليفية لكن له ظهور ثانوي في الإرشاد إلى فساد العمل وبطلانه إذا تعلّق بالمركبات العباديّة والمعامليّة. وبعبارة أخرى: يكون للنهي حينئذ ظهور في مانعيّة متعلّقه عن صحة العمل وتمامه.
وثانياً: أنّ بعض الروايات المتقدّمة لم ترد بصيغة النهي حتى تحمل على الحرمة
ص: 82
التكليفية، بل وردت بما هو ظاهر في فساد الصوم بالارتماس، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم ومرفوعة البرقي، بل حتى صحيحة ابن مسلم الأخرى، وموثقة حنان بن سدير، فإنهما وإن وردتا بصيغة النهي لكنّهما بقرينة السؤال، وتجويز بعض الأمور على الصائم ظاهرتان في مبطليّة الارتماس للصوم، كما أشرنا سابقاً.
الدليل الثاني: موثقة إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السّلام)رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: (ليس عليه قضاء، ولا يعودن)(1).
فإنّها صريحة في نفي القضاء، وكذلك الكفّارة بالأولويّة القطعية، وظاهرة في حرمة الارتماس تكليفاً بقوله(علیه السّلام): (ولا يعودن)، فالصوم صحيح لكن الارتماس حرام.
وقد أجيب عن هذه الرواية بعدة أجوبة:
الجواب الأوّل: ما قد يقال من أنّ مورد الموثّقة هو فيما إذا كان الصائم جاهلاً بحرمة الارتماس، أعني فساد الصوم به؛ إذ لا داعي للسؤال عن وجوب القضاء مع العلم بفساد الصوم بالارتماس، وأمّا تلك الروايات الناهية عنه فهي مطلقة وتشمل حالتي العلم بالحرمة والجهل بها، فتقيّد بهذه الموثقة، والنتيجة هي وجوب القضاء مع العلم بحرمة الارتماس وعدم وجوبه مع الجهل بها.
ويرد عليه - مع أنّ المشهور عدم اعتبار العلم بمبطليّة المفطرات للصوم - : أنه لا وجه لحمل الموثّقة على من كان جاهلاً ببطلان الصوم بالارتماس ؛ لأنها تشمل حالتي العلم والجهل بالبطلان، لأنّ السؤال عن وجوب القضاء وعدمه، وليس بطلان الصوم حتى يقال لا وجه للسؤال مع العلم به، وليس لازم العلم بمفطريّة الارتماس للصوم العلم بوجوب القضاء عليه؛ لإمكان الانفكاك بينهما عرفاً وشرعاً، كما نبهنا عليه سابقاً.
ص: 83
الجواب الثاني: ما احتمله السيد الخوئي(قدس سره)من أن روايات المنع عن الارتماس للصائم روايات مستفيضة مشهورة يعلم أو يطمأن بصدور بعضها ولو إجمالاً، ورواية إسحاق بن عمار هذه شاذة، فلا تنهض للمقاومة معها، فتطرح بطبيعة الحال(1).
ویرد عليه: أنّ تلك الروايات المانعة وإن كانت كثيرة ويمكن دعوى حصول الاطمئنان بصدور بعضها، لكن أكثرها قابل للجمع عرفاً مع هذه الرواية - موثقة إسحاق . بأن تحمل على الحرمة التكليفية أو الكراهة كذلك، وأما ما لا يقبل الجمع المذكور - کصحيحة محمد بن مسلم - فهو خبر أو خبران، لا علم بل ولا اطمئنان بصدوره عن الإمام(علیه السّلام).
الجواب الثالث: ما ذكره السيد الحكيم(قدس سره)من الجمع بين روايات المنع عن الارتماس والموثّقة المزبورة بحمل الأولى على الكراهة الوضعيّة(2).
وفيه:
أوّلاً: أنّ بعض تلك الروايات غير قابل أصلاً للحمل على الكراهة، كما أشرنا إليه آنفاً.
وثانياً : ما أفاده السيد الخوئي(قدس سره)من أنّ الكراهة الوضعية لا نتعقل لها معنى محصلاً؛ فإنّ العمل إمّا أن يكون صحيحاً وإما أن يكون باطلاً، ولا معنى لمرتبة ضعيفة من البطلان مع صحة العمل(3).
وربّما تفسّر الكراهة الوضعية في العبادات بأنّها عبارة عن المانعية بالنسبة إلى كمال
ص: 84
العمل وتمامه، بخلاف الحرمة الوضعيّة التي هي المانعية بلحاظ أصل العمل.
ولكن يلاحظ عليه أنّ الكراهة الوضعيّة بهذا المعنى هي الكراهة التكليفية نفسها في العبادات؛ إذ لا يراد بها سوى قلة الثواب، ونقصان كماله مع صحته، فلا مجال لتصوير الكراهة الوضعيّة في قبال الكراهة التكليفية في العبادات، فالعبادة إما أن تقع صحيحة أو باطلة، ولا حالة وسطى بينهما.
وثالثاً: أنّ النهي في تلك الروايات قد تعلّق بالارتماس أثناء الصوم، والارتماس بما هو لا يتصف لا بالصحة ولا بالبطلان، فلا معنى لحمل النهي عنه على الكراهة الوضعية ومرتبة ضعيفة من البطلان، بل النهي عنه إمّا يحمل على الحرمة التكليفية أو الكراهة كذلك إذا تعذر حمله على الإرشاد إلى المانعية بقرينة الموثقة
الجواب الرابع: أنّنا قلنا بأنّ النهي المتعلّق بالعبادات والمعاملات ظاهر في الحرمة الوضعية وليس له ظهور في الحكم التكليفي، فإذا قامت قرينة - كالموثّقة في المقام - على عدم إرادة الحرمة الوضعية منه فلا يكون ذلك دليلاً لحمله على الحرمة التكليفية؛ إذ يحتمل أن يكون المقصود منه الكراهة لا الحرمة كما يحتمل العكس فلا معيّن لأحدهما على الآخر، ولا يصح حمل (ولا يعودن) على الحرمة ، فلا يصح القول الثالث.
والصحيح أنّ الظهور الأوّلي للنهي هو الحرمة لا الكراهة ولا الأعم منهما، وإنّما يكون ظاهراً في الإرشاد إلى المانعيّة إذا تعلّق بالمركبات والماهيات الجعلية، فهذا الظهور الثاني لا يكون إلا بقرينة دالّة عليه، فإذا انتفت رجعت إلى الظهور الأوّل وهو الحرمة.
الجواب الخامس: ما تبنّاه السيد الخوئي(قدس سره)من أنه بعد استقرار التعارض بين الروايات المانعة عن الارتماس وموثقة إسحاق نرجع إلى الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة.
أمّا الكتاب فليس فيه ما يظهر منه موافقة أحد الطرفين، وأمّا العامة فالموثّقة موافقة
ص: 85
لهم والروايات المانعة مخالفة لهم؛ لأنه - كما أشرنا سابقاً - لم يذهب أحد من العامة إلى بطلان الصوم بالارتماس.
نعم، الحنابلة ذهبوا إلى الكراهة وهذا هو المناسب لقوله(علیه السّلام)في الموثقة: (ولا يعودن) أي أنّه لا يبطل، ولذا لا قضاء عليه، ولكن لا يعودن إلى ذلك لمكان الكراهة(1).
ويرد عليه:
أولاً: أنّ الصحيح - كما حقق في الأصول - هو أن الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة لا يصار إليه إلّا بعد فقد الترجيح بالشهرة الروائية، فلا بد أوّلاً من النظر فيما يوافق الشهرة.
وثانياً : أنّ ظاهر قوله(علیه السّلام)في الموثقة: (ولا يعودن) هو حرمة العود والارتماس، وهذا مخالف أيضاً لجميع العامة؛ لأنّ أكثرهم ذهبوا إلى الجواز، وقليل منهم ذهب إلى الكراهة، وأمّا الحرمة فلم يقل بها أحد منهم.
ولا أدري لماذا حمل (ولا يعودن) على الكراهة مع ظهورها في الحرمة التكليفية؟! فإنّ مورد الرواية الارتماس في صوم واجب، وهو صيام شهر رمضان، ولذلك سأل عن القضاء عليه، والصوم الواجب كأي عبادة واجبة مما يعقل جداً حرمة عمل معيّن في أثنائه، فالحق أنّ الموثّقة المذكورة لا يمكن حملها على التقية بوجه .
وثالثاً : أنّه حتى لو صح حمل قوله(علیه السّلام): (ولا يعودن) على الكراهة، فلا يصح أيضاً حمل الموثقة على التقية؛ لأنّ القائل بالكراهة هم الحنابلة، وبينهم وبين الإمام الصادق(علیه السّلام)ما يقارب المائة عام، فكيف يتقي منهم الإمام(علیه السّلام)؟!
الجواب السادس: أنّ الروايات الدالة بظاهرها على مفطرية الارتماس كثيرة، قد
ص: 86
رواها تسعة من الرواة، وفي قبالها رواية واحدة موثقة تنص على عدم المفطرية، وهذا الأمر بنفسه مما يمنع الجمع العرفي بينهما؛ فإنّ الجمع العرفي يعقل بين رواية ورواية، أو روايتين، أو ثلاثة، أما بين رواية واحدة وعشر روايات فهذا بعيد عن الذوق العرفي؛ لأنّه يعني أن الإمام(علیه السّلام)المبلّغ لأحكام الله تعالى قد خالف ظاهر كلامه في عشرة موارد أو ستة - بعد طرح الروايات الضعيفة - بلا مسوّغ ظاهر ومبرّر بيّن، فلا محالة يحصل تعارض مستقرّ بين الطائفتين، ولا يصح حمل أخبار المفطرية على مجرّد الحرمة التكليفية، كما يرى أصحاب القول الثالث.
الجواب السابع : أنّه بعد استقرار التعارض بين الطائفتين وعدم صحة أي جمع عرفي بينهما فالصحيح هو ترجيح روايات المفطرية على الموثّقة؛ لمكان شهرة تلك الروايات، وشذوذ الموثقة، والشهرة الروائية من المرجّحات - على التحقيق - بعد استقرار التعارض؛ فإنّ من بين تلك الروايات ما لا يقبل الحمل على غير المفطرية مثل صحيحة محمد بن مسلم، وهي مشهورة جداً في كتبنا الروائية والفقهية، فقد وردت في التهذيبين والفقيه ونوادر أحمد محمد بن عيسى الأشعري، وقد رواها الشيخ بعدة أسانيد من عدة مصادر ، فرواها عن علي بن مهزيار عن ابن أبي عمير، وعن أحمد بن محمد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، ويضاف إلى هذه الرواية مرفوعة البرقي في الخصال، بل صحيحة محمد بن مسلم الثانية المروية في الكافي والتهذيبين، وموثّقة حنان بن سدير المروية في الكتب الثلاثة كلّها، ورواية إسماعيل بن عبد الخالق في قرب الإسناد. وأمّا الموثّقة فقد تفرّد بها الشيخ وحده في التهذيبين بسندٍ واحدٍ، فهي شاذة وتلك مشهورة ترجّح عليها.
ص: 87
(كراهة الارتماس وعدم كونه مفطراً)
الدليل الأوّل: موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة في أدلّة القول الثالث، بتقريب: أنّ الموثقة نصّ في عدم وجوب القضاء وصحة الصوم مع تعمد الارتماس، فلا بد من التصرّف في ظهور روايات مفطّرية الارتماس بحملها على كراهة الارتماس في مطلق الصوم بما يشمل حتى الصوم المندوب، ومن البعيد أن يكون الصوم مستحبّاً يجوز الإفطار فيه ويحرم فيه الارتماس تكليفاً، فلا بد من حمل النهي في تلك الروايات على الكراهة؛ لئلا نقع في المحذور المذكور، وعلى الكراهة أيضاً يحمل قوله(علیه السّلام)في الموثقة: (ولا يعودن) لذلك المحذور.
ويرد عليه:
أوّلاً: أنّ ذلك ليس بأولى من تقييد إطلاق تلك الروايات المانعة من الارتماس بالصوم الواجب، فكما يمكن أن يكون المحذور المذكور سنداً لحمل النهي فيها على الكراهة كذلك يمكن أن يكون سنداً لتقييد إطلاقها، بأن يكون المراد منها الصوم الواجب الذي لا محذور بحرمة الارتماس فيه تكليفاً، خصوصاً الموثّقة المذكورة؛ فإنّ موردها الصوم الواجب، بل صوم شهر رمضان، بقرينة السؤال عن القضاء.
وثانياً: أنّه لا موجب للاستبعاد المذكور؛ فإنّه ما المانع في حرمة عمل معيّن أثناء عمل مستحبّ، كما هو ظاهر القائلين بالقول الثالث؟ وله أمثلة متعدّدة في الفقه، كما هو الحال بالنسبة لحرمة بعض الأمور - كشم الطيب، والمماراة، والبيع والشراء - تكليفاً على
ص: 88
المعتكف ولو اعتكافاً مستحبّاً، على رأي بعض الفقهاء(1).
وكذلك بالنسبة للتكفير أثناء الصلاة ولو كانت مستحبّة، على رأي بعض الفقهاء، منهم السيد الخوئي(قدس سره)(2).
وثالثاً: أنّ جملة من النصوص المانعة عن الارتماس كما لا تقبل عرفاً الحمل على الحرمة - كما قلنا سابقاً - لا تقبل الحمل على الكراهة أيضاً؛ لقوّة ظهورها في الإرشاد إلى المانعية، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم ونحوها.
الدليل الآخر: خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال: (يكره للصائم أن يرتمس في الماء)(3). وفي الاستبصار (كره).
وهذا الخبر رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن سنان، ومن هنا فقد يناقش في سنده بأنّ في طريق الشيخ إلى ابن فضال علي بن محمد بن الزبير القرشي، وهو لم يوثق، لكن الصحيح هو جواز الاعتماد على روایات ابن فضال، المرويّة بطريق ابن الزبير، كما حققه سيّدنا الأستاذ في بحوثه(4).
لكن في السند إشكال آخر من ناحية محمّد بن عبد الله؛ فإنّه مجهول.
نعم، يحتمل أن يكون محمّد بن عبيد الله الحلبي الثقة، لكنّه احتمال لا دليل عليه؛ لأنّ الوارد في التهذيبين والوافي(5)والوسائل(6)هو محمّد بن عبد الله، والموارد القليلة التي
ص: 89
روى فيها ابن فضال عن الحلبي رواها بعنوان (محمد بن عبيد الله الحلبي)، ولا مانع في أن يكون له رواية أخرى عن محمّد بن عبد الله غير الحلبي، كما روى رواية واحدة أو روايتين عن رواة مجهولين، مثل الحسين بن سيف(1)، وجعفر بن إبراهيم بن ناجية(2)وغيرهما.
ويمكن مع ذلك المناقشة في الخبر المزبور من جهات أخر:
الأولى: ما ذكره بعض الأعلام(3)، من أنّ الرواية لا تدلّ على الكراهة؛ لأنّه لم يثبت كون المراد بالكراهة في الأخبار الكراهة المصطلحة، ولذا تستعمل كثيراً في الحرمة أيضاً، كما في مرسلة عن سلة الصدوق عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): ( إن الله تبارك وتعالى كره لي ست خصال،وكرهتهن للأوصياء من ولدي، وأتباعهم من بعدي: العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمنّ بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنباً، والتطلّع في الدور، والضحك بين القبور)(4).
والرفث إمّا بمعنى الجماع، وإما بمعنى الكذب كما يستفاد مما رواه في المحاسن بإسناده عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال : (قال رسول الله : ستة كرهها الله لي - إلى أن قال : ومنها الرفث في الصيام، قال: قلت: وما الرفث في الصيام؟ قال: ما كره الله لمريم في قوله ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحمَن صَوْمًا فَلَنْ أَكَلَّمَ الْيَوْمَ إنْسِيَّا﴾، قال: قلت: صمتت من أي شيء؟ قال: من الكذب)(5).
ص: 90
الثانية : أنّ الرواية قد أعرض عنها المشهور، فتسقط عن الاعتبار(1).
وفيه : أنّ الحق هو أنّ إعراض المشهور عن رواية لا يسقطها عن الحجية ما لم يكن من جهة تضعيف سندها، وهذا غير معلوم في المقام؛ إذ لعله من جهة ترجيح روايات الحرمة عليها.
الثالثة : أنّه حتى لو تم سند الرواية المذكورة ودلالتها ، لكنّها معارضة بروايات مفطرية الارتماس غير القابلة للجمع معها عرفاً، فترجّح عليها؛ لأنها مشهورة، وهذه شاذة نادرة.
قد ظهر من جميع ما تقدّم أنّ الراجح بالنظر القاصر من بين الأقوال الأربعة هو القول الأوّل الذي كان مشهوراً بين المتقدمين من الأصحاب، وهو مفطرية الارتماس للصوم، وإيجابه القضاء والكفّارة معاً، والله العالم.
ص: 91
المصادر
القرآن الكريم
1 . إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي(قدس سره)(العلّامة الحلّيّ) (ت726ه_)، تحقيق : الشيخ فارس الحسون، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، ط الأولى، 1410ه_ .
2. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت 460 ه_)، تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان(قدس سره)، الناشر: دار ( الكتب الإسلامية - طهران المطبعة: خورشيد، ط الرابعة، 1363ش.
3. الانتصار، السيد المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسوي البغدادي(قدس سره)(ت 436 ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم سنة الطبع : 1415ه_.
4 . بحوث في شرح مناسك الحج ، تقرير أبحاث السيّد محمد رضا السيستاني ، بقلم: الشيخ أمجد رياض والشيخ نزار يوسف، ط الثانية دار المؤرّخ العربي، بيروت - ،لبنان، 1437 ه_ - 2016م.
5 . تهذيب الأحكام، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي(قدس سره)(460ه_)، صححه وعلّق عليه : الشيخ علي أكبر الغفاري.
6 . الجمل والعقود في العبادات، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي(قدس سره)(ت460ه_)، تصحيح وترجمة: الشيخ محمّد واعظ زاده الخراساني، سنة الطبع: 1347ش.
ص: 92
7. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن النجفي(قدس سره)(ت1266 . ه_)، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، الناشر : دار الكتب الإسلامية - طهران، ط . الثانية، 1365ش.
8. الخصال، الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق(قدس سره)(ت 381ه_)، صححه وعلّق عليه: الشيخ علي أكبر الغفاري، الناشر: جماعة المدرسين.
9. الخلاف، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت 460ه_)، تحقيق: السيد عليّ الخراساني والسيد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي طه نجف والشيخ مجتبى العراقي، الناشر : مكتب انتشارات إسلامي، ط الأولى، 1407ه_.
10 . الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة، الشيخ شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (الشهيد الأوّل)(قدس سره)(ت786ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم المقدسة، ط الثانية، 1417ه_.
11. الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية، الشيخ زين الدين الجبعي العاملي (الشهيد الثاني)(قدس سره)(ت 965ه_)، تحقيق وتعليق : السَّيّد محمّد كلانتر(قدس سره)، نشر: جامعة النجف الدينية، ط 2 ، سنة الطبع : 1398ه_.
12 . السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، الشيخ أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي(قدس سره)(ت598ه_)، تحقيق: لجنة التحقيق، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين - قم ، ط الثانية، 1410ه_.
13. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّيّ (المحقق)(قدس سره)(ت 676ه_)، تعليق : السّيّد صادق الشيرازي، الناشر :
ص: 93
انتشارات استقلال طهران، ط. الثانية، 1409ه_.
14 . العروة الوثقى، السّيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي(قدس سره)(ت1337ه_ ) تعليق: عدة من الفقهاء العظام، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط. الأولى، 1417ه_.
15 . غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي(قدس سره)(ت 585ه_)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر : مؤسّسة الإمام الصادق(علیه السّلام)، المطبعة اعتماد - قم، ط الأولى، 1417 .
16 . فتح العزيز ، أبو القاسم عبد الكريم محمّد الرافعي (ت 623ه_)، الناشر: دار الفكر .
17 . الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(علیه السّلام)، تحقيق: مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)لإحياء التراث - -
قم المقدسة، الناشر : المؤتمر العالمي للإمام الرضا(علیه السّلام) - مشهد المقدّسة، ط الأولى، 1406ه_.
18 . فقه الصادق، السيّد محمّد صادق الحسيني الروحاني دام ظله ، الناشر : دار الكتاب - قم
المقدّسة، المطبعة: العلميّة، ط الثانية، 1412ه_.
19 . الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري الناشر : دار الثقلين - بيروت، ط الأولى، 1419ه_.
20 . قرب الإسناد، الشيخ أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري(قدس سره)(ت304ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)لإحياء التراث - قم، ط الأولى، 1413ه_.
21 . الكافي في الفقه، الشيخ أبو الصلاح تقي الدين بن نجم بن عبيد الحلبي(قدس سره)(ت 447ھ)، تحقيق: الشيخ رضا أستادي، الناشر : مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي(علیه السّلام)- أصفهان.
ص: 94
22 . الكافي، ثقة الإسلام الشّيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي(قدس سره)(ت
329ه_)، تحقيق: قسم إحياء التراث مركز بحوث دار الحديث، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر، المطبعة: دار الحديث - قم - إيران، ط الثانية، 1430ه_.
23. كامل الزيارات، الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي(قدس سره)(ت 368ه_)، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، ط الأولى، 1417ه_.
24 . كشف الرموز في شرح المختصر النافع، الشيخ زين الدين أبو علي الحسن بن أبي طالب بن أبي المجد اليوسفي(قدس سره)(ت 690ه_)، تحقيق : الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم المقدسة، سنة الطبع : 1408ه_.
25 . لسان العرب، أبو الفضل جمال الدین محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، الناشر : دار الفكر للنشر والتوزيع - بيروت، ط الثالثة.
26 . اللمعة الدمشقية، الشيخ شمس الدين محمّد بن مكي العاملي (الشهيد الأوّل)(قدس سره)( ت786ه_)، تحقيق الشيخ رضا مختاري والسيد حسين الشفيعي، الناشر: دار التراث، الدار الإسلامية، ط الأولى، 1410ه_.
27 . المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي(قدس سره)، (ت 460 ه_)، تصحيح وتعليق : السيد محمّد تقي الكشفي، الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، المطبعة الحيدرية - طهران، ط الثالثة، 1387ه_.
28. المجموع شرح المهذب، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت676ه_)، الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر.
ص: 95
29 . مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر (العلّامة الحلّي)(قدس سره)(ت 726ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين - قم المقدسة، 1412ه_.ق.
30. مستمسك العروة الوثقى، السيّد محسن الطباطبائي الحكيم(قدس سره)(ت1390ه_)، الناشر: مؤسسة التاريخ العربي.
31 . المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد (الراغب الأصفهاني) (ت502 ه_)، الناشر: دفتر نشر: الكتاب، ط الثانية، 1404ه_.
32. المقنع، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي (الصدوق)(قدس سره)(ت 381ه_)، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام الهادي السنة، المطبعة: اعتماد، ط الأولى، 1415ه_.
33. المقنعة، الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ . المفيد)(قدس سره)(ت 413ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين - قم المقدّسة، ط. الثانية، 1410ه_.
34 . من لا يحضره الفقيه الشيخ محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي قل ت 381ه_)، الناشر : دار الكتب الإسلامية.
35. منهاج الصالحين، سماحة السيد علي الحسيني السيستاني .طبعة منقحة ومصححة 1439ه_.
36. مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، السيّد عبد الأعلى الموسوي السبزواري(قدس سره)(ت 1414ه_)، الناشر : مكتب السيّد السبزواري، مؤسسة المنار، المطبعة: فروردين،ط الرابعة، 1413ه_.
ص: 96
3. المهذّب، الشيخ عبد العزيز بن البراج الطرابلسي (ت 481ه_)، إعداد مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة، الناشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين - قم المقدسة، ط الأولى، 1406ه_
38. موسوعة السيد الخوئي(قدس سره)، تحقيق ونشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي(قدس سره) - قم، ط الأولى، 1418ه_.
39 . النوادر، الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي(قدس سره)(ت ق3)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي(علیه السّلام) - قم المقدسة، ط الأولى، 1408ه_.
40 . الهداية في الأصول والفروع، الشيخ أبو جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي(قدس سره)(ت381ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام الهادي(علیه السّلام)، المطبعة: اعتماد - قم المقدسة، ط الأولى، 1418 .
41 . الوافي، الشيخ محمّد بن محسن (الفيض الكاشاني)(قدس سره)(ت 1091ه_)، تحقيق: السيد ( ) ( ضياء الدين الحسيني الأصفهاني، الناشر: مكتبة أمير المؤمنين علي(علیه السّلام)العامة - أصفهان، المطبعة: أفست نشاط - أصفهان، ط الأولى، 1406ه_.
42 . وسائل الشيعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي(قدس سره)(ت1104ه_)، تحقيق: مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)لإحياء التراث.
ص: 97
ص: 98
الشيخ وليد العامري
كثيرة هي المسائل التي تؤثر في عملية الاستنباط،
وتختلف النتيجة الفقهيّة بحسب ما يلتزم الفقيه حيالها.
والتبعيض فى الحجّيّة بين فقرات الكلام الواحد هي واحدة من تلك المسائل التي لم يُسلّط عليها الضوء بهذا العنوان رغم ما لها من تأثير في الفقه.
والبحث الذي بين يديك - عزيزي القارئ - محاولةٌ الجمع موارد المسألة تحت عناوين عامة، وتقسيم كلّ
مورد إلى فروض وصور، ومعرفة الأصل في كلّ منها.
ص: 99
ص: 100
المقدمة
بِسْمِ اللَّ_هِ الرَّحْمَ_ٰنِ الرَّحِيمِ
التبعيض والتفكيك في الحجّيّة بين فقرات الرواية الواحدة من المسائل التي يكثر ورودها والابتلاء بها في الروايات، وبالتالي فإنّ تأثيرها على عملية الاستنباط الفقهي غير خفي على المتابع.
وعلى الرغم من ذلك فقد بحثت بعض موارد مسألة التبعيض أُصوليّاً ضمن جزئيات مسائل أخرى، ومن دون تسليط الضوء عليها من هذه الجهة وبهذا العنوان، وبعضها لم تبحث أصلاً. وإنّما يراد بهذا البحث التأصيل لها - بالاستناد إلى أبحاث الأعلام - وجمع مواردها تحت عناوين عامة، وتقسيم كل مورد إلى فروض وصور، ومعرفة الأصل في كل فرض وصورة، وقد يختلف القول بالحجية من عدمه باختلافها.
والموارد المهمّة التي تمثل العناوين العامّة لهذه المسألة أربعة، سيكون البحث على وفقها:
ص: 101
المورد الأوّل: ما إذا كانت بين الفقرتين في الكلام الواحد علاقة القرينة وذي القرينة، وفيه فرضان رئیسان:
الفرض الأوّل: أن تقع القرينة في نفس جملة ذي القرينة.
الفرض الثاني: أن تقع القرينة في جملة مستقلّة أُخرى ولكن في نفس الخطاب.
المورد الثاني: ما إذا كانت هناك جمل متعدّدة واقعة في كلام واحد، ولم تكن العلاقة بينها علاقة القرينة وذي القرينة، وفيه أيضاً فرضان رئيسان:
الفرض الأوّل: أن لا يكون بين الفقرتين نوع ارتباط.
الفرض الثاني: أن يكون بينهما نوع ارتباط.
المورد الثالث: التبعيض في المداليل الالتزاميّة، وفيه فرضان رئيسان كذلك:
الفرض الأوّل: التبعيض بين المدلول المطابقيّ والالتزامي، بأن يكون الساقط عن الحجية هو المدلول المطابقي.
الفرض الثاني: التبعيض بين المداليل الالتزامية أنفسها.
المورد الرابع: التبعيض في المداليل التضمّنية.
ويلي ذلك تذييل: في قرينية وحدة السياق.
ص: 102
وهو ما إذا كانت بين الفقرتين في الكلام الواحد علاقة القرينة وذي القرينة، فإذا سقطت القرينة - مثلاً - عن الحجّيّة وفي نفس الآن توفّرت شروط الحجيّة في ذي القرينة، فهل يوجب ذلك السقوط عدم حجّيّة ذي القرينة أو لا؟
ولتحقيق ذلك نذكر الفروض المحتملة لهذا المورد:
الفرض الأوّل:
ما إذا كانت القرينة واقعة في نفس جملة ذي القرينة، كما في قولك (رأيت أسداً يرمي)، فإنّ (يرمي) تمثل قرينة متصلة على أنّ المراد ب_(أسد) هو الرجل الشجاع، وهي أيضاً لم تأتِ في جملة مستقلة عن ذي القرينة، وإنّما وقعت في الجملة نفسها.
ولبيان حكم هذا الفرض نحتاج إلى أن نتعرّف على العلاقة بينهما على مستوى المدلول التصوّري والمدلول الاستعمالي والمدلول التصديقي الجدي.
أما على مستوى المدلول التصوّري فلكل مفردة من مفردات الجملة التركيبية مدلول تصوّري خاص به، وفي الوقت نفسه يكون لذلك السياق أو الهيئة التركيبية لمجموع الجملة مدلول تصوّري. والكلام هو أنّ ذلك المدلول السياقي للجملة التركيبية - بعد انعقاده - هل يوجب تغيّر وتبدّل المدلول التصوّري لذي القرينة ، فلفظ (أسد) في المثال مدلوله التصوّري هو الحيوان المفترس، لكن وقوعه في ذلك السياق هل يوجب تبدّل مدلوله التصوّري إلى الرجل الشجاع؟
ص: 103
ذهب السيد الشهيد(قدس سره)إلى ذلك، حيث قال : (إنّ ضمّ كلمة "يرمي" إلى "أسد" أوجد سياقاً غيّر من الظهور التصوّري لكلمة "أسد"، وأنشأ ظهوراً تصوّريّاً آخر في الرجل الشجاع، وهو الذي يشكّل الظهور التصوّري الفعلي للكلام - إلى أن قال - وأمّا كيف يتكوّن للسياق ظهور تصوّري بحيث قد يغلب الظهور التصوّري الأوّلي للمفردات؟ فهذا يتم بأحد سببين:
الأوّل: أن يكون السياق بنفسه موضوعاً لإفادة صورة معيّنة، فكما أن وضع المفرد لمعناه يوجب دلالته التصوّريّة عليه كذلك وضع السياق لمعنى - من قبيل وضع التكرار للتأكيد - يوجب الدلالة التصوّريّة للسياق على ذلك المعنى.
الثاني: أن يكون نتيجة للأنس الذهني ، ففي مثل جملة "رأيت أسداً يرمي " لو لاحظنا الظهورات التصوّرية لمفردات السياق نجد أنّ لدينا صورتين على مستوى التصوّر:
إحداهما صورة مطابقة لما تقتضيه المفردات بطبعها الأوّل الذي وضعت له في اللغة، وهي صورة حيوان مفترس بين يديه قوس وسهم يرمي بهما. وصورة أُخرى ثانوية تدلّ عليها المفردات بملاحظة مناسبتها للصورة الأولى، وهي صورة رجل شجاع يرمي بالسهم. ورغم أنّ الأولى، هي الصورة التي تتطابق مع المدلول الأولي للمفردات مع ذلك تستقرّ في الذهن بلا تأمّل أو تردّد الصورة الثانية؛ لبعد الصورة الأولى عن الذهن، وعدم اعتياده على رؤيتها، فتكون هذه الغربة وعدم الأنس الذهني سبباً لخطور الصورة الثانية - إلى أن قال - هذا إذا كانت القرينة نصاً في معناها بحيث لم يكن يحتمل التأويل فيها، وأمّا إذا كانت تحتمل التأويل ... فبحاجة إلى إضافة نكتة زائدة، وهذه النكتة بالإمكان تصويرها بأحد نحوين:
الأوّل: أن تكون الدلالة التصوّريّة في أحدهما أقوى من دلالتها في الآخر، فتتغلب
ص: 104
عليها في مرحلة إخطار المعنى إلى ذهن المخاطب ...
الثاني: أنّ الظهور التصوّري لكلّ ما يكون ذيلاً في الكلام وفضلة يتقدّم على الظهور التصوّري لكلّ ما يكون متقدّماً عليه، وركناً من الكلام)(1).
وعلى ضوء هذا التفسير والتحليل لا يبقى مجال الجريان التبعيض في هذا الفرض، فإنّ القرينة لما كانت تساهم في تغيير المدلول التصوّري لمفردة (أسد) حسب الفرض، فسقوطها يوجب - لا أقل - الإجمال في المدلول التصوّري لتلك المفردة، فلا تشملها حجّيّة الظهور.
نعم، يمكن الملاحظة على أصل هذا التحليل بأنّ السياق التركيبي للكلام إنّما يؤثر في المدلول الاستعمالي دون التصوّري لمفردات ذلك التركيب، فالمدلول التصوّري لمفردة (أسد) في المثال يبقى على حاله - أي الحيوان المفترس - وإنّما الذي تغيّر هو مدلوله الاستعمالي.
توضيح ذلك : المفروض أنّ (أسد) في المثال قد استعمل في أوّل الأمر على نحو المجاز في الرجل الشجاع، والدلالة المجازية من شؤون مرحلة المدلول الاستعمالي لا التصوّري، فهناك بحث بين الأعلام في منشأ دلالة اللفظ على المعنى المجازي، وقد ذكر السيد الشهيد(قدس سره)(2)أنّ نفس وضع اللفظ لمعناه الحقيقي يوجب صلاحية دلالته على معناه المجازي، وهذه الصلاحية والشأنيّة تصبح فعليّة بوجود القرينة، فتوجد حينئذ هناك دلالتان تصوريتان طوليّتان، فمع فعليّة الأولى تصبح الثانية شأنية وبالعكس. لكن الكلام في أنّه متى تُمنع فعليّة دلالته على معناه الحقيقي؟
ص: 105
والجواب واضح؛ فإنّ ذلك إنما يتمّ مع وجود القرينة، فهناك تعارض يحصل بين فعلية دلالته على معناه الحقيقي - والذي هو ناشئ عن الوضع - وفعلية دلالته على معناه المجازي، والتعارض فرع تحقق المتعارضين - أي المدلول التصوّري الحقيقي والمدلول التصوّري للقرينة -، فالمدلول التصوّريّ الحقيقي محفوظ في ذلك الاستعمال والسياق التركيبي، وإنّما الذي أثر به هو لحوق القرينة له، وهذا هو المتحقق من تأثير السياق التركيبي على تلك المفردة وبقيّة المفردات، فالتأثير حصل بعد تماميّة المدلول التصوّري لتلك المفردة.
وبعبارة أُخرى: إنّ هناك تعارضاً بين المدلول التصوّري للمفردتين في مثال: (رأيت أسداً يرمي)، وتقديم أحدهما يتم بأحد نحوين كما تقدم:
الأوّل: الأقوائيّة. ودعوى أنّها تلغي المدلول التصوّري تخالف ذلك التنافي والتعارض الذي هو متفرّع - كما عرفت - عن تحقق المدلول التصوّري، فالتنافي يتمّ حينئذ في مرحلة المدلول الاستعمالي.
الثاني : تقديم ما هو فضلة وذيل في الكلام، فإنّ مقام تحديد المراد النهائي فرع وجود مدلولات تصوّريّة، والكلام يكون حينئذٍ في أنّها استعملت في نفس تلك المداليل التصوّريّة أو في غيرها؟
وعلى كل حال، فدعوى أن السياق سيغيّر ويفني المداليل التصوّرية الأولية للمفردات فيه نحو من الانقلاب، فبعد أن تحقق المدلول التصوّري لتلك المفردة لا معنى لزواله وفنائه بسبب تأثير ما هو لاحق له. نعم، عدم تطابق المدلول الاستعمالي له مع ذلك المدلول التصوّري هو الصحيح والموافق للوجدان والاستعمالات اللغوية.
وأما مسألة الأُنس الذهني التي ذُكرت كدليل على ذلك فيرد عليها: أنّه ليس كلّ
ص: 106
أنس ذهني يؤدّي إلى تغيير المدلول التصوّري لتلك المفردة، وإنما الأنس الذهني المجرّد عن القرينة هو الذي يؤدّي إلى ذلك، ومرجعه إلى التبادر ورسوخ القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى، والذي هو أحد علامات المعنى الحقيقي.
وأمّا الأُنس الذهنيّ الناشئ عن القرينة فلا يتجاوز المعنى المجازي، ومورده - كما عرفت - المدلول الاستعمالي لا التصوّريّ، وكلامنا من هذا القبيل كما هو المفروض، فذلك الأنس والخطور الذهني غير المتردَّد فيه إنما هو للمدلول الاستعمالي دون التصوّري.
هذا، وقد قال بعض المحققين معلّقاً على الكلام المتقدم للسيد الشهيد(قدس سره): (قرينة المجاز غالباً تكون قرينة على المدلول الاستعمالي التصديقي لا على المدلول التصوّري، فينبغي ذكره في القرينة المتصلة على المدلول والظهور الاستعمالي - إلى أن قال - وما ذُكر من أنّ فضلة الكلام تناسب القرينة صحيح بلحاظ المدلول الاستعمالي؛ لأنّ المتكلّم في مقام تعيين مراده الاستعمالي أو الجدي - أي التصديقي - يختار فضلة الكلام لا صدر كلامه - كما ذكر في الكتاب ، فهذا البيان لا بدّ من نقله إلى قسم القرينة المتصلة على المدلول الاستعمالي التصديقي، وكأنه وقع خلط في الكتاب من هذه الناحية، ولهذا لم يذكر فيه مثالاً للقرينة المتصلة بلحاظ المدلول الاستعمالي)(1).
وبناءً على ذلك يمكن التبعيض في الحجّيّة، وذلك بأن نقول: إن سقوط القرينة عن الحجّيّة يعني أنها لم تعد إعداداً نوعياً لتفسّر ذا القرينة؛ وذلك لأنّ العرف لا يرى المفسّرية إلّا إذا كان الكلام صالحاً ومقتضياً لذلك، وأمّا إذا لم يكن صالحاً لذلك فكيف له أن يفسّر أو يخصص أو يقيّد ذا القرينة، فإنّ تقدّم القرينة على ذي القرينة إنّما يتم بعد وقوع
ص: 107
التعارض بينهما، ومن الواضح أن التعارض إنما يتحقق بين طرفين فيهما مقتضي التعارض، بأن يكون صالحاً للحجّيّة بما هو هو، وأمّا إذا كان ساقطاً عن الحجية من الأساس وغير صالح للحجّيّة من أوّل الأمر فلا يقع طرفاً للتعارض.
وبعبارة أخرى: إنّ المقتضي لحجيّة ذي القرينة متحقق؛ إذ المفروض انعقاد مدلوله التصوّري، وبأصالة التطابق نثبت أنّ المدلول الاستعمالي له كان على طبق ذلك المدلول التصوّري، وبأصالة التطابق أيضاً نثبت أنّ مدلوله الجدي كان على طبق مدلوله الاستعمالي. وإجراء أصالة التطابق إنّما يتمّ مع عدم وجود المانع، وإلا فمع وجود المانع - كالقرينة - فالمدلول الاستعمالي أو الجديّ سيكون على طبق مؤداها، فتكون القرينة مانعةً عن تأثير المقتضي في ذي القرينة، فهي تمثل المانع عن ثبوت الحجية على طبق المدلول التصوّري لذي القرينة.
وأما مع سقوطها عن الحجّيّة وسلب الكشف عنها فذلك يعني أن مقتضى المانعيّة فيها قد ارتفع، وبالتالي عدم صلاحيتها لأن تكون مانعاً عن تأثير المقتضي في ذي القرينة على طبق المدلول التصوّري، فلا تقع طرفاً في معارضة المدلول الاستعمالي لذي القرينة.
ولا يرد على ذلك بأن سقوط القرينة عن الحجّيّة وإن كان يمنع من تفسير القرينة على طبقها، لكنّ اتصال تلك القرينة يوجب الإجمال في ذي القرينة، وبالتالي لا تنعقد الحجّيّة على طبق ظهوره
فإنّه يجاب عنه بنفس ما تقدّم من أنّ الموجب للإجمال إنّما هو ما كان له درجة من التأثير والمانعيّة، والمفروض أنّ ذلك غير متحقق في القرينة، وهذا بخلاف ما إذا كانت القرينة مجملة ولو بسبب معارض خارجي.
إذا التبعيض في الحجّيّة في هذا الفرض ممكن، لكن الكلام في شمول دليل الحجّيّة
ص: 108
- السيرة العقلائية - له، وهذا الأمر يجري في بقية الموارد والفروض الآتية أيضاً، وتحقيق الحال فيه يأتي في آخر البحث إن شاء الله تعالى.
الفرض الثاني:
ما إذا كانت القرينة من قبيل القرينة المتصلة المستقلة، أي القرينة التي تأتي في جملة مستقلة عن الجملة الأولى - ذي القرينة ، ولكن في نفس الخطاب الواحد.
ومثال ذلك صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)يقول: (كلّ من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضالّ متحيّر، والله شانئ لأعماله ، ومَثَله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنّت إليها واغترّت بها، فباتت معها في مربضها فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها واغترت بها، فصاح بها الراعي: الحقي براعيك وقطيعك، فأنت تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة، متحيّرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها، فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأُمّة لا إمام له من الله عزّ وجلّ ظاهر عادل ، أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق . . )(1).
والمراد من ذي القرينة هو (الإمام) الوارد في صدر الرواية (ولا إمام له من الله)، وأمّا القرينة فهو قوله(علیه السّلام): (ظاهر عادل) الواردة في ذيل الرواية، بناءً على تفسير (ظاهر)
ص: 109
بالظاهر في قبال الغائب، وحينئذ يكون المراد من (الإمام) في صدر الرواية هو خصوص الإمام الظاهر في قبال الغائب، وهذا المعنى مما لا يمكن الالتزام به، وهو ساقط عن الحجّيّة كما هو واضح ؛ فإنّ الإمام المفترض الطاعة أعمّ من الحاضر والغائب.
وعليه فإن قلنا بالتبعيض وعدم تأثير القرينة المستقلّة الساقطة عن الحجيّة على ذي القرينة فيؤخذ بإطلاق لفظ (الإمام) في صدر الرواية للظاهر والغائب. وإن لم نقل بالتبعيض فسقوط القرينة سيؤثر حينئذ في ذي القرينة، وبالتالي تسقط الرواية عن الحجيّة.
والصحيح هنا إمكان التبعيض بالبيان المتقدّم في الفرض السابق، بل جريانه هنا أولى؛ فإنّ كون محلّ التعارض هو المدلول الاستعمالي في هذا الفرض أوضح، بل حتى مثل السيد الشهيد(قدس سره)الذي جعل السياق التركيبي موجباً لتغيّر المدلول التصوّري للمفردات التركيبية أنكر ذلك في سياق الجملتين المتعاقبتين، مما يعني إجراء أصالة
التطابق بين المداليل التصوّريّة والتصديقيّة، وبالتالي إمكان التبعيض في الحجية، حيث قال: (إلّا أنّ هذه المحاولة مما لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ هذا الظهور التصوّري الثالث إنّما يكون بأحد منشأين الوضع، أو الغرابة وعدم أُنس الذهن للمعنى الأولي - على ما تقدّم شرحه في بحث القرينية ، والأوّل من هذين المنشأين عهدة ادعائه في المقام على مدعيها، إذ لم يثبت أن سياق التقارن بين جملتين إحداهما أعمّ من الأُخرى موضوع لغةً لمدلول تصوّري ثالث. والثاني منهما أيضاً لا ينطبق في المقام؛ لأنّ الحديث في هذا القسم عن جملتين مستقلتين يوجد بينهما التناقض المنطقي، وواضح أن عدم التناقض من شؤون مرحلة المدلول التصديقي لا التصوّري، فلا يكون منشأ للتأثير في المداليل التصوّريّة)(1).
ص: 110
أن لا تكون بين الفقرتين أو الموضوعين في الكلام الواحد علاقة القرينة وذي القرينة.
ويندرج تحت هذا المورد فرضان:
الفرض الأوّل:
عدم وجود ارتباط بينها، فيكون بعضها مستقلاً عن البعض الآخر، بمعنى تعدّد موضوعها وعدم كون إحداها ناظرة ومفسّرة للأُخرى، فلا توجد بينها علاقة القرينة وذي القرينة ، وكذا لا تكون بينها علاقة الكبرى والصغرى، أو العلّة والمعلول.
ومثال ذلك: صحيحة علي بن مهزيار، قال: كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان، ثم استحاضت، فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب(علیه السّلام): (تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها)(1)، فقد دلّت على عدم قضاء الصلاة مع أنّه لم يقل به أحد، فإنّ فتوى الفقهاء على أنّ وظيفتها الصلاة، وصحتها مشروطة بالإتيان بالأغسال المعينة لها، وقد ذهب جملة من الأعلام إلى التفكيك والتبعيض في الحجّيّة هنا، فقالوا بحجّيّة فقرة: تقضي صومها)، وعدم حجّيّة فقرة: (لا تقضي صلاتها).
ص: 111
قال في الجواهر : (إن خروج بعض الخبر عن الحجّيّة لا يخرجها تماماً عنها؛ إذ هو بمنزلة أخبار متعدّدة، فلا يبعد وهم الراوي في بعض دون بعض)(1)، وفي الحدائق: (وجُلّ الأصحاب قد عملوا بالخبر في الحكم الأوّل وتركوا الحكم الثاني)(2).
في حين ذهب البعض الآخر إلى عدم التفكيك بين فقراتها، قال في مصباح الفقيه: (وما يقال من أنّ هذا - أي كون بعض فقرات الرواية مطروحة - لا يخرجها من الحجية فيما عداها جمود بحت في مثل المورد؛ إذ لا نقول بحجّيّة الأخبار من باب السببية المحضة تعبداً من حيث السند أو الدلالة حتى نلتزم بمثل هذه التفكيكات، وإنّما نلتزم بعدم خروج بعض الفقرات من الحجّيّة بخروج بعض آخر إذا تطرّق احتمال خلل في الفقرة المطروحة يخصها، من قبيل السقط والتحريف والاشتباه والتقيّة ونحوها، وأما مثل هذه الرواية التي يشهد سوقها ،وتعليلها، ومخالفة مدلولها للعامّة، باشتراك الفقرتين في الاحتمالات المتطرّقة، وعدم اختصاص ثانيتهما باحتمال يُعتد به، فالتفكيك في غاية الإشكال، وليس ارتكابه مع استلزامه الكذب على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)إن لم يقصد به التورية - أهون من نسبة الغفلة أو الاشتباه إلى الراوي في فهم الرواية أو نقلها)(3).
وكذا أورد السيد الخوئي على التبعيض في الرواية: (بأنّ ذلك إنّما هو فيما إذا لم تكن الجملتان متصلتين ومرتبطتين على نحو عدّتا عرفاً جملة واحدة، وأما إذا كانتا مرتبطتين كذلك فلا مورد لهذا الكلام، والأمر في المقام كذلك ؛ لأنهما من الارتباط بمكان يعدان جملة واحدة، فإنّ قوله(علیه السّلام): "لا تقضي صلاتها، وتقضي صيامها" حكم واحد عرفاً،
ص: 112
فالتفكيك غير ممكن)(1).
والذي يظهر من كلماتهم أنّ الملاك في التبعيض هو تحقق الارتباط العرفي بين الفقرتين من عدمه بحيث تُعدّان فقرة واحدة.
فالبحث كما هو واضح لا ينصب على البحث الدلالي، وإنما ينصب على البحث الصدوريّ، أي أنّ سقوط فقرة ومقطع في الرواية عن الحجية، وإحراز أنها غير مرادة جداً، هل يوجب سقوط الرواية برمتها، أو يقتصر في السقوط على تلك الفقرة بالخصوص، وتبقى بقيّة فقرات الرواية مشمولة لأدلّة الحجيّة؟
ولتحقيق ذلك نحتاج لبيان أهم المناشئ المحتملة لسقوط تلك الفقرة التي هي في الحقيقة نفس المناشئ المحتملة لسقوط أيّة رواية في غير المقام، وأهم تلك المناشئ:
المنشأ الأوّل: احتمال الكذب، وأنّ الراوي تعمّد نقل ذلك المقطع كذباً، ولو تعيّن هذا الاحتمال فمن الواضح سريانه إلى الرواية بتمامها، لكنّ الكلام في تعينه، فإنّه مدفوع بوثاقة الراوي كما هو واضح.
المنشأ الثاني: احتمال غفلة الناقل في نقل ذلك المقطع الساقط عن الحجية، فذكره يكون زائداً ، وهو على تقدير تحققه سيؤثر على بقية الفقرات في الخبر؛ لسلب الكشف والوثاقة عن ذلك الخبر برمته. ولكن الكلام أيضاً في تحققه؛ فإنّه مدفوع بأصالة عدم الغفلة.
المنشأ الثالث: فيما إذا كان سقوط تلك الفقرة بسبب التقية، فحينئذ قد يقال بأنه مع إحراز جهة الصدور في بعض الفقرات، وأنها لم تصدر من جهة بيان الحكم الواقعي، وإنّما صدرت لأجل التقيّة، فإنّ ذلك يوجب على الأقل التشكيك في جهة الصدور في الرواية
ص: 113
ككل، ومع عدم إحراز جهة الصدور لا تكون الرواية مشمولة لأدلّة الحجيّة.
وفيه: أنّ المرجع في مثل هذه الموارد - التي يكون الشكّ فيها شكاً في جهة صدور كلام المتكلّم ، وأنّ كلامه صدر لبيان الحكم الواقعي، أو أنه صدر عنه لتقيّة، أو لهزل، ونحوها من جهة عدم بيان الحكم الواقعي - هو أصالة الجهة التي يثبت بها أنّ المتكلّم كان مريداً لبيان الحكم الواقعي إرادة جديّة؛ فإنّ التباني العقلائي قائم على أنّ ظاهر حال المتكلّم هو كونه في مقام بيان الحكم الواقعي، وأنه يريد ذلك الحكم جدّاً.
إذاً موضوع أصالة الجهة - كما ذُكر في محلّه - هو ظهور حال المتكلّم في بيان الحكم الواقعي، وحينئذٍ نقول: إنّ الفقرات المتعدّدة وغير المترابطة في الخبر الواحد لما كان لكلّ فقرة منها ظهورها التصوّري والاستعمالي والجدي، وأنّ المتكلّم يريد ذلك الحكم جدّاً، وأنّه هو الحكم الواقعي، من غير علاقة مع الظهور التصوّري أو الاستعمالي أو الجدي للفقرة الأخرى، فذلك يعني أنّ كلّ فقرة تحقق موضوع أصالة الجهة بصورة مستقلة عن بقية الفقرات.
وبعبارة أُخرى: إن أصالة الجهة تنحل وتتعدّد بتعدد الفقرات المحققة لموضوعها، وعليه فالمقتضي الجريان أصالة الجهة في كلّ فقرة متحقق، ولا بد لمنع جريانها من فرض وجود مانع يمنع من ذلك، والمانع المفروض هو صدور الفقرة الأخرى تقيّة، ولكن مانعيّته تتم إذا تمثل بأحد محتملات:
أ. أنه مانع من أصل تحقق أصالة الجهة.
ويرد عليه ما تقدّم آنفاً.
ب. أنّه يمثل قرينة على أنّ الفقرة الأولى صدرت تقيّة كذلك.
وفيه: أنّ المدار في صدور الخبر تقيّة هو موافقته للعامة مع معارضته لدليل حجّة، أو
ص: 114
وجود قرينة تصرّح بذلك، وهذا مفقود في المقام ؛ فإنّ المفروض أنّ الفقرة الأولى بحدّ ذاتها لم تصدر تقيّة، فتبقى أصالة الجهة هي المحكمة بعد تحقق موضوعها حسب الفرض.
إذاً، الوقوع في سياق فقرة صادرة على نحو التقيّة لا يمثل قرينة على حمل الفقرة الأخرى على التقية.
المنشأ الرابع: أن يكون سقوط تلك الفقرة ناشئاً من الإجمال.
و مما تقدّم اتضح عدم تأثيره، وبالتالي إمكان التبعيض.
المنشأ الخامس: عدم شمول أدلّة الحجيّة لهكذا خبر، باعتبار أن مدرك حجّيّة الظهور هو السيرة، ولا جزم بأنّ سيرة العقلاء قائمة على التفكيك في أمثال هكذا موارد ، ولمّا كانت السيرة دليلاً لبيّاً فيقتصر فيها على القدر المتيقن، وسيأتي الجواب عن ذلك في آخر البحث إن شاء الله تعالى.
هذه هي أهم المناشئ المحتملة لسقوط أيّة فقرة من رواية عن الحجيّة، وقد اتضح أنّه يقتصر في السقوط على الفقرة التي تحقق فيها منشأ السقوط، ولا يتعدّى منها إلى بقية الفقرات.
و مما تقدّم يتضح ما في كلام مصباح الفقيه المتقدّم؛ فإنّ مفروض الكلام هو سقوط إحدى فقرات الحجّيّة لأي سبب كان، والكاشف عن ذلك هو عدم القول بمقتضى تلك الفقرة، وأمّا منشأ ذلك السقوط فاحتمالاته متعدّدة كما تقدم، وإحراز تحققها جميعاً في الفقرتين من الصعوبة بمكان، خصوصاً في مورد صحيحة ابن مهزيار المتقدّمة، والتي يوجد إجماع واتفاق - على ما ذكروا ولا أقل من الشهرة على الفتوى - على مضمون الفقرة الأولى (قضاء الصوم)، وهجران الفقرة الثانية (عدم قضاء الصلاة)، مما يوجب احتمالاً مُعتدّاً به على عدم تحقق ذلك المنشأ في الفقرة الأولى، وذلك كافٍ في تحقق الاختلاف بين
ص: 115
المفقرتین.
وأمّا الشواهد التي ذكرها(قدس سره)على ذلك الارتباط فهي:
1- سياق الرواية، أي أنّ الرواية مسوقة لبيان التفصيل بين الصلاة والصوم.
ويرد عليه: أنّ التفصيل المذكور لا يلزم منه بالضرورة الارتباط المدعى بحيث تكون بمثابة الجملة الواحدة، فإنّ لنا في المقام جملتين تامّتين لكلّ منهما حكمها وموضوعها المستقل، القضاء وموضوعه الصوم، وعدم القضاء وموضوعه الصلاة، ولما كان السؤال عن كلا الموضوعين، وكان حكمهما مختلفاً حسب مدلول الرواية، كان من الطبيعي أن يفصل في الحكم بينهما، بل حتى لو كان التفصيل في الجواب مع كون السؤال عن الأعمّ - كأن يسأل السائل عن حكم المستحاضة في شهر رمضان - فإنّ التفصيل المذكور لا يضرّ بتعدد الجمل بعد تمامية كل جملة كما تقدّم.
ولعلّه لأجل ذلك عدل السيّد الخوئي(قدس سره)عن القول بعدم التفكيك - كما تقدّم - إلى القول بالتفكيك والتبعيض في فقرات هذه الصحيحة، وذلك عند تعرّضه لها في كتاب الصوم، حيث قال: (واشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب من عدم قضاء الصلاة غير قادح في الاستدلال؛ ضرورة أن التفكيك بين فقرات الحديث في الحجية غير عزيز، فتُطرح تلك الفقرة وتحمل على خطأ الراوي واشتباهه في النقل)(1).
الفرض الثاني:
أن يكون بين الفقرتين أو الموضوعين نوع ارتباط، وهو على صور:
الصورة الأولى: أن تكون هناك جملة واحدة سقط بعضها عن الحجيّة، ومثال ذلك
ص: 116
معتبرة سعيد الأعرج، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن الفأرة والكلب يقع في السمن والزيت، ثم يخرج منه حياً؟ قال: (لا بأس بأكله)(1)، فقد حكمت بجواز الأكل من ذلك الزيت الذي وقع فيه الكلب مما يعني طهارة الكلب، وإلا فلا معنى لذلك مع ثبوت سريان نجاسة العين النجسة - ومنها الكلب - إلى الملاقي له، وذلك ساقط جزماً.
إذاً، هناك موضوعان لحكم واحد في جملة واحدة، هما الفأرة والكلب، وظاهر حكمهما هو الطهارة، وهو ساقط جزماً في الكلب، فهل يوجب ذلك سقوط الحكم في الموضوع الآخر وهو الفأرة في المثال؟
ذهب السيد الشهيد(قدس سره)إلى سقوط ذلك الحكم في الموضوع الآخر أيضاً، حيث قال: (نعم، هنا إشكال في الرواية ينشأ من عطف الكلب على الفأرة مع الدليل القطعي على نجاسته، وهو يوجب وهناً في الرواية: إما للتشكيك في جريان أصالة الجدّ بلحاظ جزءٍ من الكلام بعد سقوطها بلحاظ جزء آخر ؛ لاختلال الكشف النوعي الذي هو ملاك حجيتها عقلائياً بالاطلاع على تواجد حالة التقيّة في شخص ذلك الكلام. وإما لكون الرواية مخالفة للسنة القطعية بلحاظ جزء من مفادها ، وبعد عدم إمكان التفكيك عرفاً فيالتعبّد بالصدور بين كلمة وكلمة تسقط الرواية بتمامها عن الحجية)(2).
وهذان الإشكالان سيّالان في جميع موارد التبعيض في الحجيّة، وسيأتي التعرّض لهما و مناقشتهما في آخر البحث.
لكن وبقطع النظر عن هذه الإشكالات فالكلام الذي تقدّم في المورد الأوّل، وكذا الفرض السابق من هذا المورد يجري هنا أيضاً.
ص: 117
الصورة الثانية: أن تكون هناك جملتان، العلاقة بينهما علاقة الصغرى والكبرى.
وهذه الصورة ترجع إلى مسألة التبعيض في المداليل التضمنية الآتية - المورد الرابع - سواءً أكان الساقط عن الحجية هو الصغرى أم الكبرى.
أما في حالة سقوط الصغرى فهو واضح؛ لرجوعه إلى تخصيص الكبرى، فيقع الكلام حينئذٍ في حجّيّة العامّ في الباقي بعد التخصيص، وهي عين مسألة التبعيض في المداليل التضمّنيّة .
وأما في حالة كون الساقط عن الحجيّة هو الكبرى والعام، فقد ذكروا أنّ العام ينحل إلى دلالات تضمّنيّة تتعدّد بعدد الأفراد والصغريات، ولكلّ واحدٍ منها ملاكها المستقل في الحجية، فللصغرى حينئذٍ ملاكها المستقل في الحجّيّة، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان و تفصيل ذلك في المورد الرابع.
نعم، الساقط عن الحجّيّة في كلا الحالتين من قبيل المتصل المستقل، وقد تقدّم في الفرض الثاني من المورد الأوّل عدم مانعيّة ذلك من حجية الآخر عن السقوط.
جاء في صحيحة زرارة الثالثة المستدلّ بها على الاستصحاب، قال: قلت له: من لم يدر في أربع هو أم في اثنتين وقد أحرز الاثنتين ؟ قال : (يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب، ويتشهد، ولا شيء عليه، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها ركعة أُخرى، ولا شيء عليه، ولا ينقض اليقين بالشكّ، ولا يدخل الشكّ في اليقين فيبنى عليه، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات)(1)، وقد أشكل الشيخ الأنصاري(قدس سره)على الاستدلال بها بما لفظه: (ثم لو سُلّم ظهور الصحيحة في البناء على الأقل المطابق للاستصحاب، كان هناك صوارف عن هذا الظاهر، مثل:
ص: 118
تعيّن حملها حينئذٍ على التقيّة، وهو مخالف للأصل.
ثمّ ارتكاب الحمل على التقيّة في مورد الرواية، وحمل القاعدة المستشهد بها لهذا الحكم المخالف للواقع على بيان الواقع - ليكون التقيّة في إجراء القاعدة في المورد لا في نفسها - مخالفة أُخرى للظاهر وإن كان ممكناً في نفسه)(1).
وأجاب على ذلك الميرزا النائيني(قدس سره)بقوله: (لا إشكال في أنّ الحمل على التقيّة الذي هو خلاف الأصل إنّما يصار إليه ويرفع اليد عن مقتضى الأصل بمقدار الضرورة، ولا ريب أنّ الضرورة إنّما اقتضت الحمل عليها في خصوص المورد، فما الموجب لرفع اليد عن القاعدة المستشهد بها على حكم المورد؟ وأي مخالفة أُخرى للظاهر في ذلك! بل رفع اليد عن عن القاعدة في غير المورد خلاف الظاهر ، ونظير ذلك كثير في الفقه)(2).
الصورة الثالثة أن تكون بين الفقرتين علاقة العلة والمعلول.
و مرجع هذه الصورة في الحقيقة إلى الصورة السابقة، فقد ذكروا أنّ العلة المنصوصة تمثل الكبرى الكليّة والمعلول صغرى من صغرياتها، قال في أجود التقريرات: (إذا كانت علّة الحكم منصوصة، ونعني به ما كانت العلة المذكورة فيه واسطة في العروض لثبوت الحكم للموضوع المذكور في القضية، بأن يكون الموضوع الحقيقي هو العنوان المذكور في التعليل، ويكون ثبوته للموضوع المذكور من جهة انطباق ذلك العنوان عليه، كما في قضية لا تشرب الخمر فإنّه مسكر ، فإنّها ظاهرة في أنّ موضوع الحرمة فيها إنّما هو عنوان المسكر ، وحرمة الخمر إنّما هي من جهة انطباق ذلك العنوان عليه، فيسري الحكم
ص: 119
حينئذ إلى كل مسكر، فلا تبقى للخمر خصوصيّة في الحكم المذكور في القضيّة)(1).
ص: 120
التبعيض في المداليل الالتزامية
ولهذا المورد فرضان:
الفرض الأوّل: التبعيض بين المدلول المطابقي والالتزامي، بأن يكون الساقط عن الحجيّة هو المدلول المطابقيّ. فهل يكون المدلول الالتزامي متفرّعاً وتابعاً له في الحجيّة فيسقط بسقوطه - كما كان متفرّعاً عنه في وجوده - أو أنه غير تابع له في الحجية؟ فبالرغم من سقوط المدلول المطابقي عن الحجّيّة فإنّه لا يلزم منه بالضرورة سقوط المدلول الالتزامي عن الحجّيّة، أي هناك تبعيض بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي في الحجية .
وقبل الدخول في صميم البحث لا بد من استيضاح نوع العلاقة بين اللفظ والمدلول المطابقي من جهة، والمدلول الالتزامي من جهة أخرى، فنقول: ذكروا أنّ الملازمة بين شيئين على ثلاثة أنحاء:
النحو الأوّل: الملازمة البينة بالمعنى الأخصّ، وهي ما يكون نفس تصوّر الملزوم كافياً لإدراك الملازمة، وبلا حاجة إلى إدراك النسبة بين اللازم والملزوم، أو ضمّ مقدّمة خارجية.
النحو الثاني: الملازمة البينة بالمعنى الأعمّ، وهي ما تحتاج إلى تصوّر الملزوم واللازم والنسبة بينهما كي تكشف عن الملازمة.
النحو الثالث: الملازمة غير البيّنة، وهي ما احتاجت إلى ضم مقدّمات وجهات
ص: 121
أُخرى زائدة على تصوّر الملزوم واللازم والنسبة بينهما.
ثمّ إنّ النحو الأوّل هو الذي يدخل تحت الدلالة اللفظية؛ فإنّ وضوح ورسوخ العلاقة بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي، وسرعة انتقال الذهن إلى اللازم عند إطلاق الملزوم كان سبباً في دلالة اللفظ على ذلك المدلول الالتزامي، فاللفظ له مدلولان طوليان:
الأوّل: المدلول المطابقيّ ويدلّ عليه مباشرة وبلا واسطة .
والثاني : المدلول الالتزامي ويدلّ عليه بواسطة المدلول المطابقي.
وبعبارة بعض المحققين: (إذا أُطلق اللفظ انتقل الذهن منه إلى المعنى المطابقيّ مباشرة وإلى المعنى الالتزامي بالواسطة، وعليه فليس هنا ظهوران: أحدهما ظهور اللفظ في المعنى المطابقيّ، والآخر ظهوره في المعنى الالتزامي، بل له ظهور واحد مباشرة وهو ظهوره في المدلول المطابقي ، وأمّا ظهوره في المدلول الالتزامي فهو يتولّد منه بواسطة الملازمة بينهما ، لا أنّه ظهور له في عرض ظهوره في المدلول المطابقي.
فإذاً، ظهوره في المدلول الالتزامي معلول لأمرين: أحدهما: ظهوره في المدلول المطابقيّ، والآخر: وجود الملازمة بينهما، فلهذا يكون في طوله ومن مراتب وجوده)(1).
نعم، ظاهر بعض العبارات أنّ إطلاق الدلالة اللفظية عليها من باب المسامحة، وإلّا فهي في واقعها دلالة عقلية : ( واللفظ المذكور وهو القضيّة الشرعية وإن كانت لم تدلّ إلا على الملزوم، لكن لما كان لزوم ذلك اللازم بيّناً واضحاً قلنا إنّ اللفظ يدلّ عليه بنحو من المسامحة، وإلا فإنّ هذه الدلالة عقلية صرفة)(2).
ص: 122
والأقرب هو الأوّل، وأنّ إطلاق الدلالة اللفظية عليها على نحو الحقيقة لا المسامحة؛ فإنّ الدلالات لما كانت تمثل عملية انتقال ذهني بين طرفين - دال ومدلول - فهي بهذا اللحاظ كلّها عقلية، لكن الملاك في تقسيم الدلالات هو لحاظ أطراف تلك الدلالة؛ فإن كان طرف الدال لفظاً كانت الدلالة لفظية، وإن كان الدالّ معقولاً سُمّيت الدلالة عقلية، والمفروض أنّ الدالّ هنا هو اللفظ. نعم، لو كان الدال هو المدلول المطابقي - كما في النحوين الآتيين من الدلالة - لأصبحت الدلالة عقليّة صرفة .
وأما النحوان الثاني والثالث فهما من قبيل الدلالة العقليّة لا اللفظية، وقد أفاد السيد الشهيد(قدس سره)في بيان ذلك: (وهو أن يقال في كل دلالة التزاميّة - باستثناء ما هو لازم بيّن بالمعنى الأخص - : إنّه ليس عندنا دال واحد ومدلولان؛ فإنّ الدلالة الالتزامية في غير اللازم البين بالمعنى الأخص دلالة عقليّة وليست لفظية حتى يقال: عندنا دالّ واحد وهو اللفظ، ومدلولان وهما: المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي، بل عندنا دالان ومدلولان، فالدال الأوّل هو اللفظ، والمدلول الأول هو المعنى المطابقيّ، والدال الثاني هو نفس المدلول الأوّل وهو المعنى المطابقيّ، والمدلول الثاني هو المعنى الالتزامي)(1).
فالسبب الموجب لدلالة اللفظ على المدلول الالتزامي في النحو الأوّل - أي رسوخ ووضوح العلاقة بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي - غير متحقق في المقام.
ثُمَّ إِنّ الدلالة الالتزاميّة اللفظية لما كانت مدلولاً تصورياً للكلام فهي مع عدم القرينة المانعة تكون مدلولاً استعماليّاً للكلام، وكذا مدلولاً جدياً تصديقياً، فإنّ ذلك هو مقتضى التطابق بين المداليل الثلاثة للكلام.
نعم، ذهب المحقق الشيخ حسين الحلّي(قدس سره)إلى انعقاد الدلالة التصوّرية للمدلول
ص: 123
الالتزامي دون التصديقية، حيث قال: (ثُمَّ لا يخفى أنّ أهل المنطق وإن ذكروا أنّ اللزوم المعتبر في الدلالة الالتزاميّة هو اللزوم البين بالمعنى الأخصّ، كالبصر بالنسبة إلى العمى، فإنّ لفظ العمى يُحدِث معناه في ذهن السامع ، وحيث إنّ تصوّر معنى العمى لا ينفك عن تصوّر البصر قالوا إن دلالته عليه التزاميّة، فلا يكون ملاك الدلالة الالتزاميّة عندهم هو الملازمة الواقعية بين المعنيين، بل ملاكه هو الملازمة بين التصوّرين. و لا يخفى أن هذا إنّما يتأتى في الدلالة التصوّريّة التي هي عبارة عن حضور المعنى في ذهن السامع، دون الدلالة التصديقية التي هي عبارة عن الحكم على المتكلّم بأنّه أراد ذلك المعنى اللازم، ولا دخل لذلك بالتلازم بين التصوّرين، ومن الواضح أنّ هذه الدلالة لا دخل لها بالدلالة الالتزاميّة التي اصطلح عليها أهل المنطق، وجعلوا الملاك فيها هو اللزوم البين بالمعنى الأخصّ، فإنّ تلك الملازمة لا دخل لها بعالم الإرادة؛ إذ الغالب فيها أنّ المتكلّم لا يكون مريداً للازم وإن كان ذلك اللازم يحضر في ذهن السامع لكن لا يحكم السامع بأنّ المتكلّم أراد ذلك اللازم، وإلا لكان قوله تعالى : ﴿أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾(1) دالاً على أن جاءه البصير)(2).
أقول : للإجابة على ذلك نحتاج إلى معرفة حقيقة الدلالة الاستعماليّة، وأنّ المتكلم هل إرادته متعلّقة بإخطار المدلول المطابقي لكلامه فقط، أو أنها متعلّقة بالمدلول التصوّريّ الأعمّ من المطابقيّ والالتزامي؟
الصحيح هو الثاني، فإنّه بعد انعقاد المدلول التصوّري وشموله للمدلول الالتزامي - حسب الفرض - لا معنى للتبعيض في الإرادة الاستعماليّة، وأنّه يريد إخطار المدلول
ص: 124
المطابقي دون الالتزامي.
وبعبارة أُخرى: إنّ المقتضي للإرادة الاستعماليّة لكلا المدلولين متحقق؛ لأنّه إن كان انعقاد الدلالة التصوّريّة فالمفروض أنّها شاملة لكليهما. وإن كان هو قوّة الكشف فهو فيهما كذلك. وإن كان المقتضي هو التفات المتكلّم فالمفروض أنّ العلاقة راسخة والتلازم بين بالمعنى الأخصّ، أي أنّ الالتفات إلى كلا المدلولين بدرجة واحدة وقوّة كشف واحدة، فلا معنى لغفلته عن عن أحدهما دون الآخر .
وأما المثال الذي ذكر فيرد عليه أنّ هناك فرقاً بين لازم المدلول المطابقي للكلمة المفردة ولازم المدلول المطابقيّ للجملة المركبة؛ فإنّ لفظة (العمى) لازمها (البصر)، أمّا جملة (أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى) فلازمها هو المفهوم - على تقدير تحققه - (أي إن لم يجئه الأعمى) فحينئذ ينتفي الحكم المتعلّق بمجيء الأعمى عنه، فهذه الجملة - على تقدير تحقق المدلول الالتزامي التصوّري لها - يكون مدلولها التصوّريّ المطابقيّ هو (إن جاءه الأعمى فحكمه كذا)، ومدلوله التصوّري الالتزاميّ (إن لم يجئه الأعمى ينتفي ذلك الحكم عنه)، ومدلولها الاستعماليّ حينئذٍ هو إرادة إخطار كلا المدلولين التصوّريين الطوليين، وهذا بخلاف المفردات؛ فإنّ مدلولها التصوّري هو تصوّر تلك المفردة مجرّداً عن أي حكم ونسبة، وبالتالي فمدلولها التصوّري المطابقي هو (العمى) والالتزامي هو (البصر)، وحينئذ يكون المدلول الاستعمالي هو إخطار هما، فلا محذور في ذلك.
فإن قلت: إنّ شمول الدلالة الاستعماليّة للمدلول المطابقي والالتزامي يلزم منه استعمال اللفظ في أكثر من معنى، والمشهور أنّه غير ممكن عقلاً أو عرفاً على اختلاف المباني.
قلت: إنّهم ذكروا أنّ محل البحث في مسألة استعمال اللفظ في أكثر من معنى هو
ص: 125
المعاني المستقلة، أي التي يكون أحدها في عرض الآخر ، فلا تشمل المعاني المتعدّدة التي تكون على نحو التبعية والطوليّة، والمدلول الالتزامي - كما تقدّم - مدلول تبعي طولي للمدلول المطابقي.
وبعد اتضاح ما تقدّم نعود إلى أصل البحث، ولنجعله في صورتين:
الصورة الأولى في الدلالة الالتزاميّة البيّنة بالمعنى الأعمّ أو غير البيّنة، والتي تقدّم أنها ليست من الدلالة اللفظية، وإنّما هي هي من دلالة المدلول على المدلول، أي أنّها دلالة عقليّة، وهذه الدلالة هي مدار المطالب العلميّة على ما حُكي عن بعض الأعاظم(1)، وهي حجّة إن كان الملزوم حجّة، فإن كان القطع قد تعلّق بالملزوم وكانت حجيته لأجل ذلك فكذا الحال في اللازم، وإن كانت حجّيّة الملزوم تعبّديّة - كالأمارات - فحجّيّة اللازم كذلك، وقد ذكروا لذلك عدة توجيهات، نذكر واحداً منها:
وهو أنّ الملاك في حجّيّة الأمارات والظهور هو قوّة الكشف فيها، وقوّة الكشف نسبتها متساوية إلى المدلول المطابقيّ والمدلول الالتزامي: (إذا كان تمام الموضوع والملاك في جعل الحجّيّة في باب الأمارة إنّما هو علاج التزاحم الحفظي على أساس المرجّح الكيفي وهو الترجيح بقوّة الاحتمال والكاشفية، فسوف تكون المثبتات حجّة على القاعدة، لأنّ
نفس الدرجة من الكشف التصديقي وبنفس الملاك الكاشف ثابت بلحاظ المداليل الالتزاميّة للأمارة أيضاً، إلّا من حيث كون المؤدّى مدلولاً مطابقيّاً، واللازم التزاميّاً غير مصرح به، ومثل هذه الخصوصية لا تكون دخيلة في ملاك الحجية عرفاً وعقلائياً)(2).
وبعد اتضاح ذلك نقول: يمكن أن يوجّه القول بعدم التبعية بأن المدلول المطابقي
ص: 126
وإن كان هو الدال على المدلول الالتزامي فهو متفرّع عنه في الوجود، وبالتالي تثبت له الحجية أيضاً، لكن سقوط الحجية عن المدلول المطابقي لا يعني سقوط نفس المدلول، فالمدلول المطابقي موجود ومتحقق حتى مع سقوط حجّيّته، وبوجوده يتحقق وجود المدلول الالتزامي، أي تتحقق فيه تلك الدرجة من الكشف و الكشف - والتي هي ملاك الحجية كما تقدّم - وبالتالي يتحقق موضوع جديد لدليل الحجّيّة، وعليه فلا مانع من شمول دليل الحجيّة له، والمانع الذي أوجب سقوط المدلول المطابقي عن الحجية لا موجب لأن يكون مانعاً عن سقوط حجّيّة المدلول الالتزامي كذلك، فالمدلول المطابقي والمدلول الالتزامي وإن كانا متلازمين في الوجود لكنهما في الوقت نفسه يحققان موضوعين مختلفين في الحجيّة، فلا يؤثر سقوط أحدهما على الآخر.
لكنّ الظاهر عدم تماميّة ذلك؛ لما تقدّم من أنّ الدلالة الالتزامية العقلية نشأت من الملازمة بين المدلولين المطابقيّ والالتزامي، فهي من دلالة المدلول على المدلول لا اللفظ على المدلول، فمنشؤها هو نفس ذلك الإخبار الذي نشأت منه الدلالة المطابقيّة، وبالتالي مع سقوط المدلول المطابقي عن الحجّيّة لكذب المخبر أو لعدم إرادة ذلك الظهور يكون
افتراض سقوط المدلول الالتزامي حينئذ غير موجب لافتراض كذب جديد، أو عدم إرادة جديدة للظاهر.
وبعبارة أُخرى: إنّ الدلالة الالتزاميّة في المقام لا يوجد فيها ملاك مستقل للحجيّة. قال السيد الشهيد(قدس سره): (إنّ نكتة الحجّيّة وملاكها في الإخبار والحكاية إنّما هو أصالة عدم الكذب - بالمعنى الشامل للاشتباه، وفي الإنشاء و القضايا المجعولة أصالة الظهور وإرادة المعنى من اللفظ ، وإذا سقطت الدلالة المطابقيّة بظهور كذبها في باب الإخبار أو عدم إرادتها في باب الإنشاء، فافتراض عدم ثبوت المدلول الالتزامي لها لا يستدعي
ص: 127
افتراض كذب زائد في الإخبار أو مخالفة زائدة في الإنشاء؛ لأنّ هذه الدلالة لم تكن بدال إخباري أو إنشاء مستقل، وإنّما كانت من جهة الملازمة بين المدلولين، فتكون من دلالة المدلول على المدلول، وليست دلالة واجدة لملاك مستقل للكاشفية والحجية)(1).
وقد أورد بعض المحققين على ذلك بإيرادين :
الإيراد الأوّل: أنّ ما ذُكر (لو تمّ فإنّما يتمّ فيما إذا لم يترتب على المدلول الالتزامي أثر شرعي زائد على ما يترتب على المدلول المطابقيّ، فعندئذ إذا سقطت الدلالة المطابقية من جهة ظهور كذبها فليس في سقوط الدلالة الالتزاميّة كذب زائد على ما يترتب على سقوط الدلالة المطابقيّة لكي يتمسّك بأصالة عدم الكذب فيها للحفاظ عليها، وأما إذا ترتب عليه أثر زائد على ما يترتب على المدلول المطابقي، فعندئذٍ يكون في سقوط الدلالة الالتزاميّة كذب زائد على ما يترتب على سقوط الدلالة المطابقيّة، وحينئذ فلا مانع من التمسّك بأصالة عدم الكذب فيها بلحاظ ما يترتب من الأثر الزائد، وبالتالي بأصالة الظهور؛ حيث إنّ في سقوطها مخالفة زائدة على ما يترتب على سقوط الدلالة المطابقيّة من المخالفة)(2).
وفيه: إذا كان نفس المدلول الالتزامي - بحسب الفرض - لا يوجب افتراض كذب زائد في الإخبار، فالأثر الشرعيّ الزائد على ما يترتب على المدلول المطابقي كذلك؛ لأنّ المانع من افتراض الكذب الزائد بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي هو كون الدلالة من قبيل دلالة المدلول على المدلول، فلا يوجد فيها ملاك مستقل للكاشفية والحجّيّة، فإنّ صدقه في المدلول الالتزاميّ إنّما هو بصدقه في المدلول المطابقي لا بنفسه،
ص: 128
وكذلك الكذب.
نعم، ملاك الكذب والصدق المستقل إنّما يتحقق لو كانت الدلالة من قبيل دلالة اللفظ على المدلول كما سيأتي بيانه.
الإيراد الثاني: (أنّ شمول دليل الحجّيّة العامّ للظاهر منوط بتوفّر ملاكها فيه، وهو الكاشفية النوعية عن الواقع، فطالما يكون هذا الملاك متوفّراً فيه فهو مشمول لدليل الحجّيّة، وإلّا فلا، وعلى هذا فإذا فرضنا أنّ هذا الملاك غير متوفّر في ظهور اللفظ في المدلول المطابقي أو متوفّر ولكن هناك مانع عن الشمول، فلا مانع من شموله لظهوره في المدلول الالتزامي إذا كان ملاك حجّيّته متوفّراً فيه؛ لأنّه يدور مداره وجوداً وعدماً،ولا يدور مدار أصالة عدم الكذب)(1).
وفيه : يمكن القول بأنّ الكشف النوعي والذي هو مناط الحجية في خبر الثقة - مثلاً - مآله إلى أصالة عدم الكذب ونحوها، فإن درجة كشف الظهور عن الواقع إنما تتم بإجراء أصالة عدم الكذب.
الصورة الثانية: في الدلالة الالتزاميّة اللفظية، أي البيّنة بالمعنى الأخصّ.
وقد تقدّم أنّ اللفظ في هذه الدلالة له ظهوران ظهور في المدلول المطابقي وظهور في المدلول الالتزامي، غاية الأمر أنّهما ظهوران طوليّان لا عرضيّان، وعليه فهل يأتي الكلام المتقدّم في الصورة السابقة هنا أو لا؟
الظاهر عدم تأتيه؛ لما تقدّم من وجود دلالتين لفظيتين في المقام، الأُولى دلالة اللفظ على المدلول المطابقيّ، والثانية دلالة اللفظ على المدلول الالتزامي، فالدلالة الالتزامية تمثل ظهوراً مستقلّاً وزائداً على الدلالة المطابقيّة، وبالتالي ملاك الحجية فيها مستقلّ أيضاً.
ص: 129
ولذا ذكر السيد الشهيد(قدس سره)تفريعاً على كلامه المتقدّم في الصورة السابقة ما لفظه: (وعلى هذا الأساس صح التفصيل في التبعية بين الدلالة الالتزاميّة البينة عرفاً - أي الدلالة التصوّرية - والدلالة الالتزاميّة غير البيّنة - الدلالة التصديقية العقلية ، حيث لا نلتزم بالتبعية في الأولى، إذ لو كانت الدلالة الالتزامية بدرجة من الوضوح بحيث تشكل ظهوراً في الكلام زائداً على مدلوله المطابقي فسوف يكون عدم إرادة المتكلّم لها مخالفة إضافية زائداً على ما يستلزمه عدم إرادته للمدلول المطابقيّ، فيكون مثل هذه الدلالة الالتزاميّة مستقلة عن الدلالة المطابقيّة في ملاك الحجّيّة فلا تتبعها في السقوط)(1).
وقد ناقشه بعض المحققين بأنّ: (هذا التفصيل ليس تاماً بنحو الإطلاق، بل في خصوص الموارد التي تشكّل الدلالة البينة دلالةً وظهوراً عرفيّاً مستقلاً عن المدلول المطابقي وليس دائماً كذلك، فمثلا دلالة دليل الوجوب على نفي الحرمة بينة عرفاً لبداهة ووضوح التضاد بين الوجوب والحرمة، إلّا أنّه مع ذلك تتمّ فيه النكتة المذكورة في التقريب الثالث.
نعم، في مثل ﴿فَلَا تَقُل مَا أُفٍّ﴾ لو فرض أنّه من الدلالة الالتزامية البينة يمكن دعوى أنّ ثبوت جواز قول (أُفٍّ) لهما في مورد لا يوجب سقوط الدلالة الالتزامية الفحوائيّة على حرمة الأشدّ منه في ذلك المورد)(2).
أقول : لم يتضح وجه التفريق بين هذه الأمثلة والموارد، فبعد فرض أنها من البینة بالمعنى الأخص يأتي فيها ما تقدّم من البيان بأنّها تشكل ظهوراً مستقلاً، ففرض أنها من البيئة بالمعنى الأخص يعني أنّ هناك مدلولين وظهورين طوليين للفظ، أحدهما مستقل
ص: 130
عن الآخر، فالدال عليه ليس هو نفس المدلول المطابقي حتى يكون من دلالة المدلول على المدلول، وبالتالي لا يكون للفظ إلا مدلول وظهور واحد حتى يأتي فيه التقريب الذي أشار إليه، بل اللفظ يدلّ عليه بصورة مستقلة فيكون ظهوراً ثانياً، مما يعني أنّه يمثل ظهوراً زائداً على ظهور اللفظ في المدلول المطابقيّ، فيتم ما ذكره السيد الشهيد(قدس سره).
الفرض الثاني:
التبعيض بين المداليل الالتزاميّة، بأن يكون لذلك المدلول المطابقي عدة مداليل التزاميّة، فمع سقوط بعضها عن الحجية هل يستوجب ذلك سقوط بقية المداليل الالتزاميّة عن الحجيّة أيضاً، أو لا؟
اتضح مما تقدّم أنّ فرض التبعية في السقوط متوقف على وجود نحو ارتباط بين المدلولين، وهذا غير متحقق في المقام، فلا تفريع بين هذه المداليل، وإنّما التفريع على المدلول المطابقي، وكذا ملاك الحجّيّة في كل واحد منهما مستقل عن الآخر، وقد اتضح مما تقدّم أنّ كلّ ظهور يمثل موضوعاً مستقلاً للحجية.
ص: 131
التبعيض في المداليل التضمّنيّة
ومرجع هذا المورد كما هو معلوم إلى حجّيّة العامّ في الباقي بعد التخصيص، فيقال بالتبعيض في الحجّيّة بين المداليل التضمّنيّة، فبعد سقوط بعض المداليل التضمّنية وخروجها عن حجّيّة العام، بالتخصيص تبقى المداليل التضمّنيّة الأُخرى غير المخصّصة مشمولة لحجيّة العام، ولعلّ هذه المسألة أصبحت من الواضحات.
نعم، وقع الكلام في إشكال ذُكر على ذلك، وفي الجواب الفنّي عنه:
أمّا الإشكال - وهو المنسوب إلى جماعة من العامة - فحاصله: أن ظهور الكلام في شموله لجميع أفراد العامّ إنّما هو باعتبار أنّ استعمال العام في العموم والاستيعاب الجميع أفراده استعمال في معناه الحقيقي، وهو غير متحقق في المقام؛ فإنّه بعد ورود التخصيص وخروج بعض الأفراد يكون العام قد استعمل في معنى مجازي، لأنه لم يستوعب جميع الأفراد، وحينئذ تسقط جميع المداليل التضمّنية عن الحجية؛ لأنها كانت تعتمد على استعمال العام في معناه الحقيقي.
وقد أُجيب عن هذا الإشكال بعدة أجوبة، وهذه الأجوبة في الحقيقة تبحث عن التخريج الفنّيّ لحجّيّة العامّ في الباقي بعد التخصيص، وإلا فشمول دليل الحجية له - أي السيرة العقلائية - لا نزاع فيه بين محققينا بحسب الظاهر.
وسنذكر جوابين دون الدخول في المناقشات وترجيح أحدهما على الآخر؛ لعدم تأثير ذلك على النتيجة المرجوّة أي التبعيض في الحجّيّة، بعد ثبوت الحجّيّة للعام في الباقي كما عرفت
ص: 132
الجواب الأوّل: ما اختاره الشيخ الأنصاري(قدس سره)، حيث قال: (والأولى أن يجاب - بعد تسليم مجازيّة الباقي - بأنّ دلالة العام على كلّ فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده ولو كانت دلالة مجازية؛ إذ هي إنّما بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله، فالمقتضي للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود؛ لأنّ المانع في مثل المقام إنّما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي ؛ لاختصاص المخصص بغيره، فلو شكّ فالأصل عدمه، فليس ذلك على حدّ سائر المجازات حتى يحتاج إلى معيّن آخر بعد الصرف مع تعدّدها، فإنّ الباقي متعيّن على حسب تعيّن الجميع عند عدم المخصص مطلقاً)(1).
توضيح كلامه: كما أنّ للعام دلالة مطابقيّة بالنسبة إلى الجميع كذلك له دلالة تضمنيّة إلى كل فرد فرد، أي أنّ دلالته على العموم تنحل إلى دلالات تضمّنية بعدد الأفراد، ومع سقوط بعضها عن الحجّيّة بالتخصيص تبقى البقية على حالها، لأنّ هذه الدلالات التضمّنية إحداها في عرض الأُخرى، فثبوت إحداها غير مرتبط بثبوت الأُخرى، وبالتالي سقوط بعضها لا يوجب سقوط الآخر، ومنه : (يظهر الفرق بين المجاز اللازم في ما نحن فيه والمجاز المتحقق في غير المقام كقولنا : رأيت أسداً يرمي، فإنّ المجاز اللازم هنا إنّما هو من ناحية خروج بعض ما كان داخلاً في عموم العام، حيث إنّه يستلزم كونه مجازاً في الباقي، وأما دخول الباقي فهو غير مستند إلى كون استعماله فيه مجازاً، فإنّه داخل فيه من الأوّل، يعني قبل التخصيص، وعليه فالمجاز مستند إلى خروج ما كان داخلاً فيه لا إلى دخول الباقي، ونتيجة ذلك: هي أنّ المعنى المجازي في المقام لا يكون مبايناً للمعنى الحقيقي؛ فإنّ الباقي قبل التخصيص داخل في المعنى الحقيقي وبعده صار معني مجازياً،
ص: 133
وهذا بخلاف المعنى المجازي في مثل قولنا رأيت أسداً يرمي، فإنّه مباين للمعنى الحقيقي، وعلى ذلك فالمعنى المجازي وإن كان متعدّداً في المقام؛ نظراً إلى تعدد مراتب الباقي تحت العام، إلّا أنّ المتعيّن بعد ورود التخصيص عليه هو إرادة تمام الباقي دون غيره من المراتب؛ لما عرفت من أن الخروج عن حكم العام يحتاج إلى دليل دون دخول
الباقي، فإنّ المقتضي له موجود والمانع مفقود. فإذن لا يحتاج إرادته من بين غيره من المراتب إلى قرينة معيّنة)(1).
وهذا في الحقيقة مرجعه إلى التخصيص في المدلول الاستعمالي، أي أنّ المخصص المنفصل يكشف عن سقوط إرادة العموم في مرحلة المدلول الاستعمالي، فالتبعيض تبعيض في المدلول الاستعمالي، ومن هنا قد أوردوا عليه(2)بأنّ الدلالات التضمّنية إنّما تثبت في ضمن الدلالة المطابقيّة - أي استعمال العام في عمومه ، ومفروض هذا الجواب انتفاؤه.
الجواب الثاني: ما اختاره صاحب الكفاية(قدس سره)وجملة ممن تأخر عنه، وحاصله : أنّه في موارد التخصيص بالمنفصل يكون التصرّف في حجّيّة المدلول التصديقي الجدي، لا التصرّف في المدلول الاستعمالي، فإنّ غاية ما يحصل عند ورود المخصّص المنفصل هو الشكّ في أنّ المتكلّم أراد إخطار المعنى الحقيقي التصوّري لكلامه أو أراد معنى آخر؟ وهذا الشكّ يمكن دفعه بأصالة التطابق بين المدلول الاستعمالي والمدلول التصوّري، وعليه لا يكون استعمال العام بعد التخصيص استعمالا مجازياً حتى يرد عليه الإشكال المتقدم.
فالتبعيض وفق هذا الجواب سيكون في مرحلة المدلول التصديقي الجديّ، ولا وجه
ص: 134
للتصرّف والتبعيض في المدلول الاستعماليّ كما كان الحال في الجواب الأوّل، وهذا هو لبّ الاختلاف بين الجوابين، وأمّا أيّ الجوابين هو المتعيّن؟ فذلك خارج عن الغاية من البحث.
ثُمّ إنّ السيد الشهيد(قدس سره)- بعد ذكره للوجه الذي فصل على ضوئه التبعيض بين الدلالة الالتزاميّة التصوّريّة والدلالة الالتزاميّة العقلية - قال: (وعلى هذا الأساس أيضاً صح التفصيل بين الدلالة التضمّنيّة التحليلية والدلالة التضمّنية غير التحليلية ولو كانت ارتباطية - كما في دلالة العامّ المجموعي ، فإنّ الأولى لا تبقى على الحجية بعد سقوط الدلالة المطابقيّة عن الحجّيّة لعدم لزوم خطأ آخر أو مخالفة زائدة من سقوطها، بينما الثانية تبقى على الحجّيّة ولو سقط المدلول المطابقي، فلو علم من الخارج عدم إرادة العموم من العام المجموعيّ للعلم بخروج فرد معيّن منه، مع ذلك يصح التمسك به لإثبات الحكم على مجموع الباقي، كما هو الحال في العموم الاستغراقي، ولا تخريج فنّيّ لذلك إلّا ما أشرنا إليه في المقام من أنّ الدلالة التضمنية في العام المجموعيّ وإن كانت ارتباطية، ولكن مخالفة العام المجموعي بعدم إرادة شيء من أفراده أشدّ عناية وأكثر مخالفة من إرادة البعض منه، فيكون مقتضى الأصل عدم المخالفة الزائدة، وهو معنى عدم التبعية)(1).
فالدلالة التضمّنيّة التحليلية لم تكن بيّنة وإنّما هي بالتحليل والوسائط، وبالتالي فهي لا تمثل ظهوراً زائداً على الدلالة المطابقيّة، فنكتة الحجّيّة لجميع المداليل التضمنية لذلك المدلول المطابقيّ تكون واحدة، ومع العلم بسقوط المدلول المطابقي، وبالتالي مع سقوط تلك النكتة تسقط جميع المداليل التضمّنية، فسقوطها لا يمثل خطاً زائداً على تلك النكتة .
وأما الدلالة التضمّنيّة غير التحليلية فهي دلالة بينة، والدلالة المطابقيّة للعامّ تنحل
ص: 135
وتتعدّد بتعدد أفراده، فتتعدّد المداليل التضمّنيّة، وبالتالي يكون لها ظهور زائد على الظهور المطابقيّ، وأيضاً مستقل عن بقيّة المداليل التضمّنيّة؛ لأنها في عرضها، وعليه فتتعدّد النكات الموجبة للحجّيّة بتعدّد تلك المداليل، وعليه فسقوط المدلول المطابقي عن الحجّيّة لا يوجب سقوط المداليل التضمنية.
إشكال وجواب
تقدّمت الإشارة إلى أنّ هناك إشكالاً رئيساً يوجّه إلى مسألة التبعيض في الحجّيّة بجميع مواردها، وحاصله: عدم شمول دليل الحجّيّة لهكذا أخبار، ويمكن أن يصاغ هذا الإشكال بعدة بيانات :
البيان الأوّل: أن دليل الحجّيّة هو السيرة، وهو دليل لبّي لا إطلاق له فيقتصر فيه على القدر المتيقن مما قامت عليه السيرة وعمل العقلاء خارجاً، فلا يشمل ما شكّ في قيام السيرة عليه، وفي المقام جريان السيرة على العمل ببعض فقرات الخبر دون البعض الآ غير محرز ومشكوك.
نعم، بعض موارد مسألة التبعيض يمكن إحراز قيام السيرة عليها، كما في مسألة التبعيض في المداليل التضمّنيّة، أمّا البقية ففيها نقاش واختلاف، وبالتالي لا يمكن إحراز جريان السيرة فيها .
البيان الثاني: ما تقدّم نقله عن السيد الشهيد(قدس سره): (التشكيك في جريان أصالة الجد بلحاظ جزء من الكلام بعد سقوطها بلحاظ جزء آخر، لاختلال الكشف النوعي الذي هو ملاك حجّيّتها عقلائيّاً)(1)، فنكتة الحجّيّة التي تستند إليها السيرة - وهي ذلك الكشف النوعي - غير محرزة في هكذا موارد، فضلاً عن الفعل الخارجي والذي كان يستند إليه
ص: 136
البيان الأوّل.
البيان الثالث: ما تقدّم نقله عن السيد الشهيد(قدس سره) - أيضاً - بقوله: (وبعد عدم إمكان التفكيك عرفاً في التعبّد بالصدور بين كلمة وكلمة تسقط الرواية بتمامها عن الحجّيّة)(1).
وهذا البيان يرجع إلى أنّ العرف لا يرى انحلال الجملة الواحدة - والتي لها أكثر من موضوع - إلى جمل متعدّدة حتى يحكم بالتفكيك ويتعبّد بصدور بعضها دون البعض الآخر، فهو ناظر إلى مثل الفرض الأوّل من المورد الثاني، ومثل الصورة الأولى من الفرض الثاني للمورد الثاني، وبهذا يختلف عن البيانين الأول والثاني.
ويمكن الجواب عن هذه البيانات بما يأتي:
أما الجواب عن البيان الأوّل فإنّ المهم هو اكتشاف النكتة والارتكاز الذي تستند إليه السيرة، فإنّ ذلك هو الممضى من قبل الشارع، ودائرته كما هو واضح أوسع من دائرة نفس العمل الخارجي لتلك السيرة، وعليه لا بدّ من لتلك السيرة، وعليه لا بد من أن نستكشف ذلك الارتكاز، وأنّه شامل لموارد التبعيض في الحجّيّة هذه أو لا، وهذا ما يُبحث عنه في الجواب عن البيان الثاني.
وأمّا الجواب عن البيان الثاني - وهو المهم؛ لأنّ هذا البيان ينقل الإشكال إلى نفس الارتكاز الذي تستند إليه السيرة - ففي البدء لا بد أن نحقق دائرة ذلك الارتكاز.
والطريق المهمّ لاستكشاف ذلك هو متابعة الموارد وتجميع الشواهد، ومن تلك الشواهد:
1 . ما تقدّم في المورد الأخير - أي التبعيض في المداليل التضمنية ، فهناك كانت جملة واحدة تمثل المدلول المطابقى موضوعها واحد وهو العام - وحكمها واحد، وهي تنحل
ص: 137
إلى دلالات تضمّنيّة متعدّدة بعدد الأفراد، فتلك الدلالات التضمّنيّة هي أوضح مصداق على المداليل المترابطة فيما بينها.
وأيضاً المدلول الجدي للمدلول المطابقي لجملة العام لم يكن مطابقاً للمدلول التصوّري لها، فالوجهان المتقدّمان في الجواب عن إشكال المجاز متفقان في ذلك. نعم، الوجه الأوّل يذهب أيضاً إلى عدم مطابقة المدلول الاستعمالي للمدلول التصوّري، ومع ذلك لم يختلفوا في حجّيّة بعضها عند سقوط البعض الآخر، وأنّ العام حجّة في الباقي، وأنّ ذلك من أوضح صور الجمع العرفي، بمعنى أنّ السيرة قائمة على ذلك، أي أنّ لكلّ ظهور تضمّني منها كشفاً نوعياً وملاكاً مستقلاً في الحجية.
2. ما تقدّم في المورد الثالث، أي المدلول الالتزامي البين بالمعنى الأخص والذي هو في طول المدلول المطابقي والارتباط بينهما واضح وجليّ، ومع ذلك كانت النتيجة هي التبعيض بينهما؛ لأنّ لكلّ منهما ظهوره الخاص، فله ملاك مستقل في الحجيّة، ببيان تقدّم تفصيله.
ومنه يتضح أنّ الملاك والنكتة في الحجّيّة هو الكشف القائم بذلك الظهور الجدي، وهذا الملاك متحقق في الجمل المترابطة حتى في مثل الصورة الأولى من الفرض الثاني من المورد الثاني المتقدّم، فالترابط بين الموضوعين إنّما هو من جهة وقوعها في جملة وسياق واحد ويشتركان في حكم واحد ، لكن ذلك لا يمنع أنّ لكلّ موضوع ظهوره المستقل، وبالتالي ملاكه المستقل في الحجّيّة، وترابطهما ليس بأشدّ من الترابط المتقدّم في الدلالة التضمّنيّة والالتزامية .
فإن قلت: إنّ وقوعها في ذلك السياق إمّا أن يكون موجباً لانقلاب ظهورها الأوّلي التصوّري إلى ظهور موافق لذلك السياق، أو يكون مانعاً عن تعلّق الحجية به؟
ص: 138
قلت: قد تقدّم بحث ذلك مفصلاً في المورد الأوّل، وكانت النتيجة أنّ السياق في هكذا فرض - سقوط البعض عن الحجّيّة - غير موجب لانقلاب ظهورها التصوّري ولا مانع من تعلّق الحجية به، فراجع.
ثُمّ إنّ هذا البيان والجواب يجري في بقية الموارد.
ومنه يتبيّن أيضاً الجواب عن البيان الثالث، فإنّ عدم تعبد العرف بالصدور، إنّما هو لوجود مانع من الموانع المتقدّمة يمنع من شمول دليل الحجّيّة لذلك الخبر، وقد عرفت ما فيه.
ص: 139
ص: 140
(تذييل)
مما يمكن إلحاقه بمسألة التبعيض جملة من الفروض لقرينيّة وحدة السياق؛ فإنّ هناك بعض الصور المندرجة تحتها تجري فيها أيضاً مسألة التبعيض في الحجيّة على بعض معانيها كما سيتضح.
ولما كانت قرينيّة وحدة السياق لم تبحث بشكل جامع لصورها وفروضها ومقتضى الأصل والقاعدة في تلك الفروض والصور، ولأجل المناسبة المتقدّمة أيضاً ارتأينا أن نبحث هذه المسألة هنا، فنقول:
المراد من قرينيّة وحدة السياق: (هو أن يكون هناك دالان في كلام وسياقٍ واحد، يُحرز مدلول أحدهما، فيكون وقوعه في ذلك السياق قرينة على تفسير الدال الآخر).
ومنه يتضح اندراج هذه المسألة تحت القرينة المتصلة دون المنفصلة.
نعم، قد تساهم القرينة المنفصلة في تقييد حجّيّة هذه القرينة أو تقييد نفس مدلولها الجدي - على بعض المباني - كما سيتضح لاحقاً.
ثُمّ إنّه يمكن أن نفرض لهذه المسألة صورتين جامعتين تندرج تحتها بعض الحالات:
الصورة الأولى: ما إذا وقعت الدوالّ في جمل متعدّدة متتالية، وهنا حالتان:
الحالة الأُولى: ما إذا اتحد الدالان في المادة، والكلام حوله يقع في مقامين:
المقام الأوّل: القرينية في مرحلة المدلول الاستعمالي، كما في (أكرم الإمام، وصلّ
ص: 141
خلف الإمام)، وقامت قرينة على أنّ (الإمام) في الجملة الثانية قد استعملت في (إمام الجماعة)، وهنا قالوا بجريان قرينة وحدة السياق، فيقال بأنّ (الإمام) في الجملة الأولى قد استعمل في إمام الجماعة أيضاً، ف(إنّ التفكيك في المراد من اللفظ الواحد المتكرّر بين أفراده إنّما يضر بالظهور إذا كان التفكيك في المراد الاستعمالي، بأن يستعمل اللفظ في كلّ فقرة في غير ما استعمل فيه في فقرة أُخرى، فإنّه خلاف الظاهر عرفاً)(1)، فإنّ العرف يرى أنّ حال كل متكلّم ظاهر في جعل كلامه من هذا القبيل مفسّراً للبعض الآخر وقرينة عليه.
المقام الثاني: القرينيّة في مرحلة المدلول الجدي، أي يكون الاختلاف في مدلوليهما الجديّ مع وحدة المعنى المستعمل فيه، بأن أُريد الإطلاق من الأوّل، وحصّة خاصة من الثاني، وهنا لا بد أن نفترض أن تقييد الثاني إنّما كان بقرينة منفصلة، وإلا لو كان بقرينة متصلة فذلك يعني تأثيره في المدلول الاستعمالي.
والكلام يختلف باختلاف المباني في تأثير القرينة المنفصلة بذي القرينة، والمعروف مبنیان:
المبنى الأوّل: وهو المنسوب إلى المشهور من أنّ القرينة المنفصلة إنّما تؤثر في تقييد الحجّيّة لا في تقييد نفس المدلول الجدّيّ - موضوع الحجّيّة - ، فالمدلول الجدي المطلق يبقى على إطلاقه لكن حجّيّته تكون مقيّدة على وفق ما قامت عليه القرينة المنفصلة، قال في البحوث المشهور من أنّ ما يتوقف عليه الظهور الإطلاقي هو البيان المتصل لا المنفصل، فالظهور الإطلاقي يبقى محفوظاً حتى بعد ورود المقيد المنفصل)(2).
ص: 142
وبناءً عليه يكون مرجع هذا المقام إلى أن تقييد حجّيّة إحدى الفقرتين هل يوجب تقييد حجية الفقرة الأخرى؟ فإن قلنا بعدم تقييد حجّيّة الأُخرى فهذا نحو من أنحاء التبعيض في الحجّيّة، أي أن حجّيّة إحدى الفقرات مطلقة في حين حجّيّة الفقرة الأخرى مقيّدة، فالتبعيض بينهما في إطلاق الحجية وتقييدها.
وبعبارة أدق : أنه بناءً على عدم تقييد حجّيّة الفقرة الأخرى فهذا يعني سقوط الحجّيّة عن بعض المدلول الجدّيّ لفقرة بسبب التقييد مع بقاء حجّيّة تمام المدلول الجدّي للفقرة الأُخرى المطلقة، وعليه تدخل هذه المسألة في كبرى التبعيض في الحجية.
ثُمّ إنّ مقتضى القاعدة وفق هذا المبنى هو عدم تقييد حجية الفقرة الأخرى، وذلك لأنّ موضوع الحجّيّة هو نفس الظهور والمدلول الجدّي لتلك الفقرة، وملاكه هو الكشف القائم بذلك الظهور الجدّيّ، فبعد انعقاد ذلك الظهور وتمامه تترتب عليه الحجّيّة ترتب المحمول على موضوعه، ولمّا كان المفروض في المقام أنّ نفس المدلول الجدي لكلا الفقرتين باقٍ على حاله، فذلك يعني انعقاد موضوع الحجّيّة لكل فقرة بصورة مستقلة، وتقييد حجية الفقرة الثانية لا يوجب تقييد موضوع حجّيّة الفقرة الأولى حتى يستلزم تقييد حجيتها.
المبنى الثاني: ما تبنّته مدرسة الميرزا النائيني(قدس سره)من تقييد القرينة المنفصلة لنفس المدلول والمراد الجدّيّ، مما يوجب عدم المطابقة بين المدلول الجدّيّ والمدلول الاستعمالي لذلك الكلام، قال في أجود التقريرات: (الثالثة : الدلالة التصديقية الكاشفة عن مراد المتكلّم واقعاً، وهذه الدلالة تتوقف على عدم وجود القرينة مطلقاً، سواء كانت متصلة أم كانت منفصلة، وعلى ذلك يبتني لزوم الفحص عن المقيّدات والمخصصات المنفصلة فيما إذا كان دأب المولى جارياً على إفادة مرامه بقرائن منفصلة، وبلحاظ هذه المرتبة من
ص: 143
الدلالة بنينا في محلّه على كون المقيّد والمخصّص المنفصلين واردين على أصالتي العموم والإطلاق)(1). ووفق هذا المبنى تكون هذه المسألة خارجة عن كبرى التبعيض في الحجية.
ثم إن مقتضى القاعدة وفق هذا المبنى هو نفس ما كانت تقتضيه القاعدة في المقام الأوّل - مرحلة المدلول الاستعمالي - لتحقق ملاكاته هنا؛ لأنّ المفروض إيجاب تلك القرينة المنفصلة لتغيير المدلول والظهور الجدّي للفقرة الثانية، مما يعني أنّ تأثيرها على الفقرة الأُولى إن كان فهو في تكوين موضوع حجّيّة هذه الفقرة - أي ظهورها الجدي -، لا أنها مؤثرة في الحجية ومن دون التأثير على موضوعها كما في المبنى السابق، فالكلام إذاً يقع في استكشاف الظهور الجدي للفقرة الأولى، فتجري فيه القواعد الجارية في استكشاف ظهورات الكلام والتي منها ذلك الظهور الحالي المتقدّم في النحو الأوّل، أي أنّ العرف يرى أنّ حال كلّ متكلّم ظاهر في جعل كلامه من هذا القبيل مفسّراً للبعض الآخر وقرينة عليه، ولا أقل من اندراجها تحت كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية، وبالتالي ترفع اليد عن أصالة التطابق بين المدلول الجدّيّ والمدلول الاستعمالي.
الحالة الثانية : ما إذا اختلف الدالّان في المادّة، والكلام أيضاً في مقامين:
المقام الأوّل: القرينيّة في مرحلة المدلول الاستعمالي، كما في موثّقة أبي بصير، قال: معت أبا عبد الله(علیه السّلام)يقول : ( الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم...)(2)، فإنّ الظهور الأوّلي للفظة (تنقض ) هو الإبطال، لكن استفيد من قرينة خارجيّة أنها استعملت في هذا المورد بمعنى نفي الكمال، أو بمعنى المبالغة - مثلاً - لا البطلان، فهل يوجب ذلك
ص: 144
السياق التصرّف في لفظة (تفطر)، وحملها على معنى آخر غير معناها الظاهر؟
الظاهر أنّ كلماتهم مختلفة في المقام، ولننقل كلماتهم في مقام التعليق على موثّقة أبي بصير، فقد قال المحقق(قدس سره)معلّقاً على من أورد على الموثقة بتضمنها ما اجتمع العلماء على خلافه - وهو نقض الكذب للوضوء : (لأنّ ترك ظاهر الرواية في أحد الحكمين لا يوجب تركها في الآخر)(1)، ونظير ذلك ما ذكره بعض الأعلام(2).
وذكر السيد الحكيم(قدس سره)في المستمسك أنّ: (كون المراد من نقض الوضوء نقض كماله لا يقتضي حمل إفطار الصوم فيه عليه، وقرينة السياق في مثله غير ثابتة، ولا سيّما مع اختلاف المادتين، وما زالت النصوص مشتملة على الواجب والمستحب أيضاً)(3).
وفي قباله ما هو ظاهر بعض الأعلام من جريان قرينة السياق في المقام:
قال العلّامة تعليقاً على الموثّقة: (إنّه متروك العمل، فإنّ الكذب لا ينقض الوضوء إجماعاً، فحينئذ يجب تأويله على تقدير سلامته بأنّ المراد منه التشديد في المنع منه بأنّه ينقض الوضوء ويفطر الصائم)(4).
و مما يصب في هذا القول ما ذكره السيد الشهيد(قدس سره)في مقام تعداد الثمرات المترتبة على المسالك الثلاثة لدلالة الأمر على الوجوب: (أنّ مبنى الفقهاء عادة في الفقه قام على أنه إذا وردت أوامر في سياق واحد بأشياء، وعرفنا من الخارج استحباب بعضها، كانت وحدة السياق قرينة على رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب - إلى أن قال - وهذا على
ص: 145
مسلك الوضع تام)(1).
والذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّ الجمل بعد أن كانت متعدّدة ومستقلة، فمقتضى أصالة الظهور وأصالة التطابق بين المدلول الاستعمالي والمدلول التصوّري لذلك الدال هو أنّ المدلول الاستعمالي لذلك الدالّ هو نفس المدلول التصوّري. وعدم التطابق بين مداليل الدال الآخر في الجملة الأخرى بسبب القرينة المنفصلة، لا يوجب سريان عدم التطابق إلى الجملة الأولى بعد تعدّدهما، وبالتالي لا تؤثر إحداهما على الأخرى.
ولا يوجد ما يوجب رفع اليد عن هذا الذي ذكرناه، وجعل السياق قرينة تمنع من جريان أصالة الظهور وأصالة التطابق في الفقرة الأولى إلّا دعوى ذلك الظهور الحالي المتقدّم - في النحو الأوّل من الصورة الأولى ، وإحرازه كذلك متوقف على متابعة سيرة العرف وطريقتهم، وهل إنّهم أعدوا هكذا سياق قرينةً أو لا؟ فإن قرينة السياق قرينة نوعيّة، والقرينة النوعية كما ذكروا هي: (أن تكون هناك إفادتان ودلالتان، تكون إحداهما معدّة إعداداً عرفيّاً عاماً لتفسير الدلالة الأُخرى، وتحويل مفادها إلى مفاد آخر)(2).
ومع عدم إحراز هكذا إعداد نوعيّ لا تحرز القرينة، وإحرازه كذلك من الصعوبة بمكان، خصوصاً بعد أن رأيت اختلاف كلمات الفقهاء، وهم من أهل العرف.
نعم، يبقى هناك أمر لا بد من التحقق منه، وهو: هل إنّ مسألتنا تدخل في كبرى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية؟ بمعنى أنّ هكذا سياق يدور أمره بين تقديرين - بناءً على أنّ أحدهما يكون قرينة - : التقدير الأوّل هو أن يكون العرف قد أعدّه إعداداً عرفيّاً
ص: 146
للقرينيّة، وبه تتمّ القرينة. والآخر لا يكون كذلك.
وبعبارة أخرى: إنّنا نشك في قرينيّة الموجود، وذلك بحد ذاته مانع من جريان أصالة التطابق المتقدّمة. نعم، هو لا يعيّن ظهور ذلك الدال، بل يصرفه عن ظهوره الأولي.
وعليه فعدم إحراز القرينية لا بد أن يصل إلى درجة المنع عن كونها قرينة حتى لا يكون مانعاً من صرف اللفظ عن ظهوره، وإلا لو كان مندرجاً تحت احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة، فلا تجري أصالة التطابق بحقه.
ويمكن أن يقال: إنّ ما تقدّم إنّما يتمّ فيما إذا كان هناك نوع ارتباط وعلاقة بين الفقرتين والجملتين، فإنّ ذلك الارتباط هو الذي يفسّر لنا تحقق الناظرية والمفسّرية - وهي ملاك القرينية - ، أو احتفافها بالكلام ، وذلك الارتباط قد يكون بدرجة توجب الاندراج تحت القرينية، وقد يكون بدرجة أضعف، ولكن توجب الاندراج تحت احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة، وقد يكون بدرجة من الضعف لا توجب هذا ولا ذاك.
ففي الموثقة المتقدّمة هناك ارتباط في الموضوع كما تقدم، وبالتالي دخولها تحت احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة يكون قوياً.
وفي بعض الحالات يكون الارتباط في هيئة المحمول والحكم، كما في الأوامر المتعدّدة الواردة في سياق واحد، وكان بعضها من المستحبّات، مع فرض عدم اتحادهما لا في الموضوع ولا في مادة الحكم.
وهذا ما تقدّم نقل بعض الكلمات المختلفة فيه، فقد تقدّم عن المستمسك جريان قرينة السياق فيه، في حين اختار السيد الشهيد(قدس سره)جريانها.
فلا بد من متابعة كلماتهم لمعرفة أنّ طريقتهم العامة هي عدم الجريان، أو أنّ طريقتهم هي عدم الجريان حتى يكون إبقاؤهم للحرام أو الواجب على معناه، وعدم تأثير وقوعه في
ص: 147
سياق المستحب على ذلك إنّما هو في بعض الموارد، والذي قد يكون منشؤه القرينة الخارجية وليس السياق، فيكون كلا الدالين قد قامت القرينة الخارجية على تعيين معناه، مما يعني الخروج عن محلّ الكلام.
المقام الثاني: القرينيّة في مرحلة المدلول الجدي، وحاله يظهر مما تقدّم في الحالة الأولى، فإنّ عدم جريانها في المقام أوضح.
الصورة الثانية:
ما إذا كان الدالّ واحداً مع تعدّد متعلّقه، كما في قولك: (اغتسل للجنابة والجمعة)، واستفيد من الخارج إرادة الاستحباب منها بلحاظ (الجمعة) مثلاً.
ويمكن توجيه القرينية هنا بأن نقول : إنّ كلمة (اغتسل) وإن كانت بحسب التحليل تنحل إلى غسل للجنابة وغسل للجمعة، ولكن بحسب مرحلة الظاهر والاستعمال هناك لفظ واحد فلا بدّ حينئذٍ أن يكون قد استعمل في معنى واحد، وذلك ثابت حتى إذا قلنا بعدم استحالة الاستعمال في أكثر من معنى ؛ وذلك ل_ (ظهور حال المتكلّم في التطابق وعلاقة واحد بواحد بين عالم اللفظ والإثبات وعالم المقصود والمراد، فإنّ مقتضى التطابق أن يكون بإزاء كل جزء من الكلام جزء من المعنى، لا جزءان)(1).
وعليه فقرينة السياق مستحكمة في المقام، وبالتالي فالتفصيل في المثال المتقدّم بحمل الغسل بلحاظ الجمعة على الاستحباب، وبلحاظ الجنابة على الوجوب غير تام.
ص: 148
مما تقدّم يمكن رفع التهافت والاختلاف في كلمات بعض الأعلام، حيث إنّهم يستدلون بوحدة السياق تارة وينكرونها أُخرى، ولنذكر بعض ما ورد في كلمات السيد الخوئي(قدس سره)من باب المثال:
المورد الأوّل: ما تقدّم نقله عند كلامه عن موثقة أبي بصير في مقام إنكار قرينة السياق: (إنّ رفع اليد عن الظهور في جملةٍ لقرينة لا يستوجب رفع اليد عن الظهور في جملة أُخرى على ما أوضحناه في الأصول، ولأجله أنكرنا قرينية اتحاد السياق، نظير ما ورد من الأمر بالغسل للجمعة والجنابة، فإنّ طبيعة الأمر تقتضي الإيجاب عقلاً، وقيام
القرينة على الاستحباب في الجمعة لا يصرف ظهوره عن الوجوب في الجنابة، وكذا الحال في المقام، فإنّ ناقضيّة الكذب للوضوء إذا حملت على الكمال لقرينة خارجية لا توجب صرف المفطريّة للصوم عن الحقيقة إلى الكمال أيضاً، بل لا بد من حمله في الصوم على الإفطار الحقيقي)(1).
فإنّه أنكر هنا جريان وحدة السياق في حالتين :
الأولى: الوجوب الواقع في سياق المستحب، وهذا تام على مبناه من دلالة الأمر على الوجوب بحكم العقل؛ فإنّ الأمر حينئذ مستعمل في معناه وهو الطلب، وأما الوجوب فهو حكم عقليّ خارج عن مدلول اللفظ، وقرينة السياق إنّما تجري لتحديد المدلول اللفظي، لا العقليّ.
ص: 149
الثانية: مورد موثقة أبي بصير، وهي - كما تقدّم - من مصاديق الحالة الثانية من الصورة الأٔولی.
المورد الثاني: ما ذكره(قدس سره)في مقام تبني القول بوحدة السياق، وقد جاء في أكثر من مورد في كلماته:
منها: ما أفاده بقوله: (موثّقة عمار عن أبي عبد الله(علیه السّلام)في حديث، قال: لا يصلّي الرجل وفي قبلته نار أو حديد. قلت: أله أن يصلّي وبين يديه مجمرة شبه؟ قال: نعم، فإن كان فيها نار فلا يصلّي حتى ينحيها عن قبلته. وعن الرجل يصلّي وبين يديه قنديل معلّق فيه نار إلا أنه بحياله، قال: إذا ارتفع كان أشر ، لا يصلّي بحياله - إلى أن قال - وأما الموثقة فهي وإن كانت ظاهرة فيها في بادئ الأمر، لكن يوهنه عطف الحديد، حيث لم يفتِ أحد بحرمة استقباله في الصلاة، كما أنّ التعبير بالأشريّة الكاشف عن اختلاف المرتبة مما يناسب الكراهة، فهذا التعبير مع قرينة اتحاد السياق يستوجب رفع اليد عن الظهور المزبور، والحمل على الكراهة)(1).
ومن الواضح أنها ناظرة إلى الصورة الثانية المتقدّمة، التي يكون الدال واحداً، وهو قوله: (لا يصلّي)، ومتعلّقه متعدّد، وهو قوله: (في قبلته نار)، و(في قبلته حديد)، فقوله(قدس سره)بجريان وحدة السياق من عدمها يختلف باختلاف الحالات المتقدّمة، لا أنّه ينكر وحدة السياق مطلقاً.
ص: 150
ذُكرت في البحث عدّة موارد للتبعيض في الحجيّة، يندرج تحت كلّ مورد عدة فروض، وهي:
المورد الأوّل: ما إذا كانت بين الفقرتين في الكلام الواحد علاقة القرينة وذي القرينة، ويندرج تحته فرضان:
الفرض الأوّل: ما إذا كانت القرينة واقعة في نفس جملة ذي القرينة وانتهى البحث إلى إمكان التبعيض في الحجيّة.
الفرض الثاني: ما إذا كانت القرينة من قبيل القرينة المتصلة المستقلة، أي القرينة التي تأتي في جملة مستقلة عن الجملة الأولى - ذي القرينة ، ولكن في نفس الخطاب الواحد. وكانت النتيجة إمكان التبعيض، بل جريانه هنا أولى.
المورد الثاني: أن تكون هناك جمل متعدّدة واقعة في كلام واحد للمتكلّم - في رواية واحدة - ولم تكن العلاقة بينها من قبيل علاقة القرينة وذي القرينة. ويندرج تحته فرضان:
الفرض الأوّل: عدم وجود ارتباط بينها، وبالتالي يكون بعضها مستقلاً عن البعض الآخر. وقد ذُكرت في البحث عدّة مناشئ لسقوط فقرة في الكلام عن الحجيّة، وكانت النتيجة إمكان التبعيض في الحجّيّة وعمومها لبقية الفقرات بعد عدم شمول منشأ السقوط لها.
الفرض الثاني : أن يكون بين الفقرتين نوع ارتباط، وهو على صور:
الصورة الأولى: أن تكون هناك جملة واحدة سقط بعضها عن الحجية. وانتهى البحث فيها إلى إمكان التبعيض في الحجّيّة أيضاً.
ص: 151
الصورة الثانية: أن تكون هناك جملتان العلاقة بينهما علاقة الصغرى والكبرى. وهذه الصورة ترجع إلى مسألة التبعيض في المداليل التضمّنية والتي انتهينا فيها إلى إمكان التبعيض في الحجيّة.
الصورة الثالثة: أن تكون بين الفقرتين علاقة العلّة والمعلول. ومرجع هذه الصورة في الحقيقة إلى الصورة السابقة.
المورد الثالث: التبعيض في المداليل الالتزامية، وله فرضان:
الفرض الأوّل: أن يكون الساقط عن الحجّيّة هو المدلول المطابقي. وكانت النتيجة التفصيل بين المداليل الالتزاميّة اللفظية - البيئة بالمعنى الأخصّ - والمداليل الالتزامية العقلية - البينة بالمعنى الأعم أو غير البينة ، فيمكن التبعيض في الأولى دون الثانية.
الفرض الثاني: التبعيض بين المداليل الالتزاميّة. ويتضح حاله مما تقدّم في الفرض السابق.
المورد الرابع: التبعيض في المداليل التضمنية. ومرجع هذا المورد إلى حجّيّة العام في الباقي بعد التخصيص، ولعلّ هذه المسألة أصبحت من الواضحات.
وقد ذكرنا صورتين تندرج فيهما عدة حالات:
الصورة الأولى: ما إذا وقعت الدوالّ في جمل متعدّدة متتالية. وهنا حالتان:
الحالة الأولى : ما إذا اتحد الدالّان في المادّة. والكلام حوله يقع في مقامين:
المقام الأوّل: القرينيّة في مرحلة المدلول الاستعمالي. وقد انتهى البحث فيها إلى جریان قرينة وحدة السياق.
ص: 152
المقام الثاني: القرينيّة في مرحلة المدلول الجدّي. وقلنا إن مرجعه إلى أن تقييد حجّيّة إحدى الفقرتين هل يوجب تقييد حجّيّة الفقرة الأخرى؟ وانتهى البحث إلى عدم جريان قرينة وحدة السياق.
الحالة الثانية: ما إذا اختلف الدالان في المادة. والكلام أيضاً في مقامين.
المقام الأوّل: القرينيّة في مرحلة المدلول الاستعمالي. وانتهى البحث إلى عدم جريانها للتشكيك في أنّ العرف قد أعد هكذا سياق كقرينة.
المقام الثاني: القرينيّة في مرحلة المدلول الجدي. وحاله يظهر مما تقدّم في الحالة الأولى. فإنّ عدم جريانها في المقام أوضح.
الصورة الثانية: ما إذا كان الدالّ واحداً مع تعدد متعلّقه، وهنا تجري القرينة.
***
ص: 153
1 . أجود التقريرات، تقرير أبحاث المحقق النائيني(قدس سره)، تأليف: السيد الخوئي(قدس سره)، الناشر: مؤسسة صاحب الأمر،الطبعة الثانية، 1430ه_.
2. أُصول الفقه، الشيخ حسين الحلي(قدس سره)، الطبعة الأولى، 1431ه_.
3. أضواء وآراء السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي(قدس سره)، الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى، 1431ه_.
4 . إيضاح الفوائد، الشيخ محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (فخر المحققين)(قدس سره)تعليق : السيّد حسين الموسوي الكرماني، الشيخ عليّ پناه الاشتهاردي، الشيخ عبد الرحيم البروجردي، المطبعة العلمية - قم، الطبعة الأولى، 1387ه_.
5. بحوث في شرح العروة الوثقى، السيّد محمّد باقر الصدر(قدس سره)، الناشر : مركز الأبحاث
والدراسات التخصصية للشهيد الصدر ، الطبعة الأولى، 1421ه_.
6. بحوث في علم الأصول، تقرير بحث السيّد محمّد باقر الصدر(قدس سره)، تأليف: السيد محمود الهاشمي، الطبعة الثالثة، 1417ه_ ، 1996م.
7. تذكرة الفقهاء، الشيخ الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي (العلّامة الحلّي)(قدس سره)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)لإحياء التراث، المطبعة: مهر - قم ، الطبعة الأولى، 1414ه_.
8. تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الناشر : دار الكتب الإسلامية - طهران، المطبعة:
ص: 154
خورشيد، الطبعة الثالثة، 1364ش.
9. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن النجفي(قدس سره)، الناشر : دار . المؤرّخ العربيّ ومؤسسة المرتضى العالمية.
10 . الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني(قدس سره)، الناشر: دار الأضواء، الطبعة الرابعة 1430ه_.
11. دروس في علم الأصول (الحلقة الثالثة)، السيد محمد باقر الصدر(قدس سره)، الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر(قدس سره)، الطبعة الثانية، 1424ه_ .
12 . الكافي، ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي(قدس سره)، ضبطه وصححه وعلّق عليه: محمّد جعفر شمس الدين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات.
13 . كتاب الصوم، الشيخ الأنصاري(قدس سره)، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الأولى، سنة النشر : محرم 1413ه_.
14 . مباحث الأصول، تقرير أبحاث السيّد محمد باقر الصدر(قدس سره)، تأليف: السيد كاظم الحسيني الحائري، الناشر : دار البشير، الطبعة الثانية، 1425ه_ .
15 - المباحث الأصولية، الشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظله ، الطبعة: الثانية، 1430ه_.
16. مختلف الشيعة، الشيخ الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي (العلّامة الحلّي)(قدس سره)تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين - قم المشرّفة، 1413ه_.
17 . مستمسك العروة الوثقى، السيّد محسن الطباطبائي الحكيم(قدس سره)، الناشر : دار إحياء
ص: 155
التراث العربي، الطبعة الثالثة.
18 . مصباح الفقيه، المحقق آقا رضا الهمداني(قدس سره)،تحقيق ونشر: المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث - قمّ المشرّفة، المطبعة: ستاره - قم، الطبعة الأولى، 1417ه_.
19 . مطارح الأنظار، تقرير أبحاث الشيخ الأنصاري ، بقلم أبو القاسم الكلانتري(قدس سره)، تحقيق: مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1424ه_.
20 . المعتبر في شرح المختصر، الشيخ جعفر بن الحسن (المحقق الحلّي)(قدس سره)، تحقيق: عدّة من الأفاضل، إشراف: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء(علیه السّلام)- قم، المطبعة: مدرسة أمير المؤمنين(علیه السّلام)، سنة النشر: 1364 ش. السلام
21 . منتقى الأُصول، تقرير أبحاث السيّد محمّد الروحاني(قدس سره)، تأليف: السيد عبد الصاحب الحكيم(قدس سره)، الطبعة الأولى، 1414ه_.
22 . موسوعة الإمام الخوئي(قدس سره)، الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي(قدس سره). الطبعة الرابعة، 1430ه_، 2009م.
ص: 156
الشيخ علي الغزّي(دام ظله)
إنَّ من القيم المعرفيّة المهمّة هو إحياء آثار العلماء الماضين من خلال تسليط الضوء على جواهر علومهم المنبثة في مطاوي كلماتهم وسطورهم، والتعرف على مسالكهم ومبانيهم في ما استندوا إليه في استنباط الأحكام الشرعيّة في موسوعاتهم الفقهيّة.
وفي هذا الضوء يأتي البحث الماثل بين يديك - عزيزي القارئ - هادفاً لبيان المباني الرجالية لصاحب الجواهر(قدس سره)، وتطبيقاتها على الرواة في مقام إعماله للجرح والتعديل، والتي استند إليها في موسوعته الفقهيّة (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام).
ص: 157
ص: 158
المقدمة
بِسْمِ اللَّ_هِ الرَّحْمَ_ٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطيبين الطاهرين،واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين حتى قيام يوم الدين.
وبعد، فإنَّ من القيم المعرفيّة المهمّة هو إحياء آثار العلماء الماضين من خلال تسليط الضوء على جواهر علومهم المنبثة في مطاوي كلماتهم وسطورهم، والتعرّف على مسالكهم ومبانيهم في ما استندوا إليه في استنباط الأحكام الشرعية في موسوعاتهم الفقهية.
وفي هذا الضوء يأتي البحث الماثل بين أيديكم هادفاً لبيان المباني الرجالية لصاحب الجواهر(قدس سره)، وتطبيقاتها على الرواة في مقام إعماله للجرح والتعديل، والتي استند إليها في موسوعته الفقهيّة (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام)، وذلك من خلال قراءتها من أوَّلها إلى آخرها، مع تدوين ما يمرّ من مواقفه الرجالية من كبرى، أو من راو، أو مصطلح رجاليّ، ثُمَّ تصنيفها إلى تمهيد وثلاثة أقسام، فتناول التمهيد مشروعية علم الرجال، ومنشأ حجيّة قول الرجالي، وتعارض الجرح والتعديل، ومصادره الرجالية. كما تناول القسم الأوَّل قواعد الجرح والتعديل، والقسم الثاني فوائد رجالية ودرائية، والقسم الثالث من
ص: 159
تعرّض له من الرواة.
وقد حاولتُ أن أجعل القرّاء الكرام في أجواء الأفكار التي كانت في زمانه(قدس سره)من حيث عرض الآراء والمواقف، ثُمَّ بيان ما اختاره(قدس سره)والوجه فيه. وقد اشتغلتُ فيه أيام التعطيل الدرسي، ولمدة أربع سنوات تقريباً.
ووقع الاختيار على كتاب الجواهر نظراً إلى أهميته الفقهية، فهو مصدر محوريّ ومهمّ للفقهاء في صناعة الفقه، وقد وصفه جملة ممن تناوله بذلك كالسيد محسن الأمين(قدس سره)حيث قال: ((جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) لم يؤلف مثله في الإسلام حتى حُكي عن بعض العلماء أنَّه قال: (لو أراد مؤرّخ زمانه أن يثبت الحوادث العجيبة في أيامه لما وجد حادثة أعجب من تصنيف هذا الكتاب، لا يكاد يعوّل المتأخرون عنه على غيره، ولا يفضّلون عليه كتاباً في تمامه واستيفائه كتب الفقه، وجمعه لأقوال العلماء من أوله إلى آخره، واحتوائه على وجوه الاستنباط والاستدلال مع ما فيه من النظر الدقيق، وجيد التحصيل والتحقيق، هذا مع تجريده عن الحشو والفضول، فهذه مزايا قلّما اتفقت في كتاب لمتقدّم أو متأخّر).
ويُحكى عن الشيخ مرتضى الأنصاري(قدس سره)أنَّه كان يقول: (يكفي للمجتهد في أهبته وعدة تحصيله نسخة من الجواهر، وأخرى من الوسائل مع ما قد يحتاج إليه أحياناً من النظر في كتب الأوائل).
وعليه إلى الآن معوّل المجتهدين والمحصلين من الإمامية في كلّ مكان)(1).
وقال الشيخ أغا بزرگ الطّهراني(قدس سره)في الذريعة: (وخلّف كتابه الجواهر الذي لا يوجد في خزائن الملوك بعض جواهره ، ولم يعهد في ذخائر العلماء شيء من ثماره وزواهره،
ص: 160
لم يكتب مثله جامع في استنباط الحلال والحرام، ولم يوفّق لنظيره أحد من الأعلام؛ لأنَّه محيط بأوّل الفقه وآخره محتوِ على وجوه الاستدلال، مع دقة النظر، ونقل الأقوال، قدصرف عمره الشريف، وبذل وسعه في تأليفه فيما يزيد على ثلاثين سنة؛ لأنَّ آخر ما خرج من قلمه الشريف من مجلّدات الجواهر هو كتاب الجهاد إلى آخر النهي عن المنكر، وقد فرغ منه في (1257) فأثبت بعمله القيم المنّة على كافة المتأخرين، وجعلهم عيالاً له في معرفة استنباط أحكام الدين)(1).
وقد تفضّلت إدارة مجلة دراسات علميّة بقبول البحث، وإخضاعه إلى نظر نخبة من الأساتذة الكرام، فكان لها ولهم الفضل في إنضاجه وإتمامه، ونظراً إلى اتساع صفحاته زيادة عن المقدار الممكن عرضه من كُلّ بحث في المجلة استقرّ الرأي على عرضه في ثلاثة أعداد منها ، على أن يكون هذا العدد حاوياً للتمهيد والقسم الأوّل، واللاحق على القسم الثاني، والذي يليه على القسم الثالث إن شاء الله تعالى.
ونسأله تعالى أن يتقبله بقبول حسن، وينبته نباتاً طيباً إنّه أرحم الراحمين.
الباحث
ص: 161
عُقد التمهيد لبيان موقف صاحب الجواهر(قدس سره)من مشروعيّة علم الرجال، ومنشأ حجية قول الرجالي عنده، وموقفه من تعارض الجرح والتعديل، وبيان مصادره الرجالية التي اعتمد عليها في أخذ مواقفه الرجالية من الرواة، فهنا أمور أربعة:
الأوّل: مشروعية علم الرجال.
الثاني منشأ حجيّة قول الرجالي.
الثالث: تقديم الجرح على التعديل.
الرابع : مصادر الجواهر الرجالية.
قد أُثيرت عدة شبهات حول مشروعية علم الرجال، منها: أنَّه يستلزم ذكر عيوب الآخرين، واستغابتهم، ومن المعلوم حرمة اغتياب المؤمن حيّاً كان أم ميتاً، ولذا فإنَّ (علم الرجال علم منكر يجب التحرز عنه؛ لأنَّ فيه تفضيح الناس، وقد نُهينا عن التجسّس عن معايبهم، وأمرنا بالغضّ والتستّر )(1).
وأشار صاحب الجواهر(قدس سره)للشبهة المذكورة في معرض حديثه عن مستثنيات الغيبة، :قائلاً: (ومنها: نصح المستشير؛ لورود الأخبار الكثيرة في أنَّه يجب أن ينصح المؤمن أخاه
ص: 162
المؤمن، ولقول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)لفاطمة بنت قيس لما شاورته في خطابها: (معاوية صعلوك لا
مال له، وأبو الجهم لا يضع يضع العصا العصا عن عاتقه).
قلت: لعلّ هذا وسابقه راجع إلى نصح المؤمن الذي أُمر به في النصوص، من غير فرق بين سبق الاستشارة وعدمها.. فلعل من هذا الباب أيضاً باب الترجيح والتعديل في الرواة لأجل معرفة قبول الخبر وعدمه، ومعرفة صلاحيته لمعارضة وعدمها، وإلا لانسدّ باب التعادل والتراجيح الذي هو أعظم أبواب الاجتهاد، وجرت السيرة عليه من قديم الزمان، كجريانها على الجرح في باب الشهادة، وعلى ترجيح ما دلّ على وجوب إقامتها على ما دلّ على حرمة الغيبة على وجه لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه، وإلا لضاعت الحقوق في الدماء والأموال وغيرها، ولغلب الباطل على الحق.
ومن ذلك أيضاً ذكر المبتدعة الذين أمرنا بالوقيعة فيهم حذراً من اغترار الناس بهم، بل ربَّما دخل في ذلك أيضاً نفي نسب من ادعى نسباً وإن كان معذوراً أو عرف به فينفى عنه، بل ربَّما وجب دفعاً للخلل في المواريث والنفقات والأنكحة وغيرها، فيكون ذلك أحد المستثنيات إذا فرض كونه غيبة، وقلنا بجوازه في غير مقام الشهادة والأمر
بالمعروف، كما هو مقتضى ذكر شيخنا له في المستثنيات منها(1).
بل من هذا الباب أيضاً ما يقع بين العلماء في بيان الصحيح من الفاسد، ضرورة كونه من جملة النصح في الدين.
إِلَّا أَنَّ الإنصاف كون هذا المقام من مزالق الشيطان، فلا بُدَّ لمرتكب ذلك من تصحيح النيّة، فإن الناقد لا يخفى عليه شيء من ذلك.
ومنها: ما يقصد به دفع الضرر عن المذموم في دم أو عرض أو مال، وقد وقع الطعن
ص: 163
منهم(قدس سره)في زرارة معلّلين بذلك، ولعلّ منه ما وقع في الهشامين.
لكن لا يخفى عليك أنَّ ذلك وشبهه ليس من الغيبة في شيء، بعد ما عرفت من اعتبار قصد الانتقاص)(1).
وحاصل ما أفاده(قدس سره):
أوَّلاً: أنَّ التعرّض لأحوال الرواة وجرحهم ليس من الغيبة؛ لتقومها بقصد المستغيب انتقاص المستغاب، ومن الواضح أنّ أئمّة الرجال لا يقصدون انتقاصَ الرواة، وإنَّما يقصدون بيان أحوالهم من أجل معرفة ما هو حجّة من الأخبار من غيره.
ثانياً: لو كان التعرّض لبيان معايب الآخرين، والاطلاع عليها غيبةً محرّمةً مطلقاً لما صح جرح الشهود في باب القضاء، ولما صح ذكر المبتدعة بشيء يسيء إليهم، مع أن جرح الشهود مما جرت عليه سيرة المسلمين بل العقلاء مطلقاً، كما أنَّ الشارع أمر بالوقيعة بالمبتدعة.
ثالثاً: أنَّ علم الرجال مما جرتْ عليه سيرة المسلمين خاصةً وعامةً ومن قديم الزمان، من غير أن يكون محذور كشف عيوب الآخرين مانعاً لهم، وما ذلك إلا لإدراكهم ترجيحه على حرمة غيبة المؤمن على وجه لا إشكال فيه، ولا شبهة تعتريه .
رابعاً: لو انسدّ باب علم الرجال لانسدّ باب عظيم من أبواب الاجتهاد؛ إذ من المعلوم كون الأخبار هي المدرك الأعظم للأحكام الشرعيّة، ومن خلال علم الرجال يُعرف الحجّة منها ، ومدى صلاحيته لمعارضة غيره.
ص: 164
قد وقع الكلام في منشأ حجّيّة قول الرجالي في الجرح والتعديل، وهل إنَّه من باب الشهادة، أو الرواية، أو الظنّ؟
ومن الفارق بين المسالك الثلاثة في الحجّيّة، هو: أنَّه على الشهادة لا بُدَّ أنْ يتحقق فيها شروط الشهادة من كونها عن حسّ وتعدّد، وأمّا على الرواية فلا بُدَّ من كون الإخبار عن حسّ ، ولا يشترط التعدّد بناءً على حجّيّة خبر الثقة في الموضوعات، وأما على الظن فلا يشترط شيء من ذلك.
قال صاحب الجواهر(قدس سره): ( لا فرق بين إخبار العدل وغيره، وبين كونه عن حسّ أو لا، بعد فرض حصول الظنّ له [ أي للمجتهد] به)(1).
والكلام بالفعل عن منشأ حجّيّة قول الرجالي في باب التعديل والتزكية (أي الحكم بعدالة الراوي وصحة حديثه)؛ إذ الأصل عدم البناء على عدالة الراوي ما لم يقم دليل عليها، ومن هنا ركّز صاحب الجواهر(قدس سره)على(عدالة الراوي)(2)في مقام حديثه عن منشأ حجية قول الرجالي.
وقد اختار(قدس سره)الظنون الرجالية منشأ لحجية قول الرجالي، قائلاً: (إنَّ المدار في التصحيح غالباً على الظنون)(3)، وقال : (التزكية من الظنون الاجتهادية)(4).
ص: 165
واستدلّ(قدس سره)على مختاره بقوله : (ولعلّ هذا موافق للقاعدة المعلومة، وهي قيام الظنّ مقام العلم عند التعذر في موضوعات الأحكام، خصوصاً في المقام الذي يقطع فيه بعدم سقوط الصلاة، وبعدم سقوط الاستقبال فيها، وبعدم حرمة السكنى في المواضع التي يتعذر فيها حصول العلم، وبعدم التكليف بفعل سائر الأفراد المحتملة تحصيلاً لليقين، وبقبح التكليف بما لا يطاق عندنا، فإن الرجوع هنا حينئذ إلى الظَّنِّ مُتعيَّن كما هو واضح ...ولذا يُرجع إلى قول اللغوي والنحوي والصرفي، وأصالة العدم، وأصالة البقاء، والقرائن الظنّيّة، وقول أهل الخبرة في الأرش وأمثاله، وقول الطبيب، وغير ذلك من الظنون)(1).
وحاصله : أنَّ الموقف الأوّلي هو الاعتماد على العلم في إحراز الموضوعات، لكن في حال تعذر تحصيل العلم بها فإنّ الظنّ يقوم مقامه، وإلا للزم الاحتياط بفعل سائر الأفراد المحتملة تحصيلاً لليقين، وبعده ظاهر؛ لما فيه من التكليف بما لا يطاق.
ومن تلك المواضيع عدالة الرواة، فإنّها إنَّما تحرز من خلال (عدم ظهور الفسق بعد الخلطة والاختبار)(2)، إلَّا أنَّ ذلك متعذر في أغلب الموارد؛ نظراً إلى بعد الفاصل بين أغلب الرواة وبين أئمة الرجال، فلا يكون إخبارهم بعدالتهم عن خلط واختبار ليفيد العلم بها، فيتعيّن قيام الظنّ الحاصل من قولهم مقام العلم بها، وإلا للزم العمل بجميع روايات غير معلومي الفسق، ولا يخفى ما فيه من التكليف بما لا يطاق.
مضافاً إلى أنَّ الأمر بالاجتهاد والتحرّي يشمل الظنّ الحاصل منهما، قال(قدس سره): (لإطلاق الأمر بالاجتهاد والتحرّي الشاملين ضرورة للظنّ الناشئ منه)(3).
ص: 166
بقي أمران:
الأمر الأوّل: أنَّ ابتناءَ التوثيق على الظنون الرجالية غالبيّ، وإلّا فقد يحصل القطع بحال الراوي كالرواة المشهورين بالوثاقة مثل أبان بن تغلب(1)، ولذا قال(قدس سره): (إنَّ المدار في التصحيح غالباً على الظنون)(2).
الأمر الآخر: لا تعتبر عدالة الرجالي في قبول قوله ما دام مفيداً للظن، قال(قدس سره): (لا فرق بين إخبار العدل وغيره وبين كونه عن حسّ أو لا، بعد فرض حصول الظنّ له [أي للمجتهد] به)(3).نعم، يُعتبر الوثوق به لتوقف حصول الظنّ من قوله عليه.
ومن هنا لم تعتبر عدالة الراوي في حجّيّة حديثه، قائلاً: (مع أنَّ الفطحيّة لا تمنع من العمل عندنا)(4)، ومصرحاً بحجّيّة الموثّق بقوله : (الموثّق الذي هو حجّة عندنا)(5).
نعم، قد يجعل من فساد عقيدة الراوي قرينة إضافيةً منضمّةً إلى ما توفّر عليه الحديث من عناصر فقد الحجيّة، كقوله : (وفيه - مع أن جماعة من الفطحيّة في سنده، وكون دلالته بالمفهوم ... معارض بغيره مما هو معتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً)(6).
وسيأتي بيان الوجه في ذلك في خاتمة القسم الأوَّل إن شاء الله تعالى.
ص: 167
من شؤون الجرح والتعديل وقوع التعارض بينهما، وقد بني جملة من الأعلام على تقديم الجرح ، وظاهر صاحب الجواهر(قدس سره)البناء عليه، ولذا قدّمه في محمّد بن سنان وداود ابن كثير الرقي وغيرهما(1).
والظاهر أنَّ الوجه في ذلك ما بيَّنه بقوله : ((ولو اختلف الشهود بالجرح والتعديل قدّم الجرح؛ لأنَّ) الشهادة ب_(_ه) غالباً تكون (شهادة بما يخفى عن الآخرين) المعدلين الذين مبنى شهادتهما غالباً - بعد الخلطة والممارسة - على أصل عدم وقوع المعصية منه، وظنّ ذلك بسبب حصول الملكة عنده ولو ملكة حسن الظاهر، وهما معاً غير معارضين لشهادة العدلين بوقوع ذلك منه. وحينئذ فمع الإطلاق بالعدالة والفسق يقوّي الظنّ بينة الجرح؛ لمكان الغلبة المزبورة)(2).
وقال أيضاً: (قد اشتهر بينهم تقديم الجرح على التعديل لعدم حصول التعارض، لكون المعدل لا يعلم، والجارح عالم، ومن لا يعلم ليس حجّة على من علم)(3).
وأوضحه بقوله : (ومن ذلك يظهر حينئذٍ وجه تقديم الجرح على التعديل، لكون المعدل يثبت حسن الظاهر، والجارح لا ينفيه، بل يقول: إنّي اطلعت منه على ما يُذْهِبُ العدالة وإن بقي حسن ظاهره)(4).
ص: 168
وغلبة الظنّ باطّلاع الجارح على ما لم يطلع عليه غيره كافية في الجرح والتعديل؛ لا بتنائهما عنده(قدس سره)على الظنون، كما تقدّم.
وإن قيل: لم يقدّم قول الجارح من دون ملاحظة سبب الجرح، خصوصاً مع وجود الاختلاف في الأسباب الداعية له عند أئمة الرجال؟
قيل : إنَّ من يخبر بضعف الراوي إنَّما يخبر عنه واقعاً وليس من جهة سببه، قال(قدس سره): (وفي المدارك لا يكفي قول الشاهد اليوم الصوم أو الفطر، بل يجب على السامع الاستفصال؛ لاختلاف الأقوال في المسألة، فيجوز استناد الشاهد إلى سبب لا يوافق مذهب السامع. نعم، لو عُلمت الموافقة أجزأ الإطلاق كما في الجرح والتعديل.
وقد يناقش بأنَّ مقتضى شهادته كونه كذلك واقعاً، وهو لا اختلاف فيه، ولذا لم يجب استفصاله في الشهادة بالملك والغصب والنجاسة ونحوها مما هي مختلفة الأسباب أيضاً، وكذلك الجرح والتعديل)(1).
ولذا في حال اتضح الوجه في الجرح وأنَّه ليس بتام عند الناظر فيه يتعيّن حينئذ عدم التعويل عليه؛ لأنَّه لا يوجب ظَنّاً بمفاده، ومن هنا رجّح توثيق سهل بن زياد على تضعيفه؛ لاتضاح أنَّ تضعيفه لم يكن من جهة أمانته في النقل، بل لروايته المراسيل واعتماده على الضعفاء، وكذا البرقي، ومحمد بن عيسى بن عبيد؛ لردّ الأصحاب تضعيف ابن الوليد له.
هذا، ولبنائه(قدس سره)على تقديم الجرح على التعديل لم يُعْمِل الظنون الاجتهادية في استحصال حال الراوي بعد ورود التضعيف فيه.
ص: 169
قد نقل صاحب الجواهر(قدس سره)عن المصادر الرجالية في مواطن متعدّدة من كتابه مستعيناً بكلماتهم على أخذ الموقف من الرواة، وهي:
أوّلاً: رسالة أبي غالب الزراري، فقد قال: (وما عن ظاهر النجاشي ورسالة أبي غالب الزراري من أنَّه من أصحاب الصادق(علیه السّلام)خاصة)(1)، ولم ينقل عنه في غير ذلك، كما أنَّ ظاهر عبارته عدم النقل عنه مباشرةً، وإنَّما نقل عنه بصيغة الحكاية، ولم يتسن لنا الوقوف على المصدر الذي حكى عنه.
ثانياً: رجال ابن الغضائري، حيث قال : ( عن ابن الغضائري)(2)، و(وفي طريقها محمّد بن سنان الذي ضَعَّفه الشيخ والنجاشي وابن الغضائري، وقال: إنَّه غالٍ لا يُلتفت إليه)(3)، وظاهر عبارته الثانية النقل عن ابن الغضائري مباشرةً، لكنَّه واضح البعد؛ لعدم وجود كتاب مستقل لابن الغضائري في زمانه(قدس سره)، وأنَّه كان يتوفّر على أقواله من خلاصة العلّامة، ولذا من القريب جداً نقله عنها ، وسيأتي تصريحه باعتماده عليها.
ثالثاً: رجال الكشي، نقل عنه بطريق الحكاية كقوله : ( عن الكشي)(4)، مبيناً في بعضها مصدر حكايته، حيث قال: (نقل العلّامة في الخلاصة عن الكتّيّ)(5)، كما نقل عنه بصورة
ص: 170
مباشرة، قائلاً : (قال الكشي)(1)، (روى الكشّيّ)(2)، كما أشار في بعض الأحيان إلى نصوصه من غير أن يذكره(3).
رابعاً : رجال النجاشي، نقل عنه بطريق الحكاية، قائلاً: (عن النجاشي)(4)، كما نقل عنه بصورة مباشرة، بقوله: (ما حكاه النجاشي)(5)، و(قلت: وقد ذكر النجاشي فيه أنَّه کان قارئاً وفقيهاً وجيهاً )(6)، (وقال النجاشي : ( يروي عنه جماعة منهم النضر بن سويد))(7).
خامساً: فهرست الشيخ، نقل عنه بطريق الحكاية، بقوله: (عن الفهرست)(8)، كما نقل عنه بصورة مباشرة، بقوله : (والشيخ والنجاشي وإن ذكرا أن مصنّفه من أصحاب الكتب)(9)، و(أنَّ الظاهر من الشيخ في الفهرست)(10)، و(على أنَّ الشيخ قال في الفهرست)(11)، و (كما في الفهرست)(12).
ص: 171
سادساً: رجال الشيخ، نقل عنه بصورة مباشرة، حيث قال: (وما ذكره الشيخ في كتب الرجال من أنَّه عامي، فهو وهم)(1).
سابعاً : خلاصة الأقوال، نقل عنه بصورة مباشرة في غير موضع، منها: قوله: (نقل العلّامة في الخلاصة عن الكشي)(2)، (ومما يزيد ذلك كله تصريح العلّامة في الخلاصة بأنَّ الأرجح قبول روايته، وتصحيحه جملة من طرق الصدوق المشتملة عليه، كطريقه إلى كردويه وإلى ياسر الخادم)(3)، (وأيضاً فالعلّامة في الخلاصة نصَّ على توثيقه)(4)، و(بل في الخلاصة أنَّه فسد مذهبه، وقتله بعض أصحاب أبي محمد العسكري(قدس سره)، وله كتب كلّها تخليط)(5)، و(لكن في الخلاصة أنَّه : ( وإن كان ما عن الصدوق ليس طعناً في الرجلين إلَّا أنّي لما لم أجد لأصحابنا تعديلاً لهما ولا طعناً فيهما توقفت عن قبول روايتها) انتهى)(6)، و(على أنَّه هو قد ذكر في الخلاصة: (وأنا أعتمد على رواية علي بن الحسن بن فضال وإنْ كان مذهبه فاسداً))(7)، (والخلاصة : (أنَّه من أبناء الأعاجم، غال، كذاب، فاسد المذهب والحديث، مشهور بذلك))(8).
بل يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)أنه يجعل الخلاصة مصدراً معتمداً في الرجال،
ص: 172
قال: (إنَّ طريق الصدوق(رحمه الله علیه)إلى الفضيل بن عثمان صحيح في قول، على ما في بعض كتب الرجال المعتمدة)(1). وقد ذكر ذلك العلامة في الخلاصة في الفائدة الثامنة من خاتمتها(2).
إن قيل : لعلّ صاحب الجواهر(قدس سره)قصد وجيزة المجلسي التي حكم فيها بصحة الطريق المذكور أيضاً(3)؟
قيل: الظاهر أنَّه لم تكن عنده نسخة الوجيزة؛ ولذا لم ينقل عنها إلا مرة واحدة وبصيغة الحكاية، حيث قال: (إنَّه نُقل عن المجلسي في وجيزته)(4)، بخلاف الخلاصة التي يظهر من عباراته السابقة أنه ينقل نصها، مما يدلّ على توفّرها عنده.
بل لا يبعد أنَّه كان يعتمد على الخلاصة في نقل كلام الكشي، والنجاشي، والشيخ، حتى ما كان منه بصورة النقل المباشر ثقةً منه بأمانة العلّامة في نقلها، وضبطه لها. ويؤيّد ذلك نقله بصورة مباشرة عن ابن الغضائري مع عدم توفّر كتابه في زمان الجواهر.
ثامناً: حاشية الشهيد الثاني على خلاصة الأقوال. نقل عنه بصيغة الحكاية، قائلاً:
(عن الشهيد الثاني في حاشيته على الخلاصة)(5).
والظاهر أنَّه نقله عن منهج عن منهج المقال للاسترآبادي(6)؛ إذ الوحيد في التعليقة لم ينقل كُلَّ
ص: 173
كلام الشهيد الثاني، ولم ينسبه إليه(1)، بل الظاهر أنَّه لا ينقل عن التعليقة مباشرةً، كما سيأتي. ولم نقف على من نقل عبارة الشهيد الثاني قبل صاحب الجواهر تيل من الفقهاء في كتبهم الفقهية التى كانت منظورة له . وبذلك يكون منهج المقال م مصادره الرجالية.
تاسعاً: الوجيزة في الرجال للشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي، وقد نقل عنها بصيغة الحكاية، قائلاً: (إنَّه نُقل عن المجلسي في وجيزته)(2). والظاهر أنَّه نقله عن المحدّث البحراني في الحدائق(3)، وسيأتي نقل نص كلامه في ترجمة أبي الورد.
عاشراً : بلغة المحدّثين، لأبي الحسن سليمان بن عبد الله البحراني الماحوزي، نقل عنها بصيغة الحكاية، قائلاً: (إنَّه نُقل عن المجلسي في وجيزته، وأبي الحسن في بلغته أنَّه ممدوح)(4)، و(بل عن صاحب البلغة الحكم بكونه ممدوحاً)(5)، و(وعن البلغة أنَّه ممدوح)(6)، والظاهر أنَّه نقله أيضاً عن المحدّث البحراني في الحدائق(7)، وسيأتي نقل نص كلامه في ترجمة أبي الورد.
حادي عشر : تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال، نقل عنها حكايةً، قائلاً: (بل
ص: 174
عن تعليق الأغا(قدس سره) أنه يروي عنه الأجلاء، وأنَّه مقبول الرواية، وأنَّه هو الذي أمره الصادق(قدس سره)بتفريق المال في عيال من أصيب مع زيد)(1)، و(بل عن الفاضل المتبحر وحيد عصره، وخصوصاً في الحديث والرجال الأغا محمّد باقر عن جده أنَّه حكم بأنَّه ثقة)(2). ولم نقف على مصدر نقله.
ثاني عشر: منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني(رحمه الله علیه)، ونقل عنه بصيغة الحكاية قائلاً: (مع أنَّه نقل عن الشيخ حسن في المنتقى أنَّ الذي تقتضيه مراعاة الطبقات إنَّما هو محمّد ؛ لأنَّه هو والبرقيّ في طبقة واحدة)(3)، وفاعل (نقل) في كلامه هو البهائي، لكنَّه نقل كلام البهائي حكاية أيضاً كما سيأتي تفصيله في (ابن سنان).
هذا، وقد يعتمد صاحب الجواهر(قدس سره)في نقل بعض كلمات الرجاليين على ما هو المذكور في كتب الفقهاء السابقين عليه، وسيأتي بيان مواضع ذلك في تراجم جملة ممن تعرّض لهم من الرواة.
ص: 175
القسم الأوّل من رجال الجواهر معقود لبيان الكبريات الرجالية التي جاءت في كلام مؤلّفها(قدس سره)، مع ذكر خاتمة في بيان خصوصيّة في منهجه(قدس سره)، وقد توفّرنا على جملة من تلك الكبريات في كلامه(قدس سره)، وهي:
الأولى مقصود الرجالي من قوله: (ثقة).
الثانية: هل ترجع متعلّقات الكلام في ترجمة الراوي إلى المقصود بالأصالة؟
الثالثة: كون مدح الراوي وارداً من طريقه.
الرابعة: كون الراوي كثير الرواية.
الخامسة: كون الراوي وكيلاً للمعصوم(علیهم السّلام)
السادسة: كون الراوي ممن للصدوق طريق إليه.
السابعة: كون الراوي ممن نقل الشيخ عمل الطائفة برواياته.
الثامنة : استثناء ابن الوليد من كتاب نوادر الحكمة.
التاسعة: رواية أصحاب الإجماع.
العاشرة: رواية المشايخ الثلاثة.
الحادية عشر: رواية الأجلاء.
الثانية عشر : إكثار الكليني.
الثالثة عشر: مشيخة الإجازة.
خاتمة .. التحشيد.
ص: 176
من أبرز ألفاظ التعديل وأهمها، مع كثرة تداولها في الأصول الرجالية هو قول أئمّة الرجال في حقٌّ الراوي أنَّه : (ثقة)، فما المقصود بها؟ وهل إنَّها تدلّ على أمانة الراوي في نقله وضبطه لما يرويه وحسب، أو إنّها تدلّ - مضافاً إلى ذلك - على صحة عقيدته، وأنَّه إمامي ؟
يظهر من الشهيد الثاني(قدس سره)في المسالك عدم البناء على الثاني، حيث قال: (إنَّ معاوية ابن حكيم وإن كان ثقة جليلاً روى عن الرضا(علیه السّلام)- كما نقله النجاشي - إلَّا أنَّ الكشّيّ
- قال: إنَّه فطحيّ، وابن داود ذكره في قسم الضعفاء لذلك، والشيخ لم يتعرّض له بمدح ولا قدح. والحق أنَّه لا منافاة بين القولين، فإنَّ الحكم بكونه ثقةً جليلاً يروي عن الرضا(علیه السّلام)لا ينافي كونه فطحيّاً؛ لأن الفطحيّة يزيدون في الأئمّة عبد الله بن جعفر الصادق، ويجعلون الإمامة بعده لأخيه موسى، ثُمَّ للرضا(علیه السّلام)، ولا ينافي ذلك روايته
عنه. وأما كونه ثقةً جليلاً فظاهر مجامعته للفطحيّة؛ لأنَّ كثيراً منهم وصف بهذا الوصف سيّما بني فضّال. فعلى هذا ما انفرد به الكشي من الحكم بكونه فطحيّاً لا معارض له حتى يُطلب الترجيح)(1).
وظاهره أن لا منافاة في كلمات الرجالين بين كون الراوي فاسد العقيدة فطحيّاً - مثلاً - وكونه ثقةً؛ نظراً إلى وقوع وصفهم لجملة من فاسدي العقيدة بالثقات ك_(بني فضّال)، قال النجاشي: (أحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن فضال بن عمر بن أيمن مولى عكرمة بن ربعي الفياض أبو الحسين وقيل : أبو عبد الله، يقال: إنَّه كان فطحيّاً، وكان
ص: 177
ثقةً في الحديث)(1)، وقال الشيخ : (الحسن بن علي ابن فضال، كان فطحياً يقول بإمامة عبد الله بن جعفر ، ثُمَّ رجع إلى إمامة أبي الحسن(علیه السّلام)عند موته، ومات سنة أربع وعشرين ومائتين، وهو ابن التيملي بن ربيعة بن بكر، مولى تيم الله بن ثعلبة، روى عن الرضا(علیه السّلام)، وكان خصيصاً به، كان جليل القدر ، عظيم المنزلة، زاهداً، ورعاً، ثقةً في الحديث، وفي رواياته)(2)، وغير بني فضال كقول النجاشي: (علي بن أسباط بن سالم بياع الزطي، أبو الحسن المقرئ، كوفي، ثقة، وكان فطحيّاً. جرى بينه وبين علي بن مهزيار رسائل في ذلك (ذاك)، رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثاني(علیه السّلام)، فرجع علي بن أسباط عن ذلك القول وتركه. وقد روى عن الرضا(علیه السّلام)من قبل ذلك، وكان أوثق الناس وأصدقهم لهجة)(3)، وقال الشيخ: عبد الله بن بكير، فطحيّ المذهب، إلَّا أنَّه ثقة)(4)، وغيرهم.
لكن بنى صاحب الجواهر(قدس سره)على إفادة قول الرجاليّين (ثقة ) إمامية الراوي وسلامة عقيدته، مشيراً إلى ذلك في تعليقه على ما تقدّم من كلام المسالك بقوله: (إنَّ كلام الكشّيّ معارض بكلام النجاشي بعد تعارف إرادة الإمامي من إطلاق (ثقة) في كتب الرجال، كما هو محرّر في محلّه)(5).
وحاصله : أنَّه من المتعارف في الرجال إرادة الإمامي من قولهم: (ثقة) ما لم يصرحوا بخلاف مذهبه كما في الأمثلة المتقدّمة. قال الوحيد في التعليقة: (إذا قال عدل إمامي جش
ص: 178
[أي النجاشي] كان أو غيره: (فلان ثقة) أنّهم يحكمون بمجرد هذا القول بأنه: (عدل إماميّ) كما هو ظاهر؛ إما لما ذكر(1)، أو لأنَّ الظاهر من الرواة التشيع، والظاهر من الشيعة حسن العقيدة، أو لأنهم وجدوا منهم اصطلاح ذلك في الإمامية وإن كانوا يطلقون على غيرهم مع القرينة)(2).
نعم، يظهر من كلام الجواهر المتقدّم أنَّه يراه اصطلاحاً للرجاليّين في ذلك؛ لمكان قوله: (بعد تعارف الإمامي من إطلاق (ثقة) في كتب الرجال).
ويمكن أن تسجل ملاحظة أخرى على كلام المسالك، فإنَّ الاستشهاد لاجتماعالتوثيق مع فساد العقيدة ب_(بني فضّال) ليس بتام؛ لأنّ ما ورد في تراجم المتقدمة هوتراجمهم كونهم (ثقة في الحديث)، وليس ( ثقة) مطلقاً، وفرق بينهما فإنَّ التوثيق المطلق المبحوث عنه هو ما يفيد وثاقة الراوي في نفسه، بينما (ثقة في الحديث) تفيد أنَّه يوثق بما يرويه، فهو غير متهم بالكذب أو الوضع في رواياته، من دون نظر إلى وثاقته في نفسه، وأنَّه سليم العقيدة.
قال صاحب الجواهر(قدس سره): ( وفي طريقه محمّد بن خالد البرقي، وعن النجاشي: أنّه (كان ضعيفاً في الحديث)، وعن ابن الغضائري: (حديثه يعرف وينكر، يروي عن الضعفاء كثيراً، ويعتمد المراسيل) إلى آخره. ولا ينافي ذلك ما حكي من توثيق الشيخ والعلّامة إيّاه؛ لأنَّ الطعن المذكور إنَّما هو في رواياته لا فيه نفسه، والفرق بينهما واضح)(3).
ص: 179
ويترتب على إفادة التوثيق المطلق لسلامة عقيدة الراوي: وقوع التعارض بين النصّ على وثاقة الراوي مطلقاً في كلمات بعض أئمّة الرجال، ونصّ غيره على فساد عقيدته، لدلالة التوثيق على سلامة العقيدة المنافي للنصّ على فسادها ؛ بخلاف ما إذا لم يُبنَ على دلالة كلمة (ثقة) على سلامة العقيدة، فإنَّه لا تعارض بينهما حينئذ ؛ إذ لا تعرّض للتوثيق - حسب الفرض - السلامة عقيدة الراوي ليُعارض النصّ على فسادها.
هذا، وقد بَيَّنَ الشيخ البهائي(قدس سره)دلالة قولهم : (ثقة) على الضبط بقوله: (إنَّهم يريدون بقولهم: (فلان ثقة) أنَّه عدل ضابط؛ لأنَّ لفظ الثقة مشتق من الوثوق، ولا وثوق بمن يتساوى سهوه وذكره، أو يغلب سهوه على ذكره)(1).
مما يرد في تراجم الرواة ذكرُ غيرهم فيها لمناسبة اقتضته، ثُمَّ يُذكر بعد ذلك بعض متعلّقات الكلام كالنصّ على التوثيق، كقول النجاشي: (الحسن بن علي بن النعمان، مولى بني هاشم، أبوه علي بن النعمان الأعلم ، ثقة، ثبت)(2)، فيقع الكلام في عودها لصاحب الترجمة، أو أنها لمن ذُكر معه، أو أنَّه لا أصل يُعيّن شيئاً من ذلك، فيُتوقف فيها؟
بنى جمع من الأعلام على رجوعها لصاحب الترجمة؛ إذ هو الظاهر بعد كونه هو المقصود بالأصالة، قال الميرزا القمّيّ : ( وقد يتأمّل في صحة ذلك الخبر لمكان الحسن بن عليّ بن النعمان، مع أنَّ النجاشي قال في ترجمته: كوفي مولى بني هاشم أبوه علي بن النعمان، ثقة، ثبت .. متمسكاً باحتمال رجوع المدح إلى أبيه دونه، وأنت خبير بأنَّه خلاف الظاهر
ص: 180
من كلامه، والاحتمال لا يرفع حجية الظاهر)(1).
وقال صاحب الحدائق: (والذي وقفتُ عليه في كلام أصحابنا(صلی الله علیه و آله و سلم)من علماء الرجال
وغيرهم هو توثيق الحسن بن عليّ بن النعمان المذكور، ولم يتوقف أحد منهم في ذلك، وهو بناء منهم على أنَّه إذا كانت الترجمة لرجل فجميع ما يذكر فيها إنَّما يعود إليه، كما هو في كتب الرجال المعوّل عليها إلّا مع قرينة خلافه)(2).
مضافاً إلى أنّ توثيق غير صاحب الترجمة فيها قليل، بل قيل بندرته، قال الشيخ البهائي: (وقد اشتبه توثيق الابن بتوثيق الأب وبالعكس؛ لإجمال في العبارة كعبارة النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن النعمان، ولذلك عدّ بعض أصحابنا كالعلّامة في المنتهى والمختلف حديثه في الحسان اقتصاراً على المتيقن، وبعضهم عَدَّه في الصحاح
الندرة توثيق الرجل في غير بابه)(3).
والذي يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)التوقف في ذلك وأنَّ العبارة محتملة للأمرين إلَّا إذا قامت القرينة على أحدهما ، قال(قدس سره): (إنَّه قد يناقش في دعوى صحة سند الخبر المذكور؛ لأنَّ في طريقه الحسن بن علي بن النعمان، وفي توثيقه إشكال؛ لأنَّ النجاشي وإِنْ صَرَّح في ترجمته بالتوثيق - على ما حُكي عنه - إلَّا أنَّه لا يتعيّن عوده إليه، بل يحتمل رجوعه إلى أبيه علي بن النعمان، قال: (الحسن بن علي بن النعمان مولى بني هاشم، أبوه علي بن النعمان الأعلم ثقة، ثبت، له كتاب نوادر صحيح الحديث كثير الفوائد، روى عنه الصفار) بل قد يؤيّد الثاني ما ذكره عند ترجمة أبيه ، قال : ( علي بن النعمان الأعلم، وأخوه
ص: 181
داود أعلى منه، وابنه الحسن وابنه أحمد رويا الحديث، وكان عليّ ثقةً، وجهاً، ثبتاً صحيحاً له كتاب..)(1).
ولعلَّ الوجه فيه وقوع متعلقات غير المترجم له في ترجمة غيره مع احتمال العبارة له(2).
مما يثبت به اعتبار الراوي من الوثاقة أو الحسن هو أن يرد فيه ثناء من المعصوم(علیه السّلام)، لكنْ ربَّما يرد الثناء من طريق نفس الراوي كما في عبد الملك بن عمرو، فقد روى الكتّيّ عن (حمدويه، قال: حدّثني يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن عبد الملك بن عمرو، قال، قال لي أبو عبد الله(علیه السّلام): إني لأدعو الله لك حتّى أُسمّي دابتك، أو قال : أدعو لدابّتك)(3). فهل يثبت به اعتباره أو لا؟
ظاهر الشهيد الثاني(قدس سره)عدم الاعتداد به حيث علق على الرواية المذكورة بقوله: (مع أنَّ الرواية منقولة عنه، ومثل هذا لا يثبت به حكم)(4)، وأشار إلى وجهه الشيخ البهائي(علیه السّلام)بقوله : (فإنا لم نظفر بما يدلّ على توثيق عبد الملك بن عمرو، وما روي من أنَّ الصادق(علیه السّلام)قال له: (إنّي لأدعو لك حتى أُسمّى دابتك) لا تفيد توثيقه؛ فإنَّه هو الراوي
ص: 182
لهذه الرواية فهو مزاً لنفسه)(1)، وقرَّبه السيد الخوئي(قدس سره)بقوله: (إنّ في إثبات وثاقة الرجل وحسنه بقول نفسه دوراً ظاهراً)(2).
إلَّا أنَّ الذي يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)هو الاعتداد به ما دام مروياً إليه بطريق معتبر، ولذا وصف ما رواه عن عبد الملك بن عمرو ب_(الحسن)(3)، كما بنى على عدالة عبد الرحمن بن سيابة اعتماداً على توكيل الإمام الصادق(علیه السّلام)إياه في قسمة أموال على عيال من قتل مع زيد، قائلاً : (إنّ ابن سيابة يمكن استفادة عدالته من توكيل الصادق(علیه السّلام)إياه قسمة الألف دينار على عيال من قتل مع عمه زيد، وغير ذلك)(4)، مع أنَّ التوكيل المذكور وارد من طريق ابن سيابة نفسه، وهو ما رواه الكشي عن (إبراهيم بن محمد بن العبّاس الختلي قال : حدثني أحمد بن إدريس القمي، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن سيابة، قال: دفع إلي أبو عبد الله(علیه السّلام)دنانير ، وأمرني أن أقسمها في عيالات من أصيب مع عمّه زيد، فقسمتها، قال: فأصاب عيال عبد الله بن الزبير الرسان أربعة دنانير)(5).
مما قيل بدلالته على حسن الراوي هو كونه كثير الرواية، وتحرز كثرة روايته إمّا
ص: 183
بالنص عليه في كتب الرجال بأنَّه (كثير الرواية)(1)، أو من خلال الاطلاع على رواياته الكثيرة في المصادر الحديثية كما هو الحال في سهل بن زياد.
واستُدلّ على دلالة كثرة الرواية على حسن الراوي بدليلين:
الدليل الأوَّل: ما رواه الكشي عن الإمام الصادق(علیه السّلام)بثلاثة طرق قائلاً: (حمدويه ابن نصير الكشي، قال حدثنا: محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،محمد بن سنان، عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد الله(علیه السّلام)قال : اعرفوا منازل الرجال منا على قدر روايتهم عنا.
محمد بن سعيد الكشي ابن مزيد، وأبو جعفر محمد بن أبي عوف البخاري، قالا: حدثنا أبو عليّ محمّد بن أحمد بن حماد المروزي المحمودي يرفعه ، قال : قال الصادق(علیه السّلام): اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا، فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيهاً حتى يكون مُحدّثاً. فقيل له: أو يكون المؤمن مُحدِّثاً؟ قال: يكون مُفْهَا، والمفهم مُحدِّث.
إبراهيم بن محمد بن العباس الختلي، قال: حدثنا أحمد بن إدريس القمّي المعلّم، قال: حدثني أحمد بن يحيى بن عمران، قال: حدثني سليمان الخطابي، قال: حدثني محمد بن محمد، عن بعض رجاله، عن محمد بن حمران العجلي، عن علي بن حنظلة، عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال : اعرفوا منازل الناس منا على قدر رواياتهم عنا)(2).
فإنَّه بظاهره يدل على أنّ كثرة الرواية عنهم(علیهم السّلام)توجب منزلة للراوي عندهم مما يقتضي حسنه والاعتداد بما يرويه.
ص: 184
الدليل الآخر: أنَّ كثرة رواية الراوي عن أهل البيت(علیهم السّلام)تكشف عن شدة ملازمته لهم، وزيادة صحبته معهم، وأنَّه بمكان من القرب منهم(1).
إلَّا أنَّ كلا الدليلين مخدوش ؛ أمَّا الأوّل فلضعف الأخبار المتقدمة بالإرسال في
الأخيرتين (والمرسل غير حجّة)(2)، و ب_(محمّد بن سنان) في الأولى، وقد بنى صاحب الجواهر(قدس سره)على ضعفه، قائلاً: ( وفي طريقها محمّد بن سنان الذي ضَعَّفه الشيخ والنجاشي وابن الغضائري، وقال: إنَّه غالٍ لا يلتفت إليه، بل روى الكشّي فيه قدحاً عظيماً، بل عن ابن شاذان: أنَّه من الكذابين المشهورين)(3)، (ويطعن في الروايتين بأنَّ إحداهما رواية محمد بن سنان، وهو مطعون فيه)(4). مضافاً إلى أنَّ إحراز كثرة روايته متوقف على وثاقته؛ لأنَّ كثرة الرواية النافعة في معرفة منزلة الراوي إنَّما هي كثرة رواياته الصحيحة؛ إذ لو لم تكن صحيحة لما أحرزنا أنَّه بالفعل له روايات كثيرة عنهم(علیهم السّلام)؛ إذ لعله كان كثير الكذب على أهل البيت(علیهم السّلام)كأبي الخطاب الذي ورد فيه اللعن، لدسّه الأحاديث في كتب أصحاب الصادق(علیه السّلام)(5)، وأنَّ بعض من كان كثير الحديث ورد فيه تضعيف من قبل أئمة الرجال ك_( سهل بن زياد و محمد بن سنان.
وأما الآخر فمع اختصاصه بمن يروي عنهم(علیهم السّلام)مباشرةً، وورود بعض ما تقدّ عليه، فإنَّ مجرّد شدّة الملازمة والصحبة لا تقتضي الوثاقة، (كيف! وقد صاحب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)
ص: 185
وسائر المعصومين(علیهم السّلام)من لا حاجة إلى بيان حالهم، وفساد سيرتهم، وسوء أفعالهم؟!)(1).
ولم يعتمد صاحب الجواهر(قدس سره)على كثرة الرواية في الكشف عن اعتبار الراوي إلا مؤيّدةً، قال: (إبراهيم بن هاشم مع أنَّه من مشايخ الإجازة فلا يحتاج إلى توثيقه في وجه عدم نصّهم على توثيقه، لعلَّه لجلالة قدره، وعظم منزلته، كما لعله الظاهر ويشعر به ما حكاه النجاشي عن أصحابنا أنهم كانوا يقولون: إنَّ إبراهيم بن هاشم هو أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم بعد انتقاله من الكوفة.. ويؤيده زيادة على ذلك.. كونه كثير الرواية جدّاً، وقد قال الصادق(علیه السّلام): اعرفوا منازل الرجال بقدر روايتهم عنا)(2).
مما بُنِي على إفادته اعتبار الراوي من حيث الوثاقة أو الحسن هو كونه وكيلاً لأحد المعصومين(علیهم السّلام)، كعبد الرحمن بن سيابة الذي وكّله الإمام الصادق(علیه السّلام)في تفريق أموال في من قتل مع عمه زيد(3).
وقد قرَّبه الوحيد(قدس سره)بقوله : (ظاهر توكيلهم حسن حالة الوكلاء، والاعتماد عليهم، وجلالتهم بل وثاقتهم إلا أن يثبت خلافه وتغيير وتبديل وخيانة، والمغيّرون معروفون)(4).
وقال الكجوري: (لا ينبغي الريب في أنّهم ما كانوا يوكلون فاسد العقيدة، بل كانوا يأمرون بالتنفّر عنهم ، وإيذائهم، بل وأمروا بقتل بعضهم، وكذا ما كانوا يوكَّلون إلَّا من
ص: 186
كانوا يعتمدون عليه ويثقون به، بل وكان عادلاً أيضاً. ويؤكد ذلك أنَّ جلَّ وكلائهم كانوا في غاية الجلالة والوثاقة كما يظهر من تراجمهم)(1).
ويظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)البناء على ذلك حيث قال: (إنَّ ابن سيابة يمكن استفادة عدالته من توكيل الصادق(علیه السّلام)إياه قسمة الألف دينار على عيال من قتل مع عمه زيد، وغير ذلك)(2).
وفي قبال ذلك لو كان الراوي وكيلاً لأئمة الجور فإنَّه يكشف عن عدم وثاقته، والظاهر أنَّ صاحب الجواهر(قدس سره)أشار إلى ذلك في ابن أبي ليلى حيث قال: (إلَّا أَنَّه مع كون الراوي ابن أبي ليلى المعلوم حاله)(3)، فإنَّه من المعلوم تولّيه القضاء لبني أُمية ثُمَّ لبني العباس، وسيأتي - إن شاء الله - مزيد تفصيل عن حاله في ترجمته.
جميع من أخرج عن كتبهم الأحاديث هم معوّل عليهم عند أصحاب الحديث، وهي شهادة بوثاقتهم أو لا أقل حُسنهم.
قال المجلسي في الوجيزة: (وإنما حكمنا بحسن صاحب الكتاب - إذا كان على المشهور مجهولاً - بحكم الصدوق(رحمه الله علیه)بأنَّه إنَّما أخذ أخبار الفقيه من الأصول المعتبرة التي عليها المعوّل، وإليها المرجع، وهذا إن لم يكن موجباً لصحة الحديث - كما ذهب إليه المحدّثون - فهو لا محالة مدح لصاحب الكتاب)(1).
ولم نقف في حدود ما تمت متابعته من كلمات صاحب الجواهر(قدس سره)على موقف صريح له من جعل طريق الصدوق للراوي مما يدلّ على وثاقته أو حسنه. والظاهر أنه لا يعتمده، بشهادة أمرين:
الأوّل: بناء صاحب الجواهر(قدس سره)على أنَّ الصدوق تراجع عما ذكره في مقدمة الفقيه، قال(قدس سره): (لا يقدح فيها خلاف الصدوق إنْ كان ولا ما أرسله، على أنّه حكى الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح عن جده أنَّه رجع الصدوق عما ذكره في أول كتابه، ولذا ذكر فيه كثيراً مما أفتى بخلافه، وقد يشهد له التتبع لكتابه)(2). وسيأتي التعرّض له - إن شاء الله - مفصلاً في مبحث مراسيل الصدوق
والآخر: أنَّ شهرة الكتاب والتعويل عليه لا تزيد على شهرة الرواية والتعويل عليها من جهة اجتماعها مع ضعف السند، فكذلك شهرة الكتاب غاية ما تقتضيه اعتباره، واعتبار الكتاب لا يستلزم اعتبار مؤلفه، فهي نظير صحة الرواية عند القدماء التي تجتمع
ص: 188
مع ضعف راويها؛ ولذا لم يجعل صاحب الجواهر(قدس سره)قول الشيخ في حق طلحة بن زيد ب_( أنَّ كتابه معتمد)(1). دالاً على وثاقته أو حسنه.
نعم، ذكر في حقّ ( جرّاح المدائني)، و (القاسم بن سليمان)، أنّ للصدوق طريقاً إليهما في الفقيه؛ لكن سيأتي في ترجمتهما أنَّه لم يذكر ذلك للوصول إلى وثاقتهما أو حسنهما، فليلاحظ .
مما قيل بإفادة وثاقة الراوي هو كونه ممن نقل الشيخ عمل الطائفة برواياته؛ لما قاله في العدّة: (إذا كان مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب، وروى مع ذلك عن الأئمة(علیهم السّلام)نظر فيما يرويه.. وإن لم يكن من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه، ولا يعرف لهم قول فيه، وجب أيضاً العمل به؛ لما روي عن الصادق(علیه السّلام)أنَّه قال: (إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها في ما رووا عنّا فانظروا إلى ما رووه عن علي(علیه السّلام)الصلاة فاعملوا به) ولأجل ما قلناه عملتْ الطَّائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن درّاج، والسكوني، وغيرهم من العامة عن أئمتنا(علیهم السّلام)فيما لم ينكروه، ولم يكن عندهم خلافه.
وإذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحيّة، والواقفة، والناووسيّة وغيرهم نظر فيما يرويه: فإن كان هناك قرينة تعضده، أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم، وجب العمل به. وإن كان هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين، وجب اطراح ما اختصوا بروايته والعمل بما رواه الثقة. وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه، وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرّجاً في روايته، موثوقاً في أمانته وإن كان مخطئاً
ص: 189
في أصل الاعتقاد. ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة مثل عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضّال وبنو سماعة والطاطريون، وغيرهم، فيما لم يكن عندهم فيه خلافه)(1).
وظاهر صاحب الجواهر(قدس سره)البناء على ذلك، بشهادة اعتماده عليه في استفادة وثاقة عثمان بن عيسى(2)، والسكوني(3)، وحفص بن غياث(4)، كما سيأتي تفصيل ذلك في تراجمهم، بل استشهد له قائلاً: (دعوى الشيخ الإجماع على قبول رواية السكوني .. الذي يشهد له ملاحظة عمل الأصحاب بها في كثير من من الأبواب، واعتناء المحمدين الثلاثة في كتبهم الأربعة بها)(5).
والظاهر أنَّ الوجه فيه - مضافاً إلى أنَّ عمل الطائفة برواياتهم مع العلم بفساد عقيدتهم كاشف عن الوثوق بهم - تصريح الشيخ بالنسبة لفاسدي العقيدة من فرق الشيعة بكونه (متحرّجاً في روايته، موثوقاً في أمانته، وإنْ كان مخطئاً في أصل الاعتقاد).
نعم، يظهر من بعض عبارات صاحب الجواهر(قدس سره)أنَّه قد يوظفه كقرينة من قرائن الوثوق بالخبر كقوله: (خصوصاً بعد معلوميّة عدم صحة سند الخبرين، إلَّا أنَّهما يمكن الوثوق بهما من جهة القرائن التي منها قبول أخبار السكوني، وروايتهما في الكتب المعتبرة،
ص: 190
وفتوى من عرفت بهما، بل قد سمعت نسبته إلى الشهرة ونحو ذلك)(1)، و (ما في المدارك - من أنَّ هذه الرواية ضعيفة السند، متهافتة المتن، قاصرة الدلالة، فلا يسوغ التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل - يدفعه - مع أنَّها من الموثّق الذي هو حجة عندنا في نفسه، مضافاً إلى الإجماع عن الشيخ في العدة على العمل بروايات عمار - انجبارها بما عرفت، وبذكرها في الكافي والفقيه، واعتضادها بمفهوم موثّقته الأخرى)(2).
کتاب (نوادر الحكمة) لمحمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمّيّ، قال النجاشي: (كان ثقةً في الحديث، إلَّا أنَّ أصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء)(3)، وقال الشيخ : ( جليل القدر، كثير الرواية)(4).
وكتاب (نوادر الحكمة) كان كتاباً حسناً موسوعيّاً لما يحويه من عديد العلوم كالفقه والعقائد، والتاريخ، والرجال، والأخلاق، حتى عُرِفَ ب_(دبّة شبيب) وهو رجل فاميّ - أي يبيع كلّ شيء - كانت له دبة لها بيوت يُعطي منها ما يُطلب منه؛ لما تحويه من أنواع متعدّدة، وشبّهوا كتاب (نوادر الحكمة ) به لما يحويه - ظاهراً - من أصناف النوادر الروائية.
والظاهر لأهمّيّة هذا الكتاب وتداوله بين الأعلام عَمَدَ ابن الوليد(5)إلى تقييم رواته
ص: 191
ورواياته، فاستثنى أصنافاً من ذلك مما كان فيه غلوّ أو تخليط .
وقد ذكر النجاشي تفاصيل ما استثناه ابن الوليد قائلاً : (كان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد بن موسى الهمداني، أو ما رواه عن رجل، أو يقول بعض أصحابنا، أو عن محمد بن يحيى المعاذي، أو عن أبي عبد الله الرازي الجاموراني، أو عن أبي عبد الله السياري، أو عن يوسف بن السخت، أو عن وهب بن منبه، أو عن أبي علي النيشابوري [النيسابوري]، أو عن أبي يحيى الواسطي، أو محمّد بن عليّ أبي سمينة، أو يقول في حديث، أو كتاب ولم أروه، أو عن سهل بن زياد الآدمي، أو عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ، أو عن أحمد بن هلال، أو محمّد ابن علي الهمداني، أو عبد الله بن محمّد الشامي، أو عبد الله بن أحمد الرازي، أو أحمد بن الحسين بن سعيد، أو أحمد بن بشير الرقي، أو عن محمد بن هارون، أو عن ممويه بن
معروف، أو عن محمّد بن عبد الله بن مهران أو ما ينفرد [ يتفرد] به الحسن بن الحسين اللؤلؤيّ، وما يرويه عن جعفر بن محمد بن مالك، أو يوسف بن الحارث، أو عبد الله بن محمد الدمشقي.
قال أبو العباس بن نوح: وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كُلّه، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه(رحمه الله علیه)على ذلك، إلا في محمّد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه ! لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة)(1).
ص: 192
ونقل نظير ذلك الشيخ في الفهرست مع اختلاف اختلاف يسير(1).
وحاصل ما استثناه ابن الوليد ثلاثة أصناف:
الصنف الأوَّل: مجموعة من الرواة وهم: أحمد بن بشير الرقي، وأحمد بن الحسين ابن سعيد وأحمد بن هلال، وأبو عبد الله الرازي الجاموراني، وأبو عبد الله السياريّ، وأبو علي النيشابوري، وأبو يحيى الواسطي، وممويه بن معروف، وجعفر بن محمد بن مالك، وسهل بن زياد وعبد الله بن أحمد الرازي، وعبد الله بن محمّد الشامي، ومحمّد ابن عبد الله بن مهران ومحمد بن علي أبو سمينة، ومحمد بن علي الهمداني، ومحمد بن موسى الهمداني، ومحمد بن هارون، ومحمّد بن يحيى المعاذي، ووهب بن منبه، ويوسف ابن الحارث، ويوسف بن السخت.
الصنف الثاني: راو في حالةٍ معيَّنة، وهو ما ينفرد به: الحسن بن الحسين اللؤلؤي، ومحمد بن عيسى بن عبيد بإسنادٍ منقطع ؛ ومن هذا الصنف بعض من ذُكِرَ في الصنف الأوّل - على ما في الفهرست ، وهم جعفر بن محمد مالك، وجعفر بن محمد الكوفي، وعبد الله بن محمد الدمشقي، ويوسف بن السخت.
الصنف الثالث: الأسانيد المرسلة، وهي ما رواه عن رجل، أو عن بعض أصحابنا، أو في حديث، أو عن كتاب ولم أروه، ومنه ما عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع، كما في رجال النجاشي.
وظاهر الوحيد البهبهاني - شيخ صاحب الجواهر(قدس سره) - التفصيل بين مَن استثني ومَن لم يستثن ، فلم يستفد من الأوّل الدلالة على ضعف الراوي، قال(قدس سره): (رَبَّما تُؤمِّلَ في إفادة
ص: 193
هذا الاستثناء القدح في نفس الرجل المستثنى، ولا يبعد أن يكون التأمل في موضعه)(1).
ولعلَّ الوجه فيه: هو أنَّ ظاهر الشيخ أنَّ الاستثناء كان على أساس ما كان فيه من غلوّ أو تخليط(2)، وكلاهما ليس ضعفاً في شخص الراوي وكونه كذاباً، وإنَّما الأوَّل قدح في عقيدته، وفسادها لا يضر بالوثاقة، قال صاحب الجواهر(قدس سره): (الفطحيّة لا تمنع من العمل عندنا)(3)، والثاني في روايته ما يعرف وما ينكر(4)وهو ضعف في الحديث لا في راويه، ولعله كان منكراً في نظر ابن الوليد، قال صاحب الجواهر(قدس سره): (عن ابن الغضائري (حديثه يعرف وينكر يروي عن الضعفاء كثيراً ويعتمد المراسيل) إلى آخره. ولا ينافي ذلك ما حكي من توثيق الشيخ والعلّامة إياه؛ لأنَّ الطعن المذكور إنَّما هو في رواياته لا فيه نفسه، والفرق بينهما واضح)(5)، ومن هنا أمكن القول بأنَّ صاحب الجواهر(قدس سره)يوافق
ص: 194
أستاذه في ذلك.
ويؤيدهما أنَّ بعض من استثني قد ورد في حقه توثيق كجعفر بن محمد بن مالك(1)، وسهل بن زياد(2)، بل نصّ النجاشي فيما تقدّم من عبارته على مخالفة ابن نوح لابن الوليد في محمّد بن عيسى بن عبيد، وأنَّه لا يدري ما رابه فيه ؟ لأنَّه كان على ظاهر العدالة والثقة) بل بني النجاشي نفسه على وثاقته(3)، وتبعهم في ذلك صاحب الجواهر كما سيأتي في ترجمته(4).
وأمّا الثاني - من لم يستثن - فذهيلاحظ : جواهر الكلام: 221/10.ب الوحيد إلى أن عدم استثناء الراوي (أمارة الاعتماد عليه، بل وربما يكون أمارة لوثاقته)(5)، لكن ظاهر الجواهر عدم الاستناد إليه في استفادة وثاقة الراوي، وإنَّما جعله مؤيّداً لما يفيد ذلك كما في إبراهيم بن هاشم قائلاً: (إبراهيم بن هاشم مع أنَّه من مشايخ الإجازة فلا يحتاج إلى توثيقه.. ويؤيّده زيادة على ذلك.. عدم استثناء محمّد بن الحسن بن الوليد إيَّاه من رجال نوادر الحكمة في من استثنى، كما قيل)(6).
ص: 195
ولعلّ الوجه فيه: وجود من ثبت ضعفه في مَن لم يستثن، مع احتمال أن وثوقهم في بقيّة الأخبار كان مستنداً إلى قيام القرائن على اعتبارها عندهم.
نقل الكشّي إجماع الطائفة على تصديق وتصحيح ما يصح عن ثمانية عشر راو من أصحاب الأئمّة(علیهم السّلام)، والانقياد لهم في الفقه وهم ستة من أصحاب الإمام الباقر والصادق(علیه السّلام)، قال(قدس سره): (أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوَّلين من أصحاب أبي جعفر(علیه السّلام)، وأبي عبد الله(علیه السّلام)، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا : أفقه الأولين ستة: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، قالوا : وأفقه الستة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري)(1).
وستة من أصحاب الإمام الصادق(علیه السّلام)،قال(قدس سره): (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقروا لهم بالفقه، من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسمّيناهم، سنّة نفر : جميل بن درّاج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، و حماد بن عيسى، وحماد بن عثمان، وأبان بن عثمان قالوا : وزعم أبو إسحاق الفقيه، يعني ثعلبة بن ميمون: أنَّ أفقه هؤلاء جميل بن دراج، وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله(علیه السّلام))(2).
وستة من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا(علیهما السّلام)، قال(قدس سره): (أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء، وتصديقهم، وأقروا لهم بالفقه والعلم: وهم ستة نفر أُخر
ص: 196
دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله(علیه السّلام)، منهم يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي ابن فضال، وفضالة بن أيوب، وقال بعضهم، مكان ابن فضال عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى)(1).
وقد وقع الكلام في تحديد دلالة الإجماع المذكور على ثلاثة أقوال:
أحدها : - وهو المشهور - أنَّ الإجماع المذكور يدلّ على تصحيح متن الرواية المنقولة بسند معتبر عن أصحاب الإجماع بقطع النظر عن حال الرواة الواقعين بعدهم في السند إلى المعصوم(علیه السّلام)، فما دامت الرواية معتبرة السند إلى أصحاب الإجماع، فالحديث معتبر بغض النظر عمّن بعدهم من الرواة، حتى لو كان ضعيفاً، فالإجماع غير ناظر إلى التعريف بحال الرواة، بل إلى المروي، فيكون الإجماع من الوسائط الدرائية في معرفة صحة المتن
والوثوق به، ولا يدخل في طرق التوثيق العامة ولا الخاصة.
قال الوحيد: (المشهور أنَّ المراد صحة كل ما رواه حيث تصح الرواية عنه فلا يلاحظ ما بعده إلى المعصوم (صلوات الله) عليه، وإن كان فيه ضعف. وهذا هو الظاهر من العبارة)(2).
ثانيها: أنَّ الإجماع المذكور يدلّ على وثاقة الراوي الواقع بعد أصحاب الإجماع، فيكون الإجماع من الطرق العامة لإثبات وثاقة الرواة الواقعين بعد أصحاب الإجماع فيما
ص: 197
ثبتت روايتهم عنهم(1).
ثالثها: أنَّ الإجماع المذكور يدلّ على وثاقة المذكورين فيه، وأنهم لا يروون إِلَّا عمّن يثقون به، وهو لا يقتضي كونه ثقة عندنا، فيكون الإجماع من الطرق الخاصة التي قامت على صدق المذكورين فيه(2).
والذي يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)أنه يختار القول الأخير، قائلاً في مقام بيان عدم جواز الاعتماد على ظنون غير الإماميّة : (ليس كذلك ظنّ غير المسلم، بل وغير الإمامي الاثني عشري وإن جمع الشرائط؛ لظهور النصوص في الإعراض عنهم وعدم الركون إليهم، والفطحيّة والواقفية ونحوهم وإن كان فيهم من هو من أصحاب الإجماع، وممن أُقِرَّ له بالفقه، ولكنّ ذلك ونحوه لقبول روايتهم لا آرائهم)(3).
فإنَّ ذيل عبارته دال على أنه يستفيد من الإجماع المذكور أنَّه يدلّ على قبول روايات مَن ذُكر فيه، وقبول رواياتهم يقتضي أنهم ثقات في الحديث مأمونون عليه.
وأنهم ثقات في الحديث بحيث لا يروون إلا عمن يثقون به - ولو في خصوص الخبر الذي نقلوه عنه - لتوفّرهم على قرائن اقتضت وثوقهم به.
ومن الواضح أنَّ ذلك لا يستلزم كونه ثقة عندنا بعد جهالته أو ضعفه وعدم معروفية ما استندوا إليه من القرائن، ولعلّ منها ما لو اطلعنا عليها لما كانت تامة عندنا قال(قدس سره): و(مراسيل ابن أبي عمير بحكم المسانيد، لأنَّه ممن لا يروي إلَّا الثقة، عن فسفیان ابن السمط حينئذ ثقة عنده، وعند غيره من العصابة، وإن كان مجهولاً عندنا
ص: 198
الآن)(1).
كما صرَّح في غير موضع بعدم تماميّة رأي المشهور في ذلك، قائلاً: (لا يخفى عليك ما فيه من دعوى اعتبار أسانيدها وحجّيّة بعضها؛ لأنَّه مبني على أنَّه إنْ كان في السند أحدٌ من أصحاب الإجماع لم تقدح جهالة الراوي، بل وفسقه، والتحقيق خلافه)(2). وقال: (إلَّا أنَّه وصفه في الرياض بالقرب من الصحيح بناءً منه على صحة الخبر برواية أحد من أصحاب الإجماع له، وهو أصل فاسد، بل قيل: إنَّه هو رجع عنه)(3). وقال: (إنَّ خبر السكوني من القويّ في نفسه، وفي خصوص المقام رواه عنه عبد الله بن المغيرة الذي هو من أصحاب الإجماع، وقد قال بعض الأصحاب : إنَّه لا يقدح في صحة الخبر ضعف من بعده، وإن كان لنا فيه نظر قد ذكرناه غير مرّة)(4)، وقال : (كضعف الخبر لجهالة الراوي أو غلوّه، وسبق بعض أصحاب الإجماع عليه غير مجد على الأصح)(5)، وقال : (عدم حجية المرسل المذكور، وإن كان الذي أرسله إماميّاً من أصحاب الإجماع كما حرّر في محلّه)(6)، وقال : (أصالة عدم التذكية التي لا يقطعها الخبران بعد الضعف، والإرسال، وعدم الجابر، وإن كان المرسل من أصحاب الإجماع كما بيّن في محلّه)(7)، وقال: (مضافاً إلى الطعن في سند الأوَّل بجهالة يزيد التي لا يرفع القدح بها رواية صفوان وابن مسكان
ص: 199
عنه وإن كانا من أصحاب الإجماع على الأصح)(1).
ولم نتوفّر في مجموع كلماته(قدس سره)على وجه ترجيحه لما اختاره، والوجه في فساد قول المشهور.
نعم، لعلّ الوجه فيه ما ذكره بعض(2)بما حاصله:
الأوّل: لم يعمل مثل الشيخ بهذا الإجماع على وفق رأي المشهور، بل ردّ بعض الأخبار للإرسال مع أنَّ المرسل أحد أصحاب الإجماع، ومن ذلك قوله: (فأما ما رواه محمد بن أبي عمير، قال روي لي عن عبد الله - يعني ابن المغيرة - يرفعه إلى أبي عبد الله(علیه السّلام): أنَّ الكرّ ستمائة رطل، فأوَّل ما فيه أنَّه مرسل غير مسند، ومع ذلك مضاد للأحاديث التي رويناها، ومع هذا لم يعمل عليه أحد من فقهائنا)(3).
الثاني: لم ينقل الإجماع المذكور في كلمات غير الكشّي، سواء المتقدمين عليه أم معاصريه أم المتأخرين عنه إلى زمن العلّامة.
وأَمَّا القول الثاني فهو لا يزيد على من صرَّح الشيخ بعدم روايتهم إلا عن ثقة موثوق به(4)، ولم يبن صاحب الجواهر(قدس سره)على وثاقة من روى عنه المشايخ الثلاثة، بل إنها غاية ما تعطي وثاقة الراوي عندهم وحسب، حيث قال: (مراسيل ابن أبي عمير بحكم المسانيد، لأنَّه ممن لا يروي إلا عن الثقة، فسفيان ابن السمط حينئذ ثقة عنده، وعند غيره من العصابة، وإن كان مجهولاً عندنا الآن)(5)، وبذلك يتعين القول الثالث.
ص: 200
مما قيل بإفادته وثاقة الراوي هو أن يروي عنه أحد المشايخ الثلاثة، وهم:
محمد بن أبي عمير، وهو محمّد بن زياد بن عيسى الأزدي، أبو أحمد بغدادي الأصل والمقام، أدرك الإمام الكاظم(علیه السّلام)وسمع منه، وروى عن الإمام الرضا(علیه السّلام)، جليل القدر، عظيم المنزلة، وأوثق الناس عند الخاصة والعامة توفّي (سنة 217ه_)(1).
وصفوان بن يحيى، أبو محمد، البجلي، كوفي، ثقة، عين، وكيل الإمامين الرضا والجواد ، وكانت له منزلة عند الأئمة، وفي الزهد والعبادة، توفّي (سنة 210ه_)(2).
وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، أبو جعفر ، لقي الإمام الرضا والجواد(علیهما السّلام)، وكان عظيم المنزلة عندهما ، توفي سنة 221 ه_)(3).
والوجه في ذلك: هو ما ذكره الشيخ في كتابه العدّة في حق هؤلاء الثلاثة من أنَّهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة موثوق به، حيث قال: (إنْ كان ممن يعلم أنَّه لا يرسل إلَّا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلَّا عمّن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم)(4).
ووقع الاختلاف في فهم العبارة المذكورة على رأيين أساسين:
ص: 201
الأوّل: أنَّها تدلّ على أنَّ المشايخ الثلاثة لا يروون إلا عن الثقة من الرواة، فكلّ راوِ روى عنه أحدهم بسند معتبر إليه فهو ثقة(1).
الآخر: أنّها تدلّ على وثوق المشايخ الثلاثة بمن رووا عنه، وهو لا يقتضي أن يكون ثقة عند غيرهم، بل يبقى مجهولاً مع عدم توفّر ما يقتضي وثاقته؛ لأنَّ روايتهم عنه يمكن أنْ تكون لوثاقته، أو لتوفّرهم على قرائن اقتضت الوثوق بالخبر مع جهالة راويه أو ضعفه.
وهو ما اختاره صاحب الجواهر(قدس سره)، فيكون شأنهم في ذلك شأن أصحاب الإجماع عنده، قال: (واحتمال أن يقال: لا تقدح جهالة كردويه، لكون الراوي عنه ابن أبي عمير، وهو من أصحاب الإجماع يدفعه : أنَّ الأقوى خلاف ذلك عندنا في أصحاب الإجماع)(2).
و (مراسيل ابن أبي عمير بحكم المسانيد، لأنَّه ممن لا ممن لا يروي إلا عن الثقة، فسفيان بن السمط حينئذ ثقة عنده، وعند غيره من العصابة، وإن كان مجهولاً عندنا الآن)(3).
هذا، ويظهر من قوله(قدس سره): ( وعند غيره من العصابة) أنَّه يرى أنَّ من ذكرهم الكثّيّ في أصحاب الإجماع يندرجون تحت قول الشيخ المتقدم عن العدّة: (وغيرهم من الثقات) عطفاً على ابن أبي عمير وأخويه.
مما قيل بدلالته على وثاقة الراوي أو حسنه هو رواية الأجلّاء عنه، وهنا أمران:
الأمر الأوّل: المراد بالأجلاء: قد وصف صاحب الجواهر(قدس سره)في متفرقات كلماته
ص: 202
عدَّةَ رواة بأنّهم ( من الأجلاء)، قائلاً: (ما حكي عن ظاهر الصدوق في الأمالي من القول بالاستحباب مع نسبته له إلى الإماميّة، ولا ريب أنَّ الكليني(1)، ووالده(2)من أجلاء الإمامية، مع أنهما عنده بمكانة عظيمة جداً سيما والده، بل والكليني أيضاً؛ لأنَّه أستاذه(3))(4)، و(ويؤيّده ما اشتهر من نسبة ذلك إلى هشام بن الحكم، وهو من أجلاء أصحابنا ومتكلّميهم)(5)، (وله كتاب يرويه عنه جملة من الأجلاء منهم محمّد بن علي، وسعد، والصفار)(6)،(وغيرها من الكتب المتقدّمة للثقات الأجلاء المعدودين من أجلاء
ص: 203
الفقهاء، وتمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه)(1)، و(قد روى عنه الأجلّاء كعبد الله بن مسكان وابن بكير، وابن أبي عمير والحسن بن محبوب، بل في بعض طرق کتابه صفوان بن يحيى، وهم من أصحاب الإجماع)(2)، و(هو المحكي عن يونس بن عبد الرحمن، من أجلاء رجال الكاظم والرضا(علیهما السّلام))(3).
وملاحظة أحوال من وصفهم(قدس سره)ب_(الأجلاء) تعطي أنَّه قصد بهم: من ثبت في حقهم أعلى درجات الوثاقة من خلال ما وصفهم به أئمة الرجال، كقولهم: جليل القدر، من خواص الإمام، شيخ الطائفة، ووجهها، شيخ القمّيّين في زمانه، ثقة، عين، فقيه، صحيح المذهب، كالحسن بن محبوب(4)، وسعد بن عبد الله الأشعري(5)، وصفوان بن يحيى(6)وعبد الله بن مسكان(7)، ومحمّد بن أبي عمير (8)، ومحمد بن
ص: 204
علي بن محبوب(1)، ومحمّد بن الحسن الصفّار(2)، وهشام بن الحكم(3)، ويونس ابن عبد الرحمن(4)، وأصحاب الإجماع كعبد الله بن مسكان، وكذا الكليني، والصدوق(5)ووالده(6).
ص: 205
الأمر الآخر: هل تدلّ رواية الأجلاء عن شخص على وثاقته أو حُسنه أو لا؟
ذهب جملة من الأعلام إلى أنَّ رواية الأجلاء عن شخص تدلّ على وثاقته أو حسنه، فإنَّ الظاهر من جلالتهم، وعلوّ منزلتهم يمنع من اتفاقهم في الرواية عن الضعيف أو المجهول، خصوصاً مع ملاحظة ملاحظة أنَّه مما يُعاب به على الراوي روايته عن الضعفاء والمجاهيل(1).
لكن يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)عدم الاعتماد على رواية الأجلاء في إثبات وثاقة الراوي أو حُسنه، ولذا لم يعتمد عليها إلّا ،مؤيّدة، كما في إبراهيم بن هاشم حيث قال: (إبراهيم بن هاشم مع أنَّه من مشايخ الإجازة فلا يحتاج إلى توثيقه.. ويؤيده زيادة على ذلك اعتماد أجلاء الأصحاب وثقاتهم)(2).
والظاهر أنَّ الوجه فيه هو وقوع رواية الأجلاء عن الضعفاء(3)، وأنَّ ذلك لا يخدش بجلالتهم؛ إذ ما هو معيب عندهم هو الإكثار عن الضعفاء، لا مجرّد الرواية عنهم في بعض المواضع، مضافاً إلى أنَّه من الممكن أنَّهم توفّروا على قرائن أوجبت الوثوق بما رووه عنهم على ضعفهم أو جهالتهم.
ص: 206
مما قيل بدلالته على حُسن الراوي هو أن يكثر الكليني(رحمه الله علیه)من الرواية عنه في كتابه الكافي(1)، والوجه فيه هو ما ذكره(قدس سره): (في أوَّل كتابه أن جميع ما فيه من الروايات الصادرة عن الصادقين(علیه السّلام)(2)، حيث قال في بيان الطلب الذي وجّه إليه في تأليفه: (وقلت: إنَّك تحب أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع [فيه] من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين(علیه السّلام)، والسنن القائمة التي عليها العمل، وبها يؤدّي فرض الله «عزّ وجلّ»، وسنة نبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)... وقد يسر الله - وله الحمد - تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت، فمهما كان فيه من تقصير فلم تقصر نيّتنا في إهداء النصيحة؛ إذ كانت واجبة لإخواننا، وأهل ملّتنا، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكل من اقتبس منه، وعمل بما فيه دهرنا هذا ، وفي غابره إلى انقضاء الدنيا)(3).
وإكثاره عن راوِ يدلّ على أنَّ رواياته من الآثار الصحيحة عن الصادقين(علیه السّلام)، وذلك مدح معتد به يجعل حديثه من الحسان.
وظاهر صاحب الجواهر(قدس سره)- كبعض الأعلام(4)- عدم اشتراط المباشرة في الإكثار،
ص: 207
ولذا وظفه في عناصر معرفة حال إبراهيم بن هاشم الذي يروي عنه الكليني بواسطة ابنه عادةً.
إلا أنّه(قدس سره)لم يبن على كفاية إكثار الكليني في الكشف عن حسن الراوي بشاهد جعله مؤيّداً، ولمرّة واحدة فقط، وذلك في إبراهيم بن هاشم، حيث قال: (إبراهيم بن هاشم مع انه من مشايخ الإجازة فلا يحتاج إلى توثيقه في وجه عدم نصهم على توثيقه؛ لعله لجلالة قدره، وعظم منزلته .. ويؤيّده زيادة على ذلك .. إكثار الكليني من الرواية عنه)(1).
والظاهر أنَّ الوجه فيه: هو ما ذكره أستاذه الوحيد: من أن (صحيح الحديث عند : القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصوم (صلوات الله عليه) أعم من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات أو أمارات أُخر)(2).
المراد من شيخ الإجازة من تُحمِّلَ منه الحديث، أو كتبه قراءة أو سماعاً أو مناولة. وقد وقع الكلام في كفايتها في إثبات وثاقة الراوي أو حسنه على أقوال ثلاثة:
أوّلها: أنّها تدلّ على وثاقة الراوي؛ لأنَّ اعتماد المشايخ المتقدمين على النقل عنهم، وأخذ الأخبار منهم، والتلمذ عليهم يزيد على قولهم في كتب الرجال (فلان ثقة)(3)، ولذا لم يُتعرّض لجملة منهم، أو لأحوالهم في الأصول الرجالية.
ص: 208
ثانيها : أنّها لا تدلّ على وثاقة الراوي وحسنه؛ إذ فائدة الإجازة هي اتصال الحديث بسلسلة رواته، وهي غير متوقفة على وثاقة الشيخ أو حسنه(1).
ثالثها: أنّها لا تدلّ على وثاقة الراوي إلَّا إذا توفّر ما يدلّ على أنهم لم ينصوا على وثاقته لمعلومية حاله في الوثاقة والجلالة.
وهو ما يظهر من صاحب الجواهر(قدس سره)فهو مع تصريحه بعدم كفاية مشيخة الإجازة لإحراز الوثاقة - وهو ما أفاده بقوله : (القصور في السند بعبد الواحد وعلي اللذين لم ينص على توثيقهما، وكونهما شيخي إجازة لا يستلزمها)(2)، ونسبته لل(قيل) أخرى، وهو ما أفاده بقوله: (فلا أقل من أن يكونا هما من مشايخ الإجازة المتفق بينهم - كما قيل - على عدم احتياجهم التوثيق)(3)- بنى على وثاقة إبراهيم بن هاشم استناداً لها بعد توفّر ذلك قائلاً: (إبراهيم بن هاشم مع أنَّه من مشايخ الإجازة فلا يحتاج إلى توثيقه في وجه عدم نصهم على توثيقه لعله لجلالة قدره، وعظم منزلته، كما لعله الظاهر، ويشعر به ما حكاه النجاشي عن أصحابنا أنّهم كانوا يقولون: إن إبراهيم بن هاشم هو أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم بعد انتقاله من الكوفة، فإنَّه ظاهر - إن لم يكن صريحاً - في كونه ثقة معتمداً عند أئمة الحديث من أصحابنا؛ إذ نشر الأحاديث لا يكون إلا مع التلقي والقبول، وكفى بذلك توثيقاً سيما بعد ما عُلم من طريقة أهل قمّ من تضييق أمر العدالة، وتسرعهم جرح الرواة، والطعن عليهم، وإخراجهم من بلدة قم بأدنى ريبة وتهمة، حتى أنّهم غمزوا في أحمد بن محمد بن خالد البرقي مع ظهور عدالته وجلالته بروايته عن الضعفاء، واعتماده
ص: 209
المراسيل، وأخرجوه من قم، فلولا أنَّ إبراهيم بن هاشم بمكان من الوثاقة والاعتماد عندهم لَمَا سَلِمَ من طعنهم وغمزهم بمقتضى العادة)(1).
فإنَّ ظاهر كلامه الاستناد إلى مشيخة الإجازة في إحراز وثاقة إبراهيم لتوفّر ما يدلّ على أنَّهم لم يتعرّضوا لوثاقته المعلوميتها عندهم، وهو كونه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم، وقبول القميّين لرّواياته من غير أن يقدحوا به مع معروفيتهم بقدح الرواة بأدنى ريبة وتهمة.
ص: 210
قد اتضح مما تقدّم أن صاحب الجواهر(قدس سره)لا يبني على جملة مما قيل بدلالته على وثاقة الراوي أو حسنه كرواية أصحاب الإجماع، والمشايخ الثلاثة، ورواية الأجلاء، ومشيخة الإجازة، لكنَّ الملاحظ من منهجه أنَّه إذا كان الخبر ضعيفاً، أو قيل بوجود ما يخدشه سنداً مع توفّر الجابر له من شهرة أو إجماع، حينئذ قد يعمد صاحب الجواهر(قدس سره)إلى تحشيد ما قيل في اعتبار سنده ولو لم يكن تامّاً في نظره كالكبريات المتقدمة، وظاهره إخراجها على سبيل التأييد لحجيّة الخبر الحاصلة من الانجبار، وقد تكرّر ذلك منه في عدة مواطن:
منها: قوله: (والخبر العامّي إذا تناقلته الأصحاب في كتبهم وعملوا به لا بأس بالعمل به عندنا؛ إذ هو أعظم طرق التبيّن، كما يكشف عن ذلك تصفّح كلام الأصحاب في القصاص والديات وغيرهما من المقامات، ويوسف بن إبراهيم لا يقدح جهله بعد أن كان الراوي عنه صفوان بن يحيى الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وأنَّه لا يروي إلا عن ثقة)(1).
ومنها: قوله بعد ذكر الإجماع على المسألة: (وما في المدارك من أنَّ في الطريق محمّد ابن أحمد العلوي ولم يثبت توثيقه، قد يدفعه ما قيل من تصحيح الفاضل في غير موضع من المنتهى والمختلف روايته، وأنَّه ممن يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيى، ولم يستثن من کتاب نوادر الحكمة، بل في شرح المفاتيح أنَّه ربَّما يظهر من ترجمة العمركي كونه من شيوخ أصحابنا، ويروي عنه الأجلاء)(2).
ص: 211
ومنها: قوله: (والمناقشة في سندها باشتراك النهدي بين جماعة منهم من لم يثبت توثيقه يدفعها - بعد انجبارها بما سمعت مما يستغنى به عن صحة سندها - أنَّ الظَّاهر كونه الهيثم بن مسروق بقرينة رواية محمّد بن محبوب عنه، وهو ممدوح في كتب الرجال، وله كتاب يرويه عنه جملة من الأجلاء منهم محمد بن علي، وسعد، والصفّار، فحديثه إن لم يكن صحيحاً بناءً على الظنون الاجتهادية وإلّا فهو في مرتبة من الحسن)(1).
ومنها: قوله : (وهو مع صراحته في المطلوب، وانجباره بالشهرة العظيمة، ومحكي الإجماع أو محصله لا قدح في سنده؛ إذ حمزة(2)مع كونه من آل أعين المعلوم جلالتهم، وعظم منزلتهم في الشيعة، سديد الحديث، كثير الرواية، قد روى عنه الأجلاء كعبد الله ابن ،مسكان وابن بكير، وابن أبي عمير، والحسن بن محبوب، بل في بعض طرق كتابه صفوان بن يحيى وهم من أصحاب الإجماع)(3).
وغيرها مما سيأتي التعرّض له - إن شاء الله - في القسم الثالث من هذا البحث.
كما أنَّه وظّف ذلك أيضاً في غير موضع في تأييد اعتبار الرواية وإن كان يوجد فيها ما يخل سنداً.
ص: 212
ومنها قوله: (قلت: قد يناقش فيه بأنَّه يكفي فيه إطلاق الإجماعات السابقة المعتضدة بعدم ظهور مخالف محقق فيه قبله، مضافاً إلى خبر إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، بل صحيحه بناءً على توثيق محمد بن سنان، بل إرسال الصدوق له في الفقيه إلى الصادق(علیه السّلام)على سبيل الجزم مما يُشعر بوصوله إليه بطريق صحيح، خصوصاً بعد التزامه أنَّه لا يورد فيه إلَّا ما هو حجّة بينه وبين ربه)(1).
ومنها قوله: (إنَّ مضمون رواية بكر مما لا كلام فيه، والإجماع منقول بل محصل عليه، مع أنَّ في سندها صفوان وقد قيل فيه: إنَّه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وعن الشيخ في العدّة أنَّه قال في حقه: لا يروي إلَّا عن ثقة، مضافاً إلى أنَّ المشايخ ذكروها على سبيل الاعتماد والاعتداد، مع أنّها معتضدة بما سمعت من الأخبار وفيها الصحيح وغيره)(2).
ومنها: قوله : (ويوسف بن إبراهيم لا يقدح جهله بعد أن كان الراوي عنه صفوان ابن يحيى الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وأنَّه لا يروي إلَّا عن ثقة، على أنَّ هذا الخبر قد رواه المحمّدون الثلاثة، وفيهم الصدوق الذي أخذ على نفسه أن لا يروي فيه إلَّا ما هو حجّة بينه وبين ربه، بل قيل : إنَّ يوسف هذا ملقب بالطاطري، وقد نقل الشيخ في العدّة إجماع الشيعة على العمل بما رواه الطاطريون، كل ذا مع قطع النظر عن الشهرة العظيمة)(3).
ص: 213
ومنها: قوله: (خبر أسامة بن حفص القيّم لأبي الحسن موسى(علیه السّلام)المعتبر بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده، وبالانجبار بما عرفت [أي: من الإجماع])(1).
ومنها قوله : (أبي الديلم عن الصادق(علیه السّلام)المنجبر بالعمل، وبرواية من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه له)(2).
هذا تمام الكلام في الحلقة الأولى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
***
ص: 214
البحث الذي بين يديك - عزيزي القارئ - محاولة لفهم ما صنعه الشيخ ابن الوليد في كتاب نوادر الحكمة لمؤلّفه الشيخ محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري(رحمه الله علیه).
فهل قام باستثناء الرّواة الضعاف فقط، أو استثنى الرّوايات، أو استثنى المجموع؟
ثُمَّ من لم يقم باستثنائه هل يستفاد وثاقته أو لا؟
كلّ هذا سنطلع عليه في مطاوي هذا البحث.
ص: 215
ص: 216
المقدمة
بِسْمِ اللَّ_هِ الرَّحْمَ_ٰنِ الرَّحِيمِ
لقد اهتم أصحابنا بتدوين الحديث وكتابته، وضبطه، من عهد الإمام أمير المؤمنين(علیه السّلام)وحتى عصور الأئمة(علیهم السّلام)المتأخرة، فنتج عن ذلك الكثير من الكتب والأصول والمصنّفات والنوادر ، وذكر الشيخ الحرّ العاملي(قدس سره)في ذيل الفائدة الرابعة أنها كانت تزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب(1).
وقد عُرف منها واشتهر أربعمائة أصل سمّيت ب_(الأصول الأربعمائة)، ونُقل عن الشهيد الثاني(قدس سره)قوله : (قد كان استقرّ أمر المتقدمين على أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف، سمّوها أصولاً، ثُمَّ تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الأصول، ولخصها جماعة في كتب خاصة تقريباً على المتناول..)(2).
وقال في موسوعة طبقات الفقهاء : ( وبما أنّ معظم أصحاب الأصول من أصحاب
ص: 217
الباقر والصادق والكاظم والرضا(علیهم السّلام)، يمكن الحدس بأنّ أكثرها أُلّفت في فترة ظهور الضعف في الدولة الأموية عام (125ه_) إلى عصر هارون الرشيد عام (170ه_) الذي بلغت فيه الدولة العباسية من القوّة بمكان..)(1).
وكان إلى جانب هذه الأصول كتب كثيرة للأصحاب، والذي يبدو أنها غير الأصول الأربعمائة؛ لأنَّ هناك كتباً لم يعدّوها من الأصول، مثل كتب الحسن بن محبوب السراد - وقيل : الزرّاد - وكتاب الجامع لأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.
قال المحقق الداماد(قدس سره): (وكتُبُ حريز بن عبد الله السجستاني كلّها تُعَدُّ في الأصول ولا تُعَدّ فيها كتب الحسن بن محبوب السرّاد - ويقال: الزرّاد - الثقة الجليل القدر من أصحاب أبي الحسن الرضا(علیه السّلام)، أحد الاثنين والعشرين المجمع على فقههم وعلمهم وثقتهم وتصحيح ما يصح عنهم. روى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله الصادق(علیه السّلام)، وهو صاحب كتاب المشيخة، والمعدود في الأركان الأربعة في عصره. وكذلك كتاب الجامع المعوّل عليه لأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي غير معدود في الأصول، بل معدود في الكتب)(2).
ومن بين تلك الكتب كتب النوادر ، فقد ألّف الكثير من أصحابنا كتباً بعنوان (النوادر) ، ولعلّ أقدم من ألّف - من أصحابنا - بهذا العنوان هو جابر بن يزيد الجعفي المتوفى سنة (128ه_)، فقد ذكر الشيخ النجاشي(قدس سره)أنّ له كتاب النوادر(3)، وممن كتب في هذا العنوان أبو حمزة الثمالي، المتوفى سنة ( 150 ه_) ، فقد نصّ الشيخ النجاشي أنّ له كتاب
ص: 218
النوادر(1)، وتمن ألف في هذا العنوان من أساتذة محمّد بن أحمد بن يحيى (صاحب النوادر):
1- السندي بن محمّد(2).
2- أحمد بن حمزة بن اليسع القمي(3).
3- أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي(4).
وهناك غيرهم.
والمقصود من النوادر: ما اجتمع فيه أحاديث متفرّقة لا تنضبط في باب، بأن يكون حديثاً أو حديثين أو أكثر، ولكنّها قليلة جداً، ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة: نوادر الصلاة، ونوادر الزكاة، وأمثال ذلك(5)
ولعلّ ما يؤكّد هذا المعنى في تفسير النوادر ما جاء في تشبيه كتاب نوادر الحكمة - الذي نحن بصدده - ب_(دبة شبيب)(6)على ما سيأتي .
وقد تعرّض الرجاليون المتقدمون لترجمة المؤلّف وكتابه، وتحدّثوا عن حاله ووثاقته، وذكروا كتبه ومروياته وطرقهم إليها ونحو ذلك، ونحن فيما يلي نذكر ما ذكروه، نستخلص النتائج، ضمن العرض التالي:
ص: 219
تمهيد في ترجمة المؤلّف، وأقوال الرجاليين في حقه.
التعريف بكتابه .
المطلب الأوّل: دلالة الاستثناء على ضعف المستثنى.
المطلب الآخر : دلالة الاستثناء على وثاقة الباقين.
هو محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي، كما نص على ذلك الرجاليون، وسيأتي لاحقاً التعرّض لكلماتهم.
كنيته: أبو جعفر.
ولادته ووفاته : لم يتعرّض الرجاليون والمؤرّخون لسنة ولادته ووفاته، ولكن يمكن أن نعطي شيئاً تقريبيّاً عن الفترة التي عاشها، وذلك من خلال الرواة الذين روى عنهم، والذين رووا عنه، فقد روى عن ابن أبي عمير المتوفّى سنة (217ه_)، ومن المعلوم أنّ الراوي يحتاج إلى أكثر من (15 سنة) ليكون مؤهلاً - حسب الوضع الطبيعي - ليتحمّل الحديث وروايته، فلا بُدَّ - بناءً على هذا - أن يكون صاحب النوادر مولوداً قبل سنة (200ه_) ليكون قد أدرك ابن أبي عمير قبل وفاته بسنة أو سنتين.
وإذا لاحظنا أنّ محمّد بن جعفر الرزّاز ، الراوي عن صاحب النوادر قد ولد سنة (236ه_) نعلم أنّ صاحب النوادر قد كان حيّاً حتى أوائل العقد الخمسين من القرن الثالث، ولا يمكن أن يكون قد تُوفّي قبل ذلك؛ لأنّ محمّد بن جعفر قبل الخمسينيات من ذلك القرن لا يستطيع - عرفاً - أن يتحمّل الحديث، وحيث إنّ صاحب النوادر قد روى عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي المتوفى سنة (274) أو 280ه_)، فمن المظنون قوياً أن
ص: 220
يكون حيّاً إلى هذا التاريخ؛ لأنّ الحالة المألوفة أن يموت الأسنّ في الطبقة أسبق من لاحقه.
إن قلت: إنّ صاحب النوادر بقرينة من روى عنه ومن رووا عنه يكون من السابعة، أي متحداً مع البرقي، فلماذا نفترض أنه مات بعده ، ولم لا يكون صاحب النوادر هو من مات قبل البرقي؟
قلت: إنّ صاحب النوادر قد روى عن البرقي الذي هو من السابعة، فيكون صاحب النوادر من صغار السابعة بينما البرقي من كبارها، فهو وإن كان معدوداً في نفس طبقته، ولكنّه متأخر عنه.
ومن هنا يرجّح أن يكون محمّد بن أحمد بن يحيى حيّاً إلى أواخر السبعينيات أو ما بعد ذلك، فيكون عمره أكثر من سبعين سنة.
1- قال النجاشي(رحمه الله علیه): (محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمّي أبو جعفر، كان ثقة في الحديث. إلا أن أصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء ... ولمحمّد بن أحمد بن يحيى كتب، منها: كتاب نوادر الحكمة وهو كتاب حسن كبير [كبير حسن] يعرفه القميون بدبّة شبيب، قال : وشبيب فامي كان بقمّ له دبّة ذات بيوت، يعطي منها ما يطلب منه من دهن، فشبّهوا هذا الكتاب بذلك. وله كتاب الملاحم، وكتاب الطبّ، وكتاب مقتل الحسين(علیه السّلام)، كتاب الإمامة، كتاب المزار..)(1).
ص: 221
2 - قال الشيخ الطوسي(رحمه الله علیه): (محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمّي، حمله (جليل القدر ، كثير الرواية. له كتاب نوادر الحكمة، وهو يشتمل على كتب جماعة: أوّلها كتاب التوحيد، وكتاب الوضوء، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم، وكتاب الحج ، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب الأنبياء، وكتاب مناقب الرجال، وكتاب فضل العرب، وكتاب فضل العربية والعجمية، وكتاب الوصايا والصدقة، وكتاب النحل والهبات، وكتاب السكنى، وكتاب الأوقات، وكتاب الفرائض، وكتاب الأيمان والنذور والكفّارات ، وكتاب العتق والتدبير والولاء والمكاتب وأمهات الأولاد، وكتاب الحدود والديات، وكتاب الشهادات، وكتاب القضايا والأحكام، العدد اثنان وعشرون كتاباً..)(1).
3 - وقال ابن شهر آشوب(رحمه الله علیه): [محمد] بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمي له كتاب نوادر الحكمة مشتمل على اثنين وعشرين كتاباً، كتاب التوحيد، الأنبياء، مناقب الرجال، فضل العجم، فضل العرب والعربية، والوضوء، الصلاة على نسق كتب الفقه)(2).
4 - وقال العلّامة(رحمه الله علیه): (محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله ابن سعد بن مالك الأشعري، ثقة، يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، واستثنى الشيخ محمّد بن الحسن بن الوليد ما يرويه عن جماعة ذكرتهم في كتاب (كشف المقال في معرفة الرجال). له كتب منها كتاب (نوادر الحكمة) وهو كتاب حسن كبير يعرفه القميون ب_(دبّة شبيب) -بفتح الدال المهملة وتشديد الباء المنقطة تحتها نقطة -، وشبيب (فامي) - بالشين
ص: 222
المعجمة، والباء المنقطة تحتها نقطة قبل الياء المنقطة تحتها نقطتين وبعدها باء-، (الفامي) - بالفاء، والميم بعد الألف - بياع كلّ شيء، كان بقم له دبّة ذات بيوت يعطي منها ما يطلب منه من دهن، فشبّهوا هذا الكتاب بذلك)(1).
5 - وقال ابن داود(رحمه الله علیه): (محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري لم (جخ) صاحب (نوادر الحكمة) (ست) جليل القدر كثير الرواية، لكن قيل : إنّه كان لا يبالي عمّن روى)(2).
هذا كلّ ما جاء في حق الرجل، ولم يرد ذكره في كتب العامة، ويمكن استخلاص التالي:
1 - هو محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي، وكنيته أبو جعفر، ويبدو أن والده أحمد بن يحيى كان راوياً للحديث، فإنّ المترجم له قد روى عنه في التهذيب رواية(3).
2- قد اتفقت كلمة الرجاليين على وثاقته وجلالة قدره، ولم يشكك أحد في ذلك، ولكنّهم غمزوا فيه من جهة روايته عن الضعفاء، وأنّه يروي المراسيل، ولا يبالي عمّن أخذ.
3- له عدة كتب، منها كتاب نوادر الحكمة، ومنها كتاب الملاحم، ومنها كتاب الطبّ، وغيرها.
ص: 223
تبلغ رواياته (1318) رواية في الكتب الأربعة(1)، وقد روى عن جماعة كثيرة، كما روت عنه جماعة كثيرة أيضاً، وفيما يلي نذكر بعضاً منهم.
روى عن:
1 - ابن أبي عمير (ت217 ه_)، وهو من الطبقة السادسة.
2 - أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (ت 221ه_)، وهو من السادسة.
3- أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 274 أو 280 ه_)، وهو من السابعة.
روى عنه جماعة منهم :
1 - سعد بن عبد الله الأشعري القمّي (ت 299 وقيل 300 وقيل 301ه_)، فهو من الطبقة الثامنة.
2 - محمد بن يحيى أبو جعفر العطّار (ت حدود 300ه_)، فهو من الثامنة.
3- أحمد بن إدريس (ت 306ه_)، فهو من الثامنة.
4 - محمّد بن جعفر الرزاز، خال والد أبي غالب الزراري، (ولد 236ه_ وتوفي 316ه_)، فهو من الثامنة.
إلى غيرهم، ومنه يتضح أنّه من الطبقة السابعة؛ لأنَّه قد روى عن السادسة، وروت الثامنة عنه.
ص: 224
لمحمد بن أحمد بن يحيى عدّة كتب أشهرها (نوادر الحكمة)، وقد أثنى على كتابه العلماء، واعتمدوا رواياته.
فقد وصفه الشيخ النجاشي(رحمه الله علیه)- على ما سيأتي لاحقاً من التعرّض لكلامه - بأنّه (حسن كبير يعرفه القميون بدبّة شبيب، وشبيب فامي كان بقم، له دبّة ذات بيوت، يعطي منها ما يطلب منه من دهن، فشبّهوا هذا الكتاب بذلك)(1).
وفامي يمكن أن يكون المراد منه بياع الفوم، نسبة إلى بيع الفواكه اليابسة، ويُقال لبائعها: البقال أيضاً(2)، ويُحتمل أنّ المراد منه الحنطة، كما يُحتمل أنه الثوم بقلب الثاء فاء، كما يُحتمل أن يكون المراد من فامي نسبة إلى بلدة (فم الصلح)، وهي قرية من قرى واسط، أو مدينة فاميّة، وهي مدينة حصينة من سواحل الشام، وكورة من كور حمص(3).
والنوادر - على ما تقدّم في تعريفه - ما اجتمع فيه عدّة روايات من أبواب مختلفة لا تنضبط، وعدد الروايات في كل باب قليل جداً.
وبناءً عليه يكون كتاب النوادر المبحوث عنه من هذا القبيل، أي مشتمل على أبواب متعدّدة، وفي كل باب منها عدة روايات.
وقد ذكر الشيخ الطوسي(رحمه الله علیه)أن الكتاب المذكور قد اشتمل على عدة كتب، وعددها اثنان وعشرون كتاباً.
ص: 225
والكتاب لم يصل إلينا - حاله حال المئات من الكتب والأصول -، ولكنّه وصل إلى الطبقة المتقدّمة من فقهائنا المتقدّمين، وقد أودعه المشايخ الثلاثة في كتبهم - الكافي ومَن لا يحضره الفقيه والتهذيبين - وفرّقوا رواياته على حسب الأبواب.
ص: 226
في دلالة الاستثناء على ضعف المستثنى
اتفقت عبارة الشيخين النجاشي والطوسي(رحمه الله علیه)على أنّ ابن الوليد قد استثنى جماعة من رواة كتاب نوادر الحكمة، ولا بأس بنقل محلّ الشاهد من عبارتيهما:
قال الشيخ النجاشي(رحمه الله علیه)بعد أن ذكر اسمه وكنيته : (..كان ثقة في الحديث، إلَّا أنّ أصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء، وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد ابن يحيى ما رواه عن محمد بن موسى الهمداني، أو ما رواه عن رجل، أو يقول بعض أصحابنا، أو عن محمّد بن يحيى المعاذي، أو عن أبي عبد الله الرازي الجاموراني، أو عن أبي عبد الله السياري، أو عن يوسف بن السخت، أو عن وهب بن منبه، أو عن أبي علي النيشابوري (النيسابوري)، أو عن أبي يحيى الواسطي، أو عن محمد بن علي أبي سمينة، أو يقول في حديث، أو كتاب ولم أروه، أو عن سهل بن زياد الآدمي، أو عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ، أو عن أحمد بن هلال، أو محمّد بن علي الهمداني، أو عبد الله بن محمد الشامي، أو عبد الله بن أحمد الرازي أو أحمد بن الحسين بن سعيد، أو أحمد ابن بشير الرقي أو عن محمّد بن هارون، أو عن ممويه بن معروف، أو عن محمد بن عبد الله بن مهران، أو ما ينفرد (يتفرّد) به الحسن بن الحسين اللؤلؤي وما يرويه عن جعفر بن محمد بن مالك، أو يوسف بن الحارث ، أو عبد الله بن محمد الدمشقي.
قال أبو العباس بن نوح(رحمه الله علیه): وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بنالوليد في ذلك كله وتبعه أبو جعفر ابن بابويه(رحمه الله علیه)على ذلك إلا في محمّد بن عيسى بن
ص: 227
عبيد فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة)(1).
وقال الشيخ الطوسي بعد ذكر الاسم : (..جليل القدر كثير الرواية، له كتاب نوادر الحكمة، وهو يشتمل على كتب جماعة - إلى أن قال - وقال أبو جعفر ابن بابويه: إلّا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط، وهو الذي يكون طريقه محمّد بن موسى الهمداني، أو يرويه عن رجل، أو عن بعض أصحابنا، أو يقول : ورُوي، أو يرويه عن محمد بن يحيى المعاذي، أو عن أبي عبد الله الرازي الجاموراني، أو عن السياري، أو يرويه عن يوسف ابن السخت، أو عن وهب بن منبه، أو عن أبي علي النيشابوري، أو أبي يحيى الواسطي، أو محمد بن عليّ الصيرفي أو يقول : وجدت في كتاب ولم أروه، أو عن محمّد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع ينفرد به، أو عن الهيثم بن عدي، أو عن سهل بن زياد الآدمي، أو عن أحمد بن هلال، أو عن محمد بن علي الهمداني، أو عن عبد الله بن محمد الشامي، أو عن عبد الله ابن أحمد الرازي، أو عن أحمد بن الحسين بن سعيد، أو عن أحمد بن بشير الرقي، أو عن محمّد بن هارون، أو عن ممويه بن ،معروف، أو عن محمّد بن عبد الله بن مهران، أو ينفرد به الحسن بن الحسين بن سعيد اللؤلؤي، أو جعفر بن محمد الكوفي، أو جعفر بن محمد بن مالك، أو يوسف بن الحارث، أو عبد الله بن محمّد الدمشقي)(2).
ولنذكر فيما يلي الجماعة الذين تم استثناؤهم، وهم:
ما اتفق على ذكره العلمان:
1 - محمد بن موسى الهمداني.
2 - محمد بن يحيى المعاذي.
ص: 228
3 - أبو عبد الله الرازي الجاموراني.
4 - أبو عبد الله السياري، والذي يبدو لي أنّه نفس (السياري) الذي ذكره الشيخ
الطوسي، كما سيأتي في ترجمته
5 - يوسف بن السخت.
6 - وهب بن منبه.
7 - أبو علي النيشابوري، وفي نسخة أخرى للنجاشي (النيسابوري).
8- أبو يحيى الواسطي.
9 - محمّد بن علي أبو سمينة (النجاشي)، ومحمّد بن علي الصيرفي (الطوسي)، وهما واحد.
10 - سهل بن زياد الآدمي.
11 - محمّد بن عیسی بن عبيد بإسناد منقطع، وأضاف الشيخ الطوسي (ينفرد به).
12 - أحمد بن هلال.
13 - محمد بن علي الهمداني.
14 - عبد الله بن محمّد الشامي.
15 - عبد الله بن أحمد الرازي.
16 - أحمد بن الحسين بن سعيد.
17 - أحمد بن بشير الرقّي.
18 - محمد بن هارون.
19 - ممويه بن معروف.
20 - محمّد بن عبد الله بن مهران
ص: 229
21- ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي، وأضاف الشيخ الطوسي: (الحسين بن سعيد اللؤلؤي).
22- جعفر بن محمد بن مالك. والذي يبدو اتحاد جعفر بن محمد بن مالك مع جعفر ابن محمد الكوفي الذي ذكره الشيخ الطوسي؛ لأنَّ ابن مالك كوفي.
23 - يوسف بن الحارث .
24 - عبد الله بن محمّد الدمشقي.
هذا، وقد أضاف الشيخ الطوسي شخصاً واحداً لم يذكره الشيخ النجاشي، وهو:
الهيثم بن عدي.
وهناك موارد أخرى قد استثناها ابن الوليد وهي:
1 - ما رواه عن رجل.
2- ما رواه عن بعض أصحابنا.
3- أو يقول: في حديث أو كتاب ولم أروه (النجاشي)، أو يقول: (وجدت في كتاب ولم أروه).
وأضاف الشيخ الطوسي مورداً لم يذكره الشيخ النجاشي، وهو: (ورُوي).
1 - محمّد بن موسى الهمداني ، قال الشيخ النجاشي: (محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمّان، ضعفه القميون بالغلو، وكان ابن الوليد يقول: إنّه كان يضع الحديث، والله أعلم)(1).
ص: 230
2 - محمّد بن يحيى المعاذي، ضعفه العلّامة، وابن داود(1).
3- أبو عبد الله الرازي الجاموراني، ضعفه ابن الغضائري بقوله: (ضعفه القميون، واسْتَثْنَوا من كتاب (نوادر الحكمة) ما رواه. وفي مذهبه ارتفاع)(2).
4 - أبو عبد الله السياري، ضعفه العلّامة، وابن داود(3). والظاهر - كما تقدّم - أنّه نفس الشخص الذي ذكره الشيخ الطوسي بعنوان: (السياري).
5 - يوسف بن السخت، قال العلامة في الخلاصة : (بصري، ضعيف، مرتفع القول، استثناه القميون من نوادر الحكمة)(4).
6 - وهب بن منبه، لم يرد ذكره.
7 - أبو علي النيشابوري، لم يرد ذكره في كتبنا، ويُحتمل كونه من رجال العامة، فإنَّ أستاذ الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك يُطلق عليه (أبو علي النيشابوري)(5).
8 - أبو يحيى الواسطي، وهو سهيل بن زياد، قال النجاشي: (.. وقال بعض أصحابنا: لم يكن سهيل بكل الثبت في الحديث)(6).
9 - محمد بن علي أبو سمينة، قال الشيخ النجاشي: (أبو جعفر القرشي، مولاهم صير في.. وكان يلقب محمّد بن علي (أبا سمينة)، ضعيف جداً، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد
ص: 231
على شيء)(1). وروى الكشي عن الفضل بن شاذان قوله : (الكذابون المشهورون أبو الخطاب، ويونس بن ظبيان، ويزيد الصايغ، ومحمد بن سنان، وأبو سمينة أشهرهم)(2).
10 - سهل بن زياد الآدمي ، قال الشيخ النجاشي: (.. كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد عليه فيه وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب)(3)، وقال الشيخ الطوسي في الفهرست: ضعيف ، له كتاب)(4)، وقال في الاستبصار : (هو ضعيف جداً عند نقاد الأخبار، وقد استثناه أبو جعفر ابن بابويه في رجال نوادر الحكمة)(5).ولكن وثقه في رجاله(6).
11 - محمّد بن عيسى بن عبيد، وثقه الشيخ النجاشي(7)، وضعفه الشيخ الطوسي استناداً إلى الاستثناء المذكور(8).
12 - أحمد بن هلال، قال الشيخ النجاشي: (أبو جعفر العبرتائي، صالح الرواية، يعرف منها وينكر ، وقد روي فيه ذموم من سيّدنا أبي محمد العسكري(علیه السّلام))(9)، وقال
ص: 232
الشيخ الطوسي في الفهرست: (كان غالياً، متهماً في دينه)(1)، وقال في التهذيب: (أحمد بن هلال، فإنَّه مشهور بالغلو واللعنة، وما يختص بروايته لا نعمل عليه)(2)، وفي الاستبصار : (ضعيف، فاسد المذهب، لا يلتفت إلى حديثه فيما يختص بنقله)(3).
13 - محمّد بن علي الهمداني قال الشيخ الطوسي: (ضعيف، يروي عنه محمد بن أحمد ابن يحيى)(4).
14 - عبد الله بن محمد الشامي، لم يذكر ، ولكن روى عنه البزنطي بسند صحيح(5).
15 - عبد الله بن أحمد الرازي، لم يذكر.
16 - أحمد بن الحسين بن سعيد، قال الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي: (أبو جعفر الأهوازي، الملقب ب_ (دندان) أصحابنا القميون ضعفوه، وقالوا : هو غال، وحديثه يعرف وينكر، وله كتب)(6)، وقال ابن الغضائري: (قال القميون: كان غالياً. وحديثه في ما رأيته سالم)(7).
17 - أحمد بن بشير الرقي، يبدو أنّه البرقي، قال الشيخ الطوسي: (روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى، ضعيف)(8)، وهو يشير إلى الاستثناء، وقد ذكر الشيخ أنّه البرقي في نفس
ص: 233
الموضع المشار إليه.
18 - محمد بن هارون، قال الطوسي: (ضعيف، روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى، استثناه ابن الوليد من نوادر الحكمة)(1).
19 - ممويه بن معروف، كسابقه(2).
20- محمد بن عبد الله بن مهران، قال الشيخ النجاشي: (..غال كذاب، فاسد المذهب والحديث، مشهور بذلك)(3).
21 - الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، وثقه الشيخ النجاشي، حيث قال: (كوفي ثقة، كثير الرواية)(4)، وقال الشيخ الطوسي: (يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيى، ضعفه ابن بابويه)(5).
22 - جعفر بن محمد بن مالك، قال الشيخ النجاشي: (.. كان ضعيفاً في الحديث، قال أحمد بن الحسين(6): كان يضع الحديث وضعاً، ويروي عن المجاهيل وسمعت من قال: كان أيضاً فاسد المذهب والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي ابن همام، وشيخنا الثقة الجليل أبو غالب الزراري ؟!)(7)، وقال الشيخ الطوسي: (كوفي،
ص: 234
ثقة، ويضعفه قوم)(1).
23- يوسف بن الحارث، لم يذكر.
24 - عبد الله بن محمد الدمشقي، يحتمل اتحاده مع عبد الله بن محمد الشامي المتقدّم، وعلى كلا التقديرين هو مجهول.
وأما ما انفرد بذكرهم الشيخ الطوسي فهم:
1 - الهيثم بن عدي، لم يذكر في كتب أصحابنا، ولعلّه من رجال العامة، فقد ذكر المحقق التستري عن معارف بن قتيبة : إن الهيثم بن عدي الطائي كان يرى رأي الخوارج، مات سنة (209ه_)، ونقل عن الحموي قوله : كان أخبارياً، علّامة، راوية(2).
2 - السياري - تقدّم احتمال أن يكون نفس أبي عبد الله السياري الذي ذكره النجاشي-، وهو أحمد بن محمد بن سيار، قال كل من الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي: (كان من كُتاب آل طاهر في زمن أبي محمد(علیه السّلام)ويعرف بالسياري، ضعيف الحديث، فاسد المذهب مجفوّ الرواية، كثير المراسيل، وصنف كتباً كثيرة)(3).
3 - جعفر بن محمد الكوفي، يحتمل قوياً اتحاده مع ابن مالك - كما تقدّم - الذي ضعفه النجاشي، وعلى كلّ التقادير: إما أن يكون ضعيفاً، وإما أن يكون مجهولاً.
والمستفاد من العرض المتقدّم ما يلي:
1. أربعة من الرواة تعارض فيهم التوثيق والتضعيف.
ص: 235
2 . تسعة منهم صرّح الأعلام المتقدّمون بضعفهم.
3. البقية إمّا مجهول، وإمّا مهمل.
القول الأوّل: استفادة التضعيف، وهو مختار جمع من الأعلام، كما هو ظاهر الصدوق والشيخ وابن الغضائري، وأيضاً العلّامة وابن داود حيث صرحا(1)أو لوحا(2)بضعف بعض المذكورين استناداً إلى الاستثناء المذكور، وكذلك المحقق التستري في قاموس الرجال، ومن المعاصرين الشيخ مسلم الداوري، وغيرهم.
القول الآخر: عدم استفادة التضعيف، وهو مختار جماعة، منهم العلّامة المامقاني في تنقيح المقال - على ما نقل عنه المحقق التستري في قاموس الرجال - ومن المعاصرين السيد الخوئي(قدس سره)في المعجم، والشيخ محمد آصف المحسني في بحوث في علم الرجال، وغيرهما.
ويمكن الاستدلال للقول الأوّل بما يلي :
ص: 236
1 - إنّ ظاهر الاستثناء ضعف المذكورين بقرينة تعجّب أبي العبّاس ابن نوح من إدراج محمد بن عيسى في جملتهم، حيث قال: (فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة)، فلو لم يكن الاستثناء دالاً على القدح لما كان لهذا التعجب معنى، خصوصاً وأنّ قوله : (ما رابه فيه) يفيد وجود الريب في المذكورين، وبحسب مناسبات الحكم والموضوع يستفاد تعلّق الريب بصفة الوثاقة ونحوها.
2 - إنّ الكثير من الأعلام المتقدمين قد فهموا التضعيف المستند إلى نفس الرواة، فهذا أبو جعفر ابن بابويه الصدوق قد أقرّ أستاذه على ذلك، وتكرّر منه الإشارة إلى التضعيف المستند إلى الاستثناء المذكور ، وهكذا أبو العباس ابن نوح الذي صرّح بتصويب ما صنعه ابن الوليد، إلا في محمّد بن عيسى، حيث يفهم من عبارته أنّ الاستثناء تضعيف للرواة، وكذلك الشيخ النجاشي، فإنّه قد ذكر قبل نقله للاستثناء أنّ صاحب النوادر (كان ثقة في الحديث، إلَّا أنّ أصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمّن أخذ..)، ثُمَّ ذكر بعد ذلك استثناء ابن الوليد، ونقل بعده كلام ابن نوح، فيفهم من المجموع أنّ ما صنعه ابن الوليد هو تمييز الرواة الضعاف الذين روى عنهم صاحب النوادر ، وهكذا الشيخ الطوسي الذي صرّح في مواضع متعدّدة بضعف المذكورين استناداً إلى هذا الاستثناء، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك عند بيان أحوال المذكورين، ومن تلك الموارد:
1 - ما ذكره في حق الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، حيث قال: (روى عنه محمد بن أحمد ابن يحيى، ضعفه ابن بابویه)(1).
2 - وقال في حق (محمد بن يحيى المعاذي، ومحمد بن علي الهمداني، ومحمد بن هارون،
ص: 237
وممويه، ومحمد بن عبد الله بن مهران، ضعفاء، روى عنهم محمد بن أحمد بن يحيى)(1)،إلى غيرها من الموارد.
يضاف إلى ذلك تضعيفات ابن الغضائري للمذكورين التي لا مستند لها ظاهراً سوی الاستثناء المذكور، فقد تقدّم في ترجمة بعض المستثنين أنه لم يذكر غير تضعيف القميين له واستثنائهم، مما يفهم منه أنه قد فهم من الاستثناء التضعيف، كما تقدّم في أبي عبد الله الرازي الجاموراني.
هذا، ويمكن أن يذكر ما قد يكون دليلاً أو شاهداً على أنَّ الاستثناء إنما كان لضعفهم ، وهو ما ذكره الشيخ الصدوق في خبر صلاة يوم غدير خم بقوله: (وأما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فإنّ شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه، ويقول: إنّه من طريق محمّد بن موسى الهمداني، وكان كذاباً غير ثقة، وكلّ ما لم يصححه ذلك الشيخ - قدّس الله روحه - ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح)(2).
فإنَّ محمّد بن موسى الهمداني هو أحد المستثنين، ومن الواضح أنَّ سبب تضعيف ابن الوليد له في هذا الموضع هو كونه كذاباً غير ثقة، فيمكن أن يكون قرينة على أن سبب استثنائه إنما كان لكذبه أيضاً.
ص: 238
ذُكرت عدة إشكالات على هذا الفهم، نذكر أهمها:
الإشكال الأوّل: ما ذكره العلّامة الشيخ غلام رضا عرفانيان، وهو يتألف من ثلاث مناقشات:
المناقشة الأولى: ما ذكره بقوله : (لو كان هناك عام لفظي موثق لمن روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى، ثُمَّ ورد الاستثناء عليه لكان مجال للقول بأنه في غير مورد الاستثناء يتمسّك بعموم العام، وإذ ليس، فلا اعتبار بالاستثناء الساذج المنفرد)(1).
وكلامه ينحل إلى دعويين:
الأولى: أنّ وجود العموم اللفظي يجعل الاستثناء دالاً على ضعف المستثنين.
الأخرى: أنّ وجوده يوفّر لنا فرصة التمسك به لإثبات وثاقة غير المستثنين.
وكلاهما كما ترى.
أمّا الأولى فلأنّ استفادة التضعيف لا تتوقف على وجود العموم المذكور، بل تتوقف على استظهاره من كلامه، والقرائن الدالّة عليه.
وأما الأخرى فمع وجود العموم المذكور لا حاجة معه للاستثناء لتستفاد وثاقة غير المستثنين، بل تستفاد من العموم بشكل مباشر، كما أنَّ العموم إنّما يرجع إليه مع الشك في الوثاقة وعدمها، وفي مفروض الكلام ليس الأمر كذلك، فنحن لا نشك ابتداءً بوثاقتهم لنبحث عن عموم أو إطلاق، وإنّما نحاول أن نستفيد من الاستثناء كونهم ثقات على ما
ص: 239
سيأتي في البحث اللاحق.
المناقشة الثانية : ما صنعه ابن الوليد مجرّد اجتهاد منه، وتصويب ابن نوح ومتابعة الصدوق له مجرّد تقليد ليس إلا، وأمارة الاجتهاد في ذلك تصويب ابن نوح له في كل ما ذكره، وتخطئته له في خصوص محمّد بن عيسى، حيث اعترض على ذلك قائلاً: (فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنّه على ظاهر العدالة والثقة)(1).
ويرد عليه:
أوّلاً: أنَّ هذا مجرّد دعوى، وما ذُكر من الشاهد لا يصلح لإثبات المطلوب؛ إذ مجرّد التخطئة لا تكفي لإثباته، وإلا لكان كثير من التوثيقات والتضعيفات قضايا اجتهادية؛ لكثرة تخطئة الأعلام بعضهم للبعض الآخر، وتشكيكهم واعتراضهم.
وثانياً: أنَّ تعجب ابن نوح في غير محله؛ لأنَّ ابن الوليد إنّما استثنى ما يرويه محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى إذا كان الإسناد منقطعاً، وظاهره استثناء الرواية لا الراوي، فهو لم يستثن محمّد بن عيسى مطلقاً كما صنع مع الآخرين، وإنّما استثنى رواياته ذات الإسناد المنقطع، ومعه ينتفي الشاهد من الأساس.
وثالثاً: أنَّ دعوى اتباع الصدوق وابن نوح والشيخ وابن الغضائري وتقرير النجاشي لابن الوليد تقليداً مجانبة للصواب، وبعيدة كل البعد عن طريقة الأعلام المتقدمين القائمة على البحث والتحقيق والمتابعة، وقد سمعنا مراراً وتكراراً اعتراض النجاشي على القميين في بعض التضعيفات محتجاً بعدم وجدانه لما يشهد لهم في المرويات، مما يدلّ على أنّ الأعلام لم يكونوا يعتمدون في التوثيق والتضعيف على مجرد سماعه من الغير دون التدقيق والتحقيق.
ص: 240
ثُمَّ لو سلمنا وقلنا إن تضعيف ابن الوليد للمذكورين كان عن اجتهاد، فلا نسلّم أنَّ اجتهاده في هذا الموضع ليس حجّة علينا بعدما علمت من اتفاق الأعلام معه وتأييدهم له؛ إذ من البعيد جداً أن لا يحصل الاطمئنان من اتفاق هذا العدد الكبير من أصحاب الاختصاص والخبروية في هذا المجال.
المناقشة الثالثة: أنَّ تضعيف ابن الوليد لهؤلاء معارض ومنقوض بتوثيق جمع منهم؛ (إذ ثبت لهم الوثاقة والاعتبار من الخارج من قبيل: أحمد بن الحسين بن سعيد، قال ابن الغضائري: وجدته فيما رأيته سالماً. والحسن بن الحسين اللؤلؤي وثّقه النجاشي، قائلاً: كوفي، ثقة، كثير الرواية. وعبد الله بن محمد الشامي، روى عنه البزنطي الراوي عن الثقة، وسهل بن زياد)(1).
ويرد عليه:
أولاً: أنَّ ما ذكره غريب حقاً؛ فإنَّ وجود التوثيق المعارض لا علاقة له بدلالة الاستثناء على التضعيف وعدمه، فإنَّ محلَّ الكلام في دلالة الاستثناء على التضعيف، وهذا لا يتنافى مع توثيق الغير لبعضهم، كما هو الحال في الكثير من الرواة الذين تعارض فيهم التوثيق والتضعيف.
وثانياً: أنَّ ما ذكره مجرّد مصادرات، فأين ذلك الجمع الذي ثبت وثاقتهم؟! فهذا أحمد بن الحسين بن سعيد قد ضعفه القمّيون، كما صرّح بذلك الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي، وأنَّ حديثه يعرف وينكر ، وقد تقدّم نقل ذلك. وأما الحسن اللؤلؤي فقد وثقه النجاشي، ولكن ضعفه الشيخ الطوسي. وأما عبد عبد الله بن محمد الشامي الذي روى عنه البزنطي فوثاقته مبنية على الإيمان بهذا المسلك، خصوصاً وأنَّه مسلك لم يظهر تبنيه إلَّا
ص: 241
مؤخراً. وأما سهل فقد تقدّم تضعيف النجاشي له، وكذا الشيخ الطوسي في الفهرست وإن وثقه في الرجال.
الإشكال الآخر : ما ذكره جماعة من الأعلام منهم سماحة الشيخ المحسني(دام ظله)في بحوثه، حيث قال - بعد ذكره أنَّ الاستثناء قد يستظهر منه التضعيف - ما نصه: (لكن يمكن أن نتجاوز هذا الظهور بظهور أقوى، وهو أنّ الاستثناء لم يتعلّق بالأفراد، بل برواياتهم، ولذا وقع ما رواه عن رجل، أو بعض أصحابنا.. أو يقول في حديث، أو کتاب، ولم أروه، أو عن محمّد بن عيسى بإسناد منقطع، في حيّز الاستثناء؛ إذ في كلّ ذلك لا طريق لابن الوليد إلى ضعف الراوي المجهول، فأي وجه لاستثنائه إذا قطع النظر عن متون تلكم الروايات؟ فالمستثنى يرجع إلى خلل في متونها، لا في وثاقة رواتها)(1).
ثُمَّ استشهد لذلك بما نقله الشيخ عن الصدوق من قوله: (وقال أبو جعفر ابن بابويه: إلا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط ، وهو الذي يكون طريقه محمد بن موسى ..).
وهو في هذه المناقشة قد أشار إلى ثلاثة أمور:
الأوَّل : أنَّه يعترف بظهور الاستثناء في ضعف المذكورين، ولكنّه يدعي وجود ظهور أقوى منه.
الثاني: قد اعتمد في تقوية ظهوره الثاني - وهو ظهور الاستثناء في رجوعه إلى الروايات لا إلى الأفراد - على استثناء ابن الوليد للمراسيل والروايات المقطوعة؛ فإنّ استثناءها يرجع إلى نفس الروايات كما هو واضح.
الثالث: أنَّ قول الصدوق (إلّا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط ) يفهم منه أنّ الاستثناء إنّما كان للرواية وليس للراوي؛ إذ التخليط والغلوّ وصفان للرواية كما هو واضح
ص: 242
وفیه:
أوَّلاً: أننا لو رجعنا إلى عبارة النجاشي وتأملنا فيها لوجدنا أنَّ الاستثناء فيها يرجع إلى الرواة، وإلى الروايات أيضاً، فإنّه قد ذكر في أوّل كلامه أنَّ أصحابنا يقولون: إنَّ محمّد ابن أحمد بن يحيى يروي عن الضعاف، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمّن أخذ، ثُمَّ ذكر بعد ذلك استثناء ابن الوليد، فجاء الاستثناء لتنقية النوادر من هذين العيبين: الرواية عن الضعاف، ورواية المراسيل.
إذن: العمل الذي قام به ابن الوليد هو ..
1 - استثناء الروايات المرسلة والمنقطعة.
2- استثناء الرواة الضعاف، وقد استثناهم بأسمائهم.
وثانياً: أنَّ ما ذكره الشيخ عن الصدوق من قوله: (إلَّا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط) لا يتناسب مع استثناء المراسيل والإسناد المنقطع ؛ إذ لا ملازمة بينها وبين اشتمالها على الغلو والتخليط ، وإنّما استثنى المراسيل لجهالة الراوي وعدم معرفة السند ليس إلا.
وثالثاً: أنَّ الغلو والتخليط وإن كانا وصفين للروايات، ولكنهما في نفس الوقت يجعلان راويهما متهماً بالكذب وعدم الوثاقة، ومن هنا يمكن القول: إِنَّ مَن استثناهم ابن الوليد متهمون بالكذب لغلوّهم وتخليطهم، فكأنّ مراد الصدوق هو: إلَّا ما كان فيها من روايات الغلاة والمخلطين.
ومما يؤيّد هذا المعنى أنه لو كان المقصود هو استثناء روايات التخليط والغلو لا رواتها لأشار ابن الوليد إلى نفس الروايات المشتملة على ذلك؛ إذ من البعيد أن تكون روايات المذكورين كلّها مشتملة على التخليط والغلوّ .
فإن تمّ هذا فهو، وإلا لزم رفع اليد عن هذا الظاهر لقرائن معاكسة، منها:
ص: 243
1 . ما نقلناه سابقاً من الشاهد على أنّ الصدوق قد ضعف رواية يرويها محمّد بن موسى الهمداني؛ لتضعيف ابن الوليد له لكذبه وعدم وثاقته .
2 . إنَّ هذا المعنى يتنافى مع فهم الأعلام له، حيث إنّهم قد فهموا رجوع التضعيف . إلى الرواة لا إلى الروايات، كما صرح بذلك الشيخ في مواضع متعدّدة، فلو كان المقصود هو استثناء الروايات لاشتمالها على الغلو والتخليط فلماذا فهم الشيخ من الاستثناء ضعف الرواة، وهو الذي نقل عبارة الصدوق الموهمة ؟!
3 . إنَّ أبا العباس ابن نوح قد فهم من الاستثناء رجوعه إلى الأفراد بقرينة اعتراضه على استثناء محمد بن عيسى، ومن الواضح أنَّ فَهم ابن نوح وأمثاله يُعدّ قرينة على مراد ابن الوليد ومقصوده
4 . ما ذكره بلحاظ الحسن بن الحسين اللؤلؤي، من قوله : (أو ما ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي) فإنّه ظاهر في رجوعه إلى الراوي لا إلى الرواية.
إذن: لا ينبغي الشكّ في رجوع الاستثناء إلى الأفراد فيما صرح به من الأسماء، ورجوعه إلى الروايات فيما صرّح به من ألفاظ الإرسال.
ورابعاً: ومما يؤكّد رجوع الاستثناء إلى الأفراد لا إلى الروايات ما ذكره الشيخ في العدّة ، حيث قال : (إِنَّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء، وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذمّوا المذموم، وقالوا فلان متهم في حديثه، وفلان كذَّاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها، وصنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتّى أنَّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده
ص: 244
وضعفه برواته. هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم)(1).
فإن قوله : (واستثنوا الرجال) شامل بإطلاقه لاستثناء ابن الوليد رواة نوادر الحكمة ومن الواضح أنَّ الشيخ يصرح برجوع الاستثناء لنفس الرجال لا إلى الروايات.
إذن : يتحصّل ظهور الاستثناء في ضعف المستثنين.
ص: 245
في دلالة الاستثناء على وثاقة الباقين
ذكرنا سابقاً أنَّ استثناء ابن الوليد فيه دلالتان:
الأولى: دلالته على ضعف المستثنين.
الأخرى: دلالة الاستثناء على وثاقة الباقين.
وقد اتضح تماميّة الدلالة الأولى، وبقي الحديث عن تماميّة الدلالة الأخرى، وهو ما سنتحدّث عنه في هذا المطلب..
1 - ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم دلالته على وثاقة الباقين، منهم السيد حسن الصدر في نهاية الدراية(1)، والسيد الخوئي في المعجم(2)، والشيخ محمد آصف المحسني(دام ظله)في بحوثه(3)، وغيرهم.
2 - وذهب جمع آخر إلى استفادة الوثاقة أو الحسن أو المدح أو نحو ذلك من أمارات الاعتماد، وهم جماعة كثيرة، منهم:
1 . المحقق السبزواري(قدس سره)(4).
ص: 246
2. السيد محسن الأعرجي(قدس سره)، حيث قال: (أقل مراتبه المدح، بل جعل طريقاً إلى التوثيق)(1).
3. الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي(قدس سره)، حيث قال: (وستعرف أن تضعيف القميين وإن كان مما يتأمّل في كونه قدحاً - وقد أشرنا إليه في الجملة - لكن عدم استثنائهم دالّ على كمال الوثاقة)(2)، وظاهره أنَّ الاستثناء لا يدلّ على ضعف المستثنين، ولكنّه يدلّ على وثاقة غير المستثنين.
4. السيد علي البروجردي(قدس سره)، حيث قال: (أن يروي عنه محمد بن أحمد ابن يحيى ولم يكن من جملة ما استثنوه؛ إذ الظاهر أنّه أمارة الاعتماد عليه، بل ربما يكون أمارة الوثاقة)(3).
5 . الشيخ الوحيد البهبهاني(قدس سره)، حيث قال : (إنَّه أمارة الاعتماد عليه، بل ربما يكون أمارة لوثاقته)(4).
6 . الشيخ محمّد بن إسماعيل المازندراني(قدس سره)، حيث قال: (من أسباب المدح)(5).
7 . الشيخ مسلم الداوري(دام ظله)(6).
ولعل هناك غيرهم.
ص: 247
وفيما يلي نعرض ما يفيد الوثاقة، ثُمَّ نذكر الإشكالات.
تقريب الوثاقة: أنَّه بعد أن اتضح ضعف المستثنين، وأنَّ ابن الوليد إنَّما استثناهم لضعفهم، يفهم منه عرفاً وثاقة الباقين واعتبارهم؛ لأنَّه كان بصدد تنقية رجال النوادر ورواياته من الضعاف والمراسيل.
وبتعبير آخر: أنَّ ابن الوليد يريد القول: إنَّ من قمت باستثنائهم لا يصح الاعتماد على روايتهم، فيفهم منه أنَّ من لم يقم باستثنائهم يصح الاعتماد على روايتهم، وهو أمارة الوثاقة والمقبولية.
ويمكن أن يُدعم هذا التقريب بعدة شواهد بعضها من داخل النص وبعضها من خارجه
الشاهد الأوّل: ما ذكره ابن نوح عقيب الاستثناء على ما نقله عنه النجاشي، فإنّه قد صوّب ابن الوليد في كلّ ما صنعه إلَّا في محمّد بن عيسى، حيث قال: (فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة).
والذي يفهم منه : أنَّ الذين تمّ استثناؤهم فيهم ريب، كما أنهم لم تُحرز عدالتهم ووثاقتهم؛ إذ يكفي لإدراجهم في المستثنى عدم إحراز العدالة والوثاقة، فلو لم يكن محمّد ابن عيسى محرز العدالة والوثاقة لما اعترض ابن نوح على استثنائه، فلازمه أنّ من تمّ استثناؤهم لم تكن عدالتهم محرزة، وبمقتضى المقابلة كون الباقين ممن أحرزت عدالتهم ووثاقتهم وإلا لاستحقوا أن يذكروا في المستثنى .
وبتعبير آخر : هناك ملازمة بين وجود الريب وعدم العدالة، فمع ثبوت العدالة ينتفي الريب، ومع وجود الريب تنتفي العدالة، ومعه فمن ذُكر في الاستثناء لم تحرز عدالتهم لوجود الريب فيهم، ومن لم يذكروا لا ريب فيهم، ولازمه ثبوت عدالتهم؛ لأنَّ الريب
ص: 248
مبرّر لاستثنائهم، وحيث إنّ محمّد بن عيسى كان على ظاهر العدالة والثقة فلا ينبغي الريب فيه، فيفهم منه أنَّ كلّ المستثنين فيهم ريب، ومن عداهم لا ريب فيهم، وإلا الذكروا معهم.
الشاهد الثاني: من جملة المستثنين الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، وقد استثنى خصوص ما يتفرّد به، ونحن نعلم أنَّ هذا أقل مراتب الغمز أو القدح - لو صح التعبير - أو من درجاته المخفّفة، مما يكشف عن أنَّ الاستثناء قد طال كلّ مَن فيه قدح أو غمز ولو في أدنى مراتبه، ما يعني سلامة غيرهم من الغمز والقدح مطلقاً، وهو كافٍ في وثاقتهم، أو على الأقل مقبوليتهم.
الشاهد الثالث: أنَّ الكثير من المستثنين لم يُذكروا بقدح في كلمات الرجاليين، بل لم يترجم لبعضهم، فهم من المجهولين أو المهملين، ومع ذلك قام ابن الوليد باستثنائهم، مما يُشعر أنَّ المجهولين والمهملين ضعاف عند ابن الوليد وعند الأعلام الذين أقروه على صنيعه، ولازمه أنَّ غير المستثنين ليسوا مجهولين ولا مهملين.
الشاهد الرابع: أنَّ المتابع لحال القميين يدرك جيداً تشدّدهم في الأخذ بالأخبار والنقل عن الرواة، فإنَّ المعروف عنهم الغمز في الراوي لأدنى سبب، ولو لتهمة الغلو،فضلا عن الضعف وعدم الوثاقة، ومنه يتضح أن الرواة الذين لم يتم استثناؤهم لم يجد القميون فيهم ما يوجب الغمز ؛ إذ لو وجدوا فيهم لاستثنوهم.
الإشكال الأول: ما ذكره السيد الخوئي(قدس سره)بقوله: (إنَّ اعتماد ابن الوليد أو غيره من الأعلام المتقدمين - فضلاً عن المتأخرين - على رواية شخص والحكم بصحتها لا يكشف
ص: 249
عن وثاقة الراوي أو حسنه، وذلك لاحتمال أن الحكم بالصحة يعتمد على أصالة العدالة، ویرى حجية كل رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه، في حجّية خبره.
هذا بالإضافة إلى تصحيح ابن الوليد وأضرابه من القدماء، الذين قد يصرحون بصحة رواية ما، أو يعتمدون عليها من دون تعرّض لوثاقة رواتها. وأما الصدوق فهو يتبع شيخه في التصحيح وعدمه، كما صرّح هو نفسه بذلك)(1).
ويمكن أن يلاحظ عليه:
أولاً: أنّ ما ذكره مبني على احتمال أصالة العدالة عند المتقدمين بشكل معتد به، وهو شيء غير واضح ؛ إذ المؤشرات والقرائن تفيد عكس ذلك، لا سيّما في مثل ابن الوليد وابن بابويه، فإنَّ التشدّد المعروف عن المدرسة القمية لا يتناسب مع فكرة أصالة العدالة.
نعم، قد يفهم من كلماتهم أنّ حسن الظاهر يكفي في ثبوت العدالة، ولكن هذا شيء آخر غير أصالة العدالة.
وثانياً: أنَّ ما ذكره(قدس سره)يعتمد على فهم رجوع الاستثناء إلى المروي لا إلى الراوي، مع أنّنا قد قرّبنا رجوعه إلى المروي تارة، وإلى الراوي أخرى، والعمل الذي قام به ابن الوليد هو أنّه استثنى من كتاب النوادر الروايات المرسلة والمقطوعة، واستثنى الرواة الضعاف.
الإشكال الثاني ما ذكره الشيخ المحسني(دام ظله)، حيث قال: (يمكن أن يكون السرّ في الاستثناء هو العلم ببطلان المتون في المذهب، فلا يدلّ على صحة بقية الروايات؛ فإنّ المستثنى منها هي الروايات الصحيحة والمجهولة معاً دون خصوص الأولى)(2).
ص: 250
ويلاحظ عليه:
أوَّلاً: أنَّ الإشكال يبتني على رجوع الاستثناء إلى خصوص الروايات دون الرواة، وقد اتضح بطلانه مما تقدّم.
وثانياً: لو سلّمنا بما ذكره فنقول : إنّه يتنافى مع استثناء الروايات المرسلة ونحوها؛ إذ لو كان الاستثناء لأجل العلم ببطلانها فماذا يعني استثناء المراسيل ؟!
الإشكال الثالث: ما ذكره الشيخ المحسني(دام ظله)أيضاً، ولكن جعله مؤيداً لرجوع الاستثناء إلى الروايات فقط، حيث قال : (قول الصدوق(رحمه الله علیه)في محكي العيون: 2 ب 30 ح 45 ، حول رواية في سندها محمّد بن عبد الله المسمعي: كان شيخنا محمّد بن الحسن.. سيء الرأي فيه، وإنّما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب؛ لأنه كان في كتاب الرحمة، وقد قرأته عليه فلم ينكره، ورواه لي.. أقول : والحال أنَّ المسمعي غير داخل في من استثني)(1).
ومنه يتضح أنَّ مرجع الاستثناء الاستثناء هو الروايات لا الأفراد ؛ إذ لو كان مرجعه الرواة فلماذا لم يتم استثناء المسمعي، مع وروده في روايات محمد بن أحمد بن يحيى؟!
ويلاحظ عليه:
أوَّلاً: أنَّ محمّد بن أحمد بن يحيى قد روى عن المسمعي روايتين فقط، كما في التهذيب، ويحتمل قوياً اتحادهما، وهما:
1. قال الشيخ: أخبرني به الشيخ - أيده الله تعالى - عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن الحسين، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الله المسمعي ورجل آخر، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال : (لا تدخل القبر وعليك نعل ولا قلنسوة ولا رداء ولا
ص: 251
عمامة) قلت فالخف؟ قال: لا بأس بالخف فإنَّ في خلع الخف شناعة)(1).
2. وذكر بعده هذا الحديث: وبهذا الإسناد عن محمّد بن عبد الله المسمعي، عن إسماعيل بن يسار الواسطي، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله(علیه السّلام)، قال : (لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا قلنسوة ولا رداء ولا حذاء، وحل أزرارك) ، فقال :قلت: فالخف؟ فقال: (لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية، وليجهد في ذلك جهده)(2).
وحيث إن رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن المسمعي نادرة، فمن المحتمل غفلة ابن الوليد عنه، والغفلة عن مثل هذه الأمور ليست بعزيزة عند الأعلام.
وثانياً : يحتمل قويّاً أن لا يكون المسمعي من رجال نوادر الحكمة، ولذلك لم يستثنه ابن الوليد.
توضيحه : أنَّ كتاب نوادر الحكمة من الكتب التي لم تصل إلينا، ولكنها قد وصلت إلى علمائنا المتقدمين كالكليني والصدوق والطوسي، ويمكن أن نحصل على روايات ورواة الكتاب المذكور كلّاً أو بعضاً من خلال الطريقين التاليين:
الطريق الأوَّل: من خلال كتاب من لا يحضره الفقيه، فإنَّ الشيخ الصدوق قد ذكر الكتاب في ضمن الكتب التي اعتمدها في تأليف كتابه، وإذا أراد النقل عنه ابتدأ السند بذكر صاحب الكتاب مع حذف طريقه إليه؛ اعتماداً على ما يذكره من الطرق إلى الكتب في المشيخة، وحينئذ لو ابتدأ السند بذكر محمد بن أحمد بن يحيى فهذا يعني أنّه ينقل الرواية عن كتاب نوادر الحكمة، ومعه يمكن معرفة الرواة الذين روى عنهم .
ص: 252
الطريق الآخر: من خلال كتابي التهذيبين (الاستبصار والتهذيب) للشيخ الطوسي، فإنَّه قد التزم فيما لو أراد النقل عن كتاب أن يبتدأ السند بصاحب الكتاب.
ومن خلال هذين الطريقين يمكن معرفة رجال النوادر ، وحينئذ نقول: عند تتبع الروايات التي يرويها الصدوق والشيخ عن كتاب النوادر، أي التي يبتدآن السند بذكره لا نجد للمسمعي ذكراً، مما يعني أنّه لم يرو عنه في كتاب نوادر الحكمة بحدود ما هو موجود في كتاب الصدوق وكتابي الشيخ، والروايتان اللتان نقلناهما عن التهذيب والتي وقع في سنديهما محمّد بن عبد الله المسمعي لم يبدأ السند فيهما بمحمد بن أحمد بن يحيى،مما يعني ظاهراً أنّه لم ينقلهما عن كتابه، ومعه لا يعلم ورود المسمعي في كتاب النوادر، ليكون عدم استثنائه دليلاً على رجوع الاستثناء إلى الروايات لا إلى الرواة.
قد يقال: إنَّ هذا الجواب يبتني على كون الاستثناء مختصاً بكتاب النوادر، وأما لو كان شاملاً لكل روايات محمّد بن أحمد فلا يتم، والظاهر من عبارة النجاشي هو عموم الاستثناء وعدم اختصاصه بكتاب النوادر ؛ لأنه بعد أن ذكر اسمه وكنيته وقول الأصحاب في حقه، قال: (وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن ...) إلى آخر كلامه، ثُمَّ قال: (ولمحمد بن أحمد بن يحيى كتب، منها: كتاب نوادر الحكمة، وهو كتاب حسن كبير .. وله كتاب الملاحم، وكتاب الطب، وكتاب مقتل الحسين(علیه السّلام)، وكتاب الإمامة، وكتاب المزار).
والظاهر من جميع كلامه عموم الاستثناء الجميع كتبه ومروياته، ومعه لا يتم الجواب المذكور.
ولكنه يقال: إذا رجعنا إلى كلام الشيخ نجد أنّه لم يذكر سوى كتاب نوادر الحكمة، وقال: إنّه كتاب مشتمل على عدة كتب، ولم يذكر غيره، ثُمَّ قال بعد ذلك: (أخبرنا بجميع
ص: 253
كتبه ورواياته ..) ثُمَّ قال: (وقال أبو جعفر ابن بابويه : إلَّا ما كان فيها ..)فإن كان مقصوده من (جميع كتبه) كلّ كتب محمّد بن أحمد رجع الاستثناء إلى الجميع، وإن كان مقصوده الكتب المشتمل عليها النوادر رجع الاستثناء إلى كتاب النوادر فقط، وهو الظاهر.
ومما يؤكّد اختصاص الاستثناء برجال النوادر ما ذكره الشيخ في ترجمة (محمد بن عیسی) حيث قال: (محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، ضعيف، استثناه أبو جعفر محمد ابن علي ابن بابويه عن رجال نوادر الحكمة)(1).
والخلاصة: اتضح من مطاوي البحث أنَّ ظاهر الاستثناء ضعف المستثنين، واعتبار الباقين، ومن هنا سوف يدخل في دائرة الاعتبار عدد كبير من الرواة.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
ص: 254
القرآن الكريم
1. الأبواب (رجال الطوسي)، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت 460 ه_) تحقيق الشيخ جواد القيّومي الأصفهاني، الناشر: مؤسسة النشر:الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، 1415ه_.
2. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت 460 ه_)، تحقيق السيد مهدي الرجائي، الناشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)لإحياء التراث، المطبعة: بعثت - قم، 1404ه_ .
3. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطو سي(قدس سره)(ت 460ه_)، تحقيق: السيّد حسن الموسوي الخرسان الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران المطبعة خورشيد، ط الرابعة، 1390ه_.
4. أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق تقريراً لأبحاث الشيخ مسلم الداوري(دام ظله)، تأليف: الشيخ محمّد علي صالح المعلّم، الناشر: مؤسسة المحبّين، المطبعة: سرور، ط الأولى، 1426ه_.
5. إيضاح الاشتباه، الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (العلّامة لبحلی)(قدس سره)(ت 726ه_)، تحقيق : الشيخ محمّد الحسون، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط الأولى، 1411ه_.
6. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، الشيخ محمد باقر المجلسي(قدس سره)(ت 1111)، الناشر: مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان، ط الثانية، 1403ه_.
ص: 255
7. بحوث في علم الرجال، الشيخ محمد آصف المحسني(دام ظله)، مراجعة : الشيخ كمال سلمان العنزي، الناشر : مركز المصطفى(صلی الله علیه و آله و سلم)،المطبعة: زلال كوثر، ط الخامسة، 1432ه_.
8. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي(قدس سره)(ت 1104ه_)، تحقيق : مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)لإحياء التراث، سنة الطبع : 1424ه_ - 2003م، بيروت، بئر العبد.
9. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت 460ه_)، تحقيق: السيّد حسن الموسوي الخرسان(رحمه الله علیه)، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، ط الثالثة، 1390 ه_ .ق.
10 . خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (العلّامة الحلّي)(قدس سره)(ت726ه_)، تحقيق : الشيخ جواد القيومي، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، ط الأولى، 1417ه_.
11 . ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد الشيخ محمّد باقر السبزواري(قدس سره)(ت1090ه_)، الناشر: مؤسّسة آل البيت(علیهم السّلام)لإحياء التراث، طبعة حجرية.
12 . رجال ابن داود، الشيخ تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي(رحمه الله علیه)(كان حيّاً سنة 707ه_)، تحقيق : السيّد محمد صادق آل بحر العلوم(رحمه الله علیه)، الناشر : المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، 1392ه_ .
13 . الرجال، الشيخ أحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري(رحمه الله علیه)، تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي(دام ظله)، قم، دار الحديث، 1422ه_.
14 . رسائل في دراية الحديث، إعداد: الشيخ أبو الفضل حافظيان البابلي(دام ظله)، الناشر :
ص: 256
دار الحديث للطباعة والنشر، المطبعة: دار الحديث، ط الأولى، 1424ه_.
15 . الرواشح السماوية، الميرداماد محمّد باقر الحسيني الأسترآبادي(قدس سره)، تحقيق: غلام حسين قيصريةها ونعمت الله الجليلي، الناشر: دار الحديث، ط الأولى، 1422ه_، المطبعة: دار الحديث.
16 . طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، السيّد علي أصغر البروجردي(قدس سره)(ت 1313ه_)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الناشر: مكتبة المرعشي النجفي - قم المقدّسة، المطبعة: بهمن 1410ه_.
17 . العدّة في أصول الفقه، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت 460 ه_)، تحقيق : رضا الأنصاري القمي(دام ظله)، المطبعة: ستارة - قم، ط الأولى، 1417ه_.
18 . عوائد الأيّام، الشيخ أحمد بن محمد مهدي النراقي(قدس سره)(1185 - 1245ه_)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الناشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، المطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، ط الأولى، 1417ه_.
19 . فهرست أسماء مصنّفي الشيعة رجال النجاشي، الشيخ أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي(رحمه الله علیه)(ت 450ه_)، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني(دام ظله)، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط التاسعة، 1429ه_.
20 . الفهرست، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(قدس سره)(ت 460 ه_) تحقيق: مؤسسة نشر الفقاهة، الناشر : مؤسّسة نشر الفقاهة، ط الأولى 1417ه_ .
21. الفوائد الرجالية، الشيخ محمّد باقر البهبهاني(قدس سره)(ت 1205ه_).
22 . الفوائد الرجالية، الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي(قدس سره)(ت1293ه_)، تحقيق:
ص: 257
محمّد كاظم رحمان ستایش، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر، مطبعة: دار الحديث، ط الأولى 1423ه_.
23 . قاموس الرجال، الشيخ محمّد تقي التستري(رحمه الله علیه)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط الأولى، 1419ه_.
24 . الكافي، ثقة الإسلام الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني(قدس سره)(ت 329/328ه_)، تعليق : عليّ أكبر الغفاري(رحمه الله علیه)، الناشر: دار الكتب الإسلامية، ط الخامسة.
25 . مشايخ الثقات ، الميرزا غلام رضا عرفانیان(قدس سره)، طبع و نشر : مؤسسة النشر الإسلامي، ط الأولى، 1417ه_.
26 . معالم العلماء، الشيخ محمد بن علي بن شهر آشوب (ت 588ه_)، الناشر : قم.
27. معجم البلدان، الشيخ شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626ه_)، الناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان سنة الطبع 1399ه_ .
28 . معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات رجال الحديث، السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(قدس سره)(ت1413ه_) ، ط: الخامسة، 1413ه_.
29 . معجم مصطلحات الرجال والدراية، الشيخ محمد رضا جديدي نژاد، تحقيق: محمد کاظم رحمان ستایش، طبع ونشر: دار الحديث، ط الثانية، 1424ه_.
30 . من لا يحضره الفقيه، الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي(قدس سره)(ت 381ه_)، تعليق : عليّ أكبر الغفاري(رحمه الله علیه)،الناشر : جماعة المدرسين - قم المقدسة، ط: الثانية.
ص: 258
31 . منتهى المقال في أحوال الرجال، الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني(قدس سره)(ت 1216ه_)، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت(علیهم السّلام)- قم، المطبعة: ستارة.
32. موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق(علیه السّلام)بإشراف الشيخ جعفر السبحاني(دام ظله)، الناشر : مؤسسة الإمام الصادق(علیه السّلام)، ط: الأولى، 1418ه_، المطبعة: اعتماد - قم
33. نهاية الدراية، السيد حسن الصدر(قدس سره)(ت 1354ه_)، تحقيق: ماجد الغرباوي، الناشر: نشر المشعر المطبعة: اعتماد.
34. هداية الأمة إلى أحكام الأئمّة(علیهم السّلام)، الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي(قدس سره)(ت 1104ه_)، تحقيق: قسم الحديث في مجمع البحوث الإسلامية، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، ط: الأولى، 1412ه_، المطبعة: مؤسسة الطبع والنشر التابعة للأستانة الرضوية المقدّسة.
ص: 259
ص: 260
الشيخ عبد العالي ابن المحقِّقِ الكركي
(رضوانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهما)
المتوفى سنة (993ه_)
تحقیق
الشيخ محمد الجعفري(دام ظله)
ص: 261
ص: 262
مقدّمة التحقيق
بِسْمِ اللَّ_هِ الرَّحْمَ_ٰنِ الرَّحِيمِ
وأحمد الله تعالى على تواتر نعمائه وترادف آلائه، وأصلّي على أفضل أنبيائه وأكمل أصفيائه، محمد خير من شرّع الشرع وبيَّنه، وأحكم أساس العلم وأتقنه، وآله الهداة إلى الصّراط المستقيم، الدّالّين على الطريق الواضح القويم، صلاة تتواصل روادفها بهواديها، وتتلاحق أعجازها ببواديها.
وبعد، فإنّه لمن دواعي السّرور أن أضع بين يدي القارئ الكريم درّة مكنونة لأحد فقهاء القرن العاشر من الهجرة النبويّة المباركة، ألا وهي حاشية الفقيه الشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي على كتاب والده (جامع المقاصد في شرح القواعد) بقلم تلميذه حاجي بابا ابن ميرزا جان القزويني.
وقد صدّرتُها بترجمة موجزة للأستاذ والتلميذ (رضوان الله عليهما).
ص: 263
قال تلميذه حاجي بابا ابن ميرزا جان القزويني ما نصه: (وجدتُ بخط والده الشيخ عليّ (رحمه الله) ما صورته: الحمد لله على هبته، ولد المولود المبارك - إن شاء الله تعالى - على نفسه وأهله، تاج الدين أبو محمد عبد العالي بن علي بن حسين بن علي بن محمد بن عبد العالي، تاسع عشر ذي القعدة ليلة الجمعة سنة ست وعشرين وتسعمائة أنشأه الله سبحانه إنشاء مباركاً، وجعله خلفاً صالحاً بحق محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين . انتهى كلامه أعلى الله مقامه)(1).
يظهر من الإجازات التي منحها والده المحقق الكركي لتلاميذه في هذه الفترة الزمنية أنَّه كان في النجف الأشرف(2)، فيُظنّ - والله العالم - أن ولادة الشيخ عبد العالي
ص: 264
(طاب ثراه) أيضاً كانت في النجف الأشرف.
وهم - بحسب المصادر المتاحة - ثلاثة :
1 . والده وأستاذه الشيخ علي ابن عبد العالي الكركي (ت 940ه_).
2 . الشّيخ زين الدين بن عليّ الجباعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني (ت 965ه_)(1).
3. تلميذ والده: السّيّد الأمير محمد بن أبي طالب الحسيني الموسوي الأسترآبادي (ت ق10)(2)صاحب كتاب (المطالب المظفرية في شرح الرّسالة الجعفرية)، والرّسالة الجعفرية لوالد المترجم له.
1. المولى حاجي بابا ابن ميرزا جان القزويني (ت ق 11)، كاتب الحاشية التي بين أيدينا
2. القاضي حبيب الله بن عليّ الطوسي(3)(ت أوائل ق11).
الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: 105/ 58.
ص: 265
3. الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي، المعروف بالشيخ البهائي(1)(ت 1030ه_).
4. الشّيخ الفقيه يونس بن الحسن الجزائري(2)(ت 1037ه_).
5. السّيّد محمد باقر الدّاماد(3)(ت 1040ه_) .
6. السّيّد حسين ابن السيد حيدر بن قمر الحسيني الكركي العاملي(4)(ت 1041ه_).
7. السّيّد مصطفى التفريشي(5)(ت ق 11) .
8. الشيخ معاني التبريزي(6)(ت ق11).
9. الشيخ نور الدين محمد بن حبيب الله النسّابة الأصفهاني(7)(ت ق11).
10. الشيخ محمد بن أحمد الأردكاني(8)(ت ق11).
11. القاضي معزّ الدين حسين الأصفهاني(9)(ت ق11).
12. القاضي معزّ الدين محمد بن القاضي جعفر الأصفهاني(10)(ت ق11).
ص: 266
13. السّيّد قوام الدين ابن الحسين (ت ق11)، حيث أجازه المؤلّف على ظهر رسالته في البلوغ وبيان حده وما يتعلّق به(1).
قد أطبقت كلمات الأعلام - عند التعرّض لذكره - على غاية الثناء والتبجيل في حقه علماً وورعاً وتقوى، وفيما يلي ذكر طرف من كلماتهم المباركة:
1 . تلميذه السّيّد مصطفى التفريشي (ت ق 11)، حيث قال : ( عبد العالي بن عليّ بن عبد العالي الكركي (رحمه الله)، جليل القدر، عظيم المنزلة، رفيع الشأن، نقيّ الكلام، كثير الحفظ، كان من تلاميذ أبيه (قدّس سرّه ورفع في الجنان قدره)، قد تشرفت بخدمته رضي الله عنه وأرضاه)(2).
2. تلميذه السّيّد حسين ابن السّيّد حيدر بن قمر الحسيني الكركي العاملي (ت1041ه_)، حيث قال: (شيخنا الإمام العلّامة، قدوة المحققين، لسان المتقدمين، حجّة المتأخرين، خلاصة المجتهدين، شيخنا الشيخ عبد العالي قدس الله روحه، وشيخنا هذا كان أعلم أهل زمانه، ذا فطنة وقادة، ونفس قدسيّة سريعة الانتقال من المبادئ إلى المطالب، قرأتُ عليه شرحه الكبير على الرّسالة الألفية، والرّسالة العمليّة في فقه الصّلاة اليومية)(3).
ص: 267
3. نقل الميرزا عبد الله الأفندي في رياضه عن صاحب تاريخ عالم آرا بالفارسية: أنه ذكر (في طيّ المجلد الثاني قصة وفاة السّيّد حسين المجتهد في أواخر وقائع سنة إحدى وألف ما معناه: أنّ جناب شيخ المحققين الشيخ عبد العالي ابن الشيخ علي الكركي المجتهد المشهور قد وصل إلى رتبة عالية في الاجتهاد، وقد أذعن له جميع العلماء بالاجتهاد.
وقال في المجلد الأوّل ما معناه: أنّ الشيخ عبد العالي المجتهد ابن الشيخ علي بن عبد العالي كان من علماء دولة السلطان شاه طهماسب، وبقي بعده أيضاً، وكان في العلوم العقلية والنقليّة رئيس أهل عصره، وكان حسن المنظر، جيّد المحاورة، وصاحب الأخلاق الحسنة، وقد جلس على مسند الاجتهاد بالاستقلال)(1).
4. الشيخ الحرّ العاملي (ت 1104ه_)، حيث قال: (الشيخ عبد العالي ابن الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي العاملي الكركي، كان فاضلاً فقيهاً، محققاً محدثاً، متكلّماً عابداً، من المشايخ الأجلاء، روى عن أبيه وغيره من المعاصرين)(2).
5. الميرزا عبد الله الأفندي (ت ح 1130ه_)، حيث قال: (الفاضل، العالم، الفقيه، الجليل، ابن الفقيه الجليل الشّيخ علي الكركيّ شارح القواعد، قد كان ظهر الشيعة وظهيرها بعد أبيه، ورأس الإمامية إثر والده النبيه)(3).
6. الشيخ أسد الله الكاظمي (ت 1237ه_)، حيث قال: (تلميذه [أي تلميذ أبيه] الفاضل السديد، الفقيه العابد السعيد، المحدث الحفظة الرشيد، المحقق المدقق المتكلّم
ص: 268
المجيد، صاحب المفاخر والمعالي الشيخ عبد العالي، بلّغه الله في الجنان إلى منتهى الأماني والأعالي)(1).
1 . حاشية شرح الإرشاد، وقد رآها صاحب الرّياض عند الفاضل الهندي.
وفي الذريعة: (وفي الرّياض - نقلاً عن خطّ بعض الأفاضل -: أنّه وصل فيه إلى كتاب النكاح، ويظهر من مفتاح الكرامة أنّ اسمه (منهج السداد) ويقال له (الشّرح العلائي) أيضاً، ونسخة منه في (مكتبة مدرسة سپهسالار) في طهران، وهي إلى صلاة المسافر)(2).
2 . حاشية على ألفية الشّهيد، أيضاً رآها صاحب الرياض عند الفاضل الهندي.
3. رسالة في عدم وجوب صلاة الجمعة، مختصرة، كان عند صاحب الرياض منها نسخة(3). واسمها : (اللّمعة في عدم عينية الجمعة)(4).
4. حاشية المختصر النافع. رأى نسخة منها العلّامة الطهراني عند الشيخ عبد الله
ص: 269
المامقاني، وهي من أوّله إلى أواخر كتاب الوقف، يقرب من ثلاثين ألف بيت(1).
5. رسالة في البلوغ، وبيان حدّه ، وما يتعلق به. موجودة في مكتبة (سپهسالار)(2).
6. الرّسالة العمليّة في فقه الصّلاة اليوميّة(3)، قرأها عليه تلميذه السّيّد حسين الكركي كما تقدّم.
7. حاشية على رسالة في الطّهارة للشيخ علي بن هلال الكركي العاملي (ت 984ه_)، الرّاوي عن أبيه(4).
8. حاشية شرح القواعد ، وهي هذه التي بين أيدينا.
9. رسالة في القبلة عموماً وفي خراسان خصوصاً(5).
10 . المناظرات مع الميرزا مخدوم الشّريفي الناصبي، في الإمامة(6).
11 . الرّسالة النّظاميّة في أحكام الصلاة. ألّفها باسم نظام شاه الهندي، وسمّاها : (هادي المضلين ومرشد المصلين)(7).
12 . شرح ألفية الشهيد، كبير مبسوط(8). وللمحقق الداماد (طاب ثراه) فقرات
ص: 270
لطيفة في الثناء على خاله على ظهر بعض نسخ شرحه هذا(1)، قرأه عليه تلميذه السيد حسين الكركي كما تقدّم.
قال صاحب تاريخ عالم آرا بالفارسية - المعاصر للشّيخ عبد العالي الكركي (طاب ثراه) : (كان أغلب إقامة الشّيخ عبد العالي بكاشان، ويشتغل فيها بالتدريس وإفادة العلوم، ويعيّن جماعة فيها لفصل القضايا الشّرعيّة والإصلاح بين الناس، ويتوجه بنفسه أحياناً أيضاً لذلك، وإذا جاء إلى معسكر السلطان شاه طهماسب كان ذلك السلطان يبالغ في تعظيمه وتكريمه، وكان بابه (قدس سره) مرجعاً للفضلاء والعلماء، وأكثر علماء عصره أذعن لاجتهاده، ويعمل على قوله في الأصول والفروع، وهو في الحقيقة زينة لبلاد إيران)(2).
جاء في الرّياض عن رسالة بعض تلامذة الشيخ البهائي في شرح أحوال أستاذه الشيخ البهائي بالفارسية ما معناه: (إنّ إسماعيل ميرزا الصفوي بعدما تسلّط في بلاد إيران بعقب والده السلطان شاه طهماسب الصفوي أراد أن يسمّ الشيخ عبد العالي مع الأمير السّيّد حسين في قزوين لأجل تسنّنه وتشيّعهما، فهرب لذلك الشيخ عبد العالي
ص: 271
من قزوين إلى همدان، ونجى من غائلته)(1).
قال تلميذه حاجي بابا ما نصه: (توفي قدس الله روحه، ونوّر ضريحه، ضحوة يوم السبت الثّامن والعشرين من شهر رجب المرجب سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة)(2).
ثم ذكر أنّ تاريخ وفاة الشيخ عبد العالي يساوي في حساب الجمل: (ابن مقتداي شيعه)(3)، كما أنّ تاريخ وفاة والده (مقتداي شيعه)(4).
قال تلميذه السّيّد حسين ابن السّيّد حيدر العاملي (طاب ثراه) : (انتقل إلى رحمة الله تعالى ورضوانه في بلدة أصفهان، ودفن في الزاوية المنسوبة إلى سيد الساجدين (عليه السّلام)، ثُمّ بعد ثلاثين سنة تقريباً نقل هو والشّيخ الفقيه علي بن هلال الكركي إلى المشهد المقدّس الرّضويّ، على مشرّفه السّلام، ودفنا هناك في دار السيادة)(5).
ص: 272
ترجمة المولى حاجي بابا ابن ميرزا جان القزويني (طاب ثراه)(ت ق 11)
اسمه
كما خطه على كتبه التي قرأها على أستاذيه الشيخ البهائي والشيخ عبد العالي (رضوان الله عليهما)،هو: حاجي بابا ابن ميرزا جان القزويني.
كمال الدين، كما ذكره أستاذه البهائي (طاب ثراه) في إجازاته له كما سيأتي.
1. الشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي (ت 993ه_).
2. الشيخ بهاء الدين محمد ابن الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي الجبعي العاملي، المعروف ب_ (الشيخ البهائي)(ت 1030 ه_) .
وما بأيدينا من إجازاته (طاب ثراه) منحصر بما جاء عن طريق أستاذه الشيخ البهائي (رضوان الله تعالى عليه)، ثلاثة منها وردت في ظهر الاثني عشريّات - الصّلاتيّة والحجّيّة والصومية - بعد قراءتها على أستاذه، وهي موجودة في هذه المجموعة التي هي هي بخطّ يده ، واثنتان نقلناهما عن مصادر أخر ، فيكون مجموعها خمس إجازات، وهي كما يلي:
1. الاثنا عشريّة في الصّلاة، وقد كتبها على ظهر الرّسالة، ونصها :
ص: 273
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
قرأ عليّ الأخ الأعزّ الفاضل التقيّ الزّكي، الذكيّ الصّفي، الوفي الألمعي، مولانا كمال الدين حاجي بابا بلغه الله غاية الآمال، ورقاه إلى أرفع درج الكمال، هذه المقالة الاثني عشرية قراءة تدقيق وإتقان، وتحقيق وإمعان، وقد أجزت له أن يرويها عنّي إلى مَنْ هو أهل لها، مراعياً شروط الرّواية ، والله سبحانه ولي التوفيق والهداية.
حرّره الفقير مؤلّف المقالة محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي، وفقه الله للعمل في يومه لغده، قبل أن يخرج الأمر من يده، في العشر الثّاني من الشّهر الثّاني من السنة السّادسة عشر بعد الألف. والحمد لله أوّلاً وآخراً).
وذيلها المجاز بقوله : (وكانت قراءتها من مطالعها إلى مقاطعها في القرية المشهورة ب_(آب کرم) المتوسطة بين ديلمان وقزوين. والحمد لله وحده).
وكان قد كتب المولى حاجي بابا (طاب ثراه) على نسخته قبل الإجازة المسطورة:
(تمت مقابلتها مع النسخة المقروءة على مؤلّفها (أدام الله تعالى ظلال إفادته البهيّ) في العشر الأول من جمادى الآخرة سنة ألف وثلاث عشرة حامداً مصلّياً مستغفراً.
كتبه الرّاجي بشفاعة آل العبا ابن ميرزا جان حاجي بابا عفي عنه)(1)
2. الاثنا عشريّة في الصوم، وقد كتبها في آخر صفحة من الرّسالة، ونصها :
(أجزت للأخ الأعزّ الأمجد، الفاضل التقي، كاتب هذه الاثني عشرية (وفقه الله) أن يرويها عنّي لمن هو أهل لها.
ص: 274
حرّره الفقير محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي عفي عنه).
وكان قد كتب المولى حاجي بابا (طاب ثراه) على نسخته قبل الإجازة المسطورة: (فرغ من تسويده أفقر العباد إلى الله الغني ابن ميرزا جان حاجي بابا القزويني مولداً في أوائل شهر رمضان المبارك سنة ألف وعشرين من الهجرة في بلدة أصفهان. والحمد لله أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً)(1).
3. الاثنا عشريّة في الحجّ، وعليها إجازة عامة لجميع مؤلفات أستاذه البهائي، وقد كتبها على ظهر الرّسالة، ونصها :
(بسم الله الرّحمن الرّحيم
أجزت للأخ الأعزّ الفاضل الزكي، الذكي التقي الألمعي، وفقه الله سبحانه لارتقاء أرفع درج الكمال أن يروي عنّي الاثني عشريّات الثلاث بأجمعها، وكذا باقي مؤلّفاتي في المعقول والمنقول، والتمستُ منه أن يجريني على خاطره الشّريف في محال الإنابة، ومظان الإجابة.
حرّره الفقير محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي عفى الله عنه في ثالث شهر شوّال، ختم بالخير والإقبال، سنة ألف وعشرين بمحروسة أصفهان، حرست عن طوارق الحدثان).
وكان قد كتب المولى حاجي بابا (طاب ثراه) في آخر نسخته من الرسالة قبل الإجازة المسطورة:
ص: 275
(وقع الفراغ من تسويده يوم الثلاثاء سادس عشر شهر رمضان المبارك سنة ألف وعشرين من الهجرة على صادعها ألف ألف صلاة وألف ألف تحية في بلدة أصفهان على يد أفقر العباد إلى رحمة ربّه الغني ابن ميرزا جان حاجي بابا القزويني عفى الله تعالى عنهما بالنّبي والوصي صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما الطيبين الطاهرين، برحمتك يا أرحم الرّاحمين)(1).
4. ما نقله السّيّد حسن الصدر بقوله : (رأيت إجازة لشيخنا البهائي على ظهر كتابه الحبل المتين، للمولى كمال الدين الحاج بابا ابن الميرزا جان القزويني يقول فيها: وبعد، لديّ الأخ الأعزّ الفاضل، النّقيّ الصّفي الوفي، خلاصة الإخوان، وزبدة فقد سمع الخلّان كمالاً للإفادة والأُخُوّة والدين، مولانا كمال الدين حاجي بابا القزويني .. إلى آخرها وتاريخها سنة 1007)(2).
وزاد العلّامة الطهراني (طاب ثراه) أنها إجازة متوسطة رآها في مكتبة الخوانساري(3).
5. إجازة على ظهر نسخته من كتاب أستاذه البهائي (مشرق الشمسين وأكسير السعادتين)، المقابلة على نسخة أستاذه بعد قراءته عليه، تاريخها محرم 1028ه_. ق، والموجودة في مكتبة السّيّد المرعشي في قم المقدّسة، تاريخ كتابتها ربيع الثاني 1022ه_. ق(4).
ص: 276
هذا ما عثرنا عليه من إجازاته (قدس سره) وهي مطبقة على أنّ اسم والده (الميرزا جان القزويني).
ويظهر من تعابير هذه الإجازات أنّ المترجم له كان من الفضلاء الأجلاء، ولم نقف على ترجمة تبين تلامذته، أو تاريخ وفاته بالدقة.
بالإضافة إلى قراءته الكتب السالفة الذكر، وإجازاته الخاصة والعامة، المفصَّلة والمختصرة الممنوحة له، فإنَّ للمولى حاجي بابا نشاطات علمية أخرى، منها:
1. تأليفه كتاب (المشكول)، والذي هو على نهج (الكشكول)، كما ذكر الميرزا الأفندي(1).
2. قراءته حاشية شرح القواعد على أستاذه الشيخ عبد العالي الكركي، وهي رسالتنا هذه.
3. ما ذكره الميرزا الأفندي بقوله : (وقد رأيت في بلدة أردبيل نسخة من إرشاد العلّامة، وقد قرأها هذا المولى على الشيخ البهائي، وعليها خطوط الشيخ البهائي، وكتب عليها هذا المولى أيضاً حواشي وإفادات جيّدات)(2).
4 . ما ذكره العلّامة الطهراني(3)من أنَّه رأى بخطه مجموعة من رسائل الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي كتبها (سنة 985ه_) وهي :
ص: 277
أ. العقد الطهماسبي.
ب تعارض اليد والشياع.
ج. رسالة المسح.
د. دفع الاعتراضات العشر عن حديث (أحبّ من دنياكم ثلاث).
ه_. شرح الرّائيّة له في مدح الأمير (عليه السّلام).
5. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، موجودة في مدينة خوي، مكتبة نمازي، تاريخ كتابتها 980ه_ . ق في كربلاء(1).
6. كنز العرفان في فقه القرآن، موجودة في مدينة قم، مكتبة السّيّد المرعشي، تاريخ كتابتها 980 ه_. ق في كربلاء(2).
حيث إنّ هناك عنواناً آخر، وهو: (حاجي بابا بن محمد صالح القزويني)، وقد ترجمه بعض العلماء:
منهم: الشّيخ الحرّ (قدس سره)، حيث قال: (مولانا حاجي بابا بن محمد صالح القزويني، عالم، فاضل، متكلّم، معاصر)(3).
ومنهم: الميرزا الأفندي في رياضه، حيث قال: (مولانا حاجي بابا بن محمد صالح
ص: 278
القزويني. عالم فاضل متكلّم معاصر)(1).
فيظهر من العلمين أنهما اتفقا على اسم أبيه، وأنّه كان متكلّماً.
ولكن عاد صاحب الرّياض في الجزء السابع وترجم حاجي بابا بقوله: (المولى حاجي بابا هو [بابا بن صالح القزويني ](2)وكان من الأصحاب الخاص بالشيخ البهائي، وكان من تلامذته الذي لا ينفك عنه حضراً ولا سفراً، وكان يميل إلى التّصوّف كأستاذه)(3).
فيبدو من هذا النّصّ أنّ الأخير هو الأوّل نفسه، ولكنّ الّذي يبعد ذلك أمور:
الأمر الأوّل: أنّ في نهاية هذه الترجمة تعليقة من مجهول(4)على آخر كلمة من الترجمة وهي (جيّدات)، ونصها: (وهذا غير المولى حاجي بابا المعاصر القزويني (خ)).
فالملاحظ في هذه الترجمة أنَّ هناك تصريحاً من مجهول - ولعلّه نفس المصنّف - بأنَّ الأخير غير ذاك المعاصر.
وأمّا وضع اسم الأب بين معقوفين فقد ذكر محقق الكتاب (دام عزه) أنّ سبب ذلك أمران:
أحدهما : أنّه لفّق ما بين نسختين ودمجهما في نسخة واحدة، ووضع الزيادات من أحدهما بين معقوفين.
ص: 279
والآخر: إكمال العناوين وما جعل المؤلّف بياضاً، بما يلزم ووضعه بين معقوفين أيضاً(1).
فمن هذا الكلام يعلم أنَّ الأمر لا يخلو: إمّا من وجود بياض وقد أكمله محقق الكتاب، أو وجود الإضافة في نسخة أخرى، لكن بحسب كلام محقق الكتاب يرجّح الأوّل؛ لأنَّ كلامنا في العنوان، فلعله كان بياضاً، وظنّ المحقق أنّ الأخير هو الأوّل نفسه فجعل اسم أبيه نفس اسم أب الأوّل، خصوصاً أنّ هناك تعاليق من السيد الصدر على هذه النسخة التي جرى العمل عليها من قبل المحقق(2)، مع ما يظهر من السيد (طاب ثراه) في التكملة من البناء على الوحدة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وعلى أي من الأمرين يتطرّق الشَّكَ إلى أنَّ هذه الإضافة من المصنّف.
الأمر الثَّاني: أنَّ الميرزا الأفندي ترجم في الجزء الأول - كما تقدّم - من ترجمه الشيخ الحرّ بنفس عبارته ولم يزد عليها بحرف، ومن البعيد جداً أن يعود ويترجم الشخص نفسه، ويكون هناك بون كبير بين الترجمتين من حيث التفصيل والإجمال.
بل لم يقتصر الاختلاف على الإجمال والتفصيل، وإنّما تعدّى إلى المضمون أيضاً، حيث إنّ مصبّ اهتمام الأوّل الكلام ، مع أنّ مصبّ اهتمام الثاني - وهو ابن الميرزا جان القزويني - بحسب ما يظهر من نشاطه العلمي - الّذي ذكرناه آنفاً - وإجازاته التي وقفنا عليها هو الفقه.
الأمر الثّالث: أنَّ الميرزا الأفندي ركّز في ترجمة الثّاني على أنّه من خواص الشيخ
ص: 280
البهائي )طاب ثراه) والملازم له حضراً وسفراً، وهذه خاصيّة مهمّة للغاية في شأن التلمذة، ومن ثَمَّ ذكرها في ترجمته، ولو كان الأوّل هو الثاني نفسه لذكر ذلك ولو اختصاراً.
الأمر الرّابع: أنَّ اسم الأب المذكور في ترجمة الأوّل هو (محمد صالح)، وأما الأب المذكور في ترجمة الثّاني - والّذي وضع بين معقوفين - فهو (صالح) فقط.
ومنهم: السّيّد حسن الصدر حيث قال بعد نقل كلام الحرّ العاملي: (أقول : هو من تلامذة شيخنا البهائي العاملي وخواصه الذي صاحبوه حضراً وسفراً(1)، له كتاب المشكول يجري مجرى الكشكول يشتمل على أحاديث شريفة، وحكايات لطيفة، ومواعظ ونصائح بليغة، ونكات وأشعار جيّدة فصيحة استحسنه الشاه سلطان حسين الصفوي، فطلب من المولى الشريف السّيّد العلّامة محمد باقر بن إسماعيل الحسيني الخاتون آبادي وجماعة من العلماء أن يترجموه جميعاً بالفارسية فترجموه، وقد طبع بإيران سنة 1300)(2).
فيظهر من السّيّد (قدس سره) أَنَّ مَن ذكره الشيخ الحرّ هو تلميذ الشيخ البهائي )ابن الميرزا جان القزويني) نفسه.
العلّامة الطهراني (قدس سره) حيث ذكر أوّلاً: (حاج بابا القزويني، كمال
ومنهم: الدين ابن الميرزا جان تلميذ البهائي (م 1030) والمجاز منه بإجازة عامة تاريخها السابعة بعد الألف (الذريعة : 1/ الرقم 1248)وصفه فيها بقوله: [الأخ الأغرّ الفاضل التقي الصفي الوفي، خلاصة الإخوان، وزبدة الخلّان كمالاً للإفادة والأُخُوّة
ص: 281
والدين مولانا كمال الدين حاج بابا القزويني ...] وكتبها على ظهر نسخة من (حبل المتين) التي كتبها المجاز بخطه وذكر اسم والده وقرأه على شيخه)(1).
ثُمَّ ترجم العنوان الآخر الذي ذكره الشيخ الحرّ: (حاج بابا القزويني: ابن محمد صالح)، ونقل كلام الحرّ العاملي، والميرزا عبد الله الأفندي، وكلام السّيّد الصّدر، ثُمَّ قال: (أقول: ولعلّ الميرزا جان لقب محمد صالح، فهو متحد مع ما قبله)(2).
فيظهر أنّ العلّامة الطهراني (قدس سره) احتمل اتحاد العنوان.
ولكنّ الاتحاد - بعد كل المبعدات التي ذكرناها - يبدو بعيداً جداً، والله سبحانه وتعالى العالم بحقيقة الحال.
ص: 282
هينسخة نادرة ويتيمة بخطّ تلميذ المصنّف المولى كمال الدين حاجي بابا ابن الميرزا جان القزويني موجودة في مكتبة مجلس الشورى تحت الرّقم (14232/6) لم يذكر تاريخ نسخها، وهي ضمن مجموعة تحتوي على رسائل خمسة، أربعة منها للشّيخ البهائي (طاب ثراه)، وهي الاثنا عشريّات في الصّلاة والصوم والحج، وباب الميراث من كتاب (الحبل المتين).
والخامسة - وهي ما بين أيدينا - حاشية للشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي على بعض كتاب الطهارة من (جامع المقاصد في شرح القواعد) بقلم تلميذه حاجي بابا - كما ذکر نا آنفاً - حين استفادته شرح القواعد عليه، كما أثبت ذلك بنفسه في صفحة العنوان والصفحة الأخيرة منها، خلافاً لما ما جاء في فهرس النسخ الخطية في إيران (فنخا) من أنها للمحقق الكركيّ(1).
وتتكون الحاشية من عشرين صفحة في كل صفحة ما بين ثلاثة وعشرين إلى ثلاثين سطراً، وأبعاد الصفحة : (12,5×19,5) سم.
وهذه الحاشية تحتوي على مائتين وخمس وأربعين تعليقة، خمس وخمسون منها على قواعد العلامة (طاب ثراه) ، وقد نبّه على ذلك كاتبها في اثنين وعشرين تعليقة منها .
ص: 283
1. صف حروف النّصّ، ثُمَّ التأكد من مطابقته مع (المخطوط)، ثُمَّ تقطيعه وتقويمه بما يشتمل على ضبطه، وإضافة ما تدعو الضرورة إليه وجعله بين معقوفين.
2. اقتراح عناوين وجعلها بين معقوفين.
3. التنبيه على الاختلاف ما بين جامع المقاصد والقواعد المطبوعين وبين(المخطوط).
4. تخريج الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة.
5. تخريج أقوال الفقهاء (قَدَّسَ الله أسرارهم) من مصادرها.
6. تخريج محل التعليق من جامع المقاصد والقواعد المطبوعين، مع إضافة مقطعِ منهما لربط المطالب عند القارئ الكريم.
وفي الختام بعد شكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعم ووفّق ، أتقدم بخالص الشكر والامتنان إلى مكتبة مجلس الشورى في طهران، وأخصّ الأخ الدكتور محمد كاظم رحمتى بالشكر الوافر حيث هيّأ لنا هذه النسخة اليتيمة والنادرة، وأسأل الله سبحانه له مزيداً من التوفيق.
وأسأل الله سبحانه تبارك وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأنْ ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، بمحمد وآله الطاهرين.
محمد الحاج محسن الجعفري / النجف الأشرف
28 28 شعبان المعظم 1440ه_
ص: 284
ص: 285
ص: 286
ص: 287
ص: 288
الشيخ عبد العالي ابن المحقق الكركي
(رضوانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهما)
المتوفى سنة (993ه_)
تحقیق
مُحمد الجَعْفَرِي (دام عزة)
ص: 289
ص: 290
(هذه حاشية شرح القواعد من إفادات الشيخ الأجل الأعلم الأكرم الشيخ عبد العالي ابن الشيخ علي بن عبد العالي (رحمهم الله تعالى)، أفادها (طاب ثراه) حين قراءة الكتاب المذكور عليه).
كتبه الفقير إلى عفو ربه الغني
ابن ميرزا جان حاجي بابا القزويني
ص: 291
ص: 292
بِسْمِ اللَّ_هِ الرَّحْمَ_ٰنِ الرَّحِيمِ
[كتاب الطهارة](1)
[الوضوء]
قوله: (على الأصح)(2).
نعم، لنصّ أصحابنا على إعادة الطّواف نسياناً(3)إن كان واجباً، وإجزائه إن كان ندباً(4)، وذلك يستلزم عدم الاشتراط؛ إذ النسيان لا مدخل له في ما هو شرطه.
ص: 293
قوله: (للكون)(1).
أي لنفس كونه متوضئاً، فيكون الغرض بيان استحبابه لنفسه لا لغيره؛ فإنّ الشّيء قد يطلب لذاته، لا لأمر زائد على ذاته، وهذا أوجه.
قوله: (الوضوء المجدّد)(2).
يحتمل أن نقول في المجدّد كما قلناه في المعادة، فيؤتى به على نحو ما أتى به سابقاً، ولا يقدح عدم الجزم في رافعيّته، أو إباحته حينئذ؛ لأن ذلك هو المقدور.
الجملة، كما في الصّلاة الواجبة؛ إذ قد لا يجب الوضوء لها كما في فَقْدِ الماء.
قوله: (لا ينافي وجوبه) إلخ(1).
ربّما يقال أراد من وجوبه لأمر آخر اشتراطه فيه؛ لأنّ وجوبه نشأ منه، ولا امتناع من أن يكون الشيء واجباً لنفسه وشرطاً في أمر آخر، كالإسلام بالنظر إلى الصلاة.
قوله: (لا مع وجوبه) إلخ(2).
التحقيق: أنّ الواجب في الموسع الكلّيُّ ، وفي المعيّن الفرد، فلا امتناع من اختلاف المقتضي للوجوب فيهما؛ فإنّ التضيق أمر زائد على الفعل، ومقتضى الزيادة قد لغى به المقتضي للأصل كما في من نذر صلاة، ثُمَّ نذر إيقاعها عاجلاً؛ للقطع بانعقاده.
قوله: (فيه وجهان)(3).
ينبغي بناء هذين الوجهين على اعتبار حكم(4)الحدث السابق، وأما على ما اختاره
ص: 295
من اعتبار أوقات الصلوات في القلة وعدمها فينبغي القول بعدم التقديم؛ لعدم الجزم بالحال قبلها، فعلى هذا يكون الغسل في الصوم شرطاً لانتهائه.
قوله: (والشرط مقدم)(1).
لما كان الغسل منه ما هو شرط الابتداء - كغسل الجنابة على الأصح - ومنه ما هو شرط الانتهاء - كغسل المستحاضة للظهرين - جاز أن يكون غسل صلاة الغداة شرط الانتهاء، فلا يلزم منه وجوب تقديمه على الفجر حينئذ كما هو ظاهر.
قوله: (ليلة التقاء الجمعين)(2).
هذا التعليل ورد في الخبر(3)فأشار إليه والدي (رحمه الله)(4)اتباعاً للخبر، وكذا باقي التعليلات المذكورة، والأصل فيها ورود الأخبار بها.
قوله : (نيروز الفرس)(5).
رواه المعلى بن خنيس عن الصادق (عليه السَّلام)(6)، ولما تعلّق به عبادة كان الأولى تحقيقه.
ص: 296
والظاهر أنّه اليوم الذي تحلّ فيه الشمس الحمل؛ لأنّه المعروف بين الناس، وقد جرت عادة الشّارع بتعليق الأحكام على الأمور الظاهرة، كتعليق أوقات الصلاة على سير الشمس الظاهر ، وصوم شهر رمضان على رؤية الهلال، وأفعال الحجّ كذلك.
قوله: (والمولود) إلخ(1).
لا يخفى أنّ بعض هذه الأغسال آكد من بعض كالجمعة، والإحرام، والمولود، والسّعي إلى المصلوب مما قيل إنّه واجب(2)، وما اشتهر على ما لم يشتهر، وما علم مأخذه على ما لم يعلم.
وتظهر الفائدة في مزاحمة اثنين على ماء مباح أو مبذول للأحوج، فالأهم يقدّم.
قوله: (لأنّ المطلوب بها - وهو الرفع أو الاستباحة - أمر واحد)(3).
أراد أنّ الغرض من الأغسال الواجبة قد يتعلّق بالرفع المطلق، أو الاستباحة المطلقة، فجاز الاكتفاء بواحد منها عما سواه عند نيّة ذلك؛ لحصول المطلوب، بخلاف
ص: 297
المندوبة؛ إذ الظاهر أنّ المطلوب ذواتها، لا أمر تشترك فيه؛ لانتفائه، وما رواه الشّيخ عن زرارة عنأحدهما (عليهما السلام) - قال: (إذا غسلت(1)بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والذبح والزيارة، فإذا اجتمعت الله عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد)(2)- فغير صريح في إجزاء ذلك الغسل مع اجتماع
المذكورات، بل إرادته تفتقر إلى تقدير حضور وقتها؛ إذ لا يعقل الإجزاء عن الشّيء من انتفاء مقتضيه، والأصل ينفيه، فلعل الغرض بيان الوقت لتلك الأغسال، فإنّ وقت غسل الجمعة وعرفة والنّحر والذبح والزيارة بعد طلوع فجر ذلك اليوم، واشتراك الوقت بين غسل الجنابة وغيره من المذكورات يعتبر فيه الطلوع المذكور قطعاً وإن لم
يكن بالنظر إليه وحده كذلك.
ويؤيد كون ذلك لبيان الوقت ذكر الاجتماع بعده، وإلا لكان الأولى: (وكذلك الواجبة).
قوله : (وقيل بالتداخل)(3).
لما كان الإجزاء غالباً إنّما يستعمل في رافع التكليف لم يدلّ ما ورد من الأخبار في إجزاء الواحد مع انضمام الواجب على إدراك الفضيلة الذي هو المراد من تداخل المندوبات، الجواز أن يكون ذلك على تقدير وجوبها إجراءً للفظ الإجزاء على ظاهره، وحينئذ فلا امتناع من الاكتفاء بالواحد؛ إذ مع نيّة الرّفع به للجنابة والوجوب المشترك
ص: 298
بينها يتحقق جميع ما اعتبر فيها، فيسقط التكليف.
قوله : (ولخروج المجنب)(1).
قد يقال: إن اتبع الخبر فليعبر بالمحتلم(2)، وإلا فذكر ما يشمل من أجنب خارجاً ودخل أحدهما أولى.
قوله : (وإلحاق من عرض له الجنابة)إلخ(3).
الحق أن يقال: إنّ الجنابة لها مدخل في التحريم، كما دلّت النصوص(4)، وانعقد الإجماع عليه(5)، وخصوصية الاحتلام مشكوك في جزئيّتها للسبب، فتنتفي بالأصل،
ص: 299
فيثبت الحكم عاماً.
قوله: (مع التّمكّن من مبدله)(1).
إن قلنا بأنّه بدل عن الغسل قُدِّمَ الغسل عليه؛ لتوقف شرعيته على فَقْدِ مبدله، إذ هو طهارة اضطراريّة اتّفاقاً(2)، لكنّه ليس ببدل عنه، فلا تقديم؛ وذلك لأنه لو وجب الغسل لكان لوجوبِ غاية، كما هو ظاهر ، ولا غاية له سوى الخروج، فيجب الخروج بعد إيقاع الغسل وارتفاع الحدث، وهو خلاف الإجماع، فالحق عدم جواز العدول عنه إلى الغسل وإن قصر زمانه عنه.
ص: 300
النوم عندنا ناقض؛ لكونه حدثاً، لا لأنّه مظنة له، كما يحكى عن بعض من غيرنا(1).فلو أخبره معصوم بعدم خروج حدث لم ينقض على القول الآخر.
قوله: (وتخصيص ابن بابويه)(2).
ذهب الصدوق إلى تخصيص الحكم بالمنفرج متمسكاً بخبر سماعة(3)، وقول الكاظم (عليه السَّلام): (لا وضوء عليه ما دام قاعداً لم ينفرج)(4)، والخبر الأوّل مقطوع، والثاني غير معلوم السند.
قوله : (والاستحاضة القليلة)(5).
لعلّه نظر إلى أنّ ذكر القليلة يغني عن ذكر قسمي المتوسطة؛ لأنهما يأتيان عليها، إلّا أن التوضيح في مثل ذلك أولى.
ص: 302
قوله: (والمستصحب(1)للنّواقض)(2).
أشار بذلك إلى الرّدّ على بعض العامة حيث أطلقوا القول بنقضه؛ لعدم انفكاكه عن البلّة(3)، وهو ممنوع، مع ما في البلّة من الكلام.
ولا يخفى أنّ المصنّف أراد كون الخارج من أحد السبيلين أو غيرهما مع الاعتياد، كما فعل في التذكرة(4)، والأولى أن يقول: للنّاقض.
قوله: (أو لشذوذه)(5).
فتمسكوا بالأصل.
قوله : (من أسباب الوضوء خاصة)(6).
قد سبق في الحاشية ما يصلح جواباً لهذا، فإنّ إيجاب الوضوء ينسب إلى تلطّخ
ص: 303
القطنة، والزيادة أو جبت الزيادة.
قوله : (فحينئذ يجب) إلخ(1).
قال في القاموس: (المستحاضة: من يسيل دمها)(2)، فعلى ما قاله تكون الاستحاضة سيلان الدم. وقال فيه أيضاً : ( والنفاس بالكسر: ولادة المرأة، فإذا وضعت فهي نفساء)(3)، وحينئذ يقال: مع تقدير الخروج في الحيض يصح العطف في الاستحاضة والنّفاس على الخروج ، ولا حاجة إلى العدول بالتعبير بأخويه.
قوله: (فسد المعنى)(4).
قد يقال : مع تقدير الخروج في الحيض يصح العطف في أخويه على الجنابة، إلّا أنّه خلاف الظاهر.
قوله: (ومسّ الميت)(5).
ص: 304
وجوب غسل المس ذهب إليه أكثر علمائنا(1)، وخالف في وجوبه السيد المرتضى منا(2)، وأنكره الجمهور كافّة(3)حتى حكي عن أبي حنيفة والمزَني في غسل من غسل ميّتاً أنّه ليس بمشروع(4)، وقول الصادق (عليه السَّلام) - في صحيحة معاوية بن عمار حين سئل عن الذي يغسل الميت عليه غسل؟ قال: (نعم)(5)- حجّة عليهم، وفي تعليق
ص: 305
المصنّف وجوبه على البرد إشعار بأنّ نجاسة الميت لها مدخل في إيجابه، فيخرج عنه مسّ الشهيد والمعصوم.
قوله : (وفي عضو كمل الغسل بالنّسبة إليه قولان(1))(2).
لما سبق أنّ غسل المسّ تابع لنجاسة الملاقي امتنع القول بوجوب الغسل بمسّ عضو كمل تغسيله، فإنّ نجاسته الخبثية زالت؛ لامتناع توقف طهارة جزء في الخبثية على
ص: 306
طهارة آخر، وإلا لزالت مع عدم طروء مزيل عليها وأنه ممتنع إجماعاً.
قوله : (وحكم القطعة - إلى قوله - في ذلك)(1).
أي في وجوب الغسل بمسها، وهو مختار الشيخ، وادّعى عليه إجماع الفرقة(2).
وقال ابن سعيد في المعتبر: (والذي أراه التوقف في ذلك، فإنّ الرّواية فيه مقطوعة(3)، ودعوى الشيخ الإجماع لم يثبت)(4).
وفي ما قاله نظر ؛ إذ الخبر الضّعيف متى وافقه دليل شرعي - كالاستصحاب لوجوب الغسل بمسها متصلة فكذا منفصلة - أو قبلَهُ الأصحاب - كما هو معلوم منّا - كان حجّة، والإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة.
وهل يجب الغسل بمسّ العظم المجرّد متصلاً أو منفصلاً؟
الأقوى الوجوب: أما مع الاتصال فلظاهر الخبر، وأما مع الانفصال فللاستصحاب. والتعليل بطهارته المستلزم عدم الوجوب مردود لورود المنع قبل غسله.
ص: 307
قوله : (ويكفي غسل الجنابة - إلى قوله - لو جامعه)(1).
لا فرق في ذلك بين ما إذا وجبت(2)لوجوب غايتها، أو لم تجب؛ لعدم وجوب مشروط بها ولذا أطلق الحكم ، وفي قوله : (لو جامعه) إشارة إلى أنّ غسل الجنابة لو سقط - كما في الميت الجنب - لم يكن الحكم كذلك، فإنّ غسل الجنابة والحائض والنفساء يسقط بالموت، ويتعيّن غسل الأموات، وبه قال جميع العلماء إلّا ما نقل عن الحسن البصري من عدم السقوط(3)، وهو غلط.
قوله : (فإنّ مسبّبها - إلى قوله - متحد)(4).
لا يخفى بعد هذا الكلام؛ لاختلاف الأحكام الذي هو دليل اختلاف المسبّبات، فإنّ الجنابة لا توجب وضوء، وحدث الحيض وأخويه يوجبه ، والمس لا يحرم معه دخول المساجد بخلاف غيره منها .
قوله: )وفيه نظر)(5).
ص: 308
لم لا يجوز أن يكون التداخل في بعض الأسباب ثابتاً بالنص، أو بالإجماع، فلا يلزم الاتحاد ولا التداخل في البعض الآخر(1).
قوله : (فلا يكون لوجوب ذلك الآخر فائدة)(2).
لا يخفى ما في هذا الوجه، فإنّ الفائدة لا تنحصر في الإجزاء عن الغير، بل يكفي في تحققها رفع حكم الحيض بعده، كزوال تحريم الوطء، أو كراهيته بالغسل للحيض على اختلاف القولين(3).
ص: 309
قوله : (على وجه أوضح)(1).
هذا الوجه يشبه ما استدل به على عدم تكليف الكافر بفروع الإسلام؛ لأنها إن فعلت حالة الكفر لم تصح ، وإن فُعِلت بعد الإسلام سقطت، ومتى لم يمنع السقوط من التكليف مع عدم الصّحة فبطريق أولى أن لا يمنع مع الصّحة.
قوله : ( ينقسم باعتبار الفعل إلى الحتمي(2))إلخ(3).
قد يقال: وجوبه حتميّ، ويعبّرون عنه بالعيني، ولا يلزم من سقوطه بفعل آخر خروجه عن ذلك، كما في فروع الإيمان بالنظر إلى أهل الكفر، وكإنظار المعسر فإنّه يسقط بالصدقة، مع أن وجوبه عيني.
قوله: (الثالث(4):النص) إلخ(5).
ص: 310
الأولى التمسك بما رواه الشيخ عن زرارة عن أحدهما (عليهما السَّلام): (إذا اجتمعت الله عليك حقوق أجزأ ك عنها غسل واحد)(1).
قوله: (ومن أنّ غير(2)الغسل وحده لا يجزئ عن الجنابة)(3).
قد يقال على الوجه الثاني: إنّ عدم إجزاء الغسل وحده جاز أن يكون لبقاء الأصغر، ولا يلزم من ذلك الحكم ببقاء الجنابة، وإنّما اللازم بقاء منع من فعل الصّلاة والطواف ونحوهما، فيتوجه المنع إلى دعوى بقاء الحدث بحاله.
وتوضيحه : أنّ غسل الجنابة كما يرفع الحدث الأكبر كذا يُسقط خطاب الوضع في الأصغر(4)، فكان أقوى، وما عداه إنّما يُسقط الحدث الأكبر وحده، ويبقى معه خطاب الوضع في الأصغر، فيحتاج إلى الرافع.
قوله: (ونية الاستباحة أقوى إشكالاً)(5).
قال بعض الشّرّاح : إِنّ قوّة الإشكال هنا القطع بعدم رجحان أحد الوجهين على
ص: 311
الآخر، وفي الأوّل يحتمل الترجيح(1).
وفي ما قاله نظر؛ فإنّ قوّة الوجه الأخير ظاهرة فلذا عدل والدي (رحمه الله) إلى أنّ الغرض من ذلك قوّة الإجزاء.
قوله : (التمكن من استعمال الماء سبباً ناقضاً)(2).
قد يقال : المتبادر من السبب ما كان معرّفاً بانفراده، وما نحن فيه إنّما يوجب مع بقاء أحد الأسباب التي أوجبته ابتداءً.
قلنا : تعريف السبب للصدق عليه، فصح إطلاق السبب عليه.
قوله: (حيث نفى الوضوء) إلخ(3).
لا يخفى أنّ أخبار نفي الوضوء مع غسل الجنابة صريحة في إكفاء الغسل عن واجبه ومندوبه في ما يطلب الغسل له(4).
ص: 312
وما ورد من الأمر به غير صريح في أن فعله لا يُطلب الغسل له(1).
فلعله لما استحبّ له وضوء الجنب أو المحتلم.
والأصح ما اختاره المصنّف.
رواية نشيط بن صالح تعطي بيان الكمّيّة(1)، وما ورد من الأخبار بوجوب غسل البول مرّتين يعطي الكيفية(2)، فوجب الجمع بينهما.
قوله: (وأنكر بعض الأصحاب)(3).
هذا القول ينسب إلى أبي الصلاح(4)وابن إدريس(5)، وهو الظاهر من كلام ابن البراج(6).
قوله: (والذي سنح لي) إلخ)(7).
ص: 314
ما حققه والدي (رحمه الله) في ذلك هو الحقِّ؛ إذ الظاهر في هذا التقدير البناء على الغالب.
قوله : (بالبواطن)(1).
الظاهر التحاقها بالبواطن؛ لعدم صدق الظهور عرفاً، ويؤيّده الإطباق على عدم وجوب غسل المُرتَتِق في البكر، ووجوبه في التّيّب.
قوله: (والأثر)(2).
قد يراد به الحكم، فإنّ كلّ نجاسة تطرأ على المحلّ ذات عين، أي جرم، وذات حكم أعني التنجيس.
والظاهر ما اختاره والدي في ذلك، فإنّه الموافق لمختار المصنف من عدم وجوب تعدّد الغسلات.
قوله: (واعترض على ذلك) إلخ(3).
ص: 315
لعلّه أشار بذلك إلى إطلاق العبارة.
قوله: (وشبهها من خرق)(1)إلخ.
قال سلّار : (لا يجزي إلّا ما كان أصله الأرض)(2)، وظاهر ابن الجنيد عدم إجزاء لأجر والخزف إلا أن يلابسه طين أو تراب(3).
وتخيير النّبي (عليه السَّلام) بين الأحجار والأعواد حجّة عليهما(4)، واختلاف الأخبار في الماسح(5)مع إطلاق الأمر بالمسحات في بعضها(6)يعطي أنّ الغرض إزالة العين بها(7)، فلا يتخصص بجسم بل يجزئ كل مزيل طاهر جافّ؛ لامتناع إفادة النجس التطهير، ولا يقدح في ذلك تحريم استعماله؛ لعدم التنافي بينه وبين الإجزاء وإن أنكره بعض(8).
ص: 316
قوله: (والماء أفضل)(1).
لما كان الأحجار وما شابهها رخصة، والماء لم يشرع لعذر كان أفضل منه.
قوله : (بعد ذلك)(2).
احترز بقوله: (بعد ذلك) عما لو بقي على المحلّ شيء من الرطوبة فإنّها تعدّ من
العين، فلا عفو معها .
قوله : (هذا أصح القولين)(3).
اختلف في إجزاء ذي الجهات؛ نظراً إلى الصورة والمعنى، واحتاط في المبسوط بالمنع(4).
والأصح الإجزاء؛ لظاهر قوله (عليه السَّلام) : (فليتمسح ثلاث مسحات)(5).
ص: 317
ولا يتوهّم أنّ ذلك من باب المطلق الذي يجب حمله على المقيد؛ لأنّ اختلاف الأخبار في الماسح يعطي بأنّ المطلق هو القدر المشترك، أعني تعدّد المسح، وتعدّد الماسح مُنزّل على ما هو الغالب في الفعل.
قوله: (والتوزيع على أجزاء المحل)(1).
القول بإجزاء التوزيع هو المشهور بين محققي الأصحاب، لتناول إطلاق النصوص له(2).
لكن قد يقال: إنّه يستلزم القول بتوقف طهارة جزء [على](3)آخر في الخبثية، وأنه غير معهود.
ويمكن ردّه: بأنّ المتوقف العلم بالطّهارة لظاهر الخبر؛ إذ لولاه لقلنا بالواحدة المزيلة، ولا استبعاد فيه.
ومما يؤيّد هذا القول: أنّ الاستجمار إنّما شرّع للتخفيف، ووجوب إدارة كل ماسح على ما أدير عليه الأوّل مما يعسر العلم به ؛ إذ الغالب عدمه، فالعمل على ما اختاره المصنف أولى.
ص: 318
قوله: (فيجب الوقوف معها)(1).
أي يجب قصر الحكم بالطهارة على حصولها؛ لوجوب العمل بالاستصحاب إلى أن يُعلم المزيل.
ويُؤيد هذا القول: أنّ الماء مع كونه أقوى في التطهير يعتبر تعدّد الورود فيه، فما كان أضعف كان مظنوناً فيه اعتباره، وحينئذ يبعد ما توهمه بعض الأصحاب(2)من أنّ ذكر الثّلاثة إنّما هو بناءً على الغالب من أنّ الإزالة إنّما تحصل بها ، فلا يصار إليه إلا بدليل.
قوله : (ولا يجزئ المستعمل، ولا النّجس)(3).
أراد بالنجس ما كانت نجاسته لا بالاستعمال للمقابلة به، وإنما جمع بينهما مع إغناء ذكر النجس عنه للتنبيه على أنّ النّجاسة مع الانفصال لا تساوي نجاسة المحلّ كالماء، فإنّه بعد تنجّسه وانفصاله لا يتطهر به بخلاف المتنجس بها حين التطهير فإنّه يجزئ إجماعاً.
قوله : (يوجد في عبارة بعض الأصحاب)(4).
ص: 319
قال المصنّف في التذكرة: (أو ما كتب عليه القرآن أو العلوم، أو أسماء الأنبياء والأئمة (عليهم السَّلام)، فإن فعل عصى وأجزأ؛ لحصول الغرض، خلافاً للشيخ(1). وللشّافعي وجهان؛ لأنّ الرّخص لا تناط بالمعاصي)(2).
ويرد عليه: ما أورده والدي (رحمه الله)(3).
إلّا أن يقال: نجاسة المحلّ تزول وإن طرأت نجاسة الكفر، وتظهر الفائدة بعد الإسلام(4).
وحملت على الاستحباب لاشتهاره بين الأصحاب(1)، فإنّ ذلك يكشف عن معارض هو أقوى، ولأنّ إيجابه مع إمكان التحرز عن خروج البلل يكون تعبدياً، وهو بعيد، فيحمل على الاستحباب ؛ لظهوره(2)حينئذ ، والعمل بالظاهر واجب.
قوله: (فإن قلنا الحكم(3))إلخ.
يشكل القول بطهارة الخارج المشتبه منها(4)مطلقاً؛ لورود النّصّ بنجاسته بدون استبراء في الرّجل(5)، وقد ثبت أنّ الحكم على الواحد حكم على الجماعة.
ويمكن الفرق باختلاف محل الخروج، فالحكم بالمساواة قياس.
قوله : (دون الجهة)(6).
ص: 321
إذ النّهي الوارد لا يشملها(1)فيتمسك بالأصل.
قوله: (علل)(2).
هذا التعليل(3)يعطي كراهة التغوط فيه بطريق الأولى.
قوله : (أشدّ كراهية)(4).
وتشتدّ الكراهيّة في الرّاكد والجاري ليلاً؛ لما قيل من أنّ الماء للجنّ ليلاً(5).
قوله : (إلّا بإذنه)(6).
لانتفاء شاهد الحال.
قوله: (في الأخبار)(7).
ص: 322
قال النبي (صلى الله عليه وآله): (ملعون المتغوط في ظل النزال)(1).
قوله : (للنّهي عنه)(2).
خوفاً من الأذى(3). وقيل : لأنها مساكن الجن(4).
قوله : (حديث ذكري)(5).
وروي أنّ موسى (عليه السَّلام) قال: (يا ربِّ، إنّي أكون في أحوال أجلُّكَ أن أذكرك فيها. فقال: يا موسى، اذكرني على كل حال)(6).
ص: 323
قوله: (وربما قيل بجواز التيمم)(1).
القائل بذلك شيخنا الشهيد في الذكرى(2)؛ تعويلاً منه على أنّ التضيق إنما هو بالنظر إلى الصلاة وشرائطها لا إليها وحدها، فإن استند في ذلك إلى الأخبار(3)فظاهرها الصّلاة، والمقدّمات خارجة، وإن استند إلى العمل المستمر في تحصيل القبلة والستر وما شاكلهما بعد التيمم فالحكم بمساواة الاستنجاء لها قياس،مع أنّ الصَّدُوق خالف فى صحّة الوضوء قبله(4)؛ لأمر الباقر (عليه السَّلام) بإعادته بعده(5)(6)، والمصنّف في التذكرة ادّعى أنّ مَن قال بالتضيّق أبطله، ومن لا فلا(7)، وظاهره أنّ استثناء وقته مطلقاً إحداث لقول ثالث.
ص: 324
قوله: (الأقرب جواز الاستنجاء)(1).
استشكل المصنّف الحكم في التذكرة(2)والمنتهى؛ نظراً إلى أنّ الاستنجاء ينصرف إلى الإزالة المتعلّقة بالمحلّ المُعَدِّ لصرف الفضلة بحسب غالب الناس؛ ولذا لم تثبت فيه أحكام الفرج من مهرٍ أو حد، فأشبه سائر البدن، ولاختصاصه بأحكام مخالفة لسائر النّجاسات، فيقتصر على موضعه(3)الذي علم عمل الرّسول (عليه السَّلام) عليه، وهو أحد وجهي الشّافعيّ.
وإلى أنّ الخارج من جنس المعتاد(4)، أعني الفضلة المخصوصة، والأحكام معلّقة عليها، وخصوصيّة المخرج لا دخل لها في صحة إطلاق الاستنجاء، ولذا لو قطع القضيب لم يتغيّر الحكم.
والأصح مختاره هنا؛ للقطع بأنّ تبادر الإزالة عن المحل الغالب إنّما كان لظنّ الخروج لا مطلقاً منه، فلو ظُنَّ في شخص الخروج من غيره - لانسداد أو اعتياد - انعكس الحال.
وعلى هذا فيقال على الأوّل مطلق التبادر غير موجب؛ للقصر على المحلّ المخصوص،وإنّما يوجب إن لو لم يكن التبادر لأمر آخر كظنّ الخروج منه، وحينئذ فالمرجع إليه.
ص: 325
قوله: (ويُحتمل تعيّن الماء)(1).
لم يفرّق شيخنا الشهيد بين النجس بنجاسة مماثلة وغيرها، فحكم بتعين الماء حينئذ(2)، وما قاله هو المختار؛ للقطع بأنّ المحل الطاهر لو نجس بغائط من خارج لم يطهر بالأحجار وما شابهها، فكذا مع نجاسته عملاً بالاستصحاب.
وما قيل من أنّ ذلك يستلزم اجتماع الأمثال ضعيف(3)؛ لأنّ التماثل والتخالف في الأحكام الشّرعيّة يرجعان إلى ما اعتبره الشارع مماثلاً أو مخالفاً، واختلاف الأحكام دليل التخالف، فإنّ النّجس لا يماثل الطّاهر قطعاً، مع أنهما قد يمتازان بمجرّد المحلّ، فإن دم ذي النّفس يطهر بانتقاله إلى البعوضة ونحوها.
ص: 326
[المقصد الثّاني: المياه
الفصل الأوّل: الماء المطلق ]
قوله : (عند بعض الأصحاب)(1).
أشار إلى ما اختاره المرتضى من إزالته الخبث(2)، وابن بابويه من رفعه الحدث(3)، وسيأتي ضعف كلامها.
قوله: (ما دام على أصل الخلقة)(4).
هكذا عبّر كثير من الأصحاب(5).
والأولى أن يقال : ما لم يعرض له عارض ليخرج المغصوب؛ فإنّه لا يُطَهِّر من والمشتبه(6)بالنّجس فإنّه لا يُطَهِّر منه ولا من الخبث.
ص: 327
قوله: (المراد به النّابع)(1).
إطلاق الجاري وإرادة النّابع غير شائع. نعم، قد يقيد بالتابع عند إرادته منه، قال شيخنا الشهيد في الدّروس في أقسام المطلق: (وثالثها: الجاري نابعاً)(2)، والعلّامة في التذكرة(3)والمنتهى أراد به ما ليس بساكن فيشمل النابع ، وما اجتمع من مياه الثّلوج وما شابهها(4)، وكذا فعل ابن سعيد(5).
قوله: (والمراد برائحة الماء) إلخ(6).
وكذا القول في اللون والطعم، وتوضيحه : أنّ الوصف منه ما هو ثبوتي، ومنه ما هو سلبي، والمراد بها هنا الأوصاف التي يلحظ فيها سلب المكتسب منها، فمتى غيّرتها النّجاسة الواقعة - بأن أحدثتها - كان نجساً .
قوله : (اشتراط الكرّيّة في الجاري)(7).
قال شيخنا الشّهيد في الذكرى: المشهور عدم اعتبار الكرّيّة في الجاري، بل ادّعى
ص: 328
عدم الوقوف فيه على مخالف ممن سلف(1).
وعندي في ما قاله نظر، والذي ظهر لي فيه : أنّ بعض العامة اعتبر الكرية في الجرية منه(2)، وأصحابنا ينفون ذلك، لا أنهم ينفون اعتبار الكرّيّة مطلقاً فيه(3)، ومَن تصفّح كلامهم فهم ما قلناه.
نعم، مكاتبة ابن بزيع الصّحيحة عن الرّضا (عليه السَّلام)(4)دلّت على أنّ العلة في عدم نجاسة البئر نبعُها، فيجب القول بمساواة الجاري إذا كان نابعاً له؛ للاشتراك في العلة.
قوله: (بعموم نفي البأس)(5).
ظاهر هذا نفي البأس عن الفعل، لا الاستعمال.
قوله : (وإطلاق عبارة المصنّف)(6).
إنّما أطلق القول هنا بعدم نجاسة غير المتغيّر اكتفاءً بما ذكره من اشتراط الكرّية،
ص: 329
فإنّ اشتراطها في عدم النّجاسة كما يقتضي اشتراطها هنا أيضاً - إذ المتغيّر في حكم المعدوم في تقوّي السليم - كذا يغني عنه؛ ولأنّ الغالب في الجاري - أعني الأنهار - اشتمالها عليه.
قوله: (وهكذا صنع في غير ذلك)(1).
يعلم وجهه مما ذكرناه.
قوله : (كالجاري)(2).
لما كان الجاري(3)لا ينجس بالملاقاة إذا كان كرّاً؛ لأنه متصل يتدافع، فيقوى بعضه ببعض، وكان ماء المطر يشبه أجزاءه المتواصلة ألحق به في تقوّي بعضه ببعض، ولم أقف في هذا الإلحاق على خبر، وإنّما هو في كلام الفقهاء(4)، ونظرهم إنّما هو إلى ما ذكرناه.
ص: 330
استدلّ الشّيخ بقول الكاظم (عليه السَّلام) : (إذا جرى فلا بأس)(1)، وهو غير صريح في اشتراطه في الطهارة، فلعله شرط في رفع البأس الذي ظاهره الكراهية، مع أنه معارض بأخبار مطلقة ظاهرها الورود في محلّ الحاجة(2)، فلو قيدت لزم التأخير عنه .
قوله: (واشتراط الكرّيّة)(3).
يشكل في اشتراط الكرّيّة في المادة، فالأولى أن يراد به ما كان في حياضه الصغار.
قوله: (لانفعال ما دون الكرّ) إلخ(4).
فإنّ أدلّة نجاسة القليل بالملاقاة تشمل المادة، ومع تنجيسها فلا بُدَّ في الطهارة من مطهر لها ولما لاقته؛ فإنّ حدوث أمر لا بُدَّ فيه من علّة، فإن حكمنا بأنّ العلة ذات النجس وجب القول بعدم النّجاسة ابتداء؛ لأنّ ما بالذات لا يختلف، والخارج ينتفي بالأصل، فيبقى على النّجاسة، فلا فائدة بالمادة حينئذ، فلزم اشتراط الكرّيّة. وهذا هو المختار.
المتبادر من الصفاته هنا(1)السلبية كما أشرنا إليه أوّلاً .
قوله: (قال [به](2)شيخنا في الذكرى)(3).
مختار الذكرى(4)هو الأصح ؛ عملاً بظاهر الأخبار السليم عن المعارض(5). وتوهم(6)وجود الانفعال في الماء في نفس الأمر غايته عدم الإدراك بالحس(7)، ضعيف؛ لتوجّه المنع، فإنّ الانفعال تابع لتغيّر الأوصاف تحقيقاً لا تقديراً، ولاستلزامه وجوب التقدير في الوصف القليل بعد ذهابه للاشتراك في العِلّة، وهو يخالف الإجماع(8)، والأخبارَ الدّالّة على زوال التغيّر مطلقاً سواء القوي أو الضعيف بذهابه عن
ص: 332
الحس(1).
قوله: (فللنّجاسة أولى)(2).
ويمكن الفرق بأنّ الإضافة تحصل بحسب نفس الأمر مع انتفاء الأوصاف، وبتقدير المخالفة فيها يحصل العلم بما هو واقع، بخلاف النّجاسة، فإنّ ما في نفس الأمر فيها تابع لتحقق الأوصاف، فلا أثر للتقدير.
قوله : (يفضي إلى جواز الاستعمال)(3).
فيه منع؛ إذ على ذلك التقدير يخرج عن الإطلاق، أو يشكّ في بقائه فيقدّر مخالفه تحصيلاً للعلم بالحال.
قوله : (والظاهر اعتبار الوسط)(4).
ص: 333
تجب مراعاة الأعلى إن أخذ بالاحتياط.
قوله: (من الأوهام الفاسدة)(1).
إذ المرجع في الوحدة وعدمها الحس.
قوله: (والأصح اعتبار المائعية)(2).
جيد.
قوله: (والمشهور) إلخ(3).
العمل على المشهور(4).
ص: 334
قوله: (تكسيرها اثنين) إلخ(1).
المشهور اعتبار بلوغ تكسيره ما ذكر(2)، ورواية أبي بصير عن الصادق (عليه السَّلام) ظاهرها يشهد له؛ فإنّ فيها (إذا كان ثلاثة أشبارٍ ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه من الأرض فذلك الكرّ من الماء)(3)، وقال ابن الجنيد: (حده قلتان، و مبلغه وزناً ألف ومائتا رطل، وتكسيره نحو من مائة شبر)(4)، وهو قول غريب.
قوله : (تعويلاً على رواية)(5).
ص: 335
هي رواية علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه السَّلام)، قال: سألته عن رجل امتخط فصار الدّم قطعاً، فأصاب إناءه، هل يصح الوضوء منه؟ فقال: (إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئاً بيّناً فلا يتوضّأ منه)(1).وهی غير صريحة في إصابة الماء، فلعل السؤال لاشتباه عَرَضَ في إصابته، وعدم الاستبانة قد تكون لعدم الوصول، أو لعدم الظهور مع حصوله، والعام بما هو عام لا يصلح مخصصاً.
قوله: (والأصح أنه تحقيق)(2).
هذا هو المختار؛ استصحاباً لما ثبت في القليل من النّجاسة بالملاقاة إلى أن يعلم زوال العلّة، وكون التقدير تقريباً مما لم يقم دليل عليه، فوجب التمسك بالأصل.
قوله : (بعد تعيينه)(3).
ص: 336
لكن يجب أن يُعلم أنّ أقل ما هو معتاد منها هو المقدّر به تحقيقاً كما قيل في الجواب عن الثّاني.
قوله : (من الكرّ المتصل)(1).
أي غير المشتمل على الزّيادة.
قوله: (والمائعة)(2).
في المائعة إشكال؛ لاستلزامها تغير شيء وإن قل من الكر، فيكون الباقي نجساً، فلا يثبت الحكم المذكور.
قوله: (سبب لزوال التنجيس)(3).
بل الحق أنّه مانع، ولذا قلنا بعدم طهارة النّجس إذا بلغ الكرّية، والرّواية فيه ضعيفة(4).
ص: 337
قوله: (فهو نجس)(1).
أي محكوم بنجاسته ما دام الشك باقياً، فلو علم بعد طرق الشك البلوغ تغيّر الحكم، وهل يجب تحصيله مع القدرة ووجوب الاستعمال، أم يكفي البناء على الأمارات الشّرعيّة؟ وجهان:
أحدهما: الاكتفاء، كما في الطّهارة، فإنّ من توضّأ إلى جنب نهر أو كرّ جاز له الوضوء بما يأتيه به غيره، مع احتمال النّجاسة؛ إذ الطهارة والنّجاسة حكمان شرعيان، فيشتركان في الطّريق الموصل إليهما، وفي عدم وجوب تحصيل العلم. وثانيهما: الوجوب؛ نظراً إلى أنّ الواجب المطلق متى توقف على شيء وأمكن حصوله وجب تحصيله بحسب الإمكان، والأمارة الشّرعيّة جاز عدم مطابقة ما دلّت عليه للواقع، ومتى جوّز وجوده وجب تحصيله كفاقد الماء، فإنّه يطلبه، وهذا الوجه هو الحق، وبه جزم والدي (رحمه الله تعالى)(2).
الضّمير يرجع إلى البئر ، فتتوقف معرفة الحدّ على البئر، وأنّه دور.
قوله: (تعبداً)(1).
الحمل على التعبّد - مع بعده(2)- يخالف ظاهر كثير من الأخبار؛ لدلالته على أنّ النّزح للتطهير(3)، والقول باعتبار الكرّيّة في البئر ينافيه تعليل الطهارة في بعضها بالمادة(4)؛ إذ مع اشتراطها يلزم القول بالنّجاسة بدونها مع تحقق المادة فلا تكون علة.
قوله : (وبدلائل أخرى)(5).
أي مؤيدات أُخَر وإنْ لم تكن أدلّةً توجب القطع؛ إذ الظاهر عدم الفرق بين أفراد
ص: 339
النجس مع انتفاء التغيّر، فالقول بالعفو في بعضها مع التنجيس في البعض الآخر، بعيد حدا.
قوله: (وجوانب البئر) إلخ(1).
لا يقال: إنّ ذلك استدلال في مقابل النّصّ، فلا يلتفت إليه؛ لأنّ الغرض منه ترجيح بعض الأخبار على بعض ، ومثل ذلك قولهم: (إنّ المطهر هو الماء المنفصل عن البئر، فالمتساقط وما جرى مجراه كجزء من ماء البئر لم ينزح)(2)؛ إذ الفرق بينه وبين ما عداه مما ماثله بعيد.
قوله: (وليس ارتكاب الحكم) إلخ(3).
وجه عدم الأولويّة أنّ الطّهارة بالتبعية قليل الوقوع جدّاً، والمجاز(4)شائع في كلام أهل الشّرع، فالحمل على النّادر ليس أولى من الحمل على الشائع المتكرّر، بل الأمر بالعكس، فتحمل الطهارة المنفيّة على الطهارة اللّغويّة.
قوله: (بيان الملازمة)إلخ(5).
ص: 340
قد يقال: العبرة بالتسمية، فكما أنّ الجاري لو انتزع منه ما جرى عليه أحكام الواقف، كذا الواقف لو اختلط بالبئر جرى عليه حكمه. وجوابه يظهر مما سبق(1).
قوله: (المضاف [هو](2)ما لا يصدق) إلخ(3).
لما كان الظاهر من نفي المقيّد دخوله على القيد كان المتبادر منه صدق الماء عليه مقيّداً، فلا يشمل غير المائع.
إطلاق الحكم بالطهارة في المضاف منزّل على ما هو الغالب من أفراده، وسلب الطهورية عنه من الحدث مستفاد من قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا(6)مَاءً فَتَيَمَّمُوا(7)﴾(8).
ص: 341
وقول الصادق (عليه السَّلام) : (إنّما هو الماء، أو الصعيد)(1).
ومن الخبث يُعلم من الإجماع على تحتّم الغسل(2) ، وهو حقيقة شرعية في استعمال الماء(3)(4)، ودعوى ودعوى السّيّد المرتضى بصدق الغسل على الإزالة المطلقة به(5)، ممنوعة ، وما وقع(6)في معرض الامتنان دليل على الانحصار فيه بالنظر إلى كل منها(7).
قوله : (على رواية)(8).
هي رواية محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن (عليه السَّلام)(9)، وهي - مع
ص: 342
شذوذها - معارضة بسبق الإجماع وتأخره ، وبما هو أقوى(1)، وبنقل الصدوق أنّ محمّد بن الوليد لا يعتمد على حديث محمّد بن عيسى، عن يونس(2).
الأقوى نجاسته لنجاسة أصليه كالمتولد من كافرين؛ إذ العلة في نجاسته أصلاه، كما دلّ عليه الخبر(1).
والأولى في ولوغه (التّراب مع السبع) أخذاً بالأمرين.
قوله: (تصرّف في النّصّ)(2).
أراد أنّ ذلك قياس على ما عُلم حكمه بالنّصّ(3)لا علّته، فلا يصح.
نظراً إلى أنّ الكثير لا ينجس بدون التغيّر بالنّجاسة، ومع بقائه على الطهارة يمنع القول ببقاء النّجاسة في المضاف لانتفاء التميّز؛ وإلّا لزم أن يكون الشيء الواحد طاهراً نجساً معاً، وأنّه باطل، فتعيّن القول بطهارة المضاف أيضاً.
قوله: (إنّ الشيخ يقول بصحة الوضوء)(1).
نقل الشارح ولد المصنّف أنّ (الشيخ ذهب إلى عدم وجوب التيمم، وإلى جواز الوضوء معه؛ لعدم استلزام الاشتباه في الحسّ اتحاد الحقيقة، والوجوب تابع لاتحاد الحقيقة، وصحة الوضوء لصدق الاسم)(2)، وهذا الكلام لا يخلو عن تنافٍ؛ فإنّ صحة الوضوء بالمتمَّم يستلزم وجوبه للأمر به مع إمكانه.
قوله: (فلا يجوز تقييده إلّا بدليل)(3).
ربّما يقال في الاستدلال على ذلك قوله تعالى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾(4)دلّ على وجوب التيمم عند عدم وجدان الماء، فوجب كون الطهارة بالماء مشروطة بالوجدان؛
ص: 345
حذراً من وجوبهما معاً عند القدرة على التحصيل وعدم الوجدان.
وجوابه: جواز كون التيمم مشروطاً بعدم القدرة، كما اشترط فيه عدم الوجدان.
فإن قيل : ذلك(1)على خلاف الأصل.
قلنا: فتقييد آية الطهارة كذلك(2)، مع أنّ الرّاجح العمل بإطلاقها، فإنّ آية الطهارة
أصرح دلالة؛ لجواز إرادة المتمكّن من الواجد في آية التّيمم، وأحوط وألصق بالمطلوب من ارتفاع المانع.
والأصح ما اختاره المصنّف.
قولي الشّافعي وإحدى الرّوايتين عن مالك، والمشهور عن أبي حنيفة، وقال [أبو](1).
يوسف إنّه نجس، وهو رواية عن أبي حنيفة(2).
أي لعلّ إطلاق المصنّف هو الصواب؛ إذ الظاهر من الخلاف المنقول في الذكرى أن يكون لعلمائنا(5).
قوله : (لا يتصوّر فيه)(6).
أي لا يؤثر فيه الاستعمال، فإنّ الخبئية متى لم تؤثر فيه فالحدثية بطريق الأولى.
قوله: (وإلا لم يطهر المحل)(7).
ص: 347
قد يُمنَع استلزامُ النّجاسة عدمَ طهارة المحلّ كأدوات الاستنجاء، فإنّها تنجس وتُطهِّر المحلَّ، فإنْ نَظَر إلى بقاء رطوبة من الماء المتنجس قلنا إخراج البعض بالعصر وما شابهه جاز كونه مُطهّراً رفعاً للحرج، كما في الباقي على المحل مما يَعسُرُ إخراجه بالاستجمار بالأحجار، مع أنّ ذلك من بقايا العين، أو لأنّ التقليل سبب في الطهارة كالنقص في العصير والنّزح في البئر على القول بالنّجاسة.
قوله: (لا يعقل وجهه)(1).
لاقتضائه انفكاك الأثر عن المؤثر عند تخلّفه عنه ووجوده بدونه، وهو ظاهر البطلان.
قوله: (الزم الثانى)(2).
لما كان المعقول من النجس ما وجب اجتنابه في الجملة كان اللّازم من جواز مباشرته من كل الوجوه الطهارة.
روى إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السَّلام)، قال: دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على عائشة وقد وضعت قمقمتها(1)في الشمس. فقال: (ما هذا يا حميراء؟)قالت: أغسل رأسي وجسدي. قال: (لا تعودي)، فإنّه يورث البرص)(2).
قوله : (المنطبعة)(3)
كالحديد والرصاص.
قوله : (خَصّ الكراهية)(4).
خص بعض الشّافعيّة الكراهية بالبلاد الحارّة كالحجاز، وبعضهم بالأواني المنطبعة، وقال أبو حنيفة وأحمد ومالك بعدم الكراهية بالمشمس مطلقاً(5)؛ لضعف سند الحديث المروي من طرقهم عن عائشة(6)، ولا عبرة بطعنهم مع صحة السند من طريق أهل البيت (عليهم السلام)(7).
ص: 349
قوله : ( ولعلّ الأوّل)(1).
نظراً إلى ظاهر التعليل بخوف البرص.
تخصيصه الحكم بتغسيل الميت يعطي عدم كراهة الطّهارة به، وهو كذلك؛ لما روي من تقرير النّبيّ (عليه السَّلام) عليه وقد فُعِلَ بحضرته(4)، ولاغتسال الصادق (عليه السَّلام) به وهو مريض(5)
قوله : (ورد النّهي)(6).
رُوي عن أبي الحسن(7)الأوّل (عليه السَّلام)، قال: (ولا يغتسل من البئر الذي
ص: 350
يجتمع فيها ماء الحمّام، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت)(1)، وهي معارضة بما رُوي عنه معارضة بما رُوي عنه أيضاً في مجتمع الماء في الحمام من غسالة النّاس تُصيبُ الثّوبَ . قال: (لا بأس)(2)مع اعتضادها بالأصل وإن شاركت الأولى في ضعف الطريق.
والأصح ما اختاره هنا والدي (رحمه الله) وإن كان الاجتناب أحوط(3).
لو قال: (والمتخلّف في الثّوب بعد عصره مع طهارته وطهارة محله لو انفصل نجس) لكان أولى؛ إذ ربّما يفهم مما ذكره أنّ العصر على مختاره له مدخل في طهارته، مع أنّه لم ينجس عنده؛ لكونه وارداً.
قوله : (حكم الطّهارة)(6).
ص: 351
قوله: (كان نجساً)(1).
قد يقال - كما التزم به المصنّف - لنجاسته في المنفصل بعد العصر، فينبغي أن يُلزم بعدم جواز الصلاة فيه قبل الجفاف؛ إذ مع مماسته لما على المصلّي من التّياب ولمكانه تتعدى الرطوبة، وهي بانفصالها تنجس، فإن فرّق كان الفرق تحكّماً.
قوله: (بنجاسته أيضاً)(2).
ما دامت رطوبة الغسل موجودة.
قوله(1):(ولا بالنّبع من تحته)(2).
هذا بناءً منه على اعتبار الكرّيّة في الجاري، فلا يكفي مطلق النبع في طهارته.
قوله: (بمطاعن ضعيفة)(3).
قال المصنف في المختلف: (هذه الرّواية لم يروها مسندة أحد من الأصحاب، بل رواها الشيخ مرسلة، ومثل هذه لا تعويل عليها)(4).
وما قاله حقّ؛ فإنّ الشّيخ مع روايته لها لم يُفتِ بها(5)، والأصح ما اختاره المصنف؛ عملاً باستصحاب ما كان، وتنزيلاً لما ورد من الأخبار(6)في عدم نجاسة الكثير على المجتمع من الطاهر(7)؛ لما عُهد في الشرع من اشتداد حال الوصف باجتماع الأمثال لا التخفيف،
ص: 353
ففی النّجس يقوى المنع؛ إذ القليل من الدّم يُعفى عنه في الصلاة دون كثيره، ومنزوحه في البئر أقل، كما أنّ منزوح القليل من الخمر كذلك، وكثرة(1)النّجاسة - بحيث تغيّر الماء - تزيل طهارته، وفي الطاهر تقوى الطهارة فتؤثر في الغير كتطهير الماء بالكثير دون القليل ، وأمثال ذلك.
قوله : (إذا تغيّر الكرّ الأوّل)(2).
أو بعضه.
قوله: (من نفسه)(3).
على القول بخبر البلوغ يلزم القول بالطّهارة.
قوله: (معنی [معتمد](4)محصل)(5).
أي ليس له فائدة ظاهرة؛ لأنّ الغرض إنْ كان وصول الماء الكثير بصفة الكثرة إلى أجزاء النّجس ليطهرها فذلك مما لا طريق إلى العلم به، فينبغي أن لا يحكم
ص: 354
بالطهارة معه كذلك. وإن كان الغرض منه صدق الوحدة عرفاً فذلك حاصل مع التماس وانتفائه(1).
قوله: (لأنّه متغيّر)(2).
اعلم أنّ كلّ متنجس لا بُدَّ وأنْ ينتهي إلى نجاسة إلى نجاسة هي سبب عروض ذلك الوصف فيه، وتأثيره في الملاقي له إنّما هو بسببها، وهي كافية في الانفعال عنها، فعند إطلاق المنجس ينصرف إليها، فيخلو المتغيّر بالمتنجّس عن دليل يدلّ على انفعال الكثير وينجسه به، فيستمسك بأصالة الطّهارة.
قوله : (لا عن الطَّاهريّة عند المصنّف)(3).
ذهب المصنّف في التذكرة إلى انحصار طهارة المضاف النجس بصيرورته مطلقاً(4)، واكتفى في هذا الكتاب(5)والمنتهى(6)باتصاله بالكثير ، قال شيخنا الشهيد في الذكرى:
ص: 355
(وهذا القول هو الأشبه؛ إذ لا سبيل إلى نجاسة الكرّ بدون تغيّر بالنّجاسة)(1)، وظاهر كلامه يعطي أنّ ظاهر الخبر دَلّ على بقاء الطهارة وإن سلبه الإطلاق، وهو يستلزم طهارة المضاف؛ إذ مع خروج المطلق عن الاسم ينجس لو بقي المضاف على النّجاسة، فعلى هذا حدوث الطَّهارة فيه على نحو حدوث النّجاسة، فكما أنه ينجس بملاقاة النّجاسة بجزء منه، كذا يطهر باتصال أجزاء منه بالكثير، فجميعه ساوى بعضه طهارةً ونجاسة.
ومما يدلّ على ضعف القول بانحصار الطهارة فيه بصيرورته مطلقاً لزوم تضييع المال الذي يحكم العقل بقبحه، فوجب في الحكمة نصب طريق به يتخلّص منه، ولا طريق سواه إجماعاً، فوجب القول بإفادته الطّهارة.
قوله(2): (فيخرج عن الطهارة)(3).
لو قال: ( فيخرج عنهما ) لكان أوضح.
قوله(4): (وماء البئر بالتزح)(5).
لما كان في صدد بيان التطهير أتى بما يصلح فعلاً للفاعل، وإنّما خص النزح بالذكر مع أنّ إزالة التغيّر قد تكون بطرح أجسام طاهرة فيه تكتنف النّجاسة؛ لأنه الغالب.
ص: 356
قد يستند في البئر إلى الخبر الصحيح الدال على عدم تنجسه بالملاقاة من دون تفصيل(3)، بخلاف الجاري؛ لعدم ورود نص يتمسّك به فيه، وتعليل عدم نجاسة البئر بالمادّة قد لا يكتفى به في عدم اعتبار الكرّيّة في الجاري؛ للخلاف في منصوص العلة،فلعله لا يقول به.
السَّلام) : (ما كان عاقبته الخمر فهو خمر)(1).
قوله: (وقد فرّق) إلخ(2).
القائلون بنجاسة البئر بالملاقاة اختلفوا في منزوح الخمر، والمشهور بينهم عدم الفرق بين قليله وكثيره(3)، وفرّق ابن بابويه فأوجب في القطرة عشرين(4).
قوله: (ولا نصّ فيه على ما ذكره الشيخ أبو علي)(5).
ص: 358
العمل على المشهور إن قلنا بالنجاسة، ولأن القطع بالطهارة على ذلك التقدير(1)يتوقف على نزح الجميع.
نقل في المعتبر(4)عن جماعة مساواتها باقي الدّماء، ورجّحه(5).
لأنّه المفهوم منه مع تحديده بالليل.
قوله : (أو الحمار)(8).
أراد به الأهلي، والمستند رواية عمرو بن سعيد عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: سألته حتى بلغت الحمار والجمل والبغل، قال: (كرّ من ماء)(9).
ص: 359
ولا يقدح ضعف سندها؛ لاشتهار العمل بها في الحمار، حتى نُقل عن ابن سعيد أنّه قال: (لا أعلم راداً لهما في هذا الحكم)(1).
وطُعِنَ فيها بالتّسوية بين الجمل والحمار(2). وأجاب المصنف في المنتهى: بأنّ سقوط التّسوية للمعارض لا يقتضي نفي الحكم عما فقد فيه المعارض(3).
ويمكن أن يقال: ثبوت الزائد في الجمل لا ينفي الكرّ، بل يؤكّده، والخبر خالٍ عن التسوية.
فإن قيل : تفهم من القصر عليه .
قلنا: ممنوع؛ فإنّ ذكر شيء لا ينفي غيره. نعم، يلزم بمعاونة الأصل أو المقام، وذلك لا يوجب ضعف الخبر إلّا مع لزوم تأخير البيان عن محلّ الحاجة، وأنه غير معلوم.
قوله: (وأمّا الدّابّة)(4).
الدّابة في عرف الفقهاء هي الفرس(5).
ص: 360
أي لنجاسة موت الإنسان، وإنّما لم يصرح بها اعتماداً على ما هو الظاهر في ذلك، فإنّ الموت لا ينجس البئر ، بل ما يحدث بسببه. ولا فرق في الإنسان بين الذكر والأنثى.
قوله: (مع احتمال التضاعف)(3).
بل الأصحَ التّضاعف؛ لأنّ نجاسة الكفر والموت ليستا من نوع واحد، واختلاف نوع النّجاسة يوجب التضاعف، كما اختاره فيما بعد(4).
قوله: (هذا مختار الشيخ(5))(6).
مختار الشيخ هو المشهور بين الأصحاب(7)، وليس في الأخبار ما يصلح راداً
ص: 361
لذلك؛ لأنّ ذكر الأقل لا ينفي الأكثر(1)، والعمل على المشهور.
قوله: (إطلاق الأصحاب(2))إلخ (3).
وكذا إطلاق الأخبار(4)، فالفرق اجتهاد في مقابلة النّصّ(5)، فلا يصح التعويل عليه .
قوله: (خلافاً لابن إدريس) إلخ(6).
ادعى ابن إدريس تواتر الأخبار عن الأئمة (عليهم السَّلام) في أنّ بول الإنسان ينزح
ص: 362
له أربعون دلواً، قال: والإنسان يطلق على الذكر والأنثى(1).
قال المصنّف في المختلف: (ولا أدري الأخبار المتواترة التي ادعاها في إيجاب الأربعين لبول الإنسان من نقلها ! فإنّ كتب علمائنا خالية عما ادعى تواتره، ولم يبلغنا خبر في كتاب، ولا مذاكرة تدلّ على دعواه، فهي إذن ساقطة بالكلية)(2).
قوله: (ويمكن تنزيل الرّواية(3))(4).
وجه هذا التنزيل : أنّ دلالة الخاص على معناه أقوى من دلالة العام على ذلك لمعنى، ومع التعارض يقدّم الأقوى دلالةً، ويحتمل التخفيف معه؛ لمشقة الاحتراز منه، إذ الغالب وقوع مثل ذلك فيها.
قوله(5):(و[سبع](6)الموت الطّير)(7).
ص: 363
من الحمامة إلى النعامة يسمّى طيراً.
قوله: (معلوم البطلان)(1).
فيه بحث، فإنّ النّجاسة تعرض بوضع الشارع وإن لم تستند إلى نجاسة تقتضي
ذلك كالعصير إذا غلى، والمسلم إذا ارتد، وذي النفس إذا مات، فلا استبعاد في النّجاسة
بمباشرة الجنب ماء البئر على أنّ النّجاسة الحكميّة قد تحدث في مزيلها النّجاسة الخبثيّة، كما اختاره بعض العامة، وإنّما لم نقل [به](2)لعدم دليل يدلّ عليه، لا لامتناعه. نعم، هو مستبعد، والمصنّف العلّامة في المختلف أوجب النّزحَ لتعود الطهوريّةُ، وحكم بطهارته، وخصّ الحكم بالاغتسال(3)وفي المنتهى عمّم(4)وجوبَ النّزح ، وحَكَمَ بأنّه تعبدي(5).
وعندي فيه نظر(6).
قوله: (يقتضي فساد الغُسل)(7).
ص: 364
يُشكل القول بأنّ النهي عن النزول يقتضي فساد الغسل؛ لأنّ النزول في الماء والدخول خارج عن العبادة، والنهي عن الخارج غير دال على الفساد. نعم، يتم ذلك إن قلنا بنجاسة الماء.
قوله : (فهل تلحق به الحائض) إلخ(1).
إن قلنا بأنّ النّزح في الجنب لتعود طهورية الماء كان اغتسال كلّ منهنّ موجباً لذلك، وإن قلنا إن التزح فيه تعبدي لم يتعد الحكم إليهن؛ وقوفاً على مورد النّصّ.
قوله: (برواية كَرْدَوَيه)(2).
استند القائلون بالثّلاثين إلى ما رواه كَرْدَوَيه، قال: سألت أبا الحسن موسى (علیه السَّلام) عن بئر يدخلها ماء المطر، وفيه البول والعذرَة وأبوال الدّوابّ وأرواتُها وخرؤ الكلاب؟ فقال : (ينزح منها ثلاثون دلواً وإن كانت مُبْخِرَةٌ)(3).
ووجه الاستدلال بها الإتيان ب_(إنْ) الوصليّة في الاكتفاء بالثلاثين؛ لأنّ سوق
ص: 365
الكلام دلّ على الاكتفاء بها بتقدير عروض ما هو أقوى نجاسة لها، ففحواها دلّ على الاكتفاء بذلك القدر في الأضعف من أي نجاسة فرضت سوى ما نص عليه بخصوصه بطريق أولى.
ولا تقدح دلالتها على الاكتفاء بالثلاثين مع التغيّر، مع أن الواجب الجميع معه؛ لوجوب الحمل على تغيّر ليس من النّجاسة جمعاً بين الأخبار، وربّما خفي على كثير من الأصحاب وجه دلالتها، منهم المصنّف العلّامة؛ فإنّه قال في المنتهى: (والاستدلال بها لا يخلو من تعسّف(1))(2).
قوله: (ما لا نص فيه منصوصاً)(3).
فيه بحث؛ لأنّ المراد ب_(ما لا نص فيه) ما لم يوجد فيه دليل على التقدير بصريحه، والرّواية المذكورة(4)دلّت بفحواها، فمدلولها مما لا نص فيه.
قوله: (فیضعف القول بالثلاثين)(5).
لأنّ كَرْدَوَيه لا يعرف حاله.
قوله: (فبعد الموت أولى)(6).
ص: 366
قد يقال: وجوب نزح الجميع إنّما كان لعدم الوقوف على نص فيه، فمع ورود النّصّ في موته كيف يصح التمسك بما تمسك به هناك ! بل المناسب - على ما قرره - عكسه، فإنّ إجزاء قدرٍ معيّن مع موته وزيادة نجاسته يقتضي إجزاءه مع حياته بطريق أولى.
لكن قد ينازع في الأولويّة؛ لعدم العلم ببقاء نجاسة الكفر وإن أمكن التمسك فيه بالاستصحاب.
قوله: (فالأقرب عدم الاكتفاء)(1).
هذا هو الأصح؛ إذ الحكمة تعلّقت بالعدد، ولا نعلم حصولها مع عدمه، كما في تعدّد الغسلات، فإنّ إلقاء ذلك القدر من الماء غير مجز، وإلى هذا القول ذهب المصنف العلّامة في المنتهى ، قال : (وهو اختيار زُفر)(2)، من العامة.
قوله: (لأنّ الأصل) إلخ(3).
يدلّ على هذا الأصل - مضافاً إلى الأصل(4)- قول الصادق (عليه السَّلام) في الفأرة
ص: 367
المتفسخة في إناء استعمله: (لعلها سقطت تلك الساعة)(1).
قوله : (حتى يزول التغيّر)(2).
ظاهر كلامه في الحكم الثّاني يعطي أنّ التّغيّر مانع من استحالة النّجاسة، وليس كذلك ؛ فإنّ المتغيّر لا يخرج عن كونه ماءً، فلا نجاسة متميزة فيه.
قوله(3):(ولو اتصلت ب_[النهر](4)الجاري طهرت)(5).
منع في المعتبر من طهارة البئر باتصالها بالجاري معللاً بأنّ الحكم متعلّق بالنّزح ولم يحصل(6).
ويشكل بدخول مائها في اسمه، والأحكام الشّرعيّة منوطة بالأسماء، فعلى هذا يعتبر في الاتصال تساوي السطوح بحيث يصدق عليها اسم الواحد، وإطلاق المصنف هنا مُنزّل على ذلك، كما دلّ عليه كلامه في المنتهى(7).
ص: 368
ولا يتوهّم تغليب البئر مع الوحدة؛ إذ الجاري أقوى دليلاً، للإجماع على عدم انفعاله بدون التغيّر(1)، بخلاف البئر ؛ لثبوت الخلاف في نجاسته بالملاقاة(2)، ومع الاجتماع يقدّم ما هو أقوى فيتبعه الآخر، وفي حكم الجاري الكثير، فيكفي اتصاله به مع صدق الوحدة.
قوله: (ووجه القرب أنّ المقدار)إلخ(3).
ص: 369
فيه نظر؛ إذ قد يُعلم مع بقاء القليل إجزاء المنزوح في زوال التغيّر لو كان، فالأولى التعليل بأنّ المطهّر هو منزوح خاص، وهو المزيل للتغيّر، ومع زواله لا يتحقق المزيل لامتناع إزالة المعدوم فوجب نزح الجميع.
قوله: (تترتب على الأحكام الأولى)(1).
يحتمل أن يكون الغرض في ما أورده أوّلاً بيان العدد، أو الكيفية، أو الأقسام، أو ما جرى مجرى ذلك مما لا يعد من الأحكام، ويكون ذكر شيء منها هناك استطراداً، ثُمَّ يأتي بفصل يقصد فيه بيان الأحكام سواء الوضعية والاقتضائيّة.
ص: 370
أي يقصده طهارة.
قوله(1): ( فإن تطهر [به](2)لم يرتفع حدثه)(3).
لو قال: (لم تصح طهارته) لكان أولى؛ إذ عدم ارتفاع الحدث لا يستلزم بطلان الصّلاة، كما في المتيمم ودائم الحدث.
قوله : (فلأنَّ النّجس لا يُطهّر غيره)(4).
لأنّ الطّهارة حكم شرعيّ، ولم يرد في الشّرع حصولها بالنجس، ولأنّ الغرض ارتفاع النّجاسة، وباستعمال النجس تتأكّد وتقوى، كما يشهد به العقل.
قوله: (فتقع صلاته فاسدة)(5).
لانتفاء شرطها.
قوله : (فقد قيل بوجوب الإعادة)(6).
هذا قول الشيخ في الاستبصار؛ تعويلاً على مكاتبة مجهولة المروي عنه(7).
ص: 371
ورواية أبي بصير الصحيحة دلّت على وجوب الإعادة عليه من دون تقييد بالوقت(1)، ومثلها رواية ابن أبي يعفور الصّحيحة(2)، وقد عمل بإطلاقهما الأكثر؛ للتضييع(3)بالنسيان(4)، وهو المختار.
وفي رواية الحسن بن محبوب عدم الإعادة(5)، ونسبها الشّيخُ إلى الشذوذ(6).
قوله: (فجمع بينهما)(7).
ص: 372
هذان الخبران صحيحان(1)، وقد وافق كلَّ منهما الأصل في بعض ما دلّ عليه فيرجح ذلك البعض، ويحمل عليه الإطلاق؛ لأنّ الجمع أولى، فخبر الإعادة يعضده الأصل في الوقت؛ إذ عدم الامتثال يوجب البقاء على حكم ما كان، وخبر عدمها تعضده أصالة عدم وجوب ال_ عدم وجوب القضاء؛ لأنه يكون بأمر جديد.
قوله: (في وجوب اجتنابه)(2).
لقول الصادق (عليه السَّلام): (يُهريقها ويتيمم)(3)؛ إذ الأمر بالإراقة يستلزم عدم جواز الاستعمال وإلا لوجب؛ لوجوب تحصيل الطهارة بالماء.
وظنّ قوم من ذلك اشتراط الإراقة في التيمم ليتحقق عدم الماء(4)، وليس في الخبر ما يدلّ عليه، والممنوع منه كالمعدوم.
ولا تجب الإراقة؛ عملاً بالأصل، والأمر الوارد في الخبر منزل على الإباحة؛ لأنّه
ص: 373
مسبوق بالتحريم، وهو النهي عن إتلاف المال فكان كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾(1).
قوله: (وعدم جوازه في الأكل)(2).
لوجوب اجتناب النجس فيها اختياراً، وهو لا يتمّ بدون اجتناب المشتبهين فوجب؛ لوقوعه مقدّمة للواجب.
قوله : (شائبة التكلّف)(3).
للزوم إرجاع الضّمير إلى فردي المشتبه، مع أنّ المذكور هو المعنى الأعمّ.
قوله: (وهو ضعيف)(4).
أي ما قاله ضعيف.
قوله: (لتحصيل الطهارة)(5).
ص: 374
أي لتحصيل العلم، وفيه بحث.
قوله: (ووجهه أنه) إلخ(1).
بقرينة يعلم مما قبله.
قوله: (وسيأتي)(2).
أي وسيأتي حكمه.
لما تكافاً احتمالا الإباحةِ والتحريم رجّحنا جانب التحريم؛ لما فيه من دفع الضّرر الواجب عقلاً، فيثبت النهي عن استعماله المستلزم لبطلان العبادة.
فإن قيل : قد يجب الاستعمال لفقد ما عداهما فيتساويان؛ لاستلزام فعل الواجب دفع الضرر الناشئ من تركه، كما يستلزم الحرام دفع الضرر الناشئ من فعله.
قلنا: وجوب استعماله في الطهارة فرع إباحته في نفسه بشهادة صحة دخول الفاء، فقولنا ( أبيح فوجب) كقولنا (وجد فأوجد).
ص: 375
و مما يدلّ على ما قلناه ورود الشرع بالتيمم مع الاشتباه بالنجس(1)، وتحريم الزوجة - وإن وجب وطؤها - مع الاشتباه بالمحرّمة(2)، ونظائره كثيرة(3).
ولا يخفى أنّ الاشتباه المحرّم إنّما هو مع التعدّد، أما مع الوحدة فيبنى على الأصل.
قوله: (لامتناع كون الحرام مقدّمة)(4).
قد يقال على الوجه الأوّل مثله، فإنّ ترك التطهير بالمباح حرام، فلا يقع مقدّمة الواجب؛ لاشتراط الإباحة فيها.
قوله: (من اختلاف الأصحاب) إلخ(5).
ص: 376
أي من اختلاف ما تمسّك به الأصحاب في خلافهم، وهو غير خارج عن الظاهر(1)، والأصل(2).
فأبو الصّلاح ينظر إلى الأوّل، فحكم بثبوت النّجاسة بكل ظن(3)؛ لأنه مناط الشّرعيّات، ولقوله (عليه السَّلام): (نحن نحكم بالظاهر)(4).
وابن البرّاج ينظر إلى الثّاني، فحكم بعدم ثبوتها بشيء من الظَّنون(5)؛ لأنّ الأصل مقطوع به، والظاهر مظنون، فلا يعارضه، فردَّ شهادة العدلين فيها.
قوله : (لأنّ المثمر للظَّنّ)(6).
ص: 377
أي لأنّ المثمر لظنِّ جَعَلَهُ الشّارع سبباً يجري مجرى اليقين، كما في شهادة الشاهدين.
قوله: (مستنداً إلى سبب)(1).
وهو المعرّف للحكم الشّرعيّ كشهادة الشاهدين وإخبار المالك؛ لأنّ تعريفه في الحقوق والدّماء يقتضي تعريفه في ما هو أخفّ كالنّجاسة بطريق أولى.
أراد بذلك بيان ما قصده من اتباع الظَّنِّ مع الاستناد إلى السبب، فبيَّن أنّ المعتبر هو ظنّ السّامع المستند ابتداءً إلى سَبَبٍ، لا ظنّه المستند إلى شهادة هي مستندة إلى سبب لأنّ الغرض قيام الدليل على وجوب اتباع ما ظنّه ، وفيه ردّ على الشّافعيّ(4).
قوله: (وإلحاقه بالمشتبه)(5).
ص: 378
هذا هو المختار لما ثبت في الشّرع من ارتفاع حكم الأصل بشهادة الشاهدين على خلافه، ورفع ذلك الحكم مع تعارض البينات يفتقر إلى دليل فإن نظر إلى تعارض الأصلين قلنا الطارئ مقدّم اتفاقاً، وحينئذٍ تكافؤ البينتين يوجب تساوي الحكمين، فيمتنع القول بجواز استعماله في ما يشترط فيه الطهارة؛ للزوم الترجيح بلا مرجّح، فساوى المشتبه.
قوله: (لاتفاقها) إلخ(1).
التحقيق لا متفق لهما عليه، فإنَّ كُلّاً من البينتين يعيّن، ولا معيّن مشترك بينهما.
قوله: (فلم يبق إلّا) إلخ(2).
كأنّه لم يعتبر احتمال القرعة؛ لبعده في الأواني والثّياب؛ نظراً إلى ظواهر الأخبار(3).والأصح إلحاقه بالمشتبه.
قوله: (وإن كان مستنداً) إلخ(4).
ص: 379
قد يقال : تحريمه يستند إلى ظنّ انتفاء تذكِيَتِهِ المستلزمة لظنّ نجاسته، ويلزمه ظنُّ نجاسة الماء؛ لما ثبت(1)من أنّ القليل ثبت له ما ثبت لملاقيه من النّجاسة.
فإن قيل: أصالة بقاء الماء على طهارته تمنع من ظنّ طُرُوْء نجاسة الماء؛ لأنّ ذلك الظَّنِّ يستند إلى أصالة عدم التذكية، والعمل به ليس أولى من العمل بالأصل الآخر.
قلنا: الأصلان وإن تعارضا إلّا أنّ الاحتياط استلزم ترجيح جانب النّجاسة، كما دل عليه قول النبي (عليه السَّلام): (ما اجتمع الحرام والحلال إلّا وغلب الحرام)(2)، وقوله (عليه السَّلام) : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)(3).
والأصح ما اختاره المصنّف.
ص: 380
روى الحسن بن رباط عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)، قال: سألته عن البالوعة تكون فوق البئر ؟ قال : (إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع، وإن كانت فوق البئر فسبعة أذرع من كل ناحية، وذلك كثير)(3)، وفي رواية قدامة بن أبي الحمار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)، قال: سألته كم أدنى ما يكون بين بئر الماء والبالوعة؟ فقال: (إن كان سهلاً فسبع أذرع ، وإن كان جبلاً فخمس)(4)، وقد اشتهر العمل بهما معاً بين الأصحاب، فخصصوا مفهوم كلّ منهما بمنطوق الأخرى، فاكتفوا مع صلبيّة الأرض أو علوّ البئر بالخمس، واعتبروا مع انتفائهما السبع(5).
ص: 381
والمراد بالذراع هنا وفي غيره من المواضع الآتية هي الذراع المذكورة في تحديد(1)المسافة(2).
قوله(3):(ومطلقاً عند آخرين)(4).
أي تغيّر أو لم يتغيّر عند آخرين، وذلك بناءً منهم على ما اختاروه من أنّ البئر تنجس بالملاقاة(5)، وأن مطلق الظَّنّ غير كافٍ في الحكم بملاقاة النّجاسة، وفيه إشارة إلى عدم الفرق بين البئر وغيرها في اعتبار العلم أو ما قام مقامه(6)وإن ضعف حال البئر
ص: 382
بالنظر إلى الجاري والكثير وما شابههما .
وعلى ما اختاره أبو الصلاح(1)لو غلب الظَّنِّ بالاتصال للتقارب وما شابهه نجست بطريق أولى.
قوله: (ولا مظنون)(2).
أشار بقوله (ولا مظنون) إلى أنّ مطلق الظَّنّ في حصول الضرر معتبر، وأنّ دفعه واجب عقلاً.
قوله : (استناداً إلى مرسلة ابن أبي عُمَيْر)(3).
روى محمّد بن أبي عُمَير عمَّن رواه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) في عَجين عُجِن وخبز، ثُمَّ عُلِمَ أنّ الماء قد كان فيه ميتة، قال: (لا بأس، أكلت النار ما فيه)(4)، ولا دلالة لها على الطهارة بالخبز ؛ لجواز كون الماء المسؤول عنه كُرّاً، أو الميتة ميتة غير ذي نفس.
فإن قيل : ترك الاستفصال يفيد العموم
ص: 383
قلنا: جاز علم الإمام (عليه السَّلام) بالحال.
فإن قيل : يدفعه تعليق الحكم بنفي البأس على إصابة النّار(1)؛ إذ على ذلك التقدير يضيع.
قلنا: جاز أن ترفع الكراهة، فإنّ سؤر ما لا يؤكل لحمه مكروه، وما مات فيه العقرب والوزغة والحيّة وما شابهها كذلك.
قوله: (الأقرب أنّه لا يباع)(2).
روى ابن أبي عمير النهي عن بيعه(3)، فحمل في المنتهى رواية بيعه ممن يستحلُّ الميتة على الاستنقاذ جمعاً بين الروايتين(4)، وكأنّه ينظر إلى أنّ المتبادر من مستحلّي الميتة غير أهل الكتاب؛ إذ لولا ذلك لكان التخصيص خيراً من المجاز عند التّعارض، وحينئذ فلا يظهر للمنع من بيعه وجه ؛ لجواز إطعامه الدّوابّ، فيكون تعبّداً، ويمكن الحصر في الدفن والبيع على الاستحباب.
ص: 384
قوله : (من ذي النفس السائلة مطلقاً)(1).
أشار بالإطلاق إلى عدم الفرق بين الآدمي وغيره، ولا خلاف بين أهل الإسلام في نجاسة لحم غير الآدمي، وأمّا جلده فقد حُكِي عن الزُّهريّ(2)أنّه قال: (جلد الميتة لا ينجس، وهو أحد وجهي الشّافعيّة، وإنّما الزّهومة التي في الجلد نجسة فَيُؤمر بالدبغ لإزالتها)(3)، وللشّافعيّ في تنجيس الآدمي بالموت قولان، أحدهما: العدم، محتجاً بأنّه يغسل، فلا يكون نجساً؛ لانتفاء الفائدة(4).
ويتوجّه المنع إلى الملازمة وإلى انتفاء الفائدة؛ لاختلاف النجاسات العينية، فلعل اختصاصه من بينها؛ لاختصاصه بالتكريم.
[ا] الأصح الحكم بنجاسته؛ لأنه بعض من نجس، فيستصحب حكمه.
ويظهر من المصنّف في المنتهى الميل إليه فإنّه قال: (الحيوان المتولد من الكلب والخنزير نجس وإن لم يقع عليه اسم أحدهما، على إشكال)(1).
قوله: (بالموت)(2).
عرفاً الملاقي له أو المبقي أثره مجتنباً، فوجب إزالته بما يعد مزيلاً شرعاً، ولا معنى للنّجس سوى ذلك، وبنجاسته قال أكثر أهل العلم منا(1)ومن العامة(2)،وجوز ابن بابويه الصّلاة في ثوب أصابه خمر(3)، وقال داود(4)،هو طاهر (5).
وأما غيره من المسكرات المائعة فلدلالة الأخبار الصّحيحة على مساواتها له، ففي الصحيح عن أبي الحسن الماضي ( عليه السَّلام) : (أنّ الله لم يحرّم الخمر لاسمها، ولكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر)(6).
فإنّه(1)بعد أن نقل عن ابن حمزة وعن صاحب المعتبر النّجاسة، قال: (وتوقف الفاضل في نهايته، ولم نقف لغيرهم على قول بالنّجاسة، ولا نص على نجاسة غير المسكر، وهو منتف هنا)(2)هذا كلامه.
ويمكن أن يقال: إسكار الخمر بمجرّد غليانه و اشتداده، فكان الإسكار عاقبة له، والعصير إذا غلى واشتدّ واستمر ولم يمنع مانع كان كذلك؛ لأنّ وجود العلّة كافٍ في العلم بوجود المعلول، فساواه في العاقبة؛ لأنّ ما كان كذلك عُدّ عاقبة عرفاً، وقد دلّ قول أبي الحسن الماضي (عليه السَّلام) على أنّ (ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر)، فأعطي حكمه في النّجاسة، ويتبعها التحريم.
وربّما يقال : ظاهر كلام القوم يعطي حصوله بمجرّدهما، فعلى هذا لا يقدح خفاء إسكاره؛ إذ حصوله كافٍ في التحريم كالفقاع.
والدليل على نجاسة الكافر قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾(1)، وتقدير (ذو) على خلاف الأصل، وإطلاق الإشراك(2)على أهل الكتاب واقع في القرآن، قال الله تعالى في اليهود والنصارى: ﴿تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ (3)، وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾(4)دلّ على نجاسة جميع أصناف الكفّار، وخالف الجمهور في نجاستهم(5)، وظواهر القرآن والأخبار حجّة عليهم(6).
أنكر منهم ضرورياً من ضروريات الدين.
قوله : (وأمّا المجسّمة)(1).
المجسّمة هم القائلون بأنّ الله تعالى جسم حقيقة، وهؤلاء على قسمين:
منهم : مَن يقول إنّه جسم كالأجسام.
ومنهم: إنّه جسم لا كالأجسام.
ولا شبهة في كفر الفريقين؛ لاستلزام مقالتهم انتفاء الواجب، لما ثبت من أنّ كلّ جسم محدث.
وأراد والدي (رحمه الله) ب_(المجسّمة بالتسمية المجرّدة) القسم الثاني، وأما من أطلق عليه سبحانه اسم الجسم مجازاً فالظاهر أنّه لا يُكفّر وإن فسق؛ إذ لا منع إلّا في إطلاق اللفظ ، وحيث إنّ أسماء الله تعالى توقيفية أثم.
قوله: (لأمر الكاظم (عليه السَّلام)(2).
أشار إلى ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليهما السَّلام)، قال: سألته عن الفأرة الرّطبة قد وقعت في الماء تمشي على التّياب أيصلّى فيها ؟ قال : اغسل ما
ص: 391
رأيت من أثرها، وما لم تره فانضحه بالماء)(1)ولا دلالة فيها على نجاسة الفأرة.
فإِنْ نُظر إلى المسؤول عنه قلنا جاز أن تكون رطوبتها بماء نجس وقعت فيه؛ فإنّه لعُسر التّحرّز عنها جاز العفو، فصح الاستفسار ، ولعلم الإمام (عليه السَّلام) بالحال لم يستفصل .
وإنْ نُظر إلى عموم قوله (عليه السَّلام): (اغسل ما رأيته من أثرها) قلنا إيجاب الغسل لا يدلّ بظاهر اللفظ على النّجاسة، بل بما هو الغالب من أنّ العلة ذلك، ومثل هذا لا يصلح معارضاً لما دلّ بعموم لفظه على الطّهارة؛ لأنّ دلالة المنطوق أولى، فإنّ في رواية الفضل أبي العبّاس الصّحيحة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) حين سأله عن فضل الهرّ وغيرها حتى أنّه قال : فلم أترك شيئاً إلا سألته عنه، فقال: (لا بأس)، حتى انتهيتُ إلى الكلب، فقال: (رجس نجس) الحديث(2).
قوله: (وبنفي البأس)(3).
الرّواية بنفي البأس عن السَّمْن والزيت تقع فيه الفأرة ضعيفة(4).
ص: 392
قوله : (وفي الاستدلال نظر)(1).
منشأ النظر : اشتمال الرّواية المستمسك بها على ما ينافي المطلوب، وهي ما رواه يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: سألته هل يجوز أن يمسّ التّعلبَ والأرنب أو شيئاً من السباع حيّاً أو ميتاً؟ قال: (لا يضره، ولكن يغسل يده)(2)، فإنّ قوله : (لا يضره)، ذلك ينا في التنجيس.
قوله: (تمسكاً بالأصل)(3).
وتغليباً للحرام؛ فإنّه(4)ما اجتمع حلال مع حرام إلّا وغلب الحرام الحلال(5).
ص: 393
قوله(1): (الخمر المستحيل في بواطن حبّات العنب نجس)(2).
ذهب بعض الشّافعيّة إلى أنّ المستحيل خمراً في بواطن الحبّات لا ينجس؛ قياساً على ما في بواطن الحيوانات(3).
وحكم الأصل(4)ممنوع، والنجاسة معلّقة على الخمرية، فأين حصلت ثبت الحكم.
خالف بعض الشّافعيّة في الدود المتولد من الميتة فحكم بنجاسته(7)، فكأنه ينظر إلى أنّ نجاسة أصله اقتضت نجاسته كالمتولّد بين الكلبين والخنزيرين، أو الكلب والخنزير على ما هو الأصح.
وقد يُفرّق بين المتولّد من الماء وغيره؛ نظراً إلى صدق اسم الولد الموجب للوحدة بحسب النوع غالباً، وإلى العلم بكونه منه في الماء بخلاف غيره؛ إذ المعلوم تولّده فيه، أما منه فلا.
ص: 394
فنُسب إليه(1)، وسعة ذلك الدّرهم تقرب من أخمص الرّاحة، كما سينقل عن ابن إدريس أنّه شاهدها فكانت كذلك(2).
وإنّما يعفى عنه لصحيح عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق (عليه السَّلام): (يغسله ولا يعيد صلاته، إلا أن يكون مقدار الدّرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد)(3)، ونُقل فيه الإجماع(4)، وقوله (عليه السَّلام): (ولا يعيد صلاته) دلّ على العفو في الصلاة، وإلّا لوجبت الإعادة، فيحمل الغَسْل على الاستحباب.
قوله : (إلى المنقول)(5).
أي إلى ما نقله ابن دريد.
أشار إلى أنّ عمل الأصحاب(1)واشتهار الرّواية(2)- وإن كانت موقوفة - بينهم أوجب القول بوجوب إزالة قليله وكثيره، وهو الموافق للأصل، وفي حكمه دم الاستحاضة والنفاس
أمّا الأوّل فلاشتقاقه منه، فالمعقول من الحيض حاصل فيه، واختلاف الأحكام إنّما نشأ من أمور خارجة، كما في أقسام المستحاضة، مع أنَّ دمها واحد.
وأمّا الثّاني فلأنّه حيض احتبس بالولد، ومثل ذلك لا يوجب تخفيفاً في الاستقذار قطعاً.
أشار بقوله (أيضاً) إلى أنّ الأخبار دلّت على العفو عنها(1)، وبقوله: (مع مشقة الإزالة إلى علّة العفو، كما دلّ عليه كلامه في المنتهى، حيث قال: (دم الجروح السائلة والقروح الدّائمة التي تشقّ إزالتها، ولا يقف جريانها) (2)، ولو قال: (لمشقة الإزالة) لكان أظهر .
قوله : (العمامة)(3).
ألحق ابن بابويه العمامة(4).قال(5)الراوندي منا : تحمل على عمامة صغيرة كالعصابة؛ لأنّها لا يمكن ستر العورة بها)(6).
ص: 399
الأصح عدم القصر على ذلك.
قوله: (والأصح وجوب المرّتين)(1).
هذا هو المختار، وقوفاً على ما هو المعلوم شرعاً من الطهارة مع تعدّد الغسلة، وعلّل المصنّف في المنتهى الاكتفاء بالمرّة: بأنّ (المطلوب إنّما هو إزالة العين والأثر، وغير المرئيّة لا عين لها، فكان الاكتفاء فيها بالمرة ثابتاً)(2).
ويتوجّه عليه المنع من أنّ المطلوب مطلقُ زوالِ الأثر؛ لجواز تعلّق الغرض بزواله بالماء الطّاهر ، فكما يزيل العين يعدّ المحلّ لقبول الطّهارة بالثّانية.
قوله : (لا ريب في وجوب العصر)(3).
نقل صاحب المعتبر أنّ الغسل يتضمّن العصر، ومع عدم العصر يكون صبا(4)، فعلى هذا وجوب العصر إنّما ثبت لوجوب الغسل في التّياب، والحقائق تثبت بالنقل خصوصاً من مثله، مع أن من تتبع كلام الفقهاء عَلِمَ صحة نقله.
ص: 400
قوله : (بعدم التّعدّي(1)النّجاسة)(2).
أراد أنّ التّعدّي لا يحصل بمجرّد احتمال الملاقاة له، بل لا بُدَّ في ذلك من العلم، وهو إنّما يكون بملاقاة الجميع، وهذا هو الحق في ذلك.
قوله: (مطلقاً)(3).
الوجه في ذلك عموم قول الصادق (عليه السَّلام): (فاغسل ما أصاب ثوبك منه(4))(5)، وترك الاستفصال دليل العموم.
ويشكل: بأنّ الأمر بالغسل غير صريح في الدّلالة على النّجاسة؛ لجواز كون العلة شيئاً سوى ذلك، فلا يعارض ما دلّ بصريحه على انتفاء النّجاسة مع اليبوسة(6)، والحمل على الاستحباب أولى؛ إذ التعبّد بعيد.
ص: 401
قوله: (قد سبق)(1).
أراد أنّ حكم هذه المسألة قد علم مما سبق ذكره في أحكام المياه وإن لم يجر لها ذكر ؛ فإنّ المعلوم حكمه مما سبق ذكره كالمذكور ، فصح إطلاق المذكور عليه.
قوله: (فلا بُدَّ من تقييد)(2).
فيه بحث؛ إذ ربّما يقال : إنّ الغالب في إطلاق حصول العلم ما لا سبق معه، ومعه يعبّر عنه غالباً بالذكر.
قوله: (بالاستمرار مع الضّيق)(3).
الأصح وجوب الاستمرار مع الضّيق؛ للخطاب بالفعل في الوقت، ومانعيّة النّجاسة
ص: 402
لم تثبت على وجه كلّيّ بل مع القدرة على الإزالة، وانتفاء القدرة قد يكون لعدم التمكن من الفعل نفسه، وقد يكون لعدم التمكن من الجمع بينه وبين غيره، ومع إطلاق الأمر بالفعل يطرأ الشّكّ في المراد فيؤول إلى الشّكّ في كونه مانعاً فينفيه الأصل.
قوله: (للصبي)(1).
إنّما خصّ الصّبي بالذكر لدلالة ظاهر الخبر عليه؛ إذ هو المتبادر من المولود(2)، ومشقة التّحرّز مع وحدة الثّوب اقتضت عدم التكليف بالإزالة سواء الصبي والصبية والولد المتعدّد، وسواء المربي والمربية.
وإنّما قلنا بوجوب غسل الثّوب في اليوم مرّة للخَبر الدّالّ على وجوبه(3)فيقتصر على المعلوم ، وهو ما شمل الليل اقتصاراً على المتيقن في مخالفة ما هو الظاهر من انتفاء التكليف مع المشقة.
قوله: (إنّما اشترط ذلك)(4).
ص: 403
لأنّ تجنيب الصّلاة عن النّجاسة واجب ولا يحصل إلا باجتنابهما، أما مع فقد غيرهما فيتعارض وجوب التجنيب مع وجوب الستر فيقدّم وجوب الستر لأصالته، ووجوب اجتناب(1)كلّ منهما بالتبع المختلف فيه؛ فإنّ وجوب المقدّمة لا وفاق فيه.
قوله: (احتجاجاً بما سبق).
أي بما تقدّم ذكره في هذا المبحث من الجزم في النية.
وجوابه أيضاً سبق من أن الجزم إنّما هو بحسب الممكن.
هذل مع صلابة الأرض، أمّا مع رخاوتها فالظاهر اعتبار الزيادة؛ إذ ملاقاة الكرّ مع بأجمعه للأرض إنّما يكون في زمان وإن قصر، وحينئذ فبوصول أوّله يغور منه شيء فينقص الباقي عن الكرّ .
قوله : (ينفصل الماء المغسول به)(1).
ذهب أبو حنيفة إلى أنّ الأرض إن كانت رخوة ينزل الماء فيها كفى الصبّ، وإن كانت صلبة لم يجز فيها إلّا حفرها ونقل التراب؛ لأنّ الماء المزال به النّجاسة نجس، فإذا لم ينزل في الأرض كان على وجهها نجساً(2).
قوله: (ولا على حصول الطّهارة)(3).
مع أنّه روي أنّ النّبي صلّى الله عليه [وآله] أمر بأخذ التّراب الذي أصابه البول، فيلقى ويصبّ على مكانه ماء(4).
ص: 406
قوله: (بالانقلاب)(1).
أجمع أهل الإسلام على أنّ الخمر المتخلّل طاهر، وكذا النطفة والعلقة والدّم في البيضة إذا صارت حيواناً.
قوله: (وإن طرح)(2).
أشار به إلى الرّدّ على الشّافعي حيث ذهب إلى بقاء نجاسة الأجسام بعد انقلاب الخمر فلا يطهر(3)، ولما روي من نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن تخليله(4).
ويردّه أنّ نجاسة الأجسام إنما هي مستفادة من النّجاسة الخمرية، فإذا انقلبت طهر، والنهي الوارد محمول على الكراهية لورود الأخبار الصحيحة بطهارته(5).
منشأ النظر: أنّ حدوث الطهارة في جسم بعد أن كان ثابتاً له الضّدّ يفتقر إلى دليل، ولم يثبت أنّ تغيّر الصورة النوعية هو العلة في زوال الحكم وإن ثبت تغيّر الحكم مع تبدلها، كما في صيرورة الخمر خلّاً، والعلقة حيواناً؛ إذ الدّوران لا يفيد العلّيّة قطعاً ولا ظناً كما حقق في موضعه، وأنّ الأحكام الشّرعيّة جارية على المسمّيات بواسطة الأسماء، ولذا صح الوضوء بماء صار مطلقاً بعد أن كان ممنوعاً من الوضوء به حين كان مضافاً. ويدلّ عليه: ترك الاستفصال في جميع ما رتب على المسمّيات بتلك الأسماء من دون : أن يفرّق بين ما كانت في أصل الخلقة كذلك، أو عرض لها ذلك الاسم، وترك الاستفصال في الجميع - مع ظهور أنّ السائل لم يتنبه لهذا الفرق - يعطي التسوية، وإلّا لزم تأخير البيان عن محلّ الحاجة، وأنّه باطل. والأصح الطهارة.
قوله : (لأنّ المخاطب بها كافّة النّاس)(1).
في هذا الاستدلال نظر .
قوله : (لا وجه له)(2).
ص: 408
لما كان المجمع عليه مستغنياً عن بيان وجه له لم يتوقف هناك، وتوقف هنا لانتفاء الإجماع.
قوله : (وهذا لا دخل له في بقاء النّجاسة)(1).
فيه نظر .
قوله: (مستغن عن التعريف)(2).
ما دام الدّليل باقياً لا مطلقاً.
قوله: (فلا تكون طاهرة)(3).
فيه بحث؛ لما مرّ من أنّ الأجسام الواقعة في الخمر المخلّل تطهر بزوال تلك النّجاسة. نعم، قد يفرّق بورود النّصّ هناك.
والأحوط ما اختاره (رحمه الله).
ص: 409
قوله: (إلا أنه لا يعلم)(1).
فيه تذكير لما هو الحق مما سبق.
إلى هنا من إفادات الشّيخ الأجل الأعلم الشّيخ عبد العالي (رحمه الله) ابن الشيخ عليّ (طاب ثراه) نقلتها حين استفادتي القواعد منه (رحمه الله) .
ص: 410
القرآن الكريم
1. إجازات الحديث للعلامة المجلسي: السيد أحمد الحسيني الأشكوري، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي العامة - قمّ ، مطبعة الخيام - قم، ط: الأولى - 1410ه_ . ق .
2. اختيار معرفة الرّجال (رجال الكشي): شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460ه_)، تصحيح وتعليق: المعلم الثالث المير داماد، محمد باقر الحسيني الاستربادي (ت 1014ه_)، تحقيق: السّيّد مهدي الرّجائي، الناشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السَّلام) ، طبع مطبعة بعثت - قم ، 1404ه_.
3. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهر الأسدي، المعروف ب_(العلّامة الحلّيّ) (ت 726ه_)، تحقيق: الشيخ محمد الحسون الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، ط. الأولى، 1410ه_.
4. الاستبصار في ما اختلف من الأخبار: شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460ه_)، تحقيق وتعليق: السّيّد حسن الموسوي الخرسان، نهض بمشروعه: الشّيخ علي الآخوندي، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، بازار سلطاني، 1390 - ه_ . ق .
5. إشارة السبق إلى معرفة الحق: الشيخ أبو الحسن علي بن الحسن الحلبي (ت ق6)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
ص: 411
المدرّسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى شعبان المعظم 1414ه_.
6. إصباح الشّيعة بمصباح الشريعة : الشيخ قطب الدين البيهقي الكيدري (ت ق6)، تحقيق: الشّيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (عليه السّلام)، الطبعة: الأولى - 1416ه_ ، المطبعة: اعتماد - قم.
7. أعيان الشّيعة : السّيّد محسن الأمين (ت 1371ه_)، حققه وأخرجه:السيد حسن الأمين الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت، 1403ه_ - 1983م.
8. أمل الآمل في علماء جبل عامل: الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104ه_)، تحقيق: السّيّد أحمد الحسيني، الناشر: مكتبة الأندلس شارع المتنبي بغداد، طبع : مطبعة الآداب - النجف الأشرف، 1385ه_ . ق .
9. الانتصار: الشّريف المرتضى علم الهدى عليّ بن الحسين الموسوي (ت 436ھ)،تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1415ه_.
10. إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد: فخر المحققين الشيخ أبو طالب محمد ابن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّيّ (ت (771ه_) ، علّق عليه وأشرف على طبعه:
السّيّد حسين الموسوي الكرماني، والشيخ علي پناه الإشتهاردي، والشيخ عبد الرحيم البروجردي، الطبعة الأولى 1387ه_ . ق، المطبعة العلمية - قم.
11 . بدائع الصنائع في ترتيب الشّرائع : الشيخ علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي (ت587ه_)، الناشر : المكتبة الحبيبية كانسي رود حاجي غيبي چوك كوئته باكستان، ط: الأولى، 1409ه_ 1989م.
12 . بهجة الآمال في شرح زبدة المقال : الملا علي بن عبد الله العلياري التبريزي (ت
ص: 412
1327ه_)، عنى بتصحيحها: جعفر الحائري، الناشر: بنیاد فرهنگ اسلامي کوشانپور، طهران - ایران، ط: الثانية: 1412ه- . ق .
13 . البيان: الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي الجزيني العاملي المعروف ب_(الشهيد الأوَّل) (ت786ه_)، تحقيق: الشيخ محمد الحسّون، الناشر: محقق، ط. الأولى 1412ه_ المطبعة صدر - قم.
14 . تبصرة المتعلمين في أحكام الدين: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهر الأسدي، المعروف ب(العلّامة الحلّي) (ت 726ه_)، تقديم: الشيخ حسين الأعلمي، تحقيق: السّيّد أحمد الحسيني - الشيخ هادي اليوسفي، الناشر : فقیه طهران، ط: الأولى - 1368 ه_ ش .
15 . تحرير الأحكام الشّرعيّة على مذهب الإمامية: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر المعروف _ (العلّامة الحلّي) (ت726ه-)، إشراف: الشيخ جعفر السبحاني، تحقيق : الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السَّلام)، ط. الأولى - 1420ه_ ، المطبعة اعتماد - قم.
16 . تذكرة الفقهاء: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر المعروف ب_(العلّامة الحلّيّ) (ت726ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السَّلام) لإحياء التّراث، ط. الأولى - محرم 1414ه_.
17 . التفسير الكبير (المعروف بتفسير الرازي): الشيخ فخر الدين الرازي (ت606ه_)، ط الثالثة.
18 . تكملة أمل الآمل : السّيّد حسن الصدر (ت 1354ه_)، تحقيق: د. حسين علي محفوظ، عدنان الدباغ، عبد الكريم الدباغ، الناشر: دار المؤرّخ العربي، طبع:
ص: 413
بيروت - لبنان، 1429ه_ . ق
19 . التنقيح الرائع لمختصر الشّرائع : الشيخ جمال الدّين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّ المعروف ب_(الفاضل المقداد) (ت 826 ه_) تحقيق السيد: عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري الناشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي، مطبعة الخيام - قم - 1404ه_.
20 . تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله عليه): شیخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460ه_)، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الناشر : دار الكتب الإسلامية - طهران، 1390ه_. ق.
21 . الجامع الصحيح (سنن الترمذي): الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة التّرمذي (ت279ه_)، حققه وصححه : عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط: الثانية، 1403 ه_ - 1983م، بيروت - لبنان.
22 . الجامع الصحيح (صحيح مسلم): الشيخ أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (ت 261ه_)، دار الفكر، بيروت - لبنان.
23 . جامع المقاصد في شرح القواعد : الشيخ علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي المعروف ب_(المحقق الثّاني ) ( ت 940ه_)، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السَّلام) لإحياء التّراث - قمّ المشرّفة، ط. الأولى - ربيع الأول 1408ه_. ق، المطبعة المهدية - قم.
24 . الجامع للشّرائع : الشيخ يحيى بن سعيد الحلّي (ت 690ه_)، تحقيق وتخريج: جمع من الفضلاء، الناشر: مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة، إشراف: الشيخ جعفر السبحاني، المطبعة العلمية - قم، 1405ه_.
ص: 414
25 . جمل العلم والعمل : الشّريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي العلوي، تحقيق: السّيّد أحمد الحسيني، الطبعة الأولى، 1378ه_ . ق ، مطبعة الآداب في النجف الأشرف.
26. الجمل والعقود في العبادات: شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه_)، تصحيح وترجمة وحواشي ومقدّمة: محمد واعظ زادة الخراساني، مطبعة جامعة مشهد 1347ه ش.
27. الحاشية الأولى على الألفية: الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف ب_(الشهيد الثاني) (ت966ه_)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - قسم إحياء التّراث الإسلامي، الناشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، ط . الأولى - 1420ه- . ق .
28 . الخصال: الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمّي المعروف ب_(الشيخ الصدوق) (ت (381ه_)، صححه وعلّق عليه: الشيخ علي أكبر الغفاري، النّاشر : جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة - قم المقدّسة، 18 ذي القعدة الحرام 1403ه_ - 1362ش.
29 . الخلاف: شیخ الطَّائفة الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460ه_)، تحقيق: جماعة من المحققين، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، 1407ه_. ق .
30. الدروس الشّرعيّة في فقه الإماميّة: الشيخ شمس الدين محمد بن مكي الجزيني العاملي المعروف ب_(الشهيد الأوَّل) (ت786ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، ط. الثانية، 1417ه_.
ص: 415
31. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: العلّامة الشيخ آقا بزرگ الطهراني، الناشر: دار الأضواء - بيروت - لبنان، ط : الثالثة، 1403ه_ - 1983م.
32 . ذكرى الشّيعة في أحكام الشريعة : الشيخ شمس الدين محمد بن مكي الجزيني العاملي المعروف ب_(الشهيد الأوّل) (ت786ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السَّلام) لإحياء التراث - قمّ، ط. الأولى - محرّم 1419ه_، المطبعة: ستارة - قم.
33 . رسالة الموجز الحاوي لتحرير الفتاوي المطبوع ضمن الرّسائل العشر لابن فهد: الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلّيّ (ت 841 ه_)، تحقيق: السّيّد مهدي الرّجائي، الناشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة - قمّ المقدّسة، مطبعة سيّد الشهداء (عليه السّلام) ، ط. الأولى - 1409ه_ . ق .
34 . روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف ب(الشهيد الثاني) (ت966ه_)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - قسم إحياء التراث الإسلامي، الناشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، ط. الأولى - 1422ه_. ق.
35. روضات الجنّات في أحوال العلماء والسّادات: السّيّد محمد باقر بن زین العابدين الخوانساري (ت 1313ه_)، تحقيق: أسد الله إسماعيليان، الناشر: مكتبة إسماعيليان - قمّ المطبعة الحيدرية - طهران - إيران، 1390ه_ . ق، ط: الأولى.
36 . الرّوضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية: الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف ب_(الشهيد الثّاني) (ت 965ه_)، تحقيق وتعليق: السّيّد محمّد كلانتر، النّاشر : جامعة النجف الدينية، مطبعة أمير - قم ، ط . الأولى - 1410ه_ . ق (نسخة
ص: 416
أفست).
37 رياض العلماء وحياض الفضلاء: الميرزا عبد الله بن عيسى الأفندي (ت 1130ه_)، تحقيق: السّيّد أحمد الحسيني الأشكوري، الناشر: مؤسسة التاريخ العربي، لبنان - بيروت، 1431ه_. ق، ط: الأولى.
38 . السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: الشيخ محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجليّ الحلّيّ (ت 598ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، ط. الثانية 1410ه_. ق.
39. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي : الشيخ محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس 39.
العجلي الحلّيّ (ت 598ه_)، تحقيق وتقديم : السّيّد محمد مهدي الموسوي الخرسان، إعداد: مكتبة الروضة الحيدرية، نشر: العتبة العلويّة المقدّسة، ط: الأولى،1429ه_ 2008م
40. سنن أبي داود: الشيخ سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275ه_)، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط: الأولى، 1410ه_ - 1990م.
41 . سنن الدارقطني : الشيخ علي بن عمر الدارقطني (ت 385ه_)، علّق عليه وخرّج أحاديثه: مجدي بن منصور بن سيّد الشّورى، الناشر : دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، ط: الأولى 1417 ه_ - 1996م.
42 . سنن الدارمي : الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي(ت 255ه_)، مطبعة الاعتدال، دمشق عام 1349ه_ ، طبع بعناية محمد أحمد دهمان دمشق، باب البريد.
ص: 417
43 . سنن الشيخ محمد بن يزيد القزويني، المعروفة باسم (سنن ابن ماجة) (ت 275ه_)، حقق نصوصه، ورقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه، وعلّق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
44 . السنن الكبرى: الشيخ أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (ت 458ه_)، الناشر : دار الفكر.
45. سنن النسائي: الشيخ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي (ت303ه_)، الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، ط: الأولى 1348ه_ - 1930م.
46. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر ابن الحسن الهذلي المعروف ب_(المحقق الحلّي) (ت676ه_)، تحقيق: عبد الحسين محمد عليّ البقال، الناشر : إسماعيليان، ط. الثانية 1408ه_ ، قم - إيران.
47 . الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: الشيخ إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393ه_)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين - لبنان، ط. الأولى - القاهرة 1376 ه_ - 1956م ، ط: الرّابعة 1407ه_ - 1987م.
48 . صحيح البخاري : الشيخ محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ابن بردزبة البخاري الجعفي (ت 256ه_)، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإسطنبول، 1401ه_ - 1981 م ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. ط: الأولى.
49 . طبقات أعلام الشّيعة : العلّامة الشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت 1389ه_)، الناشر : دار إحياء التّراث العربي، بيروت - لبنان.
50 . عمدة القاري في شرح البخاري: الشيخ محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد، بدر
ص: 418
الدّين العيني (ت 855ه_) ، الناشر : دار إحياء التراث العربي، المطبعة: بيروت - دار إحياء التراث العربي.
51 . غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: الشيخ شمس الدين محمد بن مكيّ الجزيني العاملي المعروف ب_(الشّهيد الأوَّل) (ت786ه_)، تحقيق ونشر: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - قم ، المحقق: الشيخ رضا المختاري، المساعدون: الشّيخ عليّ أكبر زماني نژاد، الشيخ علي المختاري، السّيّد أبو الحسن المطلبي، ط: الأولى 1414ه_، المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي - قم
52 . غاية المرام في شرح شرائع الإسلام: الشيخ مفلح بن الحسن الصيمري (ت حدود 900ه_)، تحقيق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي، الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط: الأولى، 1420ه_.
53 . غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع: السّيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي (ت 585 ه_)، تحقيق: الشّيخ إبراهيم البهادري ، إشراف الشيخ جعفر السبحاني، النّاشر: مؤسسة الإمام الصادق (عليه السَّلام) للتحقيق والتأليف، ط: الأولى، 1417ه_ ق . المطبعة اعتماد - قم
54 . فتح العزيز شرح الوجيز الشيخ عبد الكريم بن محمّد الرّافعي (ت 623ه_) : الناشر: دار الفكر.
55 . فهرس النسخ الخطية في إيران (فنخا): إعداد: مصطفى الدرايتي، ناشر وطبع: مكتبة ملي الجمهورية الإسلامية في إيران، الطبعة: الأولى - 1394ه_ . ش.
56 . فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): الشيخ أبو العباس أحمد بن عليّ ابن أحمد بن العباس النّجاشي الأسدي الكوفي (ت 450ه_)، تحقيق: السيد موسى
ص: 419
الشبيريّ الزّنجاني، الناشر: مؤسسة النّشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ب_(قم المشرّفة)، ط. الخامسة 1416ه_.
57 . الفهرست : شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460ه_)، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، ط: الأولى، شعبان المعظم 1417ه_ ، قم - إيران.
58 . القاموس المحيط : الشيخ مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيرازي الفيروز آبادي (ت 817 ه_) .
59 . قطعة من رسالة الشّرائع : الفقيه الأقدم الشيخ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ (ت 329ه_)، تحقيق: الشيخ كريم مسير والشّيخ شاكر المحمدي، الناشر: مجلة دراسات علمية، المطبعة دار المؤرّخ العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى - 1435ه_ - 2014م.
60 . قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن ابن يوسف بن المطهر المعروف ب_(العلّامة الحلّي) (ت726ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، ط. الأولى - 1413ه_.
61 . الكافي في الفقه: الفقيه الأقدم الشيخ أبو الصّلاح الحلبي (ت 447ه_)، تحقيق: الشيخ رضا أستادي، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السَّلام) العامة - أصفهان.
62 . الكافي : ثقة الإسلام الشّيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرّازي (ت 329ه_)، صححه وعلّق عليه: الشّيخ عليّ أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب
ص: 420
الإسلاميّة، ط الثالثة - 1388ه_ . ق .
63 . كتاب الأم : الشيخ محمد بن إدريس الشافعي (ت 204ه_)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، ط: الثانية 1403 ه_ 1983م.
64 . كشف الالتباس عن موجز أبي العباس : الشيخ مفلح بن الحسن الصيمري (ت حدود 900ه_)، تحقيق ونشر : مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله فرجه)، ط: الأولى 1417ه_ . ق المطبعة: ستارة - قم.
65. كشف الرموز في شرح المختصر النافع: الشيخ زين الدين أبو علي الحسن بن أبي طالب ابن أبي المجد اليوسفي، المعروف ب_(الفاضل والمحقق الآبي) (ت 690ه_)، تحقيق: الشيخ عليّ پناه الإشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، الطبع : 1408ه_.
66 . كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد: السّيّد عميد الدين عبد المطلب بن محمد الأعرج (ت754ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، ط: الأولى 1416ه_. ق.
67 . المبسوط في فقه الإمامية : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت 460ه_)، صححه وعلّق عليه السّيّد محمّد تقي الكشفي، الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفرية، المطبعة الحيدرية - طهران - 1387ه_.
68 . المبسوط : الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الخزرجي الأنصاري (ت 483ه_) الناشر : دار المعرفة بيروت - لبنان. سنة الطّبع : 1406ه_1986م.
69 . مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: المحقق الشيخ أحمد الأردبيلي
ص: 421
(ت993ه_)، صححه ونمّقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه: الشيخ مجتبى العراقي والشيخ علي پناه الاشتهاردي والشيخ حسين اليزدي الأصفهاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة.
70 . المجموع شرح المهذب: الشيخ الدين بن شرف النووي (ت 676ه_)، الناشر: دار الفكر.
71. المختصر النافع في فقه الإمامية: الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي المعروف ب_(المحقق الحلّي) (ت 676ه_)، الناشر : قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، ط الثانية - طهران 1402ه_. ق، ط: الثالثة - طهران 1410ه_.
72. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة : الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهر المعروف ب_(العلّامة الحلّيّ ت 726ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة ، ط. الأولى - 1412ه_. ق.
73. المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة: الشيخ أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي (ت 448ه_)، تحقيق: السّيّد محسن الحسيني الأميني، الناشر: المعاونية الثقافية للمجمع العالميّ لأهل البيت (عليهم السَّلام)، المطبعة: أمير - قم، 1414ه_. ق.
74 . مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف ب_(الشهيد الثاني) (ت 965ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة، ط . الأولى - 1413ه_ . ق ، المطبعة: چاپ و گرافيك بهمن.
75. مسائل الناصريات: الشّريف المرتضى علم الهدى عليّ بن الحسين الموسوي (ت 436 ھ_)، تحقيق: مركز البحوث والدراسات العلميّة، الناشر: رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، مديرية الترجمة والنشر، المطبعة: مؤسسة الهدى، تاريخ
ص: 422
النشر : 1997 م - 1417 ه_ . ق .
76. المستدرك على الصحيحين: الشيخ الحاكم النيسابوري (ت405ه_)، إشراف: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر : دار المعرفة بيروت - لبنان.
77. مسند أحمد ابن حنبل: الشيخ أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241ه_)، وبهامشه منتخب كنز العمال في سنّن الأقوال والأفعال، دار صادر، بیروت - لبنان.
78. المصنف : الشيخ عبد الرّزاق بن همام الصنعاني (ت 211ه_)، عني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: الشّيخ حبيب الرّحمن الأعظمي.
79 . المعتبر في شرح المختصر : الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي المعروف ب_(المحقق الحلّي) (ت 676ه_)، تحقيق: عدّة من الأفاضل، الناشر: مؤسسة سيّد الشهداء (عليه السَّلام)، المطبعة مدرسة الإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، تاريخ الطبع : 1364 ه_ ش .
80 .معرفة السنن والآثار: الشيخ أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458ه_)، تحقيق: سيد کسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية، المطبعة دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
81. المغني على مختصر الخرقي: الشيخ عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة (ت620ه_)، الناشر : دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة: جديدة بالأوفست.
82 . المقاصد العليّة في شرح الرّسالة الألفية: الشيخ زين الدين بن علي العاملي المعروف ب_(الشهيد الثّاني) (ت 965ه_)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - الشيخ محمد الحسون - قسم إحياء التراث الإسلامي، الناشر: مركز
ص: 423
النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، ط . الأولى - 1420ه_. ق.
83. المقنع : الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي المعروف ب_(الشيخ الصدوق ت381ه_)، تحقيق: لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي (عليه السَّلام)، الناشر: مؤسسة الإمام الهادي (عليه السَّلام)، المطبعة: اعتماد - 1415ه_ .
84. المقنعة : الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النّعمان العكبري البغدادي الملقب ب_(الشيخ المفيد) (ت413 ه_)، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، ط: الثانية، 1410ه_. ق.
85. من لا يحضره الفقيه الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمّي المعروف ب-(الشيخ الصدوق) (ت381ه_)، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، النّاشر : جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة في قم المقدسة، ط. الثانية.
86 . منتهى المطلب في تحقيق المذهب: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهّر المعروف ب_(العلّامة الحلّي) (ت 726ه_)، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، إيران - مشهد، ط. الأولى - 1412ه_ . ق، الطبع : مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرّضويّة المقدّسة.
87. المهذب البارع في شرح المختصر النافع: الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن فهد الحلّيّ (ت 841 ه_)، تحقيق : الشيخ مجتبى العراقي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، غرة رجب المرجب 1407ه_.
ص: 424
88. المهذب: الفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي (ت481ه_) إعداد: مؤسسة سيّد الشهداء العلميّة إشراف: الشّيخ جعفر السبحاني، الناشر : مؤسسة النّشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة - 1406ه_ . ق .
89 . نهاية الإحكام في معرفة الأحكام: الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهّر المعروف ب_(العلّامة الحلّيّ) (ت726ه_)، تحقيق : السّيّد مهدي الرجائي، الناشر: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم - إيران، ط. الثانية - 141ه_. ق.
90 . النّهاية في مجرد الفقه والفتاوى: شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه_) ، الناشر: انتشارات قدس محمدي - قمّ .
91. الهداية في الأصول والفروع: الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمّي المعروف ب_(الشيخ الصدوق) (ت 381ه_)، تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام الهادي (عليه السَّلام) ، ط: الأولى، رجب المرجب 1418ه_، المطبعة: اعتماد - قم.
92. الوسيلة إلى نيل الفضيلة: الشيخ عماد الدين أبو جعفر محمد بن عليّ الطوسي، المعروف ب_(ابن حمزة) (ت ق 6)، تحقيق : الشيخ محمد الحسون، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي - قمّ، ط: الأولى، مطبعة الخيام - قم - 1408ه_ . ق .
ص: 425
ص: 426
قسيمة الاشتراك السنوي
أرجو قبول اشتراكي:
سنة سنتين ثلاث سنوات
الاسم: ...
العنوان الكامل: ...
الهاتف: ...
البريد الإلكتروني: ...
التوقيع: ... التأريخ ...
تملأ هذه القسيمة وترسل مع قيمة الاشتراك إلى أحد مراكز التوزيع المذكورة، أو إلى مقر المجلة على العنوان التالي: العراق - النجف الأشرف - المدينة القديمة - شارع السور - جنب مكتبة الإمام الحسن(علیه السّلام)
للاستفسار: 7800093930 (00964)
قيمة الاشتراك السنوي
داخل العراق: (10000) د.ع
الدول الأخرى: (20) دولاراً أو ما يُعادلها
ص: 427
مراكز التوزيع في العراق:
- النجف الأشرف - شارع الرسولﷺ - دار البذرة للطباعة والنشر
هاتف: 07802450230
- بغداد - شارع المتنبي - دار القاموسي.
- بغداد / الكاظمية - شارع عبد المحسن الكاظمي - خلف مستشفى الضرغام / مؤسسة المعرفة للثقافة / معرض البيع المباشر/ 07901770672
- بغداد /الكرادة - تقاطع فندق بابل / مؤسسة المعرفة للثقافة / معرض البيع المباشر / 07834413784
- بغداد (بغداد الجديدة) / مجاور جامع الرسولﷺ/مؤسسة المعرفة للثقافة / معرض البيع المباشر / 07807976000
مراكز التوزيع خارج العراق:
إيران:
- قم المشرّفة - شارع صفائية - مجمع الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشریف)- مكتبة فدك
هاتف:(025)37833624
لبنان:
- بيروت - بئر العبد - دار المؤرخ العربي - هاتف: 544805 (01)
البحرين:
- المنامة - جد حفص / مجمع الهاشمي - مكتبة مداد للثقافة والإعلام هاتف: 36671135(00973)
ص: 428